الجلسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة وجهت للشيخ سليمان بن ناصر العلوان في إحدى جلساته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة عليها مسجلة وبعد ذلك فرغت من الأشرطة وعرضت على الشيخ فأجاز نشرها . بتاريخ 24 / 5 / 1421 هـ
السؤال الأول : هل يوجد في الأربعين النووية أحاديث ضعيفة ؟
الجواب : نعم فيه بعض الأحاديث الضعيفة مثل
- الحديث الثاني عشر ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . رواه الترمذي وغيره من طريق قرة بن عبد الرحمن المعافري عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يصح قرة بن عبد الرحمن سيء الحفظ وقد رواه مالك وغيره عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً .
وصحح إرساله أحمد بن حنبل والبخاري والدار قطني وغيرهم .
2- وفيه الحديث التاسع والعشرون حديث معاذ بن جبل قلتُ [ يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعد ني عن النار ... ) الحديث رواه الترمذي من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ .
ورواه أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمة عن عاصم عن شهر بن حوشب عن معاذ .
وهذا أصح من الأول وشهر بن حوشب ضعيف الحديث .
3- ومن ذلك الحديث الثلاثون حديث أبي ثعلبة الخشني ( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ..) الحديث فيه انقطاع بيد أن له شاهداً حسناً رواه الحاكم من حديث أبي الدرداء
4- ومن ذلك الحديث الحادي والثلاثون حديث سهل بن سعد الساعدي قال [ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ... ) الحديث ولا يصح بوجه من الوجوه وإن كان معناه صحيحاً .
5- ومن ذلك الحديث الثاني والثلاثون حديث لا ضرر ولا ضرار لا يصح إلا مرسلاً قاله ابن عبد البر وغيره وقد عده أبو داود من الأحاديث التي يدور الفقه عليها .(1/1)
6- ومن ذلك الحديث التاسع والثلاثون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) . أنكره الإمام أحمد ومعنى الحديث صحيح فيه ما يدل عليه من الكتاب والسنة .
7- ومن ذلك الحديث الحادي والأربعون حديث (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) مداره على نعيم بن حماد الخزاعي ولا يصح حديثه ضعفه أبو داود والنسائي وجماعة .
8- ومن ذلك الحديث الثاني والأربعون حديث أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ( يا ابن آدم إنك ... ) فيه لين وقد تفرد به الترمذي من هذا الوجه وقال حسن غريب وقد صح آخره من حديث أبي ذر رواه مسلم في صحيحه .
السؤال الثاني : هل الكحل يفطر الصائم ؟
الجواب : الكحل لا يفطر الصائم وليس به بأس في الصيام سواء كان نفلاً أو فرضاً .
وقد قال الإمام الأعمش . ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم . رواه أبو داود في سننه .
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى كراهيته للصائم لحديث ليتقه الصائم . رواه أبو داود وغيره وفيه نكارة قال أبو داود قال لي يحي بن معين هو حديث منكر . وحينئذ لا يصح هذا الحديث حجة على منع الصائم من الكحل والله أعلم .
السؤال الثالث : البنت البكر إذا ثاب منها لبن فأرضعت به هل تكون أماً للطفل ؟
الجواب : لا خلاف بين العلماء أن البكر التي لم تنكح إذا نزل منها لبن وأرضعت به فإنه ينشر المحرمية فيكون المرتضع ابنها وليس له أب وقد أشار إلى هذه المسألة ابن المنذر في الإجماع وابن قدامة في المغني وغيرهما .
السؤال الرابع : ما حكم الاستمناء باليد ؟
الجواب : في ذلك ثلاثة مذاهب لأهل العلم
الأول : الجواز مطلقاً لأنه لم يثبت في منعه دليل وقد كتب الشوكاني رسالة في ذلك ونصر هذا القول(1/2)
الثاني : المنع مطلقاً سواء خشي العنت أو لم يخش بدليل ظاهر قوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) } .
الثالث : يباح لمن خشي الزنا أو الفاحشة وما عدا ذلك فيحرم وهذا قول الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام رحمه الله .
السؤال الخامس:ما صحة حديث ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ).
الجواب : هذا الخبر منكر سنداً ومتناً . قال عنه الإمام مالك هذا كذب ذكره عنه أبو داود في سننه .
وقال الأوزاعي . مازلت له كاتماً حتى رأيته انتشر يعني حديث ابن بسر هذا في صوم يوم السبت .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم . لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده . متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو دليل على صوم يوم السبت والأحاديث في ذلك كثيرة والله أعلم .
السؤال السادس : هل يجوز للمحادة أن تتصل بالهاتف .
الجواب : ليس في ذلك حرج ولا أعلم أحداً من العلماء كره ذلك .
وقد ورد منع المحادة من التزين والطيب والكحل والخروج من المنزل بدون عذر ودون هذه الأمور أقوال وآراء لا دليل عليها والله أعلم .
السؤال السابع : ما هو القول الصحيح في الأقراء هل هي الحيض أم الأطهار ؟
الجواب : في ذلك خلاف مشهور بين الفقهاء . فقال قوم هي الحيض وهذا مروي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وأكابر الصحابة وهو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد في آخر القولين عنه .
وقال آخرون . الأقراء الأطهار وهذا مروي عن ابن عمر وعائشة وهو مذهب مالك والشافعي .
والأول أصح وحينئذٍ لا تنقضي عدتها حتى تنقضي الحيضة الثالثة والله أعلم .
السؤال الثامن : امرأة طهرت من الحيض في صيام رمضان فهل يجب عليها الإمساك بقية يومها ؟
الجواب : قال بذلك الإمام أبو حنيفة وأحمد بن حنبل في رواية .(1/3)
وقال مالك لا تمسك إذا طهرت وقال في الذي يقدم من سفره وهو مفطر وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها في رمضان أن لزوجها أن يصيبها إن شاء .
وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله في الرواية الثانية وهو الصحيح وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من أكل أول النهار فليأكل آخره . رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع عن ابن عون عن ابن محيريز قال قال ابن مسعود والله أعلم .
الجلسة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر .
وكانت الإجابة مسجلة بصوته وقد تم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 27 / 5 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : ما صحة حديث ( عند كل ختمة دعوة مستجابة ... ) .
الجواب : هذا الحديث موضوع رواه أبو نعيم في الحلية وغيره وفي إسناده يحي بن هاشم السمسار .
قال عنه الإمام النسائي : متروك الحديث .
وقال يحيى بن معين : كذاب .
وقال ابن عدي : كان يضع الحديث ويسرقه .
والدعاء عند ختم القرآن له حالتان :
الأولى : في الصلاة فهذا بدعة فإن العبادات مبناها على الشرع والاتباع وليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه الله أو سنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ودون ذلك ابتداع في الدين قال صلى الله عليه وسلم (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد . متفق عليه من حديث عائشة .
وقد ذكر الشاطبي في الاعتصام وشيخ الإسلام في الاقتضاء قاعدة عظيمة المنفعة في التفريق بين البدعة وغيرها ، وهي أن ما وجد سببه وقام مقتضاه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة ولم يقع منهم فعل لذلك مع عدم المانع من الفعل فإنه بدعة كالأذان للعيدين والاستسقاء ونحو ذلك .(1/4)
ودعاء الختمة في الصلاة من ذلك فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقومون في رمضان ليلاً طويلاً ويتكئون على العصي من طول القيام فهم في هذه الحالة يختمون القرآن أكثر من مرة ولم ينقل عن أحد منهم دعاء بعد الختمة .
وقد قال الإمام مالك رحمه الله : ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن وما هو من عمل الناس . ذكر ذلك عنه ابن الحاج في المدخل .
الحالة الثانية : الدعاء عقيب الختمة في غير الصلاة وهذا منقول عن أنس بن مالك بسند صحيح .
ومأثور عن جماعة من أهل العلم ولا أعلم في المرفوع شيئاً ثابتاً والله أعلم .
السؤال الثاني : ورد في صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من وسط الناس سفعاء الخدين ... الحديث .
نريد صحة الزيادة ( سفعاء الخدين ) حيث يحتج بها القائلون بكشف المرأة وجهها عند الأجانب ؟.
الجواب : هذه الرواية جاءت في صحيح الإمام مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر بن عبد الله .
ورواه البخاري ومسلم من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله وليس فيه هذه الزيادة .
وابن جريج في عطاء أوثق من عبد الملك بن أبي سليمان .
قال الإمام أحمد رحمه الله : عبد الملك من الحفاظ إلا أنه كان يخالف ابنَ جريج في إسناد أحاديث وابن جريج أثبت منه عندنا .
والقول بأن الزيادة من ثقة فيجب قبولها دعوى غير صحيحة فإن أكابر المحدثين لا يحكمون على الزيادات بحكم كلي يعم كل الأحاديث .
بل يعتبرون القرائن ويحكمون على كل زيادة بما يترجح عندهم .
وحين نعلم أن ابن جريج أوثق من عبد الملك في عطاء فإننا نقدم روايته ونحكم على رواية عبد الملك بالشذوذ والله أعلم .
السؤال الثالث : ما تقولون في نجاسة القيء ؟
الجواب : ذهب أكثر أهل العلم إلى أن القيء نجس مطلقاً .
وذهب فقهاء المالكية إلى أن القيء النجس هو ما شابه أحد أوصاف العذرة .(1/5)
وأما ما كان على هيئة الطعام لم يتغير فإنه طاهر .
والصحيح أنه طاهر مطلقاً والاستقذار والاستحالة إلى روائح كريهة لا يعني النجاسة .
والأصل الجامع في هذا الباب طهارة كل الأعيان حتى يثبت الدليل على النجاسة والقيء لم يثبت دليل على نجاسته فهو طاهر .
وحديث (( العائد في هبته كالعائد في قيئه )) متفق عليه من حديث ابن عباس .
ليس صريحاً في نجاسة القيء فإن العود في القيء منهي عنه للضرر وشبهه وليس للنجاسة .
وقد تقرر في القواعد الأصولية أنه ليس كل محرم نجساً والله أعلم .
السؤال الرابع : هل يعتبر موت الإنسان دماغياً موتاً حقيقياً ؟
الجواب : في هذه المسألة قولان للعلماء المتأخرين حيث أن هذه المسألة من مستجدات العصر بسبب التطور الطبي والتقدم في ذلك .
القول الأول : أنه لا يعتبر موت الإنسان دماغياً موتاً حقيقياً ولا يحكم بموته حتى يتوقف قلبه عن النبض و حينئذ لا يجوز نزع الأجهزة عنه ما لم يأت من هو أحوج منه إليها .
الثاني : يعتبر موت الدماغ دون القلب موتاً حقيقياً حيث أن الأعضاء لا تستجيب لتصرفات الروح . والحياة المستقرة المعتبرة هي أن تكون الروح في الجسد ومعها الحركة الاختيارية دوه غيرها وفيه نظر .
فإن فقد الإحساس والشعور والحركات الاختيارية ليس كافياً في الحكم عليه بالموت .
والفرض في ذلك التحري والتريث إلى أن يحصل اليقين بموته .
ولأن الأصل الحكم بحياة المريض فلا تخرج عن اليقين بمجرد الشك وهذا معلوم في قواعد الفقهاء والأصوليين والله أعلم .
الجلسة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 3 \ 6 \ 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : ما الحكم في اللقيط هل يعتبر عبداً أم حراً ؟(1/6)
الجواب : اللقيط بمعنى ملقوط وهو الطفل المنبوذ الذي لا يعرف نسبه .
والأصل فيه أنه حر في جميع الأحكام فقد جاء في موطأ مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم . أنه وجد منبوذاً في زمان عمر بن الخطاب قال فجئت به إلى عمر بن الخطاب فقال : ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ فقال وجدتها ضائعة فأخذتها . فقال له عريفه : يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح ، فقال له عمر أكذلك ؟ قال نعم . فقال عمر بن الخطاب إذهب فهو حُرّ ولك ولاؤه وعلينا نفقته .
قال ابن المنذر رحمه الله في كتاب الإجماع . وأجمعوا أن اللقيط حر وقال ابن قدامة رحمه الله اللقيط حرّ في قول عامة أهل العلم إلا النخعي .
السؤال الثاني : ما حكم الوضوء في المسجد ؟
الجواب : لا بأس بذلك فقد رخص فيه أئمة السلف وأهل العلم وحكى ابن المنذر في الأوسط الإجماع على ذلك وقال ليس للمنع من ذلك معنى ظاهر لأنه ماء طاهر يلاقي ها هنا طاهراً ولا يزيده بذلك إلا نظافة غير أنا نكره أن يتوضأ في موضع مصلى الناس لئلا يتأذى بهذا الطهور مسلم .
وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال لا بأس بهذا رواه ابن المنذر في الأوسط .
وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتوضأ في المسجد .
ولا يدخل في الوضوء قضاء الحاجة فإن قضاء الحاجة من بول وغائط في أماكن المصلين محرم بالإجماع .
السؤال الثالث : فضيلة الشيخ هل يكفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد السب أم يشترط في ذلك الاستحلال ؟
الجواب : أجمع الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من أهل السنة أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال .
واتفق أهل العلم على أن الكفر قد يكون بالجحد أو التكذيب أو الإعراض .
وقد يكون بالقول كسب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بالدين وأحكامه ويكون بالفعل كالسجود للأصنام والطواف على القبور والذبح للجن والأوثان .(1/7)
وقد يكون بالترك كترك جنس العمل مطلقاً وحكى إسحاق بن راهويه وغيره إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عمداً وقد جاء في صحيح مسلم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير المكي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة .
والكفر المعرف بالألف واللام يدل على الكفر الأكبر غير أنه قد جاء في كفر تارك الصلاة خلاف بين أئمة المذاهب فقالت طائفة لا يكفر مطلقاً مالم يجحد وجوبها .
وقالت طائفة يكفر كفراً أكبر لإجماع الصحابة على ذلك على خلاف بينهم في القدر الذي يكفر بتركه فقالت طائفة يكفر بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها وقالت أخرى لا يكفر إلا بالترك الكلي .
وبالجملة فأهل السنة لا يكفرون بمطلق الذنوب ولا بكل ذنب كما تفعل الخوارج والمعتزلة حيث يكفرون بكبائر الذنوب ويعتقدون ذنباً ماليس بذنب ويرتبون عليه أحكام الكفر وتارة يأخذون الناس بلازم أقوالهم وهذا كثير في المتأخرين ولا يفرقون في إطلاق الأحكام بين النوع والعين ولا بين مسألة وأخرى وقد يكفّرون من لا يوافقهم على هذه الإنحرافات وقد جاء نعتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) . رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد .
فأهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة فلا يكفرون أهل الكبائر مالم يستحلوا ذلك ولا يقولون بقول المرجئة لا يضر مع الإيمان ذنب أو لا يكفر من أتى بمكفر حتى يستحل فهذا باطل بالكتاب والسنة والإجماع فمن سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد قال إسحاق بن راهويه . وقد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئاً أنزله الله أو قتل نبياً من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر .
السؤال الرابع : ما حكم جلسة الاستراحة في الصلاة ؟(1/8)
الجواب : جلسة الاستراحة سنة من سنن الصلاة في أصح قولي العلماء وقد جاء في صحيح البخاري من طريق خالد الحذّاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً .
وموضعها في القيام من الأولى للثانية ومن الثالثة للرابعة . والمرأة في ذلك كالرجل .
وقد استحب فعلها إسحاق و الإمام الشافعي وكان الإمام أحمد رحمه الله لا يقول بذلك فرجع عن قوله وقال بما دل عليه حديث مالك بن الحويرث .
وقال النووي رحمه الله في المجموع : اعلم أنه ينبغي لكل أحد أن يُواظب على هذه الجلسة لصحة الأحاديث فيها وعدم المعارض الصحيح لها ولا تغتر بكثرة المتساهلين بتركها .
والقول الثاني في المسألة أنه لا يصح فعلها لغير حاجة وهذا قول أكثر العلماء وقالوا إنها لم ترد في أكثر الأحاديث وإنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مالك للحاجة .
ويجاب عن هذا بأنه لم يثبت دليل على أنه صلى الله عليه وسلم فعلها للحاجة وراويها هو راوي حديث ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) . رواه البخاري . وذكره بعض أهل العلم في المتفق عليه ولا يصح .
السؤال الخامس : ما حكم رفع اليدين بعد الصلوات المكتوبة ؟
الجواب : تخصيص رفع اليدين للدعاء بعد الفرائض غير مشروع وليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا أفتى به أحد من التابعين .
والأصل في العبادات المنع حتى يثبت دليل وكل من نقل صفة صلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكر عنه أنه رفع يديه ودعا بعد الفريضة .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) .
ولكن إذا عرض للمصلي عارض يقتضي الدعاء فدعا بعد الصلاة ورفع يديه ولم يقصد تخصيص هذا الوقت فهذا لا بأس به .(1/9)
وقد جاء في الصحيحين من طريق مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم ؟ قال نعم فصلى أبو بكر فجاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صافاً فأشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمكث مكانك فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ... ) . الحديث وفيه دليل على الدعاء ورفع اليدين في مثل هذه الحالات فقد فعل ذلك أبو بكر اجتهاداً وأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا مؤكداً للحكم سواء كان داخل الصلاة أو خارجها والله أعلم .
الجلسة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 7 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : ما صحة حديث الصدقة تطفئُ غضب الرب ..؟
الجواب : هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الله بن عيسى الخزّاز عن يونس بن عُبيد عن الحسن البصري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . إن الصدقة لتطفىء غضب الرب وتدفع ميتة السوء )) .
وهذا الإسناد منكر .
عبد الله الخزاز منكر الحديث قاله أبو زرعة .
وقال النسائي ليس بثقة .
وقال ابن عدي . هو مضطرب الحديث وليس ممن يحتج به وقال العقيلي . لا يتابع على أكثر حديثه .
وجاء هذا الخبر بلفظ . إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء . رواه القضاعي في مسنده من طريق يزيد الرقاشي عن أنس ولا يصح .(1/10)
السؤال الثاني : فضيلة الشيخ . ما تقولون في حديث ابن عمر قال . كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام ؟
الجواب : هذا الحديث معلول وقد رواه أحمد و الترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه كلهم من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
وظاهر هذا الإسناد الصحة وقد صححه أبو عيسى الترمذي وابن حبان وآخرون .
وفي ذلك نظر ولا يصح الاعتماد على ظاهر الإسناد وقد قال أبو عيسى الترمذي في كتابه العلل سألت محمداً عن هذا فقال هذا حديث فيه نظر .
وقال الإمام يحيى بن معين رحمه الله . لم يحدث بهذا الحديث أحد إلا حفص وما أراه إلا وهم فيه وأراه سمع حديث عمران بن حُدير فغلط بهذا .
وقد اختلف الفقهاء في حكم الشرب قائماً .
فقيل محرم ويجوز لعذر يمنع من القعود وهذا اختيار الإمام ابن القيم لحديث أنس في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً .
وفي رواية . نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب الرجل قائماً .
ورواه من حديث أبي سعيد الخدري .
وقيل هذا النهي منسوخ لحديث ابن عباس قال . سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
وفي صحيح البخاري من طريق عبد الملك بن ميسرة عن النزال قال : أتى عليّ رضي الله عنه على باب الرحبة فشرب قائماً فقال : إن ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت )) . وقيل تحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهذا قول الطبري والخطابي والحافظ ابن حجر .
وقيل بجواز الأمرين دون كراهة والشرب قاعداً أفضل لأنه الأكثر في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الصحيح . والله أعلم .
السؤال الثالث : هل يجوز للأب أن يجبر ابنه العاقل على الزواج بفتاة لا يريدها .(1/11)
الجواب : ليس لأحد الأبوين أن يلزم الإبن على نكاح من لا يريد ولايحب لأن نتيجة هذا الزواج قد تكون الطلاق أو تصبح حياتهما ضرباً من النكد .
ولا يجب على الإبن طاعتهما في ذلك ولا يعتبر حينئذٍ عاقاً .
ولكن الواجب على الإبن أن يتلطف بالرفض ولا يرفع صوته عليهما ولا يُسمعهما قولاً سيئاً .
السؤال الرابع : هل تجوز حضانة الكافر على المسلم ؟
الجواب : لا تصح على الصحيح وهو قول أكثر أهل العلم وذلك لأمور .
الأول : أنّ الطفل ينشأ في حضن الكافر فلا يؤمن أن يهوَّده أو ينصره أو يمجسه وهذا ضرر محض يجب اجتنابه وتفادي خطره .
الثاني : أن الحضانة من أقوى أسباب الموالاة بين الطفل وحاضنه والله تعالى قد قطع الموالاة بين عدوه ووليه فالكفار بعضهم من بعض والمؤمنون بعضهم أولياء بعض فلا تصح حينئذٍ حضانة عدو الله للطفل المسلم .
الثالث : قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً } فقد نفى الله السبيل للكافر على المسلم .
وإذا وجد شيء من ذلك في دنيا الواقع فهو بخلاف الشرع ولا يجوز إقراره .
الرابع : أن احتجاج بعض الفقهاء بحضانة الكافرة للولد المسلم بحديث رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبهه وقال رافع ابنتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( اقعد ناحية ) وقال لها [ اقعدي ناحية ] .
وأقعد الصبية بينهما ثم قال ( ادعواها ) فمالت الصبية إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اهدها فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها .
فهذا الخبر رواه أبو داود من طريق عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان ورواه النسائي من طريق عبد الحميد بن سلمة الأنصاري عن أبيه عن جده .
وفيه نظر وقد أعله غير واحد بالاضطراب .(1/12)
وقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله . إن هذا الحديث قد يُحتج به على صحة مذهب من اشترط الإسلام فإن الصبية لما مالت إلى أمها دعا النبي صلى الله عليه وسلم لها بالهداية فمالت إلى أبيها وهذا يدل على أن كونها مع الكفار خلافُ هُدى الله الذي أراده من عباده ولو استقر جعلها مع أمها لكان فيه حجة بل أبطله الله بدعوة رسوله .
السؤال الخامس : فضيلة الشيخ ما تقولون في الحديث الوارد في دعاء الخروج من الخلاء . الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني .
الجواب : هذا الحديث لا يثبت فقد رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله ... الخ .
وإسماعيل بن مسلم متفق على تضعيفه وجاء نحوه من حديث أبي ذر مرفوعاً وموقوفاً وفيه اختلاف ولا يصح .
وفي الباب حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال . غفرانك . رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد من طريق مالك بن إسماعيل عن إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة وإسناده حسن .
ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجه من طريق يحيى بن أبي بكير .
وأبو داود من طريق هاشم بن القاسم كلاهما عن إسرائيل بلفظ كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك .
السؤال السادس : ما درجة حديث ( ماء زمزم لما شرب له ) ؟
الجواب : هذا الحديث رواه أحمد في مسنده وابن ماجة من طريق عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيه ضعف فإن عبد الله بن المؤمل ضعيف الحديث قال الإمام أحمد رحمه الله . أحاديثه مناكير .
وقال أبو داود . منكر الحديث .
وقال ابن عدي . أحاديثه عليها الضعف بيّن .
وقال العقيلي في الضعفاء حين ذكر له هذا الخبر . لا يتابع عليه .(1/13)
وروى الفاكهي في أخبار مكة عن معاوية رضي الله عنه قال . زمزم شفاء هي لما شرب له وقد حسنه الحافظ ابن حجر في جزء جمعه حول هذا الحديث .
وفي إسناده عند الفاكهي محمد بن إسحاق الصيني شيخ الفاكهي وهو كذاب قاله ابن أبي حاتم .
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمزم . إنها مباركة إنها طعام طُعم .
وروى عبد الرزاق في المصنف عن الثوري عن ابن خُثَيم أو عن العلاء شك أبو بكر عن أبي الطفيل عن ابن عباس قال كنا نسميها شُباعة يعني زمزم .
وكنا نجدها نعم العون على العيال .
ورواه ابن أبي شيبة والأزرقي والفاكهي في أخبار مكة .
وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال : زمزم طعام طعم وشفاء سقم .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن خُثَيم أن مجاهداً كان يقول . هي لما شربت له يقول تنفع لما شربت له .
الجلسة الخامسة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة المقسمة على علم الحديث والفقه والعقيدة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان ابن ناصر العلوان في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 11 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : ما هو القول الصحيح في الحديث الوارد في الصلاة بعد الإشراق ؟
الجواب : هذا الحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك و أبو أمامة وابن عمر وعائشة وغيرهم ولا يصح من ذلك شيء .
فحديث أنس رواه الترمذي في جامعه من طريق عبد العزيز بن مسلم حدثنا أبو ظلال عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ) قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب )) أي ضعيف .
وأبو ظلال ليس بشيء قاله يحيى بن معين وضعفه أبو دواد والنسائي وابن عدي وغيرهم .(1/14)
وحديث أبي أمامة رواه الطبراني في المعجم الكبير من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن موسى بن علي عن يحي بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعاً .
وعثمان بن عبد الرحمن الحراني متكلم فيه بسبب روايته عن الضعفاء والمجاهيل .
وموسى بن علي ليس بمعروف .
والقاسم مختلف فيه وقد ضعفه جماعة بسبب الرواة عنه قال أبو حاتم : حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به وإنما ينكر عنه الضعفاء .
وتكلم فيه الإمام أحمد وضعفه الغلابي والعقيلي وابن حبان وقال يروي عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم المعضلات ويأتي عن الثقات بالأشياء المقلوبة حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها .
وحديث ابن عمر ذكره ابن حبان في كتابه المجروحين من طريق الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن ابن عمر مرفوعاً والأحوص ضعيف قاله أحمد بن حنبل وابن المديني ويحيى بن معين .
وحديث عائشة رواه أبو يعلى في مسنده وفيه جهالة ونكارة .
ولا أعلم حديثاً صحيحاً في الباب ولا ثبت عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا عن الأئمة المتبوعين من الأئمة الأربعة أن من جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين حضي بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة .
ومثل هذا تتوافر الهمم والدواعي على نقله فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجلسون في المصلى حتى ترتفع الشمس ثم يقومون رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي خيثمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة .
وحين لا يذكرون الصلاة ولا الأجر المترتب على ذلك وهو من الأهمية بمكان ... فيه دليل على أنه لا أصل للأحاديث الواردة في الباب .
وروى ابن أبي شيبة في المصنف من طريق منصور عن مجاهد أن عائشة كانت إذا طلعت الشمس نامت نومة الضحى . وهذا إسناده صحيح وليس فيه ذكر للصلاة بعد الجلوس وكأن الأمر غير معروف في ذاك الجيل العظيم .(1/15)
وذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الوليد بن مسلم قال رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ويخبرنا عن السلف أن ذلك كان هديهم فإذا طلعت الشمس قام بعضهم إلى بعض فأفاضوا في ذكر الله والتفقه في دينه .
والمنقول عن السلف في مثل هذا كثير مما هو دال ومؤكد على أن هذه الصلاة المذكورة بعد الشمس والأجر المترتب على ذلك ليس له أصل .
وهذا لا ينفي أن الصلاة بعد ارتفاع الشمس مشهودة محضورة والخبر في مسلم من حديث عمرو بن عبسة فهذا شيء وما نحن فيه شيء آخر والله أعلم .
السؤال الثاني : ما حكم الصلاة على الميت الغائب ؟
الجواب : الخلاف في هذه المسألة مشهور وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي حين توفي صلاة الغائب وخرج بأصحابه إلى المصلى فصفَّ بهم وكبر عليه أربعاً .
والحديث في البخاري ومسلم من طريق مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة .
فقالت طائفة يُصلَّى على كل ميت غائب وهذا مذهب الإمام الشافعي وأحمد في رواية واختار ذلك أبو محمد بن حزم رحمه الله .
وقالت طائفة أخرى . لا تصح الصلاة على الميت الغائب مطلقاً . وحديث أبي هريرة في صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي خاص به وليس لأحد أن يفعل مثل ما فعل وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ورواية عن الإمام أحمد .
وقالت طائفة ثالثة . إذا مات الرجل الصالح صُلَّي عليه لصلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي وهذا منسوب للإمام أحمد رحمه الله ذكره عنه شيخ الإسلام كما في الاختيارات الفقهية وهو قول جماعة من متأخري العلماء .(1/16)
والقول الرابع : أن الغائب إذا مات ببلد لم يُصلَّ عليه صُلي عليه صلاة الغائب كما هو الحال في صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يثبت أن صُلي عليه هناك ومثله الغريق والمفقود تحت هدم ونحوهما وإن صُلي عليه حيث مات لم تشرع صلاة الغائب عليه وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله في رواية واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وهو الصواب .
فقد توفي خلق كثير من أصحاب رسول لله صلى الله عليه وسلم . وهم غياب ولم يُصَلَّ عليهم .
وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه متفرقون في البلدان _ ولم يثبت عن أحد منهم الصلاة عليه .
وتوفي الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون ولم يذكر عن أحد من الصحابة والتابعين الغُيّب صلاة عليهم ومن القواعد المهمة في هذا الباب أن ما تركه رسول الله صلى الله وسلم وأصحابه من العبادات مع وجود المقتضي للفعل وزوال المانع فإنه واجب الترك وفعله بدعة .
وضبط هذه القاعدة يجلَّي كثيراً من البدع .
وقد كتبت في هذه المسألة رسالة بأطول من تلك وبينت واقع بعض المسلمين اليوم من التوسع في الصلاة على الغائب ولا سيما أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم من العلمانيين وأئمة الضلال ودعاة الفساد فإنا لله وإنا إليه راجعون .
السؤال الثالث : ما صحة الحديث الوارد في افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ؟
الجواب : هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء من غير وجه وعن أكثر من صحابي .
وقد تكلم فيه بعض المتأخرين وأثار حوله بعض الإشكالات وليس هذا بشيء .
فالحديث محفوظ رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعبن فرقة )) .(1/17)
وهذا سند صحيح وقد صححه الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم .
وصح من حديث معاوية وفيه ( وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين . ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة . رواه أبو داود في سننه .
وفي الباب عن عوف بن مالك رواه ابن ماجه .
وعبد الله بن عمرو بن العاص رواه الترمذي بسند ضعيف .
وأنس بن مالك رواه ابن ماجه وابن أبي عاصم في السنة .
وأبي أمامة رواه محمد بن نصر في السنة وابن أبي عاصم .
فهذه الأحاديث الثابتة تقتضي حتمية افتراق الأمة وأنه واقع لا محالة ولا ينجو من هذه الثلاث والسبعين فرقة غير واحدة وهي الجماعة فلا تزال منصورة ظاهرة حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى .
السؤال الرابع : ما تقولون في الحديث الوارد في لحوم البقر بأنها داء .
الجواب : هذا الخبر جاء بأسانيد منكرة عند الطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك .
ورواه أبو داود في المراسيل من طريق زهير بن معاوية حدثتني امرأة من أهلي عن مليكة بنت عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا مرسل ضعيف .
ولم يثبت في النهي عن لحم البقر شيء .
وقد أحل الله لعباده لحم البقر وامتن به عليهم فمن المحال أن يمتن الله على عباده بما هو داء وضرر عليهم قال تعالى { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر )) .
ولو كان لحمها داء لما جاز التقرب به لله فالذي يجب القطع به أن هذا الأثر باطل وليس لتصحيحه وجه معتبر وقد أجاد ابن الجوزي في قوله ( فكل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره ) .
السؤال الخامس : ما تقولون في تقسيم الشرك إلى ثلاثة أقسام أكبر وأصغر وخفي ؟
الجواب : هذا التقسيم قاله طائفة من أهل العلم وفيه نظر والصحيح أن الشرك قسمان
1- أكبر …2- وأصغر .(1/18)
والشرك الخفي منه ما هو أكبر كالنفاق الأكبر فإن المنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الشرك .
ومنه ما هو شرك أصغر وهذا مراتب متفاوتة وقد قرأت لبعض المتأخرين حين قسَّم الشرك إلى ثلاثة أقسام قال والشرك الخفي دون الأصغر .
وهذا الإطلاق بدون قيد غير صحيح وقد تقدم أن الشرك الخفي منه ما هو شرك أكبر وصاحبه لا تناله شفاعة الشافعين ولا رحمة أرحم الراحمين .
وقد كتب الله عليه الخلود في السعير قال تعالى { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } .
وقال تعالى { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريّة } .
والشرك الأكبر هو تسوية غير الله بالله في شيء من خصائص الله .
والشرك الأصغر هو ما جاء في الأدلة الشرعية تسميته شركاً ولم يصل إلى الأكبر .
وقد قيل إن هذا الشرك لا يغفر فلا بدَّ أن يُعذّب صاحبه ولكنه لا يخلد في النار ذكر ذلك ابن مفلح في الفروع عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد أشار إلى هذه المسألة في رده على البكري .
والقول الثاني : أن صاحب هذا الشرك تحت المشيئة وهو قول عامة العلماء وهو الصحيح .
فإن الله تعالى يقول { إن الله لا يغفر أن يشرك به } أي الشرك الأكبر { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } يدخل فيه الشرك الأصغر . والله أعلم .
الجلسة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 14 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : ما حكم بدأ اليهود والنصارى بالسلام ؟
الجواب : هذه المسألة محل اختلاف بين أهل العلم وقد قال الإمام الأوزاعي رحمه الله . إن سلّمت فقد سلّم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون .(1/19)
وقد جاء في صحيح مسلم من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . لا تَبدَؤا اليهود ولا النصارى بالسلام . فإذا لقيتم أحدَهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه .
وهذا دليل على النهي عن بدأ أهل الكتاب بالسلام وإليه ذهب أكثر أهل العلم .
وروى عن ابن عباس وأبي أمامة جواز ذلك وتأول بعض أهل العلم النهي الوارد في ذلك على أن معناه ليس عليكم أن تبدؤهم .
وفيه نظر فالأصل عدم الإضمار .
والحديث قوي الدلالة على تحريم بدأ اليهود والنصارى بالسلام .
فإن السلام اسم من أسماء الله تعالى وصفته فلا يحيى به غير المسلم .
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدَأ اليهود والنصارى بالسلام وقد كان يكتب إلى ملوكهم . سلام على من اتبع الهدى .
ولا مانع من تكنية الكافر ومخاطبته بكلام غير السلام مع الحذر من الألفاظ الدالة على رضاه بدينه كقول بعض الجهّال متعك الله بدينك .
السؤال الثاني : هل تجوز عيادة أهل الكتاب ؟
الجواب : في هذه المسألة اختلاف بين الفقهاء فقيل تجوز مطلقاً وقيل تحرم وقيل تجوز العيادة بقصد دعوته وعرض الإسلام عليه .
وهذا توسط في المسألة فلا يصح المنع مطلقاً لأنه لم يرد في ذلك دليل بل هو خلاف الأدلة الصحيحة .
والقول بالجواز مطلقاً فيه شيء من النظر فلم يبق إلا جواز عيادته إذا كان يعرض عليه الإسلام أو يرتجيه .
وقد جاء في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال . كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمَرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له . أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول . الحمدلله الذي أنقذه من النار .
وهذا الحديث فيه فوائد .
الأولى : حُسنُ خُلقه صلى الله عليه وسلم .(1/20)
الثانية : حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الخلق .
الثالثة : أن اليهود إذا مات على يهوديته كافر مخلد في النار وهذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم . والذي نفسي بيده لاَ يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار .رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة
الرابعة : عيادة اليهودي إذا رجيت المصلحة . قال أبو داود رحمه الله سمعت الإمام أحمد سئل عن عيادة اليهودي والنصراني ؟ قال إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءَه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى لله عليه وسلم لأبي طالب ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما والله لأستغفرنّ لك مالم أُنه عنك فأنزل الله تعالى فيه { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى .. } .
والحديث فيه دليل على عيادة القريب المشرك إذا رُجي إسلامه قال الفضل بن زياد سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الرجل المسلم يعود أحداً من المشركين ، قال : إن كان يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل منه فليعده كما عاد النبي صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي فعرض عليه الإسلام .
السؤال الثالث : ما هو القول الصحيح في حكم الساحر ؟
الجواب : السحر بكل أنواعه محرم في كل الشرائع ومجمع على تحريمه وتحريم تعلمه .(1/21)
وهو يخالف ما جاءَت به الرسل ويعارض ما أنزلت من أجله الكتب .
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الساحر كافر يجب على وليّ الأمر قتله .
قال تعالى { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ... } .
وقال { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } أي بعمل السحر فثبت أن هذا كفر .
وذهب أكثر فقهاء الشافعية إلى أن الساحر لا يكفر إلا إذا اعتقد إباحة السحر أو اعتقد مثل ما يعتقده أهل بابل من التقرب للكواكب السبعة .
وفيه نظر ولا دليل على اشتراط الاعتقاد .
والصحيح أن الساحر كافر سواء اعتقد تحريمه أو لم يعتقد فمجرد عمل السحر كفر وهذا ظاهر الأدلة وليس في النصوص الأخرى ما يعارضها .
وحين يثبت وصف السحر على شخص ما فإنه يقتل وجوباً فقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة ولكن ليس لآحاد الناس إقامة الحدود دون أمر السلطان أو من يقوم مقامه لأنه يترتب على إقامة الحدود دون ولاة الأمور فساد وزعزعة للأمن وذهاب هيبة السلطان .
السؤال الرابع : ما الحكم فيمن حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً ؟
الجواب : من حلف أن يفعل كذا وكذا فنسيه أو حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً بأنه المحلوف عليه فلا حنث عليه ويمينه باقية .
وقيل إن حلف على نفسه أو غيره يقصد منعه أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً حنث في الطلاق والعتاق دون اليمين بالله تعالى .
وفيه نظر ولا دليل على هذا الاستثناء .
والصحيح القول الأول وأنه لا يحنث بالجهل والنسيان ويمينه باقية قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } .
وإن حلف بالله إن فعلت كذا وكذا فامرأتي طالق أو فعليّ صيام شهر أو عليّ الحج ، فهذه الأيمان فيها للعلماء مذاهب .
1- قيل إذا حنث لزمه ما حلف به .
2- وقيل لا يلزمه شيء .(1/22)
3- والقول الثالث تجزئه كفارة يمين وهذا أقرب الأقوال إلى الدليل واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لأن الله يقول { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } .
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إني واللهِ إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ) .
السؤال الخامس : هل صح قتل الوزغ باليد ؟ وهل ثبت في قتله أجر ؟
الجواب : قتل الوزغ مشروع بأدلة كثيرة وذلك بألة ونحوها وليس في شيء من الروايات تخصيص اليد أو الندب إلى قتله باليد المباشرة ولا أظن ذلك صحيحاً ولا وارداً فمثل هذا بعيد عن هدي الإسلام ومعالي الأخلاق .
وفي الصحيحين وغيرهما من طريق سعيد بن المسيب أن أم شريك أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ وفي رواية البخاري قال ( كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام .
وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسمّاه فويسقاً .
وقتل الوزغ في أول ضربة أكثر أجراً وثواباً من قتله في المرة الثانية جاء هذا في صحيح مسلم من طريق خالد بن عبد الله عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قتل وزَغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة . ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية ) .
الجلسة السابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة في الحديث والفقه أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 1 / 3 / 1422 هـ فأذن بنشرها .(1/23)
السؤال الأول : فضيلة الشيخ ما هو القول الراجح في كيفية صلاة الاستسقاء هل تقدم الخطبة على الصلاة كهيئة صلاة الجمعة أم تقدم الصلاة على الخطبة كهيئة صلاة العيدين ؟
الجواب : اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين .
الأول : تقديم الصلاة على الخطبة وهذا مذهب مالك ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في رواية عنه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا وحوّل وجهه نحو القبلة رافعاً يديه ثم قلب رداءَه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن . رواه ابن ماجة وابن خزيمة وغيرهما من طريق النعمان بن راشد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وسنده ضعيف وقد أخطأ في هذا الحديث النعمان وذكره عن الزهري على غير وجهه .
وقد قال الإمام ابن خزيمة في صحيحه ( في القلب من النعمان بن راشد فإن في حديثه عن الزهري تخليطاً كثيراً .
واحتج أصحاب هذا القول بروايات أخرى بعضها صحيح ولكنه غير صريح الدلالة على تقديم الصلاة على الخطبة ، والبقية أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بشيء منها .
القول الثاني : تقديم الخطبة على الصلاة كالجمعة وهو عمل أهل المدينة في القديم ، وقال به الليث بن سعد وأحمد في رواية عنه والإمام بن حزم وهو ظاهر الأدلة الصحيحة قال عبد الله بن زيد رضي الله عنه . خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي ، فتوجه إلى القبلة يدعو وحوّل رداءَه ثم صلى ركعتين جهر بهما في القراءَة . رواه البخاري ومسلم وقد ترجم له النسائي في سننه ( باب الصلاة بعد الدعاء ) وترجم له ابن خزيمة في صحيحه ( باب الخطبة قبل صلاة الاستسقاء ) .(1/24)
وروى أبو داود في سننه من طريق يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت . شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه . قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال : إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه ، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم . ثم قال : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد . اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين . ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ، ثم حوّل إلى الناس ظهره وقلب رداءَه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين .... الحديث . قال عنه أبو داود هذا حديث غريب إسناده جيد وأهل المدينة يقرؤون ( ملك يوم الدين ) وهذا الحديث حجة لهم ) .
والحديث فيه دلالة على تقديم الخطبة على الصلاة خلاف المعمول به في هذه العصور من تقديم الصلاة على الخطبة .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز التقديم والتأخير بلا أولوية . وفيه نظر فقد دلت السنة الصحيحة على أنه صلى الله عليه وسلم يقدم الاستغفار والدعاء على الصلاة فالعمل بذلك أتبع وأقرب إلى الحق .
السؤال الثاني : هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد يوم للخروج إلى صلاة الإستسقاء .(1/25)
الجواب : جاء في سنن أبي داود بسند لا بأس به من حديث عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس .. الحديث ودلالته ظاهرة على تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء ... غير أنه لم يثبت تسمية هذا اليوم وقد استحب غير واحد من أهل العلم تحديد يوميّ الإثنين والخميس لأن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى ولأنهما وقت فضيلة للصيام فيجمع المسلمون بين الصيام والاستسقاء فيكون الدعاء حينئذٍ أقرب للإجابة .
ويحتمل عدم مشروعية تقصد هذين اليومين دون بقية الأيام لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة وهذا هو الصواب فلا يشرع تقصد يوم دون آخر بدون نص فالمشروع هو تحديد يوم يخرجون فيه فقد يوافق يوم الإثنين وقد يوافق يوماً آخر مراعاة لمصالح الناس وحاجاتهم .
السؤال الثالث : ما حد الغيبة وما حكمها ؟
الجواب: الغيبة هي أن يذكر الإنسان عيب أخيه المسلم في غيبته بما يكرهه لو بلغه من غير حاجة لذلك.
فقولي : أن يذكر عيب أخيه . هذا يخرج الحديث عن الغير بالمدح والثناء .
وقولي : المسلم : يخرج بذلك الكافر فلا غيبة له .
وقولي : في غيبته . أخرج بذلك الحاضر فالحديث عنه لا يسمى غيبة في أصح قولي العلماء .
وقولي : بما يكرهه لو بلغه . خرج بذلك ما رضي به .
وقولي : من غير حاجة لذلك . خرج بذلك ما كان لمصلحة شرعية كالتحذير من المبتدع لتتقى بدعته .
ويجب في ذلك مراعاة أمور .
الأول : الإخلاص لله تعالى وإرادة وجهه .
الثاني : مراعاة المصلحة في ذلك .
الثالث : أن يكون الحديث مقصوراً على موضع الزلل دون تجاوزه إلى غيره بدون فائدة .(1/26)
وقد اتفق العلماء على تحريم الغيبة بدون مصلحة وجزم أكثرهم على أنها من الكبائر وهي مراتب متفاوتة بعضها أشد من بعض فمن اغتاب عالماً ليس كمن اغتاب جاهلاً قال تعالى { ... وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) } .
وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال [ ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال [ إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) .
وروى أبو داود في سننه من طريق نوفل بن مساحق عن سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ) .متفق عليه من حديث أبي بكرة .
ومن أقبح أمور الغيبة وأشدّها حرمة تنقص المسلم واحتقاره وازدراؤه وبذل الجهد في إهانته وإسقاط حرمته والنيل من عرضه . فهذا الخلق الذميم والداء العظيم كبيرة من كبائر الذنوب وصاحبه معرض للوعيد والبطش الشديد .
السؤال الرابع : توفي رجل عن زوجة حامل فوضعت قبل أن يُغسَّل فهل يجوز للمرأة أن تليه في الغسل ؟
الجواب : حين وضعت المرأة أصبحت أجنبية عن الزوج فيحرم عليها تغسيله .
فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن تغسل المرأة زوجها ما دامت في عصمته كأن يموت عنها حاملاً وغسلته قبل الوضع أو لم تكن حاملاً فتغسله ما دامت في العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام وأما حين وضعت قبل أن تغسله فيحرم عليها تغسيله فقد أصبحت أجنبية وحلّت للخطاب باتفاق أهل العلم .(1/27)
قال تعالى { وَأُولاَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وحكى ابن المنذر الإجماع على أن عدة الحامل أن تضع حملها ... وحينئذٍ يسقط الإحداد عنها فلها أن تتزوج وتتجمل بما شاءَت .
السؤال الخامس : ما تقولون في حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ؟
الجواب : هذا الحديث رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن السني في عمل اليوم والليلة والطبراني في الكبير وغيرهم من طريق محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وإسناده لا بأس به وقد صححه ابن حبان في كتاب الصلاة والمنذري وابن عبد الهادي وابن كثير .
وقد بالغ ابن الجوزي فأورده في كتابه الموضوعات ولا يوافق على ذلك .
والحديث تفرد به محمد بن حمير عن الألهاني .
وهذا يحتمل التعليل ولا سيما أن الفسوي رحمه الله قال . محمد بن حمير ليس بالقوي .
وخالفه ابن معين فقال ثقة وقال الإمام أحمد . ما علمت إلا خيراً . وقال النسائي ليس به بأس .
والحديث جيد الإسناد وليس من صحاح الأخبار ومثله يقبل وذلك لأمور .
الأول : أن الإمام النسائي رحمه الله رواه ولم يعله وأورده في المختارة وصححه .
الثاني : أن الحديث ليس من أصول الأحكام .
الثالث : أن تفرد الصدوق بالحديث يقبل إذا دلت قرينة على ضبطه وتفرد محمد بن حمير من هذا ، وقد جاء للحديث شواهد من حديث المغيرة ابن شعبة وأبي مسعود وعلى بن أبي طالب ولا يصح من ذلك شيء والله أعلم .
السؤال السادس : فضيلة الشيخ سمعت من بعض العامة أنّ أم الأولاد لا تطلق فهل يصح هذا وهل قال به أحد من أهل العلم ؟(1/28)
الجواب : هذا الكلام من الهذيان وليس له أصل في الشرع ولا أظن عالماً أو طالب علم يفتي بمثل هذا الباطل وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الرجل إذا طلق زوجته صغيرة أو متوسطة العمر أو من القواعد في طهر لم يمسها فيه أو حاملاً قد تبين حملها أنها تطلق قال تعالى في المطلقات ذوات الحيض { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } .
وقال تعالى في المطلقات اللاتي انقطع عنهن الحيض { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ... } وقال بعد ذلك في المطلقات ذوات الحمل { وَأُولاَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ...} .
فإن كانت الطلقة الثالثة فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، وإن كانت الأولى أو الثانية فيشهد شاهدين ويراجعها وقد روى أبو داود في سننه من طريق يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين . سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال : طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة . أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تَعُدْ .
الجلسة الثامنة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته وقد تم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 11 / 3 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : شخص طلق زوجته طلاقاً رجعياً وقبل أن تنقضي عدتها أراد مراجعتها فهل يجب رضاها بذلك ؟
الجواب : لا يلزم رضاها فالزوج يملك رجعتها ما دامت في العدة رضيت أو لم ترض ولا أعلم في ذلك خلافاً .
وقد ذكر ابن المنذر رحمه الله في كتابه الإجماع أن العلماء متفقون على أن الرجعة إلى الرجل ما دامت في العدة وإن كرهت ذلك المرأة .(1/29)
غير أنه يحرم على الزوج أن يرتجعها ليضرَّ بها أو كي تفتدي منه بعوض قال تعالى { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ } وقال تعالى { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } .
وكما أن هذا الإضرار محرم على الرجال هو أيضاً محرم على النساء فمن المحرمات أن تؤذي المرأة زوجها وتسيء معاملته وتمنع منه نفسها كي يطلقها بدون عوض فلا يشاق أحدهما الآخر .
فإذا أبغض الرجل زوجته فليمسكها بالمعروف أو يطلقها بإحسان وإذا كرهت المرأة زوجها وأبغضته ولم تقم بحقه ولم تقدر على معاشرته فلها أن تفتدي منه بما أعطاها دون أذيته وتوليد العداوات .
وقد جاء في صحيح البخاري من طريق خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله . ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلُق ولا دين ولكنّي أكرهُ الكفرَ في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته . قالت نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة .
وفي رواية أيوب عن عكرمة عن ابن عباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تردين عليه حديقته فقالت نعم فردّت عليه وأمره ففارقها .
وأصح قولي العلماء أن الخلع فسخ وليس بطلاق فتعتد المرأة بحيضة واحدة . وهذا قول أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وابن عمر وابن عباس وقال به إسحاق وأحمد في رواية واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
السؤال الثاني : ما حكم الوضوء من لحوم الإبل ؟(1/30)
الجواب : ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوضوء من لحوم الإبل وجاء هذا في صحيح مسلم من طريق جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ . قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم ، فتوضأ من لحوم الإبل .
وجاء نحوه من حديث البراء بن عازب رواه أحمد وأبو دواد والترمذي وابن ماجة وابن الجارود وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر .
وهذا مذهب ابن عمر وأفتى به محمد بن إسحاق وإسحاق والإمام أحمد وقال . فيه حديثان صحيحان حديث البراء وحديث جابر بن سمرة .
وقال بذلك الإمام ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم .
بينما ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الوضوء من لحوم الإبل غير واجب وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وذكره ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سويد بن غفلة وعطاء وطاووس ومجاهد .
وذكره بعض أهل العلم عن الخلفاء الراشدين وهذا فيه نظر فلا يصح عن أحد منهم أنه أسقط الوضوء من لحوم الإبل .
وقد احتج أهل هذا المذهب بما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق شعيب بن أبي حمزة عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد لله قال : كان آخرُ الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء ممّا مست النار .
وهذا الخبر لا يصح الاحتجاج به على الرخصة في ترك الوضوء من لحوم الإبل وذلك لوجهين :
الأول : أنه عام ويمكن تخصيصه بحديثي البراء وجابر بن سمرة ولا سيما إذا عُلم أن الوضوء مما مست النار كان واجباً .
الثاني : أن هذا الخبر معلول ولا يصح متنه وهذا قول أهل هذا الشأن قال الإمام أبو حاتم رحمه الله : هذا حديث مضطرب المتن إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ولم يتوضأ كذا رواه الثقات عن محمد بن المنكدر عن جابر ويحتمل أن يكون شعيب حدّث به من حفظه فوهم فيه .(1/31)
وقال الإمام أبو داود رحمه الله في سننه وهذا اختصار من الأول يعني حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل خبزاً ولحماً ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ .
وذكر نحو هذا الإمام ابن حبان رحمه الله .
السؤال الثالث :ما حكم لبس خاتم الذهب للرجال ؟
الجواب : خاتم الذهب محرم على الرجال في قول أكثر أهل العلم وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب .
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده . فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك انتفع به قال : لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان الخاتم يلبس للخطوبة فهو أشد إثماً وأعظم ضلالاً فإن اللابس يجمع بين ذنبين كبيرين :
الأول : ارتكاب النهي الصريح الصحيح في نهي الرجال عن لبس الذهب وتحليهم به .
الثاني : التشبه بالنصارى والمشابهة في الظاهر تورث المودة في الباطن وهذا بلاء عظيم وداء قبيح .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال .من تشبه بقوم فهو منهم رواه أحمد من حديث ابن عمر .
وقد بلغني عن مجموعة من الجهّال أنهم يلبسون الخاتم دفعاً للعين واعتقاداً أنه يؤلف بين الزوجين ويكفيهما عين كل حاسد وهذا جهل بالدين وبتوحيد رب العالمين قال تعالى { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .(1/32)
وقال تعالى { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } .
وكل من جعل من الأشياء سبباً لجلب نفع أو دفع ضر ولم يدل على ذلك دليل شرعي ولا قدري فقد أشرك بالله وهذا الشرك قد يكون أكبر وقد يكون أصغر على حسب قصد لا بسها نسأل الله السلامة والعافية .
السؤال الرابع : فضيلة الشيخ ما هي الفوائد المستفادة من قوله صلى الله عليه وسلم ( غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث قال كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك ) .
الجواب : هذا الحديث متفق على صحته من حديث أبي هريرة وفيه دروس وعبر ومعاني وعلوم وإليك أهم المهمات من المعاني والفوائد .
1- سعة رحمة الله تعالى قال تعالى { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } .
2- فيه معنى قوله تعالى { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } .
3- فيه الرد على الخوارج المكفرين بمطلق الذنوب .
4- فيه إثبات صفة المغفرة لله تعالى والرد على المعطلة .
5- فيه مشروعية الإحسان إلى الدواب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء .. الحديث رواه مسلم في صحيحه من حديث شداد ابن أوس رضي الله عنه .
6- فيه أن قليل الخير يحصل به كثير الأجر وقد جاء في صحيح البخاري من طريق مالك عن سُمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بينما رجل يمشي بطريق وجد غُصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر له .
7- فيه عدم اليأس من رحمة الله وعفوه فقد سبقت رحمة الله غضبه صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم .. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة .(1/33)
8- فيه قبح الزنا وعظيم حرمته وقد قال تعالى { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } .
9- فيه أن الله يرحم من عباده الرحماء وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) .
10- فيه مشروعية إبهام اسم الزانية والزاني حيث قال صلى الله عليه وسلم ( غفر لامرأة ) فلم يذكر اسمها ولا قبيلتها حيث لا فائدة من ذلك .
السؤال الخامس : ما هي آخر مدة النفاس ؟
الجواب : في ذلك خلاف بين أهل العلم .
1- فقال أكثر أهل العلم إن أكثر النفاس أربعون يوماً فإذا تجاوز الدم ذلك فهو استحاضة إلا إذا صادف عادة حيضها وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية وهي المشهورة من مذهبه وحكاه الترمذي في جامعه عن سفيان وابن المبارك وإسحاق وأكثر أهل العلم .
2- وقال مالك والشافعي وأحمد في رواية أكثره ستون يوماً .
3- وقال الحسن البصري تجلس أربعين يوماً إلى خمسين فإن زاد فهي استحاضة .
4- وقيل غير ذلك من الأقوال وهي اجتهادات ليس على شيء منها دليل صحيح إلا القول الأول فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال . النفساء تنتظر نحواً من أربعين يوماً . رواه ابن الجارود في المنتقى .
وقد روى أحمد و أبو داود والترمذي وابن ماجة من طريق مسة الأزدية عن أم سلمة قالت : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف .
وهذا الإسناد مختلف فيه وقد ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام والإمام ابن حزم . وصححه الحاكم وحسنه النووي وغيره .(1/34)
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار ليس في مسألة أكثر النفاس موضع للاتباع والتقليد إلا من قال بالأربعين فإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم منهم . وسائر الأقوال جاءَت عن غيرهم ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم والنفس تسكن إليهم فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل . وهذا القول هو الصواب وذلك لأمور :
الأول : أنه قول الصحابة ولا مخالف لهم .
الثاني : أنه لا بد في المسألة من تحديد أيام تجلس فيها النفساء ولا يمكن تجاوز قول الصحابة إلى غيرهم .
الثالث : أنه قول الأطباء وهم من أهل الاختصاص في معرفة الدم فاتفق قولهم مع رأي ابن عباس وقول أكثر أهل العلم .
وأما أقل النفاس فلا حدَّ له في قول أكثر أهل العلم فإذا رأت النفساء الطهر وهو انقطاع الدم وجب عليها أن تغتسل وتصلي .
وقد ذكر الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه إجماع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَنْ بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي .
الجلسة التاسعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 30/1/1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : فيه رجل يريد أن يتزوج ابنته من الزنا فما حكم ذلك ؟
الجواب : هذا محرم ومنكر من الفعل وقد أنكره أكثر أهل العلم وشدّد فيه الإمام أحمد رحمه الله وقال في الرجل يزني بامرأة فتلد منه ابنة فيتزوجها فاستعظم ذلك وقال يتزوج ابنته !!! عليه القتل .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزوج بها وهو الصواب المقطوع به .. ) .(1/35)
وقال ابن القيم رحمه لله في زاد المعاد ( وقد دل التحريم بلبن الفحل على تحريم المخلوقة من ماءِ الزاني دلالة الأولى والأحرى ، لأنه إذا حرم عليه أن ينكح من قد تغذّت بلبن ثارَ بوطئه ، كيف يحل له أن ينكح من قد خُلق من نفس مائه بوطئه !! وكيف يحرّم الشارع بنته من الرضاع لما فيها من لبن كان وطء الرجل سبباً فيه ثم يبيح له نكاح من خلقت بنفس وطئه ومائه !! . هذا من المستحيل فإن البعضية التي بينه وبين المخلوقة من مائه أكمل وأتم من البعضية التي بينه وبين من تغذت بلبنه فإن بنت الرضاع فيها جزء ما من البعضية .
والمخلوقة من مائه كاسمها مخلوقة من مائه فنصفها أو أكثرها بعضه قطعاً ، والشطر الآخر للأم . وهذا قول جمهور المسلمين ولا يعرف في الصحابة من أباحها ... ) .
وقد جاء عن بعض أهل العلم جواز نكاح البنت من الزنا باعتبار أنها ليست بنتاً في الشرع ودليل ذلك أنهما لا يتوارثان . وهذا ضعيف فإن النسب تتبعض أحكامه وأمثلته كثيرة .
وكونهما لا يتوارثان لا يعني جواز النكاح بينهما بدليل البنت من الرضاع لا يجوز نكاحها بالإجماع وهما لا يتوارثان بالإجماع .
وقد قال تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } والآية عامة في كل من شمله لفظ البنت .
ولم يثبت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة نقل هذا العموم عن عمومه فشمل كل بنت من نكاح أو زنا .
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم الأم على ابنها من الزنا فأيّ فرق بين هذه الصورة وبين البنت مع والدها فالبنت بعضها من الأب والإبن كذلك بعضه من الأم فلا فرق بين المسألتين .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة جريج حين استنطق الولد المخلوق بماء حرام فقال من أبوك قال : راعي الغنم ) .(1/36)
وهذا فيه دلالة صريحة على نسبة ابن الزنا لأبيه وأما حديث ( لا يحرم الحرام إنما يحرم ما كان بنكاح حلال ) فهو حديث منكر رواه ابن عدي في الكامل والدار قطني والبيهقي وغيرهم وقد تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك الحديث وقد نقل عن ابن معين أنه كذّبه وقال الإمام أبو حاتم رحمه الله . هذا حديث باطل .
السؤال الثاني : ما تقولون في مسافر يصلي خلف مقيم ؟
الجواب : لا مانع من كون المسافر يصلي خلف المقيم سواء اختلفت هيئة الصلاة أم لا . واختلاف النية غير مؤثر غير أن المسافر إذا أدرك مع الإمام دون الركعة فإنه يصلي قصراً .
مثال ذلك : مسافر أدرك مع الإمام التشهد الأخير من صلاة الظهر فحينئذٍ يصلي الظهر ركعتين ، فهذه صلاته إذا لم يدرك ركعة فأكثر .
وأما إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة فأكثر فإنه يتم وجوباً وهذا مذهب أكثر أهل العلم وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما .
وفي صحيح مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أُصل مع الإمام فقال ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
وفي صحيح مسلم من طريق نافع قال كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً وإذا صلاّها وحده صلى ركعتين .
وروى البيهقي في السنن من طريق سليمان التميمي عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر : المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم يعني المقيمين أتجزيه الركعتان أو يصلي بصلاتهم ؟ قال فضحك وقال يصلي بصلاتهم .
وإذا اختلفت هيئة الصلاة كأن يصلي المسافر صلاة المغرب خلف مقيم يصلي العشاء فإنه حينئذٍ يجلس بعد الثالثة .
وهل يكمل صلاته وينصرف أم ينتظر الإمام حتى يتم صلاته ويتشهد معه ويسلم ؟
لكل من هذين القولين احتمال والأقرب في نظري الاحتمال الثاني وهو الانتظار .(1/37)
وإذا كان العكس كأن يصلي المسافر صلاة العشاء خلف مقيم يصلي المغرب ، فالذي يظهر لي في هذه المسألة أنه يصلي ركعتين ويجلس حتى يتم الإمام صلاته ويتشهد ويسلم معه والله أعلم .
السؤال الثالث : ما الحكم في رجل دخل عليه وقت صلاة الظهر وسافر فهل له القصر؟
الجواب : إذا دخل عليه وقت الصلاة وخرج من البلد فإنه يصلي صلاة مسافر وهو قول الجمهور كأبي حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد ، لأن الحكم للمكان لا للزمان .
وقيل ليس له القصر لأنها وجبت عليه في الحضر فلزمه إتمامها وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وهذا القول فيه ضعف وينتقض بما لو دخل عليه الوقت في السفر ولم يصل حتى رجع إلى بلده فإنه يصلي صلاة مقيم عند الحنابلة وغيرهم فبان أن الحكم للمكان لا للزمان فحيثما صلى اعتبر مكانه فإن صلى في السفر فإنه يصلي صلاة مسافر وإن صلى في الحضر صلى صلاة مقيم .
السؤال الرابع : ما تقولون في رجل عدم الماء فتيمم وصلى وحين فرغ من صلاته وجد الماء ؟
الجواب : الصحيح في هذه المسألة أن الصلاة مجزئة وهو قول أكثر أهل العلم و إليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد .
وذهب ابن سيرين والزهري وغيرهما إلى أنه يعيد الصلاة ما دام في الوقت .
والصحيح مذهب الجمهور فقد سقط الفرض بالتيمم حين العجز عن الماء وقد اتقى المصلي ربه وعمل بالبدل حين تعذر الأصل وهذا المشروع في حقه ولا يلزم إعادة الصلاة مرة ثانية لأن هذا غير مشروع وقد ورد النهي عن ذلك فروى أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن سليمان مولى ميمونة عن ابن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) .(1/38)
وروى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي الزناد قال كان من أدركت من فقهائنا الذين يُنتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب فذكر الفقهاء السبعة من المدينة وذكر أشياء من أقاويلهم وفيها وكانوا يقولون من تيمم فصلى ثم وجد الماء وهو في وقت أو في غير وقت فلا إعادة عليه ويتوضأ لما يستقبل من الصلوات ... ) .
وروى أبو داود في سننه من طريق عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمّما صعيداً طيباً فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يُعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يُعد : أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي توضأ وأعاد : لك الأجر مرتين .
قال أبو داود رحمه الله . وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ هو مرسل .
السؤال الخامس : فضيلة الشيخ إذا صلت المرأة صلاة الجمعة خلف الإمام في المسجد فهل تصلي ركعتين كصلاة الإمام أم أنها تتم أربعاً بعد سلام الإمام ؟
الجواب : ذكر الإمام ابن المنذر في كتابه الإجماع أن العلماء مجمعون على أن النساء إذا حضرن الإمام فصلين معه أن ذلك يجزئ عنهن .
وإذا أدركت من صلاة الجمعة ركعة فلتصل إليها أخرى وتصح صلاتها وإذا لم تدرك ركعة أو صلت في بيتها فلتصل أربعاً .
وقد جاء عن عبد الله بن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا إذا أدركتَ من الجمعة ركعة فأضف أخرى وإن أدركتهم جلوساً فصل أربعاً .
وحكى ابن المنذر الإجماع على أن من فاتته الجمعة من المقيمين أنهم يصلون أربعاً .(1/39)
وجاء عن أبي حنيفة وجماعة من أهل العلم أنه إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام فإنه يصلي ركعتين وإذا لم يدرك الإمام في صلاته فإنه يصلي أربعاً باتفاقهم .
السؤال السادس : ما حكم السجود للسهو وما هي مواضعه ؟
الجواب : السجود للسهو في نقص أو زيادة أو شك واجب في أصح قولي العلماء فقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به .
والأصل في الأمر أن يكون للإجاب مالم يصرفه صارف .
وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم تارة قبل السلام وتارة بعده .
فقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله السجود كله بعد السلام .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله . كله قبل السلام .
وفصّل في ذلك الإمام مالك فقال إذا كان السهو عن نقص في الصلاة فيسجد قبل السلام وإذا كان عن زيادة في الصلاة فيسجد بعد السلام ولا خلاف في مذهب مالك أنه لو جعل السجود كله قبل السلام أو كله بعد السلام لم يكن عليه شيء وهذا مذهب أكثر أهل العلم .
وأما مذهب الإمام أحمد رحمه الله فقد اختلفت الروايات عنه فقيل قبل السلام كمذهب الشافعي وعنه بعد السلام وعنه كمذهب الإمام مالك .
وعنه يسجد قبل السلام في كل شيء إلا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام وقال لولا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام لرأيت السجود كله قبل السلام لأنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل السلام وهذا مذهب قوي لأنه مبني على الأصل غير أنه لا بأس بالسجود قبل السلام في سهو محله بعد السلام ويمتنع العكس لأنه لا يخرج عن الصلاة قبل أن يقضي ما عليه فإن فعل صحت صلاته على الصحيح .
ومواطن سجوده صلى الله عليه وسلم بعد السلام ثلاثة :
1- سجد بعد السلام حين خرج من الصلاة قبل إتمامها وحديث هذه المسألة في الصحيحين من رواية أبي هريرة في قصة ذي اليدين .
2- وسجد صلى الله عليه وسلم بعد السلام حين زاد ركعة ولم يعلم بها حتى سلم من صلاته جاء هذا في حديث ابن مسعود في الصحيحين .(1/40)
3- وقال صلى الله عليه وسلم . إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم ثم يسلم ثم يسجد . جاء هذا في الصحيحين من حديث ابن مسعود .
ولا تنافي بين هذا وبين حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم .
فهذا محمول على من بنى على اليقين وحديث ابن مسعود فيمن تحرى وبنى على غلبة الظن .
فالإمام يبني على غلبة الظن ويسجد بعد السلام .
والمنفرد يبني على اليقين ويسجد قبل السلام .
والفرق بينهما أن الإمام يجد من ينبهه ويرشده إلى الصواب وحينئذٍ فالأفضل في حقه أن يبني على غلبة الظن . بخلاف المنفرد فيبني على اليقين وهو الأقل حتى يخرج من الصلاة بيقين والله أعلم .
الجلسة العاشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتمّ تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 2 ، 4 ، 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : ما حكم النوم بعد صلاة العصر وما درجة الحديث الوارد في النهي عن ذلك ؟
الجواب : لا بأس بالنوم بعد صلاة العصر ولا حرج في ذلك فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نهي عن ذلك والأصل الإباحة .
