الجمعة
أحكام وآداب
تأليف
أبي أنس
مَاجد إسلام البنكاني
قال الله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ". سورة الجمعة الآية (9) .
قال شيخ الإسلام: "فجعل السعي إلى الجمعة خيراً من البيع، والسعي واجب، والبيع حرام". مجموع الفتاوى (23/232).
وعن أوس بن أوس > قال: سمعت رسول الله $ يقول: "من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوةٍ عمل سنة أجر صيامها وقيامها". صحيح الترغيب برقم (690).
ijk
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له .
وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه. +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) " (1)
+ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) ". سور ة النساء .
+$pkڑ‰r'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) " (2)
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
__________
(1) سورة آل عمران .
(2) سورة الأحزاب .(1/1)
نظراً لأهمية الصلاة ومكانتها في الإسلام، والتي هي عمود الدين، فقد تناولت في بحثي هذا الحديثَ عن أهمِّية صلاة الجمعة وعظمتها في الإسلام وآدابها، وخطورة تضييعها والتفريط فيها .
وقد قمت بكتابة هذا البحث ليكون عوناً ودافعاً لإخوتي الكرام، وللحفاظ على هذه الشعيرة العظيمة .
كتبته من باب الدال على الخير كفاعله، ومن باب التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله تعالى به .
وهو من باب النصح الذي أمرنا به رسول الله $، حيث قال$ : "إن الدين النصيحة: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" .(1)
ومن باب التعاون على البر والتقوى، حيث قال الله تعالى: + وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى" .(2)
وأشكر كل من قدم لي المساعدة لإخراج هذا الكتاب وتقديمه للمسلمين لكي ينتفعوا به .
و "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"(3)، كما قال رسول الله$ .
فجزاهم الله عنا خير الجزاء وجعل عملهم هذا في ميزان حسناتهم يوم القيامة .
والله أسأل أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل لأحد فيه نصيباً، وأن يجعل له القبول في الأرض، وأن ينفعننا به في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تعريف الجمعة
الجمعة لغة: سُمي يوم جمعة لاجتماع الناس فيه، ويجمعون أي يصلون الجمعة. (4)
واصطلاحاً: هي اجتماع الناس للصلاة.
__________
(1) أخرجه مسلم .
(2) سورة المائدة الآية (2) .
(3) صحيح الترمذي رقم (1592)، السلسلة الصحيحة برقم (417)، المشكاة رقم (3025)، التعليق الرغيب (2/56) .
(4) أنظر النهاية في غريب الحديث (1/811).(1/2)
وسميت بذلك لجمعها الخلق الكثير، أو من اجتماع الناس لها، أو لأن آدم خلقه فيها أو لما جمع فيها من الخير .. وهي من أوكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين. (1)
قال الحافظ ابن كثير: "إنما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجمع فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مرة بالمعابد الكبار، وفيه كمل جميع الخلائق ، فإنه اليوم السادس من الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض، وفيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه، كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحاح .(2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: الجمعة: أي الصلاة التي تجمع الخلق، وذلك أن المسلمين لهم اجتماعات متعددة، اجتماعات حي في الصلوات الخمس في مسجد الحي، واجتماعات بلد في الجمعة والعيدين، واجتماعات أقطار في الحج بمكة، هذه اجتماعات المسلمين صغرى وكبرى ومتوسطة، كل هذا شرعه الله من أجل توطيد أواصر الألفة والمحبة بين المسلمين .اهـ. (3)
فالجمعة تعتبر من أعياد المسلمين لأنه يتكرر من كل أسبوع، ويجتمعون فيه.
قال الشيخ صالح الفوزان: قيل: سميت بذلك لأن الله جمع فيها خيراً كثيراً، فلها فضائل عظيمة تمتاز بها على غيرها من الصلوات، وقيل: سميت بذلك لأن الله جمع فيها خلق آدم عليه السلام.
ثم قال: وقد شرع الله لهذه الأمة اجتماعات عظيمة للعبادة، فشرع لأهل الحارات خمسة اجتماعات في اليوم والليلة في الصلوات الخمس، وشرع لأهل البلد اجتماعاً أسبوعياً هو يوم الجمعة يجتمع فيه أهل البلد كلُّهم في صلاة الجمعة، وشرع اجتماعاً سنوياً لأهل البلد أيضاً هو لصلاة العيد، فهذه ثلاثة اجتماعات:
__________
(1) الإحكام شرح أصول الأحكام عبد الرحمن بن القاسم (1/432،433) . كتاب الصلاة لعبدالله الطيار (230) .
(2) تفسير ابن كثير ( 4/366) .
(3) الشرح الممتع (2/281) .(1/3)
1- اجتماع يومي خمس مرات في الصلوات الخمس .
2- واجتماع أسبوعي وهو الاجتماع لصلاة الجمعة .
3- واجتماع سنوي وهو الاجتماع لصلاة العيدين .
وهناك اجتماع أكبر للأمة من مشارق الأرض ومغاربها سنوياً، وهو الاجتماع في عرفة ومزدلفة ومنى، والاجتماع في المشاعر المقدسة لأداء مناسك الحج لجميع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، فدين الإسلام دين الاجتماع على الخير والعبادة وائتلاف القلوب، وهو يدعو إلى اجتماع الكلمة، وينهى عن التفرق والاختلاف والتشتت، إذ الاجتماع رحمة والفرقة عذاب(1)، فهذا من رحمة الله
سبحانه وتعالى بهذه الأمة. (2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة : (عيدا) في غير موضع، ونهى عن إفراده بالصوم ؛ لما فيه من معنى العيد . (3)
__________
(1) بالمناسبة يروى حديث عن النبي $: "اختلاف أمتي رحمة" فهو حديث لا يصح عن النبي $، رووه بغير سند، قال السيوطي: خرجه نصر المقدسي في الحجة البيهقي في الرسالة الأشعرية بغير سند وأورده الحليمي، والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا، قال السبكي وليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح، ولا ضعيف، ولا موضوع، ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا، وأسنده في المدخل، وكذا الديلمي في مسند الفردوس كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ: "اختلاف أصحابي رحمة"، واختلاف الصحابة في حكم اختلاف الأمة كما مر، لكن هذا الحديث قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف، وقال ولده المحقق أبو زرعة: رواه أيضاً آدم بن أبي إياس في كتاب العلم بلفظ اختلاف أصحابي لأمتي رحمة وهو مرسل ضعيف، وفي طبقات ابن سعد عن القاسم بن محمد نحوه .
وقال الشيخ الألباني في ضعيف الجامع: (موضوع)، انظر حديث رقم (230).
(2) تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام (2/501- 502) .
(3) اقتضاء الصراط المستقيم (1/407).(1/4)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في زاد المعاد: أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع، وقد روى أبو عبدالله ابن ماجة في "سننه".(1)
من حديث أبي لبابة ابن عبد المنذر قال:
قال رسول الله $: "إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى، ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبدُ فيها شيئا إلا أعطاه، ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرّب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا شجر إلا وهنَّ يشفقن من يوم الجمعة".(2)
وتسمى الجمعة بيوم المزيد .
ثبت ذلك في السنة الصحيحة أن في الجنة سوقاً يأتون إليه المؤمنون كل جمعة فيزدادون فيه حسناً جمالاً .
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "إن في الجنة لسوقاً يأتونها كلّ جمعة، فتهب ريحُ الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حُسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حُسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حُسنا وجمالاً، فيقولون،: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حُسناً وجمالاً"(3).
__________
(1) في إقامة الصلاة والسنة فيها (1084) باب (79) في فضل الجمعة، وحسن إسناده الإمام البوصيري في الزوائد، وأخرجه أحمد في مسنده (15548/5) بلفظ: "سيد الأيام يوم الجمعة ..." الحديث.
(2) أخرجه الإمام أحمد والبيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (2279).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2833).(1/5)
ريح الشمال : هي التي تأتي دبر القبلة. قال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال، لأنها ريح المطر عند العرب، كانت تهب من جهة الشام، وبها تأتي سحاب المطر، وكانوا يرجون السحابة الشامية، وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة، أي المحركة لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسل أرض الجنة وغيره من نعيمها"(1).أ.هـ.
وعن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - قال : "إن قائل أهل الجنة ليقول انطلقوا بنا إلى السوق فيأتون جبالا من مسك فيجلسون فيتحدثون" .(2)
قال النووي : "المراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق ومعنى يأتونها كل جمعة أي أسبوع وليس هناك حقيقة أسبوع لفقد الشمس والليل والنهار والسوق يذكر ويؤنث وهو أفصح" .اهـ.(3)
قال ابن قيم الجوزية في حادي الأرواح:
فَيَقُولُ جَلَّ جَلالُهُ قُوُموا إلَى مَا قَدْ ذَخَرْتُ لَكُمْ مِنْ الإِحْسَانِ
يَأتُونَ سُوقاً لا يُبَاعُ وَيُشْتَرَي فِيهِ فَخُذْ مِنْهُ بِلا أثْمَانِ
قَدْ أسْلَفَ التُّجَارُ أثْمانَ المَبِيـ ـعِ بِعَقدِهِمْ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ
للهِ سُوقٌ قَدْ أقَامَتْهُ المَلا ئِكَةُ الكِرَامُ بِكُلِّ مَا إحْسَانِ
فِيهَا الَّذِي وَالله لا عَيْنٌ رَأتْ كَلاَّ وَلاَ سَمِعْت بِهِ أذُنَانِ
كَلاَّ وَلمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ امْرىءٍ فَيَكُونَ عَنْهُ مُعَبِّرَا بِلِسَانِ
فَيَرَى امْرَءاً مِنْ فَوْقِهِ فِي هَيْئَةِ فَيَرُوعُهُ مَا تَنْظُرُ العَيْنَانِ
فَإذَا عَلَيْهِ مِثْلُهَا إذْ لَيْسَ يَلْـ ـحَقُ أهْلَهَا شَيءٌ مِنَ الأحْزَانِ
وَاهَا لِذَا السُّوقِ الَّذِي مَنْ حَلَّهُ نَالَ التَّهَانِيَ كُلَّهَا بِأمَانِ
يُدْعَى بِسُوقِ تَعَارُفٍ مَا فِيهِ مِنْ صَخَبٍ وَلا غِشٍّ وَلا أيْمَانِ
__________
(1) شرح النووي (17/171).
(2) مصنف ابن أبي شيبة رقم (34026) .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم .(1/6)
وَتِجَارَةٌ مِنْ لَيْسَ تُلْهِيهِ تِجَا رَ اتٌ وَلا بَيْعٌ عَنِ الرَّحْمَنِ
أهْلُ المُرُوَّءةِ وَالفُتُوَّةِ وَالتُّقَى وَالذِّكْرِ للرَّحْمَنِ كُلَّ أوَانِ
يَا مَنْ تَعَوَّضَ عَنْهُ بِالسُّوقِ الَّذِي رُكِزَتْ لَدَيْهِ رَايَةُ الشَّيْطَانِ
لَوْ كُنْتَ تَدْرِي قَدْرَ ذَاكَ السُّوقِ لَمْ تَرْكَنْ إلَى سُوقِ الكَسَادِ الفَانِي
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتاني جبريل عليه السلام وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء ، فقلت : ما هذه يا جبريل ، قال : هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولقومك من بعدك تكون أنت الأول وتكون اليهود والنصارى من بعدك ، قال : مالنا فيها ، قال : لكم فيها خير لكم فيها ساعة من دعا ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه إياه وليس له بقسم إلا ودخر له ما هو أعظم منه أو تعوذ فيها من شر هو مكتوب إلا أعاذه من أعظم منه ، قلت : ما هذه النكتة السوداء فيه ، قال : هذه الساعة تقوم يوم الجمعة ، وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد ، قال قلت : لم تدعونه يوم المزيد ، قال : إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا أفيح من المسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة نزل تبارك وتعالى من عليين على كرسيه حتى حف الكرسي بمنابر من نور وجاء النبيون حتى يجلسوا عليها ثم حف المنابر بكراسي من ذهب ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثيب ، فيتجلى لهم تبارك وتعالى حتى ينظروا إلى وجهه ، وهو يقول : أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي هذا محل كرامتي فسلوني ، فيسألوه الرضا ، فيقول الله عز وجل : رضائي أحلكم داري وأنا لكم كرامتي فسلوني ، فيسألوه حتى تنتهي رغبتهم ، فيفتح لهم عند ذلك مالا عين رأت ولا أذن(1/7)
سمعت ولا خطر على قلب بشر إلى مقدار منصرف الناس يوم الجمعة ، ثم يصعد تبارك وتعالى على كرسيه فيصعد معه الشهداء والصديقون ، أحسبه قال : ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم درة بيضاء لا قصم فيها ولا فصم أو ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء منها غرفها وأبوابها مطردة فيها أنهارها متدلية فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا فيه كرامة ، وليزدادوا فيه نظرا إلى وجهه تبارك وتعالى ولذلك دعي يوم المزيد" .(1)
قوله : زبرجدة خضراء : الزبرجد الجوهر المعروف .
قال ابن قيم الجوزية في حادي الأرواح:
أوَ مَا سَمِعْتَ بِشَأنِهِمْ يَوْمَ المَزِيـ ـدِ وَأنَّهُ شَأنٌ عَظِيمُ الشَّانِ
هُوَ يَوْمُ جُمْعَتِنَا وَيَوْمَ زِيَارَةِ الرَّ حْمَنِ وَقْتَ صَلاتِنَا وَأذَانِ
وَالسَّابِقُونَ إلَى الصَّلاةِ هُمُ الألَى فَازُوا بِذَاكَ السَّبْقُ بِالإِحْسَانِ
سَبْقٌ بِسَبْقٍ وَالمُؤخِّرُ هَهُنَا مُتَأخِّرٌ فِي ذَلِكَ المَيْدَانِ
وَالأقْرَبُونَ إلَى الإِمَامِ فَهُمْ أوْلُو الزُّ لْفَى هُنَاكَ فَهَا هُنَا قُرْبَانِ
وكانوا يسمون الجمعة بالعروبة.
__________
(1) مجمع الزوائد (10/421) ، باب في رؤية أهل الجنة لله تبارك وتعالى ورضاه عنهم ، وقال الهيثمي : رواه البزار، والطبراني في الأوسط بنحوه وأبو يعلى باختصار ، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وقد واحد وضعفه غيرهم ، وإسناد البزار ==فيه خلاف ، وقال الطبراني لم يروه عن أبي عمران إلا عبد السلام بن حفص تفرد به خالد ، وفي الأحاديث المختارة برقم (2219) ، وفي مسند الشافعي (1/70) ، ومصنف ابن أبي شيبة (5571) ، والمعجم الأوسط برقم (2084) ، مسند الحارث زوائد الهيثمي برقم (196) ، والسنن الواردة في الفتن برقم (432) ، والترغيب والترهيب برقم (5747) ،(1/8)
قال النووي: يُقَال بِضَمِّ الْمِيم ، وَإِسْكَانهَا وَفَتْحهَا ، حَكَاهُنَّ الْفَرَّاء وَالْوَاحِدِيّ وَغَيْرهمَا ، وَوَجَّهُوا الْفَتْح بِأَنَّهَا تَجْمَع النَّاس وَيَكْثُرُونَ فِيهَا ، كَمَا يُقَال : هُمَزَة وَلُمَزَة لِكَثْرَةِ الْهَمْز وَاللَّمْز وَنَحْو ذَلِكَ سُمِّيَتْ جُمْعَة لِاجْتِمَاعِ النَّاس فِيهَا، وَكَانَ يَوْم الْجُمُعَة فِي الْجَاهِلِيَّة يُسَمَّى الْعَرُوبَة. (1)
وقال ابن حجر: وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَة الْيَوْم بِذَلِكَ - مَعَ الِاتِّفَاق عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّة الْعَرُوبَة - بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَضَمّ الرَّاء وَبِالْمُوَحَّدَةِ - فَقِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ كَمَال الْخَلَائِق جُمِعَ فِيهِ ، ذَكَرَهُ أَبُو حُذَيْفَة النَّجَّارِيّ فِي الْمُبْتَدَأ عَنْ اِبْن عَبَّاسٍ وَإِسْنَاده ضَعِيف . وَقِيلَ : لِأَنَّ خَلْق آدَم جُمِعَ فِيهِ وَرُدَّ ذَلِكَ مِنْ حَدِيث سَلْمَان أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَابْن خُزَيْمَةَ وَغَيْرهمَا فِي أَثْنَاء حَدِيثٍ ، وَلَهُ شَاهِد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ذَكَرَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مَوْقُوفًا بِإِسْنَادٍ قَوِيّ ، وَأَحْمَد مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيف . وَهَذَا أَصَحّ الْأَقْوَال. (2)
أول جمعة جمعها النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال القرطبي: وأما أول جمعة جمعها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فقال أهل السير والتواريخ: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا حتى نزل بقباء، على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول حين اشتد الضحى.
ومن تلك السنة يعد التاريخ.
فأقام بقباء إلى يوم الخميس وأسس مسجدهم.
__________
(1) شرح النووي (3/208).
(2) فتح الباري (3/275).(1/9)
ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا، فجمع بهم وخطب.
وهي أول خطبة خطبها بالمدينة. (1)
وفي صحيح البخاري، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ. (2)
ذكر أول خطبة لرسول الله $ بالمدينة
قال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أنه بلغه عن خطبة النبي $ في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عمرو بن عوف رضي الله عنهم :
الحمد لله أحمده، وأستعينه، واستغفره، وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة على فترة من الرسل وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا.
وأوصيكم بتقوى الله، فانه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرى، وإنه تقوى لمن عمل به على وجل ومخافة، وعون صدق ما تبتغون من أمر الآخرة .
__________
(1) تفسير القرطبي (18/98).
(2) صحيح البخاري برقم (843)، بَاب الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَالْمُدُنِ.(1/10)
ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمر السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان من سوى ذلك +تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ".(1)
والذي صدق قوله وأنجز وعده لا خلف لذلك فانه يقول تعالى: +مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ".(2)
واتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية، فانه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا، ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، وإن تقوى الله توقي مقته، وتوقي عقوبته، وتوقي سخطه .
وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حي عن بينة، ولا قوة إلا بالله. فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فانه من أصلح ما بينه وبين الله يكفه ما بينه وبين الناس، وذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه.
الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (3)
حكمها
__________
(1) سورة آل عمران الآية (30) .
(2) سورة ق الآية (29) .
(3) هكذا أوردها ابن جرير في تاريخه ، وانظر السيرة النبوية لابن كثير، والبداية والنهاية.(1/11)
صلاة الجمعة واجبة على كل مسلم، وتلزم كل ذكر، حر، مكلف، مسلم، مقيم (مستوطن ببناء)، إلا المرأة، والعبد، والمسافر، والصبي. (1)
قال الله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" .(2)
من المتفق عليه أن هذه الآية مدنية، وأن الجمعة فرضت بالمدينة .
قال الحافظ ابن حجر: وَاخْتُلِفَ فِي وَقْت فَرْضِيَّتهَا، فَالْأَكْثَر عَلَى أَنَّهَا فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ فَرْضِيَّتهَا بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة، وَهِيَ مَدَنِيَّة. (3)
__________
(1) قال صاحب كتاب الهداية: ولاَ يُشْتَرَطُ في انْعِقَادِ الجُمُعَةِ والعِيْدَيْنِ إِذْنُ الإِمَامِ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يُشْتَرَطُ. ومَنْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الجُمُعَةِ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أو مَطَرٍ ونَحْوِهِ إِذَا حَضَرَهَا وَجَبَتْ وانْعَقَدَتْ بِهِ، ولاَ تَنْعَقِدُ بالمُسَافِرِ، ولاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً فِيْهَا، ولاَ كَذَلِكَ العَبْدُ والصَّبِيُّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وتَصِحُّ إِمَامَةُ الجُمُعَةِ في القَرَايا والأَبْنِيَةِ المُتَفَرِّقَةِ إِذَا شَمِلَهَا اسمٌ واحِدٌ، وفِيْمَا قَارَبَ البُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ. وتَصِحُّ إِمَامَتُهَا في مَوْضِعَيْنِ مِنَ البَلَدِ مَعَ الحَاجَةِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ ، فَإِنْ وَقَعَتَا مَعاً أو لَمْ يُعْلَمِ الأَوَّلَةَ مِنْهُمَا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ، فَإِنْ كَانَ للثَّانِيَةِ مَزِيَّةٌ - لِكَوْنِهَا جُمُعَةَ الإِمَامِ - فهِيَ الصَّحِيْحَةُ ُ، وَقِيْلَ: السَّابِقَةُ الصَّحِيْحَةُ .
(2) سورة الجمعة الآية (9) .
(3) فتح الباري (3/276) .(1/12)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة فقال تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ".(1) أي اقصدوا واعمدوا واهتموا في سيركم إليها، وليس المراد بالسعي ههنا المشي السريع وإنما هو الاهتمام بها كقوله تعالى: +وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً".(2)ا.هـ .(3)
__________
(1) سورة الجمعة الآية (9) .
(2) سورة الاسراء (19) .
(3) تفسير ابن كثير ( 4/366) .(1/13)
وقال الشيخ السعدي: يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة والمبادرة إليها، من حين ينادى لها والسعي إليها، والمراد بالسعي هنا: المبادرة إليها والاهتمام لها، وجعلها أهم الأشغال، لا العدو الذي قد نهي عنه عند المضي إلى الصلاة، وقوله: { وَذَرُوا الْبَيْعَ } أي: اتركوا البيع، إذا نودي للصلاة، وامضوا إليها. فإن { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ } من اشتغالكم بالبيع، وتفويتكم الصلاة الفريضة، التي هي من آكد الفروض. { إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أن ما عند الله خير وأبقى، وأن من آثر الدنيا على الدين، فقد خسر الخسارة الحقيقية، من حيث ظن أنه يربح، وهذا الأمر بترك البيع مؤقت مدة الصلاة. { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ } لطلب المكاسب والتجارات ولما كان الاشتغال في التجارة، مظنة الغفلة عن ذكر الله، أمر الله بالإكثار من ذكره، فقال: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } أي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح. { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا } أي: خرجوا من المسجد، حرصًا على ذلك اللهو، و [تلك] التجارة، وتركوا الخير، { وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } تخطب الناس، وذلك [في] يوم جمعة، بينما النبي $ يخطب الناس، إذ قدم المدينة، عير تحمل تجارة، فلما سمع الناس بها، وهم في المسجد، انفضوا من المسجد، وتركوا النبي $ يخطب استعجالًا لما لا ينبغي أن يستعجل له، وترك أدب، { قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ } من الأجر والثواب، لمن لازم الخير وصبر نفسه على عبادة الله. { خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ } التي، وإن حصل منها بعض المقاصد، فإن ذلك قليل منغص، مفوت لخير الآخرة، وليس الصبر على طاعة الله مفوتًا للرزق، فإن الله خير الرازقين، فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب.اهـ.(1)
__________
(1) تفسير السعدي .(1/14)
قال ابن حجر: واستدلال البخاري بهذه الآية على فرضية الجمعة سبقه إليه الشافعي في الأم، وكذا حديث أبي هريرة، ثم قال: فالتنزيل، ثم السنة يدلان على إيجابها، قال: وعلم بالإجماع أن يوم الجمعة هو الذي بين الخميس والسبت، وقال الشيخ الموفق الأمر بالسعي يدل على الوجوب إذ لا يجب السعي إلا إلى واجب، واختلف في وقت فرضيتها، فالأكثر على أنها فرضت بالمدينة، وهو مقتضى ما تقدم أن فرضيتها بالآية المذكورة وهي مدنية، وقال الشيخ أبو حامد: فرضت بمكة وهو غريب، وقال الزين بن المنير: وجه الدلالة من الآية الكريمة مشروعية النداء لها إذ الأذان من خواص الفرائض، وكذا النهى عن البيع لأنه لا ينهى عن المباح يعني نهى تحريم إلا إذا أفضى إلى ترك واجب، ويضاف إلى ذلك التوبيخ على قطعها قال وأما وجه الدلالة من الحديث فهو من التعبير بالفرض لأنه للإلزام وإن أطلق على غير الإلزام كالتقدير لكنه متعين له لاشتماله على ذكر الصرف لأهل الكتاب عن اختياره وتعيينه لهذه الأمة سواء كان ذلك وقع لهم بالتنصيص أم بالاجتهاد، وفي سياق القصة إشعار بأن فرضيتها على الأعيان لا على الكفاية وهو من جهة إطلاق الفرضية ومن التعميم في قوله فهدانا الله له والناس لنا فيه تبع.اهـ. (1)
__________
(1) فتح الباري (2/354).(1/15)
وعن حفصة(1) زوجة النبي $، أن النبي $ قال: "رواح الجمعة واجب على كل محتلم "وعن ابن عمر وأبي هريرة، أنهما سمعا رسول الله $ يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام على ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" . (2)
وعن أبي الجعد الضمري أن رسول الله $ قال "من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه". (3)
قوله: "أو ليختمن اللّه على قلوبهم" قال المناوي: أي: يطبع عليها ويغطيها بالرين، كناية عن إعدام اللطف وأسباب الخير، فإن اعتياد ترك الجمعة يغلب الرين على القلب ويزهد النفوس في الطاعات، وذلك يؤديهم إلى الغفلة، كما قال: "ثم ليكونن" بضم النون الأولى "من الغافلين"، قال القاضي: معنى هذا الترديد أن أحد الأمرين كائن لا محالة إما الانتهاء عن تركها، وإما الختم، فإن اعتياد تركها يزهد في الطاعة ويجر إلى الغفلة، قال الطيبي: وثم للتراخي في الرتبة فإن كونهم من جملة الغافلين والمشهود فيه بالغفلة أدعى لشقاوتهم وأنطق لخسرانهم من مطلق كونهم مختوماً عليهم وفيه أن الجمعة فرض عين.اهـ. (4)
__________
(1) هي: أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب فاروق الإسلام، وثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، رضي الله عنها وعن أبيها وعن الصحابة جميعاً وحشرنا معهم، ولعن الله الرافضة حيث نصبوا العداء لهما وسبوهما وطعنوا في الصحابة الكرام، وافتروا عليهما، فنبرأ إلى الله تعالى من هذه الطائفة الضالة المنحرفة، ومن كل طائفة تخالف هذا الدين العظيم سواء كان في الاعتقاد أو الأقوال أو الأفعال، ونسأل الله السلامة من ذلك .
(2) رواه مسلم .
(3) صحيح الجامع برقم (6143) .
(4) فيض القدير .(1/16)
وقال ابن قدامة في كتابه الكافي: ويجب السعي بالنداء الثاني لما ذكرنا إلا لمن منزله في بعد فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون به مدركا للجمعة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويستحب التبكير بالسعي لما روى أبو هريرة أن رسول الله $ قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنه ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أملح ومن راح في الساعة الرابعة كأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة كأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر". متفق عليه، وقال علقمة: خرجت مع عبد الله يوم الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال: رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد ثم قال : سمعت رسول الله $ يقول: "إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة" رواه ابن ماجه ويستحب أن يأتيها ماشيا ليكون أعظم للأجر وعليه سكينة ووقار لقول النبي $: "لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار". متفق عليه ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته. (1)
وقال شيخ الإسلام: - قوله - إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، فدل على أن النداء يوجب السعي إلى الجمعة وحينئذ يتضيق وقته فلا يجوز أن يشتغل عنه ببيع ولا غيره، فإذا سعى إليها قبل النداء فقد سابق إلى الخيرات وسعى قبل تضيق الوقت، فهل يقول عاقل إن عليه أن يرجع إلى بيته ليسعى عند النداء .(2)
__________
(1) الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة(1/328).
(2) مجموع الفتاوى (21/375) .(1/17)
وقال صاحب كتاب الهداية: كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ المَكْتُوبَةِ لَزِمَهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ إِذَا كَانَ مُسْتَوْطِناً يَسْمَعُ النِّدَاءَ وبَيْنَهُ وبَيْنَ الجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيْهِ الجُمُعَةِ فَرْسَخٌ إلاَّ المَرْأَةَ والخُنْثَى والعَبْدَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَلاَ جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهَا وبَيْنَ الظُّهْرِ، والأَفْضَلُ أَنْ لاَ يُصَلُّوا الظُّهْرَ إلاَّ بَعْدَ فَرَاغِ الإِمَامِ مِنْهَا، فَإِنْ تَرَكُوا الفَضِيْلَةَ وصَلُّوا صَحَّتْ ظُهْرُهُمْ(1)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ تَصِحُّ كَمَا لَوْ صَلاَّهَا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الجُمُعَةِ (2) .
وقال: اختلف في وجوب الجمعة عَلَى العبد فقط ، فقد نقل ابن منصور وصالح: أنه لا جمعة عليه لقوله$: ((لا جمعة على عبد)). الْحَدِيْث أخرجه أبو داود (1067)، والدارقطني 2/3، والبيهقي 3/172من حديث طارق بن شهاب عن النبي$ قَالَ: ((الجمعة حق واجب عَلَى كُلّ مسلم في جَمَاعَة إلا أَربعة : عبد مملوك، أو امرأة أو صبي أو مريض)). (3)
__________
(1) كَذَا في الأصل، الفعل بتاء التأنيث، ولعله أنث الفعل عَلَى تقدير محذوف، فيكون أصل الكلام: ((صحت صلاة ظهرهم)) .
(2) وعُلِّلَ ذَلِكَ باحتمال زوال أعذارهم فتجب عليهم، واستبعده الزركشي في شرحه . انظر: المغني (2/198)، وشرح الزركشي (1/473) .
(3) قال الشيخ الألباني: وقد صححه غير واحد من الأئمة. الأجوبة النافعة .(1/18)
وقال: ونقل المروذي، عن الإمام أحمد في عبد سأله : أن مولاه لا يدعه ، هل يذهب من غَيْر علمه؟ فَقَالَ: "إذا نودي فَقَدْ وجبت عليك، وعلى كُلّ مُسْلِم، لقوله تَعَالَى: +إِذَا نُوْدِيَ للصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ".(1) وهذا عام؛ لأنَّهُ ذَكَرٌ مُقيمٌ صَحِيْح فلزمته الجمعة كالحر. انظر الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. (2)
وقال عبدالله الطيار في كتاب الصلاة: وهي واجبة وفرضها ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، يصليها المسلمون ركعتين جماعة، وهي فرض عين، والظهر عوضاً عنها إن فاتت لعذر من القرآن قال الله تعالى+ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" .(3) فأمر بالسعي، ويقتضي الأمر الوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى واجب، ونهى عن البيع لئلا يشتغل به عنها فلو لم تكن واجبة، لما نهى عن البيع من أجلها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فجعل السعي إلى الصلاة سعياً إلى ذكر الله ولما كانت الصلاة متضمنة لذكر الله تعالى الذي هو مطلوب لذاته، والنهي عن الشر الذي هو مطلوب لغيره، قال تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر، أي ذكر الله الذي في الصلاة أكبر من كونها تنهي عن الفحشاء والمنكر، وليس المراد أن ذكر الله خارج الصلاة أفضل من الصلاة وما فيها من ذكر الله، فإن هذا خلاف الإجماع، ولما كان ذكر الله هو مقصود الصلاة، قال أبو الدرداء: ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة، ولو كنت في السوق، ولما كان ذكر الله يعم هذا كله... (4)
__________
(1) سورة الجمعة آية (9).
(2) كتاب الهداية .
(3) سورة الجمعة الآية (9) .
(4) مجموع الفتاوى (32/232-233).(1/19)
ومن السنة: عن أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما زوجة النبي $ ، أن النبي $ قال: "رواح الجمعة واجب على كل محتلم ". (1)
وفي رواية: "على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى كل من راح الجمعة الغسل". (2)
قوله: "على كل محتلم" أي بالغ .
وقوله: "رواح الجمعة" إذا توفرت الشروط المذكورة في الفروع .
وقوله: "وعلى كل من راح الجمعة" أي أراد الرواح إليها (الغسل) لها.
قال القاضي: إنما ذكر هذا اللفظ تأكيداً للسنة وتحريضاً لهم عليه. (3)
وعن ابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهما، أنهما سمعا رسول الله $ يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام على ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين". (4)
قوله ودعهم: أي تركهم، وفيه أن الجمعة فرض عين، ومعنى الختم الطبع والتغطية. (5)
وعن أبي الجعد الضمري، أن رسول الله $ قال: "من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه".(6)
والإجماع: حكى ابن المنذر وابن العربي: الإجماع على أنها فرض عين.
...
وقال: وأجمعوا على أن الجمعة واجبة على الأحرار البالغين المقيمين الذين لا عذر لهم.اهـ. (7)
وقال ابن رشد: وجوب صلاة الجمعة على الأعيان هو الذي عليه الجمهور . (8)
__________
(1) صحيح الجامع رقم (3521) و (4036).
(2) صحيح الجامع رقم (4036).
(3) فيض القدير .
(4) صحيح مسلم رقم (865).
(5) شرح النووي (6/152).
(6) صحيح الجامع رقم (6144).
(7) الإجماع (ص41).
(8) بداية المجتهد (1/379).(1/20)
قال ابن عبدالبر: وأجمع علماء الأمة أن الجمعة فريضة على كل حر، بالغ، ذكر، يدركه زوال الشمس في مصر من الأمصار وهو من أهل المصر غير مسافر، وأجمعوا أنه من تركها وهو قادر على إتيانها ممن تجب عليه أنه غير كافر بفعله ذلك إلا أن يكون جاحدا لها مستكبرا عنها، وأجمعوا أنه بتركها ثلاث مرات من غير عذر فاسق ساقط الشهادة، وقيل ذلك فيمن تركها عامدا مرة واحدة من غير تأويل ولا عذر، فإن قال بعض أهل الجهل إنه روى بن وهب عن مالك أن شهودها سنة فالجواب عن ذلك أن شهودها سنة على أهل القرى الذين اختلف السلف والخلف في إيجاب الجمعة عليهم وأما أهل الأمصار فلا، ونحن نورد ذلك على نصه والرواية في سماع بن وهب عن مالك قال: قال لي مالك كل قرية متصلة البيوت وفيها جماعة من المسلمين، فينبغي لهم أن يجمعوا إذا كان إمامهم يأمرهم أن يجمعوا أو ليؤمروا رجلا فيجمع بهم لأن الجمعة سنة، هذه رواية بن وهب التي شبه بها على من لا علم له ولم يعلم أن من أهل العلم جماعة يقولون إنه لا جمعة إلا في مصر جامع. (1)
وقال ابن قدامة:
س: على من تجب الجمعة؟
ج: ولا تجب الجمعة إلا على من اجتمعت فيه شرائط ثمانية: الإسلام والبلوغ والعقل، لأنها من شرائط التكاليف بالفروع، والذكورية، والحرية، والإستيطان، لما روى طارق بن شهاب قال: إن النبي $ قال: ((الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة، عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض)) ولأن المرأة ليست من أهل الجماعات، وكان النبي $ بعرفة يوم الجمعة ، فلم يصل جمعة 00، ولأن العبد مملوك المنفعة محبوس على سيده، أشبه المحبوس بدين، السابع: انتفاء الأعذار المسقطة للجماعة، الثامن: أن يكون مقيماً بمكان الجمعة أو قريباً منه.(2)
__________
(1) الاستذكار (2/55).
(2) الكافي لابن قدامة (1/312).(1/21)
فلا تصح الجمعة من الكافر ولا المجنون، ولو أدياها لم تنعقد بهما ،لكونهما ليسا من أهل العبادات، وتجب وتنعقد بالبالغ الذكر الحر المستوطن، ولا يؤم من أخل بشرط منها لسقوط الوجوب عنه، وكذا لا تنعقد بمن أخلّ بشرط منها، لأن سقوطها رخصة في حقهم كالصبي والمرأة والعبد والأمة والمسافر، فإن أدوها أجزأتهم .(1)
وقال ابن قيم الجوزية :
صلاةُ الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين، وهي أعظمُ من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة، ومن تركها تهاوناً بها، طبع اللهُ على قلبه، وقربُ أهل الجنة يومَ القيامة، وسبقهم إلى الزيادة يومَ المزيد بحسب قربهم من الإمام يومَ الجمعة وتبكيرهم.اهـ. (2)
وقال الشوكاني في النيل: وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أنها فرض عين.
وقال ابن العربي: الجمعة فرض بإجماع الأمة.
وقال ابن قدامة في المغني: أجمع المسلمون على وجوب الجمعة وقد حكى الخطابي الخلاف في أنها من فروض الأعيان أو من فروض الكفايات وقال: قال أكثر الفقهاء هي من فروض الكفايات وذكر ما يدل على أن ذلك قول للشافعي وقد حكاه المرعشي عن قوله القديم. قال الدارمي: وغلطوا حاكيه. وقال أبو إسحاق المروزي: لا يجوز حكاية هذا عن الشافعي وكذلك حكاه الروياني عن حكاية بعضهم وغلطه. قال العراقي: نعم هو وجه لبعض الأصحاب قال: وأما ما ادعاه الخطابي من أكثر الفقهاء قالوا أن الجمعة فرض على الكفاية ففيه نظر فإن مذاهب الأئمة الأربعة متفقة على أنها فرض عين لكن بشروط يشترطها أهل كل مذهب.
__________
(1) كتاب الصلاة لعبدالله الطيار (230) .
(2) زاد المعاد .(1/22)
ومن جملة الأدلة الدالة على أن الجمعة من فرائض الأعيان، قول الله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ".(1) ومنها حديث طارق بن شهاب الآتي في الباب الذي بعد هذا. ومنها حديث حفصة الآتي أيضا . ومنها ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة: (أنه سمع رسول الله $ يقول نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض الله تعالى عليهم واختلفوا فيه فهدانا الله تعالى له فالناس لنا تبع فيه) الحديث. (2)
وقد استنبط منه البخاري فرضية صلاة الجمعة، وبوب عليه باب فرض الجمعة، وصرح النووي، والحافظ بأنه يدل على الفرضية، قالا: لقوله فرض الله تعالى عليهم فهدانا له، فإن التقدير فرض عليهم وعلينا فضلوا وهدينا، وقد وقع في مسلم في رواية سفيان، عن أبي الزناد بلفظ: (كتب علينا)، وقد أجاب عن هذه الأدلة من لم يقل بأنها فرض عين بأجوبة : أما عن حديث أبي هريرة - >- الذي ذكره المصنف فيما تقدم في الجماعة. وأما عن سائر الأحاديث المشتملة على الوعيد فبصرفها إلى من ترك الجمعة تهاونا حملا للمطلق على المقيد، ولا نزاع في أن التارك لها تهاونا مستحق للوعيد المذكور وإنما النزاع فيمن تركها غير متهاون، وأما عن الآية فبما يقضي به آخرها أعني قوله { ذلكم خير لكم } من عدم فرضية العين.(3)
__________
(1) سورة الجمعة الآية (9) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1975) و (1976).
(3) نيل الأوطار (3/272).(1/23)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: الجمعة حق على كل مكلف واجبة على كل محتلم بالأدلة المصرحة بأن الجمعة حق على مكلف، وبالوعيد الشديد على تاركها، وبهمه صلى الله عليه وسلم بإحراق المتخلفين عنها، وليس بعد الأمر القرآني المتناول لكل فرد في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله). (1) حجة بينة واضحة، وقد أخرج أبو داود من حديث طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض". وقد صححه غير واحد من الأئمة. (2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ولا شَكَّ أنَّ الجمعةَ أوكد بكثير مِن الجماعة لإجماعِ المسلمين على أنَّها فَرْضُ عَين؛ لقوله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ".(3)
أما الجماعةُ فإنَّه سَبَقَ الخِلافُ فيها، وأنَّ القولَ الرَّاجحَ أنَّها فَرْضُ عَين، لكن آكديتها ليست كآكدية صلاة الجُمُعة، ومع ذلك تسقط هاتان الصَّلاتان للعُذر. (4)
ffffff
لا جمعة على المسافر والعبد والمرأة
ولا تجب الجمعة على مسافر سفر قصر (5)، ولا الصبي(6)،
__________
(1) سورة الجمعة الآية (9) .
(2) الأجوبة النافعة .
(3) سورة الجمعة الآية (9) .
(4) الشرح الممتع (2/206-207).
(5) أي الذي يسافر سفر وتكون مسافته قريبة ولا تقصر فيه الصلاة فتكون عليه الجمعة واجبة، لأنه لا يعتبر مسافر .
(6) ثبت عن النبي $ أنه قال: " رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم". صحيح الجامع حديث رقم (3512).
والحديث عن علي، وعمر رضي الله عنهما.(1/24)
ولا عبد(1)،
ولا على امرأة(2)، ومن حضرها منهم أجزأه ولم تنعقد به(3)، ولم يصح أن يؤم فيها، ومن سقطت عنه لعذر وجبت عليه وانعقدت به، ومن صل الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام لم تصح، وتصح ممن لا تجب عليه، والأفضل حتى يصلي الإمام، ولا يجوز لمن تلزمه السفر في يومها بعد الزوال.
فقال رسول الله $: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبدا مملوكا أو امرأة أو صبيا أو مريضاً".(4)
وعن رجل من بني وائل، أن النبي $ قال: "تجب الجمعة على كل مسلم، إلا امرأة، أو صبياً، أو مملوكاً".(5)
قوله: (تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبياً أو مملوكاً) بيّن ذلك أن وجوب الجمعة يختص بالذكور فخرج به المرأة، ومثلها الخنثى فلا تلزمهما والبالغين فخرج بذلك الصبي، الأحرار فخرج العبد، وكذا المبعض، ويشترط مع ذلك الإقامة فلا تلزم المسافر لكن تستحب له وللعبد والصبي. (6)
وورد في ذلك حديث َعن ابْن عُمَرَ رضي الله عَنْهُمَا قال: قالَ رسولُ الله $: "لَيْسَ على مُسافرٍ جُمْعَةٌ ".(7)
__________
(1) قال أبو بكر بن المنذر: وقال أكثر أهل العلم: ليس على العبد جمعة، كذلك قال مالك، وأهل المدينة، والثوري، وأهل الكوفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وروينا ذلك عن عطاء، والشعبي، وعمر بن عبدالعزيز، والحسن البصري. الإشراف على مذاهب العلماء (2/84).
(2) قال أبو بكر بن المنذر: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لاجمعة على النساء.الإشراف على مذاهب العلماء (2/83).
(3) قال أبو بكر بن المنذر: وأجمعوا على أنهن إن حضرن الإمام فصلين معه إن ذلك يجزئ عنهن. الإشراف على مذاهب العلماء (2/83).
(4) صحيح الجامع برقم (3111).
(5) صحيح الجامع برقم (2915).
(6) فض القدير .
(7) صحيح الجامع برقم (5405).(1/25)
وقال ابن عثيمين رحمه الله: فالمسافر لا جمعة عليه، ودليل ذلك: أن النبي $ في أسفاره لم يكن يصلي الجمعة، مع أن معه الجمع الغفير، وإنما يصلي ظهراً مقصورة. (1)
وعن تميم الداري >، عن النبي $ أنه قال: "الجمعة واجبة، إلا على: امرأة، أو صبي، أو مريض، أو عبد، (أو مسافر)". (2)
__________
(1) الشرح الممتع (2/286).
(2) صحيح الجامع حديث رقم (3113)، وما بين قوسين ضعيف عند الألباني. وقال في الإرواء: أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (193)، والطبراني في "الكبير" (1/124/ 2)، والبيهقي (3 /183-184) وابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (10/32/2) عن محمد بن طلحة عن الحكم بن عمرو عن ضرار بن عمرو عن أبي عبد الله الشامي عنه. وقال العقيلي في ترجمة ضرار هذا بعد أن روى عن البخاري أنه قال: فيه نظر: (لا يتابع عليه، وفيه رواية أخرى نحوا من هذا في اللين وأبو عبد الله الشامي ضعفه الأزدي. والحكم بن عمرو قال يحيى: ليس بشئ لا يكتب حديثه. وقال النسائي ضعيف. قلت: فالإسناد واه جدا، وقال أبو زرعة؟ "هذا حديث منكر" كما في "العلل" لابن أبى حاتم (1/212)، عن مولى لآل الزبير قال: قال رسول الله: "الجمعة واجبة على كل حالم إلا أربعة: الصبي والعبد والمرأة والمريض". أخرجه ابن أبي شيبة ==
== (1/207/1- 2) نا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن حسن عن أبيه عن أبي حازم عنه . ورواه البيهقي(3/184) من طريق أخرى عن حسن يعني ابن صالح قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات غير المولى فلم اعرفه، فإن كان من الصحابة فلا تضر جهالته، وهو الأرجح لأن راويه عنه أبو حازم هو سلمان الأشجعي الكوفي تابعي ، وإن كان غير صحابي فالسند ضعيف لجهالته. عن جابر بن عبد الله مرفوعا: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة، يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر [ أو امرأة أو صبي ] أو مملوك، ومن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه، والله غني حميد" . أخرجه الدارقطني (163-164) وابن عسيى في "الكامل" (ق 340/1) وعنه البيهقي وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2/ 295 - 296) وابن الجوزي في " التحقيق، (1/158/ 1) عن ابن لهيعة ثنا معاذ بن محمد الأنصاري عن أبى الزبير عنه . وقال ابن عدي ومعاذ لا أعرفه إلا من هذا الحديث". قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات" كما في "الميزان" ولم أره في المجلد الخاص بأتباع التابعين من "الثقات" نسخة ظاهرية دمشق. فالله أعلم .اهـ. إرواء الغليل (3/55-56).(1/26)
وروي مالك بن أنس، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة >، قال: قال رسول الله $: "خمسة لا جمعة عليهم: المرأة، والمسافر، والعبد، والصبي، وأهل البادية".(1)
قال ابن عبدالبر: وأما قوله: ليس على مسافر جمعة، فإجماع لا خلاف فيه،
وقد روي ذلك عن النبي عليه السلام من أخبار الآحاد. (2)
وثبت "أنه $ سافر هو وأصحابه في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم
الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير".(3)
وقال صاحب منار السبيل: ولا تجب على من يباح له القصر "لأنه $ سافر هو وأصحابه في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير". وقال إبراهيم: كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك وبسجستان السنتين لا يجمعون ولا يشرقون. رواه سعيد. (4)
وقال أبو بكر بن المنذر: قال كثير من أهل العلم: لا جمعة على المسافر، كذلك قال ابن عمر، وعمر بن عبدالعزيز، وطاوس، وعطاء، وهو قول مالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق.
وروينا عن علي بن أبي طالب أنه قال: ليس على المسافر جمعة.
وصلاة رسول الله $ الظهر بعرفة، وكان يوم جمعة، دليل على أن لا جمعة على المسافر. (5)
وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع: قوله: "يعذر بترك جمعة وجماعة مريض" هذا نوعٌ مِن الأعذارِ.
__________
(1) رواه الطبراني في الأوسط برقم (202), وقال: لم يرو هذا الحديث عن مالك إلا إبراهيم بن حماد بن أبي حازم. وقال الألباني: ضعيف جداً، ضعيف الجامع رقم (2861)، والسلسلة الضعبفة برقم (3555).
(2) الاستذكار (2/36).
(3) قال الألباني: صحيح. وإن كنت لم أره مرويا بهذا اللفظ، ولكن الاستقراء يدل عليه، وقد ثبت في حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي $ عند مسلم وغيره: "حتى أتى عرفة فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر". وقد كان ذلك يوم جمعة كما في الصحيحين وغيرهما. إرواء الغليل (3/56).
(4) منار السبيل (1/101).
(5) الإشراف على مذاهب العلماء (2/84-85).(1/27)
والمراد به: المَرض الذي يَلحق المريضَ منه مشقَّة لو ذَهَبَ يصلِّي وهذا هو النَّوعُ الأول.
ودليله:1 _قول الله تعالى: +فاتقوا الله ما استطعتم".(1)
2 _وقوله: +لا يكلف الله نفساً إلا وسعها".(2)
3 _وقوله تعالى: +لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ".(3)
4 _وقول النبي $: "إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم".
5 _وأنَّ النبي $: "لما مَرِضَ تخلَّف عن الجماعةِ" مع أن بيته كان إلى جَنْبِ المسجد.
