الجامع في الرسائل الدعوية
جمعه ونسقه وفهرسه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
حقوق الطبع لكل مسلم
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن فنَّ كتابة الرسائل موجود منذ القدم ، وقد اشتهر المسلمون بذلك ، وكتبوا الكثير من الرسائل ، ومن الرسائل المهمة جدا الرسائل الدعوية والتربوية ، وقد اهتم بها دعاة الإسلام اليوم اهتاما جيدا .
وهذا الكتاب الذي بين يدينا هو عبارة عن مجموعة كبيرة من الرسائل الدعوية والتربوية نافت على الثلاث مائة وأربعين رسالة منوعة ، وبشتى الموضوعات .
منها رسائل نبوية ورسائل بعض الصحابة والتابعين والسلف الصالح ، وغالبها من الرسائل المعاصرة ، جمعتها من هنا وهناك من النت ،و خاصة من المواقع التالية :
المختار الإسلامي
وشبكة نور الإسلام
والشبكة الإسلامية
وموقع أسرة آل محمود
وغيرها من مواقع إسلامية
يجمع بينها خيط واحد هو الدعوة إلى الله تعالى وترغيب الناس بالخير وتحذيرهم من الشر ، ومن الصعب جدًا الحصول عليها لطالب العلم ، وذلك لأنها مفرقة في مواقع كثيرة جدا .
وقد قمت بجمعها وتنسيقها وفهرستها ، وذلك لتسهيل الحصول عليها .
ولكن على طالب العلم عند يريد نشر رسالة منها أو طبعها أن يراجعها قبل ذلك حتى لا يكون فيها خطأ مطبعي .
لذا أرجو من الله تعالى أن ينفع بها جامعها وقارئها وناشرها والدال عليها آمين(1/1)
قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) [الحج/77، 78] }
جمعه ونسقه وفهرسه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 25 جمادى الآخرة لعام 1428 هـ الموافق ل 10/7/207 م
رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم للناس(1/2)
صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ >> كِتَابُ الجِزْيَةِ >> بَابُ الجِزْيَةِ وَالمُوَادَعَةِ مَعَ أَهْلِ الحَرْبِ >> برقم(3016 ) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ ، قَالَ : بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الأَمْصَارِ ، يُقَاتِلُونَ المُشْرِكِينَ ، فَأَسْلَمَ الهُرْمُزَانُ ، فَقَالَ : إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هَذِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ المُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلاَنِ ، فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الجَنَاحَيْنِ نَهَضَتِ الرِّجْلاَنِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ ، فَإِنْ كُسِرَ الجَنَاحُ الآخَرُ نَهَضَتِ الرِّجْلاَنِ وَالرَّأْسُ ، وَإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَتِ الرِّجْلاَنِ وَالجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ ، فَالرَّأْسُ كِسْرَى ، وَالجَنَاحُ قَيْصَرُ ، وَالجَنَاحُ الآخَرُ فَارِسُ ، فَمُرِ المُسْلِمِينَ ، فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى ، - وَقَالَ بَكْرٌ ، وَزِيَادٌ جَمِيعًا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ - قَالَ : فَنَدَبَنَا عُمَرُ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ العَدُوِّ ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، فَقَامَ تَرْجُمَانٌ ، فَقَالَ : لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ ، فَقَالَ المُغِيرَةُ : سَلْ عَمَّا شِئْتَ ؟ قَالَ : مَا أَنْتُمْ ؟ قَالَ : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ العَرَبِ ، كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلاَءٍ شَدِيدٍ ، نَمَصُّ الجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الجُوعِ ، وَنَلْبَسُ الوَبَرَ وَالشَّعَرَ ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالحَجَرَ ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ - تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ - إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ ، فَأَمَرَنَا(1/3)
نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ ، أَوْ تُؤَدُّوا الجِزْيَةَ ، وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا ، أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ " ، فَقَالَ النُّعْمَانُ : رُبَّمَا أَشْهَدَكَ اللَّهُ مِثْلَهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمْ يُنَدِّمْكَ ، وَلَمْ يُخْزِكَ ، وَلَكِنِّي شَهِدْتُ القِتَالَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ، انْتَظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الأَرْوَاحُ ، وَتَحْضُرَ الصَّلَوَاتُ " *
==============
رسالة أصحاب الرجيع(1/4)
صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ >> كِتَابُ المَغَازِي >> بَابُ غَزْوَةِ الرَّجِيعِ ، وَرِعْلٍ ، وَذَكْوَانَ ، وَبِئْرِ مَعُونَةَ ، >>برقم( 3893 ) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَنَسٌ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَعَثَ خَالَهُ ، أَخٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ ، فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا " وَكَانَ رَئِيسَ المُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ ، خَيَّرَ بَيْنَ ثَلاَثِ خِصَالٍ ، فَقَالَ : يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ المَدَرِ ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ ، أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ ؟ فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلاَنٍ ، فَقَالَ : غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَكْرِ ، فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلاَنٍ ، ائْتُونِي بِفَرَسِي ، فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ ، فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلاَنٍ ، قَالَ : كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ ، وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ ، فَقَالَ : أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ ، وَأَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ ، فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ ، - قَالَ هَمَّامٌ أَحْسِبُهُ - حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ ، قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ ، فَلُحِقَ الرَّجُلُ ، فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا ، ثُمَّ كَانَ مِنَ المَنْسُوخِ : إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا " فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا ، عَلَى رِعْلٍ ، وَذَكْوَانَ ،(1/5)
وَبَنِي لَحْيَانَ ، وَعُصَيَّةَ ، الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " *
=============
رِسَالَةُ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْخَوَّاصِ الشَّامِيِّ
...
سُنَنُ الدَّارِمِيِّ >> رِسَالَةُ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْخَوَّاصِ الشَّامِيِّ >> برقم(688 ) عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْخَوَّاصِ الشَّامِيِّ أَبِي عُتْبَةَ ، قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، " اعْقِلُوا ، وَالْعَقْلُ نِعْمَةٌ ، فَرُبَّ ذِي عَقْلٍ ، قَدْ شُغِلَ قَلْبُهُ ، بِالتَّعَمُّقِ فِيمَا هُوَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ ، عَنِ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ حَتَّى صَارَ عَنْ ذَلِكَ سَاهِيًا ، وَمِنْ فَضْلِ عَقْلِ الْمَرْءِ ، تَرْكُ النَّظَرِ فِيمَا لَا نَظَرَ فِيهِ ، حَتَّى لَا يَكُونَ فَضْلُ عَقْلِهِ ، وَبَالًا عَلَيْهِ فِي تَرْكِ مُنَافَسَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، أَوْ رَجُلٍ شُغِلَ قَلْبُهُ بِبِدْعَةٍ ، قَلَّدَ فِيهَا دِينَهُ ، رِجَالًا دُونَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَوِ اكْتَفَى بِرَأْيِهِ فِيمَا لَا يَرَى الْهُدَى إِلَّا فِيهَا ، وَلَا يَرَى الضَّلَالَةَ إِلَّا بِتَرْكِهَا ، يَزْعُمُ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنَ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى فِرَاقِ الْقُرْآنِ . أَفَمَا كَانَ لِلْقُرْآنِ حَمَلَةٌ قَبْلَهُ ، وَقَبْلَ أَصْحَابِهِ يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ ، وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ ؟ وَكَانُوا مِنْهُ عَلَى مَنَارٍ لِوَضَحِ الطَّرِيقِ ، وَكَانَ الْقُرْآنُ إِمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِمَامًا لِأَصْحَابِهِ ، وكانَ أَصْحَابُهُ أَئِمَّةً ، لِمَنْ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ مَعْرُوفُونَ مَنْسُوبُونَ فِي الْبُلْدَانِ ، مُتَّفِقُونَ فِي الرَّدِّ عَلَى أَصْحَابِ(1/6)
الْأَهْوَاءِ ، مَعَ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ ، وَتَسَكَّعَ أَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ بِرَأْيِهِمْ فِي سُبُلٍ مُخْتَلِفَةٍ جَائِرَةٍ عَنِ الْقَصْدِ ، مُفَارِقَةٍ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، فَتَوَّهَتْ بِهِمْ أَدِلَّاؤُهُمْ فِي مَهَامِهَ مُضِلَّةٍ ، فَأَمْعَنُوا فِيهَا مُتَعَسِّفِينَ فِي تِيهِهِمْ . كُلَّمَا أَحْدَثَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ بِدْعَةً فِي ضَلَالَتِهِمْ ، انْتَقَلُوا مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا أَثَرَ السَّابقينَ ، وَلَمْ يَقْتَدُوا بِالْمُهَاجِرِينَ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِزِيَادٍ : هَلْ تَدْرِي مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ ؟ زَلَّةُ عَالِمٍ ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ ، اتَّقُوا اللَّهَ وَمَا حَدَثَ فِي قُرَّائِكُمْ ، وَأَهْلِ مَسَاجِدِكُمْ ، مِنَ الْغِيبَةِ ، وَالنَّمِيمَةِ ، وَالْمَشْيِ بَيْنَ النَّاسِ بِوَجْهَيْنِ ، وَلِسَانَيْنِ ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ مَنْ كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا ، كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي النَّارِ ، يَلْقَاكَ صَاحِبُ الْغِيبَةِ ، فَيَغْتَابُ عِنْدَكَ مَنْ يَرَى أَنَّكَ تُحِبُّ غِيبَتَهُ ، وَيُخَالِفُكَ إِلَى صَاحِبِكَ ، فَيَأْتِيهِ عَنْكَ بِمِثْلِهِ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَصَابَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا حَاجَتَهُ ، وَخَفِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا مَا أُتِى بِهِ عِنْدَ صَاحِبِهِ ، حُضُورُهُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ حُضُورُ الْإِخْوَانِ ، وَغَيْبَتُهُ عَنْ مِنْ غَابَ عَنْهُ غَيْبَةُ الْأَعْدَاءِ ، مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ كَانَتْ لَهُ الْأَثَرَةُ ، وَمَنْ غَابَ مِنْهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ ، يَفْتِنُ مَنْ حَضَرَهُ بِالتَّزْكِيَةِ ، وَيَغْتَابُ مَنْ غَابَ عَنْهُ بِالْغِيبَةِ ، فَيَا لَعِبَادَ اللَّهِ أَمَا فِي الْقَوْمِ مَنْ رَشِيدٍ ،(1/7)
وَلَا مُصْلِحٍ بِهِ يَقْمَعُ هَذَا عَنْ مَكِيدَتِهِ ، وَيَرُدُّهُ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ؟ بَلْ عَرَفَ هَوَاهُمْ فِيمَا مَشَى بِهِ إِلَيْهِمْ ، فَاسْتَمْكَنَ مِنْهُمْ وَأَمْكَنُوهُ مِنْ حَاجَتِهِ ، فَأَكَلَ بِدِينِهِ مَعَ أَدْيَانِهِمْ ، فَاللَّهَ اللَّهَ ، ذُبُّوا عَنْ حُرَمِ أعْيانكمْ ، وَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنْهُمْ ، إِلَّا مِنْ خَيْرٍ ، وَنَاصِحُوا اللَّهَ فِي أُمَّتِكُمْ إِذْ كُنْتُمْ حَمَلَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَإِنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْطَقَ حَتَّى يَنْطِقُ بِهِ ، وَإِنَّ السُّنَّةَ لَا تَعْمَلُ حَتَّى يُعْمَلَ بِهَا ، فَمَتَى يَتَعَلَّمُ الْجَاهِلُ إِذَا سَكَتَ الْعَالِمُ ، فَلَمْ يُنْكِرْ مَا ظَهَرَ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِمَا تُرِكَ ؟ وَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ . اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ رَقَّ فِيهِ الْوَرَعُ ، وَقَلَّ فِيهِ الْخُشُوعُ ، وَحَمَلَ الْعِلْمَ مُفْسِدُوهُ ، فَأَحَبُّوا أَنْ يُعْرَفُوا بِحَمْلِهِ ، وَكَرِهُوا أَنْ يُعْرَفُوا بِإِضَاعَتِهِ ، فَنَطَقُوا فِيهِ بِالْهَوَى ، لَمَّا أَدْخَلُوا فِيهِ مِنَ الْخَطَإ ، وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَمَّا تَرَكُوا مِنَ الْحَقِّ إِلَى مَا عَمِلُوا بِهِ مِنْ بَاطِلٍ ، فَذُنُوبُهُمْ ذُنُوبٌ لَا يُسْتَغْفَرُ مِنْهَا ، وَتَقْصِيرُهُمْ تَقْصِيرٌ لَا(1/8)
يُعْتَرَفُ بِهِ ، كَيْفَ يَهْتَدِي الْمُسْتَدِلُّ الْمُسْتَرْشِدُ إِذَا كَانَ الدَّلِيلُ حَائِرًا ؟ أَحَبُّوا الدُّنْيَا ، وَكَرِهُوا مَنْزِلَةَ أَهْلِهَا ، فَشَارَكُوهُمْ فِي الْعَيْشِ ، وَزَايَلُوهُمْ بِالْقَوْلِ ، وَدَافَعُوا بِالْقَوْلِ عَنْ أَنْفُسَهُمْ أَنَّ يُنْسَبُوا إِلَى عَمَلِهِمْ ، فَلَمْ يَتَبَرَّءُوا مِمَّا انْتَفَوْا مِنْهُ ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِيمَا نَسَبُوا إِلَيْهِ أَنْفُسِهِمْ ، لِأَنَّ الْعَامِلَ بِالْحَقِّ مُتَكَلِّمٌ وَإِنْ سَكَتَ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : إِنِّي لَسْتُ كُلَّ كَلَامِ الْحَكِيمِ أَتَقَبَّلُ ، وَلَكِنِّي أَنْظُرُ إِلَى هَمِّهِ وَهَوَاهُ ، فَإِنْ كَانَ هَمُّهُ وَهَوَاهُ لِي ، جَعَلْتُ صَمْتَهُ حَمْدًا وَوَقَارًا ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ، كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا . كتبا . وَقَالَ : خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ قَالَ : الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ ، وَلَا تَكْتَفُوا مِنَ السُّنَّةِ ، بِانْتِحَالِهَا بِالْقَوْلِ دُونَ الْعَمَلِ بِهَا ، فَإِنَّ انْتِحَالَ السُّنَّةِ دُونَ الْعَمَلِ بِهَا ، كَذِبٌ بِالْقَوْلِ مَعَ إِضَاعَةِ الْعَلِم ، وَلَا تَعِيبُوا بِالْبِدَعِ تَزَيُّنًا بِعَيْبِهَا ، فَإِنَّ فَسَادَ أَهْلِ الْبِدَعِ ، لَيْسَ بِزَائِدٍ فِي صَلَاحِكُمْ ، وَلَا تَعِيبُوهَا بَغْيًا عَلَى أَهْلِهَا ، فَإِنَّ الْبَغْيَ مِنْ فَسَادِ أَنْفُسِكُمْ ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يُدَاوِيَ الْمَرْضَى بِمَا يُبَرِّئُهُمْ وَيُمْرِضُهُ ، فَإِنَّهُ إِذَا مَرِضَ ، اشْتَغَلَ بِمَرَضِهِ عَنْ مُدَاوَاتِهِمْ ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَمِسَ لِنَفْسِهِ الصِّحَّةَ ، لِيَقْوَى بِهِ عَلَى عِلَاجِ الْمَرْضَى . فَلْيَكُنْ(1/9)
أَمْرُكُمْ فِيمَا تُنْكِرُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ نَظَرًا مِنْكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَنَصِيحَةً مِنْكُمْ لِرَبِّكُمْ ، وَشَفَقَةً مِنْكُمْ عَلَى إِخْوَانِكُمْ ، وَأَنْ تَكُونُوا مَعَ ذَلِكَ بِعُيُوبِ أَنْفُسِكُمْ ، أَعْنَى مِنْكُمْ بِعُيُوبِ غَيْرِكُمْ ، وَأَنْ يَسْتَفْطِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا النَّصِيحَةَ ، وَأَنْ يَحْظَى عِنْدَكُمْ مَنْ بَذَلَهَا لَكُمْ وَقَبِلَهَا مِنْكُمْ ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي ، تُحِبُّونَ أَنْ تَقُولُوا فَيُحْتَمَلَ لَكُمْ ، وَإِنْ قِيلَ مِثْلُ الَّذِي قُلْتُمْ ، غَضِبْتُمْ . تَجِدُونَ عَلَى النَّاسِ فِيمَا تُنْكِرُونَ مِنْ أُمُورِهِمْ ، وَتَأْتُونَ مِثْلَ ذَلِكَ أفَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يؤخذَ عَلَيْكُمْ ؟ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ وَرَأْيَ أَهْلِ زَمَانِكُمْ ، وَتَثَبَّتُوا قَبْلَ أَنْ تَكَلَّمُوا ، وَتَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ تَعْمَلُوا ، فَإِنَّهُ يَأْتِي زَمَانٌ يَشْتَبِهُ فِيهِ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ ، وَيَكُونُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ مُنْكَرًا ، وَالْمُنْكَرُ فِيهِ مَعْرُوفًا ، فَكَمْ مِنْ مُقترِّبٍ إِلَى اللَّهِ بِمَا يُبَاعِدُهُ ، وَمُتَحَبِّبٍ إِلَيْهِ بِمَا يبغْضهُ عَلَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ، الْآيَةَ ، فَعَلَيْكُمْ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ ، حَتَّى يَبْرُزَ لَكُمْ وَاضِحُ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الدَّاخِلَ فِيما لَا يَعْلَمُ بِغَيْرِ عِلْمٍ آثِمٌ ، وَمَنْ نَظَرَ لِلَّهِ ، نَظَرَ اللَّهُ لَهُ . عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَأْتَمُّوا بِهِ ، وَأُمُّوا بِهِ ، وَعَلَيْكُمْ بِطَلَبِ أَثَرِ الْمَاضِينَ ، فِيهِ ، وَلَوْ أَنَّ الْأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ لَمْ يَتَّقُوا زَوَالَ مَرَاتِبِهِمْ ، وَفَسَادَ(1/10)
مَنْزِلَتِهِمْ ، بِإِقَامَةِ الْكِتَابِ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَتِبْيَانِهِ مَا حَرَّفُوهُ وَلَا كَتَمُوهُ ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا خَالَفُوا الْكِتَابَ بِأعْمالهمْ ، الْتَمَسُوا أَنْ يَخْدَعُوا قَوْمَهُمْ عَمَّا صَنَعُوا ، مَخَافَةَ أَنْ يفْسدواَ مَنَازِلُهُمْ ، وَأَنْ يَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ فَسَادُهُمْ ، فَحَرَّفُوا الْكِتَابَ بِالتَّفْسِيرِ ، وَمَا لَمْ يَسْتَطِيعُوا تَحْرِيفَهُ ، كَتَمُوهُ ، فَسَكَتُوا عنْ صَنِيعِ أَنْفُسِهِمْ إِبْقَاءً عَلَى مَنَازِلِهِمْ ، وَسَكَتُوا عَمَّا صَنَعَ قَوْمُهُمْ مُصَانَعَةً لَهُمْ ، وَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ، لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ، بَلْ مَالَئُوا عَلَيْهِ ، وَرَفَّقُوا لَهُمْ فِيهِ " *
=============
رسالته صلى الله عليه وسلم للأنصار ببيعة العقبة(1/11)
مسند أحمد - (ج 30 / ص 364) برقم(14830) عَنْ جَابِرٍ قَالَ َكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَكَّةَ عَشَرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِى مَنَازِلِهِمْ بِعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِى الْمَوَاسِمِ بِمِنًى يَقُولُ « مَنْ يُئْوِينِى مَنْ يَنْصُرُنِى حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّى وَلَهُ الْجَنَّةُ ». حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ أَوْ مِنْ مُضَرَ كَذَا قَالَ فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ فَيَقُولُونَ احْذَرْ غُلاَمَ قُرَيْشٍ لاَ يَفْتِنُكَ وَيَمْشِى بَيْنَ رِحَالِهِمْ وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ يَثْرِبَ فَآوَيْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلاَمِهِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ إِلاَّ وَفِيهَا رَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الإِسْلاَمَ ثُمَّ ائْتَمَرُوا جَمِيعاً فَقُلْنَا حَتَّى مَتَى نَتْرُكُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُطْرَدُ فِى جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ فَرَحَلَ إِلَيْهِ مِنَّا سَبْعُونَ رَجُلاً حَتَّى قَدِمُوا عَلَيْهِ فِى الْمَوْسِمِ فَوَاعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ حَتَّى تَوَافَيْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلاَمَا نُبَايِعُكَ قَالَ « تُبَايِعُونِى عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ والنَّفَقَةِ فِى الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَعَلَى الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَنْ تَقُولُوا فِى اللَّهِ لاَ تَخَافُونَ فِى اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِى فَتَمْنَعُونِى إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ(1/12)
وَأَبْنَاءَكُمْ وَلَكُمُ الْجَنَّةُ ». قَالَ فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بنُ زُرَارَةَ وَهُوَ مِنْ أَصْغَرِهِمْ فَقَالَ رُوَيْداً يَا أَهْلَ يَثْرِبَ فَإِنَّا لَمْ نَضْرِبْ أَكْبَادَ الإِبِلِ إِلاَّ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَإِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ جَبِيَنةً فَبَيِّنُوا ذَلِكَ فَهُوَ أَعْذَرُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ. قَالُوا أَمِطْ عَنَّا يَا أَسْعَدُ فَوَاللَّهِ لاَ نَدَعُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ أَبَداً وَلاَ نَسْلُبُهَا أَبَداً. قَالَ فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ فَأَخَذَ عَلَيْنَا وَشَرَطَ عَلَيْنَا وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ. (صحيح)
=================
رسالة بجير لكعب أخيه(1/13)
الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ >> كِتَابُ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ >> ذِكْرُ كَعْبِ وَبُجَيْرٍ ابْنَيْ زُهَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا >>برقم(6554 ) َأخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَسَدِيُّ ، بِهَمْدَانَ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ ذِي الرُّقَيْبَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى الْمُزَنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : خَرَجَ كَعْبٌ وَبُجَيْرٌ ابْنَا زُهَيْرٍ حَتَّى أَتَيَا أَبْرَقَ الْعَزَّافِ ، فَقَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ : اثْبُتْ فِي عَجَلِ هَذَا الْمَكَانَ حَتَّى آتِيَ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْمَعَ مَا يَقُولُ . فَثَبَتَ كَعْبٌ وَخَرَجَ بُجَيْرٌ ، " فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ " ، فَأَسْلَمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا ، فَقَالَ :
أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً عَلَى أَيٍّ شَيْءٍ وَيْحَ غَيْرِكَ دَلَّكَا
عَلَى خَلْقٍ لَمْ تَلْفَ أُمًّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا(1/14)
فَلَمَّا بَلَغَتِ الْأَبْيَاتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَرَ دَمَهُ ، فَقَالَ : " مَنْ لَقِيَ كَعْبًا فَلْيَقْتُلْهُ " فَكَتَبَ بِذَلِكَ بُجَيْرٌ إِلَى أَخِيهِ يَذْكُرُ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ وَيَقُولُ لَهُ : النَّجَا وَمَا أَرَاكَ تَفْلِتُ ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا قَبِلَ ذَلِكَ ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَسْلِمْ وَأَقْبِلْ فَأَسْلَمَ كَعْبٌ وَقَالَ الْقَصِيدَةَ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ مَكَانَ الْمَائِدَةِ مِنَ الْقَوْمِ مُتَحَلِّقُونَ مَعَهُ حَلْقَةً دُونَ حَلْقَةٍ يَلْتَفِتُ إِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً ، فَيُحَدِّثُهُمْ وَإِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً ، فَيُحَدِّثُهُمْ ، قَالَ كَعْبٌ فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، فَعَرَفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصِّفَةِ فَتَخَطَّيْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَأَسْلَمْتُ فَقُلْتُ : أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ الْأَمَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " وَمَنْ أَنْتَ ؟ " قُلْتُ : أَنَا كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ ، قَالَ : أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ : كَيْفَ ، قَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ فَأَنْشَدَهُ(1/15)
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ وَانْهَلَكَ الْمَأْمُورُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا قُلْتُ هَكَذَا ، قَالَ : " وَكَيْفَ قُلْتَ " ، قَالَ : إِنَّمَا قُلْتُ :
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةً وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَأْمُونٌ وَاللَّهِ " ثُمَّ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَأَمْلَاهَا عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ ذِي الرُّقَيْبَةِ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَهِيَ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ :
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِذْ ظَعَنُوا إِلَّا أَغَنٌّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ كَأَنَّهَا مُنْهَلٌّ بِالْكَأْسِ مَعْلُولُ
شَجَّ السُّقَاةُ عَلَيْهِ مَاءَ مَحْنَيةٍ مِنْ مَاءِ أَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ
تَنْفِي الرِّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٍ يَعَالِيلُ
سَقْيًا لَهَا خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ مَوْعُودَهَا وَلَوْ أَنَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ
لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا فْجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلَافٌ وَتَبْدِيلُ
فَمَا تَدُومَ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا كَمَا تَلَوَّنَ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ
فَلَا تَمَسَّكُ بِالْوَصْلِ الَّذِي زَعَمَتْ إِلَّا كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الْغَرَابِيلُ
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلَّا الْأَبَاطِيلُ
فَلَا يَغُرَّنَّكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ إِلَّا الْأَمَانِيَّ وَالْأَحْلَامَ تَضْلِيلُ(1/16)
أَرْجُو أَوْ آمُلُ أَنْ تَدْنُوَ مَوَدَّتُهَا وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ
أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضٍ مَا يُبَلِّغُهَا إِلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ
وَلَنْ تَبْلُغَهَا إِلَّا عَذَافِرَةٌ فِيهَا عَلَى الْأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ
مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ عَرَضْتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ
يَمْشِي الْقُرَادُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَزْلِقُهُ مِنْهَا لِبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ
عَيْرَانَةٌ قَذَفَتْ بِالنَّحْضِ عَنْ عَرَضٍ وَمِرْفَقُهَا عَنْ ضُلُوعِ الزُّورِ مَفْتُولُ
كَأَنَّمَا قَابَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحِهَا مِنْ خُطُمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ
تَمْرٌ مِثْلُ عَسِيبِ النَّحْلِ إِذَا خَصَلَ فِي غَارِ زَلْمٍ تَخُونُهُ الْأَحَالِيلُ
قَنْوَاءُ فِي حَرَّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا عَتَقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ
تَخْذَى عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لَاحِقَةٌ ذَا وَبَلٍ مَسَّهُنَّ الْأَرْضُ تَحْلِيلُ
حَرْفٌ أَبُوهَا أَخُوهَا مِنْ مَهْجَنَةٍ وَعَمُّهَا خَالُهَا قَوْدَاءٌ شَمْلِيلُ
سَمَرَ الْعَجَايَاتِ يُتْرَكُنَّ الْحَصَازَيْمَا مَا إِنَّ تَقَيَّهُنَّ حَدَّ الْأَكْمِ تَنْعِيلُ
يَوْمًا تَظَلُّ حِدَابُ الْأَرْضِ يَرْفَعُهَا مِنَ اللَّوَامِعِ تَخْلِيطٌ وَتَرْجِيلُ
كَانَ أَوْبُ يَدَيْهَا بَعْدَمَا نَجَدَتْ وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالْقُورِ الْعَسَاقِيلُ
يَوْمًا يَظَلُّ بِهِ الْحَرْبَاءُ مُصْطَخَدًا كَانَ ضَاحِيَةً بِالشَّمْسِ مَمْلُولُ
أَوْبٌ بَدَا نَأْكُلُ سَمْطَاءَ مَعْوَلَةً قَامَتْ تُجَاوِبُهَا سَمْطٌ مَثَاكِيلُ
نُوَاحَةَ رَخْوَةَ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا لَمَّا نَعَى بَكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ
تَسْعَى الْوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وَقِيلِهِمُ إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ(1/17)
خَلُّوا الطَّرِيقَ يَدَيْهَا لَا أَبَا لَكُمُ فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ
أُنْبِئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ
فَقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ مُعْتَذِرًا وَالْعُذْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَقْبُولُ
مَهْلًا رَسُولَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الْقُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ
لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ أُجْرِمْ وَلَوْ كَثُرَتْ عَنِّي الْأَقَاوِيلُ
لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ لَهُ أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ
لَظَلَّ يُرْعَدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ
حَتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي لَا أُنَازِعُهُ فِي كَفٍّ ذِي نَقِمَاتٍ قَوْلُهُ الْقِيلُ
فَكَانَ أَخْوَفَ عِنْدِي إِذَا كَلَّمَهُ إِذْ قِيلَ إِنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ
مِنْ خَادِرٍ شِيكِ الْأَنْيَابِ طَاعَ لَهُ بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ
دُونَهُ غِيلُ يَغْدُو فَيَلْحُمُ ضِرْغَامَيْنِ عِنْدَهُمَا لَحْمٌ مِنَ الْقَوْمِ مَنْثُورٌ خَرَادِيلُ
مِنْهُ تَظَلُّ حَمِيرُ الْوَحْشِ ضَامِرَةً وَلَا تَمْشِي بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ
وَلَا تَزَالُ بِوَادِيهِ أَخَا ثِقَةٍ مُطَّرِحِ الْبَزِّ وَالدَّرْسَانِ مَأْكُولُ
إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ
فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
زَالُوا فَمَا زَالَ الْكَأْسُ وَلَا كُشُفٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مَيْلٌ مَعَازِيلُ
شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لُبُوسُهُمْ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ(1/18)
بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حِلَقٌ كَأَنَّهَا حِلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ
يَمْشُونَ مَشْيَ الْجَمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمُ ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ
لَا يَفْرَحُونَ إِذَا زَالَتْ رِمَاحُهُمُ قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعَا إِذَا نِيلُوا
مَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهُمُ وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ
==============
رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لكسرى(1/19)
مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ >> مُسْنَدُ الْمَكِّيِّينَ >> حَدِيثُ التَّنُوخِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ >> برقم( 15418 ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ : لَقِيتُ التَّنُوخِيَّ رَسُولَ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمْصَ ، وَكَانَ جَارًا لِي شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ الْفَنَدَ أَوْ قَرُبَ ، فَقُلْتُ أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ رِسَالَةِ هِرَقْلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ ؟ فَقَالَ : بَلَى ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ فَبَعَثَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ إِلَى هِرَقْلَ ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا قِسِّيسِي الرُّومِ ، وَبَطَارِقَتَهَا ، ثُمَّ أَغْلَقَ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِمْ بَابًا ، فَقَالَ : قَدْ نَزَلَ هَذَا الرَّجُلُ حَيْثُ رَأَيْتُمْ ، وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيَّ يَدْعُونِي إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ يَدْعُونِي إِلَى أَنْ أَتَّبِعَهُ عَلَى دِينِهِ ، أَوْ عَلَى أَنْ نُعْطِيَهُ مَالَنَا عَلَى أَرْضِنَا ، وَالْأَرْضُ أَرْضُنَا ، أَوْ نُلْقِيَ إِلَيْهِ الْحَرْبَ ، وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ فِيمَا تَقْرَءُونَ مِنَ الْكُتُبِ ، لَيَأْخُذَنَّ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ ، فَهَلُمَّ نَتَّبِعْهُ عَلَى دِينِهِ ، أَوْ نُعْطِيهِ مَالَنَا عَلَى أَرْضِنَا ، فَنَخَرُوا نَخْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، حَتَّى خَرَجُوا مِنْ بَرَانِسِهِمْ وَقَالُوا : تَدْعُونَا إِلَى أَنْ نَدَعَ النَّصْرَانِيَّةَ ، أَوْ نَكُونَ عَبِيدًا لِأَعْرَابِيٍّ جَاءَ مِنَ الْحِجَازِ ، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُمْ إِنْ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ ، أَفْسَدُوا عَلَيْهِ الرُّومَ(1/20)
رَفَأَهُمْ وَلَمْ يَكَدْ ، وَقَالَ : إِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لَكُمْ لِأَعْلَمَ صَلَابَتَكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ ، ثُمَّ دَعَا رَجُلًا مِنْ عَرَبِ تُجِيبَ كَانَ عَلَى نَصَارَى الْعَرَبِ ، فَقَالَ : ادْعُ لِي رَجُلًا حَافِظًا لِلْحَدِيثِ ، عَرَبِيَّ اللِّسَانِ ، أَبْعَثْهُ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ بِجَوَابِ كِتَابِهِ ، فَجَاءَ بِي ، فَدَفَعَ إِلَيَّ هِرَقْلُ كِتَابًا ، فَقَالَ : اذْهَبْ بِكِتَابِي إِلَى هَذَا الرَّجُلِ ، فَمَا ضَيَّعْتُ مِنْ حَدِيثِهِ ، فَاحْفَظْ لِي مِنْهُ ثَلَاثَ خِصَالٍ : انْظُرْ هَلْ يَذْكُرُ صَحِيفَتَهُ الَّتِي كَتَبَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ ، وَانْظُرْ إِذَا قَرَأَ كِتَابِي فَهَلْ يَذْكُرُ اللَّيْلَ ، وَانْظُرْ فِي ظَهْرِهِ هَلْ بِهِ شَيْءٌ يَرِيبُكَ ؟ فَانْطَلَقْتُ بِكِتَابِهِ حَتَّى جِئْتُ تَبُوكَ ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ مُحْتَبِيًا عَلَى الْمَاءِ ، فَقُلْتُ : أَيْنَ صَاحِبُكُمْ ؟ قِيلَ : هَا هُوَ ذَا ، فَأَقْبَلْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَنَاوَلْتُهُ كِتَابِي ، فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ : " مِمَّنْ أَنْتَ ؟ " فَقُلْتُ : أَنَا أَحَدُ تَنُوخَ ، قَالَ : " هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ ؟ " قُلْتُ : إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ ، وَعَلَى دِينِ قَوْمٍ لَا أَرْجِعُ عَنْهُ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ ، فَضَحِكَ وَقَالَ : إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " يَا أَخَا تَنُوخَ ، إِنِّي كَتَبْتُ بِكِتَابٍ إِلَى كِسْرَى فَمَزَّقَهُ ، وَاللَّهُ مُمَزِّقُهُ ، وَمُمَزِّقٌ مُلْكَهُ ، وَكَتَبْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ بِصَحِيفَةٍ ، فَخَرَقَهَا وَاللَّهُ مُخْرِقُهُ ، وَمُخْرِقٌ مُلْكَهُ ، وَكَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِكَ(1/21)
بِصَحِيفَةٍ ، فَأَمْسَكَهَا فَلَنْ يَزَالَ النَّاسُ يَجِدُونَ مِنْهُ بَأْسًا مَا دَامَ فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ " ، قُلْتُ : هَذِهِ إِحْدَى الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَوْصَانِي بِهَا صَاحِبِي ، وَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ جَعْبَتِي فَكَتَبْتُهَا فِي جِلْدِ سَيْفِي ، ثُمَّ إِنَّهُ نَاوَلَ الصَّحِيفَةَ رَجُلًا عَنْ يَسَارِهِ ، قُلْتُ : مَنْ صَاحِبُ كِتَابِكُمُ الَّذِي يُقْرَأُ لَكُمْ ؟ قَالُوا : مُعَاوِيَةُ ، فَإِذَا فِي كِتَابِ صَاحِبِي تَدْعُونِي إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، فَأَيْنَ النَّارُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ " قَالَ : فَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ جَعْبَتِي فَكَتَبْتُهُ فِي جِلْدِ سَيْفِي ، فَلَمَّا أَنْ فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِي ، قَالَ : " إِنَّ لَكَ حَقًّا ، وَإِنَّكَ رَسُولٌ ، فَلَوْ وُجِدَتْ عِنْدَنَا جَائِزَةٌ جَوَّزْنَاكَ بِهَا ، إِنَّا سَفْرٌ مُرْمِلُونَ " قَالَ : فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْ طَائِفَةِ النَّاسِ ، قَالَ : أَنَا أُجَوِّزُهُ ، فَفَتَحَ رَحْلَهُ فَإِذَا هُوَ يَأْتِي بِحُلَّةٍ صَفُورِيَّةٍ ، فَوَضَعَهَا فِي حِجْرِي ، قُلْتُ : مَنْ صَاحِبُ الْجَائِزَةِ ؟ قِيلَ لِي : عُثْمَانُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّكُمْ يُنْزِلُ هَذَا الرَّجُلَ ؟ " فَقَالَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ : أَنَا ، فَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ ، وَقُمْتُ مَعَهُ ،(1/22)
حَتَّى إِذَا خَرَجْتُ مِنْ طَائِفَةِ الْمَجْلِسِ ، نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : " تَعَالَ يَا أَخَا تَنُوخَ " فَأَقْبَلْتُ : أَهْوِي إِلَيْهِ ، حَتَّى كُنْتُ قَائِمًا فِي مَجْلِسِي الَّذِي كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَحَلَّ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ ، وَقَالَ : " هَاهُنَا امْضِ لِمَا أُمِرْتَ لَهُ " فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ ، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضُونِ الْكَتِفِ مِثْلِ الْحَجْمَةِ الضَّخْمَةِ *
================
رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لعرقل عظيم الروم(1/23)
صحيح البخارى - (ج 1 / ص 15) برقم( 7 ) عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِى رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ - وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ - فِى الْمُدَّةِ الَّتِى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِى مَجْلِسِهِ ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا . فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّى ، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ . ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُمْ إِنِّى سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَذَبَنِى فَكَذِّبُوهُ . فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِى عَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ . قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ . قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ . قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لاَ .(1/24)
قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لاَ ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِى مُدَّةٍ لاَ نَدْرِى مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا . قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّى كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ . قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ . قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ . فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِى نَسَبِ قَوْمِهَا ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِى بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ(1/25)
فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ . فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلَوْ أَنِّى أَعْلَمُ أَنِّى أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ . ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِى بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ . سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ(1/26)
اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِى حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِى كَبْشَةَ ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِى الأَصْفَرِ . فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ . وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ . قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِى النُّجُومِ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِى النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلاَّ الْيَهُودُ فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِىَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ . فَنَظَرُوا إِلَيْهِ ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ . فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ . ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ(1/27)
إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِى الْعِلْمِ ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْىَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّهُ نَبِىٌّ ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِى دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ ، هَلْ لَكُمْ فِى الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِىَّ ، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَىَّ .
وَقَالَ إِنِّى قُلْتُ مَقَالَتِى آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَقَدْ رَأَيْتُ . فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ .
معانى بعض الكلمات :
يأثر : ينقل
الأريسيون : الفلاحون
البشاشة : مخالطة الإيمان انشراح الصدور
تجشم : تكلف
الحزاء : الكاهن
حاص : جال جولة يطلب الفرار
الدسكرة : قصر حوله بيوت
السجال : مرة لنا ومرة علينا
السقف : الأسقف رئيس من رؤساء النصارى
ماد : اتفق معهم على مدة
===============
رسالة عبد الملك للحجاج حول الاقتادء بابن عمر(1/28)
صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ >> كِتَابُ الحَجِّ >> بَابُ قَصْرِ الخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ >> برقم(1593 ) عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ ، كَتَبَ إِلَى الحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الحَجِّ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ ، جَاءَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ أَوْ زَالَتْ ، فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ أَيْنَ هَذَا ؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : " الرَّوَاحَ " فَقَالَ : الآنَ ، قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : أَنْظِرْنِي أُفِيضُ عَلَيَّ مَاءً ، فَنَزَلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَتَّى خَرَجَ ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ : إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ اليَوْمَ فَاقْصُرِ الخُطْبَةَ وَعَجِّلِ الوُقُوفَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ " صَدَقَ " *
====================
رسالة زياد نب ابي سفيان لعائشة أم المؤمنين(1/29)
صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ >> كِتَابُ الحَجِّ >> بَابُ مَنْ قَلَّدَ القَلاَئِدَ بِيَدِهِ >> برقم(1626 ) عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الحَاجِّ حَتَّى يُ نْحَرَ هَدْيُهُ ، قَالَتْ عَمْرَةُ : فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، " أَنَا فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي ، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ "
==================
رسالة ابن عمر لعبد الملك بن مروان حول بيعته
صحيح البخارى - (ج 23 / ص 464) برقم(7205 ) عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ عَبْدَ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّى أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، فِيمَا اسْتَطَعْتُ ، وَإِنَّ بَنِىَّ قَدْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ .(1/30)
وفي موطأ مالك برقم(1813 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَمَّا بَعْدُ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ فَإِنِّى أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأُقِرُّ لَكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ.
==================
رسالة سليمان بن سمرة إلى ابنه
سنن أبى داود برقم(456 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ حَسَّانَ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ حَدَّثَنِى خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسَاجِدِ أَنْ نَصْنَعَهَا فِى دِيَارِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا. (صحيح)
=================
رسالة عمر في الحث على الصلاة(1/31)
موطأ مالك برقم(6 ) عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِى الصَّلاَةُ فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ. ثُمَّ كَتَبَ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَىْءُ ذِرَاعًا إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ وَالصَّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ(صحيح مرسل)
==============
رسالة عمر في مواقيت الصلاة
موطأ مالك برقم(7 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِى سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِى مُوسَى أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ.(صحيح)
==============
رسالة عمر بن عبد العزيز لعماله(1/32)
موطأ مالك برقم( 972 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ أَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمُ « اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تُمَثِّلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَقُلْ ذَلِكَ لِجِيُوشِكَ وَسَرَايَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ ».
===============
رسالة أبي الدرداء لسلمان
موطأ مالك برقم(1464 ) حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ أَنْ هَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ إِنَّ الأَرْضَ لاَ تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الإِنْسَانَ عَمَلُهُ وَقَدْ بَلَغَنِى أَنَّكَ جُعِلْتَ طَبِيبًا تُدَاوِى فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنِعِمَّا لَكَ وَإِنْ كُنْتَ مُتَطَبِّبًا فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إِنْسَانًا فَتَدْخُلَ النَّارَ. فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ نَظَرَ إِلَيْهِمَا وَقَالَ ارْجِعَا إِلَىَّ أَعِيدَا عَلَىَّ قِصَّتَكُمَا مُتَطَبِّبٌ وَاللَّهِ.((صحيح مرسل))(1/33)
قَالَ وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ مَنِ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فِى شَىْءٍ لَهُ بَالٌ وَلِمِثْلِهِ إِجَارَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ الْعَبْدَ إِنْ أُصِيبَ الْعَبْدُ بِشَىْءٍ وَإِنْ سَلِمَ الْعَبْدُ فَطَلَبَ سَيِّدُهُ إِجَارَتَهُ لِمَا عَمِلَ فَذَلِكَ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ الأَمْرُ عِنْدَنَا. قَالَ وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِى الْعَبْدِ يَكُونُ بَعْضُهُ حُرًّا وَبَعْضُهُ مُسْتَرَقًّا إِنَّهُ يُوقَفُ مَالُهُ بِيَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يَأْكُلُ فِيهِ وَيَكْتَسِى بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا هَلَكَ فَمَالُهُ لِلَّذِى بَقِىَ لَهُ فِيهِ الرِّقُّ.
770/2 قَالَ وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ الأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْوَالِدَ يُحَاسِبُ وَلَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ يَكُونُ لِلْوَلَدِ مَالٌ - نَاضًّا كَانَ أَوْ عَرْضًا - إِنْ أَرَادَ الْوَالِدُ ذَلِكَ.
معانى بعض الكلمات :
الطبيب : المراد القاضى
الناض : هو ما كان ذهبا أو فضة عينا وورقا نض المال إذا تحول نقدا
==================
رسالة ابن عباس لنجدة الحروري(1/34)
صحيح مسلم برقم(4787 ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِلاَلٍ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْلاَ أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ. كَتَبَ إِلَيْهِ نَجْدَةُ أَمَّا بَعْدُ فَأَخْبِرْنِى هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ وَمَتَى يَنْقَضِى يُتْمُ الْيَتِيمِ وَعَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ كَتَبْتَ تَسْأَلُنِى هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ فَلاَ تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِى مَتَى يَنْقَضِى يُتْمُ الْيَتِيمِ فَلَعَمْرِى إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الأَخْذِ لِنَفْسِهِ ضَعِيفُ الْعَطَاءِ مِنْهَا فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِى عَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ هُوَ لَنَا. فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَاكَ.
===============
رسالة عمر إلى القاضي شريح(1/35)
سنن النسائى برقم(5416 ) عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ يَسْأَلُهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ اقْضِ بِمَا فِى كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِى كِتَابِ اللَّهِ وَلاَ فِى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِى كِتَابِ اللَّهِ وَلاَ فِى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَقْضِ بِهِ الصَّالِحُونَ فَإِنْ شِئْتَ فَتَقَدَّمْ وَإِنْ شِئْتَ فَتَأَخَّرْ وَلاَ أَرَى التَّأَخُّرَ إِلاَّ خَيْرًا لَكَ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ.(صحيح)
================
رسالة عمر لأمراء الأجناد
السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلْبَيْهقِيِّ >> كِتَابُ النَّفَقَاتِ >> بَابُ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ >> برقم(14658 ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ " أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا " (صحيح)
===============
رسالة عمر حول الجزية(1/36)
مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ لِلْبَيْهَقِيِّ >> كِتَابُ الْجِزْيَةِ >> الشَّرْطُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ >> برقم( 5750 ) عَنْ حَرَامِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ : كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنْ أَدِّبُوا الْخَيْلَ وَلَا يُرْفَعَنَّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمُ الصَّلِيبُ ، وَلَا يُجَاوِرَنَّكُمُ الْخَنَازِيرُ " ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ قَالَ : كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ وَذَكَرَ حَدِيثًا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَلَّا يُظْهِرُوا الْخَمْرَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : فَرَأَيْتُ قَوْمًا تَعَدَّوْا فِي حَمْلِهَا فَحُرِقَتْ زِقَاقُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي جُمْلَةِ مَا يَشْتَرِطُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ : وَأَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَيْئَاتِهِمْ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَرْكَبِ وَبَيْنَ هَيْئَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يَعْقِدُوا الزَّنَانِيرَ فِي أَوْسَاطِهِمْ وَهَذَا لِمَا رَوَيْنَا فِي الثَّابِتِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ : " أَنِ اخْتِمُوا رِقَابَ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فِي أَعْنَاقِهِمْ " وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْتِمُوا فِي رِقَابِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ بِالرَّصَاصِ ، وَيُصْلِحُوا مَنَاطِقَهُمْ يَعْنِي بِالزَّنَانِيرِ ، وَيَجِزُّوا نَوَاصِيَهُمْ ، وَيَرْكَبُوا عَلَى الْأُكُفِّ عَرْضًا ، وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي رُكُوبِهِمْ(1/37)
وفي مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ >> كِتَابُ أَهْلِ الْكِتَابِ >> الْجِزْيَةُ >> برقم( 9799 ) عَنْ أَسْلَمَ ، مَوْلَى عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ ، كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ : " أَنَ لَا يَضْرِبُوا الْجِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ ، وَلَا عَلَى الصِّبْيَانِ ، وَأَنْ يَضْرِبُوا الْجِزْيَةَ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى مِنَ الرِّجَالِ ، وَأَنْ يُخْتَمُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ ، وَيَجُزُّوا نَوَاصِيَهُمْ مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمْ شَعْرًا ، وَيُلْزِمُوهُمُ الْمَنَاطِقَ ، وَيَمْنَعُوهُمُ الرُّكُوبَ إِلَّا عَلَى الْأَكُفِّ عَرْضًا " قَالَ : يَقُولُ : " رِجْلَاهُ مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ " ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : " وَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ وَلِيَ " (صحيح)
==================
رسالة عمر إلى أمراء الأجناد
الْأَمْوَالُ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ >> كِتَابُ سُنَنِ الْفَيْءِ ، وَالْخُمُسِ ، وَالصَّدَقَةِ >> بَابُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَمَنْ تَسْقُطُ عَنْهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ >> برقم(81 ) عَنْ أَسْلَمَ ، مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ : " أَنْ يُقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ ، وَلَا يَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ ، وَلَا يَقْتُلُوا إِلَّا مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى ، وَكَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ : أَنْ يَضْرِبُوا الْجِزْيَةَ ، وَلَا يَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا يَضْرِبُوهَا إِلَّا عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى " (صحيح)(1/38)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : يَعْنِي مَنْ أَنَبَتَ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الْأَصْلُ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ ، وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَاهُ إِنَّمَا جَعَلَهَا عَلَى الذُّكُورِ الْمُدْرِكِينَ ، دُونَ الْإِنَاثِ وَالْأَطْفَالِ ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ لَوْ لَمْ يُؤَدُّوهَا وَأَسْقَطَهَا عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ وَهُمُ الذُّرِّيَّةُ . وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ : أَنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا مَا فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ عُمَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ الْحَالِمَ دُونَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ ؟ إِلَّا أَنَّ فِيَ بَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كُتُبِهِ الْحَالِمَ وَالْحَالِمَةَ فَنَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَحْفُوظَ الْمُثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي لَا ذِكْرَ لِلْحَالِمَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، وَبِهِ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ ، فَإِنْ يَكُنِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْحَالِمَةِ مَحْفُوظًا فَإِنَّ وَجْهَهُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، إِذْ كَانَ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَوُلْدَانُهُمْ يُقْتَلُونَ مَعَ رِجَالِهِمْ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ
================
رسالة عمر لأبي موسى الأشعري في القضاء(1/39)
سُنَنُ الدَّارَقُطْنِيِّ >> كِتَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالْأَحْكَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ >> كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ >> برقم( 3914 ) عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ , قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ : " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ , فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَّ إِلَيْكَ بِحُجَّةٍ , وَأَنْفِذِ الْحَقَّ إِذَا وَضَحَ , فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ , وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَعَدْلِكَ حَتَّى لَا يَيْأَسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِكَ وَلَا يَطْمَعُ الشَّرِيفُ فِي حَيْفِكَ , الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ , وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا , لَا يَمْنَعُكُ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ بِالْأَمْسِ رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ وَمُرَاجَعَةَ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ , الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا يُخْتَلَجُ فِي صَدْرِكَ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْكَ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ , اعْرِفِ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ ثُمَّ قِسِ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ فَاعْمَدْ إِلَى أَحَبِّهَا عِنْدَ اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى وَاجْعَلْ لِمَنِ ادَّعَى بَيِّنَةً أَمَدًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ , فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أَخَذَ بِحَقِّهِ وَإِلَّا وَجَّهْتَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْلَى لِلْعَمَى وَأَبْلَغُ فِي الْعُذْرِ , الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا مَجْلُودٌ فِي حَدٍّ أَوْ مُجَرَّبٌ فِي شَهَادَةِ(1/40)
زُورٍ أَوْ ظَنِينٌ فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ , إِنَّ اللَّهَ تَوَلَّى مِنْكُمُ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَإِيَّاكَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ وَالتَّنَكُّرَ لِلْخُصُومِ فِي مَوَاطِنَ الْحَقِّ الَّتِي يُوجِبُ اللَّهُ بِهَا الْأَجْرَ وَيُحْسِنُ بِهَا الذُّخْرَ , فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحُ نِيَّتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ , وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ يَشِنْهُ اللَّهُ , فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ , وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ " (صحيح لغيره)
================
رسالة عمر بن عبد العزيز لعدي بن عدي
مصنف ابن أبي شيبة برقم(30437) عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَاصِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ ، قَالَ : كَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا , فَمَنْ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ , وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الإِيمَانَ , فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا , وَإِنْ أَمُتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ.(صحيح)
===============
رسالة سعد لعمر حول أرض السواد(1/41)
مصنف ابن أبي شيبة برقم(32975)حَدَّثَنَا عَفَّانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ : كَتَبَ أَبُو حَنْظَلَةَ بْنُ حَيَّانَ ، أَنَّ سَعْدًا كَتَبَ إلَى عُمَرَ أَنَّا أَخَذْنَا أَرْضًا لَمْ يُقَاتِلْنَا أَهْلُهَا ، قَالَ : فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ : إنْ شِئْتُمْ أَنْ تَقْسِمُوهَا بَيْنَكُمْ فَاقْسِمُوهَا , وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَدَعُوهَا فَيَعْمُرُهَا أَهْلُهَا وَمَنْ دَخَلَ فِيكُمْ بَعْدُ كَانَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ , فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَشَاحُّوا مِنْهَا وَفِي شُرْبِهَا فَيَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا , فَكَتَبَ إلَيْهِ سَعْدٌ ، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ، أَنَّ رَأْيَهُمْ لِرَأْيِك تَبَعٌ , فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يَرُدُّوا الرَّقِيقَ إلَى امْرَأَةٍ حَمَلَتْ مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
=============
رسالة سلمان لأبي الدرداء(1/42)
مصنف ابن أبي شيبة برقم(34660) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ ، أَنَّ سَلْمَانَ كَتَبَ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ ، أَنَّ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ إمَامًا مُقْسِطًا , وَذَا مَالٍ تَصَدَّقَ أَخْفَى يَمِينَهُ ، عَنْ شِمَالِهِ , وَرَجُلاً دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إلَى نَفْسِهَا ، فَقَالَ : أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ , وَرَجُلاً نَشَأَ فَكَانَتْ صُحْبَتُهُ وَشَبَابُهُ وَقُوَّتُهُ فِيمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ الْعَمَلِ , وَرَجُلاً كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ حُبِّهَا , وَرَجُلاً ذَكَرَ اللَّهَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ الدَّمْعِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ , وَرَجُلَيْنِ الْتَقَيَا ، فَقَالَ : أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ , إنِّي لاَحِبُّك فِي اللهِ , وَكَتَبَ إلَيْهِ : إنَّمَا الْعِلْمُ كَالْيَنَابِيعِ فَيَنْفَعُ بِهِ اللَّهُ مَنْ شَاءَ , وَمَثَلُ حِكْمَةٍ لاَ يُتَكَلَّمُ بِهَا كَجَسَدٍ لاَ رُوحَ لَهُ , وَمَثَلُ عِلْمٍ لاَ يُعْمَلُ بِهِ كَمَثَلِ كَنْزٍ لاَ يُنْفَقُ مِنْهُ , وَمَثَلُ الْعَالِمِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَضَاءَ لَهُ مِصْبَاحٌ فِي طَرِيقٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْتَضِيئُونَ بِهِ , وَكُلٌّ يَدْعُو لَهُ بِالْخَيْرِ .(صحيح مرسل)
=================
رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لرعية السحيمي(1/43)
مصنف ابن أبي شيبة برقم( 36639) عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى رِعْيَةَ السُّحَيْمِيِّ بِكِتَابٍ , فَأَخَذَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَقَّعَ بِهِ دَلْوَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَأَخَذُوا أَهْلَهُ وَمَالَهُ , وَأَفْلَتَ رِعْيَةُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ عُرْيَانًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ , فَأَتَى ابْنَتَهُ وَكَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فِي بَنِي هِلاَلٍ ، قَالَ : وَكَانُوا أَسْلَمُوا فَأَسْلَمَتْ مَعَهُمْ ، وَكَانُوا دَعُوهُ إلَى الإِسْلاَمِ ، قَالَ : فَأَتَى ابْنَتَهُ وَكَانَ يَجْلِسُ الْقَوْمُ بِفِنَاءِ بَيْتِهَا , فَأَتَى الْبَيْتَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ ابْنَتُهُ عُرْيَانًا أَلْقَتْ عَلَيْهِ ثَوْبًا ، قَالَتْ : مَا لَك، قَالَ : كُلُّ الشَّرِّ , مَا تُرِكَ لِي أَهْلٌ ، وَلاَ مَالٌ ، قَالَ : أَيْنَ بَعْلُك، قَالَتْ فِي الإِبِلِ ، قَالَ : فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ ، قَالَ : خُذْ رَاحِلَتِي بِرَحْلِهَا وَنُزَوِّدُك مِنْ اللَّبَنِ ، قَالَ : لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ , وَلَكِنْ أَعْطِنِي قَعُودَ الرَّاعِي وَإِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ , فَإِنِّي أُبَادِرُ مُحَمَّدًا لاَ يَقْسِمُ أَهْلِي وَمَالِي , فَانْطَلَقَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ إذَا غَطَّى بِهِ رَأْسَهُ خَرَجَتْ اسْتُهُ , وَكَذَا غَطَّى بِهِ اسْتَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ لَيْلاً , فَكَانَ بِحِذَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ ، قَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ , اُبْسُطْ يَدَك فَلْأُبَايِعْك , فَبَسَطَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ ، فَلَمَّا ذَهَبَ رِعْيَةُ لِيَمْسَحَ عَلَيْهَا قَبَضَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قَالَ لَهُ(1/44)
رِعْيَةُ : يَا رَسُولَ اللهِ , اُبْسُطْ يَدَك ، قَالَ : وَمَنْ أَنْتَ، قَالَ : رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ ، قَالَ : فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَضُدِهِ فَرَفَعَهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ , هَذَا رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ الَّذِي كَتَبْت إلَيْهِ فَأَخَذَ كِتَابِي فَرَقَّعَ بِهِ دَلْوَهُ , فَأَسْلَمَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ , أَهْلِي وَمَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَمَّا مَالُك فَقَدْ قُسِّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ , وَأَمَّا أَهْلُك فَانْظُرْ مَنْ قَدَرْت عَلَيْهِ مِنْهُمْ ، قَالَ : فَخَرَجْت فَإِذَا ابْنٌ لِي قَدْ عَرَفَ الرَّاحِلَةَ وَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عِنْدَهَا , فَأَتَيْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت : هَذَا ابْنِي , فَأَرْسَلَ مَعِي بِلاَلاً ، فَقَالَ : انْطَلِقْ مَعَهُ فَسَلْهُ : أَبُوكَ هُوَ فَإِنْ ، قَالَ : نَعَمْ , فَادْفَعْهُ إلَيْهِ ، قَالَ : فَأَتَاهُ بِلاَلٌ ، فَقَالَ : أَبُوك هُوَ، فَقَالَ : نَعَمْ , فَدُفِعَ إلَيْهِ ، قَالَ : فَأَتَى بِلاَلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : وَاللهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمَا مُسْتَعْبِرًا إلَى صَاحِبِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ذَلِكَ جَفَاءُ الْعَرَبِ .(صحيح مرسل)
=================
رسالة عبد العزيز بن مروان لابن عمر(1/45)
مسند أحمد برقم(6555) عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنِ ارْفَعْ إِلَىَّ حَاجَتَكَ. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ». وَإِنِّى لأَحْسِبُ الْيَدَ الْعُلْيَا الْمُعْطِيَةَ وَالسُّفْلَى السَّائِلَةَ وَإِنِّى غَيْرُ سَائِلِكَ شَيْئاً وَلاَ رَادٌّ رِزْقاً سَاقَهُ اللَّهُ إِلَىَّ مِنْكَ. (صحيح)
=============
رسالة عبد الله بن عمرو لعامل له
مسند أحمد برقم( 6893) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَتَبَ إِلَى عَامِلٍ لَهُ عَلَى أَرْضٍ لَهُ أَنْ لاَ تَمْنَعْ فَضْلَ مَائِكَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ فَضْلَ الْكَلإِ مَنَعَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَضْلَهُ ». (الحديث المرفوع صحيح)
==============
رسالة عُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ لعامله حول القدر(1/46)
الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ >> بَابُ سِيرَةِ عُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ >> برقم( 536 ) عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ : كَتَبَ عَامَلٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنِ الْقَدَرِ ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ : أَمَا بَعْدُ ، " فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالِاجْتِهَادِ فِي أَمْرِهِ ، وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوًا مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذِهِ حُجَّتُنَا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ : كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسُنَّةُ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَقَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، مَعَ تَرْكِنَا لِلْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ ، وَالْبَحْثُ عَنِ الْقَدَرِ فَإِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْهُ ، وَأُمِرْنَا بِتَرْكِ مُجَالَسَةِ الْقَدَرِيَّةِ ، وَأَنْ لَا نُنَاظِرَهُمْ ، وَلَا نُفَاتِحَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْجَدَلِ ، بَلْ يُهْجَرُونَ وَيُهَانُونَ وَيُذَلُّونَ ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يُزَوَّجُ ، وَإِنْ مَرِضَ لَمْ يُعَدْ وَإِنْ مَاتَ لَمْ يُحْضَرْ جِنَازَتُهُ ، وَلَمْ تُجَبْ دَعْوَتُهُ فِي وَلِيمَةٍ إِنْ كَانَتْ لَهُ ، فَإِنْ جَاءَ مُسْتَرْشِدًا أُرْشِدَ عَلَى مَعْنَى النَّصِيحَةِ لَهُ ، فَإِنْ رَجَعَ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَإِنْ عَادَ إِلَى بَابِ الْجَدَلِ وَالْمِرَاءِ لَمْ نَلْتَفِتْ عَلَيْهِ ، وَطُرِدَ وَحُذِّرَ مِنْهُ ، وَلَمْ يُكَلَّمْ وَلَمْ يُسَلَّمْ عَلَيْهِ
__________(1/47)
(1) العمال : جمع عامل ، وهو الوالي على بلدٍ ما لجمع خراجها أو زكواتها أو الصلاة بأهلها أو التأمير على جهاد عدوها
(2) المؤنة أو المئونة : مشقة البحث
(3) البدعة بِدْعَتَان : بدعة هُدًى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمَر اللّه به ورسوله صلى اللّه عليه وسلم فهو في حَيِّز الذّم والإنكار، وما كان واقعا تحت عُموم ما نَدب اللّه إليه وحَضَّ عليه اللّه أو رسوله فهو في حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنَوْع من الجُود والسخاء وفعْل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما وَردَ الشرع به
(4) الزلل : الخطأ والذنب
================
رسالة عمر لسعد يوم القادسية
لما قدم سعد إلى المدينة أمّره عمر رضي الله عنهما على حرب العراق وقال له: يا سعد سعد بني وُهَيب لا يغرنّك من الله أن قيل خال رسول الله ?، وصاحب رسول الله ? فإن الله عز وجل لا يمحو السيء بالسيء ولكنه يمحو السيء بالحسن، فإن الله تعالى ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم، وهم عباده يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله ? منذ بُعث إلى أن فارقنا فالزمْه فإنه الأمر، هذه عظتي إياك إن تركتها ورغبت عنها كنت من الخاسرين .(1/48)
وإنها لموعظة بليغة من خليفة راشد عظيم فقد أدرك عمر رضي الله عنه جانب الضعف الذي يمكن أن يؤتى سعد من قبله وهو أن يُدلي بقرابته من النبي ? فيحمله ذلك على شيء من الترفع على المسلمين، بالمبدأ الإسلامي العام الذي يعتبر مقياساً لكرامة المسلم في هذه الحياة حيث قال الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عنده بالطاعة. فقوله: يتفاضلون بالعافية. يعني بالشفاء من أمراض النفوس فكأنه يقول يتفاضلون بالبعد عن المعاصي والإقبال على طاعة الله تعالى وهذه هي التقوى التي جعلها الله سبحانه ميزاناً للكرامة بقوله:( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ( (الحجرات،آية:13)، وهو ميزان عادل رحيم بإمكان كل مسلم بلوغه إذا جَدَّ في طلب رضوان الله تعالى والسعادة الأخروية ثم ذكره عمر في آخر الموعظة بلزوم الأمر الذي كان عليه رسول الله ? وهذا يشمل الالتزام بالدين كله وتطبيقه على الناس .
2- وصية أخرى له:(1/49)
ثم إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوصى سعد بن أبي وقاص مرة أخرى لما أراد أن يبعثه بقوله: إني قد وليتك حرب العراق فاحفظ وصيتي، فإنك تقدم على أمر شديد كريه لا يُخلِّص منه إلا الحق، فعوِّد نفسك ومن معك الخير، واستفتح به، واعلم أن لكل عادة عتاداً، فعتاد الخير الصبر، فالصبر على ما أصابك أو نابك تجتمع لك خشية الله، واعلم أن خشية الله تجتمع في أمرين: في طاعته واجتناب معصيته، وإنما أطاعه من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة، وعصاه من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة، وللقلوب حقائق ينشؤها الله إنشاءً، منها السر ومنها العلانية، فأما العلانية فأن يكون حامده وذامّه في الحق سواء، وأما السر فيُعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه، وبمحبة الناس، فلا تزهد في التحبب فإن النبييين قد سألوا محبتهم، وإن الله إذا أحب عبداً حبَّبه، وإذا أبغض عبداً بغَّضه، فاعتبر منزلتك عند الله تعالى بمنزلتك عند الناس، ممن يشرع معك في أمرك(1358) وفي هذا النص عبر نافعة منها:
- إن لزوم الحق يخلِّص المسلم من الشدائد، وذلك أن من لزم الحق كان مع الله تعالى ومن كان مع الله تعالى كان الله معه جل وعلا بنصره وتأييده وإن هذا الشعور ليعطي المسلم دفعات قوية نحو مضاعفة العمل ومواجهة الصعاب والمآزق، إضافة إلى الطمأنينة النفسية التي يتمتع بها من لزم الحق قولاً وعملاً، بخلاف من حاد عن طريق الحق فإنه يشعر بالقلق والآلام المتعددة التي منها تأنيب الضمير والخوف من محاسبة الناس والدخول في مجاهيل المستقبل التي تترتب على الانحراف.
- وذكر عمر رضي الله عنه أن عُدة الخير الصبر، وذلك أن طريق الخير ليس مفروشاً بالخمائل، بل هو طريق شاق شائك، بتطلب عبوره جهاداً طويلاً، فلابد لسالكه من الاعتداد بالصبر وإلا انقطع في أثناء الطريق.(1/50)
- وذكر أن خشية الله تعالى تكون في طاعته واجتناب معصيته ثم بين الدافع الأكبر الذي يدفع إلى طاعته ألا وهو بغض الدنيا وحب الآخرة، والدافع الأكبر الذي يدفع إلى معصيته، وهو حب الدنيا وبغض الآخرة.
- ثم ذكر أن للقلوب حقائق منها العلانية ومثّل لها بالمعاملة مع الناس بالحق في حالَي الغضب والرضى، وأن لا يحمل الإنسان ثناء الناس عليه على مداراتهم في النكول عن تطبيق الحق، ولا يحمله ذمهم إياه على ظلمهم ومجانبة الحق معهم.
- وذكر من حقائق القلوب السرّ، وجعل علامته ظهور الحكمة من قلب المسلم على لسانه، وأن يكون محبوباً بين إخوانه المسلمين، فإن محبة الله تعالى لعبده مترتبة على محبة المسلمين له، لأن الله تعالى إذا أحب عبداً حببه لعباده(1359)، فإذا كان سعد بن أبي وقاص المشهود له بالجنة بحاجة إلى هذه الوصية فكيف بنا وأمثالنا ونحن ينقصنا الكثير من فهم الإسلام وتطبيقه(1360). وتاريخ الرسل والملوك - (ج 2 / ص 249) و. أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - (ج 1 / ص 355)
=================
وصية عمر بن عبد العزيز لبعض جنده
الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ لِلدَّارِمِيِّ >> بَابُ الرُّؤْيَةِ >> برقم( 110 )حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ ، أَنْبَأَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ الْأَنْصَارِيُّ ، قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى بَعْضِ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ :(1/51)
" أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِأَمْرِهِ ، وَالْمُعَاهَدَةِ عَلَى مَا حَمَّلَكَ اللَّهُ مِنْ دِينِهِ ، وَاسْتَحْفَظَكَ مِنْ كِتَابِهِ ، فَإِنَّ بِتَقْوَى اللَّهِ نَجَا أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ سَخَطِهِ ، وَبِهَا تَحَقَّقَ لَهُمْ وِلَايَتُهُ ، وَبِهَا وَافَقُوا أَنْبِيَاءَهُ ، وَبِهَا نَضَرَتْ وُجُوهُهُمْ ، وَنَظَرُوا إِلَى خَالِقِهِمْ " قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا وَأَكْثَرُ مِنْهَا قَدْ رُوِّيَتْ فِي الرُّؤْيَةِ ، عَلَى تَصْدِيقَهَا وَالْإِيمَانِ بِهَا أَدْرَكْنَا أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْبَصَرِ مِنْ مَشَايِخِنَا ، وَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَرْوُونَهَا وَيُؤْمِنُونَ بِهَا ، لَا يَسْتَنْكِرُونَهَا وَلَا يُنْكِرُونَهَا ، وَمَنْ أَنْكَرَهَا مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ نَسَبُوهُ إِلَى الضَّلَالِ ، بَلْ كَانَ مِنْ أَكْبَرِ رَجَائِهِمْ ، وَأَجْزَلِ ثَوَابِ اللَّهِ فِي أَنْفُسِهِمُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ خَالِقِهِمْ ، حَتَّى مَا يَعْدِلُونَ بِهِ شَيْئًا مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ . وَقَدْ كَلَّمْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ الْمُعَطِّلَةِ وَحَدَّثْتُهُ بِبَعْضِ ، هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَكَانَ مِمَّنْ يَتَزَيَّنُ بِالْحَدِيثِ فِي الظَّاهِرِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَتَهَا ، فَأَنْكَرَ بَعْضَهَا وَرَدَّ رَدًّا عَنِيفًا . قُلْتُ : قَدْ صَحَّتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَكِتَابُ اللَّهِ النَّاطِقِ بِهِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الْكِتَابُ وَقَوْلُ الرَّسُولِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ لَمْ يَبْقَ لِمُتَأَوِّلٍ عِنْدَهَا تَأَوُّلٌ ، إِلَّا لِمُكَابِرٍ أَوْ جَاحِدٍ . أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ(1/52)
نَاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . وَقَوْلُهُ : كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ . وَلَمْ يَقُلْ لِلْكُفَّارِ : مَحْجُوبُونَ إِلَّا وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَحْجُبُونَ عَنْهُ ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَكُمْ مَحْجُوبِينَ عَنِ اللَّهِ كَالْكُفَّارِ ، فَأَيُّ تَوْبِيخٍ لِلْكُفَّارِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِذَا كَانُوا هُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ جَمِيعًا عَنِ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ مَحْجُوبِينَ . وَأَمَّا قَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَوْلُهُ : " لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ ، كَمَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي الصَّحْوِ " ثُمَّ مَا رُوِّينَا عَنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ ، فَهَلْ عِنْدَكُمْ مَا رَدَّ ذَلِكَ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ مِنَ الْأُمَّةِ ؟ فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نُورٌ ، أَنَّى أَرَاهُ ؟ " فَقُلْتُ : هَذَا فِي الدُّنْيَا ، وَكِلَاهُمَا قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَفْسِيرُهُمَا بَيِّنٌ فِي الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا
====================
رسالة لسان الدين ابن الخطيب إلى أحد سلاطين بني مرين
وقد رأيت أن أذكر هنا بعض إنشاء لسان الدين ابن الخطيب في شأن ما يتعلق بجبل الفتح وغيره من بلاد الأندلس، وحال العدو الكافر، وما ينخرط في هذا السلك: فمن ذلك على لسان سلطانه يخاطب أحد السلاطين من أولاد السلطان أبي الحسن المريني، ونصه:(1/53)
المقام الذي يصرخ وينجد، ويتهم في الفضل وينجد، ويسعف ويسعد، ويبرق في سبيل الله ويرعد، فيأخذ الكفر من عزماته المقيم المقعد، حتى ينجز من نصر الله تعالى الموعد، مقام محل أخينا الذي حسن الظن بمجده جميل، وحد الكفر بسعده كليل، وللإسلام فيه رجاء وتأميل، ليس للقلوب عنه مميل، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا، أبقاه الله تعالى وعزمه الماضي لصولة الكفر قامعاً، وتدبيره الناجح لشمل الإسلام جامعاً، وملكه الموفق لنداء الله مطيعاً سامعاً، معظم مقداره، وملتزم إجلاله وإكباره، المعتد في الله بكرم شيمته وطيب نجاره، المستظهر على عدو الله بإسراعه إلى تدمير الكافر وبداره.(1/54)
سلام كريم عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد حمد الله مجيب دعوة السائل، ومتقبل الوسائل، ومتيح النعم الجلائل، مربح (1) من عامله في هذا الوجود الزائف الزائل، والأيام القلائل، بالمتاع الدائم الطائل، والنعيم غير الحائل، ومقيم أود الإسلام المائل، بأولي المكارم من أوليائه والفضائل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله المنقذ من الغوائل، المنجي من الروع الهائل، الصادع بدعوة الحق الصائل، بين العشائر والفصائل، الذي ختم به وبرسالته ديوان الرسل والرسائل، وجعله في الأواخر شرف الأوائل، فحبه كنز العائل، والصلاة عليه زكاة القائل، والرضى عن آله وصحبه وعترته وحزبه تيجان الأحياء والقبائل، المتميزين بكر السجايا وطيب الشمائل، والدعاء لمقام أخوتكم في البكر والأصائل، بالسعد الصادق المخايل، والصنع الذي تتبرج مواهبه تبرج العقائل، والنصر الذي تهز له الصعاد الملد عكف المترانح المتخايل، فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم عزاً يانع الخمائل، ونصراً يكفن للكتائب المدونة في الجهاد ومرضاة رب العباد بسرد المسائل وإقناع السائل، ومن حمراء غرناطة، حرسها الله تعالى، ولا زائد بفضل الله سبحانه إلا استبصار في التوكل على من بيده الأمور، وتسبب مشروع تتعلق به بإذن الله تعالى أحكام القدر
__________
(1) ص: مريح.(1/55)
المقدور، ورجاء فيما وعد به من الظهور، يتضاعف على توالي الأيام وترادف الشهور، والحمد لله كثيراً كما هو أهله، فلا فضل إلا فضله، ومقامكم المعروف محله الكفيل بالإرواء نهله وعله، وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم، وحرس مجدكم، ووالى النعم عندنا وعندكم (1) ، فإننا في هذه الأيام، أهمنا من أمر الإسلام، ما رنق بالشراب ونغص الطعام، وذاد المنام، لما تحققنا من عمل الكفر على مكايدته، وسعي الضلال - والله الواقي - في استئصال بقيته، وعقد النوادي للاستشارة في شأنه، وشروع الحيل في هد أركانه، ومن يؤمل من المسلمين لدفع الردى وكشف البلوى وبث الشكوى، وأهله - حاطهم الله تعالى وتولاهم، وتمم عوائد لطفه الذي أولاهم، فهو مولاهم - في غفلة ساهون، وعن المغبة فيه لاهون، قد شغلتهم دنياهم عن دينهم، وعاجلهم عن آجلهم، وطول الأمل، عن نافع العمل، إلا من نور الله تعالى قلبه بنور الإيمان وتململ بمناصحة الله تعالى والإسلام تململ السليم، واستدل بالشاهد على الغائب، وصرف الكفر إى مطالب (2) الأمم النوائب، فلما رأينا أن الدولة المرينية التي هي على مر الأيام شجا العدا، ومتوعد من يكيد الهدى، وفئة الإسلام التي إليها يتحيز، وكهفه الذي إليه يلجأ، قد أذن الله تعالى في صلاح أمورها، ولم شعثها، وإقامة صغاها، بأن صرف الله تعالى عنها هنات الغدر (3) ، وأراحها من مس الضر، ورد قوسها إلى يد باريها، وصير حقها إلى وارثها، وأقام لرعي مصالحها من حسن الظن بحسبه ودينه، ورجي الخير من ثمرات نصحه، ومن لم يعلم إلا الخير من سعيه (4) والسداد من سيرته، ومن لا يستريب المسلمون بصحة عقده، واستقامة قصده، أردنا أن نخرج لكم عن العهدة في هذا
__________
(1) وعندكم: سقطت من ص.
(2) ص: معاطب.
(3) ص: العدو.
(4) من سعيه: سقطت من ق.(1/56)
الدين الحنيف الذي وسمت دعوته وجوه أحبابكم شملهم الله تعالى بالعافية، وتشبثت به أنفس من صار إلى الله تعالى من السلف تغمدهم الله بالرحمة والمغفرة، وفي هذا القطر الذي بلاده ما بين مكفول يجب رعيه طبعاً وشرعاً، وجار يلزم حقه ديناً ودنيا وحمية وفضلا، وعلى الحالين فعليكم بعد الله المعول، وفيكم والمؤمل، فأرعونا أسماعكم المباركة نقص عليكم ما فيه رضى الله، والمنجاة من نكيره، والفخر والأجر وحفظ النعم، والخلف بالذرية بهذا وعدت الكتب المنزلة، والرسل المرسلة: وهو أن هذا القطر الذي تعددت فيه المحارب والمنابر، والراكع والساجد، والذاكر والعابد، والعالم واللفيف، والأرملة والضعيف، قد انقطع عنه ارفاد الإسلام، وشحت الأيدي به منذ أعوام، وسلم إلى عبدة الأصنام، وقوبلت ضرائره بالأعذار، والمواعيد المستغرقة للأعمار، وإن عرضت شواغل وفتن، وشواغب وإحن، فقد كانت بحيث لا يقطع السبب بجملته، ولا يذهب المعروف بكليته:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة ... يواسيك أو يسليك أو يتوجع (1) ولو كانت الأشغاب تقطع المعروف وتصرف عن الواجب لم يفتح المقدس والدكم جبل الفتح وهو منازل أخاه بسجلماسة، ولا أمده ولده السلطان أبو عنان وهو بمراكش، وبالأمس بعثنا إلى الجبل وشمانة في جملة ما أهمنا مبلغ جهد وسداد من عوز، وقد فضلت عن ضرائرنا، أموال فرضت من أجل الله على عباده، وطعام سمحنا به على الاحتياج إليه في سبيل جهاده، فلم يسهم المتغلب منها الجانب الله بحبه، ولا أقطعه منها ذرة مستخفاً به جل وعلا، متهاوناً بنكيره الذي هو أحق أن يخشى، فضاععت الأمور واختلت الثغور، وتشذبت الحامية، وتبددت العدد، وخلت المخازن، وهلكت بها الجرذان، وعظمت
__________
(1) ص ق: يتفجع.(1/57)
بها حسرة الإسلام، أضعاف ما عظمت حبرته أيام ما كانت تكفلها همم الملوك، الكرام والخلفاء العظام، والوزراء والنصحاء، والأشياخ الأمجاد، قدس الله تعالى أرواحهم، وضاعف أنوارهم، ولا كالحسرة في الجبل باب الأندلس، وركاب الجهاد وحسنة بني مرين ومآثر آل يعقوب وكرامة الله للسلطان المقدس أبي الحسن والد الملوك وكبير الخلفاء والمجاهدين والدكم الذي ترد على قبره (1) مع الساعات والأنفاس وفود الرحمة، وهدايا الزلفة، وريحان الجنة، فلولا أنكم على علم من أحواله لشرحنا المجمل، وشكلنا المهمل، إنما هو اليوم شبح ماثل، وطلل بائد، لولا أن الله تعالى شغل العدا عنه بفتنة لم يصرف وجهه إلا إليه، ولا حوم طيره إلا عليه، ولكان بصدد أن يتخذه الصليب داراً، وأن يقر به عيناً، والعدوة فضلاً عن الأندلس، قد أوسعها شراً، وأرهق ما يجاوره عسراً، نسألأ الله تعالى بنور وجهه أن لا يسود الوجوه بالفجع فيه، ولا يسمع المسلمين الثكلة، وما دونه فهو - وإن أنعش بالتعليل عليه ووقع بالجهد خلقه - لحم على وضم، إلا أن يصل الله تعالى وقايته، ويوالي دفاعه وعصمته، لا إله إلا هو الولي النصير، ومازلنا نشكو إلى غير المصمت، ونمد اليد إلى المدبر عن الله المعرض، ونخطب له زكاة الأموال من المباني الضخمة، والخزائن الثرة، والأهراء الطامية، والحظ التافه من المفترض برسمه، فتمضي الأيام لا تزيد الضرائر فيها إلا ضيقاً، ولا الأحوال إلا شدة، ولا الثغر إلا ضعة، ولا نعلم أن نظراً وقع له ولا فكراً أعمل فيه إلا ما كان من تسخير رعيته الضعيفة، وبلالة مجباه السخيفة، في بناء قصر بمنت ميور من جباله:
شاده مرمراً أوجلله كل ... ساً فللطير في ذراه وكور (2) جلب إليه الزليج (3) ، واختلفت فيه الأوضاع في رأس نيق، لأمل نزوة،
__________
(1) زاد في ص: منه بعد لفظة قبره.