ولا حرام إلا ما حرّمه الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن حكم على أمر ما بالتحريم أو الإيجاب بدون دليل فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله .
والحديث المشهور ( من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومنّ إلا نفسه ) ليس له سند ثابت .
وقد رواه أبو يعلى وغيره من حديث عائشة وروي من حديث عبد الله بن عمرو وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .(1/41)
وقد قيل لليث بن سعد . تنام بعد العصر وقد روى ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . فذكر الخبر .
فقال الليث : لا أدع ما ينفعني لحديث ابن لهيعة .
السؤال الثاني : ما صحة حديث . لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ؟
الجواب : هذا الحديث رواه أبو داود في سننه من طريق سليمان بن معاذ التميمي عن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله .
وهذا إسناد ضعيف . فيه سليمان بن قرم بن معاذ تكلم فيه الأئمة . فقال ابن معين : ضعيف .
وقال أبو زرعة : ليس بذاك .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وروى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سُئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجراً ) .
وهذا لا يصح أيضاً وقد ضعفه ابن منده في كتابه الرد على الجهمية ، وقال . وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل بوجه الله واستعاذ بوجه الله وأمر من يُسْأل بوجه الله أن يُعطي .. من وجوه مشهورة بأسانيد جياد ورواها الأئمة عن عمار بن ياسر وزيد بن ثابت وأبي أسامة وعبد الله بن جعفر وغيرهم .
وهذا هو الصواب والأصل جواز السؤال بوجه الله الجنة وغيرها ولا يصح الخروج عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح والله أعلم .
السؤال الثالث : فضيلة الشيخ . ما تقولون في الحدود هل هي كفارات أم لا ؟
الجواب : الصحيح أن الحدود كفارات وهو مذهب الشافعي وأحمد وجماهير العلماء وقد دل على ذلك حديث عبادة المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( با يعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه )) .(1/42)
وفي رواية لمسلم ( ومن أتى منكم حداً فأقيم عليه فهو كفارته ) وهذا صريح في أن الحدود كفارات .
فإن قيل جاء في مستدرك الحاكم من طريق عبد الرازق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . ما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا .
فيقال هذا الخبر لا يصح وقد أعله البخاري والدارقطني والصحيح إرساله .والعمل عند أكثر أهل العلم على حديث عبادة .
وظاهره أن الحدود كفارات ولو لم يتب من الذنوب .
فإن الحد مطهر للذنب وهذا قول جماعة من العلماء وقد روى عن جماعة من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين وهو مذهب الشافعي وأحمد وابن جرير الطبري .
وقال جماعة من العلماء . الحدود ليست كفارة ما لم تقترن بالتوبة والأول أصح .
وقد استثنى بعض العلماء حق المقتول فقال إنه لا يسقط باستيفاء الوارث لأن المقتول لم يصل إليه حقه .
وقال ابن القيم في الجواب الكافي . التحقيق في المسألة . أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق .
حق الله ، وحق للمظلوم المقتول وحق للولي . فإذا سلم القاتل نفسه طوعاً واختياراً إلى الولي ندماً على ما فعله وخوفاً من الله وتوبة نصوحاً يسقط حق الله بالتوبة وحق الولي بالإستيفاء أو الصلح أو العفو ، وبقي حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن ويصلح بينه وبينه فلا يبطل حق هذا ولا تبطل توبة هذا .
وقد يجاب عن هذا فيقال :
إن المقتول ظلماً تكفر عنه ذنوبه بالقتل فهذا حقه وإذا أقيم الحدّ على الجاني فهو كفارته ولا يلحقه المقتول بشيء وهذا ظاهر حديث عبادة فقد جاء في الحديث ( ولا تقتلوا أولادكم ) وفي آخره قال ( ومن أصاب من ذلك شيئاً أي القتل والسرقة والزنا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ) .(1/43)
والتفريق بين الأمرين أي بين من عوقب وبين من ستره الله صريح الدلالة على أن الحدود كفارات .
وإذا اقترن بذلك توبة وندم كان أفضل وأتقى لله باتفاق العلماء والله أعلم .
السؤال الرابع : ما صحة حديث . من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
الجواب : هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى والترمذي وغيرهم من طريق حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله .
وهذا إسناد لا يصح ولم يثبت لأبي تميمة سماع من أبي هريرة .
والخبر ضعفه البخاري والترمذي وغيرهما .
وقد ثبت بالكتاب والسنة تحريم وطء الحائض .
وثبت عن جماعة من الصحابة تحريم إتيان المرأة في دبرها .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه . وهل يفعل ذلك إلا كافر !! رواه الإمام أحمد بسند صحيح .
وسئل ابن عباس عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ؟ فقال : ذلك الكفر . رواه النسائي في الكبرى من طريق معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال سئل ابن عباس وهذا سند صحيح .
وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال . أوَيعمل هذا مسلم !!! رواه النسائي في السنن الكبرى .
وقد جاء في الباب أحاديث مرفوعة عن جمع من الصحابة .
وأهل العلم مختلفون في صحتها وقد جزم ابن حبان وجماعة بصحة كثير منها وعليه العمل عند أكثر أهل العلم .
وأما سؤال الكهان والعرافين فهو محرم بالإتفاق وهو مراتب منه ما هو كفر أكبر ومنه ما هو دون ذلك وقد جاء في صحيح مسلم من طريق يحي بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة .(1/44)
وروى الحاكم في مستدركه بسند صحيح من طريق عوف عن خلاس ومحمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
السؤال الخامس : ما تقولون في حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) .
الجواب : ذكرت غير مرة في الدروس والإجابات أن هذا الحديث ضعيف وأنه لا يصح في فضل سورة يس حديث وقد شاعت في بلادنا وأكثر البلاد الأخرى فضائل هذه السورة الكريمة حتى فاقت شهرتها شهرة الأحاديث الصحيحة المتفق على ثبوتها وتلقيها بالقبول .
وقد جاء حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) عن جماعة من الصحابة :
1 – أنس بن مالك رواه الترمذي واستغربه .
2_ وعبد الله بن عباس رواه ابن مردويه .
3- وأبيّ بن كعب رواه القضاعي في الشهاب وذكره ابن لجوزي في الموضوعات .
4- وأبو هريرة رضي الله عنه رواه البزار وغيره .
ولا يصح من هذه الأحاديث شيء وقد أبان عن نكارتها غير واحد من الحفاظ .
الجلسة الحادية عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 9 / 4 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : فضيلة الشيخ ما هو تعريف الإيمان عند أهل السنة ؟ وما هي نوا قضه ؟
الجواب : الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح يزيد وينقص وهذا الذي اتفق عليه الصحابة والتابعون وأهل السنة .
والمقصود من قول القلب هو اعتقاده ، وعمل القلب هو نيته وإخلاصه .
وقد حكى الإمام الشافعي إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر .(1/45)
وقال البغوي رحمه الله . اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان وقالوا : إن الإيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية على ما نطق به القرآن في الزيادة وجاء في الحديث بالنقصان في وصف النساء .
وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن تارك جنس العمل مطلقاً كافر والمراد بجنس العمل أعمال الجوارح فلا يجزئ التصديق بالقلب والنطق باللسان حتى يكون عمل الجوارح .
وقال الآجري رحمه الله في كتابه الشريعة . اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً ولا يجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمناً دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين .
وقال رحمه الله . فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمناً ولم تنفعه المعرفة والقول وكان تركه للعمل تكذيباً لإيمانه وكان العمل بما ذكرناه تصديقاً منه لإيمانه .. ) .
وقد حكى إسحاق بن راهويه . إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة قال تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وقال r بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ، رواه مسلم من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ومن طريق ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر .
وقال سفيان بن عينية : المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم ، وليسا سواء لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية .
وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر وبيان ذلك في أمر آدم و إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه .(1/46)
وقال إسحاق . غلت المرجئة حتى صار من قولهم إن قوماً يقولون : من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره يرجى أمره إلى الله بعد إذ هو مقر . فهؤلاء الذين لا شك فيهم أنهم مرجئة .
وذكر الخلال في السنة عن الإمام الحميدي عبد الله بن الزبير أنه قال . أخبرت أن قوماً يقولون . إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن مالم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر بالفروض واستقبال القبلة . فقلت هذا الكفر بالله الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين قال الله عز وجل { حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } . قال حنبل قال أبو عبد الله أحمد أو سمعته يقول من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به .
وهذا قول كل أهل السنة والجماعة فهم متفقون على ما جاء في الكتاب والسنة أن تارك أعمال الجوارح مطلقاً كافر بالله خارج عن الإسلام . قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في آخر رسالته كشف الشبهات : ولا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً .. ) .
وخالف في ذلك غلاة الجهمية والمرجئة فزعموا أنه لا يكفر تارك جنس العمل مطلقاً وقد تقدم بيان فساده ومخالفته للكتاب والسنة والإجماع .
وزعموا أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح لا يكفر حتى يجحد أو يستحل . و هذا باطل ليس عليه أثارة من علم .(1/47)
فمناط الكفر هو مجرد القول الذي تكلموا به وقال تعالى { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ } وقد دل الكتاب والسنة على فساد هذا القول فقال تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكمَ }.
وقد أجمع أهل العلم على أن سب الرسول r كفر دون اشتراط البغض أو الاستحلال .
وأجمع العلماء أن السجود للأصنام أو الطواف على القبور كفر دون ربط ذلك بالاستحلال .
وأجمع العلماء على أن تعمد إلقاء المصحف بالقاذورات كفر دون اشتراط الاستحلال .
وهذا كله ينقض أصول الجهمية والمرجئة ويبطل قولهم في مسألة الإيمان .
وقد جاء في سؤال الأخ طلب بيان نواقض أصل الإيمان وهي كثيرة وقد تقدمت الإشارة إلى شيء منها :-
كترك جنس العمل مطلقاً
وترك الصلاة بالكلية
و الطواف على القبور والسجود للأصنام
و إلقاء المصحف في القاذورات
و دعاء غير الله
و التقرب بالذبح لغير الله
و النذر للأولياء.
و سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم
و الاستهزاء بالدين .
و تبديل شرع الله ووضع القوانين الوضعية وإقامتها مقام حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } .
فمناط الكفر في هذه الآية هو ترك حكم الله والإعراض عنه وسبب نزول الآية يقضي بكفر من ترك حكم الله واعتاض عنه بغيره من أحكام البشر .(1/48)
والكفر إذا عرف باللام فيراد به الكفر الأكبر .وما روي عن ابن عباس من كونه كفراً دون كفر فلا يثبت عنه وقد بينت نكارته في غير موضع وأبنت أن المحفوظ عنه إطلاق الكفر على من حكم بغير ما أنزل الله ، وقد سئل ابن مسعود عن الرشوة فقال من السحت فقيل له أفي الحكم قال ذاك الكفر ثم تلا هذه الآية { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } وهذا أثر صحيح رواه ابن جرير في تفسيره ورواه أبو يعلى في مسنده و البيهقي و وكيع في أخبار القضاة .
فمن حكم بهذه القوانين الوضعية والتشريعات الجاهلية أو قننها أو شارك في تشريعها أو فرضها على العباد وألزم بالتحاكم إليها وأعرض عن شرع الله والتحاكم إليه أو استخف بمن ينادي بتحكيم الكتاب والسنة فإنه كافر بالله العظيم وأي كفر أكبر من الإعراض عن شرع الله والصد عنه ومحاكمة من دعا إليه ولمزه بالرجعية والتخلف عن الحضارة والمناداة عليه بالجهل وسوء الفهم .
ومن عظيم نفاق هؤلاء المشرّعين أنهم إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أعرضوا عن ذلك وصدّوا واستكبروا استكباراً وقد صرح أحدهم بأن حكم الله غير مناسب لمثل عصرنا فنحن في عصر التطور والحضارة ومجاراة الدول الأوربية بينما تحكيمُ الشريعة يعود بنا إلى الوراء والتخلف ، وهذا لسان حال الجميع من محكمي القوانين وإن لم يتكلم به أكثرهم والأفعال شاهدة على القلوب والأقوال ولا أدل من ذلك محاربتهم للناصحين وإقصاؤهم شرع رب العالمين .
وإعطاؤهم المخلوق حق التشريع بحيث تعرض الأحكام الشرعية القطعية على البرلمان فما أجازه فهو نظام الدولة وما حضره فهو ممنوع .
وهذا الصنيع إعتداء كبير على التشريع الإلهي وتطاول على الأحكام القطعية ولا ريب أن هذا منازعة لله في حكمه وحكمته وإلاهيته .
وتقييد الكفر بالجحود أو الاستحلال لا أصل له فإن الجحود أو الاستحلال كفر ولو لم يكن معه تحكيم القوانين .(1/49)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثالث من الفتاوى : متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان . من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين .
قال تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } وقال تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً } .
فإن قيل إن الحاكم بغير ما انزل الله لا يفضل القانون على حكم الله بل يعتقد أنه باطل ، فيقال :
هذا ليس بشيء ولا يغير من الحكم شيئاً فان عابد الوثن مشرك ومرتد عن الدين وإن زعم أنه يعتقد أن الشرك باطل ولكنه يفعله من أجل مصالح دنيوية قال تعالى { وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } .
والاعتذار عن هؤلاء المشرعين المعرضين عن الدين بأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
يقال عنه : بأنّ المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار يشهدون الشهادتين ويصلون ويصومون ويحجون وليس هذا بنافع لهم .(1/50)
والذين يطوفون حول القبور ولها يصلون وينذرون ويذبحون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقد قال تعالى { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }.
والذين قالوا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه ونزل القرآن ببيان كفرهم . كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويجاهدون .
والرافضة الإثنا عشرية الذين يسبون الصحابة ويزعمون ردة أبي بكر وعمر وعثمان ويقذفون عائشة بالإفك يتكلمون بالشهادتين .
والسحرة والكهان والمنجمون يلفظون بالشهادتين .
وبنوعبيد القداح كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويبنون المساجد وقد أجمعت الأمة على كفرهم وردتهم عن الإسلام .
وهذا أمر يعرفه صغار طلبة العلم ناهيك عن كبارهم وقد صنف أهل العلم كتباً كثيرة في الردة و نوا قض الإسلام يمكن مراجعتها في مضانها .
وأهل العلم والسنة يفرقون بين ذنب ينافي أصل الإيمان وبين ذنب ينافي كماله الواجب فلا يكفرون بكل ذنب .
وقد أجمعوا على أنه لا يكفر صاحب الكبيرة ما لم يستحلها فلا يكفر المسلم بفعل الزنا وشرب الخمر وأكل الربا لأنه هذه المحرمات لا تنافي أصل الإيمان .(1/51)
والحديث عن هذه المسألة يطول ذكره وقد تحدثت عن هذه القضية في غير موضع وبينت كفر تارك أعمال الجوارح مطلقاً وردة المبدّلين لشرع الله المعرضين عمّا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم . بيد أني أقول إن الحديث عن هذه المسألة وغيرها من النواقض هو حديث عن النوع دون العين بمعنى أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر وهذا ليس بلازم منه تكفير المعين ، لأنه لا يحكم على العين بالكفر حتى تقام عليه الحجة وتنتفي عنه الشبهة لاحتمال أن يكون جاهلاً جهلاً معتبراً أو متأولاً تأويلاً سائغاً أو مكرهاً . وحين تقوم عليه الحجة وتنتفي عنه موانع التكفير يصبح حينئذ مرتداً عن الدين ويجب على ولىّ أمر المسلمين تطبيق حكم الله فيه . ويمتنع على آحاد الناس إقامة الحدود والأحكام دون السلطان فان هذا يسبب فوضى في المجتمع ولا يحقق المصلحة المطلوبة .
وللحديث بقية لعلي أتحدث عنه في جلسة أخرى .
وأشير إلى أسباب الضلال في هذا الباب ومواطن الزلل في كلام كثير من المعاصرين .
فقد زلّ في هذه المسألة الكبيرة طائفتان :-
1. الخوارج حيث أخرجوا عصاه الموحدين من الإسلام وجعلوا ذنباً ما ليس بذنب ورتبوا على ذلك أحكام الكفر ولم يراعوا في ذلك الأحكام الشرعية ولا المطلق من المقيد ولا موانع التكفير .
2. وقابلهم في هذا الضلال أهل الإرجاء حيث زعموا أنه لا يكفر أحد بذنب مهما كان ذنبه حتى يستحل أو يجحد .
وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على فساد هذين المذهبين وعلى ضلال تلك الطائفتين .
وأختم بمسألة مهمة وأنبه على أنه ليس كل من شابه المرجئة بقول أصبح مرجئاً ولا كل من دان بقول من أراء الخوارج صار خارجياً فلا يحكم على الرجل بالإرجاء المطلق ولا أنه من الخوارج حتى تكون أصوله هي أصول المرجئة أو أصول الخوارج .
وقد يقال عن الرجل فيه شيء من الإرجاء في هذه المسألة وذاك فيه شيء من مذاهب الخوارج .(1/52)
وحذار حذار من الظلم والبغي حين الحديث عن الآخرين من العلماء والدعاة والمصلحين وغيرهم . فالعدل في القول والفعل من صفات المؤمنين وهو مما يحبه الله ويأمر به قال تعالى { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا } ، وقال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان } .
وقد اتفق الخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم إنسهم وجنهم على حب العدل .
واتفق الناس كلهم على بغض الظلم وذمه وبغض أهله وذمهم ومهما كانت منزلة عدوك من الانحراف والضلال فهذا لا يسّوغ لك ظلمه وبهته . فكن من خير الناس للناس ولا تتحدث عن الآخرين إلا بعلم وعدل واجعل قصدك نصرة الحق والنصيحة للآخرين . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت . متفق عليه من حديث أبي هريرة .
السؤال الثاني : فضيلة الشيخ من لم ير كفر تارك الصلاة هل يعتبر من أهل الإرجاء ؟
الجواب : نقل عبد الله بن شقيق العقيلي إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة رواه عنه الترمذي بسند صحيح ، وحكى إسحاق بن راهويه إجماع أهل العلم على ذلك وكونه إجماعاً للصحابة فهذا ظاهر فلا يعلم عن أحد من الصحابة خلاف في هذا .
وأما كونه إجماعاً لأهل العلم ففيه نظر فقد ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أن تارك الصلاة بالكلية لا يكفر مالم يجحد وجوبها . وهؤلاء أئمة هدى ومصابيح دجى فمن رماهم جميعاً بالإرجاء فقد أساء وظلم . فان هؤلاء الأئمة يمتنعون من تكفير تارك الصلاة بسبب ما توفر لهم من الأدلة وما استبان لهم من النصوص ولعله لم يبلغهم إجماع الصحابة أو لم يثبت عندهم وإلا لما تجاوزوه إلى اجتهادهم ورأيهم .
ومأخذ هؤلاء الأئمة من منع تكفير تارك الصلاة ليس هو مأخذ المرجئة من كون الصلاة عملاً وشتان ما بين المذهبين .
فمن ظهرت له الأدلة بعدم كفر تارك الصلاة فهو مجتهد يجب حفظ مكانته وصيانة عرضه من الوقيعة .(1/53)
ومن قال أنا لا أكفر تارك الصلاة لأن الصلاة عمل ولا يكفر أحد بترك العمل مهما كان أمره فهذا مخطئ ضال وهو مذهب غلاة المرجئة .
السؤال الثالث : فضيلة الشيخ . روي عن عمر أنه قال : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . ماهي درجته ؟ ومن رواه ؟
الجواب : هذا الأثر صحيح رواه عبد الرزاق عن الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة قال دخلت أنا وابن عباس على عمر حين طعن فقلنا الصلاة فقال : إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة فصلى وجرحه يثعب دماً .
ورواه من طريق معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال سمعت عمر يقول . لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة .
ورواه المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة من طريق عبد الرزاق .
ورواه مالك في الموطأ من طريق هشام عن أبيه عن المسور بن مخرمة بدون ذكر سليمان بن يسار وقد رجح الدار قطني في العلل رواية الجماعة عن هشام وحكم على رواية مالك عن هشام بالوهم .
الجلسة الثانية عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 18 / 4 / 1422 هـ .
السؤال الأول : هل يستحب مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء ؟
الجواب :
ليس هذا بمستحب ولا جائز وقد ورد فيه حديث ابن عباس رواه أبو داود وضعفه .
وحديث عمر بن الخطاب رواه الترمذي في جامعه وقال غريب يعني بذلك أنه ضعيف .
فقد تفرد به حماد بن عيسى الجهني وهو ضعيف الحديث وفي الباب غير ذلك ولا يصح منها شيء .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى مسح الوّجه باليدين بعد رفعهما للدعاء وهذا مروي عن الحسن البصري وإسحاق وقول للإمام أحمد . وعنه لا يشرع وهو الصحيح فلم يثبت في ذلك حديث يصلح حجة في هذا الباب .(1/54)
وقد ذكر الإمام المروزي رحمه الله في كتاب الوتر عن الإمام مالك أنه أنكر المسح وقال ما علمت .
وهذا قول عبد الله بن المبارك والبيهقي والعز بن عبد السلام فقد قال ( لا يمسح وجهه إلا جاهل ) .
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
السؤال الثاني : ما هو القول الصحيح في وقوع الطلاق بالثلاث ؟
الجواب : الطلاق على نوعين حلال وحرام :
فالحلال : أن يطلق امرأته في طهر لم يمسها فيه أو يطلقها حاملاً قد تبين حملها .
الطلاق البدعي الحرام : أن يطلقها في حيض أو يطلقها في طُهر جامع فيه أو يطلقها بالثلاث مجموعة بكلمة واحدة .
وهذا الحكم بالنسبة للمدخول بها . وغيرُ المدخول بها يجوز طلاقها حائضاً وطاهراً غير أنه لا يجوز تطليقها بالثلاث مجموعة في أصح قولي العلماء .
وقد اختلف أهل العلم في وقوع الطلاق بالثلاث مجموعة .
فذهب الأئمة الأربعة وأكثر أهل العلم إلى أن الطلاق نافذ فلا تحل له الزوجة حتى تنكح زوجاً غيره .
وحكاه بعض أهل العلم إجماعاً . وهذا غلط من قائله فالخلاف ثابت بين المتقدمين والمتأخرين .
وقد ذهب الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله إلى أن هذا الطلاق لا يقع مطلقاً لا واحدة ولا غيرها وهذا القول ضعيف وليس عليه دليل ولا نظر صحيح .
القول الثالث في المسألة أن طلاق الثلاث يقع به واحدة رجعية وهذا مذهب ابن عباس وطاووس وعكرمة ومحمد بن إسحاق واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم وهو المختار فقد روى مسلم في صحيحه من طريق عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة .... ) .(1/55)
ورواه من طريق ابن جُريج قال أخبرني عبد الله بن طاووس عن أبيه أنّ أبا الصهباء قال لابن عباس : أتَعلَمُ أنها كانت الثلاث تُجعَلُ واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر ؟ فقال ابن عباس : نعم .
ورواه من طريق إبراهيم بن ميسرة عن طاووس أن أبا الصهباء قال لابن عباس .. الحديث وإسناده إلى ابن عباس صحيح وهو أقوى دليل في هذا الباب .
ومحاولة تضعيفه بتفرد طاووس فيه نظر . فطاووس ثقة ثبت وتفردُ مثله إذا لم يخالف لا يضر وأهل العلم بالحديث لا يقبلون كل تفرد ولا يردونه فهم يعتبرون في ذلك القرائن ويحكمون على كل حديث بما يترجح لديهم .
وحديث ابن عباس صححه الإمام مسلم وأورده في صحيحه وطعن فيه الإمام أحمد رحمه الله والصحيح في ذلك قول الإمام مسلم ومن تابعه والله أعلم .
وقد جاء في مسند الإمام أحمد من طريق محمد بن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال ( طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني عبد المطلب امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً قال فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها قال طلقتها ثلاثاً قال فقال في مجلس واحد قال نعم قال فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت قال فراجعها فكان ابن عباس : يرى إنما الطلاق عند كل طهر )) .
وهذا الإسناد معلول . داود بن الحصين عن عكرمة فيه نظر قال الإمام علي بن المديني : ما روى عن عكرمة فمنكر الحديث .
وقال أبو داود . أحاديثه عن عكرمة مناكير .
وقد قوى هذا الإسناد جماعة من أهل العلم ونقلوا توثيق داود عن جماعة من الأئمة ترى هذا مذكوراً في زاد المعاد المجلد الخامس والله أعلم .
السؤال الثالث : فضيلة الشيخ . هل يفرق في الطلاق الثلاث بين قول الرجل أنت طالق البتة وبين قوله أنت طالق بالثلاث ؟(1/56)
الجواب : الصحيح في ذلك أن طلاق الثلاث لا يقع منه إلا واحدة سواء كان بلفظ أنت طالق طالق طالق أو بلفظ أنت طالق وطالق وطالق أو بلفظ أنت طالق بالثلاث أو أنت طالق البتّة .
فكل هذه الصيغ لا تغيّر من الحكم شيئاً فإن جَمْعَ الثلاث محرم ولا يصح منه إلا واحدة وهذا الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم والأمر النافذ في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق طلقتين أو ثلاثاً لم يكن قد طلقها إلا مرة واحدة .
ومثله لو قيل للرجل سبح ثلاث مرات فقال سبحان الله ثلاثاً لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة .
والطلاق الشرعي أن يطلق الرجل امرأته في العدة التي أمر الله بها طلقة واحدة فلا يخرج عن ذلك إلا جاهل والجاهل يرد إلى السنة ولا تمضى عليه البدعة .
السؤال الرابع : فضيلة الشيخ ما تقولون فيمن يلزم الناس بطلاق الثلاث ويكره المفتين والمجتهدين على هذا القول ؟
الجواب : أهل العلم مختلفون في وقوع طلاق الثلاث وتبلغ الأقوال فيها إلى أربعة وقد ذهب إلى كل قول إمام من الأئمة واحتج كل فريق بأدلة من النقل والعقل .
فحمل الناس على أحد هذه المذاهب وإلزام المفتين بذلك حجر على العقول وتضييق على المسلمين وتجهيل لعلومهم وهذا لا يقول به عالم .
فإن العلماء الراسخين لا يلزمون الناس بما يقولونه من مسائل الاجتهاد ولا يكرهون أحداً على ذلك ولا ترى هذا المسلك إلا فيمن قل علمه وكثر جهله فإنه هو الذي يحمل الناس على رأيه ويوجب العقوبة على مخالفه .
وأما العلماء الراسخون والفقهاء المجتهدون الذين اتسعت معارفهم وتنوعت علومهم فهم أبعد الناس عن ذلك .
قال الإمام أحمد رحمه الله . ما ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدّد عليهم .(1/57)
ومثل هذا منقول عن الإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الرد على الطوائف الملحدة . أن أئمة أهل السنة والجماعة لا يلزمون الناس بما يقولونه من موارد الاجتهاد ولا يكرهون أحداً عليه )) .
وأرى أنه من الضروري على القضاة والمفتين اتباع الكتاب والسنة ومعرفة الحق بدليله والتعرف على أحكام الشريعة وأسرارها وما تضمنته من المصالح الدينية والدنيوية وتوسيع المدارك بجرد المطولات من الكتب الحديثية والفقهية ولا سيما كتب الأئمة المجتهدين أمثال ابن تيمية وابن القيم والشوكاني فهذا يبعث على معرفة الحق واتباع ذلك .
واعتقاد بعضهم براءَة ذمته بمجرد التقليد للمذهب المنتسب إليه وأن الأمر خرج عن عهدته هذا غير صحيح فهو مأمور بالبحث عن الدليل ما دام له قدرة على ذلك لأن المستفتي إنما يسأل عن حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن قول المذهب .
ولا وجه لكون القضاة والمفتين يتهيبون العامة وأقاويل الأكثرية فالهيبة المحمودة هيبة مخالفة الدليل والفتوى بالتقليد .
وإذا جبن القاضي أو المفتي عن الصدع بذلك فلا أقل من كونه يسكت عن الباطل ولا يفتي بدون علم فإن المتكلم بالباطل شيطان ناطق والساكت عن الحق شيطان أخرس .
السؤال الخامس : ما هي عدة المطلقة ثلاثاً ؟
الجواب : الذي عليه أكثر أهل العلم والأئمة الأربعة وغيرهم أن عدتها ثلاثة قروء كالمطلقة الرجعية .
والقروء الحيض في أصح قولي العلماء وحينئذٍ إذا انقضت الحيضة الثالثة فقد خرجت من العدة .
وقيل عدة المطلقة ثلاثاً حيضة واحدة إذ لا رجعة للزوج والعدة إنما وجبت ليتمكن الزوج من المراجعة فإذا لم تكن له رجعة لم يكن عليها عدة بل استبراء بحيضة واحدة كالمختلعة والمسبية والزانية إذا أرادت أن تنكح والمهاجرة .(1/58)
وهذا القول منسوب لأبي الحسين بن اللبان وعلق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول به على أن لا يكون الإجماع على خلافه وقال . ليس في ظاهر القرآن إلا ما يوافق هذا القول لا يخالفه .
وذكر نحو هذا القول الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين .
وقد زعم بعض المتأخرين شذوذ هذا القول وأن القرآن على خلافه وهذه دعوى ليس عليها بينة فليس في القرآن ما يخالف هذا .
وقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } . ظاهر الآية في الرجعية وليست في البائنة بدليل قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ... }. والمطلقة ثلاثاً لا رجعة لها فكان معلوماً أن الآية في الرجعية . والله أعلم .
الجلسة الثالثة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 30 / 4 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : فضيلة الشيخ . ما صحة حديث الدعاء مخ العبادة ؟
الجواب : هذا الحديث رواه أبو عيسى الترمذي من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن أبان بن صالح عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء مخ العبادة .
قال الترمذي . هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة .
وابن لهيعة ضعيف الحديث مطلقاً قاله البخاري ويحى بن معين وأبو حاتم وغيرهم وهذا المشهور عن أئمة السلف وأكابر المحدثين فلا يفرقون بين رواية العبادلةعن ابن لهيعة وبين رواية غيرهم وإن كانت رواية العبادلة عنه أعدل وأقوى من غيرها غير أن هذا لا يعني تصحيح مروياتهم فابن لهيعة سيء الحفظ في رواية العبادلة عنه وفي رواية غيرهم والكل ضعيف وأقوى هذا الضعيف ما رواه القدامى عنه والله أعلم .(1/59)
وقال الترمذي رحمه الله في أوائل جامعه في الحديث عن استقبال القبلة بغائط وبول . وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره .
وقد صح الخبر بلفظ . الدعاء هو العبادة رواه أحمد في مسنده و أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم من طريق ذرّ عن يُسيع الكندي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } قال ( الدعاء هو العبادة ) وقرأ { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } إلى قوله { داخرين } .
قال ابو عيسى الترمذي هذا حديث حسن صحيح .
السؤال الثاني : هل في القيء وضوء ؟
الجواب : في ذلك خلاف بين أهل العلم .
فقال الإمام مالك رحمه الله لا وضوء عليه ولكن ليتمضمض وليغسل فاه وهذا مذهب الإمام الشافعي ورواية عن الإمام أحمد .
وقال أبو حنيفة بوجوب الوضوء وهذا قول الإمام أحمد في رواية لحديث ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ . رواه أحمد والترمذي عن أبي الدرداء .
وروى ابن ماجة من طريق إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلنيصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم .
وهذا حديث ضعيف جداً . وإسماعيل بن عياش ليس بشيء عن غير أهل بلده .
والصحيح في المسألة أنه لا يجب الوضوء من القيء .
وحديث ثوبان مختلف في صحته وإن صح فمحمول على الاستحباب لأنه الأصل في الفعل المجرد وقد قال الإمام ابن عبد البر في الاستذكار على حديث أبي الدرداء . وهذا حديث لا يثبت عند أهل العلم بالحديث ولا في معناه ما يوجب حكماً .. والنظر يوجب أن الوضوء المجتمع عليه لا ينتقض إلا بسنة ثابتة لا مدفع فيها أو إجماع ممن الحجة بهم ولم يأمر الله تعالى بإيجاب الوضوء من القيء ولا ثبت سنة عن رسول الله ولا اتفق الجميع عليه .(1/60)
السؤال الثالث : فضيلة الشيخ . رجل فاته الركوع الثاني من صلاة الجمعة كيف يقضي الصلاة ؟
الجواب : يصليها ظهراً أربع ركعات في أصح قولي العلماء قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( إذا أدركت ركعة من الجمعة فأضف إليها أُخرى فإذا فاتك الركوع فصل أربعاً ) . رواه ابن أبي شيبة والبيهقي في السنن من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله وسنده صحيح .
وهذا قول عبد الله بن عمر رواه البيهقي .
وعبدالله بن الزبير رواه ابن أبي شيبة ، ولا يعلم لهم من الصحابة مخالف وقال الترمذي رحمه الله في جامعه ( والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قالوا : من أدرك ركعة من الجمعة صلى إليها أُخرى ومن أدركهم جلوساً صلى أربعاً وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق .
وقال أبو حنيفة وداود وابن حزم إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين لقول صلى الله عليه وسلم . إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة .
قالوا وظاهر هذا الحديث أن من أدرك جزءاً من الصلاة قبل سلام الإمام فهو مأمور بالدخول فيها مع الإمام وبعد ذلك يقضي ما فاته وذلك ركعتان لا أربع .
وفيه نظر والثابت في الأحاديث الصحاح أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة جاء هذا في الصحيحين وغيرهما ومفهومه أن من لم يدرك ركعة ففد فاتته الصلاة فيصلي الجمعة ظهراً وذلك أربع ركعات لا ركعتان لقول عامة الصحابة .
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن من لم يدرك من صلاة الجمعة جزءاً قبل السلام فقد لزمه أربع ركعات وإدراك ما دون ركعة حكمه حكم من لم يدرك شيئاً والله أعلم .
السؤال الرابع : ما حكم اللعب بالشطرنج ؟
الجواب : اللعب بالشطرنج على حالتين(1/61)
الأولى : أن يكون اللعب عن عوض فهذا محرم ولا يجوز بالإتفاق وهو من الميسر المذموم والقمار المتفق على تحريمه سواء كان العوض من أحدهما أو من كليهما أو من طرف ثالث .
الثانية : أن يكون اللعب بغير عوض فهذا فيه خلاف قيل مكروه وليس بمحرم .
وقيل مباح لأن الله تعالى إنما حرم الميسر لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل فإذا خلا اللعب بالشطرنج عن الرهن والعوض لم يكن حراماً .
وقيل اللعب بالشطرنج حرام مطلقاً وهو بالعوض أشد تحريماً وأعظم ذنباً .
وهذا مذهب أكثر أهل العلم ونصره ابن القيم رحمه الله في كتابه الفروسية .
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من طريق سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه ) والنردشير هو مايسمى في هذا العصر بلعبة الطاولة وهي صندوق وحجارة لها أوجه ستة ولكل وجه من الأوجه الستة نقاط مرتبة من الواحد إلى الستة .
والنردشير غير الشطرنج فإن الشطرنج أعظم مفسدة من النردشير واكثر ضرراً .
وحين زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن النردشير ولو بدون عوض اقتضى النظر والقياس الصحيح إلحاق الشطرنج به والتفريق بينهما في الحكم تفريق بين المتماثلين بدون حق .
والقول بأن التحريم مقصور على وجود العوض فإذا خلا اللعب عن العوض أبيح فهذا غير صحيح فإن التحريم واقع بوجود العوض وواقع بدونه بسبب ما يحصل باللعب من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتضييع الأوقات وإيقاع العداوة والبغضاء بين اللاعبين وغير ذلك من المفاسد المعلومة .
السؤال الخامس : فضيلة الشيخ . ما تقولون في حديث ( لا يقطع الصلاة شيء وادرأوا ما استطعتم ... ) .
الجواب : هذا الحديث لا يصح وليس بشيء فقد تفرد به مجالد بن سعيد عن أبي الودّاك عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود في سننه ومجالد بن سعيد تكلم فيه الأئمة .(1/62)
قال الإمام أحمد : ليس بشيء .
وقال ابن معين : ضعيف واهي الحديث .
وقال ابن حبان : كان رديء الحفظ يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به .
وقال الدارقطني : ليس بقوي .
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله فيما يقطع الصلاة فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يقطع الصلاة شيء .
بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها حين ذُكر عندها ما يقطع الصلاة ، الكلب والحمار والمرأة فقالت : شبهتمونا بالحمر والكلاب !! والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم فأنسل من عند رجليه .
وفي البخاري ومسلم من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس قال أقبلت راكباً على حمار أتان وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي بمنى إلى غير جدار فمررتُ بين يدي بعض الصف وأرسلتُ الأتان ترتع فدخلتُ في الصف فلم يُنكر ذلك عليّ ) .
وروى مالك بلاغاً عن علي بن أبي طالب قال : لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي . ورواه عبد الرزاق من طريق أبي إسحاق عن الحارث عن علي والحارث ضعيف .
وروى بسند صحيح عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه . والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين قالوا : لايقطع الصلاة شيء وبه يقول سفيان والشافعي .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقطع الصلاة الحمارُ والمرأة والكلب الأسود .(1/63)
لقوله صلى الله عليه وسلم . إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود . رواه مسلم في صحيحه من طريق حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر .
وفي صحيح مسلم من طريق عبيد الله بن الأصم عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقطعُ الصلاة المرأة والحمار والكلب .. ) وهذا قول ابن عباس وأنس بن مالك وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله في رواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وعنه قال ، الذي لا أشك فيه أن الكلب الأسود يقطع الصلاة وفي نفسي من الحمار والمرأة شيء .
وقال إسحاق ، لا يقطعها شيء إلا الكلب الأسود .
والمتوجه في هذه المسألة هو قطع الصلاة بمرور المرأة والحمار والكلب الأسود .
ويجاب عن حديث عائشة المتفق عليه بأنه يفرق بين المار واللابث وقد كانت عائشة قارة ولم تكن مارة وقد أشار إلى هذا الإمام ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه .
ويجاب عن حديث ابن عباس بأن الإمام سترة لمن خلفه والقول بأن المقصود بالقطع في حديثي أبي ذر وأبي هريرة هو الخشوع لا حقيقة الصلاة فيه نظر .
وهو من صرف الألفاظ عن حقائقها بدون حجة وقد جاء حديث أبي ذر بلفظ . تعاد الصلاة من ممر الحمار والمرأة والكلب الأسود . رواه ابن خزيمة في صحيحه وهذا صريح في بيان معنى القطع بيد أن في صحته نظراً والمحفوظ بغير هذا اللفظ والعلم عند الله .
الجلسة الرابعة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 10 / 5 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول : ما حكم المني إذا انتقل ولم يخرج ؟(1/64)
الجواب : ذهب الإمام أحمد رحمه الله في إحدى الروايتين إلى إيجاب الغسل على من انتقل منه المني ولم يخرج واختار ذلك القاضي وابن عقيل وجماعة من فقهاء الحنابلة .
…
ورتبوا على ذلك أن المرأة إذا أحست بانتقال الدم من محله فإنها تدع الصوم والصلاة ولو لم يخرج إلا بعد فترة . وفيه نظر . فالأدلة الصحيحة والنظر الصحيح على خلاف هذا وقد ذهب الإمام أحمد في رواية وأكثر أهل العلم من الفقهاء والمحدثين إلى أنه لا يجب الغسل على من انتقل منه المني حتى يخرج وذلك لما روى البخاري ومسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت . جاءَت أم سُليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق . هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نعم إذا رأت الماء ) .
فهذا الخبر صريح في أن الغسل لا يشرع ولا يجب بالانتقال لأن النبي صلى الله الله عليه وسلم لم يوجب ذلك إلا برؤية الماء وهكذا المرأة إذا أحست بانتقال الدم لا تدع الصوم ولا الصلاة حتى يخرج الدم فهو الذي تترتب عليه الأحكام والله أعلم
السؤال الثاني : ما حكم الجمع في الحضر بين الظهر والعصر ؟
الجواب : يشرع الجمع بين الظهرين والعشاءَين في البرد الشديد والرياح الشديدة والمطر ونحو ذلك وهذا من يسر الشريعة وسماحتها ونفي الحرج عن هذه الأمة .
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس .(1/65)
ويجوز الجمع في مصالح المسلمين العامة ولو لم يكن في ذلك برد ولا مطر ولا خوف فقد جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن شقيق قال . خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة . قال فجاءَه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال ابن عباس . أتعلمني بالسنة لا أم لك ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء . قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدّق مقالته .
فهذا ابن عباس رضي الله عنهما جمع بين الصلاتين ولم يكن في سفر وليس هناك خوف ولا مطر ولكنهُ في خطبة يحتاج إليها المسلمون فلعله رضي الله عنه يخشى إن قطع الخطبة أن يتفرق الناس وتفوت المصلحة .
وقد قال بعض العلماء يجوز الجمع بين العشاءَين في أوقات العذر ومنع ذلك بين الظهرين وفيه نظر والصحيح الترخيص في الأمرين والأدلة صحت فيهما جميعاً وصحت الأدلة أيضاً في التخلف عن الجماعة والصلاة في البيوت في البرد الشديد والمطر والريح الشديدة فقد جاء في الصحيحين من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال أَلا صلوا في الرحال ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول : ألا صلوا في الرحال .
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حيّ على الصلاة قل : صلوا في بيوتكم . فكأن الناس استنكروا قال : فعله من هو خير مني إن الجمعة عزمة ، وإني كرهتُ أن أُحرجكم فتمشون في الطين والدحض . رواه البخاري ومسلم .
السؤال الثالث : ما حكم النية للجمع بين الصلاتين ؟(1/66)
الجواب : ذهب الجمهور إلى أن الجمع بين الصلاتين لا يفتقر إلى نية وهذا الذي دلت عليه السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر ولم ينقل عنه أنه نوى الجمع أو أمر بذلك أو علم أحداً من أصحابه وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وذهب بعض فقهاء الشافعية والحنابلة إلى أن النية شرط لصحة الجمع لأن الجمع عمل فيحتاج إلى نية وقد قال صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) متفق عليه من حديث عمر .
والصحيح رأي الجمهور لأن النية لو كانت مشروعة ناهيك عن وجوبها لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .
السؤال الرابع : ما حكم بيع العربان ؟
الجواب : العربان هو أن يشتري السلعة بثمن معلوم ويدفع شيئاً من الثمن على أنه إن أمضى البيع حُسب من الثمن وإلا كان للبائع وليس للمشتري المطالبة به .
وقد اختلف الفقهاء في حكمه
فقال مالك والشافعي ببطلانه لما فيه من الشرط والغرر وأكل أموال الناس بالباطل .
وقد روى مالك في الموطأ عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العُربان .
وهذا الخبر لا يثبت لأن الواسطة بين مالك وعمرو بن شعيب غير معروفة وحينئذٍ لا يصح الاحتجاج به على تحريم بيع العربان .
وهذا البيع ليس فيه محذور واضح فالبائع وكذا المشتري كلاهما قد تحصّلا على نفع وقد ثبت عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إجازته فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف والإمام أحمد في مسائل ابنه عبد الله أن نافع بن عبد الحارث اشترى داراً للسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم فإن رضي عمر فالبيع له و إن لم يرض فأربعمائة لصفوان .
ورواه الإمام البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم .(1/67)
ورُوي جوازه عن ابن عمر ومحمد بن سيرين وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد ويقويه الحديث المشهور ( المسلمون على شروطهم ) رواه البخاري معلقاً في باب أجر السمسرة ووصله الترمذي من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وسنده ضعيف وله طريق أخرى عند أبي داود من حديث أبي هريرة والله أعلم .
السؤال الخامس : من هو المسترسل وهل يثبت له الخيار ؟
الجواب : المسترسل هو الذي لا يماكس ويجهل قيمة المبيع فإذا غبن هذا المشتري غبناً يخرج عن العادة فإنه يثبت له الخيار وهو مخير بين ثلاثة أمور
الأول : أن يمضي البيع ويفوض أمره إلى الله .
الثاني : أن يرد المبيع ويأخذ قيمته .
الثالث : أن يأخذ قدر ما غبن به .
و أما الغبن اليسير الذي لا يخرج عن العادة فإنه يتسامح فيه ويصح معه البيع ولا يفسخ والله أعلم .
الجلسة الخامسة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة وجهت للشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في إحدى جلساته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة عليها مسجلة بصوته وبعد ذلك فرغت من الأشرطة وعرضت على الشيخ بتاريخ 20 / 5 / 1422 هـ فأجاز نشرها .
السؤال الأول :ما حكم تولية المرأة للقضاء والوزارة وجعلها أحد أعضاء مجلس الشورى ؟
الجواب : نحن نعلم من قواعد الفقهاء والأصوليين أن كل أمر انعقد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو عصر الصحابة ولم يفعلوه مع إمكانية فعله فإنه بدعة ولا يجوز عمله ولا إقراره .
ولا أعلم أحداً من الصحابة ولا التابعين رخص للمرأة أن تكون ملكة أو أميرة على الرجال أو وزيرة أو قاضية أو عضواً في مجلس الشورى .
بل الأمر بعكس ذلك كانوا ينهون عن ذلك ولا يرون للمرأة شأناً في مثل هذه المسائل التي هي من خصائص الرجال .
وقد كان في عصر الصحابة مجلس شورى ولم يكن من بينهم امرأة على رجحان عقول كثير منهن ولا سيما أمهات المؤمنين .(1/68)
وفي صحيح البخاري من طريق عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال . لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدتُ أن الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة .
فهذا دليل على منع المرأة من تولي الولايات العامة والقول بأن الحديث خاص بالإمامة العظمى غير صحيح فقد ذكر الأصوليون بأن الحكم الواقع على العام واقع على كل فرد من أفراده .
وهذا الذي فهمه الصحابة حين منعوا المرأة من الولايات العامة .
والمتأمل في طبيعة المرأة ونقص غريزة عقلها والفروق الكثيرة بين الرجال والنساء وخصائص كل منهما عن الآخر لا ينازع في منع المرأة من الولايات العامة وهذا رأي أكثر أهل العلم وذكره جماعة من العلماء اتفاقاً .
ولأبي حنيفة وبعض فقهاء المالكية رأي في تولية المرأة للقضاء فيما تجوز فيه شهادتها .
وذهب ابن حزم إلى جواز ولايتها القضاء مطلقاً وفيه نظر ورأي الجمهور أقوى دليلاً وتعليلاً والله أعلم .
السؤال الثاني : ما الحكم في المساجد المبنية على القبور ؟
الجواب :بناء المساجد على القبور أو اتخاذ القبور على المساجد محرم بالكتاب والسنة واتفاق الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة .
وهذا العمل معدود عند طائفة من الفقهاء من كبائر الذنوب .
فالواجب حينئذٍ هدمُ المساجد المبنية على القبور ونبش الأموات إذا دفنوا في المساجد فلا يجتمع في دين المسلمين مسجد وقبر كما تفعله اليهود والنصارى وفي صحيح البخاري ومسلم من طريق الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عائشة وابن عباس قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ماصنعوا .(1/69)
وفي صحيح مسلم من طريق زيد بن أبي أُنسية عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث النجراني عن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .إلا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك . )) .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي الهيّاج الأسدي قال قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته .
والأدلة على تحريم بناء المساجد على القبور متواترة ولا ينازع في ذلك أحد من أهل العلم .
بيد أنك ترى بعض العامة والأغبياء في كثير من المجتمعات الإسلامية يتسابقون لفعل الصلاة في مسجد فيه قبر رجاء بركة الميت أو غير ذلك .
وهذه الصلاة في مثل هذه المساجد محرمة وفي إجزائها قولان للفقهاء .
الأول : أنها تصح مع الإثم وهذا قول الأكثر .
الثاني : أنها لا تجزي بل يجب إعادتها وهذا مذهب أحمد بن حنبل واختاره أبو محمد بن حزم رحمه الله .
السؤال الثالث :فضيلة الشيخ . إذا كان المسجد بُني على القبر ولم يمكن إزالة المسجد وأمكن إزالة القبر فما الحكم ؟
الجواب :
يجوز على الصحيح نبش القبر وإزالته وإن كان الأسبق إذا تعذر إزالة الطارئ . والضابط في ذلك مراعاة المصلحة وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : أنه إذا كان المسجد بُني بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر .
وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب إزالة المتأخر وهذا صحيح مع القدرة وانتفاء المفسدة والله أعلم .
السؤال الرابع : ما هو المعنى الصحيح للعلمانية ؟
الجواب : المعنى الصحيح للعلمانية هو اللادينية وذلك فصل الدين عن الحياة بحيث تقوم الحياة على غير دين الله وعلى غير شرعه .(1/70)
فيبقى الإسلام معزولاً عن الحياة العملية معزولاً عن سياسة الحكم فلا يتدخل في الشئون الاقتصادية ولا الشئون الإدارية ولا يعالج مشكلات الحياة .
هذا ما يقوله المتشائمون من هذا الدين الجاهلون بأحكامه وتشريعاته فهم يُقصون الدين عن الحياة ويجعلون الحكم للشعب لا لله.
والأمر المحزن هو أن ترى هذا الفكر الساذج قد حضي بهالة إعلامية في بلاد المسلمين ولقي رواجاً وتقبُّلاً من أكثر الحكومات العربية وهذا بلاء عظيم نسأل الله السلامة والعافية .
السؤال الخامس : ماهي عقيدة السلف في ترك جنس العمل ؟
الجواب :إن تارك جنس العمل أي أعمال الجوارح مطلقاً كافر باتفاق المسلمين ولا ينفعه حينئذٍ قوله ولا اعتقاده فإن ذلك لا يصح بدون عمل .
وترى هذا مبيناً بطولٍ في الشريعة للآجري والإبانة لابن بطة وكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية وأوائل المجلد الأول من فتح الباري للحافظ ابن رجب .
وليس هذا بلازم لتكفير أصحاب الكبائر كما يقوله أهل الإرجاء فإن السلف متفقون على أن من الأعمال أركاناً للإيمان يكفر تاركها ومنها واجبات لا يكفر تاركها .
وفي فتح الباري لابن رجب قال سفيان بن عيينة : المرجئة سمّوا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم ، وليسا سواء ، لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر .
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقرّوا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه .
ونقل حرب عن إسحاق قال . غلت المرجئة حتى صار من قولهم إن قوماً يقولون من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره ، يُرْجى أمرُه إلى الله بعد ، إذ هو مُقر . فهؤلاء الذين لا شك فيهم يعني أنهم مرجئة ... ) .
ومن دعاوى أهل الإرجاء أنه لا يكفر أحد بالفعل مالم يستحل أو يكذب أو يعاند الحق ويبغضه ويستكبر عنه .(1/71)
وهذا قول غلاة الجهمية وهو خلاف الكتاب والسنة والإجماع فإن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم كافرُ بالاتفاق دون اشتراط البغض أو الاستحلال .
وأجمع العلماء على كفر المستهزئ بالدين دون ربط ذلك بالاعتقاد بل يكفر بمجرد الاستهزاء الصريح ولو كان هازلاً أو مازحاً قال تعالى { قل أبا الله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } فمناط الكفر هو مجرد القول .
وكذلك أجمع العلماء على كفر الحاكم المبدل لشرع الله الذي يضع القوانين الوضعية ويجعلها قائمة مقام حكم الله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتاب البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان ، قال رحمه الله : من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين .
وقول ابن عباس في قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } كفر دون كفر . لايصح عنه رواه الحاكم في مستدركه من طريق هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس وهشام بن حجير ضعيف الحديث قاله الأئمة يحي بن معين وأحمد بن حنبل والعقيلي وغيرهم وقال الإمام سفيان بن عيينة . لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير مالا نجده عند غيره .
والمحفوظ عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال ( هي كفر ) رواه عبد الرزاق في تفسيره من طريق عبد الله عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وسنده صحيح .
وهذا المنقول عن أكابر الصحابة .ولا أعلم عن أحد منهم خلافاً في ذلك .
فأصحاب القوانين الوضعية والأنظمة الجاهلية والتشريعات المخالفة لحكم الله كفار :
1 _ بترك الحكم بما أنزل الله .
2- وكفار بتبديل شرع الله .(1/72)
3- وكفار في حكمهم بهذا التشريع الجاهلي ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثالث من الفتاوى : والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرّم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء .
والاعتذار عن هؤلاء المشرّعين بأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .... يقال عنه .
* بأن المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار يشهدون هذه الشهادة ويصومون ويصلون وليس هذا بنافع لهم .
* والذين قالوا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء . يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونزل القرآن بكفرهم ، كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويجاهدون .
* والذين يطوفون حول القبور ولها يصلون وينذرون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
* والرافضة الإثنا عشرية يتكلمون بالشهادتين .
* والسحرة والكهان والمنجمون يلفظون بهما .
* وبنو عبيد القداح كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويبنون المساجد . وقد أجمعت الأمة على كفرهم وردتهم عن الإسلام .
وهذا أمر يعرفه صغار طلبة العلم ناهيك عن كبارهم .
فالاعتذار عن تكفير المبدّلين لشرع الله من أجل التكلم بالشهادتين مجرد تلبيس وتعمية للحقائق ومساهمة في استمرار الشرك في الأرض ونفوذ سلطان البشر مكان شرع الله .
وقد اعتذر عنهم آخرون بأنهم لا يفضلون القانون على الشرع ويعتقدون أنه باطل !! وهذا ليس بشيء ولا أثر له على الحكم فعابد الوثن مشرك ومرتد عن الدين وإن قال أنا أعتقد أن الشرك باطل .
السؤال السادس : فضيلة الشيخ هل يعذرون بالجهل ؟(1/73)
الجواب : الذي منشأ ضلاله وكفره الإعراض عن العلم والعلماء والصدود عن الحق والتفريط الواضح في البحث عن سبيل الأنبياء والمرسلين فهذا غير معذور قال تعالى { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } وقال تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون } .
والذي منشأ ضلاله وتلبسه بالشرك أو الكفر الجهل المعتبّر مثل عدم بلوغ العلم أو التأويل الذي له وجه في العلم ونحو ذلك فإنه لا يُكفَّر حتى تقوم عليه الحجة .
وذلك أنَّ الجهل نوعان :
الأول مقبول : وهذا مانع من ثبوت الأحكام الشرعية فإن الحكم لا يترتب إلا على من توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع .
الثاني غير مقبول : وقد بينت ذلك في غير موضع وفصلت في المسألة وذكرت الأدلة على ذلك ومذاهب أهل العلم والله أعلم .
أجاب عن هذه الأسئلة
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
snallwan@hotmail.com(1/74)
المجموعة الثانية
من الفتاوى العلمية لفضيلة الشيخ
سليمان بن ناصر العلوان
الصادرة عبر البريد الإلكتروني :
snallwan@hotmail.com
وانظر صفحات الشيخ في المواقع التالية
السلفيون ... http://alsalafyoon.com/SuliemaAlwan/
التوحيد ... http://www.attawhid.com/alwan_fatawa.htm
رسالة الإسلام ... www.islammessage.com/Arabic/AlAlwanFatawaJ.html
القائمة للنشر ... http://www.geocities.com/aboa7med/alalwan/
لتكون مشتركاً بقائمة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان عليك بفعل الآتي :
1 - أرسل رسالة إلى العنوان التالي : fatawa-request@al-alwan.org
2 - ضع في مكان الموضوع الكلمة التالية : subscribe
عند ذلك ستصلك رسالة تخبرك بأنك قد اشتركت بالقائمة
وستصلك فتاوى الشيخ وكتبه ونشراته تباعا
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
ذكر بعض أهل العلم أن العمليات الفدائية القائمة في فلسطين والشيشان محرمة وسماها بالعمليات الانتحارية فما هو قولكم في ذلك ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
حين نرجع إلى كتب اللغة وعلماء الشريعة وننظر في تعريف المنتحر لغة وشرعاً لا نرى تشابهاً بين المنتحر الذي يقتل نفسه طلباً للمال أو جزعاً من الدنيا ، وبين الفدائي الذي بذل نفسه وتسبب في قتلها من أجل دينه وحماية عرضه .
والتسوية بين الانتحار المحرم شرعاً بالكتاب والسنة والإجماع وبين العمليات الاستشهادية تسوية جائرة وقسمة ضيزى . ومعاذ الله أن يستوي رجل قتل نفسه في سبيل الشيطان وآخر قدّم نفسه ودمه في طاعة الرحمن ، فو الله ما استويا ولن يتساويا ، فالمنتحر يقتل نفسه من أجل نفسه وهواه نتيجة للجزع وعدم الصبر وقلة الإيمان بالقضاء والقدر ونحو ذلك ، وذاك الفدائي يقتل نفسه أو يتسبب في قتلها بحثاً عن التمكين للدين وقمعاً للأعداء وإضعافاً لشوكتهم وزعزعة لسلطانهم وكسراً لباطلهم .(2/1)
وأيّ فرق في الشرع بين العمليات الاستشهادية وبين الاقتحام على العدو مع غلبة الظن بالموت وقد تواترت الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الاقتحام والانغماس في العدو وقتالهم وظاهر هذا ولو تحقق أنهم يقتلونه ويريقون دمه .
فإن قيل هذا المنغمس في العدو قُتل بيد العدو وذاك الفدائي بفعله فيقال ثبت في الشرع أن المتسبب في قتل النفس والمشارك في ذلك حكمه حكم المباشر لقتلها ، وهذا قول أكثر أهل العلم وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد فكلهم قالوا بوجوب القصاص على المتسبب بالقتل قصداً كأن يحفر بئراً ليقع فيها فلان ، فوقع فمات . وخالف في ذلك بعض أهل العلم فقال بتحريم التسبب بالقتل ووجوب الدية ولكنه لا يوجب قصاصاً .. وفيه نظر . فقول الجمهور أقوى دلالة وأظهر حجة وهو الذي أفتى به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأدلته كثيرة يمكن مراجعتها في كتب الفقهاء فليس هذا مجال الاستطراد في تقريرها فالقليل يرشد إلى الكثير والأصل دليل على الفرع .
وخلاصة الأمر أن من ألقى بنفسه في أرض العدو أو اقتحم في جيوش الكفرة المعتدين أو لغم نفسه بمتفجرات بقصد التنكيل بالعدو وزرع الرعب في قلوبهم ومحو الكفر ومحق أهله وطردهم من أراضي ومقدسات المسلمين فقد نال أجر الشهداء الصابرين والمجاهدين الصادقين . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( منْ خير مَعَاش الناس لهم رجل ممسكُُ عِنَان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانّه .. ) . رواه مسلم ( 1889 ) من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن بعجة بن عبد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه .(2/2)
فيا أهل الجهاد ويا أهل الاستشهاد ويا أهل الغيرة على حرمات المسلمين ومقدساتهم صبراً فهي موتة واحدة فلتكن في سبيل الله قال تعالى { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) } .
وروى الإمام مسلم في صحيحه ( 1915 ) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ... ) .
والمقصود أن العمليات الاستشهادية القائمة في فلسطين والشيشان وبلاد كثيرة من بلاد المسلمين هي نوع من الجهاد المشروع وضرب من أساليب القتال والنكاية بالعدوقال تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) } .
وقد أثبتت هذه العمليات فوائدها وآتت ثمارها وعمتّ مصلحتها وأصبحت ويلاً وثبوراً على اليهود المغتصبين وإخوانهم النصارى المفسدين ، وهي أكثر نكاية بالكفار من البنادق والرشاشات وقد زرعت الرعب في قلوب الذين كفروا حتى أصبح اليهود وأعداء الله يخافون من كل شيء وينتظرون الموت من كل مكان ، زيادة على هذا هي أقل الأساليب الشرعية خسائر وأكثر فعّالية .(2/3)
وقد ذكرت بعض الدراسات أن هذه العمليات كانت سبباً في رحيل بعض اليهود من أراضي المسلمين في فلسطين وأدت هذه العمليات إلى تقليل نسبة الهجرة إلى أرض فلسطين والإقامة فيها .
وهذا دليل على تحقق المصالح الكثيرة في هذه العمليات الشريفة .
وقد بحثت هذه المسألة في غير موضع وذكرت عشرات الأدلة على جواز مثل هذه العمليات ومشروعيتها فلا حرج في الإقدام عليها في سبيل قهر اليهود والنصارى ولا سيما الإسرائيليون المعتدون الذين يعتقدون أنهم لا يقهرون وأن دولتهم خلقت لتبقى .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
7 / 2 / 1422 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقوم بعض الاخوة الفلسطينيين بعمليات فدائية ضد اليهود ويكون في اليهود الكبير والصغير والجندي والمدني والرجال والنساء فهل في قتلهم بأس ؟
لأننا سمعنا عن بعض المفتين يقول بحرمة قتل نساء اليهود ومدنييهم بدعوى أنهم ليسوا من المقاتلين ، فما تقولون بارك الله فيكم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
العمليات الفدائية القائمة في فلسطين ضد اليهود المغتصبين وفي الشيشان ضد النصارى المعتدين عمليات استشهادية وأساليب قتالية شرعية .
وقد أذهلت الأعداء وأثبتت كبير فعّاليتها وأذاقت الغاصب مرارة جرمه وسوء فعلته حتى أصبح الكفار يخافون من كل شيء وينتظرون الموت من كل مكان .
وقد ذكرت بعض الصحف عن المجرم (( شارون )) أنه يطالب بإيقاف هذه العمليات . فقد أصبحت هذه العمليات ويلاً وثبوراً على الإسرائيليين الذين يغتصبون الديار وينتهكون الأعراض ويسفكون الدماء ويقتلون الأبرياء .
قال تعالى { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوالله وعدّوكم … } سورة الأنفال آية 60 .
والقوة تتمثل في كل شيء يغيظ الكفار ويزرع الرعب في قلوبهم .(2/4)
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه أبو داود ( 2504 ) من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن أنس وسنده صحيح .
والآن حان الوقت الذي تضاعف فيه الجهود للقيام بمثل هذه العمليات الإستشهادية .
فقد قل المعين وتخلت الحكومات عن المناصرة وصار الحديث عن الجهاد وقتال الكفار جريمة عالمية .
فلم يبق من سُبُل المقاومة إلا القيام بالعمليات الإستشهادية فهي أقل أنواع الجهاد خسائر وأكثرها نكاية بالعدو .
وهي سبب في رحيل جماعات من اليهود عن أراضي المسلمين في فلسطين ، وسبب في تقليل نسبة الهجرة إلى الأراضي المقدسة .
والمقتول في هذه العمليات مقتول من أجل الذب عن دينه وحماية نفسه وعرضه .
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) رواه البخاري ( 2480 ) ومسلم ( 141 ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
والمقتول في سبيل الله ونصرة الدين والمسلمين وقصد النكاية باليهود المغتصبين وزعزعة أمنهم وإضعاف شوكتهم وتبديد قوتهم أعظم شهادة وأكثر ثواباً وأجراً من المقتول دون ماله وقد جاء في صحيح مسلم ( 1915 ) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( من قتل في سبيل الله فهو شهيد . ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ...) .
وأرى من الضروري التأكيد على مهمات المسائل حين القيام بمثل هذه العمليات الجهادية .
الأولى : الإخلاص لله تعالى دون التفات القلب إلى المخلوقين ومدحهم .
الثانية : أن يكون القصد من هذه العمليات الجهادية هو إعلاء كلمة الله ونصرة دينه والنكاية بالعدو وزرع الرهبة في نفوسهم وتفريق شملهم وطردهم من الأرض المقدسة .(2/5)
... فقد جاء في البخاري ( 2810 ) ومسلم ( 1904 ) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا وائل قال حدثنا أبو موسى الأشعري أن رجلاً أعرابياً أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله الرجلُ يُقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليُذكر . والرجل يقاتل ليُرى مكانهُ . فمن في سبيل الله ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله .
الثالثة : مراعاة المصلحة في ذلك فروح المؤمن ثمينة فلا تبذل إلا لشيء ثمين .
الرابعة : الابتعاد عن قتل الصبيان الصغار الذين لا يقاتلون ولا يحملون سلاحاً .
الخامسة : لا مانع من قتل الصبيان تبعاً لا قصداً كأن يختلطوا بالمحاربين وكل من في فلسطين من اليهود محاربون مغتصبون فإذا لم يتمكن المجاهدون من قتل المحاربين إلا بقتل الصبيان فلا حرج حينئذٍ في قتلهم وقد جاء في صحيح البخاري ( 3013 ) ومسلم ( 1745 ) من حديث ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال . سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبّيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال ( هم منهم ) .
وهذا دليل على جواز قتل النساء والصبيان إذا اختلطوا بغيرهم فلم يتميز الرجل عن المرأة والكبير عن الصغير .
السادسة : الإسلام دين العدل وحفظ الحقوق والوفاء بالعقود وقد أعطى الإنسانية حقها وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان واتفق أهل العلم على منع القصد إلى قتل النساء مالم يقاتلن فإذا حاربن أو شاركن في القتال جاز قصدهنّ بالقتل .
وهذا شأن النساء الإسرائيليات فهن عسكريات متدربات على القتال ومستعدات حين الحاجة إليهن لقتال المسلمين ، وأعداد كبيرة منهن يحملن السلاح ويحرضن على القتال ومن أهل الممانعة والمقاتلة والجهاد في المال والمشورة ، والمشاركة في الاغتصاب وسلب حقوق المسلمين وهذه الأمور أو بعضها تبيح قصدهن بالقتل .(2/6)
قال الإمام البغوي رحمه الله في شرح السنة ( 11 / 47 ) والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يُقتل نساء أهل الحرب وصبيانهم إلا أن يقاتلوا فيدفعوا بالقتل ) .
وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسيره ( 2 / 348 ) وللمرأة آثار عظيمة في القتال ، منها الإمداد بالأموال ومنها التحريض على القتال ، وقد يخرجن ناشرات شعورهنّ نادبات مثيرات مُعَيّرات بالفرار وذلك يبيح قتلهن ... ) .
و قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم ( 12 / 48 ) أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا فإن قاتلوا قال جماهير العلماء يقتلون ... ) .
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغنى ( 13 / 141 ) ويجوز رميّ المرأة إذا كانت تلتقط لهم السهام أو تسقيهم الماء أو تحرضهم على القتال ، لأنها في حكم المقاتل وهكذا الحكم في الصبي والشيخ وسائر من مُنِعَ قتله منهم ) .
وقد جاء في سنن أبي داود ( 2669 ) من طريق عمر بن المرقع بن صيفي بن رباح حدثني أبي عن جده رباح بن ربيع قال . كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً فقال . انظر على ما اجتمع هؤلاء . فجاء فقال . امرأة قتيل فقال [ ما كانت هذه لتُقَاتِل ] .
وظاهر هذا الحديث أن سبب عصمة دم المرأة كونها لا تقاتل ومفهومه أنها إذا قاتلت جاز قتلها وهذا أمر لا ينبغي أن يُختَلفَ فيه .
وقد ثبت في واقعنا الحاضر أن المرأة الإسرائيلية مقاتلة وتتدرب على السلاح كالرجال .