6 _وقولُ ابن مسعود: "لقد رَأيتُنا وما يتخلَّفُ عن الصَّلاةِ إلا منافقٌ قد عُلِمَ نفاقُهُ أو مريضٌ..." فكلُّ هذه الأدلَّةِ تدلُّ على أنَّ المريضَ يسقطُ عنه وجوبُ الجُمعةِ والجَماعةِ. (4)
وكذلك أيضاً من أنواع المرض المسقط، والمريض لا يلحقه مشقة بحضور الجماعة معه ما يعرف عند العامة بالرائحة، فمثلاً: إذا كان به جرح وبعض الجروح إذا شم المجروح رائحة شديدة فإنه يزداد ألمه ويحصل فيه التهاب قوي، ويسميه العامة (الشمم)، فإذا كان المريض يخشى من ذلك وليس لديه ما يقاومه به فإنه يكون معذوراً، والعلة في ذلك الضرر أو المشقة.اهـ. (5)
وقال رحمه الله في موضع آخر: والمراد بالعبد المملوك، ولو كان أحمر، أو قبلياً، فالعبد لا تلزمه الجمعة وذلك لما يلي:
1- قول النبي $: "الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض.
2- ولأنه مشغول في خدمة سيده. (6)
__________
(1) سورة التغابن الآية (16) .
(2) سورة البقرة الآية (286) .
(3) سورة الفتح الآية (17) .
(4) الشرح الممتع (2/206-207).
(5) الشرح الممتع (2/206-207).
(6) الشرح الممتع (2/282).(1/28)
وفي فتوى اللجنة الدائمة حول وجوب الجمعة على المرأة، والمسافر، وأهل البادية، فأجابت: الجمعة شرعت في حق الرجال، ولا نعلم دليلاً يدل على مشروعيتها للنساء في بيوتهن، نعم لو صلت المرأة مع الإمام صلاة الجمعة فإنها تجزئها، ولا تنعقد بها، قال ابن قدامة: (أما المرأة فلا خلاف في أنها لا جمعة عليها)، قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم: أن لا جمعة على النساء) انتهى. ولأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال، ولذلك لا تجب عليها جماعة.
ثالثا:أما القول بوجوب الجمعة على البادية، فلا أصل له في الشرع المطهر، وكانت البوادي في عهد النبي $ حول مكة والمدينة وغير ذلك من الجزيرة، ولم يثبت عنه $ أنه أمرهم بصلاة الجمعة، وإنما كانوا يصلون ظهراً، ولأن طبيعة البادية التنقل والتفرق في الأرض بطلب الرعي والماء، ومن رحمة الله سبحانه أن أسقط عنهم فرض الجمعة، ولأن لهم شبه بالمسافرين، والمسافر لا جمعة عليه، وقد سافر النبي $ أسفاراً كثيرة لا تحصى، ولم يعلم عنه $ أنه أقام الجمعة في شيء من أسفاره، وثبت عنه $ أنه في حجة الوداع صلى يوم الجمعة ظهراً، ولم يصل جمعة، وكان ذلك في يوم عرفة بمشهد الجم الغفير من المسلمين؛ فعلم بذلك عدم شرعية الجمعة للمسافرين وأمثالهم من البادية .
ffffff
الترهيب من ترك الجمعة
ورد النهي عن التخلف عن صلاة الجمعة، بل هَم النبي $ على تحريق بيت كل من تخلف عن الصلاة، سواء كانت جمعة، أو جماعة.
فعن ابن مسعود> أن النبي$ قال: "لقوم يتخلفون عن الجمعة، لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".(1)
قال ابن عبدالبر: وقد استدل من أجاز عقوبة العاصي في المال بهذا الحديث. (2)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب "المساجد" برقم (952).
(2) الاستذكار (2/140).(1/29)
وقال السيوطي: وقال بعض المحققين إن هذا الحديث ونحوه باق فيما احتاج إنكار المنكر إلى رادع شديد لانهماك الناس في الفساد وعدم رجوعهم بما دون ذلك، وقد حرق عمر بن الخطاب قصر سعيد وحانوت الخمار وغير ذلك، واستمر عليه ولاة الأمور من بعده. (1)
وعن أبي هريرة، وابن عمر رضي الله عنهم، أنهما سمعا رسول الله $ يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام عن وَدْعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين".(2)
قوله وَدْعِهم الجمعات: هو بفتح الواو وسكون الدال، أي: تركهم الجمعات.
قوله: "أو ليختمن الله تعالى" الختم الطبع والتغطية.
وعن أبي الجعد الضمري، أن رسول الله$ قال: "من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه".(3)
وفي رواية: "من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر فهو منافق". (4)
طبع الله على قلبه أي: ختم عليه وغشاه ومنعه الألطاف.
قال العراقي: والمراد بالطبع على قلبه أنه يصير قلبه قلب منافق كما تقدم في حديث ابن أبي أوفى، وقد قال تعالى في حق المنافقين: +فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ".(5)
__________
(1) شرح السيوطي على صحيح مسلم (2/294).
(2) رواه مسلم في "الجمعة" برقم (865).
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (3/424) وأبو داود في كتاب "الصلاة" (1052) والنسائي في كتاب "الجمعة" (3/88) وابن ماجة (1125) في "إقامة الصلاة" والترمذي في "أبواب الصلاة" (500)، والحاكم "المستدرك" (1/280) وابن حبان (258) و (2775 مع الإحسان) وابن خزيمة الصحيح (3/175 و 176)، والبغوي في "شرح السنة" (4/213) والدولابي في "الكنى والأسماء" (1/21-22) وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (727). والمشكاة (1371)، والتعليق على ابن خزيمة (1857) و (1858)، وصحيح أبي داود (965).
(4) صحيح الترغيب (1/178).
(5) سورة المنافقون آية (3).(1/30)
قوله: (تهاونا) فيه أن الطبع المذكور إنما يكون على قلب من ترك ذلك تهاونا فينبغي حمل الأحاديث المطلقة على هذا الحديث المقيد بالتهاون وكذلك تحمل الأحاديث المطلقة على المقيدة بعدم العذر. (1)
وقال ابن عبدالبر: والختم على القلوب مثل الطبع عليها، وهذا وعيد شديد، لأن من طبع على قلبه وختم عليه لم يعرف معروفا ولم ينكر منكرا، وقد قال عبد الله بن مسعود، والحسن البصري: إن الصلاة التي أراد النبي عليه السلام أن يحرق على من تخلف عنها هي الجمعة. (2)
وعن حفصة رضي الله عنها، عن النبي$ قال: "رواح الجمعة
واجب على كل محتلم".(3)
وعنه >: أنه قال: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر".(4)
وعن محمد بن عبد الرحمن بن زُرارة، قال: سمعت عميّ - ولم أر رجلاً منّا به شبيهاً- قال: قال رسول الله $: "من سمع النداء يوم الجمعة فلم يأتها، ثم سمعه فلم يأتها، ثم سمعه فلم يأتها، طبع الله على قلبه، وجعل قلبه قلب منافق".(5)
وعن أسامة > قال: قال رسول الله $: "من ترك ثلاث جمعاتٍ من غير عذر، كُتب من المنافقين".(6)
وفي رواية عن أبي قتادة، وعن جابر رضي الله عنهما: "من ترك الجمعة ثلاث مرات متواليات: من غير ضرورة طبع الله على قلبه".(7)
__________
(1) نيل الأوطار (3/272).
(2) الاستذكار (2/55).
(3) أخرجه النسائي في "المجتبي" كتاب "الجمعة" (3/89)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1721)، وأبو داود في كتاب "الطهارة" (342)، وحسنه الترمذي.
(4) رواه ابن ماجة وابن حبان، "صحيح الجامع" حديث رقم (6300).
(5) رواه البيهقي، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (735).
(6) رواه الطبراني في "الكبير" من رواية جابر الجعفي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (729).
(7) قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر صحيح الجامع حديث رقم(6140).(1/31)
وعن أبي هريرة > قال: قال رسول الله $: "ألا هل عسى أحدُكم أن يتخذ الصُّبَّة من الغنم على رأس ميل أو ميلين، فيتعذرَ عليه الكلأُ، فيرتفع، ثم تجيءُ الجمعة فلا يجيء ولا يشهدها، وتجيءُ الجمعة فلا يشهدها وتجيء الجمعة فلا يشهدها، حتى يُطبَعُ على قلبه".(1)
الصُّبَّة: بضم الضاء المهملة، وتشديد الباء الموحدة: هي السِّربة، إما من الخيل أو الإبل أو الغنم، ما بين العشرين إلى الثلاثين، تضاف إلى ما كانت منه، وقيل: هي ما بين العشرة إلى الأربعين.
(الكلأ) بفتح الكاف واللام في آخره همزة غير ممدودة: هو العشب الرطب واليابس.
وعن ابن عباس > قال: قال رسول الله $: "من ترك الجمعة ثلاثا جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره"(2).
ffffff
حكم السفر في يوم الجمعة
من المعلوم أنه لا يجوز إنشاء السفر في يوم الجمعة، وخصوصاً عند دخول وقت صلاة الجمعة، وبذلك أفتى علماءنا الأفاضل.
قال أبو بكر بن المنذر: روينا عن ابن عمر، وعائشة، وابن المسيب، ومجاهد يكرهون الخروج يوم الجمعة قبل الصلاة.
وكان الشافعي يستحب أن لا يخرج يوم الجمعة بعد الفجر، وقال: إذا زالت الشمس فلا يسافر أحدٌ حتى يصلي الجمعة.
وقال أحمد ، وإسحاق: لا يعجبنا ذلك.
وقال الحسن البصري، وابن سيرين، ومالك، وغيرهم: لا بأس به ما لم يحضر الوقت. (3)
وقال ابن قدامة في كتابه الكافي:
__________
(1) رواه ابن ماجة، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الألباني: "حسن لغيره"، صحيح الترغيب برقم (731)، وصحيح الجامع برقم (3656).
(2) صححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (733)، وقال: رواه أبو يعلى موقوفا بإسناد صحيح.
(3) الإشراف على مذاهب العلماء (2/86).(1/32)
ولا يجوز لمن تجب عليه الجمعة السفر بعد دخول وقتها لأنه يتركها بعد وجوبها عليه فلم يجز كما لو تركها لتجارة إلا أن يخاف فوت الرفقة، فأما قبل الوقت فيجوز للجهاد لما روى ابن عباس قال: بعث رسول الله $ عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال: أتخلف فأصلي مع النبي $ ثم ألحقهم قال: فلما صلى رسول الله $ رآه فقال: "ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ فقال: أردت أن أصلي معك ثم ألحق بهم فقال رسول الله $: لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم". (1) من المسند وهل يجوز لغير الجهاد؟ فيه روايتان :
إحداهما: يجوز لأن عمر > قال: الجمعة لا تحبس عن سفر ولأنها لم تجب فأشبه السفر من الليل.
والثانية: لا يجوز لما روى الدارقطني في الإفراد عن ابن عمر أن رسول الله $ قال: "من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ألا يصحب في سفره" . (2)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر خصائص الجمعة، فقال:
السادسة عشرة: أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها، وأما قبله، فللعلماء ثلاثة أقوال، وهي روايات منصوصات عن أحمد، أحدها: لا يجوز، والثاني: يجوز، والثالث: يجوز للجهاد خاصة. (3)
وأما مذهب الشافعي رحمه الله، فيحرم عنده إنشاء السفر يوم الجمعة بعد الزوال، ولهم في سفر الطاعة وجهان، أحدهما: تحريمه، وهو اختيار النووي، والثاني: جوازه وهو اختيار الرافعي.
وأما السفر قبل الزوال، فللشافعي فيه قولان: القديم جوازه، والجديد أنه كالسفر بعد الزوال.
__________
(1) سيأتي بعد قليل.
(2) الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة(1/328).
(3) وهذا هو الصحيح إنه لا يجوز إنشاء السفر في يوم الجمعة لمن تلزمه الجمعة.(1/33)
وأما مذهب مالك، فقال صاحب "التفريع"(1): ولا يسافر أحد يوم الجمعة بعد الزوال حتى يصلي الجمعة، ولا بأن يسافر قبل الزوال، والاختيار: أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر حتى يصلي الجمعة.
وذهب أبو حنيفة إلى جواز السفر مطلقا، وقد روى الدارقطني في "الإفراد"، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله $ قال: "من سافر من دار إقامته يوم الجمعة، دعت عليه الملائكة ألا يُصحب في سفره". وهو حديث ابن لهيعة. (2)
وفي مسند الإمام أحمد من حديث الحكم، عن مِقسم، عن ابن عباس قال: بعث رسول الله $ عبد الله بن رواحة في سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة، قال: فغدا أصحابه، وقال: أتخلل وأصلي مع رسول الله $، ثم ألحقهم، فلما صلى النبي $، رآه، فقال: ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ فقال: أردت أن أصلي معك، ثم ألحقهم، فقال: "لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم".(3)
وأعلّ هذا الحديث، بأن الحكم لم يسمع من مقسم.
__________
(1) هو عبيد الله بن الحسن بن الجلاب البصري، أبو القاسم فقه أصولي، توفي عند منصرفه من الحج سنة (378)هـ. "الديباج المذهب" (ص/ 146).
(2) قال الألباني: ضعيف، السلسلة الضعيفة رقم (218).
(3) أخرجه أحمد في مسنده (1966/1)، والترمذي في الصلاة (527) باب (28) ما جاء في السفر يوم الجمعة. والطيالسي (2699)، وعبد بن حميد (654)، والطبراني في "الكبير" (12081)، والبيهقي (3/187) من طرق قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث [غريب] لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال علي بن المديني قال يحيى بن سعيد [و] قال شعبة لم يسمع الحكم من مقسم إلا ثلاثة أحاديث وعدها شعبة، وليس هذا الحديث فيما عد شعبة، فكان هذا الحديث لم يسمعه الحكم من مقسم، وقد اختلف أهل العلم في السفر يوم الجمعة فلم ير بأسا بأن يخرج يوم الجمعة في السفر ما لم تحضر الصلاة، وقال بعضهم إذا أصبح فلا يخرج حتى يصلي الجمعة. قال الألباني: ضعيف الإسناد، ضعيف سنن الترمذي برقم (81).(1/34)
هذا إذا لم يخف المسافر فوت رفقته، فإذا خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم، جاز له السفر مطلقا، لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة، ولعل ما روي عن الأوزاعي -أنه سئل عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته، فقال: ليمض على سفره- محمول على هذا، وكذلك قول عمر>: الجمعة لا تحبس عن السفر. وإن كان مرادهم جواز السفر مطلقا، فهي مسألة نزاع. والدليل: هو الفاصل على أن عبد الرزاق قد روى في "مصنفه" .(1)
وعن عمر، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين أو غيره، أن عمر بن الخطاب رأى رجلا عليه ثياب سفر بعدما قضى الجمعة، فقال: ما شأنك؟ قال: أردت سفراً، فكرهت أن أخرج حتى أصلي، فقال عمر: إن الجمعة لا تمنعك السفر ما لم يحضر وقتها، فهذا قول من يمنع السفر بعد الزوال، ولا يمنع منه قبله.اهـ. (2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لا يجوز السفر في يومها بعد الزوال لمن تلزمه، سواء كانت تلزمه بنفسه، أو بغيره، وذلك أنه بعد الزوال دخل الوقت بالاتفاق، والغالب أنه إذا دخل الوقت يحضر الإمام وتصلى الجمعة، فيحرم أن يسافر .اهـ. (3)
قال أبو بكر بن المنذر: له أن يسافر ما لم يحضر الوقت. (4)
وقال صاحب كتاب الهداية: ومَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ أنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وهَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ، عَلَى رِوَايَاتٍ:
أحَدُهَا: يَجُوزُ .
والثَّانِيَةُ: لاَ تَجُوزُ.
والثَّالِثَةُ: تَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً.
ffffff
بماذا تدرك الجمعة
أخرج النسائي من حديث أبي هريرة بلفظ: ((من أدرك ركعة من الجمعة، فقد أدرك الجمعة)).
__________
(1) في الجمعة برقم (5536/3) باب السفر يوم الجمعة. ورجال الإسناد ثقات.
(2) زاد المعاد . وانظر الإشراف على مذاهب العلماء (2/85).
(3) الشرح الممتع (2/292) .
(4) الإشراف على مذاهب العلماء (2/86).(1/35)
قال الشيخ الألباني: ولهذا الحديث اثنا عشر طريقاً، صحح الحاكم ثلاثةً منها. قال في "البدر المنير" : هذه الطرق الثلاث أحسن طرق هذا الحديث والباقي ضعاف .
وأخرجه النسائي وابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عمر، وله طرق، وقال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام": ( إسناده صحيح ]ولكن قوَّى [ أبو حاتم إرساله) .
فهذه الأحاديث تقوم بها الحجة) . (1)
وقال صاحب كتاب الهداية: ومَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، ومَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا دُوْنَ ذَلِكَ أتَمَّهَا ظُهْراً، وأمَّا الَّذِي يَنْوِي في حَالِ دُخُولِهِ مَعَهُ فَقَالَ الخِرَقِيُّ: ومِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَنْوِيَ ظُهْراً(2)، وَقَالَ ابنُ شَاقْلاَ (3): يَنْوِي جُمْعَةً ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهَا ظُهْراً، وَإِذَا أَحْرَمَ مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ إِنْ أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتَظَرَ حَتَّى يَزُوْلَ الزِّحَامُ ثُمَّ يَسْجُدُ إلاَّ أنْ يَخَافَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ ، فَإِنَّهُ يُتَابِعُ الإِمَامَ وتَحْصُلُ الثَّانِيَةُ أَوْلتُهُ ويُتِمُّهَا جُمْعَةً. فَإِنْ ظَنَّ أنَّهُ لاَ تَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فَسَجَدَ ثُمَّ أَدْرَكَ الإِمَامَ في التَّشَهُّدِ، إذَا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ فَأَتَى بِثَانِيَةٍ وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ وصَحَّتْ جُمْعَتُهُ، وَعَنْهُ: أنْ يُتِمَّهَا ظُهْراً، فَإِنْ تَرَكَ مُتَابَعَتَهُ مَعَ عِلْمِهِ أنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. (4)
ffffff
من فاتته الجمعة
من فاتته الجمعة ماذا يصلي؟
__________
(1) الأجوبة النافعة .
(2) مختصر الخرقي: 34 .
(3) هُوَ الشَّيْخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا البغدادي الزار، توفي سنة (369 ه(. انظر : تاريخ بغداد 6/17 ، وسير أعلام النبلاء 16/292 .
(4) كتاب الهداية .(1/36)
الجمعة فريضة من الله عز وجل فرضها على عباده، فإذا فاتت لعذر فلابد من دليل على وجوب صلاة الظهر، وفي حديث ابن مسعود >
((ومن فاتته الركعتان فليصل أربعاً)).(1)
فهذا يدل على أن ما فاتته الجمعة صلىَّ ظهراً .
قال الشيخ الألباني: وفي حديث ابن مسعود إشارة إلى أن الظهر هي الأصل، وأنها هي الواجبة على من لم يصل الجمعة. ويؤيد ذلك أمور :
الأول: ما هو معلوم يقيناً أن النبي$ وأصحابه كانوا يصلون يوم الجمعة الظهر إذا كانوا في سفر، ولكنهم يصلونها قصراً، فلو كان الأصل يوم الجمعة صلاة الجمعة لصلوها جمعة.
__________
(1) قال الشيخ الألباني: قلت: رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/126/1)، والطبراني في "الكبير" (2/38/2)، واللفظ له من طرق عن أبى الأحوص عن ابن مسعود .
وبعض طرقه صحيح وحسنه الهيثمي في "المجمع" (2/192) ، ولعل استدلال المؤلف بحديث ابن مسعود مع أنه موقوف إنما هو بسبب أنه لا يعرف له مخالف من الصحابة ، ومؤيد بمفهوم حديث أبي هريرة الآتي قريباً ويشهد له ما في "المصنف" (1/206/1) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب قال : خرجت مع الزبير مخرجاً يوم الجمعة فصلى الجمعة أربعاً . وعبد الرحمن هذا هو ابن عبد الله بن أبي ذؤيب ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/122/1)
وقال : "كان يتيماً في حجر الزبير بن العوام" .(1/37)
الثاني: قال عبد الله بن معدوان عن جدته قالت: قال لنا عبد الله بن مسعود: "إذا صليتن يوم الجمعة مع الإمام فصلين بصلاته، وإذا صليتن في بيوتكن فصلين أربعاً". أخرجه ابن أبي شيبة (1/207/2)، وإسناده صحيح إلى جدة ابن معدان، وأما هي فلم أعرفها. والظاهر أنها تابعية، وليست صحابية، لكن يشهد له، قول الحسن في المرأة تحضر المسجد يوم الجمعة أنها تصلي بصلاة الإمام، ويجزيها ذلك. وفي رواية عنه قال: "كن النساء يجمعن مع النبي$ وكان يقال: لا تخرجن إلا تفلات لا يوجد منكن ريح طيب". وإسنادهما صحيح وفي أخرى من طريق أشعث عن الحسن قال: "كن نساء المهاجرين يصلين الجمعة مع رسول الله$ ثم يحتسبن بها من الظهر".
قلت: فمن زعم أن الأصل يوم الجمعة إنما هو صلاة الجمعة، وإن من فاتته، أو لم تجب عليه، كالمسافر والمرأة إنما يصلون ركعتين جمعة، فقد خالف هذه النصوص بدون حجة. ثم رأيت الصنعاني ذكر (2/74) نحو هذا وإن الجمعة إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً فهي البدل عنه ، قال وقد حققناه في رسالة مستقلة. (1)
وأما ما ذكره أهل الفروع من فوائد الخلاف في هذه المسألة، فلا أصل لشيء من ذلك.
وقال صاحب الهداية: ولاَ يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ الجُمُعَةُ أو لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ في جَمَاعَةٍ.
__________
(1) الأجوبة النافعة.(1/38)
وقال: ويُعْذَرُ في تَرْكِ الجُمُعَةِ والجَمَاعَةِ المَرِيْضُ، ومَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ، أو قَرِيْبٌ يَخَافُ مَوْتَهُ، ومَنْ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ أو أَحَدَهُمَا، ومَنْ يَحْضُرُ الطَّعَام وبِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ، ومَنْ يَخَافُ مِنْ سُلْطَانٍ يَأْخُذُهُ، أو غَرِيْمٍ يُلاَزِمُهُ ولاَ شَيْءَ مَعَهُ يُعْطِيْهِ، والمُسَافِرُ إِذَا خَافَ فَوَاتَ القَافِلَةِ، ومَنْ يَخَافُ ضَرَراً في مَالِهِ أو يَرْجُو وُجُوْدَهُ، ومَنْ يَخَافُ مِنْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ حَتَّى يَفُوْتَ الوَقْتُ، ومَنْ يَخَافُ التَّأَذِّي بالمَطَرِ والوَحْلِ والرِّيْحِ الشَّدِيْدَةِ في اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ البَارِدَةِ.
ffffff
حكم الجمعة في يوم العيد
هذا وإذا جاء العيد في يوم الجمعة وصلَّ الناس صلاة العيد لم تلزمهم الجمعة، ويصلون ظهراً، فتكون الجمعة بعد صلاة العيد رخصة، فمن شاء صلى وله الأجر والثواب، ومن شاء لم يصلي الجمعة وليس عليه شيء، كما ورد ذلك في السنة المطهرة، وفتاوى علماءنا الأجلاء.
فعن زيد بن أرقم > قال: صلى النبي $ العيدَ، ثم رخَّص في الجمعة، فقال: "من شاءَ أن يُصلِّي فليُصَلِّ". (1)
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة. قال الشيخ الألباني: وهذا الحديث قد صححه ابن المديني وحسنه النووي. وقال ابن الجوزي: هو أصح ما في الباب.الأجوبة النافعة.(1/39)
قال الشيخ الألباني معلقاً على هذا الحديث: ظاهر حديث زيد ابن أرقم عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجة، بلفظ: ((أنه$ صلىَّ العيد، ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي فليصل)) . يدل على أن الجمعة تصير بعد صلاة العيد رخصة لكل الناس(1)، فإن تركها الناس جميعاً، فقد عملوا بالرخصة، وإن فعلها بعضهم فقد استحق الأجر، وليست بواجبة عليه من غير فرق بين الإمام وغيره .
وهذا الحديث قد صححه ابن المديني، وحسنه النووي. وقال ابن الجوزي: هو أصح ما في الباب.(2)
وأخرج أبو داود، والنسائي، والحاكم، عن وهب بن كيسان، قال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير ، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب، فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى، ولم يصلِّ الناس يومئذ الجمعة، فذكر ذلك لابن عباس رضي الله عنهما، فقال: أصاب السنة. ورجاله رجال الصحيح .
وأخرجه أيضاً أبو داود، عن عطاء بنحو ما قال وهب بن كيسان.ورجاله رجال الصحيح(3)2 ).
__________
(1) أي الذين صلوا صلاة العيد، دون من لم يصلها. وبذلك خصصه الصنعاني (2/73) .
(2) قال الألباني: قلت: وهو صحيح بلا شك، فقد ذكر له في الأصل وغيره شواهد ، ومنها حديث ابن الزبير الأتي عقبه. وفيه فائدة هامة، وهي أن صلاة العيد واجبة أيضاً كصلاة الجمعة، ولولا ذلك لم تسقط بها صلاة الجمعة. أنظر الأصل (43) .
(3) قال الشيخ: قلت: في هذه التخريج شيء ، فإن الحديث لم يروه أبو داود عن وهب بن كيسان إطلاقاً، وإنما أخرجه النسائي(1/236)، والحاكم (1/296) ولفظه: ((فقال: أصاب ابن الزبير السنة، فبلغ ابن الزبير فقال: رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا) وقال: (صحيح على شرط الشيخين). ووافقه الذهبي، وإنما هو على شرط مسلم فقط.
وفي طريق عطاء وهو ابن أبي رباح زيادة بلفظ: (ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا). ورجاله رجال الصحيح كما قال المؤلف، لكن فيه عنعنة الأعمش.(1/40)
وجميع ما ذكرناه يدل على أن الجمعة بعد العيد رخصة لكل أحد وقد تركها ابن الزبير في أيام خلافته، ولم ينكر عليه الصحابة ذلك.اهـ. (1)
قال ابن قدامة في الكافي: فإذا اتفق عيد في يوم جمعة فصلوا العيد لم تلزمهم الجمعة ويصلون ظهراً لما روى زيد بن أرقم قال: شهدت مع رسول الله $ عيدين اجتمعا في يوم فصلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: "من شاء أن يجمع فليجمع"، وعن أبي هريرة عن رسول الله $ أنه قال: "اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله". رواهما أبو داود.
وتجب الجمعة على الإمام لقول النبي $: "إنا مجمعون"، ولأن تركه لها منع لمن يريدها من الناس.
وعنه: لا تجب، لأن ابن الزبير لم يصلها وكان إماماً، ولأن الجمعة إذا سقطت عن المأمومين سقطت عن الإمام كحالة السفر، فإن عجل الجمعة في وقت العيد أجزأته عن العيد والظهر في ظاهر كلامه لما روى عطاء قال: اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان قد اجتمعا في يوم واحد فجمعهما وصلاهما ركعتين فلم يزد عليهما حتى صلى العصر وبلغ فعله ابن عباس فقال: أصاب السنة. (2)
وفي سؤال للجنة الدائمة إذا اتفق عيد في يوم جمعة فأجابت: إذا اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد، إلا الإمام، فإنها لا تسقط عنه، إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة.
__________
(1) الأجوبة النافعة .
(2) الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة .(1/41)
وممن قال بذلك: الشعبي، والنخعي، والأوزاعي، هذا مذهب عمر وعثمان وعلي وسعيد وابن عمر وابن عباس وابن الزبير ومن وافقهم من أهل العلم. والأصل في ذلك ما روى إياس ابن أبي رملة الشامي، قال: شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول الله $ عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: "من شاء أن يصلي فليصل"، رواه أبو داود، والإمام أحمد ولفظه: "من شاء أن يجمع فليجمع"(1)، وما رواه أبو هريرة عن رسول الله $ قال: "اجتمع في يومكم هذا عيدان؛ فمن شاء أجزأه عن الجمعة، وإنا مجمعون"(2)، رواه ابن ماجه، ومن سقط عنه حضور الجمعة فإنه يصلي ظهراً . ...
وقال الشيخ صالح الفوزان معلقاً على حديث زيد السابق: "من شاءَ أن يُصلِّي فليُصَلِّ".
فقال: هذا الحديث فيه دليلٌ على أن من صلى مع الإمام صلاة العيد فإنه يسقط عنه حضور صلاة الجمعة، وكذلك فإنه يجب على الإمام أن يصلي الجمعة من أجل بقية الناس الذين لم يصلوا العيد، والسبب في إجزاء العيد عن الجمعة أن صلاة العيد تؤدي معنى صلاة الجمعة، فإذا صلى مع الإمام صلاة العيد فإنه يسقط عنه حضور الجمعة، وإن حضر فهو مستحب، وإذا لم يحضر الجمعة فإنه يصلي ظهراً .اهـ. (3)
باب
تعظيم يوم الجمعة وفضلها
__________
(1) أخرجه أحمد 4/372، وأبو داود 1/646 برقم (1070)، والنسائي 3/194 برقم (1591)، وابن ماجة 1/415 برقم (1310)، والدارمي 1/378، والبيهقي 3/317، والحاكم 1/288، والطيالسي (ص/94) برقم (685) .
(2) أخرجه أبو داود 1/647 برقم (1073)، وابن ماجة 1/416 برقم (1311)، والحاكم 1/288، والبيهقي 3/318-319، والخطيب في تاريخ بغداد 3/129، وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/473 برقم (805) .
(3) تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام (2/533).(1/42)
اختص الله سبحانه وتعالى يوم الجمعة بخصائص كثيرة، وفضائل جليلة، وكما هو معلوم أن يوم الجمعة سيد الأيام، كما ورد ذلك عن رسول الله $.
فعن أبي هريرة> قال: قال رسول الله $: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله عز وجل حاجة إلا أعطاه إياها". (1)
قوله: مصيخة قال المناوي: بسين وصاد أي مصغية منتظرة لقيامها فيه وروى مسيخة بإبدال الصاد سينا ( حتى تطلع الشمس شفقا ) أي خوفا وفزعا ( من ) قيام ( الساعة ) فإنه اليوم الذي يطوى فيه العالم ويخرب الدنيا وتنبعث فيه الناس إلى منازلهم من الجنة والنار. (2)
قال ابن عبد البر: وأما قوله: وما من دابة إلا وهي مصيخة، فالإصاخة الاستماع، وهو ههنا استماع حذر وإشفاق وخشية الفجأة والبغتة، وأما أصل الكلمة في اللغة فالاستماع، قال أعرابي: وحديثها كالقطر يسمعه راعي سنين تتابعت جدبا فأصاخ يرجو أن يكون حيا، ويقول من فرح أيا ربا، وقال آخر لم أرم حتى إذا أصاخا صرخت لو يسمع الصراخا، وقال أمية بن أبي الصلت فهم عند رب ينظرون قضاءه يصيخون بالأسماع للوحي ركد.
ثم قال: وفي هذا الحديث دليل على أن الإنس والجن لا يعلمون من معنى الساعة ما يعرف غيرهم من الدواب وهذا أمر تقصر عنه أفهامنا ومن هذا الجنس من العلم لم يؤت الناس منه إلا قليلا.اهـ. (3)
__________
(1) رواه أبو داود، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (697)، وصحيح الجامع برقم (3334) .
(2) فيض القدير (3/494).
(3) التمهيد (23/41-42) .(1/43)
وعن أبي موسى >، أن النبي $ قال: "إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث الجمعة زهراء منيرة لأهلها فيحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوءها، ألوانهم كالثلج بياضا، رياحهم تسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان، ما يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون".(1)
وقد وقع الخلاف بين العلماء هل يوم الجمعة أفضل أم يوم عرفة.
استدل بهذا الحديث على أن يوم الجمعة أفضل الأيام، بل أفضل من يوم عرفة.
قال ابن قيم الجوزية: وفصل النزاع أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام، فيوم النحر مفضل على الأيام كلها التي فيها الجمعة وغيرها، ويوم الجمعة مفضل على أيام الأسبوع، فإن اجتمعا في يوم تظاهرت الفضيلتان، وإن تباينا فيوم النحر أفضل وأعظم لهذا الحديث. والله أعلم. (2)
وفي رواية عن أبي لبابة بن عبد المنذر> قال: قال رسول الله $: "إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، وفيه خمس خلال خلق الله فيه آدم وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفي الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئاً إلا أعطاه ما لم يسأل حراماً، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا بحر إلا وهو يشفقن من يوم الجمعة".(3)
وعن أبي هريرة >، عن رسول الله $ أنه قال: "أفضل الأيام عند الله يوم الجمعة". (4)
__________
(1) صحيح الجامع برقم (1872) .
(2) زاد المعاد (5/128).
(3) رواه أحمد في المسند(15548/5)، صحيح ابن ماجة رقم (888)، والمشكاة برقم (1363)، وصحيح الجامع برقم (2279).
(4) صحيح الجامع برقم (1098).(1/44)
وعن أبي هريرة > قال: "لا تطلع الشمس، ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهي تفزع يوم الجمعة إلا هذين الثقلين الإنس والجن".(1)
وقد جمع الإمام النووي بينه وبين حديث: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ثم يباهى بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء"، فقال: هذا الحديث ظاهر الدلالة في فضل يوم عرفة وهو كذلك، ولو قال رجل امرأتي طالق في أفضل الأيام، فلأصحابنا وجهان: أحدهما تطلق يوم الجمعة لقوله صلى الله عليه وسلم: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، كما سبق في صحيح مسلم، وأصحهما يوم عرفة للحديث المذكور في هذا الباب ويتأول حديث يوم الجمعة على أنه أفضل أيام الأسبوع.
وَالثَّانِي: يَوْم الْجُمُعَة لِهَذَا الْحَدِيث، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّة، فَأَمَّا إِنْ أَرَادَ أَفْضَل أَيَّام السَّنَة فَيَتَعَيَّن يَوْم عَرَفَة، وَإِنْ أَرَادَ أَفْضَل أَيَّام الْأُسْبُوع فَيَتَعَيَّن الْجُمُعَة، وَلَوْ قَالَ أَفْضَل لَيْلَة تَعَيَّنَتْ لَيْلَة الْقَدْر .اهـ.(2)
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله $: "الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة التي تليها، وزيادة لثلاثةِ أيام، وذلك بأن الله عز وجل قال: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".(3)
__________
(1) قال الألباني رحمه الله: حسن، وقد رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، ورواه أبو داود. صحيح ابن خزيمة برقم (1727)، وصحيح الترغيب برقم (699) .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم (9/117).
(3) رواه الطبراني في الكبير،وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (685).(1/45)
وعن أبي سعيد >، أنه سمع رسول الله $ يقول: "خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة، من عاد مريضاً، وشهد جنازة، وصام يوماً، وراح إلى الجمعة، وأعتق رقبة".(1)
وعن يزيد بن أبي مريم، قال: لحقني عبايةُ بن رفاعة بن رافع وأنا أمشي إلى الجمعة، فقال: أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله، سمعت أبا عبس يقول: قال رسول الله $: "من اغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار".(2)
وفي رواية عند البخاري: قال عباية: أدركني أبو عبسٍ وأنا ذاهب إلى الجمعة ، فقال : سمعت رسول الله $ يقول: "من اغبرت قدماه في سبيل الله حرَّمهُ الله على النار".
وفي رواية: "ما اغبرت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسه النار"، وليس عنده قول عباية ليزيد.
قال ابن حجر: في ذلك إشارة إلى عظيم قدر التصرف في سبيل الله، فإذا كان مجرد مس الغبار للقدم يحرم عليها النار، فكيف بمن سعى وبذل جهده واستنفذ وسعه.أ.هـ.(3)
وعن أبي هريرة > قال: قال رسول الله $: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".(4)
قال القاضي عياض: الظاهر أن هذه الفضائل المعدودة ليست لذكر فضيلته لأن إخراج آدم وقيام الساعة لا يعد فضيلة وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله ودفع نقمته.اهـ. (5)
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (686)، وانظر صحيح الجامع برقم (3252) .
(2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (687) .
(3) فتح الباري (2/390) .
(4) رواه مسلم في كتاب الجمعة، برقم (1973، 1974)، ورواه أحمد في المسند برقم (9169)، وأبو داود برقم (1046)، والترمذي برقم (488)، وابن خزيمة برقم (1729)، والنسائي برقم (1373).
(5) شرح النووي على صحيح مسلم (6/142).(1/46)
وعن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن ربعي بن حِراش، عن حذيفة رضي الله عن الجميع، قالا: قال رسول الله $: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة، والسبت، والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخِرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق".(1)
وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل وهو الجمعة، وقيل: المراد بالسبق السبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا سمعنا وعصينا. (2)
وعن أبي هريرة > قال: قال رسول الله $: "نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة بيد أن كل أمة أوتيت الكتابَ من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا اليوم الذي كتبه الله هدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غداً، والنصارى بعد غد".(3)
قال النووي: قوله $: "نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة"، قال العلماء: معناه الآخرون في الزمان والوجود، السابقون بالفضل ودخول الجنة، فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم.
قال القاضي: والظاهر أنه فرض عليهم يوم الجمعة بِغَيْرِ تَعْيِين وَوُكِّلَ إِلَى اِجْتِهَادهمْ ، لِإِقَامَةِ شَرَائِعهمْ فِيهِ ، فَاخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ فِي تَعْيِينه وَلَمْ يَهْدِهِمْ اللَّه لَهُ ، وَفَرَضَهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة مُبَيَّنًا ، وَلَمْ يَكِلهُ إِلَى اِجْتِهَادهمْ فَفَازُوا بِتَفْضِيلِهِ. (4)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1979).
(2) عمدة القاري (6/163).
(3) أخرجه البخاري برقم (827)، بَاب فَرْضِ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، ومسلم في كتاب الجمعة برقم (1975) و (1976).
(4) شرح النووي على صحيح مسلم (3/224).(1/47)
وقال الحافظ: وَفِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى فَرْضِيَّة الْجُمُعَة كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ ، لِقَوْلِهِ " فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَهَدَانَا اللَّه لَهُ " فَإِنَّ التَّقْدِير فُرِضَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْنَا فَضَلُّوا وَهُدِينَا ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة سُفْيَان عَنْ أَبِي الزِّنَاد عِنْد مُسْلِم بِلَفْظِ " كُتِبَ عَلَيْنَا " . وَفِيهِ أَنَّ الْهِدَايَة وَالْإِضْلَال مِنْ اللَّه تَعَالَى كَمَا هُوَ قَوْل أَهْل السُّنَّة ، وَأَنَّ سَلَامَة الْإِجْمَاع مِنْ الْخَطَأ مَخْصُوص بِهَذِهِ الْأُمَّة ، وَأَنَّ اِسْتِنْبَاط مَعْنًى مِنْ الْأَصْل يَعُود عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ بَاطِلٌ ، وَأَنَّ الْقِيَاس مَعَ وُجُود النَّصّ فَاسِد ، وَأَنَّ الِاجْتِهَاد فِي زَمَن نُزُول الْوَحْي جَائِز ، وَأَنَّ الْجُمُعَة أَوَّل الْأُسْبُوع شَرْعًا ، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ تَسْمِيَة الْأُسْبُوع كُلّه جُمُعَة وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأُسْبُوع سَبْتًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِسْقَاء فِي حَدِيث أَنَس ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُجَاوِرِينَ لِلْيَهُودِ فَتَبِعُوهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَفِيهِ بَيَان وَاضِح لِمَزِيدِ فَضْل هَذِهِ الْأُمَّة عَلَى الْأُمَم السَّابِقَة زَادَهَا اللَّه تَعَالَى . (1)
وعنه، عن النبي $ قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".(2)
الصلوات الخمس المفروضات، والجمعة، وصيام رمضان، كفارات للذنوب، والمعاصي.
وعن أبي مالك الأشعري، عن النبي $ أنه قال: "اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، ويوم الجمعة ذخره الله لنا، وصلاة الوسطى صلاة العصر" . (3)
__________
(1) فتح الباري (3/277).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم (550).
(3) صحيح الجامع حديث رقم (8200) .(1/48)
وفي رواية عن أبي هريرة>، عن النبي $ أنه قال: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه الله منه".(1)
قال المناوي: (اليوم الموعود) المذكور في قوله تعالى { واليوم الموعود وشاهد ومشهود } (يوم القيامة والشاهد) المذكور في قوله سبحانه { وشاهد } (يوم الجمعة) أي يشهد لمن حضر صلاته والجمعة بمعنى المجموع كالضحك بمعنى المضحوك منه ويوم الجمعة يوم الوقت الجامع سميت جمعة لأن الخلق اجتمعوا فيها وفرغ اللّه من خلقهم فيه (والمشهود) المذكور في قوله تعالى { ومشهود } (يوم عرفة) لأن الناس يشهدونه أي يحضرونه ويجتمعون فيه ذكره ابن الأثير وقال البعض: معنى كون يوم الجمعة شاهداً أنه يشهد لكل عامل بما عمل فيه وكذلك كل يوم وله فضل مخصوص باجتماع الناس في صلاة الجمعة ما لا يجتمعون في غيره من الأيام، ومعنى كون يوم عرفة مشهوداً أنه يشهد الناس فيه موسم الحج والملائكة (ويوم الجمعة ادخره اللّه لنا) فلم يظفر به أحد من الأمم السابقة فهو اليوم الذي هدانا اللّه له واختاره لنا وأنعم علينا به فالعمل فيه له مزية على غيره من الأيام ولذلك ذهب بعضهم إلى أنه إذا وافق الوقوف بعرفة يوم جمعة كان لتلك الحجة فضل على غيرها وأما ما رواه رزين أنه أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة ففي ثبوته وقفة (وصلاة الوسطى صلاة العصر). (2)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:
وكان من هديه $ تعظيمُ هذا اليوم وتشريفُه، وتخصيصُه بعبادات يختص بها عن غيره، وقد اختلف العلماء: هل هو أفضل، أم يومُ عرفة؟ على قولين هما وجهان لأصحاب الشافعي. (3)
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (8201) .
(2) فيض القدير.
(3) زاد المعاد (1/375) .(1/49)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وليعلم أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وما طلعت الشمس على يوم خير منه، وأن الله خصّ به هذه الأمة بعد أن أضل عنه الأمم السابقة، فإن اليهود اختلفوا فيه، فصارت جمعتهم السبت، والنصارى أشد اختلافاً فصارت جمعتهم الأحد، فصاروا - والحمد لله - تبعاً لنا، ونحن متأخرون عنهم زمناً لكنهم متأخرون عنا رتبة؛ لأن هذه الأمة أفضل أمة عند الله وأكرمها .اهـ. (1)
ffffff
صلاة الفجر يوم الجمعة في جماعة
وصلاة الفجر في يوم الجمعة في جماعة أفضل الصلاة عند الله تعالى.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي $ أنه قال: "أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة" .(2)
قال المناوي: لأن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، والصبح أفضل الخمس على ما اقتضاه هذا الحديث، ونص عليه الشافعي. (3)
ffffff
القراءة في فجر الجمعة
وكان النبي $ يقرأ في صلاة الفجر من يوم الجمعة بسورتي السجدة، والإنسان .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي $ كان يقرأ في صلاة الفجر، يوم الجمعة +ألم تنزيل السجدة"و+هل أتى على الإنسان حين من الدهر" وأن النبي $ كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين" . (4)
وعن أبي هريرة > قال: كان النبي × يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر +ألم تنزيل" . السجدة و+هل أتى على الإنسان".(5)
وعن الضحاك بن قيس، أنه سأل النعمان بن بشير > : " ماذا كان رسول الله $ يقرأ يوم الجمعة على سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأ +هل أتاك حديث الغاشية" " .
__________
(1) الشرح الممتع (2/281).
(2) أخرجه البيهقي في الشعب برقم (3045)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1566)، وصحيح الجامع حديث رقم (1119) .
(3) فيض القدير.
(4) أخرجه مسلم في الجمعة برقم (879) باب (17).
(5) أخرجه البخاري برقم (851)، وأخرجه مسلم برقم (880)، باب ما يقرأ في يوم الجمعة.(1/50)
قال العلماء: والحكمة في قراءة الجمعة اشتمالها على وجوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها وغير ذلك مما فيها من الفوائد، والحث على التوكل، والذكر، وغير ذلك، وقراءة سورة المنافقين لتوبيخ حاضريها منهم وتنبيههم على التوبة وغير ذلك مما فيها من القواعد لأنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس أكثر من اجتماعهم فيها. (1)
قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد:
وكان $ يقرأ في فجره بسورتي +ألم تنزيل" (2) و +هل أتى على الإنسان" (3).
ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة، ويسمونها سجدة الجمعة.
" الفوائد:
قال ابن القيم رحمه الله: وسمعت شيخَ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبيُّ $ يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يَومِها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذِكر المعاد وحشر العباد، وذلك يكون يومَ الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكيرٌ للأمة بما كان فيه ويكون .
والسجدة جاءت تبعاً ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيثُ اتفقت0
فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة0(4)
ffffff
باب
التبكير إلى الجمعة وثوابه والدنو من الإمام وقعود الملائكة
رغب الشارع الكريم في التبكير إلى صلاة الجمعة، والدنو من الإمام، والإنصات له، وقد رتب على ذلك الأجور العظيمة عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي $ قال: "من غسَّل واغتسل، ودنا، وابتكر، واقترب، واستمع، كان له بكل خطوةٍ يخطوها قيام سنة وصيامها".(5)
__________
(1) عون المعبود (3/290) .
(2) سورة السجدة .
(3) سورة الإنسان (1) .
(4) زاد المعاد (1/364) .
(5) رواه الإمام أحمد في المسند، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (693).(1/51)
وعن أوس بن أوس > قال: سمعت رسول الله $ يقول: "من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوةٍ عمل سنة أجر صيامها وقيامها".(1)
"غسَّل" أي أوجب على أهله الغسل بسبب جماعه لها وقال آخرون: إنما هو غسل بالتخفيف، ومعناه غسل رأسه، ثم اغتسل جميعه، وهذا من باب التأكيد من غسل الرأس.
وقال الإمام أحمد: غسل بالتشديد: جامع أهله وكذلك فسره وكيع. (2)
زاد أبو داود في رواية له: "من غسَّل رأسه".
وقوله: بكر وابتكر: قيل معناه ابتكر العبادة مع بكورة، وقيل ابتكر الخطبة أي حضر الخطبة، مأخوذ من باكورة الثمرة وهي أولها، وغير هذا أجود لأن من جاء في بكرة النهار لزم أن يحضر أول الخطبة. (3)
والمستحب أن يمشي ولا يركب لزيادة الأجر، كما جاء في هذا الحديث "ومشى ولم يركب".
وعن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود > قال: خرجت مع عبد الله إلى الجمعة فوجد ثلاثة وقد سبقوه. فقال رابع أربعة. وما أربعة ببعيد . إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات. الأول، والثاني، والثالث" . ثم قال رابع أربعة. وما رابع أربعة ببعيد. (4)
وعن أبي الدرداء >، قال: قال رسول الله $: "من اغتسل يوم الجمعة، ثم لبس ثيابه، ومس طيبا إن كان عنده، ثم مشى إلى الجمعة وعليه السكينة، ولم يتخط أحدا، ولم يؤذه، وركع ما قضي له، ثم انتظر حتى ينصرف الإمام، غفر له ما بين الجمعتين".
__________
(1) رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال:حديث حسن، والنسائي، وابن ماجة، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (690).
(2) زاد المعاد (1/373).
(3) المغني (2/146).
(4) رواه ابن ماجة برقم (1094)، ورواه البيهقي عن علقمة عن ابن مسعود، وفي السند ضعف، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع برقم (1800).(1/52)
وعن سلمان قال: قال رسول الله $: " لا يغتسل الرجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى".(1)
قال ابن حجر: وفيه مشروعية النافلة قبل صلاة الجمعة لقوله صلى ما كتب له ثم قال ثم ينصت إذا تكلم الإمام فدل على تقدم ذلك على الخطبة وقد بينه أحمد من حديث نبيشة الهذلي بلفظ فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له، وفيه جواز النافلة نصف النهار يوم الجمعة واستدل به على أن التبكير ليس من ابتداء الزوال لأن خروج الإمام يعقب الزوال فلا يسع وقتا يتنفل فيه، وتبين بمجموع ما ذكرنا أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع ما تقدم من غسل وتنظف وتطيب أو دهن ولبس أحسن الثياب، والمشي بالسكينة، وترك التخطي والتفرقة بين الاثنين، وترك الأذى، والتنفل، والإنصات، وترك اللغو . (2)
وعن أبي هريرة >: أن رسول الله $ قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
__________
(1) وفي مسند أحمد . برقم (21788/8) من طريق عبد الله بن سعيد، عن حرب بن قيس، عن أبي الدرداء >. وهذا إسناد منقطع. حرب بن قيس لم يسمع من أبي الدرداء، ولكن الحديث صحيح بشواهده المتقدمة الذكر عن البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم.