(2) البيت لعدي بن زيد العبادي.
(3) ص: الأزليج.(1/58)
وسوء فكرة، فلما تم أقطع الهجران، فهو اليوم ممتنع البوم وحظ الخراب، فلا حول ولا قوة إلا بالله، حتى جاء أمر الله خالي الصحيفة من البر، صفر اليد من العمل الصالح، نعوذ بالله من نكيره، ونسأله الإلهام والسداد، والتوفيق والرشاد، وقد بذلنا جهدنا قولاً وفعلاً، وموعظة ونصحاً، واستدعينا لتلك الجهة صدقة المسلمين محمولة على أكتاد العباد الضعفاء الذين كانت صدقات فاتحيه رضي الله تعالى عنهم ترفدهم، ونوافله تتعهدهم، فما حرك ذلك الجؤوار حلوباً، ولا استدعى مطلوباً، ولا رفداً مجلوباً، فإلى متى تنضى ركاب الصبر وقد بلغ الغاية، واستنفذ البلالة، بعد أن أعاد الله تعالى العهد، وجبر المال، وأصلح السعي، وأجرى ينابيع الخير، وأنشق رياح الإقالة، وجملة ما نريد أن نقرره فهو لباب الجامع، والقصد الشامل، والداعي والباعث، أن صاحب قشتالة لما عاد إلى ملكه، ورجع إلى قطره، جرت بيننا وبينه المراسلة التي أسفرت بعدم رضاه عن كدحنا لنصره، ومظاهرتنا إياه على أمره، وإن كنا قد بلغنا جهداً، وأبعدنا وسعاً، وأجلت عن شروط ثقيلة لم نقبلها، وأغراض صعبة لم نكملها، ونحن نتحقق أنه إما أن تهيج حفيظته، وتثور إحنته، فيكشف وجه المطالبة مستكثراً بالأمة التي داس بها أهل قشتالة، فراجع أمره غلاباً، وحقه ابتزازاً واستلاباً، أو يصرفها ويهادن المسلمين بخلال ما لا يدع جهة من جهات دينه الغريب إلا عقد معها صلحاً، وأخذ عليها بإعانتها إياه عهداً، ثم تفرغ إلى شفاء غليله، وبلوغ جهده، ولا شك أنها تجيبه صرفاً لبأسه عن نحورها، ومقارضة كما وقع باطريرة من مضيق صدورها، ومؤسف جمهورها، وكل من له دين ما فهو يحرص على التقرب إلى من دانه به وكلفه وظائف تكليف، رجاء لوعده وخوفاً من وعيده، وبالله ندفع ما لا نطيق من جموع تداعت من الجزر ووراء البحور والبر المتصل الذي لا تقطعه الرفاق، ولا تحصي ذرعه الحذاق، وقد أصبحنا بدار غربة، ومحل روعة، ومفترس نبوة، ومظنة فتنة،(1/59)
والإسلام عدده قليل، ومنتجعه في هذه البقعة جديب، وعهده بالإرفاد والإمداد من المسلمين بعيد " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا - إلى آخر السورة " . (البقرة: 286).
وإذا تداعت أمم الكفر نصرة لدينها المكذوب، وحمية لصليبها المنصوب، فمن يستدعى لنصر دين الله وحفظ أمانة نبيه إلا أهل ذلك الوطن حيث المآذن بذكر الله تعالى تملأ الآفاق، وكلمة الإسلام قد عمت الربى والوهاد، إنما الإسلام غريق قد تشبث بأهدابكم، يناشدكم الله في بقية الرمق، وقبل الرمي تراش السهام، وهذا أوان الاعتناء، واختيار الحماة، وإعداد الأقوات، قبل أن يضيق المجال، وتمنع الموانع، وقد وجهنا هذا الوفد المبارك للحضور بين يديكم مقرراً الضرورة، منهياً الرغبة، مذكراً بما يقرب عند الله، مذكراً لذمام الإسلام، جالباً على من ورائهم بحول الله تعالى من المسلمين البشرى التي تشرح الصدور، وتسني الآمال، وتستدعي الدعاء والثناء، فالمؤمن كثير بأخيه، ويد الله مع الجماعة، والمسلمون يد على من سواهم، والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، والتعاون على البر والتقوى مشروع، وفي الذكر الحكيم مذكور، وحق الجار مشهور، وما كان جبريل يوصي به في الصحيح مكتوب وكما راع المسلمين اجتماع كلمة الكفر، فنرجو أن يروع الكفر من العز بالله، وشد الحيازيم في سبيل الله، ونفير النفرة لدين الله، والشعور في حماية الثغور وعمرانها، وإزاحة عللها، وجلب الأقوات إليها، وإنشاء الأساطيل، وجبر ما تلف من عدة البحر، أمور تدل على ما ورائها، وتخبر بمشيئة الله تعالى عما بعدها " وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ومن خطب على رضي الله تعالى عنه: أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه رهبة ألبسه الله تعالى سيما الخسف، ووسمه بالصغار، وما بعد الدنيا إلا الآخرة، وما بعد الآخرة إلا إحدى داري البقاء، أفي الله شك " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون(1/60)
" . (الحشر: 9).
والاعتناء بالجبل عنوان هذا الكتاب، ومقدمة هذا الباب، والغفلة عنه منذ أعوام قد صيرتنا لا نقنع باليسير، وقد أبرمته المواعيد، وغير رسومه الانتظار، ومن المنقول " ارحموا السائل ولو جاء على فرس " ، والإسراف في الخير أرجح في هذا المحل من عكسه، وكان بعض الأجواد يقول وقد أقتر: اللهم هب لي الكثير، فإن حالي لا تقوم على القليل، وعسى أن يكون النظر له بنسبة الغفلة عنه، والمتعاض له مكافئاً للإزراء به، وخلو البحر يغتنم لإمداده وإرفاده، قبل أن يثوب نظر الكفر إلى قطع المدد وسد البحر، ومن ضيع الحزم ندم، ولا عذر لمن علم، والله عز وجل يطلع من قبلكم على ما فيه شفاء الصدور، وجبر القلوب، وشعب الصدوع، وما نقص مال من صدقة، وطعام الواحد كاف لاثنين، والدين دينكم، والبلاد بلادكم، ومحل رباطكم وجهادكم، وسوق حسناتكم، " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " وقد قلدنا العهد الحفيظ علينا، المصروف العناية بفضل الله تعالى إلينا، والله المستعان، وعليه التكلان؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ انتهى.
وفي اعتقادي أن هذا المكتوب للسلطان أبي فارس عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن المريني، وأن المراد بالمتغلب الوزير عمر بن عبد الله الذي ظفر به أبو فارس المذكور واستقل بالملك بعد محو أثره، حسبما ذكرناه في غير هذا المحل؛ والله سبحانه أعلم. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 4 / ص 404)
================
رسالة أخرى في استنهاض السلطان المريني(1/61)
ومن إنشاء لسان الدين على لسان سلطانه في استنهاض عزم صاحب فاس السلطان المريني لنصرة الأندلس، ما نصه: المقام الذي يؤثر حظ الله إذا اختلفت الحظوظ وتعددت المقاصد، ويشرع الأدنى منه إذا تفاضلت المشارع وتمايزت الموارد، وتشمل عادة حلمه وفضله الشارد، ويسع وارف ظله الصادر والوارد، والغائب والشاهد، ويعيد من نصر الله للإسلام العوائد، ويسد الذرائع ويدر الفوائد، مقام محل أخينا الذي حسنت في الملك سيره، وتعاضد في الفضل خبره وخبره، ودلت شواهد مداركه للحقوق، وتغمده للعقوق، على أن الله تعالى لا يهمله ولا يذره، فسلك فخره متسقة درره، ووجه ملكه شادخة غرره، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا أبقاه الله رفيعاً علاؤه، هامية لديه منن الله تعالى وآلاؤه، مزدانة بكواكب السعد سماؤه، محروسة بعز النصر أرجاؤه، مكملاً من فضل الله تعالى في نصر الإسلام، وكبت عبدة الأصنام، أمله ورجاؤه، معظم قدره الذي يحق له التعظيم، وموقر سلطانه الذي له الحسب الأصيل والمجد الصميم، الداعي إلى الله تعالى باتصال سعادته حتى ينتصف من عدو الإسلام الغريم، ويتاح على يد سلطانه الفتح الجسيم، فلان؛ سلام كريم، طيب عميم، ورحمة الله تعالى وبركاته.(1/62)
أما بعد حمد الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولا يخيب من أخلص الرغبة إليه أملا، وموفي من ترك له حقه أجره المكتوب متمماً مكملا، وجاعل الجنة لمن اتقاه حق تقاته نزلا، ملك الموت الذي جل وعلا، وجبار الجبابرة الذي لا يجدون على قدره محيصاً ولا من دونه موثلا، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الذي أنزل الله تعالى عليه الكتاب مفصلا، وأوضح طريق الرشد وكان مغفلا، وفتح باب السعادة ولولاه كان مقفلا، والرضى على آله وأصحابه، وعترته وأحزابه، الذي ساهموه فيما مر وما حلا، وخلفوه من بعد بالسير التي راقت مجتلى، ورفعوا عماد دينه فاستقام لا يعرف ميلا، وكانوا في الحلم والعفو مثلا، والدعاء لمقامكم الأسمى بالنصر الذي يلقى نصه صريحاً لا متأولا، والصنع الذي يبهر حاللاً ومستقبلا، والعز الذي يرسو جبلا، والسعد الذي لا يبلغ أمداً ولا أجلا، فإنا كتبناه إليكم أصحب الله تعالى ركابكم حليف التوفيق حلاً ومرتحلا، وعرفكم عوارف اليمن الذي يثير جدلا، ويدعوا وافد الفتح المبين فيرد (1) مستعجلا، من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى سلطانه، ومهد أوطانه، إلا الخير الذي نسأل بعده تحسين العقبى، وتوالي عادة الرحمى، والحمد لله على التي هي أزكى، وسدل جناح الستر الأضفى، وصلة اللطائف التي هي أكفل وأكفى، وأبر وأوفى، ومقامكم عندنا العدة التي بها نصول ونرهب، والعمدة التي نطيل في ذكرها، ونسهب، وقد أوفدنا عليكم كل ما زاد لدينا، أو فتح الله تعالى به علينا، ونحن مهما شد المخنق بكم نستنصر، أو تراخى ففي ودكم نستبصر، أو فتح الله تعالى فأبوابكم نهني ونبشر، وقررنا عندكم أن العدو في هذه الأيام توقف عن بلاد المسلمين فلم تصل منه إليها سرية، ولا بطشت له يد جرية، ولا اقترعت من تلقائه ثنية، ولا ندري المكيدة تدبر، أم آراء تنقض بحول الله وتتبر، أو لشاغل في الباطن لا يظهر، وبعد ذلك وردت على بابنا من بعض كبارهم، وزعماء أقطارهم، مخاطبات يندبون(1/63)
فيها إلى جنوحها للسلم في سبيل النصح، لأياد سلفت منا لهم قررها، ووسائل ذكرها، فلم يخف عنا أنه أمر دبر بليل، وخيبة تحت ذيل، فظهر لنا أن نسبر الغور، ونستفسر الأمر، فوجهنا إليه - على عادتنا مع سلفه - لنعتبر ما لديه، وننظر إلى بواطن أمره، ونبحث عن زيد قومه وعمره، فتأتى ذلك وجر مفاوضة في الصلح أعدنا (2) لأجلها الرسالة، واستشعرنا البسالة ووازنا الأحوال واختبرنا، واعتززنا في الشروط ما قدرنا، ونحن نرتقب ما يخلق الله تعالى من مهادنة تحصل بها الأقوات المهيأة للانتساف، وتسكن (3) ما ساء البلاد المسلمة من هذا الإرجاف،
__________
(1) ق ص: ويرد.
(2) ق: أعددنا.
(3) ص: وتسكين.(1/64)
ونفرغ (1) الوقت لمطاردة هذه الآمال العجاف، أو حرب يبلغ الاستبصار فيه غايته، حتى يظهر الله تعالى في نصر الفئة القليلة آيته، ولم نجعل سبب الاعتزاز فيما أدرنا، وشموخ الأنف فيما أصدرنا، إلا ما أشعنا من عزمكم على نصرة الإسلام، وارتقاب خفوق الأعلام، والخفوف إلى دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن الأرض حمية لله تعالى قد اهتزت، والنفرة (2) قد غلبت للنفوس واستفزت، واستظهرنا بكتبكم التي تضمنت ضرب المواعد، وشمرت عن السواعد، وأن الخيل قد أطلقت إلى الجهاد في سبيل الله الأعنة، والثنايا سدتها بروق الأسنة، وفرض الجهاد قد قام به المسلمون، والأموال قد سمح بها المؤمنون، وهذه الأمور التي تمشت بقريبها أو بعيدها أحوال الإسلام، والأماني المعدة لتزجية الأيام، ثم اتصل بنا الخبر الكارث، بما كان من حور العزائم المؤمنة بعد كورها، وتسويف مواعد النصرة، بعد استشعار فورها، وأن الحركة معملة إلى مراكش الجهة التي في يديكم زمامها، وإليكم وإن تراخى الطول ترجع أحكامها، والقطر الذي لا يفوتكم مع الغفلة، ولا يعجزكم عن الصولة، ولا يطلبكم إن تركتموه، ولا يمنعكم إن طرقتموه أو عركتموه، فسقط في الأيدي الممدودة، واختلفت المواعد المحدودة، وخسئت الأبصار المرتقبة، ورجفت المعاقل الأشبة، وساءت الظنون، وذرفت العيون، وأكذب الفضلاء الخبر، ونفوا أن يعتبر، وقالوا: هذا لا يمكن حيث الدين الحنيف، والملك المنيف، والعلماء الذين أخذ الله تعالى ميثاقهم، وحمل النصيحة أعناقهم، هذا المفترض الذي يبعد، والقائم الذي يقعد، يأباه الله تعالى والإسلام، وتأباه العلماء والأعلام، وتأباه المآذن والمنابر، وتأباه الهمم والأكابر، فبادرنا نستطلع طلع هذا النبأ الذي إن كان باطلاً فهو الظن، ولله المن، وإن كان خلافه لرأي ترجح، وتنفق بقرب الملك وتبجح، فنحن نوفد كل من
__________
(1) ق: ونقرع.
(2) ص: والنعرة.(1/65)
يقدم إلى الله تعالى بهذا القطر في شفاعة، ويمد إليه كف ضراعة، ومن يوسم بصلاح وعبادة، ويقصد في الدين بث (1) إفادة، يتطارحون عليكم في نقض ما أبرم، ونسخ ما أحكم، فعنكم تجنون به على من استنصركم عكس ما قصد، وتحلون عليه ما عقد، وهب لعذر يقبل في عدم الإعانة، وضرورة الاستعانة والاستكانة، أي عذر يقبل في الاطراح، والإعراض الصراح كأن الدين غير واحد (2) ، كأن هذا القطر لكلمة الإسلام جاحد، وكأن ذمام الإسلام غير جامع، كأن الله غير راء ولا سامع، فنحن نسألكم بالله الذي تساءلون به والأرحام، ونأنف لكم (3) من هذا الإحجام، ونتطارح عليكم أن تتركوا حظكم في أهل تلك الجهة حتى يحكم الله بيننا وبين العدو الذي يتكالب علينا بإدباركم، بعدما تضاءل لاستنفاركم، ولا نكلفكم غير اقتراب داركم، وما سامكم المسلمون بها شططاً، وما حملوكم إلا قصداً وسطا، وما ذهبتم إليه لا يفوت، ولا يبعد وقد تجاوزت البيوت، إنما الفائت من وراءكم، من حديث تأنف من سماعه أوداؤكم، ودين يشمت به أعداؤكم، فأسعفوا بالشفاعة فيمن بتلك الجهة المراكشية قصدنا، وحاشا إحسانكم أن يرضى فيه ردنا، وأنتم بعد بالخيار فيما يجريه الله على يديكم من قدرة، أو يلهمكم إليه من نصرة، وجوابكم مرتقب بما يليق بكم، ويجمل بحسبكم، والله سبحانه يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، والسلام الكريم عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 4 / ص 411)
__________
(1) ص: ببث.
(2) كأن... واحد: سقطت من ص.
(3) لكم: سقطت من ق.
==================
رسالة على لسان يوسف بن نصر إلى سلطان فاس
ومن إنشاء لسان الدين أيضاً في مخاطبة سلطان فاس والمغرب على لسان سلطان غرناطة فيما يقرب من الأنحاء السابقة، ما نصه:(1/66)
المقام الذي أقمار سعده في انتظام واتساق، وجياد عزه إلى الغاية القصوى ذات استباق، والقلوب على حبه ذات اتفاق، وعناية الله تعالى عليه مديدة الرواق، وأياديه الجمة في الأعناق، ألزم من الأطواق، وأحاديث مجده سمر النوادي وحديث الرفاق، مقام محل أبينا الذي شان قلوبنا الاهتمام بشأنه، وأعظم مطلوبنا من الله تعالى ساعدة سلطانه، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا، أبقاه الله تعالى والصنائع الإلهية تحيط ببابه، والألطاف الخفية تعرس في جنابه، والنصر العزيز يحف بركابه، وأسباب التوفيق متصلة بأسبابه، والقلوب الشجية لفراقه، مسرورة بإيابه، معظم سلطانه الذي له الحقوق المحتومة، والفواصل المشهورة المعلومة، والمكارم المسطورة المرسومة، والمفاخر المنسوقة المنظومة، الداعي إلى الله تعالى في وقاية ذاته المعصومة، وحفظها على هذه الأمة المرحومة، الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل ابن فرج بن نصر، سلام كريم، طيب بر عميم، كما سطعن في غيهب الشدة أنوار الفرج، وهبت نواسم ألطاف الله عاطرة الأرج، يخص مقامكم الأعلى، ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد حمد الله جالي الظلم بعد اعتكارها، ومقيل الأيام من عثارها، ومزين سماء الملك بشموسها المحتجبة، وأقمارها، ومريح القلوب من وحشة أفكارها، ومنشئ سحاب الرحمة على هذه الأمة بعد افتقارها، وشدة اضطرابها واضطرارها، ومتداركها باللطف الكفيل بتمهيد أوطانها وتسيير أوطارها، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله صفوة النبوة ومختارها، ولباب مجدها السامي ونجارها (1) ، نبي الملاحم وخائض تيارها، ومذهب رسوم الفتن ومطفئ نارها، الذي لم ترعه الشدائد باضطراب بحورها، حتى بلغت
__________
(1) ص: وفخارها.(1/67)
كلمة الله ما شاءت من سطوع أنوارها، ووضوح آثارها، والرضى عن آله وأصحابه الذين تمسكوا بعهده على إحلاء الحوادث وإمرارها، وباعوا نفوسهم في إعلاء دعوته الحنيفية وإظهارها، والدعاء لمقامكم الأعلى باتصال السعادة واستمرارها، وانسحاب العناية الإلهية وإسدال أستارها، حتى تقف الأيام ببابكم موقف اعتذارها، وتعرض على مثابتكم ذنوبها راغبة في اغتفارها، فإنا كتبناه إليكم - كتب الله تعالى لكم أوفى ما كتب لصالحي الملوك من مواهب إسعاده، وعرفكم عوارف الآلاء في إصدار أمركم الرفيع وإيراده، وأجرى الفلك الدوار بحكم مراده، وجعل العاقبة الحسنى كما وعد به في محكم كتابه المبين للصالحين من عباده - من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى، وليس بفضل الله الذي عليه في الشدائد الاعتماد، وإلى كنف فضله الاستناد، ثم ببركة من خلالها، وتخبر سيماها بطلوع السعود واستقبالها، وتدل مخايل يمنها على حسن مآلها، لله الحمد على نعمه التي نرغب في كمالها، ونستدر عذب زلالها، وعندنا من الاستبشار باتساق أمركم وانتظامه، والسرور بسعادة أيامه، والدعاء إلى الله تعالى في إظهاره وإتمامه، ما لا تفي العبارة بأحكامه، ولا تتعاطى (1) حصر أحكامه، وإلى هذا أيد الله تعالى أمركم وعلاه (2) ، وصان سلطانكم وتولاه، فقد علم الحاضر والغائب، وخلص الخلوص الذي لا تغيره الشوائب، ما عندنا من الحب الذي وضحت منه المذاهب، وأننا لما اتصل بنا ما جرت به الأحكام من الأمور التي صحبت مقامكم فيها العناية من الله والعصمة، وجعل على العباد والبلاد الوقاية والنعمة، لا يستقر بقلوبنا القرار، ولا تتأتى بأوطاننا الأوطار، تشوفاً لما تتيحه (3) لكم الأقدار، ويبرزه من سعادتكم الليل والنهار،
__________
(1) ص ق: يتعاطى.
(2) ق: وعلاكم.
(3) ص ق: تشوقاً لما تنتجه.(1/68)
ورجاؤنا في استئناف سعادتكم يشتد على الأوقات ويقوى، علماً بان العاقبة للتقوى، وفي هذه الأيام عميت الأنباء، وتكالبت في البر والبحر الأعداء، واختلفت الفصول والأهواء، وعاقت الوارد الأنواء، وعلى ذلك من فضل الله الرجاء، ولو كنا نجد للاتصال بكم سبباً، أو نلفي لإعانتكم مذ خباً ملا شغلنا البعد الذي بيننا اعترض، والعدو بساحتنا في هذه الأيام ربض، وكان خديمكم الذي رفع من الوفاء راية خافقة، واقتنى منه في سوق الكساد بضاعة نافقة، الشيخ الأجل الأوفى، الأود الأخلص الأصفى، أبو محمد ابن أحبانا (1) سنى الله مأموله، وبلغه من سعادة أمركم سؤلهن وقد ورد على بابنا، وتحيز إلى اللحاق بجنابنا، ليتيسر له من جهتنا القدوم، ويتأتى له بإعانتنا الغرض المروم، فبينما نحن ننظر في تتميم غرضه، وإعانته على الوفاء الذي قام بمفترضهن إذ اتصل بنا خبر قرقورتين من الأجفان التي استعنتم بها على الحركة، والعزيمة (2) المقترنة بالبركة، حطت إحداها بمرسى المنكب والأخرى بمرسى المرية، في كنف العناية الإلهية، فتلقينا (3) من الواصلين فيها الأنباء المحققة بعد التباسها، والأخبار التي يغني نصها عن قياسها، وتعرفنا ما كان من عزمكم على السفر، وحركتكم المعروفة باليمن والظفر، وأنكم استخرتم الله تعالى في اللحاق بالأوطان التي يؤمن قدومكم خائفها، ويؤلف طوائفها، ويسكن راجفها، ويصلح أحوالها، ويسكن أهوالها، وأنكم سبقتم حركتها بعشرة أيام مستظهرين بالعزم المبرور، والسعد الموفور، واليمن الرائق السفور، والأسطول المنصور، فلا تسألوا عن انبعاث الآمال بعد سكونها، ونهوض طيور الرجاء من وكونها، واستبشار الأمة المحمدية منكم بقرة عيونها، وتحقق ظنونها، وارتياح البلاد إلى دعوتكم التي ألبستها ملابس العدل والإحسان، وقلدتها قلائد السير الحسان، وما منها إلا من باح بما يخفيه من وجدهن وجهر
__________
(1) ص: أجانا.
(2) ق ص: والعزمة.
(3) ص: تلقينا.(1/69)
بشكر الله تعالى وحمده، وابتهل إليه في تيسير غرض مقامكم الشهير وتتميم قصده، واستئناس نور سعده، وكم مطل الانتظار بديون آمالها، والمطاولة من اعتلالها.طاولة من اعتلالها. وأما نحن فلا تسألوا عمن استشعر دنو حبيبه، بعد طول مغيبه، إنما بلغنا هذا الخبر بادرنا إلى إنجاز ما بذلنا لخديمكم المذكور من الوعد، واغتنمنا ميقات هذا السعد، ليصل سببه بأسبابكم، ويسرع لحاقه بجنابكم، فعنده خدم نرجو أن يسير الله تعالى أسبابها، ويفتح بنيتكم الصالحة أبوابها، وقد شاهد من امتعاضنا لذلك المقام الذي ندين له بالتشييع الكريم الوداد، ونصل له على بعد المزار ونزوح الأقطار سبب الاعتداء، ما يغني عن القلم والمداد، وقد ألقينا إليه من ذلك كله ما يلقيه إلى مقامكم الرفيع المعتمد، وكتبنا إلى من بالسواحل من ولاتنا نحد لهم ما يكون عليه عملهم في بر من يرد عليهم من جهة أبوتكم الكريمة، ذات الحقوق العظيمة والأيادي الحديثة والقديمة، وهم يعملون في ذلك بحسب المراد ، وعلى شاكلة جميل الاعتقاد، ويعلم الله تعالى أننا لو لم تعق العوائق الكبيرة، والموانع الكثيرة، والأعداء الذين دهيت (1) بهم في الوقت هذه الجزيرة، ما قدمنا عملاً على اللحاق بكم، والاتصال بسببكم، حتى نوفي لأبوتكم الكريمة حقها، ونوضح من المسرة طرقها، لكن الأعذار واضحة وضوح المثل السائر، والله العلم بالسرائر، وغلى الله تعالى نبتهل في أن يوضح لكم من التيسير طريقاً، ويجعل السعد لكم مصاحباً ورفيقاً، ولا يعدمكم عناية منه وتوفيقاً، ويتم سرورنا عن قريب بتعرف أنبائكم السارة، وسعودكم الدارة، فذلك منه سبحانه غاية آمالنا، وقيه إعمال ضراعتنا وسؤالنا، هذا ما عندنا باردتا لإعلامكم به أسرع البدار، والله تعالى يوفد علينا أكرم الأخبار، بسعادة ملككم السامي المقدار، وييسر ما له من الأوطار، ويصل سعدكم،
__________
(1) ص: ذهبت.
ويحرس مجدكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، انتهى.(1/70)
وكان طاغية النصارى الملعون لكثرة ما مارس من أمور ملوك الأندلس وسلاطين فاس كثيراً ما يدس لأقارب الملوك القيام على صاحب الأمر، ويزين له الثورة، ويعده بالإمداد بالمال والعدة، وقصده بذلك كله توهين المسلمين، وإفساد تدبيرهم، ونسخ الدول بعضها ببعض، لما له في ذلك من المصلحة، حتى بلغ أبعده الله تعالى من أمله الغاية. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 4 / ص 415)
===============
رسالة إلى السلطان المريني في الاعتذار عن فرار أبي الفضل المريني من غرناطة
ومن إنشاء لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى، عن سلطان الأندلس إلى سلطان فاس المريني، يعتذر عن فرار الأمير أبي الفضل المريني الذي كان معتقلاً بغرناطة، فتحيل الطاغية في أمره حتى خرج طالباً للملك، ما نصه:
المقام الذي شهد اللي والنهار بأصالة سعادته، وجرى الفلك الدوار بحكم إرادته، وتعود الظفر بما يناؤه فاطرد والحمد لله جريان عادته، فوليه متحقق لإفادته، وعدوه مرتقب لإبادته، وحلل الصنائع الإلهية تضفو على أعطاف مجادته، مقام محل أخينا الذي سهم سعده صائب، وأمل من كاده خاسر خائب، وسير الفلك المدار في مرضاته دائب، وصنائع الله تعالى له تصحبها الألطاف العجائب، فسيان شاهد منه في عصمة وغائب، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا، أبقاه الله تعالى مسدد السهم، ماضي العزم، تجل سعوده عن تصور الوهم، ولا زال مرهوب الحد ممتثل الرسم، موفور الحظ من نعمة الله تعالى عند تعدد القسم، فائزاً بفلج الخصام عند لدد الخصم، معظم قدره، وملتزم بره، المبتهج بما يسببه الله تعالى له من إعزاز نصرهن وإظهار أمره، فلان: سلام كريم، طيب بر عميم، يخص مقامكم الأعلى، ومثابتكم الفضلى، التي حازت في الفخر الأمد البعيد، وفازت من التأييد والنصر بالحظ السعيد، ورحمة الله تعالى وبركاته.(1/71)
أما بعد حمد الله الذي فسح لملككم الرفيع في العز مدى، وعرف عوارفه آلائه وعوائد النصر على أعدائه يوماً وغدا، وحرس سماء علائه بشهب من قدره وقضائه " فمن يستمع الآن يجد له شهباًُ رصدا " وجعل نجح أعماله وحسن مآله قياسا مطردا، فرب مريد ضره ضر نفسه وهاد إليه أهدى وما هدى، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيه ورسوله الذي ملأ الكون نوراً وهدى، وأحيا مراسم الحق وقد صارت طرائق قددا، أعلى الأنام يدا، وأرفهم محتدا، الذي بجاهه نلبس أثواب السعادة جددا، ونظفر بالنعيم الذي لا ينقط أبدا، والرضى عن آله وأصحابه الذين رفعوا لسماء سنته عمدا، وأوضحوا من سبيل اتباعه مقصدا، وتقبلوا شيمه الطاهرة ركعاً وسجدا، سيوفاً على من اعتدى ونجوماً لمن اهتدى، وعلت فروع ملته صعدا، وأصبح بناؤها مديداً مخلدان والدعاء لمقامكم الأسمى بالنصر الذي يتوالى مثنى وموحدا، كما جمع لملككم ما تفرق من الألقاب على توالي الأحقاب، فجعل سيفكم سفاحاً وعلمكم منصوراً ورأيكم رشيداً وعزمكم مؤيدان فإنا كتبناه إليكم - كتب الله تعالى لكم صنعاً يشرح للإسلام خلدا، ونصراً يقيم للدين الحنيف أودا، وعزماً يملأ أفئدة الكفر كمدا، وجعلكم ممن هيأ له من أمره رشدا، ويسر لكم العاقبة الحسنى كما وعد في كتابه العزيز والله أصدق موعدا - من حمراء غرناطة حرسها الله ولا زائد بفضل الله سبحانه إلا استطلاع سعودكم في آفاق العناية، واعتقاد جميل صنع الله في البداية والنهاية، والعلم بأن ملككم تحدى من الظهور على أعدائه بآية وأجرى جياد السعد في ميدان لا يحد بغاية، وخرق حجاب المعتاد بما لم يظهر إلا لأصحاب الكرامة والولاية، ونحن على ما علمتم من السرور بما يهز لملككم المنصور عطفا، ويسدل عليه من العصمة سجفان نقاسمه الارتياح لمواقع نعم الله تعالى نصفاً ونصفا، ونعقد بين أنباء مسرته وبين الشكر لله حلفا، ونعد التشييع له مما يقربنا إلى الله زلفى، ونؤمل من إمداده ونرتقب(1/72)
من جهاده وقتاً يكفل به الدين و يكفى، وتروى غلل النفوس وتشفى.
وإلى هذا وصل الله سعدكم، ووالى نصركم وعضدكم، فإنا من لدن صدر عن أخيكم أبي الفضل ما صدر من الانقياد لخدع الآمال، والاعتزاز بموارد الآل، وقال رأيه في اقتحام الأهوال، وتورط في هفو حار فيها حيرة أهل الكلام في الأحوال، وناصب من أمركم السعيد جبلاً قضى الله له بالاستقرار والاستقبال، ومن ذا يزاحم الأطواد ويزحزح الجبال وأخلف الظن منا في وفائهن وأضمر عملاً استأثر عنا بإخفائهن واستعان من عدو الدين بمعين قلما يري لمن استنصر به زند، ولا خفق لمن تولاه بالنصر بند، وإن الطاغية أعانه وأنجده ورأى أنه سهم على المسلمين سدده، وغضب للفتنة جرده، فسخر له الفلك، وأمل أن يستخدمه بسبب ذلك الملك، فأورده الهلك والظلم الحلك، علمنا أن طرف سعادته كاب، وسحاب آماله غير ذات انسكاب، وقدم غرته لم يستقر من السداد في غرز ركاب، فغن نجاح أعمال النفوس، مرتبط بنياتها، وغايات الأمور تظهر في بداياتها، وعوائد الله تعالى فيمن نازع قدرته لا تجهل، ومن غالب أمر الله خاب منه المعول.
فبينما نحن نرتقب خسار تلك الصفقة المعقودة، وخمود تلك الشعلة الموقودة، وصلنا كتابكم يشرح الصدور ويشرح الأخبار، ويهدي طرف المسرات على أكف الاستبشار، ويعرب بلسان حال المسارعة والابتدار، عن الود الواضح وضوح النهار، والتحقق بخلوصنا الذي يعلمه عالم الأسرار، فأعاد في الإفادة وأبدى، وأسدى من الفضائل الجلائل ما أسدى فعلم منه مآل (1) من رام أن يقدح زند الشتات من بعد الالتئام، ويثير عجاجة المنازعة من بعد ركود القتام، هيهات تلك قلادة الله تعالى التي ما كان يتركها بغير نظام، ولم يدر
__________
(1) ص: مثال.(1/73)
أنكم نصبتم له من الحزم حبالة لا يفلتها قنيص، وسددتم له من السعد سهماً ما له عنه من محيص، بما كان من إرسال جوارح الأسطول السعيد في مطاره، حائلاً بينه وبين أوطاره (1) ، فما كان إلا التسمية والإرسال، ثم الإمساك والقتال، ثم الاقتيات والاستعمال، فيا له من زجر استنطق لسان الوجود فجدله (2) ، واستنصر البحر فخذله، وصارع القدر فجدله (3) لما جد له، وإن خدامكم استولوا على ما كان فيه من مؤمل (4) غاية بعيدة، ومنتسب إلى نصبة غير سعيدة، وشانئ غمرته من الكفار، خدام الماء وأولياء النار، تحكمت فيهم أطراف العوالي وصدور الشفار، وتحصل منهم من تخطاه الحمام في قبضة الإسار، فعجبنا من تيسير هذا المرام، وإخماد الله لهذا الضرام، وقلنا: تكييف لا يحصل في الأوهام، وتسديد لا تستطيع إصابته السهام، كلما قدح الخلاف زنداً أطفأ سعدكم شعلته، أو أظهر الشتات ألماً أبرأ يمن طائركم علته، وما ذاك إلا لنية صدقت معاملتها في جنب الله تعالى وصحت، واسترسلت بركتها وسحت، وجهاد نذرتموه إذا فرغت شواغلكم وتمت، واهتمام بالإسلام يكفيه الخطوب التي أهمت، فنحن نهنيكم بمنح الله ومننه، ونسأله أن يلبسكم من عنايته أوقى جننه، فأملنا أن تطرد آمالكم، وتنجح في مرضاة الله أعمالكم، فمقامكم هو العمدة التي يدفع العدو بسلاحها وتنبلج ظلمات صفاحها، وكيف لا نهنيكم بصنع على جهتنا يعود، وبآفاقنا تطلع منه السعود، فتيقنوا ما عندنا من الاعتقاد الذي رسومه قد استقلت واكتفت، وديمه بساحة الود قد وكفت، والله عز وجل يجعل لكم الفتوح عادة، ولا يعدمكم عناية وسعادة، وهو سبحانه يعلي مقامكم، وينصر أعلامكم، ويهني الإسلام أيامكم، والسلام الكريم
__________
(1) ص: أوكاره.
(2) ق: فحدله.
(3) ق: فخذله.
(4) ص: مذموماً.
يخصكم، ورحمة الله وبركاته؛ انتهى.(1/74)
وكان سلطان الأندلس في الأزمان المتأخرة كثيراً ما يشم أرج الفرج في سلم الكفار ومهادنتهم، حيث لم يقدر في الغالب على مقاومتهم، ولذلك لما قتل السلطان أبو الحجاج الذي كان لسان الدين كاتبه ووزيره، وقام بالأمر بعده ابنه محمد الغني بالله الذي ألقى مقاليده للسان الدين - أكد أمر السلم، وانتظر ما يبرمه القضاء الجزم، والقدر الحتم - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 4 / ص 420)
================
رسالة عن لسان الغني بالله إلى أبي عنان
من إنشاء لسان الدين في ذلك على لسان الغني مخاطباً لسلطان فاس والمغرب أبي عنان ما صورته:
المقام الذي يغني عن كل مفقود بوجوده، ويهز إلى جميل العوائد أعطاف بأسه وجوده، ونستضيء عند إظلام الخطوب بنور سعوده، ونرث من الاعتماد عليه أسنى ذخر يرثه الولد عن آبائه وجدوده مقام محل أبينا الذي رعي الأذمة شانه، وصلة الرعي سجية انفرد بها سلطانه، ومواعد النصر ينجزها زمانه، والقول والفعل في ذات الله تعالى تكفلت بهما يده الكريمة ولسانه، وتطابق فيهما إسراره وإعلانه، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا، أبقاه الله تعالى محروساً من غير الأيام جنابه، موصولة بالوقاية الإلهية أسبابه، مسدولاً عن ذاته الكريمة ستر الله تعالى وحجابه، مصروفاً عنه من صرف القدر ما يعجز عن رده بوابه، ولا زال ملجأ تنفق لديه الوسائل التي تدخرها لأولادها أولياؤه وأحبابه، ويسطر في صحف الفخر ثوابه، وتشتمل على مكارم الدين والدنيا أثوابه وتتكفل بنصر الإسلام وجبر القلوب عند طوارق الأيام كتائبه وكتابه، معظم ما عظم من حقه السائر من إجلاله وشكر خلاله على لاحب طرقه، المستضيء في ظلمة الخطب بنور أفقه، الأمير عبد الله محمد ابن أمير المسلمين أبي الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد ابن فرج بن نصر: سلام كريم، طيب بر عميم، يخص مقامكم الأعلى، ورحمة الله تعالى وبركاته.(1/75)
أما بعد حمد الله الذي لا راد لأمره ولا معارض لفعله، مصرف الأمر بحكمته وقدرته وعدله، الملك الحق الذي بيده ملاك الأمر كله، مقدر الآجال والأعمار فلا يتأخر شيء عن ميقاته ولا يبرح عن محله، جاعل الدنيا مناخ قلعة لا يغتبط العاقل بمائه ولا بظله، وسبيل رحلة فما أكثب ظعنه من حله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد صفوة خلقه وخيرة أنبيائه وسيد رسله، الذي نعتصم بسببه الأقوى ونتمسك بحبله، ونمد يد الافتقار إلى فضلهن ونجاهد في سبيله من كذب به أو حاد عن سبله، ونصل إليه ابتغاء مرضاته ومن أجله، والرضى على آله وأحزابه وأنصاره وأهله، المستولين من ميدان الكمال على خصله، والدعاء لمقامكم الأعلى بعز نصره ومضاء فضله، فإنا كتبناه إليكم - كتب الله تعالى لكم وقاية لا تطرق الخطوب حماها، وعصمة ترجع عنها سهام النوائب كلما فوقها الدهر ورماها، وعناية لا تغير الحوادث اسمها ولا مسماها، وعزاً يزاحم أجرام الكواكب منتماها - من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ونعم الله سبحانه تتواتر لدينا دفعاً ونفعاً، وألطافه نتعرفها وتراً وشفعاً، ومقامكم الأبوي هو المستند الأقوى، والمورد الذي ترده آمال الإسلام فتروى، وتهوي إيه أفئدتهم فتجد ما تهوى، ومثابتكم العدة التي تأسست مبانيها على البر والتقوى.(1/76)
وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم، وأبقى مجدكم، فإننا لما نعلم من مساهمة مجدكم التي تقتضيها كرام الطباع وطباع الكرم، وتدعو إليها ذمم الرعي ورعي الذمم، نعرفكم بعد الدعاء لملككم بدفاع الله تعالى عن ارتقائه، وإمتاع المسلمين ببقائه، بما كان من وفاة مولانا الوالد نفعه الله تعالى بالشهادة التي ألبسه حلتها، والشهادة التي في أعماله الزكية كتبها، والدرحة العالية التي حتمها له وأوجبها، وبما تصير إلينا من أمره، وضم بنا من نشرهن وسدل على من خلفه من ستره، وإنها لعبرة لمن ألقى السمع، وموعظة تهز الجمع وترسل الدمع، وحادثة أجمل الله سبحانه فيها الدفع، وشرح مجملها وإن أخرس اللسان هولها، وأسلم العبارة قوتها وحولها، أنه رضي الله تعالى عنه لما برز لإقامة سنة هذا العيد، مستشعراً شعار كلمة التوحيد، مظهراً سمة الخضوع للمولى الذي تضرع بين يديه رقاب العبيد، آمناً بين قومه وأهله، متسربلاً في حلل نعم الله تعالى وفضله، قرير العين باكتمال عزه واجتماع شمله، قد احترس بأقصى استطاعته، واستظهر بخلصان طاعته، والأجل المكتوب قد حضر، والإرادة الإلهية قد أنفذت القضاء والقدر، وسجد بعد الركعة الثانية من صلاته، أتاه أمر الله لميقاته، على حين الشباب غض جلبابه، والسلاح زاخر عبابه، والدين بهذا القطر قد أينع بالأمن جنابه، وأمر من يقول للشيء كن فيكون قد بلغ كتابه، ولم يرعه وقد اطمأنت بذكر الله تعالى القلوب، وخلصت الرغبات إلى فضله المطلوب، إلا شقي قيضه الله لسعادته غير معروف ولا منسوب، وخبيث لم يكن بمعتبر ولا محسوب، تخلل الصفوف المعقودة، إلى طاعة الله المحشودة، لا تدل العين عليه شارة ولا بزة، ولا تحمل على الحذر من مثله أنفة ولا عزة، وإنما هو خبيث ممرور، وكلب عقور، وحية سمها وحي محذور، وآلة مصرفة لينفذ بها قدر مقدور، فلما طعنه وأثبته، وأعلق به شرك الحين فما أفلتهن قبض عليه من الخلصان الأولياء، من خبر ضميره، وأحكم تقريره، فلم(1/77)
يجب عند الاستفهام جواباً يعقل، ولا عثر منه على شيء عنه ينقل، لطفاً من الله أفاد براءة الذمم، وتعاوته للحين أيدي التمزيق، وأتبع شلوه بالتحريق، واحتمل مولانا الوالد العزيز رحمه الله تعالى إلى القصر وبه دماء لم يلبث بعد الفتكة العمرية إلا أيسر من اليسير، وتخلف الملك ينظر من الطرف الحسير، وينهض بالجناح الكسير، وقد عاد جمع السلامة إلى التكسير، إلا أن الله تعالى تدارك هذا القطر الغريب بان أقامنا مقامه لوقته وحينه، ورفع بناء عماد ملكه ولم شعث دينه، وكان جميع من حضر المشهد من شريف الناس ومشروفهم، وأعلامهم ولفيفهم، قد جمعه ذلك الميقات، وحضر الأولياء الثقات، فلم تختلف علينا كلمة، ولا شذت منهم عن بيعتنا نفس مسلمة، ولا أخيف بري، ولا حذر جري، ولا فري فري، ولا وقع لبس، ولا استوحشت نفس، ولا نبض للفتنة عرق، ولا أغفل للدين حق، فاستند النقل إلى نصه، ولم يعدم من فقيدنا غير شخصه، وبادرنا إلى مخاطبة البلاد نمدها ونسكنها، ونقرر الطاعة في النفوس ونمكنها، وأمرنا الناس بها بكف الأيدي، ورفع التعدي، والعمل من حفظ شروط المسالمة المعقودة بما يجدي، ومن شره منهم للفرار (1) ، عاجلناه بالإنكار، وصرفنا على النصارى ما أوصاه مصحباً بالاعتذار، وخاطبنا صاحب قشتالة نرى ما عنده في صلة السلم إلى أمدها من الأخبار، واتصلت بنا البيعات من جميع الأقطار، وعفى على حزن المسلمين بوالدنا ما ظهر عليهم بولايتنا من الاستبشار، واستبقوا تطير بهم أجنحة الابتدار، جعلنا الله تعالى ممن قابل الحوادث بالاعتبار، وكان على حذر من تصاريف الأقدار، واختلاف الليل والنهار، وأعاننا على إقامة دينه في هذا الوطن الغريب المنقط بين العدو الطاغي والبحر الزخار، وألهمنا من شكره لما يتكفل بالمزيد من نعمه، ولا قطع عنا عوائد كرمه.(1/78)
وإن فقدنا والدنا فأنتم لنا من بعده الوالد، الذي تكرم منه العوائد، والحب يتوارث كما ورد في الأخبار التي صحت (2) منها الشواهد، ومن أعد مثلكم لبنيه، فقد تيسرت من بعد الممات أمانيه، وتأسست قواعد ملكه وتشيدت مبانيه، فالاعتقاد الجميل موصول، والفرع لها في التشيع إليكم أصول، وفي تقرير فخركم محصول، وأنتم ردء المسلمين بهذه البلاد المسلمة الذي يعينهم
__________
(1) ص: للغوار.
(2) ق ص: وضحت.
بإرفاده، وينصرهم بإنجاده، ويعامل الله تعالى فيها بصدق جهاده.(1/79)
وعندما استقر هذا الأمر الذي تبعت المحنة فيه المحنة، وراقت من فضل الله تعالى ولطفه فيه الصفحة، وأخذنا البيعة من أهل حضرتنا بعد استدعاء خواصهم وأعيانهم، وتزاحمت على رقها المنشور خطوط أيمانهم، وتأصلت قواعد ألفاظها ومعانيها في قلوبهم وآذانهم، وضمنوا الوفاء بما عاهدوا الله عليه وقد خبر سلفنا والحمد لله وفاء ضمانهم، بادرنا تعريف مقامكم الذي نعلم مساهمته فيما ساء وسر وأحلى وأمر، عملاً بمقتضى الخلوص الذي ثبت واستقر، والحب الذي ما مال يوماً ولا ازور، وما أحق تعريف مقامكم بوقوع هذا الأمر المحذور، وانجلاء ليله عن صنع الصبح البادي السفور وإن كنا قد خاطبنا من خدامكم من يبادر إعلامكم بالأمور، إلا أنه أمر له ما بعده، وحادث يأخذ حده، ونبعث إلى بابكم من شاهد الحال ما بين وقوعها إلى استقرارها رأي العيان وتولى تسديد الأمور بأعماله الكريمة ومقاصده الحسان، ليكون أبلغ في البر وأشرح للصدر وأوعب للبيان، فوجهنا إليكم وزير أمرنا، وكاتب سرنا، الكذا أبا فلان، وألقينا إليه من تقرير تعويلنا على ذلك المقام الأسنى، واستنادنا من التشييع إليه إلى الركن الوثيق المبنى، ما نرجو أن يكون له فيه المقام الأعنى، والثمرة العذبة المنى، فلاهتمامه بهذا الغرض الأكيد الذي هو أساس بنائنا، وقامع أعدائنا، آثرنا توجيهه على توفر الاحتياج له، ومدار الحال عليه، والمرغوب من أبوتكم المؤملة أن يتلقاه قبولها بما يليق بالملك العالي، والخلافة السامية المعالي، والله عز وجل يديم أيامكم لصلة الفضل (1) المتوالي، ويحفظ مجدكم من غير الأيام والليالي، وهو سبحانه يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويوالي نصركم وعضدكم، والسلام الكريم يخصكم، ورحمة الله وبركاته؛ انتهى.
__________
(1) ق: فضله.(1/80)
لوقته وحينه، ورفع بناء عماد ملكه ولم شعث دينه، وكان جميع من حضر المشهد من شريف الناس ومشروفهم، وأعلامهم ولفيفهم، قد جمعه ذلك الميقات، وحضر الأولياء الثقات، فلم تختلف علينا كلمة، ولا شذت منهم عن بيعتنا نفس مسلمة، ولا أخيف بري، ولا حذر جري، ولا فري فري، ولا وقع لبس، ولا استوحشت نفس، ولا نبض للفتنة عرق، ولا أغفل للدين حق، فاستند النقل إلى نصه، ولم يعدم من فقيدنا غير شخصه، وبادرنا إلى مخاطبة البلاد نمدها ونسكنها، ونقرر الطاعة في النفوس ونمكنها، وأمرنا الناس بها بكف الأيدي، ورفع التعدي، والعمل من حفظ شروط المسالمة المعقودة بما يجدي، ومن شره منهم للفرار (1) ، عاجلناه بالإنكار، وصرفنا على النصارى ما أوصاه مصحباً بالاعتذار، وخاطبنا صاحب قشتالة نرى ما عنده في صلة السلم إلى أمدها من الأخبار، واتصلت بنا البيعات من جميع الأقطار، وعفى على حزن المسلمين بوالدنا ما ظهر عليهم بولايتنا من الاستبشار، واستبقوا تطير بهم أجنحة الابتدار، جعلنا الله تعالى ممن قابل الحوادث بالاعتبار، وكان على حذر من تصاريف الأقدار، واختلاف الليل والنهار، وأعاننا على إقامة دينه في هذا الوطن الغريب المنقط بين العدو الطاغي والبحر الزخار، وألهمنا من شكره لما يتكفل بالمزيد من نعمه، ولا قطع عنا عوائد كرمه.
وإن فقدنا والدنا فأنتم لنا من بعده الوالد، الذي تكرم منه العوائد، والحب يتوارث كما ورد في الأخبار التي صحت (2) منها الشواهد، ومن أعد مثلكم لبنيه، فقد تيسرت من بعد الممات أمانيه، وتأسست قواعد ملكه وتشيدت مبانيه، فالاعتقاد الجميل موصول، والفرع لها في التشيع إليكم أصول، وفي تقرير فخركم محصول، وأنتم ردء المسلمين بهذه البلاد المسلمة الذي يعينهم
__________
(1) ص: للغوار.
(2) ق ص: وضحت.
بإرفاده، وينصرهم بإنجاده، ويعامل الله تعالى فيها بصدق جهاده.(1/81)
وعندما استقر هذا الأمر الذي تبعت المحنة فيه المحنة، وراقت من فضل الله تعالى ولطفه فيه الصفحة، وأخذنا البيعة من أهل حضرتنا بعد استدعاء خواصهم وأعيانهم، وتزاحمت على رقها المنشور خطوط أيمانهم، وتأصلت قواعد ألفاظها ومعانيها في قلوبهم وآذانهم، وضمنوا الوفاء بما عاهدوا الله عليه وقد خبر سلفنا والحمد لله وفاء ضمانهم، بادرنا تعريف مقامكم الذي نعلم مساهمته فيما ساء وسر وأحلى وأمر، عملاً بمقتضى الخلوص الذي ثبت واستقر، والحب الذي ما مال يوماً ولا ازور، وما أحق تعريف مقامكم بوقوع هذا الأمر المحذور، وانجلاء ليله عن صنع الصبح البادي السفور وإن كنا قد خاطبنا من خدامكم من يبادر إعلامكم بالأمور، إلا أنه أمر له ما بعده، وحادث يأخذ حده، ونبعث إلى بابكم من شاهد الحال ما بين وقوعها إلى استقرارها رأي العيان وتولى تسديد الأمور بأعماله الكريمة ومقاصده الحسان، ليكون أبلغ في البر وأشرح للصدر وأوعب للبيان، فوجهنا إليكم وزير أمرنا، وكاتب سرنا، الكذا أبا فلان، وألقينا إليه من تقرير تعويلنا على ذلك المقام الأسنى، واستنادنا من التشييع إليه إلى الركن الوثيق المبنى، ما نرجو أن يكون له فيه المقام الأعنى، والثمرة العذبة المنى، فلاهتمامه بهذا الغرض الأكيد الذي هو أساس بنائنا، وقامع أعدائنا، آثرنا توجيهه على توفر الاحتياج له، ومدار الحال عليه، والمرغوب من أبوتكم المؤملة أن يتلقاه قبولها بما يليق بالملك العالي، والخلافة السامية المعالي، والله عز وجل يديم أيامكم لصلة الفضل (1) المتوالي، ويحفظ مجدكم من غير الأيام والليالي، وهو سبحانه يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويوالي نصركم وعضدكم، والسلام الكريم يخصكم، ورحمة الله وبركاته؛ انتهى.
__________
(1) ق: فضله.(1/82)
وقوله في هذه الرسالة " فوجهنا إليكم وزير أمرنا - إلى آخره " هو لسان الدين رحمه الله تعالى، إذ هو كان الوزير إذ ذاك والسفير في هذه القضية، ومن صفحات هذا الكلام يتضح لك ما نال لسان الدين رحمه الله تعالى من الرياسة والجاه ونفوذ الكلمة بالأندلس وبالمغرب رحمه الله تعالى، وقد أكرمه السلطان أبو عنان في هذه الوفادة وغيرها غاية الإكرام، وكان المقصود الأعظم من هذه الوفادة استعانة سلطان الأندلس الغني بالله بالسلطان أبي عنان على طاغية النصارى، كما ألمعنا بذلك في الباب الثاني من القسم الثاني الذي يتعلق بلسان الدين، وكان السلطان أبو عنان ابن السلطان أبي الحسن معتنياً بالأندلس غاية الاعتناء، وخصوصاً بجبل الفتح، حتى أنه بلغ من اهتمامه به أن أمر عليه ولده أبا بكر السعيد، وهو الذي تولى الملك بعده. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 4 / ص 424)
================
رسالة عن الغني إلى الأمير السعيد
ومن إنشاء لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى على لسان سلطانه ما خاطب به الأمير السعيد المذكور إذ قلده والده جبل الفتح، وهو:(1/83)
الإمارة التي أشرق في سماء الملك شهابها، واتصلت بأسباب العز أسبابها، واشتملت على الفضل والطهارة أثوابها، وأجيلت قداح المفاخر فكان إلى جهة الله تعالى انتدابها، إمارة محل أخينا الذي تأسس على مرضاة الله تعالى أصيل فخره، واتسم بالمرابط المجاهد على اقتبال سنه وجدة عمره، وبدأ بفضل الجهاد صحيفة أجره، وافتتح بالرباط والصلاح ديوان نهيه وأمره، لما يسره من سعادة نصبته وحباه من عز نصره، الأمير الأجل الأعز الأرفع الأسنى الأطهر الأظهر الأمنع الأصعد الأسمى الموفق الأرضى، محل أخينا العزيز علينا، المهداة أنباء مأمول جواره إلينا، أبي بكر السعيد ابن محل والدنا الذي مقاصده للإسلام وأهله على مرضاة الله تعالى جارية، وعزائمه على نصر الملة الحنيفية متبارية، السلطان الكذا أبو عنان ابن السلطان الكذا أبي الحسن ابن السلطان الكذا أبي سعيد ابن السلطان يعقوب ابن عبد الحق، أبقاه الله تعالى سديدة آراؤه ناجحة أعماله، ميسرة أغراضه من فضل الله تعالى متتمة آماله، رحيباً في السعد مجاله، يكنفه من السر تعالى ومحل أبينا غمام وارفة ظلاله، هامر نوله، حتى يرضي الله تعالى مصاعه بين يديه ومصاله، وتمضي في الأعداء أمام رايته المنصورة نصاله، أخوه المسرور بقربه، المنطوي على مضمر حبه، أمير المسلمين محمد بن أمير المسلمين أبي الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الو ليد ابن فرج ابن نصر:سلام كريم، طيب بر عميم، يخص أخوتكم الفضى، وإمارتكم التي آثار فضلها بحول الله تتلى، ورحمة الله تعالى وبركاته.(1/84)
أما بعد حمد الله على ما يكفيك من ألطافه المشرقة الأنوار، ويسره لهذه الأوطان بنصرته من الأوطار، فكلما دجت به شدة طلع الفرج عليها طلوع النهار، وكلما اضطرب منها جانب أعاده بفضل الله تعالى من أقامه لذلك واختاره إلى حال السكون والقرار، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله المصطفى المختار، الذي أكد عليه جبريل صلوات الله عليه حق الجوار، حتى كاد يلحقه بالوسائل والقرب الكبار، الذي وصانا بالالتئام، واتصال اليد في نصرة الإسلام، فنحن نقابل بساطه بالبدار، ونجري على نهجه الواضح الآثار، ونرتجي باتباعه الجمع بين سعادة هذه الدار وتلك الدار، والرضى عن آله وأصحابه، وأنصاره وأحزابه، أكرم الآل والأصحاب والأحزاب والأنصار، الذين كانوا كما أخبرنا الله تعالى عنهم على لسان الصادق الأخبار، رحماء بينهم أشداء على الكفار، والدعاء لإمارتكم السعيدة السعيدية بالتوفيق الذي تجري به الأمور على حسب الاختيار، والعز المنيع الذمار، والسعد القويم المدار، والوقاية التي يأمن بها أهلها من السرار، فإنا كتبناه إليكم - كتب الله تعالى لكم أسنى ما كتب للأمراء الأرضياء الأخيار، ومتعكم من بقاء والدكم بالعدة العظمى والسيرة الرحمى والجلال الرفيع المقدار - من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى، ولا زائد بفضل الله تعالى سبحانه ثم ببركة سيدنا ومولانا محمد رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أوضح برهانه إلا ألطاف باهرة، وعناية من الله تعالى باطنة وظاهرة، وبشارة بالقبول واردة وبالشكر صادرة، والله تعالى يصل لدينا نعمه، ويوالي فضله وكرمه.(1/85)
وإلى هذا فإننا اتصل بنا في هذه الأيام ما كان من عناية والدكم محل أبينا أبقاه الله تعالى بهذه البلاد المستندة إلى تأميل مجده، وإقطاعها الغاية التي لا فرقها من حسن نظره وجميل قصده، وتعينكم إلى المقام بجبل الفتح إبلاغاً في اجتهاده الديني وجده، فقلنا: هذا خبر إن صدق مخبره، وتحصل منتظره، فهو فخر تجددت أثوابه، واعتناء تفتحت أبوابه، وعمل عند الله ثوابه، فإن الأندلس - عصمها الله تعالى - وإن أنجدته عدده وأمواله، ونجحت في نصرها مقاصده الكريمة وأعماله، لا تدري موقع النظر لها من نفسه، وزيادة يومه في العناية على أمسه، حتى يسمح لها بولده، ويخصها بقرة عينه وفلذة كبده، فلما ورد منه (1) الخبر الذي راقت منه الحبر، ووضحت من سعادته الغرر، بإجازتكم البحر، واختياركم في حال الشبيبة الفخر، وصدق مخيلة الدين فيكم، واستقراركم في الثغر الشهير الذي افتتحه سيف جدكم واستنفذه سعد أبيكم، سررنا بقرب المزار، ودنو الديار، وقابلنا صنع الله تعالى بالاستبشار، ووثقنا وإن لم نزل على ثقة من عناية الله تعالى وعناية محل والدنا بهذه الأقطار، وحمدنا الله تعالى على هذه الآلاء المشرقة، والنعم المغدقة، والصنائع المتألقة، بادرنا نهنيء إخوتكم أولاً بما سيره الله تعالى لكم من سلامة المجاز، ثم بما منحكم الله تعالى من فضل الاختصاص بهذا الغرض والامتياز، فإمارتكم الإمارة التي أخذت بأسباب السماء، وركبت إلى الجهاد في سبيل الله تعالى جيال الخيل والماء، واصبحي على حال الشبيبة شجاً في حلوق الأعداء، ونحن أحق بهذا
__________
(1) منه: زيادة من ق.(1/86)
الهناء، ولكنها عادة الود وسنة الإخاء، فالله عز وجل يجعله مقدماً ميمون الطائر، متهلل البشائر، تتهلل بصنع الله بعده وجوه القبائل والعشائر، ويجري خبر سعادتكم مجرى المثل السائر، ويشكر محل والدنا فيما كان من اختياره، ومزيد إيثاره، ويجازيه جزاء من سمح في ذاته بمظنة ادخاره، ومذ رأينا أن هذا الغرض لا يجتزي فيه بالكتابة، دون الاستنابة، وجهنا لكم من يقوم بحقه، ويجري من تقرير ما لدينا على أوضح طرقه، وهو القائد الكذا، ومجدكم يصغي لما يلقيه، ويقابل بالقبول ما من ذلك يؤديه، والله تعالى يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، والسلام؛ انتهى.
وكان الطاغية الملعون أيام السلطان أبي عنان رحمه الله تعالى نازل جبل الفتح ثم كفى الله تعالى شره في ذلك التاريخ. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 4 / ص 429)
===============
من أبي الحجاج إلى أبي عنان
ومن إنشاء لسان الدين على لسان سلطانه أبي الحجاج يخاطب أبا عنان سلطان فاس والمغرب وذلك بما نصه:
المقام الذي رمى له الملك الأصيل بأفلاذه، وأدى منه الإسلام إلى ملجئه الأحمى وملاذه، وكفلت السعود بإمضاء أمره المطاع وإنفاذه، وشأى حلبة (1) الكرم فكان وحيد آحاده وفذ أفذاذه، وابتدع غرائب الجود فقال لسان الوجود: نعمت البدعة هذه، مقام محل أخينا الذي أركان مجده راسية راسخة، وغرر عزه بادية باذخة، وأعلام فخره سامية شامخة، وآيات سعده محكمة ناسخة، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا، أبقاه الله تعالى يجري بسعده الفلك، ويجلى بنور هديه الحلك، ويسطر حسنات ملكه الملك، ويشهد بفضل بأسه ونداه النادي والمعترك . معظم حقوقه التي تأكد فرضها، المثني على مكارمه التي أعيا الأوصاف البليغة بعضها، أمير المسلمين عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر: سلام كريم، طيب بر عميم، يخص أخوتكم الفضلى، ورحمة الله وبركاته.(1/87)
أما بعد حمد الله الذي هيأ لملة الإسلام، بمظاهرة ملككم المنصور الأعلام، إظهاراً وإعزازاً، وجعل لها العاقبة الحسنى بيمن مقامكم الأسنى تصديقاً لدعوة الحق وإنجازاً، وسهل لها بسعدكم كل صعب المرام وقد سامتها صروف الأيام لياً وإعوازاً، وأتاح لها منكم ولياً يسوم أعداءها استلاباً وابتزازاً، ويسكن آمالها وقد استشعرت انحفازاً، حمداً يكون على حلل النعم العميمة والآلاء الكريمة طرازاً، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بهرت آياته وضوحاً وإعجازاً، واستحقت الكمال صفاته حقيقة لا مجازاً، ونبيه الذي بين للخلق أحكام دينه الحق امتناعاً وجوازاً، ويسر لهم وقد ضلوا في مفاوز الشك مفازاً، والرضى عن آله وأصحابه المستولين على ميادين فضائل الدنيا والدين اختصاصاً بها وامتيازاً، فكانوا غيوثاً إن وجدوا محلاً وليوثاً إن شهدوا برازاً، والدعاء لمقام أخوتكم الأسمى بنصرٍ على أعدائه تبدي له الجياد الجرد ارتياحاً والرماح الملد اهتزازاً، وعز يطأ من أكناف البسيطة وأرجائها المحيطة سهلاً وعزازاً، ويمن يشمل من بلاد الإيمان أقطاراً نازحة ويعم أحوازاً، وسعد تجول في ميدان ذكره المذاع أطراف ألسنة اليراع إسهاباً وإيجازا، وفخر يجوب جيوب الأقطار جوب المثل السيار عراقاً وحجازاً، ولا زالت كتائب سعده تنتهز فرص الدهر انتهازا، وتوسع مملكات (1) الكفر انتهاباً واحتيازاً، فإنا كتبناه إلى مقامكم - كتب الله تعالى لكم سعداً ثابت المراكز، وعزاً لا تلين قناته في يد الغامز، وثناء لا يثني عنان سراه عرض المفاوز، وصنعاً رحيب الجوانب
__________
(1) ق ص: ملكات.(1/88)
رغيب الحوائز - من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى وفضله، عز وجل، قد أدال العسر يسراً وأحال القبض بسطا، وقرب نوازح الآمال بعد أن تناءت ديارها شحطا، وراض مركب الدهر الذي كان لا يلين لمن استمطى، وقرب غريم الرجاء في هذه الأرجاء وكان مشتطا، والتوكل عليه سبحانه وتعالى قد أحكم منه اليقين والاستبصار المبين ربطا، ومشروط المزيد من نعمه قد لزم من الشكر شرطا، ومقامكم هو عدة الإسلام إذا جد حفاظه، وظله الظليل إذا لفح للكفر شواظه، وملجؤه الذي تنام في كنف أمنه أيقاظه، ووزره الذي إلى نصره تمد أيديه وتشير ألحاظه، ففي أرجاء ثنائه تسرح معانيه وألفاظه، ولخطب تمجيده وتحميده يقول قسه وتحتفل عكاظه، وتشيعنا إلى ذلك الجناب الكريم طويل عريض، ومقدمات ودنا إياه لا يعترضها نقيض، وأفلاك تعظيمنا له ليس لأوجها الرفيع حضيض، وأنوار اعتقادنا الجميل فيه يشف سواد الحبر عن أوجهها البيض.
وإلى هذا - ألبسكم الله تعالى ثوب السعادة المعادة فضفاضاً، كما صرف ببركته إيالتكم الكريمةعلى ربوع الإسلام وجوه الليالي والأيام وقد ازوروت إعراضاً وبسطت آمالها وقد استشعرت انقباضاً - فإننا ورد علينا كتابكم الذي كرم أنحاء وأغراضاً، وجالت البلاغة من طرسه الفصيح المقال رياضاً، ووردت الأفكار من معانيه الغرائب وألفاظه المزرية بدرر النحور والترائب بحوراً صافيةً وحياضاً، فاجتلينا منه حلة من حلل الورد سابغة، وحجة من حجج المجد بالغة، وشمساً في فلك السعد بازغة، الذي بين المقاصد الكريمة وشرحها، وجلا الفضائل العميمة وأوضحها، فما أكرم شيم ذلك الجلال وأسمحها، وأفضل خلال ذلك الكمال وأرجحها، حثثتم فيه على إحكام السلم التي تحوط الأنفس والحريم بسياج، ويداوى القطر العليل منها بأنجع علاج، والحال ذات احتياج، وساحة الجبل عصمه الله تعالى ميدان هياج، ومتبوأ أعلاج، ومظنة اختلاف الظنون الموحشة واختلاج، فحضر لدينا محتمله وزيركم الشيخ(1/89)
الأجل الأعظم الموقر الأسمى الخاصة الأحظى أبو علي ابن الشيخ الوزير الأجل الحافل الفاضل المجاهد (1) الكامل أبي عبد الله ابن محلى والشيخ الفقيه الأستاذ الأعرف الفاضل الكامل أبو عبد الله ابن الشيخ الفقيه الأجلالعارف الفاضل الصالح المبارك المبرور المرحوم أبي عبد الله الفشتالي، وصل الله سبحانه سعادتهما، وحرس مجادتهما، حالين من مراتب ترفيعنا أعلى محل الإعزاز، وواردين على أحلى القبول الذي لا تشاب حقيقته بالمجاز، عملاً بما يجب علينا لمن يصل إلينا من تلك الأنحاء الكريمة والأحواز، فتلقينا ما اشتملت عليه الإحالة السلطانية من الود الذي كرم مفهوماً ونصاً، والبر الذي ذهب من مذاهب الفضل والكمال الأمد الأقصى، وقد كان سبقهما صنع الله جل جلاله بما أخلف الظنون، وشرح الصدور وأقر العيون، فلم يصلا إلينا إلا وقد أهلك الله تعالى الطاغية، ومزق أحزابه الباغية، نعمة منه سبحانه وتعالى ومنة ملأت الصدور انشراحاً، وعمت الأرجاء أفراحاً، وعنواناً على سعد مقامكم الذي راق غرراً في المكرمات وأوضاحاً، ومد يده إلى سهام المواهب الإلهية فحاز أعلاها قداحاً، فتشوفت (2) نفوس المسلمين إلى ما كانت تؤمله من فضل الله تعالى وترجوه، وبدت في القضية التي أشرتم بأعمالها الوجوه، وانبعثت الآمال بما آلت إليه هذه الحال انبعاثاً، والتاثت أمور العدو قصمته الله تعالى التياثاً، وانتقض غزله من بعد قوته بفضل الله تعالى أنكاثاً، واحتملت المسألة التي تفضلتم بعرضها وأشرم إلى فرضها مأخذاً وأبحاثاً، فألقينا في هذه الحال إلى رسوليكم أعزهما الله تعالى ما يلقيانه إلى مقامكم الأعلى، ومثابتكم الفضلى، وما يتزيد عندنا من الأمور فركائب التعريف بها إليكم محثوثة، وجزئياتها بين يدي مقامكم الرفيع مبثوثة، وقد اضطربت أحوال الكفر وفالت آراؤه، واستحكم بالشتات داؤه، وارتجت بزلزال الفتن
__________
(1) ق: الماجد.
(2) ق: فتشوقت.(1/90)
أرجاؤه، وتيسرت آمال الإسلام بفضل الله تعالى ورجاؤه، وما هو إلا السعد يذلل لكم صعب العدو ويروضه، والله سبحانه يهيئ لكم فضل الجهاد حتى تقضى بكم فروضه.
وأما الذي لكم عندنا من الخلوص الصافية شرائعه، والثناء الذي هو الروض تأرج ذائعه، فأوضح من فلق الصبح إذا أشرقت طلائعه، جعله الله تعالى في ذاته، ووسيلةً إلى مرضاته؛ ورسولاكم يشرحان لكم الحال بجزئياته، ويقرران ما عندنا من الود الذي سطع نور آياته، وهو سبحانه وتعالى يصل لكم سعداً سامي المراتب والمراقي، ويجمع لكم بعد بعد المدى وتمهيد دين الهدى بين نعيم الدنيا والنعيم الباقي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ انتهى. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 4 / ص 432)
==================
رسالة عن يوسف النصري
وأبين من هذا في القضية كتابٌ آخر من إنشاء لسان الدين رحمه الله تعالى صورته:
من أمير المسلمين عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر، إلى محل أخينا الذي نثني على مجادته أكرم الثناء، ونجدد له ما سلف بين الأسلاف الكرام من الولاء، ونتحفه من سعادة الإسلام وأهله بالأخبار السارة والأنباء، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا، أبقاه الله تعالى رفيع المقدار، كريم المآثر والآثار، وعرفه من عوارف فضله كل مشرق الأنوار، كفيل بالحسنى وعقبى الدار: سلام كريم، بر عميم، يخص جلالكم الأرفع، ورحمة الله وبركاته.(1/91)
أما بعد حمد الله على عميم آلائه، وجزيل نعمائه، ميسر الصعب بعد إبائه، والكفيل بتقريب الفرج وإدنائه، له الحمد والشكر ملء أرضه وسمائه، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد خاتم رسله الكرام وأنبيائه، الهادي إلى سبيل الرشاد وسوائه، مطلع نور الخلق يجلو ظلم الشك بضيائه، والرضى عن آله وأصحابه وأنصاره وأحزابه وخلفائه، السائرين في الدنيا والآخرة تحت لوائه، الباذلين نفوسفهم في إظهار دينه القويم وإعلائه، والدعاء لمقامكم بتيسير أمله من فضل الله سبحانه ورجائه، واختصاصه بأوفر الحظوظ من اعتنائه، فإنا كتبناه إليكم - كتبكم الله تعالى فيمن ارتضى قوله وعمله من أوليائه، وعرفكم عوارف السعادة المعادة في نهاية كل أمر وابتدائه - من حمراء غرناطة، حرسها الله تعالى، ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم ببركة سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم الذي أوضح برهانه، وعظم أمره ورفع شانه، ثم بما عندنا من الود الكريم وتجديد العهد القديم لمقامكم أعلى الله تعالى سلطانه، إلا الخير الهامي السحاب، واليسر المتين الأسباب، واليمن المفتح الأبواب، والسعد الجديد الأثواب، ومقامكم معتمد بترفيع الجناب، متعهد بالود الخالص والاعتقاد اللباب، معلوم له من فضل الدين وأصالة الأحساب.(1/92)
وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم مديد الأطناب، ثاقب الشهاب، وأطلع عليكم وجوه البشائر سافرة النقاب، فإنه قد كان بلغكم ما آلت الحال إليه بطاغية قشتالة الذي كلب على هذه الأقطار الغربية من وراء البحار، وما ساماها من الإرهاق والأضرار، وأنه جرى في ميدان الإملاء والاغترار، ومحص المسلمون على يده بالوقائع العظيمة الكبار، وأنه نكث العهد الذي عقده، وحل الميثاق الذي أكده، وحمله الطمع الفاضح على أن أجلب على بلاد المسلمين بخيله ورجله، ودهمها بتيار سيله وقطع ليله، وأمل أن يستولي على جبل الفتح الذي يدعى منه فتحها، وطلع للملة المحمد ية صبحها، فضيقه حصاراً، واتخذه داراً، وعندما عظم الإشفاق، وأظلمت الآفاق، ظهر فينا لقدرة الله تعالى الصنع العجيب، ونزل الفرج القريب، وقبل الدعاء السميع المجيب، وطرق الطاغية، جندٌ من جنود الله تعالى أخذه أخذةً رابية، ولم يبق له من باقية، فهلك على الجبل حتف أنفه، وغالته غوائل حتفه، فتفرقت جموعه وأحزابه، وانقطعت أسبابه، وتعجل لنار الله تعالى مآبه، وأصبحت البلاد مستبشرة، ورحمة الله منتشرة، ورأينا أن هذه البشارة التي يأخذ منها كل مسلم بالنصيب الموفور، ويشارك فيما جلبته من السرور، أنتم أولى من نتحفه بطيب رياها، ونطلع عليه جميل محياها، لما تقرر عندنا من دينكم المتين، وفضلكم المبين، وعملكم من المساهمة على شاكلة صالحي السلاطين، فما ذلك إلا فضل نيتكم للمسلمين في هذه البلاد، وأثر ما عندكم من جميل الاعتقاد.(1/93)
وقد ورد رسولنا إليكم القائد أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح، أعزه الله تعالى، مقرراً ما لديكم من الود الراسخ القواعد، والخلوص الصافي الموارد، الواضح الشواهد، وأثنى على مكارمكم الأصيلة، وألقى ما عندكم من المذاهب الجميلة، فقابلنا ذلك بالشكر الذي يتصل سببه، ويتضح مذهبه، وسألنا الله أن يجعله وداً في ذاته، ووسيلة إلى مرضاته، وتعرفنا ما كان من تفضلكم بالطريدة المفتوحة المؤخر، وما صدر عن الرئيس المعروف بالناظر من خدام دار الصنعة بالمرية من قبح محاولته، وسوء معاملته، فأمرنا بقطع جرايته وثقافه بمطمورة القصبة جزاء لجنايته، ولولا أننا توقفنا أن يكون عظيم عقابه مما لا يقع من مقامكم بوفقه، لمشهور عفافه ورفقه، لجعلناه نكالاً لأمثاله، وعبرة لأشكاله، وقد وجهنا جفناً سفرياً لإيساق الخيل التي ذكرتم، وإيصال ما إليه من ذلك أشرتم، ويكمل القصد إن شاء الله تعالى تحت لحظ اعتنائكم، وفضل ولائكم.
هذا ما تزيد عندنا عرفناكم به، عملاً على شاكلة الود الجميل، والولاء الكريم الجملة والتفصيل، فعرفونا بما يتزيد عندكم يكن من جملة أعمالكم الفاضلة، ومكارمكم الحافلة، والله تعالى يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، والسلام الكريم عليكم ورحمة الله وبركاته؛ انتهى. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 4 / ص 436)
===============
رسالة في حاجة الأندلس إلى بر العدوة(1/94)
ومن إنشاء لسان الدين فيما يتعلق بالأندلس وانقطاعها، وأنها لا غنى لها عن العدوة وغير ذلك، ما صورته: المقام الذي بنور سعادته تنجلي الغماء وتتصل النعماء، من نيته قد حصل منها لجانب الله تعالى الانتماء، واتفقت منه المسميات والأسماء، مقام محل أبينا الذي تتفيأ هذه الجزيرة الغربية أفياء نيته الصالحة وعمله، وتثق بحسن العاقبة اعتماداً على وعد الله تعالى المنزل على خيرة رسله، وتجتني ثمار النجح من أفنان آرائه المتألقة تألق الصبح حالي ريثه وعجله، وتتعرف حالي المورود والمكروه عارفة الخير والخيرة من قبله، أبقاه الله تعالى يحسم الأدواء كلما استشرت، ويحلي موارد العافية كلما أمرت، ويعفي على آثار الأطماع الكاذبة مهما خدعت بخلبها وغرت، ويضمن سعده عودة الأمور إلى أفضل ما عليه استقرت، معظم مقامه الذي هو بالتعظيم حقيق، وموقر ملكه الذي لا يلتبس منه في الفخر والعز طريق، ولا يختلف في فضله العميم ومجده الكريم فريق.(1/95)
أما بعد حمد الله المثيب المعاقب، الكفيل لأهل التقوى بحسن العواقب، المشيد بالعمل الصالح إلى أرفع المراقي والمراقب، يهدي من يشاء ويضل من يشاء فبقضائه وقدره اختلاف المسالك والمذاهب، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الحاشر العاقب، ونبيه الكريم الرؤوف الرحيم ذي المفاخر السامية والمناقب، والرضى عن آله وأصحابه وأنصاره وأحزابه الذين ظاهروه في حياته بإعمال السمر العوالي والبيض القواضب، وخلفوه في أمتهبخلوص الضمائر عند شوب الشوائب، فكانوا في سماء ملته كالنجوم النجوم الثواقب، والدعاء لمقامكم الأسمى بالسعادة المعادة في الشاهد من الزمن والغائب، والنصر الذي يقضي بعز الكتائب، والصنع الذي تطلع من ثناياه غرر الصنائع العجائب، من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم بما عندنا من الاعتداد بمقامكم أعلى الله تعالى سلطانه، وشمل بالتمهيد أوطانه، إلا تشيع ثابت ويزيد، وإخلاص ما عليه في ميدان الاستطاعة مزيد، وتعظيم أشرف منه جيد، وثناء راق فوق رياضه تحميد وتمجيد.(1/96)
وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم، وحرس الطاهر الكريم مجدكم، فقد وصلنا كتابكم الذي هو على الخلوص والاعتقاد عنوان، وفي الاحتجاج على الرضى والقبول برهان، تنطق بالفضل فصوله، وتشير إلى كرم العقد فروعه الزكية وأصوله، ويحق أن ينسب إلى ذلك الفخر الأصيل محصوله، عرفتمونا بما ذهب إليه عيسى بن الحسين من الخلاف الذي ارتكبه، وسبيل الصواب الذي انتكبه، وتنبهون (1) على ما حده الحق في مثل ذلك وأوجبه، حتى لا يصل أحد من جهتنا سببه، ولا يظاهره مهما ندبه، ولا يسعف في الإيواء طلبه، فاستوفينا ما استدعاه ذلك البيان الصريح وجلبه، وخطه القلم الفصيح وكتبه، وليعلم مقامكم وهو من أصالة النظر غني عن الإعلام، ولكن لا بد من الاستراحة بالكلام، والتنفس بنفثات الأقلام، أننا إنما نجري أمورنا مع هذا العدو الكافر الذي رمينا بجواره، وبلينا والحمد لله بمصادمة تياره، على تعداد أقطاره، واتساع براريه وبحاره، بأن تكون الأمة المحمدية بالعدوتين تحت وفاق، وأسواق النفاق غير ذات نفاق، والجماهير تحت عهد لله تعالى وميثاق، فمهما تعرفنا أن اثنين اختلف منهما بالعدوتين عقد، ووقع بينهما في قبول الطاعة رد، ساءنا واقعه، وعظمت لدينا مواقعه، وسألنا أن يتدارك الخرق راقعه، لما نتوقعه من التشاغل عن نصرنا، وتفرغ العدو إلى ضرنا، فكيف إذا وقعت الفتنة في صقعنا وقطرنا، إنما هي شعلة في بعض بيوتنا وقعت، وحادثة إلى جهتنا أشرعت (2) ، وإن كان لسوانا لفظها فلنا معناها، وعلى وطننا يعود جناها، فنحن أحرص الناس على إطفائها وإخمادها، وأسعى في إصلاح فسادها، والمثابرة على كفها واستشهادها، وما الظن بدارٍ فسد بابها، وآمالٍ رثت أسبابها، وجزيرة لا تستقيم أحوال من بها إلا بالسكون، وسلم العدو المغرور المفتون، حتى تقضى من بإعانتكم الديون، وإن اضطرابها إنما هو داء
__________
(1) ق: وتنبهونا.