فلا حرج حينئذٍ في قصدها بالقتل فقد جمعت عدة مناطات تبيح دمها .
الأول : الحرابة .
الثاني : المقاتلة والمشاركة في الاغتصاب والعدوان .
الثالث : الإفساد فهي إن لم تقاتل فقد أجهدت نفسها في تهييج شهوات الشباب وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في المغني ( 13 / 141 ) أن المرأة الكافرة إذا تكشفت للمسلمين جاز رميها قصداً .(2/7)
السابعة : لا حرج في تدمير مباني اليهود ومنشآتهم لتتهاوى على جماجمهم المجرمة فهم حربيون ومغتصبون .
فالحرابة : تبيح دماءَهم .
والاغتصاب : يجيز تحطيم مبانيهم ليكون هذا سبباً لرحيلهم فليس لعرق ظالم حق .
فقد اتفقت الملل كلها والشرائع على حفظ الضروريات الخمس وهي الدين والنفس والنسل والعقل والمال .
وجاء في مواثيق هيئة الأمم ضرورة حفظ الحقوق والأموال وتحريم الاغتصاب ومنع أعمال العدوان . وهذا كله غير محترم في استراتيجية إسرائيل ولم يحصل إدانتها في هذا النظام القائم على الهوى والطغيان فقد قامت دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين ولا يرون حرجاً من استئصال رجالات المسلمين وقتل أطفالهم وهتك حرماتهم .
ونحن لا نرى حرجاً بعد هذا العدوان الكبير من الفتوى بتأييد العمليات الفدائية وقتل الحربيين ذكوراً وإناثاً وتدمير ما يمكن تدميره من المباني والمصانع قال تعالى { واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ..} .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
24 / 2 / 1422 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى تعلمون ما يحصل للفلسطينيين في هذا الوقت من الإجرام اليهودي والسكوت العربي المخزي . فهل في العمليات الفدائية ضد اليهود مخالفة شرعية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
اليهود المرذولون مجمع النقائص والعيوب ومرتع الرذائل والشرور وهم أشد أعداء الله على الإسلام وأهله .
قال تعالى { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ....}.
وقد أوجب الله قتالهم وجهادهم لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى .(2/8)
وهذا حين يقبع أعداء الله في ديارهم ولا ينقضون العهد والميثاق ولا يسلبون أموال المسلمين و يغتصبون ديارهم قال تعالى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) } التوبة.
فأما حين يضع أعداء الله سيوفهم في نحور المسلمين ويرعبون الصغير والكبير ويغتصبون الديار وينتهكون الأعراض ففرض على أهل القدرة من المسلمين قتالهم وسفك دمائهم والجهاد الدائم حتى التحرير الشامل لفلسطين وعامة بلاد المسلمين .
ولا يجوز شرعاً التنازل لليهود عن أيّ جزء من أراضي المسلمين ولا الصلح معهم فهم أهل خديعة ومكر ونقض للعهود .
وأرى في وقت تخاذل المسلمين عن قتال اليهود والتنكيل بهم وإخراجهم عن الأرض المقدسة أن خير علاج وأفضل دواء نداوي به إخوان القردة والخنازير القيام بالعمليات الاستشهادية وتقديم النفس فداءً لدوافع إيمانية وغايات محمودة من زرع الرعب في قلوب الذين كفروا وإلحاق الأضرار بأبدانهم والخسائر في أموالهم .
وأدلة جواز هذه العمليات الاستشهادية كثيرة وقد ذكرت في غير هذا الموضع بضعة عشر دليلاً علىمشروعية الإقدام على هذه العمليات وذكرت ثمارها والإيجابيات في تطبيقها .
قال تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) } .(2/9)
وفي المنقول عن الصحابة وأئمة التابعين في معنى هذه الآية دليل قوي على أن من باع نفسه لله وانغمس في صفوف العدو مقبلاً غير مدبر ولو تيقن أنهم سيقتلونه أنه محسن في ذلك مدرك أجر ربه في الصابرين والشهداء المحتسبين وفي صحيح مسلم ( 3005 ) من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ( الملك والساحر والراهب والغلام ... الحديث وفيه فقال الغلام الموّحد للملك الكافر ( إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وماهو ؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد . وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صُدْغه فوضع يده في صُدْغه في موضع السهم فمات فقال الناس : آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام .
فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرُك . قد آمن الناس .
فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخُدّت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : يا أمه اصبري فإنك على الحق .
ففي هذا دليل على صحة هذه العمليات الاستشهادية اللتي يقوم بها المجاهدون في سبيل الله القائمون على حرب اليهود والنصارى والمفسدين في الأرض .
فإن الغلام قد دل الملك على كيفية قتله حين عجز الملك عن ذلك بعد المحاولات والاستعانة بالجنود والأعوان .
ففعلُ الغلام فيه تسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك والجامع بين عمل الغلام والعمليات الاستشهادية واضح فإن التسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك حكمه حكم المباشرة لقتلها .(2/10)
والغاية من الأمرين ظهور الحق ونصرته والنكاية باليهود والنصارى والمشركين وأعوانهم وإضعاف قوتهم وزرع الخوف في نفوسهم .
والمصلحة تقتضي تضحية المسلمين المجاهدين برجل منهم أو رجالات في سبيل النكاية في الكفار وإرهابهم وإضعاف قوتهم قال تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ..}.
وقد رخص أكثر أهل العلم أن ينغمس المسلم في صفوف الكفار ولو تيقن أنهم يقتلونه والأدلة على ذلك كثيرة .
وأجاز أكثر العلماء قتل أسارى المسلمين إذا تترس بهم العدو الكافر ولم يندفع شر الكفرة وضررهم إلا بقتل الأسارى المسلمين فيصبح القاتل مجاهداً مأجوراً والمقتول شهيداً . والله أعلم .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
10 / 7 / 1421 هـ
snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله :
أحدثت امرأة في أثناء الطواف فاستحيت أن تخبر رفقتها وأكملت طوافها وأخبرت أهلها فيما بعد فماذا عليها ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
طواف المرأة صحيح ولا شيء عليها والحدث الأصغر لا يمنع الطواف بالبيت ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى المحدث عن الطواف وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع .
والحديث المشهور ( الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه ) لا يثبت رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه عقب رواية الحديث ( 960 ) وقد رُوي هذا الحديث عن ابن طاووس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً وهذا المحفوظ فقد رواه عبد الرزاق في المصنف ( 9789 ) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس موقوفاً ورواه ( 9790 ) عن ابن جريج قال أخبرني إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس .(2/11)
ورفعه عطاء بن السائب عن طاووس تراه في جامع الترمذي والمنتقى لابن الجارود وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان وفي رفعه نظر والصحيح عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً وعبد الله بن طاوس في أبيه أصح من عطاء فتقدم روايته على رواية عطاء .
وقد قال شعبة بن الحجاج سألت حماداً ومنصوراً وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأساً . رواه ابن أبي شيبة في المصنف ( 3 / 295 ) واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الفتاوى ( 26 / 199 ) .
وقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ( توضأ للطواف ) فهذا دليل على سنية الوضوء ولا خلاف في ذلك .
والنزاع إنما هو في الوجوب ولم أجد دليلاً عليه إلا في الحدث الأكبر فقد جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
29 / 11 / 1421 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما حكم حك الرأس للمحرم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
لا بأس بذلك وإن تساقط شيء من الشعر وقد روى مالك في الموطأ ( 2 \ 290 – شرح الزرقاني ) بسند صحيح عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم أيحك جسده فقالت نعم فليحككه وليشدّد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجليَّ لحككت ) .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل وهو محرم والحديث في الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري . والاغتسال مظنة لتساقط الشعر ولم يأت بيان بالمنع منه .
بل قد جاء في الصحيحين من طريق عطاء عن طاووس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم .
وقد رخص طائفة من أهل العلم بالحجامة للمحرم وإن كان في ذلك قطع شيء من الشعر .(2/12)
وقال آخرون عليه الفدية طعام ستة مساكين أو ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام وهذه الفدية على التخيير . والصحيح أنه لا شيء عليه . لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في ذلك فدية وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وأما إذا حلق المحرم رأسه كله لعذر أو غيره فيجب عليه ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وهذا من الأمر المتفق عليه بين أهل العلم .
قال الله تعالى { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك }.
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لعلك أذاك هوامُّك ؟ قال نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة . رواه البخاري ( 4 \ 12 – الفتح ) ومسلم ( 8 \ 118 – شرح النووي ) والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
8 \ 11 \ 1421 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
قد عزمت على الحج ومعي صبي فهل يجب أن أطوف عن نفسي ثم أطوف عنه طوافاً آخر أو أكتفي بطواف واحد وسعي واحد ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
اتفق العلماء على صحة حج الصبي وقال أبو حنيفة ولا يتعلق به وجوب الكفارات واتفقوا على أنه لا يجزئه عن حجة الإسلام فعليه بعد بلوغه حجة أُخرى .
والحالات المتعلقة بحج الصبي ثلاث .
الأولى : أن يكون الصبي قادراً على المشي فيطوف حينئذٍ عن نفسه ويسعى عن نفسه .
الحالة الثانية : أن يكون غير قادر على المشي وله تمييز فينوى حينئذٍ كل من الحامل والمحمول عن نفسه ويجزيء عنهما طواف واحد وسعي واحد .
الحالة الثالثة : أن يكون الصبي صغيراً لا يميز فحينئذٍ يحمله وليه أو غيره وينوي عنه ويجزئ عنهما طواف واحد وسعي واحد وشأنهما قريب من شأن الراكب .
وقال بعض العلماء يطوف عن نفسه ثم يطوف طوافاً آخر عن الصبي .(2/13)
والصحيح الأول : فقد جاء في صحيح مسلم ( 1336 ) من طريق ابن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لقي ركباً بالروحاء فقال . من القوم ؟ قالوا المسلمون . فقالوا من أنت ؟ قال رسول الله . فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت : ألهذا حج ؟ قال ( نعم ولك أجر )) .
ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم طوفي طوافين عنه وعن نفسك وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وهذا مذهب أبي حنيفة واختاره ابن المنذر وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله في المحلى ( 5 / 320 ) ونستحب الحج بالصبي وإن كان صغيراً جداً أو كبيراً وله حج وأجر وهو تطوع وللذي يحج به أجر ويجتنب ما يجتنب المحرم ولا شيء عليه إن واقع من ذلك مالا يحل له ويطاف به ويرمى عنه الجمار إن لم يطق ذلك ويجزئ الطائف به طوافه ذلك عن نفسه .... ) .
لأنه لا فرق بين هذا وبين الراكب فيجزئ عن الحامل وعن المحمول والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
10 / 11 / 1421 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما حكم من عزم على الأضحية فأخذ من شعره وقلم أظفاره ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب : يُكره على مَنْ يُضحي أن يأخذ من شعره أو بشرته شيئاً لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً . رواه مسلم ( 1977 ) من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة .
وجاء بلفظ (( فلا يأخذنَّ شعراً ولا يَقْلمنَّ ظُفُراً ) .
ورواه من طريق مالك عن عمر بن مسلم عن سعيد عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) .
وبالكراهية قال أكثر أهل العلم وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية .
وقال أبو حنيفة لا شيء على من أخذ من شعره وأظفاره .(2/14)
وقال إسحاق وأحمد في رواية يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك والأصل في النهي أن يكون للتحريم .
وجاء الأمر بالامساك في قوله ( فليمسك عن شعره وأظفاره ) والأصل في الأمر أن يكون للايجاب مالم يصرفه صارف ولكن إذا أخذ من شعره قبل أن يضحي بدون عذر أجزأته أضحيته بالاتفاق .
وأما المُضحى عنه ومن يضحي عن غيره بوكالة أو وصية فلا يُكره في حقهما أخذ شيء من الشعر والأظافر ولا كراهية على المضحي في غسل الشعر وحكه وإزالة المؤذي من ظفر ونحوه والله أعلم .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
28 / 11 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
تعتقد بعض النساء أن للإحرام ثياباً خاصة فما صحة ذلك ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
المرأة تحرم بما شاءَت من الثياب الساترة وتجتنب لباس الشهرة والثياب الضيقة التي تصف تقاطيع الجسم وتجتنب الطيب والنقاب ولبس القفازين ولا حرج عليها في لبس الحلي وتغيير الثياب متى ما شاءَت .
والاعتقاد السائد في بعض البلاد أن المرأة تحرم من الثياب بلون كذا وكذا ليس له أصل في الشرع .
وقد قالت عائشة رضي الله عنها : المحرمة تلبس من الثياب ما شاءَت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران ... ) رواه البخاري في صحيحه معلقاً ووصله البيهقي في السنن ( 5 / 47 ) من طريق شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة ورواته ثقات .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
9 / 11 / 1421 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
يوجد رجل نفر من عرفات قبل غروب الشمس وعندما سأل أفتاه البعض بأن عليه دماً وقال له بعض أصحابه بأنه آثم ولا دم عليه فما تقولون في ذلك جزاكم الله خيراً .
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
اتفق أهل العلم على أن الوقوف بعرفات ركن من أركان الحج فلا يصح الحج بدون الوقوف ، وينتهي الوقوف بطلوع الفجر من يوم النحر .(2/15)
ومن وقف قبل طلوع الفجر ولو شيئاً يسيراً فقد صح وقوفه .
والسنة الثابتة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف بعرفة بعد زوال الشمس ومكث حتى غربت جاء هذا في صحيح مسلم ( 1218 ) من حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القُرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ...... ) .
وقد اختلف العلماء فيمن دفع من عرفات قبل الغروب . فقيل لا يصح حجه لأنه لم يقف شيئاً من الليل وهذا مذهب مالك وهو ضعيف ولا دليل عليه وعامة أهل العلم على خلافه فقد روى أحمد وأهل السنن بسند صحيح عن عروة بن مضرس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفثه ) .
فالحديث صريح في أن من وقف بعرفة من ليل أو نهار فقد تم حجه وظاهر الخبر أنه لا يجب الجمع بين الليل والنهار فإذا دفع من عرفات قبل غروب الشمس فحجه تام ولا شيء عليه وهذا الصحيح في مذهب الشافعية وقال به الإمام ابن حزم رحمه الله ( المحلى 5 / 115 ) .
وقال أبو حنيفة وأحمد حجه صحيح ويجب عليه الدم لأن الوقوف بعرفات إلى غروب الشمس واجب فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف إلى الغروب ووقف الصحابة من بعده إلى الغروب فظاهر هذا أن الأمر متقرر بينهم ولم يُذكر عن أحد منهم أنه دفع قبل الغروب أو أنه رخص في ذلك ولا سيما أنهم قادمون على ليلٍ مظلم زيادة على ذلك وعورة الطريق فهذه الدلالات وغيرها تؤكد أو الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس واجب فقد قال صلى الله عليه وسلم ( خذوا مناسككم ) رواه النسائي من حديث جابر وجاء في صحيح مسلم بلفظ ( لتأخذوا مناسككم ) .(2/16)
وفي رواية عن الإمام أحمد أنه لا دم عليه إن كان له عذر في الإفاضة قبل الغروب .
والصحيح في هذه المسألة أنه لا دم على من دفع قبل غروب الشمس وحجه صحيح وهذا الصحيح من مذهب الشافعية واختاره ابن حزم وقد تقدم ، فإن أموال المسلمين معصومة بعصمة دمائهم فلا يجب عليهم شيء بدون دليل تقوم به حجة وتبرأ به الذمة .
وقد تقدم حديث عروة بن مضرس وقوله صلى الله عليه سولم ( وقد وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفثه ) .
فظاهره أنه لو وقوف شيئاً يسيراً من ليل أو نهار فحجه صحيح ولم يذكر دماً ولا غيره وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع .
ويحمل فعله صلى الله عليه وسلم ووقوفه بعرفات حتى غروب الشمس على تأكيد السنية ولأنه إذا جاز الوقوف ليلاًً ولا دم عليه باتفاق العلماء فلأن يجوز الوقوف نهاراً دون الليل من باب أولى .
وإذا لم يجب الدم على من اقتصر في وقوفه على الليل لم يجب على من اقتصر على النهار دون الليل ؟
ولا فرق بين الأمرين فحديث عروة صريح في جواز الأمرين والتفريق بينهما تفريق بين المتماثلين فإن قيل الفرق بينهما بأن الوقوف بعرفات إلى الغروب فيه مخالفة للمشركين فيقال هذا لا يثبت من وجه صحيح .
وقد سبق بحث هذه المسألة في جواب أطول من هذا وذكرت وجوهاً كثيرة تؤيد هذا القول والله أسأل أن يفقهنا في الدين وأن يوفقنا للحق والصواب .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
4 / 12 / 1421 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
لي أخت قد أحرمت بالنقاب ولم تعلم بحرمة ذلك إلا بعد نهاية العمرة فماذا عليها ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
النقاب محرم على المرأة المحرمة فقد روى البخاري في صحيحه ( 1838 ) من طريق الليث بن سعد حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تتنقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين .(2/17)
وقالت عائشة رضي الله عنها . المحرم تلبس من الثياب ما شاءَت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران ولا تبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءَت . رواه البيهقي في السنن ( 5 / 47 ) وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم بصحته .
وقد ذهب إلى هذا القول أكثر أهل العلم فمنعوا المرأة المحرمة من النقاب وأجازه طائفة من العلماء وفيه نظر والصحيح منعه غير أن من لبسته جهلاًَ بالحكم أو نسياناً فلا فدية عليها في أصح قولي العلماء فقد رفع الله الحرج عن المخطىء والناسي قال تعالى ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) .
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله إعلام الموقعين ( 2 / 31 ) (( من تطيب أو لبس أو غطى رأسه أو حلق رأسه أو قلم ظفره ناسياً فلا فدية عليه ... ) والجاهل في حكم الناسي والمرأة والرجل في ذلك سواء غير أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم أحكام الحج والعمرة فإن ذلك من فروض الأعيان لمن شرع فيهما والله أعلم .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
8 / 11 / 1421هـ snallwan@hotmail.com
هذه فتوى فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في تأييد حكومة طالبان في تحطيم الأوثان وكسر الأصنام نقلتها من فتوى مسجلة بصوته بتاريخ 18 / 12 / 1421 هـ وعرضتها على الشيخ فيما بعد فصححها ووافق على نشرها فهذا نصها .
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :(2/18)
فقد وردت علي أسئلة كثيرة من جهات مختلفة يسألون عن مدى شرعية ما قامت به حكومة طالبان من تكسير الأوثان الموجودة في أفغانستان حيث حصلت لهم معارضات من الكفار وبعض المنسوبين للإسلام والمحسوبين على العلم وقد ذكر كثير من الإخوة في أسألتهم شبه المعارضين ونظرة بعض المفتين بمنع كسر الأوثان لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يحصل منهم تحطيم للأوثان حين وطئت أقدامهم هذه البلاد ؟
حقيقة ما كنت أظن أن الأمر يبلغ هذا المبلغ وما كنت أتصور أن جملة من أهل العلم يعارضون حكومة طالبان بمثل هذه الأعمال المجمع على شرعيتها .
وقد رأيت أن أبادر هؤلاء الإخوة المسترشدين بجواب مختصر وأنسئ الجواب المطول لوقت آخر فإن هذه المسألة متعلقة بتوحيد الإلهية .
وأعظمُ الأصول التي يقررها الله عز وجل في كتابه هو توحيد الإلهية وهذا الأصل هو الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب وهذا الأصل العظيم هو أعظم الأصول على الإطلاق وأكملها وأفضلها وهو الذي خلق الله الخليقة لأجله وشرع الشرائع لقيامه وبوجوده يكون الصلاح والإصلاح والإستقامة والطمأنينة ، وبفقده يكون الفساد والإفساد والإنحراف وتفلت الأمور قال الله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } أي يوحدون وقيل إلا لأمرهم وأنهاهم وأعظم أمر أمر الله به هو الأمر بالتوحيد وهو أول أمر جاء ذكره في القرآن . قال تعالى { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } وضده الشرك وهو أعظم شيء نهى الله عنه وجاء النهي عنه في أول نهي في القرآن قال تعالى { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) } والقرآن كله من فاتحته إلى خاتمته يقرر هذا الأصل فيبين التوحيد ويذكر محاسنه ويحذر عن الشرك ويبدي مضاره ومخالفته للفطر .(2/19)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل أصحابه للمدن والقرى يبينون هذا الأصل ويدعون إلى التوحيد ويحذرون عن الشرك ووسائله والأمور المؤدية إليه . فقد حمى النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد كل طريق يوصل إلى الشرك فنهى عن رفع القبور ونهى عن البناء عليها وعن الصلاة عندها .
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً لهدم معاقل الوثنية وهدم صروح الشرك وقال له : لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته . هذا الخبر صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه من طريق سفيان عن حبيب ابن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهياج الأسدي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وعلى الرغم من وضوح هذه الأصول في الأدلة الشرعية وعمل خير القرون إلا أن كثيراً من الناس في هذه الأزمان يعيش في ركام من الأوهام وشذوذ في الأفكار وشرود عن الحقيقة فحين قامت حكومة طالبان بتحطيم الأصنام وتسويتها بالتراب إعلاء لكلمة الحق وتصغيراً وتحقيراً لأمر الباطل قامت قوى الكفر وأئمة الظلال بالتنديد والإستنكار لمثل هذه الأعمال ولا عجب من هؤلاء فهم أهل الكفر بل العجب لولم يستنكروا ولكن الجرح الذي لا يندمل هو تنديد بعض المنسوبين العلم والتشكيك بمثل هذه الأعمال الإيمانية والبواعث الشرعية فهذه وصمة عار وانهزامية أمام القوى العالمية . وعذر بعضهم وما أقبح هذا العذر الجهل بحقيقة ما جاءَت به الرسل من شرعية تحطيم الأصنام وتسويتها بالتراب ونحن نعلم من شرعنا وجوب هدم مواطن الشرك بعد القدرة على ذلك .
وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز إبقاء مواطن الشرك والأصنام فهي أعظم المحرمات وأقبح المنكرات فلا يحل شرعاً إبقاؤها ولا يوماً واحدا حين القدرة على إبطالها وإزالتها .(2/20)
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير وشداد بن عبد الله عن أبي أمامة قال قال عمرو بن عبسة كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ظلالة ، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فقلت له ما أنت فقال أنا نبي فقلت وما نبي ؟ قال أرسلني الله فقلت بأي شيء أرسلك ؟ قال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ....... ] . فهذا الحديث صريح بوجوب تكسير الأصنام وتحطيمها فهذا مما أرسلت به الرسل سواء كانت معبودة كاللات والعزى أو لم تكن معبودة فالكل يجب إزالته والبراءَة منه ولا عذر لأحد قدر على ذلك فتخلف عن التكسير أو المناصرة ، فأي منكر أعظم من هذا وأي بلاء أكبر منه .
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاث مائة وستون نصبا وفي رواية صنما . فجعل يطعنها في عود كان في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدء الباطل وما يعيد .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الرسل والسرايا بتكسير الأصنام وهدمها والأدلة على ذلك متواترة وهذا يغني عن سياقها وتخريجها .
وليس أحد من أهل العلم ينازع في ذلك . فهذا عمل المسلمين في القرون الأولى وعمل المسلمين في القرن الرابع والخامس والسادس وقد امتد هذا الأمر إلى عصر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى حيث كان العلماء والقادة المصلحون يدكون هذه الأصنام ويهدمون القباب والمساجد المبنية على القبور ويقطعون الأشجار التي ينتابها الجهال للتبرك .(2/21)
ولا أعلم عن أحد من علماء التوحيد نازع في ذلك أو فرق في هدم الأصنام بين معبود وغيره فالتفريق بين الأمرين ليس له أصل في الشرع بل هو جهل بالأدلة الشرعية وجهل بواقع الأمر وحقيقة هذه الأصنام المعبودة مع الله ولا أدل من هذا مجادلة الكثيرين عن هذه الأصنام الموجودة في أفغانستان وحمايتها وبذل الأرواح في بقائها والتباكي لهدمها والاستعانة بجنود إبليس لحفظها وتخليدها .
ومزاعم المتباكين على هذه الأحجار بأنها غير معبودة هي مجرد توهَّمات وتخرّصات فالآلاف من الوثنيين يقصدونها للعبادة فلا مجال للمكابرة في الأمر الواقع . وقد أحسنت حكومة طالبان في هدم هذه الأوثان وتكسيرها فهذا العمل كبير وعظيم يشكرون عليه وهو من أسباب بقاء الملك وحفظ الديار قال الله تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) } .
ودعوى كثير من المتأخرين أن هذه الأصنام كانت موجودة في مصر وأفغانستان وقد دخلها الصحابة ولم ينكروها أو يحطومها كما فعلت حكومة طالبان فهذه دعوى ليس لها زمام ولا خطام فالأدلة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب هدم هذه الأصنام ، ومعاذ الله أن يخالف الصحابة الأمر المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يخالفوا ما أجمعت الرسل على إنكاره وهل هذا إلا سوء ظن بالصحابة رضي الله عنهم .
وعلى احتمال وجودها في عهد الصحابة رضي الله عنهم فالأمر يحتمل أحد أمرين :(2/22)
1 – أنهم لم يشاهدوها وهذا الأصل ومن ادعى خلاف هذا فعليه الدليل الصحيح .
2- أنهم لو عاينوها ورأوها فلا يمكن إثبات قدرة الصحابة على إزالتها فإذا كانت الدبابات والمحدثات العصرية القادرة على تحطيم الجبال قد عانت من تكسير هذه الأصنام ولم تستطع تكسيرها إلا بجهد كبير فمن البديهي أن تعجز عن ذلك سيوف الصحابة ورماحهم .
وعلى كلٍ فنحن نبقى على الأمر المجمع عليه بين الصحابة والتابعين ، وأهل العلم من حتمية هدم الأصنام دون نظر لوجود صنم في بلد أو آخر فلم ينكر فهذه الدعوى لا يصح الاعتراض بها على مسلمات الشريعة ، فالفرض هدم كل صنم ووثن سواء كان معبوداً أو غير معبود . ولا يجوز بيع هذه الأصنام وهذا بالاتفاق ولا اتخاذها تراثا فهذا من عمل أهل الجاهلية ومن وسائل الشرك ، هذا ما يتيسر إيراده على عجالة في الأمر بناء على طلب كثير من الإخوة وأسأل الله تعالى أن يوفق حكومة طالبان لما يحبه الله ويرضاه . وأن يهدي الجميع إلى سواء الصراط المستقيم وأن يوفقهم لكل خير وصلاح .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما تقولون في رجل تزوج امرأة ودفع لها المهر وقبل أن يدخل بها توفي فهل ترثه أم لا وهل عليها العدة أم لا ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
إذا تزوج الرجل المرأة وعقد عليها وتوفي قبل أن يدخل بها فلها الميراث وعليها العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام قال الله تعالى { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } .
ودلالة هذه الآية واضحة في عدة المتوفى عنها زوجها وهي تتناول المدخول بها وغير المدخول .
ولا تخْرجُ عن عموم هذه الآية إلا الحامل فأجلها إلى أن تضع ما في بطنها قال الله تعالى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .(2/23)
وروى أحمد ( 3 / 480 ) والنسائي ( 4 / 121 ) وأبو داود ( 2115 ) والترمذي ( 1145 ) وابن ماجه ( 1891 ) وغيرهم من طريق سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سُئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود لها صداق نسائَها لاوكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث .
فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال . قضى رسول الله صل الله عليه وسلم في بِرْوَع بنت واشِق امرأةٍ منا بمثل الذي قضيت . ففرح بها ابن مسعود . قال الترمذي رحمه الله حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح وقد رُوي عنه من غير وجه . والحديث صححه ابن حبان والحاكم وأورده ابن الجارود في المنتقى وقد دل هذا الخبر الصحيح على أن عدة الوفاة تجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل وعلى أن الميراث ثابت للمرأة قبل الدخول وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الزاد ( 5 / 664 ) الاتفاق على هذا ، وهذا الاتفاق محكيّ في كثير من الكتب ودلالته ظاهرة فإن المرأة بمجرد العقد عليها تصبح زوجة فترث وتورث بدلالة الكتاب والسنة فإذا توفيت ولو قبل الدخول بها ورثها زوجها وإذا توفي الزوج ورثته الزوجة وعليها العدة .
وأحكام الوفاة تغاير حكم الطلاق فإذا طلقت المرأة قبل الدخول بها أو بعد الدخول ولم يحصل جماع فلا عدة عليها قال الله تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)} .
وقوله { مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } أي تجامعوهنَّ في أصح قولي العلماء والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان 16 / 12 / 1421 snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله .
ماحكم الإسلام فيمن استهزأ بآيات الله ولحن الآيات القرآنية وغنّاها ؟(2/24)
فقد ذكرت جريدة النخبة الخليجية في عددها ( 128 ) وعددها ( 133 ) عن مجموعة من الفنانين أنهم يفتتحون الأغنية بموّال يبدأ بغناء آيات من القرآن وقد استنكرت هذه الجريدة ما يقوم به شياطين الإنس من هذه الأعمال الشيطانية والناس من العامة والخاصة يناشدونكم البيان في حكم الاستهزاء بالله وآياته ولا سيما أن هذا الأمر أصبح مألوفاً لدى كثير من الفنانين والممثلين والله المسئول أن يحفظكم ويبارك في علمكم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
إن الإنسان بفطرته التي ولد عليها يدرك عظيم هذا الفعل وكبير هذا الذنب وشناعة هذا الإجرام ولا يتجاوب مع هذه الممارسات الشيطانية سليم الفطرة نقي التوحيد .
فالمسلمون كلهم مجمعون على وجوب احترام كلام الله وتعظيمه وصيانته عن العيوب والنقائص .
فالقرآن كلام الله وهو صفة من صفاته والله لم يزل متكلماً إذا شاء ، هذا الذي دل عليه الكتاب والسنة وقاله أئمة الإسلام .
فالاستهزاء بكلام الله أو بكتابه أو محاولة إسقاط حرمته ومهابته كفر صريح لا ينازع فيه أحد ، قال الله تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ..... } سورة التوبة .
وهذه الآية نص في كفر من استهزأ بالله وآياته ورسوله سواء استحل ذلك أو لم يستحل فمجرد الاستهزاء بالمذكورات ردة عن الدين بإجماع المسلمين ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء كأن يكون مازحاً أو هازلاً .(2/25)
وقد كفر الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء ، روى ذلك ابن جرير في تفسيره ( 10 / 172 ) بسند جيد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس . ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس : كذبت ولكنك منافق لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } .
وظاهر الآية أنهم كانوا من قبل مؤمنين فكفروا بالاستهزاء الذي يعلمون حرمته ولكن لم يظنوه كفراً .
ومن ذلك الذين يفتتحون أغانيهم بموّال يبدأ بغناء أيات من القرآن فهؤلاء قد اتخذوا آيات القرآن الكريم للغناء والطرب واللعب وهذا من أعظم أنواع الاستخفاف بالقرآن والاستهانة بحرمته .(2/26)
وقد أجمعت الأمة على كفر من استخف أو هزل بالقرآن أو بشيء منه . قال تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) } سورة الطارق . فكل من اتخذ شيئاً من آيات القرآن للهزل والغناء والرقص والطرب فقد اتخذها هزواً ولعباً وقد توعد الله هؤلاء بالعذاب المهين فقال تعالى { وإذا علم من ءاياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (9) } سورة الجاثية . وقال { وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)} سورة الجاثية .
قال القاضي عياض رحمه الله ( شرح الشفاء ( 2 / 549 ) واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده أو حرفاً منه أو آية أو كذب به أو بشيء منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع قال الله تعالى { وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42) } .
وقال الشيخ العلامة أبو بكر محمد الحُسيني الحُصني الشافعي في كتابه كفاية الأخيار ( 494 ) [ وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس وكذا الذبح للأصنام والسخرياء باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده أو قراءَة القرآن على ضرب الدف ... ) .
واتخاذ آيات القرآن للغناء والعزف عليها بالموسيقى أشد كفراً وأكبر ذنباً من قراءَة القرآن على ضرب الدف .(2/27)
وقال العلامة الشيخ البهوتي الحنبلي رحمه الله في كتابه الروض المربع شرح زاد المستقنع ( ص 682 ) تحت باب حكم المرتد ( أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين أو امتهن القرآن أو أسقط حرمته ... ) .
وقال العلامة ابن فرحون المالكي رحمه الله في كتابه تبصرة الحكام ( 2 / 214 ) ومن استخف بالقرآن أو بشيء منه أو جحده أو حرفاً منه أو كذب بشيء منه أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهذا كافر بإجماع أهل العلم )) .
والراضي بكفرهم واستخفافهم بكلام الله وكتابه كافر مثلهم قال تعالى { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) } سورة النساء .
وحذار حذار من أمرين عظيمين :
الأول : عقوبة الله وانتقامه ممن استهزأ أو استخف بكلامه وقد جاء في صحيح البخاري ( 3617 ) من طريق عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال . كان رجل نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً فكان يقول : ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لمّا هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه ، فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمدٍ وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لمّا هرب منهم فألقوه ، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه )) . ورواه مسلم في صحيحه ( 2781 ) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس قال . كان منا رجل من بني النجار ... فذكره وفي آخره فتركوه منبوذاً .(2/28)
الثاني : تمرير هذا الإجرام بدون عقوبة فالقرآن كلام الله له قدره ومكانته في قلوب المسلمين فالاستخفاف بحرمته والاستهزاء بشيء منه جرم كبير وذنب عظيم .
فحين يأتي أراذل البشرية في القرن العشرين ويستخفّون بحرمة كلام الله وصفة من صفاته ويجعلونه كسائر كلام البشر وسقط الناس ويتخذونه للغناء والطرب واللعب وَيَسْلَمون من العقوبة والردع وإقامة حكم الله فيهم ، فهذا يفتح باب التلاعب بالشريعة والطعن في الذات الإلهية وصفاته والاستهانة بأعظم شيء يفتخر به المسلمون .
وإذا كانت العقوبة الدنيوية من السجن وغيره تطبق على من سب حاكماً أو أميراً بحق وبغيره ولا تتناول المستهزئ بكتاب رب العالمين وبصفة من صفاته فهذا من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر .
وإني لأخشى بغض الطرف عن هؤلاء المستهزئين بآيات الله أن تصل الأمور بالحكومات العصرية إلى حد قول الشاعر :
يقاد للسجن من سب الزعيم ومن
سب الإله فإن الناس أحرار
وحينئذٍ فلا تفرح بالعيش في ظل الفساد وتفلت الأمور وخروجها عن طورها .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
27 / 12 / 1421 هـ
القصيم . بريدة
snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العوان حفظه الله
سمعت في الإذاعة حديثاً منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك !!! فماهي درجة هذا الحديث ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
هذا الحديث منكر ولا يصح في الباب شيء وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات ( 1 / 248 ) وقال تفرد به عمر بن راشد وهو وهم صوابه عمر بن عبد الله .
والخبر رواه الترمذي في جامعه ( 2888 ) وابن عدي في الكامل ( 5 / 1720 ) من طريق زيد بن الحباب عن عمر بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .(2/29)
قال الترمذي رحمه الله . هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وعمر بن أبي خثعم يضعف ، قال محمد : هو منكر الحديث )) .
وقال أبو زرعة : واهي الحديث حدّث عن يحيى بن أبي كثير ثلاثة أحاديث لو كانت في خمس مئة حديث لأفسدتها .
وروى الترمذي ( 2889 ) وأبو يعلى في مسنده ( 6224 ) من طريق هشام أبي المقدام عن الحسن البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال - صلى الله عليه وسلم - ( من قرأ حم الدّخان في ليلة الجمعة غفر له ) .
وهذا الإسناد معلول بعلتين :
الأولى : هشام بن زياد أبو المقدام . ليس بشيء قاله النسائي وغيره .
وقال ابن حبان في كتابه المجروحين ( 3 / 88 ) هشام بن زياد كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات والمقلوبات عن الأثبات حتى يسبق إلى قلب المستمع أنه كان المتعمد لها . لا يجوز الاحتجاج به .
الثانية : الانقطاع فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد قال الإمام أبو زرعة رحمه الله . لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولم يره فقيل : فمنْ قال حدّثنا ؟ قال يخطىء .
وقال الترمذي رحمه الله عقيب هذا الحديث . لم يسمع الحسن من أبي هريرة هكذا قال أيّوب ويونس بن عُبيد وعليّ بن زيد .
والخبر أورده ابن الجوزي في الموضوعات ( 1 / 247 ) وقال هذا الحديث من جميع طرقه باطل لا أصل له .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
14 / 2 / 1422
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما حكم التبرع بالدم ونقله من إنسان صحيح إلى شخص مريض ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
لا بأس بالتبرع بالدم بكمية مقدرة من طبيب حاذق فإن أخذ الدم الكثير من الشخص يضره وقد يؤدي به إلى الموت وأخذ القليل من الدم لا يضره بل ثبت في الطب نفعه .
وقد أشار الأطباء إلى أن سحب كمية معتدلة من الدم ينشط تكوين الدم في الجسم ويجدد خلايا الدم فيعيد للجسم كله النشاط والحيوية .(2/30)
وقد أشارت بعض الدراسات الطبية الحديثة إلى أن التبرع بالدم يقلل من مخاطر حدوث النوبات القلبية .
غير أنه لا يجوز شرعاً بيع الدم فالأدلة صريحة في المنع وحكى الاتفاق على ذلك غير واحد وفي صحيح البخاري ( 2086 ) من طريق شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم ... ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ( 4 / 427 ) وبيع الدم وأخذ ثمنه حرام بالإجماع .
فالمشروع حينئذٍ بذله للمسلمين بدون عوض وفي ذلك أجر وثواب لأنه عمل صالح ونفع للآخرين وقد يكون في الدم القليل انقاذ لحياة مسلم من موت محقق .
وأما إذا كان العطاء على جهة الهبة والمجازاة على المعروف فلا بأس بذلك لأنه ليس من باب المعاوضة والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
9 / 2 / 1422 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
فيه شخص جامع في نهار رمضان فما حكمه ؟ وماذا عليه ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
الجماع في نهار رمضان من الاعتداء على حرمات الله وهو محرم با الكتاب والسنة والإجماع .(2/31)
وتجب على المجامع كفارة وهي عتق رقبة فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً بدليل ما رواه البخاري ( 1936 ) ومسلم ( 1111 ) من طريق الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال . بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءَه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال (( ما أهلكك )) قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( هل تجد رقبة تعتقها )) قال لا . قال (( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا . فقال (( فهل تجد إطعام ستين مسكيناً قال لا قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تمر والعَرَقُ المكتل – قال أين السائل فقال أنا قال خذها فتصدق به )) فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقرُ من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال (( أطعمه أهلك )) .
وهذا الحكم بالنسبة للعامد العالم على الصحيح من أقاويل أهل العلم .
فإن الناسي والجاهل بالحكم والمكره لا قضاءَ عليهم ولا كفارة فقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة وعفا عن الخطأ والنسيان قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وفي صحيح مسلم ( 126 ) عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى ( قد فعلتُ ) .
وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي في الناسي وقال إسحاق وأحمد في رواية بعذر الناسي والجاهل واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
وقال مالك والليث بن سعد وجماعة . عليه القضاء دون الكفارة وقال أحمد بن حنبل في المشهور من مذهبه عليه القضاء والكفارة سواء وطيء ناسياً أو جاهلاً واختاره أهل الظاهر .(2/32)
وفيه نظر فإن الجماع بمنزلة الأكل والشرب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )) رواه البخاري ( 1933 ) ومسلم ( 1155 ) من طريق هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وروى عبد الرزاق في المصنف ( 7375 ) بسند صحيح عن مجاهد قال ( لو وطيءَ رجل امرأته وهو صائم ناسياً في رمضان لم يكن عليه فيه شيء )) ورواه البخاري في صحيحه معلقاً .
وروى عبد الرزاق ( 7377 ) عن الثوري عن رجل عن الحسن قال : هو بمنزلة من أكل أو شرب ناسياً )) . وعلقه البخاري في صحيحه والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
/ 16 / 5 / 1421
snallwan@hotmail.com
الجلسة الأولى :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة وجهت للشيخ سليمان بن ناصر العلوان في إحدى جلساته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة عليها مسجلة وبعد ذلك فرغت من الأشرطة وعرضت على الشيخ فأجاز نشرها . بتاريخ 24 / 5 / 1421 هـ
السؤال الأول :
هل يوجد في الأربعين النووية أحاديث ضعيفة ؟
الجواب :
نعم فيه بعض الأحاديث الضعيفة مثل
1- الحديث الثاني عشر ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . رواه الترمذي وغيره من طريق قرة بن عبد الرحمن المعافري عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يصح قرة بن عبد الرحمن سيء الحفظ وقد رواه مالك وغيره عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً .
وصحح إرساله أحمد بن حنبل والبخاري والدار قطني وغيرهم .
2- وفيه الحديث التاسع والعشرون حديث معاذ بن جبل قلتُ [ يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعد ني عن النار ... ) الحديث رواه الترمذي من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ .
ورواه أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمة عن عاصم عن شهر بن حوشب عن معاذ .(2/33)
وهذا أصح من الأول وشهر بن حوشب ضعيف الحديث .
3- ومن ذلك الحديث الثلاثون حديث أبي ثعلبة الخشني ( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ..) الحديث فيه انقطاع بيد أن له شاهداً حسناً رواه الحاكم من حديث أبي الدرداء
4- ومن ذلك الحديث الحادي والثلاثون حديث سهل بن سعد الساعدي قال [ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ... ) الحديث ولا يصح بوجه من الوجوه وإن كان معناه صحيحاً .
5- ومن ذلك الحديث الثاني والثلاثون حديث لا ضرر ولا ضرار لا يصح إلا مرسلاً قاله ابن عبد البر وغيره وقد عده أبو داود من الأحاديث التي يدور الفقه عليها .
6- ومن ذلك الحديث التاسع والثلاثون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) . أنكره الإمام أحمد ومعنى الحديث صحيح فيه ما يدل عليه من الكتاب والسنة .
7- ومن ذلك الحديث الحادي والأربعون حديث (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) مداره على نعيم بن حماد الخزاعي ولا يصح حديثه ضعفه أبو داود والنسائي وجماعة .
8- ومن ذلك الحديث الثاني والأربعون حديث أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ( يا ابن آدم إنك ... ) فيه لين وقد تفرد به الترمذي من هذا الوجه وقال حسن غريب وقد صح آخره من حديث أبي ذر رواه مسلم في صحيحه .
السؤال الثاني :
هل الكحل يفطر الصائم ؟
الجواب :
الكحل لا يفطر الصائم وليس به بأس في الصيام سواء كان نفلاً أو فرضاً .
وقد قال الإمام الأعمش . ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم . رواه أبو داود في سننه .
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى كراهيته للصائم لحديث ليتقه الصائم . رواه أبو داود وغيره وفيه نكارة قال أبو داود قال لي يحي بن معين هو حديث منكر . وحينئذ لا يصح هذا الحديث حجة على منع الصائم من الكحل والله أعلم .(2/34)
السؤال الثالث :
البنت البكر إذا ثاب منها لبن فأرضعت به هل تكون أماً للطفل ؟
الجواب :
لا خلاف بين العلماء أن البكر التي لم تنكح إذا نزل منها لبن وأرضعت به فإنه ينشر المحرمية فيكون المرتضع ابنها وليس له أب وقد أشار إلى هذه المسألة ابن المنذر في الإجماع وابن قدامة في المغني وغيرهما .
السؤال الرابع :
ما حكم الاستمناء باليد ؟
الجواب :
في ذلك ثلاثة مذاهب لأهل العلم
الأول : الجواز مطلقاً لأنه لم يثبت في منعه دليل وقد كتب الشوكاني رسالة في ذلك ونصر هذا القول .
الثاني : المنع مطلقاً سواء خشي العنت أو لم يخش بدليل ظاهر قوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) } .
الثالث : يباح لمن خشي الزنا أو الفاحشة وما عدا ذلك فيحرم وهذا قول الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام رحمه الله .
السؤال الخامس :
ما صحة حديث ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ) .
الجواب :
هذا الخبر منكر سنداً ومتناً . قال عنه الإمام مالك هذا كذب ذكره عنه أبو داود في سننه .
وقال الأوزاعي . مازلت له كاتماً حتى رأيته انتشر يعني حديث ابن بسر هذا في صوم يوم السبت .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم . لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده . متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو دليل على صوم يوم السبت والأحاديث في ذلك كثيرة والله أعلم .
السؤال السادس :
هل يجوز للمحادة أن تتصل بالهاتف .
الجواب :
ليس في ذلك حرج ولا أعلم أحداً من العلماء كره ذلك .
وقد ورد منع المحادة من التزين والطيب والكحل والخروج من المنزل بدون عذر ودون هذه الأمور أقوال وآراء لا دليل عليها والله أعلم .
السؤال السابع :
ما هو القول الصحيح في الأقراء هل هي الحيض أم الأطهار ؟
الجواب :(2/35)
في ذلك خلاف مشهور بين الفقهاء . فقال قوم هي الحيض وهذا مروي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وأكابر الصحابة وهو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد في آخر القولين عنه .
وقال آخرون . الأقراء الأطهار وهذا مروي عن ابن عمر وعائشة وهو مذهب مالك والشافعي .
والأول أصح وحينئذٍ لا تنقضي عدتها حتى تنقضي الحيضة الثالثة والله أعلم .
السؤال الثامن :
امرأة طهرت من الحيض في صيام رمضان فهل يجب عليها الإمساك بقية يومها ؟
الجواب :
قال بذلك الإمام أبو حنيفة وأحمد بن حنبل في رواية .
وقال مالك لا تمسك إذا طهرت وقال في الذي يقدم من سفره وهو مفطر وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها في رمضان أن لزوجها أن يصيبها إن شاء .
وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله في الرواية الثانية وهو الصحيح وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من أكل أول النهار فليأكل آخره . رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع عن ابن عون عن ابن محيريز قال قال ابن مسعود والله أعلم .
snallwan@hotmail.com
الجلسة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر .
وكانت الإجابة مسجلة بصوته وقد تم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 27 / 5 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
ما صحة حديث ( عند كل ختمة دعوة مستجابة ... ) .
الجواب :
هذا الحديث موضوع رواه أبو نعيم في الحلية وغيره وفي إسناده يحي بن هاشم السمسار .
قال عنه الإمام النسائي : متروك الحديث .
وقال يحيى بن معين : كذاب .
وقال ابن عدي : كان يضع الحديث ويسرقه .
والدعاء عند ختم القرآن له حالتان :
الأولى : في الصلاة فهذا بدعة فإن العبادات مبناها على الشرع والاتباع وليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه الله أو سنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.(2/36)
ودون ذلك ابتداع في الدين قال صلى الله عليه وسلم (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد . متفق عليه من حديث عائشة .
وقد ذكر الشاطبي في الاعتصام وشيخ الإسلام في الاقتضاء قاعدة عظيمة المنفعة في التفريق بين البدعة وغيرها ، وهي أن ما وجد سببه وقام مقتضاه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة ولم يقع منهم فعل لذلك مع عدم المانع من الفعل فإنه بدعة كالأذان للعيدين والاستسقاء ونحو ذلك .
ودعاء الختمة في الصلاة من ذلك فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقومون في رمضان ليلاً طويلاً ويتكئون على العصي من طول القيام فهم في هذه الحالة يختمون القرآن أكثر من مرة ولم ينقل عن أحد منهم دعاء بعد الختمة .
وقد قال الإمام مالك رحمه الله : ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن وما هو من عمل الناس . ذكر ذلك عنه ابن الحاج في المدخل .
الحالة الثانية : الدعاء عقيب الختمة في غير الصلاة وهذا منقول عن أنس بن مالك بسند صحيح .
ومأثور عن جماعة من أهل العلم ولا أعلم في المرفوع شيئاً ثابتاً والله أعلم .
السؤال الثاني :
ورد في صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من وسط الناس سفعاء الخدين ... الحديث .
نريد صحة الزيادة ( سفعاء الخدين ) حيث يحتج بها القائلون بكشف المرأة وجهها عند الأجانب ؟.
الجواب :
هذه الرواية جاءت في صحيح الإمام مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر بن عبد الله .
ورواه البخاري ومسلم من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله وليس فيه هذه الزيادة .
وابن جريج في عطاء أوثق من عبد الملك بن أبي سليمان .
قال الإمام أحمد رحمه الله : عبد الملك من الحفاظ إلا أنه كان يخالف ابنَ جريج في إسناد أحاديث وابن جريج أثبت منه عندنا .(2/37)
والقول بأن الزيادة من ثقة فيجب قبولها دعوى غير صحيحة فإن أكابر المحدثين لا يحكمون على الزيادات بحكم كلي يعم كل الأحاديث .
بل يعتبرون القرائن ويحكمون على كل زيادة بما يترجح عندهم .
وحين نعلم أن ابن جريج أوثق من عبد الملك في عطاء فإننا نقدم روايته ونحكم على رواية عبد الملك بالشذوذ والله أعلم .
السؤال الثالث :
ما تقولون في نجاسة القيء ؟
الجواب :
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن القيء نجس مطلقاً .
وذهب فقهاء المالكية إلى أن القيء النجس هو ما شابه أحد أوصاف العذرة .
وأما ما كان على هيئة الطعام لم يتغير فإنه طاهر .
والصحيح أنه طاهر مطلقاً والاستقذار والاستحالة إلى روائح كريهة لا يعني النجاسة .
والأصل الجامع في هذا الباب طهارة كل الأعيان حتى يثبت الدليل على النجاسة والقيء لم يثبت دليل على نجاسته فهو طاهر .
وحديث (( العائد في هبته كالعائد في قيئه )) متفق عليه من حديث ابن عباس ليس صريحاً في نجاسة القيء فإن العود في القيء منهي عنه للضرر وشبهه وليس للنجاسة .
وقد تقرر في القواعد الأصولية أنه ليس كل محرم نجساً والله أعلم .
السؤال الرابع :
هل يعتبر موت الإنسان دماغياً موتاً حقيقياً ؟
الجواب :
في هذه المسألة قولان للعلماء المتأخرين حيث أن هذه المسألة من مستجدات العصر بسبب التطور الطبي والتقدم في ذلك .
القول الأول : أنه لا يعتبر موت الإنسان دماغياً موتاً حقيقياً ولا يحكم بموته حتى يتوقف قلبه عن النبض و حينئذ لا يجوز نزع الأجهزة عنه ما لم يأت من هو أحوج منه إليها .
الثاني : يعتبر موت الدماغ دون القلب موتاً حقيقياً حيث أن الأعضاء لا تستجيب لتصرفات الروح . والحياة المستقرة المعتبرة هي أن تكون الروح في الجسد ومعها الحركة الاختيارية دوه غيرها وفيه نظر .
فإن فقد الإحساس والشعور والحركات الاختيارية ليس كافياً في الحكم عليه بالموت .
والفرض في ذلك التحري والتريث إلى أن يحصل اليقين بموته .(2/38)
ولأن الأصل الحكم بحياة المريض فلا تخرج عن اليقين بمجرد الشك وهذا معلوم في قواعد الفقهاء والأصوليين والله أعلم .
... ... ... ... ... ... ... snallwan@hotmail.com
الجلسة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 3 \ 6 \ 1421 هـ فأذن بنشرها .
... السؤال الأول :
ما الحكم في اللقيط هل يعتبر عبداً أم حراً ؟
... الجواب :
اللقيط بمعنى ملقوط وهو الطفل المنبوذ الذي لا يعرف نسبه .
... والأصل فيه أنه حر في جميع الأحكام فقد جاء في موطأ مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم . أنه وجد منبوذاً في زمان عمر بن الخطاب قال فجئت به إلى عمر بن الخطاب فقال : ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ فقال وجدتها ضائعة فأخذتها . فقال له عريفه : يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح ، فقال له عمر أكذلك ؟ قال نعم . فقال عمر بن الخطاب إذهب فهو حُرّ ولك ولاؤه وعلينا نفقته .
... قال ابن المنذر رحمه الله في كتاب الإجماع . وأجمعوا أن اللقيط حر وقال ابن قدامة رحمه الله اللقيط حرّ في قول عامة أهل العلم إلا النخعي .
... السؤال الثاني :
... ما حكم الوضوء في المسجد ؟
... الجواب :
لا بأس بذلك فقد رخص فيه أئمة السلف وأهل العلم وحكى ابن المنذر في الأوسط الإجماع على ذلك وقال ليس للمنع من ذلك معنى ظاهر لأنه ماء طاهر يلاقي ها هنا طاهراً ولا يزيده بذلك إلا نظافة غير أنا نكره أن يتوضأ في موضع مصلى الناس لئلا يتأذى بهذا الطهور مسلم .
... وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال لا بأس بهذا رواه ابن المنذر في الأوسط .
... وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتوضأ في المسجد .(2/39)
... ولا يدخل في الوضوء قضاء الحاجة فإن قضاء الحاجة من بول وغائط في أماكن المصلين محرم بالإجماع .
... السؤال الثالث :
فضيلة الشيخ هل يكفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد السب أم يشترط في ذلك الاستحلال ؟
... الجواب :
أجمع الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من أهل السنة أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال .
... واتفق أهل العلم على أن الكفر قد يكون بالجحد أو التكذيب أو الإعراض .
وقد يكون بالقول كسب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بالدين وأحكامه ويكون بالفعل كالسجود للأصنام والطواف على القبور والذبح للجن والأوثان .
وقد يكون بالترك كترك جنس العمل مطلقاً وحكى إسحاق بن راهويه وغيره إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عمداً وقد جاء في صحيح مسلم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير المكي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة .
... والكفر المعرف بالألف واللام يدل على الكفر الأكبر غير أنه قد جاء في كفر تارك الصلاة خلاف بين أئمة المذاهب فقالت طائفة لا يكفر مطلقاً مالم يجحد وجوبها .
... وقالت طائفة يكفر كفراً أكبر لإجماع الصحابة على ذلك على خلاف بينهم في القدر الذي يكفر بتركه فقالت طائفة يكفر بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها وقالت أخرى لا يكفر إلا بالترك الكلي .(2/40)
... وبالجملة فأهل السنة لا يكفرون بمطلق الذنوب ولا بكل ذنب كما تفعل الخوارج والمعتزلة حيث يكفرون بكبائر الذنوب ويعتقدون ذنباً ماليس بذنب ويرتبون عليه أحكام الكفر وتارة يأخذون الناس بلازم أقوالهم وهذا كثير في المتأخرين ولا يفرقون في إطلاق الأحكام بين النوع والعين ولا بين مسألة وأخرى وقد يكفّرون من لا يوافقهم على هذه الإنحرافات وقد جاء نعتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) . رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد .
... فأهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة فلا يكفرون أهل الكبائر مالم يستحلوا ذلك ولا يقولون بقول المرجئة لا يضر مع الإيمان ذنب أو لا يكفر من أتى بمكفر حتى يستحل فهذا باطل بالكتاب والسنة والإجماع فمن سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد قال إسحاق بن راهويه . وقد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئاً أنزله الله أو قتل نبياً من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر .
... السؤال الرابع :
ما حكم جلسة الاستراحة في الصلاة ؟
... الجواب :
جلسة الاستراحة سنة من سنن الصلاة في أصح قولي العلماء وقد جاء في صحيح البخاري من طريق خالد الحذّاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً .
... وموضعها في القيام من الأولى للثانية ومن الثالثة للرابعة . والمرأة في ذلك كالرجل .
... وقد استحب فعلها إسحاق و الإمام الشافعي وكان الإمام أحمد رحمه الله لا يقول بذلك فرجع عن قوله وقال بما دل عليه حديث مالك بن الحويرث .(2/41)
... وقال النووي رحمه الله في المجموع : اعلم أنه ينبغي لكل أحد أن يُواظب على هذه الجلسة لصحة الأحاديث فيها وعدم المعارض الصحيح لها ولا تغتر بكثرة المتساهلين بتركها .
... والقول الثاني في المسألة أنه لا يصح فعلها لغير حاجة وهذا قول أكثر العلماء وقالوا إنها لم ترد في أكثر الأحاديث وإنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مالك للحاجة .
... ويجاب عن هذا بأنه لم يثبت دليل على أنه صلى الله عليه وسلم فعلها للحاجة وراويها هو راوي حديث ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) . رواه البخاري . وذكره بعض أهل العلم في المتفق عليه ولا يصح .
... السؤال الخامس :
... ما حكم رفع اليدين بعد الصلوات المكتوبة ؟
... الجواب :
تخصيص رفع اليدين للدعاء بعد الفرائض غير مشروع وليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا أفتى به أحد من التابعين .
... والأصل في العبادات المنع حتى يثبت دليل وكل من نقل صفة صلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكر عنه أنه رفع يديه ودعا بعد الفريضة .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) .
ولكن إذا عرض للمصلي عارض يقتضي الدعاء فدعا بعد الصلاة ورفع يديه ولم يقصد تخصيص هذا الوقت فهذا لا بأس به .(2/42)
وقد جاء في الصحيحين من طريق مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم ؟ قال نعم فصلى أبو بكر فجاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صافاً فأشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمكث مكانك فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ... ) . الحديث وفيه دليل على الدعاء ورفع اليدين في مثل هذه الحالات فقد فعل ذلك أبو بكر اجتهاداً وأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا مؤكداً للحكم سواء كان داخل الصلاة أو خارجها والله أعلم .
snallwan@hotmail.com
الجلسة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 7 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
ما صحة حديث الصدقة تطفئُ غضب الرب ..؟
الجواب :
هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الله بن عيسى الخزّاز عن يونس بن عُبيد عن الحسن البصري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . إن الصدقة لتطفىء غضب الرب وتدفع ميتة السوء )) .
وهذا الإسناد منكر .
عبد الله الخزاز منكر الحديث قاله أبو زرعة .
وقال النسائي ليس بثقة .
وقال ابن عدي . هو مضطرب الحديث وليس ممن يحتج به وقال العقيلي . لا يتابع على أكثر حديثه .(2/43)
وجاء هذا الخبر بلفظ . إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء . رواه القضاعي في مسنده من طريق يزيد الرقاشي عن أنس ولا يصح .
السؤال الثاني :
فضيلة الشيخ ما تقولون في حديث ابن عمر قال . كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام ؟
الجواب :
هذا الحديث معلول وقد رواه أحمد و الترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه كلهم من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
وظاهر هذا الإسناد الصحة وقد صححه أبو عيسى الترمذي وابن حبان وآخرون .
وفي ذلك نظر ولا يصح الاعتماد على ظاهر الإسناد وقد قال أبو عيسى الترمذي في كتابه العلل سألت محمداً عن هذا فقال هذا حديث فيه نظر .
وقال الإمام يحيى بن معين رحمه الله . لم يحدث بهذا الحديث أحد إلا حفص وما أراه إلا وهم فيه وأراه سمع حديث عمران بن حُدير فغلط بهذا .
وقد اختلف الفقهاء في حكم الشرب قائماً .
فقيل محرم ويجوز لعذر يمنع من القعود وهذا اختيار الإمام ابن القيم لحديث أنس في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً .
وفي رواية . نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب الرجل قائماً .
ورواه من حديث أبي سعيد الخدري .
وقيل هذا النهي منسوخ لحديث ابن عباس قال . سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
وفي صحيح البخاري من طريق عبد الملك بن ميسرة عن النزال قال : أتى عليّ رضي الله عنه على باب الرحبة فشرب قائماً فقال : إن ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت )) . وقيل تحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهذا قول الطبري والخطابي والحافظ ابن حجر .
وقيل بجواز الأمرين دون كراهة والشرب قاعداً أفضل لأنه الأكثر في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الصحيح . والله أعلم .(2/44)
السؤال الثالث :
هل يجوز للأب أن يجبر ابنه العاقل على الزواج بفتاة لا يريدها .
الجواب :
ليس لأحد الأبوين أن يلزم الإبن على نكاح من لا يريد ولايحب لأن نتيجة هذا الزواج قد تكون الطلاق أو تصبح حياتهما ضرباً من النكد .
ولا يجب على الإبن طاعتهما في ذلك ولا يعتبر حينئذٍ عاقاً .
ولكن الواجب على الإبن أن يتلطف بالرفض ولا يرفع صوته عليهما ولا يُسمعهما قولاً سيئاً .
السؤال الرابع :
هل تجوز حضانة الكافر على المسلم ؟
الجواب :
لا تصح على الصحيح وهو قول أكثر أهل العلم وذلك لأمور .
الأول : أنّ الطفل ينشأ في حضن الكافر فلا يؤمن أن يهوَّده أو ينصره أو يمجسه وهذا ضرر محض يجب اجتنابه وتفادي خطره .
الثاني : أن الحضانة من أقوى أسباب الموالاة بين الطفل وحاضنه والله تعالى قد قطع الموالاة بين عدوه ووليه فالكفار بعضهم من بعض والمؤمنون بعضهم أولياء بعض فلا تصح حينئذٍ حضانة عدو الله للطفل المسلم .
الثالث : قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً } فقد نفى الله السبيل للكافر على المسلم .
وإذا وجد شيء من ذلك في دنيا الواقع فهو بخلاف الشرع ولا يجوز إقراره .
الرابع : أن احتجاج بعض الفقهاء بحضانة الكافرة للولد المسلم بحديث رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبهه وقال رافع ابنتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( اقعد ناحية ) وقال لها [ اقعدي ناحية ] .
وأقعد الصبية بينهما ثم قال ( ادعواها ) فمالت الصبية إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اهدها فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها .
فهذا الخبر رواه أبو داود من طريق عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان ورواه النسائي من طريق عبد الحميد بن سلمة الأنصاري عن أبيه عن جده .
وفيه نظر وقد أعله غير واحد بالاضطراب .(2/45)
وقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله . إن هذا الحديث قد يُحتج به على صحة مذهب من اشترط الإسلام فإن الصبية لما مالت إلى أمها دعا النبي صلى الله عليه وسلم لها بالهداية فمالت إلى أبيها وهذا يدل على أن كونها مع الكفار خلافُ هُدى الله الذي أراده من عباده ولو استقر جعلها مع أمها لكان فيه حجة بل أبطله الله بدعوة رسوله .
السؤال الخامس :
فضيلة الشيخ ما تقولون في الحديث الوارد في دعاء الخروج من الخلاء . الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني .
الجواب :
هذا الحديث لا يثبت فقد رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله ... الخ .
وإسماعيل بن مسلم متفق على تضعيفه وجاء نحوه من حديث أبي ذر مرفوعاً وموقوفاً وفيه اختلاف ولا يصح .
وفي الباب حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال . غفرانك . رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد من طريق مالك بن إسماعيل عن إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة وإسناده حسن .
ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجه من طريق يحيى بن أبي بكير .
وأبو داود من طريق هاشم بن القاسم كلاهما عن إسرائيل بلفظ كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك .
السؤال السادس :
ما درجة حديث ( ماء زمزم لما شرب له ) ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه أحمد في مسنده وابن ماجة من طريق عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيه ضعف فإن عبد الله بن المؤمل ضعيف الحديث قال الإمام أحمد رحمه الله . أحاديثه مناكير .
وقال أبو داود . منكر الحديث .
وقال ابن عدي . أحاديثه عليها الضعف بيّن .
وقال العقيلي في الضعفاء حين ذكر له هذا الخبر . لا يتابع عليه .(2/46)
وروى الفاكهي في أخبار مكة عن معاوية رضي الله عنه قال . زمزم شفاء هي لما شرب له وقد حسنه الحافظ ابن حجر في جزء جمعه حول هذا الحديث .
وفي إسناده عند الفاكهي محمد بن إسحاق الصيني شيخ الفاكهي وهو كذاب قاله ابن أبي حاتم .
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمزم . إنها مباركة إنها طعام طُعم .
وروى عبد الرزاق في المصنف عن الثوري عن ابن خُثَيم أو عن العلاء شك أبو بكر عن أبي الطفيل عن ابن عباس قال كنا نسميها شُباعة يعني زمزم .
وكنا نجدها نعم العون على العيال .
ورواه ابن أبي شيبة والأزرقي والفاكهي في أخبار مكة .
وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال : زمزم طعام طعم وشفاء سقم .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن خُثَيم أن مجاهداً كان يقول . هي لما شربت له يقول تنفع لما شربت له .
snallwan@hotmail.com
الجلسة الخامسة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة المقسمة على علم الحديث والفقه والعقيدة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان ابن ناصر العلوان في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 11 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
ما هو القول الصحيح في الحديث الوارد في الصلاة بعد الإشراق ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك و أبو أمامة وابن عمر وعائشة وغيرهم ولا يصح من ذلك شيء .
فحديث أنس رواه الترمذي في جامعه من طريق عبد العزيز بن مسلم حدثنا أبو ظلال عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ) قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب )) أي ضعيف .(2/47)
وأبو ظلال ليس بشيء قاله يحيى بن معين وضعفه أبو دواد والنسائي وابن عدي وغيرهم .
وحديث أبي أمامة رواه الطبراني في المعجم الكبير من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن موسى بن علي عن يحي بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعاً .
وعثمان بن عبد الرحمن الحراني متكلم فيه بسبب روايته عن الضعفاء والمجاهيل .
وموسى بن علي ليس بمعروف .
والقاسم مختلف فيه وقد ضعفه جماعة بسبب الرواة عنه قال أبو حاتم : حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به وإنما ينكر عنه الضعفاء .
وتكلم فيه الإمام أحمد وضعفه الغلابي والعقيلي وابن حبان وقال يروي عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم المعضلات ويأتي عن الثقات بالأشياء المقلوبة حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها .
وحديث ابن عمر ذكره ابن حبان في كتابه المجروحين من طريق الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن ابن عمر مرفوعاً والأحوص ضعيف قاله أحمد بن حنبل وابن المديني ويحيى بن معين .
وحديث عائشة رواه أبو يعلى في مسنده وفيه جهالة ونكارة .
ولا أعلم حديثاً صحيحاً في الباب ولا ثبت عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا عن الأئمة المتبوعين من الأئمة الأربعة أن من جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين حضي بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة .
ومثل هذا تتوافر الهمم والدواعي على نقله فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجلسون في المصلى حتى ترتفع الشمس ثم يقومون رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي خيثمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة .
وحين لا يذكرون الصلاة ولا الأجر المترتب على ذلك وهو من الأهمية بمكان ... فيه دليل على أنه لا أصل للأحاديث الواردة في الباب .
وروى ابن أبي شيبة في المصنف من طريق منصور عن مجاهد أن عائشة كانت إذا طلعت الشمس نامت نومة الضحى . وهذا إسناده صحيح وليس فيه ذكر للصلاة بعد الجلوس وكأن الأمر غير معروف في ذاك الجيل العظيم .(2/48)
وذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الوليد بن مسلم قال رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ويخبرنا عن السلف أن ذلك كان هديهم فإذا طلعت الشمس قام بعضهم إلى بعض فأفاضوا في ذكر الله والتفقه في دينه .
والمنقول عن السلف في مثل هذا كثير مما هو دال ومؤكد على أن هذه الصلاة المذكورة بعد الشمس والأجر المترتب على ذلك ليس له أصل .