(2) فتح الباري (2/372).(1/53)
وفي رواية: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد، يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنه، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي كبشاً، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم يستمعون الذكر".(1)
والتهجير : التبكير، والمُهجّر: هو المبكر الآتي في أول ساعة.
قال ابن حجر: وفي هذا الحديث من الفوائد: الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله، وفضل التبكير إليها، وأن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما، وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل، وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم، وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع، وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق في الهدى واختلف في الضحايا والجمهور على أنها كذلك . (2)
وعن أبي هريرة > أن رسول الله $ قال: "على كل باب من أبواب المسجد ملك يكتب الأول فالأول مثل الجزور، ثم نزلهم حتى صغر إلى مثل البيضة، فإذا جلس الإمام طويت الصحف وحضروا الذكر". (3)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في زاد المعاد بعد أن ذكر خصائص الجمعة، فقال:
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجمعة برقم (929) وفي كتاب بدء الخلق (3211)، ورواه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1981).
(2) فتح الباري (2/368).
(3) أخرجه البخاري برقم (3039)، باب ذكر الملائكة، ومسلم في كتاب الجمعة برقم (1983) .(1/54)
الخاصية السابعة عشرة: أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، قال عبد الرزاق: عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله $: "من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام، فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها، وذلك على الله يسير". ورواه الإمام أحمد في "مسنده".(1)
قال الإمام أحمد: غسَّل، بالتشديد: جامع أهله، وكذلك فسره وكيع.
الثامنة عشرة: أنه يوم تكفير السيئات، فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" عن سلمان قال: قال لي رسول الله $: "أتدري ما يوم الجمعة؟" قلت: هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم قال: "ولكني أدري ما يوم الجمعة، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره، ثم يأتي الجمعة، فينصت حتى يقضي الإمام صلاته، إلا كانت كفارة لما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة".(2)
__________
(1) برقم (16959/6). وأبو داود في الطهارة (345) والترمذي في الصلاة (496) والنسائي في الجمعة (1830) باب (10) غسل يوم الجمعة. وابن ماجة في إقامة الصلاة (1087) والدارمي في الجمعة (1547) باب (195) الاستماع يوم الجمعة عند الخطبة والإنصات وابن حبان (2781) وابن خزيمة (1767) والبغوي في "شرح السنة" (4/237). وإسناده صحيح. وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (496).
(2) أخرجه أحمد في مسنده (2377/9) والطبراني في "الكبير" (6089). وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3059/2) وقال: ورى النسائي بعضه. ورواه الطبراني في "الكبير" وإسناده حسن. وفي "المسند" برقم (20746/2) وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3040/2) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، خلا شيخ أحمد وهو ثقة. اهـ. وأورده المنذري في "الترغيب" (2/486/487) وعزاه لأحمد. وقال: وعطاء لم يسمع من نبيشة فيما أعلم.(1/55)
أيضاً من حديث عطاء الخراساني، عن نبيشة الهذلي، أنه كان يحدث عن رسول الله $: "إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة، ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحدا، فإن لم يجد الإمام خرج، صلى ما بدا له، وإن وجد الإمام قد خرج، جلس، فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه، وإن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها، أن تكون كفارة للجمعة التي تليها".(1)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله $: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر: فرجل حضرها يلغو فذلك حظه منها، ورجل حضرها بدعاءٍ فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصاتٍ وسكوت، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحداً فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك أن الله تعالى يقول: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".(2)
قال ابن قدامة: ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة فلا يجوز الكلام لأحد من الحاضرين، ونهى عن ذلك عثمان، وابن عمر، وقال ابن مسعود: إذا رأيته يتكلم والإمام يخطب فأقرع رأسه بالعصا، وكره ذلك عامة أهل العلم منهم مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وعن أحمد رواية أخرى لا يحرم الكلام، وكان سعيد بن جبير، والنخعي، والشعبي، وإبراهيم بن مهاجر، وأبو بردة يتكلمون، والحجاج يخطب، وقال بعضهم : إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا، وللشافعي قولان كالروايتين.
__________
(1) وفي صحيح البخاري .في كتاب الجمعة (883). وقد تقدم قبل قليل.
(2) صحيح ابن خزيمة رقم (1813)، وصحيح أبي داود رقم (1019)، والمشكاة رقم (1396)، وصحيح الجامع رقم (8045)، وصحيح الترغيب رقم (723).(1/56)
وقال: وروي عن أبي بن كعب > [أن رسول الله $ قرأ يوم الجمعة تبارك فذكرنا بأيام الله وأبو الدرداء وأبو ذر يغمزني فقلت: متى أنزلت هذه السورة فإني لم أسمعها إلا الآن فأشار إليه أن اسكت فلما انصرفوا قال: سألتك متى أنزلت هذه فلم تخبرني، قال أبي >: ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت فذهب إلى رسول الله $ فذكره له وأخبره بما قال أبي فقال رسول الله $: (صدق أبي)]. رواه عبد الله بن أحمد في المسند و ابن ماجة وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن أبي هريرة نحوه وعن ابن عباس قال: قال رسول الله $: [من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا]. رواه ابن أبي خيثمة وما احتجوا به فيحتمل أنه مختص بمن كلم الإمام أو كلمه الإمام لأنه لا يشغل بذلك عن سماع خطبته ولذلك سأل النبي $ هل صلى فأجابه وسأل عمر عثمان رضي الله عنهما حين دخل وهو يخطب فأجابه فتعين حمل أخبارهم على هذا جمعا بين الأخبار وتوفيقا بينها ولا يصح قياس غيره عليه لأن كلام الإمام لا يكون في حال الخطبة خلاف غيره وإن قدر التعارض فالأخذ بحديثنا أولى لأنه قول النبي $ ونصه ذلك سكوته والنص أقوى من السكوت. (1)
وقال رسول الله $: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة ومن مس الحصا فقد لغا".(2)
أتى الجمعة : أتى المسجد ليصلى صلاة الجمعة.
لغا : هو الكلام الذي لا فائدة فيه.
__________
(1) المغني (2/165).
(2) أخرجه مسلم برقم (857).(1/57)
قال ابن قدامة: ولا فرق بين القريب والبعيد لعموم ما ذكرناه وقد روي عن عثمان > أنه قال: من كان قريبا يسمع وينصت ومن كان بعيدا ينصت فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ ما للسامع وقد روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي $ قال: [يحضر الجمعة ثلاثة نفر رجل حضرها يلغو وهو حظه منها ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكون ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك أن الله تعالى يقول: { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ]. رواه أبو داود. وللبعيد أن يذكر الله تعالى ويقرأ القرآن ويصلي على النبي $ ولا يرفع صوته قال أحمد: لا بأس أن يصلي على النبي $ فيما بينه وبين نفسه، رخص له في القراءة والذكر، عطاء، وسعيد بن جبير، والنخعي، والشافعي، وليس له أن يرفع صوته ولا يذاكر في الفقه، ولا يصلي، ولا يجلس في حلقة، وذكر ابن عقيل أن له المذاكرة في الفقه وصلاة النافلة. (1)
وعنه عن رسول الله $ قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".(2)
مكفرات: ماحيات.
وعن أبي موسى الأشعري > قال: قال رسول الله $ : "تحشر الأيام على هيئتها وتحشر الجمعة زهراء منيرة أهلها يحفون بها كالعروس تهدي إلى خدرها تضئ لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضاً وريحهم كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان لا يطرفون تعجباً حتى يدخلوا الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون".(3)
__________
(1) المغني (2/165).
(2) أخرجه مسلم برقم (273).
(3) رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (698)، والسلسلة الصحيحة برقم (706).(1/58)
وعن أبي أمامة > قال: سمعت رسول الله $ يقول: "تقعد الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون الأول، والثاني، والثالث، حتى إذا خرج الإمام رفعت الصحف".(1)
وعنه قال: قال رسول الله $: "تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المساجد معهم الصحف يكتبون الناس، فإذا خرج الإمام طويت الصحف".
قلت: يا أبا أمامة! أليس لمن جاء بعد خروج الإمام جمعة؟ قال: بلى، ولكن ليس ممن يكتب في الصحف. (2)
وقال رسول الله $: "المستعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنه، والذي يليه كالمهدي بقرة، والذي يليه كالمهدي شاةً، والذي يليه كالمهدي طيراً".(3)
وفي رواية: "على كل باب من أبواب المساجد يوم الجمعة ملَكان يكتبان الأول فالأول كرجل قدم بدنه، وكرجل قدم بقرة، وكرجل قدم شاة وكرجل قدم طيراً، وكرجل قدم بيضة، فإذا قعد الإمام طويت الصحف".(4)
دل مجموع هذه الأحاديث على أن المراد بالرواح الذهاب فكأنما قرب بدنة أي تصدق بها متقربا إلى الله، وقيل المراد أن له نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت بالأمم السالفة أي فعوضوا عنه ما يقوم مقامه. (5)
__________
(1) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (710)، وصحيح الجامع برقم (1958).
(2) رواه أحمد في مسنده، والطبراني في الكبير، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب(710).
(3) رواه ابن خزيمة في صحيحه ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (708).
(4) رواه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (708).
(5) تنوير الحوالك (1/93).(1/59)
وعن أبي سعيد الخدري >، عن النبي $ أنه قال: "إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون من جاء من الناس على منازلهم، فرجل قدم جزوراً، ورجل قدم بقرة، ورجل قدم شاة، ورجل قدم دجاجة، ورجل قدم بيضة، قال: فإذا أذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر طويت الصحف، ودخلوا المسجد يستمعون الذكر".(1)
قال ابن حجر رحمه الله: الحديث وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة، والمراد بطي الصحف طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك فإنه يكتبه الحافظان قطعاً.
ثم قال: وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله، وفضل التبكير إليها، وأن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما، وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل، وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم، وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع، وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق.(2)
وعن سمرة > قال: قال رسول الله $ : "احضروا الجمعة، وادنُوا من الإمام، فإنَّ الرجلَ ليكون من أهل الجنة، فيتأخر، فيؤخَّر عن الجنة وإنه لمن أهلها".(3)
وفي رواية: "احضروا الجمعة، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة، وإن دخلها" . (4)
__________
(1) رواه أحمد بإسناد حسن، صحيح الترغيب رقم (711).
(2) فتح الباري (2/367-368) .
(3) رواه الطبراني والأصبهاني، وأحمد (5/10) وأبو داود، وقال الألباني رحمه الله: (حسن لغيره)، صحيح الترغيب برقم (713)، والصحيحة برقم (365)، وصحيح الجامع برقم (201) .
(4) رواه أحمد، والحاكم، وأبو داود، والبيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (200).(1/60)
قال المناوي :قوله: (احضروا) بضم الهمزة (الجمعة) أي خطبتها وصلاتها وجوباً على من هو أهلها ندباً لغيره في رواية بدل الجمعة الذكر (وادنوا) ندباً (من الإمام) أي اقتربوا منه بأن تكونوا في الصف الأول بحيث تسمعون الخطبة (فإن الرجل لا يزال يتباعد) عن الإمام أو عن استماع الخطبة أو عن مقام المقربين أو عن مقاعد الأبرار (حتى يؤخر) بضم أوله وفتح ثانيه أي عن الدرجات العالية (في الجنة) قال الحراني: والتأخر إبعاد الفعل من الأين الكائن وفيه توهين أمر المتأخرين وتسفيه رأيهم حيث وضعوا أنفسهم من أعالي الأمور إلى سفسافها والله يحب تلك ويكره هذه كما يأتي في خبر وفي قوله (وإن دخلها) بغير سبق تعريض بأن الداخل قنع من الجنة ومن تلك الدرجات والمقامات الرفيعة بمجرد الدخول ولله در القائل في المعنى. حاول جسيمات الأمور ولا تقل*إن المحامد والعلى أرزاق وارغب لنفسك أن تكون مقصراً* عن غاية فيها الطلاب سباق وإذا كان هذا حال المتأخر فكيف بالتارك(1)
ffffff
الساعة التي يرتجى فيها استجابة الدعاء
إن في الجمعة ساعة الإجابة، وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئا إلا أعطاه،(2)
__________
(1) فيض القدير .
(2) ففي "الصحيحين" أخرجه البخاري في الجمعة (5-9) باب (37) الساعة التي في يوم الجمعة. وطرفاه في (5294) و (6400). وأخرجه مسلم في الجمعة (852) باب (4) في الساعة التي في يوم الجمعة. ومالك في "موطئه" في الجمعة (242) باب (7) ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة. وأحمد في مسنده (10306/3)، والنسائي في الجمعة (1431) باب (45) ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة. وعبد الرزاق(5572)، والبغوي في "المرقاة"(1048)، وابن ماجة في الإقامة (1137)، باب ما جاء في الساعة التي ترجى في الجمعة. من طرق من حديث أبي هريرة >.(1/61)
عن أبي هريرة > قال: قال رسول الله $: "إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، وقال: بيده يُقللها، يزهدها"(1).
زاد قتيبة في رواية: "وأشار بيده يقللها".
قوله: "وأشار بيده يقللها": الإشارة لتقليلها هو الترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس".(2)
قوله: أي غيبوبة الشمس، أي سقوط جميع القرص .
وصوب النووي أنها ما بين قعود الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة، وفائدة إبهامها كليلة القدر الحث على إكثار الصلاة والدعاء ولو تعينت لاتكل الناس وتركوا ما عداها. (3)
ومن حديث أبي لبابة بن عبد المنذر، عن النبي $ قال: "سيد الأيام يوم الجمعة، وأعظمها عند الله، وأعظم عند الله من يوم الفطر، ويوم الأضحى، وفيه خمس خصال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله عز وجل آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا أتاه الله إياه ما لم يسال حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا أرض، ولا رياح، ولا بحر، ولا جبال، ولا شجر، إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة".(4)
قوله $: "فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه"، أمّا ساعة الجمعة فقد ذهب بعض العلماء إلى أنها: ما بين العصر إلى أن تغرب الشمس.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة برقم (935، 6400)، وأخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1966، 1967) .
(2) صححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (1360).
(3) فيض القدير (2/157).
(4) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (888)، والمشكاة برقم (1363).(1/62)
واستدلوا بما رواه ابن ماجة بإسناد صحيح عن عبد الله بن سلام > قال: قلت ورسول الله $ جالس: إنا لنجد في كتاب الله تعالى: في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله فيها شيئاً إلا قضى له حاجته، قال عبد الله: فأشار إلي رسول الله $: "أو بعض ساعة"، فقلت: صدقت أو بعض ساعة. قلت أي ساعة هي؟ قال: "آخر ساعات النهار" قلت: إنها ليست ساعة صلاةٍ قال: "بلى إن العبد إذا صلى ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة فهو في صلاة".(1).
وعن جابر >، عن النبي $ قال: "يوم الجمعة اثنا عشر ساعة فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر".
وعن جابر بن عبد الله > عن رسول الله $ قال : " يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أتاه فالتمسوها أخر ساعة بعد العصر ". (2)
قال ابن عبدالبر: وقد قيل إن قوله في هذا الحديث فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر هو من قول أبي سلمة. (3)
__________
(1) صحيح ابن ماجة (934) وقال الألباني: صحيح.
(2) أخرجه والنسائي في المجتبى في الجمعة برقم (1388)، وفي الكبرى (1697/1)، وأخرجه الحاكم قي المستدرك (1032/1)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بالجلاح بن كثير، ولم يخرجاه"، وذكره ابن حجر في الفتح قال : وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم مِنْ حَدِيث جَابِر مَرْفُوعًا" يَوْم الْجُمُعَة اِثْنَتَا عَشْرَة سَاعَة" وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَرِد فِي حَدِيث التَّبْكِير فَيُسْتَأْنَس بِهِ فِي الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ ... أخرجه أبو داود في الصلاة برقم (1048): ((يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، لا يوجد مسلم يسأل الله شيئاً إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعةٍ بعد العصر)) . وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (703)، وصحيح الجامع رقم (8190).
(3) التمهيد (2/38).(1/63)
وثبت في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري > قال: سمعت رسول الله $ يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة".(1)
وعن أبي بردة بن أبي موسى، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال له: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله $ في شأن الجمعة شيئاً؟ قال: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله $ يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة".(2)
وعن أنس >، عن النبي $ : "التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس". (3)
اختلف العلماء في أي ساعة، ساق المناوي أكثر من أربعين قولاً.
ثم قال: وصوَّب النووي أنها ما بين قعود الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة، وفائدة إبهامها كليلة القدر الحث على إكثار الصلاة والدعاء، ولو تعينت لاتكل الناس وتركوا ما عداها. (4)
قال الترمذي: "ورأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي $ وغيرهم أن الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة بعد العصر إلى أن تغرب الشمس"، وبه يقول أحمد وإسحاق.
قال ابن قيم الجوزية في الزاد:
وقد اختلف الناس في هذه الساعة: هل هي باقية أو قد رفعت؟ على قولين، حكاهما ابن عبد البر وغيره، والذين قالوا: هي باقية ولم ترفع، اختلفوا، هل هي في وقت من اليوم معينة، أم هي غير معينة؟ على قولين. ثم اختلف من قال بعدم تعيينها: هل هي تنتقل في ساعات اليوم، أو لا؟ على قولين أيضا، والذين قالوا بتعيينها، اختلفوا على أحد عشر قولاً.
قال ابن المنذر: روينا عن أبي هريرة > أنه قال: هي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.
الثاني: أنها عند الزوال، ذكره ابن المنذر عن الحسن البصري، وأبي العالية.
__________
(1) رواه مسلم برقم (853)، باب في الساعة التي في يوم الجمعة .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1972)، باب في الساعة التي في يوم الجمعة، وأبو داود في الصلاة (1049).
(3) صحيح الجامع حديث رقم (1237) .
(4) فيض القدير .(1/64)
الثالث: أنها إذا أذن بصلاة الجمعة، قال ابن المنذر: روينا ذلك عن عائشة رضي الله عنها.
الرابع: أنها إذا جلس الإمام على المنبر يخطب حتى يفرغ، قال ابن المنذر: رويناه عن الحسن البصري.
الخامس: قاله أبو بردة: هي الساعة التي اختار الله وقتها للصلاة.
السادس: قاله أبو السوار العدوي، وقال: كانوا يرون أن الدعاء مستجاب ما بين زوال الشمس إلى أن تدخل الصلاة.
السابع: قاله أبو ذر: إنها ما بين أن ترتفع الشمس شبراً إلى ذراع.
الثامن: أنها ما بين العصر إلى غروب الشمس، قاله أبو هريرة، وعطاء، وعبد الله بن سلام، وطاووس، حكى ذلك كله ابن المنذر.
التاسع: أنها أخر ساعة بعد العصر، وهو قول أحمد، وجمهور الصحابة، والتابعين.
العاشر: أنها من حين خروج الإمام إلى فراغ الصلاة، حكاه النووي وغيره.
الحادي عشر: أنها الساعة الثالثة من النهار، حكاه صاحب "المغني" .(1)
فيه. وقال كعب: لو قسم الإنسان جمعة في جمع، أتى على تلك الساعة. وقال عمر: إن طلب حاجة في يوم ليسير.
وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر.
الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في "صحيحه" في الجمعة (853) باب (4) في الساعة التي في يوم الجمعة. من طريق مخرمة عن أبيه، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري>، أن عبد الله بن عمر قال له: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله $ في شأن ساعة الجمعة شيئا؟ قال: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله $ يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة".
__________
(1) هو الإمام الفقيه، موفق الدين ابن قدامة المقدسي. المتوفى سنة (630)هـ. وكتابه "المغني" يعتبر من أهم كتب الحنابلة وكان رحمه الله قد ألفه على مختصر الإمام أبي القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي المتوفى سنة (334)هـ.(1/65)
وروى ابن ماجة، والترمذي، من حديث عمرو بن عوف المزني، عن النبي × قال: "إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه"، قالوا: يا رسول الله! أية ساعة هي؟ قال: "حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها".(1)
والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد، وخلق.
وحجة هذا القول ما رواه أحمد في "مسنده" من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن النبي $ قال: "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر".(2)
وروى أبو داود، والنسائي، عن جابر >، عن النبي $، قال: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر".(3)
__________
(1) أخرجه الترمذي في الصلاة برقم (490)، باب (2) ما جاء في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة. وابن ماجة في إقامة الصلاة برقم (1138)، وضعفه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (490).
(2) أخرجه أحمد في مسنده (7692/3).
(3) أخرجه أبو داود في الصلاة (1048) باب الإجابة، أية ساعة هي في يوم الجمعة. والنسائي في "المجتبى" في الجمعة (1388) باب (14) وقت الجمعة. وفي "الكبرى" (1697/1) في الجمعة. باب (14) وقت الجمعة. والحاكم (1032/1) وصححه وأقره الذهبي في "التخليص".وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم (1048).(1/66)
قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة قال: فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله $ قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام وقد علمت أية ساعة من يوم الجمعة فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله $:"لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلي فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله ×: "من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي".قال فقلت: بلى فقال: هو ذاك. (1)
__________
(1) إسناده صحيح على شرط الشيخين، أخرجه مالك في موطئه برقم (243)، وأحمد في مسنده (10307/3)، وأبو داود برقم (1046)، والترمذي برقم (491)، والنسائي في الكبرى (1754/1)، والشافعي (1/72)، وابن حيان (2772/7)، وغيرهم من أئمة الحديث، وصححه الألباني في الصحيحه برقم (1502)، والمشكاة برقم (13059).
فائدة: في هذا الحديث:كلمة: صدفة..وتعني :الموافقة؛؛ وهي جائزة في الكلام بهذا المعنى.(1/67)
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة > قال : أتيت الطور فوجدت كعبا فمكثت أنا وهو يوما أحدثه عن رسول الله $ ويحدثني عن التوراة فقلت له : قال رسول الله $ : ( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه قبض وفيه تقوم الساعة ما على متن الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا ابن آدم وفيه ساعة لا يصادفها مؤمن وهو في الصلاة يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ) . قال كعب : ذلك يوم في كل سنة قلت : بل هو في كل جمعة فقرأ كعب التوراة ثم قال : صدق رسول الله $ هو في كل جمعة فخرجت فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال : من أين جئت قلت : من الطور لو لقيتك من قبل أن تأتيه لم تأته فقلت له : لم؟ قال : إني سمعت رسول الله $ يقول : ( لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي ومسجد البيت المقدس ) فلقيت عبد الله بن سلام فقلت : لو رأيتني خرجت إلى الطور فلقيت كعبا فكنت أنا وهو يوما أحدثه عن رسول الله $ "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه قبض، وفيه تقوم الساعة، ما على الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا ابن آدم، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مؤمن وهو في الصلاة يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه "، قال كعب : ذلك يوم في كل سنة، فقال عبد الله : كذب كعب قال : ثم قرأ كعب فقال : صدق رسول اله $ هو في كل جمعة، فقال عبد الله بن سلام : صدق كعب إني لأعلم تلك الساعة، فقلت يا أخي حدثني بها، قال هي آخر ساعة من يوم الجمعة قبل أن تغيب الشمس، فقلت : أليس قد سمعت رسول الله $ يقول : لا يصادفها مؤمن وهو في الصلاة وليست تلك ساعة صلاة، قال : أليس قد سمعت رسول الله $ يقول : ( من صلى وجلس ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى تأتيه التي تليها قلت بلى قال فهو كذلك ) .(1/68)
(1)
ffffff
ما جاء في فضل الصلاة على رسول الله $
في يوم الجمعة وغيره
الصلاة على النبي $ لها فضيلة كبيرة، وفيها الثواب الجزيل عند الله تعالى، وخصوصاً يوم الجمعة، فورد فيه مزية أخرى.
قال الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } (2).
هذه الآية شَرَّفَ الله سبحانه وتعالى بها رسوله $ في حياته، وموته، وذكر منزلته منه، وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء.
وعن أنس >، عن رسول الله $ أنه قال: "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، وليلة الجمعة، فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً".(3)
وقال رسول الله $: "إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة، فأكثروا الصلاة علي" . (4)
وعن أوس بن أوس > قال: قال رسول الله $: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي".
قالوا: وكيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أي: بليت:
فقال: "إن الله جل وعلا حرم على الأرض أن تأكل أجسامنا".(5)
وفي رواية: "أجساد الأنبياء".(6)
__________
(1) صححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (2/227).
(2) سورة الأحزاب الآية (56).
قال الطبري: قال: [لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا : اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وقال الحسن: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد مجيد. تفسير الطبري (10/329).
(3) صحيح الجامع حديث رقم (1209) .
(4) صحيح الجامع حديث رقم (776) .
(5) أخرجه أبو داود (1047و1531)، والنسائي (3/91)، وابن ماجة برقم (1085و1606)، وأحمد (4/8)، والحاكم (1/278)، صحيح الترغيب برقم (696)، والمشكاة رقم (1361) .
(6) صحيح الجامع برقم (2212) .
قال ابن قيم الجوزية: ومعلوم بالضرورة أن جسده في الأرض طرى مطرا، وقد سأله الصحابة كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت فقال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، ولو لم يكن جسده في ضريحه لما أجاب بهذا الجواب، وقد صح عنه -$- أن الله وكل بقبره ملائكة يبلغونه عن أمته السلام، وصح عنه -$- أنه خرج بين أبي بكر، وعمر، وقال: هكذا نبعث، هذا مع القطع بأن روحه الكريمة في الرفيق الأعلى في أعلى عليين مع أرواح الأنبياء. كتاب الروح (1/44-45).(1/69)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا صلى وسلم عليه من بعيد بلغ ذلك، وإذا سلم عليه من قريب سمع هو سلام المسلم عليه، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم إذا أتى أحدهم قبره سلم عليه وعلى صاحبيه، كما كان ابن عمر يقول السلام عليك يا رسول الله السلام عليك با أبا بكر السلام عليك يا أبه، ولم يكن أحد منهم يقف يدعو لنفسه مستقبل القبر، ولهذا اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنه إذا سلم عليه وأراد أن يدعو استقبل القبلة ودعا، ولا يدعو مستقبل القبر. (1)
فإن الصلاة من أفضل العبادات، وهي أفضل من غيرها لاختصاصها بتضاعف الحسنات إلى سبعين على سائر الأوقات، ولكون إشغال الوقت الأفضل بالعمل الأفضل هو الأكمل والأجمل، ولكونه سيد الأيام فيصرف في خدمة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، ( فإن صلاتكم معروضة علي ) يعني على وجه القبول فيه وإلا فهي دائما تعرض عليه بواسطة الملائكة.
وقد جاء أحاديث كثيرة في فضل الصلاة يوم الجمعة وليلتها وفضيلة الإكثار منها على سيد الأبرار. (2)
فيستحب أن يصلي على النبي $ كلما ذُكر عنده، أو سمع، أو كتب، وأن يكرر الكاتب الصلاة على النبي $ كلما كتبه ويكتبها كاملة ولا يقتصرها كما يفعل البعض فيكتبها هكذا (صلعم) أو يكتبها (ص).
وهذا فيه بخل في الصلاة على النبي $، بل أبخل الناس، كما ذكر ذلك رسول الله $.
فعن أبي ذر >، أن رسول الله $ قال: "إن أَبخلَ الناس من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ"(3).
ويستحب إذا صلى على النبي $ أن يجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما، وهذا ظاهر في الآية.
وذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه العظيم (جلاء الأفهام) تسعاً وتسعين فائدة يحصل عليها المصلي على النبي$ منها:
__________
(1) منهاج السنة النبوية (2/443-444).
(2) عون المعبود (3/260).
(3) قال الألباني: صحيح ، فضل الصلاة (ص37)، وصحيح الترغيب برقم (1684).(1/70)
يصلي الله عليه بكل صلاة عشر صلوات، وترفع له عشر درجات، ويكتب له عشر حسنات، وتمحى عنه عشر سيئات، ويرجى إجابة دعائه إذا بدأه بحمد الله ثم صلى على النبي$ بعدها وختم دعاءه بالصلاة على النبي$، وسبب لنيل شفاعته$، وسبب لغفران الذنب، وذهاب الهم والغم، وقضاء الحوائج ، وتكون سبب للقرب منه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة.
وتكون سبب لطيب المجلس، وسبب لتثبيت القدم على الصراط ونور على الصراط، وبركة على المصلي في عمره وأسباب مصالحه.
وسبب لنيل رحمة الله، وسبب لهداية المصلي عليه وحياة قلبه، ويقول رحمه الله تعالى: (فكلما أكثر العبد من الصلاة عليه$ استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة شيء من أوامر ولا شك في شيء مما جاء به بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه وكلما ازداد في ذلك بصيرة ومعرفة ازدادت صلاته عليه$ فذكره$ وذكر ما جاء به وحمد الله سبحانه على أنعامه علينا ومنته بإرساله هو حياة الوجود وروحه".أ.هـ.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله $ يقول: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً".(1)
فيه الحث على الصلاة على رسول الله$ لما فيها من الأجر العظيم والخير العميم، والصلاة والسلام على رسول الله$ سبب في رحمة الله للعبد.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والصلاة على النبي $ معناها: أنك تسأل الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى .
ثم قال: فإذا صلى الإنسان على النبي $ صلى الله عليه بها عشراً، فلنكثر من الصلاة على نبينا محمد $ حتى يصلي الله علينا عشراً، فيثني علينا في الملأ الأعلى .(2)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (284)، ورواه أبو داود، والترمذي .
(2) الشرح الممتع (2/341) .(1/71)
وعن عبد الله بن مسعود>، أن رسول الله$ قال: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"(1).
قوله: (أولى الناس بي) أي أقربهم بي، أو أحقهم بشفاعتي، (أكثرهم علي صلاة) لأن كثرة الصلاة منبئة عن التعظيم المقتضي للمتابعة الناشئة عن المحبة الكاملة المرتبة عليها محبة الله تعالى، قال تعالى: +قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم".(2)
قال ابن حبان رحمه الله عقب هذا الحديث: في هذا الخبر بيان صحيح على أن أولى الناس برسول الله $ في القيامة يكون أصحاب الحديث إذ ليس في هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم، وقال غيره لأنهم يصلون عليه قولا وفعلا، كذا في المرقاة. (3)
وعن أنس بن مالك>، أن النبي$ قال: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطّ عنه بها عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات"(4).
وعن أبي هريرة >، أن النبي $ قال: "ما من أحدٍ يسلم
علي إلا ردَّ الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام"(5).
__________
(1) رواه الترمذي برقم (484)، وابن حبان برقم (908)، وغيرهما، وفي سنده موسى بن يعقوب الزمعي سيء الحفظ وشيخه عبد الله به كيسان مقبول. المشكاة (923)، وقال الشيخ الألباني رحمه الله في الترغيب: (حسن لغيره)، حديث رقم (1668) .
(2) سورة آل عمران آية (31).
(3) تحفة الأحوذي (2/496).
(4) رواه أحمد، والنسائي، وابن حبان، والحاكم وقال: (صحيح الإسناد)، وصححه الألباني في، المشكاة (922) وفضل الصلاة (12211)، والترغيب (1657) .
(5) رواه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، المشكاة برقم (625)، النقد(47)، التوسل(64)، الآيات (43، 44)، الترغيب برقم (1666) .(1/72)
وعن مكحول عن أبي أمامة> قال: قال رسول الله$: "أكثروا عليَّ من الصلاة في يوم الجمعة، فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم عليَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة"(1).
قال المناوي: ووجه مناسبة الصلاة عليه يوم الجمعة وليلتها أن يوم الجمعة سيد الأيام، والمصطفى سيد الأنام فللصلاة عليه فيه مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى وهي أن كل خير تناله أمة في الدارين فإنما هو بواسطته، وأعظم كرامة تحصل لهم في يوم الجمعة وهي بعثهم إلى قصورهم ومنازلهم في الجنة، وكما أن لهم عيد في الدنيا فكذا في الآخرة فإنه يوم المزيد الذي يتجلى لهم الحق تعالى فيه، وهذا حصل لهم بواسطة المصطفى $ فمن شكره إكثار الصلاة عليه فيه. (2).
وعن محمد بن يحيى بن حبان عن أبيه عن جده، "أن رجلاً قال: يا رسول الله! أجعلُ ثلث صلاتي عليك؟ قال: "نعم، إن شئت"، قال: الثلثين؟ قال: " نعم" قال: فصلاتي كلها؟ قال رسول الله$ " إذاً يكفيك ما همك من أمر دنياك وآخرتِك"(3).
__________
(1) رواه البيهقفي في الشعب بإسناد حسن، وصححه العلامة الألباني في الصحيحة برقم
(1527)، والإرواء (4)، وفضل الصلاة (40). وصحيح الترغيب برقم (1673).
(2) فيض القدير (2/87).
(3) رواه الطبراني بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1671).(1/73)
وعن أُبي بن كعب > قال: "كان رسول الله $ إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه " قال أُبي بن كعب: فقلت يا رسول الله: إني أُكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت" قلت: الربع؟ قال: "ماشئت وإن زدت فهو خير" قلت: النصف قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير" قال: أجعل لك صلاتي كلها قال: "إذاً تكفى همك ويغفر ذنبك"(1).
المراد بالصلاة في هذا الحديث الدعاء.
وفيه استحباب كثرة الصلاة على النبي $ في يوم الجمعة، وفي ليلته، لقوله عليه الصلاة والسلام "أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة"(2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا غاية ما يدعو به الإنسان من جلب الخيرات، ودفع المضرات، فإن الدعاء فيه تحصيل المطلوب، واندفاع المرهوب. (3)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:
استحبابُ كثرة الصلاة على النبي $ فيه وفي ليلته لقوله $: "أكثِروا مِنَ الصلاة عليّ يوم الجُمُعة وليلة الجمعة". (4)
__________
(1) رواه أحمد والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"، الحاكم، وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الصحيحة رقم (952)، والمشكاة (5351)، وفضل الصلاة (14).
(2) أخرجه البيهقي في الكبرى (3/249).
(3) مجموع الفتاوى (1/350).
(4) عن أنس > قال: قال رسول الله $: "أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً". السلسلة الصحيحة رقم (1407) وصحيح الجامع رقم (1209).(1/74)
ورسول الله$ سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام، فللصلاةِ عليه في هذا اليوم مزيةٌ ليست لغيره، مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة، فأما نالته على يده فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد له إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده$، فمن شكره، وحمده، وأداء القليل من حقه $ أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته.أ هـ.(1)
وعن أبي الدرداء> قال: قال رسول الله $: " من صلى عليَّ حين يصبح عشراً، وحين يمسي عشراً، أدركته شفاعتي يوم القيامةِ"(2).
قال المناوي: أي تدركه فيها شفاعة خاصة غير العامة، وفي هذا الحديث وما قبله وبعده دلالة على شرف هذه العبادة من تضعيف الصلاة، وتكفير السيئات، ورفع الدرجات، والإغاثة بالشفاعة عند شدة الحاجة إليها، قال الأُبي: وقضية اللفظ حصول الصلاة بأي لفظ كان وإن كان الراجح الصفة الواردة في التشهد، وفيه دليل على فضل الصلاة والسلام على النبي $ وأنه من أفضل الأعمال وأجل الأذكار بموافقة الجبار على ما قال { إن اللّه وملائكته يصلون على النبي } $، ولو لم يكن للصلاة عليه ثواب إلا رجاء شفاعته لكفى .اهـ. (3)
ffffff
فضل
في فضل الموت في يوم الجمعة أو في ليلتها
أخبرنا النبي $ أنه من يموت يوم الجمعة أو في ليلتها يقيه الله من فتنة القبر، وهذا خاص بهذه الأمة.
__________
(1) زاد المعاد (1/283) .
(2) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (656)، وصحيح الجامع حديث رقم (6357).
(3) فيض القدير .(1/75)
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر".(1)
وقد رواه أبو نعيم الحافظ عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا ولفظه من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء تفرد به عمر بن موسى الوجيهى وهو مدنى ضعيف. (2)
قال القرطبي: قلت: اعلم رحمك الله أن هذا الباب لا يعارض ما تقدم من الأبواب بل يخصصها و يبين من لا يسأل في قبره و لا يفتن فيه ممن يجري عليه السؤال و يقاسي تلك الأهوال و هذا كله ليس فيه مدخل للقياس و لا مجال للنظر فيه و إنما فيه التسليم و الانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد صلى الله عليه و سلم. (3)
وقال الشيخ الألباني: ثم إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمة - كتبها الله تعالى لنا بفضله ومنه - فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له ويا لها من بشارة.
ومنها: (الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح) الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقوله صلى الله عليه وسلم:"ما من مسلم يموت الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر".
وعن ابن عمرو>، عن النبي $ أنه قال: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر" . (4)
__________
(1) رواه أحمد في المسند برقم (6582)، والترمذي برقم(1074)، باب ما جاء في من مات يوم الجمعة. قال أبو عيسى هذا حديث غريب قال وهذا حديث ليس إسناده بمتصل ربيعة بن سيف إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعا من عبد الله بن عمرو. صحيح الجامع رقم (6773)، وصحيح الترغيب برقم (3562)، والمشكاة برقم (1367).
(2) كتاب الروح لابن القيم (1/81).
(3) التذكرة للقرطبي (1/167).
(4) صحيح الجامع حديث رقم (5773) .(1/76)
قال المناوي: لأن من مات يومها أو ليلتها فقد انكشف له الغطاء، لأن يومها لا تسجر فيه جهنم، وتغلق أبوابها، ولا يعمل سلطان النار ما يعمل في سائر الأيام، فإذا قبض فيه عبد كان دليلاً لسعادته وحسن مآبه، لأن يوم الجمعة هو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، فيميز اللّه بين أحبابه وأعدائه ويومهم الذي يدعوهم إلى زيارته في دار عدن، وما قبض مؤمن في هذا اليوم الذي أفيض فيه من عظائم الرحمة ما لا يحصى إلا لكتبه له السعادة والسيادة، فلذلك يقيه فتنة القبر.اهـ. (1)
ffffff
الأمور التي اشتركت فيهَا الجمعَةُ مع العيدين والتي افترقت
مَا هِيَ الأُمورُ الَّتي اشتَركَتْ فِيهَا الجمعَةُ مَعَ العِيدَينِ والَّتي افترقَتْ؟
الجواب: قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: وباللَّهِ الإِعانَةُ والوصُولُ إِلَى ما يحبه وَبَرْضَاهُ.
اعلَمْ أنَّ الشَّارِعَ مِن حِكمَتِه، ومحَاسِنِ شَرعِهِ، شَرَعَ للمسلِمِينَ الاجتماعَ للصَّلَواتِ وأنوَاعِ اَلتَّعَبُّدَات. وَهُوَ :
" إما اجتماعٌ خَاص كاجتمَاعِ أَهْلِ المحالِّ المتقَارِبَةِ لجماعةِ الصَّلَواتِ الخَمسِ .
" وإِمَّا اجتمَاعٌ عَام يجتَمِعُ فيه أهلُ البَلَدِ في مَسْجِدٍ وَاحِدٍ للجمعَةِ .
" وإِمَّا اجْتمَاعٌ أَعَم مِن ذَلِكَ كاجتماعِ أَهْلِ البَلَدِ رجَالهم ونِسَائهم أحرارِهِم وأَرِقَّائِهم في الأَعيَادِ .
" وإِمَّا اجتماعٌ أَعمَّ مِن ذَلِكَ كُلِّه كاجتماعِ المسلِمين مِن جَمِيعِ أَقْطَارِ الأَرضِ فِي عَرَفَةَ ومَنَاسِكِ الحجِّ .
وفي هَذِه الاجتِمَاعَاتِ مِنَ الحِكَمِ وَالأَسْرَار ومَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ ومَصْلَحَةِ الأُمَّة مَالا يُعدُّ وَلا يُحصَرُ .
__________
(1) فيض القدير .(1/77)
فمنهَا: إِظْهَار شَعَائِرِ الدِّين وبُرُوزِهَا مُشَاهَدًا جمالها عِندَ الموافِقين والمخالِفين، فإِن الدِّين نفسَه وَشَعَائِره مِن أكبرِ اَلأَدلَّة على أَنَّه الحَقُّ، وأَنَّهُ شرعَ لِوُصُولِ الخلقِ إِلَى صَلاح دينهِم ودُنيَاهُم وَصِلاح أخلاقِهِم وأعمَالِهم وسَعَادَتهِم اَلدُّنْيَوِيَّة وَالأُخْرَوِيَّة، فوقُوف الخلقِ عَلَى حَقِيقَةِ دِينِ الإسْلامِ وشرحِه لإِفهام النَّاسِ كافٍ وَحْدَهُ لِكُلِّ مُنصِفٍ قصده الحقيقةُ لمحبته وبَيَانُ أنَّه لا دِينَ إلاَّ هوَ، وأَنَّ ما خَالَفَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وإِيصَالُ هَذَا المعنَى لأَفهَامِ الخَلقِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مِن أَبْلَغهَا وأَجلِّهَا إِظْهَارُ هَذِهِ الشَّعَائرِ، ومَا احتَوَتْ عَلَيهِ مِنَ التَّقَرُّبَاتِ، وأصنَافِ العِبَادَاتِ، ولِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّعَائر عَلمًا على بَلَدِ الإِسْلامِ وظُهُورِ الدِّينِ وعُلُوِّه عَلَى سَائِر الأَديَانِ .
ومِنهَا: أَنَّ حَقَائقَ هَذِهِ العِبَادَاتِ لا تَحصُلُ بِدُونِ الاجتِمَاعَاتِ المذكُورَةِ، فالحكَمُ الَّتِي شُرِعَتْ لأَجْلهَا مُتَوَقِّفَةٌ على هَذَا الاجتِمَاعِ.
ومِنهَا: أَنَّ اجتِمَاعَ الخَلقِ لهَذِه العِبَادَاتِ مِن أَعظَمِ مَحبُوبَاتِ الربِّ، لما فِيهَا مِن تَنشِيطِ العِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّهم، وزِيَادَةِ رَغْبَتهمْ، وتنافُسِهِم في قُربهِ، وحُصُولِ ثَوَابِه، وسُهُولَةِ العِبَادَةِ عَلَيهم وخفتِهَا، وكثرَةِ ما تَشتَمِلُ عَلَيهِ مِن الانكِسَارِ لعظَمَةِ الرّبِّ، وَالتَّذَلُّل لَهُ والتَّضَرُّعِ وخُشُوعِ القُلُوبِ، وحُضورِهَا بين يَدَي اللَّهِ، واجتمَاعِهِم عَلَى طَلَبِهِم مِن رَبِّهِم مَصَالحهم العَامَّة المشتَرَكَة والخاصة.(1/78)
ومنهَا: مَا في اجتِمَاعِ المسلِمين مِن قِيَامِ اَلأُلْفَة والمودَّة؛ لأَنَّ الاجتِمَاعَ الظَّاهِرَ عِنوَانُ الاجتِمَاعِ البَاطِنِ، وتفكِيرُهُم في مَصَالحِهم، والسَّعيُ للعَمَلِ لها، وتَعلِيمُ بعضِهِم بَعضًا، وتَعَلُّمُ بعضِهِم مِن بَعضٍ.
فالعِلمُ الَّذِي لابِد مِنهُ للصَّغِيرِ والكَبِيرِ والذكَرِ والأُنثَى فَد تَكَفلتْ هَذِه الاجتماعَاتُ بحصُولِه.
وَلَولا هذه الاجتِمَاعَات لم يَعرِفِ النَّاسُ مِن مَبَادِئِ دِينهِم وأصُولِه شَيئًا إِلا أَفذاذًا مِنهُم. وَلِهَذَا كَانَ الوَافِدُ يَفِدُ إلَى النَّبِيِّ $ ويسألُه عَنِ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ فَيأمُرُه بحضورِ الصَّلاةِ مَعَه يَومًا أو يَومَينِ ثم ينصَرفُ مِن عِندِهِ فَاهِمًا لِصَلاةِ اَلنَّبِيِّ $، وقَالَ : " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلي ".(1)
وَقَد حَج النَّبِيِّ $ بَعدَ فَرضِ الحجِّ مَرَّة وَاحِدَة وَحَجّ مَعَهُ المسلِمُونَ وَقَالَ: " خُذُوا عَنّي مَنَاسِكَكُمْ ".(2)
فانصرَفَ النَّاسُ آخِذِينَ عن نَبِيّهمْ $ أحكَامَ اَلْحَجّ الكُلِّيَّة والتَّفصِيلِيَّةِ والتَّعليمُ العَمَليُّ أبلَغُ مِنَ التَّعلِيمِ القَوليِّ، والجمعُ بينهُمَا أكمَلُ.
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه برقم (6819).
(2) رواه مسلم في صحيحه برقم (310).
قال النووي: وتقديره هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال، والأفعال، والهيئات، هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم، فخذوها عني واقبلوها وحفظوها، واعملوا بها، وعلموها الناس، وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله $ في الصلاة: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وقوله $: "لعلي لا أحج بعد حجتي هذه"، فيه إشارة إلى توديعهم واعلامهم بقرب وفاته $ وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه، وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين، وبهذا سميت حجة الوداع والله أعلم.شرح النووي على صحيح مسلم.(1/79)
ومِنهَا: أَن فِي هَذِه الاجتمَاعَاتِ مِن مَعرِفَةِ مَرَاتِبِ المسلِمين ، ومَا هُمْ عَلَيهِ مِنَ العِلمِ والدِّينِ والأخلاقِ ، والمحافَظَةِ على الشَّرائِعِ أَو غَيرِ ذَلِكَ مِن أَعظَمِ الفَوَائِدِ المميِّزةِ ؛ لتحصُلَ مُعَامَلَتُهُم بحسَبِ ذَلِكَ .
وَلَولا هَذَا الاجتمَاعُ لَكانَ نَاقِصُ الدِّينِ قَلِيلُ الاهتِمَامِ به يَتَمَكَّنُ مِن تَركِ شَرَائِعه، وَلا يُمكِنُ إِلزَامُه بهَا، وفي ذَلِكَ مِنْ مَضَرَّته، وَمَضَرَّة العُمُومِ مَا فِيهِ .
وفي الجملةِ: فِيهَا مِن صَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَا هُوَ مِنَ الضرُورَاتِ الَّتي لا بُدَّ مِنهَا .
فَهَذِه الفَوَائِدُ وغَيرُهَا قد اشتَرَكَتْ فِيهَا.
وبأنها مِن شُرُوطِ الدِّين وَوَاجِبَاتِه .
وبأنها رَكعتَانِ يجهر فِيهِمَا في القِرَاءةِ.
وبمشروعيَّة الخُطبَتين فيهمَا .
فالَّذِي اشْتَرَكَتْ فيه أَكثَرُ ممَّا افترقت .
واستِحبَابُ اَلتَّجَمُّل والتَّطَيُّب، وتَبْكِيرُ المأمُومِ إليهِما، وتأخر الإِمَامِ إِلَى وَقتِ الصَّلاةِ، والاستِيطَانِ والعَدَدِ عَلَى القَولِ بِه.
وافتَرقَتْ بِأَشْيَاء بحسَبِ أحوَالِها ، وَمُنَاسَبَة الحَالِ الوَاقِعَةِ :
فمنها: الوَقتُ: الجمعةُ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى وَقتِ العَصرِ عندَ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ وعِندَ الإِمَامِ أَحمد مِن أَوَّلِ صَلاةِ العِيدِ إِلَى وَقتِ العَصرِ، وَوَقتُ العِيدِ مِن ارتفَاعِ الشَّمسِ قَيدَ رُمحٍ إِلى قُبَيلَ الزَّوَالِ.
ومِنهَا: أَنَّ صَلاةَ الجمعَةِ إِذَا فَاتَتْ لا تُقضَى بَل يُصَلُّونَ ظُهرًا، وأَمَّا العِيدُ فتُقضَى مِنَ الغَد بِنَظِيرِ وَقتِهَا.(1/80)
والفَرقُ: أَن العِيدَ لما كَانَ لا يَتَكَرَّرُ إلاَّ بتَكَرُّرِ العَامِ وَلا يُمكِنُ تَفوِيتُ مَا في ذَلِكَ الاجتِمَاعِ مِنَ المصَالِحِ شُرِعَ قَضَاؤُه، وأَمَّا الجُمعَةُ فتتكرَّرُ بالأُسبُوعِ ، فإذَا فَاتَ أسبوعٌ حَصَلَ المقصُودُ بِالآخَرِ، مَعَ حِكمَةٍ أُخرَى وَهِيَ أَنَّ العِيدَ كَثِيرًا مَا يُعذَرُ النَّاسُ بفَوَاتِه؛ لتعلُّقِه بالأَهِلَّة بِخِلافِ الجمعَةِ.