(2) ق: أسرعت؛ ص: شرعت.(1/97)
نستنصر من رأيكم فيه بطبيب، وهدف خطب نرميه من عزمكم بسهم مصيب، وأمر نضرع في تداركه إلى سميع للدعاء مجيب، ونحن في يد أمام يدكم، ومقصدنا فيه تبع لقصدكم، وتصرفنا على حد إشارتكم جار، وعزمنا إلى منتهى مرضاتكم متبار، وعقدنا في مشايعة أمركم متوار.
وقد كنا لأول اتصال هذا الخبر، القبيح العين والأثر، بادرنا تعريفكم بجميع ما اتصل بنا في شأنه، ولم نطو عنكم شيئاً من إسراه ولا إعلانه، وبعثنا رسولنا إلى بابكم العلي نعتد بسلطانه، ونرتجي تمهيد هذا الوطن بتمهيد أوطانه، وبادرنا بالمخاطبة من وجبت مخاطبته من أهل مربلة وأسطبونة نثبت بصائرهم ي الطاعة ونقويها، ونعدهم بتوجيه من يحفظ جهاتهم ويحميها، وعجلنا إلى بعضها مدداً من الرماة والسلاح ليكون ذلك عدة فيها، وعلمنا ما أوجب الله تعالى من الأعمال التي يزلف بها ويرتضيها، وكيف لا نظاهر أمركم الذي هو العدة المذخورة، والفئة الناصرة المنصورة، والباطل سراب يخدع، والحق إليه يرجع، والبغي يردي ويصرع، وكم تقدم في الدهر منتز شذ عن الطاعة، وخرج عن الجماعة ومخالف على الدول، في العصور الأول، بهرج الحق زائفه، ورجمت شهب الأسنة طائفه، وأخذت عليه الضيقة وهاده وتنائفه، فتقلص ظله ونبا به محله، وكما قال يذهب الباطل أهله، لا سيما وسعادة ملككم قد وطئت المسالك ومهدتها، وقهرت الأعداء وتعبدتها، وأطفأت جداول سيوفكم النار التي أوقدتها، وكأن بالأمور إذا أعلمتم فيها رأيكم السديد وقد عادت إلى خير أحوالها، والبلاد بيمن تدبيركم قد شفي ما ظهر من اعتلالها، وعلى كل حال فإنما نحن على تكميل مرضاتكم مبادرون، وفي أغراضكم الدينية واردون وصادرون، ولإشارتكم التي تضمن الخير والخيرة منتظرون، عندنا من ذلك عقائد لا يحتمل نصها التأويل، ولا يقبل صحيحها التعليل، فلتكن أبوتكم من ذلك على أوضح سبيل، فشمس النهار لا تحتاج إلى دليل، والله تعالى يثني لكم عوائد الصنع الجميل، حتى لا يدع عزمكم مغصوباً إلا(1/98)
رده، ولا ثلماُ في ثغر الدين إلا سده، ولا هدفاً متعاصياً إلا هده، ولا عرقاً من الخلاف إلا جده، وهو سبحانه يبقي ملككم ويصل سعده ويعلي أمره ويحرس مجده، والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته، انتهى نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 4 / ص 438)
=========
رسالة إلى غافل القلب
المدهش - (ج 1 / ص 106)
يا غافل القلب، ما هذا الكلام لك؟ ليس على الخراب خراج، لا يعرف البر إلا سائح، ولا البحر إلا سابح، ولا الزناد إلا قادح.
ضمنا يوم تنادوا للقا ... موقف يعرفه من عشقا
لما عشقت اللبلابة الشجر، تقلقلت طلباً لاعتناق الرؤس ولثم الخدود، فقيل لها مع الكثافة لا يمكن، فرضيت بالنحول، فالتفت فالتقت.
حبي والوجد أورياني سقما ... هذا جسمي يعد عظماً عظما
دعني والشوق قد كفاني خصما ... يا سهم البين قد أصبت المرمى
الفصل الخمسون
أخواني: من تفكر في ذنوبه بكى، ومن تلمح سير السابقين وانقطاعه شكا، ولا أقلق القلب مثل الحزن ولا نكا.
عند قلبي علاقة ما تقضى ... وجوى كلما ذوى عاد غضا
وبكاء على المنازل أبلتهن ... أيدي الأنام بسطاً وقبضا
من معيد أيام ذي الأثل أو ما ... قل منها دبنا علي وقرضا
سامحا بالقليل من عهد نجد ... ربما أقنع القليل وأرضى
مهدياً لي من طيب أرواح نجد ... ما يداوي نكس العليل المنضى
أخواني: تفكروا في ذنب أبيكم ونزوله بالزلل، ويكفيكم رمز إلى آدم بأنك عبد، في قوله " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى " لأن العبد ليس له إلا ما سد الجوعة وستر العورة، فجاء إبليس يطمعه في الملك، فلما خرج إلى الطمع خرج، نام في الجنة فانتبه وقد خلقت له حوى، فقال: ما هذا؟ قيل: من يريد النوم يخلق له ضجيج كفى بالشوق مسهراً، فلما وقع في الزلل طار النوم.
متى شق جيب الجنح بالبارق الومض ... وهبت قبول فالسلام على الغمض
بالأمس جبريل يسجد له، واليوم يجر بناصيته للإخراج، ولسان حاله يستغيث.(1/99)
حداة العيس رفقاً بالأسير ... ليغنم نظرة قبل المسير
ويا بان الحمى هل فيك ظل ... فعند حشاي مزدحم الزفير
ويا ريح الشمال بحق حبي ... وصدق هل مررت على الغدير
وهل سحبت على شيح ورند ... ذيولك يا مبلبلة الضمير
بكى على زلته ثلاثمائة عام حتى سالت الأودية من دموعه، اسمع يا من يضحك عند المعاصي.
سلوا بعدكم وادي الحمى ما أساله ... دمي ودموعي في هواكم أم القطر
وهل ما أراه الموت أم حادث النوى ... وهل هو شوق في فؤادي أم الجمر
كان يقول لولده: يا بني طال والله حزني على دار أخرجت منها، فلو رأيتها زهقت نفسك.
قف فتلك الطلول ... وابكها يا رسول
واقر عني سلامي ... من عليها نزول
رب سكان دار ... في فؤادي حلول
فاسأل الدار عنهم ... واستمع ما تقول
لي وللبين فيهم ... شرح حال يطول
قد كفاني غرامي ... لا تزد يا عذول
لست أدري إذا ما ... لمتني ما أقول
خلفوني معنى ... والمعنى حمول
قيل له: رد إقطاعنا فحل الإقطاع بجناية لقمة، فلما غسل آدم جناية الجناية رد الإقطاع عليه، لولا لطف " فتلقى " لقتله الأسف.
من لي من لي بوصل حب نازح ... لو بيع بمهجتي لكنت الرابح
صالح من عاش بالأماني صالح ... سامح في النقد يا حبيبي سامح
يا من جرى عليه ما جرى على أبيه، اسلك طريقه من البكاء.
خل دمع العين ينهمل ... بأن من تهواه فاحتملوا
كل دمع صانه كلف ... فهو يوم البين مبتذل
اكتب قصة الندم بمداد الدموع، وابعثها مع ريح الزفرات، لعل الجواب يصل برفع الجوى.
كيف لا أبكي على عيش مضى ... بعت عمري بحقير الثمن
كيف أرجو البرء من داء الهوى ... وطبيبي في الهوى أمرضني
انتبه لنفسك يا من كلما تحرك تعرقل، فيك جوهرية السباق ولكن تحتاج إلى رائض، قلبك محبوس. في سجن طبعك، مقيد بقيود جهلك، فإذا ترنم حاد تنفس مشتاق إلى الوطن، فالبس لامة عزمك وسر بجند جدك، لعلك تخلص هذا المسلم من أيدي الفراعنة.
أبالغوا يشتاق تلك النجودا ... رميت بقلبك مرمى بعيدا(1/100)
فؤاد أسير ولا يفند لي ... وجفن قتيل البكا ليس بودي
لك الحديث يا معرض، أنت المراد يا غافل، يا مستلذاً برد العيش تذكر حرقة الفرقة، يا من يسلمه موكلان إلى موكلين، ما لانبساطك وجه، إنما تملي عليها رسالة إلى ربك، وما أراك نمل، قبح ما تمل، يا جامد العين اليوم، غداً تدنو الشمس إلى الرؤس، فتفتح أفواه مسام العروق فتبكي كل شعرة بعين عروقها، يبرز يوسف الهيبة فيقد قميص الكون، نفخ الريح اليوم يحرك الشجر، ونفخ الصور غداً يعمل في الصور، ريح الدنيا بين مثير لاقح تثير دفائن النبات وتلقح الأشجار وتثير دفائن الأعمار، وريح الأخرى تلقح الأشباح للأرواح لقراءة دفاتر الأعمار، أين الذي نصبوا الآخرة بين أعينهم فنصبوا، وندبوا أنفسهم لمحو السيئات وندبوا، كان داود الطائي ينادي بالليل، همك عطل على الهموم، وحالف بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك حال بيني وبين اللذات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب.
يا مالك مهجتي ووالي ديني ... كم ينشرني الهوى وكم يطربني
هجرانك مع محبتي يضنيني ... هل تدركني بنظرة تحييني
إذا جن الغاسق جن العاشق.
طال ليلي دون صحي ... سهرت عيني وناموا
===========
واعجباً، لمن رأى هلاك جنسه ولم يتأهب لنفسه(1/101)
قال البازي للديك: ليس على الأرض أقل فاءاً منك، أخذك أهلك بيضة فحضنوك فلما خرجت جعلوا مهدك حجورهم ومائدتك أكفهم، حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت ها هنا وها هنا وصحت، وأنا أخذت مسناً من الجبال فعلموني ثم أرسلوني، فجئت بصيدي فقال له الديك: إنك لم تر بازياً مشوياً في سفود، وكم رأيت في سفود من ديك؟ أخواني الزهد في الدنيا زبد، مخض محض الفكر، حظ الحريص على الدنيا في الحضيض، والقنوع في أعلى الذرى، سائق الحرص يضرب ظهر الحريص بعصا التحريض، فلو قد عصى الهوى كفت العصا، كلما زاد على القوت فهو مستخدم الكاسب يا موغلاً في طلب الدنيا الحساب حبس، فإن صح لك الجواب تعوقت بمقدار التصحيح، وإن لم يصح فمطورة جهنم.
ويحك، طالع دستور عملك ترى كل فعلك عليك، من وقف على صراط التقوى وبيده ميزان المحاسبة ومحك الورع يستعرض أعمال النفس، وبرد البهرج إلى كير التوبة سلم من رد الناقد يوم التقبيض.
ويحك، سلطان الشباب قد تولى، وأمير الضعف قد تولى، ومعول الكبر يحصد حيطان دار الأجل، وحسبك داء أن تصح وتسلما، قف على ثنية الوداع نادباً قبل الرحيل على ديار الإلفة.
يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشى لأطلالك أن تبلى
والعشق أولى ما بكاه الفتى ... لا بد للمحزون أن يسلى
لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى
كان ثابت البناني يستوحش لفقد التعبد بعد موته، فيقول: يا رب إن كنت أذنت لأحد أن يصلي في قبره فأذن لي.المدهش - (ج 1 / ص 108)
=============
لما علم المحبون أن الموت يقطع التعبدات كرهوه لتدوم الخدمة،
المدهش - (ج 1 / ص 108)
جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام ليقبضه فلطم عينه، فإذا قامت القيامة باد إلى العرش طالت غيبته فاستعجل استعجال مشوق كانوا يحبون أماكن الذكر ومواطن الخلوة، والمؤمن ألوف للمعاهد عهد عند المحب لا ينساه، اسكن حراء.
احبسا الركب بوادي سلم ... فبذاك المنحنى طل دمي(1/102)
وانشدا قلبي في سكانه ... فمن السكان أشكو ألمي
أخذوا قلبي وأبقوا جسدي ... فوجودي بعده كالعدم
صل محباً جفنه لم ينم ... وابلائي أن خصمي حكمي
واعجباً للمحب يستر ذكر الحبيب، بذكر المنازل، وما يخفى مقصوده على السامع " أحد جبل يحبنا ونحبه " .
ألا اسقني كاسات دمعي وغنني ... بذكر سليمى والرباب وتنعم
وإياك واسم العامرية إنني ... أغار عليها من فم المتكلم
رياح الأسحار تحمل الرسائل وترد الجواب.
للخفاجي:
أفي نجد تحاورك القبول ... أظن الريح تفهم ما نقول
تغنت في رحال الركب حتى ... تشابهت الذوائب والذيول
صحبنا في ديارهم صباها ... يناوبها التنفس والنحول
وأمطرنا سحاب الدمع حتى ... حسبنا أنها مهج تسيل
وعجنا ذاهلين فما علمنا ... أنحن السائلون أم الطلول
ديار الأحباب درياق هموم المحبين على أنني منها استفدت غرامي، كان قيس إذا رحلت ليلى تعلل بالآثار واستشفى بالدمن واستنشق الصبا وشام برق بني عامر.
أقتل أدواء الرجال الوجد ... وق نجداً فالغرام مجد
حيث الرياض والنسيم أنف ... ودنف ما يستفيق بعد
إن الصبا إذا جرت قادحة ... نار الغرام ففؤادي الزند
تعدى المحبين الصبا كأنما ... لها على أهل الغرام حقد
لا تتلق نفحة نجدية ... هزلا فهزل النفحات جد
دع الصبا فعل الهواء كالهوى ... سيان منه قصره والمد
ما كبدي بعدك إلا جذوة ... لها بترجيع الحنين وقد
يسترها الجلد ولولا أدمعي ... ما كان قط ستر نار جلد
كيف ببرئي والطبيب ممرضي ... يصد والداء العضال الصد
النار قلبي والسموم نفسي ... والماء طرفي والتراب الخد
قد كنت أخفى عن عيون عذلي ... كذا وجود العاشقين فقد
============
رسالة عضد الدولة إلى ملك الروم
الأذكياء - (ج 1 / ص 54)(1/103)
حدثنا الحسين بن عثمان وغيره أن عضد الدولة بعث القاضي أبا بكر الباقلاني في رسالة إلى ملك الروم فلما ورد مدينته عرف الملك خبره وبين له محله من العلم فأفكر الملك في أمره ولعم أنه لا يفكر له إذا دخل عليه كما جرى رسم الرعية أن يقبل الأرض بين يدي الملك فنتجت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف لا يمكن أحد أن يدخل منه إلا راكعاً ليدخل القاضي منه على تلك الحال عوضاً من تفكيره بين يديه فلما وصل القاضي إلى نكان فطن بالقصة فأراد ظهره وحنى رأسه ودخل من الباب وهو يمشي إلى خلفه وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه رفع رأسه ونصب وجهه وأدار وجهه حينئذ إلى الملك فعلم الملك من فطنته وهابه.
=============
رسالةً إلى الصاحب شرف الدين الفائزي
نهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 382)
وكتب - رحمه الله تعالى - رسالةً إلى الصاحب شرف الدين الفائزي عندما ورد عليه كتابٌ يذكر أن رسول الخليفة وصل يلتمس إجابة لملك المعز أو لملوك الترك إلى صلح الملك الناصر صلاح الدين يوسف - وقد كان الناس يذكرون أن الملك الناصر يريد أن يهجم بعساكره على الديار المصرية، وأنه لا يجيب إلى الصلح، فلما جاء الرسول بذلك ظهر للناس خلاف ما ظنوه - :
لأمرك أمر الله بالنجح عاضد ... فصل آمرا فالدهر سيفٌ ساعد
وقل ما اقتضت علياك فالعز قائمٌ ... بأمرك والمجد المؤثل قاعد
ونم وادعا فالجد يقظان حارس ... لمجدك والعادي لبأسك راقد
فما تبرم الأيام ما الله ناقض ... ولا تنقض الأيام ما الله عاقد
وقد برزت بكر المكارم والعلا ... وفي جيدها من راحتيك قلائد
فحفت بها الأملاك وهي مواهب ... وسارت بها الركبان وهي محامد
وزفت لها النعماء وهي مصادر ... رفعنا لها الأمداح وهي موارد
فنثرها الإحسان وهي لآلىء ... ونظمها الإفضال وهي فرائد
فلا زلت محروس العلا يا ابن صاعدٍ ... وجدك في أفق السيادة صاعد(1/104)
تسر بك الدنيا ويبتهج الورى ... وتستوكف النعمى وتحوى المقاصد
ورد كتابٌ كريم، ونبأٌ عظيم؛ لم تجر ينبوعه جياد الأقلام، ولم تجد بنوئه عهاد الأيام، ولم تظفر بمثله أعياد الإسلام؛ فتلي على عذبات المنابر، وجلي على آماق الأبصار وأحداق البصائر؛ وكانت بشراه البكر العوان، لما ابتدأت به من البشارة ولما تلده من البشائر، وطليعة المسار التي واجهت الآمال ووجه السعد سافر، ومقدمة الأمن التي لا يسر بها إلا مؤمن ولا يساء بها إلا كافر؛ وتحية الله التي أحيت قلوب العباد، ومنة الله التي سكنت لها السيوف في الأغماد، ونعمة الله التي عمت كل حاضر وباد؛ ورحمة الله التي رحم بها هذه الأمة وما زال بالمؤمنين رحيما، وفضل الله على هذه الملة وكان فضل الله عليها عظيما؛ وسعادةً سارت بها الأيام إلى المقام المعزى بين الخبب والتقريب، ومركب عز ؟ قدمته عناية الله تقدمة الجنيب، وكتاباً عنايته هذا عطاء الله، وعنوانه " نصرٌ من الله وفتحٌ قريبٌ " ، وسلمٌ جلل وجه الإسلام برد لباسه القشيب، وسلامةٌ جنت يمين الإيمان ثمر غصنها الرطيب، وعز؟ ألبس الملك خلع شبابه بعد ما خلع غبار الوقائع عليه رداء المشيب، وشمس سعادةٍ منذ طلعت في أفقها لم تجنح للمغيب، ولطفٌ خفى قعد له كل حمدٍ وقام به كل خطيب، ومملكة تسمعها الأيام: قفا نضحك بمسار الإنعام لا قفا نبك من ذكرى حبيب، وغنيمة باردة حازتها يد الملك ولسان السنان غير ناطق وكف السيف غير خضيب
بتسديد رأىٍ لو رأته أميةٌ ... لما احتفلت يوما بقتل شبيب(1/105)
إلى غير ذلك من فكرةٍ صاحبيةٍ شرفيةٍ سكن الملك تحت ظلالها ونام، وقعد بأمرها وقام؛ وتحركت لها العزائم، وسكنت لها الصوارم، واستنزلت العصم وذعرت العواصم، وهممٍ إذا سمت سامت السماء وإذا همت أهمت الغمائم، وعز؟ تحت ظل ظلاله الشرف مقيم وفي خدمته المجد قائم، وعزمٍ استيقظ له جفن النصر والسيف في جفنه نائم، وسيف حزم على عاتق الملك منه نجادٌ وفي يد جبار السموات منه قائم؛ وآراءٍ استفتح عقائلها فأنجبت، ورمى غرض إصابتها فأكثبت، أي أصابت وأعمل رائدها فاستيقظت له الهمم والأنام نيام، وجلس في صدور رياستها والعالمون قيام، وتدبير أحكم بإبرام النقض ونقض الإبرام، وذعر به رابض الأسد وآنس به نافر الآرام؛ وأجال به خيله في مساري الأرقم، ومقر الهيثم، وأمضاه في مضايق خطبه فأغناه عن سن السنان وشفة اللهذم؛ هذا ولما صدقت عزائم المملكة التي نظم الله قلادة ملكها فليس لها انتثار، ولمعت كواكب اسلها في ليل الرهج وسماء الغبار، وبنت حوافر خيلها سورا من متراكم النقع المثار، وحصنتها يد الله بما أظهرته من كامن الغيب وأخفته من طلائع الأقدار، وحضنتها رعاية الله وله من القدر أعوانٌ ومن الملائكة أنصار
فعمت عموم الليل والليل مظلمٌ ... وجاءت مجيء الصبح والصبح مشرق
ومدت غماما من سنابك خيلها ... بسل المواضي المشرفيات يبرق
في كتائب إذا سارت سوابقها ملأت عرض الغبراء، وإذا نشرت خوافقها سترت وجه الخضراء؛ وكادت تذعر الآساد بمواضي حتوفها، وتسكن المنايا تحت ظلال سيوفها؛ لا سيما إذا أنجمت أنجم عواليها، ولمعت بروق مواضيها؛ وجاءت خيلها كالصخر الأصم والطود الأشم أعجازها وهواديها؛ من كل كميتٍ حلوٍ في الإزار، بين الشقرة والاحمرار، كأنه وردية العقار
يحس وقع الرزايا وهي نازلةٌ ... فينهب الجري نفس الحادث المكر(1/106)
وكل أشقر كأنما قد أديمه من لهب النار، معارٍ رداء الحسن، وأحق الخيل بالركض المعار، لا تعلق به المذاكي يوم رهان ولا تشق له الحوادث وجه غبار كأنما لبس ثوبا من خالص النضار
عتاق لو جرت والريح شأوا ... لفاتته وأوثقه إسار
غدت ولها حجول من لجينٍ ... وراحت وهي من علقٍ نضار
وكل أدهم كريم النجار، غذي اللبان الغزار، كأنما فصلت ثيابه من سواد الليل وصيغت حجوله من بياض النهار
بأغر يبتسم الصباح بوجهه ... حسنا ويسفر عن محياً مسفر
خلع الظلام عليه فضل ردائه ... وثنى من التحجيل ثوب مقصر
وكل أشهب أفرغ في قالب الكمال، وجيهي الأب أعوجى الخال، إن مشى ضاق بزهوه فسيح المجال، وإن سعى رأيت البرق ملجما بالثريا مسرجا بالهلال، كأنما انتعل خد الجنوب واشتمل بثوب الشمال
من الجياد التي لم تبد في رهج ... إلا أرتك بياض الصبح في غسق
ولا جرين مع النكباء في طلقٍ ... إلا احتقرت التماع البرق في الأفق
==============
رسالة إلى شارون
قبيح وجهك المرسوم من أشلاء قتلانا
جبان سيفك المسموم في أحشاء موتانا
وضيع صوتك المرصود في آنات أسرانا
إنجيلا .. وقرآنا
قبيح أنت يا خنزير كيف غدوت إنسانا
قبيح وجهك الملعون
مهان يا زمان العار أوسمة وتيجانا
ذليل يا زمان العجز كهانا وأوطانا
جبان يا زمان القهر من قد باع أوخان
خيول أسلمت لليأس رأيتها
فصار الجبن نيشانا
خيول باعها الكهان أمجادا وتاريخا وفرسانا
فصارت ساحة الفرسان يا للعار غلمانا
كسيح يا زمان العجز
حين ينام سيف الحق بين يديك خزيانا
قبيح يا زمان اليأس
حين يصير وجه القدس في عينيك أحزانا
يبول الفاسق العربيد جهرا في مساجدنا
يضاجع قدسنا سفها
ويقضي الليل في المحراب سكرانا
قبيح وجهك الملعون
ويسألني أمام القبر طفل
لماذا لا يزور الموت أوطانا سوانا
لماذا يسكر العربيد من أحشاء أمي
ويجعل خمره دوما … دمانا
أمام الكعبة الغراء صوت
يصيح الآن يصرخ في حمانا
أيا الله صار العدل سجانا(1/107)
أيا الله صار الحق بهتانا
أيا الله صار الملك طغيانا
وأضحى القهر سلطانا
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 294)
=============
رسالة الى المنفي
أخط إليك يا أجمد
بقايا نبضي المجهد
وعبر البحر والجدران والذكرى
تشد بأضلعي الخضراء
تلك الهمسة الحيرى
وذاك الخاطر المحتد
أخط إليك يا أحمد
إليك إليك في التشريد والتغريب يا مبعد
شراع الشوق يطوي في بحار النار
يضرب في ظلام الليل أعواما بلا مقود
يجد إليك يا أحمد
ويحمل من تراب الأرض شلالا
وغصنا أخضرا مالا
ليعطي النور أرض طريقنا الأبعد
اخط إليك يا أحمد
كتاب الشوق من أمي
ومن أصحابي التعساء
من فوارة الآلام من جيراني البؤساء
كتاب الشوق تكتبه دماء الخافق المسهد
ذكرتك غنوة خضرا
ذكرتك ثورة كبرى
ذكرتك يا قوي البأس في دوامة الذكرى
يزلزل صوتك الهادر
صروحا ليلها كفر
وستر نفاقنا الأسود
تغص طيورنا حسرى
على لحن بعيد الدار
تغص تغص لا وتر يمد اللحن في القيثار
طيور سمائنا جرحى
تظل تموت لا يوم ولا موعد
عيون صغارنا تدمع
قلوب صغارنا تدمع
بيوت الملح تسقط فوق هامتنا
وتكسر صفحة المجمع
عيون صغارنا تبكي
تصيح تصيح أن ترجع
فهلا عدت يا أحمد
بقايا من حديث النفس فوق السيف لم تكمل
وأشعار غزلت بها ثياب الناس لم تكمل
مشاوير مشينا بعضها عمرا
تركت الأرض والمشوار لم يكمل
وأحلام بنينا دارنا فيها،
هدمت الحلم والأسوار لم تكمل
إليك إليك يا أحمد
أقول بكل ما في الشعر من قوة
ستبقى ما بقي حرفي
ستبقى نار أشعاري
تحز خرافة الخوف
ستبقى في الدم الواري
عظيم الموت والمولد
***
أخط إليك يا أحمد
وأخشى أن أذوق الموت
أريد لقاك ينشلني بعيدا عن بحار الصمت
نريدك يا بهي السمت عملاقا عظيم الرفش والمحراث
قوي القرع والأجراس
نريدك يا بهي السمت تحرث عالم الأحزان
تحفر قبر آلامك
نريدك شعلة الإنسان
تغسل بؤس جيرانك
أخط إليك لا أحمد
تحية شوق انسانك
بعيد الدار يا أحمد
قريبا في عيون القلب يا أحمد(1/108)
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 386) شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> رسالة الى المنفي
============
رسالة إلى طفلتين في الضفة الشرقية
((إلى كرمة وعمر ))
يا كرمتي أودّ لو أطير
على جناح الشوق لو أطير
لكنّ توقي يا صغيرتي مقيّد أسير ...
يعجزني يا كرمتي العبور
فالنهر يقطع الطريق بيننا
وهم هنا يرابطون
كلعنهٍ سوداء هم هنا يرابطون
قد نسفوا نسفوا الجسور
وحرموني منك يا صغيرتي
وحرّموا العبور
الموت رابضٌ على النّهر
الموت رابضٌ لكل من عبر(1)
يا كرم يا غزالتي
العسل الصّافي المضيء في العيون
يوحشني كثير
والخصل الشقراء مثل القمح ، مثل -
موسم الحصاد في حقولنا
توحشني ، توحشني كثير
أود لو أطير يا غزالتي
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 53 / ص 436)
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> رسالة إلى طفلتين في الضفة الشرقية
==============
رسالة إلى ميت
حديثنا مضيعة للوقت
فإنني حي و أنت ميت
و بعد ما دفنت
لأني أؤمن بالشروق و الزهور
و رقصة الربيع في الوديان
و ضحكة الأحلام في الثغور
و نبضة الفرحة في الإنسان
و أنت لا تهوي سوى القبور
و النعق في الأطلال كالغربان
لأنني أمجد الحياة
أرشي ابياتي على شجعانها
الزراعي دروبها بالأمنيات
و الناثري الورد على أحزانها
و أنت لا تهوى سوى الرفات
لأني أحب كل طفله
أحب كل خصلة
أحب كل رمله
و أعشق الجبال و السهول و البحار
و أنت من بغضك تحيا في إسار
تود لو خنقت ضوء الشمس في النهار
و لو قتلت اللحن في المزمار
و لو وأدت الحب في الأفكار
-------------
فرانكفورت:
1977م
1397هـ
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 62 / ص 160)شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> رسالة إلى ميت
==============
رسالة إلى أبي
يفاجئني الذي اكتشفت : أنت في نفسي حللت !
في صوتي المرتج بعض صوتك القديم
في سحنتي بقية منن حزنك المنسل في ملامحك
وفي خفوت نبرتي ـ إذا انطفأت ـ ألمح انكساراتك
وأنت ..
عازفا حينا ،
وحينا مقبلا(1/109)
وراضيا ، تأخذني في بردك الحميم
أو عاتبا مغاضبا
فأنت في الحالين ، لن تصدني ..
وتستخير الله ، أنت تكون قد عدلت !
يفاجئني أنك لم تزل معي
وأنت شاخص في وقفتي الصماء ، والتفاتاتي
أرقبني فيك ،
وأستدير باحثا لدي عنك
تحوطني ، فأتكئ
تمسك بي ، إذا انخلعت
تردني لوجهتي
مقتحما كآبة الليل المقيم
الآن ، عندما اختلطنا
صرت واحدا ،
وصرت اثنين ،
عدت واحدا ،
عنك انفصلت ، واتصلت
لم أدر كم شجوك النبيل قد حملت
أضفته لغربتي
ومن إبائك الذي يطاول الزمان .. كم نهلت
فاكتملت معرفتي
واتسعت أحزان قلبي اليتيم
بالرغم من أبوتك
وأنت ناصحي المجرب الحكيم
لم تنجني من شقوتك !
أبي تراك في مكانك الأثير مانحي سكينتك
وقد فرغت من رغائب الحياة
فانسكبت شيخوختك
على مدارج الصفاء والرضا
وصار قوس الدائرة
أقرب ما يكون لاكتمالها الفريد
هأنذا ألوذ بك
أنا المحارب الذي عرفته ، المفتون بالنزال
وابنك ..
حينما يفاخر الآباء ، بالبنوة الرجال
منكسرا أعدو إليك
أشكو سراب رحلتي
وغربتي
ووحدتي
محتميا بما لديك من أبوتي
ولم يزل في صدرك الرحيب متسع
وفي نفاذ الضوء من بصيرتك
جلاء ظلمتي وكربتي
فامدد يدك الذي قد غاله الطريق
واخترقت سهامه صميمه .. فلم يقع
لكنه أتاك نازفا مضرجا
دماؤه تقوده إليك
زندبة في جبهتك
وصرخة مكتومة يطلقها .. إذا امقتع
هذا ابنك القديم ،
وابنك الجديد ..
يبحث فيك عن زمانه ،
وحلمه البعيد
فافتح له خزانتك !
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 62 / ص 285)
شعراء مصر والسودان >> فاروق شوشة >> رسالة إلى أبي
============
رسالة إلى فلسطين
"فلسطين ولبنان في حلقتان في سلسلة إرهاب واحدة .."
اصرخي .. ربما أفاد النواح
في زمان يسود فيه الصياح
في زمان تسود فيه المآسي
فشعار الوفاء فيه السلاح
في زمان تدار يه كؤوس
من دماء بريشة وتباح
اصرخي .. ربما تيقظ غافِ
وتخلى عن بغيهِ السفاح
اصرخي .. فالدموع تغسل قلباً
عصرته الآلام والأتراح
اصرخي .. فالذي يصونك ولي(1/110)
وحمى القوم للعدا مستباح
واقطفي وردة لينبت رمح
إنما تهزم العدو الرماح
قدسنا والقيود تدمي يديه
والمنى تحت رجله تنداح
ليله السرمدي لا يتواني
عن ظلام يتيه فيه الصباح
أين يغدو؟ لقد دعا فتلاشى
صوت الحر حين ضج النباح
آهِ من عصرنا ... ينادي ضعيف
فيجيب الصدى ويهوي الجناح
وينادي القوي حين ينادي
فتلبي نداءه الأشباح
كانت القدس وردة لمحب
يأسر القلب عطرها الفواح
فغدت مجمرا تشب به النا
رُ، وتُشوى في جمره الأرواح
أين أهلوك يا فلسطين؟ قالت:
بعضهم أجهزت عليه الرماح
وبقايا منهم .. يُسامون ظلما
وكثير منهم على الأرض ساحوا
أين أهلي؟ يا جوره من سؤال
تغتلي في حروفه الأتراح
أين أهلي؟ .. يطرزون الأماني
والأماني عن دربهم تتزاح
أين أهلي؟ .. مشردون وبأبي
مقفل والتئامهم مفتاح
أمتي أصبحت تجر خطاها
وبأحلامها تطير الرياح
جبنت أنفس ونامت عيون
فجراح تغدو .. وتأتي جراح
آه من وجه حرة يتلوى
أنا . والوجوه عنه تشاح
آه من ليل أمة يتمادى
وعلى كفها غفا المصباح
أمتي روضة فأين جناحها؟
ولماذا تقاعس الفلاح؟
جرحها اليوم نازف فلماذا
لا يداوي نزيفه الجراح؟
أظلم الليل حولها وتساوى
في حماها الهجاء والمداح
بلبل، كلما ابتغى طيرانا
حطمت نفسه وقص الجناح
بلبل يشرب الضياء بصمت
لم يعد ينتمي إليه الصداح
وسؤال يزيده رحساسا
بالمآسي .. متى يفك السراح؟
ومتى تنفض المآسي يديها
من حمانا وتستضيء البطاح؟
أي شرعية لحكم عدو؟
إنما دولة العدو سِفاح
لو جمعنا صفوفنا ما غدونا
كالمواشي يغدى بنا ويراح
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 63 / ص 263)شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> رسالة إلى فلسطين
================
رسالة عمر بن عبد العزير لعبد الحميد الكاتب(1/111)
الْعُقُوبَاتُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا >> تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ >> برقم( 249 )حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شَيْخٌ ، مِنَ الْأَزْدِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ يَقْرَأُ كِتَابًا يَتَعَجَّبُ مِنْ صِغَرِهِ ، وَالشَّعْبِيُّ يَتَعَجَّبُ مَا أَبْلَغَ فِيهِ وَأَوْجَزَ رِسَالَةً مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ ، " أَمَّا بَعْدُ : فَلَا تَغْتَرَّ يَا عَبْدَ الْحَمِيدِ بِتَأْخِيرِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْكَ ، وَإِنَّمَا يُعَجِّلُ مَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ ، وَالسَّلَامُ " (فيه جهالة)
===============
رسالة عمر لأعل عرب سوس(1/112)
الْأَمْوَالُ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ >> كِتَابُ افْتِتَاحِ الْأَرَضِينَ صُلْحًا وَأَحْكَامِهَا ، وَسُنَنِهَا >> بَابُ أَهْلِ الصُّلْحِ وَالْعَهْدِ يَنْكُثُونَ ، مَتَى تُسْتَحَلُّ دِمَاؤُهُمْ ؟ >> برقم( 410 ) عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ أَوْ سَعْدٍ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الشَّامِ ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ قَدْمَةً ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ مَدِينَةٌ يُقَالَ لَهَا : عرْبَ السوسِ ، وَإِنَّهُمْ لَا يُخْفُونَ عَلَى عَدُوِّنَا مِنْ عَوَرَاتِنَا شَيْئًا ، وَلَا يُظْهِرُونَنَا عَلَى عَوَرَاتِهِمْ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : فَإِذَا قَدِمْتَ فَخَيِّرِهُمْ بَيْنَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ مَكَانَ كُلِّ شَاةٍ شَاتَيْنٍ ، وَمَكَانَ كُلِّ بَعِيرٍ بَعِيرَيْنٍ ، وَمَكَانَ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئَيْنِ فَإِنْ رَضُوا بِذَلِكَ فَأَعْطِهِمْ ، وَخَرِّبْهَا فَإِنْ أَبَوْا فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ وَأَجِّلْهُمْ سَنَةً ، ثُمَّ خَرِّبْهَا ، فَقَالَ : اكْتُبْ لِي عَهْدًا بِذَلِكَ ، فَكَتَبَ لَهُ عَهْدًا ، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ عَلَيْهِمْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ، فَأَبَوْا فَأَجَّلَهُمْ سَنَةً ثُمَّ أَخْرَبَهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهَذِهِ مَدِينَةٌ بِالثَّغْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْحَدَثِ يُقَالَ لَهَا : عَرْبَ سُوس ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ هُنَاكَ ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ ، فَصَارُوا إِلَى هَذَا ، وَإِنَّمَا نَرَى عُمَرَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا عَرَضَ مِنَ الْجَلَاءِ ، وَأَنْ يُعْطُوا الضِّعْفَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، أَوْ أَنَّ النَّكْثَ كَانَ مِنْ طَوَائِفَ مِنْهُمْ دُونَ إِجْمَاعِهِمْ وَلَوْ أَطْبَقَتْ جَمَاعَتُهُمْ عَلَيْهِ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ(1/113)
شَيْئًا إِلَّا الْقِتَالَ وَالْمُحَارَبَةَ ، وَقَدْ كَانَ نَحْوٌ مِنْ هَذَا قَرِيبًا الْآنَ فِي دَهْرِ الْأَوْزَاعِيِّ بِمَوْضِعٍ بِالشَّامِ ، يُقَالَ لَهُ : جَبَلُ اللُبْنَانَ ، وَكَانَ بِهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ فَأَحْدَثُوا حَدَثًا ، وَعَلَى الشَّامِ يَوْمَئِذٍ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ ، فَحَارَبَهُمْ وَأَجْلَاهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ ، فِيمَا ذَكَرَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْهُ ، بِرِسَالَةٍ طَوِيلَةٍ ، فِيهَا : قَدْ كَانَ مِنْ إِجْلَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، مِنْ أَهْلِ جَبَلِ لُبْنَانَ ، مِمَّا لَمْ يَكُنْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ خُرُوجُ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ ، وَلَمْ تُطْبِقْ عَلَيْهِ جَمَاعَتُهُمْ ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ طَائِفَةً ، وَرَجَعَ بَقِيَّتُهُمْ إِلَى قَرَاهُمْ ، فَكَيْفَ تُؤْخَذُ عَامَّةٌ بِعَمَلِ خَاصَّةٍ ؟ فَيَخْرُجُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ؟ وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْخَاصَّةَ بِعَمَلِ الْعَامَّةِ ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، فَأَحَقُّ مَا اقْتُدِيَ بِهِ وَوُقِفَ عَلَيْهِ حُكْمُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَأَحَقُّ الْوَصَايَا بِأَنْ تُحْفَظَ وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ : مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ فَأَنَا حَجِيجُهُ ، مَنْ كَانَتْ لَهُ حُرْمَةٌ فِي دَمِهِ فَلَهُ فِي مَالِهِ وَالْعَدْلُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِعَبِيدٍ فَتَكُونُوا مِنْ تَحْوِيلِهِمْ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ فِي سَعَةٍ ، وَلَكِنَّهُمْ أَحْرَارٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ ، يُرْجَمُ مُحْصِنُهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ ، وَيُحَاصُّ نِسَاؤُهُمْ نِسَاءَنَا مِنْ(1/114)
تَزَوَّجَهُنَّ مِنَّا الْقَسَمُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالْعِدَّةُ سَوَاءٌ - ثُمَّ ذَكَرَ رِسَالَةً طَوِيلَةً ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثٌ مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ ، وَهِيَ جَزِيرَةٌ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالرُّومِ ، قَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ صَالَحَهُمْ وَعَاهَدَهُمْ عَلَى خَرْجٍ يُؤَدُّونَهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يُؤَدُّونَ إِلَى الرُّومِ خَرْجًا أَيْضًا ، فَهُمْ ذِمَّةٌ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ عَلَى الثُّغُورِ ، فَكَانَ مِنْهُمْ حَدَثٌ أَيْضًا ، أَوْ مِنْ بَعْضُهُمْ ، رَأَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ ذَلِكَ نَكْثٌ لِعَهْدِهِمْ وَالْفُقَهَاءُ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ ، فَكَتَبَ إِلَى عِدَّةٍ مِنْهُمْ يُشَاوِرُهُمْ فِي مُحَارَبَتِهِمْ ، فَكَانَ مِمَّنْ كَتَبَ إِلَيْهِ : اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ ، وَمَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ ، فَكُلُّهُمْ أَجَابَهُ عَلَى كِتَابِهِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَوَجَدْتُ رَسَائِلَهُمْ إِلَيْهِ قَدِ اسْتُخْرِجَتْ مِنْ دِيوَانِهِ ، فَاخْتَصَرْتُ مِنْهَا الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ وَقَصَدُوا لَهُ ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِي الرَّأْيِ ، إِلَّا أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ وَالْوَفَاءِ لَهُمْ ، وَإِنْ غَدَرَ بَعْضُهُمْ ، أَكْثَرُ مِمَّنْ أَشَارَ بِالْمُحَارَبَةِ ، فَكَانَ مما كَتَبَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ لَمْ نَزَلْ نَتَّهِمُهُمْ بِالْغِشِّ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْمُنَاصَحَةِ لَأَهْلِ(1/115)
الرُّومِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ وَلَمْ يَقُلْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : لَا تَنْبِذْ إِلَيْهِمْ حَتَّى تَسْتَبِينَ خِيَانَتَهُمْ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَنْبِذَ إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ يُنْظَرُوا سَنَةً يَأْتَمِرُونَ ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْهُمُ اللِّحَاقَ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، عَلَى أَنْ يَكُونَ ذِمَّةً يُؤَدِّي الْخَرَاجَ فَعَلَ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَحِي إِلَى الرُّومِ فَعَلَ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِقُبْرُسَ عَلَى الْحَرْبِ أَقَامَ ، فَيُقَاتِلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا يُقَاتِلُونَ عَدُوَّهُمْ فَإِنَّ فِي إِنْظَارِ سَنَةٍ قَطْعًا لِحُجَّتِهِمْ وَوَفَاءً بِعَهْدِهِمْ ، وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : إِنَّا لَا نَعْلَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ قَوْمًا فَنَقَضُوا الْعَهْدَ إِلَّا اسْتَحَلَّ قَتْلَهُمْ ، غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ نَقْضُهُمُ الَّذِي اسْتَحَلَّ بِهِ غَزْوَهُمْ : أَنْ قَاتَلْتَ حُلَفَاؤُهُمْ مِنْ بَنِي بَكْرٍ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُزَاعَةَ فَنَصَرَ أَهْلُ مَكَّةَ بَنِي بَكْرٍ عَلَى حُلَفَائِهِ ، فَاسْتَحَلَّ بِذَلِكَ غَزْوَهُمْ ، وَنَزَلَتْ فِي الَّذِينَ نَقَضُوا أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَنَزَلَتْ فِيهِمْ أَيْضًا : إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ(1/116)
عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ وَكَانَ فِيمَا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ فِي صُلْحِهِ : أَنَّ مَنَ أَكَلَ مِنْهُمْ رِبًا مِنْ ذِي قَبْلُ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ . وَالَّذِي انْتَهَى إِلَيْنَا مِنَ الْعِلْمِ : أَنَّ مَنَ نَقَضَ شَيْئًا مِمَّا عُوهِدَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى نَقَضِهِ ، فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : إِنَّ أَمَانَ أَهْلِ قُبْرُسَ كَانَ قَدِيمًا مُتَظَاهِرًا مِنَ الْولَاةِ لَهُمْ ، يَرَوْنَ أَنَّ أَمَانَهُمْ وَإِقْرَارَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ ذُلٌّ وَصَغَارٌ لَهُمْ ، وَقُوَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ : لِمَا يَأْخُذُونَ مِنْ جِزْيَتِهِمْ وَيُصِيبُونَ بِهِمْ مِنَ الْفُرْصَةِ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْولَاةِ نَقَضَ صُلْحَهُمْ ، وَلَا أَخْرَجَهُمْ مِنْ مَكَانِهِمْ ، وَأَنَا أَرَى أَنْ لَا تَعْجَلْ بِنَقْضِ عَهْدِهِمْ وَمُنَابَذَتِهِمْ حَتَّى يُعْذَرَ إِلَيْهِمْ ، وَتُؤْخَذَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ : فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهُمْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِيمُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَتْرُكُوا غِشَّهُمْ وَرَأَيْتَ أَنَّ الْغَدْرَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِهِمْ أَوْقَعْتَ بِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَكَانَ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ ، فَكَانَ أَقْوَى لَكَ عَلَيْهِمْ ، وَأَقْرَبَ مِنَ النَّصْرِ لَكَ وَالْخِزْيِ لَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ(1/117)
إِلَيْهِ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ : إِنَّهُ قَدْ كَانَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا فِيمَا خَلَا ، فَيَنْظُرُ فِيهِ الْولَاةُ ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى نَقَضَ عَهْدَ أَهْلِ قُبْرُسَ ، وَلَا غَيْرِهَا ، وَلَعَلَّ جَمَاعَتَهُمْ لَمْ تُمَالِئْ عَلَى مَا كَانَ مِنْ خَاصَّتِهِمْ ، وَإِنِّي أَرَى الْوَفَاءَ لَهُمْ وَإِتْمَامَ تِلْكَ الشُّرُوطِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمُ الَّذِي كَانَ . قَالَ مُوسَى : وَقَدْ سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ فِي قَوْمٍ صَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَخْبَرُوا الْمُشْرِكِينَ بِعَوْرَتِهِمْ وَدَلُّوهُمْ عَلَيْهَا - قَالَ : إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ ، وَخَرَجَ مِنْ ذِمَّتِهِ ، فَإِنْ شَاءَ الْوَالِي قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ وَإِنْ كَانَ مُصَالِحًا لَمْ يَدْخُلْ ذِمَّةً نَبَذَ إِلَيْهِمُ الْوَالِي عَلَى سَوَاءٍ : إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ : إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ أَذِلَّاءُ مَقْهُورُونَ ، تَغْلِبُهُمُ الرُّومُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَنِسَائِهِمْ ، فَقَدْ يَحِقُّ عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَهُمْ وَنَحْمِيهِمْ ، وَقَدْ كَتَبَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ لِأَهْلِ أَرْمِينِيَةَ أَنَّهُ إِنْ عَرَضَ لِلْمُسْلِمِينَ شُغْلٌ عَنْكُمْ وَقَهْرِكُمْ فَإِنَّكُمْ غَيْرُ مَأْخُوذِينَ ، وَلَا نَاقِضٌ ذَلِكَ عَهْدَكُمْ ، بَعْدَ أَنْ تَفُوا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ يُقَرُّوا عَلَى عَهْدِهِمْ وَذِمَّتِهِمْ ، فَإِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ قَدْ كَانَ أَجْلَاهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَاسْتَفْظَعَ ذَلِكَ وَاسْتَعْظَمَهُ فُقَهَاءُ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَمَّا وَلِيَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَدَّهُمْ إِلَى قُبْرُسَ ، فَاسْتَحْسَنَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ(1/118)
وَرَأَوْهُ عَدْلًا . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ : إِنَّ أَمْرَ قُبْرُسَ كَأَمْرِ عَرْبَسُوسَ ، فَإِنَّ فِيهَا قُدْوَةً حَسَنَةً وَسُنَّةً مُتَّبَعَةً ، فَإِنْ صَارَتْ قُبْرُسُ لِعَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا صَارَتْ إِلَيْهِ عَرْبَسُوسُ ، فَإِنَّ تَرْكَهَا عَلَى حَالِهَا وَالصَّبْرَ عَلَى مَا كَانَ فِيهَا ، لِمَا فِي ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ جَزَيْتِهَا وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِمَّا فِيهَا أَفْضَلُ ، وَإِنَّمَا كَانَ أَمَانُهَا وَتَرْكُهَا لِذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَهْدٍ بِمِثْلِ مَنْزِلَتِهِمْ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ إِلَّا وَمِثْلُ ذَلِكَ يُتَّقَى مِنْهُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، وَكُلُّ أَهْلِ عَهْدٍ لَمْ يُقَاتِلِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَتَمْضِ أَحْكَامُهُمْ فِيهِمْ ، فَلَيْسُوا بِذِمَّةٍ ، وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ فِدْيَةٍ ، يُكَفُّ عَنْهُمْ مَا كَفُّوا ، وَيُوَفَّى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ مَا وَفَّوْا ، وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ عَفْوُهُمْ مَا أَدَّوْا ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ إِلَّا بَعْدَ تَقِيَّةٍ يَتَّقُونَهَا مِنْهُمْ أَوْ ضَعْفٍ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ ، أَوْ شُغْلٍ عَنْهُمْ بِغَيْرِهِمْ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا مِنَ الْعَدُوِّ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُضْطَرِينَ إِلَى صُلْحِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُمْ يَكُونُونَ أَغْنِيَاءَ أَعِزَّاءَ فِي صُلْحِهِمْ ، لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ ذِلَّةٌ وَلَا صَغَارٌ . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ ، وَمَخْلَدِ بْنِ حُسَيْنٍ : وَإِنَّا لَمْ نَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِأَمْرِ قُبْرُسَ مِنْ أَمْرِ عَرْبَسُوسَ ، وَمَا(1/119)
حَكَمَ فِيهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، ثُمَّ ذَكَرَا مِثْلَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهَا ، وَقَدْ كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يُحَدِّثُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فَتَحُوا قُبْرُسَ ، فَتَرَكُوا أَهْلَهَا عَلَى حَالِهِمْ ، وَصَالَحُوهُمْ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِينَارٍ : سَبْعَةُ آلَافٍ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَسَبْعَةُ آلَافٍ لِلرُّومِ ، عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُوا الْمُسْلِمِينَ أَمْرَ عَدُوِّهِمْ ، وَلَا يَكْتُمُوا الرُّومُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ : مَا وَفَّى لَنَا أَهْلُ قُبْرُسَ قَطُّ ، وَإِنَّا نَرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَهْلُ عَهْدٍ ، وَأَنَّ صُلْحَهُمْ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فِيهِ شَرْطٌ لَهُمْ وَشَرْطٌ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّهَ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ غَدْرُهُمْ وَنَكْثُ عَهْدِهِمْ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَأَرَى أَكْثَرَهُمْ قَدْ وَكَّدَ الْعَهْدَ وَنَهَى عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ حَتَّى يُجْمِعُوا جَمِيعًا عَلَى النَّكْثِ ، وَهَذَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ يُتَّبَعَ وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ الْعَوَّامُ بِجِنَايَةِ الْخَاصَّةِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمُمَالَأَةٍ مِنْهُمْ وَرَضًى بِمَا صَنَعَتِ الْخَاصَّةُ ، فَهُنَاكَ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
================
رسالة عمر بن عبد العزيز للأمة(1/120)
الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ >> طَبَقَاتُ الْبَدْرِيِّينَ مِنَ الْأَنْصَارِ >> الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ التَّابِعِينَ >> عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ >> برقم( 6452 ) عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَمِدَ اللَّهَ , ثُمَّ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ , ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ , أَصْلِحُوا آخِرَتَكُمْ تَصْلُحْ لَكُمْ دُنْيَاكُمْ , وَأَصْلِحُوا سَرَائِرَكُمْ تَصْلُحْ لَكُمْ عَلَانِيَتَكُمْ , وَاللَّهِ إِنَّ عَبْدًا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ أَبٌ لَهُ إِلَّا قَدْ مَاتَ إِنَّهُ لَمُعْرَقٌ لَهُ فِي الْمَوْتِ "
=============
رسالة عمر بن عبد العزيز لعامله حول الاقتصاد في النفقات
الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ >> طَبَقَاتُ الْبَدْرِيِّينَ مِنَ الْأَنْصَارِ >> الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ التَّابِعِينَ >> عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ >> برقم( 6465 ) عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ : أَمَّا بَعْدُ , فَكَتَبْتُ تَذْكُرُ أَنَّ الْقَرَاطِيسَ الَّتِي قَبْلَكَ قَدْ نَفِدَتْ وَقَدْ قَطَعْنَا لَكَ دُونَ مَا كَانَ يُقْطَعُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَكَ , فَأَدِقَّ قَلَمَكَ , وَقَارِبْ بَيْنَ أَسْطُرِكَ , وَاجْمَعْ حَوَائِجَكَ ؛ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ "
==============
رسالة عمر بن عبد العزيز ليزيد بن عبد الملك(1/121)
الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ >> طَبَقَاتُ الْبَدْرِيِّينَ مِنَ الْأَنْصَارِ >> الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ التَّابِعِينَ >> عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ >> برقم ( 6497 ) أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ حَسَّانَ التَّيْمِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ : سَلَامٌ عَلَيْكَ , أَمَّا بَعْدُ , فَإِنِّي لَا أُرَانِي إِلَّا لِمَا بِي , وَلَا أَرَى الْأَمْرَ إِلَّا سَيُفْضِي إِلَيْكَ وَاللَّهِ اللَّهُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَدَعُ الدُّنْيَا لِمَنْ لَا يَحْمَدُكُ , وَتُفْضِي إِلَى مَنْ لَا يُعْذُرُكَ , وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ "
=============
رسالة حول فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ(1/122)
شَرْحُ أُصُولِ الاعْتِقَادِ >> بَابُ جُمَّاعِ الْكَلَامِ فِي الْإِيمَانِ >> بَابُ جِمَاعِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ >> برقم( 1930 ) ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ ، قَالَ : نا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي الطَّيِّبِ يَقُولُ : حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ الصَّايِغُ ، وَأَشَارَ إِلَى أُسْطُوَانَةِ الْجَامِعِ , يَعْنِي بِمَدِينَةِ الْمَنْصُورِ ، يَقُولُ : عِنْدَ تِلْكَ الْأُسْطُوَانَةِ ، قَالَ : " إِنَّهُ كَانَ فِي جِيرَانِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَجُلٌ ، وَكَانَ مِمَّنْ يُمَارِسُ الْمَعَاصِيَ وَالْقَاذُورَاتِ ، فَجَاءَ يَوْمًا مَجْلِسَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَدًّا تَامًّا ، وَانْقَبَضَ مِنْهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِمَ تَنْقَبِضُ مِنِّي ؟ إِنِّي قَدِ انْتَقَلْتُ عَمَّا كُنْتَ تَعْهَدُهُ مِنِّي بِرُؤْيَا رَأَيْتُهَا . قَالَ : وَأَيُّ شَيْءٍ رَأَيْتَ تَقَدَّمَ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ كَأَنَّهُ عَلَى عُلُوٍّ مِنَ الْأَرْضِ ، وَنَاسٌ كَثِيرٌ أَسْفَلَ جُلُوسٌ ، قَالَ : فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَيْهِ ، فَيَقُولُونَ : ادْعُ لَنَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنَ الْقَوْمِ غَيْرِي ، قَالَ : فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ قُبْحِ مَا كُنْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : يَا فُلَانُ ، لِمَ لَا تَقُومُ وَتَسْأَلُنِي أَدْعُو لَكَ ؟ فَكَأَنِّي قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَقْطَعُنِي الْحَيَاءُ مِنْ قُبْحِ مَا أَنَا عَلَيْهِ ، قَالَ : إِنْ كَانَ يَقْطَعُكَ الْحَيَاءُ فَقُمْ فَسَلْنِي أَدْعُو لَكَ ، إِنَّكَ لَا تَسُبُّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي ، قَالَ :(1/123)
فَقُمْتُ فَدَعَا لِي ، قَالَ : فَانْتَبَهْتُ ، وَقَدْ بَغَّضَ اللَّهُ إِلَيَّ مَا كُنْتُ عَلَيْهِ " ، قَالَ : فَقَالَ لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : يَا جَعْفَرُ ، يَا فُلَانُ ، يَا فُلَانُ حَدِّثُوا بِهَذَا ، وَاحْفَظُوا فَإِنَّهُ يَنْفَعُ " حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَيَّاطُ ، شَيْخٌ صَالِحٌ كَانَ فِي جِوَارِنَا ، وَكَانَ يَسْكُنُ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ ، فَانْتَقَلَ إِلَى الْغَرْبِيِّ ، وَكَانَ فِي خِدْمَةِ شَاشُنَيْكِيرَ الْحَاجِبِ ، قَالَ : كَانَ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ فِي وَقْتٍ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ بُوَيْهِ رَجُلٌ دَيْلَمِيٌّ مِنْ قُوَّادِهِ يُسَمَّى جَبْنَه مَشْهُورٌ ، وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ عَسْكَرِهِ ، وَيَذْكُرُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لِهَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مَشْهُورًا لَهُ مَالٌ وَنَجْدَةٌ وَجَمَالٌ ، قَالَ : بَيْنَمَا هُوَ وَاقِفٌ يَوْمًا فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ بِبَغْدَادَ ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى مَكَّةَ إِذْ عَبَرَ بِهِ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِعَلِيٍّ الدَّقَّاقِ الْمَعَافِرِيِّ ، قَالَ يُوسُفُ : هُوَ حَدَّثَنِي بِهَذِهِ الْقِصَّةِ ، وَشَرَحَهَا إِذْ هُوَ صَاحِبُهَا ، وَالْمُبْتَلَى بِهَا , وَكُنْتُ أَسْمَعُ غَيْرَهُ مِنَ النَّاسِ يَذْكُرُونَهَا لِشُهْرَتِهَا ، إِلَّا إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ : عَبَرْتُ عَلَى جَبْنَةَ ، فَقَالَ لِي : يَا عَلِيُّ هُوَ ذَا تَحُجُّ هَذِهِ السَّنَةَ ؟ قُلْتُ : لَمْ تَتَّفِقْ لِي حَجَّةٌ إِلَّا الْآنَ ، وَأَنَا فِي طَلَبِهَا ، فَقَالَ لِي جَوَابًا عَنْ كَلَامِي : أَنَا أُعْطِيكَ حَجَّةً . فَقُلْتُ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِحَّ فِي نَفْسِي كَلَامُهُ : هَاتِهَا ، فَقَالَ : يَا غُلَامُ مُرَّ إِلَى عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيِّ وَقُلْ لَهُ يَزِنْ لَكَ عِشْرِينَ(1/124)
دِينَارًا ، فَمَرَرْتُ مَعَ غُلَامِهِ فَوَزَنَ لِي عُثْمَانُ عِشْرِينَ دِينَارًا وَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي : أَصْلِحْ أُمُورَكَ ، فَإِذَا عَزَمْتَ عَلَى الرَّحِيلِ فَأَرِنِي وَجْهَكَ لِأُوصِيَكَ بِوَصِيَّةٍ ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ ، وَهَيَّأْتُ أُمُورِي ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لِي أَوَّلًا : قَدْ وَهَبْتُ هَذِهِ الْحَجَّةَ لَكَ ، وَلَا حَاجَةَ لِي فِيهَا ، وَلَكِنْ أُحَمِّلُكَ رِسَالَةً إِلَى مُحَمَّدٍ . فَقُلْتُ : مَا هِيَ ؟ قَالَ : قُلْ لَهُ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ صَاحِبَيْكَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اللَّذَيْنِ هُمَا مَعَكَ ، ثُمَّ حَلَّفَنِي بِالطَّلَاقِ إِنَّكَ لَتَقَولَنَّهَا ، وَتُبَلِّغَنَّ هَذِهِ الرِّسَالَةَ إِلَيْهِ , فَوَرَدَ عَلَيَّ مَوْرِدٌ عَظِيمٌ ، وَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ مَهْمُومًا حَزِينًا ، وَحَجَجْتُ ، وَدَخَلْتُ الْمَدِينَةَ ، وَزُرْتُ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَصِرْتُ مُتَرَدِّدًا فِي الرِّسَالَةِ ، أُبَلِّغُهَا أَمْ لَا ؟ وَفَكَّرْتُ فِي أَنِّي إِنْ لَمْ أُبَلِّغْهَا طُلِّقَتِ امْرَأَتِي ، وَإِنْ بَلَّغْتُهَا عَظُمَتْ عَلَيَّ مِمَّا أُوَاجِهُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْقَوْلِ ، وَقُلْتُ : إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا , وَأَدَّيتُ الرِّسَالَةَ بِعَيْنِهَا ، وَاغْتَمَمْتُ غَمًّا شَدِيدًا ، وَتَنَحَّيْتُ نَاحِيَةً ، فَغَلَبَتْنِي عَيْنَايَ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : قَدْ سَمِعْتُ الرِّسَالَةَ الَّتِي أَدَّيْتَهَا ، فَإِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ : أَبْشِرْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ(1/125)
مِنْ قُدُومِكَ بَغْدَادَ بِنَارِ جَهَنَّمَ . وَقُمْتُ وَخَرَجْتُ ، وَرَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ ، فَلَمَّا عَبَرْتُ إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ ، فَكَّرْتُ وَقُلْتُ : إِنَّ هَذَا رَجُلُ سَوْءٍ ، بَلَّغْتُ رِسَالَتَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أُبَلِّغُ رِسَالَتَهُ إِلَيْهِ ، وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا حَتَّى يَأْمُرَ بِقَتْلِي أَوْ يَقْتُلَنِي بِيَدِهِ ، وَأَخَذْتُ أُقَدِّمُ وَأُؤَخِّرُ ، فَقُلْتُ : لَأَقُولَنَّهَا لَوْ كَانَ فِيهَا قَتْلِي ، وَلَا أَكْتُمُ رِسَالَتَهُ ، وَأُخَالِفُ أَمْرَهُ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِي ، فَمَا هُوَ أَنْ وَقَعَ عَيْنُهُ عَلَيَّ ، فَقَالَ لِي : يَا دَقَّاقُ مَا عَمِلْتَ فِي الرِّسَالَةِ ؟ قُلْتُ : أَدَّيْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنْ قَدْ حَمَّلَنِي جَوَابَهَا ، قَالَ : مَا هِيَ ؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ رُؤْيَايَ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ ، وَقَالَ : إِنَّ قَتْلَ مِثْلِكَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ، وَسَبَّ وَشَتَمَ ، وَكَانَ بِيَدِهِ زَوْبَيْنُ يَهُزُّهُ ، فَهَزَّهُ فِي وَجْهِي ، وَلَكِنْ لَأَتْرُكَنَّكَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ذَكَرْتَهُ بِهَذَا الزَّوْبَيْنِ ، وَأَشَارَ إِلَى الزَّوْبَيْنِ ، وَلَامَنِي الْحَاضِرُونَ ، وَقَالَ لِغُلَامِهِ : احْبِسْهُ فِي الْإِسْطَبْلِ وَقَيِّدْهُ . فَحُبِسْتُ وَقُيِّدْتُ ، وَجَاءَنِي أَهْلِي وَبَكَوْا عَلَيَّ وَرَثَوْا لِي وَلَامُونِي ، فَقُلْتُ : قُضِيَ الَّذِي كَانَ ، وَلَا مَوْتَ إِلَّا بِأَجَلٍ ، وَلَمْ تَزَلْ تَمُرُّ بِيَ الْأَيَّامُ ، وَالنَّاسُ يَتَفَقَّدُونَنِي ، وَيَرْحَمُونَنِي فِيمَا أَنَا فِيهِ ، حَتَّى مَضَتْ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ ،(1/126)
وَاتَّخَذَ الدَّيْلَمِيُّ دَعْوَةً عَظِيمَةً أحْضَرَ فِيهَا عَامَّةَ وُجُوهِ قُوَّادِ الْعَسْكَرِ ، وَجَلَسَ مَعَهُمْ لِلشُّرْبِ ، فَلَمَّا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ جَاءَنِي السَّايِسُ ، فَقَالَ : يَا دَقَّاقُ ، الْقَائِدُ أَخَذَتْهُ حُمَّى عَظِيمَةٌ ، وَقَدْ تَدَثَّرَ بِجَمِيعِ مَا فِي الدَّارِ وَوَقَعَ عَلَيْهِ الْغِلْمَانُ فَوْقَ الثِّيَابِ ، وَهُوَ يَنْتَفِضُ فِي الثِّيَابِ نَفْضًا عَظِيمًا ، وَكَانَ عَلَى حَالَتِهِ الْيَوْمَ الثَّامِنَ وَالْعِشْرِينَ ، وَأَتَى لَيْلَةُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ ، وَدَخَلَ السَّايِسُ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَقَالَ : يَا دَقَّاقُ مَاتَ الْقَائِدُ ، وَحَلَّ عَنِّي الْقَيْدَ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا اجْتَمَعَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَجَلَسَ الْقُوَّادُ لِلْعَزَاءِ ، وَأُخْرِجْتُ أَنَا ، وَكَانَتْ قِصَّتِي مَشْهُورَةً ، وَاسْتَعَادُونِي فَقَصَصْتُ عَلَيْهِمْ ، وَرَجَعَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ عَنْ مَذَاهِبِهِمُ الرَّدِيَّةِ ، وَخُلِّيتُ أَنَا "
=============
رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خزاعة(1/127)
مصنف ابن أبي شيبة برقم( 36903) عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، قَالَ : كُنْت مَعَ أَبِي إِسْحَاقَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَسَايَرَنَا رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو إِسْحَاقَ : كَيْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَقَدْ رَعَدَتْ هَذِهِ السَّحَابَةُ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ ، فَقَالَ : الْخُزَاعِيُّ : لَقَدْ وَصَلَتْ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ ، ثُمَّ أَخْرَجَ إلَيْنَا رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى خُزَاعَةَ , وَكَتَبْتُهَا يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيهَا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَان الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلَى بُدَيْلٍ وَبُسْرٍ وَسَرَوَاتِ بَنِي عَمْرٍو , فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ , أَمَّا بَعْدَ ذَلِكُمْ فَإِنِّي لَمْ أَ، ثُمَّ بَالَكُمْ وَلَمْ أَضَعْ فِي جَنْبِكُمْ ، وَإِنَّ أَكْرَمَ أَهْلِ تِهَامَةَ عَلَيَّ أَنْتُمْ وَأَقْرَبَهُ رَحِمًا وَمَنْ تَبِعَكُمْ وَمِنْ الْمُطَيَّبِينَ , وَإِنِّي قَدْ أَخَذْت لِمَنْ هَاجَرَ مِنْكُمْ مِثْلَ مَا أَخَذْت لِنَفْسِي , وَلَوْ هَاجَرَ بِأَرْضِهِ غَيْرَ سَاكِنِ مَكَّةَ إلاَّ مُعْتَمِرًا ، أَوْ حَاجًّا , وَإِنِّي لَمْ أَضَعْ فِيكُمْ إنْ أَسْلَمْتُمْ وَإِنَّكُمْ غَيْرُ خَائِبِينَ مِنْ قَبْلِي ، وَلاَ مُحْصَرِينَ , أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلاَثَةَ وَابْنَا هَوْذَةَ وَبَايَعَا وَهَاجَرَا عَلَى مَنْ اتَّبَعَهُمَا مِنْ عِكْرِمَةَ , أَخَذَ لِمَنْ تَبِعَهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ ، وَإِنَّ بَعْضًا مِنْ بَعْضٍ فِي الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ , وَإِنِّي وَاللهِ مَا كَذَبْتُكُمْ وَلِيُحْيِكُمْ رَبُّكُمْ ، قَالَ : وَبَلَغَنِي ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : هَؤُلاَءِ خُزَاعَةُ , وَهُمْ مِنْ أَهْلِي ، قَالَ : فَكَتَبَ(1/128)
إلَيْهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَوْمَئِذٍ نُزُولٌ بَيْنَ عَرَفَاتٍ وَمَكَّةَ , لَمْ يُسْلِمُوا حَيْثُ كَتَبَ إلَيْهِمْ , وَقَدْ كَانُوا حُلَفَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
==============
رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة في صلح الحديبية
مسند أحمد برقم( 19423) عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالاَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ لاَ يُرِيدُ قِتَالاً وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْىَ سَبْعِينَ بَدَنَةً وَكَانَ النَّاسُ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ فَكَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشْرَةٍ - قَالَ - وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِىُّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ سَمِعَتْ بِمَسِيرِكَ فَخَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ يُعَاهِدُونَ اللَّهَ أَنْ لاَ تَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَداً وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِى خَيْلِهِمْ قَدْ قَدِمُوا إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ لَقَدْ أَكَلَتْهُمُ الْحَرْبُ مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِى وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ فَإِنْ أَصَابُونِى كَانَ الَّذِى أَرَادُوا وَإِنْ أَظْهَرَنِى اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِى الإِسْلاَمِ وَهُمْ وَافِرُونَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ فَمَاذَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ وَاللَّهِ لاَ أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الَّذِى بَعَثَنِى اللَّهُ لَهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ ». ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَسَلَكُوا ذَاتَ اليَمِينِ بَيْنَ ظَهْرَىِ(1/129)
الْحَمْضِ عَلَى طَرِيقٍ تُخْرِجُهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْمِرَارِ وَالْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ - قَالَ - فَسَلَكَ بِالْجَيْشِ تِلْكَ الطَّرِيقَ فَلَمَّا رَأَتْ خَيْلُ قُرَيْشٍ قَتْرَةَ الْجَيْشِ قَدْ خَالَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ نَكَصُوا رَاجِعِينَ إِلَى قُرَيْشٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى إِذَا سَلَكَ ثَنِيَّةَ الْمِرَارِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ خَلأَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا خَلأَتْ وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ وَاللَّهِ لاَ تَدْعُونِى قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِى فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ». ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ « انْزِلُوا ». فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِالْوَادِى مِنْ مَاءٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَهْماً مِنْ كِنَانَتِهِ فَأَعْطَاهُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ فَنَزَلَ فِى قَلِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ فَغَرَزَهُ فِيهِ فَجَاشَ الْمَاءُ بِالْرَّوَاءِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ عَنْهُ بِعَطَنٍ فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِى رِجَالٍ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَالَ لَهُمْ كَقَوْلِهِ لِبِشْرِ بْنِ سُفْيَانَ فَرَجَعُوا إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَإِنَّ مُحَمَّداً لَمْ يَأْتِ لِقِتَالٍ إِنَّمَا جَاءَ زَائِراً لِهَذَا الْبَيْتِ مُعَظِّماً لِحَقِّهِ فَاتَّهَمُوهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْحَاقَ - قَالَ الزُّهْرِىُّ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ فِى عَيْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُسْلِمُهْا وْمُشْرِكُهَا لاَ يُخْفُونَ عَلَى رَسُولِ(1/130)
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئاً كَانَ بِمَكَّةَ فَقَالُوا وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا جَاءَ لِذَلِكَ فَلاَ وَاللَّهِ لاَ يَدْخُلُهَا أَبَداً عَلَيْنَا عَنْوَةً وَلاَ تَتَحَدَّثُ بِذَلِكَ الْعَرَبُ. ثُمَّ بَعَثُوا إِلَيْهِ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الأَخْيَفِ أَحَدَ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « هَذَا رَجُلٌ غَادِرٌ ». فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِنَحْوٍ مِمَّا كَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ الْحِلْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ الْكِنَانِىَّ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الأَحَابِشِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلَّهُونَ فَابْعَثُوا الْهَدْىَ فِى وَجْهِهِ ». فَبَعَثُوا الْهَدْىَ فَلَمَّا رَأَى الْهَدْىَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عَرْضِ الْوَادِى فِى قَلاَئِدِهِ قَدْ أَكَلَ أَوْتَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ رَجَعَ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِعْظَاماً لِمَا رَأَى فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ رَأَيْتُ مَا لاَ يَحِلُّ صَدُّهُ الْهَدْىَ فِى قَلاَئِدِهِ قَدْ أَكَلَ أَوْتَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ فَقَالُوا اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِىٌّ لاَ عِلْمَ لَكَ.(1/131)
فَبَعَثُوا إِلَيْهِ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىَّ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّى قَدْ رَأَيْتُ مَا يَلْقَى مِنْكُمْ مَنْ تَبْعَثُونَ إِلَى مُحَمَّدٍ إِذَا جَاءَكُمْ مِنْ التَّعْنِيفِ وَسُوءِ اللَّفْظِ وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّكُمْ وَالِدٌ وَأَنِّى وَلَدٌ وَقَدْ سَمِعْتُ بِالَّذِى نَابَكُمْ فَجَمَعْتُ مَنْ أَطَاعَنِى مِنْ قَوْمِى ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى آسَيْتُكُمْ بِنَفْسِى. قَالُوا صَدَقْتَ مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ جَمَعْتَ أَوْبَاشَ النَّاسِ ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ لِبَيْضَتِكَ لِتَفُضَّهَا إِنَّهَا قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ يُعَاهِدُونَ اللَّهَ أَنْ لاَ تَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَداً وَايْمُ اللَّهِ لَكَأَنِّى بِهَؤُلاَءِ قَدِ انْكَشَفُوا عَنْكَ غَداً. قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ فَقَالَ امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ أَنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ. قَالَ مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ قَالَ « هَذَا ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ ». قَالَ أَمْ وَاللَّهِ لَوْلاَ يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِى لَكَافَأْتُكَ بِهَا وَلَكِنَّ هَذِهِ بِهَا . ثُمَّ تَنَاوَلَ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الْحَدِيدِ - قَالَ - فَقَرَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ أَمْسِكْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ وَاللَّهِ لاَ تَصِلُ إِلَيْكَ. قَالَ وَيْحَكَ مَا أَفَظَّكَ وَأَغْلَظَكَ. قَالَ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ هَذَا يَا(1/132)
مُحَمَّدُ قَالَ « هَذَا ابْنُ أَخِيكَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ». قَالَ أَغُدَرُ هَلْ غَسَلْتَ سَوْأَتَكَ إِلاَّ بِالأَمْسِ.