وهذا لا ينفي أن الصلاة بعد ارتفاع الشمس مشهودة محضورة والخبر في مسلم من حديث عمرو بن عبسة فهذا شيء وما نحن فيه شيء آخر والله أعلم .
السؤال الثاني :
ما حكم الصلاة على الميت الغائب ؟
الجواب :
الخلاف في هذه المسألة مشهور وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي حين توفي صلاة الغائب وخرج بأصحابه إلى المصلى فصفَّ بهم وكبر عليه أربعاً .
والحديث في البخاري ومسلم من طريق مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة .
فقالت طائفة يُصلَّى على كل ميت غائب وهذا مذهب الإمام الشافعي وأحمد في رواية واختار ذلك أبو محمد بن حزم رحمه الله .
وقالت طائفة أخرى . لا تصح الصلاة على الميت الغائب مطلقاً . وحديث أبي هريرة في صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي خاص به وليس لأحد أن يفعل مثل ما فعل وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ورواية عن الإمام أحمد .
وقالت طائفة ثالثة . إذا مات الرجل الصالح صُلَّي عليه لصلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي وهذا منسوب للإمام أحمد رحمه الله ذكره عنه شيخ الإسلام كما في الاختيارات الفقهية وهو قول جماعة من متأخري العلماء .(2/49)
والقول الرابع : أن الغائب إذا مات ببلد لم يُصلَّ عليه صُلي عليه صلاة الغائب كما هو الحال في صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يثبت أن صُلي عليه هناك ومثله الغريق والمفقود تحت هدم ونحوهما وإن صُلي عليه حيث مات لم تشرع صلاة الغائب عليه وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله في رواية واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وهو الصواب .
فقد توفي خلق كثير من أصحاب رسول لله صلى الله عليه وسلم . وهم غياب ولم يُصَلَّ عليهم .
وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه متفرقون في البلدان _ ولم يثبت عن أحد منهم الصلاة عليه .
وتوفي الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون ولم يذكر عن أحد من الصحابة والتابعين الغُيّب صلاة عليهم ومن القواعد المهمة في هذا الباب أن ما تركه رسول الله صلى الله وسلم وأصحابه من العبادات مع وجود المقتضي للفعل وزوال المانع فإنه واجب الترك وفعله بدعة .
وضبط هذه القاعدة يجلَّي كثيراً من البدع .
وقد كتبت في هذه المسألة رسالة بأطول من تلك وبينت واقع بعض المسلمين اليوم من التوسع في الصلاة على الغائب ولا سيما أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم من العلمانيين وأئمة الضلال ودعاة الفساد فإنا لله وإنا إليه راجعون .
السؤال الثالث :
ما صحة الحديث الوارد في افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ؟
الجواب :
هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء من غير وجه وعن أكثر من صحابي .
وقد تكلم فيه بعض المتأخرين وأثار حوله بعض الإشكالات وليس هذا بشيء .
فالحديث محفوظ رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعبن فرقة )) .(2/50)
وهذا سند صحيح وقد صححه الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم .
وصح من حديث معاوية وفيه ( وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين . ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة . رواه أبو داود في سننه .
وفي الباب عن عوف بن مالك رواه ابن ماجه .
وعبد الله بن عمرو بن العاص رواه الترمذي بسند ضعيف .
وأنس بن مالك رواه ابن ماجه وابن أبي عاصم في السنة .
وأبي أمامة رواه محمد بن نصر في السنة وابن أبي عاصم .
فهذه الأحاديث الثابتة تقتضي حتمية افتراق الأمة وأنه واقع لا محالة ولا ينجو من هذه الثلاث والسبعين فرقة غير واحدة وهي الجماعة فلا تزال منصورة ظاهرة حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى .
السؤال الرابع :
ما تقولون في الحديث الوارد في لحوم البقر بأنها داء .
الجواب :
هذا الخبر جاء بأسانيد منكرة عند الطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك .
ورواه أبو داود في المراسيل من طريق زهير بن معاوية حدثتني امرأة من أهلي عن مليكة بنت عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا مرسل ضعيف .
ولم يثبت في النهي عن لحم البقر شيء .
وقد أحل الله لعباده لحم البقر وامتن به عليهم فمن المحال أن يمتن الله على عباده بما هو داء وضرر عليهم قال تعالى { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر )) .
ولو كان لحمها داء لما جاز التقرب به لله فالذي يجب القطع به أن هذا الأثر باطل وليس لتصحيحه وجه معتبر وقد أجاد ابن الجوزي في قوله ( فكل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره ) .
السؤال الخامس :
ما تقولون في تقسيم الشرك إلى ثلاثة أقسام أكبر وأصغر وخفي ؟
الجواب :
هذا التقسيم قاله طائفة من أهل العلم وفيه نظر والصحيح أن الشرك قسمان
1- أكبر 2- وأصغر .(2/51)
والشرك الخفي منه ما هو أكبر كالنفاق الأكبر فإن المنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الشرك .
ومنه ما هو شرك أصغر وهذا مراتب متفاوتة وقد قرأت لبعض المتأخرين حين قسَّم الشرك إلى ثلاثة أقسام قال والشرك الخفي دون الأصغر .
وهذا الإطلاق بدون قيد غير صحيح وقد تقدم أن الشرك الخفي منه ما هو شرك أكبر وصاحبه لا تناله شفاعة الشافعين ولا رحمة أرحم الراحمين .
وقد كتب الله عليه الخلود في السعير قال تعالى { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } .
وقال تعالى { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريّة } .
والشرك الأكبر هو تسوية غير الله بالله في شيء من خصائص الله .
والشرك الأصغر هو ما جاء في الأدلة الشرعية تسميته شركاً ولم يصل إلى الأكبر .
وقد قيل إن هذا الشرك لا يغفر فلا بدَّ أن يُعذّب صاحبه ولكنه لا يخلد في النار ذكر ذلك ابن مفلح في الفروع عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد أشار إلى هذه المسألة في رده على البكري .
والقول الثاني : أن صاحب هذا الشرك تحت المشيئة وهو قول عامة العلماء وهو الصحيح .
فإن الله تعالى يقول { إن الله لا يغفر أن يشرك به } أي الشرك الأكبر { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } يدخل فيه الشرك الأصغر . والله أعلم .
snallwan@hotmail.com
الجلسة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 14 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
ما حكم بدأ اليهود والنصارى بالسلام ؟
الجواب :
هذه المسألة محل اختلاف بين أهل العلم وقد قال الإمام الأوزاعي رحمه الله . إن سلّمت فقد سلّم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون .(2/52)
وقد جاء في صحيح مسلم من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . لا تَبدَؤا اليهود ولا النصارى بالسلام . فإذا لقيتم أحدَهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه .
وهذا دليل على النهي عن بدأ أهل الكتاب بالسلام وإليه ذهب أكثر أهل العلم .
وروى عن ابن عباس وأبي أمامة جواز ذلك وتأول بعض أهل العلم النهي الوارد في ذلك على أن معناه ليس عليكم أن تبدؤهم .
وفيه نظر فالأصل عدم الإضمار .
والحديث قوي الدلالة على تحريم بدأ اليهود والنصارى بالسلام .
فإن السلام اسم من أسماء الله تعالى وصفته فلا يحيى به غير المسلم .
... ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدَأ اليهود والنصارى بالسلام وقد كان يكتب إلى ملوكهم . سلام على من اتبع الهدى .
ولا مانع من تكنية الكافر ومخاطبته بكلام غير السلام مع الحذر من الألفاظ الدالة على رضاه بدينه كقول بعض الجهّال متعك الله بدينك .
السؤال الثاني :
هل تجوز عيادة أهل الكتاب ؟
الجواب :
في هذه المسألة اختلاف بين الفقهاء فقيل تجوز مطلقاً وقيل تحرم وقيل تجوز العيادة بقصد دعوته وعرض الإسلام عليه .
وهذا توسط في المسألة فلا يصح المنع مطلقاً لأنه لم يرد في ذلك دليل بل هو خلاف الأدلة الصحيحة .
والقول بالجواز مطلقاً فيه شيء من النظر فلم يبق إلا جواز عيادته إذا كان يعرض عليه الإسلام أو يرتجيه .
وقد جاء في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال . كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمَرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له . أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول . الحمدلله الذي أنقذه من النار .
وهذا الحديث فيه فوائد .
الأولى : حُسنُ خُلقه صلى الله عليه وسلم .(2/53)
الثانية : حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الخلق .
الثالثة : أن اليهود إذا مات على يهوديته كافر مخلد في النار وهذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم . والذي نفسي بيده لاَ يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار . رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة .
الرابعة : عيادة اليهودي إذا رجيت المصلحة . قال أبو داود رحمه الله سمعت الإمام أحمد سئل عن عيادة اليهودي والنصراني ؟ قال إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءَه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى لله عليه وسلم لأبي طالب ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما والله لأستغفرنّ لك مالم أُنه عنك فأنزل الله تعالى فيه { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى .. } .
والحديث فيه دليل على عيادة القريب المشرك إذا رُجي إسلامه قال الفضل بن زياد سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الرجل المسلم يعود أحداً من المشركين ، قال : إن كان يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل منه فليعده كما عاد النبي صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي فعرض عليه الإسلام .
السؤال الثالث :
ما هو القول الصحيح في حكم الساحر ؟
الجواب :
السحر بكل أنواعه محرم في كل الشرائع ومجمع على تحريمه وتحريم تعلمه .(2/54)
وهو يخالف ما جاءَت به الرسل ويعارض ما أنزلت من أجله الكتب .
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الساحر كافر يجب على وليّ الأمر قتله .
قال تعالى { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ... } .
وقال { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } أي بعمل السحر فثبت أن هذا كفر .
وذهب أكثر فقهاء الشافعية إلى أن الساحر لا يكفر إلا إذا اعتقد إباحة السحر أو اعتقد مثل ما يعتقده أهل بابل من التقرب للكواكب السبعة .
وفيه نظر ولا دليل على اشتراط الاعتقاد .
والصحيح أن الساحر كافر سواء اعتقد تحريمه أو لم يعتقد فمجرد عمل السحر كفر وهذا ظاهر الأدلة وليس في النصوص الأخرى ما يعارضها .
وحين يثبت وصف السحر على شخص ما فإنه يقتل وجوباً فقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة ولكن ليس لآحاد الناس إقامة الحدود دون أمر السلطان أو من يقوم مقامه لأنه يترتب على إقامة الحدود دون ولاة الأمور فساد وزعزعة للأمن وذهاب هيبة السلطان .
السؤال الرابع :
ما الحكم فيمن حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً ؟
الجواب :
من حلف أن يفعل كذا وكذا فنسيه أو حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً بأنه المحلوف عليه فلا حنث عليه ويمينه باقية .
وقيل إن حلف على نفسه أو غيره يقصد منعه أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً حنث في الطلاق والعتاق دون اليمين بالله تعالى .
وفيه نظر ولا دليل على هذا الاستثناء .
والصحيح القول الأول وأنه لا يحنث بالجهل والنسيان ويمينه باقية قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } .
وإن حلف بالله إن فعلت كذا وكذا فامرأتي طالق أو فعليّ صيام شهر أو عليّ الحج ، فهذه الأيمان فيها للعلماء مذاهب .
قيل إذا حنث لزمه ما حلف به .
وقيل لا يلزمه شيء .
والقول الثالث تجزئه كفارة يمين وهذا أقرب الأقوال إلى الدليل واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لأن الله يقول { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } .(2/55)
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إني واللهِ إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ) .
السؤال الخامس :
هل صح قتل الوزغ باليد ؟ وهل ثبت في قتله أجر ؟
الجواب :
قتل الوزغ مشروع بأدلة كثيرة وذلك بألة ونحوها وليس في شيء من الروايات تخصيص اليد أو الندب إلى قتله باليد المباشرة ولا أظن ذلك صحيحاً ولا وارداً فمثل هذا بعيد عن هدي الإسلام ومعالي الأخلاق .
وفي الصحيحين وغيرهما من طريق سعيد بن المسيب أن أم شريك أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ وفي رواية البخاري قال ( كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام .
وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسمّاه فويسقاً .
وقتل الوزغ في أول ضربة أكثر أجراً وثواباً من قتله في المرة الثانية جاء هذا في صحيح مسلم من طريق خالد بن عبد الله عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قتل وزَغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة . ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية ) .
snallwan@hotmail.com
الجلسة السابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة في الحديث والفقه أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 1 / 3 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
فضيلة الشيخ ما هو القول الراجح في كيفية صلاة الاستسقاء هل تقدم الخطبة على الصلاة كهيئة صلاة الجمعة أم تقدم الصلاة على الخطبة كهيئة صلاة العيدين ؟
الجواب :(2/56)
اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين .
الأول : تقديم الصلاة على الخطبة وهذا مذهب مالك ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في رواية عنه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا وحوّل وجهه نحو القبلة رافعاً يديه ثم قلب رداءَه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن . رواه ابن ماجة وابن خزيمة وغيرهما من طريق النعمان بن راشد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وسنده ضعيف وقد أخطأ في هذا الحديث النعمان وذكره عن الزهري على غير وجهه .
وقد قال الإمام ابن خزيمة في صحيحه ( في القلب من النعمان بن راشد فإن في حديثه عن الزهري تخليطاً كثيراً .
واحتج أصحاب هذا القول بروايات أخرى بعضها صحيح ولكنه غير صريح الدلالة على تقديم الصلاة على الخطبة ، والبقية أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بشيء منها .
القول الثاني : تقديم الخطبة على الصلاة كالجمعة وهو عمل أهل المدينة في القديم ، وقال به الليث بن سعد وأحمد في رواية عنه والإمام بن حزم وهو ظاهر الأدلة الصحيحة قال عبد الله بن زيد رضي الله عنه . خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي ، فتوجه إلى القبلة يدعو وحوّل رداءَه ثم صلى ركعتين جهر بهما في القراءَة . رواه البخاري ومسلم وقد ترجم له النسائي في سننه ( باب الصلاة بعد الدعاء ) وترجم له ابن خزيمة في صحيحه ( باب الخطبة قبل صلاة الاستسقاء ) .(2/57)
وروى أبو داود في سننه من طريق يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت . شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه . قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال : إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه ، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم . ثم قال : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد . اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين . ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ، ثم حوّل إلى الناس ظهره وقلب رداءَه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين .... الحديث . قال عنه أبو داود هذا حديث غريب إسناده جيد وأهل المدينة يقرؤون ( ملك يوم الدين ) وهذا الحديث حجة لهم ) .
والحديث فيه دلالة على تقديم الخطبة على الصلاة خلاف المعمول به في هذه العصور من تقديم الصلاة على الخطبة .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز التقديم والتأخير بلا أولوية . وفيه نظر فقد دلت السنة الصحيحة على أنه صلى الله عليه وسلم يقدم الاستغفار والدعاء على الصلاة فالعمل بذلك أتبع وأقرب إلى الحق .
السؤال الثاني : هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد يوم للخروج إلى صلاة الإستسقاء .
الجواب :(2/58)
جاء في سنن أبي داود بسند لا بأس به من حديث عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس .. الحديث ودلالته ظاهرة على تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء ... غير أنه لم يثبت تسمية هذا اليوم وقد استحب غير واحد من أهل العلم تحديد يوميّ الإثنين والخميس لأن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى ولأنهما وقت فضيلة للصيام فيجمع المسلمون بين الصيام والاستسقاء فيكون الدعاء حينئذٍ أقرب للإجابة .
ويحتمل عدم مشروعية تقصد هذين اليومين دون بقية الأيام لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة وهذا هو الصواب فلا يشرع تقصد يوم دون آخر بدون نص فالمشروع هو تحديد يوم يخرجون فيه فقد يوافق يوم الإثنين وقد يوافق يوماً آخر مراعاة لمصالح الناس وحاجاتهم .
السؤال الثالث :
ما حد الغيبة وما حكمها ؟
الجواب :
الغيبة هي أن يذكر الإنسان عيب أخيه المسلم في غيبته بما يكرهه لو بلغه من غير حاجة لذلك .
فقولي : أن يذكر عيب أخيه . هذا يخرج الحديث عن الغير بالمدح والثناء .
وقولي : المسلم : يخرج بذلك الكافر فلا غيبة له .
وقولي : في غيبته . أخرج بذلك الحاضر فالحديث عنه لا يسمى غيبة في أصح قولي العلماء .
وقولي : بما يكرهه لو بلغه . خرج بذلك ما رضي به .
وقولي : من غير حاجة لذلك . خرج بذلك ما كان لمصلحة شرعية كالتحذير من المبتدع لتتقى بدعته .
... ويجب في ذلك مراعاة أمور .
الأول : الإخلاص لله تعالى وإرادة وجهه .
الثاني : مراعاة المصلحة في ذلك .
الثالث : أن يكون الحديث مقصوراً على موضع الزلل دون تجاوزه إلى غيره بدون فائدة .(2/59)
وقد اتفق العلماء على تحريم الغيبة بدون مصلحة وجزم أكثرهم على أنها من الكبائر وهي مراتب متفاوتة بعضها أشد من بعض فمن اغتاب عالماً ليس كمن اغتاب جاهلاً قال تعالى { ... وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) } .
وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ( ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال [ إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) .
وروى أبو داود في سننه من طريق نوفل بن مساحق عن سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ) .متفق عليه من حديث أبي بكرة .
ومن أقبح أمور الغيبة وأشدّها حرمة تنقص المسلم واحتقاره وازدراؤه وبذل الجهد في إهانته وإسقاط حرمته والنيل من عرضه . فهذا الخلق الذميم والداء العظيم كبيرة من كبائر الذنوب وصاحبه معرض للوعيد والبطش الشديد .
السؤال الرابع :
توفي رجل عن زوجة حامل فوضعت قبل أن يُغسَّل فهل يجوز للمرأة أن تليه في الغسل ؟
الجواب :
حين وضعت المرأة أصبحت أجنبية عن الزوج فيحرم عليها تغسيله .
فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن تغسل المرأة زوجها ما دامت في عصمته كأن يموت عنها حاملاً وغسلته قبل الوضع أو لم تكن حاملاً فتغسله ما دامت في العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام وأما حين وضعت قبل أن تغسله فيحرم عليها تغسيله فقد أصبحت أجنبية وحلّت للخطاب باتفاق أهل العلم .(2/60)
قال تعالى { وَأُولاَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وحكى ابن المنذر الإجماع على أن عدة الحامل أن تضع حملها ... وحينئذٍ يسقط الإحداد عنها فلها أن تتزوج وتتجمل بما شاءَت .
السؤال الخامس :
ما تقولون في حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن السني في عمل اليوم والليلة والطبراني في الكبير وغيرهم من طريق محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وإسناده لا بأس به وقد صححه ابن حبان في كتاب الصلاة والمنذري وابن عبد الهادي وابن كثير .
وقد بالغ ابن الجوزي فأورده في كتابه الموضوعات ولا يوافق على ذلك .
والحديث تفرد به محمد بن حمير عن الألهاني .
وهذا يحتمل التعليل ولا سيما أن الفسوي رحمه الله قال . محمد بن حمير ليس بالقوي .
وخالفه ابن معين فقال ثقة وقال الإمام أحمد . ما علمت إلا خيراً . وقال النسائي ليس به بأس .
والحديث جيد الإسناد وليس من صحاح الأخبار ومثله يقبل وذلك لأمور .
الأول : أن الإمام النسائي رحمه الله رواه ولم يعله وأورده في المختارة وصححه .
الثاني : أن الحديث ليس من أصول الأحكام .
الثالث : أن تفرد الصدوق بالحديث يقبل إذا دلت قرينة على ضبطه وتفرد محمد بن حمير من هذا ، وقد جاء للحديث شواهد من حديث المغيرة ابن شعبة وأبي مسعود وعلى بن أبي طالب ولا يصح من ذلك شيء والله أعلم .
السؤال السادس :
فضيلة الشيخ سمعت من بعض العامة أنّ أم الأولاد لا تطلق فهل يصح هذا وهل قال به أحد من أهل العلم ؟
الجواب :(2/61)
هذا الكلام من الهذيان وليس له أصل في الشرع ولا أظن عالماً أو طالب علم يفتي بمثل هذا الباطل وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الرجل إذا طلق زوجته صغيرة أو متوسطة العمر أو من القواعد في طهر لم يمسها فيه أو حاملاً قد تبين حملها أنها تطلق قال تعالى في المطلقات ذوات الحيض { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } .
وقال تعالى في المطلقات اللاتي انقطع عنهن الحيض { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ... } وقال بعد ذلك في المطلقات ذوات الحمل { وَأُولاَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ...} .
فإن كانت الطلقة الثالثة فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، وإن كانت الأولى أو الثانية فيشهد شاهدين ويراجعها وقد روى أبو داود في سننه من طريق يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين . سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال : طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة . أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تَعُدْ .
snallwan@hotmail.com
الجلسة الثامنة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته وقد تم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 11 / 3 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
شخص طلق زوجته طلاقاً رجعياً وقبل أن تنقضي عدتها أراد مراجعتها فهل يجب رضاها بذلك ؟
الجواب :
لا يلزم رضاها فالزوج يملك رجعتها ما دامت في العدة رضيت أو لم ترض ولا أعلم في ذلك خلافاً .
وقد ذكر ابن المنذر رحمه الله في كتابه الإجماع أن العلماء متفقون على أن الرجعة إلى الرجل ما دامت في العدة وإن كرهت ذلك المرأة .(2/62)
غير أنه يحرم على الزوج أن يرتجعها ليضرَّ بها أو كي تفتدي منه بعوض قال تعالى { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ } وقال تعالى { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } .
وكما أن هذا الإضرار محرم على الرجال هو أيضاً محرم على النساء فمن المحرمات أن تؤذي المرأة زوجها وتسيء معاملته وتمنع منه نفسها كي يطلقها بدون عوض فلا يشاق أحدهما الآخر .
فإذا أبغض الرجل زوجته فليمسكها بالمعروف أو يطلقها بإحسان وإذا كرهت المرأة زوجها وأبغضته ولم تقم بحقه ولم تقدر على معاشرته فلها أن تفتدي منه بما أعطاها دون أذيته وتوليد العداوات .
وقد جاء في صحيح البخاري من طريق خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله . ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلُق ولا دين ولكنّي أكرهُ الكفرَ في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته . قالت نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة .
وفي رواية أيوب عن عكرمة عن ابن عباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تردين عليه حديقته فقالت نعم فردّت عليه وأمره ففارقها .
وأصح قولي العلماء أن الخلع فسخ وليس بطلاق فتعتد المرأة بحيضة واحدة . وهذا قول أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وابن عمر وابن عباس وقال به إسحاق وأحمد في رواية واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
السؤال الثاني :
ما حكم الوضوء من لحوم الإبل ؟
الجواب :(2/63)
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوضوء من لحوم الإبل وجاء هذا في صحيح مسلم من طريق جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ . قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم ، فتوضأ من لحوم الإبل .
وجاء نحوه من حديث البراء بن عازب رواه أحمد وأبو دواد والترمذي وابن ماجة وابن الجارود وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر .
وهذا مذهب ابن عمر وأفتى به محمد بن إسحاق وإسحاق والإمام أحمد وقال . فيه حديثان صحيحان حديث البراء وحديث جابر بن سمرة .
وقال بذلك الإمام ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم .
بينما ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الوضوء من لحوم الإبل غير واجب وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وذكره ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سويد بن غفلة وعطاء وطاووس ومجاهد .
وذكره بعض أهل العلم عن الخلفاء الراشدين وهذا فيه نظر فلا يصح عن أحد منهم أنه أسقط الوضوء من لحوم الإبل .
وقد احتج أهل هذا المذهب بما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق شعيب بن أبي حمزة عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد لله قال : كان آخرُ الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء ممّا مست النار .
وهذا الخبر لا يصح الاحتجاج به على الرخصة في ترك الوضوء من لحوم الإبل وذلك لوجهين :
الأول : أنه عام ويمكن تخصيصه بحديثي البراء وجابر بن سمرة ولا سيما إذا عُلم أن الوضوء مما مست النار كان واجباً .
الثاني : أن هذا الخبر معلول ولا يصح متنه وهذا قول أهل هذا الشأن قال الإمام أبو حاتم رحمه الله : هذا حديث مضطرب المتن إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ولم يتوضأ كذا رواه الثقات عن محمد بن المنكدر عن جابر ويحتمل أن يكون شعيب حدّث به من حفظه فوهم فيه .(2/64)
وقال الإمام أبو داود رحمه الله في سننه وهذا اختصار من الأول يعني حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل خبزاً ولحماً ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ .
وذكر نحو هذا الإمام ابن حبان رحمه الله .
السؤال الثالث :
ما حكم لبس خاتم الذهب للرجال ؟
الجواب :
خاتم الذهب محرم على الرجال في قول أكثر أهل العلم وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب .
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده . فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك انتفع به قال : لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان الخاتم يلبس للخطوبة فهو أشد إثماً وأعظم ضلالاً فإن اللابس يجمع بين ذنبين كبيرين :
الأول : ارتكاب النهي الصريح الصحيح في نهي الرجال عن لبس الذهب وتحليهم به .
الثاني : التشبه بالنصارى والمشابهة في الظاهر تورث المودة في الباطن وهذا بلاء عظيم وداء قبيح .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال . من تشبه بقوم فهو منهم رواه أحمد من حديث ابن عمر .
وقد بلغني عن مجموعة من الجهّال أنهم يلبسون الخاتم دفعاً للعين واعتقاداً أنه يؤلف بين الزوجين ويكفيهما عين كل حاسد وهذا جهل بالدين وبتوحيد رب العالمين قال تعالى { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .(2/65)
وقال تعالى { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } .
وكل من جعل من الأشياء سبباً لجلب نفع أو دفع ضر ولم يدل على ذلك دليل شرعي ولا قدري فقد أشرك بالله وهذا الشرك قد يكون أكبر وقد يكون أصغر على حسب قصد لا بسها نسأل الله السلامة والعافية .
السؤال الرابع :
فضيلة الشيخ ما هي الفوائد المستفادة من قوله صلى الله عليه وسلم ( غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث قال كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك ) .
الجواب :
هذا الحديث متفق على صحته من حديث أبي هريرة وفيه دروس وعبر ومعاني وعلوم وإليك أهم المهمات من المعاني والفوائد .
سعة رحمة الله تعالى قال تعالى { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } .
فيه معنى قوله تعالى { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } .
فيه الرد على الخوارج المكفرين بمطلق الذنوب .
فيه إثبات صفة المغفرة لله تعالى والرد على المعطلة .
فيه مشروعية الإحسان إلى الدواب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء .. الحديث رواه مسلم في صحيحه من حديث شداد ابن أوس رضي الله عنه .
فيه أن قليل الخير يحصل به كثير الأجر وقد جاء في صحيح البخاري من طريق مالك عن سُمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بينما رجل يمشي بطريق وجد غُصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر له .
فيه عدم اليأس من رحمة الله وعفوه فقد سبقت رحمة الله غضبه صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم .. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة .(2/66)
فيه قبح الزنا وعظيم حرمته وقد قال تعالى { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } .
فيه أن الله يرحم من عباده الرحماء وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) .
فيه مشروعية إبهام اسم الزانية والزاني حيث قال صلى الله عليه وسلم ( غفر لامرأة ) فلم يذكر اسمها ولا قبيلتها حيث لا فائدة من ذلك .
السؤال الخامس :
ما هي آخر مدة النفاس ؟
الجواب :
في ذلك خلاف بين أهل العلم .
فقال أكثر أهل العلم إن أكثر النفاس أربعون يوماً فإذا تجاوز الدم ذلك فهو استحاضة إلا إذا صادف عادة حيضها وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية وهي المشهورة من مذهبه وحكاه الترمذي في جامعه عن سفيان وابن المبارك وإسحاق وأكثر أهل العلم .
وقال مالك والشافعي وأحمد في رواية أكثره ستون يوماً .
وقال الحسن البصري تجلس أربعين يوماً إلى خمسين فإن زاد فهي استحاضة .
وقيل غير ذلك من الأقوال وهي اجتهادات ليس على شيء منها دليل صحيح إلا القول الأول فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال . النفساء تنتظر نحواً من أربعين يوماً . رواه ابن الجارود في المنتقى .
وقد روى أحمد و أبو داود والترمذي وابن ماجة من طريق مسة الأزدية عن أم سلمة قالت : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف .
وهذا الإسناد مختلف فيه وقد ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام والإمام ابن حزم . وصححه الحاكم وحسنه النووي وغيره .(2/67)
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار ليس في مسألة أكثر النفاس موضع للاتباع والتقليد إلا من قال بالأربعين فإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم منهم . وسائر الأقوال جاءَت عن غيرهم ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم والنفس تسكن إليهم فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل . وهذا القول هو الصواب وذلك لأمور :
الأول : أنه قول الصحابة ولا مخالف لهم .
الثاني : أنه لا بد في المسألة من تحديد أيام تجلس فيها النفساء ولا يمكن تجاوز قول الصحابة إلى غيرهم .
الثالث : أنه قول الأطباء وهم من أهل الاختصاص في معرفة الدم فاتفق قولهم مع رأي ابن عباس وقول أكثر أهل العلم .
وأما أقل النفاس فلا حدَّ له في قول أكثر أهل العلم فإذا رأت النفساء الطهر وهو انقطاع الدم وجب عليها أن تغتسل وتصلي .
وقد ذكر الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه إجماع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَنْ بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي .
snallwan@hotmail.com
الجلسة التاسعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 30/1/1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
فيه رجل يريد أن يتزوج ابنته من الزنا فما حكم ذلك ؟
الجواب :
هذا محرم ومنكر من الفعل وقد أنكره أكثر أهل العلم وشدّد فيه الإمام أحمد رحمه الله وقال في الرجل يزني بامرأة فتلد منه ابنة فيتزوجها فاستعظم ذلك وقال يتزوج ابنته !!! عليه القتل .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزوج بها وهو الصواب المقطوع به .. ) .(2/68)
وقال ابن القيم رحمه لله في زاد المعاد ( وقد دل التحريم بلبن الفحل على تحريم المخلوقة من ماءِ الزاني دلالة الأولى والأحرى ، لأنه إذا حرم عليه أن ينكح من قد تغذّت بلبن ثارَ بوطئه ، كيف يحل له أن ينكح من قد خُلق من نفس مائه بوطئه !! وكيف يحرّم الشارع بنته من الرضاع لما فيها من لبن كان وطء الرجل سبباً فيه ثم يبيح له نكاح من خلقت بنفس وطئه ومائه !! . هذا من المستحيل فإن البعضية التي بينه وبين المخلوقة من مائه أكمل وأتم من البعضية التي بينه وبين من تغذت بلبنه فإن بنت الرضاع فيها جزء ما من البعضية .
والمخلوقة من مائه كاسمها مخلوقة من مائه فنصفها أو أكثرها بعضه قطعاً ، والشطر الآخر للأم . وهذا قول جمهور المسلمين ولا يعرف في الصحابة من أباحها ... ) .
وقد جاء عن بعض أهل العلم جواز نكاح البنت من الزنا باعتبار أنها ليست بنتاً في الشرع ودليل ذلك أنهما لا يتوارثان . وهذا ضعيف فإن النسب تتبعض أحكامه وأمثلته كثيرة .
وكونهما لا يتوارثان لا يعني جواز النكاح بينهما بدليل البنت من الرضاع لا يجوز نكاحها بالإجماع وهما لا يتوارثان بالإجماع .
وقد قال تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } والآية عامة في كل من شمله لفظ البنت .
ولم يثبت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة نقل هذا العموم عن عمومه فشمل كل بنت من نكاح أو زنا .
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم الأم على ابنها من الزنا فأيّ فرق بين هذه الصورة وبين البنت مع والدها فالبنت بعضها من الأب والإبن كذلك بعضه من الأم فلا فرق بين المسألتين .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة جريج حين استنطق الولد المخلوق بماء حرام فقال من أبوك قال : راعي الغنم ) .(2/69)
وهذا فيه دلالة صريحة على نسبة ابن الزنا لأبيه وأما حديث ( لا يحرم الحرام إنما يحرم ما كان بنكاح حلال ) فهو حديث منكر رواه ابن عدي في الكامل والدار قطني والبيهقي وغيرهم وقد تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك الحديث وقد نقل عن ابن معين أنه كذّبه وقال الإمام أبو حاتم رحمه الله . هذا حديث باطل .
السؤال الثاني :
ما تقولون في مسافر يصلي خلف مقيم ؟
الجواب :
لا مانع من كون المسافر يصلي خلف المقيم سواء اختلفت هيئة الصلاة أم لا . واختلاف النية غير مؤثر غير أن المسافر إذا أدرك مع الإمام دون الركعة فإنه يصلي قصراً .
مثال ذلك : مسافر أدرك مع الإمام التشهد الأخير من صلاة الظهر فحينئذٍ يصلي الظهر ركعتين ، فهذه صلاته إذا لم يدرك ركعة فأكثر .
وأما إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة فأكثر فإنه يتم وجوباً وهذا مذهب أكثر أهل العلم وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما .
وفي صحيح مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أُصل مع الإمام فقال ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
وفي صحيح مسلم من طريق نافع قال كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً وإذا صلاّها وحده صلى ركعتين .
وروى البيهقي في السنن من طريق سليمان التميمي عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر : المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم يعني المقيمين أتجزيه الركعتان أو يصلي بصلاتهم ؟ قال فضحك وقال يصلي بصلاتهم .
وإذا اختلفت هيئة الصلاة كأن يصلي المسافر صلاة المغرب خلف مقيم يصلي العشاء فإنه حينئذٍ يجلس بعد الثالثة .
وهل يكمل صلاته وينصرف أم ينتظر الإمام حتى يتم صلاته ويتشهد معه ويسلم ؟
لكل من هذين القولين احتمال والأقرب في نظري الاحتمال الثاني وهو الانتظار .(2/70)
وإذا كان العكس كأن يصلي المسافر صلاة العشاء خلف مقيم يصلي المغرب ، فالذي يظهر لي في هذه المسألة أنه يصلي ركعتين ويجلس حتى يتم الإمام صلاته ويتشهد ويسلم معه والله أعلم .
السؤال الثالث :
ما الحكم في رجل دخل عليه وقت صلاة الظهر وسافر فهل له القصر؟
الجواب :
إذا دخل عليه وقت الصلاة وخرج من البلد فإنه يصلي صلاة مسافر وهو قول الجمهور كأبي حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد ، لأن الحكم للمكان لا للزمان .
وقيل ليس له القصر لأنها وجبت عليه في الحضر فلزمه إتمامها وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وهذا القول فيه ضعف وينتقض بما لو دخل عليه الوقت في السفر ولم يصل حتى رجع إلى بلده فإنه يصلي صلاة مقيم عند الحنابلة وغيرهم فبان أن الحكم للمكان لا للزمان فحيثما صلى اعتبر مكانه فإن صلى في السفر فإنه يصلي صلاة مسافر وإن صلى في الحضر صلى صلاة مقيم .
السؤال الرابع :
ما تقولون في رجل عدم الماء فتيمم وصلى وحين فرغ من صلاته وجد الماء ؟
الجواب :
الصحيح في هذه المسألة أن الصلاة مجزئة وهو قول أكثر أهل العلم و إليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد .
وذهب ابن سيرين والزهري وغيرهما إلى أنه يعيد الصلاة ما دام في الوقت .
والصحيح مذهب الجمهور فقد سقط الفرض بالتيمم حين العجز عن الماء وقد اتقى المصلي ربه وعمل بالبدل حين تعذر الأصل وهذا المشروع في حقه ولا يلزم إعادة الصلاة مرة ثانية لأن هذا غير مشروع وقد ورد النهي عن ذلك فروى أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن سليمان مولى ميمونة عن ابن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) .(2/71)
وروى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي الزناد قال كان من أدركت من فقهائنا الذين يُنتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب فذكر الفقهاء السبعة من المدينة وذكر أشياء من أقاويلهم وفيها وكانوا يقولون من تيمم فصلى ثم وجد الماء وهو في وقت أو في غير وقت فلا إعادة عليه ويتوضأ لما يستقبل من الصلوات ... ) .
وروى أبو داود في سننه من طريق عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمّما صعيداً طيباً فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يُعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يُعد : أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي توضأ وأعاد : لك الأجر مرتين .
قال أبو داود رحمه الله . وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ هو مرسل .
السؤال الخامس :
فضيلة الشيخ إذا صلت المرأة صلاة الجمعة خلف الإمام في المسجد فهل تصلي ركعتين كصلاة الإمام أم أنها تتم أربعاً بعد سلام الإمام ؟
الجواب :
ذكر الإمام ابن المنذر في كتابه الإجماع أن العلماء مجمعون على أن النساء إذا حضرن الإمام فصلين معه أن ذلك يجزئ عنهن .
وإذا أدركت من صلاة الجمعة ركعة فلتصل إليها أخرى وتصح صلاتها وإذا لم تدرك ركعة أو صلت في بيتها فلتصل أربعاً .
وقد جاء عن عبد الله بن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا إذا أدركتَ من الجمعة ركعة فأضف أخرى وإن أدركتهم جلوساً فصل أربعاً .
وحكى ابن المنذر الإجماع على أن من فاتته الجمعة من المقيمين أنهم يصلون أربعاً .(2/72)
وجاء عن أبي حنيفة وجماعة من أهل العلم أنه إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام فإنه يصلي ركعتين وإذا لم يدرك الإمام في صلاته فإنه يصلي أربعاً باتفاقهم .
السؤال السادس :
ما حكم السجود للسهو وما هي مواضعه ؟
الجواب :
السجود للسهو في نقص أو زيادة أو شك واجب في أصح قولي العلماء فقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به .
والأصل في الأمر أن يكون للإجاب مالم يصرفه صارف .
وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم تارة قبل السلام وتارة بعده .
فقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله السجود كله بعد السلام .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله . كله قبل السلام .
وفصّل في ذلك الإمام مالك فقال إذا كان السهو عن نقص في الصلاة فيسجد قبل السلام وإذا كان عن زيادة في الصلاة فيسجد بعد السلام ولا خلاف في مذهب مالك أنه لو جعل السجود كله قبل السلام أو كله بعد السلام لم يكن عليه شيء وهذا مذهب أكثر أهل العلم .
وأما مذهب الإمام أحمد رحمه الله فقد اختلفت الروايات عنه فقيل قبل السلام كمذهب الشافعي وعنه بعد السلام وعنه كمذهب الإمام مالك .
وعنه يسجد قبل السلام في كل شيء إلا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام وقال لولا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام لرأيت السجود كله قبل السلام لأنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل السلام وهذا مذهب قوي لأنه مبني على الأصل غير أنه لا بأس بالسجود قبل السلام في سهو محله بعد السلام ويمتنع العكس لأنه لا يخرج عن الصلاة قبل أن يقضي ما عليه فإن فعل صحت صلاته على الصحيح .
ومواطن سجوده صلى الله عليه وسلم بعد السلام ثلاثة :
سجد بعد السلام حين خرج من الصلاة قبل إتمامها وحديث هذه المسألة في الصحيحين من رواية أبي هريرة في قصة ذي اليدين .
وسجد صلى الله عليه وسلم بعد السلام حين زاد ركعة ولم يعلم بها حتى سلم من صلاته جاء هذا في حديث ابن مسعود في الصحيحين .(2/73)
وقال صلى الله عليه وسلم . إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم ثم يسلم ثم يسجد . جاء هذا في الصحيحين من حديث ابن مسعود .
ولا تنافي بين هذا وبين حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم .
فهذا محمول على من بنى على اليقين وحديث ابن مسعود فيمن تحرى وبنى على غلبة الظن .
فالإمام يبني على غلبة الظن ويسجد بعد السلام .
والمنفرد يبني على اليقين ويسجد قبل السلام .
والفرق بينهما أن الإمام يجد من ينبهه ويرشده إلى الصواب وحينئذٍ فالأفضل في حقه أن يبني على غلبة الظن . بخلاف المنفرد فيبني على اليقين وهو الأقل حتى يخرج من الصلاة بيقين والله أعلم .
snallwan@hotmail.com
الجلسة العاشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتمّ تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 2 ، 4 ، 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
ما حكم النوم بعد صلاة العصر وما درجة الحديث الوارد في النهي عن ذلك ؟
الجواب :
لا بأس بالنوم بعد صلاة العصر ولا حرج في ذلك فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نهي عن ذلك والأصل الإباحة .
ولا حرام إلا ما حرّمه الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن حكم على أمر ما بالتحريم أو الإيجاب بدون دليل فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله .
والحديث المشهور ( من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومنّ إلا نفسه ) ليس له سند ثابت .
وقد رواه أبو يعلى وغيره من حديث عائشة وروي من حديث عبد الله بن عمرو وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .(2/74)
وقد قيل لليث بن سعد . تنام بعد العصر وقد روى ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . فذكر الخبر .
فقال الليث : لا أدع ما ينفعني لحديث ابن لهيعة .
السؤال الثاني :
ما صحة حديث . لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه أبو داود في سننه من طريق سليمان بن معاذ التميمي عن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله .
وهذا إسناد ضعيف . فيه سليمان بن قرم بن معاذ تكلم فيه الأئمة . فقال ابن معين : ضعيف .
وقال أبو زرعة : ليس بذاك .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وروى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سُئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجراً ) .
وهذا لا يصح أيضاً وقد ضعفه ابن منده في كتابه الرد على الجهمية ، وقال . وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل بوجه الله واستعاذ بوجه الله وأمر من يُسْأل بوجه الله أن يُعطي .. من وجوه مشهورة بأسانيد جياد ورواها الأئمة عن عمار بن ياسر وزيد بن ثابت وأبي أسامة وعبد الله بن جعفر وغيرهم .
وهذا هو الصواب والأصل جواز السؤال بوجه الله الجنة وغيرها ولا يصح الخروج عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح والله أعلم .
السؤال الثالث :
فضيلة الشيخ . ما تقولون في الحدود هل هي كفارات أم لا ؟
الجواب :
الصحيح أن الحدود كفارات وهو مذهب الشافعي وأحمد وجماهير العلماء وقد دل على ذلك حديث عبادة المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( با يعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه )) .(2/75)
وفي رواية لمسلم ( ومن أتى منكم حداً فأقيم عليه فهو كفارته ) وهذا صريح في أن الحدود كفارات .
فإن قيل جاء في مستدرك الحاكم من طريق عبد الرازق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا .
فيقال هذا الخبر لا يصح وقد أعله البخاري والدارقطني والصحيح إرساله .والعمل عند أكثر أهل العلم على حديث عبادة .
وظاهره أن الحدود كفارات ولو لم يتب من الذنوب .
فإن الحد مطهر للذنب وهذا قول جماعة من العلماء وقد روى عن جماعة من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين وهو مذهب الشافعي وأحمد وابن جرير الطبري .
وقال جماعة من العلماء . الحدود ليست كفارة ما لم تقترن بالتوبة والأول أصح .
وقد استثنى بعض العلماء حق المقتول فقال إنه لا يسقط باستيفاء الوارث لأن المقتول لم يصل إليه حقه .
وقال ابن القيم في الجواب الكافي . التحقيق في المسألة . أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق .
حق الله ، وحق للمظلوم المقتول وحق للولي . فإذا سلم القاتل نفسه طوعاً واختياراً إلى الولي ندماً على ما فعله وخوفاً من الله وتوبة نصوحاً يسقط حق الله بالتوبة وحق الولي بالإستيفاء أو الصلح أو العفو ، وبقي حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن ويصلح بينه وبينه فلا يبطل حق هذا ولا تبطل توبة هذا .
وقد يجاب عن هذا فيقال :
إن المقتول ظلماً تكفر عنه ذنوبه بالقتل فهذا حقه وإذا أقيم الحدّ على الجاني فهو كفارته ولا يلحقه المقتول بشيء وهذا ظاهر حديث عبادة فقد جاء في الحديث ( ولا تقتلوا أولادكم ) وفي آخره قال ( ومن أصاب من ذلك شيئاً أي القتل والسرقة والزنا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ) .(2/76)
والتفريق بين الأمرين أي بين من عوقب وبين من ستره الله صريح الدلالة على أن الحدود كفارات .
وإذا اقترن بذلك توبة وندم كان أفضل وأتقى لله باتفاق العلماء والله أعلم .
السؤال الرابع :
ما صحة حديث . من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
الجواب :
هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى والترمذي وغيرهم من طريق حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله .
وهذا إسناد لا يصح ولم يثبت لأبي تميمة سماع من أبي هريرة .
والخبر ضعفه البخاري والترمذي وغيرهما .
وقد ثبت بالكتاب والسنة تحريم وطء الحائض .
وثبت عن جماعة من الصحابة تحريم إتيان المرأة في دبرها .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه . وهل يفعل ذلك إلا كافر !! رواه الإمام أحمد بسند صحيح .
وسئل ابن عباس عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ؟ فقال : ذلك الكفر . رواه النسائي في الكبرى من طريق معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال سئل ابن عباس وهذا سند صحيح .
وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال . أوَيعمل هذا مسلم !!! رواه النسائي في السنن الكبرى .
وقد جاء في الباب أحاديث مرفوعة عن جمع من الصحابة .
وأهل العلم مختلفون في صحتها وقد جزم ابن حبان وجماعة بصحة كثير منها وعليه العمل عند أكثر أهل العلم .
وأما سؤال الكهان والعرافين فهو محرم بالإتفاق وهو مراتب منه ما هو كفر أكبر ومنه ما هو دون ذلك وقد جاء في صحيح مسلم من طريق يحي بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة .(2/77)
وروى الحاكم في مستدركه بسند صحيح من طريق عوف عن خلاس ومحمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
السؤال الخامس :
ما تقولون في حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) .
الجواب :
ذكرت غير مرة في الدروس والإجابات أن هذا الحديث ضعيف وأنه لا يصح في فضل سورة يس حديث وقد شاعت في بلادنا وأكثر البلاد الأخرى فضائل هذه السورة الكريمة حتى فاقت شهرتها شهرة الأحاديث الصحيحة المتفق على ثبوتها وتلقيها بالقبول .
وقد جاء حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) عن جماعة من الصحابة :
... 1 – أنس بن مالك رواه الترمذي واستغربه .
... 2_ وعبد الله بن عباس رواه ابن مردويه .
... 3- وأبيّ بن كعب رواه القضاعي في الشهاب وذكره ابن لجوزي في الموضوعات .
... 4- وأبو هريرة رضي الله عنه رواه البزار وغيره .
ولا يصح من هذه الأحاديث شيء وقد أبان عن نكارتها غير واحد من الحفاظ .
snallwan@hotmail.com
الجلسة الحادية عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 9 / 4 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
فضيلة الشيخ ما هو تعريف الإيمان عند أهل السنة ؟ وما هي نوا قضه ؟
الجواب :
الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح يزيد وينقص وهذا الذي اتفق عليه الصحابة والتابعون وأهل السنة .
... والمقصود من قول القلب هو اعتقاده ، وعمل القلب هو نيته وإخلاصه .
... وقد حكى الإمام الشافعي إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر .(2/78)
... وقال البغوي رحمه الله . اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان وقالوا : إن الإيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية على ما نطق به القرآن في الزيادة وجاء في الحديث بالنقصان في وصف النساء .
... وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن تارك جنس العمل مطلقاً كافر والمراد بجنس العمل أعمال الجوارح فلا يجزئ التصديق بالقلب والنطق باللسان حتى يكون عمل الجوارح .
... وقال الآجري رحمه الله في كتابه الشريعة . اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً ولا يجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمناً دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين .
وقال رحمه الله . فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمناً ولم تنفعه المعرفة والقول وكان تركه للعمل تكذيباً لإيمانه وكان العمل بما ذكرناه تصديقاً منه لإيمانه .. ) .
وقد حكى إسحاق بن راهويه . إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة قال تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وقال - صلى الله عليه وسلم - بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ، رواه مسلم من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ومن طريق ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر .
وقال سفيان بن عينية : المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم ، وليسا سواء لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية .
وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر وبيان ذلك في أمر آدم و إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه .(2/79)
وقال إسحاق . غلت المرجئة حتى صار من قولهم إن قوماً يقولون : من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره يرجى أمره إلى الله بعد إذ هو مقر . فهؤلاء الذين لا شك فيهم أنهم مرجئة .
وذكر الخلال في السنة عن الإمام الحميدي عبد الله بن الزبير أنه قال . أخبرت أن قوماً يقولون . إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن مالم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر بالفروض واستقبال القبلة . فقلت هذا الكفر بالله الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعل المسلمين قال الله عز وجل { حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } . قال حنبل قال أبو عبد الله أحمد أو سمعته يقول من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به .
وهذا قول كل أهل السنة والجماعة فهم متفقون على ما جاء في الكتاب والسنة أن تارك أعمال الجوارح مطلقاً كافر بالله خارج عن الإسلام . قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في آخر رسالته كشف الشبهات : ولا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً .. ) .
وخالف في ذلك غلاة الجهمية والمرجئة فزعموا أنه لا يكفر تارك جنس العمل مطلقاً وقد تقدم بيان فساده ومخالفته للكتاب والسنة والإجماع .
وزعموا أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح لا يكفر حتى يجحد أو يستحل . و هذا باطل ليس عليه أثارة من علم .(2/80)
فمناط الكفر هو مجرد القول الذي تكلموا به وقال تعالى { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ } وقد دل الكتاب والسنة على فساد هذا القول فقال تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكمَ }.
وقد أجمع أهل العلم على أن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفر دون اشتراط البغض أو الاستحلال .
وأجمع العلماء أن السجود للأصنام أو الطواف على القبور كفر دون ربط ذلك بالاستحلال .
وأجمع العلماء على أن تعمد إلقاء المصحف بالقاذورات كفر دون اشتراط الاستحلال .
وهذا كله ينقض أصول الجهمية والمرجئة ويبطل قولهم في مسألة الإيمان .
وقد جاء في سؤال الأخ طلب بيان نواقض أصل الإيمان وهي كثيرة وقد تقدمت الإشارة إلى شيء منها :-
1- كترك جنس العمل مطلقاً .
2- وترك الصلاة بالكلية .
3- و الطواف على القبور والسجود للأصنام .
4- و إلقاء المصحف في القاذورات .
5- و دعاء غير الله .
6- و التقرب بالذبح لغير الله .
7- و النذر للأولياء . ...
8- و سب الله أو سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
9- و الاستهزاء بالدين .
10- و تبديل شرع الله ووضع القوانين الوضعية وإقامتها مقام حكم الله وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } .
فمناط الكفر في هذه الآية هو ترك حكم الله والإعراض عنه وسبب نزول الآية يقضي بكفر من ترك حكم الله واعتاض عنه بغيره من أحكام البشر .(2/81)
والكفر إذا عرف باللام فيراد به الكفر الأكبر .وما روي عن ابن عباس من كونه كفراً دون كفر فلا يثبت عنه وقد بينت نكارته في غير موضع وأبنت أن المحفوظ عنه إطلاق الكفر على من حكم بغير ما أنزل الله ، وقد سئل ابن مسعود عن الرشوة فقال من السحت فقيل له أفي الحكم قال ذاك الكفر ثم تلا هذه الآية { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } وهذا أثر صحيح رواه ابن جرير في تفسيره ورواه أبو يعلى في مسنده و البيهقي و وكيع في أخبار القضاة .
فمن حكم بهذه القوانين الوضعية والتشريعات الجاهلية أو قننها أو شارك في تشريعها أو فرضها على العباد وألزم بالتحاكم إليها وأعرض عن شرع الله والتحاكم إليه أو استخف بمن ينادي بتحكيم الكتاب والسنة فإنه كافر بالله العظيم وأي كفر أكبر من الإعراض عن شرع الله والصد عنه ومحاكمة من دعا إليه ولمزه بالرجعية والتخلف عن الحضارة والمناداة عليه بالجهل وسوء الفهم .
ومن عظيم نفاق هؤلاء المشرّعين أنهم إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أعرضوا عن ذلك وصدّوا واستكبروا استكباراً وقد صرح أحدهم بأن حكم الله غير مناسب لمثل عصرنا فنحن في عصر التطور والحضارة ومجاراة الدول الأوربية بينما تحكيمُ الشريعة يعود بنا إلى الوراء والتخلف ، وهذا لسان حال الجميع من محكمي القوانين وإن لم يتكلم به أكثرهم والأفعال شاهدة على القلوب والأقوال ولا أدل من ذلك محاربتهم للناصحين وإقصاؤهم شرع رب العالمين .
وإعطاؤهم المخلوق حق التشريع بحيث تعرض الأحكام الشرعية القطعية على البرلمان فما أجازه فهو نظام الدولة وما حضره فهو ممنوع .
وهذا الصنيع إعتداء كبير على التشريع الإلهي وتطاول على الأحكام القطعية ولا ريب أن هذا منازعة لله في حكمه وحكمته وإلاهيته .
وتقييد الكفر بالجحود أو الاستحلال لا أصل له فإن الجحود أو الاستحلال كفر ولو لم يكن معه تحكيم القوانين .(2/82)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثالث من الفتاوى : متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان . من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين .
قال تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } وقال تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً } .
فإن قيل إن الحاكم بغير ما انزل الله لا يفضل القانون على حكم الله بل يعتقد أنه باطل ، فيقال :
هذا ليس بشيء ولا يغير من الحكم شيئاً فان عابد الوثن مشرك ومرتد عن الدين وإن زعم أنه يعتقد أن الشرك باطل ولكنه يفعله من أجل مصالح دنيوية قال تعالى { وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } .
والاعتذار عن هؤلاء المشرعين المعرضين عن الدين بأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
يقال عنه : بأنّ المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار يشهدون الشهادتين ويصلون ويصومون ويحجون وليس هذا بنافع لهم .(2/83)
والذين يطوفون حول القبور ولها يصلون وينذرون ويذبحون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقد قال تعالى { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }.
والذين قالوا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء يعنون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و أصحابه ونزل القرآن ببيان كفرهم . كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويجاهدون .
والرافضة الإثنا عشرية الذين يسبون الصحابة ويزعمون ردة أبي بكر وعمر وعثمان ويقذفون عائشة بالإفك يتكلمون بالشهادتين .
والسحرة والكهان والمنجمون يلفظون بالشهادتين .
وبنوعبيد القداح كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويبنون المساجد وقد أجمعت الأمة على كفرهم وردتهم عن الإسلام .
وهذا أمر يعرفه صغار طلبة العلم ناهيك عن كبارهم وقد صنف أهل العلم كتباً كثيرة في الردة و نوا قض الإسلام يمكن مراجعتها في مضانها .
وأهل العلم والسنة يفرقون بين ذنب ينافي أصل الإيمان وبين ذنب ينافي كماله الواجب فلا يكفرون بكل ذنب .
وقد أجمعوا على أنه لا يكفر صاحب الكبيرة ما لم يستحلها فلا يكفر المسلم بفعل الزنا وشرب الخمر وأكل الربا لأنه هذه المحرمات لا تنافي أصل الإيمان .(2/84)
والحديث عن هذه المسألة يطول ذكره وقد تحدثت عن هذه القضية في غير موضع وبينت كفر تارك أعمال الجوارح مطلقاً وردة المبدّلين لشرع الله المعرضين عمّا جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - . بيد أني أقول إن الحديث عن هذه المسألة وغيرها من النواقض هو حديث عن النوع دون العين بمعنى أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر وهذا ليس بلازم منه تكفير المعين ، لأنه لا يحكم على العين بالكفر حتى تقام عليه الحجة وتنتفي عنه الشبهة لاحتمال أن يكون جاهلاً جهلاً معتبراً أو متأولاً تأويلاً سائغاً أو مكرهاً . وحين تقوم عليه الحجة وتنتفي عنه موانع التكفير يصبح حينئذ مرتداً عن الدين ويجب على ولىّ أمر المسلمين تطبيق حكم الله فيه . ويمتنع على آحاد الناس إقامة الحدود والأحكام دون السلطان فان هذا يسبب فوضى في المجتمع ولا يحقق المصلحة المطلوبة .
وللحديث بقية لعلي أتحدث عنه في جلسة أخرى .
وأشير إلى أسباب الضلال في هذا الباب ومواطن الزلل في كلام كثير من المعاصرين .
فقد زلّ في هذه المسألة الكبيرة طائفتان :-
الخوارج حيث أخرجوا عصاه الموحدين من الإسلام وجعلوا ذنباً ما ليس بذنب ورتبوا على ذلك أحكام الكفر ولم يراعوا في ذلك الأحكام الشرعية ولا المطلق من المقيد ولا موانع التكفير .
وقابلهم في هذا الضلال أهل الإرجاء حيث زعموا أنه لا يكفر أحد بذنب مهما كان ذنبه حتى يستحل أو يجحد .
وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على فساد هذين المذهبين وعلى ضلال تلك الطائفتين
وأختم بمسألة مهمة وأنبه على أنه ليس كل من شابه المرجئة بقول أصبح مرجئاً ولا كل من دان بقول من أراء الخوارج صار خارجياً فلا يحكم على الرجل بالإرجاء المطلق ولا أنه من الخوارج حتى تكون أصوله هي أصول المرجئة أو أصول الخوارج .
وقد يقال عن الرجل فيه شيء من الإرجاء في هذه المسألة وذاك فيه شيء من مذاهب الخوارج .(2/85)
وحذار حذار من الظلم والبغي حين الحديث عن الآخرين من العلماء والدعاة والمصلحين وغيرهم . فالعدل في القول والفعل من صفات المؤمنين وهو مما يحبه الله ويأمر به قال تعالى { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا } ، وقال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان } .
وقد اتفق الخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم إنسهم وجنهم على حب العدل .
واتفق الناس كلهم على بغض الظلم وذمه وبغض أهله وذمهم ومهما كانت منزلة عدوك من الانحراف والضلال فهذا لا يسّوغ لك ظلمه وبهته . فكن من خير الناس للناس ولا تتحدث عن الآخرين إلا بعلم وعدل واجعل قصدك نصرة الحق والنصيحة للآخرين . وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت . متفق عليه من حديث أبي هريرة .
السؤال الثاني :
فضيلة الشيخ . من لم ير كفر تارك الصلاة هل يعتبر من أهل الإرجاء ؟
الجواب :
نقل عبد الله بن شقيق العقيلي إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة رواه عنه الترمذي بسند صحيح ، وحكى إسحاق بن راهويه إجماع أهل العلم على ذلك وكونه إجماعاً للصحابة فهذا ظاهر فلا يعلم عن أحد من الصحابة خلاف في هذا .
وأما كونه إجماعاً لأهل العلم ففيه نظر فقد ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أن تارك الصلاة بالكلية لا يكفر مالم يجحد وجوبها . وهؤلاء أئمة هدى ومصابيح دجى فمن رماهم جميعاً بالإرجاء فقد أساء وظلم . فان هؤلاء الأئمة يمتنعون من تكفير تارك الصلاة بسبب ما توفر لهم من الأدلة وما استبان لهم من النصوص ولعله لم يبلغهم إجماع الصحابة أو لم يثبت عندهم وإلا لما تجاوزوه إلى اجتهادهم ورأيهم .
ومأخذ هؤلاء الأئمة من منع تكفير تارك الصلاة ليس هو مأخذ المرجئة من كون الصلاة عملاً وشتان ما بين المذهبين .
فمن ظهرت له الأدلة بعدم كفر تارك الصلاة فهو مجتهد يجب حفظ مكانته وصيانة عرضه من الوقيعة .(2/86)
ومن قال أنا لا أكفر تارك الصلاة لأن الصلاة عمل ولا يكفر أحد بترك العمل مهما كان أمره فهذا مخطئ ضال وهو مذهب غلاة المرجئة .
السؤال الثالث :
فضيلة الشيخ . روي عن عمر أنه قال : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . ماهي درجته ؟ ومن رواه ؟
الجواب :
هذا الأثر صحيح رواه عبد الرزاق عن الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة قال دخلت أنا وابن عباس على عمر حين طعن فقلنا الصلاة فقال : إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة فصلى وجرحه يثعب دماً .
... ورواه من طريق معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال سمعت عمر يقول . لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة .
... ورواه المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة من طريق عبد الرزاق .
... ورواه مالك في الموطأ من طريق هشام عن أبيه عن المسور بن مخرمة بدون ذكر سليمان بن يسار وقد رجح الدار قطني في العلل رواية الجماعة عن هشام وحكم على رواية مالك عن هشام بالوهم .
snallwan@hotmail.com
رقم الفتوى ... السؤال ... رقم الصفحة
1 ... ذكر بعض أهل العلم أن العمليات الفدائية القائمة في فلسطين والشيشان محرمة وسماها بالعمليات الانتحارية فما هو قولكم في ذلك ؟ ... 3
2 ... يقوم بعض الاخوة الفلسطينيين بعمليات فدائية ضد اليهود ويكون في اليهود الكبير والصغير والجندي والمدني والرجال والنساء فهل في قتلهم بأس ؟
لأننا سمعنا عن بعض المفتين يقول بحرمة قتل نساء اليهود ومدنييهم بدعوى أنهم ليسوا من المقاتلين ، فما تقولون بارك الله فيكم ؟ ... 5
3 ... تعلمون ما يحصل للفلسطينيين في هذا الوقت من الإجرام اليهودي والسكوت العربي المخزي . فهل في العمليات الفدائية ضد اليهود مخالفة شرعية ؟ ... 9
4 ... أحدثت امرأة في أثناء الطواف فاستحيت أن تخبر رفقتها وأكملت طوافها وأخبرت أهلها فيما بعد فماذا عليها ؟ ... 12
5 ... ما حكم حك الرأس للمحرم ؟ ... 13(2/87)
6 ... قد عزمت على الحج ومعي صبي فهل يجب أن أطوف عن نفسي ثم أطوف عنه طوافاً آخر أو أكتفي بطواف واحد وسعي واحد ؟ ... 14
7 ... ما حكم من عزم على الأضحية فأخذ من شعره وقلم أظفاره ؟ ... 15
8 ... تعتقد بعض النساء أن للإحرام ثياباً خاصة فما صحة ذلك ؟ ... 16
9 ... يوجد رجل نفر من عرفات قبل غروب الشمس وعندما سأل أفتاه البعض بأن عليه دماً وقال له بعض أصحابه بأنه آثم ولا دم عليه فما تقولون في ذلك جزاكم الله خيراً . ... 17
10 ... لي أخت قد أحرمت بالنقاب ولم تعلم بحرمة ذلك إلا بعد نهاية العمرة فماذا عليها ؟ ... 19
11 ... فتوى فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في تأييد حكومة طالبان في تحطيم الأوثان وكسر الأصنام ... 20
12 ... ما تقولون في رجل تزوج امرأة ودفع لها المهر وقبل أن يدخل بها توفي فهل ترثه أم لا وهل عليها العدة أم لا ؟ ... 24
13 ... ماحكم الإسلام فيمن استهزأ بآيات الله ولحن الآيات القرآنية وغنّاها ؟ ... 25
14 ... سمعت في الإذاعة حديثاً منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك !!! فماهي درجة هذا الحديث ؟ ... 29
15 ... ما حكم التبرع بالدم ونقله من إنسان صحيح إلى شخص مريض ؟ ... 30
16 ... فيه شخص جامع في نهار رمضان فما حكمه ؟ وماذا عليه ؟ ... 31
الجلسة الأولى وفيها : ... 33
17 ... هل يوجد في الأربعين النووية أحاديث ضعيفة ؟ ... 33
18 ... هل الكحل يفطر الصائم ؟ ... 34
19 ... البنت البكر إذا ثاب منها لبن فأرضعت به هل تكون أماً للطفل ؟ ... 34
20 ... ما حكم الاستمناء باليد ؟ ... 35
21 ... ما صحة حديث ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ) . ... 35
22 ... هل يجوز للمحادة أن تتصل بالهاتف . ... 35
23 ... ما هو القول الصحيح في الأقراء هل هي الحيض أم الأطهار ؟ ... 36(2/88)
24 ... امرأة طهرت من الحيض في صيام رمضان فهل يجب عليها الإمساك بقية يومها ؟ ... 36
الجلسة الثانية وفيها : ... 37
25 ... ما صحة حديث ( عند كل ختمة دعوة مستجابة ... ) . ... 37
26 ... ما صحة زيادة ( سفعاء الخدين ) في حديث مسلم ... 38
27 ... ما تقولون في نجاسة القيء ؟ ... 39
28 ... هل يعتبر موت الإنسان دماغياً موتاً حقيقياً ؟ ... 39
الجلسة الثالثة وفيها : ... 40
29 ... ما الحكم في اللقيط هل يعتبر عبداً أم حراً ؟ ... 40
30 ... ما حكم الوضوء في المسجد ؟ ... 40
31 ... هل يكفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد السب أم يشترط في ذلك الاستحلال ؟ ... 41
32 ... ما حكم جلسة الاستراحة في الصلاة ؟ ... 42
33 ... ما حكم رفع اليدين بعد الصلوات المكتوبة ؟ ... 42
الجلسة الرابعة وفيها : ... 44
34 ... ما صحة حديث الصدقة تطفئُ غضب الرب ..؟ ... 44
35 ... ما تقولون في حديث ابن عمر قال . كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام ؟ ... 44
36 ... هل يجوز للأب أن يجبر ابنه العاقل على الزواج بفتاة لا يريدها . ... 45
37 ... هل تجوز حضانة الكافر على المسلم ؟ ... 45
38 ... ما تقولون في الحديث الوارد في دعاء الخروج من الخلاء . الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني . ... 46
39 ... ما درجة حديث ( ماء زمزم لما شرب له ) ؟ ... 47
الجلسة الخامسة وفيها : ... 48
40 ... ما هو القول الصحيح في الحديث الوارد في الصلاة بعد الإشراق ؟ ... 48
41 ... ما حكم الصلاة على الميت الغائب ؟ ... 49
42 ... ما صحة الحديث الوارد في افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ؟ ... 50
43 ... ما تقولون في الحديث الوارد في لحوم البقر بأنها داء . ... 51
44 ... ما تقولون في تقسيم الشرك إلى ثلاثة أقسام أكبر وأصغروخفي ... 51
الجلسة السادسة وفيها : ... 53
45 ... ما حكم بدأ اليهود والنصارى بالسلام ؟ ... 53(2/89)
46 ... هل تجوز عيادة أهل الكتاب ؟ ... 54
47 ... ما هو القول الصحيح في حكم الساحر ؟ ... 55
48 ... ما الحكم فيمن حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً ؟ ... 55
49 ... هل صح قتل الوزغ باليد ؟ وهل ثبت في قتله أجر ؟ ... 56
الجلسة السابعة وفيها : ... 57
50 ... ما هو القول الراجح في كيفية صلاة الاستسقاء هل تقدم الخطبة على الصلاة كهيئة صلاة الجمعة أم تقدم الصلاة على الخطبة كهيئة صلاة العيدين ؟ ... 57
51 ... هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد يوم للخروج إلى صلاة الإستسقاء . ... 58
52 ... ما حد الغيبة وما حكمها ؟ ... 59
53 ... توفي رجل عن زوجة حامل فوضعت قبل أن يُغسَّل فهل يجوز للمرأة أن تليه في الغسل ؟ ... 60
54 ... ما تقولون في حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ؟ ... 60
55 ... سمعت من بعض العامة أنّ أم الأولاد لا تطلق فهل يصح هذا وهل قال به أحد من أهل العلم ... 61
الجلسة الثامنة وفيها : ... 62
56 ... شخص طلق زوجته طلاقاً رجعياً وقبل أن تنقضي عدتها أراد مراجعتها فهل يجب رضاها بذلك ؟ ... 62
57 ... ما حكم الوضوء من لحوم الإبل ؟ ... 63
58 ... ما حكم لبس خاتم الذهب للرجال ؟ ... 64
59 ... ما هي الفوائد المستفادة من قوله صلى الله عليه وسلم ( غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث قال كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك ) . ... 65
60 ... ما هي آخر مدة النفاس ؟ ... 66
الجلسة التاسعة وفيها : ... 67
61 ... فيه رجل يريد أن يتزوج ابنته من الزنا فما حكم ذلك ؟ ... 67
62 ... ما تقولون في مسافر يصلي خلف مقيم ؟ ... 69
63 ... ما الحكم في رجل دخل عليه وقت صلاة الظهر وسافر فهل له القصر؟ ... 70(2/90)
64 ... ما تقولون في رجل عدم الماء فتيمم وصلى وحين فرغ من صلاته وجد الماء ؟ ... 70
65 ... إذا صلت المرأة صلاة الجمعة خلف الإمام في المسجد فهل تصلي ركعتين كصلاة الإمام أم أنها تتم أربعاً بعد سلام الإمام ؟ ... 71
66 ... ما حكم السجود للسهو وما هي مواضعه ؟ ... 71
الجلسة العاشرة وفيها : ... 73
67 ... ما حكم النوم بعد صلاة العصر وما درجة الحديث الوارد في النهي عن ذلك ؟ ... 73
68 ... ما صحة حديث . لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ؟ ... 73
69 ... ما تقولون في الحدود هل هي كفارات أم لا ؟ ... 74
70 ... ما صحة حديث . من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . ؟ ... 75
71 ... ما تقولون في حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) . ... 76
الجلسة الحادية عشرة وفيها : ... 77
72 ... ما هو تعريف الإيمان عند أهل السنة ؟ وما هي نوا قضه ؟ ... 77
73 ... من لم ير كفر تارك الصلاة هل يعتبر من أهل الإرجاء ؟ ... 83
74 ... روي عن عمر أنه قال : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . ماهي درجته ؟ ومن رواه ؟ ... 83
الفهرس ... 84(2/91)
المجموعة الأولى
من الفتاوى العلمية لفضيلة الشيخ
سليمان بن ناصر العلوان
الصادرة عبر البريد الإلكتروني :
snallwan@hotmail.com
وانظر صفحات الشيخ في المواقع التالية
السلفيون ... http://alsalafyoon.com/SuliemaAlwan/
التوحيد ... http://www.attawhid.com/alwan_fatawa.htm
رسالة الإسلام ... www.islammessage.com/Arabic/AlAlwanFatawaJ.html
القائمة للنشر ... http://www.geocities.com/aboa7med/alalwan/
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى هل يجوز شرعاً البول قائماً ؟ فقد حصل في هذه المسألة نزاع بين قوم مجتمعين فقال بعضهم بالجواز وقال آخرون بالمنع وقد وافق الجميع على رفع هذا السؤال لفضيلتكم لمعرفة الصواب في ذلك ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أصح الأقوال في هذه المسألة جواز البول قياماً من غير كراهة .