ومِنهَا : أَنَّ الجمعَة الخُطبَتانِ قَبَلَهَا والعِيدَينِ بعدَهُما ، وفد ذكر الحِكمَة في ذَلِكَ أَنَّهمَا في العِيدِ سُنَّةٌ ، وفي الجمعَةِ شَرط لازِمٌ ، فاهتَمّ بتَقدِيمه وهَذَا أَيضًا فَرق آخَرُ .
ومِنهَا : أَنَّه يُشرَعُ في صَلاةِ العِيدِ تَكبِيرَاتٌ زَوَائِد في أَوَّلِ كُلِّ ركعَةٍ في الأُولَى سِتًّا بَعدَ تَكبِيرَةِ الإِحْرَامِ ، وفي الثَّانِيَةِ خَمسًا بَعدَ تَكبِيرَةِ الانتِقَالِ .
ومِنهَا : أَنَّ المشْرُوعَ أَن تَكُونَ صَلاة العِيدَين في الصَّحرَاءِ إِلا لِعُذرٍ، والجُمعَةُ المشرُوعُ أن تَكُونَ في قصَبَةِ البَلَدِ إلاَّ لِعذرٍ .
ومِنَ الحِكمَةِ في ذَلِكَ لاشتِهَارِ العِيدِ، وزِيَادَةِ إِظهَارِه، ولاشتِرَاكِ اَلرِّجَال والنِّسَاءِ فِيهِ، وهَذَا أيضًا مِنَ اَلْفُرُوق بينَهُمَا.
ولِذَلِكَ كَانَ النَّبيُّ $ يَأمُرُ النِّسَاءَ بالخُرُوجِ للعِيدِ حَتَّى يَأمُرُ ذَوَات اَلْخُدُورِ، وحتَّى يَأْمُرُ الحُيَّضَ لِيُحْضَرْنَ دَعْوةَ المسلِمين، فَإنَّ دعوتَهُم مجتمعةً أقرَبُ للإِجَابَة. (1)
__________
(1) كانت الحائض تخرج لصلاة العيد وتكبر بتكبير الناس وتدعو بدعائهم .
فعن أم عطية رضي الله عنها، قالت: "أن رسول الله $ جمع نساء الأنصار في بيت فأرسل إلينا عمر بن الخطاب فقام علينا فرددنا عليه فقال أنا رسول رسول الله $ إليكن وأمرنا بالعيدين أن نخرج فيهما الحيض والعتق لا جمعة علينا ونهانا عن إتباع الجنائز" . رواه أبو داود برقم (1139) ، باب خروج النساء في العيد ، والنسائي في الكبرى برقم (5427) ، باب من لا تلزمه الجمعة .
وعنها أيضاً أنها قالت: "كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته". رواه البخاري برقم (928)، باب التكبير أيام منى، ومسلم برقم (890) ، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال .
قال الشوكاني: والحديث وما في معناه من الأحاديث قاضية بمشروعية خروج النساء في العيدين إلى المصلى، ولا فرق بين البكر والثيب، والشابة والعجوز والحائض وغيرها ما لم تكن معتدة أو كان في خروجها فتنة أو كان لها عذر . نيل الأوطار (3/354) .(1/81)
كَما أنَّ العِبَادَةَ المشتَرَكَة أفضَلُ مِنَ اَلْمُنْفرِدَة حتَّى فُضِّلَتْ صَلاةُ الجماعَةِ عَلَى صَلاةِ الفَذِّ بِسَبعٍ وعِشرِينَ ضِعفًا. (1)
وهَذَا مِنَ المعَاتي المشتَرَكَةِ .
ومِنهَا: وُجُوبُ فِطْرِ يَومِ العِيدِ دُونَ الجمعَةِ، فإنَّ إِفرَادَ صَومِه(2) مَكرُوهٌ لِكَونِ العِبَادِ أَضيافَ كَرَمِ الكَرِيمِ فِيهمَا .
وَمِنها: أنه في العِيدِ ينبغِي أن يَخرُجَ مِن طَرِيقٍ ويَرجِعَ فِي آخَر بِخِلافِ الجمعَةِ .
ومِنهَا: كَرَاهَةُ التنفُّلِ في مُصَلَّى العِيدِ قَبلَ الصَّلاةِ وبَعدَهَا بخِلافِ الجمعَةِ..
ومِنهَا : أن الجمعَةَ فَرضُ عَينٍ بالإِجمَاعِ ، وأمَّا العِيدَانِ ففيهمَا خِلافٌ مَعرُوفٌ ، المشهُورُ مِنَ المذهَبِ أَنَّهُمَا فَرضَا كِفَايَة .
والصَّحِيحُ : أَنَّهُمَا فَرضَا عَينٍ ، وَهُوَ إِحدَى اَلرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحمد ، اختَارَهَا الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
ومِنها : ما يتعلَّقُ بالعِيدَينِ مِن زَكَاةِ الفِطرِ والتَّكبِيرِ المطلَقِ والمقَيَّدِ ومِنَ اَلأَضَاحِيّ والهَدْي فَلا تُشَارِكُهَا الجمعَةُ فِيهَا .
ومِنهَا : أنَّ في الجمعَةِ سَاعَة ، لا يُوافِقُهَا مُسلِمٌ يَدعُو اللَّه إِلا استُجِيبَ لَهُ ، ولم يَرِد مِثلُ هَذَا في العِيدَينِ .
وكذَلِك:استَحبَّ العُلَمَاءُ زِيَارَةَ القُبُورِ يَومَ الجُمعَةِ دونَ العِيدَينِ؛ فالجُمعَةُ تتأكدُ فِيهَا الزِّيارَةُ والعِيدُ استحبَابٌ مطلَقٌ كسائِرِ اَلأَيَّام.
__________
(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله$ قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (645) ، ومسلم في كتاب المساجد برقم (1475،1476).
"الفذ" : الواحد.
(2) عن أبي هريرة >، أن النبي $ نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم.(1/82)
ومِنَ الفُرُوقِ: ما قَالَهُ الأَصحَابُ: أَنَّ خطْبتِي العِيدَينِ تُستَفتَحُ الأُولَى بتِسعِ تَكبِيرَاتٍ، والثَّانِيَةُ بِسَبعٍ، بخِلافِ الجمعَةِ فإِنَّهَا تُستَفتَحُ بالحَمْدِ.
والصَّحِيحُ: استِوَاؤهُمَا بالاستِفتَاحِ بالحمدِ كَما كَانَ النَّبيُّ $ يستَفتِحُ جَمِيعَ خُطَبِه بالحمدِ.
وتَشتَرِكُ صَلاةُ عِيدِ الفِطرِ وصَلاةُ عِيدِ النَّحرِ في جَمِيعِ هَذِهِ الأحكَامِ ، ويفتَرِقَانِ في أَمُورٍ يَسِيرَةٍ بحَسَبِ وَقتِهِمَا :
فَفِي الفِطرِ: يَنْبَغِي أَن لا يَخرُجَ مِن بيته حتَّى يأكل تَمرَاتٍ وَتْرًا تحقِيقًا للفَرقِ بينهُ وبين اَلأَيَّام الَّتي قَبلَهُ فِي وُجُوبِ الصِّيَامِ وَوُجُوبِ الفِطرِ.
كَما يُكْرَهُ أَن يتقدَّمَ شَهر رَمَضَانَ بِصِيامِ يَومٍ أَو يَومَينِ ، وكَما يُكرَهُ قَرنُ الفَرَائِضِ بِسُنَنِهَا ، وَكُرِهَ للإِمَامِ أَن يَتَطَوَّع مَوضِعَ المكتُوبَةِ .
والحِكْمَةُ في ذَلِكَ لأَجلِ أن يَتمَيزَ الفَرضُ مِن غَيرِه .
وأمَّا النَّحرُ : فَلا ينبَغِي أَن يأكل إِلا مِنْ أُضحِيته بَعدَ الصَّلاةِ .
وعِيدُ الفِطرِ تتعلَّقُ به أَحكَامُ صَدَقَةِ الفِطرِ، وعِيدُ النَّحرِ تَتَعَلَّق بِه أَحْكَامُ الأَضَاحِي.
ولِهَذَا يَنبَغِي فِي خُطبة عِيدِ الفِطرِ أَن يَذكُرَ أَحْكَامَ صَدَقَةِ الفِطرِ، وفي النَّحرِ أَنْ يَذكُرَ أحكَامَ اَلأَضَاحِيّ. وهَذَا مِنَ الفُرُوقِ .(1/83)
بَل يَنبَغِي لِكُلِّ خَاطِبٍ وَمُذَكِّرٍ أَن يَعْتَنِي بِهَذَا المقصُودِ ، فيُذكِّر النَّاسَ مَا يحتَاجُونَ إِلَيهِ بحسَبِ الزَّمَانِ والمكَانِ والأَحْوَالِ وَالأَسْبَاب كما كَانَتْ خُطْبُ النَّبِيِّ$ على هَذَا النَّمَطِ ؛ لأنَّ المقصُودَ بالخُطَبِ أَمرَانِ تَعلِيمُ النَّاسِ ما يَنْفَعُهُم مِن مُهِمَّاتِ دِينهِم وتَرغِيبُهُم وتَرهِيبُهُم بالوَعْظِ عَنِ التَّقصِيرِ بِالْمَأْمُورِ ، والوُقُوع في المحظُورِ .اهـ. (1)
للمساجد آداب عامة ينبغي على المسلم أن يتقيد بها، ويحافظ عليها. منها: ما يكون واجبا أو مستحبا أو مباحا، ومنها ما يكون مكروها أو محرما.
قال الله تعالى: +يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".(2)
قال ابن كثير: ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يستحب التجمل عند الصلاة, ولا سيما يوم الجمعة، ويوم العيد, والطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك. (3)
فها هو الإرشاد الإلهي للمسلم إذا أتى المسجد أن يكون على طهارة لورود الأحاديث في ذلك، ولزيادة الأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى .
قال النبي $: "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد غفر الله له ذنوبه".(4)
قوله: فأسبغ الوضوء: أي أتم وأكمل.
__________
(1) إرشاد أولى البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب العبادات
تأليف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
(2) سورة الأعراف آية (31).
(3) تفسير ابن كثير (2/622).
(4) رواه مسلم برقم (232)، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه.(1/84)
قال ابن حجر رحمه الله: وحاصله لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب فتسترسلوا في الذنوب اتكالا على غفرانها بالصلاة، فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة ولا اطلاع لأحد عليه، وظهر لي جواب آخر وهو أن المكفر بالصلاة هي الصغائر فلا تغتروا فتعملوا الكبيرة بناء على تكفير الذنوب بالصلاة، فإنه خاص بالصغائر، أو لا تستكثروا من الصغائر فإنها بالإصرار تعطي حكم الكبيرة فلا يكفرها ما يكفر الصغيرة، أو أن ذلك خاص بأهل الطاعة فلا يناله من هو مرتبك في المعصية، والله اعلم. (1)
وعليه أن يأتي بكل سكينة ووقار ، وعدم السعي والإسراع .
قال رسول الله $: "إذا أقيمت الصلاة - وفي رواية للبخاري: إذا سمعتم الإقامة- فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا - وفي رواية لمسلم: فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة -"(2) .
قال ابن منظور: فالسِّعْيُ هنا العَدْوُ سَعَى إِذا عَدَا سَعَى إِذا مَشَى سَعَى إِذا عَمِلَ سَعَى إِذا قَصَد وإِذا كان بمعنى المُضِيِّ عُدِّيَ بإِلى وإِذا كان بمعنى العَمَل عُدِّي باللام والسَّعيُ القَصْدُ وبذلك فُسِّرَ قولهِ تعالى فاسَعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّه ؛ وليس من السَّعْي الذي هو العَدْوُ وقرأَ ابن مسعود فامْضُوا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وقال لو كانَتْ من السَّعْي لَسَعَيْتُ حتّى يَسْقُطَ رِدَائِي قال الزجاج السَّعْيُ والذَّهابُ بمعنى واحدٍ لأَنّك تقولُ للرجل هو يَسْعَى في الأَرض وليس هذا باشْتِدادٍ . (3)
__________
(1) فتح الباري (11/251).
(2) رواه البخاري برقم (636) ، ومسلم برقم (602) .
(3) لسان العرب (14/385) .(1/85)
قال النووي: قوله ×: "وعليه السكينة والوقار: قيل هما بمعنى، وجمع بينهما تأكيداً، والظاهر أن بينهما فرقا، وأن السكينة التأني في الحركات، واجتناب العبث، والوقار في الهيئة، كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات، ونحو ذلك والله أعلم. (1)
وقال ابن حجر: واستدل بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بادراك جزء من الصلاة، لقوله: "فما أدركتم فصلوا"، ولم يفصل بين القليل والكثير، وهذا قول الجمهور، وقيل لا تدرك الجماعة بأقل من ركعة للحديث السابق من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك، وقياسا على الجمعة. (2)
ffffff
إخلاص النية لله تعالى
لقد فرض الله تعالى على عباده إخلاص النية في عبادتهم له سبحانه في جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والخفية، ومن جملتها الذهاب إلى المسجد أن يكون خالصاً لله تعالى، وأن لا يبتغي بذلك رياءً، أو سمعة، ولا شيئاً من حظوظ الدنيا الفانية، بل يبتغي به وجه الله عز وجل، وأن يحتسب الخطوات التي يمشيها لله تعالى ليثيبه عليها.
قال الله تعالى: +!$tBur أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ".(3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فهذه الآية فى سورة الأعراف المشتملة على أصول الدين والإعتصام بالكتاب، وذم الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله كالشرك وتحريم الطيبات، أو خالفوا ما شرعه الله من أمور دينهم كإبليس، ومخالفى الرسل من قوم نوح إلى قوم فرعون، والذين بدلوا الكتاب من أهل الكتاب، فإشتملت السورة على ذم من أتى بدين باطل ككفار العرب، ومن خالف الدين الحق كله كالكفار بالأنبياء أو بعضه ككفار أهل الكتاب.اهـ. (4)
وعن أبي هريرة> قال : قال رسول الله $: "من أتى المسجد لشيء فهو حَظُّه" .(5)
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (5/100).
(2) فتح الباري (2/118).
(3) سورة البينة الآية (5) .
(4) مجموع الفتاوى (1/86).
(5) صحيح أبي داود برقم (447) .(1/86)
قوله: "من أتى المسجد لشيء": أي لقصد حصول شيء أخروي أو دنيوي (فهو) أي ذلك الشيء، (حظه) ونصيبه، كقوله عليه السلام إنما لكل امرئ ما نوى، ففيه تنبيه على تصحيح النية في إتيان المسجد لئلا يكون مختلطا بغرض دنيوي كالتمشية والمصاحبة مع الأصحاب، بل ينوي الاعتكاف، والعزلة، والانفراد، والعبادة، وزيارة بيت الله، واستفادة علم وإفادته ونحوها. (1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله $ قال - فيما يَروي عن ربه عز وجل-: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك في كتابه، فمن هم بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عِنْدَه حسنة كاملةً، فإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسناتٍ إلى سَبْع مئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة".
زاد في رواية: "أو محاها، ولا يهلك على الله إلا هالك".(2)
قال ابن دقيق العيد: قال الشراح لهذا الحديث: هذا حديث شريف عظيم بين فيه النبي $ مقدار تفضل الله عز وجل على خلقه: بأن جعل هم العبد بالحسنة وإن لم يعملها حسنة، وجعل همه بالسيئة وإن لم يعملها حسنة، وإن عملها سيئة واحدة، فإن عمل الحسنة كتبها الله عشرا، وهذا الفضل العظيم بأن ضاعف لهم الحسنات ولم يضاعف عليهم السيئات، وإنما جعل الهم بالحسنات حسنة لأن إرادة الخير هو فعل القلب لعقد القلب على ذلك.اهـ. (3)
__________
(1) عون المعبود (2/96).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6491)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (131).
(3) شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (1/96).(1/87)
وقال ابن قتيبة رحمه الله: فإن الله تعالى تخلد المؤمن في الجنة بنيته لا بعمله ولو جوزي بعمله لم يستوجب التخليد، لأنه عمل في سنين معدودة والجزاء عليها يقع بمثلها وبأضعافها، وإنما يخلده الله تعالى بنيته لأنه كان ناويا أن يطيع الله تعالى أبداً، لو أبقاه أبداً فلما اخترمه دون نيته جزاه عليها، وكذلك الكافر نيته شر من عمله لأنه كان ناويا أن يقيم على الكفر لو أبقاه أبداً، فلما اخترمه الله تعالى دون نيته جزاه عليها.اهـ. (1)
وقال رسول الله $ لسعد بن أبي وقاص > عندما جاء يعوده: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك".(2)
قوله: "تبتغي بها وجه الله" أي: تقصد بها وجه الله عز وجل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فكل ما يفعله المسلم من القرب الواجبة والمستحبة، كالإيمان بالله ورسوله، والعبادات البدنية، والمالية، ومحبة الله ورسوله، والإحسان إلى عباد الله بالنفع والمال هو مأمور بأن يفعله خالصا لله رب العالمين لا يطلب من مخلوق عليه جزاء ولا دعاء ولا غير دعاء، فهذا مما لا يسوغ أن يطلب عليه جزاء لا دعاء ولا غيره.
وأما سؤال المخلوق غير هذا فلا يجب بل ولا يستحب إلا في بعض المواضع ويكون المسئول مأمورا بالإعطاء قبل السؤال، وإذا كان المؤمنون ليسوا مأمورين بسؤال المخلوقين، فالرسول $ أولى بذلك فإنه أجل قدراً وأغنى بالله عن غيره.
فإن سؤال المخلوقين فيه ثلاثة مفاسد:
1- مفسدة الإفتقار إلى غير الله وهي من نوع الشرك.
2- ومفسدة إيذاء المسئول وهي من نوع ظلم الخلق.
3- وفيه ذل لغير الله وهو ظلم للنفس، فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة، وقد نزه الله رسوله عن ذلك كله. (3)
__________
(1) تأويل مختلف الحديث (1/149).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوصايا برقم (2742)، ومسلم في كتاب الوصية برقم (1628).
(3) مجموع الفتاوى (1/190).(1/88)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: وينبغي أن يستحضر النية في جميع العبادات (وتكون في القلب) فينوي مثلاً الوضوء وأنه توضأ لله امتثالا لأمر الله فهذه ثلاثة أشياء: 1- نية العبادة، 2- نية أن تكون لله، 3- نية أنه قام بها امتثالا لأمر الله. فهذا أكمل شيء في النية، كذلك في الصلاة وفي كل العبادات. اهـ. (1)
فيجب أن تكون الأعمال الظاهرة والباطنة خالصة لله تعالى من غير رياء، ولا سمعة، ولا يشرك أحد مع الله من خلقه.
ويجب أن تكون الأعمال خالصة لله تعالى، وصواباً على طريقة النبي $.
قال بعض السلف: لا يقبل العمل إلا ما كان خالصاً صواباً.
ffffff
دعاء الذهاب إلى المسجد
ورد في السنة المطهرة الأدعية الخاصة بأعمال، ومنها في حال الذهاب إلى المسجد، ويكون من باب التأسي بالنبي $، وكذلك لنيل الثواب بإذن الله تعالى، ويكون تحصيناً من الجن.
فعن كريب، عن ابن عباس >، قال: بت ليلة عند خالتي ميمونة، فقام النبي $ من الليل فأتى حاجته ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام، ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها ثم توضأ وضوءا بين الوضوءين ولم يكثر وقد أبلغ، ثم قام فصلى، فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أنتبه له، فتوضأت فقام فصلى فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه، فتتامت صلاة رسول الله $ من الليل ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ فأتاه بلال فآذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ، وكان في دعائه: "اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، وعظم لي نورا".
__________
(1) شرح رياض الصالحين (1/10).(1/89)
قال كريب وسبعاً في التابوت، فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن فذكر: عصبي، ولحمي، ودمي وشعري، وبشري، وذكر خصلتين. (1)
قال النووي: "قال العلماء سأل النور في أعضائه وجهاته، والمراد به بيان الحق وضياؤه، والهداية إليه، فسأل النور في جميع أعضائه، وجسمه، وتصرفاته، وتقلباته، وحالاته، وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شيء منها عنه".
قالوا: والمراد بالتابوت: الإضلاع وما يحويه من القلب وغيره تشبيها بالتابوت الذي كالصندوق يحرز فيه المتاع، أي وسبعاً في قلبي. (2)
ffffff
آداب دخول المسجد
الدخول يكون بالرجل اليمنى، والخروج بالرجل اليسرى .
فعن أنس بن مالك > قال: "من السنة إذا دخلتَ المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجتَ أن تبدأ برجلك اليسرى" .(3)
وقال البخاري: باب التيمن في دخول المسجد وغيره.
وقال: وكان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى، فإذا خرج بدأ برجله اليسرى. (4)
قال ابن حجر: والصحيح أن قول الصحابي من السنة كذا محمول على الرفع. (5)
ffffff
الدعاء عند دخول المسجد والخروج منه وفضله
__________
(1) رواه البخاري برقم (5957)، باب الدعاء إذا انتبه بالليل، ومسلم برقم (763)، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه .وبوب عليه ابن خزيمة باب الدعاء عند الخروج إلى الصلاة برقم (448) .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم (6/45) .
(3) السلسلة الصحيحة برقم (2478)، وقال في الثمر المستطاب (1/601): أخرجه الحاكم (1/218) ومن طريقه البيهقي عن شداد أبو طلحة، قال: سمعت معاوية بن قرة يحدث عنه به واختلفا فيه، فقال الحاكم :صحيح على شرط مسلم فقد احتج بشداد بن سعيد أبي طلحة الراسبي، ووافقه الذهبي.
(4) صحيح البخاري (1/164).
(5) فتح الباري (1/523).(1/90)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي $ أنه كان إذا دخل المسجد يقول: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم"، قال: أقط؟ قلت نعم، قال: "فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفِظَ مني سائر اليوم".(1)
ففي هذا الحديث من الفوائد العقدية أنَّ الله سبحانه وتعالى من صفاته (القديم) .
وعن أبي حميد (أو عن أبي أسيد) قال: قال رسول الله $: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك".(2)
قال الطيبي: لعل السر في تخصيص الرحمة بالدخول، والفضل بالخروج أن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى ثوابه وجنته، فيناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل كما قال تعالى: { فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } . انتهى .(3)
وعن فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى قالت: "كان رسول الله $ إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد وسلم، وقال: رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك".(4)
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الكلم الطيب (ص 47)، وصحيح الجامع برقم (4715) .
(2) رواه مسلم في صحيحه برقم (68)، قال مسلم: سمعت يحيى بن يحيى يقول كتبت هذا الحديث من كتاب سليمان بن بلال .
(3) عون المعبود (2/93) .
(4) رواه الترمذي برقم (314)، باب ما جاء ما يقول عند دخول المسجد. صحيح الجامع برقم (515)، وصحيح ابن ماجة رقم (625)، وتخريج فضل الصلاة على النبي ( ص 82 - 84)، و تخريج الكلم (163).(1/91)
قال المناوي: طلب المغفرة في هذا الخبر وما قبله تشريعا لأمته، لأن الإنسان حمل التقصير في سائر الأحيان، وأبرز ضمير نفسه الشريفة عن ذكر الغفران تحليا بالانكسار بين يدي الملك الجبار، وفي هذا الدعاء عند الدخول استرواح أنه من دواعي فتح أبواب الرحمة لداخله. (1)
وقال الشوكاني: وهذا الحديث فيه زيادة التسمية، والسلام على رسول الله ×، والدعاء بالمغفرة في الدخول والخروج، وزيادة التسليم ثابتة عند أبي داود في الحديث الأول، وابن مردويه، وزيادة التسمية ثابتة عند ابن السني من حديث أنس كما تقدم، وعن ابن مردويه وقد تقدمت زيادة الصلاة، فينبغي لداخل المسجد والخارج منه أن يجمع بين التسمية والصلاة والسلام على رسول الله، والدعاء بالمغفرة، والدعاء بالفتح لأبواب الرحمة داخلاً، ولأبواب الفضل خارجاً، ويزيد في الخروج سؤال الفضل، وينبغي أيضا أن يضم إلى ما أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو: "عن النبي × أنه كان إذا دخل المسجد قال أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم"، وما أخرج الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين عن ابن عباس في قوله تعالى: { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم } ، قال: هو المسجد إذا دخلته فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.اهـ. (2)
ffffff
تحية المسجد
يجب على كل من دخل المسجد أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، لأمر النبي $ بذلك.
فعن أبي قتادة السلمي > قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" .(3)
__________
(1) فيض القدير (5/129).
(2) نيل الأوطار (2/163).
(3) رواه البخاري برقم (444)، ومسلم برقم (714) .(1/92)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله $ يخطب فجلس، فقال له: يا سليك قم فاركع ركعتين، وتجوز فيهما. ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" .(1)
وفي رواية عن جابر بن عبد الله قال: جاء رجل والنبي $ يخطب الناس يوم الجمعة فقال: "أصليت يا فلان" . قال لا قال: "قم فاركع ركعتين". (2)
وفي رواية: قم فصل الركعتين. وفي رواية: صل ركعتين. وفي رواية: أركعت ركعتين؟ قال: لا، قال: اركع. وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب، فقال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام ليصل".
قال النووي: هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وفقهاء المحدثين، أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويكره الجلوس قبل أن يصليهما، وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة، وحكى هذا المذهب أيضا عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين. (3)
وقد رجح وجوب تحية المسجد بعض المحققين كالشوكاني كما نيل الأوطار (3/308-309)، والصنعاني كما في سبل السلام (1/266)، وغيرهما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فهذا فيه الأمر بركعتين قبل أن يجلس، والنهى عن أن يجلس حتى يركعهما. (4)
قال ابن قدامة في الكافي: ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما لما روى جابر قال: دخل رجل والنبي $ يخطب قال: "صليت يا فلان؟ قال: لا، قال: فصل ركعتين". متفق عليه.
زاد مسلم ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما".(5).اهـ.(6)
__________
(1) رواه البخاري برقم (888)، ومسلم برقم (875) .
(2) أخرجه البخاري برقم (888)، ومسلم في الجمعة برقم (875).
(3) شرح النووي (6/164) .
(4) مجموع الفتاوى (23/192).
(5) سبق تخريجه .
(6) الكافي في فقه ابن حنبل .(1/93)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: سنة دخول المسجد مؤكدة جداً حتى أن بعض العلماء قال : أنها واجبة . (1)
وتحية المسجد تصلى حتى في أوقات الكراهة، وهذا هو الراجح والله أعلم.
قال النووي: استحباب التحية في أي وقت دخل وهو مذهبنا، وبه قال جماعة وكرهها أبو حنيفة. (2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو عام في كل وقت، عموما محفوظا، لم يخص منه صورة بنص، ولا إجماع. (3)
ffffff
عدم جواز الجلوس بمكان الغير
من جلس في موضع في المسجد ثم قام لعارض لحقه ثم عاد إليه قريباً فهو أحق به، ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما، ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا له أو لمن يكلمه ويجوز قبل الخطبة وبعدها.
فعن جابر >، عن رسول الله $ أنه قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فلا يقيمن أحدا من مقعده ثم يقعد فيه". (4)
وفي رواية عنه: "لا يقم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد، ولكن ليقل: افسحوا". (5)
__________
(1) شرح رياض الصالحين لابن عثيمين رحمه الله (3/273)، طبعة مكتبة الأنصار .
(2) شرح النووي (5/226) .
(3) مجموع الفتاوى (23/192).
(4) صحيح الجامع حديث رقم (457) .
(5) رواه مسلم.(1/94)
قال ابن قدامة في كتابه الكافي: وليس لأحد أن يقيم غيره ويجلس مكانه لما روى ابن عمر أن النبي $ قال: "لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ويجلس فيه". متفق عليه، وإن قام له رجل من مكان وأجلسه فيه جاز لأن الحق له لكن إن كان المتنفل ينتقل إلى موضع أبعد من موضعه كره لما فيه من الإيثار بالقربة، ولو قدم رجل غلامه فجلس في موضع فإذا جاء قام الغلام وجلس مكانه فلا بأس به كان ابن سيرين يفعله وإن فرش له مصلى لم يكن لغيره الجلوس عليه وهل لغيره رفعه والجلوس في موضعه؟ فيه وجهان :وإن قام الجالس من موضعه لحاجة ثم عاد إليه فهو أحق به لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله $: "إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به". رواه مسلم. (1)
ffffff
تحول من نعس عن مقعده
أرشد النبي $ أن من نعس أن يتحول إلى مقعد صاحبه، ليذهب عنه النوم.
فعن سمرة >، عن رسول الله $ أنه قال: "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول إلى مقعد صاحبه، وليتحول صاحبه إلى مقعده". (2)
قال ابن قدامة: وإن نعس فأمكنه التحول إلى مكان لا يتخطاه فيه أحد استحب له ذلك لما روى ابن عمر قال: سمعت رسول الله $ يقول: "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره". من المسند وهو حديث صحيح. اهـ. (3)
ffffff
الصلاة وقت الزوال يوم الجمعة(4)
عن جابر قال : كنا نصلى مع رسول الله $ الجمعة ثم نرجع فنريح نواضحنا. قلت : أية ساعة؟ قال : ( زوال الشمس ) .
في السنن الكبرى: عن جابر قال كنا نصلي مع رسول الله $ الجمعة ثم نرجع فنريح نواضحنا قلت أي ساعة قال زوال الشمس الأذان يوم الجمعة.
__________
(1) الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة (1/328).
(2) صحيح الجامع حديث رقم (812) .
(3) الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة(1/328).
(4) هذا الموضوع والذي بعده للإمام النسائي في كتابه الجمعة.(1/95)
ورواه مسلم: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ $ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا قَالَ حَسَنٌ فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ فِي أَيِّ سَاعَةٍ تِلْكَ قَالَ زَوَالَ الشَّمْسِ.
وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ > أَنَّ النَّبِيَّ $ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ، وهذا أخرجه أبو داود، والترمذي وقال: وَفِي الْبَاب عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَجَابِرٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ وَقْتَ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ كَوَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ إِذَا صُلِّيَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ أَنَّهَا تَجُوزُ أَيْضًا، وقَالَ أَحْمَدُ وَمَنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةً .
وعن إياس بن سلمة بن الأكوع يحدث عن أبيه قال : كنا نصلى مع النبي $ يوم الجمعة ثم يرجع وليس للحيطان فيء يستظل به .
رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأحمد، وأبو داود، والطبراني في الكبير، والدارمي، وأبو نعيم. ولفظ البخاري: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ $ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ فِيهِ .
ورواه مسلم في صحيحه، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
وعن جابر بن عبدالله؛ قال:كنا نصلي مع رسول الله $ ثم نرجع فنريح نواضحنا. قال حسن فقلت لجعفر: في أي ساعة تلك؟ قال: زوال الشمس.(1/96)
وعن سليمان بن بلال عن جعفر، عن أبيه؛ أنه سأل جابر بن عبدالله: متى كان رسول الله $ يصلي الجمعة؟ قال: كان يصلي. ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها. زاد عبدالله في حديثه: حين تزول الشمس، يعني النواضح.
وعن إياس بن سلمة الأكوع، عن أبيه ؛ قال: كنا نجمع مع رسول الله $ إذا زالت الشمس. ثم نرجع نتتبع الفيء.
وعن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه ؛ قال: كنا نصلي مع رسول الله $ الجمعة. فنرجع وما نجد للحيطان فيأ نستظل به.
وفي لفظ لأحمد عن الزبير بن العوام قال: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ $ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ فَنَبْتَدِرُ الْآجَامَ فَلَا نَجِدُ إِلَّا قَدْرَ مَوْضِعِ أَقْدَامِنَا.
شرح: الفيء: الظل بعد الزوال.
ffffff
تأخير الجمعة في الحر
عن أبي خلدة أن الحكم بن أيوب أخر الجمعة يوما فتكلم يزيد الضبي فدخلنا الدار فقال له يزيد : يا أبا حمزة ، قد صليت مع رسول الله $، فأين صلاتنا من صلاة رسول الله $؟ فقال : " كان إذا كان الحر نبرد بالصلاة وإذا كان البرد نبكر بالصلاة " . ولم يسمعه ولكنه قد شهد الأمر .
ورواه النسائي في سننه وفي الكبرى عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ $ إِذَا كَانَ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ...
وأخرجه البيهقي في الكبرى: خالد بن دينار أبو خلدة قال سمعت أنس بن مالك وهو جالس مع الحكم أمير البصرة على السرير يقول: كان رسول الله $ إذا كان الحر ابرد بالصلاة وإذا كان البرد بكر بالصلاة.
وعقد الشيخان بابا للإبراد بالصلاة في شدة الحر:
البخاري: بَاب الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، مسلم: بَاب اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِمَنْ يَمْضِي إِلَى جَمَاعَةٍ وَيَنَالُهُ الْحَرُّ فِي طَرِيقِهِ ... وهذه ألفاظ البخاري(1/97)
وعن أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ حَدَّثَنَا الْأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ $ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ...
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ $ الظُّهْرَ فَقَالَ: (أَبْرِدْ أَبْرِدْ ) أَوْ قَالَ(انْتَظِرْ انْتَظِرْ) وَقَالَ: شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ ... حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ ...
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ $ قَالَ : إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَاشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ...
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ $: أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في زاد المعاد بعد أن ذكر خصائص الجمعة، فقال:(1/98)
الخاصية الحادية عشرة: أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي رحمه الله ومن وافقه، وهو اختيارُ شيخنا أبي العباس بن تيمية ولم يكن اعتمادُه على حديث ليث، عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة، عن النبي $ أنه كره الصلاة نِصف النهار إلا يومَ الجمعة. وقال: "إنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ إلا يَوْمَ الُجُمَعة" .(1)
ثم قال الخاصية التاسعة عشرة: أن جهنم تسجّر كل يوم إلا يوم الجمعة. وقد تقدم حديث أبي قتادة في ذلك، وسر ذلك - والله أعلم- أنه أفضل الأيام عند الله، ويقع فيه من الطاعات، والعبادات، والدعوات، والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى، ما يمنع من تسجير جهنم فيه. ولذلك تكون معاصي أهل الإيمان فيه أقلّ من معاصيهم في غيره، حتى أن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في يوم السبت وغيره.
وهذا الحديث الظاهر منه أن المراد سجر جهنم في الدنيا، وأنها توقد كل يوم إلا يوم الجمعة، وأما يوم القيامة، فإنه لا يفتر عذابها، ولا يخفف عن أهلها الذين هم أهلها يوما من الأيام، ولذلك يدعون الخزنة أن يدعو ربهم ليخفف عنهم يوما من العذاب، فلا يجيبونهم إلى ذلك. (2)
ffffff
تجمير المساجد
ويستحب تجمير المسجد وتطييبه، وخصوصاً في يوم الجمعة، وقد رغب الشارع الحكيم في تنظيف المساجد وتجميرها، ورتب عليها الثواب الجزيل والأجر العظيم .
__________
(1) أخرجه أبو داود في الصلاة برقم (1083). وضعفه العلامة الألباني في سنن أبي داود برقم (1083) ، وضعيف الجامع برقم (1849) .
(2) قال الله تعالى { وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب، قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ظلال، إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار } . [غافر - 49/50].(1/99)
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرنا رسول الله $ ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب".(1)
وكذلك ما جاء في حديث المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد.
فعن أبي هريرة >: "أن امرأة سوداءَ كانت تَقُم المسجد ففقدها رسول الله $ فسأل عنها بعد أيام فقيل له: إنها ماتت. قال: "فهلا آذنتموني؟" فأتى قبرها فصلى عليها".( )
قوله: "تقم المسجد": تجمع القمامة، وهي الكناسة."امرأة سوداء" واسمها أم محجن كما رواه البيهقي من حديث بريدة، ورواه أبو الشيخ في حديث آخر .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "في الحديث فضل تنظيف المسجد، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب، وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير ". اهـ.(2)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر خصائص الجمعة، فقال: الخامسة عشرة: أنه يستحب فيه تجمير المسجد، فقد ذكر سعيد بن منصور، عن نعيم بن عبد الله المجمر، أن عمر بن الخطاب $ أمر أن يُجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار.
قلت: ولذلك سمي نعيم المُجمر. (3)
ffffff
النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر
ورد النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، إلا رجل خرج ويريد الرجوع، كأن ذهب ليتوضأ، أو لذهب لحاجة ثم يعود.
فعن سعيد بن المسيب >، أن النبي $ قال: "لا يخرج من المسجد أحدٌ بعد النداء إلا منافقُ ، إلا أحد أخرجته حاجةٌ ، وهو يريد الرجوع".(4)
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه، ورواه الترمذي مسنداً مرسلاً وقال في المرسل: هذا أصح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (275) .
(2) فتح الباري .
(3) زاد المعاد .
(4) رواه أبو داود في مراسيله، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (264).(1/100)
وعن أبي الشعثاء المحاربي، قال: كنا قعوداً في المسجد، فأذن المؤذنُ، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بَصَره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم $.(1)
قال ابن حجر: يدل على أن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورة، فيلحق بالجنب المحدث، والراعف، والحاقن، ونحوهم، وكذا من يكون إماماً لمسجد آخر ومن في معناه، وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة > فصرح برفعه إلى النبي $، وبالتخصيص، ولفظه لا يسمع النداء في مسجد ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق. (2)
ورواه أحمد وزاد: ثم قال: أمرنا رسول الله$ قال: "إذا كنتم في المسجد فنُودي بالصلاةِ، فلا يخرج أحدُكم حتى يصلي".(3)
وعن أبي هريرة > قال: قال رسول الله $: "لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق".(4)
وعن عثمان بن عفان > قال: قال رسول الله $: "من أدركه الأذانُ ثم خرج لم يخرج لحاجةٍ، وهو لا يريد الرجعة، فهو منافق".(5)
قوله: "فهو منافق" يعني : يفعل فعل المنافق، إذ المؤمن حقاً ليس من شأنه ذلك، فالنفاق هنا عملي، وليس قلبياً، فتنبه فإنه هام. قاله الألباني رحمه الله.
والمعنى أن جواز الخروج من المسجد بعد الأذان مخصوص بمن له عذر في الخروج وأما من لا عذر له فلا يجوز له الخروج. (6)
وعن أبي هريرة >: "إذا أذن المؤذن فلا يخرج أحد حتى يصلي".(7)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (655)، وأحمد في المسند برقم (2/537).
(2) فتح الباري (2/121).
(3) المسند (2/537).
(4) رواه الطبراني في الأوسط ، وقال الألباني: حسن صحيح ، الترغيب(262).
(5) رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في الترغيب (263).
(6) تحفة الأحوذي (1/518).
(7) صحيح الجامع حديث رقم (297) .(1/101)
قال ابن قدامة: ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر قال الترمذي : وعلى هذا العمل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: واستدل العلماء بهذا الحديث على أنه يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان لمن تلزمه الصلاة إلا لعذر، فمن العذر أن يكون حاقناً يعني يحتاج إلى بول، أو حاقناً يحتاج إلى غائط، أو معه ريح محتبسة يحتاج إلى أن ينقض الوضوء، أو أصابه مرض يحتاج إلى أن يخرج معه، أو كان إماماً لمسجد آخر.
وأما إذا خرج من هذا المسجد ليصلي في مسجد آخر فهذا فيه توقف قد يقول قائل : فالحديث عام ، وقد يقول قائل : إن الحديث فيمن خرج لئلا يصلي مع جماعة، وأما من خرج من مسجد ليصلي في آخر فهذا لم يفر من صلاة الجماعة ولكنه أراد أن يصلي في مسجد آخر، وعلى كل لا ينبغي أن يخرج حتى يصلي، وإن كان يريد أن يصلي في مسجد آخر إلا لسبب شرعي مثل أن يكون في المسجد الثاني جنازة يريد أن يصلي عليها، أو يكون المسجد الثاني أحسن قراءة من المسجد الذي هو فيه، أو ما أشبه ذلك من الأسباب الشرعية، فهنا نقول لا بأس أن يخرج . والله الموفق.(2)
ffffff
الاشتغال بالذكر والدعاء
على العبد أن يشتغل بالذكر والدعاء وقراءة القرآن منذ وصوله للمسجد إلى حين طلوع الخطيب على المنبر .
__________
(1) المغني (1/453).
(2) شرح رياض الصالحين (4/294) .(1/102)
قال صاحب كتاب الهداية: ثم يجلس مستقبل القبلة، ويشتغل بذكر الله تعالى، أو قراءة القرآن، أو يسكت ولا يخوض في حديث الدنيا، ولا يشبك أصابعه، لما روى أبو سعيد، عن رسول الله $ أنه قال: [إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان، وأن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه]. رواه أحمد في المسند. (1)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر خصائص الجمعة، فقال:
الخاصة الثامنة: أن يشتغل بالصلاة، والذكر، والقراءة حتى يخرج الإمام. (2)
ffffff
باب
الانصات للخطبة والنهي عن الكلام والإمام يخطب
يجب على العبد أن ينصت للخطيب ولا يتكلم بأي كلام حتى يفرغ من خطبته.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قلتَ لصاحبكَ يومَ الجمعةِ أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت".(3)
قوله: (لغوت) قيل: معناه خِبت من الأجر، وقيل: تكلمت. وقيل: أخطأت. وقيل: بطلت جمعتك. وقيل: صارت جمعتك ظهراً.
والقول الأخير هو الراجح وكذلك القول الذي قبله، لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حديث: "ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً".
وهو الذي جزم به الإمام ابن خزيمة. (4)
وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تكلمتَ يوم الجمعة فقد لَغَوتَ وألغَيتَ: يعني والإمام يخطب".(5)
__________
(1) رواه أحمد في "المسند" (4/243-244) وابن خزيمة في "صحيحه" (1/277/441) وابن حبان في "صحيحه" بنحوه هذا، وأبو داود، والترمذي، وقال الألباني:"صحيح لغيره"، صحيح الترغيب برقم (294). وسيأتي.
(2) زاد المعاد .
(3) رواه البخاري في كتاب الجمعة برقم (394)، ومسلم في كتاب الجمعة برقم (851).
(4) صحيح ابن خزيمة (3/55/ باب 71).
(5) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (717).(1/103)
قال النووي: وقوله: والإمام يخطب دليل على أن وجوب الإنصات، والنهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة، وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هذه الأحاديث في باب صلاة الجمعة ذكرها صاحب بلوغ المرام فيما يتعلق بالخطبة وغيرها ومنها حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي $ قال إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فبين النبي $ في هذا الحديث أن طول صلاة الرجل يعني يوم الجمعة وقصر خطبته يعني يوم الجمعة مئنة من فقهه أي دليل وعلامة على فقهه وذلك أن المطلوب من الخطبة هو الموعظة أو بيان الأحكام ولكلما كانت اقصر كان الناس لهم أوعى واحفظ وإذا كانت طويلة تمل السامعين من وجه ويضيع أخرها أولها ولا يستفيد الناس منها فائدة طولا لذلك كان الأفضل أن يقصر الخطبة بشرط إلا يكون تقصيرا يخل بالمقصود أما الصلاة فيطولها لان الصلاة هي صلة بين العبد وربه والمصلي يناجي ربه عز وجل إذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله له حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل وإذا قال اهدني الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ولا الضالين قال الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل وما دامت صلة بين العبد وربه والإنسان يناجي ربه فإنه يناجي أحب شيء إليه وكل إنسان فإنه يحب طول المقام مع من يحبه لذلك كان طول صلاة الرجل دليل على فقهه لكن ما هو ميزان الطول لان بعض الناس يستطيل القصير وبعضهم يستقصر الطويل الميزان لهذا عمل النبي $ وقد كان $ يقرأ في صلاة الجمعة إما الجمعة والمنافقين وإما سبح باسم ربك الأعلى والغاشية هذا مرة وهذا مرة كذلك أيضا مما يتعلق بالخطبة الإنصات للخطيب فإنه الإنصات للخطيب و(3) يجب على الإنسان أن ينصت للخطيب إنصاتا تاما حتى
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (6/138).(1/104)
أن النبي $ قال من مس الحصى فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له الحصى هو أن مسجد النبي $ كان مفروشا بالحصى الحصى الصغار كالجمار التي يرمى بها بعض الناس يعبث بالحصى إما يمسكه أو يأخذه بكفه أو غير ذلك فقال من مس الحصى فقد لغي لأنه اشتغل بذلك عن استماع الخطبة . (1)
وعن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يحضر الجمعة ثلاثةُ نفر، فرجلٌ حضرها يَلغو، فذلك حظُّه منها، ورجلٌ حضرها بدعاءٍ فهو رجل دعا الله، إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطَّ رقبةَ مسلم، ولم يؤذِ أحداً، فهي كفارةُ إلى الجمعة التي تليها و زيادة ثلاثة أيام. وذلك أن الله يقول: "مَن جاء بالحسنةِ فله عشرُ أمثالها" ".(2)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كفى لغواً أن تقول لصاحبك: أنصت، إذا خرج الإمام في الجمعة. (3)
وعن بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليست له جمعة".(4)
قال الشيخ ابن عثيمين: ومعنى "ليست له جمعة" أي: لا ينال أجر الجمعة، وليس معناه أن جمعته لا تصح، وأجر الجمعة أكثر من أجر بقية الصلوات.وكذلك أيضاً جاء في الصحيحين: "إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت. (5)
وعن علقمة بن عبد الله أن بن عمر قال لرجل كلم صاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب أما أنت فحمار وأما صاحبك فلا جمعة له".(6)
__________
(1) الشرح المختصر على بلوغ المرام كتاب الصلاة (3/296).
(2) رواه أبو دواد، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (723).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" (9/ رقم 9543) موقوفاً بإسناد صحيح، وصححه الألباني في الترغيب برقم (720).
(4) مصنف ابن أبي شيبة برقم (5305).
(5) الشرح الممتع (2/350).
(6) مصنف ابن أبي شيبة برقم (26103).(1/105)
وقوله: (فلا جمعة له) أي: ليس له الفضل الزائد للجمعة، لا أنه لا تصح صلاته، ولا يسقط عنه التكليف والله أعلم. قاله السندي.
وعن أبي ذر أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فجلستُ قريباً من أُبيّ بن كعب ، فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة (براءة) فقلت لأُبيّ: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهَّمني، ولم يكلمني، ثم مكثت ساعةً، ثم سألته؟ فتجهمني ولم يكلمني. ثم مكثتُ ساعة، ثم سألته؟ فتجهمني، ولم يكلمني فلما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت لأُبيٍّ: سألتك فتجهمتني، ولم تكلمني؟ قال أُبيَ: مالك من صلاتك إلا ما لغوتَ! فذهبتُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا نبي الله! كنت بجنب أُبيّ وأنت تقرأ (براءة) فسألته: متى نزلت هذه السورة؟ فتجهَّمني ولم يكلمني، ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت! قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "صدق أُبيّ".(1)
قوله: (فتجهمني) معناه: قطَّب وجهه وعبس، ونظر إليَّ نظر المغضب المنكر.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اغتسل يوم الجمعة، ومسَّ من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغُ عند الموعظةِ، كان كفارةً لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً".(2)
قال أبو بكر بن المنذر: ونهى _ النبي $ - عثمان بن عفان، وابن عمر، عن الكلام والإمام يخطب.
وقال ابن مسعود: إذا رأيته يتكلم والإمام يخطب فاقرع رأسه بالعصا. وكره ذلك ابن عباس، والشافعي، وعوام أهل العلم.
__________
(1) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه الألباني في "الترغيب" برقم (718).
(2) رواه أبو داود وابن خزيمة في "صحيحه" من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو وصححه الألباني، الترغيب (721).(1/106)
وكان النخعي، وسعيد بن جبير، وإبراهيم بن مهاجر، والشعبي، وأبو بردة، يتكلمون والحجاج يخطب. وقال بعضهم: إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا.
قال أبو بكر: اتباع السنة أولى.(1)
وقال ابن قدامة في الكافي: ولا يحرم الكلام على الخاطب لأن النبي $ كان يتكلم وعمر سأل عثمان أية ساعة هذه، فإذا وصل الخطيب إلى الدعاء ففيه وجهان :
أحدهما: يباح الكلام لأنه فرغ من الخطبة.
والثاني: لا يباح لأنه قاطع للخطبة أشبه التطويل في الموعظة. (2)
وإذا قال الخطيب +إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا".(3) فعلى الذي يستمع الخطبة أن يصلي في سره أو يسكت.
قال أبو بكر بن المنذر: واختلفوا فيما يفعله المستمع للخطبة إذا قرأ الإمام: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" الآية.