قَالَ فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمِثْلِ مَا كَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْباً - قَالَ - فَقَامَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ رَأَى مَا يَصْنَعُ بِهِ أَصْحَابُهُ لاَ يَتَوَضَّأُ وَضُوأً إِلاَّ ابْتَدَرُوهُ وَلاَ يَبْسُقُ بُسَاقاً إِلاَّ ابْتَدَرُوهُ وَلاَ يَسْقُطُ مِنْ شَعَرِهِ شَىْءٌ إِلاَّ أَخَذُوهُ فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّى جِئْتُ كِسْرَى فِى مُلْكِهِ وَجِئْتُ قَيْصَرَ وَالنَّجَاشِىَّ فِى مُلْكِهِمَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكاً قَطُّ مِثْلَ مُحَمَّدٍ فِى أَصْحَابِهِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ قَوْماً لاَ يُسْلِمُونَهُ لِشَىْءٍ أَبَداً فَرُوا رَأْيَكُمْ. قَالَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ ذَلِكَ بَعَثَ خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِىَّ إِلَى مَكَّةَ وَحَمَلَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الثَّعْلَبُ فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَقَرَتْ بِهِ قُرَيْشٌ وَأَرَادُوا قَتْلَ خِرَاشٍ فَمَنَعَهُمُ الأَحَابِشُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَدَعَا عُمَرَ لِيَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَخَافُ قُرَيْشاً عَلَى نَفْسِى وَلَيْسَ بِهَا مِنْ بَنِى عَدِىٍّ أَحَدٌ يَمْنَعُنِى وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِى إِيَّاهَا وَغِلْظَتِى عَلَيْهَا وَلَكِنْ أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ هُوَ أَعَزُّ مِنِّى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. قَالَ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ وَإِنَّهُ جَاءَ زَائِراً(1/133)
لِهَذَا الْبَيْتِ مُعَظِّماً لِحُرْمَتِهِ فَخَرَجَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ وَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَرَدِفَ خَلْفَهُ وَأَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَرْسَلَهُ بِهِ فَقَالُوا لِعُثْمَانَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ. فَقَالَ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- . قَالَ وَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ. قَالَ مُحَمَّدٌ فَحَدَّثَنِى الزُّهْرِىُّ أَنَّ قُرَيْشاً بَعَثُوا سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو أَحَدَ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ فَقَالُوا ائْتِ مُحَمَّداً فَصَالِحْهُ وَلاَ يَكُنْ فِى صُلْحِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هَذَا فَوَاللَّهِ لاَ تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَداً فَأَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَلَمَّا رَآهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلَ ». فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَكَلَّمَا وَأَطَالاَ الْكَلاَمَ وَتَرَاجَعَا حَتَّى جَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ فَلَمَّا الْتَأَمَ الأَمْرُ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْكِتَابُ وَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَلَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ قَالَ بَلَى. قَالَ فَعَلاَمَ(1/134)
نُعْطِى الذِّلَّةَ فِى دِينِنَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ حَيْثُ كَانَ فَإِنِّى أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ عُمَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ. ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ قَالَ « بَلَى ». قَالَ فَعَلاَمَ نُعْطِى الذِّلَّةَ فِى دِينِنَا فَقَالَ « أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ وَلَنْ يُضَيِّعَنِى ». ثُمَّ قَالَ عُمَرُ مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّى وَأَعْتِقُ مِنَ الَّذِى صَنَعْتُ مَخَافَةَ كَلاَمِى الَّذِى تَكَلَّمْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْراً . قَالَ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ». فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو لاَ أَعْرِفُ هَذَا وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ». فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو لَوْ شَهِدْتُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقَاتِلْكَ وَلَكِنِ اكْتُبْ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ وَمَنْ أَتَى قُرَيْشاً مِمَّنْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً(1/135)
مَكْفُوفَةً وَأَنَّهُ لاَ إِسْلاَلَ وَلاَ إِغْلاَلَ وَكَانَ فِى شَرْطِهِمْ حِينَ كَتَبُوا الْكِتَابَ أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِى عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِى عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا نَحْنُ مَعَ عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعَهْدِهِ وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالُوا نَحْنُ فِى عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَأَنَّكَ تَرْجِعُ عَنَّا عَامَنَا هَذَا فَلاَ تَدْخُلْ عَلَيْنَا مَكَّةَ وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ خَرَجْنَا عَنْكَ فَتَدْخُلُهَا بِأَصْحَابِكَ وَأَقَمْتَ فِيهِمْ ثَلاَثاً مَعَكَ سِلاَحُ الرَّاكِبِ لاَ تَدْخُلْهَا بِغَيْرِ السُّيُوفِ فِى الْقُرُبِ. فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَكْتُبُ الْكِتَابَ إِذْ جَاءَهُ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِى الْحَدِيدِ قَدِ انْفَلَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجُوا وَهُمْ لاَ يَشُكُّونَ فِى الْفَتْحِ لِرُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنَ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعِ وَمَا تَحَمَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى نَفْسِهِ دَخَلَ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتَّى كَادُوا أَنْ يَهْلَكُوا فَلَمَّا رَأَى سُهَيْلٌ أَبَا جَنْدَلٍ قَامَ إِلَيْهِ فَضَرَبَ وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ قَدْ لُجَّتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِى وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا. قَالَ صَدَقْتَ. فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ. قَالَ وَصَرَخَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَتَرُدُّونَنِى إِلَى أَهْلِ الشِّرْكِ(1/136)
فَيَفْتِنُونِى فِى دِينِى. قَالَ فَزَادَ النَّاسُ شَرًّا إِلَى مَا بِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَبَا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجاً وَمَخْرَجاً إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحاً فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَوْنَا عَلَيْهِ عَهْداً وَإِنَّا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ ». قَالَ فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ أَبِى جَنْدَلٍ فَجَعَلَ يَمْشِى إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ فَإِنَّمَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ. قَالَ وَيُدْنِى قَائِمَ السَّيْفِ مِنْهُ - قَالَ - يَقُولُ رَجَوْتُ أَنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ فَيَضْرِبَ بِهِ أَبَاهُ - قَالَ - فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ وَنَفَذَتِ الْقَضِيَّةُ فَلَمَّا فَرَغَا مِنَ الْكِتَابِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى فِى الْحَرَمِ وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِى الْحِلِّ - قَالَ - فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْحَرُوا وَاحْلِقُوا ».(1/137)
قَالَ فَمَا قَامَ أَحَدٌ - قَالَ - ثُمَّ عَادَ بِمِثْلِهَا فَمَا قَامَ رَجُلٌ ثُمَّ عَادَ بِمِثْلِهَا فَمَا قَامَ رَجُلٌ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ مَا شَأْنُ النَّاس ِ ». قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ دَخَلَهُمْ مَا قَدْ رَأَيْتَ فَلاَ تُكَلِّمَنَّ مِنْهُمْ إِنْسَاناً وَاعْمِدْ إِلَى هَدْيِكَ حَيْثُ كَانَ فَانْحَرْهُ وَاحْلِقْ فَلَوْ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَعَلَ النَّاسُ ذَلِكَ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يُكَلِّمُ أَحَداً حَتَّى أَتَى هَدْيَهُ فَنَحَرَهُ ثُمَّ جَلَسَ فَحَلَقَ فَقَامَ النَّاسُ يَنْحَرُونَ وَيَحْلِقُونَ - قَالَ - حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِى وَسَطِ الطَّرِيقِ فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ. (صحيح)
__________
معانى بعض الكلمات :
البيضة : مجتمعهم وموضع سلطانهم
خلأ : برك
خلأ : برك
الإسلال : السرقة الخفية
المطافيل : جمع المطفل وهى النوق التى معها أولادها
المطافيل : جمع المطفل وهى النوق التى معها أولادها
عطن : الضرب بعطن إذا رويت الإبل ثم بركت حول الماء
العوذ : جمع عائذ وهى الناقة التى وضعت يريد النساء والأطفال
العوذ : جمع عائذ وهى الناقة التى وضعت يريد النساء والأطفال
عيبة : أى بينهم صدر نقى من الخداع أو بينهم موادعة ومكافة عن الحرب
الغَرز : يقصد أمسكه واتبع قوله وفعله ولا تخالفه
الإغلال : الخيانة
القترة : الغبار
القليب : البئر التى لم تبن جوانبها بالحجارة ونحوها
التلبيب : أخذ بتلبيبه إذا جمع ثيابه عند صدره ثم جره
================
رسالة عبد العزيز الماجشون في القدر(1/138)
الإبانة الكبرى لابن بطة - (ج 4 / ص 405) برقم( 1838 ) حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد القافلائي قال : حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني ، ح وحدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجا قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن الحسن بن شهاب ح وحدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عبد الله بن شهاب قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم ، قالا جميعا : حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون قال : « أما بعد ، فإنك سألتني أن أفرق لك فى أمر القدر ، ولعمري لقد فرق الله تعالى فيه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد (1) ، فأعلمنا أن له الملك والقدرة ، وأن له العذر والحجة ، ووصف القدر تملكا والحجة إنذارا ، ووصف الإنسان في ذلك محسنا ومسيئا ومقدورا عليه ، ومعذورا عليه ، فرزقه الحسنة وحمده عليها ، وقدر عليه الخطيئة ولامه فيها ، فحسبت حين حمده ولامه أنه مملك ، ونسيت انتحاله القدر ؛ لأنه مملك ، فلم يخرجه بالمحمدة واللائمة من ملكه ، ولا يعذره بالقدر في خطيئته ، خلقه على الطلب بالحيلة ، فهو يعرفها ويلوم نفسه حين ينكرها ، وعرفه القدرة ، فهو يؤمن بها ولا يجد معولا إلا عليها ، فرغب إلى الله عز جل في التوفيق لعلمه بملكه ، موقنا بأن ذلك في يده فيخطئه ما طلب ، فيرجع في ذلك على لائمة نفسه مفزعه في التقصير ندامته على ما ترك من الأخذ بالحيلة ، قد عرف أن بذلك يكون لله عليه به الحجة ، معوله في طلب الخير : ثقته بالله ، وإيمانه بالقدر حين يقول يطلب الخير : لا حول ولا قوة إلا بالله ، يقول حين يقع في الشر : لا عذر لي في معصية الله ، مستسلم حين يطلب ، ضعيف في نفسه ، قوي حين يقع في الشر ، لائما لأمره ، ليس القدر بأحق عنده بأنه ظالم حين يعصي ربه إن رأى أن أحدهما أحق من صاحبه ، سفه الحق وجهل دينه ، لا يجد عن الإقرار بالقدر مناصا ، ولا عن الاعتراف(1/139)
بالخطيئة محيصا ، فمن ضاق ذرعا بهذا فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ (2) فوالله لا يجد بدا من أن يضرع إلى الله ضرع من يعلم أن الأمر ليس إليه ، ويعتذر من الخطيئة اعتذار من كأنها لم تقدر عليه ، فلا تملكوا أنفسكم جحد القدرة ، ولا تعذروها بالقدر فرارا من حجته ، ضعوا أمر الله كما وضعه ألا تفرقوا بينه بعدما جمعه ، فإنه قد خلط بعضه ببعض وجعل بعضه من بعض ، فخلط الحيلة بالقدر ثم لام وعذر ، وقد كتب بعد ذلك ، فلا تملكوا أنفسكم فتجحدوا نعمته في الهدى ، ولا تغلوا في صفة القدر ، فتعذروا أنفسكم بالخطأ ، فإنكم إذا نحلتكم أنفسكم باللائمة وأقررتم لربكم بالحكومة ، سددتم عنكم باب الخصومة ، فتركتم الغلو ويئس منكم العدو ، فاتخذوا الكف طريقا فإنه القصد والهدى ، وإن الجدل والتعمق هو جور السبيل وصراط الخطأ ، ولا تحسبن التعمق في الدين رسوخا ، فإن الراسخين في العلم هم الذين وقفوا حيث تناهى علمهم ، وقالوا : آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب (3) ، وإن أحببت أن تعلم أن الحيلة بالقدر كما وصفت لك ، فانظر في أمر القتال ، وما ذكر الله عز وجل منه في كتابه تسمع شيئا عجبا ، من ذكر ملك لا يغلب ، ودولة تنقلب ، ونصر محتوم ، والعبد بين ذلك محمود وملوم ، ينصر أولياءه وينتصر بهم ، ويعذب أعداءه ويديلهم ، يقول تعالى : قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم (4) ، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم (5) ، إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون (6) قال : وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله (7) ، فافهم ظنهم أي الفريقين أولى بهم ، المضيف إلى ربه المؤمن بقدره ، أم الذي يزعم أنه قد ملكه ؟ فإلى نفسه وكله ، فإن(1/140)
ظنهم ذلك إنما هو قولهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ، ولكنا عصينا ، ولو أطعنا ما قتلنا هاهنا ، فلعمري لئن كانوا صدقوا لقد صدقت ، ولئن كانوا كذبوا لقد كذبت ، فقال الملك تعالى : قل إن الأمر كله لله ، وقال عز وجل : قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم ، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء (8) ، فيديل الله أعداءه على أوليائه ، فيستشهدهم بأيديهم ثم يكتب ذلك خطيئة عليهم ، ثم يعذبهم بها ويسألهم عنها وهو أدالهم بها ، وينصر أولياءه على أعدائه ، ثم يقول : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى (9) ، ثم يكتب ذلك حسنة لهم ، يحمدهم عليها ويثني عليهم بها ، وهو تولى نصرهم فيها ، يقول : الأمر كله لي ، لا يغلب واحد من الفريقين إلا بي ، وعدهم ببدر إحدى الطائفتين أنها لهم وعدا لا يخلف ، ونقمة لا تصرف ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم ، فينقلبوا خائبين (10) يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : ليس لك من الأمر شيء (11) ، تمم ذاك الوعد بمثل الحيلة وأعد لهم العدد والمكيدة ، وإنما هو تسبب لقدرة خفية ، وأنزل من السماء الملائكة لقتال ألف من قريش ، ثم أوحى إليهم أني معكم (12) يثبتهم بذلك ، فثبتوا الذين آمنوا ، حتى كأنه عند من ينكر القدر أمر يكابر ، وعدو يخاف منه أن يظفر ، وإبليس مع الكفار قد زين لهم أعمالهم وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم (13) فبينما الأمر هكذا كأنه أمر الناس الذين يخشون الغلبة ويجتهدون في المكيدة ، ولا يتركون في عدة ، إذ قذف الرعب في قلوبهم فولوا مدبرين ، وقال للملائكة : اضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ، فجاءهم أمر لا حيلة لهم فيه ، ولا صبر لوليهم عليه ، وإنما وعدهم عليه إبليس ، فلما رأى الملائكة نكص على عقبيه وقال : إني بريء(1/141)
منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ، لا يجنبني وإياكم من بأسه جنة ، ولا يدفعه عني ولا عنكم عدة ولا قوة ، لا ترون من يقاتلكم ، لا تستطيعون دفع الرعب عن قلوبكم ، ولا أستطيع دفعه عن نفسي ، فكيف أستطيع دفعه عنكم ؟ وهم الذين كانوا حذروا ، وخيف منهم أن يظهروا ، ورأوا منهم كثرة العدد حين قال : إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم (14) ، لمه ؟ قال : ليقضي الله أمرا كان مفعولا (15) ، فيخبرهم أنه قد فرغ وقضى ، وأنه لا يريد أن يكون الأمر إلا هكذا ، ويحسب القدري إنما ذلك من الله احتيال واحتفال وإعداد للقتال ، وينسى أنه الغالب على أمره بغير مغالبة ، والقاهر لعدوه إذا شاء بغير مكاثرة ، أهلك عادا بالريح العقيم ، وأخمد ثمود بالصيحة ، وخسف بقارون وبداره الأرض ، وأرسل على قوم لوط حجارة من السماء ، ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ، قعصا لا مكر فيه ولا استدراج ، ويستدرج ويمكر بمن لا يعجزه ، ويأتي من حيث لا يحتسب من لا يمتنع منه مواجهة ، ومن ليست له على النجاة منه قدرة ، وكلا الأمرين في قدره وقضائه سواء ، فهو ينفذهما في خلقه على من يشاء ، لم يهلك هؤلاء قعصا ولا قهرا ، اغتناما لغرتهم ، ولم يستدرج هؤلاء ويمكر بهم شفقة أن يعجزوا مما أراد بهم لقدره وقضائه مخرجان : أحدهما ظاهر قاهر ، والآخر قوي خفي ، لا يمتنع منه شيء ، ولا يوجد له مس ، ولا يسمع له حس ، ولا يرى له عين ولا أثر حتى يبرم أمره فيظهر ، يباعد به القريب ، ويصرف به القلوب ، ويقرب به البعيد ، ويذل به كل جبار عنيد ، حتى يفعل ما يريد به ، حفظ موسى عليه السلام في التابوت واليم منفوسا ونزه ، يقربه من عدوه إليه للذي سبب أمره عليه ، وقد قدر وقضى أن نجاته فيه . قال لأمه : فإذا خفت عليه (16) أن يأخذه(1/142)
فرعون فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل (17) يأخذه فرعون هنالك ، لا يريد أن يأخذه إلا كذلك ، فاختلجه (18) من كنه ، ومن ثدي أمه ، إلى هول البحر وأمواجه ، وأدخل قلب أمه اليقين أنه راده إليها ، وجاعله من المرسلين ، فأمنت عليه الغرق ، فألقته في اليم ولم تفرق ، وأمر اليم يلقيه بالساحل ، فسمع وأطاع ، وحفظه ما استطاع ، حتى أداه إلى فرعون بأمره ، وقد قدر وقضى على قلب فرعون وبصره حفظه وحسن ولايته بما قضى من ذلك ، فألقى عليه محبة منه ليصنعه على عينه ، قد أمن عليه سطوته ، ورضي له تربيته ، لم يكن ذلك منه على التغرير والشفقة ، ولكن على اليقين والثقة بالغلبة ، يصطفي له الأطعمة والأشربة والخدم والحضان ، يلتمس له المراضع شفقة أن يميته ، وهو يقتل أبناء بني إسرائيل عن يمين وشمال يخشى أن يفوته وهو في يديه وبين حجره ونحره ، يتبناه ويترشفه ، يراه ولا يراه وقد أغفل قلبه عنه ، وزينه في عينه ، وحببه إلى نفسه ، لمه ؟ قال : ليكون لهم عدوا وحزنا (19) ، فمنه يفرق على وده لو عليه يقدر ، وهو في يديه وهو لا يشعر ، حتى رده بقدرته إلى أمه ، وجعله بها من المرسلين ، وفرعون خلال ذلك يزعم أنه رب العالمين ، وهو يجري في كيد الله المتين حتى أتاه من ربه اليقين ، مذعنا مستوثقا في كل مقال وقتال ، يرفعه طبقا عن طبق ، حتى إذا أدركه الغرق قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (20) ، فنسأل الله تمام النعمة في الهدى في الآخرة والدنيا ، فإن ذلك ليس بأيدينا ، نبرأ إليه من الحول والقوة ، ونبوء على أنفسنا بالظلم والخطيئة ، الحجة علينا بغير انتحالنا القدرة على أخذ ما دعانا إليه إلا بمنه وفضله صراحا ، لا نقول : كيف رزقنا الحسنة وحمدنا عليها ، ولا كيف قدر الخطيئة ولامنا فيها ، ولكن نلوم أنفسنا كما لامها ، ونقر له بالقدرة كما انتحلها ، لا نقول لما قاله : لم قاله ؟ ولكن نقول كما قاله ، وله ما قال(1/143)
، وله ما فعل : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (21) ، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين (22) »
__________
(1) سورة : ق آية رقم : 37
(2) سورة : الحج آية رقم : 15
(3) سورة : آل عمران آية رقم : 7
(4) سورة : التوبة آية رقم : 14
(5) سورة : آل عمران آية رقم : 126
(6) سورة : آل عمران آية رقم : 160
(7) سورة : آل عمران آية رقم : 154
(8) سورة : آل عمران آية رقم : 140
(9) سورة : الأنفال آية رقم : 17
(10) سورة : آل عمران آية رقم : 127
(11) سورة : آل عمران آية رقم : 128
(12) سورة : الأنفال آية رقم : 12
(13) سورة : الأنفال آية رقم : 48
(14) سورة : الأنفال آية رقم : 43
(15) سورة : الأنفال آية رقم : 42
(16) سورة : القصص آية رقم : 7
(17) سورة : طه آية رقم : 39
(18) اختلج : انتزع
(19) سورة : القصص آية رقم : 8
(20) سورة : يونس آية رقم : 90
(21) سورة : الأنبياء آية رقم : 23
(22) سورة : الأعراف آية رقم : 54
==============
رسالة عبد العزيز بن عبد الله الماجشون في الرؤية
الإبانة الكبرى لابن بطة - (ج 6 / ص 101)(1/144)
2487 - حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد القافلائي قال : ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن سلمة الماجشون ، أملاها علي إملاء ، وسألته فيما جحدت الجهمية أما بعد : فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية ومن حالفها في صفة الرب العظيم الذي فاتت عظمته الوصف ، والتقدير ، وكلت الألسن عن تفسير صفته ، وانحسرت العقول دون معرفة قدره ، ودعت عظمته العقول ، فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسير ، وإنما أمرنا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير ، وإنما يقال : كيف كان ؟ ، لمن لم يكن مرة ثم كان ، فأما الذي لا يحول ، ولا يزول ، ولم يزل ، وليس له مثل ، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو ، وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ومن لا يبلى ، ولا يموت ؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد ، أو منتهى ، يعرفه عارف ، أو يحد قدره واصف ؟ ، وذلك من جلاله ، فصل على أنه الحق المبين ، لا حق أحق منه ، ولا شيء أبين منه . الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه لا تكاد تراه صغرا يجول ويزول ، ولا يرى له سمع ولا بصر لما يتقلب به ويحتال من عقله ، أعضل بك وأخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره ، فتبارك الله أحسن الخالقين (1) ، وخالقهم وسيد السادة وربهم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (2) ، اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفته قدر ما وصف منها ، إذا لم تعرف قدر ما وصف فما كلفك علم ما لم يصف ، هل تستدل بذلك على شيء من طاعته أو تتزحزح عن شيء من معصيته ؟ فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا قد استهوته الشياطين في الأرض حيران (3) ، فصار أحدها ، ومنها يستدل من زعم على جحد (4) ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال : لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا ، فعمي عن البين بالخفي ، بجحد ما سمى الرب من نفسه ، فصمت الرب عما لم يسم منها ، فلم يزل(1/145)
يملي له الشيطان حتى جحد قول الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة (5) ، فقال : لا يراه أحد يوم القيامة ، فجحد والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ، ونضرته إياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر (6) ، وقد قضى أنهم لا يموتون ، فهم بالنظر إليه ينضرون وإنما كان يهلك من رآه حيث لم يكن يبقى سواه ، فلما حتم البقاء ، ونفى الموت والفناء ، أكرم أولياءه بالنظر إليه واللقاء ، فورب السماء والأرض ليجعلن الله رؤيته يوم القيامة للمخلصين ثوابا فتنضر بها وجوههم دون المجرمين ، وتفلج بها حجتهم على الجاحدين ، فهم وشيعته وهم عن ربهم يومئذ محجوبون ، لا يرونه كما زعموا أنه لا يرى ، ولا يكلمهم ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم ، كيف لم يعتبر قائله بقول الله تعالى : إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون (7) ؟ أيظن أن الله يقصيهم ويعذبهم بأمر يزعم الفاسق أنه وأولياؤه فيه سواء ؟ وإنما جحد رؤيته يوم القيامة ؛ إقامة للحجة الضالة المضلة ؛ لأنه قد عرف إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين ، وكان له جاحدا وقال المسلمون : يا رسول الله : هل نرى ربنا ؟ وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هل تضارون في رؤية الشمس دونها سحاب ؟ » قالوا : لا ، قال : « فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ » فقالوا : لا ، قال : « فإنكم ترون ربكم يومئذ كذلك » وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تمتلئ النار حتى يضع الرحمن قدمه فيها فتقول : قط قط ، فينزوي بعضها إلى بعض » ، وقال لثابت بن قيس : « لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة » وقال فيما بلغنا : « إن الله ليضحك من أزلكم ، وقنوطكم ، وسرعة إجابتكم » ، وقال له رجل من العرب : إن ربنا ليضحك ؟ قال « نعم » قال : لا يعدمنا من رب يضحك خيرا « في أشباه(1/146)
لهذا مما لم نحصه ، وقال تعالى : وهو السميع البصير ، واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا (8) ، وقال تعالى : ولتصنع على عيني (9) ، وقال : ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي (10) ، وقال : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون (11) ، فوالله ما دلهم على عظيم من وصف نفسه ، وما تحيط قبضته إلا صغر نظيرها منهم عندهم أن ذلك الذي ألقى في روعهم ، وخلق على معرفة قلوبهم ، فما وصف الله من نفسه فسماه على لسان نبيه سميناه كما سماه ، ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا ، لا نجحد ما وصف ، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف ، اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين إن تنته حيث انتهى بك فلا تجاوز ما قد حد لك ، فإن من قوام الدين معرفة المعروف ، وإنكار المنكر ، فما بسطت عليه المعرفة ، وسكنت إليه الأفئدة ، وذكر أصله في الكتاب والسنة ، وتوارثت علمه الأمة ، فلا تخافن في ذكره ، وصفته من ربك ما وصف من نفسه عبثا ، ولا تتكلفن لما وصف لك من ذلك قدرا ، وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ، ولا في الحديث عن نبيك ، من صفة ربك فلا تتكلفن علمه بعقلك ، ولا تصفه بلسانك ، واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه ؛ فإن تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل إنكارك ما وصف منها ، فكما أعظمت ما جحد الجاحدون مما وصفه من نفسه ، فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منها ، فقد والله عز المسلمون الذين يعرفون المعروف وبمعرفتهم يعرف ، وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر ، يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه وما يبلغهم مثله عن نبيه ، فما مرض من ذكر هذا وتسميته من الرب قلب مسلم ، ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن . وما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سماه من صفة ربه ، فهو بمنزلة ما سمى ووصف الرب تعالى من نفسه ، من أجل ما وصفنا ، كالجاحد المنكر لما وصفنا منها ، والراسخون في العلم(1/147)
الواقفون حيث انتهى علمهم ، الواصفون لربهم بما وصف من نفسه ، التاركون لما ترك من ذكرها ، لا ينكرون صفة ما سمى منه جحدا ، ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقا ؛ لأن الحق ترك ما ترك ، وتسمية ما سمى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (12) ، وهب الله لنا ولكم حكما وألحقنا بالصالحين . قال الشيخ : فقد ذكرت لكم رحمكم الله من تثبيت رؤية المؤمنين ربهم تعالى يوم القيامة في الجنة ، وشرحت ذلك وبينته ملخصا من كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وإجماع العلماء ، وأئمة المسلمين ، ولغات العرب ما في بعضه كفاية ، وغنى وهداية ، وشفاء لمن وهب الله بصيرة ، وأراد به مولاه الكريم الخير والسلامة ، فأما الجهمي الملعون الذي قد غلب على قلبه الرين ، ومنع العصمة ، وحيل بينه وبين التوفيق ، فإنه يجحد ذلك كله وينكره ، ويعرض عنه ، ويتخذه هزوا ، فهو من الذين قال الله تعالى : وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا (13) فالجهمي ينكر أن المؤمنين يرون ربهم في القيامة ، فإذا سئل عن حجته في ذلك نزع بآيات من متشابه القرآن ، وهو في أصل مذهبه ، وتأسيس اعتقاده تكذيب القرآن وجحده ، فيموه باحتجاجه بمتشابه القرآن على جهال الناس ، ومن لا علم عنده ، فيقول حجتي في ذلك قول الله تعالى : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار (14) ، فظن من سمع كلامهم أنهم نزهوه ، وأجلوه ، ووحدوه ، بإنكارهم رؤيته ، واحتجاجهم بمتشابه القرآن ، فيقال لهم : أخبرونا ، النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلم بكتاب الله ومعاني كلامه ، ومراده في وحيه وتنزيله أم جهم بن صفوان ؟ فإن الذي أنزل عليه القرآن وجاء بالهدى من ربه والبرهان يقول : » إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر ، وكما ترون الشمس في نحر الظهيرة « ، » وإن من أهل الجنة لمن ينظر إلى الله تعالى كل يوم مرتين « ، أفيظن الجهمي(1/148)
الملحد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرأ هذه الآية التي احتج بها الجهمي ؟ أم يقول : إنه قد قرأها ؟ أم يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عارض القرآن ، وتلقاه بالخلاف عليه والرد كما تفعل الجهمية والمعتزلة ؟ فإن بعض المعتزلة إذا وضح عندهم صحة الروايات ، والآثار الصحيحة التي لا يجوز عليها التواطؤ والاستحالة ، قالوا : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشبها ، والمشبه عندهم كافر ملحد ، فأعظم من قولهم في نبيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامهم في ربهم ، وإلحادهم في أسمائه وجحدهم لصفاته ، وإبطالهم ربوبيته ، ألا ترى أنك لو جالست المعتزلي عمره كله ، ما قطع مجلسه ، ولا أفنى ليله ونهاره إلا بالخصومة والجدل في الله ، وفي صفاته ، وقدره ، وفي جحد العلم ، وفي نفي الصفات ، قد ولهته الخصومة ، وألهاه الجدل عن النظر في الحلال والحرام اللذين تعبده الله بعلمهما ، وفرض عليه العمل بهما ، والعمل بالذي فرضه الله من علم ذلك ، فأما حجته ، وخصومته بقول الله تعالى : لا تدركه الأبصار ، فإن معنى ذلك واضح لا يخيل على أهل العلم والمعرفة ، ذلك أنك تنظر إلى الصغير من خلق الله فيما يدركه بصرك ، ولا يحيط نظرك ، فالله تعالى أجل وأعظم من كل شيء يدركه بصر وإنما الإدراك أن يحيط البصر بالشيء حتى يراه كله فذلك الإدراك ، ألا ترى أنك ترى القمر فلا ترى منه إلا ما ظهر من وجهه ، ويخفى عليك ما غاب من قفاه ، وكذلك الشمس ، وكذلك السماء وكذلك البحر ، وكذلك الجبل ، وإن الرجل ليكلمك وهم معك فما يدركه بصرك ، وإنما تنظر منه إلى ما أقبل عليك منه ، فإنما قول الله عز وجل : لا تدركه الأبصار ، لا تحيط به لعظمته وجلاله ، ولكن الجهمي عدو الله إنما ينزع إلى المتشابه ليفتن الجاهل . قالت الجهمية : إنما معنى قوله : إلى ربها ناظرة (15) ، إنما أراد بذلك الانتظار ، فخالفت في ذلك بهذا التأويل جميع لغات(1/149)
العرب ، وما يعرفه الفصحاء من كلامها ؛ لأن القرآن إنما نزل بلسان العرب ، قال الله تعالى : وهذا لسان عربي مبين (16) ، وقال : قرآنا عربيا غير ذي عوج (17) ، فليس يجوز عند أحد ممن يعرف لغات العرب ، وكلامها أن يكون معنى قوله : إلى ربها ناظرة الانتظار ، ألا ترى أنه لا يقول أحد : إني أنظر إليك يعني أنتظرك ، وإنما يقول : أنتظرك ، فإذا دخل في الكلام إلى ، فليس يجوز أن يعني به غير النظر ، يقول : أنظر إليك ، وكذلك قوله : إلى ربها ناظرة ، ولو أراد الانتظار لقال : لربها منتظرة ، ولربها ناظرة ، وذلك كله واضح بين عند أهل العلم ، ممن وهب الله له علما في كتابه ، وبصرا في دينه ، فاعلم أن كل شيء معناه الانتظار فإنه لا يكون بالتخفيف ، ولا يكون إلا بالتثقيل ، فأما ما عني به الانتظار ، فقوله : هل ينظرون إلا الساعة (18) ، معناه هل ينتظرون إلا الساعة ، ونظير ذلك ، وشبهه وشاهده : فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم (19) ، فتبين أن التثقيل إنما هو في الانتظار ، كقوله : ينتظرون ثم قال : إلا فثقل ، وقال : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله (20) ، فهذا انتظار مثقل ، وقال : هل ينظرون إلا تأويله (21) ، يعني : ينتظرون ، فثقل ، وقال مما هو بمعنى النظر فخفف : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم (22) ، فلما كان معناه النظر ، قال : إلى فخفف ، وقال : انظروا إلى ثمره إذا أثمر (23) ، وقال : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (24) ؟ وكذلك قوله تعالى : إلى ربها ناظرة معناه : النظر سمعت أبا بكر بن الأنباري النحوي ، يقول في قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، ولو كان بمعنى منتظرة ما جاز أن تكون ناضرة ؛ لأن المنتظر على وجهه الحزن ؛ لأنه متوقع شيئا لم يحصل له ، والناضرة مسفرة ، مشرقة ، ضاحكة ، مستبشرة ووجه آخر أنه لو أراد بالناظرة : منتظرة ، كان يقول : لربها ناظرة ، ولم يقل : إلى ربها ناظرة . وقالت الجهمية : معنى(1/150)
قوله تعالى : من كان يرجو لقاء الله (25) ، و من كان يرجو لقاء ربه ، إنما هو كما تقول : لقيت خيرا ، ولقيت من فلان شرا ، وكما قال موسى : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا (26) وهذا كله تأويل تأولته الجهمية على غير أصل ، ولا علم بفصيح اللسان ، يلبسون بذلك على أهل الجهل ، ويموهون على من لا علم عنده ، وقد فرق الله بين ما قالوه وتأولوه ، وبين ما قلنا ، ألا ترى أنك تقول : لقيت منك ، ولقيت من فلان خيرا ، فإذا دخلت ( من ) جاز أن يكون كما تأولوه ، فإذا أردت لقاء النظر لم يجز أن يكون فيها ( من ) ، فإذا قلت لقيت فلانا ولقيتك ، كان ذلك بمعنى اللقاء والنظر لا غير ، وكذلك قال موسى عليه السلام : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ، أدخل فيها ( من ) ، وليس فيما احتججنا به من لقاء الله ( من ) . قال الله تعالى : من كان يرجو لقاء الله ، فمن كان يرجو لقاء ربه (27) ، وقال تعالى : تحيتهم يوم يلقونه سلام (28) وسمعت أبا عمر ، صاحب اللغة يقول : سمعت ثعلبا ، يقول : أجمع أهل اللغة أن معنى قوله : تحيتهم يوم يلقونه سلام أن اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة ، ونظرا بالأبصار ، وقالت الجهمية : إن النظر لا يكون إلا بطول وعرض ولون وجسم . فيقال لهم : أخبرتمونا عن الله تعالى ، أليس هو شيئا ؟ ، فإذا قالوا : بلى ، قيل لهم : فإن النظر يكون إلى ذلك الشيء . وقالت الجهمية : إنكم شبهتم ربكم بالقمر ، فقلتم : » ترون ربكم كما ترون القمر « ، فتفهموا رحمكم الله جهلهم وكذبهم ، وافتراءهم على الله تعالى ، وعلى رسوله ، وعلى المؤمنين من عباده ، في كل أحوالهم ، فهل سمعتم عن أحد أنه قال : إن الله تعالى مثل القمر ؟ وإنما يقال : إنه يرى كما يرى القمر ، ألا ترى أنك تنظر إلى القمر كما تنظر إلى الأرض ، وليس القمر مثل الأرض ؟ ولكن النظر مثل فتنظر إلى الشيء العظيم كما تنظر إلى الشيء الصغير ، وهما مختلفان ، والنظر إليهم واحد ، ويجوز أن تقول : أهدى إلي(1/151)
رجل فرسا فأهديت إليه ثوبا ، وأهدى إلي شاة فأهديت إليه بقرة ، فيقال له : لم فعلت ذلك ؟ فيقول : أهديت إليه كما أهدى إلي ، فليس الثوب مثل الفرس ، ولا الشاة مثل البقرة ، ولكن الهدية مثل الهدية في الاسم . واتفاق المعنى في الفعل لا في الشخصين ، وكذلك النظر مثل النظر في الاسم ، وليس المنظور إليه كله سواء قال رجل لنعيم بن حماد : كيف ينظر الخلق إلى الله ، وهم لا يستطيعون أن ينظروا إلى الشمس ؟ فقال : إن الله خلق الخلق في الدنيا خلق فناء ، وخلق أنوارهم خلق فناء ، فإذا كان يوم القيامة خلقهم خلق بقاء ، وخلق أنوارهم خلق بقاء ، فنظروا بنور البقاء إلى البقاء
__________
(1) سورة : المؤمنون آية رقم : 14
(2) سورة : الشورى آية رقم : 11
(3) سورة : الأنعام آية رقم : 71
(4) الجحود : الإنكار
(5) سورة : القيامة آية رقم : 22
(6) سورة : القمر آية رقم : 55
(7) سورة : المطففين آية رقم : 15
(8) سورة : الطور آية رقم : 48
(9) سورة : طه آية رقم : 39
(10) سورة : ص آية رقم : 75
(11) سورة : الزمر آية رقم : 67
(12) سورة : النساء آية رقم : 115
(13) سورة : لقمان آية رقم : 7
(14) سورة : الأنعام آية رقم : 103
(15) سورة : القيامة آية رقم : 23
(16) سورة : النحل آية رقم : 103
(17) سورة : الزمر آية رقم : 28
(18) سورة : الزخرف آية رقم : 66
(19) سورة : يونس آية رقم : 102
(20) سورة : البقرة آية رقم : 210
(21) سورة : الأعراف آية رقم : 53
(22) سورة : ق آية رقم : 6
(23) سورة : الأنعام آية رقم : 99
(24) سورة : الغاشية آية رقم : 17
(25) سورة : العنكبوت آية رقم : 5
(26) سورة : الكهف آية رقم : 62
(27) سورة : الكهف آية رقم : 110
(28) سورة : الأحزاب آية رقم : 44
===============
شرح معاني الآثار - (ج 2 / ص 184)(1/152)
وَقَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، قَالَ : ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ هَذِهِ نُسْخَةُ رِسَالَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ إلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ يَذْكُرُ فِيهَا : أَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ مَعَاطِنِ الْإِبِلِ ، فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَر ، وَمَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ خِيَارِ أَهْلِ أَرْضِنَا يَعْرِضُ أَحَدُهُمْ نَاقَتَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ، فَيُصَلِّي إلَيْهَا وَهِيَ تَبْعَرُ وَتَبُولُ .
===============
رسالة اليث بن سعد لمالك بن أنس(1/153)
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ فِي كِتَابِ التَّارِيخِ وَالْمَعْرِفَةِ لَهُ , وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ غَزِيرُ الْعِلْمِ جَمُّ الْفَوَائِدِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر الْمَخْزُومِيُّ قَالَ : هَذِهِ رِسَالَةُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ . [ رِسَالَةٌ مِنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ] : سَلَامٌ عَلَيْك , فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ , أَمَّا بَعْدُ - عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ , وَأَحْسَنَ لَنَا الْعَاقِبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ - قَدْ بَلَغَنِي كِتَابُك تَذْكُرُ فِيهِ مِنْ صَلَاحِ حَالِكُمْ الَّذِي يَسُرُّنِي , فَأَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكُمْ وَأَتَمَّهُ بِالْعَوْنِ عَلَى شُكْرِهِ وَالزِّيَادَةِ مِنْ إحْسَانِهِ , وَذَكَرْت نَظَرَك فِي الْكُتُبِ الَّتِي بَعَثْت بِهَا إلَيْك وَإِقَامَتَك إيَّاهَا وَخَتْمَك عَلَيْهَا بِخَاتَمِك , وَقَدْ أَتَتْنَا فَجَزَاك اللَّهُ عَمَّا قَدَّمْت مِنْهَا خَيْرًا , فَإِنَّهَا كُتُبٌ انْتَهَتْ إلَيْنَا عَنْك فَأَحْبَبْت أَنْ أَبْلُغَ حَقِيقَتَهَا بِنَظَرِك فِيهَا , وَذَكَرْت أَنَّهُ قَدْ أَنْشَطَك مَا كَتَبْت إلَيْك فِيهِ مِنْ تَقْوِيمِ مَا أَتَانِي عَنْك إلَى ابْتِدَائِي بِالنَّصِيحَةِ , وَرَجَوْت أَنْ يَكُونَ لَهَا عِنْدِي مَوْضِعٌ , وَأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْك مِنْ ذَلِكَ فِيمَا خَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْيُك فِينَا جَمِيلًا إلَّا لِأَنِّي لَمْ أُذَاكِرْك مِثْلَ هَذَا , وَأَنَّهُ بَلَغَك أَنِّي أُفْتِي بِأَشْيَاءَ مُخَالِفَةٍ لِمَا عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ عِنْدَكُمْ , وَأَنِّي يَحِقُّ عَلَيَّ الْخَوْفُ عَلَى نَفْسِي لِاعْتِمَادِ مَنْ قَبْلِي عَلَى مَا أَفْتَيْتهمْ بِهِ , وَأَنَّ النَّاسَ تَبَعٌ(1/154)
لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّتِي إلَيْهَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ , وَقَدْ أَصَبْت بِاَلَّذِي كُتِبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَوَقَعَ مِنِّي بِالْمَوْقِعِ الَّذِي تُحِبُّ , وَمَا أَجِدُ أَحَدًا يُنْسَبُ إلَيْهِ الْعِلْمُ أَكْرَهَ لِشَوَاذِّ الْفُتْيَا وَلَا أَشَدَّ تَفْضِيلًا لِعُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَا آخُذُ لِفُتْيَاهُمْ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنِّي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ , وَأَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ بِهَا عَلَيْهِ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ وَمَا عَلَّمَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ وَأَنَّ النَّاسَ صَارُوا بِهِ تَبَعًا لَهُمْ فِيهِ فَكَمَا ذَكَرْت , وَأَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أُولَئِكَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ خَرَجُوا إلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَجَنَّدُوا الْأَجْنَادَ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمْ النَّاسُ فَأَظْهَرُوا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ وَلَمْ يَكْتُمُوهُمْ شَيْئًا عَلِمُوهُ . وَكَانَ فِي كُلِّ جُنْدٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ يُعَلِّمُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ وَيَجْتَهِدُونَ بِرَأْيِهِمْ فِيمَا لَمْ يُفَسِّرْهُ لَهُمْ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ , وَتَقَدَّمَهُمْ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ الَّذِينَ(1/155)
اخْتَارَهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ مُضَيِّعِينَ لِأَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَافِلِينَ عَنْهُمْ , بَلْ كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي الْأَمْرِ الْيَسِيرِ لِإِقَامَةِ الدِّينِ وَالْحَذَرِ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ , فَلَمْ يَتْرُكُوا أَمْرًا فَسَّرَهُ الْقُرْآنُ أَوْ عَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ ائْتَمَرُوا فِيهِ بَعْدَهُ إلَّا عَلَّمُوهُمُوهُ , فَإِذَا جَاءَ أَمْرٌ عَمِلَ فِيهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَلَمْ يَزَالُوا عَلَيْهِ حَتَّى قُبِضُوا لَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِغَيْرِهِ , فَلَا نَرَاهُ يَجُوزُ لِأَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُحْدِثُوا الْيَوْمَ أَمْرًا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ سَلَفُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ , مَعَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ اخْتَلَفُوا بَعْدُ فِي الْفُتْيَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ , وَلَوْلَا أَنِّي قَدْ عَرَفْت أَنْ قَدْ عَلِمْتهَا كَتَبْت بِهَا إلَيْك , ثُمَّ اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ فِي أَشْيَاءَ بَعْدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَنُظَرَاؤُهُ أَشَدَّ الِاخْتِلَافِ , ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُمْ فَحَضَرْتهمْ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا وَرَأْسُهُمْ يَوْمَئِذٍ ابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مِنْ خِلَافِ رَبِيعَةَ لِبَعْضِ مَا قَدْ مَضَى مَا قَدْ عَرَفْت وَحَضَرْت , وَسَمِعْت قَوْلَك فِيهِ وَقَوْلَ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ(1/156)
وَكَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ وَغَيْرِ كَثِيرٍ مِمَّنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ حَتَّى اضْطَرَّك مَا كَرِهْت مِنْ ذَلِكَ إلَى فِرَاقِ مَجْلِسِهِ . وَذَاكَرْتُك أَنْتَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بَعْضَ مَا نَعِيبُ عَلَى رَبِيعَةَ مِنْ ذَلِكَ , فَكُنْتُمَا مِنْ الْمُوَافِقِينَ فِيمَا أَنْكَرْت , تَكْرَهَانِ مِنْهُ مَا أَكْرَهُهُ , وَمَعَ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ رَبِيعَةَ خَيْرٌ كَثِيرٌ , وَعَقْلٌ أَصِيلٌ وَلِسَانٌ بَلِيغٌ , وَفَضْلٌ مُسْتَبِينٌ , وَطَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ فِي الْإِسْلَامِ , وَمَوَدَّةٌ لِإِخْوَانِهِ عَامَّةً وَلَنَا خَاصَّةً رحمه الله وَغَفَرَ لَهُ وَجَزَاهُ بِأَحْسَنَ مِنْ عَمَلِهِ . وَكَانَ يَكُونُ مِنْ ابْنِ شِهَابٍ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ إذَا لَقِينَاهُ , وَإِذَا كَاتَبَهُ بَعْضُنَا فَرُبَّمَا كَتَبَ إلَيْهِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ عَلَى فَضْلِ رَأْيِهِ وَعِلْمِهِ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا , وَلَا يَشْعُرُ بِاَلَّذِي مَضَى مِنْ رَأْيِهِ فِي ذَلِكَ , فَهَذَا الَّذِي يَدْعُونِي إلَى تَرْكِ مَا أَنْكَرْت تَرْكِي إيَّاهُ . وَقَدْ عَرَفْت أَيْضًا عَيْبَ إنْكَارِي إيَّاهُ أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ , وَمَطَرُ الشَّامِ أَكْثَرُ مِنْ مَطَرِ الْمَدِينَةِ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ لَمْ يَجْمَعْ مِنْهُمْ إمَامٌ قَطُّ فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ , وَفِيهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ , وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ } وَقَالَ : { يَأْتِي مُعَاذٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ(1/157)
يَدَيْ الْعُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ } وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَبِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ , وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ بِمِصْرَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ , وَبِحِمْصَ سَبْعُونَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ , وَبِأَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهَا وَبِالْعِرَاقِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ , وَنَزَلَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ سِنِينَ , وَكَانَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [ كَثِيرٌ ] فَلَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَطُّ . وَمِنْ ذَلِكَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ , وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَقْضِي بِالْمَدِينَةِ بِهِ , وَلَمْ يَقْضِ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشَّامِ وَبِحِمْصَ وَلَا بِمِصْرَ وَلَا بِالْعِرَاقِ , وَلَمْ يَكْتُبْ بِهِ إلَيْهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ , ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ كَمَا قَدْ عَلِمْت فِي إحْيَاءِ السُّنَنِ وَالْجِدِّ فِي إقَامَةِ الدِّينِ وَالْإِصَابَةِ فِي الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِمَا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ , فَكَتَبَ إلَيْهِ رُزَيْقُ بْنُ الْحَكَمِ : إنَّك كُنْت تَقْضِي بِالْمَدِينَةِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ , فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : إنَّا كُنَّا نَقْضِي بِذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ , فَوَجَدْنَا أَهْلَ الشَّامِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ; فَلَا نَقْضِي إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ; وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ(1/158)
قَطُّ لَيْلَةَ الْمَطَرِ , وَالْمَطَرُ يَسْكُبُ عَلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ بخناصرة سَاكِنًا . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقْضُونَ فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ أَنَّهَا مَتَى شَاءَتْ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا تَكَلَّمَتْ فَدَفَعَ إلَيْهَا , وَقَدْ وَافَقَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ , وَلَمْ يَقْضِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ لِامْرَأَةٍ بِصَدَاقِهَا الْمُؤَخَّرِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ فَتَقُومُ عَلَى حَقِّهَا . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْإِيلَاءِ إنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ حَتَّى يُوقَفَ وَإِنْ مَرَّتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ , وَقَدْ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُرْوَى عَنْهُ ذَلِكَ التَّوْقِيفُ بَعْدَ الْأَشْهُرِ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْإِيلَاءِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ : لَا يَحِلُّ لِلْمُولِي إذَا بَلَغَ الْأَجَلُ إلَّا أَنْ يَفِيءَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ أَوْ يَعْزِمَ الطَّلَاقَ , وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إنْ لَبِثَ بَعْدَ الْأَشْهُرِ الَّتِي سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يُوقَفْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ , وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَقَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالُوا فِي الْإِيلَاءِ : إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ , وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَابْنُ شِهَابٍ : إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ(1/159)
فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ , وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ : إذَا مَلَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ , وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ , وَقَضَى بِذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ , وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُهُ , وَقَدْ كَادَ النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طَلَاقٌ , وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ , وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بَانَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَدْخُلُ بِهَا ثُمَّ يَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُهَا , إلَّا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا فِي مَجْلِسِهِ فَيَقُولُ : إنَّمَا مَلَكْتُك وَاحِدَةً , فَيَسْتَحْلِفُ وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ : أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا فَاشْتِرَاؤُهُ إيَّاهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ , وَكَانَ رَبِيعَةُ يَقُولُ ذَلِكَ , وَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ عَبْدًا فَاشْتَرَتْهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ . وَقَدْ بُلِّغْنَا عَنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْفُتْيَا مُسْتَكْرَهًا , وَقَدْ كُنْت كَتَبْت إلَيْك فِي بَعْضِهَا فَلَمْ تُجِبْنِي فِي كِتَابِي , فَتَخَوَّفْت أَنْ تَكُونَ اسْتَثْقَلْت ذَلِكَ , فَتَرَكْت الْكِتَابَ إلَيْك فِي شَيْءٍ مِمَّا أُنْكِرُهُ وَفِيمَا أَوْرَدْت فِيهِ عَلَى رَأْيِك , وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك أَمَرْت زُفَرَ بْنَ عَاصِمٍ الْهِلَالِيَّ - حِينَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ - أَنْ يُقَدِّمَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ , فَأَعْظَمْت(1/160)
ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَالِاسْتِسْقَاءَ كَهَيْئَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا دَنَا مِنْ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ فَدَعَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى , وَقَدْ اسْتَسْقَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا , فَكُلُّهُمْ يُقَدِّمُ الْخُطْبَةَ وَالدُّعَاءَ قَبْلَ الصَّلَاةِ , فَاسْتَهْتَرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِعْلَ زُفَرَ بْنِ عَاصِمٍ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَنْكَرُوهُ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَقُولُ فِي الْخَلِيطَيْنِ فِي الْمَالِ : إنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ , وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ وَيَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ , وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِهِ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَبْلَكُمْ وَغَيْرِهِ , وَاَلَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ بِدُونِ أَفَاضِلِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَصِيرَهُ ابْنُ سَعِيدٍ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَقُولُ : إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَقَدْ بَاعَهُ رَجُلٌ سِلْعَةً فَتَقَاضَى طَائِفَةً مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي طَائِفَةً مِنْهَا أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِهِ , وَكَانَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا تَقَاضَى مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا أَوْ أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي مِنْهَا شَيْئًا فَلَيْسَتْ بِعَيْنِهَا . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّك تَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعْطِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ , وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ(1/161)
يُحَدِّثُونَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْنِ وَمَنَعَهُ الْفَرَسَ الثَّالِثَ , وَالْأُمَّةُ كُلُّهُمْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ إفْرِيقِيَّةَ , لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ ; فَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَك - وَإِنْ كُنْت سَمِعْته مِنْ رَجُلٍ مَرْضِيٍّ - أَنْ تُخَالِفَ الْأُمَّةَ أَجْمَعِينَ . وَقَدْ تَرَكْت أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا , وَأَنَا أُحِبُّ تَوْفِيقَ اللَّهِ إيَّاكَ وَطُولَ بَقَائِك ; لِمَا أَرْجُو لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ , وَمَا أَخَافُ مِنْ الضَّيْعَةِ إذَا ذَهَبَ مِثْلُك مَعَ اسْتِئْنَاسِي بِمَكَانِك , وَإِنْ نَأَتْ الدَّارُ ; فَهَذِهِ مَنْزِلَتُك عِنْدِي وَرَأْيِي فِيك فَاسْتَيْقِنْهُ , وَلَا تَتْرُكْ الْكِتَابَ إلَيَّ بِخَبَرِك وَحَالِك وَحَالِ وَلَدِك وَأَهْلِك وَحَاجَةٍ إنْ كَانَتْ لَك أَوْ لِأَحَدٍ يُوصَلُ بِك , فَإِنِّي أُسَرُّ بِذَلِكَ , كَتَبْت إلَيْك وَنَحْنُ صَالِحُونَ مُعَافُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ , نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا وَإِيَّاكُمْ شُكْرَ مَا أَوْلَانَا وَتَمَامَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا , وَالسَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ .
إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 307) ,المعرفة والتاريخ - (ج 1 / ص 167) ,تاريخ يحيى بن معين - (ج 1 / ص 152)
=================
رسالة عمر بن عبد العز يز إِلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ(1/162)
الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ برقم( 6370 ) أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُيَيْنَةَ الْمُهَلَّبِيُّ قَالَ : قَرَأْتُ رِسَالَةَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ : سَلَامٌ عَلَيْكَ , فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ . أَمَّا بَعْدُ , فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَبَضَهُ اللَّهُ عَلَى أَحْسَنِ أَحْيَانِهِ , وَأَحْوَالِهِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ , وَاسْتَخْلَفَنِي , فَبَايِعْ لِي مَنْ قِبَلَكَ , وَلِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِنْ كَانَ مِنْ بَعْدِي , وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَنَا فِيهِ لِاتِّخَاذِ أَزْوَاجٍ وَاعْتِقَادِ أَمْوَالٍ كَانَ اللَّهُ قَدْ بَلَغَ بِي أَحْسَنَ مَا بَلَغَ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ , وَلَكِنِّي أَخَافُ حِسَابًا شَدِيدًا , وَمَسْأَلَةً لَطِيفَةً إِلَّا مَا أَعَانَ اللَّهُ , وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ "
=============
رسالة عمر بن عبد العزيز لرجل من قريش
تَارِيخُ الْمَدِينَةِ لِابْنِ شَبَّةَ >> خُصُومَةُ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ >>(1/163)
536 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ عَائِشَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَيُّوبَ النُّمَيْرِيُّ ، وَدَفَعَ إِلَيَّ صَحِيفَةً زَعَمَ أَنَّهَا رِسَالَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، كَتَبَ بِهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ : " أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ هُدًى وَبَصَائِرَ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، فَشَرَعَ الْهُدَى ، وَنَهَجَ السَّبِيلَ ، وَصَرَفَ الْقَوْلَ ، وَبَيَّنَ مَا يُؤْتَى مِمَّا يُنَالُ بِهِ رِضْوَانُهُ وَيُنْتَهَى بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ ، فَجَعَلَهُ ضَيِّقًا مَرْغُوبًا عَنْهُ مَسْخُوطًا عَلَى أَهْلِهِ ، وَجَعَلَ مَا أَحَلَّ مِنَ الْغَنَائِمِ وَبَسَطَ لَهُمْ مِنْهَا وَلَمْ يَحْظُرْهُ عَلَيْهِمْ كَمَا ابْتَلَى بِهِ أَهْلَ النُّبُوَّةِ وَالْكِتَابِ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ مَا نَفَّلَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً مِمَّا غَنِمَهُ مِنْ أَمْوَالِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ ، إِذْ يَقُولُ حُمَيْدٌ هُوَ : وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ حَتَّى بَلَغَ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَمْوَالُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجِبْ لِأَحَدٍ فِيهَا خُمُسٌ وَلَا مَغْنَمٌ ، إِذْ تَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ أَمْرَهَا عَلَى مَا يُلْهِمُهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْذَنُ لَهُ بِهِ ، لَمْ يَضْرِبْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَحُزْهَا لِنَفْسِهِ وَلَا(1/164)
أَقْرِبَائِهِ ، وَلَكِنَّهُ آثَرَ بِأَوْسَعِهَا وَأَعْمَرِهَا وَأَكْثَرِهَا نُزُلًا أَهْلَ الْعَدَمِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَقَسَمَ طَوَائِفَ مِنْهَا فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَاحْتَبَسَ مِنْهَا فَرِيقًا لِنَوَائِبِهِ وَحَقِّهِ وَمَا يَعْرُوهُ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مُسْتَأْثِرٍ بِهِ وَلَا بِمَوْتِهِ أَنْ يُؤْثِرَ بِهِ أَحَدًا ، ثُمَّ جَعَلَهُ صَدَقَةً لَا تُرَاثَ لِأَحَدٍ فِيهِ ، زَهَادَةً فِي الدُّنْيَا وَمَحْقَرَةً لَهَا ، وَإِيثَارًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَهَذَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ . وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي تَفْسِيرِهَا اخْتِلَافٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ قَوْلُ اللَّهِ : مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى إِلَى قَوْلِهِ : وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ ذَلِكَ ، فَوَصَفَهُمْ وَسَمَّاهُمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ ، لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لَهُمْ وَفِيهِمْ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ : فَلِلَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى غَنِيٌّ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا وَمَا فِيهَا وَلَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ لِلَّهِ فِي سُبُلِهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا . وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَلِلرَّسُولِ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْمَغْنَمِ فِيهِ إِلَّا كَحَظِّ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : لِرَسُولِ اللَّهِ قَسْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ الْحُكْمُ فِيهِ(1/165)
. وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَلِذِي الْقُرْبَى ، فَقَدْ ظَنَّ نَاسٌ أَنَّ لِذِي الْقُرْبَى سَهْمًا مَفْرُوضًا يُبَيِّنُهُ اللَّهُ كَمَا بَيَّنَ سِهَامَ الْمَوَارِيثِ مِنَ النِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالسُّدُسِ ، وَلِمَا خَصَّ حَظَّهُمْ مِنْ ذَلِكَ غِنًى وَلَا فَقْرٌ وَلَا صَلَاحٌ وَلَا جَهْلٌ وَلَا قِلَّةُ عَدَدٍ وَلَا كَثْرَةٌ ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَطَاءِ وَالسَّبْيِ وَالْعَرَضِ وَالصَّامِتِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سَهْمٌ مَفْرُوضٌ حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ قَسَمَ لَهُمْ وَلِنِسَائِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ قَسْمًا لَمْ يَعُمَّهُمْ عَامَّتَهُمْ ، وَلَمْ يَخُصَّ بِهِ قَرِيبًا دُونَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْهُ ، وَلَقَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ أَعْطَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ قَرَابَةً لَمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ مِنَ الْحَاجَةِ ، لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَمِنْ قَوْمِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَفْرُوضًا لَمْ يَقْطَعْهُ عَنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَبَعْدَمَا وَسَّعَ رُكْنَهُ ، وَلَا أَبُو حَسَنٍ ، يَعْنِي عَلِيًّا ، حِينَ مَلَكَ مَا مَلَكَ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ قَائِلٌ ، فَهَلَّا أُعْلِمْتُمْ مِنْ ذَلِكَ أَمْرًا يُعْمَلُ بِهِ فِيهِمْ وَيُعْرَفُ لَهُمْ بَعْدُ ؟ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَفْرُوضًا لَمْ يَقُلِ اللَّهُ : كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : لِذِي الْقُرْبَى بِحَقِّهِمْ ، وَقَرَابَتِهِمْ فِي الْحَاجَةِ ، وَالْحَقِّ النَّازِلِ اللَّازِمِ ، وَكَحَقِّ الْمِسْكِينِ فِي مَسْكَنِهِ ، فَإِذَا اسْتَغْنَى فَلَا حَقَّ لَهُ ، وَكَحَقِّ(1/166)
ابْنِ السَّبِيلِ فِي سَفَرِهِ وَضَرُورَتِهِ ، فَإِذَا أَصَابَ غِنًى فَلَا حَقَّ لَهُ وَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى ذَوِي الْحَاجَةِ ، لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ وَصَالِحُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لِيَقْطَعُوا سَهْمًا فَرَضَهُ اللَّهُ وَجَنَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرْبَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا يُؤْتُونَهُمْ إِيَّاهُ ، وَلَا يَقُومُونَ بِحَقِّ اللَّهِ لَهُمْ فِيهِ ، كَمَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوَا الزَّكَاةَ وَأَحْكَامَ الْقُرْآنِ ، فَقَدْ أَمْضَوْا عَطَايَا فِي أَفْنَاءِ النَّاسِ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْخُمُسُ ، فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَغْنَمِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ وَسَّعَ لِنَبِيِّهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى ذَوِي الْقَرَابَةِ فِي مَوَاضِعَ قَدْ سَمَّى لَهُ بِغَيْرِ سَهْمٍ مَفْرُوضٍ ، فَقَدْ أَفَاءَ اللَّهُ سَبْيًا فَأَخْدَمَ فِيهِ نَاسًا وَتَرَكَ ابْنَتَهُ ، وَكَلَهَا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّسْبِيحِ ، فَلَا أَعْظَمَ مِنْهَا حَقًّا وَقَرَابَةً ، وَلَوْ قَسَمَ هَذَا الْخُمُسَ وَالْمَغْنَمَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ ، لَكَانَ ذَلِكَ حَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَاغْتِرَافًا لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَلَا يُقْبَلُ قَسَمُ ذَلِكَ فِيمَنْ يَدَّعِي فِيهِ الْوَلَايَةَ وَالْقَرَابَةَ وَالنَّسَبَ ، وَلَا دَخَلَتْ فِيهِ سُهْمَانُ الْعَصَبِيَّةِ وَالنِّسَاءِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، وَلَدَى مَنْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ : قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ , وَقَالَ : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ , وَمَعَ قَوْلِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ(1/167)
اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِأُمَمِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَدَعَ سَهْمًا فَرَضَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَلِأَقْرِبَائِهِ لِآخِرِ النَّاسِ ، وَلَا لَخُلُوفٍ بَعْدَهُ ، فَقَدْ سُئِلَ نِسَاءَ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ، فَتَحَلَّلَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ سَبَايَاهُمْ ، فَقَدْ كَانُوا فَيْئًا ، فَفَكَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْلَقَهُمْ ، لِمَا وَلُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، بِغَيْرِ سَهْمٍ مَفْرُوضٍ ، وَقَالَ يَوْمَئِذٍ ، وَهُوَ يَسْأَلُ مِنْ أَنْعَامِهِمْ ، وَتَعَلَّقَ رِدَاؤُهُ بِشَجَرَةٍ : " رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي ، فَلَوْ كَانَ لَكُمْ مِثْلُ عَدَدِ سَمُرِهَا نِعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ، وَمَا أَنَا بِأَحَقُّ بِهَذَا الْفَيْءِ مِنْكُمْ بِهَذِهِ الْوَبَرَةِ آخِذُهَا مِنْ كَاهِلِ الْبَعِيرِ " ، فَفِي هَذَا بَيَانٌ عَنْ مَوَاضِعِ الْفَيْءِ وَوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ . فَأَمَّا الصَّدَقَاتُ ، فَإِنَّهُ جَعَلَهَا زَكَاةً وَطَهُورًا لِعِبَادِهِ ، لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ صَبْرَهُمْ وَإِيمَانَهُمْ بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ ، فَنَادَى بِهِ إِلَى نَبِيِّهِ فَقَالَ : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ، وَلَمْ يَقُلْ : خُذْهَا لِنَفْسِكَ وَلِقُرْبَاكَ ، مَعَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِنَبِيٍّ وَلَا أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَلَا حَقَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ . قَالَ : فَقَالَ اللَّهُ : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا إِلَى قَوْلِهِ : وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، فَهَذِهِ مَوَاضِعُ الصَّدَقَاتِ ، حَيَوَانِهَا وَثِمَارِهَا وَصَامِتِهَا . ثُمَّ فَرَضَ اللَّهُ وَسَنَّ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَبَ(1/168)
فِيهَا إِلَى الْآفَاقِ ، وَجَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَدْ قَالَ مُرْتَدُّو الْعَرَبِ : نُقِيمُ الصَّلَاةَ وَلَا نُؤْتِي الزَّكَاةَ : لَا أُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ ، وَلَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا طَيِّبَةً بِذَلِكَ نَفْسِي . وَمَا لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَيَّرَ وَأَنْ يَتَحَكَّمَ فِيمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَأَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ رُؤَسَاءَ مِنْ رُؤَسَاءِ الْعَرَبِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ ، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " اللَّهُ يُفْرِغُ بَعْضَهُ فِي حَوْضِ بَعْضٍ ، وَيَسُدُّ بَعْضَهُ مَكَانَ بَعْضٍ " . وَمَا سُهْمَانُ الصَّدَقَةِ إِلَّا فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيمَنْ سَمَّى اللَّهُ وَوَصَفَ ، لَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ ذَلِكَ يَسْتَوْجِبُونَهُ إِلَّا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ ، لَمْ يَكُنْ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ
أَحَدًا لِشَرَفِهِ وَلَا لِغَنَاءٍ وَلَا لِدِلَّةٍ ، وَأَوْلَى النَّاسُ بِهَا مِمَّنْ قُبِضَتْ عَنْهُ الصَّدَقَةُ يَعْلَمُهُ مَنْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ . وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
============
رسالة ابن تيمية الى أصحابه وهو في السجن(1/169)
رِسَالَةٌ مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - إلَى أَصْحَابِهِ وَهُوَ فِي حَبْسِ الإسكندرية قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } . وَاَلَّذِي أُعَرِّفُ بِهِ الْجَمَاعَةَ أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَهُ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ ؛ فَإِنِّي - وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ - فِي نِعَمٍ مِنْ اللَّهِ مَا رَأَيْت مِثْلَهَا فِي عُمْرِي كُلِّهِ وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ أَبْوَابِ فَضْلِهِ وَنِعْمَتِهِ وَخَزَائِنِ جُودِهِ وَرَحْمَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ بِالْبَالِ ؛ وَلَا يَدُورُ فِي الْخَيَالِ مَا يَصِلُ الطَّرْفُ إلَيْهَا يَسَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى صَارَتْ مَقَاعِدَ وَهَذَا يَعْرِفُ بَعْضَهَا بِالذَّوْقِ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَمَا هُوَ مَطْلُوبُ الْأَوَّلِينَ والآخرين مِنْ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ . فَإِنَّ اللَّذَّةَ وَالْفَرْحَةَ وَالسُّرُورَ وَطِيبَ الْوَقْتِ وَالنَّعِيمَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ : وَانْفِتَاحِ الْحَقَائِقِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْقُرْآنِيَّةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ : لَقَدْ كُنْت فِي حَالٍ أَقُولُ فِيهَا : إنْ كَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ إنَّهُمْ لَفِي عَيْشٍ طَيِّبٍ . وَقَالَ آخَرُ : لَتَمُرُّ عَلَى الْقَلْبِ أَوْقَاتٌ يَرْقُصُ فِيهَا طَرَبًا وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا نَعِيمٌ يُشْبِهُ نَعِيمَ الْآخِرَةِ إلَّا نَعِيمَ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ . وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ(1/170)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " { أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ } وَلَا يَقُولُ : أَرِحْنَا مِنْهَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ تَثْقُلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } وَالْخُشُوعُ : الْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالسُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ إلَيْهِ بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ } ثُمَّ يَقُولُ : { وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ } وَلَمْ يَقُلْ : { حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ } كَمَا يَرْفَعُهُ بَعْضُ النَّاسِ بَلْ هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد والنسائي أَنَّ الْمُحَبَّبَ إلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ . وَأَمَّا قُرَّةُ الْعَيْنِ تَحْصُلُ بِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ وَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ . وَالْقُلُوبُ فِيهَا وَسْوَاسُ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانُ يَأْمُرُ بِالشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ طِيبَ عَيْشِهَا فَمَنْ كَانَ مُحِبًّا لِغَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ مُعَذَّبٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؛ إنْ نَالَ مُرَادَهُ عُذِّبَ بِهِ ؛ وَإِنْ لَمْ يَنَلْهُ فَهُوَ فِي الْعَذَابِ وَالْحَسْرَةِ وَالْحُزْنِ . وَلَيْسَ لِلْقُلُوبِ سُرُورٌ وَلَا لَذَّةٌ تَامَّةٌ إلَّا فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ وَالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِمَا يُحِبُّهُ وَلَا تُمْكِنُ مَحَبَّتُهُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ كُلِّ مَحْبُوبٍ سِوَاهُ وَهَذَا حَقِيقَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَهِيَ مِلَّةُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ صَلَاةُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ(1/171)
لِأَصْحَابِهِ : { قُولُوا : أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ وَكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَدِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِلَّةِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } . " وَالْحَنِيفُ " لِلسَّلَفِ فِيهِ ثَلَاثُ عِبَارَاتٍ . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : مُسْتَقِيمًا . وَقَالَ عَطَاءٌ : مُخْلِصًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مُتَّبِعًا . فَهُوَ مُسْتَقِيمُ الْقَلْبِ إلَى اللَّهِ دُونَ مَا سِوَاهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : فَلَمْ يَلْتَفِتُوا عَنْهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً . فَلَمْ يَلْتَفِتُوا بِقُلُوبِهِمْ إلَى مَا سِوَاهُ لَا بِالْحُبِّ وَلَا بِالْخَوْفِ وَلَا بِالرَّجَاءِ ؛ وَلَا بِالسُّؤَالِ ؛ وَلَا بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ؛ بَلْ لَا يُحِبُّونَ إلَّا اللَّهَ وَلَا يُحِبُّونَ مَعَهُ أَنْدَادًا وَلَا يُحِبُّونَ إلَّا إيَّاهُ ؛(1/172)
لَا لِطَلَبِ مَنْفَعَةٍ وَلَا لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ وَلَا يَخَافُونَ غَيْرَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَلَا يَسْأَلُونَ غَيْرَهُ وَلَا يَتَشَرَّفُونَ بِقُلُوبِهِمْ إلَى غَيْرِهِ . وَلِهَذَا { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ سَائِلٍ وَلَا مُتَشَرِّفٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَك } - فَالسَّائِلُ بِلِسَانِهِ وَالْمُتَشَرِّفُ بِقَلْبِهِ - مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ؛ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ؛ وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ } مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ . فَالْغِنَى فِي الْقَلْبِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْمَالِ ؛ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ } . " وَالْعَفِيفُ " الَّذِي لَا يَسْأَلُ بِلِسَانِهِ لَا نَصْرًا وَلَا رِزْقًا قَالَ تَعَالَى : { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إنِ الْكَافِرُونَ إلَّا فِي غُرُورٍ } { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } إلَى آخِرِ السُّورَةِ . وَقَالَ تَعَالَى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } أَيْ : لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ ؛ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ . فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ حُسْنِ تَدْبِيرِهِ لِعَبْدِهِ(1/173)
وَتَيْسِيرِهِ لَهُ أَسْبَابَ الْخَيْرِ مِنْ الْهُدَى لِلْقُلُوبِ وَالزُّلْفَى لَدَيْهِ وَالتَّبْصِيرِ : يَدْفَعُ عَنْهُ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مَا لَا تَبْلُغُ الْعِبَادُ قَدْرَهُ . وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ . وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ حَقَائِقَ مَا جَاءَ بِهِ ؛ إنَّمَا عِنْدَهُمْ قِسْطٌ مِنْ ذَلِكَ . { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } وَالْجِهَادُ يُوجِبُ هِدَايَةَ السَّبِيلِ إلَيْهِ . وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } . فَكُلُّ مَنْ اتَّبَعَ الرَّسُولَ فَإِنَّ اللَّهَ حَسْبُهُ ؛ أَيْ كَافِيهِ وَهَادِيهِ وَنَاصِرُهُ ؛ أَيْ : كَافِيهِ كِفَايَتَهُ وَهِدَايَتَهُ وَنَاصِرُهُ وَرَازِقُهُ . فَالْإِنْسَانُ ظَالِمٌ جَاهِلٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ } إلَى قَوْلِهِ : { ظَلُومًا جَهُولًا } وَإِنَّمَا غَايَةُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ وَجُنْدِهِ الْغَالِبِينَ التَّوْبَةُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } وَتَوْبَةُ كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِهِ وَعَلَى قَدْرِ مَقَامِهِ وَحَالِهِ . وَلِهَذَا كَانَ الدِّينُ مَجْمُوعًا فِي التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ قَالَ تَعَالَى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ(1/174)