قال حذيفة رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم سُباطة قوم فبال قائماً ، ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ )) . رواه البخاري ( 224 ) من طريق شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة ورواه مسلم ( 273 ) من طريق أبي خيثمة عن الأعمش وترجم له البخاري ( باب البول قائماً وقاعداً ) .
وهذا شأن العرب الأول كانوا يبولون قياماً وأقرَّ ذلك الإسلام فبال النبي صلى الله عليه وسلم قائماً لبيان الجواز وترخص في ذلك جماعة من أصحابه وابن سيرين وعروة بن الزبير من التابعين .
وقد اعتذر بعض أهل العلم عن العمل بحديث حذيفة بأنه منسوخ وهذا غلط .
وقالت طائفة إنما بال قائماً لجرح كان في مأبضه وفي ذلك حديث ولا يصح .
وقالت طائفة أخرى إنما بال قائماً لأنه لم يجد مكاناً للقعود .
وقد قالت عائشة رضي الله عنها (( من حّدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدّقوه ما كان يبول إلا قاعداً )) .(3/1)
رواه الترمذي ( 12 ) من طريق شريك عن المقَْدام بن شُريح عن أبيه عن عائشة وفيه شريك سيئ الحفظ وقد تابعه سفيان رواه أحمد وغيره .
وليس في الخبر دلالة على كراهية البول قائماً فإن عائشة تخبر عن علمها وقد حفظ غيرها ما خفي عليها .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (( رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائماً فقال يا عمر لا تبل قائماً فما بلت قائماً بعد هذا )) . وهذا متفق على ضعفه ولا يصح في النهي عن البول قائماً حديث مرفوع .
والصحيح جواز ذلك فقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وعمل به جماعة من أصحابه غير أن البول قعوداً أفضل لأنه الأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والأسلم من رشاش البول . والله أعلم .
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله ورفع قدره في الدارين .
السلام عليكم ورحمة الله .
لدي سؤال أرجو التكرم بالإجابة عليه
مادرجة الحديث الوارد في لأذان بأذن المولود ، فقد ورد على مسامعنا أن فضيلتكم يضعفه ؟
وما هي السنن الثابتة في أحكام المولود يوم سابعه ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الحديث الوارد في الآذان في أُذن المولود لا يثبت .
رواه أبو داود في سننه ( 5105 ) والترمذي ( 1514 ) من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة )) .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وفيه نظر فقد تفرد به عاصم عن عبيد الله وأكثر أهل العلم على تضعيفه .
قال ابن عيينه ( كان الأشياخ يتقون حديث عاصم بن عبيد الله ) .
وقال على بن المديني سمعت عبد الرحمن بن مهدي ينكر حديث عاصم بن عبيد الله أشد الإنكار [ .
وقال أبو حاتم ( منكر الحديث مضطرب الحديث ليس له حديث يعتمد عليه ) . وقال النسائي ( لا نعلم مالكاً روى عن إنسان ضعيف مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله فإنه روى عنه حديثاً ) .(3/2)
وتصحيحُ الترمذي للحديث اجتهادُُُ ُ لم يوافقه عليه كبير أحد ، فأئمة هذا الشأن وأهل العلم المعنيّون بمعرفة الرواة والأسانيد يطعنون في عاصم ولا يصححون له .
وقد ورد الحديث عن ابن عباس
رواه البيهقي في الشعب ] 6 / 390 [من طريق الحسن بن عمرو بن سيف عن القاسم بن مطيب عن منصور بن صفية عن أبي معبد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم (( أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى )) .
وهذا الإسناد أشد ضعفاً من سابقه ، فالحسن بن عمرو كذبه البخاري وقال الحاكم أبو أحمد متروك الحديث .
ولا يصح في الباب شيء فيصبح الأذان في أذن المولود غير مستحب .
والأحكام الشرعية من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات لا تقوم إلا على أدلة صحيحة وأخبار ثابتة .
وقد طلب السائل بيان السنن الثابتة في أحكام المولود يوم سابعه .
وأصح شيء في ذلك العقيقة وحلق الرأس صح هذا عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كُلّ غُلام مرتهنُُ ُ بعقيقته تُذبح عنه يومَ سابعه ويُحْلَقُ رأسُه ويُسمَّى ) . رواه أحمد وأهل السنن من طريق قتادة عن الحسن البصري عن سمرة وسنده صحيح .
وقد سمع الحسن هذا الخبر من سمرة .
قال البخاري في صحيحه ( كتاب العقيقة ) باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة ) حدثني عبد الله بن أبي الأسود حدثنا قريش بن أنس عن حبيب الشهيد قال أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن : ممن سمع حديث العقيقة ؟ فسألته فقال : من سمرة بن جندب )) .
وأكثرُ أهل العلم على أنه يُعَقُ عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة .
وقد ذكر يوسف بن ماهَك أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن فسألوها عن العقيقة فأخبرتهم أن عائشة أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة )) رواه الترمذي ( 1513 ) وقال حديث حسن صحيح .(3/3)
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن العقيقة تذبح في اليوم السابع فإن لم يتهيأ ففي اليوم الرابع عشر فإن لم يتهيأ ففي اليوم الحادي والعشرين .
وقد ورد في ذلك أثر عن عائشة رضي الله عنها رواه الحاكم في مستدركه ( 4 \ 238 ) وفي صحته نظر .
وقد قال الإمام الباجي في المنتقى ( 3 \101 ) روى ابن حبيب عن ابن وهب عن مالك ( من ترك أن يَعُقَّ عن ابنه في سابعه فإنه يَعُقُ عنه في السابع الثاني فإن ترك ذلك ففي الثالث فإن جاوز ذلك فقد فات وقتُ العقيقة ) .
وروى ابن حبيب عن مالك . لا يُجاوز بالعقيقة اليوم السابع [ وهذا أصح من الأول فإن العقيقة مقيدة باليوم السابع فلا يصح تقديمها عليه ولا تأخيرها أشبه ما تكون براتبة الصلاة فإن فاتت لعذر شُرع قضاؤها وإذا تركت تفريطاً حتى فات وقتهاسقط حكمها والقول في تقديم العقيقة عن اليوم السابع كالقول في تأخيرها وكذلك لو مات الصبي قبل اليوم السابع لم تكن له عقيقة . والله أعلم .
فضيلة الشيخ سليمان العلوان حفظه الله تعالى ، قد أشكل علىّ أمر العقيقة هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية أم أنه يجوز العق بما تيسَّر ؟
وقد بحثت هذه المسألة في كتب الفقهاء فلم أهتد للصواب فعرضت هذا السؤال على فضيلتكم .
بسم الله الرحمن الرحيم
قد جاءت بعض الأحاديث في بيان ما يجزئ في الأضحية ومالا يجزئ .
وأمّا العقيقة فلم يرد فيها سوى ذكر شاتين مكافئتين في حق الغلام وشاة واحدة في حق الأنثى .
ولم يرد ذكر أوصافها وما يلزم في ذلك وما يمتنع فذهب جمهور العلماء إلى إلحاق العقيقة في الأضحية فيما يجوز وفيما يحرم .
فاشترطوا سلامة العقيقة من العيوب كاشتراطهم سلامة الأضحية على ماجاءَ في الأحاديث الصحيحة .(3/4)
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية فيجوز ذبح المعيبة وذبح ما دون ثنية المعز ونحو ذلك . لأن الأضحية ذبيحة شرعت في وقت محدود لا يخرج عنه وجاءَت فيها نصوص تبين ما يجوز ومالا يجوز بخلاف العقيقة فإن الشارع ذكر ما يهراق عن الغلام وعن الجارية ولم يزد على ذلك فدل على أنه لا يشترط فيها ما يشترط في الأضحية .
ولأنها شرعت عند تجدد نعمة فأشبه ما تكون بسائر الولائم .
قال في الرعاية الكبرى كما في الإنصاف [ 4\114 ] والتفرقة أشهر وأظهر ) . يدل لهذا القول أن الذين قاسوا العقيقة على الأضحية لم يأخذوا بجميع أوجه الاشتراك وجميع أوجه المنع .
فبعض من يرى أن حكم العقيقة حكم الأضحية قال ولا يجوز فيها شرك في بدنة ولا بقرة وبعضهم يجوَّز ذلك .
وقد قال ابن سيرين في العقيقة . اصنع بلحمها كيف شئت .
وسئل أحمد بن حنبل رحمه الله عن ذلك فذكر قول ابن سيرين قال في الشرح الكبير وهذا يدل على أنه ذهب إليه وسئل هل يأكلها كلها ؟
قال ألم أقل يأكلها كلها ولا يتصدق منها بشيئ )) .
وهذا كله يدل على أن العقيقة لا تشبه الأضحية في مصرفها فكذلك لا تشبه الأضحية في سنَّها وصفتها وشروطها . والله أعلم .
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
قرأت في أحد كتب الشيخ الألباني رحمه الله أنه صحح حديث عائشة ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء ) .
وقد سمعت من بعض العلماء أن هذا الحديث لا يصح فأحببت أن أرفع هذا السؤال لفضيلتكم لمعرفة الصحيح من ذلك والله أسأل أن يسدّد خطاكم وينفع فيكم القاصي والداني .
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي ( 1397 ) وأحمد في مسنده (6 / 43 ) وأبو داود ( 228 ) والترمذي ( 118 ) وابن ماجة ( 581 ) وغيرهم من طريق أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة قالت . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء ) .(3/5)
وهو معلول أخطأ فيه أبو إسحاق واضطرب فيه ولم يأت به على وجهه الصحيح وقد رواه غير واحد عن الأسود عن عائشة بلفظ آخر فقد خرّج مسلم في صحيحه من طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً أراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءَه للصلاة )) وهذا هو المحفوظ .
وقد ذكر أبو داود في سننه ( 228 ) عن يزيد بن هارون أنه قال هذا الحديث وهم يعني حديث أبي إسحاق . وقال الإمام أحمد ( ليس صحيحاً ) وقال أبو عيسى الترمذي في جامعه ( وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق ) .
وهذا لا خلاف فيه بين أئمة الحديث حكى اتفاقهم غير واحد .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في الفتح ( 1 / 362 ) وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق منهم إسماعيل بن أبي خالد وشعبة ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة ومسلم بن الحجاج وأبو بكر الأثرم والجوزجاني والترمذي والدارقطني .
وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ : لا يحل أن يُروى هذا الحديث – يعني أنه خطأ مقطوع به فلا تحل روايته دون بيان علته .
وأما الفقهاء المتأخرون : فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله فظن صحته .
وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث . ووافقهم طائفة من المحدثين كالطحاوي والحاكم والبيهقي ... ) .
وتبعهم على ذلك بعض أهل عصرنا وجزموا بصحة الخبر معتمدين على ظاهر إسناده وثقة رواته وهذه غفلة عن دقائق علم العلل ومخالفة لصنيع أئمة هذا الشأن الذين أطبقوا على خطأ أبي إسحاق واضطرابه في ذلك وتفرده عن الثقات والله أعلم .
فضيلة الشيخ سليمان العلوان بارك الله فيه ونفع به المسلمين في كل مكان .(3/6)
لدي أرض ثمينة فيها زروع وثمار سطا عليها بعض أهل الظلم فلم استطع استخلاصها منه وقد رفعت أمره إلى أهل الشأن فلم يقوموا بالمطلوب وقد سمعت أنهم يقبلون الرشوة فهل يجوز أن أدفع الرشوة لآخذ حقي من هذا الظالم المعتدي ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
من أسباب خراب البلاد وفساد العباد انتشارُ الرشوة في المجتمع فهي من الظلم المتفق على تحريمه ومن الأمراض الموروثة عن المفسدين في الأرض وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي ) صححه الترمذي ( 1337 ) من حديث الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما .
والراشي من يُعطي المال لإبطال حق أو إحقاق باطل والمرتشي الآخذ وقد شمله اللعن لأنه شريك للراشي ومعين على الظلم والفساد .
ومن كان له حق من عقار وغيره لا يستطيع أخذه ولا الوصول إليه إلا بدفع الرشوة فلا بأس بذلك للراشي دون المرتشي فقد رخص فيه جماعة من السلف قال ابن الأثير رحمه الله في كتابه النهاية ( 2 / 226 ) فأمّا ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه … وروى عن جماعة من أئمة التابعين قالوا : لابأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم )) .
وقال الخطابي رحمه الله في المعالم [ 5 / 207 ] إذا أَعطى ليتوصل به إلى حقه أو يدفع عن نفسه ظلماً فإنه غير داخل في هذا الوعيد .. )
وهذا الأمر مما عمت به البلوى في بعض البلاد فلا يقدرون على أخذ حقوقهم وقضاء حوائجهم إلا بشيء من الرشوة ويعتبر ذلك من باب الضرورة فيجوز للدافع ويحرم على الآخذ .(3/7)
يدل على ذلك حديث أبي سعيد رواه أحمد في مسنده ( 3 / 4 ) من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال عمر يا رسول الله لقد سمعت فلاناً وفلاناً يحسنان الثناء يذكران أنك أعطيتهما دينارين قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكن والله فلاناً ما هو كذلك لقد أعطيته من عشرة إلى مائة فما يقول ذاك أما والله إن أحدكم ليخرج مسألته من عندي يتأبطها يعني تكون تحت إبطه يعني ناراً قال فقال عمر يا رسول الله لِمَ تعطيها إياهم قال فما أصنع يأبون إلا ذاك ويأبى الله لي البخل )) وصححه ابن حبان والحاكم والحديث في صحيح مسلم ( 1056 ) بغير هذا اللفظ رواه من طريق جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن سلمان بن ربيعة قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً فقلت والله يارسول الله لغيرُ هؤلاء كان أحقَّ به منهم قال ( إنهم خيّروني أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني فلستُ بباخل )) وهذا أصح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ( 31 / 187 ) ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الكبار …) .
وهذا من دقائق فقه السلف وعظيم علمهم فهذا الباب فيه حاجة من جهة وصعوبة الاجتناب من جهة أخرى فاستدعى النظر تجويز ذلك مراعاة لمصالح العباد ودفع الضرر عنهم والصبر في مثل هذه المسائل فيه خير كثير وفضل عظيم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
سؤال : قرأت في بعض الكتب أن المؤذن . إذا قال في آذان الفجر (( الصلاة خير من النوم )) يقول من يتابعه (( صدقت وبررت )) .
هل على هذا دليل ؟ أفتونا جزاك الله خيرا .
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أن العبادات مبناها على التوقيف فلا يشرع منها شيء إلا ما شرعه الله ورسوله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم [ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ] متفق عليه من حديث عائشة .(3/8)
والمشروع للمسلم إذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم أن يقول مثله لقوله صلى الله عليه وسلم (( إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن )) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري .
وهذا الحديث عام لم يخص منه شيء إلا في الحيعلتين فيقول من يتابع المؤذن (( لا حول ولا قوة إلا بالله )) لحديث عمر في صحيح مسلم .
وأما بقية ألفاظ الأذان فيقول مثله فإذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم لم يشرع لأحد أن يقول خلاف ما يقول المؤذن لا صدقت ولا بررت (1) ( 1 ) ولا غيرها من الألفاظ التي لم ترد في الشرع وشر الأمور محدثاتها .
وأما قول السائل قرأت في بعض الكتب الخ .
فهذا صحيح ذكر ذلك بعض الفقهاء ولكنهم لم يذكروا دليلاً على ذلك إنما هو استحسان من بعضهم فظن من أتى بعدهم أن قولها مشروع ولا شرع إلا ما شرعه الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم .
فعلى المسلم أن يقتدي ويتبع ولا يبتدع وليس كل ما ذكره الفقهاء أو بعضهم يكون صحيحاً مشروعاً فبعضهم يذكر ما وقف عليه وبعضهم يذكر ما قاله إمام مذهبه والمسلم يأخذ ما قام عليه الدليل والله أعلم .
فضيلة الشيخ المحدث سليمان بن ناصر العلوان أمدّ الله في عمره على عمل صالح .
قرأت في أحد الكتب حديث حذيفة (( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس وسط الحلقة )) .
فتعاظمت هذا الوعيد في مثل هذا العمل اليسير فقلت أكتب لفضيلتكم تبينون درجته فإن صح عندكم فما معناه ؟ .
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الحديث رواه أبو داود في سننه ( 4826 ) حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا قتادة حدثني أبو مجلز عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة )) .
ورواه أحمد ( 5 / 384 ) والترمذي ( 2753 ) والحاكم ( 4 / 281 ) من طريق شعبة عن قتادة نحوه .
وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وصححه الحاكم وفيه نظر .
__________
(1) قال ابن حجر في التلخيص ج 1/211 )) لا أصل لها )) .(3/9)
فالحديث رواته ثقات غير أنَّ أبا مجلز لا حق بن حميد لم يسمع من حذيفة قاله يحيى بن معين.
وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا حجاج بن محمد قال قال شعبة لم يدرك أبو مجلز حذيفة ( العلل رقم 788 ) .
فأصبح الحديث ضعيفاً وهو ليس على ظاهره اتفاقاً .
وقد تأوله قوم على الرجل السفيه الذي يقيم نفسه مقام السخرية ليكون ضحكة بين الناس .
وتأوله آخرون على من يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها ولا يقعد حيث انتهى به المجلس فلعن للأذى .
وتأولته طائفة ثالثة بتأويل آخر .
ولا يصح من هذه التأويلات شيء وقد علمتَ أن الحديث معلول فلا يؤخذ منه حكم . والله أعلم .
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان أيده الله ورفع ذكره آمين .
نسمع من العامة أحاديث ولا نعرف صحتها فرأينا الكتابة لجنا بكم لتوافونا بدرجتها .
وهي : يس لما قرأت له تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها .
إنّ الله لا ينظر إلى الصف الأعوج .
جنبوا مساجدكم صبيانكم .
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الأخبار ماعدا الأخير ليس لها أصل والجزم بنسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قول بلا علم وأهل العلم متفقون على تحريم رواية الأحاديث المنكرة والباطلة ومتفقون على تحريم القول على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بلا علم مثلُ أن يروي عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحاديث منكرة ويجزم بصحتها وهو لا يعلم وقد روى البخاري في صحيحه ( 3509 ) عن علي بن عياش حدثنا حَريز قال حدثني عبد الواحد بن عبد الله النصري قال سمعتُ واثلة بن الأسقع يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من أعظم الفِرى أن يدَّعي الرجل إلى غير أبيه أو يُري عينه مالم تر أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم يقل )) .(3/10)
وحديث ( جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم ... ) رواه ابن ماجه في سننه ( 750 ) من طريق الحارث بن نبهان حدثنا عتبة بن يقظان عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم به وهذا الحديث منكر .
الحارث بن نبهان متروك الحديث قاله أبو حاتم والنسائي .
وقال البخاري منكر الحديث .
وقد روى له الترمذي ( 1775 ) حديث أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل وهو قائم )) . وقال لا يصح عند أهل الحديث والحارث بن نبهان ليس عندهم بالحافظ .
ورُوي الحديث من طريق أبي نُعيم النخعي ثنا العلاء بن كثير عن مكحول عن أبي الدرداء وعن واثلة وعن أبي أمامة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( جنبوا مساجدكم ... )) رواه البيهقي في السنن ( 10 / 103 ) وقال – العلاء بن كثير هذا شامي منكر الحديث .. ) .
وقال الإمام العقيلي في الضعفاء [ 3 / 347 ] حدثني آدم بن موسى قال سمعت البخاري قال : العلاء بن كثير عن مكحول : منكر الحديث .
وأسند العقيلي حديثه هذا وقال عَقِبه [ الرواية فيها لين ] .
ورواه ابن عدي في الكامل ( 4 / 1435 ) من طريق عبد الله بن مُحَرَّر عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبوا مساجدكم ... الحديث وفيه نكارة .
عبد الله بن محرر متروك الحديث قاله النسائي وغيره وقال ابن عدي رواياته غير محفوظة .
وتفرده عن أقرانه بالرواية عن يزيد غير محتمل فالحديث منكر ولا يصح في الباب شيء .
وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للصبيان بدخول المساجد وفعل ذلك بنفسه حين صلى بالمسلمين وهو حامل أُمامة بنت زينب . رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة ... غير أنه يُتقى أذاهم للمصلين وكثرة اللغط والعبث الباعث على التشويش على الراكعين الساجدين والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
6 / 3 / 1421 هـ(3/11)
شيخنا الفاضل سليمان العلوان سلمه الله وجعل الجنة مأواه
نود من فضيلتكم التعريف بدرجة حديث (( لا يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة )) .
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن وهب بن جرير ( 1 / 294 ) وأبو داود ( 2611 ) والترمذي ( 1555 ) وابن خزيمة ( 2538 ) وابن حبان ( 4717 ) وغيرهم من طرق عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن يزيد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعة مئة وخير الجيوش أربعة آلاف ولا يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة )
ورواه أحمد ( 1 / 299 ) عن يونس ثنا حبان بن علي حدثنا عقيل بن خالد عن الزهري بذلك .
وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه وقال على شرط الشيخين والضياء المقدسي وابن القطان وغيرهم .... وفيه نظر .
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله لا يسنده كبير أحد غيرُ جرير بن حازم وإنما رُوي هذا الحديث عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا .. ) .
وقال أبو داود في سننه ( الصحيح أنه مرسل ) .
وقد رواه في المراسيل ( 313 ) عن سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن المبارك عن حيوة عن عقيل عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ورواه ( 314 ) عن مخلد بن خالد حدثنا عثمان يعني ابن عمر أخبرنا يونس عن عقيل عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه )) .
قال أبو داود قد أُسند هذا ولا يصح أسنده جرير بن حازم وهو خطأ )) .
وأخطأ فيه حبان بن علي فرواه عن عقيل موصولاً والصحيح عن عقيل مرسلا رواه حيوة ويونس والليث ابن سعد .
ورواه عبد الرزاق في المصنف ( 9699 ) عن معمر عن الزهري مرسلاً .
قال الإمام أبو حاتم في العلل ( 1 / 347 ) المرسل أشبه لا يحتمل هذا الكلام أن يكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. ) .(3/12)
وقد جزم بعض المتأخرين بخطأ هذا القول وصوّب رفعه وقال ( جرير بن حازم ثقة محتج به في الصحيحين وقد وصله والوصل زيادة واجب قبولها من ثقة .. ) .
وهذا ليس بشيء فجرير لا يمكن مقارنته أو مساواته بمن أرسله فهم أجل وأحفظ وأضبط منه .
وقد ذكر الإمام ابن حبان جرير بن حازم وقال كان يخطئ لأنه أكثر ما كان يحدث من حفظه )) .
وقال زكريا الساجي (( صدوق حدّث بأحاديث وهم فيها ... ) .
وقد وثقه أكثر الحفاظ وانتقدوا عليه أحاديث يرويها عن قتادة وتفردات يخالف فيها غيره والله أعلم .
وقوله ( والوصل زيادة واجب قبولها من الثقة ) .
وهذا قول الخطيب وتبعه على ذلك كثير من الفقهاء والأصوليين وجماعة من المتأخرين .
وفيه نظر كثير .
فأئمة هذا الشأن العارفون بعلل الأحاديث المتخصصون بذلك أمثال ابن مهدي والقطان وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي لا يقولون بذلك .
ولا يحكمون على هذه المسألة بحكم مستقل . بل يعتبرون القرائن ويحكمون على كل حديث بما يترجح عندهم .
وتأمل في صنيعهم والمنقول عنهم ترى وضوح هذا المنهج .
قال الحافظ ابن حجر في النكت ( 2 / 687 ) والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد بل يرجحون بالقرائن كما قدّمناه في مسألة تعارض الوصل والإرسال .. ) .
ونحو هذا قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح علل الترمذي ( 2 / 630- 643 ) .(3/13)
وقال الحافظ العلائي في نظم الفرائد ص ( 376 ) وأما أئمة الحديث فالمتقدمون منهم كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهما كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهذه الطبقة وكذلك من بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة الرازي ومسلم والنسائي والترمذي وأمثالهم ثم الدارقطني والخليلي كل هؤلاء يقتضي تصرفهم من الزيادة قبولاً ورداً الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل حديث ولا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث وهذا هو الحق الصواب ... ) .
وكلام الأئمة في مثل هذا كثير ، وحاصل كلامهم أن وصل الثقة وزيادته تقبل في موضع وترد في موضع آخر على حسب القرائن المحتفة بذلك .
فإذا تفرد الثقة بوصل حديث أو زيادة لفظة فيه وخالف غيره فيحكم للثقة الضابط ، وإذا اختلف ثقاة حفاظ متقاربون في ذلك قدم الأكثر .
فإذا كان لأحدهم اختصاص بمرويات شيخه قدم على غيره .
ومن القرائن المرجحة اتفاق الحفاظ الناقدين على تصحيح وصل أو ترجيح إرسال .
مثال ذلك روى أحمد في مسنده ( 2 / 8- ) وأبو داود ( 3179 ) والترمذي ( 1007 ) والنسائي ( 4 / 56 ) وغيرهم من طرق عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال (( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر يمشون أمام الجنازة )) ورفعه خطأ والصواب أنه مرسل قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله ( حديث ابن عمر هكذا رواه ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد عن الزهري عن سالم عن أبيه نحو حديث ابن عيينة .
وروى معمر ويونس بن يزيد ومالك وغيرهم من الحفاظ عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي أمام الجنازة .
وأهل الحديث كلهم يَرَوْن أن الحديث المرسل في ذلك أصح .
وسمعت يحيى بن موسى يقول : سمعت عبد الرزاق يقول : قال ابن المبارك : حديث الزهري في هذا مرسل ، أصح من حديث ابن عيينة .. ) .
وقال الإمام النسائي والصواب مرسل .(3/14)
فأنت ترى اتفاق المحدثين على تصحيح إرساله وقد خالف في ذلك بعض أهل العلم فصحح رفعه وهذا غلط .
ولا أرى لتصحيحه وجهاً معتبراً فأوثق الناس في الزهري ماعدا ابن عيينة يروونه مرسلاًَ واتفاق أكابر الحفاظ على تصحيح إرساله قرينة مرجحة لذلك والله أعلم .
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان
6 / 3 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ العلامة سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله من آفات الزمان ووقاه البارى شر الفتن والبليات .
لدي سؤالان أرجو الإجابة عليهما ولو بعبارات مختصرة أعرف من خلالها رأيكم في تلكما المسألتين .الأولى . قراءة القرآن للحائض .
الثانية . حكم امرأة حاضت قبل الإفاضة ورفض رفقتها انتظارها .
بسم الله الرحمن الرحيم
ذهب الإمام مالك وأحمد في إحدى الروايتين والطبري وابن المنذر وابن القيم وأئمة آخرون إلى جواز قراءَة الحائض للقرآن وهو المختار فلم يثبت دليل بالمنع والأصل الجواز وعدم شغل الذمة بدون دليل صحيح .
ونحن نعلم أن النساء تحيض ونعلم أن قراءَة القرآن من أفضل القربات وأعلى المقامات وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على قراءَة القرآن وعلى استذكاره وتعاهده ولا نعلمه صلى الله عليه وسلم استثنى الحائض من ذلك .
وحديث ( لا تقرإ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن )) ضعيف بالاتفاق رواه الترمذي ( 131 ) وابن ماجه ( 595 ) من طريق إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
وإسماعيل بن عياش ضعيف الحديث عن أهل الحجاز والعراق وقد روى هذا الحديث عن موسى بن عقبة وهو مدني .
قال الإمام البخاري رحمه الله ( إذا حدّث إسماعيل عن أهل بلده فصحيح وإذا حدّث عن غيرهم ففيه نظر )) .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد سألت أبي عن هذا الحديث فقال : هذا باطل أنكره على إسماعيل ابن عياش .. ))
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى ( 21/ 460 ) هو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث ))(3/15)
وقد ذهب إليه بعض الفقهاء فمنعوا الحائض من قراءة القرآن .
وقالت طائفة يجوز للحاجة .
والصحيح الجواز مطلقاً غير أنها لا تمس القرآن بدون حائل والله أعلم .
وأما المسألة الثانية : في حكم المرأة التي حاضت قبل طواف الإفاضة ورفض رفقتها انتظارها .
فقيل تنتظر حتى تطهر ولا يصح طوافها والحالة هذه بحال .
وهذا مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد وهؤلاء جعلوا الحيض منافياً للطواف كمنافاته للصلاة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) رواه البخاري ( 305 ) ومسلم ( 1211 ) من طريق عبد العزيز بن سلمة الماجشون عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة .
وقيل الطهارة واجبة وليست بشرط فيصح طواف الحائض وتجبر ذلك بدم وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد .
وقيل الطهارة سنة من الحدث الأصغر ، ومن الحيض والجنابة شرط حيث الاستطاعة فإذا لم يمكن المرأة البقاءُ حتى الطهر وهي غير قادرة على العودة في زمن لاحرج عليها فيه فإنها تستثفر بثوب ونحوه وتطوف بالبيت ولا شيء عليها فقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة .
قال تعالى ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) فأتت هذه الآية على نفي كل أنواع الحرج فإن النكرة في قوله ( حرج ) جاءَت في سياق النفي وقد سُبقت بمن فاستلزمت العموم المقتضي لرفع كل مافيه حرج على البشر .
وقال تعالى ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها )) .
وقال صلى الله عليه وسلم (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما ستطعتم )) رواه البخاري ( 7288 ) ومسلم ( 1337 ) من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ومن تذوق أسرار الشريعة وحكمها وفهم المقصد الأعم للشريعة تجاوب مع هذا القول .
فإنه لا يمكن أن تُفتى هذه المرأة بأن تقيم في مكة بدون محرم ففي ذلك فساد عظيم .(3/16)
ولا يمكن أن تٌفتى بالرجوع وهي غير قادرة على العودة فتبقى حينئذٍ محرمة ممنوعة من الزوج محرومة من النسل حتى تطوف بالبيت أو تموت على ذلك . فمثل هذا يرفضه الشرع والعقل .
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله . إن الرجل إذا طاف جنباً ناسياً صحّ طوافه ولا دم عليه )) وعنه عليه دم وقد تقدم وعذر المرأة بالحيض أولى من عذر هذا الرجل بالنسيان .
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكتب في ذلك رسالة .
ونصره الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين [ 3/25-41 ] . والله أعلم .
قاله : سليمان بن ناصر العلوان ... ... ... ... ... ... ... ... ... 11/3/1421هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى .
أنا رجل مصري أسكن حالياً في السعودية وقد قلت لزوجتي وهي في مصر إن خرجت من بيتي فأنت طالق وقد خرجت من البيت بدون عذر فما الحكم في ذلك نفع الله بكم المسلمين ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الطلاق المعلق بشرط نوعان .
الأول : أن يقصد الطلاق إذا وقع الشرط فهذا تعليق لازم فإذا خرجت من المنزل غير ناسية فإنها تطلق طلقة واحدة فيراجعها حيث شاء ما لم تنته العدة وما لم تكن هذه الطلقة آخر ثلاث تطليقات .
وهذا لا ينازع فيه أحد من أهل العلم إلا منْ يمنع وقوع الطلاق المعلق بشرط وفيه نظر .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وقال نافع : طَّلق رجل امرأتَه البتَّة إنْ خرجَتْ فقال ابن عمر : إن خَرجتْ بُتت منه وإن لم تخرج فليس بشيء )) رواه البخاري في صحيحه معلقاً تحت ( باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون ... الخ ) .
وروى البيهقي في السنن ( 7 / 356 ) من طريق سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن ابن مسعود رضي الله عنه . في رجل قال لامرأته إن فعلت كذا وكذا فهي طالق فتفعله قال هي واحدة وهو أحق بها )) .(3/17)
الثاني : أن يقصد التهديد كي تمتنع المرأة من الخروج وهو يكره وقوع الجزاء عند الشرط فهذا لا يقع به طلاق البتَّة لأنه لم ينو والأعمال بالنيات .
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما (( الطلاق عن وطَرَ )) رواه البخاري في صحيحه معلقاً .
والوطر بفتحتين الحاجة قاله أهل اللغة ومنه قوله تعالى ( فلما قضى زيد منها وطر زوجناكها ) . والذي يعلق الطلاق على الشرط وهو يكره ذلك لا وطَرَله ولا يترتب عليه حكم واعتبار المقاصد مطلب من مطالب الشريعة فالألفاظ تترتب عليها موجباتها بالمقاصد فإذا قصد الطلاق حُسبت عليه تطليقة وإذا قصد التهديد لم يؤاخذ فيكون بمنزلة اللغو في اليمين لم يؤاخذ لأنه لا قصد له واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم عليهما رحمة الله .
وقال بعض أهل العلم تَطْلُقُ إذا وُجد الشرط ولا اعتبار لنيته وقصده وهذا ضعيف فمن الضروري اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ يدل على ذلك قوله تعالى ( لا يؤخذ كم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) .
فقد رفع الله المؤاخذة على لفظ اللسان حيث لم يقصده القلب .
ومثل هذا طلاق المجنون والمكره والسكران والغضبان الذي اشتد غضبه فتكلم بما لم يكن في خياره لا يقع شيء منه حيث لم يوجد الغرض من المطلق في وقوعه والله سبحانه وتعالى أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
13/3/1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان . أشهد الله على حبكم ، وعندي سؤال مشكل أكتب به إليكم .
قرأت في كثير من الكتب النهي عن تخصيص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمثل كرم الله وجهه ، فلم أفهم وجه المنع ولا دليله ؟ وأنتم أهل علم ونطمئن إلى جوابكم فنريد توضيح ذلك .
بسم الله الرحمن الرحيم
أحبكم الله الذي أحببتموني فيه .(3/18)
وقولي في سؤالكم أدام الله فضلكم أن تخصيص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بوصف ( كرم الله وجهه ) ليس له مسَوَّغ شرعي ولا جرى به عمل أئمة الهدى وأهل العلم المعنيين بالسنة وحراستها .
وقد شاع هذا اللفظ في المتأخرين وغلب في عبارات الرافضة والجهّال .
ومعنى ذلك أنه ما سجد لصنم قط وهذا لا يختص به علي رضي الله عنه دون غيره ، فزيد بن عمرو بن نفيل حنيفي موحد لم يثبت عنه أنه سجد لوثن قط وقد مات قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقصته مشهورة في البخاري ( 3826 ) وغيره ، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ( يأتي يوم القيامة أمة وحده ) رواه أبو يعلى [ 2 / 260 ] من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد وإسناده جيّد .
وجماعة ممن أسلم من الصحابة لم يثبت عنهم أنهم سجدوا للأصنام ، والصحابة الذين ولدوا في الإسلام كابن الزبير والنعمان بن بشير وجماعة لم يسجدوا إلى صنم قط .
فتخصيص علي رضي الله عنه بذلك دون غيره من الصحابة لغو من القول وابتداع في الدين .
وأعتقد أن هذا التخصيص من همزات الرافضة كيداً للخلفاء الراشدين الثلاثة فهم في نظرهم عبدة أوثان وأصنام لا يُعَدّون في عداد المسلمين !!! .
قال الرضوي الرافضي ( إن مما لا يختلف فيه اثنان ممن على وجه الأرض أن الثلاثة الذين هم في طليعة الصحابة _ يعني أبا بكر وعمر وعثمان _ كانوا عبدة أوثان حتى لفظوا آخر أنفاسهم في الحياة )) كتاب كذبوا على الشيعة ( ص 223 ) .
وقالوا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( كان يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والصنم معلق في عنقه يسجد له )) .
وقالوا عن الفاروق عمر رضي الله عنه [ إن كفره مساو لكفر إبليس إن لم يكن أشد ] .
وقالوا عن عثمان رضي الله عنه ( كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ممن أظهر الإسلام وأبطن النفاق )).(3/19)
وهذا شيء يسير من اعتقاد الرافضة في أئمة الصحابة وطليعة الأكابر وحينها تدرك السر في تخصيصهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بـ ( كرم الله وجهه ) .
وتعلم دأب أهل الأهواء والضلال على ترويج بدعهم وضلالاتهم وبث الشبه و البليات بين أهل السنة ، فقد جعلت الرافضة من مدح أمير المؤمنين علي رضي الله عنه سُلَّماً لنبز الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين .
وقد تضخّمت هذه البدعة فيما بعد وسرت في كثير من التآليف . والأصل تسوية الصحابة في ذلك وعدم تخصيص بعضهم دون بعض .
وكلُ وصفٍ يُشعر بتعظيم على رضي الله عنه فأبو بكر وعمر وعثمان أولى بذلك منه .
فهم أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا أجمع أهل السنة .
وقد روى البخاري في صحيحه ( 3655 ) من طريق يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نُخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم )) .
ورواه ( 3697 ) بلفظ آخر من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ( كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم )) .
وقد تواتر النقل عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بأن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر )) انظر صحيح البخاري ( 3671 ) وفضائل الصحابة للإمام أحمد ( ص 300 إلى ص 313 ) .
قال الحافظ بن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه فتح الباري ( 7 / 34 ) قد سبق بيان الاختلاف في أيّ الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر : عثمان أو علي وأن الإجماع انعقد بآخره بين أهل السنة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة رضي الله عنهم أجمعين ) .والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
25 / 3 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان سلّمه الله .(3/20)
أنا رجل لي هواية في الصيد وأحتاج إلى كلب معلم فهل يجوز لي شراؤه ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ثمن الكب محرم ولا يصح بيعه مطلقاً ، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحُلوان الكاهن )) رواه البخاري ( 2237 ) ومسلم ( 1567 ) من طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه . وظاهر النهي تحريم بيعه وهو عام في كل الكلاب المعلمة وغيرها ويدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله قال ( زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور )) رواه مسلم ( 1569 ) من حديث معقل عن أبي الزبير عن جابر .
ورواه النسائي ( 4300 ) من طريق حجاج بن محمد عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بزيادة (( إلا كلب صيد )) وهذه الزيادة شاذة قال النسائي رحمه الله حديث حجاج عن حماد بن سلمة ليس هو بصحيح . وضعف هذه الزيادة ابن حزم والبيهقي وجماعة .
وروى أبو داود في سننه ( 3482 ) من طريق عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن عبد الله بن عباس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثَمن الكلب وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفّه تُراباً )) .
قال ابن حجر في الفتح ( 4 / 426 ) إسناده صحيح .
وتحريم ثمن الكلب هو قول جماهير العلماء .
وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز بيعه وعن مالك قول يجوز بيع ما أُذن في اتخاذه وحَملَ أحاديث النهي على ما حرم اتخاذه وفيه نظر . والأحاديث عامة لم يخص منها شيء ولا يجوز التخصيص بدون دليل .
بيد أنه يجوز دفع الثمن في كلب الصيد والحراسة إذا تعذر الحصول عليهما بدون ثمن والإثم على البائع دون المشتري لأنه محتاج إليهما وقد رخص له الشرع بالانتفاع بهما واتخاذهما للحاجة فإذا تعذر عليه أخذهما بدون ثمن جاز له ابتياعهما .(3/21)
ومثله عَسْبُ الفحل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه رواه البخاري ( 2284 ) من حديث ابن عمر وفي صحيح مسلم ( 1565 ) من طريق روح بن عبادة حدثنا ابن جريج اخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل ) .
فيحرم الثمن على آخذ الأجرة والبائع ولا يحرم على المعطي لأنه محتاج إلى ذلك والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان : 4 / 4 / 1321 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله .
ما هو الذكر الصحيح الوارد بعد الأذان ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السنةُ لمن سمع المؤذنَ يُنادي للصلاة أن يقول مثلَ ما يقول إلا في الحيعلتين فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله . فإذا فرغ من متابعته سُنّ له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى مسلم في صحيحه ( 348 ) من طريق كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جُبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى اللهُ عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو . فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة )) .
وقد روى البخاري في صحيحه صفة الدعاء بعد النداء قال حدثنا على بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماًَ محموداً الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة )) .(3/22)
ورواه على بن المديني وأحمد في مسنده ( 3 / 354 ) ومحمد بن سهل البغدادي وإبراهيم بن يعقوب وجماعة عن علي بن عياش بنحو رواية البخاري ورواه محمد بن عوف عن علي بن عياش وزاد في آخره ( إنك لا تخلف الميعاد ) خرجه البيهقي في السنن ( 1 / 410 ] . وهذه الزيادة شاذة .
فقد اتفق الحفاظ علي بن المديني وأحمد والبخاري وجماعة على روايته عن علي بن عياش دون هذه الزيادة .
وتفرد محمد بن عوف عن علي غير مقبول .
وأين تقع روايته من رواية هؤلاء الحفاظ .
وتصحيح بعض المتأخرين للحديث بزيادته مرفوض ودعوى أنها زيادة من ثقة وزيادة الثقة مقبولة ليس بصحيح فأئمة الحديث المعنيون بعلل الأخبار المتخصصون بذلك لا يقبلون زيادة الثقة مطلقاًَ ولا يحكمون على هذه المسألة بحكم كلي يعم كل الأحاديث بل يحكمون بالقرائن ويحكمون على كل زيادة بما تستحق .
وحين يتفق علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم على رواية الحديث عن علي بن عياش بدون الزيادة لا ريب أنهم يقدّمون على محمد بن عوف وأمثاله والله أعلم .
كتبه : سليمان بن ناصر العلوان : 9 / 4 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ماحكم التسمية على الذبيحة ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الصحيح من أقاويل أهل العلم التفرقة بين المتعمد لترك التسمية فلا تحل ذبيحته وبين من نسي فتحل وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه ولا أعلم له مخالفاً من الصحابة غير قول نُسب لابن عمر ولا يصح . وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والمشهور عن الإمام أحمد .
وقال الشافعي التسمية مستحبة وليست واجبة بدليل حديث عائشة رضي الله عنها أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن قوماً يأتوننا بلحم لا ندري أَذٌكر اسم الله عليه أم لا فقال : سموا عليه أنتم وكلوه . قالت وكانوا حديثي عهد بالكفر . )) رواه البخاري ( 5507 ) من طريق أسامة عن حفص المدني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .(3/23)
ورواه الدراوردي وأبو خالد سليمان بن حبان ومحمد بن عبد الله الطفاوي عن هشام بن عروة بنحو رواية أسامة .
ورواه مالك وابن عيينه وحماد بن زيد وجماعة عن هشام عن أبيه مرسلاً .
قال الخطابي في المعالم ( 4 / 122 ) فيه دليل على أن التسمية غير واجبة عند الذبح لأن البهيمة أصلها على التحريم حتى يتيقن وقوع الذكاة فهي لا تستباح بالأمر المشكوك فيه فلو كانت التسمية من شرط الذكاة لم يجز أن يحمل الأمر فيها على حسن الظن بهم فيستباح أكلها كما لو عرض الشك في نفس الذبح فلم يعلم هل وقعت الذكاة أم لا فلم يجز أن تؤكل .. ) .
وقوّاه الحافظ ابن حجر في الفتح ( 9 / 635 ) وقال : هذا هو المتبادر من سياق الحديث حيث وقع الجواب فيه ( فسمّوا أنتم وكلوا )) كأنه قيل لا تهتمون بذلك بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا وهذا من أسلوبه الحكيم كما نبه عليه الطيبي ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) فأباح الأكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا .. ) . وقال المهلب . هذا الحديث أصل في أن التسمية على الذبيحة لا تجب إذ لو كانت واجبة لاشترطت على كل حال ... ) .
وفيه نظر . والحديث ليس صريحاً في نفي الوجوب وظاهره يدل على حمل أمر المسلمين على الصحة فإذا وجد المسلم لحماً قد ذبحه غيره ولم يستيقن أنه لم يسم جاز له الأكل لأن الذابح مسلم والأصل فيه أنه سمى .
والقول الثالث في المسألة : أن التسمية شرط مطلقاً فلا تؤكل الذبيحة بدونها قاله الإمام أحمد رحمه الله في رواية واختاره شيخ الإسلام في الفتاوى ( 35 / 239 ) وقال هذا أظهر الأقوال فإن الكتاب والسنة قد علق الحل بذكر اسم الله في غير موضع كقوله ( فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) .
وقوله ( فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) وقوله ( ومالكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) وقوله ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .(3/24)
وفي الصحيحين أنه قال (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا )) .
وقد أُجيب عن هذه الأدلة بأنه لم يذهب إلى القول بظاهرها أحد من الصحابة وقد أفتى ابن عباس بخلافها .
وحملها بعض أهل العلم على تعمد ترك التسمية والصحيح أن النهي عن أكل مالم يذكر اسم الله عليه مراد به ما ذبح لغير الله وما أُهل باسم الآلهة والأصنام أو المسيح . ونحو ذلك قال البخاري في صحيحه ( وقال ابن عباس من نسي التسمية فلا بأس .. وقال الله تعالى ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) والناسي لا يسمى فاسقاً .. ) .
وقول ابن عباس وصله سعيد بن منصور والدار قطني وإسناده صحيح وروى عبد الرزاق في المصنف ( 8538 ) عن معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال ( ... إذا نسي أحدكم أن يُسمي على الذبيحة فليُسم وليأكل ) .
وقال الحافظ ابن جرير رحمه الله في تفسيره ( 8 / 20 ) على قوله تعالى ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه )) . والصواب من القول في ذلك أن يقال إن الله عنى بذلك ما ذبح للأصنام والآلهة وما مات أو ذبحه من لاتحل ذبيحته .
وأمّا من قال : عنى بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله فقول بعيد من الصواب لشذوذه وخروجه عما عليه الجماعة من تحليله وكفى بذلك شاهداً على فساده ] .
وقال ابن العربي في أحكام القرآن ( 2 / 750 ) وأما الناسي للتسمية على الذبيحة فإنها لم تُحرّم عليه لأن الله تعالى قال ( وإنه لفسق ) وليس الناسي فاسقاً بإجماع فلا تحرم عليه .. ) .
وقال ابن قدامة في المغني ( 11 / 33 ) نحو هذا .
واعتبر التسمية واجبة في الصيد فلا تسقط مطلقاً بخلاف الذبيحة والصحيح أنه لا فرق بين الصيد والذبيحة فيعذر الناسي في ذلك دون العامد والدلالات على ذلك كثيرة والله أعلم .
قاله : سليمان بن ناصر العلوان :10 / 4 / 1420 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ماحكم صلاة المتلبس بالنجاسة ناسياً ؟
بسم الله الرحمن الرحيم(3/25)
من حكم الشريعة ومصالحها رفع الحرج والمشقة عن الجاهل والناسي والتخفيف عنهما فحين يتعذر على المصلي إزالة النجاسة من ثوبه أو بدنه ولا يعلم بالنجاسة أو يجهل حكمها فإنه لا إعادة عليه في أصح قولي العلماء وهو قول الإمام أحمد في رواية عنه .
وذهب إليه طائفة من فقهاء الأحناف واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ( 21 / 477 ) وقال ( أصح قولي العلماء أنه إذا صلى بالنجاسة جاهلاً أو ناسياً فلا إعادة عليه كما هو مذهب مالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة للأذى الذي كان فيهما ولم يستأنف الصلاة وكذلك في الحديث الآخر لما وجد في ثوبه نجاسة أمرهم بغسله ولم يعد الصلاة وذلك لأن من كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله العبد ناسياً أو مخطئاً فلا إثم عليه كما دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى { وليس علكم جناح فيما أخطأتم به }وقال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال تعالى (( قد فعلت )) رواه مسلم في صحيحه ..... ) .
وحين يعلم بالنجاسة في أثناء الصلاة ويقدر على إزالتها فإنه يتحتم حينئذٍ إزالتها فإذا لم يقدر وصلى صحت صلاته على الصحيح فالمشقة جالبة للتيسير قال تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } ولا سيما أن إزالة النجاسة من الثوب والبدن ليست بشرط على الصحيح وهو قول جماعة من فقهاء المالكية وهو مروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وطاووس وغيرهم لأنه لم يثبت في ذلك دليل تقوم به حجة .
وقوله تعالى { وثيابك فطهر } أمرٌ بالتطهير وهو يفيد وجوب إزالة النجاسة من الثوب ولا يقتضي الشرطية ولا يصار إلى القول بالشرطية بدون عبارة تفيد نفي الصحة مثل . لا صلاة ،إلا بثوب طاهر ونحو ذلك أو الإجماع الصحيح والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
26 / 4 / 1421
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله(3/26)
سمعتٌ في الإذاعة حديث (( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم )) فبحثت عنه فلم أجده !! أين مصدره ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أعلم هذا حديثاً ولا أظن له أصلاً وقد كره أهل العلم تعلم رطانة الأعاجم والمخاطبة بها بدون حاجة وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال ( لا تعلموا رطانة الأعاجم )) رواه عبد الرزاق في المصنف ( 1609 ) والبيهقي في السنن ( 9 / 234 ] .
وقد بُلي المسلمون في هذا العصر بالرطانة الأعجمية وأصبح تعلمُ بعض اللغات الأجنبية ضرورة ملحة في كثير من المهن والأعمال وهذا جائز لأهل الحاجات والمصالح ولا سيما مصالح المسلمين العامة .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة السُّرْيانية )) رواه أحمد ( 5 / 182 ) من طريق الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت ورواه الترمذي ( 2715 ) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلَّم له كلمات من كتاب يهود قال ( إني والله ما آمن يهود على كتاب )) قال : فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلمته له قال : فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم )) . ورواه أحمد و أبو داود والحاكم وغيرهم وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وخالفه غيره فتكلم في ابن أبي الزناد فقد ضعفه يحي بن معين وأحمد وجماعة ووثقه مالك وغيره ولا بأس به إذا لم يتفرد بالحديث وقد اعتبر بحديثه غير واحد والخبر محفوظ وقد علقه البخاري في صحيحه ( 95 / 7 ) جازماً بصحته .
وهو دليل على جواز تعلم اللغة الأجنبية للمصلحة والحاجة وهذا لا ينازع فيه أهل العلم .
وأما تعلم هذه اللغة لغير حاجة وجعلها فرضاً في مناهج التعليم في أكثر المستويات فهذا دليل على الإعجاب بالغرب والتأثر بهم وهو مذموم شرعاً وأقبح منه إقرار مزاحمة اللغات الأجنبية للغة القرآن ولغة الإسلام .(3/27)
ومثل هذا لابدّ أن وراءَه أيد أثيمة ومؤامرات مدروسة لعزل المسلمين عن فهم القرآن وفقه السنة فإن فهم القرآن والسنة واجب ولا يمكن ذلك إلا بفهم اللغة العربية .
فإذا اعتاد الناس في بيوتهم وبلادهم التخاطب باللغة الأجنبية صارت اللغة العربية مهجورة لدى الكثير وعزّ عليهم فهم القرآن والإسلام وحينها ترقَّب الفساد والميل إلى علوم الغربيين واعتناق سبيل المجرمين وهذا ما صنعته بلاد الاستعمار في الدول العربية فالله المستعان .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان : 29 / 4 / 1421
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفضه الله
ما حكم من تطيب أو لبس مخيطاً في الإحرام ناسياً أو جاهلاً ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قاعدة الشريعة أن من فعل محظوراً ناسياً أو مخطئاً فلا إثم عليه ولا فدية قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقد استجاب الله تعالى هذا الدعاء وقال ( قد فعلت ) رواه مسلم في صحيحه ( 2 / 146 – نووي ) من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم .(3/28)
وروى البخاري ( 1789 ) ومسلم ( 8 / 76 – نووي ) من حديث عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبّة وعليها خلوق أو قال أثر صفرة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي قال وأُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي فسُتر بثوب وكان يعلى يقول وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد نزل عليه الوحي قال فقال أيسرك أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أُنزل عليه الوحي قال فرفع عمر طَرَفَ الثوب فنظرت إليه له غطيط قال أو أحسبه قال (( كغطيط البكر )) قال فلما سُري عنه قال أين السائل عن العمرة اغسل عنك أثر الصفرة أو قال أثر الخلوق واخلع عنك جبتك واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك )) وهذا ظاهر في العفو عن الجاهل والناسي فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بفدية وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وهذا قول عطاء وإسحاق والشافعي وغيرهم .
وقال البغوي رحمه الله في شرح السنة ( 7 / 248 ) وفيه دليل على أن المحرم إذا لبس أو تطيب ناسياً أو جاهلاً فلا فدية عليه ... ) .
وكذلك من حلق رأسه أو قلَّم أظفاره ناسياً أو جاهلاً فلا فدية عليه ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ( 20 / 570 ) وتلميذه الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين ( 2 / 30 ) .
وكذلك من جامع ناسياً فإنه لا يبطل إحرامه في أصح قولي العلماء .
وذهب آخرون من العلماء والفقهاء إلى أنه لا فرق بين العامد والناسي في شيء من المحظورات فمن تطيب أو لبس أو قلَّم أظفاره ناسياً أو جاهلاً فإنه يفدي . وفيه نظر .
والصحيح أنه لاشيء عليه دليلاً وقياساً فإن القياس يقتضي أن من فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً لا فدية عليه .(3/29)
وأختم جوابي بنصيحة الحجاج والمعتمرين بتعلم الأحكام الشرعية والتفقه في الدين وبذل شيء من الوقت في فهم مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه . فطلب العلم الشرعي فرض كفاية إلا فيما يتعين فعله في خاصة نفسه فإنه فرض عين . والنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها والله أعلم . كتبه : سليمان بن ناصر العلوان 4 / 5 / 1421
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان
أنا أقرأ في كتب الفقهاء فأرى كثيراً منهم يستحب أن يُقال في لفظ الإقامة أقامها الله وأدامها . ويذكرون في ذلك حديثاً وهو معروف لدى فضيلتكم فما صحته ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي السائل اعلم أن الاستحباب حكم شرعي ، والأحكام الشرعية من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات لا تقوم إلا على أدلة صحيحة فلا يمكن اثبات حكم بدون دليل محفوظ .
وقد اعتاد الفقهاء التساهل في ذلك فيثبتون الاستحباب بحديث ضعيف والكراهية بمثل ذلك وأشد .
وقد تفاقم الأمر في العصور المتأخرة فترى الأحاديث الضعيفة والمنكرة والأخبار الواهية في كتب العقائد والتفاسير وأحكام الحلال والحرام . وأعظمُ من ذلك الجزم بنسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا خطر عظيم وذنب كبير .
وقولكم [ ويذكرون في ذلك حديثاً ] هذا الحديث ضعيف رواه أبو داود ( 528 ) من طريق محمد بن ثابت العبدي حدثني رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالاً أخذ في الإقامة فلما أن قال : قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم (( أقامها الله وأدامها )) وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان .
وفي هذا الحديث ثلاثُ علل .
أولاها : محمد بن ثابت العبدي قال عنه النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود ليس بشيء .
الثانية : الإبهام فلم يسم العبدي شيخه في الإسناد(3/30)
الثالثة : شهر بن حوشب مختلف فيه وقد قال ابن عون (( إن شهراً نزكوه . أي طعنوا فيه وقال النسائي ليس بالقوي .
وقال الترمذي عن البخاري . شهر حسن الحديث وقال الإمام أحمد . لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب .
وقال الدار قطني . يخرّج من حديثه ما روى عنه عبد الحميد بن بهرام .
والناظر في أحاديث شهر لا يشك أنه سيء الحفظ يضطرب في الأحاديث والله أعلم .
والحديث ضعفه النووي في المجموع ( 3 / 122 ) وابن حجر في التلخيص ( 1 / 211 ) .
بيد أن النووي رحمه الله قال ( لكن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال باتفاق العلماء .. ) .
وهذا غير صحيح وليس في المسألة اتفاق . فظاهر كلام الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أنّ أحاديث الفضائل لا تُروى إلا عمّن تُروى عنه أحاديث الأحكام .
وهذا ظاهر كلام ابن حبان في مقدمة كتابه المجروحين ورجحه الإمام بن حزم رحمه الله .
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى ( 1 / 250 ) ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليس صحيحة ولا حسنة لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوّزوا أن يُروى في فضائل الأعمال مالم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي ورُوي حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ومن قال هذا فقد خالف الإجماع وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي ولكن إذا عُلم تحريمه ورُوي حديث في وعيد الفاعل له ولم يعلم أنه كذب جاز أن يرويه ، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أن كذب ولكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله .(3/31)
وهذا كالإسرائيليات يجوز أن يُروى منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا فأما أن يثبت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الإئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة . ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه ....) .
والمنقول عن أهل العلم من الخلاف في هذه المسألة أكثر من ذلك .
ودعوى النووي رحمه الله من الاتفاق على العمل بالأحاديث الضعيفة في الفضائل غير صحيحة والخلاف محفوظ .
والمنقول عن الصحابة والتابعين عدم التفريق فالكل شرع من الله فلا تصح المغايرة بدون دليل ولا أعلم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه تساهل في المرويات بالفضائل أو الترهيب دون ماعداها .
وقد روى البخاري ( 2062 ) ومسلم ( 14 / 130 – شرح النووي ) من طريق عبيد بن عمير (( أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يؤذن له ، وكأنه كان مشغولاً فرجع أبو موسى ففرغ عمر فقال : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ؟ ائذنواله . قيل قد رجع فدعاه ، فقال : كنا نؤمر بذلك فقال : تأتيني على ذلك بالبينة . فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم ، فقالوا : لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري .
فذهب بأبي سعيد الخدري فقال عمر : أخفي عليَّ هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ألهاني الصفق بالأسواق ( يعني الخروج للتجارة ) .
وقد كان قصد عمر رضي الله عنه بطلب البينة التثبت لئلا يتسارع الناس إلى رواية الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون ضبط ولا تحري وفي بعض رواياته في صحيح مسلم ( إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثَبت ) .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
6 / 5 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله(3/32)
أحرمت امرأة بالعمرة ولبست النقاب ولم تعلم بحرمة ذلك إلا بعد مدة من الزمن فهل عليها شيء أم تعذر بجهلها ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
النقاب للمرأة من محظورات الإحرام . فيحرم عليها لبسه ولا تلبس القفازين ولا الثياب المعطرة ولا شيء عليها فيما عدا ذلك من الملابس والحُلي والأصباغ .
وفي البخاري ( 1838 ) من طريق الليث بن سعد حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القُفازين ... ) . ورواه مالك في الموطأ ( 1 / 268 ) عن نافع عن ابن عمر موقوفاً . وقالت عائشة رضي الله عنها . المحرمة تلبس من الثياب ما شاءَت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تلثم .... )) رواه البخاري في صحيحه معلقاً ووصله البيهقي في السنن ( 5/ 47 ) من طريق شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة .
فالمرأة المحرمة مأمورة بستر وجهها عن الأجانب من جهة ، ومنهية عن تغطيته بالنقاب من جهة أخرى .
فإذا كشفت وجهها للأجانب أثمت وإذا غطت وجهها بالنقاب فذلك محظور من محظورات الإحرام .
فيه الفدية عند طائفة من العلماء وهي على التخيير إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة .
والصحيح أنه لا فدية عليها ، غير أنها تأثم إن كانت عالمة ، ولا إثم ولا فدية على الناسية والجاهلة فقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة وعفا عن الخطأ والنسيان قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } .
وفي صحيح مسلم من طريق سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى { قد فعلتُ } .
وقال عطاء . إذا تطيب أو لبس جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه علقه البخاري في صحيحه .
وهذا الذي دلت عليه السنة الصحيحة من غير وجه وهو مذهب إسحاق والشافعي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان : 7 / 5 / 1421 هـ(3/33)
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
هل الخلع طلاق أم فسخ ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الخلع هو فراق الزوجة بعوض وهو فسخ وليس بطلاق ولا ينتقص به عدد الطلقات ويصح في الحيض وفي طهر جامعها فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل المختلعة عن ذلك والحديث في البخاري ( 5273 ) وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وهذا مذهب ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وقال به عكرمة وإسحاق وأحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم وغيرهم .
والحجة لذلك قوله تعالى في سورة البقرة ( 229 ) { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } .
ثم ذكر بعده الخلع فقال { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } .
ثم ذكر بعد ذلك الطلقة الثالثة فقال { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } . فلو كان الخلع طلاقاً لكانت هذه الطلقة هي الرابعة .
وذهب مالك وأهل الرأي وأحمد في رواية والشافعي في قول إلى أن الخلع طلاق وليس بفسخ . وفيه نظر .
وقول ابن عمر وابن عباس ومن وافقهما أقوى .
وعليه تعتد المختلعة بحيضة واحدة كالموطؤة بشبهة وعقد فاسد والمسبية والزانية إذا أرادت أن تنكح فإن المقصود من العدة استبراء الرحم فكفت فيه حيضة واحدة وهذا الموافق لفتاوى أكابر الصحابة والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
8 / 5 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
ماحكم طلاق السكران ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الطلاق المعتبر ما كان عن وَطَر أي عن غرض من المطلق في وقوعه والذي لا يعلم ما يقول وليس له قصد في الطلاق لا يصح طلاقه ولا يترتب على قوله شيء وفي الصحيحين من حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .... ) .
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه ( ليس لمجنون ولا لسكران طلاق )) رواه البخاري في صحيحه معلقاً ووصله ابن أبي شيبة وإسناده صحيح .(3/34)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما ( طلاق السكران والمستكره ليس بجائز )) علقه البخاري بصيغة الجزم وقد وصله ابن أبي شيبة وغيره .
وقال ابن عباس أيضاً . الطلاق عن وَطَر ) علقه البخاري مجزوماً بصحته .
والوَطَر بفتحتين الحاجة إلى الشيء والسكران لا وطَرَله وهذا مذهب الليث بن سعد وإسحاق وأحمد بن حنبل في آخر الروايات عنه ونصره أهل الظاهر وابن تيمية وابن القيم وآخرون .
وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة وفتاوى الصحابة فإن السكر يذهب العقل ولا يدري حينئذٍ ما يقول وقد ذكر ابن حزم في المحلى في أحكام الطلاق أن عمر بن عبد العزيز أُتي بسكران طلق امرأته - فاستحلفه بالذي لا إله إلا هو لقد طلقها وهو لا يعقل فحلف – فرد إليه امرأته وضربه الحد ... ) .
وقد جعل الله سبحانه قوله غير معتبر فقال ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )) .
ولم يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم حمزة على قوله حيث ثمل ( وهل أنتم إلا عبيد لأبي ... ) رواه البخاري ( 4003 ) ومسلم ( 1979 ) من طريق على بن الحسين أن حسين بن علي أخبره عن علي رضي الله عنه .
ومن قواعد الشريعة رفع المؤاخذة بالنسيان وخطأ اللسان والإكراه واللفظ الذي يجري على اللسان بدون قصد له .
قال تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم )) .
وفي صحيح مسلم [ 2747 ] من حديث أنس في قصة الرجل الذي انفلتت راحلته بأرض فلاة وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فقال حين رآها قائمة عنده ( اللهم أنت عبدي وأناربك )) أخطأ من شدة الفرح .
ورواه البخاري ( 6309 ) ومسلم ( 2747 ) من طريق أُخرى بدون آخره .
وفي المسألة قول ثاني يقتضي نفوذ طلاق السكران وهو مروي عن معاوية وسعيد بن المسيب والزهري والشافعي في أحد قوليه ومالك وآخرين . ولهم على ذلك أدلة .(3/35)
أقواها أنه يؤخذ بجناياته فكذلك الطلاق وهذا لا يصح فإن الأقوال تختلف عن الأفعال . فإذا قيل لا يصح طلاق السكران لا يلزم منه إسقاط القصاص عنه فالعفو عن القصاص والحدود نشر للفساد وذريعة لتعطيل الحدود والأحكام بخلاف الطلاق فإنه لا يتضمن شيئاً من ذلك .