فقالت طائفة: يصلون عليه في أنفسهم ولا يرفعون أصواتهم، هذا قول مالك، وأحمد، وإسحاق.
وكان سفيان الثوري وأصحاب الرأي يحبون السكوت.
وقال ابن المنذر: هذا أحب إلي. (4)
قال الشيخ ابن عثيمين: فالصحيح: أنه ما دام الإمام يخطب، سواء في أركان الخطبة، أو فيما بعدها فالكلام حرام. (5)
قال ابن قدامة: وإذا سمع الإنسان متكلما لم ينهه بالكلام لقول النبي $: "إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت"، ولكن يشير إليه نص عليه أحمد فيضع إصبعه على فيه وممن رأى أن يشير ولا يتكلم زيد بن صوحان، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والثوري، والأوزاعي، وابن المنذر، وكره الإشارة طاوس.
__________
(1) الإشراف على مذاهب العلماء (2/102).
(2) الكافي في فقه ابن حنبل .
(3) سورة الأحزاب الآية (56) .
(4) الإشراف على مذاهب العلماء (2/108).
(5) الشرح الممتع (2/351).(1/107)
ولنا [ أن الذي قال للنبي $ متى الساعة ؟ أومأ الناس إليه بحضرة رسول الله $ بالسكوت ] ولأن الإشارة تجوز في الصلاة التي يبطلها الكلام ففي الخطبة أولى.
فأما الكلام الواجب كتحذير الضرير من البئر أو من يخاف عليه نارا أو حية أو حريقا ونحو ذلك فله فعله لأن هذا يجوز في نفس الصلاة مع إفسادها فها هنا أولى فأما تشميت العاطس ورد السلام ففيه روايتان قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل يرد الرجل السلام يوم الجمعة؟ فقال: نعم ويشمت العاطس؟ فقال: نعم والإمام يخطب قال أبو عبد الله قد فعله غير واحد قال ذلك غير مرة وممن رخص في ذلك الحسن والشعبي والنخعي والحكم وقتادة والثوري وإسحاق وذلك لأن هذا واجب فوجب الإتيان به في الخطبة كتحذير الضرير والرواية الثانية إن كان لا يسمع رد السلام وتشميت العاطس وإن كان يسمع لم يفعل قال أبو طالب: قال أحمد: إذا سمعت الخطبة فاستمع وأنصت ولا تقرأ ولا تشمت وإذا لم تسمع الخطبة فاقرأ وشمت ورد السلام وقال أبو داود : قلت لـ أحمد يرد السلام والإمام يخطب ويشمت العاطس ؟ قال: إذا كان ليس يسمع الخطبة فيرد وإذا كان يسمع فلا لقول الله تعالى: { فاستمعوا له وأنصتوا } وقيل لـ أحمد الرجل يسمع نغمة الإمام بالخطبة ولا يدري ما يقول يرد السلام؟ قال: لا إذا سمع شيئا وروي نحو ذلك عن عطاء وذلك لأن الإنصات واجب فلم يجز الكلام المانع منه من غير ضرورة كالأمر بالإنصات بخلاف من لم يسمع وقال القاضي: لا يرد ولا يشمت وروي نحو ذلك عن ابن عمر وهو قول مالك و الأوزاعي وأصحاب الرأي واختلف قول الشافعي فيحتمل أن يكون هذا القول مختصا بمن يسمع دون لم يسمع فيكون مثل الرواية الثانية ويحتمل أن يكون عاما في كل حاضر يسمع أو لم يسمع لأن وجوب الإنصات شامل لهم فيكون المنع من رد السلام وتشميت العاطس ثابتا في حقهم كالسامعين.(1/108)
وقال: لا يكره الكلام قبل شروعه في الخطبة وبعد فراغه منها وبهذا قال عطاء وطاوس والزهري وأبو بكر المزني والنخعي ومالك والشافعي وإسحاق ويعقوب ومحمد وروي ذلك عن ابن عمر وكرهه الحكم وقال أبو حنيفة : إذا خرج الإمام حرم الكلام قال ابن عبد البر : إن عمر وابن عباس كانا يكرهان الكلام والصلاة بعد خروج الإمام ولا مخالف لهما في الصحابة.
ولنا أن النبي $ قال: "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت" فخصه بوقت الخطبة وقال ثعلبة بن أبي مالك : إنهم كانوا في زمن عمر إذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون جلسوا يتحدثون حتى إذا سكت المؤذنون وقام عمر سكتوا فلم يتكلم أحد وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم ولأن الكلام إنما حرم لأجل الإنصات للخطبة فلا وجه لتحريمه مع عدمها وقولهم لا مخالف لهما في الصحابة قد ذكرنا عن عمومهم خلاف هذا القول.
فأما الكلام في الجلسة بين الخطبتين فيحتمل أن يكون جائزا لأن الإمام غير خاطب ولا متكلم فأشبه ما قبلها وبعدها وهذا قول الحسن ويحتمل أن يمنع منه وهو قول مالك و الشافعي و الأوزاعي و إسحاق لأنه سكوت يسير في أثناء الخطبتين أشبه السكوت للتنفس إذا بلغ الخطيب إلى الدعاء فهل يسوغ الكلام فيه وجهان أحدهما الجواز لأنه فرغ من الخطبة وشرع في غيرها فأشبه ما لو نزل ويحتمل أن لا يجوز لأنه تابع للخطبة فيثبت له ما ثبت لها كالتطويل في الموعظة ويحتمل أنه إن كان مشروعا كالدعاء للمؤمنين والمؤمنات وللإمام العادل أنصت له وإن كان لغيره لم يلزم الإنصات لأنه لا حرمة له.
ويكره العبث والإمام يخطب لقول النبي $: [ومن مس الحصا فقد لغا] رواه مسلم قال الترمذي: هذا حديث صحيح واللغو الإثم قال الله تعالى: { والذين هم عن اللغو معرضون } ولأن العبث يمنع الخشوع والفهم ويكره أن يشرب والإمام يخطب إن كان ممن يسمع وبه قال مالك والأوزاعي ورخص فيه مجاهد وطاوس والشافعي لأنه لا يشغل عن السماع.(1/109)
ولنا أنه فعل يشتغل به أشبه مس الحصى فأما إن كان لا يسمع فلا يكره نص عليه لأنه لا يستمع فلا يشتغل به.
قال أحمد: لا يتصدق على السؤال والإمام يخطب وذلك لأنهم فعلوا ما لا يجوز فلا يعنيهم عليه قال أحمد : وإن حصبه كان أعجب إلي لأن ابن عمر رأى سائلا يسأل والإمام يخطب يوم الجمعة فحصبه وقيل لـ أحمد : فإن تصدق عليه إنسان فناوله والإمام يخطب ؟ قال : لا يأخذ منه قيل : فإن سأل قبل خطبة الإمام ثم جلس فأعطاني رجل صدقة أناولها إياه ؟ قال : نعم هذا لم يسأل والإمام يخطب. (1)
قال ابن قيم الجوزية في الزاد : الخاصة التاسعة: الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوباً في اصح القولين، فإن تركه كان لاغياً، ومن لغا، فلا جمعة له، وفي "المسند" مرفوعا: "والذي يقول لصاحبه: أنصت، فلا جمعة له".(2)
وقال ابن قدامة في الكافي: ويستحب الدنو من الإمام لقول رسول الله $: "من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها". رواه ابن ماجه و النسائي وإن حضر قبل الخطبة اشتغل بالتنفل أو ذكر الله وقرأ القرآن ويكثر من الدعاء لعله يوافق ساعة الإجابة ويكثر من الصلاة على رسول الله $ ويقرأ سورة الكهف لأنه يروى عن النبي $ أنه قال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي الفتنة.
فإذا جلس الإمام على المنبر انقطع التنفل فإذا أخذ من الخطبة حرم الكلام لقول النبي $: "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت". متفق عليه.
__________
(1) المغني (2/165).
(2) أخرجه أحمد في المسند (719/1)، وأخرجه أبو داود في الصلاة برقم (1051(، وأخرج البخاري في كتاب الجمعة برقم (394)، ومسلم في كتاب الجمعة برقم(851) عن أبي هريرة $، وقد تقدم.(1/110)
وروى "ثعلبة بن مالك أنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر ولم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا"، وعنه: لا يحرم الكلام لما روى أنس قال : "بينما النبي $ يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال : يا رسول الله هلك الكراع هلك الشاء فادع الله أن يسقينا".(1) وذكر الحديث، متفق عليه، والأول أولى، وهذا يحتمل أنه من تكليم الخطيب دون غيره، لأنه لا يشتغل بتكليمه عن سماع خطبته والبعيد والقريب سواء في ذلك، وقد روي عن عثمان > أنه قال: إن للمنصت الذي لا يسمع من الخطبة مثل للسامع إلا أن للبعيد أن يذكر الله ويقرأ القرآن سرا وليس الجهر ولا المذاكرة في الفقه "لأن النبي $ نهى عن الحلق يوم الجمعة والإمام يخطب". وروى أبو داود، والنسائي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: [أن النبي $ نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة".(2) ومن لم يسمع متكلما لم ينهه بالقول: للخبر، ولكن يشير إليه ويضع إصبعه على فيه وإن وجب الكلام، مثل تحذير ضرير شيئاً مخوفاً فعليه الكلام لأنه لحق آدمي فكان مقدما على غيره، ومن سأله الإمام عن شيء فعليه إجابته لأن النبي $ سأل الداخل: "أصليت". فأجابه، وسأل عمر عثمان، فأجابه، وفي رد السلام وتشميت العاطس روايتان :
إحداهما: يفعل لأنه لحق آدمي فأشبه تحذير الضرير.
__________
(1) رواه البخاري برقم (890)، الكراع: اسم لجمع الخيل. الشاء: جمع شاة واحدة الغنم ذكرا أم أنثى.
(2) حسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة (3/158).(1/111)
والأخرى: لا يفعله لأن المسلم سلم في غير موضعه، والتشميت سنة(1) لا يترك لها الإنصات الواجب، ولا يتصدق على سائل، والإمام يخطب وإذا لم يسمع الخطبة فلا بأس أن يشرب الماء.اهـ. (2)
__________
(1) الحديث عن أنس بن مالك >، قال: "عطس عند النبي $ رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته عطس فلان فشمته، وعطست أنا فلم تشمتني، قال: إن هذا حمد الله، وإنك لم تحمد الله".رواه مسلم برقم (53).
(2) الكافي في فقه ابن حنبل .(1/112)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أما الكلام فقد اخبر النبي $ أن من تكلم والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا وجه المشابهة أن الحمار الذي يحمل أسفار لا يستفيد منها والأسفار هي الكتب الحمار لو حملته كتبا لم ينتفع بها كذلك هذا الذي جاء يستمع الخطبة لكنه يتكلم لم ينتفع لأنه يشتغل بكلامه عن استماعه قال والذي يقول له أنصت ليست له جمعة يعني الذي يسمعه يقول أنصت اسكت لا تتلك يعين ينهاه هذا ليست له جمعة مع انه نهي عن منكر لكنه نهي عن منكر بمثله ولأنه إذا قلا له أنصت ربما يقول الذي يتكلم أنصت عن ايش ثم يقول هذا أنصت عن الكلام ثم يقول ما تكلمت كلاما كثير فيرد ويقول بلى كثير تطول ولهذا قال $ الذي يقول له أنصت ليست له جمعة ومعنى انه ليست له جمعة انه يحرم من أجرها وإن كانت الصلاة تجزي وتبرئ بها الذمة لكن يحرم اجر الجمعة واجر الجمعة عظيم فضلت بها هذه الأمة على سائر الأمم فبين بهذا معنى قوله فقد لغى الثابت في الصحيحين إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت إلا انه يستثنى من ذلك ما إذا تكلم الإنسان مع الإمام أو الخطيب فهذا لا باس به لان رجلا دخل يوم الجمعة والنبي $ يخطب فتكلم قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وكذلك كلم النبي $ الرجل الذي دخل وهو يخطب فجلس فقال له أصليت قال لا قال قم فصل ركعتين وتجوز فيهما فإذا كان الكلام مع الإمام لحاجة أو مصلحة اعني مع الإمام الذي يخطب فانه لا باس به فإن قال قائل لو سلم علي مسلم هل أرد عليه لان رد السلام واجب؟ نقول لا ترد عليه لان هذا الذي سلم وقت الخطبة لا يستحق ردا إذا يعتبر كمثل الحمار يحمل أسفارا فلا ترد عليه لكن إذا خفت أن يقع في قلبه شيء أو يتكلم يقول ليش ما سلمت علي أو ليش ما رديت علي السلام فاغمزه أو سكته بالإشارة فإذا انتهت الخطبة قل له يا أخي لا يجوز للإنسان أن يتكلم والإمام يخطب ولا يسلم فإن قال قائل أرابت لو أن رجلا عطس(1/113)
والأمام يخطب فحمد الله أيجب علي أن أقول يرحمك الله؟ الجواب لا يجب علي وهو نفسه أي العاطس لا ينبغي له أن يجهر بالحمد لئلا يشوش على الناس أو ربما يتكلم إنسان جاهل ويقول يرحمك الله فإن قال قائل أريت لو سمع الخطيب يذكر النبي $ أيصلى عليه لان النبي $ من خصائصه انه إذا ذكر عندك وجب عليك أن تصلي عليه $ لان جبريل قال للنبي $ رغم انف امرئ ذكرت عنده فلم يصلي عليك قل آمين فقال رسول الله $ آمين دعاء من جبريل وتامين من محمد رسول الله $ فأي إنسان يذكر عنده رسول الله $ فإن الواجب عليه أن يصلي عليه فليستقبل رغم الأنف ورغم الأنف كناية عن الإذلال لان معناها أي سقط في الرغام أي التراب وهذا غاية الذل ولهذا نقول إذا سمعت الخطيب يذكر النبي $ فلا باس أن تصلي عليه لكن قال العلماء يصلي عليه سرا لئلا يشوش على من حوله فإن قال قائل فإذا سمعت الخطيب يدعو فهل أؤمن على دعائه لان دعاء الخطيب لنفسه ودعاء لمن يستمع إليه؟ فالجواب نعم أمن على دعائه ولكن بدون جهر لان الخطي هو يدعو لنفسه ولهذا لو قال الخطيب اللهم اغفر لي وارحمن واجعلني من عبادك الصالحين نهيناه عن هذا ورد في الحديث أن الإمام إذا خص نفسه بالدعاء فقد خان المأمومين قال شيخ الإسلام هذا محمول على الدعاء الذي يجهر به ويكون دعاء له وللمأمومين أما الدعاء الخاص فهذا لا باس به لكن الدعاء العام الذي يؤمن عليه لا يجوز له أن يخص نفسه به فإن فعل فقد خان المأمومين الخطيب إذا دعا سيدعو للعموم يقول ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان وما أشبه فهل نؤمن على دعائه؟ الجواب نعم لان دعائه دعاء دعاء لنا والله الموفق(1)
ffffff
باب
فضل السعي إلى الجمعة والغسل والتطيُّب
أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالسعي إلى صلاة الجمعة كما نهى عن البيع في وقتها.
__________
(1) الشرح المختصر على بلوغ المرام كتاب الصلاة (3/296-297).(1/114)
قال الله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" .(1)
قال شيخ الإسلام: "فجعل السعي إلى الجمعة خيراً من البيع، والسعي واجب والبيع حرام".(2)
وعليه أن يأتي بكل سكينة ووقار، وعدم السعي والإسراع .
قال رسول الله $: "إذا أقيمت الصلاة - وفي رواية للبخاري: إذا سمعتم الإقامة- فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا - وفي رواية لمسلم : فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة -"(3) .
__________
(1) سورة الجمعة الآية (9) .
(2) مجموع الفتاوى (23/232) .
(3) رواه البخاري برقم (636) ، ومسلم برقم (602) .(1/115)
قال النووي: فيه الندب الأكيد إلى إتيان الصلاة بسكينة ووقار، والنهي عن إتيانها سعيا سواء فيه صلاة الجمعة وغيرها سواء خاف فوت تكبيرة الإحرام أم لا، والمراد بقول الله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله الذهاب، يقال سعيت في كذا أو إلى كذا إذا ذهبت إليه وعملت فيه، ومنه قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، قال العلماء والحكمة في إتيانها بسكينة، والنهي عن السعي أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها ومتوصل إليها، فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها وعلى أكمل الأحوال، وهذا معنى الرواية الثانية فان أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة، وقوله $ إذا أقيمت الصلاة إنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها، فقيل الإقامة أولى وأكد ذلك ببيان العلة فقال $ فان أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة، وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة، وأكد ذلك تأكيدا آخر قال فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوت بعض الصلاة فصرح بالنهي وان فات من الصلاة ما فات وبين ما يفعل فيما فات.اهـ. (1)
وقال ابن قيم الجوزية: فلم ينه عن السعي إلى الصلاة، فإن الله أمر بالسعي إليها بل نهاهم أن يأتوا إليها يسعون، فنهاهم عن الإتيان المتصف بسعي صاحبه، والإتيان فعل البدن وسعيه عدو البدن وهو منهي عنه، وأما السعي المأمور به في الآية فهو الذهاب إليها على وجه الإهتمام بها والتفرغ لها عن الأعمال الشاغلة من بيع وغيره والإقبال بالقلب على السعي إليها ... (2)
وعلى الذاهب للمسجد أن يتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه قال الله تعالى: +إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ".(3)
__________
(1) شرح النووي (5/98) .
(2) التبيان في أقسام القرآن (1/7).
(3) سورة البقرة آية (222)(1/116)
وقال تعالى: +يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ". (1)
قال الشيخ السعدي: يقول تعالى - بعد ما أنزل على بني آدم لباسا يواري سوءاتهم وريشا: +يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" أي: استروا عوراتكم عند الصلاة كلها، فرضها ونفلها، فإن سترها زينة للبدن، كما أن كشفها يدع البدن قبيحا مشوها.
ويحتمل أن المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن، ففي هذا الأمر بستر العورة في الصلاة، وباستعمال التجميل فيها ونظافة السترة من الأدناس والأنجاس.اهـ. (2)
وأن يكون على طهارة لورود الأحاديث في ذلك ، ولزيادة الأجر والثواب عند الله تعالى .
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله $ أنه قال: "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل".(3)
وقال رسول الله $: "ثلاث حق على كل مسلم: الغسل يوم الجمعة، والسواك، والطيب".(4)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله $ أنه قال: "اغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رءوسكم، وإن لم تكونوا جنباً، ومسوا من الطيب". (5)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وذهب بعض أهل العلم: إلى أن الاغتسال واجب، وهذا هو القول الصحيح ... (6)
__________
(1) سورة الأعراف آية (31)
(2) تفسير السعدي .
(3) رواه البخاري في صحيحه برقم (877) و (854)، باب فضل الغسل يوم الجمعة وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو النساء ، ومسلم في كتاب الجمعة برقم (844و845).
(4) صحيح الجامع حديث رقم (3028).
(5) صحيح الجامع حديث رقم (1076).
(6) الشرح الممتع (2/334) .(1/117)
وقال الشيخ الألباني: الأحاديث الصحيحة الثابتة في "الصحيحين"، وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة قاضية بوجوب الغسل للجمعة، ولكنه ورد ما يدل على عدم الوجوب أيضاً عند أصحاب "السنن"، يقوي بعضه بعضاً، فوجب تأويله على أن المراد بـ (الوجوب) تأكيد المشروعية جمعاً بين الأحاديث، وإن كان لفظ "واجب" لا يصرف عن معناه ، إلا إذا ورد ما يدل على صرفه كما نحن بصدده، لكن الجمع مقدم على الترجيح،ولو كان بوجه بعيد. (1)
__________
(1) قال الألباني: قلت: لا شك أن الجمع مقدم على الترجيح، ولكن الجمع إذا كان بعيداً كهذا الذي جمع به المؤلف بين الحديثين
لم تطمئن النفس إليه، ونظرت لعلها تجد ما هو أقرب إلى الاطمئنان، وقد كنت قرأت قديماً كلاماً لبعض الأئمة اطمأنت إليه نفسي، وانشرح له قلبي، فها أنا أنقله إلى القارىء ليتأمل فيه، ثم يتبع ما اطمأنت له نفسه من الجمعين. قال ابن حزم في "المحلى" (2/14) بعد أن ساق حديث: ((من توضأ بعد الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل))، وما في معناه مما أشار إليه المصنف: (لو صحت لم يكن فيها نص ولا دليل على أن غسل الجمعة ليس بواجب، وإنما فيها أن الوضوء نعم العمل ، وأن الغسل أفضل، وهذا لا شك فيه، وقد قال الله تعالى: { ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم } فهل دلّ هذا اللفظ على أن الإيمان والتقوى ليس فرضاً ؟! ـ حاشا لله من هذا ، ثم لو كان في جميع هذه الأحاديث نص على أن غسل الجمعة ليس فرضاً لما كان في ذلك حجة ، لأن ذلك كان يكون موافق لما كان عليه الأمر قبل قوله عليه السلام: ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)) و ((على كل مسلم)) وهذا القول منه عليه السلام حكم زائد ناسخ للحالة الأولى بيقين لا شك فيه، ولا يحل ترك الناسخ بيقين والأخذ بالمنسوخ) .الأجوبة النافعة.(1/118)
واعلم أن حديث ((إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل)) يدل على أن الغسل لصلاة الجمعة؛ وأن من فعله لغيرها لم يظفر بالمشروعية ، سواء فعله في أول اليوم أو في وسطه أو في آخره .
ويؤيد هذا ما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان مرفوعاً: ((من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل)) زاد ابن خزيمة: ((ومن لم يأتها فليس عليها غسل)) .
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في زاده بعد أن ذكر خصائص الجمعة، فقال:
الرابعة عشرة: أنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها، فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" .(1)
من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله$ يقول: "ومن اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد، ثم يركع إن بدا له، ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج أمامه حتى يصلي، كانت كفارة لما بينهما".(2)
وفي سنن أبي داود ، (3)
عن عبد الله بن سلام >، أنه سمع رسول الله $ يقول على المِنبر في يوم الجُمعة: "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته".
__________
(1) برقم (23630/9(، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم (1775). وإسناده حسن.
(2) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم (3/138)، وحسن إسناده الشيخ الألباني كما في صحيح ابن خزيمة .
(3) في الصلاة (1078) باب (219) اللبس للجمعة، وأخرجه ابن ماجة في إقامة الصلاة (1095) باب (83) ما جاء في الزينة يوم الجمعة. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (1078).(1/119)
وفي سنن ابن ماجة(1)، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي $ خطب الناس يوم الجمعة، فرأى عليهم ثياب النمار، فقال: "ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته".
وعن أبي هريرة > قال: قال رسول الله $: "إذا كان يوم الجمعة فاغتسل الرجل وغسل رأسه ثم تطيب من أطيب طيبه ولبس من صالح ثيابهِ ثم خرج إلى الصلاة ولم يفرق بين اثنين ثم استمع للإمام غفر له من الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام".(2)
قال الحافظ: "وفي هذا دليل على ما ذهب إليه مكحول ومن تابعه في تفسير قوله: "غَسَلَ واغتسل" والله أعلم.
وأما ما ذهب إليه مكحول هو قوله "غسل" معناه غسل الرأس خاصة، وذلك لأن العرب لهم لِمَمٌ وشعور وفي غسلها مؤنة فأفْرَدَ غسل الرأس من أجل ذلك. أ.هـ.(3)
وعن أبي سعيد الخدري > ، عن رسول الله $ قال: "غُسلُ يوم الجُمعَةِ واجِبٌ على كُلِّ مُحتَلِم وسِواكٌ، ويَمسُّ من الطيب ما قَدَرَ عليه".(4)
__________
(1) في إقامة الصلاة (1096)، باب (83) ما جاء في الزينة يوم الجمعة. من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن زهير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها. ومن طريقه أخرجه ابن حبان (2777)، وابن خزيمة (1765)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة (1/349)، وصحيح ابن خزيمة (3/132).
(2) رواه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (705).
(3) صحيح الترغيب (1/433) .
(4) رواه مسلم في كتاب الجمعة برقم (846).(1/120)
قال أبو حاتم: في هذا الخبر إتيان الجمعة فرض على كل محتلم، والعلة فيه أن الاحتلام بلوغ، فمتى بلغ الصبي وأدرك ، بأن يأتي عليه خمس عشرة سنة كان بالغا ، وإن لم يكن محتلما ، ونظير هذا قول الله جل وعلا: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (النور 59) فأمر الله جل وعلا في هذه الآية بالاستئذان من بلغ الحلم ، إذ الحلم بلوغ ، وقد يبلغ الطفل دون أن يحتلم ، ويكون مخاطبا بالاستئذان كما يكون مخاطبا عند الاحتلام به ...
ومن حاشيته: الاحتلام: أصله رؤية الجماع ونحوه في النوم مع نزول المني غالبا والمراد الإدراك والبلوغ ...
قال أبو بكر بن المنذر: وقالت طائفة: الغسل سنة، وليس بفرض، كان ابن مسعود يقول: هو سنة، وممن لم يره فرضاً الأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، والنعمان، وأصحابه.
وقال ابن المنذر: هكذا نقول. (1)
والمغتسل للجنابة والجمعة غسلاً واحداً.
قال أبو بكر بن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يقولون: يجزئ غسلاً واحداً، للجنابة والجمعة، روينا هذا القول عن ابن عمر، ومجاهد، ومكحول، ومالك بن أنس، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه. (2)
ويبكر إليها ماشياً وعليه السكينة والوقار، ويدنو من الإمام ، ولا يشبكن بين أصابعه، لقوله $: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة". (3)
__________
(1) الإشراف على مذاهب العلماء (2/92).
(2) الإشراف على مذاهب العلماء (2/92).
(3) الحديث عن كعب بن عجرة، رواه أبو داود، وأحمد، والترمذي . صحيح سنن أبي داود برقم (526)، وصحيح الجامع برقم (442).(1/121)
وعن سلمان الفارسي > قال: قال رسول $: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى".(1)
قوله: "ويتطهر ما استطاع من الطهور": المراد به المبالغة في التنظيف.
قال الشيخ الألباني: قلت: فهذا الحديث يبين بجلاء وظيفة الداخل إلى المسجد يوم الجمعة في أي وقت كان، وهي أن يصلي ما قدر له، (وفي حديث آخر: ((ما بدا له)) حتى يخرج الإمام، فينصت له، فهو دليل صريح أو كالصريح على جواز الصلاة قبل الزوال يوم الجمعة ، وذلك من خصوصيات هذا اليوم كما بين المحقق ابن القيم في "الزاد" (1/143)، واحتج له بهذا الحديث، فقال عقبه: ((فندبه إلى صلاة ما كتب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام، لا انتصاف النهار)). ثم ذكر مذاهب العلماء في الصلاة قبل الزوال، وهي ثلاثة: مباح مطلقاً يوم الجمعة وغيره، ومكروه مطلقاً، والثالث أنه وقت كراهة إلا يوم الجمعة، وهو مذهب الشافعي، وهو الحق الذي اختاره جماعة من الحنفيين وغيرهم، وهو قول الإمام أبي يوسف رحمه الله، وهو المعتمد المصحح في المذهب كما في "الأشباه والنظائر"، وعليه الفتوى كما في الطحطاوي على "مراقي الفلاح" .(2)
وعلى هذا جرى عمل الصحابة رضي الله عنهم، فروى ابن سعد في "الطبقات" (8/360) بإسناد صحيح على شرط مسلم عن صافية قالت: ((رأيت صفية بنت حيي ( وهي من أزواج النبي $ ماتت في ولاية معاوية)، صلت أربعاً قبل خروج الإمام ، وصلت الجمعة مع الإمام ركعتين)).اهـ. (3)
__________
(1) رواه البخاري برقم (843)، باب الدهن للجمعة .
(2) وراجع تحقيق القول في ذلك في "إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي الفجر" لشمس الحق العظيم آبادي .
(3) الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة .(1/122)
وعن أبي هريرة> قال: "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثةِ أيام".(1)
وعن أبي أيوب الأنصاري > قال : سمعت رسول الله $ يقول : "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيبٍ إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع ما بدا له ولم يؤذِ أحداً ثم أنصت حتى يصلي كان كفارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى".(2)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر خصائص الجمعة، فقال:
الخاصة الرابعة: الأمر بالاغتسال في يومها، وهو أمرٌ مؤكد جداً ، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر . _ على قَولِ مَن أوجبَ الوتر _ .
لحديث ابن عمر كما في "الصحيحين": "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل".
الخاصة الخامسة: التطيب فيه، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.
الخاصة السادسة: السواك فيه، وله مزية على السواك في غيره.
الخاصة السابعة: التبكير للصلاة. (3)
ffffff
وقت الغسل للجمعة
أفضل الوقت لغسل الجمعة هو أن يكون قبيل الخروج إلى الصلاة، بحيث يغتسل ثم يخرج للجمعة.
عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل علي أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة فقال: غُسلُك هذا من جنابة أو للجمعة؟ قلت: من جنابة. قال: أعِدْ غسلاً آخر، إني سمعت رسول الله $ يقول: "من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى".(4)
ورواه ابن حبان في "صحيحه" ولفظه: "من اغتسل يوم الجمعة لم يزل طاهراً إلى الجمعة الأخرى".
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1984).
(2) رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه، صحيح الترغيب رقم (688).
(3) زاد المعاد (1/375) .
(4) رواه الطبراني في الأوسط ، وابن خزيمة في صحيحه، وقال: هذا حديث غريب لم يروه غير هارون يعني ابن مسلم صاحب الحِنّاء، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (704).(1/123)
قال ابن قدامة في كتابه الكافي: ووقت الغسل بعد الفجر لقوله: [يوم الجمعة] والأفضل فعله عند الرواح لأنه أبلغ في المقصود ولا يصح إلا بنيته لأنه عبادة فإن اغتسل للجمعة والجنابة أجزأه وإن اغتسل للجنابة وحدها احتمل أن يجزئه لقوله عليه السلام: [من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة] ولأن المقصود التنظيف وهو حاصل واحتمل أن لا يجزئه لقوله عليه السلام : "وليس للمرء من عمله إلا ما نواه" .اهـ. (1)
وقال المناوي: قوله: "من اغتسل يوم الجمعة" أي لها في وقت غسلها وهو من الفجر إلى الزوال "كان في طهارة" من الساعة التي صلى فيها الجمعة، أو من وقت الغسل "إلى" مثلها من "الجمعة الأخرى" والمراد الطهارة المعنوية، وهذا تنبيه على عظيم فضل الغسل لها في باب الجمعة من حديث هارون بن مسلم العجلي، عن أبان عن يحيى بن عبد اللّه بن أبي قتادة "عن أبي قتادة" قال عبد اللّه: دخل علي أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة، فقال: غسل جنابة أو للجمعة قلت: من جنابة، قال: أعد غسلاً آخر فإني سمعت رسول اللّه $ يقول فذكره. (2)
وعن أبي هريرة > قال : قال رسول الله $: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفرَ له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا".(3)
استمع: الإستماع: الإصغاء، والإنصات: السكوت .
"لغا" قيل: معناه خاب من الأجر وقيل أخطأ، وقيل: صارت جمعته ظهراً وقيل غير ذلك.
__________
(1) الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة(1/328).
(2) فيض القدير .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1985)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1050)، والترمذي في كتاب الصلاة برقم (498)، وابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها برقم (1090).(1/124)
وقال رسول الله $: "ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أُمر ثم يخرج من بتيه حتى يأتي الجمعة، ويُنصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة".(1)
وفي رواية: "إلا كانت كفارة لما بينه وبين الجمعة الأخرى ما اجتنبت المقتلة".(2)
"المقتلة": تأنيث المقتل وهو العضو الذي إذا أصيب لا يكاد صاحبه يسلم، وما لم " تُصَب " بالبناء للمجهول....والمراد: ما لم يرتكب ذنبا يكاد يهلكه.
وعن أبي قتادة >، عن رسول الله $ أنه قال: "من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى". (3)
قال صاحب كتاب الهداية: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الجُمُعَةَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا، وَقِيْلَ: الغَسْلُ وَاجِبٌ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ، والأَفْضَلُ أَنْ يَفْعَلَهُ عِنْدَ الرَّوَاحِ، ويَتَنَظَّفَ(4) بِأَخْذِ شَعْرِهِ وظُفْرِهِ، وقَطْعِ رَائِحَتِهِ(5)، ويَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ - وأَفْضَلُهَا البَيَاضُ - ويَتَعَمَّمَ وَيَرْتَدِي ويَتَطَيَّبَ .
ويُسْتَحَبُّ لَهُ التَّبْكِيْرُ، وأنْ يَأْتِيَهَا مَاشِياً وعَلَيْهِ السَّكِيْنَةُ(6)
__________
(1) رواه النسائي في السنن الكبرى (1664و1724)، والحاكم (1/277)، وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (689).
(2) رواه الطبراني في الكبير نحو رواية النسائي، صحيح الترغيب (689).
(3) صحيح الجامع حديث رقم (6065) .
(4) في الأصل : (( ويتنضف )) .
(5) وذلك حَتَّى لا يتأذى جاره في الصَّلاَة .
(6) لقوله$ : (( إذا أقيمت الصَّلاَة ، فَلاَ تأتوها وأنتم تسعون ، وَلَكِن ائتوها وأنتم تمشون ، وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا )) .
الحديث أخرجه الطيالسي (2350) ، وعبد الرزاق (3405)، وأحمد 2/239 و 270و382 و386، والبخاري 2/9، وفي القراءة خلف الإمام (170) و (171) و (172) و (173)، ومسلم 2/100، وأبو داود (573) ، والترمذي (327)، وابن خزيمة ( 1505 ) و ( 1772 ) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/396، والبيهقي 2/249 من حديث أبي هريرة .(1/125)
والوَقَارُ، ويَقْرَأُ سُوْرَةَ الكَهْفِ(1)، ويَدْنُوَ مِنَ الإِمَامِ، ويَتَشَاغَلَ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وتِلاَوَةِ القُرْآنِ، ويُكْثِرَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ$ في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا(2)، ويُكْثِرُ الدُّعَاءَ في يَوْمِهَا لَعَلَّهُ أنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الإِجَابَةِ. .(3)
ffffff
تجنب الروائح الخبيثة و غير الطيبة عند ذهابه للمسجد
على العبد المسلم أن يتجنب الروائح الخبيثة وغير الطيبة ومما له رائحة كريهة، وكل رائحة تؤذي الملائكة وتؤذي المصلين عند الذهاب إلى المسجد، سواء كان ذلك في صلاة الجمعة، أو الجماعة .
وكذلك ورد النهي عن البصاق في المسجد و إلى القبلة، وإنشاد الضالة فيه وغير ذلك .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي$ قال: "من أكل من هذه الشجرة (يعني الثوم) فلا يقربنَّ مسجدنا".(4)
وفي رواية لمسلم: "فلا يقربن مساجدنا".
وفي رواية لهما: "فلا يأتينَّ المساجد".
وعن أنس> قال: قال النبي $: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنّا، ولا يصلينّ معنا".(5)
__________
(1) لحديث النبي$ : ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء لَهُ من النور ما بين الجمعتين)) . أخرجه البيهقي3/249، والحاكم 2/368 من حديث أبي سعيد الخدري.
(2) لحديث النبي$ : (( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليَّ من الصَّلاَة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليَّ )) .
الحديث أخرجه أحمد 4/8 ، والدارمي (1580) ، وأبو داود (1047) و (1531) ، والنسائي 3/91 ، وابن خزيمة (1733) و (1734) ، والحاكم 1/278 ، والبيهقي 3/248 من حديث أوس بن أوس .
(3) كتاب الهداية .
(4) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (853)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (561).
(5) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (856)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (562).(1/126)
قال ابن قدامة: ويكره أكل البصل والثوم والكراث والفجل وكل ذي رائحة كريهة من أجل رائحته سواء أراد دخول المسجد أو لم رد لأن النبي $ قال: [إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس] رواه ابن ماجة وإن أكله لم يقرب من المسجد لقول النبي $: [من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا] وفي رواية: [فلا يقربنا في مساجدنا] رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وليس أكلها محرما [لما روى أبو أيوب أن النبي $ بعث إليه بطعام لم يأكل منه النبي $ فذكر ذلك له فقال النبي $: فيه الثوم فقال يا رسول الله أحرام هو؟ قال لا ولكنني أكرهه من أجل ريحه] قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح [وقد روي أن النبي $ قال لعلي: كل الثوم فلولا أن الملك يأتيني لأكلته] وإنما منع أكلها يؤذيي الناس برائحته ولذلك نهى عن قربان المساجد فإن أتى المساجد كره له ذلك ولم يحرم عليه [لما روى المغيرة بن شعبة قال: أكلت ثوما مصلى رسول الله $ وقد سبقت بركعة فلما دخلت المسجد وجد رسول الله $ ريح الثوم فلما قضى صلاته قال : من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها فجئت فقلت يا رسول الله $ لتعطني يدك قال فادخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر فقال: إن لك عذرا]. رواه أبو داود، وقد روي عن أحمد أنه يأثم لأن ظاهر النهي التحريم ولأن أذى المسلمين حرام وهذا فيه أذاهم. (1)
وعن جابر > قال: قال النبي $: "من أكل بصلا أو ثوماً فليعتزلنا، أو فليعتزل مساجدنا، وليقعُد في بيته".(2)
وفي رواية لمسلم:من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنَّ مسجدنا، فإنَّ الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
__________
(1) المغني (11/88).
(2) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5452)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (564).(1/127)
وفي رواية له: نهى رسول الله $ عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال: "من أكل مِنْ هذه الشجرة المنتنة فلا يقربنّ مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس".
وعن عمر بن الخطاب >: أنه خطب الناس يوم الجمعة فقال في خُطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين، لا أراهما إلاّ خبيثتين هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله $ إذا وجَدَ ريحهما من الرجل في المسجد، أمر به فاُخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليُمتهما طبخا".(1)
قال النووي: معناه: من أراد أكلها فليمت رائحتهما بالطبخ، وإماتة كل شيء كسر قوته وحدته. (2)
يقاس على الثوم والبصل والكراث كل رائحة خبيثة تؤذي المصلين وتؤذي الملائكة، سواء الروائح المنبعثة من الجسد أو الملابس المنتنة أو الدخان، فعلى المصلي أن ينظف نفسه وأن يتجنب كل شيء يؤذي المصلين عند حضوره إلى المسجد لكي لا يأثم بذلك.
وعن أبي هريرة > قال: قال رسول الله $: "من أكلَ من هذه الشجرة: الثوم، فلا يؤذينا بها في مسجدنا هذا".(3)
وعن أبي ثعلبة >، أنه غزا مع رسول الله $ خيبر، فوجدوا في جنانها بصلاً وثوماً، فأكلوا منه وهم جياع، فلما راح الناس إلى المسجد إذا ريحُ المسجد بصل وثوم، فقال النبي $: "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا" فذكر الحديث بطوله. (4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (567) ورواه النسائي، وابن ماجة.
(2) شرح النووي (5/54) .
(3) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (563)، والنسائي، وابن ماجة في إقامة الصلاة برقم (1015)، واللفظ له.
(4) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري > بنحوه في المساجد برقم (565)، ورواه الطبراني في "الكبير" (22و 215) رقم (574).(1/128)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله $ يخطب يوماً، إذ رأى نخامة في قِبلة المسجد، فتغَّيظَ على الناس، ثم حكَّها -قال: وأحسِبُهُ قال-: فدعا بِزعفران فَلَطخهُ به وقال: "إن الله عز وجل قِبَلَ وجه أحدكم إذا صلّى، فلا يَبصق بين يديه".(1)
وعن حذيفة > قال: قال رسول الله $: "من تفل تُجاه القبلة، جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه".(2)
(تفل) بالتاء المثناة فوق، أي: بصق، بوزنه ومعناه.
وعن أنس >، عن النبي $ قال: "البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها".(3)
وعن جابر بن عبد الله > قال: أتانا رسول الله $ في مسجدنا، وفي يده عُرجون فرأى في قِبلة المسجد نُخامة، فأقبل عليها، فحتّها بالعرجون، ثم قال: "أيكم يحبُّ أن يُعرض الله عنه؟ إن أحدكم إذا قام يصلّي، فإنّ الله قبل وجهه، فلا يبصقنّ قِبَلَ وجهه، ولا عن يمينه، وليبصقنَّ عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجِلت به بإدرة فليتفل ثوبه هكذا، ووضعه على فيه، ثم دلكه..."الحديث. (4)
عرجون: هو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق.
(بادرة) أي: شيء سبق من الإنسان من مخاط أو بزاق.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (408 و 409)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (547).
(2) رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (284).
(3) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (415)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (552).
(4) رواه مسلم في صحيحه (8/232)، وأبو داود.(1/129)
قال الألباني رحمه الله: "فائدة هامة: اعلم أن قوله في هذا الحديث: "فإن الله قبل وجهه" لا ينافي كونه تعالى على عرشه فوق مخلوقاته كلها كما تواترت فيه نصوص الكتاب والسنة، وآثار الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم، ورزقنا الاقتداء بهم، فإنه تعالى مع ذلك واسع محيط بالعالم كله، وقد أخبر أنه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله عز وجل، بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه، فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط ويواجهه، وإذا كان عالي المخلوقات يستقبله سافلها المحاط بها بوجهه من جميع الجهات والجوانب، فكيف بشأن من هو بكل شيء محيط، وهو محيط ولا يحاط به؟ وراجع بسط هذا في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، (الحموية) و (الواسطية) و (شرحها) للشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ص 203 - 213) رحمه الله. أ.هـ. (1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله $: "يبعث صاحب النُّخامة في القبلة يوم القيامة، وهي في وجهه".(2)
وعن أبي سهلة: السائب بن خّلاد من أصحاب النبي $: أن رجلاً أمَّ قوماً، فبصق في القبلة، ورسول الله $ ينظُر، فقال رسول الله حين فرغ: "لا يصلي لكم هذا"، فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم، فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله $، فَذُكر ذلك لرسول الله $ فقال: "نعم، وحسِبت أنه قال: إنك آذيت الله ورسوله".(3)
وعن أبي هريرة >، أنه سمع رسول الله $ يقول: "من سَمع رجلاً ينشد ضالةً في المسجد فليقل: لا ردها عليك - فإن المساجد لم تُبن لهذا".(4)
__________
(1) صحيح الترغيب (1/234) .
(2) رواه البزار، وابن خزيمة في "صحيحه" -وهذا لفظه- وابن حبان في "صحيحه" وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (285).
(3) رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: "صحيح لغيره"،الترغيب (288).
(4) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (568)، وأبو داود وابن ماجة وغيرهم.(1/130)
ينشد ضالة: يطلبها ويعرفها، وهو من النشيد، رفع الصوت، والضالة: الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره. (1)
وعنه، أن رسول الله $ قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربَحَ الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشُد ضالةً فقولوا: لا ردها الله عليك".(2)
وعن بريدة >: أن رجلاً نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال رسول الله $: "لا وجدت، إنما بُنيت المساجد لما بُنيت له".(3)
قال النووي: في هذين الحديثين فوائد: منها النهي عن نشد الضالة في المسجد، ويلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد، قال القاضي: قال مالك وجماعة من العلماء: يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره.
__________
(1) نهاية (3/98)
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن خزيمة، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه بالشطر الأول، وصححه الألباني في الترغيب برقم (291).
(3) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (569)، والنسائي وابن ماجة.(1/131)
وقال: وقوله $ إنما بنيت المساجد لما بنيت له معناه لذكر الله تعالى، والصلاة، والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها، قال القاضي: فيه دليل على منع عمل الصانع في المسجد كالخياطة وشبهها، قال وقد منع بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد، قال: قال بعض شيوخنا إنما يمنع في المسجد من عمل الصنائع التي يختص بنفعها آحاد الناس ويكتسب به فلا يتخذ المسجد متجراً، فأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كالمثاقفة وإصلاح آلات الجهاد مما لا امتهان للمسجد في عمله فلا بأس به قال وحكى بعضهم خلافا في تعليم الصبيان فيها. وقوله $ لا وجدت، وأمر أن يقال مثل هذا فهو عقوبة له على مخالفته وعصيانه وينبغي لسامعه أن يقول لا وجدت فان المساجد لم تبن لهذا أو يقول لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له كما قاله رسول الله $.اهـ. (1)
وعن أبي هريرة > قال: قال رسول الله $: "إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد، كان في الصلاة حتى يرجع، فلا يقل هكذا، شبك بين أصابعه".(2)
وعن كعب بن عجرة > قال: سمعت رسول الله $ يقول: "إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامداً إلى الصلاة، فلا يشبكن بين يديه، فإنه في صلاة".
وفي رواية قال: "دخل عليَّ رسول الله $ في المسجد، وقد شبكت بين أصابعي، فقال: "يا كعب إذا كنت في المسجد فلا تشبكّن بين أصابعك فأنت في صلاة ما انتظرت الصلاة".(3)
__________
(1) شرح النووي (5/55).
(2) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1294) و "الترغيب (293).
(3) رواه أحمد في "المسند" (4/243-244) وابن خزيمة في "صحيحه" (1/277/441) وابن حبان في "صحيحه" بنحوه هذا، وأبو داود، والترمذي، وقال الألباني:"صحيح لغيره"، صحيح الترغيب برقم (294).(1/132)
وعن ابن عمر، أن النبي $ قال: "... ولا تتخذوا المساجد طُرُقاً إلا لِذِكرٍ أو صلاة".(1)
وعن عبد الله بن مسعود > قال: قال رسول الله $: "سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم، ليس لله فيهم حاجةٌ".(2)
وعلى الخطيب أن يقصر الخطبة ويطيل الصلاة ، فعن عمار بن ياسر > قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنّة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة ، وإن من البيان سحراً " .(3)
مئنة من فقهه: أي علامة .
قال الصنعاني: وهي: بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة (مِنْ فِقْهِهِ) أي مما يعرف به فقه الرجل وكل شيء دل على شيء فهو مَئِنة له.
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير" وصححه الألباني في الترغيب برقم (295).
(2) رواه ابن حبان في "صحيحه" وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (296).
(3) رواه مسلم برقم (869)، باب تخفيف الصلاة والخطبة.(1/133)
وإنما كان قصر الخطبة علامة على فقه الرجل لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني وجوامع الألفاظ فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة ولذلك كان من تمام هذا الحديث " فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان لسحراً فشبه الكلام العامل في القلوب الجاذب للعقول بالسحر لأجل ما اشتمل عليه من الجزالة وتناسق الدلالة وإفادة المعاني الكثيرة ووقوعه في مجازه من الترغيب والترهيب ونحو ذلك ولا يقدر عليه إلا من فقه في المعاني وتناسق دلالتها فإنه يتمكن من الإتيان بجوامع الكلم وكان ذلك من خصائصه $ فإنه أوتي جوامع الكلم، والمراد من طول الصلاة طول الذي لا يدخل فاعله تحت النهي وقد كان $ يصلي الجمعة بالجمعة والمنافقون وذلك طول بالنسبة إلى خطبته وليس بالتطويل المنهي عنه والضابط في ذلك هو حاجة الناس لذلك ومراعاة أحوالهم ، فعن جابر بن سمرة > قال : "كنت أصلي مع رسول الله $ ، فكانت صلاته قصداً ، وخطبته قصداً" .(1)
قصداً: أي وسطاً بين الطول والقصر . (2)
ffffff
باب
عدم تخطي الرقاب يوم الجمعة
وعلى العبد ألا يتخطى رقاب الناس، إلا أن يكون إماماً، أو يسد فرجة، ويحرم عليه أن يقيم غيره من مجلسه فيجلس مكانه، إلا من قدم صاحباً له فجلس في موضع يحفظه له.
قال رسول الله $: "اجلس فقد آذيت وأنيت - قاله للذي تخطى يوم الجمعة". (3)
فعن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما قال: جاء رجل يَتَخطّى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي $ يخطبُ فقال النبي $: "اجلس فقد آذيتَ، وآنيتَ".(4)
آذيتَ: بتخطيك رقاب الناس.
آنيتَ: بمد الهمز وبعدها نون ثم ياء مثناة تحت، أي: أخَّرتَ المجيء.
__________
(1) رواه مسلم برقم (866)، باب تخفيف الصلاة والخطبة.
(2) سبل السلام (1/51) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (155) .
(4) رواه أحمد وابو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (714).(1/134)
وعند ابن خزيمة: "فقد آذيتَ وآُذِيتَ".