وَالْمُؤْمِنَاتِ } . وَقَالَ تَعَالَى : { فَاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ } فَفِعْلُ جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ جَمِيعِ الْمَحْظُورَاتِ يَدْخُلُ فِي التَّوْحِيدِ فِي قَوْلِ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ وَيَتْرُكْ الْمَعَاصِيَ لِلَّهِ : لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ عَمَلَهُ قَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } قَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ : التَّقْوَى : أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنْ اللَّهِ تَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ ؛ وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنْ اللَّهِ تَخَافُ عَذَابَ اللَّهِ . وَلَا بُدَّ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِحَسَبِ حَالِهِ . وَالْعَبْدُ إذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ فَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ - وَالْإِلَهُ هُوَ الْمَعْبُودُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ غَايَةَ الْحُبِّ وَالْعُبُودِيَّةِ بِالْإِجْلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ يَفْنَى الْقَلْبُ بِحُبِّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ حُبِّ مَا سِوَاهُ وَدُعَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَسُؤَالِهِ عَمَّا سِوَاهُ وَبِطَاعَتِهِ عَنْ طَاعَةِ مَا سِوَاهُ - حَلَّاهُ اللَّهُ بِالْأَمْنِ وَالسُّرُورِ وَالْحُبُورِ وَالرَّحْمَةِ لِلْخَلْقِ ؛ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ فَهُوَ يُجَاهِدُ وَيَرْحَمُ . لَهُ الصَّبْرُ وَالرَّحْمَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } وَكُلَّمَا قَوِيَ التَّوْحِيدُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ قَوِيَ إيمَانُهُ وَطُمَأْنِينَتُهُ وَتَوَكُّلُهُ وَيَقِينُهُ . وَالْخَوْفُ الَّذِي يَحْصُلُ(1/175)
فِي قُلُوبِ النَّاسِ هُوَ الشِّرْكُ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ } . وَكَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتُحَاجُّونَنِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي إلَى قَوْلِهِ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " { تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ } . فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ رِيَاسَةٌ لِمَخْلُوقِ فَفِيهِ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ . فَلَمَّا خَوَّفُوا خَلِيلَهُ بِمَا يَعْبُدُونَهُ وَيُشْرِكُونَ بِهِ - الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ كَالْعِبَادَةِ - قَالَ الْخَلِيلُ : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يَقُولُ : إنْ تُطِيعُوا غَيْرَ اللَّهِ وَتَعْبُدُوا غَيْرَهُ وَتُكَلِّمُونِ فِي دِينِهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا : فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ؟ أَيْ تُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ وَلَا تَخَافُونَهُ وَتُخَوِّفُونِي أَنَا بِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَمْنَ إلَى قَوْلِهِ : { أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } أَيْ : هَؤُلَاءِ الْمُوَحِّدُونَ الْمُخْلِصُونَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد لِبَعْضِ النَّاسِ : لَوْ صَحَحْت لَمْ تَخَفْ أَحَدًا . وَلَكِنْ لِلشَّيْطَانِ وَسْوَاسٌ(1/176)
فِي قُلُوبِ النَّاسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } إلَى قَوْله تَعَالَى { إنْ يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إلَّا يَخْرُصُونَ } أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : أَنَّ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَدُوٍّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوَسْوِسَونَ الْقَوْلَ الْمُزَخْرَفَ وَنَهَى أَنْ يَطْلُبَ حُكْمًا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا } وَالْكِتَابُ : هُوَ الْحَاكِمُ بَيْنَ النَّاسِ شَرْعًا وَدِينًا وَيَنْصُرُ الْقَائِمَ نَصْرًا وَقَدَرًا . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا } إلَى قَوْلِهِ : { وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } . وَقَالَ تَعَالَى : " { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } إلَى قَوْلِهِ : { إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } وَ " الْمِيزَانُ " هُوَ : الْعَدْلُ وَمَا بِهِ يُعْرَفُ الْعَدْلُ وَأَنْزَلَ الْحَدِيدَ لِيَنْصُرَ الْكِتَابَ ؛ فَإِنْ قَامَ صَاحِبُهُ بِذَلِكَ كَانَ سَعِيدًا مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ نَصَرَ الْكِتَابَ بِأَمْرِ مِنْ عِنْدِهِ ؛ وَانْتَقَمَ مِمَّنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْكِتَابِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ(1/177)
نَصَرَهُ اللَّهُ إذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ } إلَى قَوْلِهِ : { وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . { وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ : { إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } . وَكُلُّ مَنْ وَافَقَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرٍ خَالَفَ فِيهِ غَيْرَهُ فَهُوَ مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ذَلِكَ ؛ وَلَهُ نَصِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ : { لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } فَإِنَّ الْمَعِيَّةَ الْإِلَهِيَّةَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِلنَّصْرِ هِيَ لِمَا جَاءَ بِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؛ وَهَذَا قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ ذَلِكَ وَجَرَّبْنَا مَا يَطُولُ وَصْفُهُ . وَقَالَ تَعَالَى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ } إلَى آخِرِ السُّورَةِ . وَقَالَ تَعَالَى : { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } { إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } فَمَنْ شَنَأَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبٌ ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ : إنَّ بِالْمَسْجِدِ أَقْوَامًا يَجْلِسُونَ وَيَجْلِسُ النَّاسُ إلَيْهِمْ فَقَالَ : مَنْ جَلَسَ لِلنَّاسِ جَلَسَ النَّاسُ إلَيْهِ ؛ لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَبْقَوْنَ وَيَبْقَى ذِكْرُهُمْ وَأَهْلَ الْبِدْعَةِ يَمُوتُونَ وَيَمُوتُ ذِكْرُهُمْ . وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْبِدْعَةِ شَنَئُوا بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/178)
فَأَبْتَرَهُمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَاَلَّذِينَ أَعْلَنُوا مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } فَإِنَّ مَا أَكَرَمَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَابِعِينَ نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِمْ . فَمَا كَانَ مِنْ خَصَائِصِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ فَلَمْ يُشَارِكْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ وَمَا كَانَ مِنْ ثَوَابِ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ نَصِيبٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ ؛ وَبِالْيَدِ وَاللِّسَانِ ؛ وَهَذَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؛ لَكِنَّ الْجِهَادَ الْمَكِّيَّ بِالْعِلْمِ وَالْبَيَانِ ؛ وَالْجِهَادَ الْمَدَنِيَّ مَعَ الْمَكِّيِّ بِالْيَدِ وَالْحَدِيدِ قَالَ تَعَالَى : { فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } وَ " سُورَةُ الْفُرْقَانِ " مَكِّيَّةٌ وَإِنَّمَا جَاهَدَهُمْ بِاللِّسَانِ وَالْبَيَانِ ؛ وَلَكِنْ يَكُفُّ عَنْ الْبَاطِلِ وَإِنَّمَا قَدْ بَيَّنَ فِي الْمَكِّيَّةِ . { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } . وَقَالَ تَعَالَى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } . وَقَالَ تَعَالَى : { الم } { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ(1/179)
يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } إلَى قَوْلِهِ : { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : أَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ . وَالنَّاسُ رَجُلَانِ : رَجُلٌ يَقُولُ : أَنَا مُؤْمِنٌ بِهِ مُطِيعُهُ ؛ فَهَذَا لَا بُدَّ أَنْ يُمْتَحَنَ حَتَّى يُعْلَمَ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ . وَرَجُلٌ مُقِيمٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ؛ فَهَذَا قَدْ عَمِلَ السَّيِّئَاتِ فَلَا يَظُنُّ أَنْ يَسْبِقُونَا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ نَأْخُذَهُمْ . وَمَا لِأَحَدِ مِنْ خُرُوجٍ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ . قَالَ تَعَالَى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ } إلَى قَوْلِهِ : { لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } . فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ مَنْ يُجَادِلُ فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ ؛ وَالْعِلْمُ : هُوَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ : السُّلْطَانُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَكَلِّمًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَمَنْ تَوَلَّاهُ الشَّيْطَانُ فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلَى عَذَابِ السَّعِيرِ وَمَنْ انْقَادَ لِدِينِ اللَّهِ فَقَدَ عَبَدَ اللَّهَ بِالْيَقِينِ بَلْ إنْ أَصَابَهُ مَا يَهْوَاهُ اسْتَمَرَّ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا يُخَالِفُ هَوَاهُ رَجَعَ وَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ وَ " الْحَرْفُ " هُوَ : الْجَانِبُ كَحَرْفِ الرَّغِيفِ وَحَرْفِ الْجَبَلِ لَيْسَ مُسْتَقِرًّا بِثَبَاتِ { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ } فِي الدُّنْيَا { اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } أَيْ :(1/180)
مِحْنَةٌ اُمْتُحِنَ بِهَا { انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } وَحَرْفُ الْجَبَلِ لَيْسَ مُسْتَقِرًّا بِالثَّبَاتِ مَعْنَاهُ : خَسِرَ الدُّنْيَا بِمَا اُمْتُحِنَ بِهِ وَخَسِرَ الْآخِرَةَ بِرُجُوعِهِ عَنْ الدِّينِ { يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ } الْآيَةَ . أَيْ : يَدْعُو الْمَخْلُوقِينَ ؛ يَخَافُهُمْ وَيَرْجُوهُمْ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ لَهُ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا بَلْ ضَرُّهُمْ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِمْ ؛ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَسْلَمَ وَكَانَ مُشْرِكًا فَحُكْمُهَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ تَنَاوَلَهُ لَفْظُهَا وَمَعْنَاهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . فَكُلُّ مَنْ دَعَا غَيْرَ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَالْعِيَانُ يُصَدِّقُ هَذَا ؛ فَإِنَّ الْمَخْلُوقِينَ إذَا اشْتَكَى إلَيْهِمْ الْإِنْسَانُ فَضَرَرُهُمْ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِمْ وَالْخَالِقَ - جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَلَا إلَهَ غَيْرُهُ - إذَا اشْتَكَى إلَيْهِ الْمَخْلُوقُ وَأَنْزَلَ حَاجَتَهُ بِهِ وَاسْتَغْفَرَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ : أَيَّدَهُ وَقَوَّاهُ وَهَدَاهُ وَسَدَّ فَاقَتَهُ وَأَغْنَاهُ وَقَرَّبَهُ وَأَقْنَاهُ وَحَبَّهُ وَاصْطَفَاهُ وَالْمَخْلُوقُ إذَا أَنْزَلَ الْعَبْدُ بِهِ حَاجَتَهُ اسْتَرْذَلَهُ وَازْدَرَاهُ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَإِنْ قَضَى لَهُ بِبَعْضِ مَطْلَبِهِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ بَعْضِ رعاياه يَسْتَعْبِدُهُ بِمَا يَهْوَاهُ قَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ : { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ(1/181)
يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ قَدْ كَتَبْت فِيهِ شَيْئًا كَثِيرًا وَعَرَفْته : عِلْمًا وَذَوْقًا وَتَجْرِبَةً . 28 / 30 – 59 ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 316)
=================
رسالته إلى أهل البحرين(1/182)
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : فِي " رِسَالَتِهِ إلَى أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ " وَاخْتِلَافِهِمْ فِي صَلَاةِ الْجُمْعَةِ : وَاَلَّذِي أَوْجَبَ هَذَا : أَنَّ وَفْدَكُمْ حَدَّثُونَا بِأَشْيَاءَ مِنْ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَكُمْ حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّ الْأَمْرَ آلَ إلَى قَرِيبِ الْمُقَاتَلَةِ وَذَكَرُوا أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي " رُؤْيَةِ الْكُفَّارِ رَبَّهُمْ " ؛ وَمَا كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى هَذَا الْحَدِّ فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ خَفِيفٌ . وَإِنَّمَا الْمُهِمُّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ اعْتِقَادُهُ : أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ وَبَعْدَ مَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالْحَدِيثِ ؛ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّا نَرَى رَبَّنَا كَمَا نَرَى الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالشَّمْسَ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ لَا يُضَامُ فِي رُؤْيَتِهِ } . وَ " رُؤْيَتُهُ سُبْحَانَهُ " هِيَ أَعْلَى مَرَاتِبِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ وَغَايَةُ مَطْلُوبِ الَّذِينَ عَبَدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ؛ وَإِنْ كَانُوا فِي الرُّؤْيَةِ عَلَى دَرَجَاتٍ عَلَى حَسَبِ قُرْبِهِمْ مِنْ اللَّهِ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ " السَّلَفِ " أَنَّ مَنْ جَحَدَ رُؤْيَةَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعِلْمُ فِي ذَلِكَ عُرِّفَ ذَلِكَ كَمَا يُعَرَّفُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْجُحُودِ بَعْدَ بُلُوغِ الْعِلْمِ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ .(1/183)
وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ قَدْ دَوَّنَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا " كُتُبًا " مِثْلَ : " كِتَابِ الرُّؤْيَةِ " للدارقطني وَلِأَبِي نُعَيْمٍ وللآجري ؛ وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُونَ فِي السُّنَّةِ كَابْنِ بَطَّةَ واللالكائي وَابْنِ شَاهِينَ وَقَبْلَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَحَنْبَلُ بْنُ إسْحَاقَ وَالْخَلَّالُ والطبراني وَغَيْرُهُمْ . وَخَرَّجَهَا أَصْحَابُ الصَّحِيحِ وَالْمَسَانِدِ وَالسُّنَنِ وَغَيْرِهِمْ . فَأَمَّا " مَسْأَلَةُ رُؤْيَةِ الْكُفَّارِ " فَأَوَّلُ مَا انْتَشَرَ الْكَلَامُ فِيهَا وَتَنَازَعَ النَّاسُ فِيهَا - فِيمَا بَلَغَنَا - بَعْدَ ثَلَاثمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَأَمْسَكَ عَنْ الْكَلَامِ فِي هَذَا قَوْمٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَتَكَلَّمَ فِيهَا آخَرُونَ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ " مَعَ أَنِّي مَا عَلِمْت أَنَّ أُولَئِكَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا تَلَاعَنُوا وَلَا تهاجروا فِيهَا ؛ إذْ فِي الْفِرَقِ الثَّلَاثَةِ قَوْمٌ فِيهِمْ فَضْلٌ وَهُمْ أَصْحَابُ سُنَّةٍ . وَالْكَلَامُ فِيهَا قَرِيبٌ مِنْ الْكَلَامِ فِي مَسْأَلَةِ " مُحَاسَبَةِ الْكُفَّارِ " هَلْ يُحَاسَبُونَ أَمْ لَا ؟ هِيَ مَسْأَلَةٌ لَا يُكْفَرُ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ وَالصَّحِيحُ أَيْضًا أَنْ لَا يُضَيَّقَ فِيهَا وَلَا يُهْجَرَ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ بَشَّارٍ أَنَّهُ قَالَ : لَا يُصَلَّى خَلْفَ مَنْ يَقُولُ : إنَّهُمْ يُحَاسَبُونَ . وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُصَلَّى خَلْفَ الْفَرِيقَيْنِ بَلْ يَكَادُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ يَرْتَفِعُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ ؛ مَعَ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُ الْإِمَامِ أَحْمَد وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ : لَا يُحَاسَبُونَ وَاخْتَلَفَ(1/184)
فِيهَا غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ . وَذَلِكَ أَنَّ " الْحِسَابَ " قَدْ يُرَادُ بِهِ الْإِحَاطَةُ بِالْأَعْمَالِ وَكِتَابَتُهَا فِي الصُّحُفِ وَعَرْضُهَا عَلَى الْكُفَّارِ وَتَوْبِيخُهُمْ عَلَى مَا عَمِلُوهُ وَزِيَادَةُ الْعَذَابِ وَنَقْصُهُ بِزِيَادَةِ الْكُفْرِ وَنَقْصِهِ فَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الْحِسَابِ ثَابِتٌ بِالِاتِّفَاقِ . وَقَدْ يُرَادُ " بِالْحِسَابِ " وَزْنُ الْحَسَنَاتِ بِالسَّيِّئَاتِ لِيَتَبَيَّنَ أَيُّهُمَا أَرْجَحُ : فَالْكَافِرُ لَا حَسَنَاتِ لَهُ تُوزَنُ بِسَيِّئَاتِهِ ؛ إذْ أَعْمَالُهُ كُلُّهَا حَابِطَةٌ وَإِنَّمَا تُوزَنُ لِتَظْهَرَ خِفَّةُ مَوَازِينِهِ لَا لِيَتَبَيَّنَ رُجْحَانُ حَسَنَاتٍ لَهُ . وَقَدْ يُرَادُ " بِالْحِسَابِ " أَنَّ اللَّهَ : هَلْ هُوَ الَّذِي يُكَلِّمُهُمْ أَمْ لَا ؟ فَالْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُكَلِّمُهُمْ تَكْلِيمَ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ وَتَبْكِيتٍ لَا تَكْلِيمَ تَقْرِيبٍ وَتَكْرِيمٍ وَرَحْمَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَنْكَرَ تَكْلِيمَهُمْ جُمْلَةً . وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي " رُؤْيَةِ الْكُفَّارِ " : ( أَحَدُهَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِحَالِ لَا الْمُظْهِرُ لِلْكُفْرِ وَلَا الْمُسِرُّ لَهُ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عُمُومُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . ( الثَّانِي :أَنَّهُ يَرَاهُ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْحِيدَ مِنْ مُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمُنَافِقِيهَا وَغَبَرَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فَلَا يَرَوْنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ بْنِ خزيمة(1/185)
مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى نَحْوَهُ فِي حَدِيثِ إتْيَانِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ فِي الْمَوْقِفِ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ . ( الثَّالِثُ : أَنَّ الْكُفَّارَ يَرَوْنَهُ رُؤْيَةَ تَعْرِيفٍ وَتَعْذِيبٍ - كَاللِّصِّ إذَا رَأَى السُّلْطَانَ - ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ لِيَعْظُمَ عَذَابُهُمْ وَيَشْتَدَّ عِقَابُهُمْ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلِ غَيْرِهِمْ ؛ وَهُمْ فِي الْأُصُولِ مُنْتَسِبُونَ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي سَهْلٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري . وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ " اللِّقَاءَ " فِي كِتَابِ اللَّهِ بِالرُّؤْيَةِ ؛ إذْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ الْإِمَامُ قَالُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ : { الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ } وَفِي قَوْلِهِ : { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ } وَفِي قَوْلِ اللَّهِ : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } وَفِي قَوْلِهِ : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ } وَفِي قَوْلِهِ : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ } إنَّ اللِّقَاءَ يَدُلُّ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَالْمُعَايَنَةِ . وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُثْبِتُونَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } . وَمِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ قَالَ " اللِّقَاءُ " إذَا قُرِنَ بِالتَّحِيَّةِ فَهُوَ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ : سَمِعْت أَبَا عُمَرَ الزَّاهِدَ اللُّغَوِيَّ يَقُولُ(1/186)
: سَمِعْت أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنَ يَحْيَى بَغْلَنَا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ } أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ اللِّقَاءَ هَاهُنَا لَا يَكُونُ إلَّا مُعَايَنَةً وَنَظْرَةً بِالْأَبْصَارِ . وَأَمَّا " الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ " فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَيْسَ الدَّلِيلُ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ قَوْلَهُ : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ } وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ آيَاتٌ أُخَرُ مِثْلُ قَوْلِهِ : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } { إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } وَقَوْلُهُ : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وَقَوْلُهُ : { إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ } وَقَوْلُهُ : { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ . وَمِنْ أَقْوَى مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْمُثْبِتُونَ : مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ : هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابٍ ؟ قَالُوا : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابٍ ؟ قَالُوا : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا قَالَ : فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ : أَيْ فُلَانٌ أَلَمْ أُكْرِمْك ؟ أَلَمْ(1/187)
أُسَوِّدْك ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْك ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَك الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وأتركك تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : بَلَى يَا رَبِّ قَالَ : فَظَنَنْت أَنَّك مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لَا . قَالَ : فَالْيَوْمَ أَنْسَاك كَمَا نَسِيتنِي . قَالَ : فَيَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ : أَلَمْ أُكْرِمْك ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْك ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْك ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَك الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وأتركك تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : بَلَى يَا رَبِّ قَالَ : فَظَنَنْت أَنَّك مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لَا . قَالَ : فَالْيَوْمَ أَنْسَاك كَمَا نَسِيتنِي . ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ : فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ . فَيَقُولُ : يَا رَبِّ آمَنْت بِك وَبِكِتَابِك وَبِرُسُلِك وَصَلَّيْت وَصُمْت وَتَصَدَّقْت وَيُثْنِي بِخَيْرِ مَا اسْتَطَاعَ فَيُقَالُ : أَلَا نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْك فَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيَّ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ : انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ الَّذِي سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ } . إلَى هُنَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ - وَهِيَ مِثْلُ رِوَايَتِهِ سَوَاءٌ صَحِيحَةٌ - قَالَ : { ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَلَا تَتَّبِعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ قَالَ : فَتَتَّبِعُ أَوْلِيَاءُ الشَّيَاطِينِ الشَّيَاطِينَ قَالَ : وَاتَّبَعَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَهُمْ إلَى جَهَنَّمَ ثُمَّ نَبْقَى أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَيَأْتِينَا رَبُّنَا وَهُوَ رَبُّنَا فَيَقُولُ : عَلَامَ هَؤُلَاءِ قِيَامٌ ؟ فَنَقُولُ نَحْنُ عِبَادُ اللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ عَبَدْنَاهُ وَهُوَ رَبُّنَا وَهُوَ آتِينَا وَيُثِيبُنَا(1/188)
وَهَذَا مَقَامُنَا . فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ فَامْضُوا قَالَ : فَيُوضَعُ الْجِسْرُ وَعَلَيْهِ كَلَالِيبُ مِنْ النَّارِ تَخْطَفُ النَّاسَ فَعِنْدَ ذَلِكَ حَلَّتْ الشَّفَاعَةُ لِي اللَّهُمَّ سَلِّمْ اللَّهُمَّ سَلِّمْ قَالَ : فَإِذَا جَاءُوا الْجِسْرَ فَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجًا مِنْ الْمَالِ مِمَّا يَمْلِكُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَكُلُّ خَزَنَةِ الْجَنَّةِ يَدْعُونَهُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ يَا مُسْلِمُ هَذَا خَيْرٌ فَتَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ يَا مُسْلِمُ هَذَا خَيْرٌ فَتَعَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَلِكَ الْعَبْدُ لَا تَوَى عَلَيْهِ يَدَعُ بَابًا وَيَلِجُ مِنْ آخَرَ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ } . وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَفِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ وَالْمُنَافِقَ يَلْقَى رَبَّهُ . وَيُقَالُ : ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَلْقَ جَمِيعَهُمْ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فَيَلْقَى اللَّهُ الْعَبْدَ عِنْدَ ذَلِكَ . لَكِنْ قَالَ ابْنُ خزيمة وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا " اللِّقَاءُ " الَّذِي فِي الْخَبَرِ غَيْرُ التَّرَائِي ؛ لَا أَنَّ اللَّهَ تَرَاءَى لِمَنْ قَالَ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : هَلْ نَرَى رَبَّنَا ؟ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْكَافِرَ يَلْقَى رَبَّهُ فَيُوَبِّخُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَتَّبِعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ . يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ فِي(1/189)
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { أَنَّ النَّاسَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ ؟ قَالُوا : لَا . يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الشَّمْسَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الْقَمَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ : هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ ؛ فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا فَيَعْرِفُونَهُ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظهراني جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ جَاوَزَ مِنْ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ ؛ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمئِذٍ أَحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ ؟ قَالُوا نَعَمْ . قَالَ : فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلَّا اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ الْمُجَازَى حَتَّى يَنْجُوَ حَتَّى إذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ(1/190)
اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ ؛ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ قَدْ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ - وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ - فَيُقْبِلُ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنْ النَّارِ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذُكَاؤُهَا فَيَقُولُ : هَلْ عَسَيْت إنْ فُعِلَ بِك ذَلِكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَعِزَّتِك فَيُعْطِي اللَّهَ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ . فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْت الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْت سَأَلْت ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِك . فَيَقُولُ ؛ هَلْ عَسَيْت إنْ أَعْطَيْتُك ذَلِكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : لَا . وَعِزَّتِك لَا أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيُقَدِّمُهُ إلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ . فَيَقُولُ اللَّهُ : وَيْحَك يَا(1/191)
ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَك ؟ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْت الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيت ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِك فَيَضْحَكُ اللَّهُ مِنْهُ ؛ ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : تَمَنَّ . فَيَتَمَنَّى حَتَّى إذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ : مِنْ كَذَا وَكَذَا أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ حَتَّى إذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ : لَك ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ } . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخدري لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّهُ : لَك ذَلِكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ } قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا قَوْلَهُ : { لَك ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ } قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : إنِّي سَمِعْته يَقُولُ : { لَك ذَلِكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ } . وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ قَالَ : وَأَبُو سَعِيدٍ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِهِ شَيْئًا حَتَّى إذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : { إنَّ اللَّهَ قَالَ : ذَلِكَ لَك وَمِثْلُهُ مَعَهُ } قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخدري : { وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ } يَا أَبَا هُرَيْرَةَ . فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الرُّؤْيَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَتْبَعَ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ . وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ : فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ؛(1/192)
أَلَمْ تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْكُمْ إلَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ فِي الدُّنْيَا ؟ وَيَتَوَلَّى قَالَ : وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عِيسَى شَيْطَانُ عِيسَى وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْرًا شَيْطَانُ عُزَيْرٍ حَتَّى يُمَثَّلَ لَهُمْ الشَّجَرَةُ وَالْعُودُ وَالْحَجَرُ وَيَبْقَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ جُثُومًا ؛ فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا لَكُمْ لَا تَنْطَلِقُونَ كَمَا انْطَلَقَ النَّاسُ ؟ فَيَقُولُونَ : إنَّ لَنَا رَبًّا مَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ ؛ قَالَ : فَيُقَالُ : فَبِمَ تَعْرِفُونَ رَبَّكُمْ إذَا رَأَيْتُمُوهُ ؟ قَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ إنْ رَأَيْنَاهُ عَرَفْنَاهُ . قِيلَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالُوا : يَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَرَوْهُ قَبْلَ تَجَلِّيهِ لَهُمْ خَاصَّةً وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُونَ : مَعْنَى هَذَا لَمْ يَرَوْهُ مَعَ هَؤُلَاءِ الْآلِهَةِ الَّتِي يَتْبَعُهَا النَّاسُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتْبَعُوا شَيْئًا . يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري { قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ . فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ ؟ قَالُوا : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا كَمَا(1/193)
تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا . إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِتَتْبَعَ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وغبر أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ . فَيَقُولُ : كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ(1/194)
مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ ؟ قَالُوا : عَطِشْنَا يَا رَبِّ فَاسْقِنَا فَيُشَارُ إلَيْهِمْ أَلَا تردون ؟ فَيُحْشَرُونَ إلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ لَهُمْ : كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ ؟ فَيَقُولُونَ . عَطِشْنَا يَا رَبِّ فَاسْقِنَا قَالَ : فَيُشَارُ إلَيْهِمْ أَلَا تردون ؟ فَيُحْشَرُونَ إلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ اللَّهُ فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنْ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا - وَفِي رِوَايَةٍ - قَالَ : فَيَأْتِيهِمْ الْجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي رَأَوْهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ : فَمَا تَنْتَظِرُونَ : لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ قَالُوا : يَا رَبَّنَا فَارَقَنَا النَّاسُ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ . فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ : نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك لَا نُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؛ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ - فَيَقُولُ : هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ بِهَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ . فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إلَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ نِفَاقًا وَرِيَاءً إلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً(1/195)
كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ : أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا . ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ ؟ قَالَ : دَحْضٌ مَزَلَّةٍ فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ تَكُونُ بِنَجْدِ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا : السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسْلِمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمُكَرْدَسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى إذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ } . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ : لِيَتْبَعْ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ . وَهِيَ " الرُّؤْيَةُ الْأُولَى " الْعَامَّةُ الَّتِي فِي " الرُّؤْيَةِ الْأُولَى " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ بِالرُّؤْيَةِ وَاللِّقَاءِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ لِيَتْبَعْ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ . وَكَذَلِكَ جَاءَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ(1/196)
ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ : أَلَا يَتْبَعُ النَّاسُ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيُمَثَّلُ لِصَاحِبِ الصَّلِيبِ صَلِيبُهُ وَلِصَاحِبِ النَّارِ نَارُهُ وَلِصَاحِبِ التَّصْوِيرِ تَصْوِيرُهُ فَيَتَّبِعُونَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ؛ وَيَبْقَى الْمُسْلِمُونَ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ : أَلَا تَتْبَعُونَ النَّاسَ فَيَقُولُونَ : نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك اللَّهُ رَبُّنَا وَهَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبَّنَا وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيُثَبِّتُهُمْ ؛ ثُمَّ يَتَوَارَى ثُمَّ يَطَّلِعُ فَيَقُولُ أَلَا تَتْبَعُونَ النَّاسَ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك اللَّهُ رَبُّنَا وَهَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبَّنَا وَيُثَبِّتُهُمْ . قَالُوا وَهَلْ نَرَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : فَإِنَّكُمْ لَا تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَتِهِ تِلْكَ السَّاعَةَ ثُمَّ يَتَوَارَى ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّبِعُونِي فَيَقُومُ الْمُسْلِمُونَ وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ } . وَأَبْيَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِي أَنَّ " الرُّؤْيَةَ الْأُولَى " عَامَّةٌ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ : حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ العقيلي - الْحَدِيثُ الطَّوِيلُ - قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَتَلَقَّاهُ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ بِالْقَبُولِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ خزيمة فِي " كِتَابِ التَّوْحِيدِ " وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ فِيهِ إلَّا بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَتَخْرُجُونَ مِنْ الأصوى وَمِنْ مَصَارِعِكُمْ فَتَنْظُرُونَ إلَيْهِ وَيَنْظُرُ إلَيْكُمْ قَالَ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَنَحْنُ مِلْءُ الْأَرْضِ نَنْظُرُ(1/197)
إلَيْهِ وَيَنْظُرُ إلَيْنَا قَالَ : أُنَبِّئُك بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ ؟ : الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَةٌ مِنْهُ صَغِيرَةٌ تَرَوْنَهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَرَيَانِكُمْ وَلَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا وَلَعَمْرُ إلَهِك لَهُوَ عَلَى أَنْ يَرَاكُمْ وَتَرَوْنَهُ أَقْدَرُ مِنْهُمَا عَلَى أَنْ يَرَيَاكُمْ وَتَرَوْهُمَا . قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا يَفْعَلُ بِنَا رَبُّنَا إذَا لَقِينَاهُ ؟ قَالَ : تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بَادِيَةٌ لَهُ صَفَحَاتُكُمْ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ فَيَأْخُذُ رَبُّك بِيَدِهِ غُرْفَةً مِنْ الْمَاءِ فَيَنْضَحُ بِهَا قِبَلَكُمْ فَلَعَمْرُ إلَهِك مَا يُخْطِئُ وَجْهَ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قَطْرَةٌ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ ؛ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطِمُهُ مِثْلُ الْحَمَمِ الْأَسْوَدِ ؛ إلَّا ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَمُرُّ عَلَى أَثَرِهِ الصَّالِحُونَ - أَوْ قَالَ - يَنْصَرِفُ عَلَى إثْرِهِ الصَّالِحُونَ ؛ قَالَ : فَيَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنْ النَّارِ } وَذَكَرَ حَدِيثَ " الصِّرَاطِ " . وَقَدْ رَوَى أَهْلُ السُّنَنِ : قِطْعَةً مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ { عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكُلُّنَا يَرَى رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ ؟ قَالَ : يَا أَبَا رَزِينٍ أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى الْقَمَرَ مُخْلِيًا بِهِ ؟ قُلْت : بَلَى . قَالَ : فَاَللَّهُ أَعْظَمُ } . فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ : { تَنْظُرُونَ إلَيْهِ وَيَنْظُرُ إلَيْكُمْ } عُمُومٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُهُ . وَرَوَى ابْنُ خزيمة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ(1/198)
اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { وَاَللَّهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا سَيَخْلُو اللَّهُ بِهِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ - أَوْ قَالَ - لَيْلَةً يَقُولُ : ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّك بِي ؟ ابْنَ آدَمَ مَا عَمِلْت فِيمَا عَلِمْت ؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا أَجَبْت الْمُرْسَلِينَ ؟ } . فَهَذِهِ أَحَادِيثُ مِمَّا يَسْتَمْسِكُ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ تَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً } وَاعْتَقَدُوا أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى اللَّهِ وَهَذَا غَلَطٌ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } { قُلْ إنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ } { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ } فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي رَأَوْهُ هُوَ الْوَعْدُ أَيْ : الْمَوْعُودُ بِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ : { وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ } ؟ وَتَمَسَّكُوا بِأَشْيَاءَ بَارِدَةٍ فَهِمُوهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ بِحَالِ . وَأَمَّا الَّذِينَ خَصُّوا " بِالرُّؤْيَةِ " أَهْلَ التَّوْحِيدِ فِي الظَّاهِرِ - مُؤْمِنُهُمْ وَمُنَافِقُهُمْ - فَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُمَا وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ رُؤْيَتَهُ لِكَافِرِ وَمُنَافِقٍ إنَّمَا يُثْبِتُونَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِمُنَافِقِينَ " رُؤْيَةَ تَعْرِيفٍ " ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعَرْصَةِ .(1/199)
- رسالة الى أهل البحرين 6 / 485 – 506 ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 60)
=============
رسالته إلى نصر المنبجي
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ( قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ أَحْمَدَ ابْنِ تيمية : إلَى الشَّيْخِ الْعَارِفِ الْقُدْوَةِ السَّالِكِ النَّاسِكِ ( أَبِي الْفَتْحِ نَصْرٍ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ مَا فَتَحَ بِهِ عَلَى قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ وَنَصَرَهُ عَلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فِي جَهْرِهِ وَإِخْفَائِهِ وَنَهَجَ بِهِ الطَّرِيقَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ الْمُوَافِقَةَ لِشِرْعَتِهِ وَكَشَفَ بِهِ الْحَقِيقَةَ الدِّينِيَّةَ الْمُمَيَّزَةَ بَيْنَ خَلْقِهِ وَطَاعَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ ؛ حَتَّى يَظْهَرَ لِلنَّاسِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَالْكَلِمَاتِ الدِّينِيَّةِ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ الصَّالِحِينَ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَمَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي كِتَابِهِ وَسُنَّتِهِ . ( أَمَّا بَعْدُ ) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَنْعَمَ عَلَى الشَّيْخِ وَأَنْعَمَ بِهِ نِعْمَةً بَاطِنَةً وَظَاهِرَةً فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَجَعَلَ لَهُ عِنْدَ خَاصَّةِ الْمُسْلِمِينَ - الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا - مَنْزِلَةً عَلِيَّةً وَمَوَدَّةً إلَهِيَّةً ؛ لِمَا مَنَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ حُسْنِ الْمَعْرِفَةِ وَالْقَصْدِ فَإِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِرَادَةَ أَصْلٌ لِطَرِيقِ الْهُدَى وَالْعِبَادَةِ . وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْمَلِ مَحَبَّةٍ فِي أَكْمَلِ مَعْرِفَةٍ فَأَخْرَجَ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْأَعْمَالِ - الْمَحَبَّةَ(1/200)
الَّتِي فِيهَا إشْرَاكٌ وَإِجْمَالٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } . وَلِهَذَا كَانَتْ الْمَحَبَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلذَّوْقِ الْإِيمَانِيِّ وَالْوَجْدِ الدِّينِيِّ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ } فَجَعَلَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُودَ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ مُعَلَّقًا بِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْفَاضِلَةِ وَبِالْمَحَبَّةِ فِيهِ فِي اللَّهِ وَبِكَرَاهَةِ ضِدِّ الْإِيمَانِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعَبَّاسِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدِ رَسُولًا } فَجَعَلَ ذَوْقَ طَعْمِ الْإِيمَانِ مُعَلَّقًا بِالرِّضَى بِهَذِهِ الْأُصُولِ كَمَا جَعَلَ الْوَجْدَ مُعَلَّقًا(1/201)
بِالْمَحَبَّةِ ؛ لِيُفَرِّقَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الذَّوْقِ وَالْوَجْدِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَثَمَرَةُ الْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَبَيْنَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التستري : كُلُّ وَجْدٍ لَا يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهُوَ بَاطِلٌ إذْ كَانَ كُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا فَلَهُ ذَوْقٌ بِحَسَبِ مَحَبَّتِهِ . وَلِهَذَا طَالَبَ اللَّهُ تَعَالَى مُدَّعِي مَحَبَّتِهِ بِقَوْلِهِ : { إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : ادَّعَى قَوْمٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ ؛ فَطَالَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ ؛ فَجَعَلَ مَحَبَّةَ الْعَبْدِ لِلَّهِ مُوجِبَةً لِمُتَابَعَةِ رَسُولِهِ وَجَعَلَ مُتَابَعَةَ رَسُولِهِ مُوجِبَةً لِمَحَبَّةِ الرَّبِّ عَبْدَهُ . وَقَدْ ذَكَرَ نَعْتَ الْمُحِبِّينَ فِي قَوْلِهِ : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ } فَنَعَتَ الْمُحِبِّينَ الْمَحْبُوبِينَ بِوَصْفِ الْكَمَالِ الَّذِي نَعَتَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ الْجَامِعِ بَيْنَ مَعْنَى الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ الْمُفَرِّقِ فِي الْمِلَّتَيْنِ قَبْلَنَا : وَهُوَ الشِّدَّةُ وَالْعِزَّةُ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَالذِّلَّةُ وَالرَّحْمَةُ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ وَلِهَذَا يُوجَدُ كَثِيرٌ مِمَّنْ لَهُ وَجْدٌ وَحُبٌّ مُجْمَلٌ مُطْلَقٌ كَمَا قَالَ فِيهِ كَبِيرٌ مِنْ(1/202)
كُبَرَائِهِمْ : مُشَرَّدٌ عَنْ الْوَطَنِ مُبْعَدٌ عَنْ السَّكَنِ يَبْكِي الطُّولُ والدمن يَهْوِي وَلَا يَدْرِي لِمَنْ فَالشَّيْخُ - أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْهِ - قَدْ جَعَلَ اللَّهَ فِيهِ مِنْ النُّورِ وَالْمَعْرِفَةِ - الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْمَحَبَّةِ وَالْإِرَادَةِ - مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحَبَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ الْمُفَصَّلَةُ عَنْ الْمُجْمَلَةِ الْمُشْتَرِكَةُ وَكَمَا يَقَعُ هَذَا الْإِجْمَالُ فِي الْمَحَبَّةِ يَقَعُ أَيْضًا فِي التَّوْحِيدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أُمِّ الْكِتَابِ الَّتِي هِيَ مَفْرُوضَةٌ عَلَى الْعَبْدِ - وَوَاجِبَةٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ - أَنْ يَقُولَ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ : نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قَالَ اللَّهُ : حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قَالَ اللَّهُ : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي أَوْ قَالَ فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قَالَ : فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ : فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ } . وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ جَمَعَ مَعَانِيَهَا فِي الْقُرْآنِ وَمَعَانِيَ(1/203)
الْقُرْآنِ فِي الْمُفَصَّلِ وَمَعَانِيَ الْمُفَصَّلِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَمَعَانِيَ أُمِّ الْكِتَابِ فِي هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ ثناه اللَّهُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } وَفِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } وَقَوْلِهِ : { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ } . { وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي نُسُكِهِ : اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك } . فَهُوَ سُبْحَانَهُ مُسْتَحِقُّ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ دُعَاؤُهُ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لِي : دُعَاءُ الْعِبَادَةِ بِالْمَحَبَّةِ وَالْإِنَابَةِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِجْلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْخَشْيَةِ وَالرَّجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي تَأَلُّهِهِ وَعِبَادَتِهِ وَدُعَاءِ الْمَسْأَلَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ وَالسُّؤَالِ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُ سُبْحَانَهُ بِمُقْتَضَى رُبُوبِيَّتِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالْبَاطِنُ وَالظَّاهِرُ . وَلِهَذَا جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ الْكَامِلَةِ فِي الْعِبَادَةِ بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي السُّؤَالِ بِاسْمِ الرَّبِّ فَيَقُولُ الْمُصَلِّي وَالذَّاكِرُ : اللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَكَلِمَاتُ الْأَذَانِ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَفِي السُّؤَالِ : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا } { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ } { رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ } { رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي } { رَبَّنَا اغْفِرْ(1/204)
لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } { رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ } وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَوَجِّهِينَ السَّالِكِينَ يَشْهَدُ فِي سُلُوكِهِ الرُّبُوبِيَّةَ والقيومية الْكَامِلَةَ الشَّامِلَةَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ ؛ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ قَائِمَةٌ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ بِهَا فَيَقُولُ : { أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرِ يَا رَحْمَنُ } . فَيَغِيبُ وَيَفْنَى بِهَذَا التَّوْحِيدِ الرَّبَّانِيِّ عَمَّا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ أَيْضًا وَمَطْلُوبٌ مِنْهُ وَهُوَ مَحْبُوبُ الْحَقِّ وَمُرْضِيهِ مِنْ التَّوْحِيدِ الْإِلَهِيِّ ؛ الَّذِي هُوَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَطَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ وَالْأَمْرُ بِمَا أَمَرَ بِهِ وَالنَّهْيُ عَمَّا نَهَى(1/205)
عَنْهُ وَالْحُبُّ فِيهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ هَذَا التَّوْحِيدِ وَأَخَذَ بِالْأَوَّلِ : فَهُوَ يُشْبِهُ الْقَدَرِيَّةَ المشركية الَّذِينَ قَالُوا : { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا } . وَمَنْ أَخَذَ بِالثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ : فَهُوَ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَلَا شَاءَ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ وَيَقَعُ فِي ( كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ . وَالْأَوَّلُ ذَهَبَ إلَيْهِ طَوَائِفُ مِنْ الْإِبَاحِيَّةِ الْمُنْحَلِّينَ عَنْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْوَائِهِمْ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَسْتَمِرُّ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْمُتَأَلِّهَةِ الْخَارِجِينَ عَنْ الشَّرِيعَةِ خَفْوِ الْعَدُوِّ وَغَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ لَهُمْ زهادات وَعِبَادَاتٍ فِيهَا مَا هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ فَيُفِيدُهُمْ أَحْوَالًا فِيهَا مَا هُوَ فَاسِدٌ يُشْبِهُونَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ الرُّهْبَانَ وَعُبَّادَ البدود . وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ : كَثِيرٌ مِنْ الرِّجَالِ إذَا دَخَلُوا إلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ أَمْسَكُوا وَأَنَا انْفَتَحَتْ لِي فِيهِ رَوْزَنَةً فَنَازَعْت أَقْدَارَ الْحَقِّ بِالْحَقِّ لِلْحَقِّ وَالْوَلِيُّ مَنْ يَكُونُ مُنَازِعًا لِلْقَدَرِ لَا مَنْ يَكُونُ مُوَافِقًا لَهُ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى لِسَانِ الْمُحَمَّدِيَّةِ أَيْ أَنَّ الْمُسْلِمَ مَأْمُورٌ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَيَدْفَعُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابُهُ قَدْ قُدِّرَتْ فَيَدْفَعُ قَدَرَ اللَّهِ(1/206)
بِقَدَرِ اللَّهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الطبراني فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَلْتَقِيَانِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } وَفِي التِّرْمِذِيِّ { قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَرَأَيْت أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا وَرُقًى نسترقي بِهَا وَتُقًى نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا ؟ فَقَالَ هُنَّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ } . وَإِلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ أَشَارَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الطبراني أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { يَقُولُ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إنَّمَا هِيَ أَرْبَعٌ : وَاحِدَةٌ لِي وَوَاحِدَةٌ لَك وَوَاحِدَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَك وَوَاحِدَةٌ بَيْنَك وَبَيْنَ خَلْقِي ؟ فَأَمَّا الَّتِي لِي : فَتَعْبُدْنِي لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَأَمَّا الَّتِي لَك فَعَمَلُك أَجْزِيك بِهِ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إلَيْهِ وَأَمَّا الَّتِي هِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك فَمِنْك الدُّعَاءُ وَعَلَيَّ الْإِجَابَةُ وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَك وَبَيْنَ خَلْقِي فَأْتِ إلَى النَّاسِ بِمَا تُحِبُّ أَنْ يَأْتُوهُ إلَيْك } .(1/207)
ثُمَّ إنَّ التَّوْحِيدَ الْجَامِعَ لِتَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ أَوْ تَوْحِيدِ أَحَدِهِمَا : لِلْعَبْدِ فِيهِ ثَلَاثُ مَقَامَاتٍ : ( أَحَدُهَا ) مَقَامُ الْفَرْقِ وَالْكَثْرَةِ بِإِنْعَامِهِ مِنْ كَثْرَةِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْمَأْمُورَاتِ . ( وَالثَّانِي ) مَقَامُ الْجَمْعِ وَالْفَنَاءِ بِحَيْثُ يَغِيبُ بِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ . وَبِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ وَبِمُوَحِّدِهِ عَنْ تَوْحِيدِهِ وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْره وَبِمَحْبُوبِهِ عَنْ حُبِّهِ ؛ فَهَذَا فَنَاءٌ عَنْ إدْرَاكِ السَّوِيِّ وَهُوَ فَنَاءُ الْقَاصِرِينَ . وَأَمَّا الْفَنَاءُ الْكَامِلُ الْمُحَمَّدِيُّ : فَهُوَ الْفَنَاءُ عَنْ عِبَادَةِ السَّوِيِّ وَالِاسْتِعَانَةِ بِالسَّوِيِّ وَإِرَادَةِ وَجْهِ السَّوِيِّ وَهَذَا فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ شُهُودُ التَّفْرِقَةِ فِي الْجَمْعِ وَالْكَثْرَةِ فِي الْوَحْدَةِ فَيَشْهَدُ قِيَامَ الْكَائِنَاتِ مَعَ تَفَرُّقِهَا بِإِقَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ وَرُبُوبِيَّتِهِ . وَيَرَى أَنَّهُ مَا مِنْ دَابَّةٍ إلَّا رَبِّي آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ وَأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَأَنَّ قُلُوبَ الْعِبَادِ وَنَوَاصِيَهُمْ بِيَدِهِ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ وَلَا نَافِعَ وَلَا ضَارَّ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ وَلَا حَافِظَ وَلَا مُعِزَّ وَلَا مُذِلَّ سِوَاهُ ؛ وَيَشْهَدُ أَيْضًا فِعْلَ الْمَأْمُورَاتِ مَعَ كَثْرَتِهَا وَتَرْكَ الشُّبُهَاتِ مَعَ كَثْرَتِهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . وَهَذَا هُوَ الدِّينُ الْجَامِعُ الْعَامُّ الَّذِي اشْتَرَكَ فِيهِ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْإِسْلَامُ الْعَامُّ وَالْإِيمَانُ الْعَامُّ ؛ وَبِهِ أُنْزِلَتْ السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ ؛ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ(1/208)
تَعَالَى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } وَبِقَوْلِهِ : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ عَلَيْهِ بَابَ مَا جَاءَ أَنَّ دِينَ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدٌ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } فَجَمَعَ فِي الْمِلَلِ الْأَرْبَعِ : { مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا } وَذَلِكَ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ . وَخَصَّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ الْإِيمَانُ الْخَاصُّ الشَّرْعِيُّ الَّذِي قَالَ فِيهِ : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } وَالشِّرْعَةُ هِيَ الشَّرِيعَةُ وَالْمِنْهَاجُ هُوَ الطَّرِيقَةُ وَالدِّينُ الْجَامِعُ هُوَ الْحَقِيقَةُ الدِّينِيَّةُ وَتَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْكَوْنِيَّةُ فَالْحَقِيقَةُ الْمَقْصُودَةُ الدِّينِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ الْكَوْنِيَّةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ . فَأَمَّا الشِّرْعَةُ وَالْمِنْهَاجُ الْإِسْلَامِيَّانِ فَهُوَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } وَبِهَا أُنْزِلَتْ(1/209)
السُّوَرُ الْمَدَنِيَّةُ ؛ إذْ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ شُرِّعَتْ الشَّرَائِعُ وَسُنَّتْ السُّنَنُ وَنَزَلَتْ الْأَحْكَامُ وَالْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ . فَهَذَا التَّوْحِيدُ : هُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ وَإِلَيْهِ تُشِيرُ مَشَايِخُ الطَّرِيقَةِ وَعُلَمَاءُ الدِّينِ لَكِنَّ بَعْضَ ذَوِي الْأَحْوَالِ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ فِي حَالِ الْفَنَاءِ الْقَاصِرِ سُكْرٌ وَغَيْبَةٌ عَنْ السَّوِيِّ وَالسُّكْرِ وُجِدَ بِلَا تَمْيِيزٍ . فَقَدْ يَقُولُ فِي تِلْكَ الْحَالِ : سُبْحَانِي أَوْ مَا فِي الْجُبَّةِ إلَّا اللَّهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تُؤْثَرُ عَنْ أَبِي يَزِيدَ البسطامي أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَصِحَّاءِ وَكَلِمَاتُ السَّكْرَانِ تُطْوَى وَلَا تُرْوَى وَلَا تُؤَدَّى ؛ إذَا لَمْ يَكُنْ سُكْرُهُ بِسَبَبِ مَحْظُورٍ مِنْ عِبَادَةٍ أَوْ وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ . فَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مَحْظُورًا لَمْ يَكُنْ السَّكْرَانُ مَعْذُورًا لَا فَرْقَ فِي ذَاكَ بَيْنَ السُّكْرِ الْجُسْمَانِيِّ وَالرُّوحَانِيِّ ؛ فَسُكْرُ الْأَجْسَامِ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَسُكْرُ النُّفُوسِ بِالصُّوَرِ وَسُكْرُ الْأَرْوَاحِ بِالْأَصْوَاتِ . وَفِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ : غَلِطَ مَنْ غَلِطَ بِدَعْوَى الِاتِّحَادِ وَالْحُلُولِ الْعَيْنِيِّ فِي مِثْلِ دَعْوَى النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ وَدَعْوَى الْغَالِيَةِ فِي عَلِيٍّ وَأَهْلِ الْبَيْتِ وَدَعْوَى قَوْمٍ مِنْ الْجُهَّالِ الْغَالِيَةِ فِي مِثْلِ الْحَلَّاجِ أَوْ الْحَاكِمِ بِمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الِاتِّحَادُ النَّوْعِيُّ الْحُكْمِيُّ بِالِاتِّحَادِ الْعَيْنِيِّ الذَّاتِيِّ . فَالْأَوَّلُ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ(1/210)
صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { يَقُولُ اللَّهُ : عَبْدِي مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي فَيَقُولُ كَيْفَ أَعُودُك وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ أَمَا عَلِمْت أَنَّهُ مَرِضَ عَبْدِي فُلَانٌ ؛ فَلَوْ عُدْته لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ . عَبْدِي جُعْت فَلَمْ تُطْعِمْنِي فَيَقُولُ رَبِّي : كَيْفَ أُطْعِمُك وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ : أَمَا عَلِمْت أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا جَاعَ ؛ فَلَوْ أَطْعَمْته لَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي } . فَفَسَّرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ جُوعُ عَبْدِهِ وَمَحْبُوبِهِ لِقَوْلِهِ : { لَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي } وَلَمْ يَقُلْ لَوَجَدْتنِي قَدْ أَكَلْته وَلِقَوْلِهِ : { لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ } وَلَمْ يَقُلْ لَوَجَدْتنِي إيَّاهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحِبَّ يَتَّفِقُ هُوَ وَمَحْبُوبُهُ بِحَيْثُ يَرْضَى أَحَدُهُمَا بِمَا يَرْضَاهُ الْآخَرُ وَيَأْمُرُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيُبْغِضُ مَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُ مَا يَكْرَهُهُ وَيَنْهَى عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ . وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ يَرْضَى الْحَقُّ لِرِضَاهُمْ وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ وَالْكَامِلُ الْمُطْلَقُ فِي هَؤُلَاءِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِيهِ : { إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } وَقَالَ : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ } وَقَالَ { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } . " وَقَدْ جَاءَ فِي الْإِنْجِيلِ الَّذِي بِأَيْدِي النَّصَارَى كَلِمَاتٌ مُجْمَلَةٌ إنْ صَحَّ أَنَّ الْمَسِيحَ قَالَهَا فَهَذَا مَعْنَاهَا كَقَوْلِهِ أَنَا وَأَبِي وَاحِدٌ . مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى أَبِي " وَنَحْوِ ذَلِكَ وَبِهَا ضَلَّتْ النَّصَارَى حَيْثُ اتَّبَعُوا(1/211)
الْمُتَشَابِهَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْقُرْآنِ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَاظَرُوهُ فِي الْمَسِيحِ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي } فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ إذَا تَقَرَّبَ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِالنَّوَافِلِ الْمُسْتَحَبَّةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَحَبَّهُ الْحَقُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ . وَقَدْ غَلِطَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا قُرْبُ النَّوَافِلِ وَأَنَّ قُرْبَ الْفَرَائِضِ أَنْ يَكُونَ هُوَ إيَّاهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ فَهَذَا الْقُرْبُ يَجْمَعُ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ ؛ فَهَذِهِ الْمَعَانِي وَمَا يُشْبِهُهَا هِيَ أُصُولُ مَذْهَبِ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ . وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ ذَكَرَ عِنْدَ خِدْمَتِكُمْ الْكَلَامَ فِي مَذْهَبِ الِاتِّحَادِيَّةِ وَكُنْت قَدْ كَتَبْت إلَى خِدْمَتِكُمْ كِتَابًا اقْتَضَى الْحَالُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَنْ أَشَرْت فِيهِ إشَارَةً لَطِيفَةً إلَى(1/212)
حَالِ هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ بِهِ وَاَللَّهِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا الشَّيْخُ هُوَ مَجْمَعُ الْمُؤْمِنِينَ فَعَلَيْنَا أَنْ نُعِينَهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِمَا هُوَ اللَّائِقُ بِهِ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةُ فَقَدْ أَرْسَلَ إلَى الدَّاعِي مَنْ طَلَبَ كَشْفَ حَقِيقَةِ أَمْرِهِمْ . وَقَدْ كَتَبْت فِي ذَلِكَ كِتَابًا رُبَّمَا يُرْسَلُ إلَى الشَّيْخِ وَقَدْ كَتَبَ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ فِي ذَلِكَ رَسَائِلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ - وَكَفَى بِهِ عَلِيمًا - لَوْلَا أَنِّي أَرَى دَفْعَ ضَرَرِ هَؤُلَاءِ عَنْ أَهْلِ طَرِيقِ اللَّهِ تَعَالَى السَّالِكِينَ إلَيْهِ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ - وَهُوَ شَبِيهٌ بِدَفْعِ التَّتَارِ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ - لَمْ يَكُنْ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ حَاجَةٌ إلَى أَنْ تُكْشَفَ أَسْرَارُ الطَّرِيقِ وَتُهْتَكَ أَسْتَارُهَا ؛ وَلَكِنَّ الشَّيْخَ - أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ - يَعْلَمُ أَنَّ مَقْصُودَ الدَّعْوَةِ النَّبَوِيَّةِ بَلْ الْمَقْصُودَ بِخَلْقِ الْخَلْقِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ : أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَهُوَ دَعْوَةُ الْخَلَائِقِ إلَى خَالِقِهِمْ بِمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } { وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا } . وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } { صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } . وَهَؤُلَاءِ مَوَّهُوا عَلَى السَّالِكِينَ : التَّوْحِيدَ -(1/213)
الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْكُتُبَ وَبَعَثَ بِهِ الرُّسُلَ - بِالِاتِّحَادِ الَّذِي سَمَّوْهُ تَوْحِيدًا وَحَقِيقَتُهُ تَعْطِيلُ الصَّانِعِ وَجُحُودُ الْخَالِقِ . وَإِنَّمَا كُنْت قَدِيمًا مِمَّنْ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِابْنِ عَرَبِيٍّ وَيُعَظِّمُهُ : لِمَا رَأَيْت فِي كُتُبِهِ مِنْ الْفَوَائِدِ مِثْلِ كَلَامِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ " الْفُتُوحَاتِ " " والكنة " " وَالْمُحْكَمِ الْمَرْبُوطِ " " وَالدُّرَّةِ الْفَاخِرَةِ " " وَمَطَالِعِ النُّجُومِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَلَمْ نَكُنْ بَعْدُ اطَّلَعْنَا عَلَى حَقِيقَةِ مَقْصُودِهِ وَلَمْ نُطَالِعْ الْفُصُوصَ وَنَحْوَهُ وَكُنَّا نَجْتَمِعُ مَعَ إخْوَانِنَا فِي اللَّهِ نَطْلُبُ الْحَقَّ وَنَتَّبِعُهُ وَنَكْشِفُ حَقِيقَةَ الطَّرِيقِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ الْأَمْرُ عَرَفْنَا نَحْنُ مَا يَجِبُ عَلَيْنَا . فَلَمَّا قَدِمَ مِنْ الْمَشْرِقِ مَشَايِخُ مُعْتَبَرُونَ وَسَأَلُوا عَنْ حَقِيقَةِ الطَّرِيقَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ وَحَقِيقَةِ حَالِ هَؤُلَاءِ : وَجَبَ الْبَيَانُ . وَكَذَلِكَ كَتَبَ إلَيْنَا مِنْ أَطْرَافِ الشَّامِ : رِجَالٌ سَالِكُونَ أَهْلُ صِدْقٍ وَطُلِبَ أَنْ أَذْكُرَ النُّكَتَ الْجَامِعَةَ لِحَقِيقِيَّةِ مَقْصُودِهِمْ . وَالشَّيْخُ - أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنُورِ قَلْبِهِ وَذَكَاءِ نَفْسِهِ وَحَقَّقَ قَصْدَهُ مِنْ نُصْحِهِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَلِإِخْوَانِهِ السَّالِكِينَ - يَفْعَلُ فِي ذَلِكَ مَا يَرْجُو بِهِ رِضْوَانَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمَغْفِرَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .(1/214)
وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ : لَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ خَبَرٌ مِنْ حِينِ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التَّتَارِ وَإِلَّا فَكَانَ الِاتِّحَادُ الْقَدِيمُ هُوَ الِاتِّحَادُ الْمُعَيَّنُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقِسْمَةَ رُبَاعِيَّةٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِاتِّحَادِ وَالْحُلُولِ : إمَّا مُعَيَّنٌ فِي شَخْصٍ وَإِمَّا مُطْلَقٌ . أَمَّا الِاتِّحَادُ وَالْحُلُولُ الْمُعَيَّنُ : كَقَوْلِ النَّصَارَى وَالْغَالِيَةِ فِي الْأَئِمَّةِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَفِي الْمَشَايِخِ مِنْ جُهَّالِ الْفُقَرَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِهِ فِي مُعَيَّنٍ ؛ إمَّا بِالِاتِّحَادِ كَاتِّحَادِ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَهُوَ قَوْلُ الْيَعْقُوبِيَّةِ وَهُمْ السُّودَانُ وَمِنْ الْحَبَشَةِ وَالْقِبْطِ ؛ وَإِمَّا بِالْحُلُولِ وَهُوَ قَوْلُ النسطورية وَإِمَّا بِالِاتِّحَادِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ قَوْلُ الملكانية . ( وَأَمَّا الْحُلُولُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِذَاتِهِ حَالٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَهَذَا تَحْكِيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ عَنْ قُدَمَاءِ الجهمية وَكَانُوا يُكَفِّرُونَهُمْ بِذَلِكَ . وَأَمَّا مَا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ مِنْ الِاتِّحَادِ الْعَامِّ . فَمَا عَلِمْت أَحَدًا سَبَقَهُمْ إلَيْهِ إلَّا مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَ الصَّانِعِ مِثْلَ فِرْعَوْنَ وَالْقَرَامِطَةِ - وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ عَيْنَ وُجُودِ الْحَقِّ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ الْخَلْقِ وَأَنَّ وُجُودَ ذَاتِ اللَّهِ خَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ هِيَ نَفْسُ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ فَلَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ غَيْرَهُ وَلَا أَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَلَا أَنَّهُ غَنِيٌّ وَمَا سِوَاهُ فَقِيرٌ . لَكِنْ تَفَرَّقُوا(1/215)
عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَأَكْثَرُ مَنْ يَنْظُرُ فِي كَلَامِهِمْ لَا يَفْهَمُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُبْهَمٌ . ( الْأَوَّلُ ) أَنْ يَقُولُوا : إنَّ الذَّوَاتِ بِأَسْرِهَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي الْعَدَمِ ذَاتُهَا أَبَدِيَّةٌ أَزَلِيَّةٌ حَتَّى ذَوَاتُ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَأَنَّ وُجُودَ الْحَقِّ فَاضَ عَلَى تِلْكَ الذَّوَاتِ فَوُجُودُهَا وُجُودُ الْحَقِّ وَذَوَاتُهَا لَيْسَتْ ذَوَاتِ الْحَقِّ وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ فَمَا كُنْت بِهِ فِي ثُبُوتِك ظَهَرْت بِهِ فِي وُجُودِك . وَيَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعْطِ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا أَغْنَى أَحَدًا وَلَا أَسْعَدَهُ وَلَا أَشْقَاهُ وَإِنَّمَا وُجُودُهُ فَاضَ عَلَى الذَّوَاتِ فَلَا تَحْمَدْ إلَّا نَفْسَك وَلَا تَذُمَّ إلَّا نَفْسَك . وَيَقُولُونَ : إنَّ هَذَا هُوَ سِرُّ الْقَدَرِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا عَلِمَ الْأَشْيَاءَ مِنْ جِهَةِ رُؤْيَتِهِ لَهَا ثَابِتَةً فِي الْعَدَمِ خَارِجًا عَنْ نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ . وَيَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ أَنْ يُغَيِّرَ ذَرَّةً مِنْ الْعَالَمِ وَأَنَّهُمْ قَدْ يَعْلَمُونَ الْأَشْيَاءَ مِنْ حَيْثُ عَلِمَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَيَكُونُ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مَعْدِنٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَفْضَلَ مِنْ خَاتَمِ الرُّسُلِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّهُمْ يأخذون مِنْ الْمَعْدِنِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحَى بِهِ الرُّسُلُ . وَيَقُولُونَ : إنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ مَا عَبَدُوا إلَّا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَأَنَّ(1/216)
قَوْله تَعَالَى { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ } مَعْنَى حَكَمَ ؛ لَا مَعْنَى أَمَرَ فَمَا عُبِدَ غَيْرُ اللَّهِ فِي كُلِّ مَعْبُودٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا قَضَى بِشَيْءِ إلَّا وَقَعَ . وَيَقُولُونَ : إنَّ الدَّعْوَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَكْرٌ بِالْمَدْعُوِّ فَإِنَّهُ مَا عُدِمَ مِنْ الْبِدَايَةِ فَيُدْعَى إلَى الْغَايَةِ وَأَنَّ قَوْمَ نُوحٍ قَالُوا : { لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا } لِأَنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوهُمْ لَتَرَكُوا مِنْ الْحَقِّ بِقَدْرِ مَا تَرَكُوا مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ لِلْحَقِّ فِي كُلِّ مَعْبُودٍ وَجْهًا يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَهُ وَيُنْكِرُهُ مَنْ أَنْكَرَهُ وَأَنَّ التَّفْرِيقَ وَالْكَثْرَةَ كَالْأَعْضَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَحْسُوسَةِ وَكَالْقُوَى الْمَعْنَوِيَّةِ فِي الصُّورَةِ الرُّوحَانِيَّةِ وَأَنَّ الْعَارِفَ مِنْهُمْ يَعْرِفُ مَنْ عَبَدَ وَفِي أَيِّ صُورَةٍ ظَهَرَ حَتَّى عَبَدَ . فَإِنَّ الْجَاهِلَ يَقُولُ : هَذَا حَجَرٌ وَشَجَرٌ وَالْعَارِفُ يَقُولُ : هَذَا مَجْلًى إلَهِيٌّ يَنْبَغِي تَعْظِيمُهُ فَلَا يَقْتَصِرُ فَإِنَّ النَّصَارَى إنَّمَا كَفَرُوا لِأَنَّهُمْ خَصَّصُوا وَإِنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ مَا أَخْطَئُوا إلَّا مِنْ حَيْثُ اقْتِصَارُهُمْ عَلَى عِبَادَةِ بَعْضِ الْمَظَاهِرِ وَالْعَارِفُ يَعْبُدُ كُلَّ شَيْءٍ . وَاَللَّهُ يَعْبُدُ أَيْضًا كُلَّ شَيْءٍ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ غِذَاؤُهُ بِالْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَهُوَ(1/217)
غِذَاؤُهَا بِالْوُجُودِ وَهُوَ فَقِيرٌ إلَيْهَا وَهِيَ فَقِيرَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ خَلِيلُ كُلِّ شَيْءٍ بِهَذَا الْمَعْنَى وَيَجْعَلُونَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى هِيَ مُجَرَّدُ نِسْبَةٍ وَإِضَافَةٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ وَلَيْسَتْ أُمُورًا عَدَمِيَّةً . وَيَقُولُونَ : " مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى : الْعَلِيُّ عَنْ مَاذَا وَمَا ثَمَّ إلَّا هُوَ ؟ وَعَلَى مَاذَا وَمَا ثَمَّ غَيْرُهُ ؟ فَالْمُسَمَّى مُحْدَثَاتٌ وَهِيَ الْعَلِيَّةُ لِذَاتِهَا وَلَيْسَتْ إلَّا هُوَ وَمَا نَكَحَ سِوَى نَفْسِهِ وَمَا ذَبَحَ سِوَى نَفْسِهِ وَالْمُتَكَلِّمُ هُوَ عَيْنُ الْمُسْتَمِعِ " . وَأَنَّ مُوسَى إنَّمَا عَتَبَ عَلَى هَارُونَ حَيْثُ نَهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ لِضِيقِهِ وَعَدَمِ اتِّسَاعِهِ وَأَنَّ مُوسَى كَانَ أَوْسَعَ فِي الْعِلْمِ ؛ فَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ وَأَنَّ أَعْلَى مَا عُبِدَ الْهَوَى وَأَنَّ كُلَّ مَنْ اتَّخَذَ آلِهَهُ هَوَاهُ فَمَا عَبَدَ إلَّا اللَّهَ وَفِرْعَوْنُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْعَارِفِينَ وَقَدْ صَدَّقَهُ السَّحَرَةُ فِي قَوْلِهِ : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } وَفِي قَوْلِهِ : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي } . وَكُنْت أُخَاطِبُ بِكَشْفِ أَمْرِهِمْ لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ الضَّالِّينَ وَأَقُولُ إنَّ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ الْمُنْكِرِ لِوُجُودِ الْخَالِقِ الصَّانِعِ ؛ حَتَّى حَدَّثَنِي بَعْضٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ كُبَرَائِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ عَلَى قَوْلِ فِرْعَوْنَ . وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا هِيَ قَوْلُ صَاحِبِ الْفُصُوصِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا مَاتَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ(1/218)
وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } .
وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ حَقِيقَةَ مَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُ الْفُصُوصِ الْمُضَافُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَاءَ بِهِ : وَهُوَ مَا إذَا فَهِمَهُ الْمُسْلِمُ [ عَلِمَ ] بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَجَمِيعَ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بَلْ جَمِيعَ عَوَامِّ أَهْلِ الْمِلَلِ ؛ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ : يَبْرَءُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَعْضِ هَذَا الْقَوْلِ فَكَيْفَ مِنْهُ كُلِّهِ ؟ . وَنَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ عُبَّادَ الْأَوْثَانِ وَالْكُفَّارَ أَهْلَ الْكِتَابِ يَعْتَرِفُونَ بِوُجُودِ الصَّانِعِ الْخَالِقِ الْبَارِئِ الْمُصَوِّرِ - الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ - رَبِّهِمْ وَرَبِّ آبَائِهِمْ الْأَوَّلِينَ - رَبِّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ . وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهُ عَيْنُ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا نَفْسُ الْمَصْنُوعَاتِ كَمَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ حَتَّى إنَّهُمْ يَقُولُونَ لَوْ زَالَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ زَالَتْ حَقِيقَةُ اللَّهِ ؛ وَهَذَا مُرَكَّبٌ مِنْ أَصْلَيْنِ : - ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ ثَابِتٌ فِي الْعَدَمِ - كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ - وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ بِالْعَقْلِ الْمُوَافِقِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ . وَكَثِيرٌ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ - كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ - كَفَّرَ مَنْ(1/219)
يَقُولُ بِهَذَا . وَإِنَّمَا غَلِطَ هَؤُلَاءِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ عِلْمِ اللَّهِ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ كَوْنِهَا - وَأَنَّهَا مُثْبَتَةٌ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ - وَبَيْنَ ثُبُوتِهَا فِي الْخَارِجِ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ مَذْهَبَ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْوُجُودِ الْعِلْمِيِّ وَبَيْنَ الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ الْخَارِجِيِّ . وَلِهَذَا كَانَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةُ : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ } { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } { الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } { عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فَذَكَرَ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ : وَهِيَ الْوُجُودُ الْعَيْنِيُّ الَّذِي خَلَقَهُ وَالْوُجُودُ الرَّسْمِيُّ الْمُطَابِقُ لِلَّفْظِيِّ الدَّالُّ عَلَى الْعِلْمِيِّ وَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَهُ . وَلِهَذَا ذَكَرَ التَّعْلِيمَ بِالْقَلَمِ فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَرَاتِبِ الثَّلَاثَةِ . وَهَذَا الْقَوْلُ - أَعْنِي قَوْلَ مَنْ يَقُولُ : إنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ ثَابِتٌ فِي نَفْسِهِ خَارِجٌ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا وَدَلَالَتُهُ وَاضِحَةٌ لَكِنَّهُ قَدْ اُبْتُدِعَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ وَابْنُ عَرَبِيٍّ وَافَقَ أَصْحَابَهُ وَهُوَ أَحَدُ أَصْلَيْ مَذْهَبِهِ الَّذِي فِي الْفُصُوصِ . ( وَالْأَصْلُ الثَّانِي ) أَنَّ وُجُودَ الْمُحْدَثَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ : هُوَ عَيْنُ(1/220)
وُجُودِ الْخَالِقِ لَيْسَ غَيْرُهُ وَلَا سِوَاهُ ؛ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ابْتَدَعَهُ وَانْفَرَدَ بِهِ عَنْ جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ بَقِيَّةِ الِاتِّحَادِيَّةِ لَكِنَّ ابْنَ عَرَبِيٍّ أَقْرَبُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَحْسَنُ كَلَامًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالْمَظَاهِرِ فَيُقِرُّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالشَّرَائِعَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَيَأْمُرُ بِالسُّلُوكِ بِكَثِيرِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ الْمَشَايِخُ مِنْ الْأَخْلَاقِ وَالْعِبَادَاتِ وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْعِبَادِ يَأْخُذُونَ مِنْ كَلَامِهِ سُلُوكَهُمْ فَيَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ حَقَائِقَهُ وَمَنْ فَهِمَهَا مِنْهُمْ وَوَافَقَهُ فَقَدْ تَبَيَّنَ قَوْلَهُ .(1/221)
( وَأَمَّا ) صَاحِبُهُ الصَّدْرُ الرُّومِيُّ فَإِنَّهُ كَانَ مُتَفَلْسِفًا فَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَالْإِسْلَامِ وَلِهَذَا كَانَ الْفَاجِرُ التِّلْمِسَانِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالْعَفِيفِ يَقُولُ : كَانَ شَيْخِي الْقَدِيمُ مُتَرَوِّحَنَا مُتَفَلْسِفًا وَالْآخَرُ فَيْلَسُوفًا مُتَرَوِّحَنَا - يَعْنِي الصَّدْرَ الرُّومِيَّ - فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَخَذَ عَنْهُ وَلَمْ يُدْرِكْ ابْنُ عَرَبِيٍّ فِي كِتَابِ مِفْتَاحِ غَيْبِ الْجَمْعِ وَالْوُجُودِ وَغَيْرِهِ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَالْمُعَيَّنُ كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ الْمُطْلَقِ وَالْحَيَوَانِ الْمُعَيَّنِ وَالْجِسْمِ الْمُطْلَقِ وَالْجِسْمِ الْمُعَيَّنِ ؛ وَالْمُطْلَقُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي الْخَارِجِ مُطْلَقًا لَا يُوجَدُ الْمُطْلَقُ إلَّا فِي الْأَعْيَانِ الْخَارِجَةِ . فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِ : إنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وُجُودٌ أَصْلًا وَلَا حَقِيقَةً وَلَا ثُبُوتٌ إلَّا نَفْسُ الْوُجُودِ الْقَائِمِ بِالْمَخْلُوقَاتِ ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ هُوَ وَشَيْخُهُ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَى أَصْلًا وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ وَلَا صِفَةٌ وَيُصَرِّحُونَ بِأَنَّ ذَاتَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ : عَيْنُ وُجُودِهِ - تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ . ( وَأَمَّا ) الْفَاجِرُ التِّلْمِسَانِيُّ : فَهُوَ أَخْبَثُ الْقَوْمِ وَأَعْمَقُهُمْ فِي الْكُفْرِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ كَمَا يُفَرِّقُ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ كَمَا يُفَرِّقُ الرُّومِيُّ وَلَكِنْ عِنْدَهُ مَا ثَمَّ غَيْرُ وَلَا سِوَى بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ . وَأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يَشْهَدُ السِّوَى مَا(1/222)
دَامَ مَحْجُوبًا فَإِذَا انْكَشَفَ حِجَابُهُ رَأَى أَنَّهُ مَا ثَمَّ غَيْرُ يُبَيِّنُ لَهُ الْأَمْرُ . وَلِهَذَا : كَانَ يَسْتَحِلُّ جَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ ؛ حَتَّى حَكَى عَنْهُ الثِّقَاتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْبِنْتُ وَالْأُمُّ وَالْأَجْنَبِيَّةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْنَا وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا حَرَامٌ فَقُلْنَا حَرَامٌ عَلَيْكُمْ . وَكَانَ يَقُولُ الْقُرْآنُ كُلُّهُ شِرْكٌ لَيْسَ فِيهِ تَوْحِيدٌ وَإِنَّمَا التَّوْحِيدُ فِي كَلَامِنَا . وَكَانَ يَقُولُ : أَنَا مَا أُمْسِكُ شَرِيعَةً وَاحِدَةً وَإِذَا أَحْسَنَ الْقَوْلَ يَقُولُ : الْقُرْآنُ يُوصِلُ إلَى الْجَنَّةِ وَكَلَامُنَا يُوصِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ وَشَرَحَ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي لَهُ . وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ قَدْ صَنَعَ فِيهِ أَشْيَاءَ وَشِعْرُهُ فِي صِنَاعَةِ الشِّعْرِ جَيِّدٌ ؛ وَلَكِنَّهُ كَمَا قِيلَ : ( لَحْمُ خِنْزِيرٍ فِي طَبَقٍ صِينِيٍّ وَصِنْفٌ للنصيرية عَقِيدَةٌ ؛ وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّ الْحَقَّ بِمَنْزِلَةِ الْبَحْرِ وَأَجْزَاءَ الْمَوْجُودَاتِ بِمَنْزِلَةِ أَمْوَاجِهِ : ( وَأَمَّا ابْنُ سَبْعِينَ : فَإِنَّهُ فِي الْبَدْوِ وَالْإِحَاطَةِ يَقُولُ أَيْضًا بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ غَيْرُ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْفَارِضِ فِي آخِرِ نَظْمِ السُّلُوكِ لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ هَلْ يَقُولُ بِمِثْلِ قَوْلِ التِّلْمِسَانِيِّ أَوْ قَوْلِ الرُّومِيِّ أَوْ قَوْلِ ابْنِ عَرَبِيٍّ ؟ وَهُوَ إلَى كَلَامِ التِّلْمِسَانِيِّ أَقْرَبُ لَكِنْ مَا رَأَيْت فِيهِمْ مَنْ كَفَرَ هَذَا الْكُفْرَ الَّذِي مَا كَفَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ مِثْلَ التِّلْمِسَانِيِّ وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ البلياني مِنْ مَشَايِخِ شِيرَازَ . وَمِنْ شِعْرِهِ : - وَفِي(1/223)
كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَيْنُهُ وَأَيْضًا : وَمَا أَنْتَ غَيْرَ الْكَوْنِ بَلْ أَنْتَ عَيْنُهُ وَيَفْهَمُ هَذَا السِّرَّ مَنْ هُوَ ذَائِقُهُ وَأَيْضًا : وَتَلْتَذُّ إنْ مَرَّتْ عَلَى جَسَدِي يَدِي لِأَنِّي فِي التَّحْقِيقِ لَسْت سِوَاكُمْ وَأَيْضًا : مَا بَالُ عِيسِك لَا يُقِرُّ قَرَارَهَا وَإِلَامَ ظِلُّك لَا يَنِي مُتَنَقِّلًا فَلَسَوْفَ تَعْلَمُ أَنَّ سَيْرَك لَمْ يَكُنْ إلَّا إلَيْك إذَا بَلَغْت الْمَنْزِلَا وَأَيْضًا : مَا الْأَمْرُ إلَّا نَسَقٌ وَاحِدٌ مَا فِيهِ مِنْ حَمْدٍ وَلَا ذَمَّ وَإِنَّمَا الْعَادَةُ قَدْ خَصَّصَتْ وَالطَّبْعُ وَالشَّارِعُ فِي الْحُكْمِ وَأَيْضًا : يَا عَاذِلِي أَنْتَ تَنْهَانِي وَتَأْمُرُنِي وَالْوَجْدُ أَصْدَقُ نهاء وَأَمَّارٍ فَإِنْ أُطِعْك وَأَعْصِ الْوَجْدَ عُدْت عَمِي عَنْ الْعِيَانِ إلَى أَوْهَامِ أَخْبَارِ فَعَيْنُ مَا أَنْتَ تَدْعُونِي إلَيْهِ إذَا حَقَّقْته تَرَهُ الْمَنْهِيَّ يَا جَارِي وَأَيْضًا وَمَا الْبَحْرُ إلَّا الْمَوْجُ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ وَإِنْ فَرَّقَتْهُ كَثْرَةُ الْمُتَعَدِّدِ إلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَشْعَارِ وَفِي النَّثْرِ مَا لَا يُحْصَى وَيُوهِمُونَ الْجُهَّالَ أَنَّهُمْ مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةُ الْهُدَى الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْأُمَّةِ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ والأوزاعي وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ والفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَمَعْرُوفٍ الكرخي وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَبِشْرٍ الْحَافِي وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَشَقِيقٍ البلخي وَمَنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةٌ . إلَى مِثْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ :(1/224)
مِثْلُ الجنيد بْنِ مُحَمَّدٍ القواريري وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري وَعُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ الْمَكِّيِّ وَمَنْ بَعْدَهُمْ - إلَى أَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ إلَى مِثْلِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الكيلاني وَالشَّيْخِ عَدِيٍّ وَالشَّيْخِ أَبِي الْبَيَانِ وَالشَّيْخِ أَبِي مَدِينٍ وَالشَّيْخِ عَقِيلٍ وَالشَّيْخِ أَبِي الْوَفَاءِ وَالشَّيْخِ رَسْلَانَ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ وَالشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ اليونيني وَالشَّيْخِ الْقُرَشِيِّ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَخُرَاسَانَ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين . كُلُّ هَؤُلَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَكْفِيرِ هَؤُلَاءِ وَمَنْ هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ هُوَ خَلْقَهُ وَلَا جُزْءًا مِنْ خَلْقِهِ وَلَا صِفَةً لِخَلْقِهِ بَلْ هُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مُتَمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ بَائِنٌ بِذَاتِهِ الْمُعَظَّمَةِ عَنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الْكُتُبُ الْأَرْبَعَةُ الْإِلَهِيَّةُ ؛ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ فَطَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّتْ الْعُقُولُ . وَكَثِيرًا مَا كُنْت أَظُنُّ أَنَّ ظُهُورَ مِثْلِ هَؤُلَاءِ أَكْبَرُ أَسْبَابِ ظُهُورِ التَّتَارِ وَانْدِرَاسِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ هَؤُلَاءِ مُقَدِّمَةُ الدَّجَّالِ الْأَعْوَرِ الْكَذَّابِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ وَلَكِنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ وَأَعْظَمُ . وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ صَاحِبِ الْفُصُوصِ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَظَاهِرِ والمستجليات : يَكُونُ أَعْظَمَ لِعِظَمِ ذَاتِهِ(1/225)
الثَّابِتَةِ فِي الْعَدَمِ ؛ وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ الرُّومِيِّ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُتَعَيِّنَاتِ يَكُونُ أَكْبَرَ فَإِنَّ بَعْضَ جُزْئِيَّاتِ الْكُلِّيِّ أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ ؛ وَأَمَّا عَلَى الْبَقِيَّةِ فَالْكُلُّ أَجْزَاءٌ مِنْهُ وَبَعْضُ الْجُزْءِ أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ . فَالدَّجَّالُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ : مِثْلُ فِرْعَوْنَ مِنْ كِبَارِ الْعَارِفِينَ وَأَكْبَرُ مِنْ الرُّسُلِ بَعْدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فَمُوسَى قَاتِلُ فِرْعَوْنَ الَّذِي يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ وَيُسَلِّطُ اللَّهُ تَعَالَى مَسِيحَ الْهُدَى - الَّذِي قِيلَ فِيهِ إنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ - عَلَى مَسِيحِ الضَّلَالَةِ الَّذِي قَالَ : إنَّهُ اللَّهُ .(1/226)
وَلِهَذَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَعْجَبُ مِنْ كَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّهُ أَعْوَرُ } وَكَوْنِهِ قَالَ : { وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ } وَابْنُ الْخَطِيبِ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ دَلَائِلِ الْحُدُوثِ وَالنَّقْصِ عَلَى الدَّجَّالِ ؛ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَعْوَرُ . فَلَمَّا رَأَيْنَا حَقِيقَةَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةِ وَتَدَبَّرْنَا مَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّصَارَى وَالْحُلُولِيَّةُ : ظَهَرَ سَبَبُ دَلَالَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ فَإِنَّهُ بُعِثَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْخَلْقِ يُجَوِّزُ ظُهُورَ الرَّبِّ فِي الْبَشَرِ أَوْ يَقُولُ إنَّهُ هُوَ الْبَشَرُ : كَانَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى ذَلِكَ بِالْعَوَرِ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ الْإِلَهِيَّةِ عَنْهُ . وَقَدْ خَاطَبَنِي قَدِيمًا شَخْصٌ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِنَا - كَانَ يَمِيلُ إلَى الِاتِّحَادِ ثُمَّ تَابَ مِنْهُ - وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَبَيَّنْت لَهُ وَجْهَهُ . وَجَاءَ إلَيْنَا شَخْصٌ كَانَ يَقُولُ . إنَّهُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ فَزَعَمَ أَنَّ الْحَلَّاجَ لَمَّا قَالَ : أَنَا الْحَقُّ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى لِسَانِهِ كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ؛ فَبَيَّنْت لَهُ فَسَادَ هَذَا وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الصَّحَابَةُ(1/227)
بِمَنْزِلَةِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَكَانَ مَنْ خَاطَبَهُ هَؤُلَاءِ أَعْظَمَ مِنْ مُوسَى ؛ لِأَنَّ مُوسَى سَمِعَ الْكَلَامَ الْإِلَهِيَّ مِنْ الشَّجَرَةِ وَهَؤُلَاءِ يَسْمَعُونَ مِنْ الْجِنِّ النَّاطِقِ . وَهَذَا يَقُولُهُ قَوْمٌ مِنْ الِاتِّحَادِيَّةِ لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ جُهَّالٌ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الِاتِّحَادِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ الْفَاجِرُ التِّلْمِسَانِيُّ وَذَوُوهُ وَبَيْنَ الِاتِّحَادِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ النَّصَارَى وَالْغَالِيَةُ .(1/228)
وَقَدْ كَانَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَسَادَاتُ الْأَئِمَّةِ ؛ يَرَوْنَ كُفْرَ الجهمية أَعْظَمَ مِنْ كُفْرِ الْيَهُودِ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنَّمَا كَانُوا يُلَوِّحُونَ تَلْوِيحًا وَقَلَّ أَنْ كَانُوا يُصَرِّحُونَ بِأَنَّ ذَاتَه فِي مَكَانٍ . وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةُ فَهُمْ أَخْبَثُ وَأَكْفَرُ مِنْ أُولَئِكَ الجهمية وَلَكِنَّ السَّلَفَ وَالْأَئِمَّةَ أَعْلَمُ بِالْإِسْلَامِ وَبِحَقَائِقِهِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ قَدْ لَا يَفْهَمُ تَغْلِيظَهُمْ فِي ذَمِّ الْمَقَالَةِ حَتَّى يَتَدَبَّرَهَا وَيُرْزَقَ نُورَ الْهُدَى فَلَمَّا اطَّلَعَ السَّلَفُ عَلَى سِرِّ الْقَوْلِ نَفَرُوا مِنْهُ . وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : مُتَكَلِّمَةُ الجهمية لَا يَعْبُدُونَ شَيْئًا وَمُتَعَبِّدَةُ الجهمية يَعْبُدُونَ كُلَّ شَيْءٍ . وَذَلِكَ لِأَنَّ مُتَكَلِّمَهُمْ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ تَأَلُّهٌ وَلَا تَعَبُّدٌ فَهُوَ يَصِفُ رَبَّهُ بِصِفَاتِ الْعَدَمِ وَالْمَوَاتِ . وَأَمَّا الْمُتَعَبِّدُ فَفِي قَلْبِهِ تَأَلُّهٌ وَتَعَبُّدٌ وَالْقَلْبُ لَا يَقْصِدُ إلَّا مَوْجُودًا لَا مَعْدُومًا فَيَحْتَاجُ أَنْ يَعْبُدَ الْمَخْلُوقَاتِ ؛ إمَّا الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَإِمَّا بَعْضُ الْمَظَاهِرِ : كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْبَشَرِ وَالْأَوْثَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَ الِاتِّحَادِيَّةِ يَجْمَعُ كُلَّ شِرْكٍ فِي الْعَالَمِ وَهُمْ لَا يُوَحِّدُونَ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَإِنَّمَا يُوَحِّدُونَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ فَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ . وَلِهَذَا حَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّ ابْنَ سَبْعِينَ كَانَ يُرِيدُ الذَّهَابَ إلَى الْهِنْدِ وَقَالَ : إنَّ أَرْضَ الْإِسْلَامِ لَا(1/229)
تَسَعُهُ ؛ لِأَنَّ الْهِنْدَ مُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى النَّبَاتَ وَالْحَيَوَانَ . وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ الِاتِّحَادِيَّةِ وَأَعْرَفَ نَاسًا لَهُمْ اشْتِغَالٌ بِالْفَلْسَفَةِ وَالْكَلَامِ وَقَدْ تَأَلَّهُوا عَلَى طَرِيقِ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةِ ؛ فَإِذَا أَخَذُوا يَصِفُونَ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ بِالْكَلَامِ قَالُوا لَيْسَ بِكَذَا لَيْسَ بِكَذَا وَوَصَفُوهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ رَبَّ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُسْلِمُونَ لَكِنْ يَجْحَدُونَ صِفَاتِ الْخَالِقِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الرُّسُلُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ . وَإِذَا صَارَ لِأَحَدِهِمْ ذَوْقٌ وَوَجْدٌ : تَأَلَّهَ وَسَلَكَ طَرِيقَ الِاتِّحَادِيَّةِ وَقَالَ : إنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودَاتُ كُلُّهَا ؛ فَإِذَا قِيلَ لَهُ أَيْنَ ذَلِكَ النَّفْيُ مِنْ هَذَا الْإِثْبَاتِ ؟ قَالَ : ذَلِكَ وجدي وَهَذَا ذَوْقِيٌّ . فَيُقَالُ لِهَذَا الضَّالِّ : كُلُّ ذَوْقٍ وَوَجْدٍ لَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ فَأَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا بَاطِلٌ وَإِنَّمَا الْأَذْوَاقُ وَالْمَوَاجِيدُ نَتَائِجُ الْمَعَارِفِ وَالِاعْتِقَادَاتِ فَإِنَّ عِلْمَ الْقَلْبِ وَحَالَهُ مُتَلَازِمَانِ فَعَلَى قَدْرِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ يَكُونُ الْوَجْدُ وَالْمَحَبَّةُ وَالْحَالُ . وَلَوْ سَلَكَ هَؤُلَاءِ طَرِيقَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - الَّذِينَ أَمَرُوا بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَوَصَفُوهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَتْهُ بِهِ رُسُلُهُ - وَاتَّبَعُوا طَرِيقَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ : لَسَلَكُوا طَرِيقَ الْهُدَى وَوَجَدُوا بَرْدَ الْيَقِينِ وَقُرَّةَ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : إنَّ الرُّسُلَ جَاءُوا بِإِثْبَاتِ مُفَصَّلٍ(1/230)
وَنَفْيٍ مُجْمَلٍ وَالصَّابِئَةُ الْمُعَطِّلَةُ جَاءُوا بِنَفْيٍ مُفَصَّلٍ وَإِثْبَاتٍ مُجْمَلٍ فَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى فِي الْإِثْبَاتِ : { إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا وَفِي النَّفْيِ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } { وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ } . وَهَذَا الْكِتَابُ مَعَ أَنِّي قَدْ أَطَلْت فِيهِ الْكَلَامَ عَلَى الشَّيْخِ - أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْإِسْلَامَ وَنَفَعَ الْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَةِ أَنْفَاسِهِ وَحُسْنِ مَقَاصِدِهِ وَنُورِ قَلْبِهِ - فَإِنَّ مَا فِيهِ نُكَتٌ مُخْتَصَرَةٌ فَلَا يُمْكِنُ شَرْحُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي كِتَابٍ وَلَكِنْ ذَكَرْت لِلشَّيْخِ - أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ - مَا اقْتَضَى الْحَالَ أَنْ أَذْكُرَهُ - وَحَامِلُ الْكِتَابِ مُسْتَوْفِزٌ عَجْلَانُ وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يُصْلِحَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ عَامَّتِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ وَيَهْدِيَهُمْ إلَى مَا يُقَرِّبُهُمْ وَأَنْ يَجْعَلَ الشَّيْخَ مِنْ دُعَاةِ الْخَيْرِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيهِمْ : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
- رسالة الى نصر المنبجي 2 / 452 – 479 ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 1 / ص 193)
==============
رسالته لملك قبرص(1/231)
وَقَالَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ أَحْمَد ابْنِ تيمية إلَى سرجوان عَظِيمِ أَهْلِ مِلَّتِهِ وَمَنْ تَحُوطُ بِهِ عِنَايَتُهُ مِنْ رُؤَسَاءِ الدِّينِ وَعُظَمَاءِ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْكُتَّابِ وَأَتْبَاعِهِمْ . سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى . أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا نَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إلَهَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ . وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُصْطَفِينَ وَأَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ . وَيَخُصُّ بِصَلَاتِهِ وَسَلَامِهِ أُولِي الْعَزْمِ الَّذِينَ هُمْ سَادَةُ الْخَلْقِ وَقَادَةُ الْأُمَمِ . الَّذِينَ خُصُّوا بِأَخْذِ الْمِيثَاقِ وَهُمْ : نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ . كَمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } { لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا } وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَخُصَّ بِشَرَائِفِ صَلَاتِهِ وَسَلَامِهِ خَاتَمَ الْمُرْسَلِينَ وَخَطِيبَهُمْ إذَا وَفَدُوا عَلَى رَبِّهِمْ وَإِمَامَهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا شَفِيعَ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَبِيَّ الرَّحْمَةِ(1/232)
وَنَبِيَّ الْمَلْحَمَةِ الْجَامِعَ مَحَاسِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ الَّتِي أَلْقَاهَا إلَى الصِّدِّيقَةِ الطَّاهِرَةِ الْبَتُولِ الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَرٌ قَطُّ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ " ذَلِكَ مَسِيحُ الْهُدَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الْوَجِيهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْمُقَرَّبُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْعُوتُ بِنُعُوتِ الْجَمَالِ وَالرَّحْمَةِ لَمَّا أَنْجَرَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِيمَا بَعَثَ بِهِ مُوسَى مِنْ نَعْتِ الْجَلَالِ وَالشِّدَّةِ - وَبَعَثَ الْخَاتَمَ الْجَامِعَ بِنَعْتِ الْكَمَالِ ؛ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الشِّدَّةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَالرَّحْمَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَالْمُحْتَوِيَ عَلَى مَحَاسِنِ الشَّرَائِعِ وَالْمَنَاهِجِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ . وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ وَأَظْهَرَ فِيهِمْ آثَارَ مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَجَعَلَ الْمَقْصُودَ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ هُوَ عِبَادَتُهُ . وَأَصْلُ ذَلِكَ هُوَ مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ . فَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ آتَاهُ رَحْمَةً وَعِلْمًا وَمَعْرِفَةً بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَرَزَقَهُ الْإِنَابَةَ إلَيْهِ وَالْوَجَلَ لِذِكْرِهِ وَالْخُشُوعَ لَهُ وَالتَّأَلُّهَ لَهُ : فَحَنَّ إلَيْهِ حَنِينَ النُّسُورِ إلَى أَوْكَارِهَا . وَكُلِّفَ بِحُبِّهِ تَكَلُّفَ الصَّبِيِّ بِأُمِّهِ لَا يَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ رَغْبَةً وَرَهْبَةً وَمَحَبَّةً وَأَخْلَصَ دِينَهُ لِمَنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ لَهُ رَبِّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ . مَالِكِ يَوْمِ(1/233)
الدِّينِ . خَالِقِ مَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الَّذِي أَمَرَهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ . لَمْ يَتَّخِذْ مَنْ دُونِهِ أَنْدَادًا كَاَلَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَمْ يُشْرِكْ بِرَبِّهِ أَحَدًا وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِهِ وَلِيًّا وَلَا شَفِيعًا ؛ لَا مَلِكًا وَلَا نَبِيًّا وَلَا صَدِيقًا ؛ فَإِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا . فَهُنَالِكَ اجْتَبَاهُ مَوْلَاهُ وَاصْطَفَاهُ وَآتَاهُ رُشْدَهُ . وَهَدَاهُ لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ؛ فَإِنَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بَعْدَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَبْلَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَبُوهُمْ آدَمَ أَبُو الْبَشَرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى ابْتَدَعُوا الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ - بِدْعَةً مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ - لَمْ يَنْزِلْ اللَّهُ بِهَا كِتَابًا وَلَا أَرْسَلَ بِهَا رَسُولًا ؛ بِشُبُهَاتٍ زَيَّنَهَا الشَّيْطَانُ مِنْ جِهَةِ الْمَقَايِيسِ الْفَاسِدَةِ . وَالْفَلْسَفَةِ الْحَائِدَةِ . قَوْمٌ مِنْهُمْ زَعَمُوا أَنَّ التَّمَاثِيلَ طَلَاسِمُ الْكَوَاكِبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالدَّرَجَاتُ الْفَلَكِيَّةِ وَالْأَرْوَاحُ الْعُلْوِيَّةِ . وَقَوْمٌ اتَّخَذُوهَا عَلَى صُورَةِ مَنْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ . وَقَوْمٌ جَعَلُوهَا لِأَجْلِ الْأَرْوَاحِ السُّفْلِيَّةِ مِنْ(1/234)
الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ . وَقَوْمٌ عَلَى مَذَاهِبَ أُخَرَ . وَأَكْثَرُهُمْ لِرُؤَسَائِهِمْ مُقَلِّدُونَ وَعَنْ سَبِيلِ الْهُدَى نَاكِبُونَ . فَابْتَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُوهُمْ إلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ ؛ وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَهُمْ لِيَتَقَرَّبُوا بِهِمْ إلَى اللَّهِ زُلْفَى وَيَتَّخِذُوهُمْ شُفَعَاءَ . فَمَكَثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًّا فَلَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِك إلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ دَعَا عَلَيْهِمْ فَأَغْرَقَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْأَرْضِ بِدَعْوَتِهِ وَجَاءَتْ الرُّسُلُ بَعْدَهُ تَتْرَى . إلَى أَنْ عَمَّ الْأَرْضَ دِينُ الصَّابِئَةِ وَالْمُشْرِكِينَ ؛ لَمَّا كَانَتْ النماردة وَالْفَرَاعِنَةُ مُلُوكَ الْأَرْضِ شَرْقًا وَغَرْبًا . فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إمَامَ الْحُنَفَاءِ وَأَسَاسَ الْمِلَّةِ الْخَالِصَةِ وَالْكَلِمَةِ الْبَاقِيَةِ : إبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ . فَدَعَا الْخَلْقَ مِنْ الشِّرْكِ إلَى الْإِخْلَاصِ . وَنَهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ وَقَالَ : { وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وَقَالَ لِقَوْمِهِ : { أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } { أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ } { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ } { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } { وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } { وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } { وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } وَقَالَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ(1/235)
السَّلَامُ وَمَنْ مَعَهُ لِقَوْمِهِمْ : { إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } . فَجَعَلَ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَجَعَلَ لِكُلِّ مِنْهُمْ خَصَائِصَ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ . وَآتَى كُلًّا مِنْهُمْ مِنْ الْآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ . فَجَعَلَ لِمُوسَى الْعَصَا حَيَّةً حَتَّى ابْتَلَعَتْ مَا صَنَعَتْ السَّحَرَةُ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ وَكَانَتْ شَيْئًا كَثِيرًا وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ حَتَّى صَارَ يَابِسًا وَالْمَاءُ وَاقِفًا حَاجِزًا بَيْنَ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا عَلَى عَدَدِ الْأَسْبَاطِ وَأَرْسَلَ مَعَهُ الْقَمْلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ وَظَلَّلَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ الْغَمَامَ الْأَبْيَضَ يَسِيرُ مَعَهُمْ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ صَبِيحَةَ كُلِّ يَوْمٍ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَإِذَا عَطِشُوا ضَرَبَ مُوسَى بِعَصَاهُ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ . وَبَعَثَ بَعْدَهُ أَنْبِيَاءَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ : مِنْهُمْ مَنْ أَحْيَا اللَّهُ عَلَى يَدِهِ الْمَوْتَى . وَمِنْهُمْ مَنْ شَفَى اللَّهُ عَلَى يَدِهِ الْمَرْضَى . وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَعَهُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ غَيْبِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ سَخَّرَ لَهُ الْمَخْلُوقَاتِ . وَمِنْهُمْ مَنْ بَعَثَهُ بِأَنْوَاعِ الْمُعْجِزَاتِ . وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْمِلَلِ وَفِي الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالنُّبُوَّاتِ الَّتِي عِنْدَهُمْ وَأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ(1/236)
السَّلَامُ مِثْلَ شعياء وأرمياء وَدَانْيَالَ وحبقوق وداود وَسُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ وَكِتَابِ " سِفْرِ الْمُلُوكِ " وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ : مَا فِيهِ مُعْتَبَرٌ . وَكَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ أُمَّةً قَاسِيَةً عَاصِيَةً : تَارَةً يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَالْأَوْثَانَ . وَتَارَةً يَعْبُدُونَ اللَّهَ . وَتَارَةً يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ . وَتَارَةً يَسْتَحِلُّونَ مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ . فَلُعِنُوا أَوَّلًا عَلَى لِسَانِ داود ؛ وَكَانَ مِنْ خُرَّابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهِمْ . ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولًا قَدْ خَلَتْ مَنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَجَعَلَهُ وَأَمَّهُ آيَةً لِلنَّاسِ ؛ حَيْثُ خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ ؛ إظْهَارًا لِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَشُمُولِ كَلِمَتِهِ حَيْثُ قَسَمَ النَّوْعَ الْإِنْسَانِيَّ الْأَقْسَامَ الْأَرْبِعَةَ . فَجَعَلَ آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى . وَخَلَقَ زَوْجَهُ حَوَّاءَ مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى . وَخَلَقَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ . وَخَلَقَ سَائِرَهُمْ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى . وَآتَى عَبْدَهُ الْمَسِيحَ مِنْ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ : فَأَحْيَا الْمَوْتَى وَأَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأَنْبَأَ النَّاسَ بِمَا يَأْكُلُونَ وَمَا يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَدَعَا إلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ مُتَّبَعًا سُنَّةَ إخْوَانِهِ الْمُرْسَلِينَ مُصَدِّقًا لِمَنْ قَبْلَهُ وَمُبَشِّرًا بِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ . وَكَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ قَدْ عَتَوْا وَتَمَرَّدُوا وَكَانَ غَالِبُ أَمْرِهِ اللِّينَ وَالرَّحْمَةَ وَالْعَفْوَ وَالصَّفْحَ وَجَعَلَ فِي قُلُوبِ(1/237)
الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَجَعَلَ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا . فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ ثَلَاثَةَ أَحْزَابٍ : قَوْمٌ كَذَّبُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ ابْنُ بَغْيٍ وَرَمَوْا أُمَّهُ بِالْفِرْيَةِ وَنَسَبُوهُ إلَى يُوسُفَ النَّجَّارِ وَزَعَمُوا أَنَّ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْسَخْ مَا شَرَعَهُ بَعْدَ مَا فَعَلُوهُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْآصَارِ فِي النَّجَاسَاتِ وَالْمَطَاعِمِ . وَقَوْمٌ غَلَوْا فِيهِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ اللَّهُ أَوْ ابْنُ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّاهُوتَ تَدَرَّعَ النَّاسُوتُ وَأَنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ وَأَنْزَلَ ابْنَهُ لِيُصْلَبَ وَيُقْتَلَ ؛ فِدَاءً لِخَطِيئَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَعَلُوا الْإِلَهَ الْأَحَدَ الصَّمَدَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ . قَدْ وَلَدَ وَاِتَّخَذَ وَلَدًا ؛ وَأَنَّهُ إلَهٌ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ وَأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهَا أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ وَهِيَ الْعِلْمُ [ وَ ] هِيَ تَدَرَّعَتْ النَّاسُوتُ الْبَشَرِيُّ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُمْكِنُ انْفِصَالُهُ عَنْ الْآخَرِينَ ؛ إلَّا إذَا جَعَلُوهُ ثَلَاثَةَ إلَهَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ . وَذَلِكَ مَا لَا يَقُولُونَهُ . وَتَفَرَّقُوا فِي التَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ تَفَرُّقًا وَتَشَتَّتُوا تَشَتُّتًا ؛ لَا يُقِرُّ بِهِ عَاقِلٌ . وَلَمْ يَجِئْ نَقْلٌ إلَّا كَلِمَاتٌ مُتَشَابِهَاتٌ فِي الْإِنْجِيلِ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الْكُتُبِ قَدْ بَيَّنَتْهَا كَلِمَاتٌ مُحْكَمَاتٌ فِي الْإِنْجِيلِ وَمَا قَبْلَهُ كُلُّهَا(1/238)
تَنْطِقُ بِعُبُودِيَّةِ الْمَسِيحِ وَعِبَادَتِهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَدُعَائِهِ وَتَضَرُّعِهِ . وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ الدِّينِ هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا قَالَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ : { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ } وَقَالَ : { لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ } كَانَ أَمْرُ الدِّينِ تَوْحِيدَ اللَّهِ وَالْإِقْرَارَ بِرُسُلِهِ . وَلِهَذَا كَانَ الصَّابِئُونَ وَالْمُشْرِكُونَ كالبراهمة وَنَحْوِهِمْ مِنْ مُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ مُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ فِي إقْرَارِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ وَفَاسِدِي الِاعْتِقَادِ فِي رُسُلِهِ . فَأَرْبَابُ التَّثْلِيثِ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ وَالِاتِّحَادِ فِي الرِّسَالَةِ قَدْ دَخَلَ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ مِنْ الْفَسَادِ مَا هُوَ بَيِّنٌ بِفِطْرَةِ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَبِكُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا . وَلِهَذَا كَانَ عَامَّةُ رُؤَسَائِهِمْ - مِنْ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مِنْ الْبَطَارِقَةِ وَالْمَطَارِنَةِ وَالْأَسَاقِفَةِ - إذَا صَارَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فَاضِلًا مُمَيَّزًا فَإِنَّهُ يَنْحَلُّ عَنْ دِينِهِ وَيَصِيرُ مُنَافِقًا لِمُلُوكِ أَهْلِ دِينِهِ وَعَامَّتِهِمْ رَضِيَ بِالرِّيَاسَةِ عَلَيْهِمْ وَبِمَا يَنَالُهُ مِنْ الْحُظُوظِ ؛ كَاَلَّذِي كَانَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ " ابْنُ الْبُورِيِّ " وَاَلَّذِي كَانَ بِدِمَشْقَ الَّذِي يُقَالُ لَا " ابْنُ الْقُفِّ " وَاَلَّذِي بقسطنطينية وَهُوَ " الْبَابَا " عِنْدَهُمْ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ كِبَارِ الْبَابَاوَاتِ(1/239)
وَالْمَطَارِنَةِ وَالْأَسَاقِفَةِ لَمَّا خَاطَبَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ أَقَرُّوا لَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى عَقِيدَةِ النَّصَارَى ؛ وَإِنَّمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْعَادَةِ وَالرِّيَاسَةِ كَبَقَاءِ الْمُلُوكِ وَالْأَغْنِيَاءِ عَلَى مُلْكِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَلِهَذَا تَجِدُ غَالِبَ فُضَلَائِهِمْ إنَّمَا هِمَّةُ أَحَدِهِمْ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ الرِّيَاضِيِّ . كَالْمَنْطِقِ وَالْهَيْئَةِ وَالْحِسَابِ وَالنُّجُومِ ؛ أَوْ الطَّبِيعِيِّ كَالطِّبِّ وَمَعْرِفَةِ الْأَرْكَانِ أَوْ التَّكَلُّمِ فِي الْإِلَهِيِّ عَلَى طَرِيقَةِ الصَّابِئَةِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ بُعِثَ إلَيْهِمْ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ نَبَذُوا دِينَ الْمَسِيحِ وَالرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَحَفِظُوا رُسُومَ الدِّينِ لِأَجْلِ الْمُلُوكِ وَالْعَامَّةِ . وَأَمَّا الرُّهْبَانُ فَأَحْدَثُوا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَكْرِ وَالْحِيَلِ بِالْعَامَّةِ مَا يَظْهَرُ لِكُلِّ عَاقِلٍ ؛ حَتَّى صَنَّفَ الْفُضَلَاءُ فِي حِيَلِ الرُّهْبَانِ كُتُبًا : مِثْلَ النَّارِ الَّتِي كَانَتْ تُصْنَعُ بِقُمَامَةِ . يَدْهُنُونَ خَيْطًا دَقِيقًا بسندروس وَيُلْقُونَ النَّارَ عَلَيْهِ بِسُرْعَةِ فَتَنْزِلُ . فَيَعْتَقِدُ الْجُهَّالُ أَنَّهَا نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاءِ وَيَأْخُذُونَهَا إلَى الْبَحْرِ وَهِيَ صَنْعَةُ ذَلِكَ الرَّاهِبِ يَرَاهُ النَّاسُ عِيَانًا وَقَدْ اعْتَرَفَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُمْ يَصْنَعُونَهَا . وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِشَيْءِ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ . وَقَدْ يَظُنُّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ مَا يُنْقَلُ عَنْ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ مِنْ(1/240)
جِنْسِ النَّارِ الْمَصْنُوعَةِ . وَكَذَلِكَ حِيَلُهُمْ فِي تَعْلِيقِ الصَّلِيبِ وَفِي بُكَاءِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي يُصَوِّرُونَهَا عَلَى صُورَةِ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ وَغَيْرِهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ : كُلُّ ذَلِكَ يَعْلَمُ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّهُ إفْكٌ مُفْتَرًى وَأَنَّ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَصَالِحِي عِبَادِهِ بُرَآءُ مِنْ كُلِّ زُورٍ وَبَاطِلٍ وَإِفْكٍ كَبَرَاءَتِهِمْ مِنْ سِحْرِ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ . ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ عَمِدُوا إلَى الشَّرِيعَةِ الَّتِي يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِهَا فَنَاقَضُوا الْأَوَّلِينَ مِنْ الْيَهُودِ فِيهَا ؛ مَعَ أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِالتَّمَسُّكِ بِالتَّوْرَاةِ ؛ إلَّا مَا نَسَخَهُ الْمَسِيحُ . قَصَرَ هَؤُلَاءِ فِي الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى قَتَلُوهُمْ . وَغَلَا هَؤُلَاءِ فِيهِمْ حَتَّى عَبَدُوهُمْ وَعَبَدُوا تَمَاثِيلَهُمْ . وَقَالَ أُولَئِكَ : إنَّ اللَّهَ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مَا أَمَرَ بِهِ فَيَفْسَخُهُ ؛ لَا فِي وَقْتٍ آخَرَ وَلَا عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ آخَرَ . وَقَالَ هَؤُلَاءِ : بَلْ الْأَحْبَارُ وَالْقِسِّيسُونَ يُغَيِّرُونَ مَا شَاءُوا وَيُحَرِّمُونَ مَا رَأَوْا وَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَضَعُوا عَلَيْهِ مَا رَأَوْا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَغَفَرُوا لَهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْفُخُ فِي الْمَرْأَةِ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ فَيَجْعَلُ الْبَخُورَ قُرْبَانًا . وَقَالَ أُولَئِكَ : حَرَّمَ عَلَيْنَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً . وَقَالَ هَؤُلَاءِ : مَا بَيْنَ الْبَقَّةِ وَالْفِيلِ حَلَالٌ : كُلْ مَا شِئْت وَدَعْ مَا شِئْت . وَقَالَ أُولَئِكَ : النَّجَاسَاتُ مُغَلَّظَةٌ ؛ حَتَّى إنَّ الْحَائِضَ لَا يُقْعَدُ مَعَهَا وَلَا يُؤْكَلُ مَعَهَا . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : مَا عَلَيْك شَيْءٌ نَجِسٌ وَلَا يَأْمُرُونَ بِخِتَانِ وَلَا غُسْلٍ(1/241)
مِنْ جَنَابَةٍ وَلَا إزَالَةِ نَجَاسَةٍ ؛ مَعَ أَنَّ الْمَسِيحَ وَالْحَوَارِيِّينَ كَانُوا عَلَى شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ . ثُمَّ إنَّ الصَّلَاةَ إلَى الْمَشْرِقِ لَمْ يَأْمُرْ بِهَا الْمَسِيحُ وَلَا الْحَوَارِيُّونَ ؛ وَإِنَّمَا ابْتَدَعَهَا قُسْطَنْطِينَ أَوْ غَيْرِهِ . وَكَذَلِكَ الصَّلِيبُ إنَّمَا ابْتَدَعَهُ قُسْطَنْطِينُ بِرَأْيِهِ وَبِمَنَامِ زَعَمَ أَنَّهُ رَآهُ . وَأَمَّا الْمَسِيحُ وَالْحَوَارِيُّونَ فَلَمْ يَأْمُرُوا بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ . وَالدِّينُ الَّذِي يَتَقَرَّبُ الْعِبَادُ بِهِ إلَى اللَّهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَمَرَ بِهِ وَشَرَعَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ ؛ وَإِلَّا فَالْبِدَعُ كُلُّهَا ضَلَالَةٌ وَمَا عُبِدَتْ الْأَوْثَانُ إلَّا بِالْبِدَعِ . وَكَذَلِكَ إدْخَالُ الْأَلْحَانِ فِي الصَّلَوَاتِ لَمْ يَأْمُرْ بِهَا الْمَسِيحُ وَلَا الْحَوَارِيُّونَ . وَبِالْجُمْلَةِ فَعَامَّةُ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ وَالْأَعْيَادِ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا لَمْ يُنْزِلْ بِهَا اللَّهُ كِتَابًا وَلَا بَعَثَ بِهَا رَسُولًا ؛ لَكِنَّ فِيهِمْ رَأْفَةٌ وَرَحْمَةٌ وَهَذَا مِنْ دِينِ اللَّهِ ؛ بِخِلَافِ الْأَوَّلِينَ ؛ فَإِنَّ فِيهِمْ قَسْوَةً وَمَقْتًا وَهَذَا مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ الْأَوَّلُونَ لَهُمْ تَمْيِيزٌ وَعَقْلٌ مَعَ الْعِنَادِ وَالْكِبْرِ . وَالْآخَرُونَ فِيهِمْ ضَلَالٌ عَنْ الْحَقِّ وَجَهْلٌ بِطَرِيقِ اللَّهِ . ثُمَّ إنَّ هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ تَفَرَّقَتَا أَحْزَابًا كَثِيرَةً فِي أَصْلِ دِينِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ فِي مَعْبُودِهِمْ وَرَسُولِهِمْ . هَذَا يَقُولُ : إنَّ جَوْهَرَ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ صَارَا جَوْهَرًا وَاحِدًا وَطَبِيعَةً وَاحِدَةً وَأُقْنُومًا وَاحِدًا . وَهُمْ الْيَعْقُوبِيَّةُ . وَهَذَا يَقُولُ : بَلْ(1/242)
هُمَا جَوْهَرَانِ وَطَبِيعَتَانِ وَأُقْنُومَانِ . وَهُمْ النسطورية . وَهَذَا يَقُولُ بِالِاتِّحَادِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُمْ الملكانية . وَقَدْ آمَنَ جَمَاعَاتٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَهَاجَرُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَنَّفُوا فِي كُتُبِ اللَّهِ مِنْ دَلَالَاتِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ وَمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالزَّبُورِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ مَوَاضِعَ لَمْ يُدَبِّرُوهَا وَكَذَلِكَ الْحَوَارِيُّونَ . فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ هَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ فَبَعَثَ النَّبِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ الْمَسِيحَ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ دَاعِيًا إلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِ الْمُرْسَلِينَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ كُلِّهِ لِلَّهِ وَطَهَّرَ الْأَرْضَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَنَزَّهَ الدِّينَ عَنْ الشِّرْكِ : دِقَّهُ وَجُلَّهُ ؛ بَعْدَ مَا كَانَتْ الْأَصْنَامُ تُعْبَدُ فِي أَرْضِ الشَّامِ وَغَيْرِهَا فِي دَوْلَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَدَوْلَةِ الَّذِينَ قَالُوا : إنَّا نَصَارَى . وَأَمَرَ بِالْإِيمَانِ بِجَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفَرْقَانِ . وَبِجَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ مِنْ آدَمَ إلَى مُحَمَّدٍ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى(1/243)
وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } { صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } . وَأَمَرَ اللَّهُ ذَلِكَ الرَّسُولَ بِدَعْوَةِ الْخَلْقِ إلَى تَوْحِيدِهِ بِالْعَدْلِ فَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } { وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } . وَأَمَرَهُ أَنْ تَكُونَ صَلَاتَهُ وَحَجَّهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الَّذِي بَنَاهُ خَلِيلُهُ إبْرَاهِيمُ أَبُو الْأَنْبِيَاءِ وَإِمَامُ الْحُنَفَاءِ . وَجَعَلَ أُمَّتَهُ وَسَطًا فَلَمْ يَغْلُوا فِي الْأَنْبِيَاءِ كَغُلُوِّ مَنْ عَدَلَهُمْ بِاَللَّهِ . وَجَعَلَ فِيهِمْ شَيْئًا مِنْ الْإِلَهِيَّةِ وَعَبَدَهُمْ وَجَعَلَهُمْ(1/244)
شُفَعَاءَ . وَلَمْ يَجْفُوا جَفَاءَ مَنْ آذَاهُمْ وَاسْتَخَفَّ بِحُرُمَاتِهِمْ وَأَعْرَضَ عَنْ طَاعَتِهِمْ ؛ بَلْ عَزَّرُوا الْأَنْبِيَاءَ - أَيْ عَظَّمُوهُمْ وَنَصَرُوهُمْ - وَآمَنُوا بِمَا جَاءُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُمْ وَاتَّبَعُوهُمْ وَائْتَمُّوا بِهِمْ وَأَحَبُّوهُمْ وَأَجْلَوْهُمْ وَلَمْ يَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ فَلَمْ يَتَّكِلُوا إلَّا عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَعِينُوا إلَّا بِهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ . وَكَذَلِكَ فِي الشَّرَائِعِ . قَالُوا مَا أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ أَطَعْنَاهُ وَمَا نَهَانَا عَنْهُ انْتَهَيْنَا وَإِذَا نَهَانَا عَمَّا كَانَ أَحَلَّهُ - كَمَا نَهَى بَنِي إسْرَائِيلَ عَمَّا كَانَ أَبَاحَهُ لِيَعْقُوبَ - أَوْ أَبَاحَ لَنَا مَا كَانَ حَرَامًا - كَمَا أَبَاحَ الْمَسِيحُ بَعْضَ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ - سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا . وَأَمَّا غَيْرُ رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُبَدِّلُوا دِينَ اللَّهِ وَلَا يَبْتَدِعُوا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ . وَالرُّسُلُ إنَّمَا قَالُوا تَبْلِيغًا عَنْ اللَّهِ ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فَكَمَا لَا يَخْلُقُ غَيْرُهُ لَا يَأْمُرُ غَيْرُهُ { إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } . وَتَوَسَّطَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ . وَفِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَفِي الْأَخْلَاقِ . وَلَمْ يُجَرِّدُوا الشِّدَّةَ كَمَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُونَ وَلَمْ يُجَرِّدُوا الرَّأْفَةَ كَمَا فَعَلَهُ الْآخَرُونَ بَلْ عَامَلُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ بِالشِّدَّةِ وَعَامَلُوا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَقَالُوا فِي(1/245)
الْمَسِيحِ مَا قَالَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا قَالَهُ الْمَسِيحُ وَالْحَوَارِيُّونَ ؛ لَا مَا ابْتَدَعَهُ الْغَالُونَ وَالْجَافُونَ . وَقَدْ أَخْبَرَ الْحَوَارِيُّونَ عَنْ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ أَنَّهُ يُبْعَثُ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ وَأَنَّهُ يُبْعَثُ بِقَضِيبِ الْأَدَبِ وَهُوَ السَّيْفُ . وَأَخْبَرَ الْمَسِيحُ أَنَّهُ يَجِيءُ بِالْبَيِّنَاتِ وَالتَّأْوِيلِ . وَأَنَّ الْمَسِيحَ جَاءَ بِالْأَمْثَالِ . وَهَذَا بَابٌ يَطُولُ شَرْحُهُ . وَإِنَّمَا نَبَّهَ الدَّاعِي لِعَظِيمِ مِلَّتِهِ وَأَهْلِهِ لَمَّا بَلَغَنِي مَا عِنْدَهُ مِنْ الدِّيَانَةِ وَالْفَضْلِ وَمَحَبَّةِ الْعِلْمِ وَطَلَبِ الْمُذَاكَرَةِ وَرَأَيْت الشَّيْخَ أَبَا الْعَبَّاسِ المقدسي شَاكِرًا مِنْ الْمَلِكِ : مِنْ رِفْقِهِ وَلُطْفِهِ وَإِقْبَالِهِ عَلَيْهِ وَشَاكِرًا مِنْ الْقِسِّيسِينَ وَنَحْوِهِمْ . وَنَحْنُ قَوْمٌ نُحِبُّ الْخَيْرَ لِكُلِّ أَحَدٍ وَنُحِبُّ أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ لَكُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؛ فَإِنَّ أَعْظَمَ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِهِ نَصِيحَةُ خَلْقِهِ وَبِذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ وَلَا نَصِيحَةَ أَعْظَمُ مِنْ النَّصِيحَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ وَلَا بُدَّ أَنَّ اللَّهَ يُحَاسِبُ عَبْدَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } . وَأَمَّا الدُّنْيَا فَأَمْرُهَا حَقِيرٌ وَكَبِيرُهَا صَغِيرٌ . وَغَايَةُ أَمْرِهَا يَعُودُ إلَى الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ . وَغَايَةُ ذِي الرِّيَاسَةِ أَنْ يَكُونَ كَفِرْعَوْنَ الَّذِي أَغْرَقَهُ اللَّهُ فِي الْيَمِّ انْتِقَامًا مِنْهُ . وَغَايَةُ ذِي الْمَالِ أَنْ يَكُونَ كقارون الَّذِي خَسَفَ(1/246)
اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . لَمَّا آذَى نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى . وَهَذِهِ وَصَايَا الْمَسِيحِ وَمَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ كُلُّهَا تَأْمُرُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَالتَّجَرُّدِ لِلدَّارِ الْآخِرَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . وَلَمَّا كَانَ أَمْرُ الدُّنْيَا خَسِيسًا رَأَيْت أَنَّ أَعْظَمَ مَا يُهْدَى لِعَظِيمِ قَوْمِهِ الْمُفَاتَحَةُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ : بِالْمُذَاكَرَةِ فِيمَا يُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ . وَالْكَلَامُ فِي الْفُرُوعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأُصُولِ . وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ دِينَ اللَّهِ لَا يَكُونُ بِهَوَى النَّفْسِ وَلَا بِعَادَاتِ الْآبَاءِ وَأَهْلِ الْمَدَنِيَّةِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ الْعَاقِلُ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَفِي مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَيُعَامِلُ اللَّهَ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُظْهِرَ كُلَّ مَا فِي نَفْسِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ : فَيَنْتَفِعُ هُوَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ . وَإِنْ رَأَيْت مِنْ الْمُلْكِ رَغْبَةً فِي الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ كَاتَبْته وَجَاوَبْته عَنْ مَسَائِلَ يَسْأَلُهَا وَقَدْ كَانَ خَطَرَ لِي أَنْ أَجِيءَ إلَى قُبْرُصَ لِمَصَالِحَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا ؛ لَكِنْ إذَا رَأَيْت مِنْ الْمَلِكِ مَا فِيهِ رِضَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَامَلْته بِمَا يَقْتَضِيهِ عَمَلُهُ ؛ فَإِنَّ الْمَلِكَ وَقَوْمَهُ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَظْهَرَ مِنْ مُعْجِزَاتِ رُسُلِهِ عَامَّةً وَمُحَمَّدٍ خَاصَّةً : مَا أَيَّدَ بِهِ دِينَهُ وَأَذَلَّ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ . وَلَمَّا قَدِمَ مُقَدِّمُ(1/247)
الْمَغُولِ غازان وَأَتْبَاعُهُ إلَى دِمَشْقَ وَكَانَ قَدْ انْتَسَبَ إلَى الْإِسْلَامِ ؛ لَكِنْ لَمْ يَرْضَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ بِمَا فَعَلُوهُ ؛ حَيْثُ لَمْ يَلْتَزِمُوا دِينَ اللَّهِ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ بِهِ وَبِأُمَرَائِهِ وَجَرَى لِي مَعَهُمْ فُصُولٌ يَطُولُ شَرْحُهَا ؛ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قَدْ بَلَغَتْ الْمَلِكَ ؛ فَأَذَلَّهُ اللَّهُ وَجُنُودَهُ لَنَا حَتَّى بَقِينَا نَضْرِبُهُمْ بِأَيْدِينَا وَنَصْرُخُ فِيهِمْ بِأَصْوَاتِنَا . وَكَأَنَّ مَعَهُمْ صَاحِبَ سَيَسَ مِثْلُ أَصْغَرِ غُلَامٍ يَكُونُ حَتَّى كَانَ بَعْضَ الْمُؤَذِّنِينَ الَّذِينَ مَعَنَا يَصْرُخُ عَلَيْهِ وَيَشْتُمُهُ وَهُوَ لَا يَجْتَرِئُ أَنْ يُجَاوِبَهُ حَتَّى إنَّ وُزَرَاءَ غازان ذَكَرُوا مَا يَنُمُّ عَلَيْهِ مِنْ فَسَادِ النِّيَّةِ لَهُ وَكُنْت حَاضِرًا لَمَّا جَاءَتْ رُسُلُكُمْ إلَى نَاحِيَةِ السَّاحِلِ وَأَخْبَرَنِي التَّتَارُ بِالْأَمْرِ الَّذِي أَرَادَ صَاحِبُ سِيسَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ فِيهِ حَيْثُ مَنَاكُمْ بِالْغُرُورِ وَكَانَ التَّتَارُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ شَتِيمَةٍ لِصَاحِبِ سِيسَ وَإِهَانَةٍ لَهُ ؛ وَمَعَ هَذَا فَإِنَّا كُنَّا نُعَامِلُ أَهْلَ مِلَّتِكُمْ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ وَالذَّبِّ عَنْهُمْ . وَقَدْ عَرَفَ النَّصَارَى كُلُّهُمْ أَنِّي لَمَّا خَاطَبْت التَّتَارَ فِي إطْلَاقِ الْأَسْرَى وَأَطْلَقَهُمْ غازان وقطلو شاه وَخَاطَبْت مَوْلَايَ فِيهِمْ فَسَمَحَ بِإِطْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ لِي : لَكِنَّ مَعَنَا نَصَارَى أَخَذْنَاهُمْ مِنْ الْقُدْسِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُطْلِقُونَ . فَقُلْت لَهُ : بَلْ جَمِيعُ مَنْ مَعَك مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ ذِمَّتِنَا ؛ فَإِنَّا نُفْتِكَهُمْ وَلَا نَدَعُ أَسِيرًا لَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ(1/248)
وَلَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ . وَأَطْلَقْنَا مِنْ النَّصَارَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ . فَهَذَا عَمَلُنَا وَإِحْسَانُنَا وَالْجَزَاءُ عَلَى اللَّهِ . وَكَذَلِكَ السَّبْيُ الَّذِي بِأَيْدِينَا مِنْ النَّصَارَى يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ إحْسَانَنَا وَرَحْمَتَنَا وَرَأْفَتَنَا بِهِمْ ؛ كَمَا أَوْصَانَا خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ : { الصَّلَاةُ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } . وَمَعَ خُضُوعِ التَّتَارِ لِهَذِهِ الْمِلَّةِ وَانْتِسَابِهِمْ إلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ ؛ فَلَمْ نُخَادِعْهُمْ وَلَمْ نُنَافِقْهُمْ ؛ بَلْ بَيَّنَّا لَهُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْإِسْلَامِ الْمُوجِبِ لِجِهَادِهِمْ وَأَنَّ جُنُودَ اللَّهِ الْمُؤَيَّدَةَ وَعَسَاكِرَهُ الْمَنْصُورَةَ الْمُسْتَقِرَّةَ بِالدِّيَارِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ : مَا زَالَتْ مَنْصُورَةٌ عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا . مُظَفَّرَةً عَلَى مَنْ عَادَاهَا . وَفِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَمَّا شَاعَ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ التَّتَارَ مُسْلِمُونَ أَمْسَكَ الْعَسْكَرَ عَنْ قِتَالِهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِائَتَانِ . فَلَمَّا انْصَرَفَ الْعَسْكَرُ إلَى مِصْرَ وَبَلَغَهُ مَا عَلَيْهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْمَلْعُونَةُ مِنْ الْفَسَادِ وَعَدَمِ الدِّينِ : خَرَجَتْ جُنُودُ اللَّهِ وَلِلْأَرْضِ مِنْهَا وَئِيدٌ قَدْ مَلَأَتْ السَّهْلَ وَالْجَبَلَ ؛ فِي كَثْرَةٍ وَقُوَّةٍ وَعِدَّةٍ وَإِيمَانٍ وَصِدْقٍ . قَدْ بَهَرَتْ الْعُقُولَ وَالْأَلْبَابَ . مَحْفُوفَةٌ بِمَلَائِكَةِ اللَّهِ الَّتِي مَا زَالَ يُمَدُّ بِهَا الْأُمَّةَ(1/249)
الْحَنِيفِيَّةَ الْمُخْلِصَةَ لِبَارِئِهَا : فَانْهَزَمَ الْعَدُوُّ بَيْنَ أَيْدِيهَا وَلَمْ يَقِفْ لِمُقَابَلَتِهَا . ثُمَّ أَقْبَلَ الْعَدُوُّ ثَانِيًا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَذَابِ مَا أَهْلَكَ النُّفُوسَ وَالْخَيْلَ وَانْصَرَفَ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ وَصَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ . وَهُوَ الْآنُ فِي الْبَلَاءِ الشَّدِيدِ والتعكيس الْعَظِيمِ وَالْبَلَاءِ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ . وَالْإِسْلَامُ فِي عِزٍّ مُتَزَايِدٍ وَخَيْرٍ مُتَرَافِدٍ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينِهَا } . وَهَذَا الدِّينُ فِي إقْبَالٍ وَتَجْدِيدٍ . وَأَنَا نَاصِحٌ لِلْمَلِكِ وَأَصْحَابِهِ - وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْفُرْقَانَ . وَيَعْلَمُ الْمَلِكُ أَنَّ وَفْدَ نجران - وَكَانُوا نَصَارَى كُلَّهُمْ فِيهِمْ الْأَسْقُفُ وَغَيْرُهُ - لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ : خَاطَبُوهُ فِي أَمْرِ الْمَسِيحِ وَنَاظَرُوهُ فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ جَعَلُوا يُرَاوِغُونَ فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْمُبَاهَلَةِ كَمَا قَالَ : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } . فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ استشوروا بَيْنَهُمْ فَقَالُوا :(1/250)
تَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّهُ مَا بَاهَلَ أَحَدٌ نَبِيًّا فَأَفْلَحَ . فَأَدَّوْا إلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَدَخَلُوا فِي الذِّمَّةِ وَاسْتَعْفَوْا مِنْ الْمُبَاهَلَةِ . وَكَذَلِكَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُ إلَى قَيْصَرَ الَّذِي كَانَ مَلِكَ النَّصَارَى بِالشَّامِ وَالْبَحْرِ إلَى قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَغَيْرِهَا وَكَانَ مَلِكًا فَاضِلًا . فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ وَسَأَلَ عَنْ عَلَامَتِهِ : عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ الْمَسِيحُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ وَعَدَ اللَّهُ بِهِ إبْرَاهِيمَ فِي ابْنِهِ إسْمَاعِيلَ وَجَعَلَ يَدْعُو قَوْمَهُ النَّصَارَى إلَى مُتَابَعَتِهِ وَأَكْرَمَ كِتَابَهُ وَقَبَّلَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَقَالَ : وَدِدْت أَنِّي أَخْلُصُ إلَيْهِ حَتَّى أَغْسِلَ عَنْ قَدَمَيْهِ وَلَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنْ الْمُلْكِ لَذَهَبْت إلَيْهِ . وَأَمَّا النَّجَاشِيُّ مَلِكُ الْحَبَشَةِ النَّصْرَانِيُّ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ هَاجَرُوا إلَيْهِ : آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَبَعَثَ إلَيْهِ ابْنَهُ وَأَصْحَابَهُ مُهَاجِرِينَ . وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ لَمَّا مَاتَ . وَلَمَّا سَمِعَ سُورَةَ { كهيعص } بَكَى . وَلَمَّا أَخْبَرُوهُ عَمَّا يَقُولُونَ فِي الْمَسِيحِ قَالَ : وَاَللَّهِ مَا يَزِيدُ عِيسَى عَلَى هَذَا مِثْلَ هَذَا الْعُودِ . وَقَالَ : إنَّ هَذَا وَاَلَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ . وَكَانَتْ سِيرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ مِنْ النَّصَارَى صَارَ مِنْ أُمَّتِهِ لَهُ مَا(1/251)
لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ . وَكَانَ لَهُ أَجْرَانِ : أَجْرٌ عَلَى إيمَانِهِ بِالْمَسِيحِ وَأَجْرٌ عَلَى إيمَانِهِ بِمُحَمَّدِ . وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنْ الْأُمَمِ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِقِتَالِهِ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِهِ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } . فَمَنْ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ بَلْ يَسُبُّ اللَّهَ وَيَقُولُ : إنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَأَنَّهُ صُلِبَ . وَلَا يُؤْمِنُ بِرُسُلِهِ ؛ بَلْ يَزْعُمُ أَنَّ الَّذِي حَمَلَ وَوَلَدَ وَكَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَتَغَوَّطُ وَيَنَامُ : هُوَ اللَّهُ وَابْنُ اللَّهِ . وَأَنَّ اللَّهَ أَوْ ابْنَهُ حَلَّ فِيهِ وَتَدَرَّعَهُ وَيَجْحَدُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ وَيُحَرِّفُ نُصُوصَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ؛ فَإِنَّ فِي الْأَنَاجِيلِ الْأَرْبِعَةِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَوْجَبَهُ مَا فِيهَا وَلَا يَدِينُ الْحَقَّ . وَدِينُ الْحَقِّ هُوَ الْإِقْرَارُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَوْجَبَهُ مِنْ عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَلَا يُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ مِنْ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ الَّذِي مَا زَالَ حَرَامًا مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبَاحَهُ نَبِيٌّ قَطُّ ؛ بَلْ عُلَمَاءُ النَّصَارَى يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَمَا يَمْنَعُ بَعْضَهُمْ مِنْ إظْهَارِ ذَلِكَ إلَّا الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ . وَبَعْضُهُمْ يَمْنَعُهُ الْعِنَادُ وَالْعَادَةُ(1/252)
وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ؛ لِأَنَّ عَامَّتَهُمْ وَإِنْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِقِيَامَةِ الْأَبْدَانِ ؛ لَكِنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّعِيمِ وَالْعَذَابِ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ؛ بَلْ غَايَةُ مَا يُقِرُّونَ بِهِ مِنْ النَّعِيمِ السَّمَاعُ وَالشَّمُّ . وَمِنْهُمْ مُتَفَلْسِفَةٌ يُنْكِرُونَ مَعَادَ الْأَجْسَادِ وَأَكْثَرُ عُلَمَائِهِمْ زَنَادِقَةٌ وَهُمْ يُضْمِرُونَ ذَلِكَ وَيَسْخَرُونَ بِعَوَامِّهِمْ ؛ لَا سِيَّمَا بِالنِّسَاءِ والمترهبين مِنْهُمْ : بِضَعْفِ الْعُقُولِ . فَمَنْ هَذَا حَالُهُ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِجِهَادِهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي دِينِ اللَّهِ أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ وَهَذَا دِينُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ الْمَسِيحُ لَمْ يَأْمُرْ بِجِهَادِ ؛ لَا سِيَّمَا بِجِهَادِ الْأُمَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ وَلَا الْحَوَارِيُّونَ بَعْدَهُ . فَيَا أَيُّهَا الْمَلِكُ كَيْفَ تَسْتَحِلُّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَسَبْيَ الْحَرِيمِ وَأَخْذَ الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنْ اللَّهِ وَرُسُلِهِ . ثُمَّ أَمَا يَعْلَمُ الْمَلِكُ أَنَّ بِدِيَارِنَا مِنْ النَّصَارَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَمَانِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ وَمُعَامَلَتُنَا فِيهِمْ مَعْرُوفَةٌ فَكَيْفَ يُعَامِلُونَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي لَا يَرْضَى بِهَا ذُو مُرُوءَةٍ وَلَا ذُو دِينٍ لَسْت أَقُولُ عَنْ الْمَلِكِ وَأَهْلِ بَيْته وَلَا إخْوَتِهِ ؛ فَإِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ شَاكِرٌ لِلْمَلِكِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ كَثِيرًا مُعْتَرِفًا بِمَا فَعَلُوهُ مَعَهُ مِنْ الْخَيْرِ وَإِنَّمَا أَقُولُ عَنْ عُمُومِ الرَّعِيَّةِ . أَلَيْسَ(1/253)
الْأَسْرَى فِي رَعِيَّةِ الْمَلِكِ أَلَيْسَتْ عُهُودُ الْمَسِيحِ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ تُوَصِّي بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ . فَأَيْنَ ذَلِكَ . ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ إنَّمَا أُخِذُوا غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ وَالشَّرَائِعِ وَالسِّيَاسَاتِ فَكَيْفَ تَسْتَحِلُّونَ أَنْ تَسْتَوْلُوا عَلَى مَنْ أَخَذَ غَدْرًا أَفَتَأْمَنُونَ مَعَ هَذَا أَنْ يُقَابِلَكُمْ الْمُسْلِمُونَ بِبَعْضِ هَذَا وَتَكُونُونَ مَغْدُورِينَ وَاَللَّهُ نَاصِرُهُمْ وَمُعِينُهُمْ ؛ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَالْأُمَّةُ قَدْ امْتَدَّتْ لِلْجِهَادِ . وَاسْتَعَدَّتْ لِلْجَلَّادِ . وَرَغِبَ الصَّالِحُونَ وَأَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ فِي طَاعَتِهِ وَقَدْ تَوَلَّى الثُّغُورَ السَّاحِلِيَّةَ أُمَرَاءُ ذَوُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَقَدْ ظَهَرَ بَعْضُ أَثَرِهِمْ وَهُمْ فِي ازْدِيَادٍ . ثُمَّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الرِّجَالِ الفداوية الَّذِينَ يَغْتَالُونَ الْمُلُوكَ فِي فُرُشِهَا وَعَلَى أَفْرَاسِهَا : مَنْ قَدْ بَلَغَ الْمَلِكُ خَبَرُهُمْ ؛ قَدِيمًا وَحَدِيثًا .(1/254)
وَفِيهِمْ الصَّالِحُونَ الَّذِينَ لَا يَرُدُّ اللَّهُ دَعَوَاتِهِمْ وَلَا يُخَيِّبُ طَلَبَاتِهِمْ الَّذِينَ يَغْضَبُ الرَّبُّ لِغَضَبِهِمْ وَيَرْضَى لِرِضَاهُمْ . وَهَؤُلَاءِ التَّتَارُ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَانْتِسَابِهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ لَمَّا غَضِبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ أَحَاطَ بِهِمْ مِنْ الْبَلَاءِ مَا يَعْظُمُ عَنْ الْوَصْفِ . فَكَيْفَ يَحْسُنُ أَيُّهَا الْمَلِكُ بِقَوْمِ يُجَاوِرُونَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَكْثَرِ الْجِهَاتِ أَنْ يُعَامِلُوهُمْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ الَّتِي لَا يَرْضَاهَا عَاقِلٌ ؛ لَا مُسْلِمٌ وَلَا مُعَاهَدٌ . هَذَا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا ذَنْبَ لَهُمْ أَصْلًا ؛ بَلْ هُمْ الْمَحْمُودُونَ عَلَى مَا فَعَلُوهُ ؛ فَإِنَّ الَّذِي أَطْبَقَتْ الْعُقَلَاءُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِفَضْلِهِ هُوَ دِينُهُمْ حَتَّى الْفَلَاسِفَةُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطْرُقْ الْعَالَمَ دِينٌ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا الدِّينِ . فَقَدْ قَامَتْ الْبَرَاهِينُ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ . ثُمَّ هَذِهِ الْبِلَادُ مَا زَالَتْ بِأَيْدِيهِمْ السَّاحِلُ ؛ بَلْ وَقُبْرُصُ أَيْضًا مَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ إلَّا مِنْ أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثمِائَةِ سَنَةٍ وَقَدْ وَعَدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . فَمَا يُؤْمِنُ الْمَلِكُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى الْمَظْلُومِينَ بِبَلْدَتِهِ يَنْتَقِمُ لَهُمْ رَبُّ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ كَمَا يَنْتَقِمُ لِغَيْرِهِمْ وَمَا يُؤَمِّنُهُ أَنْ تَأْخُذَ الْمُسْلِمِينَ حَمِيَّةُ إسْلَامِهِمْ فَيَنَالُوا مِنْهَا مَا نَالُوا مِنْ غَيْرِهَا وَنَحْنُ إذَا رَأَيْنَا مِنْ الْمَلِكِ وَأَصْحَابِهِ مَا يَصْلُحُ عَامَلْنَاهُمْ بِالْحُسْنَى وَإِلَّا فَمَنْ بُغِيَ(1/255)
عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ . وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَيْسَرِ الْأُمُورِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَأَنَا مَا غَرَضِي السَّاعَةَ إلَّا مُخَاطَبَتُكُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَالْمُعَاوَنَةُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَفِعْلِ مَا يَجِبُ . فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْمَلِكِ مَنْ يَثِقُ بِعَقْلِهِ وَدِينِهِ فَلْيَبْحَثْ مَعَهُ عَنْ أُصُولِ الْعِلْمِ وَحَقَائِقِ الْأَدْيَانِ وَلَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ ؛ إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ ؛ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا . وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنْ تَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ وَتَسْأَلَهُ الْهِدَايَةَ وَتَقُولَ : اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحَقَّ حَقًّا وَأَعِنِّي عَلَى اتِّبَاعِهِ . وَأَرِنِي الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَأَعِنِّي عَلَى اجْتِنَابِهِ وَلَا تَجْعَلْهُ مُشْتَبَهًا عَلَيَّ فَأَتَّبِعَ الْهَوَى فَأَضِلَّ . وَقُلْ اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ : اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَالْكِتَابُ لَا يَحْتَمِلُ الْبَسْطَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ؛ لَكِنَّ أَنَا مَا أُرِيدَ لِلْمَلِكِ إلَّا مَا يَنْفَعُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُمَا شَيْئَانِ . ( أَحَدُهُمَا لَهُ خَاصَّةً وَهُوَ مَعْرِفَتُهُ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ وَانْكِشَافِ الْحَقِّ وَزَوَالِ الشُّبْهَةِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ كَمَا أَمَرَ . فَهَذَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ مُلْكِ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا . وَهُوَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ الْمَسِيحَ وَعَلَّمَهُ(1/256)
الْحَوَارِيِّينَ . ( الثَّانِي لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُسَاعَدَتُهُ لِلْأَسْرَى الَّذِينَ فِي بِلَادِهِ وَإِحْسَانُهُ إلَيْهِمْ وَأَمْرُ رَعِيَّتِهِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ وَالْمُعَاوَنَةُ لَنَا عَلَى خَلَاصِهِمْ ؛ فَإِنَّ فِي الْإِسَاءَةِ إلَيْهِمْ دَرْكًا عَلَى الْمَلِكِ فِي دِينِهِ وَدِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَرْكًا مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمُعَاوَنَةِ عَلَى خَلَاصِهِمْ حَسَنَةٌ لَهُ فِي دِينِهِ وَدِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَكَانَ الْمَسِيحُ أَعْظَمَ النَّاسِ تَوْصِيَةً بِذَلِكَ . وَمِنْ الْعَجَبِ كُلَّ الْعَجَبِ أَنْ يَأْسِرَ النَّصَارَى قَوْمًا غَدْرًا أَوْ غَيْرَ غَدْرٍ وَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ وَالْمَسِيحُ يَقُولُ : " مَنْ لَطَمَك عَلَى خَدِّك الْأَيْمَنِ فَأَدِرْ لَهُ خَدَّك الْأَيْسَرَ وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَك فَأَعْطِهِ قَمِيصَك " وَكُلَّمَا كَثُرَتْ الْأَسْرَى عِنْدَكُمْ كَانَ أَعْظَمَ لِغَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ عِبَادِهِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَكَيْفَ يُمْكِنُ السُّكُوتُ عَلَى أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي قُبْرُصَ سِيَّمَا وَعَامَّةُ هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى قَوْمٌ فُقَرَاءُ وَضُعَفَاءُ لَيْسَ لَهُمْ مَنْ يَسْعَى فِيهِمْ . وَهَذَا أَبُو الْعَبَّاسِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ عِبَادِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ عِبَادَةٌ وَفَقْرٌ وَفِيهِ مَشْيَخَةٌ وَمَعَ هَذَا فَمَا كَادَ يَحْصُلُ لَهُ فِدَاؤُهُ إلَّا بِالشِّدَّةِ . وَدِينُ الْإِسْلَامِ يَأْمُرُنَا أَنْ نُعِينَ الْفَقِيرَ وَالضَّعِيفَ(1/257)
فَالْمَلِكُ أَحَقُّ أَنْ يُسَاعِدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ؛ لَا سِيَّمَا وَالْمَسِيحُ يُوصِي بِذَلِكَ فِي الْإِنْجِيلِ وَيَأْمُرُ بِالرَّحْمَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَيْرِ الشَّامِلِ كَالشَّمْسِ وَالْمَطَرِ . وَالْمَلِكُ وَأَصْحَابُهُ إذَا عَاوَنُونَا عَلَى تَخْلِيصِ الْأَسْرَى وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ كَانَ الْحَظُّ الْأَوْفَرُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْجُرُ عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الْمَسِيحِيِّينَ الَّذِينَ لَا يَتَّبِعُونَ الْهَوَى ؛ بَلْ كُلُّ مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَأَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّهُمْ أُسِرُوا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا سِيَّمَا مَنْ أُخِذَ غَدْرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ الْمَسِيحَ وَلَا أَحَدًا مِنْ الْحَوَارِيِّينَ وَلَا مَنْ اتَّبَعَ الْمَسِيحَ عَلَى دِينِهِ ؛ لَا بِأَسْرِ أَهْلِ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَلَا بِقَتْلِهِمْ . وَكَيْفَ وَعَامَّةُ النَّصَارَى يُقِرُّونَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ دِينٍ اتَّبَعُوا رَسُولَهُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : هُمْ قَاتَلُونَا أَوَّلَ مَرَّةٍ . قِيلَ : هَذَا بَاطِلٌ فِيمَنْ غَدَرْتُمْ بِهِ وَمَنْ بَدَأْتُمُوهُ بِالْقِتَالِ . وَأَمَّا مَنْ بَدَأَكُمْ مِنْهُمْ فَهُوَ مَعْذُورٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَرَسُولُهُ بَلْ الْمَسِيحُ وَالْحَوَارِيُّونَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمَوَاثِيقَ بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَوِي مَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَدَعَا إلَى عِبَادَتِهِ وَدِينِهِ وَأَقَرَّ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَقَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَلِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَمَنْ قَاتَلَ فِي(1/258)
هَوَى نَفْسِهِ وَطَاعَةِ شَيْطَانِهِ عَلَى خِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ . وَمَا زَالَ فِي النَّصَارَى مِنْ الْمُلُوكِ وَالْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ وَالْعَامَّةِ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالدِّينِ ؛ فَيَعْرِفُ بَعْضَ الْحَقِّ وَيَنْقَادُ لِكَثِيرِ مِنْهُ وَيَعْرِفُ مِنْ قَدْرِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مَا يَجْهَلُهُ غَيْرُهُ فَيُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةً تَكُونُ نَافِعَةً لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . ثُمَّ فِي فِكَاكِ الْأَسِيرِ وَثَوَابِ الْعِتْقِ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِمَنْ طَلَبَهُ فَمَهْمَا عَمِلَ الْمَلِكُ مَعَهُمْ وَجَدَ ثَمَرَتَهُ . وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَقْدَرُ عَلَى الْمُكَافَأَةِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَمَنْ حَارَبُوهُ فَالْوَيْلُ كُلَّ الْوَيْلِ لَهُ وَالْمَلِكُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ السَّيْرَ وَبَلَغَهُ أَنَّهُ مَا زَالَ فِي الْمُسْلِمِينَ النَّفَرُ الْقَلِيلُ مِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً مِنْ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ فَكَيْفَ إذَا كَانُوا أَضْعَافَهُمْ وَقَدْ بَلَغَهُ الْمَلَاحِمُ الْمَشْهُورَةُ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ : مِثْلَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا يَغْلِبُونَ مِنْ النَّصَارَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعمِائَةِ أَلْفٍ أَكْثَرُهُمْ فَارِسٌ . وَمَا زَالَ الْمُرَابِطُونَ بِالثُّغُورِ مَعَ قِلَّتِهِمْ وَاشْتِغَالِ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ عَنْهُمْ يَدْخُلُونَ بِلَادَ النَّصَارَى فَكَيْفَ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ وَكَثْرَةِ جُيُوشِهِمْ وَبَأْسِ مُقَدِّمِيهِمْ وَعُلُوِّ هِمَمِهِمْ وَرَغْبَتِهِمْ فِيمَا يُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ(1/259)
الْجِهَادَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْمُطَوَّعَةِ وَتَصْدِيقِهِمْ بِمَا وَعَدَهُمْ نَبِيُّهُمْ حَيْثُ قَالَ : { يُعْطَى الشَّهِيدُ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ . وَيَرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ . وَيُكْسَى حُلَّةَ الْإِيمَانِ . وَيُزَوَّجُ بِاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ . وَيُوقَى فِتْنَةَ الْقَبْرِ . وَيُؤْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . ثُمَّ إنَّ فِي بِلَادِهِمْ مِنْ النَّصَارَى أَضْعَافَ مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ فِيهِمْ مِنْ رُءُوسِ النَّصَارَى مَنْ لَيْسَ فِي الْبَحْرِ مِثْلُهُمْ إلَّا قَلِيلٌ . وَأَمَّا أُسَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَلَا مَنْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنَّمَا نَسْعَى فِي تَخْلِيصِهِمْ لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةً لَهُمْ وَتَقَرُّبًا إلَيْهِ يَوْمَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُصَدِّقِينَ وَلَا يُضَيِّعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . وَأَبُو الْعَبَّاسِ حَامِلُ هَذَا الْكِتَابِ قَدْ بَثَّ مَحَاسِنَ الْمَلِكِ وَإِخْوَتَهُ عِنْدَنَا وَاسْتَعْطَفَ قُلُوبَنَا إلَيْهِ ؛ فَلِذَلِكَ كَاتَبْت الْمَلِكَ لَمَّا بَلَغَتْنِي رَغْبَتُهُ فِي الْخَيْرِ وَمَيْلُهُ إلَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَأَنَا مِنْ نُوَّابِ الْمَسِيحِ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي مُنَاصَحَةِ الْمَلِكِ وَأَصْحَابِهِ وَطَلَبِ الْخَيْرِ لَهُمْ ؛ فَإِنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يُرِيدُونَ لِلْخَلْقِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيَدْعُونَهُمْ إلَى اللَّهِ وَيُعِينُونَهُمْ عَلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ . وَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ قَدْ بَلَغَهُ بَعْضُ الْأَخْبَارِ الَّتِي(1/260)
فِيهَا طَعْنٌ عَلَى بَعْضِهِمْ أَوْ طَعْنٌ عَلَى دِينِهِمْ ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ كَاذِبًا أَوْ مَا فَهِمَ التَّأْوِيلَ وَكَيْفَ صُورَةُ الْحَالِ . وَإِنْ كَانَ صَادِقًا عَنْ بَعْضِهِمْ بِنَوْعِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ : فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ ؛ بَلْ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشَّرِّ أَقَلُّ مِمَّا فِي غَيْرِهِمْ بِكَثِيرِ وَاَلَّذِي فِيهِمْ مِنْ الْخَيْرِ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِمْ . وَالْمَلِكُ وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْرِفُ أَنَّ أَكْثَرَ النَّصَارَى خَارِجُونَ عَنْ وَصَايَا الْمَسِيحِ وَالْحَوَارِيِّينَ وَرَسَائِلِ بُولِصَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقِدِّيسِينَ ؛ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مَا مَعَهُمْ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ شُرْبُ الْخَمْرِ وَأَكْلُ الْخِنْزِيرِ وَتَعْظِيمُ الصَّلِيبِ وَنَوَامِيسُ مُبْتَدَعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ يَسْتَحِلُّ بَعْضَ مَا حَرَّمَتْهُ الشَّرِيعَةُ النَّصْرَانِيَّةُ . هَذَا فِيمَا يُقِرُّونَ لَهُ . وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُمْ لِمَا لَا يُقِرُّونَ بِهِ فَكُلُّهُمْ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ . بَلْ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا عَنْ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَنْزِلُ عِنْدَنَا بِالْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ فِي دِمَشْقَ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ مَلَكَيْنِ فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ إلَّا الْإِسْلَامَ وَيَقْتُلُ مَسِيحَ الضَّلَالَةِ الْأَعْوَرَ الدَّجَّالَ الَّذِي يَتْبَعُهُ الْيَهُودُ وَيُسَلِّطُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْيَهُودِ حَتَّى يَقُولَ الشَّجَرُ وَالْحَجَرُ : يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ(1/261)
وَرَائِي فَاقْتُلْهُ . وَيَنْتَقِمُ اللَّهُ لِلْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ مَسِيحِ الْهُدَى مِنْ الْيَهُودِ مَا آذَوْهُ وَكَذَّبُوهُ لَمَّا بُعِثَ إلَيْهِمْ } . وَأَمَّا مَا عِنْدَنَا فِي أَمْرِ النَّصَارَى وَمَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ إدَالَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ وَتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِمْ : فَهَذَا مِمَّا لَا أُخْبِرُ بِهِ الْمَلِكَ ؛ لِئَلَّا يَضِيقَ صَدْرُهُ ؛ وَلَكِنَّ الَّذِي أَنْصَحُهُ بِهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَسْلَفَ إلَى الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا وَمَالَ إلَيْهِمْ كَانَتْ عَاقِبَتُهُ مَعَهُمْ حَسَنَةً بِحَسَبِ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْخَيْرِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } . وَاَلَّذِي أَخْتِمُ بِهِ الْكِتَابَ الْوَصِيَّةَ بِالشَّيْخِ أَبِي الْعَبَّاسِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْرَى وَالْمُسَاعَدَةِ لَهُمْ وَالرِّفْقِ بِمَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَسَوْفَ يَرَى الْمَلِكُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ كُلِّهِ . وَنَحْنُ نَجْزِي الْمَلِكَ عَلَى ذَلِكَ بِأَضْعَافِ مَا فِي نَفْسِهِ . وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي قَاصِدٌ لِلْمَلِكِ الْخَيِّرَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِذَلِكَ وَشَرَعَ لَنَا أَنْ نُرِيدَ الْخَيْرَ لِكُلِّ أَحَدٍ وَنَعْطِفْ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ وَنَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ وَإِلَى دِينِهِ وَنَدْفَعُ عَنْهُمْ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ . وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يُعِينَ الْمَلِكَ عَلَى مَصْلَحَتِهِ الَّتِي هِيَ عِنْدَ اللَّهِ الْمَصْلَحَةُ وَأَنْ يُخَيَّرُ لَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَيَخْتِمُ لَهُ بِخَاتِمَةِ خَيْرٍ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .(1/262)
وَصَلَوَاتُهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ . وَلَا سِيَّمَا مُحَمَّدٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . - الرسالة القبرصية 28 / 601 – 630 -مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 440)
===========
رسالة شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى الْمَلِكِ النَّاصِرِ بَعْدَ وَقْعَةِ جَبَلِ كسروان
وَكَتَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى الْمَلِكِ النَّاصِرِ بَعْدَ وَقْعَةِ جَبَلِ كسروان بِسَبَبِ فُتُوحِ الْجَبَلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ الدَّاعِي أَحْمَد ابْنِ تيمية إلَى سُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ أَيَّدَ اللَّهُ فِي دَوْلَتِهِ الدِّينَ وَأَعَزَّ بِهَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَمَعَ فِيهَا الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْخَوَارِجَ الْمَارِقِينَ . نَصَرَهُ اللَّهُ وَنَصَرَ بِهِ الْإِسْلَامَ وَأَصْلَحَ لَهُ وَبِهِ أُمُورَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَأَحْيَا بِهِ مَعَالِمَ الْإِيمَانِ وَأَقَامَ بِهِ شَرَائِعَ الْقُرْآنِ وَأَذَلَّ بِهِ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ . سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَإِنَّا نَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَهُوَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا . أَمَّا بَعْدُ . فَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ . وَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى السُّلْطَانِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي دَوْلَتِهِ نِعَمًا لَمْ تُعْهَدْ فِي الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ . وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ فِي أَيَّامِهِ تَجْدِيدًا بَانَتْ فَضِيلَتُهُ(1/263)
عَلَى الدُّوَلِ الْمَاضِيَةِ . وَتَحَقَّقَ فِي وِلَايَتِهِ خَبَرُ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ أَفْضَلُ الْأَوَّلِينَ والآخرين الَّذِي أَخْبَرَ فِيهِ عَنْ تَجْدِيدِ الدِّينِ فِي رُءُوسِ المئين . وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوزِعُهُ وَالْمُسْلِمِينَ شُكْرَ هَذِهِ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ وَيُتِمُّهَا بِتَمَامِ النَّصْرِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْدَاءِ الْمَارِقِينَ . وَذَلِكَ : أَنَّ السُّلْطَانَ - أَتَمَّ اللَّهُ نِعْمَتَهُ - حَصَلَ لِلْأُمَّةِ بِيُمْنِ وِلَايَتِهِ وَحُسْنِ نِيَّتِهِ وَصِحَّةِ إسْلَامِهِ وَعَقِيدَتِهِ وَبَرَكَةِ إيمَانِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَفَضْلِ هِمَّتِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَثَمَرَةِ تَعْظِيمِهِ لِلدِّينِ وَشِرْعَتِهِ وَنَتِيجَةِ اتِّبَاعِهِ كِتَابَ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ : مَا هُوَ شَبِيهٌ بِمَا كَانَ يَجْرِي فِي أَيَّامِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمَا كَانَ يَقْصِدُهُ أَكَابِرُ الْأَئِمَّةِ الْعَادِلِينَ : مِنْ جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ الْمَارِقِينَ مِنْ الدِّينِ وَهُمْ صِنْفَانِ : أَهْلُ الْفُجُورِ وَالطُّغْيَانِ وَذَوُو الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ الْخَارِجُونَ عَنْ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ طَلَبًا لِلْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ وَتَرْكًا لِسَبِيلِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ . وَهَؤُلَاءِ هُمْ التَّتَارُ وَنَحْوُهُمْ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ تَمَسَّكَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ بِبَعْضِ سِيَاسَةِ الْإِسْلَامِ . وَالصِّنْفُ الثَّانِي : أَهْلُ الْبِدَعِ الْمَارِقُونَ وَذَوُو الضَّلَالِ الْمُنَافِقُونَ الْخَارِجُونَ عَنْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُفَارِقُونَ لِلشِّرْعَةِ وَالطَّاعَةِ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ غَزَوْا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ مَنْ أَهْلِ الْجَبَلِ وَالْجُرْد والكسروان . فَإِنَّ مَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ(1/264)
الْفَتْحِ وَالنَّصْرِ عَلَى هَؤُلَاءِ الطَّغَامِ هُوَ مِنْ عَزَائِمِ الْأُمُورِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى السُّلْطَانِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ . وَذَلِكَ : أَنَّ هَؤُلَاءِ وَجِنْسَهُمْ مِنْ أَكَابِرِ الْمُفْسِدِينَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ . فَإِنَّ اعْتِقَادَهُمْ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَهْلَ بَدْرٍ وَبَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَجُمْهُورَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُلَمَاءَهُمْ أَهْلَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبِعَةِ وَغَيْرَهُمْ وَمَشَايِخَ الْإِسْلَامِ وَعُبَّادَهُمْ وَمُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ وَأَجْنَادَهُمْ وَعَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ وَأَفْرَادَهُمْ . كُلُّ هَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ كُفَّارٌ مُرْتَدُّونَ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؛ لِأَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ عِنْدَهُمْ وَالْمُرْتَدُّ شَرٌّ مِنْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ . وَلِهَذَا السَّبَبِ يُقَدِّمُونَ الفرنج وَالتَّتَارَ عَلَى أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ . وَلِهَذَا لَمَّا قَدِمَ التَّتَارُ إلَى الْبِلَادِ وَفَعَلُوا بِعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْفَسَادِ وَأَرْسَلُوا إلَى أَهْلِ قُبْرُصَ فَمَلَكُوا بَعْضَ السَّاحِلِ وَحَمَلُوا رَايَةَ الصَّلِيبِ وَحَمَلُوا إلَى قُبْرُصَ مِنْ خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ وَسِلَاحِهِمْ وَأَسْرَاهُمْ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إلَّا اللَّهُ وَأُقِيمَ سُوقُهُمْ بِالسَّاحِلِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَبِيعُونَ فِيهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ عَلَى أَهْلِ قُبْرُصَ وَفَرِحُوا بِمَجِيءِ التَّتَارِ هُمْ وَسَائِرُ أَهْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ الْمَلْعُونِ مِثْلَ أَهْلِ جَزَيْنَ وَمَا حَوَالَيْهَا . وَجَبَلِ عَامِلٍ وَنَوَاحِيهِ . وَلَمَّا خَرَجَتْ الْعَسَاكِرُ الْإِسْلَامِيَّةُ(1/265)
مِنْ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ ظَهَرَ فِيهِمْ مِنْ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ مَا عَرَفَهُ النَّاسُ مِنْهُمْ . وَلَمَّا نَصَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ النُّصْرَةَ الْعُظْمَى عِنْدَ قُدُومِ السُّلْطَانِ كَانَ بَيْنَهُمْ شَبِيهُ بِالْعَزَاءِ . كُلُّ هَذَا وَأَعْظَمُ مِنْهُ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي خُرُوجِ جنكسخان إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَفِي اسْتِيلَاءِ هُولَاكُو عَلَى بَغْدَادَ وَفِي قُدُومِهِ إلَى حَلَبَ وَفِي نَهْبِ الصالحية وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَدَاوَةِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ . لِأَنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَى ضَلَالِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ . وَمَنْ اسْتَحَلَّ الْفُقَّاعَ فَهُوَ كَافِرٌ . وَمَنْ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَهُوَ عِنْدُهُمْ كَافِرٌ . وَمَنْ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ فَهُوَ عِنْدُهُمْ كَافِرٌ . وَمَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ تَرَضَّى عَنْهُمْ أَوْ عَنْ جَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ : فَهُوَ عِنْدُهُمْ كَافِرٌ . وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِمُنْتَظِرِهِمْ فَهُوَ عِنْدُهُمْ كَافِرٌ . وَهَذَا الْمُنْتَظَرُ صَبِيٌّ عُمْرُهُ سَنَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ خَمْسٌ . يَزْعُمُونَ أَنَّهُ دَخَلَ السِّرْدَابَ بسامرا مِنْ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعمِائَةِ سَنَةٍ . وَهُوَ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ . وَهُوَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ . فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَهُوَ عِنْدُهُمْ كَافِرٌ . وَهُوَ شَيْءٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ . وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الْوُجُودِ قَطُّ . وَعِنْدَهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ حَقِيقَةً فَهُوَ كَافِرٌ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ فَوْقَ(1/266)
السَّمَوَاتِ فَهُوَ كَافِرٌ . وَمَنْ آمَنَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَقَالَ : إنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ يُقَلِّبُ قُلُوبَ عِبَادِهِ وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ عِنْدُهُمْ كَافِرٌ . وَعِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ آمَنَ بِحَقِيقَةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ كَافِرٌ . هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي تُلَقِّنُهُ لَهُمْ أَئِمَّتُهُمْ . مِثْلَ بَنِي الْعُود ؛ فَإِنَّهُمْ شُيُوخُ أَهْلِ هَذَا الْجَبَلِ . وَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَأْمُرُونَهُمْ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَيُفْتُونَهُمْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ . وَقَدْ حَصَلَ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ طَائِفَةٌ مِنْ كُتُبِهِمْ تَصْنِيفُ ابْنِ الْعُود وَغَيْرِهِ . وَفِيهَا هَذَا وَأَعْظَمُ مِنْهُ . وَهُمْ اعْتَرَفُوا لَنَا بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ عَلَّمُوهُمْ وَأَمَرُوهُمْ لَكِنَّهُمْ مَعَ هَذَا يُظْهِرُونَ التَّقِيَّةَ وَالنِّفَاقَ . وَيَتَقَرَّبُونَ بِبَذْلِ الْأَمْوَالِ إلَى مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُمْ . وَهَكَذَا كَانَ عَادَةُ هَؤُلَاءِ الْجَبَلِيَّةِ ؛ فَإِنَّمَا أَقَامُوا بِجَبَلِهِمْ لَمَّا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ مِنْ النِّفَاقِ وَيَبْذُلُونَهُ مِنْ الْبِرْطِيلِ لِمَنْ يَقْصِدُهُمْ . وَالْمَكَانُ الَّذِي لَهُمْ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ . ذَكَرَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ ؛ وَلِهَذَا كَثُرَ فَسَادُهُمْ فَقَتَلُوا مِنْ النُّفُوسِ وَأَخَذُوا مِنْ الْأَمْوَالِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ . وَلَقَدْ كَانَ جِيرَانُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِقَاعِ وَغَيْرِهَا مَعَهُمْ فِي أَمْرٍ لَا يُضْبَطُ شَرُّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ وَيَفْعَلُونَ مِنْ الْفَسَادِ(1/267)
مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا رَبُّ الْعِبَادِ . كَانُوا فِي قَطْعِ الطُّرُقَاتِ وَإِخَافَةِ سُكَّانِ الْبُيُوتَاتِ عَلَى أَقْبَحِ سِيرَةٍ عُرِفَتْ مِنْ أَهْلِ الْجِنَايَاتِ يَرُدُّ إلَيْهِمْ النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ قُبْرُصَ فَيُضَيِّفُونَهُمْ وَيُعْطُونَهُمْ سِلَاحَ الْمُسْلِمِينَ وَيَقَعُونَ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . فَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَسْلُبُوهُ . وَقَلِيلٌ مِنْهُمْ مَنْ يَفْلِتُ مِنْهُمْ بِالْحِيلَةِ . فَأَعَانَ اللَّهُ وَيَسَّرَ بِحُسْنِ نِيَّةِ السُّلْطَانِ وَهِمَّتِهِ فِي إقَامَةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَعِنَايَتِهِ بِجِهَادِ الْمَارِقِينَ أَنْ غَزَوْا غَزْوَةً شَرْعِيَّةً كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَعْدَ أَنْ كُشِفَتْ أَحْوَالُهُمْ وَأُزِيحَتْ عِلَلُهُمْ وَأُزِيلَتْ شُبَهُهُمْ وَبَذَلَ لَهُمْ مِنْ الْعَدْلِ وَالْأَنْصَافِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَطْمَعُونَ بِهِ وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ غَزْوَهُمْ اقْتِدَاءً بِسِيرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِتَالِ الحرورية الْمَارِقِينَ الَّذِينَ تَوَاتَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْرُ بِقِتَالِهِمْ وَنَعَتَ حَالَهُمْ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ . أَخْرَجَ مِنْهَا أَصْحَابُ الصَّحِيحِ عَشَرَةَ أَوْجُهٍ : مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الخدري وَسَهْلِ بْنِ حنيف وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيّ وَرَافِعِ بْنِ عَمْرِو وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ فِيهِمْ : { يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا(1/268)
يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ؛ لَئِنْ أَدْرَكْتهمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ . لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ مَاذَا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَكَلُوا عَنْ الْعَمَلِ . يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانَ . يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ . خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ } . وَأَوَّلُ مَا خَرَجَ هَؤُلَاءِ زَمَنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَكَانَ لَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لِعُمُومِ الصَّحَابَةِ ؛ لَكِنْ كَانُوا خَارِجِينَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ . وَقَتَلُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خباب وَأَغَارُوا عَلَى دَوَابِّ الْمُسْلِمِينَ . وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ كَانُوا أَقَلَّ صَلَاةً وَصِيَامًا . وَلَمْ نَجِدْ فِي جَبَلِهِمْ مُصْحَفًا وَلَا فِيهِمْ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ ؛ وَإِنَّمَا عِنْدَهُمْ عَقَائِدُهُمْ الَّتِي خَالَفُوا فِيهَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَبَاحُوا بِهَا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ . وَهُمْ مَعَ هَذَا فَقَدْ سَفَكُوا مِنْ الدِّمَاءِ وَأَخَذُوا مِنْ الْأَمْوَالِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى . فَإِذَا كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدْ أَبَاحَ لِعَسْكَرِهِ أَنْ يَنْهَبُوا مَا فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ مَعَ أَنَّهُ قَتَلَهُمْ جَمِيعَهُمْ كَانَ هَؤُلَاءِ أَحَقَّ بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ . وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَأَوِّلِينَ الَّذِينَ نَادَى فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ(1/269)
يَوْمَ الْجَمْلِ : أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ مُدْبِرَهُمْ وَلَا يُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يَغْنَمُ لَهُمْ مَالًا وَلَا يَسْبِي لَهُمْ ذُرِّيَّةً . لِأَنَّ مِثْلَ أُولَئِكَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ سَائِغٌ وَهَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ سَائِغٌ . وَمِثْلَ أُولَئِكَ إنَّمَا يَكُونُونَ خَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ . وَهَؤُلَاءِ خَرَجُوا عَنْ شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ . وَهُمْ شَرٌّ مِنْ التَّتَارِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ ؛ لَكِنَّ التتر أَكْثَرُ وَأَقْوَى . فَلِذَلِكَ يَظْهَرُ كَثْرَةُ شَرِّهِمْ . وَكَثِيرٌ مِنْ فَسَادِ التتر هُوَ لِمُخَالَطَةِ هَؤُلَاءِ لَهُمْ كَمَا كَانَ فِي زَمَنِ قازان وَهُولَاكُوَ وَغَيْرِهِمَا ؛ فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَضْعَافَ مَا أَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ . وَأَرْضِهِمْ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ . وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ : إنَّ الرَّافِضَةَ لَا حَقَّ لَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا جَعَلَ الْفَيْءَ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } فَمَنْ لَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ سَلِيمًا لَهُمْ وَلِسَانُهُ مُسْتَغْفِرًا لَهُمْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ . وَقُطِعَتْ أَشْجَارُهُمْ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاصَرَ بَنِي النَّضِيرِ قَطَعَ أَصْحَابُهُ نَخْلَهُمْ وَحَرَّقُوهُ . فَقَالَ الْيَهُودُ : هَذَا فَسَادٌ . وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ(1/270)
تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } } . وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الشَّجَرِ وَتَخْرِيبِ الْعَامِرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ . فَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ قَتْلِ النُّفُوسِ وَمَا أَمْكَنَ غَيْرُ ذَلِكَ . فَإِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَحْضُرُوا كُلُّهُمْ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي اخْتَفَوْا فِيهَا وأيسوا مِنْ الْمَقَامِ فِي الْجَبَلِ إلَّا حِينَ قُطِعَتْ الْأَشْجَارُ . وَإِلَّا كَانُوا يَخْتَفُونَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهِمْ . وَمَا أَمْكَنَ أَنْ يَسْكُنَ الْجَبَلَ غَيْرُهُمْ ؛ لِأَنَّ التُّرْكُمَانَ إنَّمَا قَصْدُهُمْ الرَّعْيُ وَقَدْ صَارَ لَهُمْ مَرْعًى وَسَائِرُ الْفَلَّاحِينَ لَا يَتْرُكُونَ عِمَارَةَ أَرْضِهِمْ وَيَجِيئُونَ إلَيْهِ . فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَسَّرَ هَذَا الْفَتْحَ فِي دَوْلَةِ السُّلْطَانِ بِهِمَّتِهِ وَعَزْمِهِ وَأَمْرِهِ وَإِخْلَاءِ الْجَبَلِ مِنْهُمْ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ . وَهُمْ يُشْبِهُونَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ : { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } { وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ } { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } { مَا قَطَعْتُمْ(1/271)
مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } . وأيضا فَإِنَّهُ بِهَذَا قَدْ انْكَسَرَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالنِّفَاقِ بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ مَا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَاتِ السُّلْطَانِ وَيَعِزُّ بِهِ أَهْلَ الْإِيمَانِ .