ومن هنا فرق أكابر الصحابة بين الأمرين فألزموا بالحدود والقصاص دون الطلاق والله أعلم .
كتبه ...
سليمان بن ناصر العلوان
9 / 5 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
هل يصح العقد على المرأة الحائض ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأصل في ذلك الجواز ولم يأت بالمنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس صحيح . ولا أعلم أحداً من أهل العلم حرّم ذلك أو كرهه . غير أن بعض الفقهاء يكره زفَّ المرأة لزوجها وقت الحيض لئلا يواقعها في ذلك فيبؤ بالإثم .
وقد يلتبس على العامة حكم هذه المسألة بحكم الطلاق في الحيض وليس بينهما جامع .
فالعقد على الحائض جائز اتفاقاً وطلاق الحائض المدخول بها حرام اتفاقاً .
وهل يقع الطلاق أم لا فيه قولان للعلماء
الأول : أنه يقع مع التحريم وهذا قول الأئمة الأربعة وجمهور العلماء .
الثاني : أنه لا يقع وهو مذهب الظاهرية ونصره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
وقد احتج كل فريق من الطائفتين بأدلة نقلية وعقلية وبعد النظر في حجج هؤلاء وهؤلاء والبحث في موارد الأدلة وتأمل مذاهب العلماء قديماً وحديثاً وقراءة الكتب المطولة في ذلك والمختصرة رأيت قوة المذهب الثاني وأنه أسعد بالدليل وأوفق لقواعد الشريعة .
وخلصت إلى أن الأحاديث المرفوعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليس في شيء منها تصريح في المسألة وإن كانت ظواهرها في نظري تفيد عدم الاعتداد بالطلقة .
والآثار الموقوفة على ابن عمر متعارضة ولم يثبت أكثرها على وجود احتمالات في الأخريات والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
10 /5 / 1421(3/36)
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
حديث ( المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء ) هل يثبت ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الكلام ليس بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا هو بمعروف عن الصحابة رضي الله عنهم .
وقد عُزي إلى الحارث بن كلدة طبيب العرب .
ترى هذا في زاد المعاد ( 4 / 104 ) والمقاصد الحسنة ( 1035 ) وجامع العلوم والحكم ( 2 / 334 ) .
... وأسنى المطالب ( 1590 ) وذكر أبو حامد الغزالي في الإحياء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( البطنة أصل الداء والحمية أصل الدواء وعوّدوا كل جسد ما اعتاد ) .
... وهذا لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
... وقد روي عن عائشة مرفوعاً [ الأزْم دواء والمعدة بيت الداء وعودوا بدناًَ ما اعتاد ... ) . ولا يصح .
والأطباء متفقون على أن الحمية من أنفع الأدوية قبل الداء فتمنع حصوله وبعد الداء فتخففه وتمنع انتشاره .
... قال وهب بن منبه رحمه الله ( أجمعت الأطباء أن رأس الطب الحمية ، وأجمعت الحكماء أن رأس الحكمة الصمت )) .رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت رقم ( 619 ) .
... وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ( 4 / 103 ) الدواء كله شيئان : حمية وحفظ صحة . فإذا وقع التخليط احتيج إلى الاستفراغ الموافق ، وكذلك مدار الطب كله على هذه القواعد الثلاثة .
... والحمية حميتان : حمية عما يجلب المرض ، وحمية عما يزيده ، فيقف على حاله ، فالأول : حمية الأصحاء . والثانية حمية المرضى فإن المريض إذا احتمى وقف مرضه عن التزايد ، وأخذت القوى في دفعه .. ) والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
18 / 5 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما صحة هذه الأحاديث المشهورة على الألسنة ؟
حب الوطن من الإيمان
يخلق الله من الشبه أربعين
من أنقذ امرأة من غرق فهي أخته
بسم الله الرحمن الرحيم(3/37)
... قد كثرت في زماننا الأحاديث الموضوعة والآثار الباطلة والحكايات المختلقة . وقد اعتاد الكثير تناقل هذه الأخبار دون تثبت من صحتها ولا بحث عن حقيقتها .
وهذا محرم شرعاً وقبيح عقلاً .
وهذه الأحاديث الثلاثة مكذوبة مختلقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلا تحل روايتها ولا التحديث بها بدون بيان بطلانها .
وقد روى البخاري في صحيحه ( 3509 ) عن علي بن عياش حدثنا حريز قال حدثني عبد الواحد بن عبد الله النصري قال سمعتُ واثلة بن الأسقع يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن من أعظم الفِرَى أن يدّعي الرجلُ إلى غير أبيه أو يُرِي عينه ما لم تر أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل )) .
وروى البخاري ( 110 ) ومسلم في مقدمة صحيحه ( 3 ) من طريق أبي حَصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )) .
وكلُّ مَنْ حدث بالأحاديث الباطلة والحكايات الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين صحيحها من سقيمها وحقها من با طلها فقد باءَ بالإثم وتعرض للوعيد .
وقد ذكر السيوطي في كتابه (( تحذير الخواص من أكاذيب القصاص ص ( 167 ) أن من أقدم على رواية الأحاديث الباطلة يستحق الضرب بالسياط ويهدّد بما هو أكثر من ذلك ويزجر ويهجر ولا يسلم عليه ويغتاب في الله ويُستعدى عليه عند الحاكم ويحكم عليه بالمنع من رواية ذلك ويشهد عليه )) .
وذلك للذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونفي الأخبار الكاذبة عنها ولحماية الأفراد والمجتمعات من هذه الأساطير والأكذوبات . نسأل الله السلامة والعافية .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان : 18 / 5 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الغناء ينبت النفاق بالقلب كما يُنبتُ الماءُ البقل )) ؟
بسم الله الرحمن الرحيم(3/38)
هذا الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان ( 4 / 279 ) من طريق محمد بن صالح الأشج أنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي روّاد حدثنا إبراهيم من طهمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وهذا إسناده منكر تفرد به عبد الله بن عبد العزيز وأحاديثه منكرة قاله أبو حاتم وغيره .
وقال ابن الجنيد . لا يُساوي شيئاً يحدّث بأحاديث كذب .
ورواه ابن عدي في الكامل ( 1590 ) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري عن أبيه سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
وهذا إسناده ضعيف جداً . وقد اتفق الحفاظ على تضعيف عبد الرحمن بن عبد الله العُمري .
قال الإمام أحمد رحمه الله . ليس بشيء .
وقال النسائي متروك الحديث .
ورواه أبو داود في سننه ( 4927 ) من طريق سلاّم بن مسكين عن شيخ شهد أبا وائل في وليمة فجعلوا يلعبون . يتلعبون يغنون فحلَّ أبو وائل حُبْوته وقال سمعت عبد الله يقول . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول ( إن الغناء ينبت النفاق في القلب ) .
وهذا إسناده ضعيف مداره على الشيخ المجهول ولا يحتج به .
وقد ورد موقوفاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رواه البيهقي في السنن الكبرى ( 10 / 223 ) من طريق غندر عن شعبة عن الحكم عن حماد عن إبراهيم قال قال عبد الله بن مسعود فذكره .
ورواته ثقات ولا يضر الانقطاع بين إبراهيم وعبد الله فقد صح عن الأعمش أنه قال قلت لإبراهيم أسند لي عن ابن مسعود ؟
فقال إبراهيم . إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت وإذا قلت : قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله ) رواه أبو زرعة في تاريخ دمشق وابن سعد في الطبقات .
قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان ( 1 / 248 ) هو صحيح عن ابن مسعود من قوله ) .
وهذا الأثر ليس هو الدليل الوحيد على تحريم الأغاني والموسيقى .(3/39)
فهناك أدلة كثيرة من المرفوع والموقوف تفيد تحريم الغناء المقرون بالمعازف والمزامير وقد اتفق أكثر أهل العلم على ذلك .
وبالغ القاضي عياض فزعم الإجماع على كفر مستحله وفيه نظر. بيد أن فتاوى الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة على التحريم وقد عدّه غير واحد من أهل العلم كبيرة من الكبائر .
وقال الإمام مالك رحمه الله ( إنما يفعله عندنا الفساق ..) .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في الإغاثة ( 1 / 228 ) ولا ينبغي لمن شمَّ رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك . فأقل ما فيه أنه من شعار الفساق وشاربي الخمور ... ) .
وفي هذه الأزمنة امتد أمر الغناء وأدخلت عليه محسنات كثيرة فغمر المجالس والمحافل وازداد عشاقه فصار تجارة الفساق وأصبح ظاهرة في كثير من البلاد يشترك فيه الرجال والنساء فيقفون أمام الملأ في المسارح والأندية الرياضية والصالات المغلقة يغنون بالفحش والخنا ويدعون للفسوق والانحراف والرذيلة والخلاعة وأمثال ذلك من العظائم المعلوم قبحها بالفطر السليمة والعقول الصحيحة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( ليكوننّ من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف . ولينزلنَّ أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم – يعني الفقير- لحاجة فيقولون ارجع إلينا غداً فيبيتُهُمُ الله ويضع العلمَ ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة )) .
ذكره البخاري في صحيحه ( 5590 ) عن هشام بن عمّار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثنا عبد الرحمن بن عَنْم الأشعري قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول .
ورواه ابن حبان في صحيحه ( 6754 ) عن الحسين بن عبد الله القطان قال حدثنا هشام بن عمار فذكره دون آخره .(3/40)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تغليق التعليق ( 5 / 22 ) وهذا حديث صحيح لا علة له ولا مطعن له وقد أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد ، وبالاختلاف في اسم أبي مالك وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً فيهم مثل الحسن بن سفيان وعبدان وجعفر الفريابي وهؤلاء حفاظ أثبات وأما الاختلاف في كنية الصحابي فالصحابة كلهم عدول ... ) .
وقال الحافظ ابن رجب في نزهة الأسماع ص ( 45 ) فالحديث صحيح محفوظ عن هشام بن عمار .. ) .
وفي الباب غير ذلك .
والمعازف هي آلات اللهو من عود وغيره والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان : 21 / 5 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
ما تقولون فيمن يقلل من شأن الصحابة ويقدح في عدالتهم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الصحابة رضي الله عنهم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً .
قوم سمحت نفوسهم بالنفس والمال والأهل والدار ففارقوا الأوطان وهجروا الأباء والإخوان وبذلوا النفوس صابرين وأنفقوا الأموال محتسبين وناصبوا من ناوأهم متوكلين فآثروا رضاء الله على الغناء والذل على العز والغربة على الوطن (1) وقد اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه فأخرجوا من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور أهل الطغيان إلى عدل الإسلام .
وقد أثنى الله على جميع الصحابة ومدحهم ووصفهم بالفوز العظيم فقال { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } .
__________
(1) انضر كتاب الإمامة والرد على الرافضة ص ( 209 ) لأبي نعيم الأصبهاني .(3/41)
والمراد بالذين اتبعوهم بإحسان بقية الصحابة الذين تأخر إسلامهم عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فشملت الآية حينئذٍ جميع الصحابة كما أن قوله تعالى { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا(29) }. عامة لكل الصحابة فإن كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ولو ساعة من الزمن ومات على ذلك فقد عمّه لفظ الصحبة وشمله المدح والثناء والرضى عنه يؤيد هذا قوله تعالى في سورة الحديد { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } أي الجنة .
والشهادة لهم بالجنة دليل على عدالتهم وهي الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة فهم حملة الشريعة وأنصار الدين ووزراء رسول رب العالمين .
فمن تزبَّع ونصب نفسه حكماً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه المطاعن إلى أحد منهم وسلبهم العدالة وجعلهم كسائر الناس لهم ما لهم وعليهم ما عليهم أو ادعى أن العدالة لا تثبت إلا للمهاجرين والأنصار ومن عداهم يتطرق إليه الطعن والنقد ولا تثبت عدالته إلا بما تثبت به عدالة من جاء بعدهم من التابعين . فهذا قد تعرض لأمر عظيم . وفتحَ الباب للزنادقةِ و الملاحدةِ من الرافضة وغيرهم في الطعن في حقائق الشريعة ومسلَّماتها أو التشكيك في معالمها وسننها .(3/42)
وقد ذكر غيرُ واحد من أهل العلم الإجماع على عدالة الصحابة من حيث الجملة والتعيين وليس هذا بلازم لعصمة الواحد منهم أو استحالة حدوث المعصية منه كما تدَّعيه الرافضة في أهل البيت .
فالذنب يصدر من الواحد منهم عن تأويل سائغ واجتهاد وغير ذلك وليس بقادح في عدالته فقد رضي الله عنهم وأثنى عليهم مع علمه بما سيقع منهم وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وجود الفتنة ووقوع القتال بين أصحابه ولم يكن هذا مانعاً من عدالتهم فإن هذه الأمور والوقائع الحادثة بينهم كانت عن اجتهاد وتأويل فللمصيب منهم أجران وللمخطئ أجر واحد وخطؤه مغفورله لأنه متأوّل فيما فعل مجتهد فيما أقدم عليه وهذا مما لا نزاع فيه وأدلته كثيرة .
وقد خالفت في ذلك الخوارج والمعتزلة وأشباههم وألحقوا بأهل الاجتهاد والأعذار أدلة الوعيد على التعيين ، وهذا القول فاسد وليس له وجه . فأدلة الوعيد لا تلحق أحداً من أهل العلم المجتهدين ولا سيَّما الصحابة رضي الله عنهم فليس فيهم من يُعتقد فيه أو يظن أنه يتعمد مخالفة الأدلة .
فظهر بهذا القطعُ بعدالةِ الصحابة كلهم وإحسان الظن في جميعهم .
فمن بسط لسانه في التقليل من شأنهم أو القدح في عدالتهم فقد خالف المتواتر المقطوع به وتكلم في هذا الباب بجهل وظلم لا بعلم وعدل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه )) . متفق عليه من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة ( 1 / 57 ) وابن ماجه ( 162 ) بسند صحيح من طريق سفيان عن نُسير بن ذعلوق عن ابن عمر رضي الله عنه قال ( لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره ) .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
26 / 5 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى(3/43)
ما حكم الترحم والاستغفار على الميت المبتدع ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الميت المبتدع الذي لا تخرجه بدعته عن الإسلام حكمه حكم عامة المسلمين تشرع الصلاة عليه ولا تجب على كل أحد ويُدعى له بالمغفرة والرحمة والرضوان .
ولا أعلم أحداً من أهل السنة قال بمنع الترحم والاستغفار على أهل البدع مطلقاً فهذا قول الخوارج المارقين وأهل الضلال المنحرفين عن الحق .
والأصل الجامع في ذلك أن كل من قال لا إله إلا الله وشهد أن محمداً رسول الله ولم نعلم عنه كفراً ظاهراً فإنه يُصلى عليه ويستغفر له فإن الله تعالى حين منع من الاستغفار للمشركين في قوله { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى .. } كان هذا دليلاً على جواز الاستغفار على أهل البدع والمعاصي المعدودين في أهل القبلة .
وقد ظن بعض الناس أن امتناع بعض أئمة السلف من الصلاة عليهم دليل على منع الترحم عليهم وهذا من الظن الكاذب المخالف للكتاب والسنة والإجماع .
فما زال المسلمون في المشرق والمغرب يصلون على كل من أظهر الإسلام ما لم يُعْلَم عنه نفاق أو ردة . فمن علم منه ذلك فتحرم الصلاة عليه .
ومن لم يعلم منه ذلك فلا يجوز التقرب لله بترك الصلاة عليه إذا لم يكن في ذلك مصلحة ظاهرة . فقد كان بعض أئمة السلف يمتنعون من الصلاة على أهل الأهواء والمجاهرين بالمعاصي لينتهي أهل البدع عن بدعهم وأهل المعاصي عن شهواتهم فهو من باب إنكار المنكرات وتحصيل المصالح العامة للمسلمين وهذا العمل سائغ للمصلحة وله نظائر في الشرع .
فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه رواه مسلم في صحيحه ( 978 ) .
وترك الصلاة على الذي عليه دين ولم يترك وفاءً وقال للمسلمين (( صلوا على صاحبكم )) رواه البخاري ( 2298 ) ومسلم ( 1619 ) .
وترك الصلاة على الغال رواه أحمد ( 4 / 286 ) وأبو داود ( 2710 ) والنسائي ( 4 / 64 ) وابن ماجة ( 2848 ) وفي إسناده اختلاف .(3/44)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ( 24 / 286 ) وكل من لم يعلم منه النفاق وهو مسلم يجوز الاستغفار له والصلاة عليه بل يشرع ذلك ويؤمر به كما قال تعالى { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } . وقال في منهاج السنة ( 5 / 235 ) فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الاستغفار له والصلاة عليه وإن كان فيه بدعة أو فسق لكن لا يجب على كل أحد أن يصلي عليه . وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس فالكف عن الصلاة كان مشروعاً لمن كان يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه ... ) .
وبالجملة فالاستغفار للمشركين والكفار محرم شرعاً وأدلته كثيرة وهذا من المجمع عليه .
والاستغفار على من دون هؤلاء من أهل القبلة مشروع بالاتفاق ولم يخالف في ذلك غير الخوارج والمعتزلة فإن الخوارج أول من كفر أهل القبلة بالذنوب ويعتقدون ذنباً ما ليس بذنب ويستحلون دماء المسلمين وقد نعتهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) رواه البخاري ( 3344 ) ومسلم ( 1064 ) من حديث أبي سعيد .
والمعتزلة يوافقون الخوارج على تخليد أهل الكبائر وتحريم الاستغفار لهم والترحم عليهم .
ويخالفونهم في الحكم عليهم في الدنيا . فهم بمنزلة بين منزلتين فلا هم مؤمنون يشرع الاستغفار لهم ولا هم كفار مبعدون وهذا باطل بأدلة كثيرة قال تعالى { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون } فقد فرق الله بين الكفر والفسوق والعصيان وجعلها ثلاث مراتب :
الأولى : الكفر .
الثانية : الفسوق وليست بكفر .
الثالثة : العصيان وهي مرتبة دون الفسق فهو عاص وليس بفاسق والخوارج لا تفقه هذه الحقيقة وتجعل الفسق كفراً .(3/45)
وقال تعالى { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) } .
فقد وصف الله الطائفتين المقتتلتين بالإيمان والأخوة وأمر بالإصلاح بينهما وهذه الآية من أحسن ما يحتج به على الخوارج والمكفرين بالذنوب .
وقال تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فجعل الله تعالى ما دون الشرك معلقاً بمشيئته فليس هو بكافر كما تقوله الخوارج .
وأحاديث الشفاعة وإخراج عصاة الموحدين من النار متواترة وهي قاضية على مذهب الخوارج وأهل الإرجاء .
وفي صحيح مسلم ( 116 ) من طريق حماد بن زيد عن حجاج الصواف عن أبي الزبير عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله : هل لك في حِصْن حَصينْ ومنعة ؟ ( قال حصن كان لدوس في الجاهلية ) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها أوداجه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئتُه حسنة ورآه مغطياً يدَيْهِ فقال له ما صنع بك ربُك فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال مالي أراك مغطياً يديك قال قيل لي لن نُصلح منك ما أفسدتَ فقصَّها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر )) .(3/46)
وهذا الحديث الصحيح من أجود ما يحتج به على الخوارج المكفرين بالكبائر والمرجئة القائلين بأن المعاصي لا تضر . والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان ... ... ... ...
11 / 6 / 1421
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما صحة حديث ( من توضأ على طُهر كتب الله له به عشر حسنات ) ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الحديث لا يثبت رواه أبو داود ( 62 ) وابن ماجة ( 512 ) وعبد بن حميد ( 859 ) وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن أبي غُطيف الهذلي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله ( 59 ) وهو إسناد ضعيف ) وروى العقيلي في الضعفاء ( 2 / 332 ) من طريق علي بن المديني قال سمعتُ يحيى قال حدثتُ هشام بن عروة بحديث عن الإفريقي عن ابن عمر في الوضوء فقال هذا حديث مشرقي وضعف يحيى بن سعيد .. الإفريقي .
وقال الترمذي في جامعه ( 199 ) والإفريقي ضعيف عند أهل الحديث ... ) .
وقال الإمام أحمد . ليس بشيء
وعنه قال . منكر الحديث .
وقال علي بن المديني . كان أصحابنا يضعفونه وأنكر أصحابنا عليه أحاديث تفرد بها لا تُعرف ) ولم يرد هذا الحديث فيما أعلم من غير رواية الإفريقي ولا يحتج بشيء من حديثه .
وتحقيق القول في تجديد الوضوء أنه لا يندب على الإطلاق ولا يشرع تكراره بدون سبب .
ويستحب اتفاقاً عند كل صلاة .
وقد روى البخاري في صحيحه ( 214 ) من طريق سفيان قال حدثني عمرو بن عامر عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة قلتُ كيف كنتم تصنعون ؟ قال : يجزئُ أحدنا الوضوء ما لم يُحدث .
وقد ترجم له البخاري بقوله ( باب الوضوء من غير حدث ) والمراد تجديد الوضوء وقد كان الوضوء لكل صلاة واجباً ثم نسخ وبقي الاستحباب والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
15 / 6 / 1421 هـ(3/47)
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى تعلمون ما يحصل للفلسطينيين في هذا الوقت من الإجرام اليهودي والسكوت العربي المخزي . فهل في العمليات الفدائية ضد اليهود مخالفة شرعية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب : اليهود المرذولون مجمع النقائص والعيوب ومرتع الرذائل والشرور وهم أشد أعداء الله على الإسلام وأهله .
قال تعالى { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ...} المائدة .
وقد أوجب الله قتالهم وجهادهم لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى .
وهذا حين يقبع أعداء الله في ديارهم ولا ينقضون العهد والميثاق ولا يسلبون أموال المسلمين و يغتصبون ديارهم قال تعالى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) } التوبة.
فأما حين يضع أعداء الله سيوفهم في نحور المسلمين ويرعبون الصغير والكبير ويغتصبون الديار وينتهكون الأعراض ففرض على أهل القدرة من المسلمين قتالهم وسفك دمائهم والجهاد الدائم حتى التحرير الشامل لفلسطين وعامة بلاد المسلمين .
ولا يجوز شرعاً التنازل لليهود عن أيّ جزء من أراضي المسلمين ولا الصلح معهم فهم أهل خديعة ومكر ونقض للعهود .
وأرى في وقت تخاذل المسلمين عن قتال اليهود والتنكيل بهم وإخراجهم عن الأرض المقدسة أن خير علاج وأفضل دواء نداوي به إخوان القردة والخنازير القيام بالعمليات الاستشهادية وتقديم النفس فداءً لدوافع إيمانية وغايات محمودة من زرع الرعب في قلوب الذين كفروا وإلحاق الأضرار بأبدانهم والخسائر في أموالهم .(3/48)
وأدلة جواز هذه العمليات الاستشهادية كثيرة وقد ذكرت في غير هذا الموضع بضعة عشر دليلاً علىمشروعية الإقدام على هذه العمليات وذكرت ثمارها والإيجابيات في تطبيقها .
قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) } البقرة .
وفي المنقول عن الصحابة وأئمة التابعين في معنى هذه الآية دليل قوي على أن من باع نفسه لله وانغمس في صفوف العدو مقبلاً غير مدبر ولو تيقن أنهم سيقتلونه أنه محسن في ذلك مدرك أجر ربه في الصابرين والشهداء المحتسبين وفي صحيح مسلم ( 3005 ) من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ( الملك والساحر والراهب والغلام ... الحديث وفيه فقال الغلام الموّحد للملك الكافر ( إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وماهو ؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد . وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صُدْغه فوضع يده في صُدْغه في موضع السهم فمات فقال الناس : آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام .
فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرُك . قد آمن الناس .
فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخُدّت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : يا أمه اصبري فإنك على الحق .
ففي هذا دليل على صحة هذه العمليات الاستشهادية اللتي يقوم بها المجاهدون في سبيل الله القائمون على حرب اليهود والنصارى والمفسدين في الأرض .(3/49)
فإن الغلام قد دل الملك على كيفية قتله حين عجز الملك عن ذلك بعد المحاولات والاستعانة بالجنود والأعوان .
ففعلُ الغلام فيه تسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك والجامع بين عمل الغلام والعمليات الاستشهادية واضح فإن التسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك حكمه حكم المباشرة لقتلها .
والغاية من الأمرين ظهور الحق ونصرته والنكاية باليهود والنصارى والمشركين وأعوانهم وإضعاف قوتهم وزرع الخوف في نفوسهم .
والمصلحة تقتضي تضحية المسلمين المجاهدين برجل منهم أو رجالات في سبيل النكاية في الكفار وإرهابهم وإضعاف قوتهم قال تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ...} الأنفال .
وقد رخص أكثر أهل العلم أن ينغمس المسلم في صفوف الكفار ولو تيقن أنهم يقتلونه والأدلة على ذلك كثيرة .
وأجاز أكثر العلماء قتل أسارى المسلمين إذا تترس بهم العدو الكافر ولم يندفع شر الكفرة وضررهم إلا بقتل الأسارى المسلمين فيصبح القاتل مجاهداً مأجوراً والمقتول شهيداً . والله أعلم .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
10 / 7 / 1421هـ ...
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
ما تقولون في حديث ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب : هذا الحديث رواه أحمد في مسنده ( 1 / 259 ) والبزار [ 616 – كشف الأستار ] من طريق زائدة بن أبي الرُّقاد عن زياد النُميري عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) .
وفي إسناده زائدة بن أبي الرُّقاد لا يصح حديثه قال عنه الإمام البخاري : منكر الحديث .
وقال النسائي في كتاب الضعفاء . منكر الحديث .
وقال أبو داود لا أعرف خبره .(3/50)
وقال ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير لا يحتج به ولا يكتب إلا للاعتبار .
وذكر الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف ( 234 ) هذا الحديث وقال فيه ضعيف .
وانظر تبيين العجب بما ورد في فضل رجب ( ص 18 ) للحافظ ابن حجر العسقلاني . فقد أشار إلى ضعفه لتفرد زائدة .
ولا يصح تخصيص رجب بشيء من العبادات لا دعاء ولا صيام ولا صدقة ولا عمرة على الصحيح فإن عمر النبي صلى الله عليه وسلم كانت في ذي القعدة لحديث أنس في الصحيحين .
وقد زعم بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة من رجب وهذا ليس بشيء .
وقالت طائفة بأن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في السابع والعشرين من شهر رجب .
ولا يصح في ذلك شيء والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
14 / 7 / 1421 هـ ...
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله .نرجو إفادتنا عن حكم القنوت في الصلوات المكتوبة في مثل هذه الأوقات التي يعاني فيها الإخوان الفلسطينيون من مكر اليهود وخبثهم ؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب : القنوت في الفرائض مشروع في النوازل خاصة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الصلوات الخمس يستنصر للمؤمنين ويلعن الكافرين .
قال أبو هريرة رضي الله عنه . والله لأُقربنّ بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح . ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار . رواه مسلم ( 676 ) في صحيحه .
وجاء في الصحيحين من حديث أيوب عن محمد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح بعد الركوع .
وفي الصحيحين أيضاً من حديث سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس قال قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على رعل وذكوان .(3/51)
وفي سنن أبي داود ( 1443 ) من حديث هلال بن خبّاب عن عكرمة عن ابن عباس قال قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً مُتتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال ( سمع الله لمن حمده ) من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سُليم على رعل وذكوان وعصية . ويؤَمِن مَنْ خَلْفَه . قال ابن القيم رحمه الله وهو حديث صحيح .
ويستمر هذا القنوت في مساجد المسلمين حتى يزول العارض وترتفع النازلة .
والسنة في الدعاء الجهر بالصوت ليؤمن المصلون على ذلك .
وهذا أقل شيء يقدمه المسلمون في العالم لإخوانهم المستضعفين في فلسطين والشيشان وبلاد أُخرى الذين يعانون من ظلم اليهود والنصارى وأعوانهم من أراذل البشرية .
وفي ظل التآمر العالمي على البشرية المسلمة ولا سيما في فلسطين والشيشان أرى ضرورة الإعداد والمقاومة وتطوير وسائل القتال وأساليب المقاومة فحين نقوم في مساجدنا وخلواتنا نبتهل إلى الله في نصرة الإسلام والمسلمين وذل الكفر والكافرين لا نقف عند هذا فحسب ؟ فإن الأعداء يتفننون في المؤامرات وإلحاق الأضرار بالمسلمين فيجب علينا تطوير وسائل القتال ومواجهة اليهود والنصارى بكل قوة شرعية نصل من خلالها لإرهابهم والمكر بهم قال تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) } الأنفال .
وقال صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه أبو داود ( 2504 ) وغيره من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن أنس وسنده صحيح .
فالمسلمون مأمورون بأن يكونوا أقوياء لا يهنون لما يصيبهم ولا يستكينون ويضعفون أمام قوى الطغيان .(3/52)
ومأمورون بأن يبذلوا أسباب النصر ليرهبوا العدو ويَعْلُوَ سلطانُ الله على سلطان البشر وقوة المؤمنين على قوة الكافرين .
قال تعالى { إن تنصروا الله ينصركم } .
وقال تعالى { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } .
وقال تعالى { ولينصرن الله من ينصره } .
المهم أن نعبد الله وحده لا شريك له ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونؤدي حق الله ونجتنب نهيه .
والنصر وراءَ ذلك وعد محقق لا محالة قال تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) } النور .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
15 / 7 / 1421هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ماهي السنة في كيفية القعود في صلاة الجالس ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب : الصحيح في هذه المسألة جواز التربع والافتراش لأنه لم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد وصفت عائشة رضي الله عنها كيفية صلاته جالساً ولم تذكر كيفية قعوده فدل ذلك على السعة في الأمر .
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله ( يجوز على أيّ صفة شاء المصلي .
وقال الإمام ابن المنذر في الأوسط ( 4 / 376 ) ليس في صفة جلوس المصلي قاعداً سنة تتبع وإذا كان كذلك كان للمريض أن يصلي فيكون جلوسه كما سهل ذلك عليه ، إن شاء صلى متربعاً وإن شاء محتبياً وإن شاء جلس كجلوسه بين السجدتين كل ذلك قد روي عن المتقدمين..)(3/53)
وقد قالت طائفة من أهل العلم التربع أفضل وهذا مروي عن ابن عمر وأنس بن مالك وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد .
والحجة لهم ما رواه النسائي ( 3 / 376 ) وغيره من طريق أبي داود الحفري عن حفص عن حميد عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت . رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي متربعاً .
وهذا الحديث لا يصح وقد جاء من غير وجه ليس في شيء من ذلك ذكر التربع قال النسائي رحمه الله لا أعلمُ أحداً روى هذا الحديث غيرَ أبي داود وهو ثقة ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ .
وقال الإمام ابن المنذر في الأوسط ( 4 / 376 ) حديث حفص بن غياث قد تكلم في إسناده روى هذا الحديث جماعة عن عبد الله بن شقيق ليس فيه ذكر التربع ولا أحسب هذا الحديث يثبت مرفوعاً .. ) .
وجاء عن عبد الله بن مسعود أنه كره الصلاة متربعاً رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر .
وعن أحمد رواية . أنه إن أطال القراءَة تربع وإلا افترش .
والصحيح القول الأول وهو التخيير بين التربع والافتراش والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
16/ 7 / 1421هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى ما حكم قتال الكفار المعتدين على بلاد المسلمين ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام يرفض الخور والتخاذل وإسلام بلاد المسلمين إلى أعداء الدين وإخوان القردة والخنازير .
ويأمر بالجهاد في سبيل الله وقتال الناكثين والمعتدين ويؤكد ضرورة تطهير أراضي المسلمين من أيدي المغتصبين قال تعالى { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) } ( سورة براءة ) .
وقال تعالى { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) } ( سورة البقرة ).(3/54)
وقد أجمع أهل العلم على فرضية قتال الكفار المعتدين على بلاد المسلمين فإن اندفع شرهم بأهل البلاد المحتلة سقط الفرض عن غيرهم وإن لم يحصل دفع العدو الكافر وطرده عن بلاد المسلمين فإنه يجب حينئذ على مَنْ يقرب من العدو من أهل البلاد الإسلامية الأخرى مناصرة إخوانهم ومنا جزة الكفار وصدّ عدوانهم ودفع بغيهم قال تعالى { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) } ( سورة النساء ) .
فهذه الآية تقتضي وجوب تخليص المستضعفين من المؤمنين من أيدي الكفرة والطغاة المجرمين وتقتضي وجوب قتال الكفار .
والمقصود من هذا القتال إعلاء كلمة الله ونصر دينه ومناصرة المؤمنين ومظاهرتهم على عدو الله وعدوهم .
ومن قتل في هذا الجهاد فهو شهيد قال صلى الله عليه وسلم من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ... رواه مسلم ( 1915 ) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة .
وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال والقائمين عليه من أفضل العباد .
فلله درُّ أرواح تضمها أجسادهم ودماء أريقت في حماية الإسلام وكسر شوكة أعدائه .(3/55)
قال تعالى { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) } ( سورة آل عمران ) .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
7 / 8 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
... هل يفطر الصائم ببلع الريق والنخامة ؟
...
بسم الله الرحمن الرحيم
أجمع العلماء على أن من بلع ريق نفسه لا يفطر لأن الريق من الفم فلا يؤثر على الصائم بلعه .
وهل يكره ذلك أم لا . الصحيح أنه لا يكره إذا لم يقصد جمع ريقه لأن الإحتراز منه مكلف وشاق ولا يكاد يسلم منه أحد .
وأما النخامة فقد فقالت طائفة إذا كانت من الصدر فلا تفطر . وإذا كانت من الجوف أو الدماغ فإنها تفطر .
والصحيح أن بلع النخامة متعمداً مكروه أو محرم على قول طائفة غير أنها لا تفطر مطلقاً فليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما .
والنخامة مما تعم بها البلوى والأمة بحاجة إلى معرفة حكمها فلو كانت تفطر لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً فإذا انتفى نقل ذلك علم أن القول بالتفطير غير صحيح .
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية المروزي : ليس عليك قضاء إذا ابتلعت النخامة وأنت صائم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
6 / 9 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما الحكم في رجل جامع أهله في صيام واجب غير رمضان ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب : اتفق العلماء على أن الكفارة تجب بالجماع في نهار رمضان سواء أنزل الماء أو لم ينزل .
ولا يستثنى من ذلك إلا المكره والجاهل والناسي في أصح قولي العلماء .(3/56)
وإذا أنزل ولم يولج لزمه القضاء عند أكثر أهل العلم وإذا أولج ولم ينزل لزمته الكفارة والقضاء .
فالكفارة مربوطة بالإيلاج وليست بالإنزال .
ولا تجب الكفارة إلا في الجماع بنهار رمضان فلو جامع في قضاء واجب أو نذر أو نحو ذلك لم تجب عليه الكفارة وبه قال الجمهور وهذا ظاهر الأدلة .
وقد قال غيرُ واحد من أهل العلم . لو أن رجلاً وطيء في آخر يوم من رمضان فتبين له أنه من شوال لم تلزمه كفارة لأنه تبين أن صومه لم يكن فرضاً عليه والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
9 / 9 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
هل يختص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب : الصحيح من أقوال العلماء أن الاعتكاف يشرع في كل مسجد تقام فيه الجماعة ولا يختص بالمساجد الثلاثة .
وهذا مذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين .
... قال الله تعالى { ولا تباشروهنَّ وأنت عاكفون في المساجد } ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يقيد هذا العموم .
... وقد صح عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعائشة وغيرهم من الصحابة مشروعية الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة .
... بينما ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى .
... وفي ذلك حديث رواه البيهقي في سننه والطحاوي في مشكل الآثار عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )) .
... وهذا الخبر معلول ولا يصح رفعه والمحفوظ أنه من قول حذيفة رواه عبد الرازق في المصنف ( 4 / 348 ) .
... ويجاب عنه بأنه خلاف عموم الآية ولا يجوز تقييدها بمثل هذا .(3/57)
الوجه الثاني : أن أكابر الصحابة على خلافه فقد أفتى علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس بالاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالف في ذلك بل كان هذا العمل مشهوراً بينهم في كل الأمصار دون نكير ،إلا ما جاء عن حذيفة رضي الله عنه والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
11 / 9 / 1421هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما حكم الاستياك للصائم بعد الزوال ؟
بسم الله الرحمن االرحيم
الجواب : السواك سنة مؤكدة للصائم وغيره وهو مشروع قبل الزوال وبعده للأدلة الصحيحة في هذا الباب وقد قال صلى الله عليه وسلم ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) متفق عليه من حديث أبي هريرة .
... وهذا صريح في استحباب السواك عند كل صلاة بما في ذلك الظهر والعصر في رمضان وغيره ، فإن الحديث مطلق ولم يأت ما يقيده .
... وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف ( 2 / 295 ) بسند صحيح من طريق ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه لم يكن يرى بأساً بالسواك للصائم ) .
... وقد دلت الأحاديث الصحاح والآثار على أنه لا فرق في السواك بين الرطب واليابس فإنه لم يأت شيء يخص رطباً من يابس فاقتضى الأمر سنيته مطلقاً .
... وقد قال التابعي المشهور محمد بن سيرين رحمه الله . لا بأس بالسواك الرطب قيل : له طعم !! قال والماء له طعم وأنت تمضمض به . رواه البخاري في صحيحه معلقاً تحت باب اغتسال الصائم .
... وهذا مذهب أبي حنيفة والبخاري وجماعة .
... وقد كرهه مالك وأحمد وغيرهما .
... والصحيح أنه لا كراهة في ذلك مالم يكن له طعم مضاف إليه ليس من أصله والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
12 / 9 / 1421 هـ
... فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
... ما تقولون في الأحاديث الواردة في الدعاء عند رؤية الهلال ؟
بسم الله الرحمن الرحيم(3/58)
الجواب : الأحاديث في هذا الباب ضعيفة ولا يصح منها شيء مسند وقد ثبت موقوفاً على ابن عباس وصح عن قتادة مرسلاً .
... وقد قال أبو داود : ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح .
... وقال العقيلي : وفي الدعاء لرؤية الهلال أحاديث كأن هذا عندي من أصلحها إسناداً كلها لينة الأسانيد .
... ويعني بقوله ( كأن هذا عندي من أصلحها إسناداً ) حديث طلحة بن عبيد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال : اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله .
... وهذا الخبر ضعيف رواه أحمد في مسنده ( 1 \ 162 ) والترمذي ( 3451 ) والحاكم ( 4 \ 317 ) وغيرهم من طريق سليمان بن سفيان المدني عن بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده .
... وهذا الخبر من منكرات سليمان بن سفيان وقد قال العقيلي لا يتابع عليه .
... وقال ابن معين : ليس بشيء .
... وقال أبو حاتم الرازي : ضعيف الحديث يروي عن الثقات أحاديث مناكير .
... وفي الباب عن ابن عمر رواه ابن حبان ولا يصح .
... ورافع بن خديج رواه الطبراني في الكبير وسنده ضعيف .
... وأنس بن مالك رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث متروك .
... وقد روى عبد الرزاق في المصنف ( 4 \ 169 ) عن معمر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال كبّر ثلاثاً ثم قال : هلال خير ورشد ثلاثاً ثم قال : آمنت بالذي خلقك ثلاثاً ثم يقول الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وكذا وجاء بشهر كذا وكذا . وهذا مرسل صحيح .
... وروى ابن أبي شيبة في المصنف ( 9738 ) بسند قوي من طريق منصور عن مجاهد عن ابن عباس أنه كره أن ينتصب للهلال ولكن يعرض ويقول :الله أكبر والحمد لله الذي ذهب هلال كذا وكذا وجاء بهلال كذا وكذا .
... وقد استحب كثير من أهل العلم الذكر عند رؤية الهلال ولم يوقتوا في ذلك شيئاً فأيّ دعاء أتى به جاز .(3/59)
... ويحتمل أن يكون لقول ابن عباس حكم المرفوع فمثله لا يقال بالرأي وحينئذٍ يقتصر عليه دون غيره والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
5 \ 9 \ 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما صحة الحديث الوارد ( صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب : هذا الحديث لا يصح ولا يثبت له إسناد وقد رواه أحمد في مسنده ( 6 / 272 ) من طريق محمد بن إسحاق قال وذكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفاً ) .
ورواه ابن خزيمة في صحيحه ( 137 ) غير أنه قال إن صحّ الخبر وقال ( أنا استثنيت صحة هذا الخبر لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من محمد بن مسلم وإنما دلسه عنه .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد قال أبي إذا قال ابن إسحاق وذكر فلان فلم يسمعه .
وقال الإمام يحيى بن معين : لا يصح هذا الحديث وهو باطل .
وقال البيهقي رحمه الله في السنن ( 1 / 38 ) وهذا الحديث أحد ما يخاف أن يكون من تدليسات محمد بن إسحاق وأنه لم يسمعه من الزهري وقد رواه معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري وليس بالقوي . ورُوي من وجه آخر عن عروة عن عائشة ومن وجه آخر عن عمرة عن عائشة فكلاهما ضعيف ) .
وقد جاء للحديث شواهد من حديث ابن عباس رواه أبو نعيم .
ومن حديث جابر رواه أبو نعيم أيضاً .
ومن حديث ابن عمر رواه أبو نعيم .
ولا يصح من هذه الأحاديث شيء ولا ترتقي إلى درجة الحسن لغيره .
فإن هذا الثواب الكبير لا يمكن قبوله بمثل هذه الأسانيد الضعيفة .
ولعل هذا من أسرار حكم الأئمة على هذا الخبر بالضعف تارة وبالبطلان تارة أخرى والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
13 / 9 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما هو المقدار المجزيء في المسح على الخفين ؟
بسم الله الرحمن الرحيم(3/60)
الجواب : المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح ظاهر خفيه دون باطنهما قال الخليفة الراشد علي ابن أبي طالب رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي لكان أسفلُ الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه رواه أبو داود (162 ) من طريق أبي إسحاق السبيعي عن عبد خير عن علي .
وقد جاء في حديث المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح أسفل الخف وأعلاه . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم ولايصح .
كما قاله أحمد والبخاري وأبو حاتم والترمذي والأحاديث الصحيحة عن المغيرة وغيره على خلافه .
* والصحيح في المسح الاقتصار على مرة واحدة ولا يزيد .
* وقد اختلف الفقهاء في المقدار المجزي في المسح .
فقال قوم : يجزيء المسح بثلاثة أصابع .
وقال مالك : يجب استيعاب أعلى الخف بالمسح .
وعند الحنابلة : يجب مسحُ أكثر ظاهر الخف .
وقال الشافعي : وكيفما أتى بالمسح على ظاهر القدم بكل اليد أو بالبعض أجزأ . وهذا المنقول عن سفيان واختاره داود الظاهري وأبو محمد بن حزم .
وهذا قول قوي .
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على ظاهر الخفين .
ولم يصح في تقدير واجبه شيء فدل على جواز الاجتزاء بما يصدق عليه اسم المسح .
وأما القول بوجوب استيعاب ظاهر الخف ففيه نظر وأقرب منه القول بوجوب مسح أكثر ظاهر الخف وأرى أن العمل بهذا القول أحوط والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
14 / 9 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما حكم المسح على الجورب المخرق ؟
بسم الله الرحمن الرحيم(3/61)
الجواب : الصحيح من أقاويل العلماء جواز المسح على الخف أو الجورب المخرق فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين ولم يشترط كونه سليماً من الخروق أو الفتوق ولا سيما أن خفاف بعض الصحابة لا تخلو من فتوق وشقوق فلو كان هذا مؤثراً على المسح لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بياناً عاماً فقد تقرر في القواعد الأصولية أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وقد قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله ( امسح عليها ما تعلقت به رجلك وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة ) رواه عبد الرزاق في المصنف ( 1 / 194 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ( 21 / 174 ) فلما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب وجب حمل أمره على الإطلاق ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي . وكان مقتضى لفظه أن كل خف يلبسه الناس ويمشون فيه فلهم أن يمسحوا عليه وإن كان مفتوقاً أو مخروقاً من غير تَحديد لمقدار ذلك فإن التحديد لا بدّ له من دليل .. ) .
وهذا مذهب إسحاق وابن المبارك وابن عيينة وأبي ثور .
وذهب الإمام الشافعي وأحمد في المشهور عنهما إلى أنه لا يجوز المسح على الخفين أو الجوربين ما دام أنه يظهر من الملبوس فتق أو شق في محل الفرض .
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى التفريق بين الخرق اليسير والخرق الكثير .
والصحيح القول الأول وأنه يجوز المسح على الخفين والجوربين ما تعلقت بهما القدم وأمكن المشي فيهما .
ويصح أيضاً المسح على الجوربين اللذين يصفان البشرة لأن الإذن بالمسح على الخفين مطلق ولم يرد تقييده بشيء فكان مقتضى ذلك أن كل جورب يلبسه الناس لهم أن يمسحوا عليه وهذا مقتضى قول القائلين بجواز المسح على الخف المخرق ما أمكن المشيء عليه .(3/62)
وقد ذكر النووي رحمه الله في المجموع ( 1 / 502 ) أنه إذا لبس خف زجاج يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه وإن كان تُرى تحته البشرة ... ) . والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان : 15 / 9 / 1421 هـ
رقم الحديث ... السؤال ... رقم الصفحة
1 ... هل يجوز شرعاً البول قائماً ؟ ... 2
2 ... مادرجة الحديث الوارد في لأذان بأذن المولود ؟والسنن الثابتة في أحكام المولود يوم سابعه ؟ ... 3
3 ... هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية أم أنه يجوز العق بما تيسَّر ؟ ... 5
4 ... ما صحة حديث عائشة ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء ) . ... 6
5 ... حكم دفع الرشوة لأخذ الحق المغتصب . ... 7
6 ... سؤال عن قول صدقت وبررت بعد قول المؤذن الصلاة خير من النوم . ... 9
7 ... معنى حديث حذيفة (( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس وسط الحلقة )) . ... 10
8 ... سؤال عن صحة حديث : يس لما قرأت له ، تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها ، إنّ الله لا ينظر إلى الصف الأعوج ،جنبوا مساجدكم صبيانكم . ... 11
9 ... سؤال عن صحة حديث (( لا يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة )) . ... 13
10 ... سؤال عن حكم قراءة القرآن للحائض وحكم امرأة حاضت قبل الإفاضة ورفض رفقتها انتظارها . ... 16
11 ... سؤال عن الطلاق المعلق ؟ ... 18
12 ... حكم تخصيص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقول كرم الله وجهه . ... 20
13 ... حكم إقتناء الكلب المعلم ؟ ... 22
14 ... الذكر الصحيح الوارد بعد الأذان ؟ ... 23
15 ... ماحكم التسمية على الذبيحة ؟ ... 24
16 ... ماحكم صلاة المتلبس بالنجاسة ناسياً ؟ ... 26
17 ... سؤال عن صحة حديث (( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم )) ؟ ... 27
18 ... ما حكم من تطيب أو لبس مخيطاً في الإحرام ناسياً أو جاهلاً ؟ ... 28
19 ... سؤال عن صحة حديث ( أقامها الله وأدامها ؟ ... 29(3/63)
20 ... حكم من لبست النقاب وهي محرمة ؟ ... 32
21 ... هل الخلع طلاق أم فسخ ؟ ... 33
22 ... حكم طلاق السكران ؟ ... 34
23 ... هل يصح العقد على المرأة الحائض ؟ ... 36
24 ... سؤال عن صحة حديث ( المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء ) ؟ ... 37
25 ... سؤال عن صحة حديث ( حب الوطن من الإيمان ( 2 ) يخلق الله من الشبه أربعين ( 3 ) من أنقذ امرأة من غرق فهي أخته ... 38
26 ... هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الغناء ينبت النفاق بالقلب كما يُنبتُ الماءُ البقل )) ؟ ... 39
27 ... حكم من قلل من شأن الصحابة وقدح في عدالتهم ؟ ... 41
28 ... ما حكم الترحم والاستغفار على الميت المبتدع ؟ ... 43
29 ... ما صحة حديث ( من توضأ على طُهر كتب الله له به عشر حسنات ) ؟ ... 46
30 ... حكم العمليات الفدائية ؟ ... 47
31 ... سؤال عن صحة حديث ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ؟ ... 49
32 ... حكم القنوت في الصلوات المكتوبة ؟ ... 50
33 ... ماهي السنة في كيفية القعود في صلاة الجالس ؟ ... 52
34 ... حكم قتال الكفار المعتدين على بلاد المسلمين ؟ ... 53
35 ... هل يفطر الصائم ببلع الريق والنخامة ؟ ... 55
36 ... ما الحكم في رجل جامع أهله في صيام واجب غير رمضان ؟ ... 56
37 ... هل يختص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة ؟ ... 57
38 ... ما حكم الاستياك للصائم بعد الزوال ؟ ... 58
39 ... سؤال عن صحة الأحاديث الواردة في الدعاء عند رؤية الهلال ؟ ... 59
40 ... ما صحة الحديث الوارد ( صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك ؟ ... 60
41 ... ما هو المقدار المجزيء في المسح على الخفين ؟ ... 61
42 ... ما حكم المسح على الجورب المخرق ؟ ... 62
الفهرس ... 63(3/64)
المجموعة الثانية
من الفتاوى العلمية لفضيلة الشيخ
سليمان بن ناصر العلوان
الصادرة عبر البريد الإلكتروني :
snallwan@hotmail.com
وانظر صفحات الشيخ في المواقع التالية
السلفيون ... http://alsalafyoon.com/SuliemaAlwan/
التوحيد ... http://www.attawhid.com/alwan_fatawa.htm
رسالة الإسلام ... www.islammessage.com/Arabic/AlAlwanFatawaJ.html
القائمة للنشر ... http://www.geocities.com/aboa7med/alalwan/
لتكون مشتركاً بقائمة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان عليك بفعل الآتي :
1 - أرسل رسالة إلى العنوان التالي : fatawa-request@al-alwan.org
2 - ضع في مكان الموضوع الكلمة التالية : subscribe
عند ذلك ستصلك رسالة تخبرك بأنك قد اشتركت بالقائمة
وستصلك فتاوى الشيخ وكتبه ونشراته تباعا
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
ذكر بعض أهل العلم أن العمليات الفدائية القائمة في فلسطين والشيشان محرمة وسماها بالعمليات الانتحارية فما هو قولكم في ذلك ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
حين نرجع إلى كتب اللغة وعلماء الشريعة وننظر في تعريف المنتحر لغة وشرعاً لا نرى تشابهاً بين المنتحر الذي يقتل نفسه طلباً للمال أو جزعاً من الدنيا ، وبين الفدائي الذي بذل نفسه وتسبب في قتلها من أجل دينه وحماية عرضه .
والتسوية بين الانتحار المحرم شرعاً بالكتاب والسنة والإجماع وبين العمليات الاستشهادية تسوية جائرة وقسمة ضيزى . ومعاذ الله أن يستوي رجل قتل نفسه في سبيل الشيطان وآخر قدّم نفسه ودمه في طاعة الرحمن ، فو الله ما استويا ولن يتساويا ، فالمنتحر يقتل نفسه من أجل نفسه وهواه نتيجة للجزع وعدم الصبر وقلة الإيمان بالقضاء والقدر ونحو ذلك ، وذاك الفدائي يقتل نفسه أو يتسبب في قتلها بحثاً عن التمكين للدين وقمعاً للأعداء وإضعافاً لشوكتهم وزعزعة لسلطانهم وكسراً لباطلهم .(4/1)
وأيّ فرق في الشرع بين العمليات الاستشهادية وبين الاقتحام على العدو مع غلبة الظن بالموت وقد تواترت الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الاقتحام والانغماس في العدو وقتالهم وظاهر هذا ولو تحقق أنهم يقتلونه ويريقون دمه .
فإن قيل هذا المنغمس في العدو قُتل بيد العدو وذاك الفدائي بفعله فيقال ثبت في الشرع أن المتسبب في قتل النفس والمشارك في ذلك حكمه حكم المباشر لقتلها ، وهذا قول أكثر أهل العلم وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد فكلهم قالوا بوجوب القصاص على المتسبب بالقتل قصداً كأن يحفر بئراً ليقع فيها فلان ، فوقع فمات . وخالف في ذلك بعض أهل العلم فقال بتحريم التسبب بالقتل ووجوب الدية ولكنه لا يوجب قصاصاً .. وفيه نظر . فقول الجمهور أقوى دلالة وأظهر حجة وهو الذي أفتى به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأدلته كثيرة يمكن مراجعتها في كتب الفقهاء فليس هذا مجال الاستطراد في تقريرها فالقليل يرشد إلى الكثير والأصل دليل على الفرع .
وخلاصة الأمر أن من ألقى بنفسه في أرض العدو أو اقتحم في جيوش الكفرة المعتدين أو لغم نفسه بمتفجرات بقصد التنكيل بالعدو وزرع الرعب في قلوبهم ومحو الكفر ومحق أهله وطردهم من أراضي ومقدسات المسلمين فقد نال أجر الشهداء الصابرين والمجاهدين الصادقين . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( منْ خير مَعَاش الناس لهم رجل ممسكُُ عِنَان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانّه .. ) . رواه مسلم ( 1889 ) من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن بعجة بن عبد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه .(4/2)
فيا أهل الجهاد ويا أهل الاستشهاد ويا أهل الغيرة على حرمات المسلمين ومقدساتهم صبراً فهي موتة واحدة فلتكن في سبيل الله قال تعالى { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) } .
وروى الإمام مسلم في صحيحه ( 1915 ) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ... ) .
والمقصود أن العمليات الاستشهادية القائمة في فلسطين والشيشان وبلاد كثيرة من بلاد المسلمين هي نوع من الجهاد المشروع وضرب من أساليب القتال والنكاية بالعدوقال تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) } .
وقد أثبتت هذه العمليات فوائدها وآتت ثمارها وعمتّ مصلحتها وأصبحت ويلاً وثبوراً على اليهود المغتصبين وإخوانهم النصارى المفسدين ، وهي أكثر نكاية بالكفار من البنادق والرشاشات وقد زرعت الرعب في قلوب الذين كفروا حتى أصبح اليهود وأعداء الله يخافون من كل شيء وينتظرون الموت من كل مكان ، زيادة على هذا هي أقل الأساليب الشرعية خسائر وأكثر فعّالية .(4/3)
وقد ذكرت بعض الدراسات أن هذه العمليات كانت سبباً في رحيل بعض اليهود من أراضي المسلمين في فلسطين وأدت هذه العمليات إلى تقليل نسبة الهجرة إلى أرض فلسطين والإقامة فيها .
وهذا دليل على تحقق المصالح الكثيرة في هذه العمليات الشريفة .
وقد بحثت هذه المسألة في غير موضع وذكرت عشرات الأدلة على جواز مثل هذه العمليات ومشروعيتها فلا حرج في الإقدام عليها في سبيل قهر اليهود والنصارى ولا سيما الإسرائيليون المعتدون الذين يعتقدون أنهم لا يقهرون وأن دولتهم خلقت لتبقى .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
7 / 2 / 1422 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقوم بعض الاخوة الفلسطينيين بعمليات فدائية ضد اليهود ويكون في اليهود الكبير والصغير والجندي والمدني والرجال والنساء فهل في قتلهم بأس ؟
لأننا سمعنا عن بعض المفتين يقول بحرمة قتل نساء اليهود ومدنييهم بدعوى أنهم ليسوا من المقاتلين ، فما تقولون بارك الله فيكم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
العمليات الفدائية القائمة في فلسطين ضد اليهود المغتصبين وفي الشيشان ضد النصارى المعتدين عمليات استشهادية وأساليب قتالية شرعية .
وقد أذهلت الأعداء وأثبتت كبير فعّاليتها وأذاقت الغاصب مرارة جرمه وسوء فعلته حتى أصبح الكفار يخافون من كل شيء وينتظرون الموت من كل مكان .
وقد ذكرت بعض الصحف عن المجرم (( شارون )) أنه يطالب بإيقاف هذه العمليات . فقد أصبحت هذه العمليات ويلاً وثبوراً على الإسرائيليين الذين يغتصبون الديار وينتهكون الأعراض ويسفكون الدماء ويقتلون الأبرياء .
قال تعالى { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوالله وعدّوكم … } سورة الأنفال آية 60 .
والقوة تتمثل في كل شيء يغيظ الكفار ويزرع الرعب في قلوبهم .(4/4)
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه أبو داود ( 2504 ) من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن أنس وسنده صحيح .
والآن حان الوقت الذي تضاعف فيه الجهود للقيام بمثل هذه العمليات الإستشهادية .
فقد قل المعين وتخلت الحكومات عن المناصرة وصار الحديث عن الجهاد وقتال الكفار جريمة عالمية .
فلم يبق من سُبُل المقاومة إلا القيام بالعمليات الإستشهادية فهي أقل أنواع الجهاد خسائر وأكثرها نكاية بالعدو .
وهي سبب في رحيل جماعات من اليهود عن أراضي المسلمين في فلسطين ، وسبب في تقليل نسبة الهجرة إلى الأراضي المقدسة .
والمقتول في هذه العمليات مقتول من أجل الذب عن دينه وحماية نفسه وعرضه .
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) رواه البخاري ( 2480 ) ومسلم ( 141 ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
والمقتول في سبيل الله ونصرة الدين والمسلمين وقصد النكاية باليهود المغتصبين وزعزعة أمنهم وإضعاف شوكتهم وتبديد قوتهم أعظم شهادة وأكثر ثواباً وأجراً من المقتول دون ماله وقد جاء في صحيح مسلم ( 1915 ) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( من قتل في سبيل الله فهو شهيد . ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ...) .
وأرى من الضروري التأكيد على مهمات المسائل حين القيام بمثل هذه العمليات الجهادية .
الأولى : الإخلاص لله تعالى دون التفات القلب إلى المخلوقين ومدحهم .
الثانية : أن يكون القصد من هذه العمليات الجهادية هو إعلاء كلمة الله ونصرة دينه والنكاية بالعدو وزرع الرهبة في نفوسهم وتفريق شملهم وطردهم من الأرض المقدسة .(4/5)
... فقد جاء في البخاري ( 2810 ) ومسلم ( 1904 ) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا وائل قال حدثنا أبو موسى الأشعري أن رجلاً أعرابياً أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله الرجلُ يُقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليُذكر . والرجل يقاتل ليُرى مكانهُ . فمن في سبيل الله ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله .
الثالثة : مراعاة المصلحة في ذلك فروح المؤمن ثمينة فلا تبذل إلا لشيء ثمين .
الرابعة : الابتعاد عن قتل الصبيان الصغار الذين لا يقاتلون ولا يحملون سلاحاً .
الخامسة : لا مانع من قتل الصبيان تبعاً لا قصداً كأن يختلطوا بالمحاربين وكل من في فلسطين من اليهود محاربون مغتصبون فإذا لم يتمكن المجاهدون من قتل المحاربين إلا بقتل الصبيان فلا حرج حينئذٍ في قتلهم وقد جاء في صحيح البخاري ( 3013 ) ومسلم ( 1745 ) من حديث ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال . سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبّيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال ( هم منهم ) .
وهذا دليل على جواز قتل النساء والصبيان إذا اختلطوا بغيرهم فلم يتميز الرجل عن المرأة والكبير عن الصغير .
السادسة : الإسلام دين العدل وحفظ الحقوق والوفاء بالعقود وقد أعطى الإنسانية حقها وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان واتفق أهل العلم على منع القصد إلى قتل النساء مالم يقاتلن فإذا حاربن أو شاركن في القتال جاز قصدهنّ بالقتل .
وهذا شأن النساء الإسرائيليات فهن عسكريات متدربات على القتال ومستعدات حين الحاجة إليهن لقتال المسلمين ، وأعداد كبيرة منهن يحملن السلاح ويحرضن على القتال ومن أهل الممانعة والمقاتلة والجهاد في المال والمشورة ، والمشاركة في الاغتصاب وسلب حقوق المسلمين وهذه الأمور أو بعضها تبيح قصدهن بالقتل .(4/6)
قال الإمام البغوي رحمه الله في شرح السنة ( 11 / 47 ) والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يُقتل نساء أهل الحرب وصبيانهم إلا أن يقاتلوا فيدفعوا بالقتل ) .
وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسيره ( 2 / 348 ) وللمرأة آثار عظيمة في القتال ، منها الإمداد بالأموال ومنها التحريض على القتال ، وقد يخرجن ناشرات شعورهنّ نادبات مثيرات مُعَيّرات بالفرار وذلك يبيح قتلهن ... ) .
و قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم ( 12 / 48 ) أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا فإن قاتلوا قال جماهير العلماء يقتلون ... ) .
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغنى ( 13 / 141 ) ويجوز رميّ المرأة إذا كانت تلتقط لهم السهام أو تسقيهم الماء أو تحرضهم على القتال ، لأنها في حكم المقاتل وهكذا الحكم في الصبي والشيخ وسائر من مُنِعَ قتله منهم ) .
وقد جاء في سنن أبي داود ( 2669 ) من طريق عمر بن المرقع بن صيفي بن رباح حدثني أبي عن جده رباح بن ربيع قال . كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً فقال . انظر على ما اجتمع هؤلاء . فجاء فقال . امرأة قتيل فقال [ ما كانت هذه لتُقَاتِل ] .
وظاهر هذا الحديث أن سبب عصمة دم المرأة كونها لا تقاتل ومفهومه أنها إذا قاتلت جاز قتلها وهذا أمر لا ينبغي أن يُختَلفَ فيه .
وقد ثبت في واقعنا الحاضر أن المرأة الإسرائيلية مقاتلة وتتدرب على السلاح كالرجال .
فلا حرج حينئذٍ في قصدها بالقتل فقد جمعت عدة مناطات تبيح دمها .
الأول : الحرابة .
الثاني : المقاتلة والمشاركة في الاغتصاب والعدوان .
الثالث : الإفساد فهي إن لم تقاتل فقد أجهدت نفسها في تهييج شهوات الشباب وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في المغني ( 13 / 141 ) أن المرأة الكافرة إذا تكشفت للمسلمين جاز رميها قصداً .(4/7)
السابعة : لا حرج في تدمير مباني اليهود ومنشآتهم لتتهاوى على جماجمهم المجرمة فهم حربيون ومغتصبون .
فالحرابة : تبيح دماءَهم .
والاغتصاب : يجيز تحطيم مبانيهم ليكون هذا سبباً لرحيلهم فليس لعرق ظالم حق .
فقد اتفقت الملل كلها والشرائع على حفظ الضروريات الخمس وهي الدين والنفس والنسل والعقل والمال .
وجاء في مواثيق هيئة الأمم ضرورة حفظ الحقوق والأموال وتحريم الاغتصاب ومنع أعمال العدوان . وهذا كله غير محترم في استراتيجية إسرائيل ولم يحصل إدانتها في هذا النظام القائم على الهوى والطغيان فقد قامت دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين ولا يرون حرجاً من استئصال رجالات المسلمين وقتل أطفالهم وهتك حرماتهم .
ونحن لا نرى حرجاً بعد هذا العدوان الكبير من الفتوى بتأييد العمليات الفدائية وقتل الحربيين ذكوراً وإناثاً وتدمير ما يمكن تدميره من المباني والمصانع قال تعالى { واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ..} .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
24 / 2 / 1422 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى تعلمون ما يحصل للفلسطينيين في هذا الوقت من الإجرام اليهودي والسكوت العربي المخزي . فهل في العمليات الفدائية ضد اليهود مخالفة شرعية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
اليهود المرذولون مجمع النقائص والعيوب ومرتع الرذائل والشرور وهم أشد أعداء الله على الإسلام وأهله .
قال تعالى { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ....}.
وقد أوجب الله قتالهم وجهادهم لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى .(4/8)
وهذا حين يقبع أعداء الله في ديارهم ولا ينقضون العهد والميثاق ولا يسلبون أموال المسلمين و يغتصبون ديارهم قال تعالى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) } التوبة.
فأما حين يضع أعداء الله سيوفهم في نحور المسلمين ويرعبون الصغير والكبير ويغتصبون الديار وينتهكون الأعراض ففرض على أهل القدرة من المسلمين قتالهم وسفك دمائهم والجهاد الدائم حتى التحرير الشامل لفلسطين وعامة بلاد المسلمين .
ولا يجوز شرعاً التنازل لليهود عن أيّ جزء من أراضي المسلمين ولا الصلح معهم فهم أهل خديعة ومكر ونقض للعهود .
وأرى في وقت تخاذل المسلمين عن قتال اليهود والتنكيل بهم وإخراجهم عن الأرض المقدسة أن خير علاج وأفضل دواء نداوي به إخوان القردة والخنازير القيام بالعمليات الاستشهادية وتقديم النفس فداءً لدوافع إيمانية وغايات محمودة من زرع الرعب في قلوب الذين كفروا وإلحاق الأضرار بأبدانهم والخسائر في أموالهم .
وأدلة جواز هذه العمليات الاستشهادية كثيرة وقد ذكرت في غير هذا الموضع بضعة عشر دليلاً علىمشروعية الإقدام على هذه العمليات وذكرت ثمارها والإيجابيات في تطبيقها .
قال تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) } .(4/9)
وفي المنقول عن الصحابة وأئمة التابعين في معنى هذه الآية دليل قوي على أن من باع نفسه لله وانغمس في صفوف العدو مقبلاً غير مدبر ولو تيقن أنهم سيقتلونه أنه محسن في ذلك مدرك أجر ربه في الصابرين والشهداء المحتسبين وفي صحيح مسلم ( 3005 ) من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ( الملك والساحر والراهب والغلام ... الحديث وفيه فقال الغلام الموّحد للملك الكافر ( إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وماهو ؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد . وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صُدْغه فوضع يده في صُدْغه في موضع السهم فمات فقال الناس : آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام .
فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرُك . قد آمن الناس .
فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخُدّت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : يا أمه اصبري فإنك على الحق .
ففي هذا دليل على صحة هذه العمليات الاستشهادية اللتي يقوم بها المجاهدون في سبيل الله القائمون على حرب اليهود والنصارى والمفسدين في الأرض .
فإن الغلام قد دل الملك على كيفية قتله حين عجز الملك عن ذلك بعد المحاولات والاستعانة بالجنود والأعوان .
ففعلُ الغلام فيه تسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك والجامع بين عمل الغلام والعمليات الاستشهادية واضح فإن التسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك حكمه حكم المباشرة لقتلها .(4/10)
والغاية من الأمرين ظهور الحق ونصرته والنكاية باليهود والنصارى والمشركين وأعوانهم وإضعاف قوتهم وزرع الخوف في نفوسهم .
والمصلحة تقتضي تضحية المسلمين المجاهدين برجل منهم أو رجالات في سبيل النكاية في الكفار وإرهابهم وإضعاف قوتهم قال تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ..}.
وقد رخص أكثر أهل العلم أن ينغمس المسلم في صفوف الكفار ولو تيقن أنهم يقتلونه والأدلة على ذلك كثيرة .