قال ابن قدامة في كتابه الكافي:
وإذا أتى المسجد كره له أن يتخطى الناس لقوله عليه السلام : [ ولم يفرق بين اثنين ] إلا أن يكون إماما ولا يجد طريقا فلا بأس بالتخطي لأنه موضع حاجة ومن لم يجد موضعا إلا فرجة لا يصل إليها بتخطي الرجل والرجلين فلا بأس فإن تركوا المسجد فارغا وجلسوا دونه فلا بأس بتخطيهم لأنهم ضيعوا حق نفوسهم وإن ازدحم الناس في المسجد و داخله اتساع فلم يجد الداخل لنفسه موضعا فعلم أنهم إذا قاموا تقدموا وإن لم يرج ذلك فله تخطيهم لأنه موضع حاجة. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين: والصحيح أن تخطي الرقاب حرام في الخطبة وغيرها، ولقول النبي $ لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: "اجلس فقد آذيت" ولا سيما إذا كان ذلك أثناء الخطبة، لأن فيه أذية للناس، وإشغالاً لهم عن استماع الخطبة إشغال لمن باشر تخطي رقبته، وإشغال لمن يراه ويشاهده، فتكون المضرة به واسعة. (2)
وقال صاحب الهداية: وَإِذَا أَتَى المَسْجِدَ كُرِهَ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ إِمَاماً. فَإِنْ رَأَى بَيْنَ يَدَيْهِ خُرْجَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَتَخَطَّى فَيَجْلِسَ فِيْهَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ(3). والأُخْرَى: يُكْرَهُ، ولَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيْمَ إِنْسَاناً ويَجْلِسَ مَكَانَهُ، إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ قَدِمَ صَاحِباً لَهُ لِيَجْلِسَ في مَوْضِعٍ فَيَحْفَظَهُ لَهُ، فَإِنْ بَعَثَ شَيْئاً يُصَلِّي عَلَيْهِ فَفَرَشَهُ في مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَقِيْلَ: لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْفَعَهُ ويَجْلِسَ في المَوْضِعِ، فَإِنْ قَامَ الجَالِسُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ . . (4)
__________
(1) الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة(1/328).
(2) الشرح الممتع (2/341) .
(3) انظر الروايتين والوجهين 21/ ب .
(4) الهداية.(1/135)
قال أبو بكر بن المنذر: لا يجوز من ذلك شيء - أي تخطي الرقاب - لأن القليل من الأذى والكثير مكروه. (1)
ffffff
الصلاة قبل خطبة الجمعة، واعتبارها سنة الجمعة القبلية.
يظن بعض الأخوة أنّ للجمعة سنّةً قبليةً، وهذا خلاف ما كان عليه النبي، $، وما كان عليه أصحابه، رضي الله عنهم، إذ إنّ هذه الصلاة ليس لها وقت كي تصلّى فيه سواءً أكان هناك أذان واحدٌ كما هو الأمر في عهد النبي$، أو أذانان كما في عهد عثمان> إذ إنّ السنة القبلية تصلّى ما بين الأذان والإقامة، وهذا غير حاصل يوم الجمعة لارتقاء الخطيب على المنبر قبل الأذان ثم ينزل لكي يصلي الجمعة علماً بأن الأذان الثاني الذي كان على عهد عثمان ،> كان قبل دخول الوقت بكثير ولا سنّة قبلية في هذا الوقت .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما النبي $ فإنه لم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئا ولا نقل هذا عنه أحد فإن النبي $ كان لا يؤذن على عهده إلا إذا قعد على المنبر ويؤذن بلال ثم يخطب النبي $ الخطبتين ثم يقيم بلال فيصلي النبي $ بالناس فما كان يمكن أن يصلي بعد الأذان لا هو ولا أحد من المسلمين الذين يصلون معه $ ولا نقل عنه أحد أنه صلى في بيته قبل الخروج يوم الجمعة ولا وقت بقوله: صلاة مقدرة قبل الجمعة بل ألفاظه $ فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت، كقوله: من بكر وابتكر ومشى ولم يركب وصلى ما كتب له
__________
(1) الإشراف على مذاهب العلماء (2/110).(1/136)
وهذا هو المأثور عن الصحابة كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر، فمنهم من يصلي عشر ركعات، ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة، ومنهم من يصلي ثمان ركعات، ومنهم من يصلي أقل من ذلك، ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت مقدرة بعدد لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي $ أو فعله وهو لم يسن في ذلك شيئا لا بقوله ولا فعله، وهذا مذهب مالك ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذهب أحمد. (1)
وقال: والصواب أن يقال: ليس قبل الجمعة سنة راتبة مقدرة. (2)
وقال الشيخ الألباني: لا أصل لهذه السنة في السنة الصحيحة، ولا مكان لها فيها، فقد عملت من الأحاديث المتقدمة أن الزوال فالأذان فالخطبة فالصلاة؛ سلسلة متصلة آخذ بعضها برقاب بعض، فأين وقت هذه السنة؟! ولهذا المعنى يشير كلام الحافظ العراقي: ((لم ينقل عن النبي$ أنه كان يصلي قبل الجمعة ؛ لأنه كان يخرج إليها، فيؤذن بين يديه، ثم يخطب)).(3)
ثم قال: والخلاصة: إن المستحب لمن دخل المسجد يوم الجمعة في أي وقت أن يصلي قبل أن يجلس ما شاء نفلاً مطلقاً غير مقيد بعدد، ولا موقت بوقت، حتى يخرج الإمام ، أما أن يجلس عند الدخول بعد صلاة التحية أو قبلها، فإذا أذن المؤذن بالأذان الأول؛ قام الناس يصلون أربع ركعات؛ فمما لا أصل له في السنة، بل هو أمر محدث، و حكمه معروف.
وقد يتوهم متوهم أن هذا القيام والصلاة كان معروفاً على عهد عثمان، وأن من أسباب أمره بالأذان الأول هو إيجاد فسحة من الوقت بينه وبين الأذان الثاني؛ ليتمكنوا من السنة القبلية!.
__________
(1) الفتاوى الكبرى (2/351).
(2) الفتاوى الكبرى (2/351)، ومجموع الفتاوى (24/193).
(3) "نيل الأوطار" (3/216) ، وللحافظ في "الفتح" (2/341) معناه. الأجوبة النافعة.(1/137)
وهذا مع أنه مما لا دليل عليه وإنما هو مجرد ظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً - ومع أنه لم ينقل - فإن في حديث السائب السابق ما يبعد وقوعه، ففيه: ((أن الأذان الأول كان في السوق))، والسنة القبلية لا تكون في السوق عادة، بل في المسجد، ومن كان فيه لا يسمعه حتى يصلي حينئذ! ثم إنه لم ينقل أيضاً أن هشاماً لما نقل الأذان العثماني من الزوراء إلى باب المسجد، ونقل الأذان النبوي منه إلى داخل المسجد كما تقدم،لم ينقل أنهم كانوا يصلون بين الأذانين، ولو فعلوا لما كان في ذلك حجة؛ لأنه بعد انقراض عهد الصحابة، وما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها؛ كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى... (1)
وإِذَا حَضَرَ والإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيْفَتَيْنِ تَحِيَّةَ المَسْجِدِ . ويَجْلِسُ فَيُنْصِتُ لِلْخُطْبَةِ إنْ كَانَ يَسْمَعُهَا ، ويَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى إِنْ كَانَ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُهَا . ولاَ يَتَكَلَّمُ ، فَإِنْ تَكَلَّمَ أَثِمَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ(2)، وفي الأُخْرَى: لاَ يَأْثَمُ وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، ولاَ يَحْرُمُ الكَلاَمُ عَلَى الخَاطِبِ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ، ولاَ يُكْرَهُ الكَلاَمُ قَبْلَ الشُّرُوعِ في الخُطْبَةِ وبَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا ، وإِذَا وَقَعَ العِيْدُ في يَوْمِ الجُمُعَةِ اسْتُحِبَّ حُضُوْرُهَا، فَإِنِ اجْتَزَى بِحُضُورِ العِيْدِ عَنِ الجُمُعَةِ وصَلَّى ظُهْراً جَازَ. وأقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا سِتٌّ. (3)
__________
(1) الأجوبة النافعة .
(2) انظر الروايتين والوجهين (21 / أ) .
(3) الهداية.(1/138)
وقال الشيخ ابن عثيمين: وعُلم من قول: "أقل السنة بعد الجمعة ركعتان" أنه ليس للجمعة سنّة قبلها، وهو كذلك، فيصلي ما شاء بغير قصد عدد، فيصلي ركعتين أو ما شاء، لكن إذا دخل الإمام أمسك. (1)
ffffff
باب
النهي عن التحلق يوم الجمعة
عن ابن عمرو>، عن النبي $ "أنه نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة" . (2)
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، "أن رسول الله $ نهى أن يحلق في المسجد يوم الجمعة قبل الصلاة".(3)
قال الشوكاني: وأما التحلق يوم الجمعة في المسجد قبل الصلاة فحمل النهي عنه الجمهور على الكراهة وذلك لأنه ربما قطع الصفوف مع كونهم مأمورين بالتبكير يوم الجمعة والتراص في الصفوف الأول فالأول . وقال الطحاوي: التحلق المنهي عنه قبل الصلاة إذا عم المسجد وغلبه فهو مكروه وغير ذلك لا بأس به . والتقييد بقبل الصلاة يدل على جوازه للعلم والذكر . والتقييد بيوم الجمعة يدل على جوازه في غيرها كما في الحديث المتفق عليه من حديث أبي واقد الليثي قال: ( بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد فأقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله وذهب واحد فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم ) الحديث.
وأما التحلق في المسجد في أمور الدنيا فغير جائز . وفي حديث ابن مسعود : ( سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حلقا حلقا أمانيهم الدنيا فلا تجالسوهم فإنه ليس لله فيهم حاجة ) ذكره العراقي في شرح الترمذي قال : وإسناده ضعيف فيه بزيغ أبو الخليل وهو ضعيف جدا. (4)
ffffff
باب
__________
(1) الشرح الممتع (5/59).
(2) صحيح الجامع حديث رقم (6885) .
(3) رواه أحمد في المسند برقم (6676)، ابن ماجة برقم (1133)، وصحيح ابن خزيمة برقم (1304) و (1816)، حسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة (3/158).
(4) نيل الأوطار (2/166).(1/139)
قراءة سورة الكهف وفضلها
ويقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر الدعاء والصلاة على النبي $.
عن أبي سعيد الخدري > أن النبي $ قال: "من قرأ سورة (الكهف) في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".(1)
وفي رواية: "من قرأ سورة (الكهف) ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".(2)
وعن أبي سعيد الخدري> أيضاً، عن النبي$ قال: "من قرأ الكهف كما أنزلت كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه ومن يتوضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة"(3).
ورواه النسائي وقال في آخره: "ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة".
وعن البراء قال: كان رجل يقرأ بسورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنوا وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي $ فذكر ذلك له فقال" "تلك السكينة تنزلت للقرآن"(4)
"شطن": هو الحبل الطويل المضطرب وشطن تثنية شطنين.
وقال النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث:
جواز رؤية آحاد الملائكة .
وفيه: فضيلة القراءة وأنها سبب نزل الرحمة وحضور الملائكة.
وفيه: فضيلة استماع القرآن.
نص الشافعي على استحباب قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة.
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في زاده بعد أن ذكر خصائص الجمعة، فقال:
__________
(1) رواه النسائي في اليوم الليلة، والبيهقي ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (736) .
(2) رواه الدارمي في السنن موقوفاً على أبي سعيد، وقال الألباني: صحيح، صحيح الترغيب رقم (736).
(3) أخرجه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (582)، وصحيح الترغيب (218).
(4) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5011)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1853).(1/140)
الخاصة العاشرة: قراءة سورة الكهف في يومها، فقد وَرَدَ عن النبي $: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، سطَعَ له نور من تحت قدمه إلى عنان السَّماء يضيء به يوم القيامة، وغُفر له ما بين الجمعتين".(1)
وذكر سعيد بن منصور أنّه من قول أبي سعيد الخدري وهو أشبه.
وعن أبي الدرداء>: أن النبي$ قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال".(2)
وفي رواية لمسلم: "من آخرِ سُورةِ الكَهف".(3)
قال همام: "من أول الكهف" كما قال هشام.(4)
وفي حديث النواس بن سمعان، قال رسول الله$ : "فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف"(5) .
قال الإمام النووي: "وقيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال وكذا في آخرها قوله تعالى { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي } . (6)
قيل: لأن في أولها من العجائب والآيات التي تثبت قلب من قرأها بحيث لا يفتن بالدجال، ولا يستغرب ما جاء به الدجال، ولم يلهه ذلك،ولم يؤثر فيه.
وهذا من فضائل وخصوصيات سورة الكهف، فقد حثنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - على قراءتها وخاصة في يوم الجمعة .
__________
(1) عن أبي سعيد الخدري قال: "من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق" صحيح الجامع رقم (6346)، الإرواء (619)..
(2) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1880) ، وأبو داود في كتاب الملاحم برقم (4323) ، والترمذي في كتاب فضائل القرآن برقم (2886) ، وأحمد في مسنده (6/446و 449) والنسائي في (عمل اليوم والليلة) ص 527.
(3) صحيح مسلم (1/556).
(4) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1342).
(5) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2937) .
(6) شرح النووي (6/93) .(1/141)
قال الشيخ ابن عثيمين: وسورة الكهف لها مزايا منها: أن من قرأ فواتحها على الدجال عصم من فتنته، والدجال هو الأعور الذي يبعثه الله في آخر الزمان يبقى في الأرض أربعين يوماً، اليوم الأول كسنة، والثاني كشهر، والثالث كجمعة، والرابع كسائر الأيام، فتنته عظيمة جداً، ولهذا ما من نبي إلا أنذر قومه منه، وأمرنا نبينا $ أن نتعوذ بالله من فتنته في كل صلاة بعد التشهد الأخير قبل السلام، وجاء في بعض الأحاديث: أن من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنته، وفي بعض روايات الحديث: "من آخر الكهف" ، والجمع بينهما: أن يحتاط الإنسان فيقرأ عشراً من أولها، وعشراً من آخرها.
وفيها عبر :
منها: قصة أصحاب الكهف .
ومنها: قصة الرجلين ذوي الجنتين .
ومنها: قصة موسى مع الخضر .
ومنها: قصة ذي القرنين.
ومنها: قصة يأجوج ومأجوج .
ولهذا: ورد الترغيب في قراءتها في يوم الجمعة قبل الصلاة أو بعد الصلاة.(1)
فعلى المسلم أن يحرص على حفظ هذه السورة، وعليه أن يتعاهد قراءتها بين الحين والآخر، وخاصة في يوم الجمعة.
ffffff
باب
ما جاء عن الاحتباء يوم الجمعة
نهى النبي $ عن الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة يعني والإمام يخطب .
الاحتباء : هو أن يجلس الإنسان على إليتيه ويضم فخذيه وساقيه إلى بطنه بذراعيه. (2)
عن معاذ بن أنس، عن النبي $ أنه: "نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب" . (3)
قوله: "نهى عن الحبوة"، قال المناوي: بكسر الحاء وضمها، من الاحتباء، وهو ضم ساقيه لبطنه بشيء مع ظهره، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب .
__________
(1) الشرح الممتع (2/340) .
(2) قال الألباني: (حسن)، صحيح أبي داود حديث رقم (1017)، وصحيح ابن ماجة حديث رقم (930) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (6876) .(1/142)
وقوله: "يوم الجمعة والإمام يخطب" لأنه مجلبة للنوم، وتعرض الطهر للنقض لعدم التمكن معها، وجاء في رواية النهي عن الاحتباء مطلقاً غير مقيد بيوم الجمعة، فالظاهر أن ذكرها هنا لاختصاص الكراهة بل لكونه أشد كراهة، قال ابن الأثير: وإنما نهى عنه مطلقاً لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب فتبدو عورته .اهـ. (1)
قال ابن قدامة: ولا بأس بالاحتباء، والإمام يخطب، روي ذلك عن ابن عمر، وجماعة من أصحاب رسول الله $، وإليه ذهب سعيد بن المسيب، والحسن، و ابن سيرين، وعطاء، وشريح، وعكرمة بن خالد، وسالم، ونافع، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، قال أبو داود:لم يبلغني أن أحداً كرهه إلا عبادة بن نسي، لأن سهل بن معاذ روى "أن النبي $ نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب".(2)
ولنا ما روى يعلي بن شداد بن أوس، قال: شهدت مع معاوية بيت المقدس فجمع بنا فنظرت فإذا رجل من في المسجد أصحاب رسول الله $ فرأيتهم محتبين والإمام يخطب، وفعله ابن عمر، وأنس، ولم نعرف لهم مخالفاً، فكان إجماعاً، والحديث في إسناده مقال، قاله ابن المنذر، والأولى تركه لأجل الخبر وإن كان ضعيفاً، ولأنه يكون متهيئا للنوم، والوقوع، وانتقاض الوضوء، فيكون تركه أولى، والله أعلم، ويحمل النهي في الحديث على الكراهة، ويحمل أحوال الصحابة الذين فعلوا ذلك على أنهم لم يبلغهم الخبر.اهـ. (3)
وقال الرافعي: ولا بأس بالاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب روي ذلك عن ابن عمر وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واليه ذهب عامة أهل العلم منهم مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو داود لم يبلغني أن أحدا كرهه إلا عبادة بن سني. (4)
ffffff
__________
(1) فيض القدير .
(2) رواه أبو داود برقم (1110)، والترمذي برقم (514)، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، وصحيح الترمذي .
(3) المغني (2/165).
(4) الشرح الكبير (2/220).(1/143)
عدم جواز تخصيص يوم الجمعة بالصيام والقيام
نهى رسول الله $ عن تخصيص يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ولا بقيام ليلها من بين الليالي .
فعن أبي هريرة>، عن النبي$ قال: "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم".(1)
وعن أبي هريرة >، أن النبي $: "نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم".(2)
قال المناوي: وعلته الضعف به عما تميز به من العبادات الكثيرة الفاضلة مع كونه يوم عيد فإن ضم إليه غيره لم يكره وكذا إذا وافق عادة أو نذراً أو قضاءً كما ورد في خبر .
وعن جابر >: "نهى النبي $ عن صوم يوم الجمعة". (3)
وعن جنادة الأزدي، عن النبي $ أنه قال: "لا تصوموا يوم الجمعة مفردا". (4)
وعن أبي هريرة > قال: سمعت رسول الله $ يقول: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبلهُ أو يوماً بعده".(5)
وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أن النبي$ دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: "أصمت أمس؟" قالت: لا. قال: "تريدين أن تصومي غداً؟" قالت: لا. قال: "فأفطري".(6)
وعن أنس >، أن النبي $ قال: "نهى عن صوم ستة أيام من السنة: ثلاثة أيام التشريق، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، ويوم الجمعة مختصة من الأيام". (7)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1144).
(2) صحيح الجامع حديث رقم (6837) .
(3) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1883)، ورواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1143). عن عباد بن جعفر، سألت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت : أنهى رسول الله $ عن صيام يوم الجمعة ؟ فقال نعم ورب هذا البيت .
(4) صحيح الجامع حديث رقم (7357) .
(5) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1985) ومسلم في كتاب الصيام برقم (1144).
(6) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1986).
(7) صحيح الجامع حديث رقم (6961) .(1/144)
وعن محمد بن عباد قال: سألت جابراً وهو يطوف بالبيت: أنهى
النبي$ عن صيام الجمعة؟ قال: نعم ورب هذا البيت".(1)
قال النووي: وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادة له فان وصله بيوم قبله أو بعده أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدا فوافق يوم الجمعة لم يكره لهذه الأحاديث .
ثم قال: قال العلماء والحكمة في النهى عنه أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذكر بعدها، لقول الله تعالى +فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".(2) وغير ذلك من العبادات في يومها فاستحب الفطر فيه فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة فان السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة .اهـ. (3)
وقال السيوطي في شرحه على مسلم: قال والحكمة في النهي أن يوم الجمعة فيه وظائف من العبادات فاستحب فطره ليكون أعون على أدائها كما استحب فطر يوم عرفة للحاج لذلك، قال فإذا ضم إليه صوم يوم آخر جبر ما حصل من التقصير فيها، وقيل سببه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت. (4)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ساق الأحاديث التي تنهى عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم.
فوجه الدلالة أن الشارع قسم الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام:
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1984) ومسلم في كتاب الصيام برقم (1143).
(2) سورة الجمعة آية (10) .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم (8/19) .
(4) الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (3/228) .(1/145)
1- قسم شرع تخصيصه بالصيام إما إيجابا كرمضان وإما استحبابا كيوم عرفة وعاشوراء.
2- وقسم نهى عن صومه مطلقا كيوم العيدين.
3- وقسم إنما نهى عن تخصيصه كيوم الجمعة وسرر شعبان، فهذا النوع لو صيم مع غيره لم يكره فإذا خصص بالفعل نهى عن ذلك سواء قصد الصائم التخصيص أو لم يقصده وسواء اعتقد الرجحان أو لم يعتقده. (1)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: ذكر ابن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنهم كرهوا صوم الجمعة ليقوموا على الصلاة.
قلت (أي ابن قيم الجوزية): المأخذ في كراهيته: ثلاثة أمور: هذا أحدها، ولكن يُشكل عليه زوال الكراهية بضم يوم قبله، أو بعده إليه.
والثاني: أنه يوم عيد، وهو الذي أشار إليه $.
والمأخذ الثالث: سد الذريعة من أن يُلحق بالدِّين ما ليس فيه، ويوجب التشبه بأهل الكتاب في تخصيص بعض الأيام بالتجرد عن الأعمال الدنيوية.. إلى آخر كلامه رحمه الله.(2)
شرع الله تعالى الخطبة وأمر بها لأنها تحتوي على الثناء عليه سبحانه وتعالى، وتحتوي على محامده، والتعرف على نعمه وآلائه، وتعاليم قواعد الإسلام، وتعالج ما يعانيه المسلم ويحتاجه في شؤون دينه ودنياه.
قال ابن قيم الجوزية: وكان مدار خطبه على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله، ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبيين موارد غضبه، ومواقع رضاه، فعلى هذا كان مدار خطبه. (3)
وقال الألباني: قد ثبت ثبوتاً يفيد القطع أن النبي$ ما ترك الخطبة في صلاة الجمعة التي شرعها الله سبحانه وتعالى. وقد أمر الله سبحانه في كتابه العزيز بالسعي إلى ذكر الله عز وجل، والخطبة من ذكر الله، إذا لم تكن هي المرادة بالذكر، فالخطبة سنة، لا فريضة .
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/286-287).
(2) زاد المعاد (1/320 - 321).
(3) زاد المعاد .(1/146)
وأما كونها شرطاً من شروط الصلاة فلا؛ فإنا لم نجد حرفاً من هذا في السنة المطهرة، بل لم نجد فيها قولاً يشتمل على الأمر بها الذي يستفاد منه الوجوب فضلاً عن الشرطية؛ وليس هناك إلا مجرد أفعال محكية عن رسول الله $ أنه خطب، وقال في خطبته كذا؛ وقرأ كذا. وهذا غاية ما فيه أن تكون الخطبة قبل صلاة الجمعة سنة من السنن المؤكدة، لا واجبة، فضلاً عن أن تكون شرطاً للصلاة. والفعل الذي وقعت المداومة عليه، لا يستفاد
منه الوجوب، بل يستفاد منه أنه سنة من السنن المؤكدة. فالخطبة في الجمعة سنة من السنن المؤكدة، وشعار من شعائر الإسلام لم تترك منذ شرعت إلى موته $.(1)
__________
(1) قال الألباني: قلت: في هذا الكلام شيء من التناقض، والبعد عن الصواب لابد من بيانه فأقول: ذكر في أول البحث: "أن الله أمر بالسعي إلى ذكر الله. والخطبة هي من ذكر الله إذا لم تكن هي المرادة بالذكر" .
قلت: فإذا كان كذلك، فقد ثبت الأمر بها في كتاب الله، فأغنى ذلك عن وروده في السنة، وثبوت الأمر بالسعي إليها يتضمن الأمر بها من باب أولى ، لأن السعي وسيلة إليها فإذا وجبت الوسيلة ، وجب المتوسل إليه بالأحرى. وهذا الدليل مما استدل به المصنف نفسه على وجوب صلاة العيدين فقد صح أن النبي $ أمر بالخروج إلى صلاة العيد فقال المؤلف (42): "والأمر بالخروج يستلزم الأمر بالصلاة لمن لا عذر له بفحوى الخطاب، لأن الخروج وسيلة إليها، ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه".
قلت: فلماذا لا يقال مثل هذا في الأمر بالسعي على ما بينا؟ وكأن المؤلف رحمه الله تنبه لهذا المعنى الذي أوردناه في كتابه "الروضة"، ولذلك أورد هو على نفسه سؤالاً يشعر بذلك فقال (137): " فإن قيل إنه لما وجب السعي إليها كانت واجبة بالأولى. فيقال: ليس السعي لمجرد الخطبة بل إليها وإلى الصلاة ومعظم ما وجب السعي لأجله هو الصلاة قلا تتم هذه الأولوية".
قلت : وهذا مع كونه مخالفاً لما مال إليه في أول المسألة من أن الخطبة هي المرادة بذكر الله ، فإنه لا ينفي أنها مرادة به، ولو بدرجة دون درجة الصلاة ، وعليه فالأمر بالسعي إلى الذكر لا يزال شاملاً للخطبة، وإذا كان الأمر كذلك فيرد ما ذكره أنه إذا وجب السعي إليها كانت واجبة بالأولى ، ويضعف الجواب الذي ذكره إن شاء الله تعالى .
على أن هناك طريقة أخرى لإثبات وجوب الخطبة ، وهي استحضار أن فعل النبي $ لا سيما الذي استمر عليه إذا كان صدر بياناً لأمر قرآني أو نبوي ، فهو دليل على وجوب هذا الفعل ، وهذا النوع من الإستدلال مقرر في علم الأصول معروف عند العلماء الفحول ، ومنهم المؤلف نفسه رحمه الله تعالى . فقد استدل بهذا الدليل ذاته على وجوب مسألة أخرى تتعلق ببعض صفات الخطبة لا الخطبة نفسها لِلَّهِ فقال بعد أن ذكر أن النبي $ كان يعلم ==
== أصحابه في خطبته قواعد الإسلام ... إلخ ما يأتي في آخر المسألة التالية (ص57):" وظاهر محافظته على ما ذكر في الخطبة وجوب ذلك، لأن فعله $ بيان لما أجمل في آية الجمعة، وقد قال $ : ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) .
قلت: أفلا يدل هذا الدليل بعينه على وجوب الخطبة نفسها؟ بلى، بل هو به أولى وأحرى، كما لا يخفى أولي النهى . الأجوبة النافعة.(1/147)
ffffff
شروط الخطبة
لخطبة الجمعة شروط لا تصح بدونها، وهي:
1- أن تكون مقدمة على الصلاة، أي تكون قبل الصلاة .
2- النية: لقول النبي $ : "نما الأعمال بالنيات". (1)
3- حمد الله عز وجل .
قال ابن قيم الجوزية: وكان يفتتح خُطَبه كلَّها بالحمد اللّه . (2)
4- ذكر الشهادتين .
5- الصلاة على النبي $ .
قال صاحب زاد المستقنع: من شرط صحتها: حمد الله، والصلاة على رسوله محمد $ .
6- قراءة شيء من القرآن، لحديث جابر بن سمرة: "كانت للنبي $ خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويذكّرُ الناس" . (3)
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، "أن النبي $ كان يخطب الخطبتين وهو قائم، وكان يفصل بينهما بجلوس".(4)
7- الوصية بتقوى الله تعالى.
قال ابن قيم الجوزية: وكذلك كانت خطبته $، إنما هي تقرير لأصول الإِيمان من الإِيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، ولقائِه، وذكرِ الجنة، والنار، وما أعدَّ الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعدَّ لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب مِن خُطبته إيماناًَ وتوحيداً، ومعرفة باللّه وأيامه، لا كخُطب غيره التي إنما تُفيد أموراً مشتركة بين الخلائق، وهي النَّوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يُحصِّلُ في القلب إيماناً باللّه، ولا توحيداً له، ولا معرفة خاصة به، ولا تذكيراً بأيامه، ولا بعثاً للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة، غير أنهم يموتون، وتُقسم أموالهم، ويُبلي الترابُ أجسامهم، فيا ليت شعري أيّ إيمان حصل بهذا؟! وأيِّ توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟!. (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الوحي ..
(2) زاد المعاد .
(3) رواه مسلم برقم (873) .
(4) رواه مسلم برقم (862) . باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة.
(5) زاد المعاد .(1/148)
قال الشيخ ابن عثيمين: فالمقصود من الخطبة وعظ الناس وزجرهم عن الحرام، فإذا كان الخطيب نفسه يفعل الحرام تبطل. (1)
قال بعض الفضلاء: أبلغ الخطب ما وافق الزمان والمكان والحال ، ففي عيد الفطر يبين أحكام صدقة الفطر ، وفي مكان تفرق أهله يخطب فيهم بالإتحاد ، أو تكاسلوا عن طلب العلم ، حثهم عليه ، أو أهملوا تربية أولادهم حثهم أيضاً عليه ، إلى غير ذلك مما يوافق حالهم ، ويلائم مشاربهم ، ويناسب طباعهم ، يخطب في كل مكان بحسبه ، مراعياً أحوال الناس ، بصيراً بتصرفاتهم ، الحاصلة من خلال الأسبوع ، فينهاهم عنها ، وينبههم إليها ، متى رقى منبر الخطبة ، عسى أن يهتدوا طريقاً قويماً.(2)
8- حضور العدد المشروط.
9- الموالاة بين الخطبتين .
10- دخول الوقت .
11- أن يكون الخطيب ممن تجب عليه الجمعة بنفسه .
12- الجهر بالخطبتين .
13- الاستيطان:
14- أن تكون باللغة العربية.
قال الشيخ ابن عثيمين: إن كان يخطب في عرب فلا بد أن تكون بالعربية، وإن كان يخطب في غير العرب.
قال بعض العلماء: لا بد أن يخطب أولاً بالعربية، ثم يخطب بلغة القوم الذين عنده. وقال آخرون: لا يشترط أن يخطب بالعربية، بل يجب أن يخطب بلغة القوم الذين يخطب فيهم، وهذا هو الصحيح .
لقوله تعالى: { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } إبراهيم (4) ولا يمكن مما يتعبد بألفاظهما حتى نقول لا بد أن تكونا باللغة العربية، لكن إذا مرَّ بالآية فلا بد أن تكون بالعربية، لأن القرآن لا يجوز أن يغير عن اللغة العربية. (3)
وتكلم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى على شروط الخطبة التي ذكرناها آنفاً، فقال: إن الخطبتين لهما شروط لا تصحان بدونها:
__________
(1) الشرح الممتع (2/317) .
(2) القول المبين (ص367).
(3) الشرح الممتع (2/318) .(1/149)
الشرط الأول: حمد الله، بأن يحمد الله بأي صيغة، سواء كانت الصيغة اسمية أم فعلية، أي: سواء قال: الحمد لله، أو قال: أحمد الله، أو قال: نحمد الله، وسواء كان الحمد في أول الخطبة، أم في آخرها، والأفضل أن يكون في الأول .
والدليل ما يلي:
1- قول النبي عليه الصلاة والسلام: "كل أمر لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع".(1)
والأقطع: الناقص البركة والخير .
2- حديث جابر في صحيح مسلم: "كان النبي $ إذا خطب حمد الله وأثنى عليه" وهذا استدلال قد لا يستطيع الإنسان به أن يجزم ببطلان الخطبة إذا خلت من الحمد، لكن لا شك أنه أفضل وأحسن.
الشرط الثاني: الصلاة على رسوله $، أي أن يصلي على الرسول -$- بأي اسم من أسمائه، فيقول: اللهم صلِّ على محمد، أو اللهم صلِّ على أحمد، أو اللهم صلِّ على العاقب، أو اللهم صلِّ على الحاشر.
الشرط الثالث: قراءة آية، فإن لم يقرأ آية لم تصبح الخطبة، فإن قرأت لآيتين فقد قرأ آية وزيادة، ولكن يشترط في الآية أن تستقل بمعنى، فإن لم تستقل بمعنى لم تجزىء، فلو قرأ { ثم نظر } .(2) فلا تستقل بمعنى ، من الذي نظر ؟ لا يعلم .
ولو قرأ { مدهامتان } .(3) فلا تجزئ، ما معنى مدهامتان؟ أي: سودوان، يفهم منها ، لكن ما هما الموصوفتان بهذه الصفة .
ولو قال: { فصل لربك وانحر } .(4) ، تصبح، لأنه كلام مستقل مفهوم واضح .
__________
(1) الحديث رواه أبو عوانة الاسفرائيني، والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ولكن فيه ضعف، قال السيوطي: وإنما لم يصح لأن فيه قرة بن عبد الرحمن ضعفه ابن معين وغيره، وأورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد: منكر الحديث جداً ولم يخرج له مسلم إلا في الشواهد . وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (4216).
(2) سورة المدثر آية (21) .
(3) سورة الرحمن آية (64) .
(4) سورة الكوثر آية (2) .(1/150)
والدليل على اشتراط قراءة الآية: أن النبي $كان يقرأ يوم الجمعة بـ { ق والقرآن المجيد } .(1) يخطب بها(2)، ولكن هذا ليس بدليل، لأن لدينا قاعدة في أصول الفقه، وهي: ((أن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب)) .
قوله: ((والوصية بتقوى الله عز وجل)):
الشرط الرابع: الوصية بتقوى الله عز وجل.
والوصية: هي: أن يوصي الخطيب المستعين بتقوى الله سواء قال: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، أو قال: يا أيها الناس اتقوا الله، فلا بد أن يوصي بتقوى الله، لأن هذا هو لب الخطبة لأن يشمل وعظ الناس، ويذكرهم ويلين قلوبهم، ويوصيهم بما ينفعهم .
فإن أتى بمعنى التقوى دون لفظها بأن قال: يا أيها الناس افعلوا أوامر الله واتركوا نواهي الله فيصح، أو قال: يا أيها الناس أطيعوا الله، وأقيموا أوامره، واتركوا نواهيه فيجزئ0
الشرط الخامس: أن يحضر الخطبتين العدد المشترط فلا أن يحضر أربعون على ما مشى عليه المؤلف من أهل وجوبها، فإن حضر الخطبة عشرون، ثم لما أقيمت الصلاة قبل أن يشرع في الصلاة تموا أربعين، فإنه لا يجزئ.
ولو حضر أربعون نصف الخطبة لم يجزئ .
__________
(1) سورة ق آية (1) .
(2) قال ابن القيم: فمما حفظ من خطبته $ أنه كان يكثر أن يخطُب بالقرآن وسورة (ق). قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان:ما حفظت(ق) إلا منْ في رسول اللّه $ مما يخطب بها على المنبر .اهـ.
فيه دليل على مشروعية قراءة سورة " ق " في الخطبة كل جمعة، قال العلماء : وسبب اختياره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم هذه السورة لما اشتملت عليه من ذكر البعث والموت والمواعظ الشديدة والزواجر الأكيدة. وفيه دلالة لقراءة شيء من القرآن في الخطبة كما سبق وقد قام الإجماع على عدم وجوب قراءة السورة المذكورة ولا بعضها في الخطبة وكانت محافظته على هذه السورة اختياراً منه لما هو الأحسن في الوعظ والتذكير.
وفيه دلالة على ترديد الوعظ في الخطبة .سبل السلام .(1/151)
والصحيح: أن تقدير العدد بأربعين ليس بصواب كما مر بنا لكننا إذا قلنا يشترط حضور ثلاثة صار لا بد من حضور الثلاثة.
الشرط السادس: أن تكون الخطبتان بعد دخول الوقت، فإن خطب قبل دخول الوقت لم تصح الخطبتان، ثم لا تصح الجمعة بعد ذلك. (1)
ffffff
سنن الخطبة
1- ومن سننهما أن يخطب على منبر أو موضع عال أو نحوه.
فعن الزهري عن سالم عن أبيه قال:"سمعت النبي $ يخطب على المنبر..". (2)
قال الشيخ ابن عثيمين: ... وإنما كان ذلك سنة اقتداء بالنبي $، ولأن ذلك أبلغ في إيصال الخطبة إلى الناس، لأنه إذا كان مرتفعاً سمعه الناس أكثر، وكذلك إذا كان مرتفعاً رآه الناس بأعينهم، ولا شك أن تأثر السامع إذا رأى المتكلم أكثر من تأثره وهو لا يراه، وهذا أمر مشاهد، ولهذا كان من هدي الصحابة على ما ذكر أن النبي $ إذا خطب استقبلوه بوجوههم، ليكون ذلك أبلغ في حضور القلب والانتفاع بالخطبة، قال العلماء: ينبغي أن يكون المنبر على يمين مستقبل القبلة في المحراب كما هم معمول به الآن من أجل أن الإمام إذا نزل منه ينفتل عن يمينه.
وقال: إذا لم يوجد منبر، فعلى موضع مرتفع، ولو كومة من التراب، من أجل أن يبرز أمام الناس، وكما ذكرنا سابقاً، لأن ذلك أبلغ في الصوت وأبلغ في التلقي عن الخطيب، لأن من يشاهد يتلقى منه أكثر.(3)
2- أن يسلم الخطيب على المأمومين إذا صعد المنبر .
ومن سننها كذلك أن يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم.
قال أبو بكر بن المنذر: ثبت عن رسول الله $ أنه إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عند منبره من الجلوس ثم يصعد، فإذا استقبل الناس بوجهه سلم ثم قعد.
__________
(1) الشرح الممتع (2/312-315) .
(2) رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب الخطبة على الخطبة .
(3) الشرح الممتع (2/318-319) .(1/152)
روى عن ابن الزبير أنه صعد المنبر وسلم، وفعل ذلك عمر بن عبدالعزيز، وبه قال الأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأنكر مالك ذلك وكان لا يراه. (1)
قال الشيخ ابن عثيمين: ... فيكون إذاً للإمام سلامان: السلام الأول: إذا دخل المسجد سلم على من يمر به .
والسلام الثاني: إذا صعد المنبر، فإنه يسلم تسليماً عاماً على جميع المصلين. (2)
عن جابر >: "أن النبي $ كان إذا صعد المنبر سلم". (3)
3- أن يجلس الخطيب قبل الخطبة على المنبر إلى فراغ الأذان .
ومن السنن كذلك أن يجلس إلى فراغ الأذان.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: "كان النبي $ يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب". (4)
4- أن يستقبل الناس بوجهه .
عن عدي بن ثابت عن أبيه قال: "كان النبي $ إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم" . (5)
قال أبو بكر بن المنذر: روينا عن ابن عمر، وأنس بن مالك، أنهما كانا يستقبلان الإمام إذا خطبا يوم الجمعة، وهذا قول شريح، وعطاء، وبه قال مالك، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وسعيد بن عبدالعزيز، وابن جابر، ويزيد بن أبي مريم، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وهذا كالإجماع. (6)
__________
(1) الإشراف على مذاهب العلماء (2/101).
(2) الشرح الممتع (2/319) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (4745)، وصحيح ابن ماجة برقم (910) .
(4) صحيح الجامع حديث رقم (4913)، صحيح سن أبي داود برقم (967).
(5) السلسلة الصحيحة برقم (2080)، صحيح الجامع حديث رقم (4762)، صحيح سن ابن ماجة (1/187).
(6) الإشراف على مذاهب العلماء (2/106).(1/153)
قال ابن حجر: ومن لازم الاستقبال استدبار الإمام القبلة واغتفر لئلا يصير مستدبر القوم الذين يعظهم، ومن حكمة استقبالهم للأمام التهيؤ لسماع كلامه وسلوك الأدب معه في استماع كلامه، فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه، كان أدعى لتفهم موعظته، وموافقته فيما شرع له القيام لأجله.اهـ. (1)
وقال الشيخ الألباني: هذا وقد أورد البخاري الحديث في باب يستقبل الإمامُ القومَ، واستقبال الناس الإمامَ إذا خطب، واستقبل ابن عمر وأنس رضي الله عنهم الإمام.اهـ. (2)
5- أن يجلس الخطيب بين الخطبتين جلسة خفيفة .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي $ يخطب خطبتين يقعد بينهما". (3)
قال الشيخ ابن عثيمين: لأنه ثبت عن النبي $: أنه كان يجلس بين الخطبتين، ولأنه لو لم يجلس لم يتبين التمييز، إذ قد يظن الظان أنه سكت لعذر منعه من الكلام، لكن إذا جلس تميزت الخطبة الأولى عن الثانية. (4)
6- أن يخطب قائماً .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي $ يخطب قائماً ثم يقومُ كما تفعلون الآن". (5)
ولقوله تعالى: { وتركوك قائماً } . (6)
قال الشيخ ابن عثيمين: أي: يسن أن يخطب قائماً لفعل النبي $، ولأن ذلك أبلغ بالنسبة للمتكلم، لأن القائم يكون عنده من الحماس أكثر من الجالس، ولأنه أبلغ أيضاً في إيصال الكلام إلى الحاضرين، لا سيما في الزمن السابق، إذ ليس فيه مكبر صوت . (7)
7- أن يقصر الخطبة ويطيل الصلاة.
8- أن يرفع صوته بالخطبة فوق القدر الواجب حسب إمكانه .
وعلى الخطيب أن يتفاعل مع أحداث الخطبة، وأن يخرج كلامه القلب ليصل إلى القلب، وهكذا كان رسول الله $.
__________
(1) فتح الباري (2/402) .
(2) السلسلة الصحيحة برقم (2080) .
(3) رواه البخاري في كتاب الجمعة (1/223) .
(4) الشرح الممتع (2/319) .
(5) رواه البخاري في كتاب الجمعة (1/222) .
(6) سورة الجمعة آية (11) .
(7) الشرح الممتع (2/319) .(1/154)
فعن جابر > قال: كان رسول الله $ إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه، كأنه منذر جيش، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" ثم يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك دنيا أو ضياعاً فإليّ و عليّ".(1)
الضياع: العيال، والمراد: من ترك أطفالاً وعيالاً ذوي ضياع.
وزاد النسائي وابن خزيمة: "وكل ضلالة في النار".(2)
إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته الخ. قال الشيخ الألباني رحمه الله: يفعل عليه الصلاة والسلام ذلك حال الخطبة إزالة للغفلة من قلوب الناس، ليتمكن فيها كلامه $ كل التمكن، أو ليتوجه فكره إلى الموعظة فتظهر عليها آثار الهيبة الإلهية. أ.هـ. (3)
قوله (صبحكم ومساكم) هو بتشديد الباء في الأولى أي: نزل بكم العدو صباحاً، والمراد سينزل وبتشديد السين المهملة في الثاني.
قوله (محدثاتها) بفتح الدال، والمراد بها ما لا أصل له في الدين مما أحدث بعده $.
ضياعاً بفتح الضاد المعجمة : العيال وأصله مصدره أو بكسرها: جمع ضائع، كجياع جمع جائع، والله أعلم.
9- أن يدعوا للمسلمين والمسلمات ولنفسه والحاضرين، لجوازه في صلاة الجنازة وغيرها، ففي الخطبة أولى.
قال الشيخ ابن عثيمين: أي: ينبغي أيضاً في الخطبة أن يدعوا للمسلمين الرعية والرعاة، لأن في ذلك الوقت ساعة ترجي الإجابة والدعاء للمسلمين لا شك أنه خير، فلهذا استحبوا أن يدعو للمسلمين . (4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجمعة برقم (867).
(2) رواه النسائي (1/234)، وابن خزيمة في "صحيحه" (3/143/ 1785) وغيرهما، وصححهما الألباني في الترغيب برقم (50).
(3) صحيح الترغيب (1/128) .
(4) الشرح الممتع (2/322) .(1/155)
10- أن يكون في خطبته مترسلاً معرباً من غير عجلة ولا تمطيط لأنه أبلغ وأحسن . (1)
11- أن يؤذن عند الخطبة إذا جلس الإمام على المنبر .
عن السائب ابن يزيد قال: "كان النداءُ يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي $ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان > وكثر الناس زادَ النداء الثالث على الزوراء (2) . (3)
هذا ومن المعلوم أن للجمعة أذان واحد، والذي فعله عثمان رضي الله عنه لعلة، وهي: كثرة الناس، وتباعد المنازل، أما الآن فقد انتفت العلة، حيث أصبح الأذان يسمع بوضوح وعن قرب لوجود مكبرات الصوت.
قال الشيخ الألباني: قال الإمام الزهري رحمه الله تعالى: أخبرني السائب بن يزيد أن الأذان الذي ذكره الله في القرآن كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر [وإذا قامت الصلاة] يوم الجمعة [على باب المسجد] في عهد النبي $ وأبي بكر وعمر، فلما كان خلافة عثمان، وكثر الناس [وتباعدت المنازل] أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث (وفي رواية: الأول، وفي أخرى: بأذان ثان) [على دار [له] في السوق يقال لها: الزوراء]، فأذن به على الزوراء [قبل خروجه ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت]، فثبت الأمر على ذلك، [فلم يعب الناس ذلك عليه ، وقد عابوا عليه حين أتم الصلاة بمنى]))(4)
__________
(1) الكافي لابن قدامة (1/222) .
(2) الزوراء: موضع بسوق المدينة .
(3) رواه البخاري في كتاب الجمعة (1/219) .
(4) أخرجه البخاري (2/314 و 316 و 317)، و أبو داود (1/171) و السياق له، والنسائي(1/207)، و الترمذي (2/392) وصححه ، و ابن ماجه (1/228) ، و الشافعي في "الأم" (1/173) ، و ابن الجارود في "المنتقى" (ص 148)، والبيهقي (2/192 و205)، وأحمد (3/449 و450) ، وإسحاق بن راهوية، وابن خزيمة في "صحيحه"(3/136/1773)، والطبراني، وعبد بن حميد ، و ابن المنذر ، و ابن مردويه .(1/156)
ثم قال: والخلاصة؛ أننا نرى أن يُكتفى بالأذان المحمدي، وأن يكون عند خروج الإمام وصعوده على المنبر ؛ لزوال السبب المسوغ لزيادة عثمان، واتباعاً لسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو القائل: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني))، متفق عليه .(1)
وبنحو ما ذكرنا قال الإمام الشافعي، ففي كتابه"الأم" (1/172-173) ما نصه: ((وأحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على المنبر، فإذا فعل أخذ المؤذن في الأذان، فإذا فرغ قام، فخطب لا يزيد عليه)).
__________
(1) قال الألباني: ونقل الشيخ عبد الحي الكتاني في "التراتيب الإدارية" (1/80-81) عن كتاب "إنارة البصائر في مناقب الشيخ ابن ناصر وحزبه الهداة الأكابر" ما نصه : (( كان - يعني سيدي محمد بن ناصر - يقتصر يوم الجمعة على مؤذن واحد ، و أذان واحد غير الإقامة ؛ أسوة برسول الله $ ، إذ لم يكن في زمنه و لا زمن أبي بكر رضي الله عنه على ما هو الأشهر ، و صدر من خلافة عثمان ، و كان لا يؤذن في زمنه عليه الصلاة و السلام إلا مؤذن واحد، هذا هو الصحيح و المعتمد كما في "فتح الباري" و "الأُبي" )) أ . هـ .
ولقد ذكر الحافظ (2/327) أن العمل بهذه السنة استمر في المغرب حتى زمنه - أعني ابن حجر - أي : القرن الثامن .(1/157)
ثم ذكر حديث السائب المتقدم، ثم قال: ((وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه، ويقول: أحدثه معاوية(1)، وأيهما كان؛ فالأمر الذي كان على عهد رسول الله$ أحب إلي، فإن أذن جماعة من المؤذنين والإمام على المنبر، وأذن كما يؤذن اليوم أّذان قبل أذان المؤذنين إذا جلس الإمام على المنبر؛ كرهت ذلك له، ولا يفسد شيء من صلاته)).اهـ. (2)
12- إقامة الصلاة مباشرة بعد الفراغ من الخطبتين من غير فصل طويل.
ولم يشترط للخطبتين الطهارة، أي لو خطب على غير وضوء صحت الخطبة، ولم يأتي دليل فيما نعلم بوجوب الطهارة للخطبة.
قال الشيخ ابن عثيمين: لو خطب وهو محدث فالخطبة صحيحة، لأنها ذكر وليست صلاة، وإذا خطب وهو جنب ففيه مشكلتان:
المشكلة الأولى: اللبث في المسجد، لكن قد يقال: إنه يتوضأ فيزول هذا بالوضوء .
المشكلة الثانية: قراءة القرآن وهو جنب، والمذهب يرون أن قراءة الجنب للقرآن حرام، فكيف تصح هذه القراءة، وليس عليه أمر الله ورسوله بل الذي عليه النهي؟.(3)
ffffff
مقام الإمام في الخطبة وقيامه لها
عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي $ إذا خطب استند إلى جذع من سوارى المسجد، فلما وضع المنبر واستوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد حتى نزل إليها رسول الله $ فاعتنقها فسكنت ".