فَصْلٌ تَمَامُ هَذَا الْفَتْحِ وَبَرَكَتُهُ تُقَدِّمُ مَرَاسِمَ السُّلْطَانِ بِحَسْمِ مَادَّةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَإِقَامَةِ الشَّرِيعَةِ فِي الْبِلَادِ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَهُمْ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْإِخْوَانِ فِي قُرًى كَثِيرَةٍ مَنْ يَقْتَدُونَ بِهِمْ وَيَنْتَصِرُونَ لَهُمْ . وَفِي قُلُوبِهِمْ غِلٌّ عَظِيمٌ وَإِبْطَانُ مُعَادَاةٍ شَدِيدَةٍ لَا يُؤْمِنُونَ مَعَهَا عَلَى مَا يُمْكِنُهُمْ . وَلَوْ أَنَّهُ مباطنة الْعَدُوِّ . فَإِذَا أَمْسَكَ رُءُوسَهُمْ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ - مِثْلَ بَنِي الْعُود - زَالَ بِذَلِكَ مِنْ الشَّرِّ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ . وَيَتَقَدَّمُ إلَى قُرَاهُمْ . وَهِيَ قُرًى مُتَعَدِّدَةٌ بِأَعْمَالِ دِمَشْقَ وَصَفْدَ ؛ وَطَرَابُلُس ؛ وَحَمَاةَ وَحِمْصَ وَحَلَبَ : بِأَنْ يُقَامَ فِيهِمْ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ . وَالْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَيَكُونُ لَهُمْ خُطَبَاءُ وَمُؤَذِّنُونَ كَسَائِرِ قُرَى الْمُسْلِمِينَ وَتُقْرَأُ فِيهِمْ الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ وَتُنْشَرُ فِيهِمْ الْمَعَالِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَيُعَاقَبُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِالْبِدْعَةِ وَالنِّفَاقِ بِمَا تُوجِبُهُ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُحَارِبِينَ وَأَمْثَالَهُمْ قَالُوا : نَحْنُ قَوْمٌ جُهَّالٌ . وَهَؤُلَاءِ كَانُوا يُعَلِّمُونَنَا وَيَقُولُونَ لَنَا : أَنْتُمْ إذًا قَاتَلْتُمْ هَؤُلَاءِ(1/272)
تَكُونُونَ مُجَاهِدِينَ وَمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فَهُوَ شَهِيدٌ . وَفِي هَؤُلَاءِ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يُقِرُّونَ بِصَلَاةِ وَلَا صِيَامٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا يُحَرِّمُونَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ . مِنْ جِنْسِ الإسماعيلية والنصيرية وَالْحَاكِمِيَّةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَهُمْ كُفَّارٌ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . فَتَقَدَّمَ الْمَرَاسِيمُ السُّلْطَانِيَّةُ بِإِقَامَةِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ : مِنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَبْلِيغِ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُرَى هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَالِحِ الْإِسْلَامِيَّةِ . وَأَبْلَغِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . وَذَلِكَ سَبَبٌ لِانْقِمَاعِ مَنْ يباطن الْعَدُوَّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَدُخُولهمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَهُوَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يُعِينُ اللَّهُ بِهَا عَلَى قَمْعِ الْأَعْدَاءِ . فَإِنَّ مَا فَعَلُوهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ " سِيسَ " نَوْعٌ مِنْ غَدْرِهِمْ الَّذِي بِهِ يَنْصُرُ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ . وَفِي ذَلِكَ لِلَّهِ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَنُصْرَةٌ لِلْإِسْلَامِ جَسِيمَةٌ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إلَّا أُدِيلَ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ . وَلَوْلَا هَذَا وَأَمْثَالُهُ مَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعَزْمِ بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَلِلْعَدُوِّ مِنْ الْخِذْلَانِ مَا يَنْصُرُ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُذِلُّ بِهِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ . وَاَللَّهُ هُوَ الْمَسْئُولُ أَنْ يَتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَى سُلْطَانِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً وَعَلَى(1/273)
عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً . وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 413) ومجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 398)
================
رسالة من المحاكم الإسلامية إلى الأمم المتحدة
حسن طاهر أويس*
16/4/1428هـ الموافق له 03/05/2007م
كنت أتحدث عن العدل دائماً، وأحب العدل لنفسي ولغيري، ولكن فوجئت عندما قال لي أحد رجال الأمم المتحدة: "أراك تهتم دائماً بالعدل، ويكثر كلامك حوله، ولكن اعلم أن ليس في دنيا اليوم عدل"، ثم تحقق ذلك عندي بعدما قامت المحاكم الإسلامية بما قامت به، وكان مما قمنا به يستحق من العالم الجائزة العالمية (نوبل للسلام)، بل كان يستحق ذلك أن يكون المثل الأعلى للعالم كله.
ولكن جريمتنا أننا مسلمون، وبنينا ما بنيناه على قواعد الإسلام وشرعه ((وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ))[البروج:8]، ((وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا))[الأعراف: من الآية126].(1/274)
ثم نظرت إلى الوضع العالمي اليوم فوجدت أن ليس للمسلمين فيه عدل ولا كرامة، ولا حتى حرية القول، بل ليس لهم حق في الحياة، ولا يدافع عنهم إلا الله الواحد القهار، وليس لهم حق الدفاع عن أنفسهم، وما يقومون به من الدفاع عن كرامتهم في نظر الآخرين فهو عين الإرهاب، انظر إلى شعب فلسطين؛ اغتصبت أرضهم وأموالهم، وهجّر أهلهم، وإذا قاوموا الاحتلال الإسرائيلي فذلك إرهاب، وما تقوم به إسرائيل فهو دفاع عن النفس، وفي العراق تجد العجب العجاب!!؛ هي دولة عضو في الأمم المتحدة، غزتها دول أخرى من غير وجه حق، ويقتل أهلها، وتُنهب ثرواتها، وتهدر كرامة شعبها، ولا يوجد من العالم حتى الاستنكار، بل المباركة، والاستنكار على المقاومة، وكذلك الأفغان، وغيرهم كثير.
وما وقع على العالم الإسلامي - وإن خالف النظام الدولي - فهو جائز على المسلمين مثل ما حدث في الصومال عندما غزتها إثيوبيا منتهكة النظام الدولي، بل مع المباركة الدولية لما قامت به في الصومال خارج اعتبار الشرعية الدولية، والرغبة الشعبية، والمصلحة العامة للأمة الصومالية، وإن نتج عن ذلك قتل آلاف، وذبح آلاف، وتهجير الملايين، وهدم البنية التحتيّة للبلد، ويعتقدون أن الإنجاز الذي قام به المسلمون هو الفساد عندهم، والإفساد الذي يقوم به غيرهم هو الإصلاح، فيجب هدم ما بناه الإسلام، ولا يهمهم البناء بعد ذلك.
إذن الأمم المتحدة التي كان الناس يظنون أنها المسؤولة عن الدفاع عن حقوق الشعوب، وأعطاها المسلمون ثقتهم ردحاً من الزمن؛ انقلبت عليهم "أي على المسلمين"، فأصبحت ترخص لغزو البلدان الإسلامية واحداً تلو الآخر.
ألا يحق لنا أن نحجب ثقتنا عنهم؟ وننشد العدل والكرامة لأنفسنا ما لم تراجع سياستها تجاهنا، وتساهم في وقف العدوان علينا؟ والحق أحق أن يتبع، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!(1/275)
قضية الصومال: سياسية، وليست أمنية، ولا اجتماعية، ولا اقتصادية، والصوماليون أمة واحدة، وليس فيهم إثنيات قومية، ولا دينية، ولا مذهبية، بل هم أسرة واحدة، ولكنهم قبائل ربما يحدث بينهم قتال في بعض الأوقات ولكنه غير دائم، وينتهي أخيراً بالإصلاح السياسي، وهذه طبيعة المجتمع القبلي، وليست هذه مشكلة كبيرة، وربما أثّر في ذلك التنافس على كرسي الحكم كما حدث في التسعينيات، ولم يكن في ذاته مشكلة غير قابلة للحل لولا تدخل القوى الأجنبية ذات المصالح المختلفة.
ويُقال إن الصومال من الدول التي لا تلتقي فيها مصالح الدول، حتى الدول المتفقة الموقف في الظاهر متضاربة المصالح كإثيوبيا، وأمريكا، وأوروبا، وإفريقية، وكل هؤلاء قلما تتفق مصالحهم في الصومال، حتى انتهى الأمر إلى التدخل السافر لإثيوبيا وأمريكا، ومباركة الأمم المتحدة والعالم كله؛ ظناً منهم أن المشكلة تنتهي بهذا التدخل، وهذا وهم كبير جداً، وعدم معرفة بأصول المشكلة الصومالية.
أما القضية الصومالية:- فمبنية على ((فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))[الأنفال: من الآية1] فأصل قضية الصومال مبنية على هذه الآية الكريمة وهي تقوى الله، أي طاعة الله، ورسوله، وهو التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، وبغير ذلك فلن تُحلّ المشكلة الصومالية؛ لأن الصومال بلد مسلم 100%، ولا يمكن معالجة الداء بداء آخر، والدواء المناسب للصومال هو الإسلام، وإصلاح ذات البين عن طريق إقامة العدل في الحكم فيما بينهم، وتوزيع السلطة، مع زرع الثقة بين القبائل، وأهل الحكم والقضاء، ولا يوجد عدل يسع الجميع إلا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.(1/276)
القوات الأجنبية: سواء الإثيوبية، أو الإفريقية، أو الأممية، لن تغني شيئاً؛ لأن القضية ليست قضية أمن، بل قضية إرادة سياسية، سلطوية، مبدئية، ولا يستطيع أحد فرض إرادته على أحد.
الحكومة المؤقتة: لا تستطيع أن تحل المشكلة الصومالية؛ لأنها ضعيفة البنية، عديمة المبادئ والقدرة، منبوذة من المجتمع، وعميلة للعدو، فلا يُرجى منها خير أصلاً، فإرغام الشعب عليها لا يأتي ثماره المرجوة، بل يوجد العداء فيما بين الناس من جديد، وأشد مما كان من قبل، أضف إلى ذلك أنه ليس عندهم أفق سياسي واسع يجمع بين الفرقاء الصوماليين.
حل المشكلة الصومالية: يكمن في الخطوات التالية:
1. عدم إرسال القوات الأممية المزمع نشرها في الصومال من الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي؛ لأنهم وإن كانوا خلفاً لإثيوبيا فالشعب الصومالي يقاتلهم، ولا يرحب بهم، وإن جاؤوا لتأييد الحكومة المؤقتة، فلابد من استمرار القتال أيضاً.
2. إخراج القوات الإثيوبية من الأراضي الصومالية؛ لأنهم أعداء وليسوا أصدقاء، بل هم قتلة شعبنا، ومستعمرو بلادنا، ومفرقو أمتنا، ولا يرجى من العدو أي إصلاح، ولا يأتي منه إلا التخريب والدمار.
3. جمع كل من يهتم بالقضية الصومالية من جميع النواحي، ومن كل الفئات، في مكان محايد وآمن، ومن ثم تنفيذ ما اتفقوا عليه، ومساعدتهم عالمياً من غير إملاء شروط خارجة عن مصالحهم، ثم بعد ذلك يأتي البناء وإعمار البلد، وحل القضايا الخلافية بين الصومال ودول الجوار بالوساطة الحميدة.
_________________________________________
* رئيس مجلس شورى المحاكم الإسلامية في الصومال.
http://www.islamtoday.net:المصدر
================
إلى كل فتاة .. رسالة هامة
حسام نبيل
smsmonline@hotmail.com
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… وبعد...(1/277)
فضلاً منكِ قبل أن تقرأي هذه الرسالة، كوني على يقين من أننا كلنا ننسى ونُخطئ، ولكن ليس من الحكمة أن تحزني إذا ذكَّر بعضنا بعضاً، فهل يضايقكِ أن تعيريني قلبكِ المطمئن وعقلكِ الفاهم دقائق لقراءة هذه الرسالة؛ عسى أن تجدى في النهاية ما تبحثين عنه!!!
بداية: أختي الفاضلة إن المصارحة قد تكون مُرَّة الطعمِ؛ لكن نتائجها محمودة وقد ذُقنا شُؤم دفن الأخطاء باسم المجاملة، فآمل أن يتسع صدركِ لسماع ما أقول.يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، فقالوا يا رسول الله: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى » (البخاري).
وقال أيضاً - صلى الله عليه وسلم -: « سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، علي رُؤُسُهنِّ كأسنمةِ البُختِ، العنوهُنَّ فإنهن الملعونات » (صحيح) ومعنى كاسيات عاريات أي كاسيات في الصورة، عاريات في الحقيقة؛ لأنهن يلبسن ملابس لا تستر جسداً ولا تخفي عورة، فالغرض من اللباس الستر فإذا لم يستر اللباس كان صاحبه عارياًَ. وهذا ينطبق تماماً على كل الملابس الضيقة والمفتوحة. ومعنى على رؤسهن كأسنمة البخت: أي يصففن شعورهن من فوق رؤسهن حتى تصبح مثل سنام الجمل. وقال الله - تعالى -: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يُؤذَين} وهذا أمر صريح من الله - تعالى -بالحجاب وأتى في صورة أمر إلى النبي لأهميته، فلو لم يكن الحجاب الشرعي أو الزي الإسلامي ذا أهمية كبيرة -كما يظن البعض - فهل يأمر به الله على هذا الشكل؟ وإذا كان الظاهر غير مهم فهل يأمرنا ربنا بأشياء غير ضرورية؟!!
فمن هذا المنطلق نبُيِّن لكم بعض الأحكام التي تُبَصِّرُكِ بمظاهر التبرج؛ فاجتنبيها:
أولاً: حكم لبس المرأة البنطلون..(1/278)
أفتى الشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية بما يلي: "لا يجوز للمرأة أن تلبس ما فيه تشبه بالرجال أو تشبه بالكافرات، وكذلك لا يجوز لها أن تلبس اللباس الضيق الذي يبين تقاطيع بدنها ويسبب الافتتان بها، والبناطيل فيها كل هذه المحاذير فلا يجوز لبسها. " وكما أفتى الشيخ صالح العثيمين أنه " لا يجوز لبس البنطلون حتى لو كان البنطلون واسعاً فضفاضاً لأن تَمَيُّز رِجْل عن رِجْل يكون به شئ من عدم الستر، ولأن البنطال من لباس الرجال. "
وقد أفتت دار الإفتاء المصرية بما يلي: " لبس المرأة للبنطلون الضيق المُفصِّل لجسدها حرام شرعاً وأن عقوبة التبرج والسفور في الآخرة عقوبة شديدة مثل عقوبة تارك الصلاة أو الزكاة؛ لأن الحجاب واجب شرعي، والتبرج والسفور من الكبائر المحرمة شرعاً إذْ أنهما يؤديان إلى انتشار الفساد والفاحشة. "
وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: « لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الرجلَ يلبسُ لِبْسَةَ المرأةِ، والمرأةَ تلبس لِبْسَة الرجل » رواه أبو داود بإسناد صحيح، وصححه الألباني. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « ثلاثٌ لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمرأة المُتَرَجِّلة المتشبهة بالرجال، والدَيُّوث » (الحديث صحيح)
ثانياًُ: حكم المرأة التي تخرج متعطرة..
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها؛ فهي زانية » رواه أبو داود، و النسائي.
ثالثاً: حكم المرأة التي ترقق حواجبها.. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « لعن الله الواشمات، والمُستوشمات، والنامصات، والمُتنمصات، والمُتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله » متفق عليه. والنامصة: هي من ترقق الحاجبين للنساء، والمتنمصة: هي من يتم ترقيق حواجبها.(1/279)
رابعاً: تبرج المرأة بصوتها أو مشيتها.. قال - تعالى -: {يا نساء النبي لستُنَّ كأحد من النساء إن اتقيتُنَّ فلا تخضعنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولاً معروفاً} [الأحزاب: 32]. ولا تخضعن بالقول: أي لا تُلن القول، ولا يكن في صوتكن ميوعة الأنوثة عندما تخاطبن الرجال. وقال - تعالى -: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} وذهب ابن كثير، إلى أن المرأة منهية عن كل شئ يلفت النظر إليها أو يحرك شهوة الرجال نحوها.
خامساً: التبرج المُقَنَّع.. فقد رأى أعداء الصحوة الإسلامية أن يتعاملوا مع الحجاب الشرعي بطريقة خبيثة؛ فراحوا يروجون صوراً متنوعة من الحجاب على أنها حل وسط ترضي المحجبة به ربها زعموا!!! - وفي نفس الوقت تساير مجتمعها، وتحافظ على أناقتها. وكانت بيوت الأزياء قد أشفقت من بوار تجارتها؛ بسبب انتشار الحجاب الشرعي، فمن ثَمّ أغرقت الأسواق بنماذج ممسوخةٍ من التبرج تحت اسم (الحجاب العصري) وأحرجت ظاهرة الحجاب الشرعي طائفة من المتبرجات اللائي هرولن نحو (الحل الوسط)؛ تخلصاً من الحرج الاجتماعي الضاغط، الذي سببه انتشار الحجاب الشرعي، وبمرور الوقت تفشت ظاهرة (التبرج المقنع) المسمى بالحجاب العصري، يحسب صويحباته أنهن خير البنات والزوجات؛ لذا فيا صاحبة الحجاب العصري: حذار أن تصدقي أن حجابك هو الشرعي الذي يرضي ربك، وإياك أن تنخدعي بمن يبارك عملك هذا، ويكتمكِ النصيحة ولا تغتري فتقولي: " إني أحسن حالاً من صويحبات التبرج الصارخ" فإنه لا أسوة في الشر، فعليك أن تقتدي بأخواتك الملتزمات بالحجاب الشرعي بشروطه.(1/280)
سادساً: ماذا عن الوجه؟ اتفق العلماء على وجوب تغطية الوجه في مثل هذا الزمن الذي كثرة فيه الفتنة، وكثر فيه الفساق الذين لا يتورعون عن النظر المحرم. ويقول - تعالى -: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]، ويقول ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: يُقسم الله - تعالى -بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهراً و باطناً، وإذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حكمت به؛ فينقادون له في الظاهر والباطن لذلك فهو تسليم كلي، من غير ممانعة، ولا مدافعة، ولا منازعة. والخلاصة: أن أبواب التبرج محدودة، ويسهل تفاديها وهي لبس القصير أو الضيق أو الرقيق أو المزين اللافت للنظر، وعلينا أن نرسي مبدأً هاماً، وهو أن الإسلام هو الاستسلام، والإذعان والانقياد، لأمر الله - تعالى -، إذاً يكون موضع البحث هو التأكد من أن هذا التكليف قد ورد في كتاب الله أو في سنة رسول الله. فهيا أختاه نعود إلى رضا الله الذي خلقنا بيده، ونفخ فينا من روحه، فهذا الحجاب أمر به الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله - تعالى -: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنةِ إذا قضى الله ورسولُه أمراً، أن يكون لهم الخِيَرةُ من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً} [الأحزاب: 32]، أي أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء؛ فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحدهم لا برأي ولا بقول.(1/281)
إذاًً المسألة ليست مسألة اقتناع، بقدر ما هي مسألة إيمان وامتثال لأمر الله. وإنا لعلى يقين من وجود الخير داخلك، فإنك ما تقومين بمعصية الله عن قصد، وإنما هي فطرتك في حب الظهور بمظهر الجمال والتناسق ومسايرة أقرانك، ولكن ما دام هذا يثير الفتنة ويغضب ربك ويؤدي للإساءة إليك؛ باعتبار التبرج قرينة تشير إلى سوء النية وخبث الطوية، مما يعرضك لأذى الأشرار والسفهاء، كما تقومين بتسهيل معصية الزنا بالعين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « العينان زناهما النظر » رواه مسلم، فعليك ألا تُصِّري على ذلك. فهيا انضمي إلينا؛ ليُكَثِّرَ بعضُنا بعضاً. واعلمي أن حجابك يَبُث الرعبَ في قلوب أعداء الإسلام. وتحتَجُّ بعض الفتيات حين تنهاها عن التبرج أو تأمرها بالحجاب الشرعي، أنها مقتنعة تماماً، لكن شهوة المظهر تغلبها، وهي لا تستطيع ضبط نفسها. وقد يبدو العذر منطقياً لدى البعض لأول وهلة، ولكن حين تراها في شهر رمضان وقد التزمت بعض الشيء -وهو سلوك محمود ولا شك- يدل على أنها تملك القدرة على ضبط نفسها و الانتصار على شهوة المظهر. أختاه تخيلي بعض الملتزمات في عقلك، واسألي نفسك هذا السؤال: ألا أستطيع أن أكون واحدة من هؤلاء؟ كيف نجحوا وهم يعيشون في المجتمع نفسه، ولهم شهوات وأمامهم عوائق كما أن لي شهوات وأمامي عوائق فقد كان العديد من الفتيات في طريق التبرج ثم منَّ الله عليهن بالهداية؛ فتبدلت أحوالهن وتغيرت و سرن في رِكاب الصالحات الطائعات، وربما كانت زميلة لك... فكيف ينجحن في اجتياز هذه العقبة وتفشلي أنت؟! ولماذا استطعن التوبة ولم تستطيعي أنت؟ إن العوائق عند الكثير من الفتيات عن التوبة والالتزام ليس عدم الاقتناع، بل هو شعور بعدم القدرة على التغير. أفلا تُعتبر هذه الفتاة الملتزمة نموذجاً لك، ودليل على أن عدم القدرة لا يعدو أن يكون وهماً نصطنعه؟!! فماذا يمنع أن تكوني أنت واحدة من هؤلاء؟ وما الذي يحول بينك وبين(1/282)
ذلك؟ فأعيدي الحسابات، وصححي الطريق، ولا تكوني ممن تقتنع بخطأ طريقها وتتمنى التغيير؛ لكنها تنتظر المناسبة ألا وهي أن يموت قريب لها، أو تُصاب بحادث فتَتَّعِظ؛ فيهزها الموقف فيدعوها للتوبة!! ولكن ماذا لو كانت هي ذلك الميت فيتعظ بها غيرها؟ أو كان الحادث الذي تنتظره ليردها إلى التوبة فيه نهايتها؟!! أختي الفتاة ليس للإنسان في الدنيا إلا فرصة واحدة، فالأمر لا يحتمل المخاطرة. يقول الله - تعالى -: {إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} [النور: 51](1/283)
فهناك غائب ينتظرك وليس له وقت محدد، إنه الموت.. نعم الموت، قد يأتي وأنت تأكلين أو تشربين أو نائمة، وربما وأنت تضحكين أو تلعبين... فاتقى الله، فمهما تهربين منه فإنه ملاقيك {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} ماذا أعددتِ له؟.. ماذا عمِلتِ للفوز برضا الله؟ قولي لي بربك.. كيف ترتاح نفسك وأنت عاصية لله؟ أم كيف يطمئن قلبك، أم كيف يرضى ضميرك عما أنت فاعلته؟!! أما استشعرتي عظمة الجبار؟! أما تخافين غضب القهار.. ؟!! نعم لقد أغضبتِ مولاك من أجل هواكِ، من أجل أن يُقال فلانة جميلة.. وليكن ذلك فقد قيل. ثم ماذا. ثم تُلعنين؟!! إلى متى وأنت في غفلة.. ؟ إلى متى وأنت تقولين غداً أتوب! غداً أرجع إلى ربي! غداً أخلع كل المنكرات و أقوم بكل الصالحات... !!! إلى متى؟!! أختي الغالية كوني شجاعة ولا تترددي، اتخذي القرار، واسلكي طريق الصالحات، ولا تغتري بكثرة الهالكات فعمل الناس ليس هو الحكم يقول الله - تعالى -: {وإن تُطِع أكثر من في الأرض يُضلوكَ عن سبيل الله} وقول الله - تعالى -: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون} [المائدة: 100]، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » واعلمي أن الله - عز وجل - يفرح بتوبة عبده، ويبدل له السيئات حسنات عند رجوعه إليه {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً} [الفرقان: 70](1/284)
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « للهُ أشدُّ فرَحاً بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة (الصحراء الخالية) معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال أَرجعُ إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده » أخرجه البخاري ومسلم. و عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « قال الله - عز وجل - يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، ابن آدم لو أتيتني بِقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتُك بقُرابها مغفرة » أخرجه الترمذي.(1/285)
أختاه... إن فيما أوضحته لك ما يكفي لإقناعك بالمنطق السليم الذي لا التواء فيه؛ بأن إتباع شريعة الله - تعالى -لا يضمن لك بلوغ مرضاة الله فحسب، بل هو يضمن لك إلى جانب ذلك تحقيق أسباب سعادتك الدنيوية كلها، فقد بدا من النادر أن توجد امرأة مسلمة ترتدي الزى الإسلامي قد جاوزت سن الخامسة والعشرين دون زواج، فالزواج سنة الله، وما عند الله لا يُنال إلا بطاعته. أمَا وقد تبين لك كل ذلك؛ فقد آن لك أن تنهضي للاستجابة لحكم مولاك العظيم، وأن تصطلحي مع الله - عز وجل - بعد طول نسيان وتنكر له، ودعك من انتقاد الناس وحسابهم، فإن حساب الله غداً أشد وأعظم. تَرَّفعي عن السعي إلى مرضاتهم وتحقيق أهوائهم فإن التسامي إلى مرضاة الله أسعد لك وأسلم، ولسوف تجدين وأنت تعزمين على الرجوع إلى صراط الله من يحاول أن يرهق مشاعرك تخديراً تحت وطأة هذه التقاليع التي أحاطت بك، كما تحيط خيوط العنكبوت بضحيتها الحبيسة. أما نحن فنذكرك بقول الله - تعالى -{يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين} وستجدين من يُذَكِّرك بجمال هذه الدنيا، ومغريات الارتواء من لذَّاتها وزينتها، ولكني أذكرك بخطورة عقابها وجسامة ما ينتظرك من آثارها. كلمة أخيرة نتوجه بها إلى اللواتي استيقنت أفئدتهن الحق الذي بيَّناه، غير أن الواحدة منهن تشعر ببعد النَّقلة بين الواقع الذي تعيش فيه والحق الذي آمنت به، فتركَنُ آسفةً إلى الوضع الذي تعيش فيه، وتعتذر بأنها عاجزة عن مثل هذا القفز البعيد، وهكذا فهناك الكثير ممن ليس يلتزمن بالزي الإسلامي ما يمنعهن من السعي إلى إصلاح حالهن، إلا ما يرونه من بعد الفجوة وعمقها بين الكمال الذي يسمعون عنه، والواقع الذي يعيشون فيه، ولكن هذا التصور خاطئ، فإن الفاصل بين الحق والباطل إنما يتمثل في الفرق بين أبعد طرف عن الباطل وأول درجة من درجات الحق، وفرق ما بينهما لفتة(1/286)
صغيرة وحركة بسيطة، إذا فالحق هو سلّم ذو درجات متقاربة، تبدأ أولها عند طرف الباطل الذي تعيشين فيه، وتقف الدرجة الأخيرة عند نهاية الكمال الذي يشدك إلى تشريع الله وحكمه.. إذا فالمطلوب منك بعد أن انتبهت إلى الحق وآمنت به أن تتحركي صاعدة في درجاته، لا أن تقفزي قفزة واحدة إلى نهايتها. فإذا كنت لا تملكين من الطاقة أو الإرادة أو الظروف المساعدة، ما تفرضين به على نفسك حجاباً سابغاً للجسم والوجه، فلتفرضي على نفسك ما دون ذلك مما تساعدك عليه الظروف والأحوال، وإذا كنت لا تجدين طاقة كافية لتغيير أي شيء من لباسك وهيئتك، مهما كانت منحرفة وبعيدة عن الله - عز وجل -، فلتفرضي على نفسك ما دون ذلك أيضاً من أداء العبادات المفروضة، وتلاوة شئ من كتاب الله بتدبر خلال كل صباح ومساء، وإذا كنت عاجزة حتى عن ذلك فلتفرضي على نفسك ما دون ذلك من استشعار خطورة الحال التي أنتِ فيها والالتجاء إلى الله - تعالى -بقلب صادق واجف، تسألينه العون والقوة واستعيني في ذلك بالبكاء والتضرع إلى الله، واعلمي - وفقك الله - أنه ما سار إنسان أبداً إلى الحق بادئاً بخطوة من هذه الخطى متجهاً إلى الله بصدق وعزم، إلا وفقه الله - تعالى -في السير إلى نهاية الطريق والوصول إلى مجامع ذلك الحق. واعلمي أن المصيبة كل المصيبة، أن تعلمي الحق وتؤمني به، ثم لا تتجهي إليه بخطوة أو بعزم كأن الأمر ليس مما يعنيك في شئ، أو كأن الذي شرع هذا الحق و أمر به لن تطولك يده، ولن يبلغ إليك بطشُه وسلطانُه، مثل هذا الحال يعتبر أعظم سبب لاستمطار غضب الله - تعالى -والتعجيل بعقوبته، وعقوبة الدنيا هنا لا تتمثل في بلاء عاجل يحيق بالإنسان، وإنما تتمثل في انغلاق العقل وقسوة القلب، فلا يؤثر في أحدهما تذكير ولا تخويف ولا تنبيه مهما كانت الأدلة واضحة والنُذُر قريبة... حتى إذا جاءه الموت تخطّفَه وهو على هذا الحال، فينقلب إلى الله - تعالى -وقد تحول انغلاق عقله وقسوة(1/287)
قلبه إلى ندم يحرق الكبد، وقت لا ينفع الندم ولا رجوع فيه إلى الوراء. وقد عبر الله - تعالى -عن هذه العقوبة وسببها بقوله: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكِنَّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبدا} فإذا كنتِ تؤمنين بالله فلا ريب أنك تؤمنين بشريعته واليوم الآخر الذي هو يوم الجزاء والحساب، وإن من مستلزمات هذا الإيمان أن تضعي الكلام الذي سردته عليك في هذه الرسالة، موضع الجد والاهتمام من تفكيرك، حتى إذا أيقنتِ أنني لم أخدعك بباطل من القول ولم أضع بين يديك إلا الحقيقة الصافية التي يتمثل فيها حكم الله - عز وجل -، فإن عليك أن تنهضي إلى تطبيق هذا الحكم بالسير في مراحله المتدرجة فإن رأيت أن حبال الدنيا وأهوائها، وتقليد الصديقات والقريبات تشدك إلى الخلف وتصدك عن النهوض بأمر الله، فلا أقل من أن تفيض الحسرة في قلبك، فيسوقك الألم إلى باب الله - تعالى -وأعتاب رحمته لتعرضي له ضعفك و تجأري إليه بالشكوى أن يَهَبَكِ من لَدُنه قوةً وتوفيقاً، وأن يمنحك العون؛ لتتحرري عن سلطان نفسك وسلطان التقاليد والعادات وسلطان الأقارب والصديقات. أما إن لم ينهض بك الإيمان إلى هذا ولا إلى ذاك، ولم يتحرك القلب الذي وراء ضلوعك بأى تأثر واهتمام لكل هذا الذي حدثتك به، فلتكوني في شك من إيمانك بوجود الله - تعالى -، ولتعلمي أنك تسيرين - إن استمر بك الحال - إلى نهاية رهيبة ليس منها مخلص ولا مفر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « ما تركت بعدى فتنة أضَّر على الرجال من النساء »
متفق عليه.
فاعلمي أنه ما من شاب يُبتلى منك اليوم بفتنة تُغريه، أو تُشغل له باله، وكان بوسعك أن تجعليه في مأمن منها، إلا أعقبك منها غداً نَكالٌ من الله عظيم. ا. هـ. أسأل الله لي و لكِ الهداية و التوفيق، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
3/3/2007م(1/288)
http://www.islamselect.com المصدر:
============
إعدام صدام رسالة طائفية سوداء
خالد السيد
12 ذو الحجة 1427هـ الموافق له 1- 1- 2007م
تبدت الوحشية الطائقية الشيعية في أسوأ صورها عندما اختارت لحظة إعدام صدام حسين هي لحظة النحر في يوم عيد الأضحى الذي ينتظره المسلمون في العالم أجمع، ويمثل لهم قيمة عظمى، ورمزاً كبيراً في دينهم.
وخالفت الطائفية الشيعية إجماع المسلمين في مشارق الدنيا ومغاربها، إذ تعمدت تغيير يوم أضحاها من السبت إلى الأحد، معلنة أن المسلمين في العالم كله في جانب، وأن الشيعة الاثنى عشرية في جانب آخر، وأنهما لن يلتقيا أبداً.
وهزأت الطائفية العراقية بدعوات المصالحة وخيالات التقارب بين الطوائف بسخريتها واستهانتها بمشاعر ملايين المسلمين في كل مكان، وأعلن قادة الشيعة العراقيون عن وجه قمىء، وقلب يملؤه الحقد والبغضاء لإخوانهم شركاء الوطن الواحد عبر السنين الطوال.
وأظهروا أن ما كانوا يعلنونه من كلام معسول، وعبارات براقة؛ إنما كان تقية شيعية كاذبة، أو قل نفاقاً يبدي منه صاحبه القناع الكاذب، ويخفي السكين الطاعن في الظهر لكل قيمة، وكل مبدأ، ويستهين به بكل عرف وكل شعور.
لقد مثل إعدام صدام حسين بهذه الطريقة رسالة طائفية من خامنئي ونجاد، والحكيم والصدر، والمالكي وغيرهم من قادة الطائفية الشيعية أن السنة في قاموسهم هم كلهم صدام حسين، وأن إعدامهم لصدام على مشنقة في يوم العيد إنما هو نموذج لإعدام كل السنة على مشانق غدر حيثما أمكن لهم ذلك.
كما أرادوا أن يعلنوا في رسالتهم عن حجم قدرتهم وسيطرتهم على مقاليد العراق، وأن العراق قد أصبح ولاية شيعية يحكمها الحقد الطائفي، وتسطر مبادءها قيم الولاء لإيران.(1/289)
الكل يعلم أن صدام حسين كان يمثل الرمز الأهم في الحرب الإيرانية العراقية، وأنه قد استطاع أن يهزم العنجهية والاستكبار الإيراني، ويلحق بهم أسوأ جرح, وهم بإعدامه يستدعون مشاهد الهزيمة في القادسية الثانية ليتشفوا فيمن أذاقهم ألوان الهزيمة، ولكنهم نسوا أن هزيمتهم كانت في حرب شريفة وجهاً لوجه، دافع فيها العراقيون عن وطنهم وقيمهم وعقيدتهم، وأن الانتقام الشيعي هو انتقام خسيس يطعن في الظهر، ويقتل الأطفال، وينتهك الأعراض، ويسخر بالمشاعر.
الرسالة لم تخل أيضاً من إشارة في وجه الإدارة الأمريكية المهزومة في العراق أن صدام الذي دعمته أمريكا في حربها ضد إيران ها هو يستباح بذلك المشهد المأساوي المؤلم، وبأن أمريكا ليس لها سوى التعاون الكامل مع ذات الطائفية, وأنه لا عودة لحاكم سني في العراق قد ينكأ لهم جراح الهزيمة, حتى الأكراد الذين قد شاركوهم اللعبة السياسية قد أهملوا قضيتهم، وأغلقوها بغير محاكمة - بإعدامه -!، وكأن الكل يهون في سبيل الثأر الشيعي الطائفي وحسب!
إن هذه الرسالة السوداء هي إعلان أمريكي على أنها قد اتخذت قراراً بإنهاء ملف العراق بتسوية شيعية إيرانية أمريكية، والخيار الذي اختارته إدارة بوش هو خيار التسليم لإيران في العراق، في مقابل ربما تأمين قواعد ثابتة في المنطقة، وتأمين البترول العراقي، والقضاء على الحركة السنية المسلحة في العراق.
ليهنأ السيستاني إذن بموالاته للاحتلال الأمريكي، وبقراره بمهادنة الاحتلال ضد أبناء العراق، فقد فاز بجائزته، وتلقى هديته كما أحب أن تكون.(1/290)
لم يكن صدام حسين قائداً للمقاومة العراقية، ولا هو من أشعل فتيلها, ولن تهتز المقاومة العراقية بموته، بل لعلها ستزداد استعاراً لأنه ولا شك كان يمثل رمزاً قد تعاطف معه كثير من أبناء العراق المقاومين, فالمقاومة العراقية تبدو لنا حالة شعب بكامله، وتعبير عن آلام أمة بأجمعها ترفض الهوان، وتتمنع على المذلة، وليست ارتباطاً بشخص أو مجموعة أو حزب أياً ما كان, فالذين قد راهنوا على تهدئة المقاومة بإعدامه قد يعودون أدراجهم بوفاض خال من أي مكتسب.
لقد استمعت إلى تعليقات الكثيرين حول إعدام صدام حسين, ولكن لفت نظري ذلك الكم الهائل من الغيظ والحقد والتشفي الذي ملأ كلمات المسئولين الشيعة سواء منهم من يبدو للناس كرجل دين بعمامة سوداء، أو ذاك الذي خلع العمامة وارتدى القناع السياسي, إنهم لم يستطيعوا أن يكتموا ذاك القدر من التشفي حيث تعمد كل منهم أن يبدأ حديثه بتهنئة بالإعدام، وأن يتوعد المقاومة العراقية كلها بذات المصير، إنهم لم يبد منهم حديث سياسي، بل حديث انتقامي بغيض!
لقد كررت الحكومة العراقية وحليفها الأمريكي ما استنكرته كثيراً على "تنظيم القاعدة" من إظهار منظر الإعدام المؤلم للمشاعر, وكأن الأمر إذا تعلق بثأر طائفي فلا اعتبار بأي قيمة، ولا مراعاة لأية مبدأ.
الكثيرون من المراقبين استغربوا ذاك الاستعجال في التخلص من صدام رغم أنه يمثل - بالحسبة السياسية - ورقة رابحة لمن أراد المساومة على تهدئة الأوضاع العراقية, ولكن يظهر أن قادة الطائفة الشيعية تقدم الثأر المذهبي على مصلحة السياسية والشعبية لأبناء العراق كافة, كما أن البعض قد تساءل حول معلومات قد سربت حول قضية الأنفال والأكراد تظهر الدور الإيراني المتورط فيها، وأعلن هؤلاء عن خشيتهم في أن يكون ذلك الاستعجال في إعدامه هو قطع للطريق قبل ظهور الحقيقة.(1/291)
أعدم صدام بعد محاكمة شهد العالم أنها ليست نزيهة بل سياسية طائفية بكل معنى الكلمة, محكمة قاضيها خصم للمتهم, وشهودها مأجورون, وإدعاؤها العام جاءوا ليثأروا, ودفاعها مكبل مقيد مهدد لا يستمع إليه، ولا يلتفت إليه, ومتهمها مكمم فاه عن كل حقيقة.
أعدم الرجل بعدما أرى العالم قدراً من الثبات والأنفة، والعزة وقوة الشكيمة لم يعرفها العصر الحديث في حاكم من حكامه, وكما كان دوماً يستصحب مصحفه إلى جلسات المحكمة فقد استصحبه إلى حجرة الإعدام, وخيب ظنون خصومه بثباته وصلابته حتى في لحظاته الأخيرة رافضاً غطاء وجهه قبل الإعدام, مواجهاً لحظة الرحيل بشجاعة منقطعة النظير, وبرغم أن خصومه ظلوا يشوشون عليه لحطة موته وبسبونه، وبتشفون فيه، ويعلنون "المجد للصدر" فإذا به يعلن كلمة الشهادة واضحة جليه، ويموت عليها!
http://www.islammemo.cc:المصدر
=============
رسالة إلى الإسرائيلي المعتدي: إلى متى الأكاذيب؟
د. آنهل رفاييل تورتوليرو
05/11/2006م
تكريس خاص إلى هؤلاء الذين يدافعون بدون خجل عن الأعمال التي اقترفت على أيدي الإسرائيليين ضد المواطنين الفلسطينيين، والعرب العزل المجردين من السلاح، ويستترون من وراء ضحايا المحرقة اليهودية إبان الحرب العالمية الأولى.
بعد الإذن من هؤلاء الإسرائيليين الفقراء الذين يعانون من إساءة تصرف حكومتهم المجرمة، والتي تجعل من هتلر إنسان بريء، ولا تسمح للتعايش السلمي بين المواطنين الإسرائيليين والفلسطينيين، والأردنيين واللبنانيين والمصريين، إننا وضمن إطار تعهدنا النهضوي والثوري القائم على أسس السلام والمعاصرة، والتعايش والحكم الذاتي للشعوب، ومن على هذا المنبر نشجب المعتدي، ونقطع علاقاتنا مع الإسرائيليين، ونعلن تمسكنا بأسس العدالة والسلام والحياة الكريمة.(1/292)
إنني في هذا الموقف أعبر عن عدم وجود أي وصف يصنّف ذلك الجبان الذي يتقن فنون القتل والإبادة الجماعية، ويتباهى بقوته الخارقة في قتل النساء والأطفال والشيوخ، بل ويتفاخر أيضاً على مرأى ومسمع من الجميع باعتبار ضحاياه أوسمة تعلق على أكتافهم.
إنني أؤكد هنا بأن المواجهة لم تعد بسيطة مع دولة معتدية إمبريالية، تخلو من المباديء والأسس، وقائمة تحت وصاية وحماية الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تنفيذ مخططات مدروسة ومضبوطة ضد الشعوب العربية في الشرق الأوسط، وشعوب العالم المضطهدة.
لم يفاجئنا إعلان اتحاد الجمعيات الإسرائيلية في فنزويلا (CAIV): "أن أي جهة في العالم تدين أعمال الحكومة الإسرائيلية فإنها ستجني على نفسها آثار هذا الشجب والاستنكار"، فإننا نقف اليوم وبكل شموخ، وندلي بأصواتنا العالية استهجاناً لغطرستهم في المنطقة.
وبذاك الإحساس فإننا نحذر هؤلاء الذين يخلطون أوراق شجبنا واستنكارنا بإهانة الشعب الإسرائيلي، فهؤلاء الذين يحاولون بث الرعب في قلوبنا نتيجةً لمواقفنا هم مخطئون، لأن فنزويلا تتحلى بالأخلاق والأدب، والقوة الثورية والنهضوية الكافية للدفاع عن الحقيقة برغم التهديدات بحياتنا، حيث لا توجد هناك قوة في العالم تستطيع أن تحجب الحقيقة والحقائق.
إنني أدعو كل هؤلاء المشككين أن يقفوا ويراقبوا كل مواقفنا حيال القضايا العالمية الساخنة، ويجربوا بأنفسهم أنه ابتداءً من البيوت البسيطة في ربوع بلادنا، إلى أعلى مأمورية لحكومتنا الثورية البوليفارية؛ فإن مواقفنا ثابتة حيال الاستنكار للقتلة الإسرائيليين، وبنفس الوقت أدعوا هؤلاء لتحليل تصريحاتنا بدقة، لإثبات أننا لم نتهجم على الشعب الإسرائيلي الذي يعيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا الجالية اليهودية التي تعيش في بلادنا، لأننا نعتبر اليهودية ديانة كبقية الديانات السماوية.(1/293)
وانطلاقاً من مذاهبنا وعقيدتنا فإننا لا نبغض الأجنبي، ولسنا بعنصريين ولا عرقيين، ولكن من المهم التوضيح هنا أن المتطرفين ورثة ثقافة الإبادة الجماعية، والذين هم أنفسهم تجرعوا مرارة القتل؛ ها هم الآن ينضوون في أحزاب يمينية متطرفة، ويتمحورون في مؤسسات وجمعيات فاشية ويستخدمون كل أنواع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والتكنولوجية لاختراقنا وتهديدنا بشتى الوسائل والسبل، حتى وصلت بهم الدناءة لاختراق بريدنا الإلكتروني، وتهديدنا شخصاً شخصاً، إضافة إلى تهديد كل من يتعرض لسياساتهم الوحشية.
ولهؤلاء نقول: إن صراعنا هو صراع ضد الإمبريالية الظالمة، وسلاحنا الذي نجابه به العدو هو سلاح الحقيقة والدفاع عن الحياة الكريمة، وإذا أردتم المجابهة فلتعلموا أننا لسنا جراء مدجنة تهرب وأذيالها بين رجليها في حالة الدفاع عن الكرامة.
نعتقد تماماً أن قوة الحق والعدالة تلازمنا، فإن أعمالهم النازية المشينة لن تردعنا، فنحن نعرف جيداً من هو المعتدي الآثم في هذه الحروب التي تخاض ضد الشعوب الحرة في الشرق الأوسط، ولن تهزنا قوتهم ولا أساليبهم لإسكات أصواتنا، لأن أخلاقنا أكبر من اضطهادهم المذل.________________________
* السفير الفنزويلي السابق لدى إسرائيل angel.tortolero@hotmail.com
http://www.palestine-:المصدر
============
رسالة إلى شاب
إبراهيم محمد المعشي
almuashy001@hotmail.com(1/294)
الحمد لله رب العالمين إله الأولين والآخرين، وأصلي وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين محمد النبي الأمين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وأقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: رسالة أوجهها إلى من غاب عنا وطال غيابه.. إلى من بكى القلب ألما لفراقه.. حملت لك القلم والمحبرة وسطرت بها لك هذه الكلمات التي عصرتها دموع قلب محب لك.. عل الله أن يترك بها أثرا في قلبك.. كيف لا وأنا أخاطب فيك قلبك الذي ملئه حب الخير.. وكيف لا وأنا أعلم أنك تحمل قلبا لا ككل القلوب.. وكلي أمل بعد الله عز وجل أن تغير هذه الحروف والكلمات مسار حياتك وينقشع السحاب عن ذلك البدر الجميل لكي يسطع لنا من جديد.. وليبتسم الفؤاد ويفرح.. وتشرق شمس أمتك بعودتك لها من جديد.
((أخي الحبيب)): هاهي الأيام تمر وتجري.. والأعوام تتوالى.. والصفحات تنطوي.. من غير أن نحس أو ندري.. إلا عند بداية سنة جديدة.. أو قدوم الشهر الكريم.. أو عند سماع الدفوف معلنين بذلك عن يوم العيد.. ولكن أخي هل سألت نفسك ماذا قدمت فيما سلف من هذه الأيام؟؟ وهل سألت نفسك عن السؤال الأهم ماذا أعددت لرحلة النهاية؟؟ ماذا قدمت لنفسي من خير لأجده عند الله خير ثواب وخير أمل؟؟ ما ذا سجل في صحيفتي؟؟ وبأي يد سيكون استلامها؟؟ وماذا أعددت للحفرة التي سأوضع فيها؟؟ أسألك بربك أسأل نفسك وتحرى منها الجواب!! حينها ستدرك أن الأمر جد خطير ويستحق منا الوقوف عنده كثيرا.. والتفكير فيه طويلا.
((عجبا أخي)): مالي أرك قليل الزاد وطريقك بعيد!! مالي أراك تقبل على ما يضرك وتترك ما يفيد!! إلى متى تضيع الزمان وهو يحصى عليك برقيب وعتيد!! حتى متى تبارز بالذنوب اللطيف المجيد!! إلى متى تعصي ربك وهو بك حفيظ وعليك شهيد!! ألم يأن أن تتوب وتبدأ الصفحة من جديد!(1/295)
((أخي الحبيب)): تب إلى الله.. ذق طعم التوبة والإستقامه.. ذق حلاوة الدمعة.. اعتصر قلبك وتألم لتسيل دمعة على الخد تطفئ نار المعصية.. أخل بنفسك.. واعترف بذنبك.. ادع ربك وقل: "اللهم أنت ربي وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فأغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".. أبك على خطيئتك.. جرب لذة المناجاة.. اعترف بالذل لله.. تب إلى الله بصدق.. واسمع أخي للفرج من ملك الملوك وهو يقول: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا".. ويقول - سبحانه - في الحديث القدسي: "يا ابن آدم انك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة".. لا تقنط أخي من رحمة الله لسوء أفعالك، فكم في هذه الأيام من معتق من النار من أمثالك؟؟ فأحسن الظن بمولاك وتب إليه فإنه لا يهلك على الله إلا هالك.. يقول الشاعر:
إذا أوجعتك الذنوب فداوها *** برفع يد بالليل والليل مظلم
ولا تقنطن من رحمة الله إنما *** قنوطك منها من ذنوبك أعظم
((أنت من أنت))؟؟ نعم أخي أنت من أنت حتى يخاطبك رب البريات؟؟ وما هو عذرك وأنت تسمع هذه النداءات من رب الأرض والسماوات؟؟(1/296)
وأعلم أخي أن أسعد لحظات الدنيا يوم أن تقف خاضعا ذليلا خائفا باكيا مستغفرا تائبا.. فكلمات التائبين صادقة.. ودموعهم حارة.. وهممهم عالية قوية.. أو تعلم لماذا؟؟ لأنهم ذاقوا حلاوة الإيمان بعد مرارة الحرمان.. ووجدوا برد اليقين بعد نار الحيرة.. وعاشوا حياة الأمن والاستتباب بعد مسيرة القلق والاضطراب.. بالله عليك أخي لماذا تحرم نفسك كل هذه اللذة والسعادة؟؟ فإن أذنبت فتب.. وإن أسأت فأستغفر.. وإن أخطأت فأصلح.. فالرحمة واسعة والباب مفتوح.. ولكن تداركه بالتوبة قبل أن يقلق ودع عنك التسويف وطول الأمل.. واترك الغفلة والاغترار بالصحة واسمع لقول الشاعر:
فكم من صحيح بات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر.
((أيها الأخ الحبيب)): اسمع لهذه الكلمات وذكر فلبك بها دائما فو الله ما أعظمها من كلمات يقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "إن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، والدنيا قد ارتحلت مدبرة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل".. ومعنى ذلك أنه ينبغي على الإنسان أن يتهيأ ويتجهز وأن يصلح من حاله وأن يجدد توبته، وأن يعلم أنه يتعامل مع رب كريم قوي عظيم لطيف - سبحانه - جل جلاله ما أعظمه وما أرحمه.
((ختاما)): أسأل الله أن يتوب علينا جميعا وأن يغفر لنا ذنوبنا جميعا وأن يجعلنا من الصادقين الصالحين المصلحين..اللهم تب علينا توبة صادقة نصوح..اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وارزقنا برهم اللهم وأحفظهم وتجاوز عن حيهم وميتهم وأمنن عليهم بالصحة والعافية.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://www.islamselect.com المصدر:
==============
رسالة إلى من غاب عنا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رسالة أوجهها إلى من غاب عنا وطال غيابه ..
إلى من بكى القلب ألما لفراقه ..
حملت لك القلم والمحبرة وسطرت بها لك(1/297)
هذه الكلمات التي عصرتها لك.. عل الله أن يترك بها أثرا في قلبك .. كيف لا وأنا أخاطب فيك قلبك الذي
ملئه حب الخير .. وكيف لا وأنا أعلم أنك تحمل قلبا لا ككل القلوب .. وكلي أمل بعد الله عزوجل أن تغير هذه الحروف
والكلمات مسار حياتك وينقشع السحاب عن ذلك البدر الجميل لكي يسطع لنا من جديد ..
وليبتسم الفؤاد ويفرح ..
وتشرق شمس أمتك بعودتك لها من جديد .
هاهي الأيام تمر وتجري .. والأعوام تتوالى .. والصفحات تنطوي .. من غير أن نحس أو ندري .. إلا عند بداية سنة جديدة ..
ولكن أخي أختي هل سألتي نفسكِ ماذا قدمت فيما سلف من هذه الأيام ؟؟ وهل سألت نفسك عن السؤال الأهم ماذا أعددت لرحلة النهاية ؟؟ ماذا قدمت لنفسي من خير لأجده عند الله خير ثواب وخير أمل ؟؟
ماذا سجل في صحيفتي ؟؟ وبأي يد سيكون استلامها ؟؟
وماذا أعددت للحفرة التي سأوضع فيها ؟؟ أسألك بربك أسأل نفسك وتحرى منها الجواب !! حينها ستدرك أن الأمر جد
خطير ويستحق منا الوقوف عنده كثيرا ..والتفكير فيه طويلا .
((عجبا أخي أختي)) : مالي أراك قليل الزاد وطريقك بعيد !!
مالي أراك تقبل على ما يضرك وتترك ما يفيدك !! إلى متى تضييع الزمان وهو يحصى عليك برقيب وعتيد !! حتى متى تبارز بالذنوب اللطيف المجيد !! إلى متى تعصي ربك وهو بك حفيظ
وعليك شهيد !! ألم يأن أن تتوب وتبدأ الصفحة من جديد !
((أخي أختي)) : تب إلى الله .. ذق طعم التوبة والإستقامه .. ذق حلاوة الدمعة .. اعصر قلبك وتألم لتسيل دمعة على الخد تطفئ نار المعصية ..
أخل بنفسك .. واعترف بذنبك .. ادع ربك ...
أبك على خطيئتك .. جربي لذة المناجاة .. اعترفي بالذل لله .. توبي إلى الله بصدق .. واسمع أخي أختي للفرج من ملك الملوك وهو يقول:
\"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا\" ..(1/298)
لا تقنط أخي أختي من رحمة الله لسوء أفعالك ، فكم في هذه الأيام من معتق من النار من أمثالك؟
فأحسن الظن بمولاك وتوبي إليه فإنه لا يهلك على الله إلا هالك ..
يقول الشاعر:إذا أوجعتك الذنوب فداوها *** برفع يد بالليل والليل مظلم
ولا تقنطن من رحمة الله إنما *** قنوطك منها من ذنوبك أعظم
((أنت من أنت))؟؟ نعم أختي أنت من أنت حتى يخاطبك رب البريا ؟؟ وما هو عذرك وأنت تسمع هذه النداءات من رب الأرض والسماوات ؟؟
وأعلم أخي أختي أن أسعد لحظات الدنيا يوم أن تقف خاضعا ذليلا خائفا باكيا مستغفرا تائبا .. فكلمات
التائبين صادقة .. ودموعهم حارة .. وهممهم عالية قوية .. أو تعلمي لماذا ؟؟
لأنهم ذاقوا حلاوة الإيمان بعد مرارة الحرمان ..
ووجدوا برد اليقين بعد نار الحيرة .. وعاشوا حياة الأمن والاستتباب بعد مسيرة القلق والاضطراب ..
أخي أختي لماذا
تحرم نفسك كل هذه اللذة والسعادة ؟؟
فإن أذنبت فتوب .. وإن أسأت فأستغفر .. وإن أخطأت فأصلح .. فالرحمة واسعة
والباب مفتوح .. ولكن تدارك بالتوبة قبل أن يغلق ودع عنك التسويف وطول الأمل ..
واترك الغفلة والاغترار بالصحة واسمع
لقول الشاعر:فكم من صحيح بات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
((أخي أختي)) :
اسمع لهذه الكلمات وذكر قلبك بها دائما فو الله ما أعظمها من كلمات
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: \"إن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ، والدنيا قد ارتحلت مدبرة ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل\" ..
ومعنى ذلك أنه ينبغي على الإنسان أن يتهيأ ويتجهز وأن يصلح من حاله وأن يجدد توبته ، وأن يعلم أنه يتعامل مع رب كريم قوي عظيم لطيف سبحانه جل جلاله ما أعظمه وما أرحمه .
((ختاما)) :
أسأل الله أن يتوب علينا جميعا وأن يغفر لنا ذنوبنا جميعا وأن يجعلنا من الصادقين الصالحين المصلحين ..
اللهم تب علينا توبة صادقة نصوح ..(1/299)
اللهم اغفر لنا وأمهاتنا وابائنا وارزقنا برهم اللهم وأحفظهم وتجاوز عن حيهم وميتهم وأمنن عليهم بالصحة والعافية ..
إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
=================
حقيقة الرسالة الإيرانية!!
صالح القلاب - الرأي
10/5/2006م
من لم يقتنع بعد أن مشروع إيران الإقليمي ليس «جهادياً» ولا هو موجه ضد «العدو الصهيوني» بل أنه إحياء للتطلعات الفارسية القديمة، ومحاولة لتحويل هذه المنطقة إلى مجرد مجال حيوي قوي لهذه الدولة وإن تحت الراية الإسلامية، فعليه أن يدقق جيداً فيما تسرب من رسالة محمود أحمدي نجاد إلى رئيس الولايات المتحدة، والتي هي أول رسالة يوجهها رئيس إيراني إلى رئيس أمريكي منذ ثورة آية الله الخميني في العام 1979.
في هذه الرسالة يقول محمود أحمدي نجاد للرئيس الأمريكي: «عليك ان تعترف بإيران دولة نووية مقابل اعتراف إيران بأمريكا زعيمة للعالم كله»، وهذا معناه أن طهران تعرض على الأمريكيين تقاسماً وظيفياً في هذه المنطقة يستند إلى الاعتراف بأنها القوة الإقليمية الوحيدة، مقابل اعترافها بالولايات المتحدة بأنها القوة الدولية التي لا غيرها قوة.
وبالطبع - وهذا هو أصول اللعبة - فإن الرئيس الإيراني - حسب ما تسرب - قد ضمن رسالته كلاماً جميلاً عن فلسطين وعن العراق، ومثل هذا الكلام كما هو معروف كان باستمرار يستخدم كـ«مكياج» ديكوري لكل الانقلابات العسكرية التي عرفتها هذه المنطقة، ولكل «القادة الملهمين» الذين ذبحوا القضية الفلسطينية من الوريد إلى الوريد وهم يتغنون بهذه القضية، وحروب المخيمات في لبنان لا تزال شاهداً حياً على ذلك.
إن كل ما تريده إيران من خلال هذه الرسالة هو أن تعتمد شرطياً في المنطقة، وأن تساعد بوش على الخروج من «المغطس» العراقي مقابل إطلاق يدها في هذه المنطقة التي تريدها مجالاً حيوياً يعيد أمجاد الفرس القدماء الذين وصلت رقعة إمبراطوريتهم إلى مصر واليمن وحتى إلى اليونان.(1/300)
إنه مخطط قيد التناغم لرسم خريطة سياسية جديدة لهذه المنطقة، وعلى من لا يزال لم يدرك بعد مغزى وصول الأصابع الإيرانية إلى فلسطين؛ وإنشاء خلايا لـ«القاعدة» في الضفة الغربية وغزة أن يدرك هذا المغزى الآن بعد رسالة محمود أحمدي نجاد إلى بوش، وعليه أن يدرك أيضاً مغزى تلاقي ما يعتبر أضداداً على شطب الطرف الفلسطيني المفاوض المتمثل بالسلطة الوطنية، ولحساب الانسحاب الأحادي الجانب الذي هو نسخة جديدة لمؤامرة قديمة.
على أصحاب النوايا الطيبة الذين يعتقدون أن كل هذا الذي يجري جهاد في سبيل الله؛ أن يدركوا أن صياغة خريطة سياسية جديدة لهذه المنطقة - ومن ضمنها الوطن البديل - تتطلب شطب الطرف الفلسطيني المفاوض، وشطب الطرف الفلسطيني المفاوض؛ يعني شطب مشروع الدولة الفلسطينية، وشطب مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة يعني إنعاش المخططات القديمة باستبدال الوطن التاريخي للشعب الفلسطيني بوطن بديل!!
إن إيران تعتقد بعد أن وصل نفوذها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وقبل ذلك إلى لبنان والعراق ودول عربية أخرى خليجية وغير خليجية أنها مؤهلة للجلوس أمام أمريكا وجهاً لوجه، وعلى طاولة واحدة؛ لتقاسم الأدوار في هذه المنطقة، ولشطب كل المعادلات الصغيرة لحساب المعادلة الثنائية الأكبر، فهل سيستيقظ الذين يركضون وراء السراب والذين يصدقون كل ما يسمعونه ويرونه، والذين يغرقون في أحلام وردية؟!
http://www.alrased.net:المصدر
===========
من يكتب هذه الرسالة ...؟
عبد الله بن عبد الرحمن العيادة(1/301)
وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع خطيبًا، ليحدد معالم هذا الدين العظيم الذي رضيه الله - سبحانه وتعالى - لعباده، وحيث قال: (اليومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة: 3]، أطلق رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - تلك العبارة الشهيرة: والتي تُعدّ من البلاغة النبوية الرائعة، التي تختصر كل المسافات، والطاقات والجهود، وتقطع الطريق على الكسالى، بأنه لا يُعذر أحد من أتباع هذه الدين، في التخلي عن نقل معالمه إلى الآخرين الذين لم يعلموا، أو يسمعوا به، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: -آمل أيها القارئ الكريم تأمُّل هذه العبارة، بكل ما أُوتيت من قدرة على التأمل والاستنباط- "بلّغوا عنّي ولو آية"، ألا تحسّ أنك مخاطب بهذه العبارة وحدك، "فرب مبلّغ أوعى من سامع".إذاً نحن أمام قاعدة عظيمة في ديننا، وهي نقله إلى الناس كافة؛ لأن من طبيعة هذا الدين العظيم، أنه ممتد ومتحرّك، سهل وواضح المعالم، لا غموض ولا زوايا مظلمة، أو خصوصيات، أو أقطاب لهم خصوصيات ليست لغيرهم، بل الكل سواسية، يسعى بذمتهم أدناهم.(1/302)
هذه المقدمة تجرّنا إلى عنصر مهم في ديننا، وهو الدعوة إليه، ونقله إلى غير معتنقيه من الناس؛ لأنه دين عام للثقلين، فلزام على أتباعه إبلاغه لغيرهم من غير معتنقيه، وقضية القبول والرفض تأتي بعد ذلك، فإذا أُزيل العذر، وقامت الحجة، فالله - سبحانه - يحكم بعد ذلك.لهذا عمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نهج هذا الطريق بعد تلك اللحظات الرهيبة، عندما نزل عليه قوله - تعالى -: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ" [المدثر: 1]، فقام - عليه الصلاة والسلام - خير قيام بهذه المهمة، والدليل ما تحقّق على يديه، - صلى الله عليه وسلم -، خلال مدة وجيزة، من دخول الناس أفواجًا في هذا الدين؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - عمل بكل طاقته ووقته، لإبلاغ الناس، فدخل الناس كما هو معلوم سرًا، وخفية على خوف من الذين كفروا، ومنهم من أعلنها مدوّية، كعمر بن الخطاب، الذي فتح باب الجهر بالدعوة، ليمضي الوقت يسيرًا، حتى يتخطى هذا الدين أسوار الجزيرة العربية، لأول مرة، حينما حمل مجموعة من الصحابة، تلك الرسائل النبوية العظيمة، للدعوة إلى الله، الجديدة في أسلوبها، وهدفها، والبعد الإستراتيجي لغايتها، والسبب في ذلك، أن الأشخاص الذين وُجّهت إليهم تلك الرسائل، ليسوا من الناس العاديين، بل هم أشخاص، كلمة الواحد منهم، قد تدخل أمة من الناس في الإسلام، دون جهد أو عناء، وهذا من شدة بعد نظره - عليه الصلاة والسلام -، وهذا الهدف تمثل في مخاطبة ملوك الدول المجاورة لدولته - عليه الصلاة والسلام -، لدعوتهم إلى الإسلام، ليتحقق بعد ذلك عدة أهداف، منها: النّدية- (أسلم تسلم)، هذا هدف، والهدف الثاني، فيما لو استجاب هؤلاء، أو بعضهم، ما هي المكاسب العظيمة للإسلام بعد دخول هؤلاء فيه.. ؟ والهدف الثالث فيما لو ردّ هؤلاء الملوك بالرفض وهذا حصل- فعندها الحجة قامت عليهم، فيما لو حصل قتال بعد ذلك.(1/303)
وقد أسفرت هذه الرسائل عن نتائج متباينة، حسب تكوين الملوك الشخصي، فالنجاشي قد أسلم، وتم تحييد الأقباط في مصر، إلى درجة أن يرسل المقوقس، هدية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي أمّنا، مارية القبطية، أم ولده إبراهيم رضي الله عنهما.
إذاً هذه الطريقة الرائعة التي سلكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي الدعوة بالمراسلة، لأول مرة في تاريخ الإسلام، ألا ترون أننا نحتاجها اليوم، ولكن بطريقة مختلفة، وقد تكون فريدة لو طُبّقت في هذا الزمن، عصر الذرة، وعصر الهيمنة الغربية، وتخلّف الشعوب المسلمة وضعفها، فالشعوب المسلمة، اليوم بأمس الحاجة إلى من يلمّ شعثها، ويجمع فرقتها، ولا يمكن أن يتأتى لهم هذا حتى يعودوا إلى أنوار النبوة، التي خفتت في نفوسهم كثيرًا، ليستمدوا منها قبسًا يضيء لهم معالم الطريق من جديد.
ومن أنوار النبوة التي أريد أن أزيح عنها الغبار، وهي التي قد أُهملت، أو نُسيت، وهي مخاطبة ملوك ورؤساء الدول الأخرى من غير المسلمين، برسائل كتلك الرسائل التي أرسلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك الدول في عصره - عليه الصلاة والسلام - مع ملاحظة فارق التوقيت-وندعوهم فيها إلى الإسلام، أليسوا بشرًا بحاجة إلى أن ندعوهم إلى الإسلام.. ؟ وننقذهم من سراديب الكفر والضلال.. ؟ فواجب علينا أن نبلّغ ديننا، حيث لم يُعذر أحد في ذلك "بلغوا عني ولو آية".
ماذا لو قامت المنظمات والهيئات والجمعيات الإسلامية الشرعية، بواجب البلاغ، والحكومات الإسلامية أليست قادرة على إرسال مثل هذه الرسائل، لرؤساء الدول الأخرى، تدعوهم إلى هذا الدين، وكل سيفوز بأجر من يكون سببًا في اعتناقه الإسلام؟!(1/304)
وبما أننا في مناسبة انعقاد القمة الإسلامية، في البقعة المباركة التي أرسل منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول مرة، تلك الرسائل إلى ملوك الدول، وأيضًا نحن مقبلون على موسم الحج، فما المانع أن يوجّه رسائل مماثلة إلى زعماء العالم، يشرح فيها روعة الإسلام وعظمته، ويُدعون فيها إلى الله، والدخول في الإسلام.
هل في ظنكم أيها السادة، لو قام أحد رؤساء أو ملوك إحدى الدول الإسلامية بإرسال رسالة إلى أحد زملائه من رؤساء الدول الصديقة يدعوه شخصيًا إلى الإسلام، هل ستقوم حرب عالمية.. ؟ أو ستُقطع العلاقات الدبلوماسية..؟ أبدًا.. أبدًا.. بل سيُسجّل له في صحائفه إحياء سنة نبويّة، وأجر الدعوة إلى الله، بغض النظر عن الطرف الآخر هل استجاب أم لا.
نحن مشكلتنا في العالم الإسلامي، ما زلنا نعيش عقدة الشعور بالنقص، وأننا متخلفون، هذا هو سبب انهزامنا النفسي، ولم نفطن بعد أننا نملك القوة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ولكن -مع الأسف الشديد- ألقينا بها في سلة النسيان، ورحنا نتسول من العالم الغربي وغيره العز والمنعة والقوة، فوكلنا إلى ذلك (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين). فبالله عليكم من يكتب هذه الرسالة...
8/11/1426
10/12/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
رسالة إلى عيون الفلوجة
د. عبد المعطي الدالاتي
أوَ تعلمينْ؟!
مليارُعينٍ من عيون العاشقينْ
قد شدّها سحرٌ لديكِ
يا ويحها تهفو إليكِ
وما رأوْا منكِ العيونْ!
من أين أنتِ..وأين كنتِ؟!
أيا رياضَ الصالحينْ
***
أوَ تعلمينْ؟!
مليارُ قلبٍ من قلوب الساجدينْ
لله ربِّ العالمينْ
في ليلهم يتضرعونْ
من أجل عينِكِ..يا لَحسنكِ
يا غُرّة الفجر المبينْ
***
أوَ تشعرينْ؟!
بحنين من رحلوا إليكِ
قلوبهم تهوي عليكِ
وكلهم لك يسألونْ:
من أي كرمٍ تقطفينَ
الفجرَ مسحورَ العيونْ؟!
قولي فما ذقناه من ماضي القرونْ
***
أوَ تسمعينْ؟!
لمّا صغاري يسألونْ:
أيا أبانا!
أيّ كربٍ قد دهاكَ(1/305)
وأي كربٍ قد دهانا
وأيّ جرحٍ في حنايانا دفينْ؟!
أيُصدّقونْ؟!
أتُصدقينْ؟!
إنْ قلتُ أنتِ التي عجنتِ
الخبزَ بالدمعِ وأطلقتِ الأنينْ
أيُصدقونْ؟!
أتصدقينْ؟!
إن قلتُ أنتِ التي جعلتِ
الهمَّ والأحزانَ تسكن في العيونْ
أيُصدقونْ؟!
أتصدقينْ؟!
إن قلتُ أنتِ التي رفعتِ
الهامَ مني والجبينْ
ورفعتِ رأسي في الأعالي
يا رابعَ المدُنِ الغوالي
يا أختَ مقدسِنا السجينةْ
يا أختَ مكة والمدينةْ
***
الكلّ يسأل في ذهولِ
فلوجةَ المليار قولي
مِن أي طينةْ
جبلتِ تغشاكِ السكينةْ
رغم المنايا والمنونْ؟!
من أي طينةْ؟!
يا أختَ مكة والمدينةْ
5/10/1425
18/11/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
أكياس المشتريات رسالة للمجتمع
د. يوسف محمد السعيد
عزيزي صاحب المحل التجاري:
السلام عليكم ورحمة وبركاته تحية طيبة وبعد: ما من فرد منا إلا ويحب مجتمعه ومحيطه الذي يعيش فيه إنك وأسرتك جزء من هذا المجتمع وسلامة المجتمع تعني سلامة الأسرة ودرء الأخطار عنها فكلما ارتفع مستوى الوعي لدى أفراد مجتمعنا كان ذلك عائدا علينا وعلى أولادنا وبناتنا بالخير والبركة.
انطلاقاً من هذه البدهية فإنه وبعد قراءة موسعة حول التربية والتعليم وجدت أنه يمكن لنا تعليم وتوعية أفراد مجتمعنا بطرق متعددة وغير محصورة بعدد.
لذا فإني أهيب بك أن تكون أحد المشاركين في رفع مستوى الوعي لدى مجتمعاتنا والعمل على تفجير طاقاتها الكامنة فيها والمسألة لا تحتاج منك الكثير كل ما نراه أن تقوم بتبني الاستراتيجية التالية ألا وهي استثمار أكياس المشتريات الخاصة بالمحل كوسيلة تنشر عن طريقها حكمة أو توجيها تربوياً أو صورة هادفة معبرة عن قضية من قضايا عالمنا العربي والإسلامي.(1/306)
الجمل التالية اخترناها لك لتنتقي منها ما تراه مناسباً للمجتمع من حولك ولك أن تختار أحدها لتكون ضمن التصميم الذي تختاره مطبوعاً على الكيس ففي كل مجموعة مثلاً ألف أو ألفا كيس يكون عليها جملة واحدة ضمن التصميم المختار فإذا ما انتهت هذه المجموعة يمكنك أن تغير الجملة بأخرى.
اعلم - أخي الفاضل - أن أكثر الأسر تعيد استخدام الأكياس فهذا الكيس جوال بين الأسر فهو بمثابة موجِّه متنقل صامت لذا فقد ارتأينا عدم الاستهانة بهذه الوسيلة كما أن ذلك الأمر لن يكلفك شيئاً وفوائده مضمونة (بإذن الله) على أفراد مجتمعك.
ولكي لا أطيل عليك الحديث فإليك الجمل المقترحة وقد وضعنا فاصلة بين كل جملتين ولك أن تنسج على منوالها ما تراه أولى منها أو النظر فيما يكتب من جمل قصيرة على كل ورقة من أوراق التقويم المتداول بين الناس فإن فيها خيراً كثيراً إن شاء الله:
الصلاة الصلاة
اكتب مقالاً
اكتب قصة
أعد محاضرة
اخطب جمعة
دون خواطرك
اعمل بالمواعظ
تعلم لغة
كن شجاعاً
كن كريماً
كن واسع الصدر
تعلم أدب الحوار
اقرأ الفاتحة
اقرأ آية
إياك والظلم
اقرأ ثلث القرآن
ابتسم
فجر طاقتك
اعرف قدرك
اكتب عن نفسك
حدد أهدافك
لا تيأس
لا تضيع وقتك
اطلب العلم
ألف كتاباً
عمِّق علاقتك
حسن صوتك
لا تكتئب
كن حليماً
اشغل خيالك بالمفيد
زر أقرباءك
كم نسبة عملك بما تعلم؟؟
تعلم فن الاستماع
تعلم مهنة
أحب لغيرك ما تحب لنفسك
صاحب أهل الخير والصلاح
أحضر بخوراً للمسجد
لا تسرح في أحلام اليقظة
ماذا تعرف عن الشيشان ؟؟
كن محباً للخير وأهله
فكر بإنشاء مشروع إنتاجي
اعمل فكل ميسر لما خلق له
اقرأ..ارسم..ألف قصيدة
تعلم فن الكلام
عدل سلوكياتك
أمك ثم أمك ثم أمك
هل تعرف قيمتك؟؟
ماذا يقرأ أولادك؟
كيف أنت وزوجتك؟؟
حذر الناس من السرعة
اشتغل بالعمل الخيري
لا تؤذ غيرك
تمرس على الحاسوب
هل قرأت كتاباً هذا الشهر؟؟
هل فكرت يوماً في القبر؟؟
تصدق
تسامح إلا مع الباطل
لا تحزن(1/307)
لا تصرخ في وجه أطفالك
مُر بمعروف
انه عن منكر
هل يحب أطفالك القراءة؟؟
ما حقيقة حبك لمجتمعك
ساعد ناشطاً في الدعوة
شارك في البرامج الإعلامية
كيف تقضي وقتك؟؟
الثلث الأخير من الليل
اصدق في تجارتك
عامل جيرانك بالحسنى
إياك والعجلة
إياك والتفحيط
احذر الخمر وأهلها
زر مقبرة
زر مريضاً
جاهد نفسك
احفظ لسانك
جدد أثاث ذاكرتك
لا تنس من أوجدك من عدم
عامل والديك بلطف
انصر مظلوماً
حاور غيرك بلطف
صحح عيوبك
باب التوبة مفتوح
احضر مجلساً علمياً
ارفع من مستوى حديثك
أقلهن مؤونة أكثرهن بركة
تعامل مع الخلق كما ينبغي
إياك والحسد
جاهد بقلمك
احفظ سورة
أصلح بين الناس
لباس التقوى
كن رقيبا على نفسك
لا تتحدث إلا بخير
ألحق ابنك بمركز صيفي
لا تقهر غيرك يغير حق
اعترف بخطئك
ماذا تعرف عن العلمانية ؟؟
ماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي ؟؟
كم شخصاً اهتدى على يديك ؟
رب أولادك على حب المسجد الأقصى
تحدث واكتب بالعربية
انتبه لخطبة الجمعة
انقل ما قاله خطيب الجمعة لأهلك
الربا ممحوق
الصدقة مرباة
هل أنت ممن يضيع عقله بالخمر ؟؟
اقرأ عن الخليفة الخامس
تخصص في شخصية تاريخية
ماذا تعرف عن الإعلام الإسلامي ؟؟؟
ساهم في تزويج شاب
ساهم في إعفاف مسلم ومسلمة
اقرأ كتاباً عن التربية أنت واخوتك
أين أبناؤك وبناتك الآن ؟؟
ماذا تعرف عن كشمير ؟؟؟
اقرأ حديثا نبويا كل يوم
تقبل النصح بصدر رحب
أنت أكبر من أن تدخن
كم شريطا إسلاميا سمعت؟
اصنع من الليمونة شرابا حلوا
اعمل شيئا يشكرك عليه الناس
قلل نسبة الهواجس في الصلاة
هل أديت زكاة مالك هذه السنة؟
هل فكرت بمتابعة مجلة إسلامية.
هل أبناؤك متميزون في دراستهم؟
ما مدى حرص بيتك على الحجاب؟
تعلم فن إعداد أفلام الفيديو النافعة
تخصص في الإصلاح الأسرى
هل تؤدي الصلاة على وقتها؟
قل سأحاول.. سأفعل.. سأمضي..
احرص على ترابط آسرتك الممتدة
ما علامة حبك لأمتك الإسلامية؟
هل فكرت في تنمية مواهبك الدفينة؟(1/308)
هل أنت إيجابي في مجتمعك؟
هل تعرف شيئا عن انتفاضة الأقصى؟
تصور أنك أنت المسلم الوحيد في العالم!!
لماذا لا تدرب نفسك على القراءة الجادة
أين تضع نفسك: مسلم. مؤمن. محسن
ماذا تعمل في الاستراحة أنت وزملاؤك؟؟
الاحتلال اليهودي لفلسطين يجب أن يزول
اعمل أو شارك غيرك في إنجاز بحث علمي
هل لك جهود إيجابية ملموسة في مجتمعك؟؟
ما الكتاب الذي تحب أن يطلع عليه الناس؟؟
هل تعرف من قال: الأخلاق من غير دين عبث
هل تستطيع أن تذكر أسماء سبع مجلات إسلامية؟؟
أنت مسلم.. فكم سورة أو حديثاً نبوياً تحفظ؟
ماذا تعرف عن الخطر النووي في عصر العولمة؟؟
هل تعلم كم آية وردت في القرآن عن الربا؟؟
هل أسرتك تحافظ على الماء؟
أين أنت من الجهود المبذولة في توحيد الصف الإسلامي؟
هل تدرك أهمية المنتجات الوطنية والعربية والإسلامية؟
ماذا تعرف عن كتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟؟
هل قرأت كتاب قضية تطبيق الشريعة في العالم الإسلامي؟
هل تعلم أن مصطلح العمل ورد في القرآن الكريم ما يقارب (359) موضعاً.