وأجاز أكثر العلماء قتل أسارى المسلمين إذا تترس بهم العدو الكافر ولم يندفع شر الكفرة وضررهم إلا بقتل الأسارى المسلمين فيصبح القاتل مجاهداً مأجوراً والمقتول شهيداً . والله أعلم .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
10 / 7 / 1421 هـ
snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله :
أحدثت امرأة في أثناء الطواف فاستحيت أن تخبر رفقتها وأكملت طوافها وأخبرت أهلها فيما بعد فماذا عليها ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
طواف المرأة صحيح ولا شيء عليها والحدث الأصغر لا يمنع الطواف بالبيت ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى المحدث عن الطواف وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع .
والحديث المشهور ( الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه ) لا يثبت رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه عقب رواية الحديث ( 960 ) وقد رُوي هذا الحديث عن ابن طاووس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً وهذا المحفوظ فقد رواه عبد الرزاق في المصنف ( 9789 ) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس موقوفاً ورواه ( 9790 ) عن ابن جريج قال أخبرني إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس .(4/11)
ورفعه عطاء بن السائب عن طاووس تراه في جامع الترمذي والمنتقى لابن الجارود وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان وفي رفعه نظر والصحيح عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً وعبد الله بن طاوس في أبيه أصح من عطاء فتقدم روايته على رواية عطاء .
وقد قال شعبة بن الحجاج سألت حماداً ومنصوراً وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأساً . رواه ابن أبي شيبة في المصنف ( 3 / 295 ) واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الفتاوى ( 26 / 199 ) .
وقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ( توضأ للطواف ) فهذا دليل على سنية الوضوء ولا خلاف في ذلك .
والنزاع إنما هو في الوجوب ولم أجد دليلاً عليه إلا في الحدث الأكبر فقد جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
29 / 11 / 1421 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما حكم حك الرأس للمحرم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
لا بأس بذلك وإن تساقط شيء من الشعر وقد روى مالك في الموطأ ( 2 \ 290 – شرح الزرقاني ) بسند صحيح عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم أيحك جسده فقالت نعم فليحككه وليشدّد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجليَّ لحككت ) .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل وهو محرم والحديث في الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري . والاغتسال مظنة لتساقط الشعر ولم يأت بيان بالمنع منه .
بل قد جاء في الصحيحين من طريق عطاء عن طاووس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم .
وقد رخص طائفة من أهل العلم بالحجامة للمحرم وإن كان في ذلك قطع شيء من الشعر .(4/12)
وقال آخرون عليه الفدية طعام ستة مساكين أو ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام وهذه الفدية على التخيير . والصحيح أنه لا شيء عليه . لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في ذلك فدية وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وأما إذا حلق المحرم رأسه كله لعذر أو غيره فيجب عليه ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وهذا من الأمر المتفق عليه بين أهل العلم .
قال الله تعالى { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك }.
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لعلك أذاك هوامُّك ؟ قال نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة . رواه البخاري ( 4 \ 12 – الفتح ) ومسلم ( 8 \ 118 – شرح النووي ) والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
8 \ 11 \ 1421 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
قد عزمت على الحج ومعي صبي فهل يجب أن أطوف عن نفسي ثم أطوف عنه طوافاً آخر أو أكتفي بطواف واحد وسعي واحد ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
اتفق العلماء على صحة حج الصبي وقال أبو حنيفة ولا يتعلق به وجوب الكفارات واتفقوا على أنه لا يجزئه عن حجة الإسلام فعليه بعد بلوغه حجة أُخرى .
والحالات المتعلقة بحج الصبي ثلاث .
الأولى : أن يكون الصبي قادراً على المشي فيطوف حينئذٍ عن نفسه ويسعى عن نفسه .
الحالة الثانية : أن يكون غير قادر على المشي وله تمييز فينوى حينئذٍ كل من الحامل والمحمول عن نفسه ويجزيء عنهما طواف واحد وسعي واحد .
الحالة الثالثة : أن يكون الصبي صغيراً لا يميز فحينئذٍ يحمله وليه أو غيره وينوي عنه ويجزئ عنهما طواف واحد وسعي واحد وشأنهما قريب من شأن الراكب .
وقال بعض العلماء يطوف عن نفسه ثم يطوف طوافاً آخر عن الصبي .(4/13)
والصحيح الأول : فقد جاء في صحيح مسلم ( 1336 ) من طريق ابن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لقي ركباً بالروحاء فقال . من القوم ؟ قالوا المسلمون . فقالوا من أنت ؟ قال رسول الله . فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت : ألهذا حج ؟ قال ( نعم ولك أجر )) .
ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم طوفي طوافين عنه وعن نفسك وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وهذا مذهب أبي حنيفة واختاره ابن المنذر وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله في المحلى ( 5 / 320 ) ونستحب الحج بالصبي وإن كان صغيراً جداً أو كبيراً وله حج وأجر وهو تطوع وللذي يحج به أجر ويجتنب ما يجتنب المحرم ولا شيء عليه إن واقع من ذلك مالا يحل له ويطاف به ويرمى عنه الجمار إن لم يطق ذلك ويجزئ الطائف به طوافه ذلك عن نفسه .... ) .
لأنه لا فرق بين هذا وبين الراكب فيجزئ عن الحامل وعن المحمول والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
10 / 11 / 1421 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما حكم من عزم على الأضحية فأخذ من شعره وقلم أظفاره ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب : يُكره على مَنْ يُضحي أن يأخذ من شعره أو بشرته شيئاً لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً . رواه مسلم ( 1977 ) من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة .
وجاء بلفظ (( فلا يأخذنَّ شعراً ولا يَقْلمنَّ ظُفُراً ) .
ورواه من طريق مالك عن عمر بن مسلم عن سعيد عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) .
وبالكراهية قال أكثر أهل العلم وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية .
وقال أبو حنيفة لا شيء على من أخذ من شعره وأظفاره .(4/14)
وقال إسحاق وأحمد في رواية يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك والأصل في النهي أن يكون للتحريم .
وجاء الأمر بالامساك في قوله ( فليمسك عن شعره وأظفاره ) والأصل في الأمر أن يكون للايجاب مالم يصرفه صارف ولكن إذا أخذ من شعره قبل أن يضحي بدون عذر أجزأته أضحيته بالاتفاق .
وأما المُضحى عنه ومن يضحي عن غيره بوكالة أو وصية فلا يُكره في حقهما أخذ شيء من الشعر والأظافر ولا كراهية على المضحي في غسل الشعر وحكه وإزالة المؤذي من ظفر ونحوه والله أعلم .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
28 / 11 / 1421 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
تعتقد بعض النساء أن للإحرام ثياباً خاصة فما صحة ذلك ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
المرأة تحرم بما شاءَت من الثياب الساترة وتجتنب لباس الشهرة والثياب الضيقة التي تصف تقاطيع الجسم وتجتنب الطيب والنقاب ولبس القفازين ولا حرج عليها في لبس الحلي وتغيير الثياب متى ما شاءَت .
والاعتقاد السائد في بعض البلاد أن المرأة تحرم من الثياب بلون كذا وكذا ليس له أصل في الشرع .
وقد قالت عائشة رضي الله عنها : المحرمة تلبس من الثياب ما شاءَت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران ... ) رواه البخاري في صحيحه معلقاً ووصله البيهقي في السنن ( 5 / 47 ) من طريق شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة ورواته ثقات .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
9 / 11 / 1421 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
يوجد رجل نفر من عرفات قبل غروب الشمس وعندما سأل أفتاه البعض بأن عليه دماً وقال له بعض أصحابه بأنه آثم ولا دم عليه فما تقولون في ذلك جزاكم الله خيراً .
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
اتفق أهل العلم على أن الوقوف بعرفات ركن من أركان الحج فلا يصح الحج بدون الوقوف ، وينتهي الوقوف بطلوع الفجر من يوم النحر .(4/15)
ومن وقف قبل طلوع الفجر ولو شيئاً يسيراً فقد صح وقوفه .
والسنة الثابتة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف بعرفة بعد زوال الشمس ومكث حتى غربت جاء هذا في صحيح مسلم ( 1218 ) من حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القُرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ...... ) .
وقد اختلف العلماء فيمن دفع من عرفات قبل الغروب . فقيل لا يصح حجه لأنه لم يقف شيئاً من الليل وهذا مذهب مالك وهو ضعيف ولا دليل عليه وعامة أهل العلم على خلافه فقد روى أحمد وأهل السنن بسند صحيح عن عروة بن مضرس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفثه ) .
فالحديث صريح في أن من وقف بعرفة من ليل أو نهار فقد تم حجه وظاهر الخبر أنه لا يجب الجمع بين الليل والنهار فإذا دفع من عرفات قبل غروب الشمس فحجه تام ولا شيء عليه وهذا الصحيح في مذهب الشافعية وقال به الإمام ابن حزم رحمه الله ( المحلى 5 / 115 ) .
وقال أبو حنيفة وأحمد حجه صحيح ويجب عليه الدم لأن الوقوف بعرفات إلى غروب الشمس واجب فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف إلى الغروب ووقف الصحابة من بعده إلى الغروب فظاهر هذا أن الأمر متقرر بينهم ولم يُذكر عن أحد منهم أنه دفع قبل الغروب أو أنه رخص في ذلك ولا سيما أنهم قادمون على ليلٍ مظلم زيادة على ذلك وعورة الطريق فهذه الدلالات وغيرها تؤكد أو الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس واجب فقد قال صلى الله عليه وسلم ( خذوا مناسككم ) رواه النسائي من حديث جابر وجاء في صحيح مسلم بلفظ ( لتأخذوا مناسككم ) .(4/16)
وفي رواية عن الإمام أحمد أنه لا دم عليه إن كان له عذر في الإفاضة قبل الغروب .
والصحيح في هذه المسألة أنه لا دم على من دفع قبل غروب الشمس وحجه صحيح وهذا الصحيح من مذهب الشافعية واختاره ابن حزم وقد تقدم ، فإن أموال المسلمين معصومة بعصمة دمائهم فلا يجب عليهم شيء بدون دليل تقوم به حجة وتبرأ به الذمة .
وقد تقدم حديث عروة بن مضرس وقوله صلى الله عليه سولم ( وقد وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفثه ) .
فظاهره أنه لو وقوف شيئاً يسيراً من ليل أو نهار فحجه صحيح ولم يذكر دماً ولا غيره وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع .
ويحمل فعله صلى الله عليه وسلم ووقوفه بعرفات حتى غروب الشمس على تأكيد السنية ولأنه إذا جاز الوقوف ليلاًً ولا دم عليه باتفاق العلماء فلأن يجوز الوقوف نهاراً دون الليل من باب أولى .
وإذا لم يجب الدم على من اقتصر في وقوفه على الليل لم يجب على من اقتصر على النهار دون الليل ؟
ولا فرق بين الأمرين فحديث عروة صريح في جواز الأمرين والتفريق بينهما تفريق بين المتماثلين فإن قيل الفرق بينهما بأن الوقوف بعرفات إلى الغروب فيه مخالفة للمشركين فيقال هذا لا يثبت من وجه صحيح .
وقد سبق بحث هذه المسألة في جواب أطول من هذا وذكرت وجوهاً كثيرة تؤيد هذا القول والله أسأل أن يفقهنا في الدين وأن يوفقنا للحق والصواب .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
4 / 12 / 1421 هـ snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
لي أخت قد أحرمت بالنقاب ولم تعلم بحرمة ذلك إلا بعد نهاية العمرة فماذا عليها ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
النقاب محرم على المرأة المحرمة فقد روى البخاري في صحيحه ( 1838 ) من طريق الليث بن سعد حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تتنقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين .(4/17)
وقالت عائشة رضي الله عنها . المحرم تلبس من الثياب ما شاءَت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران ولا تبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءَت . رواه البيهقي في السنن ( 5 / 47 ) وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم بصحته .
وقد ذهب إلى هذا القول أكثر أهل العلم فمنعوا المرأة المحرمة من النقاب وأجازه طائفة من العلماء وفيه نظر والصحيح منعه غير أن من لبسته جهلاًَ بالحكم أو نسياناً فلا فدية عليها في أصح قولي العلماء فقد رفع الله الحرج عن المخطىء والناسي قال تعالى ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) .
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله إعلام الموقعين ( 2 / 31 ) (( من تطيب أو لبس أو غطى رأسه أو حلق رأسه أو قلم ظفره ناسياً فلا فدية عليه ... ) والجاهل في حكم الناسي والمرأة والرجل في ذلك سواء غير أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم أحكام الحج والعمرة فإن ذلك من فروض الأعيان لمن شرع فيهما والله أعلم .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
8 / 11 / 1421هـ snallwan@hotmail.com
هذه فتوى فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في تأييد حكومة طالبان في تحطيم الأوثان وكسر الأصنام نقلتها من فتوى مسجلة بصوته بتاريخ 18 / 12 / 1421 هـ وعرضتها على الشيخ فيما بعد فصححها ووافق على نشرها فهذا نصها .
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :(4/18)
فقد وردت علي أسئلة كثيرة من جهات مختلفة يسألون عن مدى شرعية ما قامت به حكومة طالبان من تكسير الأوثان الموجودة في أفغانستان حيث حصلت لهم معارضات من الكفار وبعض المنسوبين للإسلام والمحسوبين على العلم وقد ذكر كثير من الإخوة في أسألتهم شبه المعارضين ونظرة بعض المفتين بمنع كسر الأوثان لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يحصل منهم تحطيم للأوثان حين وطئت أقدامهم هذه البلاد ؟
حقيقة ما كنت أظن أن الأمر يبلغ هذا المبلغ وما كنت أتصور أن جملة من أهل العلم يعارضون حكومة طالبان بمثل هذه الأعمال المجمع على شرعيتها .
وقد رأيت أن أبادر هؤلاء الإخوة المسترشدين بجواب مختصر وأنسئ الجواب المطول لوقت آخر فإن هذه المسألة متعلقة بتوحيد الإلهية .
وأعظمُ الأصول التي يقررها الله عز وجل في كتابه هو توحيد الإلهية وهذا الأصل هو الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب وهذا الأصل العظيم هو أعظم الأصول على الإطلاق وأكملها وأفضلها وهو الذي خلق الله الخليقة لأجله وشرع الشرائع لقيامه وبوجوده يكون الصلاح والإصلاح والإستقامة والطمأنينة ، وبفقده يكون الفساد والإفساد والإنحراف وتفلت الأمور قال الله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } أي يوحدون وقيل إلا لأمرهم وأنهاهم وأعظم أمر أمر الله به هو الأمر بالتوحيد وهو أول أمر جاء ذكره في القرآن . قال تعالى { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } وضده الشرك وهو أعظم شيء نهى الله عنه وجاء النهي عنه في أول نهي في القرآن قال تعالى { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) } والقرآن كله من فاتحته إلى خاتمته يقرر هذا الأصل فيبين التوحيد ويذكر محاسنه ويحذر عن الشرك ويبدي مضاره ومخالفته للفطر .(4/19)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل أصحابه للمدن والقرى يبينون هذا الأصل ويدعون إلى التوحيد ويحذرون عن الشرك ووسائله والأمور المؤدية إليه . فقد حمى النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد كل طريق يوصل إلى الشرك فنهى عن رفع القبور ونهى عن البناء عليها وعن الصلاة عندها .
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً لهدم معاقل الوثنية وهدم صروح الشرك وقال له : لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته . هذا الخبر صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه من طريق سفيان عن حبيب ابن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهياج الأسدي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وعلى الرغم من وضوح هذه الأصول في الأدلة الشرعية وعمل خير القرون إلا أن كثيراً من الناس في هذه الأزمان يعيش في ركام من الأوهام وشذوذ في الأفكار وشرود عن الحقيقة فحين قامت حكومة طالبان بتحطيم الأصنام وتسويتها بالتراب إعلاء لكلمة الحق وتصغيراً وتحقيراً لأمر الباطل قامت قوى الكفر وأئمة الظلال بالتنديد والإستنكار لمثل هذه الأعمال ولا عجب من هؤلاء فهم أهل الكفر بل العجب لولم يستنكروا ولكن الجرح الذي لا يندمل هو تنديد بعض المنسوبين العلم والتشكيك بمثل هذه الأعمال الإيمانية والبواعث الشرعية فهذه وصمة عار وانهزامية أمام القوى العالمية . وعذر بعضهم وما أقبح هذا العذر الجهل بحقيقة ما جاءَت به الرسل من شرعية تحطيم الأصنام وتسويتها بالتراب ونحن نعلم من شرعنا وجوب هدم مواطن الشرك بعد القدرة على ذلك .
وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز إبقاء مواطن الشرك والأصنام فهي أعظم المحرمات وأقبح المنكرات فلا يحل شرعاً إبقاؤها ولا يوماً واحدا حين القدرة على إبطالها وإزالتها .(4/20)
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير وشداد بن عبد الله عن أبي أمامة قال قال عمرو بن عبسة كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ظلالة ، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فقلت له ما أنت فقال أنا نبي فقلت وما نبي ؟ قال أرسلني الله فقلت بأي شيء أرسلك ؟ قال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ....... ] . فهذا الحديث صريح بوجوب تكسير الأصنام وتحطيمها فهذا مما أرسلت به الرسل سواء كانت معبودة كاللات والعزى أو لم تكن معبودة فالكل يجب إزالته والبراءَة منه ولا عذر لأحد قدر على ذلك فتخلف عن التكسير أو المناصرة ، فأي منكر أعظم من هذا وأي بلاء أكبر منه .
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاث مائة وستون نصبا وفي رواية صنما . فجعل يطعنها في عود كان في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدء الباطل وما يعيد .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الرسل والسرايا بتكسير الأصنام وهدمها والأدلة على ذلك متواترة وهذا يغني عن سياقها وتخريجها .
وليس أحد من أهل العلم ينازع في ذلك . فهذا عمل المسلمين في القرون الأولى وعمل المسلمين في القرن الرابع والخامس والسادس وقد امتد هذا الأمر إلى عصر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى حيث كان العلماء والقادة المصلحون يدكون هذه الأصنام ويهدمون القباب والمساجد المبنية على القبور ويقطعون الأشجار التي ينتابها الجهال للتبرك .(4/21)
ولا أعلم عن أحد من علماء التوحيد نازع في ذلك أو فرق في هدم الأصنام بين معبود وغيره فالتفريق بين الأمرين ليس له أصل في الشرع بل هو جهل بالأدلة الشرعية وجهل بواقع الأمر وحقيقة هذه الأصنام المعبودة مع الله ولا أدل من هذا مجادلة الكثيرين عن هذه الأصنام الموجودة في أفغانستان وحمايتها وبذل الأرواح في بقائها والتباكي لهدمها والاستعانة بجنود إبليس لحفظها وتخليدها .
ومزاعم المتباكين على هذه الأحجار بأنها غير معبودة هي مجرد توهَّمات وتخرّصات فالآلاف من الوثنيين يقصدونها للعبادة فلا مجال للمكابرة في الأمر الواقع . وقد أحسنت حكومة طالبان في هدم هذه الأوثان وتكسيرها فهذا العمل كبير وعظيم يشكرون عليه وهو من أسباب بقاء الملك وحفظ الديار قال الله تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) } .
ودعوى كثير من المتأخرين أن هذه الأصنام كانت موجودة في مصر وأفغانستان وقد دخلها الصحابة ولم ينكروها أو يحطومها كما فعلت حكومة طالبان فهذه دعوى ليس لها زمام ولا خطام فالأدلة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب هدم هذه الأصنام ، ومعاذ الله أن يخالف الصحابة الأمر المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يخالفوا ما أجمعت الرسل على إنكاره وهل هذا إلا سوء ظن بالصحابة رضي الله عنهم .
وعلى احتمال وجودها في عهد الصحابة رضي الله عنهم فالأمر يحتمل أحد أمرين :(4/22)
1 – أنهم لم يشاهدوها وهذا الأصل ومن ادعى خلاف هذا فعليه الدليل الصحيح .
2- أنهم لو عاينوها ورأوها فلا يمكن إثبات قدرة الصحابة على إزالتها فإذا كانت الدبابات والمحدثات العصرية القادرة على تحطيم الجبال قد عانت من تكسير هذه الأصنام ولم تستطع تكسيرها إلا بجهد كبير فمن البديهي أن تعجز عن ذلك سيوف الصحابة ورماحهم .
وعلى كلٍ فنحن نبقى على الأمر المجمع عليه بين الصحابة والتابعين ، وأهل العلم من حتمية هدم الأصنام دون نظر لوجود صنم في بلد أو آخر فلم ينكر فهذه الدعوى لا يصح الاعتراض بها على مسلمات الشريعة ، فالفرض هدم كل صنم ووثن سواء كان معبوداً أو غير معبود . ولا يجوز بيع هذه الأصنام وهذا بالاتفاق ولا اتخاذها تراثا فهذا من عمل أهل الجاهلية ومن وسائل الشرك ، هذا ما يتيسر إيراده على عجالة في الأمر بناء على طلب كثير من الإخوة وأسأل الله تعالى أن يوفق حكومة طالبان لما يحبه الله ويرضاه . وأن يهدي الجميع إلى سواء الصراط المستقيم وأن يوفقهم لكل خير وصلاح .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما تقولون في رجل تزوج امرأة ودفع لها المهر وقبل أن يدخل بها توفي فهل ترثه أم لا وهل عليها العدة أم لا ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
إذا تزوج الرجل المرأة وعقد عليها وتوفي قبل أن يدخل بها فلها الميراث وعليها العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام قال الله تعالى { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } .
ودلالة هذه الآية واضحة في عدة المتوفى عنها زوجها وهي تتناول المدخول بها وغير المدخول .
ولا تخْرجُ عن عموم هذه الآية إلا الحامل فأجلها إلى أن تضع ما في بطنها قال الله تعالى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .(4/23)
وروى أحمد ( 3 / 480 ) والنسائي ( 4 / 121 ) وأبو داود ( 2115 ) والترمذي ( 1145 ) وابن ماجه ( 1891 ) وغيرهم من طريق سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سُئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود لها صداق نسائَها لاوكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث .
فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال . قضى رسول الله صل الله عليه وسلم في بِرْوَع بنت واشِق امرأةٍ منا بمثل الذي قضيت . ففرح بها ابن مسعود . قال الترمذي رحمه الله حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح وقد رُوي عنه من غير وجه . والحديث صححه ابن حبان والحاكم وأورده ابن الجارود في المنتقى وقد دل هذا الخبر الصحيح على أن عدة الوفاة تجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل وعلى أن الميراث ثابت للمرأة قبل الدخول وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الزاد ( 5 / 664 ) الاتفاق على هذا ، وهذا الاتفاق محكيّ في كثير من الكتب ودلالته ظاهرة فإن المرأة بمجرد العقد عليها تصبح زوجة فترث وتورث بدلالة الكتاب والسنة فإذا توفيت ولو قبل الدخول بها ورثها زوجها وإذا توفي الزوج ورثته الزوجة وعليها العدة .
وأحكام الوفاة تغاير حكم الطلاق فإذا طلقت المرأة قبل الدخول بها أو بعد الدخول ولم يحصل جماع فلا عدة عليها قال الله تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)} .
وقوله { مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } أي تجامعوهنَّ في أصح قولي العلماء والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان 16 / 12 / 1421 snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله .
ماحكم الإسلام فيمن استهزأ بآيات الله ولحن الآيات القرآنية وغنّاها ؟(4/24)
فقد ذكرت جريدة النخبة الخليجية في عددها ( 128 ) وعددها ( 133 ) عن مجموعة من الفنانين أنهم يفتتحون الأغنية بموّال يبدأ بغناء آيات من القرآن وقد استنكرت هذه الجريدة ما يقوم به شياطين الإنس من هذه الأعمال الشيطانية والناس من العامة والخاصة يناشدونكم البيان في حكم الاستهزاء بالله وآياته ولا سيما أن هذا الأمر أصبح مألوفاً لدى كثير من الفنانين والممثلين والله المسئول أن يحفظكم ويبارك في علمكم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
إن الإنسان بفطرته التي ولد عليها يدرك عظيم هذا الفعل وكبير هذا الذنب وشناعة هذا الإجرام ولا يتجاوب مع هذه الممارسات الشيطانية سليم الفطرة نقي التوحيد .
فالمسلمون كلهم مجمعون على وجوب احترام كلام الله وتعظيمه وصيانته عن العيوب والنقائص .
فالقرآن كلام الله وهو صفة من صفاته والله لم يزل متكلماً إذا شاء ، هذا الذي دل عليه الكتاب والسنة وقاله أئمة الإسلام .
فالاستهزاء بكلام الله أو بكتابه أو محاولة إسقاط حرمته ومهابته كفر صريح لا ينازع فيه أحد ، قال الله تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ..... } سورة التوبة .
وهذه الآية نص في كفر من استهزأ بالله وآياته ورسوله سواء استحل ذلك أو لم يستحل فمجرد الاستهزاء بالمذكورات ردة عن الدين بإجماع المسلمين ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء كأن يكون مازحاً أو هازلاً .(4/25)
وقد كفر الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء ، روى ذلك ابن جرير في تفسيره ( 10 / 172 ) بسند جيد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس . ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس : كذبت ولكنك منافق لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } .
وظاهر الآية أنهم كانوا من قبل مؤمنين فكفروا بالاستهزاء الذي يعلمون حرمته ولكن لم يظنوه كفراً .
ومن ذلك الذين يفتتحون أغانيهم بموّال يبدأ بغناء أيات من القرآن فهؤلاء قد اتخذوا آيات القرآن الكريم للغناء والطرب واللعب وهذا من أعظم أنواع الاستخفاف بالقرآن والاستهانة بحرمته .(4/26)
وقد أجمعت الأمة على كفر من استخف أو هزل بالقرآن أو بشيء منه . قال تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) } سورة الطارق . فكل من اتخذ شيئاً من آيات القرآن للهزل والغناء والرقص والطرب فقد اتخذها هزواً ولعباً وقد توعد الله هؤلاء بالعذاب المهين فقال تعالى { وإذا علم من ءاياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (9) } سورة الجاثية . وقال { وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)} سورة الجاثية .
قال القاضي عياض رحمه الله ( شرح الشفاء ( 2 / 549 ) واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده أو حرفاً منه أو آية أو كذب به أو بشيء منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع قال الله تعالى { وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42) } .
وقال الشيخ العلامة أبو بكر محمد الحُسيني الحُصني الشافعي في كتابه كفاية الأخيار ( 494 ) [ وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس وكذا الذبح للأصنام والسخرياء باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده أو قراءَة القرآن على ضرب الدف ... ) .
واتخاذ آيات القرآن للغناء والعزف عليها بالموسيقى أشد كفراً وأكبر ذنباً من قراءَة القرآن على ضرب الدف .(4/27)
وقال العلامة الشيخ البهوتي الحنبلي رحمه الله في كتابه الروض المربع شرح زاد المستقنع ( ص 682 ) تحت باب حكم المرتد ( أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين أو امتهن القرآن أو أسقط حرمته ... ) .
وقال العلامة ابن فرحون المالكي رحمه الله في كتابه تبصرة الحكام ( 2 / 214 ) ومن استخف بالقرآن أو بشيء منه أو جحده أو حرفاً منه أو كذب بشيء منه أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهذا كافر بإجماع أهل العلم )) .
والراضي بكفرهم واستخفافهم بكلام الله وكتابه كافر مثلهم قال تعالى { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) } سورة النساء .
وحذار حذار من أمرين عظيمين :
الأول : عقوبة الله وانتقامه ممن استهزأ أو استخف بكلامه وقد جاء في صحيح البخاري ( 3617 ) من طريق عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال . كان رجل نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً فكان يقول : ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لمّا هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه ، فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمدٍ وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لمّا هرب منهم فألقوه ، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه )) . ورواه مسلم في صحيحه ( 2781 ) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس قال . كان منا رجل من بني النجار ... فذكره وفي آخره فتركوه منبوذاً .(4/28)
الثاني : تمرير هذا الإجرام بدون عقوبة فالقرآن كلام الله له قدره ومكانته في قلوب المسلمين فالاستخفاف بحرمته والاستهزاء بشيء منه جرم كبير وذنب عظيم .
فحين يأتي أراذل البشرية في القرن العشرين ويستخفّون بحرمة كلام الله وصفة من صفاته ويجعلونه كسائر كلام البشر وسقط الناس ويتخذونه للغناء والطرب واللعب وَيَسْلَمون من العقوبة والردع وإقامة حكم الله فيهم ، فهذا يفتح باب التلاعب بالشريعة والطعن في الذات الإلهية وصفاته والاستهانة بأعظم شيء يفتخر به المسلمون .
وإذا كانت العقوبة الدنيوية من السجن وغيره تطبق على من سب حاكماً أو أميراً بحق وبغيره ولا تتناول المستهزئ بكتاب رب العالمين وبصفة من صفاته فهذا من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر .
وإني لأخشى بغض الطرف عن هؤلاء المستهزئين بآيات الله أن تصل الأمور بالحكومات العصرية إلى حد قول الشاعر :
يقاد للسجن من سب الزعيم ومن
سب الإله فإن الناس أحرار
وحينئذٍ فلا تفرح بالعيش في ظل الفساد وتفلت الأمور وخروجها عن طورها .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
27 / 12 / 1421 هـ
القصيم . بريدة
snallwan@hotmail.com
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العوان حفظه الله
سمعت في الإذاعة حديثاً منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك !!! فماهي درجة هذا الحديث ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
هذا الحديث منكر ولا يصح في الباب شيء وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات ( 1 / 248 ) وقال تفرد به عمر بن راشد وهو وهم صوابه عمر بن عبد الله .
والخبر رواه الترمذي في جامعه ( 2888 ) وابن عدي في الكامل ( 5 / 1720 ) من طريق زيد بن الحباب عن عمر بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .(4/29)
قال الترمذي رحمه الله . هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وعمر بن أبي خثعم يضعف ، قال محمد : هو منكر الحديث )) .
وقال أبو زرعة : واهي الحديث حدّث عن يحيى بن أبي كثير ثلاثة أحاديث لو كانت في خمس مئة حديث لأفسدتها .
وروى الترمذي ( 2889 ) وأبو يعلى في مسنده ( 6224 ) من طريق هشام أبي المقدام عن الحسن البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال - صلى الله عليه وسلم - ( من قرأ حم الدّخان في ليلة الجمعة غفر له ) .
وهذا الإسناد معلول بعلتين :
الأولى : هشام بن زياد أبو المقدام . ليس بشيء قاله النسائي وغيره .
وقال ابن حبان في كتابه المجروحين ( 3 / 88 ) هشام بن زياد كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات والمقلوبات عن الأثبات حتى يسبق إلى قلب المستمع أنه كان المتعمد لها . لا يجوز الاحتجاج به .
الثانية : الانقطاع فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد قال الإمام أبو زرعة رحمه الله . لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولم يره فقيل : فمنْ قال حدّثنا ؟ قال يخطىء .
وقال الترمذي رحمه الله عقيب هذا الحديث . لم يسمع الحسن من أبي هريرة هكذا قال أيّوب ويونس بن عُبيد وعليّ بن زيد .
والخبر أورده ابن الجوزي في الموضوعات ( 1 / 247 ) وقال هذا الحديث من جميع طرقه باطل لا أصل له .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
14 / 2 / 1422
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
ما حكم التبرع بالدم ونقله من إنسان صحيح إلى شخص مريض ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
لا بأس بالتبرع بالدم بكمية مقدرة من طبيب حاذق فإن أخذ الدم الكثير من الشخص يضره وقد يؤدي به إلى الموت وأخذ القليل من الدم لا يضره بل ثبت في الطب نفعه .
وقد أشار الأطباء إلى أن سحب كمية معتدلة من الدم ينشط تكوين الدم في الجسم ويجدد خلايا الدم فيعيد للجسم كله النشاط والحيوية .(4/30)
وقد أشارت بعض الدراسات الطبية الحديثة إلى أن التبرع بالدم يقلل من مخاطر حدوث النوبات القلبية .
غير أنه لا يجوز شرعاً بيع الدم فالأدلة صريحة في المنع وحكى الاتفاق على ذلك غير واحد وفي صحيح البخاري ( 2086 ) من طريق شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم ... ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ( 4 / 427 ) وبيع الدم وأخذ ثمنه حرام بالإجماع .
فالمشروع حينئذٍ بذله للمسلمين بدون عوض وفي ذلك أجر وثواب لأنه عمل صالح ونفع للآخرين وقد يكون في الدم القليل انقاذ لحياة مسلم من موت محقق .
وأما إذا كان العطاء على جهة الهبة والمجازاة على المعروف فلا بأس بذلك لأنه ليس من باب المعاوضة والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
9 / 2 / 1422 هـ
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
فيه شخص جامع في نهار رمضان فما حكمه ؟ وماذا عليه ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
الجماع في نهار رمضان من الاعتداء على حرمات الله وهو محرم با الكتاب والسنة والإجماع .(4/31)
وتجب على المجامع كفارة وهي عتق رقبة فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً بدليل ما رواه البخاري ( 1936 ) ومسلم ( 1111 ) من طريق الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال . بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءَه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال (( ما أهلكك )) قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( هل تجد رقبة تعتقها )) قال لا . قال (( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا . فقال (( فهل تجد إطعام ستين مسكيناً قال لا قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تمر والعَرَقُ المكتل – قال أين السائل فقال أنا قال خذها فتصدق به )) فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقرُ من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال (( أطعمه أهلك )) .
وهذا الحكم بالنسبة للعامد العالم على الصحيح من أقاويل أهل العلم .
فإن الناسي والجاهل بالحكم والمكره لا قضاءَ عليهم ولا كفارة فقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة وعفا عن الخطأ والنسيان قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وفي صحيح مسلم ( 126 ) عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى ( قد فعلتُ ) .
وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي في الناسي وقال إسحاق وأحمد في رواية بعذر الناسي والجاهل واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
وقال مالك والليث بن سعد وجماعة . عليه القضاء دون الكفارة وقال أحمد بن حنبل في المشهور من مذهبه عليه القضاء والكفارة سواء وطيء ناسياً أو جاهلاً واختاره أهل الظاهر .(4/32)
وفيه نظر فإن الجماع بمنزلة الأكل والشرب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )) رواه البخاري ( 1933 ) ومسلم ( 1155 ) من طريق هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وروى عبد الرزاق في المصنف ( 7375 ) بسند صحيح عن مجاهد قال ( لو وطيءَ رجل امرأته وهو صائم ناسياً في رمضان لم يكن عليه فيه شيء )) ورواه البخاري في صحيحه معلقاً .
وروى عبد الرزاق ( 7377 ) عن الثوري عن رجل عن الحسن قال : هو بمنزلة من أكل أو شرب ناسياً )) . وعلقه البخاري في صحيحه والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
/ 16 / 5 / 1421
snallwan@hotmail.com
الجلسة الأولى :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة وجهت للشيخ سليمان بن ناصر العلوان في إحدى جلساته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة عليها مسجلة وبعد ذلك فرغت من الأشرطة وعرضت على الشيخ فأجاز نشرها . بتاريخ 24 / 5 / 1421 هـ
السؤال الأول :
هل يوجد في الأربعين النووية أحاديث ضعيفة ؟
الجواب :
نعم فيه بعض الأحاديث الضعيفة مثل
1- الحديث الثاني عشر ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . رواه الترمذي وغيره من طريق قرة بن عبد الرحمن المعافري عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يصح قرة بن عبد الرحمن سيء الحفظ وقد رواه مالك وغيره عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً .
وصحح إرساله أحمد بن حنبل والبخاري والدار قطني وغيرهم .
2- وفيه الحديث التاسع والعشرون حديث معاذ بن جبل قلتُ [ يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعد ني عن النار ... ) الحديث رواه الترمذي من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ .
ورواه أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمة عن عاصم عن شهر بن حوشب عن معاذ .(4/33)
وهذا أصح من الأول وشهر بن حوشب ضعيف الحديث .
3- ومن ذلك الحديث الثلاثون حديث أبي ثعلبة الخشني ( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ..) الحديث فيه انقطاع بيد أن له شاهداً حسناً رواه الحاكم من حديث أبي الدرداء
4- ومن ذلك الحديث الحادي والثلاثون حديث سهل بن سعد الساعدي قال [ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ... ) الحديث ولا يصح بوجه من الوجوه وإن كان معناه صحيحاً .
5- ومن ذلك الحديث الثاني والثلاثون حديث لا ضرر ولا ضرار لا يصح إلا مرسلاً قاله ابن عبد البر وغيره وقد عده أبو داود من الأحاديث التي يدور الفقه عليها .
6- ومن ذلك الحديث التاسع والثلاثون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) . أنكره الإمام أحمد ومعنى الحديث صحيح فيه ما يدل عليه من الكتاب والسنة .
7- ومن ذلك الحديث الحادي والأربعون حديث (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) مداره على نعيم بن حماد الخزاعي ولا يصح حديثه ضعفه أبو داود والنسائي وجماعة .
8- ومن ذلك الحديث الثاني والأربعون حديث أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ( يا ابن آدم إنك ... ) فيه لين وقد تفرد به الترمذي من هذا الوجه وقال حسن غريب وقد صح آخره من حديث أبي ذر رواه مسلم في صحيحه .
السؤال الثاني :
هل الكحل يفطر الصائم ؟
الجواب :
الكحل لا يفطر الصائم وليس به بأس في الصيام سواء كان نفلاً أو فرضاً .
وقد قال الإمام الأعمش . ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم . رواه أبو داود في سننه .
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى كراهيته للصائم لحديث ليتقه الصائم . رواه أبو داود وغيره وفيه نكارة قال أبو داود قال لي يحي بن معين هو حديث منكر . وحينئذ لا يصح هذا الحديث حجة على منع الصائم من الكحل والله أعلم .(4/34)
السؤال الثالث :
البنت البكر إذا ثاب منها لبن فأرضعت به هل تكون أماً للطفل ؟
الجواب :
لا خلاف بين العلماء أن البكر التي لم تنكح إذا نزل منها لبن وأرضعت به فإنه ينشر المحرمية فيكون المرتضع ابنها وليس له أب وقد أشار إلى هذه المسألة ابن المنذر في الإجماع وابن قدامة في المغني وغيرهما .
السؤال الرابع :
ما حكم الاستمناء باليد ؟
الجواب :
في ذلك ثلاثة مذاهب لأهل العلم
الأول : الجواز مطلقاً لأنه لم يثبت في منعه دليل وقد كتب الشوكاني رسالة في ذلك ونصر هذا القول .
الثاني : المنع مطلقاً سواء خشي العنت أو لم يخش بدليل ظاهر قوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) } .
الثالث : يباح لمن خشي الزنا أو الفاحشة وما عدا ذلك فيحرم وهذا قول الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام رحمه الله .
السؤال الخامس :
ما صحة حديث ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ) .
الجواب :
هذا الخبر منكر سنداً ومتناً . قال عنه الإمام مالك هذا كذب ذكره عنه أبو داود في سننه .
وقال الأوزاعي . مازلت له كاتماً حتى رأيته انتشر يعني حديث ابن بسر هذا في صوم يوم السبت .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم . لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده . متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو دليل على صوم يوم السبت والأحاديث في ذلك كثيرة والله أعلم .
السؤال السادس :
هل يجوز للمحادة أن تتصل بالهاتف .
الجواب :
ليس في ذلك حرج ولا أعلم أحداً من العلماء كره ذلك .
وقد ورد منع المحادة من التزين والطيب والكحل والخروج من المنزل بدون عذر ودون هذه الأمور أقوال وآراء لا دليل عليها والله أعلم .
السؤال السابع :
ما هو القول الصحيح في الأقراء هل هي الحيض أم الأطهار ؟
الجواب :(4/35)
في ذلك خلاف مشهور بين الفقهاء . فقال قوم هي الحيض وهذا مروي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وأكابر الصحابة وهو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد في آخر القولين عنه .
وقال آخرون . الأقراء الأطهار وهذا مروي عن ابن عمر وعائشة وهو مذهب مالك والشافعي .
والأول أصح وحينئذٍ لا تنقضي عدتها حتى تنقضي الحيضة الثالثة والله أعلم .
السؤال الثامن :
امرأة طهرت من الحيض في صيام رمضان فهل يجب عليها الإمساك بقية يومها ؟
الجواب :
قال بذلك الإمام أبو حنيفة وأحمد بن حنبل في رواية .
وقال مالك لا تمسك إذا طهرت وقال في الذي يقدم من سفره وهو مفطر وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها في رمضان أن لزوجها أن يصيبها إن شاء .
وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله في الرواية الثانية وهو الصحيح وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من أكل أول النهار فليأكل آخره . رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع عن ابن عون عن ابن محيريز قال قال ابن مسعود والله أعلم .
snallwan@hotmail.com
الجلسة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر .
وكانت الإجابة مسجلة بصوته وقد تم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 27 / 5 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
ما صحة حديث ( عند كل ختمة دعوة مستجابة ... ) .
الجواب :
هذا الحديث موضوع رواه أبو نعيم في الحلية وغيره وفي إسناده يحي بن هاشم السمسار .
قال عنه الإمام النسائي : متروك الحديث .
وقال يحيى بن معين : كذاب .
وقال ابن عدي : كان يضع الحديث ويسرقه .
والدعاء عند ختم القرآن له حالتان :
الأولى : في الصلاة فهذا بدعة فإن العبادات مبناها على الشرع والاتباع وليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه الله أو سنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.(4/36)
ودون ذلك ابتداع في الدين قال صلى الله عليه وسلم (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد . متفق عليه من حديث عائشة .
وقد ذكر الشاطبي في الاعتصام وشيخ الإسلام في الاقتضاء قاعدة عظيمة المنفعة في التفريق بين البدعة وغيرها ، وهي أن ما وجد سببه وقام مقتضاه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة ولم يقع منهم فعل لذلك مع عدم المانع من الفعل فإنه بدعة كالأذان للعيدين والاستسقاء ونحو ذلك .
ودعاء الختمة في الصلاة من ذلك فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقومون في رمضان ليلاً طويلاً ويتكئون على العصي من طول القيام فهم في هذه الحالة يختمون القرآن أكثر من مرة ولم ينقل عن أحد منهم دعاء بعد الختمة .
وقد قال الإمام مالك رحمه الله : ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن وما هو من عمل الناس . ذكر ذلك عنه ابن الحاج في المدخل .
الحالة الثانية : الدعاء عقيب الختمة في غير الصلاة وهذا منقول عن أنس بن مالك بسند صحيح .
ومأثور عن جماعة من أهل العلم ولا أعلم في المرفوع شيئاً ثابتاً والله أعلم .
السؤال الثاني :
ورد في صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من وسط الناس سفعاء الخدين ... الحديث .
نريد صحة الزيادة ( سفعاء الخدين ) حيث يحتج بها القائلون بكشف المرأة وجهها عند الأجانب ؟.
الجواب :
هذه الرواية جاءت في صحيح الإمام مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر بن عبد الله .
ورواه البخاري ومسلم من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله وليس فيه هذه الزيادة .
وابن جريج في عطاء أوثق من عبد الملك بن أبي سليمان .
قال الإمام أحمد رحمه الله : عبد الملك من الحفاظ إلا أنه كان يخالف ابنَ جريج في إسناد أحاديث وابن جريج أثبت منه عندنا .(4/37)
والقول بأن الزيادة من ثقة فيجب قبولها دعوى غير صحيحة فإن أكابر المحدثين لا يحكمون على الزيادات بحكم كلي يعم كل الأحاديث .
بل يعتبرون القرائن ويحكمون على كل زيادة بما يترجح عندهم .
وحين نعلم أن ابن جريج أوثق من عبد الملك في عطاء فإننا نقدم روايته ونحكم على رواية عبد الملك بالشذوذ والله أعلم .
السؤال الثالث :
ما تقولون في نجاسة القيء ؟
الجواب :
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن القيء نجس مطلقاً .
وذهب فقهاء المالكية إلى أن القيء النجس هو ما شابه أحد أوصاف العذرة .
وأما ما كان على هيئة الطعام لم يتغير فإنه طاهر .
والصحيح أنه طاهر مطلقاً والاستقذار والاستحالة إلى روائح كريهة لا يعني النجاسة .
والأصل الجامع في هذا الباب طهارة كل الأعيان حتى يثبت الدليل على النجاسة والقيء لم يثبت دليل على نجاسته فهو طاهر .
وحديث (( العائد في هبته كالعائد في قيئه )) متفق عليه من حديث ابن عباس ليس صريحاً في نجاسة القيء فإن العود في القيء منهي عنه للضرر وشبهه وليس للنجاسة .
وقد تقرر في القواعد الأصولية أنه ليس كل محرم نجساً والله أعلم .
السؤال الرابع :
هل يعتبر موت الإنسان دماغياً موتاً حقيقياً ؟
الجواب :
في هذه المسألة قولان للعلماء المتأخرين حيث أن هذه المسألة من مستجدات العصر بسبب التطور الطبي والتقدم في ذلك .
القول الأول : أنه لا يعتبر موت الإنسان دماغياً موتاً حقيقياً ولا يحكم بموته حتى يتوقف قلبه عن النبض و حينئذ لا يجوز نزع الأجهزة عنه ما لم يأت من هو أحوج منه إليها .
الثاني : يعتبر موت الدماغ دون القلب موتاً حقيقياً حيث أن الأعضاء لا تستجيب لتصرفات الروح . والحياة المستقرة المعتبرة هي أن تكون الروح في الجسد ومعها الحركة الاختيارية دوه غيرها وفيه نظر .
فإن فقد الإحساس والشعور والحركات الاختيارية ليس كافياً في الحكم عليه بالموت .
والفرض في ذلك التحري والتريث إلى أن يحصل اليقين بموته .(4/38)
ولأن الأصل الحكم بحياة المريض فلا تخرج عن اليقين بمجرد الشك وهذا معلوم في قواعد الفقهاء والأصوليين والله أعلم .
... ... ... ... ... ... ... snallwan@hotmail.com
الجلسة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 3 \ 6 \ 1421 هـ فأذن بنشرها .
... السؤال الأول :
ما الحكم في اللقيط هل يعتبر عبداً أم حراً ؟
... الجواب :
اللقيط بمعنى ملقوط وهو الطفل المنبوذ الذي لا يعرف نسبه .
... والأصل فيه أنه حر في جميع الأحكام فقد جاء في موطأ مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم . أنه وجد منبوذاً في زمان عمر بن الخطاب قال فجئت به إلى عمر بن الخطاب فقال : ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ فقال وجدتها ضائعة فأخذتها . فقال له عريفه : يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح ، فقال له عمر أكذلك ؟ قال نعم . فقال عمر بن الخطاب إذهب فهو حُرّ ولك ولاؤه وعلينا نفقته .
... قال ابن المنذر رحمه الله في كتاب الإجماع . وأجمعوا أن اللقيط حر وقال ابن قدامة رحمه الله اللقيط حرّ في قول عامة أهل العلم إلا النخعي .
... السؤال الثاني :
... ما حكم الوضوء في المسجد ؟
... الجواب :
لا بأس بذلك فقد رخص فيه أئمة السلف وأهل العلم وحكى ابن المنذر في الأوسط الإجماع على ذلك وقال ليس للمنع من ذلك معنى ظاهر لأنه ماء طاهر يلاقي ها هنا طاهراً ولا يزيده بذلك إلا نظافة غير أنا نكره أن يتوضأ في موضع مصلى الناس لئلا يتأذى بهذا الطهور مسلم .
... وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال لا بأس بهذا رواه ابن المنذر في الأوسط .
... وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتوضأ في المسجد .(4/39)
... ولا يدخل في الوضوء قضاء الحاجة فإن قضاء الحاجة من بول وغائط في أماكن المصلين محرم بالإجماع .
... السؤال الثالث :
فضيلة الشيخ هل يكفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد السب أم يشترط في ذلك الاستحلال ؟
... الجواب :
أجمع الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من أهل السنة أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال .
... واتفق أهل العلم على أن الكفر قد يكون بالجحد أو التكذيب أو الإعراض .
وقد يكون بالقول كسب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بالدين وأحكامه ويكون بالفعل كالسجود للأصنام والطواف على القبور والذبح للجن والأوثان .
وقد يكون بالترك كترك جنس العمل مطلقاً وحكى إسحاق بن راهويه وغيره إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عمداً وقد جاء في صحيح مسلم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير المكي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة .
... والكفر المعرف بالألف واللام يدل على الكفر الأكبر غير أنه قد جاء في كفر تارك الصلاة خلاف بين أئمة المذاهب فقالت طائفة لا يكفر مطلقاً مالم يجحد وجوبها .
... وقالت طائفة يكفر كفراً أكبر لإجماع الصحابة على ذلك على خلاف بينهم في القدر الذي يكفر بتركه فقالت طائفة يكفر بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها وقالت أخرى لا يكفر إلا بالترك الكلي .(4/40)
... وبالجملة فأهل السنة لا يكفرون بمطلق الذنوب ولا بكل ذنب كما تفعل الخوارج والمعتزلة حيث يكفرون بكبائر الذنوب ويعتقدون ذنباً ماليس بذنب ويرتبون عليه أحكام الكفر وتارة يأخذون الناس بلازم أقوالهم وهذا كثير في المتأخرين ولا يفرقون في إطلاق الأحكام بين النوع والعين ولا بين مسألة وأخرى وقد يكفّرون من لا يوافقهم على هذه الإنحرافات وقد جاء نعتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) . رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد .
... فأهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة فلا يكفرون أهل الكبائر مالم يستحلوا ذلك ولا يقولون بقول المرجئة لا يضر مع الإيمان ذنب أو لا يكفر من أتى بمكفر حتى يستحل فهذا باطل بالكتاب والسنة والإجماع فمن سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد قال إسحاق بن راهويه . وقد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئاً أنزله الله أو قتل نبياً من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر .
... السؤال الرابع :
ما حكم جلسة الاستراحة في الصلاة ؟
... الجواب :
جلسة الاستراحة سنة من سنن الصلاة في أصح قولي العلماء وقد جاء في صحيح البخاري من طريق خالد الحذّاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً .
... وموضعها في القيام من الأولى للثانية ومن الثالثة للرابعة . والمرأة في ذلك كالرجل .
... وقد استحب فعلها إسحاق و الإمام الشافعي وكان الإمام أحمد رحمه الله لا يقول بذلك فرجع عن قوله وقال بما دل عليه حديث مالك بن الحويرث .(4/41)
... وقال النووي رحمه الله في المجموع : اعلم أنه ينبغي لكل أحد أن يُواظب على هذه الجلسة لصحة الأحاديث فيها وعدم المعارض الصحيح لها ولا تغتر بكثرة المتساهلين بتركها .
... والقول الثاني في المسألة أنه لا يصح فعلها لغير حاجة وهذا قول أكثر العلماء وقالوا إنها لم ترد في أكثر الأحاديث وإنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مالك للحاجة .
... ويجاب عن هذا بأنه لم يثبت دليل على أنه صلى الله عليه وسلم فعلها للحاجة وراويها هو راوي حديث ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) . رواه البخاري . وذكره بعض أهل العلم في المتفق عليه ولا يصح .
... السؤال الخامس :
... ما حكم رفع اليدين بعد الصلوات المكتوبة ؟
... الجواب :
تخصيص رفع اليدين للدعاء بعد الفرائض غير مشروع وليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا أفتى به أحد من التابعين .
... والأصل في العبادات المنع حتى يثبت دليل وكل من نقل صفة صلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكر عنه أنه رفع يديه ودعا بعد الفريضة .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) .
ولكن إذا عرض للمصلي عارض يقتضي الدعاء فدعا بعد الصلاة ورفع يديه ولم يقصد تخصيص هذا الوقت فهذا لا بأس به .(4/42)
وقد جاء في الصحيحين من طريق مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم ؟ قال نعم فصلى أبو بكر فجاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صافاً فأشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمكث مكانك فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ... ) . الحديث وفيه دليل على الدعاء ورفع اليدين في مثل هذه الحالات فقد فعل ذلك أبو بكر اجتهاداً وأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا مؤكداً للحكم سواء كان داخل الصلاة أو خارجها والله أعلم .
snallwan@hotmail.com
الجلسة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 7 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
ما صحة حديث الصدقة تطفئُ غضب الرب ..؟
الجواب :
هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الله بن عيسى الخزّاز عن يونس بن عُبيد عن الحسن البصري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . إن الصدقة لتطفىء غضب الرب وتدفع ميتة السوء )) .
وهذا الإسناد منكر .
عبد الله الخزاز منكر الحديث قاله أبو زرعة .
وقال النسائي ليس بثقة .
وقال ابن عدي . هو مضطرب الحديث وليس ممن يحتج به وقال العقيلي . لا يتابع على أكثر حديثه .(4/43)
وجاء هذا الخبر بلفظ . إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء . رواه القضاعي في مسنده من طريق يزيد الرقاشي عن أنس ولا يصح .
السؤال الثاني :
فضيلة الشيخ ما تقولون في حديث ابن عمر قال . كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام ؟
الجواب :
هذا الحديث معلول وقد رواه أحمد و الترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه كلهم من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
وظاهر هذا الإسناد الصحة وقد صححه أبو عيسى الترمذي وابن حبان وآخرون .
وفي ذلك نظر ولا يصح الاعتماد على ظاهر الإسناد وقد قال أبو عيسى الترمذي في كتابه العلل سألت محمداً عن هذا فقال هذا حديث فيه نظر .
وقال الإمام يحيى بن معين رحمه الله . لم يحدث بهذا الحديث أحد إلا حفص وما أراه إلا وهم فيه وأراه سمع حديث عمران بن حُدير فغلط بهذا .
وقد اختلف الفقهاء في حكم الشرب قائماً .
فقيل محرم ويجوز لعذر يمنع من القعود وهذا اختيار الإمام ابن القيم لحديث أنس في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً .
وفي رواية . نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب الرجل قائماً .
ورواه من حديث أبي سعيد الخدري .
وقيل هذا النهي منسوخ لحديث ابن عباس قال . سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
وفي صحيح البخاري من طريق عبد الملك بن ميسرة عن النزال قال : أتى عليّ رضي الله عنه على باب الرحبة فشرب قائماً فقال : إن ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت )) . وقيل تحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهذا قول الطبري والخطابي والحافظ ابن حجر .
وقيل بجواز الأمرين دون كراهة والشرب قاعداً أفضل لأنه الأكثر في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الصحيح . والله أعلم .(4/44)
السؤال الثالث :
هل يجوز للأب أن يجبر ابنه العاقل على الزواج بفتاة لا يريدها .
الجواب :
ليس لأحد الأبوين أن يلزم الإبن على نكاح من لا يريد ولايحب لأن نتيجة هذا الزواج قد تكون الطلاق أو تصبح حياتهما ضرباً من النكد .
ولا يجب على الإبن طاعتهما في ذلك ولا يعتبر حينئذٍ عاقاً .
ولكن الواجب على الإبن أن يتلطف بالرفض ولا يرفع صوته عليهما ولا يُسمعهما قولاً سيئاً .
السؤال الرابع :
هل تجوز حضانة الكافر على المسلم ؟
الجواب :
لا تصح على الصحيح وهو قول أكثر أهل العلم وذلك لأمور .
الأول : أنّ الطفل ينشأ في حضن الكافر فلا يؤمن أن يهوَّده أو ينصره أو يمجسه وهذا ضرر محض يجب اجتنابه وتفادي خطره .
الثاني : أن الحضانة من أقوى أسباب الموالاة بين الطفل وحاضنه والله تعالى قد قطع الموالاة بين عدوه ووليه فالكفار بعضهم من بعض والمؤمنون بعضهم أولياء بعض فلا تصح حينئذٍ حضانة عدو الله للطفل المسلم .
الثالث : قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً } فقد نفى الله السبيل للكافر على المسلم .
وإذا وجد شيء من ذلك في دنيا الواقع فهو بخلاف الشرع ولا يجوز إقراره .
الرابع : أن احتجاج بعض الفقهاء بحضانة الكافرة للولد المسلم بحديث رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبهه وقال رافع ابنتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( اقعد ناحية ) وقال لها [ اقعدي ناحية ] .
وأقعد الصبية بينهما ثم قال ( ادعواها ) فمالت الصبية إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اهدها فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها .
فهذا الخبر رواه أبو داود من طريق عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان ورواه النسائي من طريق عبد الحميد بن سلمة الأنصاري عن أبيه عن جده .
وفيه نظر وقد أعله غير واحد بالاضطراب .(4/45)
وقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله . إن هذا الحديث قد يُحتج به على صحة مذهب من اشترط الإسلام فإن الصبية لما مالت إلى أمها دعا النبي صلى الله عليه وسلم لها بالهداية فمالت إلى أبيها وهذا يدل على أن كونها مع الكفار خلافُ هُدى الله الذي أراده من عباده ولو استقر جعلها مع أمها لكان فيه حجة بل أبطله الله بدعوة رسوله .
السؤال الخامس :
فضيلة الشيخ ما تقولون في الحديث الوارد في دعاء الخروج من الخلاء . الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني .
الجواب :
هذا الحديث لا يثبت فقد رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله ... الخ .
وإسماعيل بن مسلم متفق على تضعيفه وجاء نحوه من حديث أبي ذر مرفوعاً وموقوفاً وفيه اختلاف ولا يصح .
وفي الباب حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال . غفرانك . رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد من طريق مالك بن إسماعيل عن إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة وإسناده حسن .
ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجه من طريق يحيى بن أبي بكير .
وأبو داود من طريق هاشم بن القاسم كلاهما عن إسرائيل بلفظ كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك .
السؤال السادس :
ما درجة حديث ( ماء زمزم لما شرب له ) ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه أحمد في مسنده وابن ماجة من طريق عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيه ضعف فإن عبد الله بن المؤمل ضعيف الحديث قال الإمام أحمد رحمه الله . أحاديثه مناكير .
وقال أبو داود . منكر الحديث .
وقال ابن عدي . أحاديثه عليها الضعف بيّن .
وقال العقيلي في الضعفاء حين ذكر له هذا الخبر . لا يتابع عليه .(4/46)
وروى الفاكهي في أخبار مكة عن معاوية رضي الله عنه قال . زمزم شفاء هي لما شرب له وقد حسنه الحافظ ابن حجر في جزء جمعه حول هذا الحديث .
وفي إسناده عند الفاكهي محمد بن إسحاق الصيني شيخ الفاكهي وهو كذاب قاله ابن أبي حاتم .
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمزم . إنها مباركة إنها طعام طُعم .
وروى عبد الرزاق في المصنف عن الثوري عن ابن خُثَيم أو عن العلاء شك أبو بكر عن أبي الطفيل عن ابن عباس قال كنا نسميها شُباعة يعني زمزم .
وكنا نجدها نعم العون على العيال .
ورواه ابن أبي شيبة والأزرقي والفاكهي في أخبار مكة .
وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال : زمزم طعام طعم وشفاء سقم .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن خُثَيم أن مجاهداً كان يقول . هي لما شربت له يقول تنفع لما شربت له .
snallwan@hotmail.com
الجلسة الخامسة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة المقسمة على علم الحديث والفقه والعقيدة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان ابن ناصر العلوان في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 11 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
ما هو القول الصحيح في الحديث الوارد في الصلاة بعد الإشراق ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك و أبو أمامة وابن عمر وعائشة وغيرهم ولا يصح من ذلك شيء .
فحديث أنس رواه الترمذي في جامعه من طريق عبد العزيز بن مسلم حدثنا أبو ظلال عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ) قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب )) أي ضعيف .(4/47)
وأبو ظلال ليس بشيء قاله يحيى بن معين وضعفه أبو دواد والنسائي وابن عدي وغيرهم .
وحديث أبي أمامة رواه الطبراني في المعجم الكبير من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن موسى بن علي عن يحي بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعاً .
وعثمان بن عبد الرحمن الحراني متكلم فيه بسبب روايته عن الضعفاء والمجاهيل .
وموسى بن علي ليس بمعروف .
والقاسم مختلف فيه وقد ضعفه جماعة بسبب الرواة عنه قال أبو حاتم : حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به وإنما ينكر عنه الضعفاء .
وتكلم فيه الإمام أحمد وضعفه الغلابي والعقيلي وابن حبان وقال يروي عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم المعضلات ويأتي عن الثقات بالأشياء المقلوبة حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها .
وحديث ابن عمر ذكره ابن حبان في كتابه المجروحين من طريق الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن ابن عمر مرفوعاً والأحوص ضعيف قاله أحمد بن حنبل وابن المديني ويحيى بن معين .
وحديث عائشة رواه أبو يعلى في مسنده وفيه جهالة ونكارة .
ولا أعلم حديثاً صحيحاً في الباب ولا ثبت عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا عن الأئمة المتبوعين من الأئمة الأربعة أن من جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين حضي بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة .
ومثل هذا تتوافر الهمم والدواعي على نقله فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجلسون في المصلى حتى ترتفع الشمس ثم يقومون رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي خيثمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة .
وحين لا يذكرون الصلاة ولا الأجر المترتب على ذلك وهو من الأهمية بمكان ... فيه دليل على أنه لا أصل للأحاديث الواردة في الباب .
وروى ابن أبي شيبة في المصنف من طريق منصور عن مجاهد أن عائشة كانت إذا طلعت الشمس نامت نومة الضحى . وهذا إسناده صحيح وليس فيه ذكر للصلاة بعد الجلوس وكأن الأمر غير معروف في ذاك الجيل العظيم .(4/48)
وذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الوليد بن مسلم قال رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ويخبرنا عن السلف أن ذلك كان هديهم فإذا طلعت الشمس قام بعضهم إلى بعض فأفاضوا في ذكر الله والتفقه في دينه .
والمنقول عن السلف في مثل هذا كثير مما هو دال ومؤكد على أن هذه الصلاة المذكورة بعد الشمس والأجر المترتب على ذلك ليس له أصل .
وهذا لا ينفي أن الصلاة بعد ارتفاع الشمس مشهودة محضورة والخبر في مسلم من حديث عمرو بن عبسة فهذا شيء وما نحن فيه شيء آخر والله أعلم .
السؤال الثاني :
ما حكم الصلاة على الميت الغائب ؟
الجواب :
الخلاف في هذه المسألة مشهور وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي حين توفي صلاة الغائب وخرج بأصحابه إلى المصلى فصفَّ بهم وكبر عليه أربعاً .
والحديث في البخاري ومسلم من طريق مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة .
فقالت طائفة يُصلَّى على كل ميت غائب وهذا مذهب الإمام الشافعي وأحمد في رواية واختار ذلك أبو محمد بن حزم رحمه الله .
وقالت طائفة أخرى . لا تصح الصلاة على الميت الغائب مطلقاً . وحديث أبي هريرة في صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي خاص به وليس لأحد أن يفعل مثل ما فعل وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ورواية عن الإمام أحمد .
وقالت طائفة ثالثة . إذا مات الرجل الصالح صُلَّي عليه لصلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي وهذا منسوب للإمام أحمد رحمه الله ذكره عنه شيخ الإسلام كما في الاختيارات الفقهية وهو قول جماعة من متأخري العلماء .(4/49)
والقول الرابع : أن الغائب إذا مات ببلد لم يُصلَّ عليه صُلي عليه صلاة الغائب كما هو الحال في صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يثبت أن صُلي عليه هناك ومثله الغريق والمفقود تحت هدم ونحوهما وإن صُلي عليه حيث مات لم تشرع صلاة الغائب عليه وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله في رواية واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وهو الصواب .
فقد توفي خلق كثير من أصحاب رسول لله صلى الله عليه وسلم . وهم غياب ولم يُصَلَّ عليهم .
وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه متفرقون في البلدان _ ولم يثبت عن أحد منهم الصلاة عليه .
وتوفي الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون ولم يذكر عن أحد من الصحابة والتابعين الغُيّب صلاة عليهم ومن القواعد المهمة في هذا الباب أن ما تركه رسول الله صلى الله وسلم وأصحابه من العبادات مع وجود المقتضي للفعل وزوال المانع فإنه واجب الترك وفعله بدعة .
وضبط هذه القاعدة يجلَّي كثيراً من البدع .
وقد كتبت في هذه المسألة رسالة بأطول من تلك وبينت واقع بعض المسلمين اليوم من التوسع في الصلاة على الغائب ولا سيما أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم من العلمانيين وأئمة الضلال ودعاة الفساد فإنا لله وإنا إليه راجعون .
السؤال الثالث :
ما صحة الحديث الوارد في افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ؟
الجواب :
هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء من غير وجه وعن أكثر من صحابي .
وقد تكلم فيه بعض المتأخرين وأثار حوله بعض الإشكالات وليس هذا بشيء .
فالحديث محفوظ رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعبن فرقة )) .(4/50)
وهذا سند صحيح وقد صححه الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم .
وصح من حديث معاوية وفيه ( وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين . ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة . رواه أبو داود في سننه .
وفي الباب عن عوف بن مالك رواه ابن ماجه .
وعبد الله بن عمرو بن العاص رواه الترمذي بسند ضعيف .
وأنس بن مالك رواه ابن ماجه وابن أبي عاصم في السنة .
وأبي أمامة رواه محمد بن نصر في السنة وابن أبي عاصم .
فهذه الأحاديث الثابتة تقتضي حتمية افتراق الأمة وأنه واقع لا محالة ولا ينجو من هذه الثلاث والسبعين فرقة غير واحدة وهي الجماعة فلا تزال منصورة ظاهرة حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى .
السؤال الرابع :
ما تقولون في الحديث الوارد في لحوم البقر بأنها داء .
الجواب :
هذا الخبر جاء بأسانيد منكرة عند الطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك .
ورواه أبو داود في المراسيل من طريق زهير بن معاوية حدثتني امرأة من أهلي عن مليكة بنت عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا مرسل ضعيف .
ولم يثبت في النهي عن لحم البقر شيء .
وقد أحل الله لعباده لحم البقر وامتن به عليهم فمن المحال أن يمتن الله على عباده بما هو داء وضرر عليهم قال تعالى { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر )) .
ولو كان لحمها داء لما جاز التقرب به لله فالذي يجب القطع به أن هذا الأثر باطل وليس لتصحيحه وجه معتبر وقد أجاد ابن الجوزي في قوله ( فكل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره ) .
السؤال الخامس :
ما تقولون في تقسيم الشرك إلى ثلاثة أقسام أكبر وأصغر وخفي ؟
الجواب :
هذا التقسيم قاله طائفة من أهل العلم وفيه نظر والصحيح أن الشرك قسمان
1- أكبر 2- وأصغر .(4/51)
والشرك الخفي منه ما هو أكبر كالنفاق الأكبر فإن المنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الشرك .
ومنه ما هو شرك أصغر وهذا مراتب متفاوتة وقد قرأت لبعض المتأخرين حين قسَّم الشرك إلى ثلاثة أقسام قال والشرك الخفي دون الأصغر .
وهذا الإطلاق بدون قيد غير صحيح وقد تقدم أن الشرك الخفي منه ما هو شرك أكبر وصاحبه لا تناله شفاعة الشافعين ولا رحمة أرحم الراحمين .