أخرجه في السنن ، وفي الكبرى.
__________
(1) قال الألباني: قلت : لا وجه لهذا الإنكار ، فقد تواردت الروايات أن عثمان هو الذي زاده ، فهو المعتمد كما قال الحافظ (2/ 328) ، و لو لم يكن فيه إلا حديث السائب لكفى ، و أما إحداث معاوية إياه فمما لا أعرف له إسناداً .
(2) الأجوبة النافعة.
(3) الشرح الممتع (2/321) .(1/158)
ورواه البخاري: عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ $ فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ $ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ... ومن طريق أخرى: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ النَّبِيُّ $ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ ...وفي رواية أخرى عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ $ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ $ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ ..
في سنن الترمذي : عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ $ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ النَّبِيُّ $ الْمِنْبَرَ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى أَتَاهُ فَالْتَزَمَهُ فَسَكَنَ ..وفي رواية أخرى : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ $ خَطَبَ إِلَى لِزْقِ جِذْعٍ وَاتَّخَذُوا لَهُ مِنْبَرًا فَخَطَبَ عَلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ $ فَمَسَّهُ فَسَكَنَ...(1/159)
وفي سنن ابن ماجه : عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ $ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لَكَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ وَتُسْمِعَهُمْ خُطْبَتَكَ قَالَ نَعَمْ فَصَنَعَ لَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ فَهِيَ الَّتِي أَعْلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرُ وَضَعُوهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ $ أَنْ يَقُومَ إِلَى الْمِنْبَرِ مَرَّ إِلَى الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاوَزَ الْجِذْعَ خَارَ حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ $ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ حَتَّى سَكَنَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَّى إِلَيْهِ.. . وفي رواية أخرى وفي رواية أخرى عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ $ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ ذَهَبَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَحَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ فَقَالَ لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وفي مسند أحمد: من رواية ابن عباس، وأنس، وابن عمر، وجابر، وأبيّ، ولفظ ابن عباس: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ $ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَ الْمِنْبَرَ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّ عَلَيْهِ فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ قَالَ وَلَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .(1/160)
ورواه البيهقي في الكبرى وفي دلائل النبوة من عدة طرق، منها: عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي $ يقوم إلى جذع نخلة فيخطب قبل أن يوضع المنبر، فلما وضع المنبر صعد رسول الله $ فحن ذلك الجذع حتى سمعنا حنينه قال: فأتاه رسول الله $ فوضع يده عليه فسكن.
وممن روى هذا الحديث: ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، والطبراني، والدارمي، وأبو يعلى، والحميدي، وابن حبان، وابن خزيمة، وعبد بن حميد، والشافعي
عن كعب بن عجرة قال : دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعدا، فقال: انظروا إلى هذا يخطب قاعدا، وقد قال الله عز وجل: + وَإِذا رَأوا تِجارَةً أَو لَهواً اِنفَضّوا إِلَيها وَتَركوكَ قائِماً ".(1)
أخرجه النسائي في السنن ، وفي الكبرى
ورواه مسلم، وفيه: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: +وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا".(2)
ffffff
باب
في أن الخطيب كم يخطب والفصل بين الخطبتين في الجلوس
عن جابر بن سمرة قال : جالست رسول الله $ فما رأيته يخطب إلا قائما ويجلس ثم يقوم فيخطب الخطبة الآخرة .
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب الخطبتين وهو قائم وكان يفصل بينهما بجلوس ) .
وعن جابر بن سمرة قال : رأيت رسول الله $ يخطب يوم الجمعة قائما ثم يعقد قعدة ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى فمن حدثكم أن رسول الله $ خطب قاعدا فقد كذب .
وعن جابر بن سمرة ؛ أن رسول الله $ كان يخطب قائما. ثم يجلس. ثم يقوم فيخطب قائما. فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فقد، والله، صليت معه أكثر من ألفي صلاة.
أخرج هذه الأحاديث النسائي في السنن ، وفي الكبرى
__________
(1) سورة الجمعة الآية (11) .
(2) رواه مسلم برقم (864)، باب في قوله تعالى { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) .(1/161)
وروى البخاري في كتاب الجمعة - باب: الخطبة قائما.وقال أنس: بينما النبي $ يخطب قائما.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:كان النبي $ يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم، كما تفعلون الآن.
وروى مسلم في كتاب الجمعة - باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة.
وعن ابن عمر؛ قال: كان رسول الله $ يخطب يوم الجمعة قائما. ثم يجلس. ثم يقوم. قال: كما يفعلون اليوم.
وعن سماك، عن جابر بن سمرة؛ قال: كانت للنبي $ خطبتان يجلس بينهما. يقرأ القرآن ويذكر الناس .
وروى أحاديث القيام أثناء الخطبة أحمد، أبو داود، والبيهقي، والطبراني، وابن خزيمة وابن ماجة وغيرهم ؛ ومن ألفاظه : عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ :كَانَ النَّبِيُّ $ يَخْطُبُ قَائِمًا ،ثُمَّ يَجْلِسُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ آيَاتٍ وَيَذْكُرُ اللَّهَ ، وَكَانَتْ خُطْبَتُهُ قَصْدًا وَصَلَاتُهُ قَصْدًا ...
وفي مستدرك الحاكم: عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة السوائي، قال: من حدثك أن رسول الله $ كان يخطب جالسا على المنبر فكذبه، فأنا شهدته "كان يخطب قائما، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى ". قال: قلت: كيف كانت خطبته؟ قال: "كلام يعظ به الناس، ويقرأ آيات من كتاب الله ثم ينزل، وكانت قصدا - يعني خطبته - وكانت صلاته قصدا بنحو الشمس وضحاها، والسماء والطارق... وقال النيسابوري: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما خرج لفظتين مختصرتين من حديث أبي الأحوص ، عن سماك: كان يخطب خطبتين بينهما جلسة ، وكانت صلاته قصدا ...
ffffff
الكلام في الخطبة
يجوز للخطيب أن يتكلمَ مَع الغير كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أي شيء لصالح الخطبة.(1/162)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله $ يخطب فجلس، فقال له: ياسليك قم فاركع ركعتين، وتجوز فيهما. ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" .(1)
وفي رواية عن جابر بن عبد الله قال: جاء رجل، والنبي $ يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: "أصليت يا فلان؟". قال: لا، قال: "قم فاركع ركعتين".(2)
وعن حصين بن عبد الرحمن قال : " رأيت بشر بن مروان يوم الجمعة يرفع يديه، فقال عمارة بن رويبة: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله$ ما يزيد على هذا، وأشار أبو عوانة ". (3)
وفي رواية أن بشر بن مروان رفع يديه يوم الجمعة على المنبر فسبه عمارة ابن رويبة الثقفى، وقال : " ما زاد رسول الله$ على هذا، وأشار بأصبعه السبابة " . أخرجه النسائي في السنن . ورواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والبيهقي في الكبرى ،وابن حبان، وابن خزيمة ... (4)
ولفظ الترمذي:
عن هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ قَالَ سَمِعْتُ عُمَارَةَ بْنَ رُوَيْبَةَ الثَّقَفِيَّ وَبِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ يَخْطُبُ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ فَقَالَ عُمَارَةُ قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيُدَيَّتَيْنِ الْقُصَيَّرَتَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ $ وَمَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَأَشَارَ هُشَيْمٌ بِالسَّبَّابَةِ... (5)
__________
(1) رواه البخاري برقم (888)، ومسلم برقم (875) .
(2) أخرجه البخاري برقم (888)، ومسلم في الجمعة برقم (875).
(3) صححه الألباني كما في صحيح ابن خزيمة، صحيح سنن أبي داود، مشكاة المصابيح.
(4) صححه الألباني كما في الإرواء، وصحيح سنن الترمذي.
(5) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .. وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.(1/163)
قال ابن قدامة: ولا يحرم الكلام على الخطيب ولا على من سأله الخطيب لـ "أن النبي $ سأل سليكا الداخل وهو يخطب (أصليت) قال : لا". وعن ابن عمر [أن عمر بينا هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل من أصحاب رسول الله $ فناداه عمر أية ساعة هذه قال : إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء فلم أزد على أن توضأت قال عمر : الوضوء أيضا ؟ وقد علمت أن رسول الله $ كان يأمر بالغسل ]. متفق عليه، ولأن تحريم الكلام علته الاشتغال به عن الإنصات الواجب وسماع الخطبة، ولا يحصل ها هنا، وكذلك من كلم الإمام لحاجة أو سأله عن مسألة بدليل الخبر الذي تقدم ذكره.اهـ (1)
ffffff
صفة الخطبة وما يعلم فيها :
قال الألباني: اعلم أن الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده $ من ترغيب الناس وترهيبهم، فهذا في الحقيقة هو روح الخطبة الذي لأجله شرعت.
وأما اشتراط الحمد لله، أو الصلاة على رسول الله$، أو قراءة شيء القرآن فجميعه خارج عن معظم المقصود ، من شرعية الخطبة ، واتفاق مثل ذلك في خطبه$، لا يدل على أنه مقصود متحتم، وشرط لازم، ولا يشك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ دون ما يقع قبله من الحمد والصلاة عليه$ . وقد كان عرف العرب المستمر أن أحدهم إذا أراد أن يقوم مقاماً ويقول مقالاً، شرع بالثناء على الله والصلاة على رسوله، وما أحسن هذا وأولاه لِلَّهِ ولكن ليس هو المقصود، بل المقصود ما بعده .
والوعظ في خطبة الجمعة هو الذي يساق إليه الحديث، فإذا فعله الخطيب فقد فعل الفعل المشروع، إلا أنه إذا قدم الثناء على الله، والصلاة على رسوله، أو استطرد في وعظه القوارع القرآنية كان أتم وأحسن، وأما قصر الوجوب بل الشرطية على الحمد والصلاة، وجعل الوعظ من الأمور المندوبة فقط، فمن قلب الكلام، وإخراجه عن الأسلوب الذي تقبله الإعلام .
__________
(1) المغني (2/165).(1/164)
والحاصل: أن روج الخطبة هو الموعظة الحسنة، من قرآن أو غيره. وكان رسول الله $ يأتي في خطبته بالحمد لله تعالى والصلاة على رسوله$(1)، وبالشهادتين، وبسورة كاملة، والمقصود الموعظة بالقرآن ، وإيراد ما يمكن من زواجره؛ وذلك لا يختص بسورة كاملة .
وعن جابر بن عبد الله > قال: ((كان رسول الله$ إذا خطب، احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، ويقول :
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد$، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة )). (2)
وفي رواية له: "كانت خطبة النبي$ يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته".
وفي أخرى له:((من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له)) (3).
وللنسائي عن جابر: ((وكل ضلالة في النار))(4)أي بعد قوله: ((كل بدعة ضلالة)). والمراد بقوله: ((وكل بدعة ضلالة)) صاحبها .
والبدعة لغة ما عمل على غير مثال، والمراد هنا ما عمل من دون أن سبق له شرعية من كتاب أو سنة .
وفي الحديث دلالة على ضلالة كل بدعة، وعلى أن قوله هذا ليس عاماً مخصوصاً كما زعم بعضهم .
وفيه دليل على أنه يستحب للخطيب أن يرفع بالخطبة صوته، ويجزل كلامه، ويأتي بجوامع الكلم من الترغيب والترهيب. ويأتي بقوله: (أما بعد).
__________
(1) قال الألباني: قلت : المعروف أن النبي$ كان يذكر اسمه الشريف في الشهادة في الخطبة ، وأما أنه كان يأتي بالصلاة عليه $ فمما لا أعرفه في حديث .
(2) أخرجه مسلم.
(3) قال الألباني: قلت : هذه قطعة من خطبة الحاجة التي كان$ يعلمها أصحابه ، والتي تشرع بين يدي كل خطبة، وخاصة خطبة الجمعة. ولي في خطبة الحاجة رسالة خاصة مطبوعة.
(4) 4 ) قال الألباني: قلت: وإسناده صحيح ، وكذلك رواه البيهقي في "الأسماء والصفات" .(1/165)
وظاهره أنه كان$ يلازمها في جميع خطبه . وذلك بعد الحمد والثناء والتشهد ، كما تفيدها الرواية المشار إليها بقوله : ( وفي رواية له ) الخ. وفيه إشارة إلى أنه كان$ يلازم قوله : (( أما بعد فإن خير الحديث )) الخ ، في جميع خطبه(1).
وثبت أنه$ قال: "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء"(2)
وكان$ يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين؛ ويذكر معالم الشرائع في الخطبة؛ والجنة والنار والمعاد، فيأمر بتقوى الله، ويحذر من غضبه ، ويرغب في موجبات رضاه، وقد ورد قراءة آية، ففي حديث مسلم: ((كان لرسول الله$ خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن، ويذكر الناس ويحذر)) .
وظاهر محافظته على ما ذكر في الخطبة وجوب ذلك ، لأن فعله بيان لما أجمل في آية الجمعة، وقد قال$ : (( صلوا كما رأيتموني أصلي ))(3). وقد ذهب إلى هذا الشافعي . وقال بعضهم : مواظبته$ دليل على الوجوب . قال في "البدر التمام":( وهو الأظهر ). والله أعلم.(4)
ffffff
باب
رفع الخطيب يديه للدعاء على المنبر
__________
(1) 1 ) قال الألباني: قلت: ومما يؤسف له أن هذا الحديث قد أصبح اليوم نسياً منسياً، فلا أحد من الخطباء والمدرسين والمرشدين في سوريا ومصر والحجاز وغيرها يقوله بين يدي خطبته ودرسه إلا من عصم الله وقليل ما هم. فأنا اذكرهم بهذا { فإن الذكرى تنفع المؤمنين } وأدعوهم إلى إحياء هذه السنة كما أحيى بعضهم خطبة الحاجة التي سبق الإشارة إليها . والله الموفق .
(2) 2 ) رواه أبو داود وأحمد .
(3) 1 ) رواه البخاري وأحمد .
(4) قال الألباني: قلت : تأمل هذا ، فإن فيه حجة على المؤلف في ذهابه إلى أن خطبة الجمعة من أصلها غير واجبة ، وهذا الدليل الذي ذكره هنا يدل على وجوبها وهو الحق كما سبق بيانه في التعليق على المسألة التي قبل هذه .(1/166)
بعض الخطباء من يرفع يديه للدعاء على المنبر يوم الجمعة، ومنهم من يقول إني داعٍ فأمنوا، وهذا لا أصل له، بل السنة على خلافه .
فعن عمارة بن رؤيبة قال: "رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال: قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله $ ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة" . (1)
قال النووي: فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة
وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم. (2)
وقال الإمام الزهري رحمه الله: رفع الأيدي يوم الجمعة مُحْدث.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة، لأن النبي $ إنما كان يشير بأصبعه إذا دعا . (3)
ونص ابن عابدين على كراهة ذلك، يعني كراهة تحريم. (4)
وقال أبو شامة وتبعه السيوطي في رفع الأئمة أيديهم في الخطبة : وأما رفع أيديهم عند الدعاء فبدعة قديمة. (5)
وقال الشيخ ابن عثيمين: ليس من السنة أن يحرك يديه، وإن كان بعض الخطباء بلغني أنهم يفعلون ذلك، لكن يشير بالخطبة عند الدعاء.
أما الخطبة التي غير خطبة الجمعة، فقد نقول: إنه من المستحسن أن الإنسان يتحرك بحركات تناسب الجمل التي يتكلم بها.
أما خطبة الجمعة فإن المغلّب فيها التعبد، ولهذا أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين رفع يديه في الدعاء مع أن الأصل في الدعاء رفع اليدين، فلا يشرع فيها إلا ما جاء عن النبي $ . (6)
وذكر ابن قدامة في كتابه الكافي فروض وسنن الخطبة نذكرها للفائدة:
__________
(1) رواه مسلم برقم (874)، باب تخفيف الصلاة والخطبة .
(2) شرح النووي (6/162) .
(3) الاختيارات العلمية (48) .
(4) حاشية ابن عابدين (1/769)، القول المبين (ص379).
(5) الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص84)، الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع، القول المبين (ص379) .
(6) الشرح الممتع (2/321) .(1/167)
وفروض الخطبة أربعة أشياء: حمد الله تعالى لأن جابراً قال: كان رسول الله $ يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: "من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ".
والثاني: الصلاة على رسول الله $ لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان
الثالث: الموعظة لأن النبي $ كان يعظ وهو القصد من الخطبة فلا يجوز الإخلال بها.
الرابع: قراءة آية لأن جابر بن سمرة قال: كانت صلاة رسول الله $ قصدا وخطبته قصدا يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس رواه أبو داود و الترمذي ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت فيها القراءة كالصلاة وعن أحمد ما يدل على أنه لا يشترط قراءة آية فإنه قال : القراءة في الخطبة على المنبر ليس فيه شيء مؤقت ما شاء قرأ وتشترط هذه الأربعة في الخطبتين لأن ما وجب في إحداهما وجب في الأخرى كسائر الفروض
وسننها ثلاث عشرة :أن يخطب على منبر أو موضع عال لأن النبي $ كان يخطب على منبره ولأنه أبلغ في الإعلام.
الثاني : أن يسلم عقيب صعوده إذا أقبل عليهم لأن جابرا قال : كان النبي $ إذا صعد المنبر سلم عليهم رواه ابن ماجه.
الثالث : أن يجلس إذا سلم عليهم : لأن ابن عمر قال : كان النبي $ يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب رواه أبو داود
الرابع : أن يخطب قائما لأن جابر بن سمرة قال : إن رسول الله $ كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب رواه مسلم و أبو داود، وليس ذلك بشرط لأن المقصود يحصل بدونه.
الخامس: أن يجلس بينهما لما رويناه وليس بواجب لأنها جلسة للاستراحة وليس فيها ذكر مشروع فأشبهت الأولى.(1/168)
السادس: أن يعتمد على سيف، أو قوس، أو عصا، لما روى الحكم بن حزن، قال: "وفدت على رسول الله $ فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئا على سيف، أو قوس، أو عصا، فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات".(1) رواه أبو داود، ولأن ذلك أمكن له فإن لم يكن معه شيء أمسك شماله بيمينه أو أرسلهما عند جنبيه وسكنهما.
السابع: أن يقصد بلقاء وجهه لأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراضا عمن في الجانب الآخر
الثامن : أن يرفع صوته لأن جابراً قال : كان رسول الله $ إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول :"أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة". رواه مسلم، ولأنه أبلغ في الإسماع.
التاسع: أن يكون في خطبته مترسلا معربا مبينا من غير عجلة ولا تمطيط لأنه أبلغ وأحسن
العاشر: تقصير الخطبة لما روى عمار قال: سمعت رسول الله $ يقول :إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة ]. رواه مسلم.
الحادي عشر: ترتيبها يبدأ بالحمد لله ثم بالصلاة على رسول الله $ ثم يعظ لأنه أحسن والنبي $ كان يبدأ بالحمد لله وقال: [كل كلام ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر.
الثاني عشر: أن يدعو للمسلمين لأن الدعاء لهم مسنون من غير الخطبة ففيها أولى وإن دعا للسلطان فحسن لأن صلاحه نفع للمسلمين فالدعاء له دعاء لهم.
__________
(1) رواه أبو داود في سننه، وحسنه الألباني في تعليقه على سنن أبي داود (1/287)، وفي إرواء الغليل (3/78).
قال الشيخ صالح الفوزان: في هذا الحديث دليل على استحباب أن يعتمد الخطيب على شيء أثناء الخطبة، كعصا، أو قوس، أو عنزة، ونحو ذلك، أو أنه يتمسك بحافة المنبر، لأن ذلك أثبت له، ومعين له على إلقاء الخطبة، لأنه بذلك تنقطع منه الحركة والاضطراب. تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام (2/553).(1/169)
الثالث عشر: أن يؤذن لها إذا جلس الإمام على المنبر لأن الله تعالى قال: { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } يعني الأذان قال السائب: كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله $ وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث رواه البخاري وهذا النداء الأوسط هو الذي يتعلق به وجوب السعي وتحريم البيع لأنه الذي كان مشروعا حين تزول الآية فتعلقت الأحكام به ويسن الأذان الأول في أول الوقت لأن عثمان سنه وعملت به الأمة بعده وهو مشروع للإعلام بالوقت والثاني للإعلام بالخطبة والإقامة للإعلام بقيام الصلاة.
ولا يشترط للجمعة إذن الإمام لأن عليا > صلى بالناس وعثمان > محصور ولأنها من فرائض الأعيان فلم يعد لها إذن الإمام كالظهر قال أحمد: وقعت الفتنة بالشام تسع سنين فكانوا يجمعون لكن إن أمكن استئذانه فهو أكمل وأفضل وعنه أنه شرط لأنه لا يقيمها في كل عصر إلا الأئمة.
وتصلى خلف بر وفاجر لحديث جابر ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة وتختص بإمام واحد فتركها خلف الفاجر يفضي إلى الإخلال بها فلم يجز ذلك كالجهاد ولهذا أبيح فعلها في الطرق ومواضع الغضب صيانة لها عن الفوات.
و إذا فرغ من الخطبة نزل فأقيمت الصلاة فصلى بهم ركعتين يقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة معها ويجهر بالقراءة للإجماع ونقل الخلف عن السلف ومهما قرأ به بعد أم الكتاب فيها أجزأه إلا أن المستحب أن يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين أو بسبح والغاشية لما روى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله $ يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في الجمعة وعن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله $ يقرأ في العيدين والجمعة ب { سبح اسم ربك الأعلى } و { هل أتاك حديث الغاشية } رواهما مسلم.اهـ. (1)
ffffff
من فقه الخطيب قصر الخطبة وطول الصلاة
ثبت عن رسول الله $ أن من فقه الرجل هو طول خطبته وقصر صلاته.
__________
(1) الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة(1/328).(1/170)
فعن عمار بن ياسر >، قال: سمعت رسول الله $ يقول: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحراً" . (1)
قوله: "مئنة من فقهه" المئنة: العلامة، أي من علامة فقهه، والفقه: الفهم، أي : علامة على فهمه.
قال الشيخ ابن عثيمين: لأن في تقصير الخطبة فائدتين:
أ أن لا يحصل الملل للمستمعين...
ب أن ذلك أوعى للسامع أي: أحفظ للسامع، لأنها إذا طالت أضاع آخرها أولها، وإذا قصرت أمكن وعيها وحفظها، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه" أي: علامة ودليل على فقهه ... (2)
وقال الشيخ الألباني: أي مما يعرف به فقه الرجل. وكل شيء دل على شيء فهو مئنة له. وإنما كان قصر الخطبة علامة على ذلك، لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني وجوامع الألفاظ، فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة، ولذلك كان من تمام رواية هذا الحديث: ((فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحرا)) .
والمراد من طول الصلاة الطول الذي لا يدخل فاعله تحت النهي، وقد كان $ يصلي الجمعة بـ (الجمعة) و (المنافقون)، كما عند مسلم عن ابن عباس وعن النعمان بن بشير >: ((كان $ يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية)(3)
وذلك طول بالنسبة إلى خطبته، وليس بالطول المنهي عنه. وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: " ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا من لسان رسول الله $؛ يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس ) رواه مسلم.
وفيه دليل على مشروعية قراءة سورة أو بعضها في الخطبة كل جمعة . وكان محافظته $ على هذه السورة اختياراً منه لما هو أحسن في الوعظ والتذكير، وفيه دلالة على ترديد الوعظ في الخطبة. (4)
__________
(1) رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم (867) .
(2) الشرح الممتع (2/321) .
(3) الأجوبة النافعة.
(4) الشرح الممتع (2/321) .(1/171)
وعن جابر بن سمرة >، أن النبي $ "كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة"(1)
قال المناوي: - قوله - (كان لا يطيل الموعظة) في الخطبة يوم (الجمعة) لئلا يمل السامعون وتمامه عند أبي داود والحاكم إنما هن كلمات يسيرات فحذف المصنف لذلك كأنه لذهول والوعظ الأمر بالطاعة والوصية بها والاسم الموعظة، وفيه أنه يسن عدم تطويل الخطبة. (2)
قال الشيخ صالح الفوزان في تعليقه على أم هشام هذا: في الحديث مشروعية قراءة شيء من القرآن في الخطبة، ولهذا يقول بعض الفقهاء بأن هذا من أركان الخطبة، أن يقرأ فيها شيئاً من القرآن يتناسب مع الموضوع الذي خطب فيه؛ لأن القرآن هو أبلغ الكلام وأفصح الكلام، فيختار الإمام إما سورةً قصيرة، وإما آيات، أو آية واحدة فيها تحريك للقلوب، وفيها موعظة، وتتناسب مع الموضوع الذي خطب فيه، أما إذا خلت الخطبة من قراءة شيء من القرآن فإنها تكون ناقصة، وقد قدَّمنا أن العلماء من يرى أنها غير مجزئة؛ لأنها فقدت ركناً من أركانها.
وأما اختيار الرسول $ لهذه السورة بالذات فلما تشتمل عليه من المعاني العظيمة، ففيها:
أولاً: إثبات رسالة الرسول $: +بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ".(3)
وفيها إثبات البعث: +أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ".(4)
وأن الله يعيد هذه الأجسام بعد ما تفتَّت وتحلَّلت من التربة، ويعيدها كما كانت.
وفيها التذكير بالموت: +وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ".(5)
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (4863) .
(2) فيض القدير .
(3) سورة ق الآية (2) .
(4) سورة ق الآية (3-4) .
(5) سورة ق الآية (19) .(1/172)
وفيها التذكير بأن الإنسان عليه حفظة يحصون عليه أعماله . +مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ".(1)
وفيها التذكير بقيام الساعة وبعث الموتى من القبور وبالحشر . +وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ".(2)
وفيها الحث على صلاة الفجر، وصلاة العصر. +فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ".(3)
هذا والله أعلم وجّه اختيار الرسول $ لقراءة هذه السورة العظيمة في خطبة الجمعة، فينبغي للخطيب أن يختار آيةً، أو آيات، أو سورةً مناسبة لموضوعه الذي يخطب به، يكون فيها تذكيرٌ للناس، وموضوعةٌ لهم حتى ينتفعوا بذلك ولا تخلو خطبته من القرآن. (4)
أن تكون الخطبة الثانية أقصر من الأولى كالإقامة مع الأذان.
الأذان
الأذان: هو الإعلام .
قال الله تعالى: +فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ" .(5)
وقال تعالى: +وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ".(6) .
وفي الشرع: إعلام خاص، وهذا الغالب في التعريفات الشرعية أنها تكون أخص من المعاني اللغوية، وقد يكون بالعكس.
فالإيمان في اللغة: التصديق ، وفي الشرع أعم منه، ولكن الغالب الأول .
__________
(1) سورة ق الآية (18) .
(2) سورة ق الآية (41-43) .
(3) سورة ق الآية (39) .
(4) تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام (2/523-524).
(5) البقرة الآية (279).
(6) التوبة الآية (3) .(1/173)
أما تعريف الأذان : فهو التعبد لله بالإعلإم بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص ، وهذا أولى من قولنا : الإعلام بدخول وقت الصلاة ؛ لأن الأذان يتبع الصلاة ، ولهذا إذا شرع الإبراد في صلاة الظهر شرع تأخير الأذان كما في الصحيح .
والأذان عبادة واجبة ؛ لأن النبي $ أمر بها ، ولأن الله أشار إليه بالقرآن في قوله: +وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً" .(1) وهذا عام، وقوله: +$pkڑ‰r'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ "!$#".(2)
أما الإقامة: فإنها في اللغة مصدر أقام، من أقام الشيء إذا جعله مستقيماً.
أما في الشرع: فهي التعبد لله بالقيام للصلاة بذكر مخصوص.
والفرق بينهما أنَّ الأذان: إعلام للصلاة للتهيؤ لها، والإقامة: للدخول والإحرام بها، وكذلك في الصفة يختلفان . اهـ (3)
ffffff
أذان واحد لصلاة الجمعة
من السنة أن يؤذن أذان واحد لصلاة الجمعة، ولا يؤذن للصلاة إلا بعد أن يجلس الخطيب على المنبر، أي يؤذن بين يدي الخطيب، وبالنسبة لأذان الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه فالصحيح من أقوال العلماء لعلة وهي عندما توسعت المدينة، وكثر الناس [وتباعدت المنازل] أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثاني (وفي رواية: الأول، وفي أخرى: بأذان ثان) [على دار [له] في السوق يقال لها: الزوراء]، فأذن به على الزوراء .
أما الآن فقد انتفت العلة بانتشار المساجد أولاً، وثانياً لوجود مكبرات الصوت.
وقال سفيان الثوري : لا يؤذن للجمعة حتى تزول الشمس ، وإذا أذن المؤذن قام الإمام عى المنبر فخطب ، وإذا نزل أقام الصلاة ، قال : والأذان الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر أذان وأقامة ، وهذا الأذان الذي زادوه محدثٌ .
__________
(1) المائدة الآية (58) .
(2) سورة الجمعة .
(3) الشرع الممتع (1/333) .(1/174)
وقال الشافعي -فيما حكاه ابن عبد البر - : أحب إلي أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر بين يديه ، فإذا قعد أخذ المؤذن في الأذان ، فإذا فرغ قام فخطب ، قال : وكان عطاءٍ ينكر أن يكون عثمان أحدث الأذان الثاني ، وقال : إنما أحدثه معاوية . (1)
وقال الشيخ الألباني بعد أن ناقش هذه المسألة: والخلاصة؛ أن الذي ثبت في السنة وجرى عليه السلف الصالح رضي الله عنهم هو:
أولاً: الاكتفاء بالأذان الواحد، عند صعود الخطيب على المنبر.
ثانياً: أن يكون خارج المسجد على مكان مرتفع.
ثالثاً: أنه إن احتيج إلى أذان عثمان؛ فمحله خارج المسجد أيضاً في المكان الذي تقتضيه المصلحة، ويحصل به التسميع أكثر.
رابعاً: إن الأذان في المسجد بدعة على كل حال، وإن لصلاة الجمعة وقتين بعد الزوال وقبله.
خامساً: إن من دخل المسجد قبل الأذان صلى نفلاً مطلقاً ما شاء من الركعات .
سادساً: إن قصد الصلاة بين الأذان المشروع والأذان المحدث - تلك التي يسمونها سنة الجمعة القبلية - لا أصل لها في السنة، ولم يقل بها أحد من الصحابة والأئمة. (2)
ffffff
الأذان الذي يحرم العمل يوم الجمعة
على المؤمن ترك البيع والشراء، والعمل عند الأذان لصلاة الجمعة.
قال الله تعالى: + يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" .(3)
__________
(1) فتح الباري لابن رجب (6/205)، وانظر كتاب الأم للشافعي (1/173).
(2) الأجوبة النافعة عن أسئلةلجنة مسجد الجامعة .
(3) سورة الجمعة الآية (9) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فجعل السعي إلى الصلاة سعياً إلى ذكر الله ولما كانت الصلاة متضمنة لذكر الله تعالى الذي هو مطلوب لذاته، والنهي عن الشر الذي هو مطلوب لغيره، قال تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر، أي ذكر الله الذي في الصلاة أكبر من كونها تنهي عن الفحشاء والمنكر، وليس المراد أن ذكر الله خارج الصلاة أفضل من الصلاة وما فيها من ذكر الله، فإن هذا خلاف الإجماع، ولما كان ذكر الله هو مقصود الصلاة، قال أبو الدرداء: ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة، ولو كنت في السوق، ولما كان ذكر الله يعم هذا كله... مجموع الفتاوى (32/232-233).(1/175)
قال الشيخ السعدي: وفي هذه الآيات فوائد عديدة:
منها: أن الجمعة فريضة على جميع المؤمنين، يجب عليهم السعي لها، والمبادرة والاهتمام بشأنها.
ومنها: أن الخطبتين يوم الجمعة، فريضتان يجب حضورهما، لأنه فسر الذكر هنا بالخطبتين، فأمر الله بالمضي إليه والسعي له.
ومنها: مشروعية النداء ليوم الجمعة، والأمر به.
ومنها: النهى عن البيع والشراء، بعد نداء الجمعة، وتحريم ذلك، وما ذاك إلا لأنه يفوت الواجب ويشغل عنه، فدل ذلك على أن كل أمر ولو كان مباحًا في الأصل، إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب، فإنه لا يجوز في تلك الحال.
ومنها: الأمر بحضور الخطبتين يوم الجمعة، وذم من لم يحضرهما، ومن لازم ذلك الإنصات لهما.
ومنها: أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله، وقت دواعي النفس لحضور اللهو [والتجارات] والشهوات، أن يذكرها بما عند الله من الخيرات، وما لمؤثر رضاه على هواه.اهـ. (1)
قال الشيخ الألباني: وقد اختلفوا في الأذان المحرم للعمل أهو الأول أم الآخر؟ والصواب أنه الذي يكون والإمام على المنبر، لأنه لم يكن غيره في زمن النبي $، فكيف يصحّ حمل الآية على الأذان الذي لم يكن ولم يوجد إلا بعد وفاته $، وقد بسطت القول في ذلك في رسالتي الأجوبة النافعة فراجعها.اهـ. (2)
ffffff
شروط صحة صلاة الجمعة
1- الوقت: قال الله تعالى: +إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا".(3)
__________
(1) تفسير السعدي .
(2) إرواء القليل .
(3) سورة النساء آية (103) .
قال ابن قدامة: فلا تصح قبل وقته ولا بعده بالإجماع، وآخر وقتها آخر وقت الظهر بغير خلاف، فأما أوله فذكر القاضي أنها تجوز في وقت العيد لأن أحمد > قال في رواية عبد الله : يجوز أن يصلي الجمعة قبل الزوال يذهب إلى أنها كصلاة العيد لحديث وكيع عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن حجاج، عن عبد الله بن سيلان، قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته، وخطبته قبل انتصاف النهار، وشهدتها مع عمر بن الخطاب ->- فكانت ==
== صلاته وخطبته إلى أن أقول: قد انتصف النهار ثم صليتها مع عثمان بن عفان رضوان الله عليهم أجمعين، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك أو أنكره، وهذا نقل للإجماع.
وعن جابر قال: كان رسول الله $ كان يصلي الجمعة فنذهب إلى جمالنا فنزيحها حين تزول الشمس رواه مسلم، ولأنها صلاة عيد أشبهت صلاة العيدين، وقال الخرقي: تجوز في الساعة السادسة وفي نسخة الخامسة فمفهومه أنه لا يجوز قبل ذلك لأن ما رويناه تختص به والأفضل فعلها عند زوال الشمس صيفا وشتاء لا يقدمها إلى موضوع الخلاف ولا يؤخرها فيشق على الناس لما روى سلمة بن الكوع قال : كنا نجمع مع النبي $ إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء متفق عليه فإن خرج الوقت وهم فيها فقال أحمد من أدرك التشهد أتمها جمعة فظاهره أنه يعتبر الوقت في جميعها إلا السلام لأن الوقت شرط فيعتبر في جميعها كالضوء وقال الخرقي: إن دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة أجزأتهم جمعة لأنه شرط يختص بالجمعة فلم يعتبر في الركعة الثانية كالجماعة في حق المسبوق وإن أدرك أقل من ذلك فهل يتمها ظهرا أو يستأنف؟ على وجهين بناء على المسبوق بأكثر من ركعة، وقال القاضي: متى تلبس بها في وقتها أتمها جمعة قياسا على سائر الصلوات، فإن شرع فيها ثم شك في خروج الوقت أتمها جمعة لأن الأصل بقاؤه وإن ضاق الوقت عما يجري في الجمعة لم يكن لهم فعلها .اهـ. الكافي في فقه ابن حنبل (1/320) .
والأفضل هو أداؤها بعد الزوال خروجاً من الخلاف وهو الأرجح والأحوط والله أعلم .
قال الشيخ الفوزان: ولا شك أن الأرجح والأحوط ما ذهب إليه الجمهور، وعليه الفتوى الآن، وقد صدر به قرار هيئة كبار العلماء في هذه البلاد، بأن الجمعة لا تصلى إلا بعد الزوال عملاً بالراجح وما عليه الجمهور، وتحمل الأحاديث التي تدل على التبكير على أن المراد بها بصلاة الجمعة بعد زوال الشمس مباشرة من أجل الرفق بالناس. اهـ.تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام (2/508).(1/176)
فلا تصح الجمعة قبل وقتها، ولا بعده، وآخر وقت للجمعة هو آخر وقت الظهر، وهذا مجمع عليه.
وأفضل أوقاها بعد زوال الشمس وهو الأحوط .
فعن أنس بن مالك>، "أن النبي $ كان يصلي الجمعة حين تزول الشمس".(1)
وأما أداؤها قبل الزوال فهو محمل خلاف بين العلماء .
عن إياس بن سلمة بن الأكوع، قال: حدثني أبي، وكان من أصحاب الشجرة، قال: "كنا نصلي مع النبي $ الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه".(2)
ظل: أي يصلح لأن يستظل فيه، وهو دليل التعجيل بصلاة الجمعة أول الوقت.
وفي لفظ لمسلم: "كُنَّا نجمِّعُ معه إذا زالتِ الشمسُ، ثم نرجِعُ، نتَتَبعُ الفَئ".(3)
قال ابن حجر: استدل به لمن يقول بأن صلاة الجمعة تجزئ قبل الزوال، لأن الشمس إذا زالت ظهرت الظلال، وأجيب بأن النفي إنما تسلط على وجود ظل يستظل به لا على وجود الظل مطلقا، والظل الذي يستظل به لا يتهيأ إلا بعد الزوال بمقدار يختلف في الشتاء والصيف. (4)
قال الشيخ ابن عثيمين: أول وقت صلاة الجمعة بعد ارتفاع الشمس قيد رمح أي: قدر رمح، والرمح حوالي متر، وعليه فلنا أن نصليها من حين أن ترتفع الشمس قيد رمح. (5)
وقال الشيخ صالح الفوزان: فقد ذهب الإمام أحمد وجماعة إلى أنه لا بأس أن تصلى الجمعة قبل الزوال، بل إن الذي في مذهب أحمد هو أن وقتها يبدأ بدخول صلاة العيد، فلو صلاّها في وقت صلاة العيد أو بعده صحَّت. (6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجمعة (1/217) .
(2) رواه البخاري برقم (3935)، واللفظ له، وأخرجه مسلم في الجمعة باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس رقم (860).
(3) أخرجه مسلم في الجمعة، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس برقم (860).
(4) فتح الباري (7/450).
(5) الشرح الممتع (2/297) .
(6) تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام (2/507).(1/177)
وعن ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل قال: "كنا نفرح يوم الجمعة قلت ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة - قال ابن مسلمة نخل بالمدينة - فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في قدر وتكركر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها فتقدمه إلينا، فنفرح من أجله، وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة".(1)
وفي لمسلم : "في عهد رسول الله $". (2)
قوله: "بضاعة": بئر في بستان نخل في المدينة.
وقوله: "تكركر" تطحن من الكركرة وهي الصوت.
والطحن بالرحى يخرج صوتا فسمي كركرة. (3)
قال الشيخ صالح الفوزان: وبعض العلماء أراد أن يجمع بين الأحاديث فقال: تُحمل هذه الأحاديث على أنه في بعض الأحيان يصلي قبل الزوال، وفي بعض الأحيان يصلي بعد الزوال، فيدلُّ هذا على جواز الأمرين، وهذا يتفق مع القول الأول للإمام أحمد. (4)
وقال صاحب كتاب الهداية: ويَجُوزُ فِعْلُ الجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ في الوَقْتِ الَّذِي تُقَامُ فِيْهِ صَلاَةُ العِيْدِ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ (5)، وإِذَا دَخَلَ في وَقْتِ العَصْرِ وَهُمْ فِيْهَا أَتَمُّوْهَا جُمُعَةً. (6)
وقال أبو بكر بن المنذر: ثبت أن رسول الله $ صلى الجمعة بعد زوال الشمس. (7)
وكان عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وقيس بن سعد، وعمرو بن حريث، والنعمان بن بشير، وعمر بن عبدالعزيز، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي يصلون الجمعة بعد زوال الشمس، وبه قال مالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد ، وإسحاق.
وقد روى بإسناد لا يثبت عن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، ومعاوية خلاف هذا القول.
__________
(1) رواه البخاري برقم (5894)، ومسلم برقم 859).
(2) رواه مسلم برقم (859).
(3) مصطفى ديب البغا.
(4) تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام (2/509).
(5) انظر مختصر الخرقي 35 .
(6) كتاب الهداية.
(7) سبق تخريجه.(1/178)
وقال عطاء: كل عيد يمتد الضحى، الجمعة، والأضحى، والفطر.
وقال أحمد: في الجمعة إن فعل قبل الزوال فلا أعيبه، فأما بعده فليس فيه شك، وبه قال إسحاق.
وبالقول الأول أقول. (1)
ffffff
آخر وقت لصلاة الجمعة هو آخر وقت الظهر.
من المعلوم أن وقت صلاة الجمعة يكون نفس وقت صلاة الظهر، فآخر وقت لصلاة الجمعة هو أن يكون ظل الشيء مثله.
قال الشيخ ابن عثيمين: آخر وقت - أي لصلاة الجمعة - صلاة الظهر: إذا كان ظل الشيء كطوله بعد فيء الزوال، وعلامة ذلك: أن الشمس إذا طلعت يكون لكل شاخص أي: لكل شيء قائم ظل من جهة المغرب، ثم لا يزال هذا الظل ينقص شيئاً فشيئاً، كلما ارتفعت الشمس نقص إلى أن يقف، فإذا وقف وزاد أدنى زيادة زالت الشمس، فاجعل علامة على المحل الذي بدأ يزيد منه وسيزداد الظل، فإذا كان من العلامة التي زالت عليه الشمس إلى منتهى الظل طول الشاخص فهنا يخرج وقت الظهر، ويدخل وقت العصر 0
إذاً يكون انتهاء وقت صلاة الجمعة إذا صار ظل الشيء كطوله بعد فيء الزوال، فتتفق مع الظهر في آخر وقت، ويختلفان في أوله 0(2)
2- الجماعة: فلا تصح من منفرد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: تنعقد الجمعة بثلاثة: واحد يخطب واثنان يستمعان، وهو إحدى الروايات عن أحمد، وقول طائفة من العلماء.اهـ.(3)
وقال الإمام الشوكاني في السيل الجرار(1/298): وليس على شيء منها دليل يُستدل به قط، إلا قول من قال: إنها تنعقد جماعة الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعات .
قال الشيخ الألباني: وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى. (4)
3- الاستيطان:
__________
(1) الإشراف على مذاهب العلماء (1/402-403).
(2) الشرح الممتع (2/299) .
(3) الاختيارات الفقبهية (ص145) .
(4) السلسلة الضعيفة تحت حديث برقم (1204)، نظم الفرائد مما في سلسلتي الألباني من الفوائد (1/425) .(1/179)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فان كل قوم كانوا مستوطنين ببناء متقارب لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا تقام فيه الجمعة إذ كان مبنيا بما جرت به عادتهم من مدر وخشب أو قصب أو جريد أو سعف أو غير ذلك فإن أجزاء البناء ومادته لا تأثير لها في ذلك إنما الأصل أن يكونوا مستوطنين ليسوا كأهل الخيام والحلل الذين ينتجعون في الغالب مواقع القطر ويتنقلون في البقاع وينقلون بيوتهم معهم إذا انتقلوا وهذا مذهب جمهور العلماء .
وقال الإمام أحمد: ليس على البادية جمعة لأنهم ينتقلون فعلل سقوطها بالإنتقال، فكل من كان مستوطنا لا ينتقل باختياره فهو من أهل القرى .(1)
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "فشروط صحة الجمعة ما يتوقف عليها صحة الجمعة، أي: إذا فقد واحد من الشروط لم تصح الجمعة" .اهـ .(2)
وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة وإن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهراً إذا كان نوى الظهر.
قال ابن قدامة: أن يكون في قرية مبنية بما جرت العادة ببناء القرى به من حجر، أو طين، أو لبن، أو قصب مجتمعة البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة يسكنها أربعون من أهل الجمعة سكنى إقامة لا يظعنون عنها صيفاً، ولا شتاء، فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة لهم لأن ذلك لا ينصب للاستيطان، ولذلك كانت قبائل العرب حول المدينة ولم يأمرهم النبي $ بجمعة، وإن كانت قرية يسكن فيها بعض السنة دون بعضهم أو متفرقة تفريقا لم تجر فيه العادة لم تصح فيها الجمعة، فإن اجتمعت هذه الشروط في القرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها لأن كعباً قال: أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع، يقال له: نقيع الخضمات. رواه أبو داود.
__________
(1) مجموع الفتاوى (24/167-169) .
(2) الشرح الممتع .(1/180)
قال الخطابي: حرة بني بياضة على ميل من المدينة، ولأن هذا بناء استوطنه أربعون من أهل الجمعة فوجبت عليهم كأهل مصر، وتجوز إقامة أهل الجمعة فيما قارب البنيان من الصحراء، لحديث أسعد بن زرارة، فإن خربت القرية فلازموها عازمين على إصلاحها ومرمتها فحكمها باق، وإن عزموا على النقل عنها زال الاستيطان . اهـ .(1)
4- أن يتقدم صلاة الجمعة خطبتان:
ويشترط تقدم خطبتين، ومن شرط صحتهما حمد الله، والصلاة على رسول الله $، وقراءة آية، والوصية بتقوى الله عز وجل، وحضور العدد المشترط، ولا يشترط لهما الطهارة، ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أن الخطبتين لهما شروط لا تصحان بدونها: "حمد الله"، وهذا هو الشرط الأول بأن يحمد الله بأي صيغة، سواء كانت الصيغة اسمية أم فعلية، أي: سواء قال: الحمد لله، أو قال: أحمد الله، أو قال: نحمد الله، وسواء كان الحمد في أول الخطبة، أم في آخرها، والأفضل أن يكون في أول الخطبة.
والدليل على اشتراط حمد الله تعالى:
قول النبي عليه الصلاة والسلام: "كل أمر لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع".(2)
__________
(1) الكافي في فقه ابن حنبل (1/320) .
(2) قال المناوي: الحديث (عن أبي هريرة) قال الرهاوي: غريب تفرد بذكر الصلاة فيه إسماعيل بن أبي زياد وهو ضعيف جداً لا يعتبر بروايته ولا بزيادته، ومن ثم قال التاج السبكي: حديث غير ثابت، وقال القسطلاني: في إسناده ضعفاء ومجاهيل، وقال في اللسان كأصله إسماعيل بن أبي زياد قال الدارقطني: متروك يضع الحديث، وقال الخليلي: شيخ ضعيف والراوي عنه حسين الزاهد الأصفهاني مجهول، ورواه ابن المديني وابن منده وغيرهم بأسانيد كلها مشحونة بالضعفاء والمجاهيل.
وقال: لم يصح لأن فيه قرة بن عبد الرحمن ضعفه ابن معين وغيره، وأورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد: منكر الحديث جداً ولم يخرج له مسلم إلا في الشواهد. فيض القدر .
والحديث ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع برقم (4218) و (4216).(1/181)
والأقطع: الناقص البركة والخير.
حديث جابر في صحيح مسلم: "كان النبي $ إذا خطب حمد الله وأثنى عليه"، وهذا استدلال قد يعارض؛ لأنه مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، لكن لا شك أنه أفضل وأحسن.
الشرط الثاني: من شروط صحة الخطبة الصلاة على رسوله محمد $ أي: أن يصلي على الرسول $ بأي اسم من أسمائه أو صفة تختص به فيقول: اللهم صلِّ على محمد، أو اللهم صل على أحمد، أو اللهم صل على العاقب، أو اللهم صل على الحاشر، أو اللهم صل على خاتم النبيين، أو المرسل إلى الناس أجمعين. (1)
قال صاحب كتاب الهداية: وأَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ، مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا :
حَمْدُ اللهِ تَعَالَى ، والصَّلاَةُ عَلَى رَسُوْلِهِ$ ، وقِرَاءةُ آيَةٍ فَصَاعِداً ، والوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى ، وحُضُورُ العَدَدِ المَشْرُوطِ في الجُمُعَةِ .