وقد كتب الله عليه الخلود في السعير قال تعالى { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } .
وقال تعالى { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريّة } .
والشرك الأكبر هو تسوية غير الله بالله في شيء من خصائص الله .
والشرك الأصغر هو ما جاء في الأدلة الشرعية تسميته شركاً ولم يصل إلى الأكبر .
وقد قيل إن هذا الشرك لا يغفر فلا بدَّ أن يُعذّب صاحبه ولكنه لا يخلد في النار ذكر ذلك ابن مفلح في الفروع عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد أشار إلى هذه المسألة في رده على البكري .
والقول الثاني : أن صاحب هذا الشرك تحت المشيئة وهو قول عامة العلماء وهو الصحيح .
فإن الله تعالى يقول { إن الله لا يغفر أن يشرك به } أي الشرك الأكبر { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } يدخل فيه الشرك الأصغر . والله أعلم .
snallwan@hotmail.com
الجلسة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 14 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
ما حكم بدأ اليهود والنصارى بالسلام ؟
الجواب :
هذه المسألة محل اختلاف بين أهل العلم وقد قال الإمام الأوزاعي رحمه الله . إن سلّمت فقد سلّم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون .(4/52)
وقد جاء في صحيح مسلم من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . لا تَبدَؤا اليهود ولا النصارى بالسلام . فإذا لقيتم أحدَهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه .
وهذا دليل على النهي عن بدأ أهل الكتاب بالسلام وإليه ذهب أكثر أهل العلم .
وروى عن ابن عباس وأبي أمامة جواز ذلك وتأول بعض أهل العلم النهي الوارد في ذلك على أن معناه ليس عليكم أن تبدؤهم .
وفيه نظر فالأصل عدم الإضمار .
والحديث قوي الدلالة على تحريم بدأ اليهود والنصارى بالسلام .
فإن السلام اسم من أسماء الله تعالى وصفته فلا يحيى به غير المسلم .
... ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدَأ اليهود والنصارى بالسلام وقد كان يكتب إلى ملوكهم . سلام على من اتبع الهدى .
ولا مانع من تكنية الكافر ومخاطبته بكلام غير السلام مع الحذر من الألفاظ الدالة على رضاه بدينه كقول بعض الجهّال متعك الله بدينك .
السؤال الثاني :
هل تجوز عيادة أهل الكتاب ؟
الجواب :
في هذه المسألة اختلاف بين الفقهاء فقيل تجوز مطلقاً وقيل تحرم وقيل تجوز العيادة بقصد دعوته وعرض الإسلام عليه .
وهذا توسط في المسألة فلا يصح المنع مطلقاً لأنه لم يرد في ذلك دليل بل هو خلاف الأدلة الصحيحة .
والقول بالجواز مطلقاً فيه شيء من النظر فلم يبق إلا جواز عيادته إذا كان يعرض عليه الإسلام أو يرتجيه .
وقد جاء في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال . كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمَرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له . أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول . الحمدلله الذي أنقذه من النار .
وهذا الحديث فيه فوائد .
الأولى : حُسنُ خُلقه صلى الله عليه وسلم .(4/53)
الثانية : حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الخلق .
الثالثة : أن اليهود إذا مات على يهوديته كافر مخلد في النار وهذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم . والذي نفسي بيده لاَ يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار . رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة .
الرابعة : عيادة اليهودي إذا رجيت المصلحة . قال أبو داود رحمه الله سمعت الإمام أحمد سئل عن عيادة اليهودي والنصراني ؟ قال إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءَه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى لله عليه وسلم لأبي طالب ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما والله لأستغفرنّ لك مالم أُنه عنك فأنزل الله تعالى فيه { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى .. } .
والحديث فيه دليل على عيادة القريب المشرك إذا رُجي إسلامه قال الفضل بن زياد سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الرجل المسلم يعود أحداً من المشركين ، قال : إن كان يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل منه فليعده كما عاد النبي صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي فعرض عليه الإسلام .
السؤال الثالث :
ما هو القول الصحيح في حكم الساحر ؟
الجواب :
السحر بكل أنواعه محرم في كل الشرائع ومجمع على تحريمه وتحريم تعلمه .(4/54)
وهو يخالف ما جاءَت به الرسل ويعارض ما أنزلت من أجله الكتب .
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الساحر كافر يجب على وليّ الأمر قتله .
قال تعالى { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ... } .
وقال { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } أي بعمل السحر فثبت أن هذا كفر .
وذهب أكثر فقهاء الشافعية إلى أن الساحر لا يكفر إلا إذا اعتقد إباحة السحر أو اعتقد مثل ما يعتقده أهل بابل من التقرب للكواكب السبعة .
وفيه نظر ولا دليل على اشتراط الاعتقاد .
والصحيح أن الساحر كافر سواء اعتقد تحريمه أو لم يعتقد فمجرد عمل السحر كفر وهذا ظاهر الأدلة وليس في النصوص الأخرى ما يعارضها .
وحين يثبت وصف السحر على شخص ما فإنه يقتل وجوباً فقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة ولكن ليس لآحاد الناس إقامة الحدود دون أمر السلطان أو من يقوم مقامه لأنه يترتب على إقامة الحدود دون ولاة الأمور فساد وزعزعة للأمن وذهاب هيبة السلطان .
السؤال الرابع :
ما الحكم فيمن حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً ؟
الجواب :
من حلف أن يفعل كذا وكذا فنسيه أو حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً بأنه المحلوف عليه فلا حنث عليه ويمينه باقية .
وقيل إن حلف على نفسه أو غيره يقصد منعه أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً حنث في الطلاق والعتاق دون اليمين بالله تعالى .
وفيه نظر ولا دليل على هذا الاستثناء .
والصحيح القول الأول وأنه لا يحنث بالجهل والنسيان ويمينه باقية قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } .
وإن حلف بالله إن فعلت كذا وكذا فامرأتي طالق أو فعليّ صيام شهر أو عليّ الحج ، فهذه الأيمان فيها للعلماء مذاهب .
قيل إذا حنث لزمه ما حلف به .
وقيل لا يلزمه شيء .
والقول الثالث تجزئه كفارة يمين وهذا أقرب الأقوال إلى الدليل واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لأن الله يقول { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } .(4/55)
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إني واللهِ إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ) .
السؤال الخامس :
هل صح قتل الوزغ باليد ؟ وهل ثبت في قتله أجر ؟
الجواب :
قتل الوزغ مشروع بأدلة كثيرة وذلك بألة ونحوها وليس في شيء من الروايات تخصيص اليد أو الندب إلى قتله باليد المباشرة ولا أظن ذلك صحيحاً ولا وارداً فمثل هذا بعيد عن هدي الإسلام ومعالي الأخلاق .
وفي الصحيحين وغيرهما من طريق سعيد بن المسيب أن أم شريك أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ وفي رواية البخاري قال ( كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام .
وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسمّاه فويسقاً .
وقتل الوزغ في أول ضربة أكثر أجراً وثواباً من قتله في المرة الثانية جاء هذا في صحيح مسلم من طريق خالد بن عبد الله عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قتل وزَغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة . ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية ) .
snallwan@hotmail.com
الجلسة السابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة في الحديث والفقه أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 1 / 3 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
فضيلة الشيخ ما هو القول الراجح في كيفية صلاة الاستسقاء هل تقدم الخطبة على الصلاة كهيئة صلاة الجمعة أم تقدم الصلاة على الخطبة كهيئة صلاة العيدين ؟
الجواب :(4/56)
اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين .
الأول : تقديم الصلاة على الخطبة وهذا مذهب مالك ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في رواية عنه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا وحوّل وجهه نحو القبلة رافعاً يديه ثم قلب رداءَه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن . رواه ابن ماجة وابن خزيمة وغيرهما من طريق النعمان بن راشد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وسنده ضعيف وقد أخطأ في هذا الحديث النعمان وذكره عن الزهري على غير وجهه .
وقد قال الإمام ابن خزيمة في صحيحه ( في القلب من النعمان بن راشد فإن في حديثه عن الزهري تخليطاً كثيراً .
واحتج أصحاب هذا القول بروايات أخرى بعضها صحيح ولكنه غير صريح الدلالة على تقديم الصلاة على الخطبة ، والبقية أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بشيء منها .
القول الثاني : تقديم الخطبة على الصلاة كالجمعة وهو عمل أهل المدينة في القديم ، وقال به الليث بن سعد وأحمد في رواية عنه والإمام بن حزم وهو ظاهر الأدلة الصحيحة قال عبد الله بن زيد رضي الله عنه . خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي ، فتوجه إلى القبلة يدعو وحوّل رداءَه ثم صلى ركعتين جهر بهما في القراءَة . رواه البخاري ومسلم وقد ترجم له النسائي في سننه ( باب الصلاة بعد الدعاء ) وترجم له ابن خزيمة في صحيحه ( باب الخطبة قبل صلاة الاستسقاء ) .(4/57)
وروى أبو داود في سننه من طريق يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت . شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه . قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال : إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه ، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم . ثم قال : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد . اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين . ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ، ثم حوّل إلى الناس ظهره وقلب رداءَه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين .... الحديث . قال عنه أبو داود هذا حديث غريب إسناده جيد وأهل المدينة يقرؤون ( ملك يوم الدين ) وهذا الحديث حجة لهم ) .
والحديث فيه دلالة على تقديم الخطبة على الصلاة خلاف المعمول به في هذه العصور من تقديم الصلاة على الخطبة .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز التقديم والتأخير بلا أولوية . وفيه نظر فقد دلت السنة الصحيحة على أنه صلى الله عليه وسلم يقدم الاستغفار والدعاء على الصلاة فالعمل بذلك أتبع وأقرب إلى الحق .
السؤال الثاني : هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد يوم للخروج إلى صلاة الإستسقاء .
الجواب :(4/58)
جاء في سنن أبي داود بسند لا بأس به من حديث عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس .. الحديث ودلالته ظاهرة على تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء ... غير أنه لم يثبت تسمية هذا اليوم وقد استحب غير واحد من أهل العلم تحديد يوميّ الإثنين والخميس لأن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى ولأنهما وقت فضيلة للصيام فيجمع المسلمون بين الصيام والاستسقاء فيكون الدعاء حينئذٍ أقرب للإجابة .
ويحتمل عدم مشروعية تقصد هذين اليومين دون بقية الأيام لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة وهذا هو الصواب فلا يشرع تقصد يوم دون آخر بدون نص فالمشروع هو تحديد يوم يخرجون فيه فقد يوافق يوم الإثنين وقد يوافق يوماً آخر مراعاة لمصالح الناس وحاجاتهم .
السؤال الثالث :
ما حد الغيبة وما حكمها ؟
الجواب :
الغيبة هي أن يذكر الإنسان عيب أخيه المسلم في غيبته بما يكرهه لو بلغه من غير حاجة لذلك .
فقولي : أن يذكر عيب أخيه . هذا يخرج الحديث عن الغير بالمدح والثناء .
وقولي : المسلم : يخرج بذلك الكافر فلا غيبة له .
وقولي : في غيبته . أخرج بذلك الحاضر فالحديث عنه لا يسمى غيبة في أصح قولي العلماء .
وقولي : بما يكرهه لو بلغه . خرج بذلك ما رضي به .
وقولي : من غير حاجة لذلك . خرج بذلك ما كان لمصلحة شرعية كالتحذير من المبتدع لتتقى بدعته .
... ويجب في ذلك مراعاة أمور .
الأول : الإخلاص لله تعالى وإرادة وجهه .
الثاني : مراعاة المصلحة في ذلك .
الثالث : أن يكون الحديث مقصوراً على موضع الزلل دون تجاوزه إلى غيره بدون فائدة .(4/59)
وقد اتفق العلماء على تحريم الغيبة بدون مصلحة وجزم أكثرهم على أنها من الكبائر وهي مراتب متفاوتة بعضها أشد من بعض فمن اغتاب عالماً ليس كمن اغتاب جاهلاً قال تعالى { ... وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) } .
وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ( ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال [ إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) .
وروى أبو داود في سننه من طريق نوفل بن مساحق عن سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ) .متفق عليه من حديث أبي بكرة .
ومن أقبح أمور الغيبة وأشدّها حرمة تنقص المسلم واحتقاره وازدراؤه وبذل الجهد في إهانته وإسقاط حرمته والنيل من عرضه . فهذا الخلق الذميم والداء العظيم كبيرة من كبائر الذنوب وصاحبه معرض للوعيد والبطش الشديد .
السؤال الرابع :
توفي رجل عن زوجة حامل فوضعت قبل أن يُغسَّل فهل يجوز للمرأة أن تليه في الغسل ؟
الجواب :
حين وضعت المرأة أصبحت أجنبية عن الزوج فيحرم عليها تغسيله .
فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن تغسل المرأة زوجها ما دامت في عصمته كأن يموت عنها حاملاً وغسلته قبل الوضع أو لم تكن حاملاً فتغسله ما دامت في العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام وأما حين وضعت قبل أن تغسله فيحرم عليها تغسيله فقد أصبحت أجنبية وحلّت للخطاب باتفاق أهل العلم .(4/60)
قال تعالى { وَأُولاَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وحكى ابن المنذر الإجماع على أن عدة الحامل أن تضع حملها ... وحينئذٍ يسقط الإحداد عنها فلها أن تتزوج وتتجمل بما شاءَت .
السؤال الخامس :
ما تقولون في حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن السني في عمل اليوم والليلة والطبراني في الكبير وغيرهم من طريق محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وإسناده لا بأس به وقد صححه ابن حبان في كتاب الصلاة والمنذري وابن عبد الهادي وابن كثير .
وقد بالغ ابن الجوزي فأورده في كتابه الموضوعات ولا يوافق على ذلك .
والحديث تفرد به محمد بن حمير عن الألهاني .
وهذا يحتمل التعليل ولا سيما أن الفسوي رحمه الله قال . محمد بن حمير ليس بالقوي .
وخالفه ابن معين فقال ثقة وقال الإمام أحمد . ما علمت إلا خيراً . وقال النسائي ليس به بأس .
والحديث جيد الإسناد وليس من صحاح الأخبار ومثله يقبل وذلك لأمور .
الأول : أن الإمام النسائي رحمه الله رواه ولم يعله وأورده في المختارة وصححه .
الثاني : أن الحديث ليس من أصول الأحكام .
الثالث : أن تفرد الصدوق بالحديث يقبل إذا دلت قرينة على ضبطه وتفرد محمد بن حمير من هذا ، وقد جاء للحديث شواهد من حديث المغيرة ابن شعبة وأبي مسعود وعلى بن أبي طالب ولا يصح من ذلك شيء والله أعلم .
السؤال السادس :
فضيلة الشيخ سمعت من بعض العامة أنّ أم الأولاد لا تطلق فهل يصح هذا وهل قال به أحد من أهل العلم ؟
الجواب :(4/61)
هذا الكلام من الهذيان وليس له أصل في الشرع ولا أظن عالماً أو طالب علم يفتي بمثل هذا الباطل وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الرجل إذا طلق زوجته صغيرة أو متوسطة العمر أو من القواعد في طهر لم يمسها فيه أو حاملاً قد تبين حملها أنها تطلق قال تعالى في المطلقات ذوات الحيض { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } .
وقال تعالى في المطلقات اللاتي انقطع عنهن الحيض { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ... } وقال بعد ذلك في المطلقات ذوات الحمل { وَأُولاَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ...} .
فإن كانت الطلقة الثالثة فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، وإن كانت الأولى أو الثانية فيشهد شاهدين ويراجعها وقد روى أبو داود في سننه من طريق يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين . سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال : طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة . أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تَعُدْ .
snallwan@hotmail.com
الجلسة الثامنة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته وقد تم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 11 / 3 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
شخص طلق زوجته طلاقاً رجعياً وقبل أن تنقضي عدتها أراد مراجعتها فهل يجب رضاها بذلك ؟
الجواب :
لا يلزم رضاها فالزوج يملك رجعتها ما دامت في العدة رضيت أو لم ترض ولا أعلم في ذلك خلافاً .
وقد ذكر ابن المنذر رحمه الله في كتابه الإجماع أن العلماء متفقون على أن الرجعة إلى الرجل ما دامت في العدة وإن كرهت ذلك المرأة .(4/62)
غير أنه يحرم على الزوج أن يرتجعها ليضرَّ بها أو كي تفتدي منه بعوض قال تعالى { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ } وقال تعالى { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } .
وكما أن هذا الإضرار محرم على الرجال هو أيضاً محرم على النساء فمن المحرمات أن تؤذي المرأة زوجها وتسيء معاملته وتمنع منه نفسها كي يطلقها بدون عوض فلا يشاق أحدهما الآخر .
فإذا أبغض الرجل زوجته فليمسكها بالمعروف أو يطلقها بإحسان وإذا كرهت المرأة زوجها وأبغضته ولم تقم بحقه ولم تقدر على معاشرته فلها أن تفتدي منه بما أعطاها دون أذيته وتوليد العداوات .
وقد جاء في صحيح البخاري من طريق خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله . ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلُق ولا دين ولكنّي أكرهُ الكفرَ في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته . قالت نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة .
وفي رواية أيوب عن عكرمة عن ابن عباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تردين عليه حديقته فقالت نعم فردّت عليه وأمره ففارقها .
وأصح قولي العلماء أن الخلع فسخ وليس بطلاق فتعتد المرأة بحيضة واحدة . وهذا قول أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وابن عمر وابن عباس وقال به إسحاق وأحمد في رواية واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
السؤال الثاني :
ما حكم الوضوء من لحوم الإبل ؟
الجواب :(4/63)
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوضوء من لحوم الإبل وجاء هذا في صحيح مسلم من طريق جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ . قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم ، فتوضأ من لحوم الإبل .
وجاء نحوه من حديث البراء بن عازب رواه أحمد وأبو دواد والترمذي وابن ماجة وابن الجارود وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر .
وهذا مذهب ابن عمر وأفتى به محمد بن إسحاق وإسحاق والإمام أحمد وقال . فيه حديثان صحيحان حديث البراء وحديث جابر بن سمرة .
وقال بذلك الإمام ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم .
بينما ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الوضوء من لحوم الإبل غير واجب وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وذكره ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سويد بن غفلة وعطاء وطاووس ومجاهد .
وذكره بعض أهل العلم عن الخلفاء الراشدين وهذا فيه نظر فلا يصح عن أحد منهم أنه أسقط الوضوء من لحوم الإبل .
وقد احتج أهل هذا المذهب بما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق شعيب بن أبي حمزة عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد لله قال : كان آخرُ الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء ممّا مست النار .
وهذا الخبر لا يصح الاحتجاج به على الرخصة في ترك الوضوء من لحوم الإبل وذلك لوجهين :
الأول : أنه عام ويمكن تخصيصه بحديثي البراء وجابر بن سمرة ولا سيما إذا عُلم أن الوضوء مما مست النار كان واجباً .
الثاني : أن هذا الخبر معلول ولا يصح متنه وهذا قول أهل هذا الشأن قال الإمام أبو حاتم رحمه الله : هذا حديث مضطرب المتن إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ولم يتوضأ كذا رواه الثقات عن محمد بن المنكدر عن جابر ويحتمل أن يكون شعيب حدّث به من حفظه فوهم فيه .(4/64)
وقال الإمام أبو داود رحمه الله في سننه وهذا اختصار من الأول يعني حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل خبزاً ولحماً ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ .
وذكر نحو هذا الإمام ابن حبان رحمه الله .
السؤال الثالث :
ما حكم لبس خاتم الذهب للرجال ؟
الجواب :
خاتم الذهب محرم على الرجال في قول أكثر أهل العلم وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب .
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده . فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك انتفع به قال : لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان الخاتم يلبس للخطوبة فهو أشد إثماً وأعظم ضلالاً فإن اللابس يجمع بين ذنبين كبيرين :
الأول : ارتكاب النهي الصريح الصحيح في نهي الرجال عن لبس الذهب وتحليهم به .
الثاني : التشبه بالنصارى والمشابهة في الظاهر تورث المودة في الباطن وهذا بلاء عظيم وداء قبيح .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال . من تشبه بقوم فهو منهم رواه أحمد من حديث ابن عمر .
وقد بلغني عن مجموعة من الجهّال أنهم يلبسون الخاتم دفعاً للعين واعتقاداً أنه يؤلف بين الزوجين ويكفيهما عين كل حاسد وهذا جهل بالدين وبتوحيد رب العالمين قال تعالى { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .(4/65)
وقال تعالى { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } .
وكل من جعل من الأشياء سبباً لجلب نفع أو دفع ضر ولم يدل على ذلك دليل شرعي ولا قدري فقد أشرك بالله وهذا الشرك قد يكون أكبر وقد يكون أصغر على حسب قصد لا بسها نسأل الله السلامة والعافية .
السؤال الرابع :
فضيلة الشيخ ما هي الفوائد المستفادة من قوله صلى الله عليه وسلم ( غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث قال كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك ) .
الجواب :
هذا الحديث متفق على صحته من حديث أبي هريرة وفيه دروس وعبر ومعاني وعلوم وإليك أهم المهمات من المعاني والفوائد .
سعة رحمة الله تعالى قال تعالى { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } .
فيه معنى قوله تعالى { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } .
فيه الرد على الخوارج المكفرين بمطلق الذنوب .
فيه إثبات صفة المغفرة لله تعالى والرد على المعطلة .
فيه مشروعية الإحسان إلى الدواب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء .. الحديث رواه مسلم في صحيحه من حديث شداد ابن أوس رضي الله عنه .
فيه أن قليل الخير يحصل به كثير الأجر وقد جاء في صحيح البخاري من طريق مالك عن سُمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بينما رجل يمشي بطريق وجد غُصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر له .
فيه عدم اليأس من رحمة الله وعفوه فقد سبقت رحمة الله غضبه صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم .. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة .(4/66)
فيه قبح الزنا وعظيم حرمته وقد قال تعالى { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } .
فيه أن الله يرحم من عباده الرحماء وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) .
فيه مشروعية إبهام اسم الزانية والزاني حيث قال صلى الله عليه وسلم ( غفر لامرأة ) فلم يذكر اسمها ولا قبيلتها حيث لا فائدة من ذلك .
السؤال الخامس :
ما هي آخر مدة النفاس ؟
الجواب :
في ذلك خلاف بين أهل العلم .
فقال أكثر أهل العلم إن أكثر النفاس أربعون يوماً فإذا تجاوز الدم ذلك فهو استحاضة إلا إذا صادف عادة حيضها وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية وهي المشهورة من مذهبه وحكاه الترمذي في جامعه عن سفيان وابن المبارك وإسحاق وأكثر أهل العلم .
وقال مالك والشافعي وأحمد في رواية أكثره ستون يوماً .
وقال الحسن البصري تجلس أربعين يوماً إلى خمسين فإن زاد فهي استحاضة .
وقيل غير ذلك من الأقوال وهي اجتهادات ليس على شيء منها دليل صحيح إلا القول الأول فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال . النفساء تنتظر نحواً من أربعين يوماً . رواه ابن الجارود في المنتقى .
وقد روى أحمد و أبو داود والترمذي وابن ماجة من طريق مسة الأزدية عن أم سلمة قالت : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف .
وهذا الإسناد مختلف فيه وقد ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام والإمام ابن حزم . وصححه الحاكم وحسنه النووي وغيره .(4/67)
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار ليس في مسألة أكثر النفاس موضع للاتباع والتقليد إلا من قال بالأربعين فإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم منهم . وسائر الأقوال جاءَت عن غيرهم ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم والنفس تسكن إليهم فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل . وهذا القول هو الصواب وذلك لأمور :
الأول : أنه قول الصحابة ولا مخالف لهم .
الثاني : أنه لا بد في المسألة من تحديد أيام تجلس فيها النفساء ولا يمكن تجاوز قول الصحابة إلى غيرهم .
الثالث : أنه قول الأطباء وهم من أهل الاختصاص في معرفة الدم فاتفق قولهم مع رأي ابن عباس وقول أكثر أهل العلم .
وأما أقل النفاس فلا حدَّ له في قول أكثر أهل العلم فإذا رأت النفساء الطهر وهو انقطاع الدم وجب عليها أن تغتسل وتصلي .
وقد ذكر الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه إجماع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَنْ بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي .
snallwan@hotmail.com
الجلسة التاسعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 30/1/1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
فيه رجل يريد أن يتزوج ابنته من الزنا فما حكم ذلك ؟
الجواب :
هذا محرم ومنكر من الفعل وقد أنكره أكثر أهل العلم وشدّد فيه الإمام أحمد رحمه الله وقال في الرجل يزني بامرأة فتلد منه ابنة فيتزوجها فاستعظم ذلك وقال يتزوج ابنته !!! عليه القتل .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزوج بها وهو الصواب المقطوع به .. ) .(4/68)
وقال ابن القيم رحمه لله في زاد المعاد ( وقد دل التحريم بلبن الفحل على تحريم المخلوقة من ماءِ الزاني دلالة الأولى والأحرى ، لأنه إذا حرم عليه أن ينكح من قد تغذّت بلبن ثارَ بوطئه ، كيف يحل له أن ينكح من قد خُلق من نفس مائه بوطئه !! وكيف يحرّم الشارع بنته من الرضاع لما فيها من لبن كان وطء الرجل سبباً فيه ثم يبيح له نكاح من خلقت بنفس وطئه ومائه !! . هذا من المستحيل فإن البعضية التي بينه وبين المخلوقة من مائه أكمل وأتم من البعضية التي بينه وبين من تغذت بلبنه فإن بنت الرضاع فيها جزء ما من البعضية .
والمخلوقة من مائه كاسمها مخلوقة من مائه فنصفها أو أكثرها بعضه قطعاً ، والشطر الآخر للأم . وهذا قول جمهور المسلمين ولا يعرف في الصحابة من أباحها ... ) .
وقد جاء عن بعض أهل العلم جواز نكاح البنت من الزنا باعتبار أنها ليست بنتاً في الشرع ودليل ذلك أنهما لا يتوارثان . وهذا ضعيف فإن النسب تتبعض أحكامه وأمثلته كثيرة .
وكونهما لا يتوارثان لا يعني جواز النكاح بينهما بدليل البنت من الرضاع لا يجوز نكاحها بالإجماع وهما لا يتوارثان بالإجماع .
وقد قال تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } والآية عامة في كل من شمله لفظ البنت .
ولم يثبت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة نقل هذا العموم عن عمومه فشمل كل بنت من نكاح أو زنا .
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم الأم على ابنها من الزنا فأيّ فرق بين هذه الصورة وبين البنت مع والدها فالبنت بعضها من الأب والإبن كذلك بعضه من الأم فلا فرق بين المسألتين .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة جريج حين استنطق الولد المخلوق بماء حرام فقال من أبوك قال : راعي الغنم ) .(4/69)
وهذا فيه دلالة صريحة على نسبة ابن الزنا لأبيه وأما حديث ( لا يحرم الحرام إنما يحرم ما كان بنكاح حلال ) فهو حديث منكر رواه ابن عدي في الكامل والدار قطني والبيهقي وغيرهم وقد تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك الحديث وقد نقل عن ابن معين أنه كذّبه وقال الإمام أبو حاتم رحمه الله . هذا حديث باطل .
السؤال الثاني :
ما تقولون في مسافر يصلي خلف مقيم ؟
الجواب :
لا مانع من كون المسافر يصلي خلف المقيم سواء اختلفت هيئة الصلاة أم لا . واختلاف النية غير مؤثر غير أن المسافر إذا أدرك مع الإمام دون الركعة فإنه يصلي قصراً .
مثال ذلك : مسافر أدرك مع الإمام التشهد الأخير من صلاة الظهر فحينئذٍ يصلي الظهر ركعتين ، فهذه صلاته إذا لم يدرك ركعة فأكثر .
وأما إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة فأكثر فإنه يتم وجوباً وهذا مذهب أكثر أهل العلم وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما .
وفي صحيح مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أُصل مع الإمام فقال ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
وفي صحيح مسلم من طريق نافع قال كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً وإذا صلاّها وحده صلى ركعتين .
وروى البيهقي في السنن من طريق سليمان التميمي عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر : المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم يعني المقيمين أتجزيه الركعتان أو يصلي بصلاتهم ؟ قال فضحك وقال يصلي بصلاتهم .
وإذا اختلفت هيئة الصلاة كأن يصلي المسافر صلاة المغرب خلف مقيم يصلي العشاء فإنه حينئذٍ يجلس بعد الثالثة .
وهل يكمل صلاته وينصرف أم ينتظر الإمام حتى يتم صلاته ويتشهد معه ويسلم ؟
لكل من هذين القولين احتمال والأقرب في نظري الاحتمال الثاني وهو الانتظار .(4/70)
وإذا كان العكس كأن يصلي المسافر صلاة العشاء خلف مقيم يصلي المغرب ، فالذي يظهر لي في هذه المسألة أنه يصلي ركعتين ويجلس حتى يتم الإمام صلاته ويتشهد ويسلم معه والله أعلم .
السؤال الثالث :
ما الحكم في رجل دخل عليه وقت صلاة الظهر وسافر فهل له القصر؟
الجواب :
إذا دخل عليه وقت الصلاة وخرج من البلد فإنه يصلي صلاة مسافر وهو قول الجمهور كأبي حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد ، لأن الحكم للمكان لا للزمان .
وقيل ليس له القصر لأنها وجبت عليه في الحضر فلزمه إتمامها وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وهذا القول فيه ضعف وينتقض بما لو دخل عليه الوقت في السفر ولم يصل حتى رجع إلى بلده فإنه يصلي صلاة مقيم عند الحنابلة وغيرهم فبان أن الحكم للمكان لا للزمان فحيثما صلى اعتبر مكانه فإن صلى في السفر فإنه يصلي صلاة مسافر وإن صلى في الحضر صلى صلاة مقيم .
السؤال الرابع :
ما تقولون في رجل عدم الماء فتيمم وصلى وحين فرغ من صلاته وجد الماء ؟
الجواب :
الصحيح في هذه المسألة أن الصلاة مجزئة وهو قول أكثر أهل العلم و إليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد .
وذهب ابن سيرين والزهري وغيرهما إلى أنه يعيد الصلاة ما دام في الوقت .
والصحيح مذهب الجمهور فقد سقط الفرض بالتيمم حين العجز عن الماء وقد اتقى المصلي ربه وعمل بالبدل حين تعذر الأصل وهذا المشروع في حقه ولا يلزم إعادة الصلاة مرة ثانية لأن هذا غير مشروع وقد ورد النهي عن ذلك فروى أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن سليمان مولى ميمونة عن ابن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) .(4/71)
وروى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي الزناد قال كان من أدركت من فقهائنا الذين يُنتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب فذكر الفقهاء السبعة من المدينة وذكر أشياء من أقاويلهم وفيها وكانوا يقولون من تيمم فصلى ثم وجد الماء وهو في وقت أو في غير وقت فلا إعادة عليه ويتوضأ لما يستقبل من الصلوات ... ) .
وروى أبو داود في سننه من طريق عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمّما صعيداً طيباً فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يُعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يُعد : أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي توضأ وأعاد : لك الأجر مرتين .
قال أبو داود رحمه الله . وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ هو مرسل .
السؤال الخامس :
فضيلة الشيخ إذا صلت المرأة صلاة الجمعة خلف الإمام في المسجد فهل تصلي ركعتين كصلاة الإمام أم أنها تتم أربعاً بعد سلام الإمام ؟
الجواب :
ذكر الإمام ابن المنذر في كتابه الإجماع أن العلماء مجمعون على أن النساء إذا حضرن الإمام فصلين معه أن ذلك يجزئ عنهن .
وإذا أدركت من صلاة الجمعة ركعة فلتصل إليها أخرى وتصح صلاتها وإذا لم تدرك ركعة أو صلت في بيتها فلتصل أربعاً .
وقد جاء عن عبد الله بن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا إذا أدركتَ من الجمعة ركعة فأضف أخرى وإن أدركتهم جلوساً فصل أربعاً .
وحكى ابن المنذر الإجماع على أن من فاتته الجمعة من المقيمين أنهم يصلون أربعاً .(4/72)
وجاء عن أبي حنيفة وجماعة من أهل العلم أنه إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام فإنه يصلي ركعتين وإذا لم يدرك الإمام في صلاته فإنه يصلي أربعاً باتفاقهم .
السؤال السادس :
ما حكم السجود للسهو وما هي مواضعه ؟
الجواب :
السجود للسهو في نقص أو زيادة أو شك واجب في أصح قولي العلماء فقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به .
والأصل في الأمر أن يكون للإجاب مالم يصرفه صارف .
وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم تارة قبل السلام وتارة بعده .
فقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله السجود كله بعد السلام .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله . كله قبل السلام .
وفصّل في ذلك الإمام مالك فقال إذا كان السهو عن نقص في الصلاة فيسجد قبل السلام وإذا كان عن زيادة في الصلاة فيسجد بعد السلام ولا خلاف في مذهب مالك أنه لو جعل السجود كله قبل السلام أو كله بعد السلام لم يكن عليه شيء وهذا مذهب أكثر أهل العلم .
وأما مذهب الإمام أحمد رحمه الله فقد اختلفت الروايات عنه فقيل قبل السلام كمذهب الشافعي وعنه بعد السلام وعنه كمذهب الإمام مالك .
وعنه يسجد قبل السلام في كل شيء إلا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام وقال لولا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام لرأيت السجود كله قبل السلام لأنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل السلام وهذا مذهب قوي لأنه مبني على الأصل غير أنه لا بأس بالسجود قبل السلام في سهو محله بعد السلام ويمتنع العكس لأنه لا يخرج عن الصلاة قبل أن يقضي ما عليه فإن فعل صحت صلاته على الصحيح .
ومواطن سجوده صلى الله عليه وسلم بعد السلام ثلاثة :
سجد بعد السلام حين خرج من الصلاة قبل إتمامها وحديث هذه المسألة في الصحيحين من رواية أبي هريرة في قصة ذي اليدين .
وسجد صلى الله عليه وسلم بعد السلام حين زاد ركعة ولم يعلم بها حتى سلم من صلاته جاء هذا في حديث ابن مسعود في الصحيحين .(4/73)
وقال صلى الله عليه وسلم . إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم ثم يسلم ثم يسجد . جاء هذا في الصحيحين من حديث ابن مسعود .
ولا تنافي بين هذا وبين حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم .
فهذا محمول على من بنى على اليقين وحديث ابن مسعود فيمن تحرى وبنى على غلبة الظن .
فالإمام يبني على غلبة الظن ويسجد بعد السلام .
والمنفرد يبني على اليقين ويسجد قبل السلام .
والفرق بينهما أن الإمام يجد من ينبهه ويرشده إلى الصواب وحينئذٍ فالأفضل في حقه أن يبني على غلبة الظن . بخلاف المنفرد فيبني على اليقين وهو الأقل حتى يخرج من الصلاة بيقين والله أعلم .
snallwan@hotmail.com
الجلسة العاشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتمّ تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 2 ، 4 ، 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
ما حكم النوم بعد صلاة العصر وما درجة الحديث الوارد في النهي عن ذلك ؟
الجواب :
لا بأس بالنوم بعد صلاة العصر ولا حرج في ذلك فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نهي عن ذلك والأصل الإباحة .
ولا حرام إلا ما حرّمه الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن حكم على أمر ما بالتحريم أو الإيجاب بدون دليل فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله .
والحديث المشهور ( من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومنّ إلا نفسه ) ليس له سند ثابت .
وقد رواه أبو يعلى وغيره من حديث عائشة وروي من حديث عبد الله بن عمرو وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .(4/74)
وقد قيل لليث بن سعد . تنام بعد العصر وقد روى ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . فذكر الخبر .
فقال الليث : لا أدع ما ينفعني لحديث ابن لهيعة .
السؤال الثاني :
ما صحة حديث . لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه أبو داود في سننه من طريق سليمان بن معاذ التميمي عن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله .
وهذا إسناد ضعيف . فيه سليمان بن قرم بن معاذ تكلم فيه الأئمة . فقال ابن معين : ضعيف .
وقال أبو زرعة : ليس بذاك .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وروى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سُئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجراً ) .
وهذا لا يصح أيضاً وقد ضعفه ابن منده في كتابه الرد على الجهمية ، وقال . وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل بوجه الله واستعاذ بوجه الله وأمر من يُسْأل بوجه الله أن يُعطي .. من وجوه مشهورة بأسانيد جياد ورواها الأئمة عن عمار بن ياسر وزيد بن ثابت وأبي أسامة وعبد الله بن جعفر وغيرهم .
وهذا هو الصواب والأصل جواز السؤال بوجه الله الجنة وغيرها ولا يصح الخروج عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح والله أعلم .
السؤال الثالث :
فضيلة الشيخ . ما تقولون في الحدود هل هي كفارات أم لا ؟
الجواب :
الصحيح أن الحدود كفارات وهو مذهب الشافعي وأحمد وجماهير العلماء وقد دل على ذلك حديث عبادة المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( با يعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه )) .(4/75)
وفي رواية لمسلم ( ومن أتى منكم حداً فأقيم عليه فهو كفارته ) وهذا صريح في أن الحدود كفارات .
فإن قيل جاء في مستدرك الحاكم من طريق عبد الرازق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا .
فيقال هذا الخبر لا يصح وقد أعله البخاري والدارقطني والصحيح إرساله .والعمل عند أكثر أهل العلم على حديث عبادة .
وظاهره أن الحدود كفارات ولو لم يتب من الذنوب .
فإن الحد مطهر للذنب وهذا قول جماعة من العلماء وقد روى عن جماعة من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين وهو مذهب الشافعي وأحمد وابن جرير الطبري .
وقال جماعة من العلماء . الحدود ليست كفارة ما لم تقترن بالتوبة والأول أصح .
وقد استثنى بعض العلماء حق المقتول فقال إنه لا يسقط باستيفاء الوارث لأن المقتول لم يصل إليه حقه .
وقال ابن القيم في الجواب الكافي . التحقيق في المسألة . أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق .
حق الله ، وحق للمظلوم المقتول وحق للولي . فإذا سلم القاتل نفسه طوعاً واختياراً إلى الولي ندماً على ما فعله وخوفاً من الله وتوبة نصوحاً يسقط حق الله بالتوبة وحق الولي بالإستيفاء أو الصلح أو العفو ، وبقي حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن ويصلح بينه وبينه فلا يبطل حق هذا ولا تبطل توبة هذا .
وقد يجاب عن هذا فيقال :
إن المقتول ظلماً تكفر عنه ذنوبه بالقتل فهذا حقه وإذا أقيم الحدّ على الجاني فهو كفارته ولا يلحقه المقتول بشيء وهذا ظاهر حديث عبادة فقد جاء في الحديث ( ولا تقتلوا أولادكم ) وفي آخره قال ( ومن أصاب من ذلك شيئاً أي القتل والسرقة والزنا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ) .(4/76)
والتفريق بين الأمرين أي بين من عوقب وبين من ستره الله صريح الدلالة على أن الحدود كفارات .
وإذا اقترن بذلك توبة وندم كان أفضل وأتقى لله باتفاق العلماء والله أعلم .
السؤال الرابع :
ما صحة حديث . من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
الجواب :
هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى والترمذي وغيرهم من طريق حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله .
وهذا إسناد لا يصح ولم يثبت لأبي تميمة سماع من أبي هريرة .
والخبر ضعفه البخاري والترمذي وغيرهما .
وقد ثبت بالكتاب والسنة تحريم وطء الحائض .
وثبت عن جماعة من الصحابة تحريم إتيان المرأة في دبرها .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه . وهل يفعل ذلك إلا كافر !! رواه الإمام أحمد بسند صحيح .
وسئل ابن عباس عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ؟ فقال : ذلك الكفر . رواه النسائي في الكبرى من طريق معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال سئل ابن عباس وهذا سند صحيح .
وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال . أوَيعمل هذا مسلم !!! رواه النسائي في السنن الكبرى .
وقد جاء في الباب أحاديث مرفوعة عن جمع من الصحابة .
وأهل العلم مختلفون في صحتها وقد جزم ابن حبان وجماعة بصحة كثير منها وعليه العمل عند أكثر أهل العلم .
وأما سؤال الكهان والعرافين فهو محرم بالإتفاق وهو مراتب منه ما هو كفر أكبر ومنه ما هو دون ذلك وقد جاء في صحيح مسلم من طريق يحي بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة .(4/77)
وروى الحاكم في مستدركه بسند صحيح من طريق عوف عن خلاس ومحمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
السؤال الخامس :
ما تقولون في حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) .
الجواب :
ذكرت غير مرة في الدروس والإجابات أن هذا الحديث ضعيف وأنه لا يصح في فضل سورة يس حديث وقد شاعت في بلادنا وأكثر البلاد الأخرى فضائل هذه السورة الكريمة حتى فاقت شهرتها شهرة الأحاديث الصحيحة المتفق على ثبوتها وتلقيها بالقبول .
وقد جاء حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) عن جماعة من الصحابة :
... 1 – أنس بن مالك رواه الترمذي واستغربه .
... 2_ وعبد الله بن عباس رواه ابن مردويه .
... 3- وأبيّ بن كعب رواه القضاعي في الشهاب وذكره ابن لجوزي في الموضوعات .
... 4- وأبو هريرة رضي الله عنه رواه البزار وغيره .
ولا يصح من هذه الأحاديث شيء وقد أبان عن نكارتها غير واحد من الحفاظ .
snallwan@hotmail.com
الجلسة الحادية عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 9 / 4 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
فضيلة الشيخ ما هو تعريف الإيمان عند أهل السنة ؟ وما هي نوا قضه ؟
الجواب :
الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح يزيد وينقص وهذا الذي اتفق عليه الصحابة والتابعون وأهل السنة .
... والمقصود من قول القلب هو اعتقاده ، وعمل القلب هو نيته وإخلاصه .
... وقد حكى الإمام الشافعي إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر .(4/78)
... وقال البغوي رحمه الله . اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان وقالوا : إن الإيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية على ما نطق به القرآن في الزيادة وجاء في الحديث بالنقصان في وصف النساء .
... وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن تارك جنس العمل مطلقاً كافر والمراد بجنس العمل أعمال الجوارح فلا يجزئ التصديق بالقلب والنطق باللسان حتى يكون عمل الجوارح .
... وقال الآجري رحمه الله في كتابه الشريعة . اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً ولا يجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمناً دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين .
وقال رحمه الله . فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمناً ولم تنفعه المعرفة والقول وكان تركه للعمل تكذيباً لإيمانه وكان العمل بما ذكرناه تصديقاً منه لإيمانه .. ) .
وقد حكى إسحاق بن راهويه . إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة قال تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وقال - صلى الله عليه وسلم - بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ، رواه مسلم من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ومن طريق ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر .
وقال سفيان بن عينية : المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم ، وليسا سواء لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية .
وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر وبيان ذلك في أمر آدم و إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه .(4/79)
وقال إسحاق . غلت المرجئة حتى صار من قولهم إن قوماً يقولون : من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره يرجى أمره إلى الله بعد إذ هو مقر . فهؤلاء الذين لا شك فيهم أنهم مرجئة .
وذكر الخلال في السنة عن الإمام الحميدي عبد الله بن الزبير أنه قال . أخبرت أن قوماً يقولون . إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن مالم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر بالفروض واستقبال القبلة . فقلت هذا الكفر بالله الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعل المسلمين قال الله عز وجل { حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } . قال حنبل قال أبو عبد الله أحمد أو سمعته يقول من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به .
وهذا قول كل أهل السنة والجماعة فهم متفقون على ما جاء في الكتاب والسنة أن تارك أعمال الجوارح مطلقاً كافر بالله خارج عن الإسلام . قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في آخر رسالته كشف الشبهات : ولا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً .. ) .
وخالف في ذلك غلاة الجهمية والمرجئة فزعموا أنه لا يكفر تارك جنس العمل مطلقاً وقد تقدم بيان فساده ومخالفته للكتاب والسنة والإجماع .
وزعموا أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح لا يكفر حتى يجحد أو يستحل . و هذا باطل ليس عليه أثارة من علم .(4/80)
فمناط الكفر هو مجرد القول الذي تكلموا به وقال تعالى { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ } وقد دل الكتاب والسنة على فساد هذا القول فقال تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكمَ }.
وقد أجمع أهل العلم على أن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفر دون اشتراط البغض أو الاستحلال .
وأجمع العلماء أن السجود للأصنام أو الطواف على القبور كفر دون ربط ذلك بالاستحلال .
وأجمع العلماء على أن تعمد إلقاء المصحف بالقاذورات كفر دون اشتراط الاستحلال .
وهذا كله ينقض أصول الجهمية والمرجئة ويبطل قولهم في مسألة الإيمان .
وقد جاء في سؤال الأخ طلب بيان نواقض أصل الإيمان وهي كثيرة وقد تقدمت الإشارة إلى شيء منها :-
1- كترك جنس العمل مطلقاً .
2- وترك الصلاة بالكلية .
3- و الطواف على القبور والسجود للأصنام .
4- و إلقاء المصحف في القاذورات .
5- و دعاء غير الله .
6- و التقرب بالذبح لغير الله .
7- و النذر للأولياء . ...
8- و سب الله أو سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
9- و الاستهزاء بالدين .
10- و تبديل شرع الله ووضع القوانين الوضعية وإقامتها مقام حكم الله وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } .
فمناط الكفر في هذه الآية هو ترك حكم الله والإعراض عنه وسبب نزول الآية يقضي بكفر من ترك حكم الله واعتاض عنه بغيره من أحكام البشر .(4/81)
والكفر إذا عرف باللام فيراد به الكفر الأكبر .وما روي عن ابن عباس من كونه كفراً دون كفر فلا يثبت عنه وقد بينت نكارته في غير موضع وأبنت أن المحفوظ عنه إطلاق الكفر على من حكم بغير ما أنزل الله ، وقد سئل ابن مسعود عن الرشوة فقال من السحت فقيل له أفي الحكم قال ذاك الكفر ثم تلا هذه الآية { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } وهذا أثر صحيح رواه ابن جرير في تفسيره ورواه أبو يعلى في مسنده و البيهقي و وكيع في أخبار القضاة .
فمن حكم بهذه القوانين الوضعية والتشريعات الجاهلية أو قننها أو شارك في تشريعها أو فرضها على العباد وألزم بالتحاكم إليها وأعرض عن شرع الله والتحاكم إليه أو استخف بمن ينادي بتحكيم الكتاب والسنة فإنه كافر بالله العظيم وأي كفر أكبر من الإعراض عن شرع الله والصد عنه ومحاكمة من دعا إليه ولمزه بالرجعية والتخلف عن الحضارة والمناداة عليه بالجهل وسوء الفهم .
ومن عظيم نفاق هؤلاء المشرّعين أنهم إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أعرضوا عن ذلك وصدّوا واستكبروا استكباراً وقد صرح أحدهم بأن حكم الله غير مناسب لمثل عصرنا فنحن في عصر التطور والحضارة ومجاراة الدول الأوربية بينما تحكيمُ الشريعة يعود بنا إلى الوراء والتخلف ، وهذا لسان حال الجميع من محكمي القوانين وإن لم يتكلم به أكثرهم والأفعال شاهدة على القلوب والأقوال ولا أدل من ذلك محاربتهم للناصحين وإقصاؤهم شرع رب العالمين .
وإعطاؤهم المخلوق حق التشريع بحيث تعرض الأحكام الشرعية القطعية على البرلمان فما أجازه فهو نظام الدولة وما حضره فهو ممنوع .
وهذا الصنيع إعتداء كبير على التشريع الإلهي وتطاول على الأحكام القطعية ولا ريب أن هذا منازعة لله في حكمه وحكمته وإلاهيته .
وتقييد الكفر بالجحود أو الاستحلال لا أصل له فإن الجحود أو الاستحلال كفر ولو لم يكن معه تحكيم القوانين .(4/82)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثالث من الفتاوى : متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان . من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين .
قال تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } وقال تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً } .
فإن قيل إن الحاكم بغير ما انزل الله لا يفضل القانون على حكم الله بل يعتقد أنه باطل ، فيقال :
هذا ليس بشيء ولا يغير من الحكم شيئاً فان عابد الوثن مشرك ومرتد عن الدين وإن زعم أنه يعتقد أن الشرك باطل ولكنه يفعله من أجل مصالح دنيوية قال تعالى { وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } .
والاعتذار عن هؤلاء المشرعين المعرضين عن الدين بأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
يقال عنه : بأنّ المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار يشهدون الشهادتين ويصلون ويصومون ويحجون وليس هذا بنافع لهم .(4/83)
والذين يطوفون حول القبور ولها يصلون وينذرون ويذبحون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقد قال تعالى { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }.
والذين قالوا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء يعنون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و أصحابه ونزل القرآن ببيان كفرهم . كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويجاهدون .
والرافضة الإثنا عشرية الذين يسبون الصحابة ويزعمون ردة أبي بكر وعمر وعثمان ويقذفون عائشة بالإفك يتكلمون بالشهادتين .
والسحرة والكهان والمنجمون يلفظون بالشهادتين .
وبنوعبيد القداح كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويبنون المساجد وقد أجمعت الأمة على كفرهم وردتهم عن الإسلام .
وهذا أمر يعرفه صغار طلبة العلم ناهيك عن كبارهم وقد صنف أهل العلم كتباً كثيرة في الردة و نوا قض الإسلام يمكن مراجعتها في مضانها .
وأهل العلم والسنة يفرقون بين ذنب ينافي أصل الإيمان وبين ذنب ينافي كماله الواجب فلا يكفرون بكل ذنب .
وقد أجمعوا على أنه لا يكفر صاحب الكبيرة ما لم يستحلها فلا يكفر المسلم بفعل الزنا وشرب الخمر وأكل الربا لأنه هذه المحرمات لا تنافي أصل الإيمان .(4/84)
والحديث عن هذه المسألة يطول ذكره وقد تحدثت عن هذه القضية في غير موضع وبينت كفر تارك أعمال الجوارح مطلقاً وردة المبدّلين لشرع الله المعرضين عمّا جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - . بيد أني أقول إن الحديث عن هذه المسألة وغيرها من النواقض هو حديث عن النوع دون العين بمعنى أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر وهذا ليس بلازم منه تكفير المعين ، لأنه لا يحكم على العين بالكفر حتى تقام عليه الحجة وتنتفي عنه الشبهة لاحتمال أن يكون جاهلاً جهلاً معتبراً أو متأولاً تأويلاً سائغاً أو مكرهاً . وحين تقوم عليه الحجة وتنتفي عنه موانع التكفير يصبح حينئذ مرتداً عن الدين ويجب على ولىّ أمر المسلمين تطبيق حكم الله فيه . ويمتنع على آحاد الناس إقامة الحدود والأحكام دون السلطان فان هذا يسبب فوضى في المجتمع ولا يحقق المصلحة المطلوبة .
وللحديث بقية لعلي أتحدث عنه في جلسة أخرى .
وأشير إلى أسباب الضلال في هذا الباب ومواطن الزلل في كلام كثير من المعاصرين .
فقد زلّ في هذه المسألة الكبيرة طائفتان :-
الخوارج حيث أخرجوا عصاه الموحدين من الإسلام وجعلوا ذنباً ما ليس بذنب ورتبوا على ذلك أحكام الكفر ولم يراعوا في ذلك الأحكام الشرعية ولا المطلق من المقيد ولا موانع التكفير .
وقابلهم في هذا الضلال أهل الإرجاء حيث زعموا أنه لا يكفر أحد بذنب مهما كان ذنبه حتى يستحل أو يجحد .
وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على فساد هذين المذهبين وعلى ضلال تلك الطائفتين
وأختم بمسألة مهمة وأنبه على أنه ليس كل من شابه المرجئة بقول أصبح مرجئاً ولا كل من دان بقول من أراء الخوارج صار خارجياً فلا يحكم على الرجل بالإرجاء المطلق ولا أنه من الخوارج حتى تكون أصوله هي أصول المرجئة أو أصول الخوارج .
وقد يقال عن الرجل فيه شيء من الإرجاء في هذه المسألة وذاك فيه شيء من مذاهب الخوارج .(4/85)
وحذار حذار من الظلم والبغي حين الحديث عن الآخرين من العلماء والدعاة والمصلحين وغيرهم . فالعدل في القول والفعل من صفات المؤمنين وهو مما يحبه الله ويأمر به قال تعالى { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا } ، وقال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان } .
وقد اتفق الخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم إنسهم وجنهم على حب العدل .
واتفق الناس كلهم على بغض الظلم وذمه وبغض أهله وذمهم ومهما كانت منزلة عدوك من الانحراف والضلال فهذا لا يسّوغ لك ظلمه وبهته . فكن من خير الناس للناس ولا تتحدث عن الآخرين إلا بعلم وعدل واجعل قصدك نصرة الحق والنصيحة للآخرين . وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت . متفق عليه من حديث أبي هريرة .
السؤال الثاني :
فضيلة الشيخ . من لم ير كفر تارك الصلاة هل يعتبر من أهل الإرجاء ؟
الجواب :
نقل عبد الله بن شقيق العقيلي إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة رواه عنه الترمذي بسند صحيح ، وحكى إسحاق بن راهويه إجماع أهل العلم على ذلك وكونه إجماعاً للصحابة فهذا ظاهر فلا يعلم عن أحد من الصحابة خلاف في هذا .
وأما كونه إجماعاً لأهل العلم ففيه نظر فقد ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أن تارك الصلاة بالكلية لا يكفر مالم يجحد وجوبها . وهؤلاء أئمة هدى ومصابيح دجى فمن رماهم جميعاً بالإرجاء فقد أساء وظلم . فان هؤلاء الأئمة يمتنعون من تكفير تارك الصلاة بسبب ما توفر لهم من الأدلة وما استبان لهم من النصوص ولعله لم يبلغهم إجماع الصحابة أو لم يثبت عندهم وإلا لما تجاوزوه إلى اجتهادهم ورأيهم .
ومأخذ هؤلاء الأئمة من منع تكفير تارك الصلاة ليس هو مأخذ المرجئة من كون الصلاة عملاً وشتان ما بين المذهبين .
فمن ظهرت له الأدلة بعدم كفر تارك الصلاة فهو مجتهد يجب حفظ مكانته وصيانة عرضه من الوقيعة .(4/86)
ومن قال أنا لا أكفر تارك الصلاة لأن الصلاة عمل ولا يكفر أحد بترك العمل مهما كان أمره فهذا مخطئ ضال وهو مذهب غلاة المرجئة .
السؤال الثالث :
فضيلة الشيخ . روي عن عمر أنه قال : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . ماهي درجته ؟ ومن رواه ؟
الجواب :
هذا الأثر صحيح رواه عبد الرزاق عن الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة قال دخلت أنا وابن عباس على عمر حين طعن فقلنا الصلاة فقال : إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة فصلى وجرحه يثعب دماً .
... ورواه من طريق معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال سمعت عمر يقول . لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة .
... ورواه المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة من طريق عبد الرزاق .
... ورواه مالك في الموطأ من طريق هشام عن أبيه عن المسور بن مخرمة بدون ذكر سليمان بن يسار وقد رجح الدار قطني في العلل رواية الجماعة عن هشام وحكم على رواية مالك عن هشام بالوهم .
snallwan@hotmail.com
رقم الفتوى ... السؤال ... رقم الصفحة
1 ... ذكر بعض أهل العلم أن العمليات الفدائية القائمة في فلسطين والشيشان محرمة وسماها بالعمليات الانتحارية فما هو قولكم في ذلك ؟ ... 3
2 ... يقوم بعض الاخوة الفلسطينيين بعمليات فدائية ضد اليهود ويكون في اليهود الكبير والصغير والجندي والمدني والرجال والنساء فهل في قتلهم بأس ؟
لأننا سمعنا عن بعض المفتين يقول بحرمة قتل نساء اليهود ومدنييهم بدعوى أنهم ليسوا من المقاتلين ، فما تقولون بارك الله فيكم ؟ ... 5
3 ... تعلمون ما يحصل للفلسطينيين في هذا الوقت من الإجرام اليهودي والسكوت العربي المخزي . فهل في العمليات الفدائية ضد اليهود مخالفة شرعية ؟ ... 9
4 ... أحدثت امرأة في أثناء الطواف فاستحيت أن تخبر رفقتها وأكملت طوافها وأخبرت أهلها فيما بعد فماذا عليها ؟ ... 12
5 ... ما حكم حك الرأس للمحرم ؟ ... 13(4/87)
6 ... قد عزمت على الحج ومعي صبي فهل يجب أن أطوف عن نفسي ثم أطوف عنه طوافاً آخر أو أكتفي بطواف واحد وسعي واحد ؟ ... 14
7 ... ما حكم من عزم على الأضحية فأخذ من شعره وقلم أظفاره ؟ ... 15
8 ... تعتقد بعض النساء أن للإحرام ثياباً خاصة فما صحة ذلك ؟ ... 16
9 ... يوجد رجل نفر من عرفات قبل غروب الشمس وعندما سأل أفتاه البعض بأن عليه دماً وقال له بعض أصحابه بأنه آثم ولا دم عليه فما تقولون في ذلك جزاكم الله خيراً . ... 17
10 ... لي أخت قد أحرمت بالنقاب ولم تعلم بحرمة ذلك إلا بعد نهاية العمرة فماذا عليها ؟ ... 19
11 ... فتوى فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في تأييد حكومة طالبان في تحطيم الأوثان وكسر الأصنام ... 20
12 ... ما تقولون في رجل تزوج امرأة ودفع لها المهر وقبل أن يدخل بها توفي فهل ترثه أم لا وهل عليها العدة أم لا ؟ ... 24
13 ... ماحكم الإسلام فيمن استهزأ بآيات الله ولحن الآيات القرآنية وغنّاها ؟ ... 25
14 ... سمعت في الإذاعة حديثاً منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك !!! فماهي درجة هذا الحديث ؟ ... 29
15 ... ما حكم التبرع بالدم ونقله من إنسان صحيح إلى شخص مريض ؟ ... 30
16 ... فيه شخص جامع في نهار رمضان فما حكمه ؟ وماذا عليه ؟ ... 31
الجلسة الأولى وفيها : ... 33
17 ... هل يوجد في الأربعين النووية أحاديث ضعيفة ؟ ... 33
18 ... هل الكحل يفطر الصائم ؟ ... 34
19 ... البنت البكر إذا ثاب منها لبن فأرضعت به هل تكون أماً للطفل ؟ ... 34
20 ... ما حكم الاستمناء باليد ؟ ... 35
21 ... ما صحة حديث ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ) . ... 35
22 ... هل يجوز للمحادة أن تتصل بالهاتف . ... 35
23 ... ما هو القول الصحيح في الأقراء هل هي الحيض أم الأطهار ؟ ... 36(4/88)
24 ... امرأة طهرت من الحيض في صيام رمضان فهل يجب عليها الإمساك بقية يومها ؟ ... 36
الجلسة الثانية وفيها : ... 37
25 ... ما صحة حديث ( عند كل ختمة دعوة مستجابة ... ) . ... 37
26 ... ما صحة زيادة ( سفعاء الخدين ) في حديث مسلم ... 38
27 ... ما تقولون في نجاسة القيء ؟ ... 39
28 ... هل يعتبر موت الإنسان دماغياً موتاً حقيقياً ؟ ... 39
الجلسة الثالثة وفيها : ... 40
29 ... ما الحكم في اللقيط هل يعتبر عبداً أم حراً ؟ ... 40
30 ... ما حكم الوضوء في المسجد ؟ ... 40
31 ... هل يكفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد السب أم يشترط في ذلك الاستحلال ؟ ... 41
32 ... ما حكم جلسة الاستراحة في الصلاة ؟ ... 42
33 ... ما حكم رفع اليدين بعد الصلوات المكتوبة ؟ ... 42
الجلسة الرابعة وفيها : ... 44
34 ... ما صحة حديث الصدقة تطفئُ غضب الرب ..؟ ... 44
35 ... ما تقولون في حديث ابن عمر قال . كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام ؟ ... 44
36 ... هل يجوز للأب أن يجبر ابنه العاقل على الزواج بفتاة لا يريدها . ... 45
37 ... هل تجوز حضانة الكافر على المسلم ؟ ... 45
38 ... ما تقولون في الحديث الوارد في دعاء الخروج من الخلاء . الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني . ... 46
39 ... ما درجة حديث ( ماء زمزم لما شرب له ) ؟ ... 47
الجلسة الخامسة وفيها : ... 48
40 ... ما هو القول الصحيح في الحديث الوارد في الصلاة بعد الإشراق ؟ ... 48
41 ... ما حكم الصلاة على الميت الغائب ؟ ... 49
42 ... ما صحة الحديث الوارد في افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ؟ ... 50
43 ... ما تقولون في الحديث الوارد في لحوم البقر بأنها داء . ... 51
44 ... ما تقولون في تقسيم الشرك إلى ثلاثة أقسام أكبر وأصغروخفي ... 51
الجلسة السادسة وفيها : ... 53
45 ... ما حكم بدأ اليهود والنصارى بالسلام ؟ ... 53(4/89)
46 ... هل تجوز عيادة أهل الكتاب ؟ ... 54
47 ... ما هو القول الصحيح في حكم الساحر ؟ ... 55
48 ... ما الحكم فيمن حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً ؟ ... 55
49 ... هل صح قتل الوزغ باليد ؟ وهل ثبت في قتله أجر ؟ ... 56
الجلسة السابعة وفيها : ... 57
50 ... ما هو القول الراجح في كيفية صلاة الاستسقاء هل تقدم الخطبة على الصلاة كهيئة صلاة الجمعة أم تقدم الصلاة على الخطبة كهيئة صلاة العيدين ؟ ... 57
51 ... هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد يوم للخروج إلى صلاة الإستسقاء . ... 58
52 ... ما حد الغيبة وما حكمها ؟ ... 59
53 ... توفي رجل عن زوجة حامل فوضعت قبل أن يُغسَّل فهل يجوز للمرأة أن تليه في الغسل ؟ ... 60
54 ... ما تقولون في حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ؟ ... 60
55 ... سمعت من بعض العامة أنّ أم الأولاد لا تطلق فهل يصح هذا وهل قال به أحد من أهل العلم ... 61
الجلسة الثامنة وفيها : ... 62
56 ... شخص طلق زوجته طلاقاً رجعياً وقبل أن تنقضي عدتها أراد مراجعتها فهل يجب رضاها بذلك ؟ ... 62
57 ... ما حكم الوضوء من لحوم الإبل ؟ ... 63
58 ... ما حكم لبس خاتم الذهب للرجال ؟ ... 64
59 ... ما هي الفوائد المستفادة من قوله صلى الله عليه وسلم ( غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث قال كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك ) . ... 65
60 ... ما هي آخر مدة النفاس ؟ ... 66
الجلسة التاسعة وفيها : ... 67
61 ... فيه رجل يريد أن يتزوج ابنته من الزنا فما حكم ذلك ؟ ... 67
62 ... ما تقولون في مسافر يصلي خلف مقيم ؟ ... 69
63 ... ما الحكم في رجل دخل عليه وقت صلاة الظهر وسافر فهل له القصر؟ ... 70(4/90)
64 ... ما تقولون في رجل عدم الماء فتيمم وصلى وحين فرغ من صلاته وجد الماء ؟ ... 70
65 ... إذا صلت المرأة صلاة الجمعة خلف الإمام في المسجد فهل تصلي ركعتين كصلاة الإمام أم أنها تتم أربعاً بعد سلام الإمام ؟ ... 71
66 ... ما حكم السجود للسهو وما هي مواضعه ؟ ... 71
الجلسة العاشرة وفيها : ... 73
67 ... ما حكم النوم بعد صلاة العصر وما درجة الحديث الوارد في النهي عن ذلك ؟ ... 73
68 ... ما صحة حديث . لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ؟ ... 73
69 ... ما تقولون في الحدود هل هي كفارات أم لا ؟ ... 74
70 ... ما صحة حديث . من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . ؟ ... 75
71 ... ما تقولون في حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) . ... 76
الجلسة الحادية عشرة وفيها : ... 77
72 ... ما هو تعريف الإيمان عند أهل السنة ؟ وما هي نوا قضه ؟ ... 77
73 ... من لم ير كفر تارك الصلاة هل يعتبر من أهل الإرجاء ؟ ... 83
74 ... روي عن عمر أنه قال : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . ماهي درجته ؟ ومن رواه ؟ ... 83
الفهرس ... 84(4/91)
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فلقد حصل خلاف بين بعض الإخوة في حكم دفع زكاة الفطرة مالاً بدلاً من الطعام
وكان لكل شخص رأيه من الناحية العلمية واختصرها لكم في عجالة :
الأول يقول : يحرم دفع زكاة الفطرة مالاً لأنه مخالف لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم .
الثاني يقول : الأفضل أن تدفع طعام ودفع المال جائز ولكن مخالف للسنة .
الثالث يقول : الأفضل أن ينضر حال الفقير وحال بلده ووضعه فقد يكون المال أفضل له .
فالسؤال يا فضيلة الشيخ :
هل أحد من السلف أفتى بدفع المال بدلاً من الطعام ؟؟
وهل لو أن أحداً دفعه مالاً لأن الفقير يريد ذلك أفضل ؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ المكرم .......... حفظه الله
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذه المسألة أحد المسائل الخلافية وأئمة السلف مختلفون في دفع القيمة في زكاة الفطر .
وترجيح هذا أو ذاك محل اجتهاد فلا يضلل المخالف أو يبدع .
والأصل في الاختلاف في مثل هذه المسألة أنه لا يفسد المودة بين المتنازعين ولا يوغر في صدورهم ، فكل منهما محسن ولا تثريب على من انتهى إلى ما سمع .
وقد كان كثير من الأئمة يقولون في حديثهم عن المسائل الخلافية ( قولنا صواب يحتمل الخطأ ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب ) .
وقد ذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر ، قال الإمام أحمد أخاف أن لا يجزئه ، خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مذهب مالك والشافعي وقال الإمام ابن حزم رحمه الله : لا تجزئ قيمة أصلاً لأن ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم .
* و ذهب عطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة وغيرهم إلى جواز دفع القيمة عن الطعام ، قال أبو اسحاق السبيعي ( وهو أحد أئمة التابعين ) ( أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام ) رواه ابن أبي شيبة في المصنف .
والحجة لذلك :(5/1)
1- أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة ، والأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها .
2- بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا إخراج القمح ( وهو غير منصوص عليه ) عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث الصحيحة .
بل ذهب كثير من الصحابة بل أكثرهم في عهد معاوية إلى جواز إخراج نصف صاع من سمراء الشام بدلاً من صاع من تمر ، فهذا دليل على أنهم يرون نصف الصاع معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ونحو ذلك .
3- وبدليل أن المقصود من الزكاة إغناء الفقراء والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعتبر في ذلك حال الفقير في كل بلد .
4- وبدليل أن كثيراً من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل ، والله أعلم .
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
25/9/1423(5/2)