ومِنْ سُنَنِهِمَا: الطَّهَارَةُ، وأَنْ يَتَوَلاَّهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلاَةَ، وَعَنْهُ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِهِمَا، وأَنْ يَكُونَ عَلَى مِنْبَرٍ أوْ مَوْضِعٍ عَالٍ، وأنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ، إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، ولاَ يَجْلِسُ إلى أنْ يَفْرَعَ المُؤَذِّنُونَ مِنْ أَذَانِهِمْ، وأَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَائِماً. ويَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أو قَوْسٍ أو عَصًا، وأَنْ يَقْصِدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وأَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا جَلْسَةً خَفِيْفَةً، وأَنْ يُقَصِّرَ الخُطْبَةَ، ويَدْعُو لِلْمُسْلِمِيْنَ. (2)
__________
(1) الشرح الممتع (2/313).
(2) كتاب الهداية.(1/182)
وصلاة الجمعة ركعتان(1)، يُسن أن يقرأ في الأولى بـ: { الجُمُعَةِ } ، وفي الثانية بـ: { المُنَافقين } . وتحرم إقامتها في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة فإن فعلوا فالصحيحة ما باشرها الإمام أو أذن فيها فإن استويا في إذن أو عدمه فالثانية باطلة وإن وقعتا معاً أو جهلت الأولى بطلتا.
وَصَلاَةُ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، مِنْ سُنَنِهَا الجَهْرُ بالقِرَاءةِ، وأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الفَاتِحَةِ في الأُوْلَى سُوْرَةَ الجُمُعَةِ والثَّانِيَةِ بـ: ((سَبِّح))(2)، وَهُوَ اخْتِيَار أبي بَكْرٍ ، ذَكَرَهُ في " التَّنْبِيْهِ " (3) .
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في زاده، بعد أن ذكر خصائص الجمعة، فقال:
الخاصية الثانية عشرة: قراءة سورة "الجمعة"و"المنافقين"، أو "سبح" و"الغاشية" في صلاة الجمعة، فقد كان رسول الله $ يقرأ بهن في الجمعة، ذكره مسلم في"صحيحه".(4)
__________
(1) قال ابن عثيمين: وهذا بالنص والإجماع. الشرح الممتع (2/323).
(2) يعني بها: سورة الأعلى .
(3) ذكره ابن الشطبي في مختصر طبقات الحنابلة : (31) . كتاب الهداية.
(4) في الجمعة (877) باب (16) ما يقرأ في صلاة الجمعة، من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا سليمان { هو ابن بلال } عن جعفر، عن أبن أبي نافع؛ قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى لنا أبو هريرة الجمعة، فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة: إذا جاءك المنافقون، قال فأدركت أبا هريرة حين انصرف فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما بالكوفة. فقال أبو هريرة: إني سمعت رسول الله $ يقرأ بهما يوم الجمعة.
وأخرجه أبو داود في الصلاة (1124)، والترمذي في الصلاة برقم (519)، وابن ماجة في الإقامة برقم (1118)، وابن حبان في صحيحه برقم (2806).(1/183)
قال الشيخ صالح الفوزان: وقد كان $ كما في الحديث يقرأ في بعض الأحيان في الأولى بـ +سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى". (1)، وفي الثانية بسورة +الغاشية".(2)؛ لما تشتملان عليه من المعاني العظيمة من الوعظ والتذكير وذكر الجنة والنار؛ لذا فإنه ينبغي للإمام أن يُكثر من قراءة هاتين السورتين أيضاً في صلاة الجمعة، فمرةً يقرأ بالجمعة والمنافقون، ومرة بسبح والغاشية، وإن قرأ بغيرهما في بعض الأحيان فلا بأس، ولكن يطيل القراءة بمقدار هاتين السورتين، أما أنه يقرأ أية أو آيتين فقط هذا خلاف السنة، مع أنه يجزئ في الصلاة.اهـ. (3)
وفيه أيضا: أنه $، كان يقرأ فيها بـ +"الجُمُعة".(4) و +هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ".(5) ثبت عنه ذلك كله .(6)
ولا يستحب أن يقرأ من كل سورة بعضها، أو يقرأ إحداهما في الركعتين، فإنه خلاف السنة، وجهّال الأئمة يداومون على ذلك.
ويسن أن تكون القراءة في صلاة الجمعة جهراً .
قال الشيخ ابن عثيمين: لو قرأ سراً لصحت الصلاة، لكن الأفضل الجهر.(7)
قال السيوطي: الناس في الجمعة أقسام:
الأول: من تلزمه وتنعقد به، وهو كل ذكر صحيح، مقيم متوطن مسلم بالغ عاقل حر، لا عذر له.
__________
(1) سورة الأعلى آية (1).
(2) سورة الغاشية آية (1).
(3) تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام (2/530-531).
(4) أي: سورة الجمعة.
(5) أي: سورة الغاشية.
(6) والحديث أخرجه مسلم في الجمعة (878) في المصدر السابق من يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق، جميعا عن جرير، قال يحيى: أخبرنا جرير بن إبراهيم بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير، عن النعمان بن بشير ؛ قال: كان رسول الله $ يقرأ، في العيدين، وفي الجمعة بـ { سبح اسم ربك الأعلى } ، و { هل أتاك حديث الغاشية } .
وفي الباب عن ابن عباس > عند مسلم (879).
(7) الشرح الممتع (2/324).(1/184)
الثاني: من لا تلزمه ولا تنعقد به، ولكن تصح منه، وهم : العبد والمرأة والخنثى والصبي والمسافر .
الثالث: من تلزمه ولا تنعقد به، وذلك اثنان: من داره خارج البلد، وسمع النداء، ومن زادت إقامته على أربعة أيام وهو على نية السفر.
الرابع: من لا تلزمه وتنعقد به، وهو المعذور بالأعذار السابقة. (1)
__________
(1) الأشياء والنظائر للسيوطي (ص242) .
قال ابن قيم الجوزية: ومن تأمل خطب النبي $ وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد وذكر صفات الرب جل جلاله وأصول الإيمان الكلية والدعوة إلى الله وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه وأيامه التي تخوفهم من بأسه والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم ثم طال العهد وخفي نور النبوة وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها فأعطوها صورها وزينوها بما زينوها به فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الإخلال بها وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر وعلم البديع فنقص بل عدم حظ القلوب منها وفات المقصود بها.
وحفظ من خطبته $ من رواية علي بن زيد بن جدعان وفيها ضعف يا أيها الناس توبوا إلى الله عز وجل قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية تؤجروا وتحمدوا وترزقوا واعلموا أن الله عز وجل قد فرض عليكم الجمعة فريضة مكتوبة في مقامي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة من وجد إليها سبيلا فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي جحودا بها أو استخفافا بها وله إمام جائر أو عادل فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ألا ولا وضوء له ألا ولا صوم له ألا ولا زكاة له ألا ولا حج له ألا ولا بركة له حتى يتوب فإن تاب تاب الله عليه ألا ولا تؤمن امرأة رجلا ألا ولا يؤمن أعرابى مهاجرا ألا ولا يؤمن فاجر مؤمنا إلا أن يقهره سلطان فيخاف سيفه وسوطه وحفظ من خطبته أيضا: الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا رواه أبو داود وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر خطبه في الخ.اهـ. زاد المعاد .(1/185)
ffffff
من أدرك ركعة من الصلاة أتمها جمعة
عن أبي هريرة عن النبي $ قال : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الجمعة " . مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ؛ رواه الشيخان، وأحمد، ومالك، وأصحاب السن وغيرهم.... وممن ذكر فيه الجمعة ابن ماجة: عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ $: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ ... وابن أبي شيبة: عن أبي الأحوص، قال: قال عبد الله: من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى ومن لم يدرك الركوع فليصل أربعا.... والدارقطني : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -$- "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى وَمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا" .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله $: "من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى، وقد تمت صلاته". (1)
قال الشيخ ابن عثيمين: من أدرك مع الإمام، أي إمام الجمعة منها ركعة، أي ركعة تامة بسجدتيها أتمها جمعة.
دليله: قول النبي $ : "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" .
ومن أدرك أقل من ذلك، أي: بأن جاء بعد رفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية فهنا لم يدرك شيئاً، فيتمها ظهراً .
ثم قال رحمه الله: ... فيشترط إذن لمن أدرك مع الإمام أقل من ركعة لإتمامها ظهراً شرطان هما:
1- أن ينوي الظهر .
2- أن يكون وقت الظهر قد دخل. (2)
صلاة الظهر بعد الجمعة:
__________
(1) رواه النسائي، وابن ماجة، والدارقطني واللفظ له.
(2) الشرح الممتع (2/309-310) .(1/186)
لا تجوز صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة ، إذ من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة :أن الله تعالى لم يفرض على عباده صلاتي فريضة في وقتٍ واحدٍ ، فمن كان في مكان فيه مسجد، تقام فيه الجمعة ، يجب عليه أن يصليها مع الجماعة ، إلا إذا كان يعتقد أن صلاة الجمعة فيها باطلة شرعاً ، لفقد بعض شروطها ، وحينئذ لا يجوز له أن يصليها ، لأنه شروع ف عبادة باطلة، غير مشروعة في اعتقاده، وإن كان مخطئاً، وهو عصيان لله تعالى، وإذا عصى وصلاها معتقداً بطلانها، تبقى صلاة الظهر متعلقة بذمته ، فعليه أن يصليها، وليس له أن يقيم مع غيره جماعة أخرى، لأنه تفريق بين هؤلاء، وبين إخوانهم المسلمين، الذين أقاموا الجمعة قبلهم. (1)
ffffff
السنة الرّاتبة للجمعة
إن للجمعة سنة راتبة وتكون بعد الصلاة، لا قبلها، وتُصلى السنة بعد الجمعة ركعتان، أو أربع، وأكثرها ست ركعات.
فأقلها ركعتان، ثبت ذلك عن النبي $ من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: "كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته". (2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي $ "كان لا يصلي الركعتين بعد الجمعة، ولا الركعتين بعد المغرب إلا في أهله" . (3)
وفي رواية: "كان - النبي $ - لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته". (4)
وفي رواية عن نافع، عن عبد الله أنه "كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته، ثم قال: كان رسول الله $ يصنع ذلك".(5)
قال ابن حجر: والحكمه في ذلك أنه كان يبادر إلى الجمعة ثم ينصرف إلى القائله بخلاف الظهر فإنه كان يبرد بها، وكان يقيل قبلها. (6)
__________
(1) القول المبين (ص384).
(2) رواه البخاري، ومسلم .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (4857) .
(4) رواه البخاري، ومسلم .
(5) رواه مسلم .
(6) فتح الباري (3/50-51).(1/187)
وأما الأربع: فلأن النبي $ أمر بذلك فقال: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا". (1)
وفي رواية عن أبي هريرة >، "إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعاً".(2)
قال أبو بكر بن المنذر: والمصلي بالخيار إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء أربعاً، يفصل بين كل ركعتين بسلام (3).
قال الإمام النووي: في هذه الأحاديث استحباب سنة الجمعة بعدها، والحث عليها، وأن أقلها ركعتان وأكملها أربع، فنبه $ بقوله إذا صلى أحدكم بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً على الحث عليها، فأتى بصيغة الأمر ونبه بقوله $ من كان منكم مصليا على أنها سنة ليست واجبة، وذكر الأربع لفضيلتها، وفعل الركعتين في أوقات بياناً لأن أقلها ركعتان، ومعلوم أنه $ كان يصلي في أكثر الأوقات أربعاً لأنه أمرنا بهن وحثنا عليهن وهو أرغب في الخير وأحرص عليه وأولى به.اهـ. (4)
قال المناوي: ولا يناقضه رواية الركعتين لأن النصين محمولان على الأقل والأكمل كما يصرح به قول التحقيق أنها في ذلك كالظهر، وقوله في شرح مسلم: كانت صلاته $ لها أربعاً أكثر تعقبه العراقي بأنه لا دليل له، ومذهب الشافعية أنها كالظهر يسن قبلها أربع وبعدها أربع، والمؤكد من ذلك ركعتان قبل وركعتان بعد، قال العراقي: ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها.اهـ. (5)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والقول الوسط العدل هو ما وافق السنة الصحيحة الثابتة عنه ×، وقد ثبت عنه أنه كان يصلى بعد الجمعة ركعتين، وفى صحيح مسلم عنه، أنه قال: من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً، وقد روى الست عن طائفة من الصحابة جمعا بين هذا وهذا. (6)
__________
(1) رواه مسلم عن أبي هريرة> برقم (67)، ورواه أحمد والنسائي .
(2) صحيح الجامع حديث رقم (668)، ومشكاة المصابيح برقم (1166).
(3) الإشراف على مذاهب العلماء (2/123).
(4) شرح النووي على صحيح مسلم (6/169-170).
(5) فيض القدير .
(6) مجموع الفتاوى (24/203) .(1/188)
وقال شيخ الإسلام كذلك: إن صليت راتبة الجمعة في المسجد فصل أربعاً، وإن صليت في البيت فصل ركعتين. (1)
وقال ابن قدامة في الكافي: ويسن أن يصلي بعد الجمعة أربعا لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله $: "من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا". رواه مسلم. وإن شاء صلى ركعتين لما روى ابن عمر: أن النبي $ كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق عليه، وإن شاء صلي ستاً لأن ابن عمر روى أن النبي $ كان يفعله، ويستحب أن يفصل بين الجمعة والركوع بكلام أو رجوع إلى منزله، لما روى السائب بن يزيد قال: قال لي معاوية: إذا صليت صلاة الجمعة فلا تصليها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، قال: كان النبي $ يأمرنا بذلك. رواه مسلم. (2)
وقال النووي: في هذه الأحاديث استحباب سنة الجمعة بعدها، والحث عليها، وأن أقلها ركعتان، وأكملها أربع، فنبه × بقوله: "إذا صلى أحدكم بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً" على الحث عليها، فأتى بصيغة الأمر، ونبه بقوله ×: "من كان منكم مصلياً" على أنها سنة ليست واجبة، وذكر الأربع لفضيلتها، وفعل الركعتين في أوقات بيانا لأن أقلها ركعتان، ومعلوم أنه × كان يصلي في أكثر الأوقات أربعاً لأنه أمرنا بهن وحثنا عليهن. (3)
قال أبو بكر بن المنذر: وقال أحمد: إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صلى أربعاً. (4)
وقال الشيخ ابن عثيمين: فصارت السنة بعد الجمعة، إما ركعتين، أو أربعاً، أو ستاً، ولكن هل هذا مما وردت به السنة على وجوه متنوعة، أو على أحوال متنوعة، فيه أقوال:
القول الأول: أنها على أحوال متنوعة.
وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيقال: إن صليت راتبة الجمعة في المسجد فصل أربعاً، وإن صليتها في البيت فصل ركعتين.
__________
(1) أنظر الشرح الممتع (2/331) .
(2) الكافي في فقه ابن حنبل .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم (6/169).
(4) الإشراف على مذاهب العلماء (2/123).(1/189)
القول الثاني: أنها متنوعة على وجوه فصلِّ أحياناً أربعاً، وأحياناً ركعتين.
القول الثالث: أنها أربع ركعات مطلقاً؛ لأنه إذا تعارض قول النبي $ وفعله يقدم قوله.
والأولى للإنسان - فيما أظنه راجحاً - أن يصلي أحياناً أربعاً، وأحياناً ركعتين.
أما الست فإن حديث ابن عمر يدل على أن الرسول $ "كان يفعلها". لكن الذي في الصحيحين أنه كان يصلي ركعتين، ويمكن أن يستدل لذلك بأن النبي $ كان يصلي في بيته ركعتين، وأمر من صلى الجمعة أن يصلي بعدها أربعاً، فهذه ست ركعات: أربع بقوله وركعتان بفعله، وفيه تأمل. (1)
ffffff
عدم مواصلة صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام
ومن السنة أن لا يصلى بعد الجمعة بصلاة نافلة أو راتبة حتى يفصل بينهما بكلام أو خروج من المسجد.
والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها، أي: بكلام أو تغيير المكان.
فعن عصمة بن مالك، عن النبي $ أنه قال: "إذا صلى أحدكم الجمعة فلا يصل بعدها شيئاً حتى يتكلم أو يخرج". (2)
وثبت عن نافع بن جبير، أنه أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال نعم صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت فلما دخل أرسل إلي، فقال لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم، أو تخرج: "فإن رسول الله × أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج". (3)
(المقصورة): هي الحجرة المبنية في المسجد أحدثها معاوية بعدما ضربه الخارجي.
__________
(1) الشرح الممتع (5/59).
(2) السلسلة الصحيحة برقم (1329)، وصحيح الجامع حديث رقم (639).
(3) أخرجه مسلم برقم ( 883 ).(1/190)
ورأى ابن عمر رأى رجلا يصلي ركعتين يوم الجمعة في مقامه فدفعه، وقال: أتصلي الجمعة أربعاً، وكان عبدالله يصلي يوم الجمعة ركعتين في بيته، ويقول: هكذا فعل رسول الله $. (1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها، كما ثبت عنه في الصحيح، أنه نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام، فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس يصل السلام بركعتي السنة، فان هذا ركوب لنهى النبي ×، وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض كما يميز بين العبادة وغير العبادة، ولهذا استحب تعجيل الفطور وتأخير السحور والأكل يوم الفطر قبل الصلاة، ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين، فهذا كله للفصل بين المأمور به من الصيام وغير المأمور به والفصل بين العبادة وغيرها، وهكذا تمييز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها.اهـ. (2)
__________
(1) صححه الألباني كما في الإرواء (3/91)، وقال: أخرجه أبو داود (1127)، والطحاوي بإسناد صحيح (625).
(2) مجموع الفتاوى (24/203) .(1/191)
قال المناوي: قوله: (إذا صلى أحدكم الجمعة فلا يصلي) ندباً (بعدها شيئاً) يعني لا يصلي سنتها البعدية (حتى يتكلم) بشيء من كلام الآدميين، ويحتمل الإطلاق (أو يخرج) من محل الجمعة، والمراد حتى يفصل بينهما بكلام أو يخرج من محل إقامتها إلى نحو بيته، فيندب حينئذ أن يصلي ركعتين أو أربعاً، فإن حكمها في الراتبة كالظهر فيما قبلها وبعدها وكالجمعة غيرها من كل فرض، ففي أبي داود بسند - قال ابن حجر- منقطع عن المغيرة مرفوعاً: لا يصلي الإمام في الموضع الذي يصلي فيه حتى يتحول. وروى ابن أبي شيبة بإسناد - قال ابن حجر - عن علي: من السنة ألا يتطوع الإمام في الموضع حتى يتحول عن مكانه، وروى ابن قدامة عن أحمد أنه كرهه، والمعنى فيه خشية التباس النفل بالفرض فأرشد في الحديث إلى طريق الأمن من الالتباس، (فإن قيل) إذا كان غير الجمعة مثلها فلم خصها؟ (قلت) هذا خرج جواباً تعليماً لرجل رآه يصلي عقب الجمعة فليس للتخصيص.اهـ. (1)
" أخطاء المصلين في سنة الجمعة البعدية :
عن عمر بن عطاء بن أبس الخوار:
أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب _ ابن أخت نمر _ يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال : نعم ، صليت الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت في مقامي،فصليت، فلما دخلت أرسل إلي، فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاةٍ حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، أن لا توصل صلاةٌ بصلاة ٍ حتى نتكلم أو نخرج .
ووصف عبد الله بن عمير _ رضي الله عنهما _ تطوع رسل الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف ، فيصلي ركعتين في بيته .
الحث على الفصل بين الفرض والنفل ، وعدم صلاتهما عقب بعضهما البعض ،حتى لو كان الكلام أو الحركة من المكان،هو الفاصل بينهما.
وأفضل الحركة: التحول إلى البيت، إذ كان هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) فيض القدير .(1/192)
عن نافع أن ابن عمر رأى رجلاً يصلي ركعتين يوم الجمعة في مقامه_ أي: في المقام الذي صلى به صلاة الجمعة _ فدفعه، وقال: أتصلي الجمعة أربعاً!؟ . (1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها كما ثبت عنه في الصحيح أنه نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس يصل السلام بركعتى السنة، فان هذا ركوب لنهى النبي صلى الله عليه وسلم وفى هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض كما يميز بين العبادة وغير العبادة، ولهذا استحب تعجيل الفطور وتأخير السحور والأكل يوم الفطر قبل الصلاة ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين فهذا كله للفصل بين المأمور به من الصيام وغير المأمور به والفصل بين العبادة وغيرها وهكذا تمييز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها.
وأيضا فإن كثيرا من أهل البدع كالرافضة وغيرهم لا ينوون الجمعة بل ينوون الظهر ويظهرون أنهم سلموا وما سلموا فيصلون ظهرا ويظن الظان أنهم يصلون السنة فإذا حصل التمييز بين الفرض والنفل كان في هذا منع لهذه البدعة وهذا له نظائر كثيرة والله سبحانه أعلم. (2)
وتجدر الإشارة هنا إلى أن القائلين بالتفصيل في سنة الجمعة البعدية: إن صلى في المسجد أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين، لا دليل عليه، والصحيح: الحديث المعروف الذي في ((الصحيحين)):
((أفضل صلاة في بيته إلا المكتوبة)) .
فإذا صلى بعد الجمعة ركعتين أو أربعاً في المسجد جاز،أو في البيت فهو أفضل،لهذا الحديث الصحيح . (3)
__________
(1) القول المبين (ص388).
(2) مجموع الفتاوى (24/202)، والفتاوى الكبرى (2/357).
(3) انظر منشأ وهم القائلين بالتفصيل المذكور في ((تمام المنة)): (ص 341 _ 343) فإنه جيد . القول المبين (ص392).(1/193)
نود أن نلحق بالكتاب بعض البدع التي تقع من بعض الناس في يوم الجمعة للشيخ الألباني رحمه الله تعالى في كتابه الأجوبة النافعة عن أسئلة الجامعة، نضعه لكم من باب الفائدة، والعلم بها.
قال الشيخ الألباني: "بدع الجمعة" فأقول :
1 ـ التعبد بترك السفر يوم الجمعة(1).
2 ـ اتخاذه يوم عطلة ( "الأحياء" 1/169) .
3 ـ التجمل والتزين له ببعض المعاصي كحلق اللحية ، ولبس الحرير والذهب .
4 ـ تقديم بعضهم مفارش إلى المسجد يوم الجمعة أو غيرها قبل ذهابهم إلى المسجد(2). ( "المدخل" 2/124) .
5 ـ التذكار يوم الجمعة بأنواعه . ( "المدخل" 2/258ـ259 و "الإبداع في مضار الابتداع" ص 76 ) و "مجلة المنار" (31/57) .
6 ـ الأذان جماعة يوم الجمعة ( "المدخل" 2/208) .
__________
(1) قال الألباني: وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/205/1) عن صالح بن كيسان أن ابا عبيدة خرج يوم الجمعة في بعض أسفاره ولم ينتظر الجمعة . وإسناده جيد . وروى هو والإمام محمد بن الحسن في "السير الكبير" (1/50 ـ بشرحه ) والبيهقي (3/187) عن عمر أنه قال : "الجمعة لا تمنع من سفر " وسنده صحيح ، ثم روى ابن أبي شيبة نحوه عن جماعة من السلف. أما حديث "من سافر بعد الفجر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه ..." فهو ضعيف كما بينته في "الأحاديث الضعيفة" (216، 217) ، وأما قول الشيخ البجيرمي في "الإقناع" (2/177) بأنه " قد صح " فمما لا وجه له البتة ، لا سيما وهو ليس من أهل الحديث فلا يغتر به .
(تنبيه) : سيرى القارىء الكريم قليلاً من البدع لم يذكر بجانبها مصدرها من كتب أهل العلم ، فذلك إشارة مني إلى أنني
لم أقف على من نص على بدعيتها ، ولكن أصول البدع وقواعدها تقتضي بدعيتها ، وقد أذكر في التعليق بعض النصوص التي تدل على ذلك كما فعلت في هذه البدعة الأولى فليكن هذا في البال .
(2) 1 ) : وقال ابن تيمية في "الفتاوى" (2/39) : (وهذا منهي عنه باتفاق) .(1/194)
7 ـ تأذين المؤذنين مع المؤذن الراتب يوم الجمعة في صحن المسجد . ("الاختيارات العلمية" لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 22 ) .
8 ـ الزيادة في هذا الأذان الثاني على واحد حيث يؤتى بمؤذن ثان يؤذن على الدكة . كالمجيب للأول . ("الابداع" 75 و "المدخل" 2/208) .
9 ـ صعود المؤذن يوم الجمعة على المنارة بعد الأذان الأول لينادي أهل القرية للحضور وتكميل عدد الأربعين لِلَّهِ ( "إصلاح المساجد من البدع والعوائد" 64ـ طبعتنا) .
10 ـ تفريق الربعة حين اجتماع الناس لصلاة الجمعة ، فإذا كان عند الأذان قام الذي فرقها ليجمع ما فرق من تلك الأجزاء . ("المدخل" 2/223) .
11 ـ السماح للرجل الصالح بتخطي رقاب الناس يوم الجمعة بدعوى أنه يتبرك به لِلَّهِ(1)
12 ـ صلاة سنة الجمعة القبلية . ("السنن والمبتدعات" 51 "المدخل" (2/239) "الأجوبة النافعة" (ص20 - 33 ) .
13 ـ فرش درج المنبر يوم الجمعة ( "المدخل" 2/268) .
14 ـ جعل الأعلام السود على المنبر حال الخطبة ( "المدخل" 10/166) .
15 ـ الستائر للمنابر . ( "السنن" 53 ) .
16 ـ المواظبة على لبس السواد من الإمام يوم الجمعة . ]"الأحياء" (1/162-165) و"المدخل" (2/266) و"شرح شرعة الإسلام" ص140[.
17 ـ تخصيص الاعتمام لصلاة الجمعة وغيرها(2).
18 ـ لبس الخفين لأجل خطبة وصلاة الجمعة . ( "المدخل" 2/266) .
19 ـ الترقية ، وهي تلاوة آية : { إن الله وملائكته يصلون على النبي ... } .
__________
(1) 1 ) قال الباجوري (1/227) ؛ "لا يكره للإمام والرجل الصالح التخطيء ، لأنهما يتبرك بهما ، ولا يتأذى الناس بتخطيهما. والحق بعضهم بالرجل الصالح الرجل العظيم ولو في الدنيا ، لأن الناس يتسامحون بتخطيه ولا يتأذون به " لِلَّهِ
(2) 2 ) : قلت: والأحاديث الواردة في فضيلة الصلاة بالعمامة لا يصح منها شيءكما بينته في "الأحاديث الضعيفة"(رقم 127).(1/195)
20 ـ ثم حديث : (( إذا قلت لصاحبك ... )) يجهر بذلك المؤذنون عند خروج الخطيب حتى يصل إلى المنبر لِلَّهِ(1)( "المدخل" (2/266) "شرح الطريقة المحمدية" (1/144و115و4/323) "المنار" (5/951،19/541) ، "الابداع" 75 "السنن" (24) ) .
21 ـ جعل درجات المنبر أكثر من ثلاث(2).
22 ـ قيام الامام عند اسفل المنبر يدعو .
23 ـ تباطؤءه في الطلوع على المنبر . ( "الباعث" 64) .
24 ـ انشاد الشعر في مدح النبي $ عند صعود الخطيب المنبر أو قبله . ( "المنار"31/474).
25 ـ دق الخطيب عند صعوده بأسفل سيفه على درج المنبر.( "الباعث"64 "المدخل"2/267 "إصلاح المساجد" 48 ـ طبعتنا "المنار" 18/558) .
26 ـ صلاة المؤذنين على النبي $ عند كل ضربة يضربها الخطيب على المنبر ( "المدخل"
2/250و267) .
27 ـ صعود رئيس المؤذنين على المنبر مع الإمام، وإن كان يجلس دونه، وقوله: "آمين اللهم آمين، غفر الله لمن يقول آمين ، اللهم صلي عليه ..."
( "المدخل" 2/268 ) .
28 ـ اشتغال الإمام بالدعاء إذا صعد المنبر ، مستقبل القبلة قبل الاقبال على الناس والسلام عليهم .(3)( "الباعث" 64 "المدخل" 2/267 "إصلاح المساجد" 48 و "المنار" 18/558) .
__________
(1) 1 ) : قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات" (ص48) : " هو مكروه أو محرم اتفاقا" .
قلت : فلا يغتر باستحسان صاحب "الباعث" (ص65) لهذه البدعة فإنها زلة عالم .
(2) 2 ) وما قيل أن معاوية هو أول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة كما ذكره صاحب"التراتيب الادارية" (2/440)، فما لا يثبت ، وتصديره بـ "قيل" مما يشعر بذلك ، ومن مضار هذه البدعة أنها تقطع الصفوف . وقد تنبه لهذا بعض المسؤولين عن المساجد ، فأخذوا يتفادون ذلك بطرق محدثة كجعل الدرج بجانب الجدار ونحو ذلك ، ولو أنهم اتبعوا السنة لاستراحوا .
(3) 1 ) : وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات" (48) : " دعاء الإمام بعد صعوده المنبر لا أصل له " .(1/196)
29 ـ ترك الخطيب السلام على الناس إذا خرج عليهم . ( "المدخل" 22/166) .
30 ـ الأذان الثاني داخل المسجد بين يدي الخطيب . ( "الاعتصام" للشاطبي 2/207- 208، "المنار" 19/540 " الأجوبة النافعة 11 ) .
31 ـ وجود مؤذنين بين يدي الخطيب في بعض الجوامع ؛ يقوم أحدهما أمام المنبر ، والثاني على السدة العليا ، يلقن الأول الثاني ألفاظ الأذان ، يأتي الأول بجملة منه سراً ، ثم يجهر بها الثاني .
( "اصلاح المساجد عن البدع والعوائد" 143) .
32 ـ نداء رئيس المؤذنين عند ارادة الخطيب الخطبة بقوله للناس : أيها الناس صح عن رسول الله $ أنه قال : (( إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة انصت فقد لغوت ، أنصتوا رحمكم الله .
( "المدخل" 2/268 "السنن" 24) .
33 ـ قول بعض المؤذنين بين يدي الخطيب إذا جلس من الخطبة الأولى : غفر الله لك ولوالديك ولنا ولوالدينا والحاضرين . ( "فتاوى ابن تيمية" 1/129 و "إصلاح المساجد" 70) .
34 ـ اعتماد الخطيب على السيف في خطبة الجمعة . ( "السنن" 55 ) .
35 ـ القعود تحت المنبر والخطيب يخطب يوم الجمعة للاستشفاء.
( "المنار"7/501 - 503 ).
36 ـ اعراض الخطباء عن خطبة الحاجة " إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ..." وعن
قوله $ في خطبه : (( أما بعد ، فإن خير الكلام كلام الله ))(1).
37 ـ اعراضهم عن التذكير بسورة ( ق ) في خطبهم مع مواظبة
النبي $ عليه.("السنن" 57).
38 ـ مواظبة الخطباء يوم الجمعة على قراءة حديث في آخر الخطبة دائماً كحديث (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) . ( "السنن" 56 ) .
39 ـ تسليم بعض الخطباء في هذا العصر بعد الفراغ من الخطبة الأولى .
40 ـ قراءتهم سورة الاخلاص ثلاثاً أثناء الجلوس بين الخطبتين
( "السنن" 56 ) .
41 ـ قيام بعض الحاضرين في أثناء الخطبة الثانية يصلون التحية .
( "المنار" 18/559 "السنن" 51 ) .
__________
(1) 1 و2 ) : انظر (ص46 و47 و48 ) من هذه الرسالة .(1/197)
42 ـ دعاء الناس ورفع اليدين عند جلوس الامام على المنبر بين الخطبتين . ( "المنار" 6/793- 794 و 18/559 ) .
43 ـ نزول الخطيب في الخطبة الثانية إلى درجة سفلى ثم العود ("حاشية ابن عابدين"1/770).
44 ـ مبالغتهم في الاسراع في الخطبة الثانية . ("المنار" 18/858) .
45 ـ الالتفات يميناً وشمالاً عند قوله : آمركم ، وأنهاكم ، وعند الصلاة على النبي $ .
("الباعث" 65 ، "حاشية ابن عابدين" 1/759 ، و"اصلاح المساجد"48 ، و"المنار"18/558).
46 ـ ارتقاؤه درجة من المنبر عند الصلاة على النبي $ ، ثم نزوله عند الفراغ منها . ("الباعث" 65) .
47 ـ التزامهم السجع والتثليث والتربيع والتخميس في دواوينهم وخطبهم مع أن السجع قد ورد النهي عنه في "الصحيح"("السنن"75) .
48 ـ التزام كثيرين منهم إيراد حديث : (( إن الله عز وجل في كل ليلة من رمضان ستمائة ألف عتيق من النار ، فإذا كان آخر ليلة أعتق الله بعدد من مضى )) في آخر خطبة جمعة من رمضان، أو في خطبة عيد الفطر ، مع أنه حديث باطل(1).
49 ـ ترك تحية المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة . ( "المحلى" لابن حزم 5/69) .
50 ـ قطع بعض الخطباء خطبتهم ، ليأمروا من دخل المسجد وشرع في تحية المسجد بتركها! خلافاً لحديث رصول الله $ وأمره بها(2).
51 ـ جعل الخطبة الثانية عارية من الوعظ والإرشاد والتذكير والترغيب ، وتخصيصها بالصلاة على النبي $ والدعاء . ( "السنن" 56 ، "نور البيان في الكشف عن بدع آخر الزمان" 445 ) .
52 ـ تكلف الخطيب رفع الصوت في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق المعتاد في باقي الخطبة .
( "الباعث" 65 ) .
53 ـ المبالغة برفع الصوت بالصلاة على النبي $ عند قراءة الخطيب : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } . ("بجيرمي" 2/189) .
__________
(1) 1 ) قاله ابن حبان كما في "اللالىء المصنوعة" للسيوطي .
(2) 2 ) أنظر (ص 49-50 ) من هذه الرسالة .(1/198)
54 ـ صياح بعضهم في أثناء الخطبة باسم الله أو اسماء بعض الصالحين . ("المنار"18/ 559).
55 ـ إتيان الكافر الذي أسلم في اثناء الأسبوع ، إلى الخطيب وهو على المنبر حتى يتلفظ بالإسلام على رؤوس الناس ، ويقطع الخطيب بسببه ( "المدخل" 2/171 ) .
56 ـ التزام ذكر الخطباء الخلفاء والملوك والسلاطين في الخطبة الثانية بالتنغيم(1).
( "الاعتصام" 17-18 و 2/177، "المنار" 6 /139 و 18/305 و558 و31/55 ) .
57 ـ دعاء الخطيب للغزاة والمرابطين . ( "الاعتصام" 1/18 ) .
58 ـ رفع المؤذنين أصواتهم بالدعاء للسلاطين وإطالتهم في ذلك والخطيب مسترسل في
خطبته(2). ( "المنار" 18/558، "السنن" 25 ) .
59 ـ سكتات الخطيب في دعائه على المنبر ليؤمن عليه المؤذنون .
( "شرح الطريقة المحمدية" 3/323 ) .
60 ـ تأمين المؤذنين عند دعاء الخطيب للصحابة بالرضى وللسطان بالنصر . ( "شرح الطريقة المحمدية" 3/323 ) .
61 ـ الترنم في الخطبة . ( "الابداع" 27 ) .
62 ـ رفع الخطيب يديه في الدعاء(3).
63 ـ رفع القوم أيديهم تأميناً على دعائه(4). ( "الباعث" 64 و65 ) .
64 ـ التزام ختم الخطبة بقوله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } . أو بقوله :
{ اذكروا الله يذكركم ... } . ( "المدخل" 2/271 و"السنن" 57 ) .
__________
(1) 1 ) وقد ذكر ابن الحاج في "المدخل" (2/270) نحو هذا لكنه قال : "فهذه من باب المندوب لا من باب البدعة " . وقد وهم في ذلك . فإننا لا نعلم أن أحداً كان يفعل ذلك من سلف الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم .
(2) 1 ) نص ابن عابدين في "الحاشية" (1/769) على كراهة ذلك يعني كراهة تحريم .
(3) 2 ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات العلمية" (48) : "ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة ، لأن النبي $ إنما كان يشير بأصبعه إذا دعا " .
(4) 3 ) قلت: وذكر ابن عابدين في "الحاشية" (1/768) أنهم إذا فعلوا ذلك أثموا على الصحيح .(1/199)
65 ـ اطالة الخطبة وقصر الصلاة(1).
66 ـ التمسح بكتف الخطيب وظهره عند نزوله من المنبر .
( "الابداع" 79 ، "إصلاح المساجد" 72، "السنن" 54 ، "نور البيان" 44 ) .
67 ـ المنبر الكبير الذي يدخلونه في بيت اذا فرغ الخطيب من الخطبة .( "المدخل" 2/212 ).
68 ـ عد الجماعة في بعض المساجد الصغيرة يوم الجمعة لينظر هل بلغ عددهم اربعين .
69ـ اقامة الجمعة في المساجد الصغيرة . ("إصلاح المساجد"59)(2)
70 ـ دخول الامام في الصلاة قبل استواء الصفوف . ( "اصلاح" 92-93 ) .
71 ـ تقبيل اليد بعدها . ( "إصلاح المساجد" 92 ) .
__________
(1) 1 ) قلت: لأن السنة اطالة الصلاة وقصر الخطبة كما تقدم صفحة (49) فعكس ذلك كما هو عادة اكثر الخطباء اليوم لا شك في كونه بدعة. وقد جاء في "الدر المختار" (1/758 الحاشية) ما نصه: "وتكره زيادة خطبتي الجمعة على قدر سورة من طوال المفصل".
(2) قلت: وللقاسمي رحمه الله بحث مهم جداً بين فيه "خروج الجمعة عن موضوعها بكثرة تعددها" ص51 من طبعتنا، وللسبكي رسالة في هذا المسألة بعنوان: "الاعتصام بالواحد الأحد من اقامة جمعتين في بلد"، وقد قال فيها: "تعدد صلاة الجمعة عند عدم الحاجة منكر معروف بالضرورة في دين الإسلام" (ج /1 ص190) من الفتاوى له ، وقد انتهى القاسمي في بحثه إلى أنه ينبغي: "ان يترك التجميع في كل مسجد صغير سواء كان بين البيوت أو في الشوارع وفي كل مسجد كبير أيضاً يستغنى عنه بغيره ، وأن ينضم كل أهل محلة كبرى إلى جامعها الأكبر ، ولنفرض كل محلة كبرى كقرية على حدة فيستغنى بذلك عن كثير من زوائد المساجد، ويظهر الشعار في تلك الجوامع الجامعة في ابدع حال ، فيخرج من عهدة التعدد" .
قلت: وهذا هو الحق الذي يفهمه كل من تفقه بالسنة وتأمل في واقع الجمعة والجماعة في عهد النبي $ كما كنت نبهت عليه في الكلام هذه المسألة (ص46-48) من "أحكام الجمعة" والله الموفق .(1/200)
72 ـ قولهم بعد الجمعة : يتقبل الله منا ومنكم(1). ( "السنن" 54 ) .
73 ـ صلاة الظهر بعد الجمعة(2). ( "السنن" 10،123،"إصلاح المساجد" (49-53)، "المنار" 23/259،497،و34/120) .
74 ـ قيام بعض النساء على باب المسجد يوم الجمعة ، تحمل طفلاً لها ، لا يزال يزحف ،
ولا يمشي، قد عقدت بين ابهامي رجليه بخيط ، ثم تطلب قطعة من أول خارج من المسجد ، يزعمن ان الطفل ينطلق ويمشي على رجليه بعد اسبوعين من هذه العملية لِلَّهِ
75 ـ قيام بعضهم على الباب وعلى يده كأس ماء ، ليتفل فيه الخارجون من المسجد واحداً بعد واحد ، للبركة والإستشفاء !
وهذا آخر بدع الجمعة .
والحمد لله وحده . والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
وقد ذكر الشيخ مشهور حسن في كتابه أخطاءى المصلين بعض الأخطاء التي من المصلين في صلاة الجمعة، فقال:
1- تخلف الآف من مشاعدي كرة القدم عن صلاة الجمعة.
2- تخلف حرس الملوك والسلاطين عن صلاة الجمعة، ووقوفهم على أبواب المسجد حاملي السلاح حراسة عليهم.
3- تخلف العروس عن صلاة الجمعة. وتطلق كلمة العلاوس في اللغة على الرجل والمرلأة والمراد بها هنا الرّجل.
4- التخلف عن صلاة الجمعة للتنزه.
5- سنة الجمعة القبلية .
ثم قال: جملة من الأخطاء تفوت على أصحابها ثواب الجمعة أو بعضه .
((
__________
(1) قلت: وأما حديث "من لقي أخاه عند الانصراف من الجمعة فليقل: تقبل الله منا ومنكم فإنها فريضة اديتموها إلى ربكم". فقد أورده السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة" وقال (ص111): "فيه نهشل وهو كذاب" .
(2) وللشيخ مصطفى الغلاييني رسالة نافعة في هذه المسألة اسمها: "البدعة في صلاة الظهر بعد الجمعة" نشرت في مجلة "المنار" على دفعات فانظر (7/941-948، 8/24-29). ولعلها أفردت في رسالة مستقلة .(1/201)
ترك التكبير لصلاة الجمعة ، ترك الإغتسال والتطيب والتسوك لصلاة الجمعة ، الكلام وعدم الإستماع لخطيب الجمعة ، وفيه :( الدوران على الناس بالماء وبصندوق لجمع التبرعات والإمام يخطب،تحدث الرجلين مع بعضهما والإمام يخطب،التسبيح وقراءة القرآن ورد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب،النوم والإمام يخطب استدبار الإمام والقبلة والإمام يخطب،العبث بالحصى والسبحة ونحوهما والإمام يخطب )، تخطي الرقاب وإيذاء الناس )) .
" سنة الجمعة القبلة .
" أخطاء المصلين في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة .
" (تركها عند الدخول والإمام يخطب، حث الخطيب للداخل على تركها، الجلوس وصلاتها عند قعود الخطيب بين الخطبتين ، تأخيرها لإجابة المؤذن والشروع فيها عند بدأ الخطيب للخطبة).
" جملة من أخطاء الخطباء .
ينبغي أن يكون الخطيب:
أولاً: عالماً بالعقائد الصحيحة،حتى لايزيغ،ولا يضل الناس بسوء عقيدته0
ثانياً: عالماً بماتصح به الصلاة، مُلماً بإحكام الفقه، ليتمكن من إجابة من يسأله عن بينةٍ، ويرشده بنور الشريعة ، إلى صراط مستقيم ، ولا يخبط خبط عشواء في أمور الدين ، كما يفعل كثير من خطباء هذا الزمان0
ثالثاً: مُلماً باللغة العربية ، خصوصاًعلم الأنشاء ، ليقتدر على تأليف كلامٍ بليغٍ ، ينير به أفئدة السامعين ، أن يكون نبيهاً ، لا تغرب عنه شاردة ولا واردة ، لَسِناً فصيحاً ، معبراً عما يخطر بباله من المعاني والأسرار .
رابعاً: مراعياً أحوال الناس ، بتحذيرهم مما هم فيه ، من البدع والمخالفات
خامساً: صالحاً ورعاً مهيباً قنوعاً، غير مجاهر بمعصية، ولا مرتكباً مخالفة، عاملاً بما يقول، حتى تهابه القلوب، وتعظمه النفوس، وحتى يكون لكلامه تأثير فيها، ويجد له سميعاً، يعي ما يُقال، ويعمل بما يسمع ، لأن ذلك أدعى إلى قبول موعظته، والعمل بها.
ومن جملة الأخطاء أيضاً:
تطويل الخطبة وتقصير الصلاة:
عن عمار بن ياسر > يقول:(1/202)
"إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة(1)من فقهه، فأطليوا الصلاة واقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحراً .(2)
أخي الفاضل أختي الفاضلة بعد أن علمنا حكم صلاة الجمعة وأهميتها، فعلينا أن نجد ونحرص عليها، ونتابع رسولنا الكريم $ في كل عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى.
ونذكر لكم آخر خطبة خطبها عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى لما فيها من العبر والعظات.
__________
(1) 1 ) مئنة: أي علامة . وكل شيء دل على شيء فهو مئنة له.
(2) 1 ) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم (869).(1/203)
روى عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي قال حدثنا رجل في مسجد الجنابذ أن عمر بن عبد العزيز خطب الناس بخناصرة فقال أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولن تتركوا سدى وإن لكم معادا ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم وقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض ألا واعلموا إنما الأمان غدا لمن حذر الله وخافه وباع نافدا بباق وقليلا بكثير وخوفا بأمان ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين وفي كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجله فتغيبونه في صدع من الأرض ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد قد فارق الأحبة وخلع الأسباب فسكن التراب وواجه الحساب فهو مرتهن بعمله فقير إلى ما قدم غني عما ترك فاتقوا الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقعه وأيم الله إني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما عندي فأستغفر الله وأتوب إليه وما منكم من أحد تبلغنا عنه حاجة إلا أحببت أن أسد من حاجته ما قدرت عليه وما منكم أحد يسعه ما عندنا إلا وددت أنه سداي ولحمتي حتى يكون عيشنا وعيشه سواء وايم الله أن لو أردت غير هذا من الغضارة والعيش لكان اللسان مني به ذلولا عالما بأسبابه ولكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة يدل فيها على طاعته وينهى عن معصيته.
ثم رفع طرف ردائه فبكى حتى شهق وأبكى الناس حوله، ثم نزل فكانت إياها لم يخطب بعدها حتى مات رحمه الله. (1)
ونسأل الله لنا ولكم الإخلاص والقبول في العمل وتطبيق شرع ربنا كما علمنا نبينا $ وعلى فهم سلفنا رضوان الله عليهم جميعاً.
وبهذا تم الكتاب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وأرجو الله أن تكونوا قد انتفعتم به، وأن تعملوا به.وأن يعم به النفع .
__________
(1) تاريخ الطبري (4/71)، البداية والنهاية (9/199)، إحياء علوم الدين (4/455)، صفة الصفوة (2/124).(1/204)
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد إن لا إله ألا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
وكتب
أبو أنس العراقي
ماجد إسلام البنكاني
مصادر الكتاب
1- القرآن الكريم .
2- موطأ الإمام مالك .
3- مسند الإمام أحمد .
4- صحيح البخاري .
5- صحيح مسلم .
6- فتح الباري .
7- شرح صحيح مسلم للنووي .
8- شرح رياض الصالحين لابن عثيمين .
9- تفسير القرآن العظيم لابن كثير .
10- أضواء البيان للشنقيطي .
11- مصنف ابن أبي شيبة .
12- فيض القدير .
13- سنن النسائي .
14- المحلى لابن حزم .
15- مجموع الفتاوى .
16- الفتاوى الكبرى .
17- منهاج السنة النبوية.
18- التمهيد لابن عبدالبر.
19- فتاوى اللجنة الدائمة .
20- السلسلة الصحيحة .
21- صحيح الجامع للألباني .
22- صحيح الترغيب .
23- صحيح الترمذي .
24- صحيح ابن ماجة .
25- صحيح ابن خزيمة .
26- مشكاة المصابيح .
27- إرواء الغليل .
28- صحيح موارد الظمآن .
29- صحيح الكلم الطيب .
30- صفة الصلاة الألباني .
31- فضل الصلاة على النبي $.
32- أحكام الجنائز .
33- التوسل .
34- شرح السنة .
35- تلخيص الحبير .
36- نيل الأوطار.
37- تحفة الأحوذي .
38- الشرح الممتع .
39- زاد المعاد .
40- الروح .
41- معالم السنن .
42- المتجر الرابح .
43- سبل السلام .
44- تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام .
45- الأجوبة النافعة .
46- ترجيحات الصلاة .
47- الزوائد للبوصري.
48- كتاب الجمعة للنسائي.
49- الإحكام شرح أصول الأحكام عبد الرحمن بن القاسم.
50- إرشاد أولى البصائر والألباب لنيل الفقه.
51- كتاب الصلاة لعبدالله الطيار.
52- كتاب أحكام الجمعة وبدعها.
53- إعلام الأصحاب بما في الإسلام من الآداب.
54- معجم البلدان .
55- لسان العرب .
56- القاموس المحيط .
57- معجم مقاييس اللغة .
58- مختار الصحاح .
59- الفائق .
60- النهاية في غريب الحديث .
هذه الصفحة تكون على الغلاف من الخلف(1/205)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله $: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر: فرجل حضرها يلغو فذلك حظه منها ، ورجل حضرها بدعاءٍ فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ، ورجل حضرها بإنصاتٍ وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك أن الله تعالى يقول: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".(1)
وعنه عن النبي$ قال: "من غسَّل واغتسل ودنا وابتكر واقترب واستمع كان له بكل خطوةٍ يخطوها قيام سنة وصيامها".(2)
__________
(1) صحيح ابن خزيمة (1813)، وصحيح أبي داود (1019)، المشكاة (1396)
(2) رواه الإمام أحمد في المسند، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (693).(1/206)