هل للمسجد الأقصى والأرض المباركة مكانة في قلبك؟ ما علامة ذلك؟؟
هل تعلم أن باستطاعة دماغك تخزين ما يزيد على (38) مليون مجلد خلال (70) سنة من عمرك؟
أسرتك تفتقدك عند بعدك عنها فهل مجتمعك يفتقدك عند البعد عنه؟؟
هل أمتك ستفتقدك فيما لو غادرت الحياة؟
ملاحظات:
1. لاحظ أننا تعمدنا عدم اختيار آيات قرآنية أو أحاديث نبوية وذلك تحرز من أن ترمي هذه الأكياس في القمامة أو يحصل لها نوع من الامتهان.
2. لاحظ كذلك أن معظم هذه الجمل موجهة للذكر لكن يمكنك أن تعيد صياغة ما تراه بحيث تكون موجة للأنثى على حد سواء.
3. المؤسسات المذكورة أعلاه هي على سبيل المثال وإلا فالمؤسسات النافعة كثيرة.
4. حيث إن هذا المشروع يعنى بالبشر فهو داخل ضمن إطار التنمية البشرية التي يسعى لها معظم المخططين للمجتمعات البشرية. لذا لا تتردد بالمساهمة التي لا تكلفك شيئاً.(1/309)
5. كما ذكرت سابقاً لك أن تنسج على منوال الجمل السابقة ما تراه مناسباً للبيئة من حولك لكنني أؤكد لك أن هذه الجمل منتقاة بشكل علمي تربوي.
6. قد تلاحظ كذلك أن معظم هذه الجمل قصيرة مما قد يتبادر إلى خاطرك ألا جدوى من ذلك لكنني وكما ذكرت سابقاً بعد قراءة موسعة عن الدماغ والعلاقة شبه المتكاملة بينه وبين شهوات الإنسان سواء الإيجابية أو السلبية ربطاً بالأساليب الحديثة في التربية والتعليم بل ما اتصف به حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكلم أؤكد لك أن البيئة من حولنا ستستفيد كثيراً بإذن الله.
وما اختتم به رسالتي هذه أن تكون سباقاً ومقداماً للعمل بما ورد في هذا المشروع الظريف.
والله يحفظك ويجعل تجارتك ذخراً لك في الدنيا والآخرة.
المصدر:مجلة المجتمع العدد (1519) 14 20 / رجب / 1423 هـ السنة (33).
http://www.saaid.net المصدر:
=============
رسالة فتاة : أقرأوا قصتي
إلى كل أب وإلى كل أم والى كل أخ والى كل أخت والى كل مربي وإلى كل مربية وإلى كل صديق صادق لصديقه وإلى كل صديقة تحب صديقاتها.
أكتب لكم قصتي بقدر ما أستطيع من جهد عسى الله أن ينبه كل غافل وغافلة،، أن يزرع الوعي في قلب كل من يريد الستر على بناته وأخواته، قبل أن أبدأ بذكر ما أستطيع من قصتي، أنصحكم نصيحة لوجه الله احذروا من وضع الانترنت في يد كل فتاة أو شاب لم يتزوجوا، انترنت في غرفة فتاة مصيبة والله العظيم مصيبة...(1/310)
أنا فتاة أنعم الله علي بنعم شتى وكثيرة، نشأت ولله الحمد في أسرة محافظة للغاية، بل أنني كنت في أمور عديدة لا أقبل بها، مثل سماع الأغاني علناً والحديث المطول بالهاتف، من نعم الله أنني كنت حريصة على دراستي وحريصة على الوصول إلى قدر مرضي فيها، كذلك من نعم الله علي أنني أحب القراءة بكافة أشكالها، وكثرة القراءة جعلت العديد من الجوانب تنضج في فكري، من نعم الله أنني كنت اجتماعية ومحبوبة، وكثير يطلق على (شخصية ناضجة، مثقفة، أكبر من سنها، مرنة، فاهمة، قادرة على تحمل المسؤولية.. الخ).... المهم أنني تخرجت وفرحت بالتخرج ويسر الله لي الحصول على وظيفة طيبة، وبقيت أنتظر وظيفتي الأخرى، كنت أريد الارتباط بإنسان طيب وكانت شروطي متواضعة للغاية، وجاء هذا الإنسان الطيب، أقل مني اجتماعياً ودراسياً، لكن لم أكن أنظر إلى هذه الأمور، يكفي شهادة من حوله بطيبته والتزامه، لكنني صدمت-أقولها ليس تعبيرا أنا فعلاً صدمت- برفض عائلتي، نعم كانوا ينظرون لي نظرة أنه ليس أي إنسان يليق بها، يريدون مركزاً اجتماعياً مرموقاً، وجاء آخر وآخر وعائلتي لا يرجعون لي بل يناقشون الأمر بينهم ثم ينهونه بطريقة ما في نصيب،... هذا لونه وآخر عمله وثالث أهله........... الخ الأمر أثر فيني كثيرا، تبخرت أحلامي وأدخلت الانترنت غرفتي، بدأت بالشات وأنسقت فيه ثم أدمنت المسنجر استغفر الله-وأصبحت أتلقى الأفلام الإباحية والصور الإباحية وأمارس الجنس الأكتروني، حتى من الله على بصديقة طيبة نبهتني وأنبتني و استحلفتني أن أمتنع عنه، وفعلاً توجهت نحو المنتديات، وهناك وجدت عالم ثقافي راقي ووسعت مداركي لفترة طويلة إضافة إلى أنني أصبحت أحب الأغاني واشترى الأشرطة وأدندن بها، ثم انشغلت بالمنتدى حتى أعجبت بأحد الكتاب في المنتدى نفسه، وبدأت العلاقة بيننا، رسائل بريدية، بطاقات، ردود، ثم جوال، طبعاً لم أكن من الغباء بأن انساق له، بل على الفور قلت بصراحة(1/311)
أنني استلطفه، قرر التقدم لخطبتي، وبدأنا نستخير لكن كان موقف الأسرة سلبياً رغم أنه لا يعيبه شيء، طبعاً كرد فعل من أسرته قاموا بتزويجه، حاولت الابتعاد عنه، أبتعد وأعود، وهو كذلك، لكنني في هذه الليلة قررت توبة أكيدة بأن أترك طريق النت والعلاقات وأتوجه إلى الله لينقذني ويرزقني من حيث لا أحتسب زوجاً صالحاً يعينني في الدين والدنيا آمين.
أعود لقصتي وأخبركم أنني واجهت عائلتي، أخبرتهم بشجاعة مفتعلة أنني ارغب في الارتباط، صدقا كنت أخاف على نفسي وما كان الحياء لينفعني وعمري يذبل والمغريات توهنني...
أهلي أنكروا أن الأمر بيدهم بل عزوا ذلك إلى النصيب، والمصيبة أنهم يوسعونني نصحاً أنا، وأخواتي، اتركوا المسلسلات’ غطوا أيديكم، اتركوا الأغاني .... الخ كيف لا يأمروا أنفسهم بالتخلي عن العادات العقيمة والمساهمة في سترنا في بيوتنا؟
المهم أنني لجأت كذلك للخاطبات للبحث عن الإنسان المناسب، وحدث وتقدم إنسان طيب لكن تم رفضه لأنه ليس من العائلة......
يشهد الله أنني في صراع، أريد ستر نفسي، وتركت أمور كثيرة، تركت سماع الأغاني كي لا تؤجج عواطفي، تركت علاقتي مع ذلك الإنسان طلباً لرضا الله رغم عظم مكانته في نفسي، فمن ترك شيئاًً لله عوضه الله خيراً منه، وأنني أطلبكم أن لا تنسونني من صادق دعائكم وأن يخاف كل مسلم ربه في بناته، فها أنا مثال لديكم، كنت مثال للأخلاق ولم يخطر في بالي قط بأن أنجرف في الحديث مع أي إنسان.... أسأل الله أن يغفر لي ويرزقني توبة نصوحة ويقبلها مني إنه قريب مجيب...
لتعلموا أنكم محاسبون يا من تتذرعون بالفهم والثبات، الفتاة بمجرد دخولها الكلية قادرة على تحمل المسؤولية، وإنني أنوي وأعزم إن رزقني الله زوجاً طيباً وذرية صالحاً أن لا أرد إنسان يخاف الله إن طلب أحد بناتي، فاتقوا الله ولا تحملونا أكثر مما نجد ولا تظنوا الفتاة سعيدة مهما عاشت في وضع رغيد، الزواج هو القرار لأي فتاة(1/312)
http://www.awrak.com المصدر:
===========
غزوة تبوك .. رسالة إلى أثرياء الأمة
علاء سعد حسن
حدثت غزوة تبوك في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة، ولقد كانت هذه الغزوة العظمى مواجهة قوية بين المسلمين وبين الروم المتربصين بهم في تخوم الجزيرة، ومواجهة الروم القوة الأعظم في العالم آنذاك غير مواجهة القبائل العربية داخل الجزيرة، ولقد كان زمان هذه الغزوة فصل القيْظ الشديد، وكان الناس في عسرة وجدب من البلاء وقلة من الظهر، ولقد كانت المسافة بعيدة والطريق وعرة صعبة.. فلا عجب إذن أن تكون هذه الغزوة هي غزوة العسرة ولقد وصفها المولى - عز وجل – بذلك: (لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) (التوبة: 117).
وفي هذا الجو المشحون المتوتر حيث تُحاك المؤامرات بالمسلمين تحركها قوة عالمية كبرى من الخارج، ويتلقفها من الداخل طابور من المنافقين يتخذون مسجدًا ضرارًا يكيدون فيه للإسلام وأهله، في هذه الأجواء حين يعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - حالة التأهب للخروج لمواجهة الروم، حينها تعظم مسؤولية أثرياء المسلمين وأغنيائهم، فلابد للجيش من عدة وعتاد، فالجيش الذي دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أعظم جيش عرفه المسلمون في حلقات صراعهم المرير ضد الباطل، بل لعله أعظم جيش عرفته عرب الجزيرة، ثلاثون ألفًا كاملا.. فمن يجهز مثل هذا الجيش الضخم؟
يدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - للتصدق لتجهيز الجيش، فيتقدم عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأرضاه فيتصدق بثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها، ويضع مائتي أوقية وألف دينار بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيدعو الرسول له بخير ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم" جامع الترمذي مناقب عثمان بن عفان..(1/313)
وينتشي عثمان - رضي الله عنه - بهذه البشرى، فلا يزال يتصدق على الجيش ويتصدق حتى يقدم تسعمائة بعير بجهازها، ومائة فرس غير النقود، ويأتي عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية، ويأتي الصديق أبو بكر بماله كله أربعة آلاف درهم ويأتي عمر بن الخطاب بنصف ماله وهو يومئذ مال كثير - (يقول عمر عن ذلك: دعانا الرسول إلى الصدقة يوما وصادف ذلك مال كثير عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر فأتيت بنصف مالي فإذا بأبي بكر قد جاء بماله كله، فقلت لا أسبقه إلى شيء أبدا) ويأتي طلحة وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة والعباس بمال كثير، وجاء عاصم بن عدي بتسعين وسقا من التمر، وغيرهم من تجار المسلمين وأغنيائهم، وينجح مشروع تجهيز الجيش، ويتحرك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جيش لم تسمع العرب بمثله من قبل.
إن أغنياء الأمة وأثريائها وأصحاب رؤوس الأموال فيها عندهم الفرصة اليوم- وربما أكثر من أي وقت مضى- أن يجتمعوا على مشروع إسلامي واحد يقولون فيه بقوة قوة المال والاقتصاد لن نستثمر مع رؤوس الأموال الصهيونية التي يذهب جزء من ربحها لدعم قوة العدو وتسليحه.. يعلنون فيها قصر استثماراتهم المليارية والمليونية على الذين يدعمون قضايا الأمة، أو على الأقل مع الذين لا يعادونها ويجهزون سرًا وعلانية للقضاء عليها أو النيل من مكانتها أو الانتقاص من أرضها أو دينها..
إن أثرياء الأمة اليوم مطالبون برفع شعار: (بماذا سبقتنا يا عثمان إلى الجنان)(1/314)
إن الصحابي الجليل عثمان بن عفان ذلك الثري الموسر، الذي جعل من ماله النصيب الأوفى لنصرة الإسلام ودعوته ورفع الضُرّ والحاجة عن المسلمين، ولقد اشترى بئر رومة من قبل وجعلها وقفًا للمسلمين، وغيره من الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم أجمعين - لتوجه سيرتهم العطرة تلك الرسالة الخالدة إلى أثرياء المسلمين: إن تبني قضايا الأمة المصيرية في المراحل الحرجة التي عبر عنها بعض العلماء بمرحلة (تكون أمتنا أو لا تكون) أو مرحلة الوجود والاستمرار أو الضياع والاندحار.. يا أثرياء أمتنا: إن دعمكم لقضايا أمتكم عز لكم في الدنيا وربح لكم في الآخرة.
ولعمري لعل مستثمرًا مسلمًا من أصحاب المليارات ينفض اليوم يده من الاستثمار مع أعداء الإسلام يناديه رب العزة - عز وجل - يوم القيامة:ربح البيع يا فلان..كما ربح بيع صهيب الرومي من قبل.
25/08/2003
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
===========
رسالة تقربك إلى الله
أبو الحارث محمد الدالي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: إني أحبكم في الله، وأسأل الله بهذه المحبة أن يظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله...آمين
وبعد:
جئت اليوم وكتبت لأني أحب لي ولكم الخير وهذا الذي نفعله قليل في حقه الله - تعالى -إذ أنه - سبحانه - المنعم علينا بنعم كثيرة لا يستطيع أحدنا إحصاءها وكلنا معترف بذلك {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (18) سورة النحل.
الله أكبر!!!!! فبعد أن ذكر أننا لن نحصي نعمه ذكر أنه غفور رحيم؛ لأن الأصل أن نشكر الله على نعمه التي لم ولن نحصيها وشكر الله يستوجب مغفرة منه - سبحانه -..(1/315)
أحبتي في الله: إن القضية أن نعرف الله - تعالى - حق المعرفة وأن نعرف ما نحن فيه من تقصير دون أي كِبر أو نسيان أو تغافل؛ فالحقيقة مرة بمجرد أن نصارح أنفسنا وكل منا أدرى بعيوب نفسه فإن أخفيناها عن العالم فلن تخفى على الله فتعالوا لنفتح القلوب ونصارحها بما فينا من عيوب.
أحبتي في الله: هل استشعرنا ذهاب رمضان؟
وهل نحن تحسنا أم لم نتغير أم انتقصنا؟
أنا هنا أذكر برمضان لأنه حديث عهد بنا فليس له زمن طويل مضى ولكن كلها أيام قليلة فهل ذهبت الحلاوة التي كانت في رمضان؟!!!
أخشى أن نكون قد هبطنا فلا أحب ذلك ولا تحبوه لهذا علينا أن نعي هذه الكلمات...
يا من كان على معصية ولم يتركها في رمضان ولا بعد رمضان متى بالله عليك ستتركها؟
يا من يعرف أنه على خطأ وخطر ولم يبالي بالله عليك متى تبالي وتهتم؟
يا من... يا من... يا من... متى بالله عليك ترجع إلى ربك؟
يا غافلاً عن إله الكون يا لاهي... تعيش عمرك كالحيران كالساهي
ارجع إلى الله واقصد بابه كرما... والله والله لا تلقى سوى الله
ارجع واعرف ربك فكل الأبواب دونه مسدودة إلا بابه مفتوح لمن يريد الدخول
الله أكبر كل الملوك تحتاج إلى واسطات وإلى شكليات لمجرد النظر إليه وملك الملوك بكلمة تدخل بابه...
عظيم ربي - سبحانه - يرى ويسمع ويعلم كل شيء ثم يمهل ولا يهمل...
إخوتاه. الله عظيم جدا ترى عظمه أخي في الله حين تعصيه وهو يراك ثم يمهلك..
بل أفضل من ذلك أن تعلم أخي وأنتي يا أخيتي أنه - سبحانه - يتودد لعباده في الثلث الأخير من الليل
فيقول هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل... هل.... ؟
أين نحن العصاة من الثلث الأخير؟!!! على التلفاز أم على سماعة الهاتف؟؟؟
إن القضية اليوم ليست في الموضوع والتقدم والتطور إنما القضية قضية إسلام وكفر..
فيا أخي ويا أختي لا تكونون حملا ثقيلا على هذا الدين وكونوا من أصحاب الهمم العالية
آيات تدعوا إلى التوبة:(1/316)
قال - تعالى -{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (16) سورة الحديد؟؟؟؟؟
بلى يا رب آن... بلى يا رب آن... بلى يا رب آن...
فهذا كلام ربنا يدعونا إلى التوبة فهلا استجبنا لله؟!!!
ولا تثقلننا المعاصي ولا تحجب قلوبنا عن هذا الخير فنكون كمن قال الله في حقهم
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (126) سورة طه.
أتوب بعد كذا وكذا:
هنا الطامة!!!
وهي أن يعرف الإنسان ما عليه ثم يقول نعم أنت محق سأتوب بعد.....
وهذا من التسويف الذي لا يأتي بخير فبالله عليكم متى وجدتم أنفسكم على خطأ؛ فبادروا وسارعوا بالتوبة النصوح ولتذرفوا الدموع لتعلنوها توبة للملك الجبار المنتقم..
فكم من مسوف مات قبل التوبة ثم دخل النار
كن كعمر:
كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جالس ذات مرة مع بعض الصحابة فضحك وقال: أنا أكثركم حسنات فقالوا ومما ذاك؟ قال لأني كنت في الجاهلية أكثركم سيئات؛ فلما تبت قلبت إلى حسنات فصرت أكثركم حسنات.
كفا بالموت واعظاً:
إن الموت يقطع أحبال التسويف كلها فاجعل أخي من الموت طريق لك للمبادرة للتوبة فوالله ما قلت هذا الكلام للتسلية ولكن حبا فيكم وفي أن نعود لكتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذين هجرناهما لأسباب دنيوية...
اعتبر من غيرك:
عندما تسمع بموت شخص فاعتبر أن الذي مات هو أنت وتخيل موقفك؟
هل نحن مستعدون لهذا؟ ماذا أعتدنا؟ وما عدتنا؟ وما عتادنا؟(1/317)
أخي في الله لعلنا عرضنا المرض والعلاج بقي أن نعطيك المفتاح
وهي شروط التوبة النصوح ومعروفة لديكم لكني أذكر بها
1/ الإقلاع عن الذنب: مهما كان
لا تحقرن صغيرة... إن الجبال من الحصى
2/ الندم على ما فات: واصطنع دمعة واحتسبها عند الله
قال - صلى الله عليه وسلم - (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله..... ) إلخ
3/ العزم على عدم العودة: ولا تقل فعلت ثم رجعت ربما لم تكن عزيمتك قوية
وانا واثق انك هذه المرة سوف تنجح ما دام ابتغيت رضا الله
4/ وهذا شرط يلزم أن تكون المعصية متعلقة بحقوق بشرية وهو، رد المظالم إلى أهلها:
أي لو انك سرقت فرد لصاحب المال ماله و............ إلخ فأنت أدرى بمعصيتك
أحبتي في الله هذا ما جادت به نفسي المقصرة
وكلنا نحتاج إلى توبة يمحو الله بها الخطايا وما اقترفناه في حق أنفسنا وحق غيرنا
فلنبادر بالتوبة وفعل الخيرات ولنركب سفينة النجاة فمازال هناك متسع من الوقت، ولا يغلبنا الشيطان ويخدعنا بأن معاصينا كثيرة فالله غفور رحيم يقبل التوبة؛ فالتوبة لا يعظم أمامها معصية ولا حتى الإشراك بالله فالله أكبر على نعمه العظيمة..
وختاماً أسأل الله - تعالى -أن يجمعنا في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
وصلى الله وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
http://www.saaid.net المصدر:
===========
إلى متى يستمر شعور عداوة الغرب للرسالة المحمدية ؟
د.صلاح عبد المتعال(1/318)
درج التعبير التقليدي في التراث الغربي في وصف المسلمين بأنهم (المحمديون)، مع سبق إصرار الكتابات المستشرقة التى غلب عليها الضلال والتشويه، بأن الإسلام اختراع ساقه فرد من الجزيرة العربية ادعى النبوة واشترط في إعلان الإيمان به هو ذكر اسمه في نطق الشهادة بدخول الإسلام، فهو دين بشري ليس بسماوي مثل اليهودية والمسيحية التي انتشرت في الربوع الأوروبي. ولم بقف لها ضد انتشارها في العالم بشكل كاسح إلا ظهور الإسلام. وقد امتد متصل الصراع منذ بدأ انهيار الإمبراطورية الرومانية القديمة وانحسار ديانتها المسيحية في المشرق العربي وتهديدها أبواب أوروبا الشرقية. وفي خلال زمن قصير عبر الإسلام إلى أبواب الجنوب الأوربي الغربي بفتح طارق بن زياد الأندلس وإيداع حضارة إسلامية أوربية كانت التراث المخزون لنهضة الحضارة الأوربية الحديثة بل زاد على ذلك نقل ترجمات الدين الإسلامي من المنفذ الصقلي والآخر المالطي.(1/319)
لقد كان مبرر الفتح الإسلامي لهذه البقاع الأوربية هو نشر كلمة التوحيد والحكم والامتثال للشريعة الإسلامية كدين للهداية وحسن المعاملات على أساس من تقوى القلوب، غير أن الرفاه الذي ترفل فيه الأغنياء والحكام على مر أزمان ستة قرون تناسى فيه الكثير من الناس مبررات وجودهم واستيطان أجيالهم المتعاقبة بأنهم حملة رسالة، فدب فيهم الوهن وتفرقت بهم السبل ومزقتهم ملوك الطوائف مما أثار الطمع في قلوب أعدائهم فكانت النهاية لسطوة المسلمين المتفرقين وانقلب أحوالهم من العزة إلى الذل ومن الانتصار إلى الانكسار ثم جاءت الحروب الصليبية التي عبرت عنها الدكتورة نادية مصطفى في إحدى الحوارات التي سجلها لنا موقع الإسلام اليوم في يونيو 2004 بأنها المحطة الثالثة من محطات كراهية للغرب نحو الإسلام والتي استغرقت نحو مائتي عام بين الهزائم والانتصارات بين الصليبيين والمسلمين التي انتهت بدحر الصليبيين نهائيا وتحرير بيت المقدس على يد المسلمين بقيادة صلاح الدين.(1/320)
إن الله حافظ كتابه استبدل قوما أضاعوا كلمته في الأندلس بقوم رفعوا كلمته بفتح القسطنطينية (استانبول) وأرسوا قواعد دولة إسلامية كبرى بخلافة عثمانية استمرت نحو خمسمائة عام مرت بالصعود نحو ازدهار الأمم، عندما حافظت على دينها وشريعتها ورابطت على الثغور ضد أعدائها حتى بلغ بها الامتداد والتوسع أن طرقت أبواب النمسا في وسط أوروبا، ثم إلى المنحنى الحضاري الهابط، عندما فرط حكامها وسلاطينها في حقوق أبنائها وأساءوا استخدام سلطتهم السياسية، خاصة على أطراف نفوذها في أقاليمها الممتدة، مما أتاح لأعدائها في الخارج الغربي والداخل العلماني من انعقاد إرادتهم لإسقاط الخلافة العثمانية التي لقّبت في آخر عهدها بالرجل المريض. وقد توالت المراحل بعد سقوط الخلافة العثمانية إلى توحّش الاستعمار الغربي وتقسيمه للعالم العربي والإسلامي استنادا إلى الوهن والتخلف الذي أصاب الأمة الإسلامية وتشرذم إرادة حكامها و تقدم الغرب العلمي والتقني في شتى المجالات خاصة مجال تفوقه في الأسلحة المتقدمة الفتاكه ؛ مستزرعا إسرائيل كرأس حربة للمسيحية الصهيونية والمصالح الغربية المتشعبة تاركا زمام قيادته للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية وأضرابها من دول أوروبا المتصهينة وعلى رأسها بريطانيا .
samotal50@hotmail.com *
http://al-shaab.org المصدر:
============
إلى من يهمه تبليغ رسالة الإسلام
سعود بن محمد آل عوشن
لا شك أن هناك تقصيراً في تبليغ الإسلام في هذا العصر الذي تيسرت فيه وسائل التبليغ بما لم يتيسر في أي عصر مضى، ومع هذا فإن هناك أمماً كثيرة محجوبة عن هذه الرسالة تماماً، وكثير من أفرادها لا يعرف أن هناك ديناً اسمه الإسلام أو رسالة جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم -، وطبعاً هذه مسئولية أبناء الإسلام حسب قدراتهم ومسؤولياتهم.(1/321)
ولو أننا بذلنا جزءاً مما نبذله على النواحي السياسية أو الرياضية أو التجارية لاستطعنا إبلاغ الإسلام لكل الأمم وبكل سهولة ويسر.
لكننا أعرضنا عن ذلك وتركناه وكأننا غير مسئولين عنه، وعندما يكون هناك منهج رياضي أو سياسي أو أسلوب تجاري نترجمه إلى مئات اللغات ونبلغه لجميع الدول وبوسائل التبليغ والإعلام المختلفة، ولا يصعب علينا ذلك أو نتوانى دونه، لكن أن نترجم معاني القرآن أو الأحاديث النبوية الشريفة أو كتب العقيدة أو الفقه أو ما يلزم للمسلم من عبادات ضرورية، أو إبلاغ غير المسلمين بالإسلام فهذا لم يكن، وما كان في الساحة فجزء قليل مما يجب وهذا نقص كبير في الإبلاغ والتفهيم.
لا شك أن كثيراً من علمائنا ودعاتنا يجهلون هذه الحقيقة لعدم إحاطتهم بأوضاع العالم المعاصر ويكتفون بما يرد من أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فأطاح أصحابه -رضي الله عنهم- وأرضاهم بأكبر دول في الوجود آنذاك في الشرق والغرب، ونشروا الإسلام في بقاع العالم، لكن نحن المقصرون في أداء الأمانة وإبلاغ الرسالة من بعدهم، حيث نشاهد أمماً كثيرة لا تعرف عن الإسلام حتى اسمه، ولم نفعل شيئاً يجدي في ذلك، وكل جهودنا قليلة وفي حدود ضيقة ومجالات قصيرة لا يعلمها إلا القليل وبصورة مشوهة أو هزيلة لا تعطي المعنى والمظهر الإسلامي الحسن والأداء الشرعي المطلوب، إن المسئولية في نظري تقع على كل فرد مهما يكن مستواه أو علمه أو قدرته، بقدر ما منحه الله من قيم مادية أو معنوية علمية أو عملية، فعليه أن يستغل ذلك في أداء هذا الواجب وغيره من الواجبات الأخرى فلو فعل ذلك كل فرد ما بقي في الأرض فرد إلا تبلغ الإسلام فهل شعرنا بذلك وأشعرنا إخواننا بمسئولياتهم، إن هذا من أهم الأمور التي يجب البدء بها للسير في الطريق المستقيم.(1/322)
ومن الوسائل المهمة في تبليغ الإسلام أن نستقدم عدداً كبيراً من الأبناء تلك المسلمين من تلك الدول وندرسهم لغة القرآن والعلوم الإسلامية، ويعودون إلى بلادهم لينشروا الإسلام في أوطانهم، ويبلغوه لبني قومهم وأن نبعث إليهم من المتشبعين بالعلوم الشرعية المحصنين بها من يدرس لغاتهم باتقان ليتولى ترجمة معاني القرآن والعلوم الإسلامية إلى تلك اللغات، ومن ثم يعمل على نشر هذه الترجمات في أوطانهم وبواسطة مؤسساتهم وبصورة أوسع وبصورة مستمرة ليحصل كل فرد عليها، هذا مع الاهتمام بالإسلام إعلامياً ونشره بكل الوسائل الممكنة الأخرى حتى نؤدي الأمانة ونبلغ الرسالة ونأمن المسؤولية في يوم الحساب الأكبر فهل نحن فاعلون؟
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
نجاح الاقتصاد الإسلامي .. رسالة إلى دعاة الليبرالية !
عبد الله الخزمري
"... هل يعي دعاة الليبرالية سياسياً واجتماعياً فداحة الخطأ الذي يرتكبونه في حق وجودهم وشعبيتهم، وهل لهم أن ينظروا إلى هذه التجربة بعين المعتبر بغيره؟!... "
تتناقل وسائل الإعلام هذه الأيام عزم كثيرٍ من البنوك الغربية! فتح نوافذ للتمويل الإسلامي تلبية لرغبات عملائها المتزايدة للتمويل وفق ضوابط الشريعة الإسلامية.
إذاً، لم تعد الحاجة لفتح نوافذ إسلامية للتمويل والمتاجرة مقتصرةًً على البلاد الإسلامية وإنما تجاوزتها لفتح معاملات مصرفية إسلامية في بنوك غربية تعمل في مجتمعات ليبرالية خالصة.
مثل هذه التجربة الثرة والغنية يجب ألا نغفلها وأن نثير النقاش حول دلالاتها وإيحآتها الفكرية والسياسية والاجتماعية.
فكما يعلم الجميع أن عمر المعاملات المصرفية في البنوك وشركات التمويل لا يتجاوز عقدين الى ثلاثة عقود من الزمن. وقد كان الاقتصاديون ينظرون بتحفظ كبير إلى نجاح فكرة ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي جهلاً منهم بغزارة البدائل الإسلامية حيناً وانحرافاً فكرياً ومنهجياً أحياناً أخرى.(1/323)
وقد ترتب على هذه النظرة السوداوية قيام البنوك في فترة الستينات والسبعينات في مجملها على نظام المصرفية الرأسمالية المعروفة والتي تعتمد الفائدة "الربا" وسيلة للإقراض أو الاقتراض متجاهلة النصوص الكثيرة والمتوافرة والدالة على حرمة هذه المعاملات وخطرها على الفرد والمجتمع، بل ومتجاهلة رفض المجتمعات الإسلامية لهذه المعاملات وهروبها منها.
استطاعت بعض الشركات والمصارف قراءة الواقع قراءة صحيحة فتلمست تطلع شريحة كبيرة من الناس إلى البديل الإسلامي فقامت بإنشاء مصرفية إسلامية بأسلوب عصري يستفيد من التقدم التكنولوجي والمعطيات الاقتصادية ويتوافق في الجانب الأخر مع الضوابط الإسلامية التي وردت بها النصوص وأجمع عليها علماء الأمة. ولم تكن دهشة المتابعين فقط من كثرة البدائل والحلول الإسلامية بل ومن سرعة نجاح تلك الحلول والبدائل وتفوقها على بدائلها التقليدية.
أما أرباح و نتائج المصارف الإسلامية ونجاحاتها المتتالية في كل برامجها وأفكارها الخلاقة فقد أصبحت حديث كل الاقتصاديين محلياً وعالمياً بالرغم من حداثة التجربة وقلة الموارد. وكنتيجة طبيعية لهذا النجاح بدأ العديد من البنوك والمصارف العربية والخليجية تحديداً فتح نوافذ استثمارية وتمويلية إسلامية ولحق بها بعد ذلك الكثير من المصارف العالمية.
ويجب أن ننبه هنا إلى نقطة مهمة في هذا السياق ألا وهي أن الوعي الشرعي والاستثماري المتنامي لدى المجتمعات الإسلامية أصبح يفرق وبشكل واضح بين بنك وأخر حتى ولو كانا يقدمان نفس الخدمات الاستثمارية الشرعية وبدأت مطالبة من نوع جديد وهي أن تقيم البنوك وشركات التمويل هيئات شرعية محترمة من الجمهور ليس لوضع الضوابط الشرعية للمعاملات المختلفة فقط وإنما أيضاً للرقابة الفعلية على مدى جدية البنك في تطبيقه لهذه الضوابط ورصد التجاوزات وتصحيح الأخطاء متى وجدت.(1/324)
أيها السادة: إن هذا النجاح يوصلنا إلى حقيقة دامغة وهي أن الشعوب الإسلامية رفضت رفضاً مطلقاً منطلقات الليبرالية الاقتصادية استجابة لأمر الله وأمر رسوله وتحملت جراء ذلك الكثير من العنت والتعب حتى فرضت قناعتها على النخب الاقتصادية المثقفة والتكتلات الاقتصادية وأجبرت المصارف للتحول ولو تدريجياً إلى المصرفية الإسلامية بما تحمله من تميزٍ ونجاح أثبتته النتائج الرائعة التي ينعم بها كلا الطرفين المصارف ودور التمويل في جانب والمسلم الذي أصبح ينام مرتاح الضمير قرير العين بعيداً عن ظلال الرهبة من الحرب التي كانت تعلنها تلك القلاع على الله في الجانب الآخر.
كانت هذه ليبرالية الاقتصاديين وكيف تحولت مع الوقت إلى مثلبة وعيب تتبرأ منه البنوك يوماً بعد أخر حتى أصبح رؤساء البنوك والمسؤلون فيها يؤكدون أنهم لا يكتفون بتقديم البديل الإسلامي فقط وإنما يعينون هيئات شرعية في بنوكهم لتأخذ على أيديهم إن هم أخطأوا أو تجاوزوا الخطوط الحمراء؛ بل ودفع هذا الضغط الشعبي الكثير من البنوك إلى أن تتحول بكامل معاملاتها إلى البدائل الشرعية لتحضى بجزءٍ من الكعكة التي تقدمها الشعوب لكل من يتوافق عمله مع معتقدات هذه الشعوب وأفكارها وسلوكها.
ويبقى السؤال الآن: هل يعي دعاة الليبرالية سياسياً واجتماعياً فداحة الخطأ الذي يرتكبونه في حق وجودهم وشعبيتهم، وهل لهم أن ينظروا إلى هذه التجربة بعين المعتبر بغيره؟!
فإن كانوا يريدون أن يكون لهم موطأ قدم في مجتمعاتنا الإسلامية فليقيموا برامجهم وفق الضوابط الشرعية ومن يدري فقد نحتاج في يومٍ من الأيام لمطالبتهم ليس فقط بأن تكون منطلقاتهم شرعية وإنما ليكون لديهم هيئات للرقابة الشرعية حتى تطمئن قلوبنا إلى أن ما يدعون إليه من برامج إصلاحية مزعومة منسجمة فكراً وسلوكاً مع معتقدات الأمة وثوابتها.(1/325)
فكم من مدعٍ وصلاً بليلى ولكن...هل تقر لهم ليلى بذاك! وإن كانت ليلى لا تستطيع الآن لسبب أو لآخر أن تبدي وجهة نظرها في أدعياء الحب فلا نشك بأنها ستستطيع ذلك!
31-3-2006
http://www.alqlm.com المصدر:
===============
حملة رسالة الإسلام الأولون
وما كانوا عليه من المحبة والتعاون على الحق والخير
وكيف شَوَّه المغرضون جمال سيرتهم
محب الدين الخطيب
روى الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، (قال عمران بن حصين: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً) "ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن".
وروى البخاري مثله بعده عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديث ابن مسعود هذا عند الإمام أحمد أيضاً في مسنده، وفي صحيح مسلم، وفي سنن الترمذي. وروى مسلم مثله في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -.
فالهدى كل الهدى، مما لم تر الإنسانية مثله - قبله ولا بعده- هو الذي تلقاه الصحابة عن معلِّم الناس الخير. وكان الصحابة به خيَر أمةِ محمد - صلى الله عليه وسلم - بشهادته هُوَ لَهم؛ وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أما الذين يدَّعون خلاف ذلك فهم الكاذبون.
إن الخير كل الخير فيما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الدين كل الدين ما اتبعهم عليه صالحو التابعين، ثم نشأ على آثارهم التابعون لهم بإحسان.(1/326)
ومن أحطِّ أكاذيب التاريخ زَعْمُ الزاعمين أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يضمر العداوة بعضهم لبعض، بل هم كما قال الله - سبحانه - عنهم في سورة الفتح: (أِشِدَّاءُ على الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم) وكما خاطبهم رَبُّنا في سورة الحديد: (وَلِلَّهِ مِيراثُ السماواتِ والأرضِ لا يَسْتَوي مِنْكُم مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقاتَلوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الحُسْنى) ولا يخلف الله وعده. وهل بعد قول الله - عز وجل - في سورة آل عمران: (كُنْتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) يبقى مسلماً من يكذِّب ربَّه في هذا، ثم يكذِّب رسولَه في قوله: “خَيرُ أمَّتي قرني، ثم الذين يلونهم..”؟!
في صدر هذه الأمة حفظ الله كتابه بحفظته أميناً على أمين، حتى أدوا أمانة ربهم بعناية لم يسبق لها نظير في أمة من الأمم، فلم يفرطوا في شيء من ألفاظ الكتاب على اختلاف الألسنة العربية في تلاوتها ونبرات حروفها، وتنوّع مدودها وإمالاتها، إلى أدق ما يمكن أن يتصوره المتصور، فتم بذلك وعدُ الله - عز وجل - في سورة الحجر: (إنَّا نحنُ نزَّلنا الذِّكْر وإنَّا له لحافِظون).
ومن صدر هذه الأمة تفرّغ فريق من الصحابة فالتابعين وتلاميذهم لحمل أمانة السنة، فكانوا يمحِّصون أحاديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويذرعون أقطار الدنيا ليدركوا الذين سمعوها من فم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتلقوها عنهم كما يتلقون أثمن كنوز الدنيا.بل كانت دار الإمارة في المدينة المنورة منتدى الفقهاء الأولين في صدر الإسلام يجتمعون إلى أميرهم مروان بن الحكم، فإذا عزيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة غير الذي كان معروفاً عندهم أرسل مروان في تحقيق ذلك إلى من نسبت تلك السنة إليه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أزواجه، حتى يرد الحق إلى نصابه.(1/327)
وبينما كان حفظة القرآن وحملة السنة المحمدية يجاهدون في حفظ أصول الشريعة الكاملة، كان آخرون من أبناء الصحابة وأبطال التابعين يحملون أمانة الإمامة والرعاية والجهاد والفتوح، ويعملون على نقل الأمم إلى الإسلام: يعربون ألسنتهم، ويطهرون نفوسها، ويسلكونها في سلك الأخوة الإسلامية لتتعاون معهم على توحيد الإنسانية تحت راية الهدى، وتوجيهها إلى أهداف السعادة.
وقد بارك الله لهؤلاء وأولئك بأوقاتهم، وأتمَّ على أيديهم في مائة سنة ما يستحيل على غيرهم - من أهل الطرائق والأساليب الأخرى - أن يعملوه في آلاف السنين.
هؤلاء هم الذين أخبر عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم خير أمته، وقد صح ما أخبر به، فإن الإسلام إنما رأى الخير على أيديهم، فبهم حفظَ اللهُ أصولَه، وبهم هدى الله الأمم. والبلاد التي دخلت في الإسلام على أيديهم نبغ منها في ظل طريقتهم وعلى أساليبهم كبار الأئمة كالإمام البخاري والإمام أبو حنيفة والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك، فكانت الأمم تقبل على هذه الهداية بشغف وتقدير وإخلاص، لما ترى من إخلاص دعاتها وصدقهم وإيثارهم الآجلة على العاجلة، والأمة التي تولت الدعاية لهذه الهداية تستقبل نوابغ المهتدين بصدر رحب، وتبوىء المستأهلين منهم المكانة التي هم أهلٌ لها.(1/328)
هكذا كانت الحال في البطون الثلاثة الأولى التي امتدحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفها بأنها خير أمته. أما العصور التي أتت بعدهم فإن المسلمين يتميزون فيها بمقدار اتباعهم للصدر الأول فيما كان عليه من حق وخير. وهم كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم: "مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره. " رواه أحمد في مسنده, و الترمذي في سننه عن أنس، ورواه ابن حبان, والإمام أحمد في مسنده أيضاً من حديث عمار، ورواه أبو ليلى في مسنده عن علي بن أبي طالب، ورواه الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو، كل هؤلاء الصحابة رووه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى خير في كل زمان ومكان ما تحرَّت الطريق الذي مشى فيه هداة القرون الثلاثة الأولى وتابعوهم فيه. بل يرجى لمن يقيم الحق في أزماننا كما أقامه الصحابة والتابعون في أزمنتهم أن يبلغوا منزلتهم عند الله ويعدوا في بقيتهم، ولعلهم المعنيون بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الإمام أحمد, والدارمي, والطبراني من حديث أبي جمعة قال: قال أبو عبيدة: يا رسول الله، أأحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجهدنا معك. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يَروني. " وإسناده حسن، وصححه الحاكم. واحتج الحافظ أبو عمر بن عبد البر بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار في الأرض، وصبرهم على الهدى وتمسكهم به، إلى أن عَمَّ بهم في أرجائها. قال ابن عبد البر: فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن، كانوا أيضاً عند ذلك غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك. ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ،(1/329)
فطوبى للغرباء. "
ومن غربة الإسلام بعد البطون الثلاثة الأولى ظهور مؤلِّفين شوَّهوا التاريخ تقرباً للشيطان أو الحكام؛ فزعموا أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا إخواناً في الله، ولم يكونوا رحماء بينهم، وإنما كانوا أعداء يلعن بعضهم بعضاً، ويمكر بعضهم ببعض، وينافق بعضهم لبعض، ويتآمر بعضهم على بعض، بغياً وعدواناً. لقد كذبوا. وكان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أسمى من ذلك وأنبل، وكانت بنو هاشم وبنو أمية أوفى من ذلك لإسلامهما ورحمهما وقرابتهما وأوثق صلة وأعظم تعاوناً على الحق والخير.(1/330)
حدثني بعض الذين لقيتهم في ثغر البصرة لما كنت معتقلاً في سجن الإنجليز سنة 1332هـ أن رجلاً من العرب يعرفونه كان يتنقل بين بعض قرى إيران فقتله القرويون لما علموا أن اسمه (عمر)! قلت: وأي بأس يرونه باسم (عمر)؟ قالوا: حباً بأمير المؤمنين علي. قلت: وكيف يكونون من شيعة علي وهم يجهلون أن علياً سمى أبناءه -بعد الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية- بأسماء أصدقائه وإخوانه في الله (أبي بكر) و(عمر) و(عثمان) رضوان الله عليهم جميعاً، وأم كلثوم الكبرى بنت علي بن أبي طالب كانت زوجة لعمر بن الخطاب ولدت له زيداً ورقية، وبعد مقتل عمر تزوجها ابن عمها محمد بن جعفر بن أبي طالب ومات عنها فتزوجها بعده أخوه عون بن جعفر فماتت عنده. وعبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن أبي طالب سمى أحد بنيه باسم (أبي بكر) وسمى ابناً آخر له باسم (معاوية)، ومعاوية هذا -أي ابن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب- سمى أحد بنيه (يزيد). وعمر بن علي بن أبي طالب كان من نسل عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب اشتهر بالمبارك العلوي وكان يكنى (أبا بكر). والحسن السبط بن علي ابن أبي طالب سمى أحد أولاده باسم أمير المؤمنين (عمر) تيمناً وتبركاً. ولِعمر هذا ذرية مباركة منهم العلماء والشرفاء. والحسن السبط كان مصاهراً لطلحة بن عبيد الله، وإن أم إسحاق بنت طلحة هي أم فاطمة بنت الحسين بن علي. وسكينة بنت الحسين السبط كانت زوجاً لزيد بن عمر بن عثمان بن عفان الأموي. وعقد لها قبله على الأسبغ ابن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي. وأختها فاطمة بنت الحسين السبط بن علي بن أبي طالب كانت زوجة عبد الله الأكبر بن عمرو بن عثمان بن عفان، وكانت قبل ذلك زوجة الحسن المثنى، وله منها جدُّنا عبد الله المحض. وأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر ذي الجناحين بن أبي طالب كانت زوجة لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ثم تزوجها علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب.(1/331)
وأم كلثوم بنت جعفر ذي الجناحين كانت زوجة للحجاج بن يوسف وتزوجها بعد ذلك أبان بن عثمان بن عفان. والسيدة نفيسة المدفونة في مصر (وهي بنت حسن الأنور بن زيد بن الحسن السبط) كانت زوجة لأمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك وولدت له. وعلي الأكبر ابن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب أمه ليلى بنت مرة بن مسعود الثقفي وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب الأموي. والحسن المثنى بن الحسن السبط أمه خولة بنت منظور الفزارية وكانت زوجة لمحمد بن طلحة بن عبيد الله، فلما قتل يوم الجمل -ولها منه أولاد- تزوجها الحسن السبط فولدت له الحسن المثنى. وميمونة بنت أبي سفيان بن حرب جدة علي الأكبر ابن الحسين ابن علي لأمه. ولما توفيت فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج علي بعدها أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن أمية.
فهل يعقل أن هؤلاء الأقارب المتلاحمين المتراحمين الذين يتخيرون مثل هذه الأمهات لأنسالهم، ومثل هذه الأسماء لفلذات أكبادهم، كانوا على غير ما أراده الله لهم من الأخوة في الإسلام، والمحبة في الله، والتعاون على البر والتقوى؟(1/332)
لقد تواتر عن أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -أنه كان يقول على منبر الكوفة: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر". روي هذا عنه من أكثر من ثمانين وجهاً، ورواه البخاري وغيره، ولا يوجد في تاريخ في الدنيا، لا تاريخ الإسكندر المقدوني، ولا تاريخ نابليون، صحت أخباره كصحة هذا القول -من الوجهة العلمية التاريخية- عن علي بن أبي طالب. وكان –رضي الله عنه- يقول: "لا أُوتَى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حدَّ المفتري" أي أن هذه الفرية توجب على صاحبها الحدَّ الشرعي، ولهذا كان الشيعة المتقدمون متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر. نقل عبد الجبار الهمداني في كتاب (تثبيت النبوة) أن أبا القاسم نصر بن الصباح البلخي قال في (كتاب النقض على ابن الراوندي): سأل سائل شريك بن عبد الله فقال له: أيهما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. فقال السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له: نعم، من لم يقل هذا فليس شيعياً. والله لقد رقي هذه الأعواد علي فقال: “ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر” فكيف نردّ قوله؟ وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذاباً. وفي ترجمة يحيى بن يعمر العدواني من (وفيات الأعيان) للقاضي ابن خلكان أن يحيى بن يعمر كان عداده في بني ليث لأنه حليف لهم، وكان شيعياً من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل آل البيت من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم. ثم ذكر قصة له مع الحجاج، وإقامته الحجة على أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آية (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) إلى قوله - تعالى -: (وزكريا ويحيى وعيسى). قال يحيى بن يعمر: وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد - صلى الله عليه وسلم - فأقرّه الحجاج على ذلك وكبر في نظره وولاه القضاء على خراسان مع علمه بتشيعه. وأنت تعلم أن الحجاج هو ما هو، ومع ذلك فقد كان -مع فاضل متجاهر بشيعيته المعتدلة محتج للحق بالحق- أكثرَ إنصافاً من(1/333)
هؤلاء الكذبة الفجرة الذي جاءوا في زمن السوء، فصاروا كلما تعرضوا لأهل السابقة والخير في الإٍسلام، ومن فُتحت أقطار الأرض على أيديهم، ودخلت الأمم في الإسلام بسعيهم ودعوتهم وبركتهم، وكلهم من أهل خير القرون بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم، وما منهم إلا من يتصل ببني هاشم وآل البيت بالخؤولة أو الرحم أو المصاهرة؛ وبالرغم من كل ذلك يتعرضون لسيرتهم بالمساءة كذباً وعدواناً، ويرضون لأنفسهم بأن يكونوا أقل إنصافاً وإذعاناً للحق حتى من الحجاج بن يوسف. وإني أخشى عليهم لو أنهم كانوا في مثل مركز الحجاج بن يوسف كانت فيهم مآخذ كل الصالحين عليه، مع التجرد من كل مزاياه وفضائله وفتوحه التي بلغت تحت رايات كبار قواده وصغارهم إلى أقصى أقطار السند، وغشيت جبال الهند وما صاقبها.(1/334)
وإن خطبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في نعت صديقه وإمامه خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر يوم وفاته من بليغ ما كان يستظهره الناس في الأجيال الماضية. وفي خلافة عمر دخل علي في بيعته أيضاً وكان من أعظم أعوانه على الحق، وكان يذكره بالخير ويثني عليه في كل مناسبة، وقد علمتَ أنه بعد أخيه وصهره سمّى ولدين من أولاده باسميهما ثم سمى ثالثاً بعثمان لعظيم مكانته عنده، ولأنه كان إمامه ما عاش، ولولا أن عثمان -بعد أن أقام الحجة على الذين ثاروا عليه بتحريض أعداء الله رجال عبد الله بن سبأ اليهودي- منع الصحابة من الدفاع عنه حقناً لدماء المسلمين، وتضييقاً لدائرة الفتنة، ولما يعلمه من بشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به بالشهادة والجنة، لولا كل ذلك لكان علي في مقدمة من في المدينة من المهاجرين والأنصار الذين كانوا كلهم على استعداد للدفاع عنه ولو ماتوا في سبيل ذلك جميعاً. ومع ذلك فإن علياً جعل وليده الحسن والحسين على باب عثمان، وأمرهما بأن يكونا طوع إشارته في كل ما يأمرهما به ولو أدى ذلك إلى سفك دمهما، و أوعز إليهما بأن يخبرا أباهما بكل ما يحب عثمان أن يقوم له به. وكذبٌ على الله وعلى التاريخ كلُّ ما اخترعه الكاذبون مما يخالف ذلك ويناقض وقوف الحسن والحسين في بابه واستعدادهما لطاعته في كل ما يأمر. ولقد كان من عادة سلفنا أن يدوِّنوا أخبار تلك الأزمان منسوبة إلى رواتها، ومن أراد معرفة قيمة كل خبر على طريقة (أنَّى لكَ هذا؟) فرجع إلى ترجمة كل راوٍ في كل سند لتمحَّصت له الأخبار، وعلم أن الأخبار الصحيحة التي يرويها أهل الصدق والعدالة هي التي تثبت أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا كلهم من خيرة من عرفت الإنسانية من صفوة أهلها، وأن الأخبار التي تشوِّه سيرة الصحابة وتُوهِمُ أنهم كانوا صغار النفوس هي التي رواها الكذبة من المجوس الذين تسموا بأسماء المسلمين.(1/335)
ولعلك تسألني: إذن ما هو أصل التشيع، وهل لم يكن لعلي شيع ة في الصدر الأول؟ وما هي وقعة الجمل، وما الباعث على وقوعها؟ وما هي حقيقة التحكيم؟
إن الجواب على هذه الأسئلة بالأسانيد التي ترتاح إليها قلوب المنصفين مهما اختلفت مشاربهم ومذاهبهم، يحتاج إلى كتابة تاريخ المسلمين من جديد، وإلى أخذه -عند كتابته- من ينابيعه الصافية، ولا سيما في المواطن التي شوهها أهل الذمم الخَرِبَة من ملفِّقي الأخبار. وأعيد هنا ما قلته غير مرة، وهو أن الأمة الإسلامية أغنى أمم الأرض بالمادة السليمة التي تستطيع أن تبني بها كيان تاريخها، إلا أنها لا تزال أقل أهل أمم الأرض عناية ببناء تاريخها من تلك المواد السليمة، والناس الآن بين قارئ لكتب قديمة أراد مؤلفوها أن يتداركوا الأخبار قبل ضياعها فجمعوا فيها كل ما وصلت إليه أيديهم من غثّ وسمين، منبهين على مصادر هذه الأخبار وأسماء رواتها ليكون القارئ على بينة من صحيحها وسقيمها، ولكن لبعد الزمن وجهل أكثر القراء بمراتب هؤلاء الرواة ودرجتهم في الصدق والكذب، وفي الوفاء للحق أو الميل مع الهوى، تراهم لا يستفيدون من هذه المصادر، ولا من الكتب التي اعتمدت عليها بلا تمحيص وتحقيق. وهنالك كتب قديمة أيضاً ولكنها دون هذه الكتب، لأن أصحابها من أهل الهوى، وممن لهم صبغات حزبية يصبغون أخبارهم بألوانها، فهي أعظم ضرراً، ولعلها أوسع من تلك انتشاراً. أما الكتب الحديثة كمؤلفات جرجي زيدان، والبحوث التي يستقيها حملة الأقلام من مؤلفات المستشرقين على غير بصيرة بدسائسهم، فإنها ثالثة الأثافي وعظيمة العظائم، ولذلك باتت هذه الأمة محرومة أغزر ينابيع قوتها وهو الإيمان بعظمة ماضيها، في حين أنها سليلة سلف لم ير التاريخ سيرة أطهر ولا أبهر ولا أزهر من سيرته.(1/336)
ومع أن كثيراً من أمهات الكتب النفيسة فُقِدَت في كارثة هولاكو، ثم في الحروب الصليبية واكتساح الأندلس، وما تلا ذلك كله من انحطاط المستوى العلمي في القرون الأخيرة، إلا أن كثيراً من تحقيقات لمحققين لا تزال منبثة في مطاوي الكتب الإسلامية. والأمل عظيم في قيام نهضة جديدة لبعث ماضي هذه الأمة المجيد على ضوء ما تركه علماؤها من نصوص وتوجبهات.
وأعود بعد هذا إلى الأسئلة التي تقدمت آنفاً عن أصل الفتن والتشيع، فقد زعم الزاعمون لعليٍّ -كرم الله وجهه- ما لم يكن له به علم: زعموا أن النبي e عيّنه للخلافة بعده يوم استخلفه على المدينة وهو متجه إلى الشام في غزوة تبوك، وقال له يومئذ: “أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي”. ورجال الحديث مختلفون في درجة هذا الخبر من الصحة، فبعضهم يراه صحيحاً، وبعضهم يراه ضعيفاً، وذهب الإمام أبو الفرج بن الجوزي إلى أنه موضوع مكذوب. ونحن إذا رجعنا إلى الظروف التي قالوا إنها لابست هذا الحديث نرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد الله له أن يتوجّه نحو تبوك- أمر علياً بأن يتخلف في المدينة، وكان رجالها والقادرون على الحرب من الصحابة قد خرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوجد علي في نفسه وقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتجعلني مع الناس والأطفال والضعفة؟ ” فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - تطييباً لنفسه: “أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ ” أي في استخلاف موسى أخاه هارونَ لما ذهب إلى الجبل ليعود بالألواح. فهذا الاستخلاف لم يكن في نظر سيدنا علي -كرم الله وجهه- هذا المعنى الوهمي الذي اخترعه المتحزبون فيما بعد، بل هو على عكس ذلك كان يراه حرماناً له من مكانة أعلى وهي مشاركة إخوانه الصحابة في ثواب الجهاد لتكوين الكيان الإسلامي المنشود. زِدْ على ذلك أن هذا النوع من الاستخلاف لم ينفرد به علي كرم الله وجهه، بل تكرر من النبي - صلى الله عليه(1/337)
وسلم - استخلاف ابن أم مكتوم على المدينة نفسها، وكان ابن أم مكتوم يتولى الإمامة بالناس في المدينة مدة خلافته عليها. وقد ناظر كبارُ الشيعة في هذا الحديث علاَّمةَ العراق السيد عبد الله السويدي عندما جمعه بهم نادر شاه في النجف سنة 1156 هـ فأفحمهم السويدي وخذل باطلهم، كما ترى ذلك فيما دوَّنه - رحمه الله - بقلمه عن هذه الواقعة وأثبتناه في رسالة طبعناها بعنوان (مؤتمر النجف).
فالإمام علي - رضي الله عنه -كان يعلم أن الخلافة الحقة هي التي انضوى فيها إلى إجماع إخوانه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قدَّر الله لها بحكمته ما شاء، وقضي فيها بعدله ما أراد. وما كان لمسلم من عامة المسلمين - فضلاً عن مثل علي في عظيم مكانته في الأولين والآخرين- أن يسخط لقدر الله، أو يتمرد على قضاءه، أو يرضى غير الذي ارتضاه إخوانه من الصحابة، أو يداجي في إجماعه معهم على ما فيه صلاح المسلمين. ومن الافتئات عليه والانتقاص من قدره والتشويه لجمال الإسلام وتاريخه الشكُّ في إخلاص علي أو في اغتباطه بما بايع عليه خليفةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق وصاحبيه من بعده عمرَ وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن المزايا التي تفرّد بها عليّ وطبقته ممن ولي الخلافة أو دخل في بيعتها في الصدر الأول أنهم كانوا يرون ولاية هذا الأمر واجباً يقوم به الواحد منهم إذا وجب عليه كما يقوم بسائر واجباته، ولا يرونها حقاً لأحدهم يعادي عليه المسلمين، ويعرّض دماءهم للخطر والشر، ليستأثر بها على غيره.(1/338)
وجميع الوقائع -إذا جرِّدت من زيادات أهل الأهواء- تدل على هذه المكانة السامية لعلي وإخوانه، فلما شُوِّهت الوقائع وأخبارها بما دسَّه فيها المتزيِّدون من أكاذيب لا مصلحة فيها لعلي وآله، كانت بها لعلي وبنيه صورة قبيحة لا تنطبق على الحقيقة والواقع، وظن المخدوعون بها أن تلك الطبقة -الممتازة على جميع أمم الأرض بعفَّتها وطهارة نفوسها وترفُّعِها عن الصغائر- إنما كانت على عكس ذلك: تتنازع كالأطفال والرعاع على توافه الدنيا وسفاسف العاجلة. فالخلافة كانت في نظر الراشدين عِبئاً يتولَّى الواحد منهم حمله بتكليف من المسلمين أداءً للواجب، ولم تكن عند أحد منهم متاعاً ولا مأكلة حتى يتنازع غيره عليها. ولما تآمرت المجوسية واليهودية على سفك دم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأبقى الله من حياته بقيَّة يدبر فيها للمسلمين أمرهم بعده، جعل الأمر شورى، واقترح عليه بعض الصحابة أن يريح المسلمين من ذلك فيعهد إلى ابنه عبد الله بن عمر -ولم يكن عبد الله بن عمر دون أبيه في علم أو حزم أو بعد نظر أو إخلاص لله ورسوله والمؤمنين- رفض عمر ذلك وقال: "بحسب آل الخطاب أن يليها واحد منهم؛ فإن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان رزءاً فقد قمنا بنصيبنا فيه. " وعبد الله بن عمر نفسه عرضت عليه الإمامة فيمن عرضت عليهم عند مقتل عثمان في ذي الحجة سنة 35 هـ فهرب منها كما كان يهرب منها طلحة والزبير وعلي، ولم يتولَّها عليٌّ إلا قياماً بواجب، ولم يستمدَّها من خرافات المتحزِّبين وسخافاتهم، بل من إرادة الأمة في ذينك اليومين (الخميس ذي الحجة والجمعة منه) ما أعلن ذلك على رءوس الأشهاد وهو واقف على أعواد منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعليٌّ إلى تلك الساعة لم تكن له شيعة خاصة به يعرفها وتتصل به، ولم يخطر على باله أن يجعل أحداً من الناس شيعة له، لأنه هو نفسه وسائر إخوانه من الصحابة كانوا شيعة الإسلام الملتفَّة حول خلفاء نبيها - صلى الله(1/339)
عليه وسلم - أبي بكر ثم عمر ثم عثمان. ولو حدَّثته نفسه باتخاذ شيعة خاصة به غير جمهور الأمة الذي يتشيع للبيعة العامة لكان ذلك نقضاً منه لما عقد عليه صفقة يمينه لإمامه، وما طُوِّق به عنقه من بيعة الإسلام لأصحابها. ولا شك أنه استمر على ذلك إلى عشية الخميس 24هـ من ذي الحجة سنة 35 للهجرة، وكان أهلاً لأن يستمر على ذلك بأمانة وإخلاص. ولو لم يكن علي كذلك لما كان في هذه المنزلة السامية عند الله والناس. ومن الثابت عنه في عشية ذلك اليوم أنه كان يدافع الخلافة عن نفسه، ويحاول أن يقنع أخاه طلحة بن عبيد الله - أحد العشرة المبشرين بالجنة- بأن يتولى هو هذا الأمر عن المسلمين، بينما طلحة أيضاً كان يدافعها عن نفسه ويحاول إقناع علي بأن يكون هو حاملَ هذا العبء القائمَ على المسلمين بهذا الواجب. وانظر الحوار بينهما في ذلك كما رواه عالم من كبار علماء التابعين وهو الإمام محمد بن سيرين على ما أورده أبو جعفر الطبري في تاريخه: فيقول علي لطلحة: ابسط يدك يا طلحة لأبايعك. فيقول له طلحة: أنت أحق، فأنت أمير المؤمنين، فابسط يدك. وكاد الثائرون من جماعة الفسطاط والكوفة والبصرة يثبون بعلي وطلحة والزبير فيقتلونهم لهربهم من ولاية الأمر وتعففهم جميعاً عن قبول الخلافة، فانتهى الأمر بقبول علي، وارتقى منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم التالي (الجمعة 25 من ذي الحجة سنة 35هـ) فخطب خطبة حفظ الطبري لنا نصها، فقال: أيها الناس عن ملأ وأذن، إن هذا أمركم، ليس لأحد فيه حق إلا من أمَّرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر (أي على البيعة له) فإن شئتم قعدتُ لكم، وإلا فلا أجد على أحد. وبذلك أعلن أنه لا يستمد الخلافة من شيء سبق، بل يستمدها من البيعة إذا ارتضتها الأمة.(1/340)
ومن مزايا الطبقة الأولى في الإسلام التي صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأدبت بأدبه وتشبعت بسنته أنها كانت ترى الاعتدال ميزان الدين، والرفق جمال الإسلام؛ لأن نبيها - صلى الله عليه وسلم - كان يقول لها: إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نُزِع من شيء إلا شانه. وكان يقول لها: من يحرَم الرفق يحرَم الخير كله. ويقول: إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق. ويقول: إياكم والغلوّ في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلوّ فيه. فلما نشأت الطبقة الثانية في حياة الطبقة الأولى أدَّب الآباء بنيهم بهذا الأدب. ولكن أكثر ما كانت هذه الطريقة ناجحة في الحجاز ونجد والشام. وكان في ناشئة الكوفة والبصرة والفسطاط من أخذ بهذه الطريقة، كما أن فيهم من شبَّ على الغلوِّ في الدين. ومن أكبر المصائب في الإسلام في ذلك الحين تسلُّط إبليس من أبالسة اليهود على الطبقة الثانية من المسلمين فتظاهر لها بالإسلام وادَّعى الغيرة على الدين والمحبة لأهله، وبدأ يرمي شبكته في الحجاز والشام فلم يعلق بشيء بسبب تشبُّعهم بفطرة الإسلام في اعتداله ورفقه، وحذَرِهم من طرفي الإفراط والتفريط. فذهب الملعون يتنقل بين الكوفة والبصرة والفسطاط ويقول لحديثي السن وقليلي التجربة من شبابها: عجباً لمن يزعم أن عيسى يرجع ويكذِّب بأن محمداً يرجع، وقد قال - عز وجل -: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) فمحمد أحق بالرجوع من عيسى. وكان يقول لهؤلاء الشبان: كان فيما مضى ألف نبي، ولكل نبي وصي، وإن علياً وصي محمد. ويقول لهم: محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء. ثم يقول لهم محرضاً على عثمان، وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان سنة 30: ومن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله، وممن يثب على عليّ وصيِّ رسول الله وينتزع منه أمر الأمة. ويقول لهم: إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، وهنالك علي وصي رسول الله فانهضوا فحركوه وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(1/341)
تستميلوا الناس.
إن هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء، وكان يسمى ابن السوداء وكان يبث دعوته بخبث وتدرُّج ودهاء. واستجاب له ناس من مختلف الطبقات، فاتخذ بعضهم دعاة فهموا أغراضه وعوَّلوا على تحقيقها. واستكثر أتباعه بآخرين من البلهاء الصالحين المتشددين في الدين المتنطعين في العبادة ممن يظنون الغلوَّ فضيلة والاعتدال تقصيراً. فلما انتهى ابن سبأ من تربية نفر من الدعاة الذين يحسنون الخداع ويتقنون تزوير الرسائل واختراع الأكاذيب ومخاطبة الناس من ناحية أهوائهم، بث هؤلاء الدعاة في الأمصار -ولا سيما الفسطاط والكوفة والبصرة- وعُني بالتأثير على أبناء الزعماء من قادة القبائل وأعيان المدن الذين اشترك آباؤهم في الجهاد والفتح، فاستجاب له من بلهاء الصالحين وأهل الغلوّ من المتنطعين جماعاتٌ كان على رأسهم في الفسطاط الغافقي بن حرب العكي، وعبد الرحمن بن عديس البَلَوي التُّجيبي الشاعر، وكنانة بن بشر بن عتاب التجيبي، وسودان بن حمران السكوني، وعبد الله بن زيد بن ورقاء الخزاعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعروة بن النباع الليثي، وقتيرة السكوني. وكان على رأس من استغواهم ابنُ سبأ في الكوفة عمرو بن الأصم، وزيد بن صوحان العبدي، والأشتر مالك بن الحارث النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم. ومن البصرة حرقوص بن زهير السعدي، وحُكيم بن جبلة العبدي، وذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح، والحطم بن ضبيعة القيسي، وابن المحرش بن عبد عمرو الحنفي. أما المدينة فلم يندفع في هذا الأمر من أهلها إلا ثلاثة نفر وهم: محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس، وعمار بن ياسر. ومن دعاء ابن سبأ ومكره أنه كان يبثُّ في جماعة الفسطاط الدعوة لعلي (وعلي لا يعلم ذلك)، وفي جماعة الكوفة الدعوةَ لطلحة، وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير، وليس هنا موضع تحليل نفسيات المخدوعين بدعوة هذا الشيطان، ولا نريد(1/342)
أن ننقل ذمَّ علي وطلحة والزبير لهم وما قالوه فيهم يوم نزل الثائرون في ذي خُشُب والأعوص وذي المروة، وكيف زوَّر ابنُ سبأ وشياطينه رسالة على لسان علي بدعوة جماعة الفسطاط إلى الثورة في المدينة، فلما واجهوا علياً بذلك قالوا له: أنت الذي كتبتَ إلينا تدعونا، فأنكر عليهم أنه كتب لهم، وكان ينبغي أن يكون ذلك سبباً ليقظتهم ويقظة علي أيضاً إلى أن بين المسلمين شيطاناً يزوِّر عليهم الفساد لخطة مرسومة تنطوي على الشر الدائم والشرر المستطير، وكان ذلك كافياً لإيقاظهم إلى أن هذه اليد الشريرة هي التي زوَّرت الكتاب على عثمان إلى عامله بمصر بدليل إن حامله كان يتراءى لهم متعمِّداً ثم يتظاهر بأنه يتكتم عنهم ليثير ريبتهم فيه، فراح المسلمون إلى يومنا هذا ضحيةَ سلامة قلوبهم في ذلك الحين. إن دراسة هذا الموضوع الآن على ضوء القرائن القليلة التي بقيت لنا بعد مضي ثلاثة عشر قرناً تحتاج إلى من يتفرغ لها من شباب المسلمين، وسيجدون مستندات الحق في تاريخهم كافية لوضع كل شيء في موضعه إن شاء الله.(1/343)
فأول فتنة وقعت في الإسلام هي فتنة المسلمين بمقتل خليفتهم وصهر نبيهم الإمام العادل الكريم الشهيد ذي النورين عثمان بن عفان رضوان الله عليه. وقد علمتَ أن الذين قاموا بها وجنوا جنايتها فريقان: خادعون ومخدَعون. وقد وقعت هذه الكارثة في شهر الحج، وكان عائشة أم المؤمنين قد خرجت إلى مكة مع حجاج بيت الله ذلك العام، فلما علمت بما حدث في مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحزنها بغي البغاة على خليفة نبيهم. وعلمت أن عثمان كان حريصاً على تضييق دائرة الفتنة، فمنع الصحابة من الدفاع عنه، بعد أن أقام الحجة على الثائرين في كل ما ادعوه عليه وعلى عمَّاله، كان الحق معه في كل ذلك وهم على الباطل، وكان هو المثل الإنساني الأعلى في العدل وكرم النفس والنزول على قواعد الإسلام واتباع سننه، وكان في مدة خلافته أكرم وأصلح وأكثر إنصافاً بالحق واتباعاً للخير مما كان هو عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجتمعت عائشة بكبار الصحابة، وتداولت الرأي معهم فيما ينبغي عمله -وقد عرف القراء ما كانوا عليه من نزاهة، وفرار من الولاية، وترفُّع عن شهوات النفس- فرأوا أن يسيروا مع عائشة إلى العراق ليتفقوا مع أمير المؤمنين علي على الاقتصاص من السبئيين الذي اشتركوا في دم عثمان وأوجب الإسلام عليهم الحد فيه، ولم يكن يخطر على بال عائشة وكل الذين كانوا معها -وفي مقدمتهم طلحة والزبير المشهود لهما من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة- أنهم سائرون ليحاربوا علياً، ولم يكن يخطر ببال علي أن هؤلاء أعداء له وأنهم حرب عليهم. وكل ما في الأمر أن أولئك المتنطعين الغلاة الذين انخدعوا بدعوة عبد الله ابن سبأ واشتركوا في قتل عثمان انغمروا في جماعة علي، وكان فيهم الذين تلقنوا الدعوة له وتتلمذوا على ذلك الشيطان اليهودي في دسيسة أوصياء الأنبياء ودعوى خاتم الأوصياء، فجاءت عائشة ومن معها للمطالبة بإقامة الحد على الذين اشتركوا في جناية(1/344)
قتل عثمان، وكان علي -وهو ما هو في دينه وخلقه- ليتأخر عن ذلك، إلا أنه كان ينتظر أن يتحاكم إليه أولياء عثمان. وقبل أن يتفق الفريقان على ذلك شعر قتلةُ عثمان بأن الدائرة ستدور عليهم، وهم على يقين بأن علياً لن يحميهم من الحق عند ظهوره، فأنشب هؤلاء حرب الجمل، فكانت الفتنة الثانية بعد الفتنة الأولى. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري معتمداً على كتاب (أخبار البصرة) لعمر بن شبة، وعلى غيره من الوثائق القديمة التي جاء فيها عن ابن بطال قولُ الملهب:... إن أحداً لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا علياً في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة، وإنما أنكرت هي ومن معها على علي منعَه مِن قَتْلِ قتلة عثمان وترك القصاص منهم. وكان علي ينتظر من أولياء عثمان أن يتحاكموا إليه، فإذا ثبت على أحد بعينه أنه ممن قتل عثمان اقتصَّ منه، فاختلفوا بحسب ذلك وخشي من نُسِبَ إليهم القتل أن يصطلحوا على قتلهم، فأنشبوا الحرب بينهم (أي بين فريقي عائشة وعلي) إلى أن كان ما كان.(1/345)
ونجح قتلة عثمان في إثارة الفتنة بوقعة الجمل، فترتب عليها نجاتهم وسفك دماء المسلمين من الفريقين، وإنك لتجد الأسماء التي سجلها التاريخ في فتنة عثمان يتردد كثير منها في وقعة الجمل، وفيما بين الجمل وصفِّين، ثم في وقعة صفين وحادثة التحكيم، وفي هذه الحادثة الأخيرة اتسعت دائرة الغلوّ في الدين، فكثر المصابون بوبائه، وتفننوا في مذاهبه، إلى أن انتهى بانشقاق الخوارج عن علي، وتميَّز فريق من المتخلِّفين مع علي باسم الشيعة، ولم يقع نظري على اسم للشيعة في حياة علي كلها إلا في هذا الوقت سنة 37 هـ. ومن الظواهر التي تسترعي الأنظار في تاريخ هذه الفترة أن الغلاة من الفريقين -فريق الشيعة وفريق الخوارج- كانوا سواء في الحرمة للشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، تبعاً لما كان عليه أمير المؤمنين علي نفسه، وما كان يعلنه على منبر الكوفة من الثناء عليهما والتنويه بفضلهما. أما الخوارج فإنهم والإباضية ظلوا على ذلك لم يتغيروا أبداً، فأبو بكر وعمر كانا عندهم أفضل الأمة بعد نبيها، استرسالاً منهم فيما كانوا عليه مع علي قبل أن يفارقوه. وأما الشيعة فإنهم عندما جددوا بيعتهم لعلي بعد خروج الخوارج إلى حروراء والنهروان قالوا له أوَّلاً: نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت. فشرط لهم -كرم الله وجهه- سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي يوالوا من والى على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعادوا من عادى على سنته - صلى الله عليه وسلم -، فجاء ربيعة بن أبي شداد الخثعمي -وكان صاحب راية خثعم في جيش علي أيام الجمل وصفين- فقال له علي: بايِع على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال ربيعة: وعلى سنة أبي بكر وعمر. فقال علي: لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونا على شيء من الحق. أي أن سنة أبي بكر وعمر إنما كانت محمودة ومرغوباً فيها لأنها قائمة على العمل(1/346)
بكتاب الله وسنة رسوله، فبيعتكم الآن على كتاب الله وسنة رسوله تدخل فيها سنة أبي بكر وعمر.
هكذا كان أمير المؤمنين من أخويه وحبيبيه خليفتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر وعمر في حياته كلها، وهكذا كانت شيعته الأولى: من خرج عليه، ومن جدد البيعة له بعد التحكيم.
وحكاية التحكيم هذه كانت مادة دسمة للمغرضين من مجوس هذه الأمة أتاحت لهم دسَّ السموم في تاريخنا على اختلاف العصور، وأول من شمَّر عن ساعديه للعبث بها وتشويه وقائعها أبو مخنف لوط بن يحى، ثم خلف خلْفٌ بعد أبي مخنف بلغوا من الكذب ما جعل أبا مخنف في منزلة الملائكة بالنسبة إلى هؤلاء الأبالسة، وأبو مخنف معروف عند ممحِّصي الأخبار وصيارفة الرجال بأنه أخباريٌّ تالف لا يُوثَق به. نقل الحافظ الذهبي في (ميزان الاعتدال) عن حافظ إيران ورأس المحققين من رجالها الرازي - رحمه الله - أنه تركه وحذَّر الأمة من أخباره، وأن الدار قطني أعلن ضعفه، وأن ابن معين حكم عليه بأنه ليس بثقة، وأن ابن عدي وصفه بأنه شيعيٌّ محتَرق.(1/347)
ومن براعة هؤلاء المغرضين في تحريف الوقائع ودس أغراضهم فيها، وتوجيهها بحسب أهوائهم، لا كما وقعت بالفعل، أنهم كانوا يعمدون إلى حادثة وقعت بالفعل فيوردون منها ما كان يعرفه الناس، ثم يلصقون بها لصيقاً من الكذب والإفك يوهمون أنه من أصل الخبر ومن جملة عناصره، فيأتي الذين من بعدهم فيجدون الخبر القديم مختصراً فيحكمون عليه بأنه ناقص، ويقولون: من حَفِظَ حُجَّةٌ على من لم يحفظ. ويتناولون الخبر بما لصق به من لصيق مفترى، حتى تكون الرواية الجديدة وما في بطنها من الإثم هي المتداولة بين الناس. وقد يعمد هؤلاء المغرضون إلى موهبة من مواهب النبوغ عرف بها أحد أبطال التاريخ الإسلامي وعظماء الدعاة الفاتحين، ولم يعرف عنه استعمالها إلا في سبيل الحق والخير، فيطلعون على الناس بأكاذيب يرتبونها على تلك الموهبة، ويوهمون أن رجل الحق والخير الذي حلاَّه الله بتلك الموهبة ولم يستعملها إلا في نشر دين الله وتوسيع نطاق الوطن الإسلامي، قد انقلب بزعمهم مع الزمن، وسخَّر نبوغه للباطل والشر؛ فإذا أخذ المحققون في تمحيص ذلك، وتحرِّي مصادر هذه التهم التي لا تلتئم مع ما تقدمها من سيرة ذلك البطل المجاهد، وجدوها من بضاعة الكذَّابين ومفترياتهم، ولكن قلَّما يُجدي ذلك بعد أن يكون (قد قيل ما قيل إن صِدقاً وإن كَذباً).(1/348)
هذا أبو عبد الله عمرو بن العاص بن وائل السهمي بطل أجنادين، وفاتح مصر، وأول حاكم ألغى نظام الطبقات فيها، وكان السبب الأول في عروبتها وإسلام أهلها، وشريك مسلميها في حسناتهم من زمنه إلى الآن لأنه الساعي في دخولهم في الإسلام - هذه الرجل العظيم عرفه التاريخ بالدهاء ونضوج العقل وسرعة البادرة، وكان نضوج عقله سبب انصرافه عن الشرك ترجيحاً لجانب الحق واختياراً لما دلَّه عليه دهاؤه من سبيل الخير، فجاء مزيِّفو الأخبار من مجوس هذه الأمة وضحاياهم من البلهاء فاستغلُّوا ما اشتُهر به عمرو من الدهاء استغلالاً تقرُّ به عين عبد الله بن سبأ في طبقات الجحيم.(1/349)
يقول قاضي قضاة أشبيلية بالأندلس الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري (المولود في أشبيلية سنة 468 والمتوفَّى بالمغرب سنة 543) في كتابه (العواصم من القواصم) ص177 بعد أن ذكر ما شاع بين الناس في مسألة تحكيم عمرو وأبي موسى، وما زعموه من أن أبا موسى كان أبله وأن عمْراً كان محتالاً: هذا كله كذب صراح، ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع. وإنما الذي روى الأئمة الأثبات أنهما -يعني عمراً وأبا موسى- لما اجتمعا للنظر في الأمر، في عصبة كريمة من الناس منهم ابن عمر، عزَل عمروٌ معاوية. ذكر الدار قطني بسنده عن حضين بن المنذر أنه لما عزل عمرو معاويةَ جاء (أي حضين) ضرب فسطاطه قريباً من فسطاط معاوية، فبلغ نبأه معاوية، فأرسل إليه فقال: إنه بلغني عن هذا (يعني عمرو بن العاص) كذا وكذا (يعني اتفاقه مع أبي موسى على عزل الأميرين المتنازعين لحقن دماء المسلمين وردَّاً للأمر إليهم يختارون من يكون به صلاح أمرهم). فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه. قال حضين: فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولقد قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه النفر الذي توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض. قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يُسْتَعَنْ بكما ففيكما معونة، وإن يُسْتَغْنَ عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما. فقال: فكانت هي التي فتل معاوية منها نفسه. فأتيته (أي أن حضيناً أتى معاوية) فأخبرته أن الذي بلغه عنه كما بلغه. أي أن الذي بلغ معاوية من أن عمراً وأبا موسى عزلاه هو كما بلغه، وأنهما رأيا أن يرجع في الاختيار من جديد إلى النفر الذي توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض. ثم ذكر(1/350)
القاضي أبو بكر بن العربي بقية خبر الدارقطني عن إرسال معاوية رسولاً -وهو أبو الأعور الذكواني- إلى عمرو بن العاص يعاتبه، وأن عمراً أتى معاوية وجرى بينهما حوار وعتاب، فقال عمرو لمعاوية: إن الضجور قد يحتلب العلبة. وهو مثل معناه أن الناقة الضجور التي لا تسكن للحالب قد ينال الحالب من لبنها ما يملأ العلبة. فقال له معاوية: وتربذ الحالب فتدق عنقه وتكفأ إناءه.
فرواية الدار قطني هذه -وهو من أعلام الحديث- عن رجال عدول معروفين بالتثبت، ويقدرون مسئولية النقل، هي التي تتناسب مع ماضي عمرو وأبي موسى وأيامهما في الإسلام ومكانتهما من النبي - صلى الله عليه وسلم - وموضعهما من ثقة الفريقين بهما واختيارهما من بين السادة القادة المجربين. وأما الافتئات على أبي موسى والإيهام بأنه كان أبله فهو أشبه بالرقعة الغريبة في ردائه السابغ الجميل. يقول القاضي أبو بكر بن العربي (ص174): وكان أبو موسى رجلاً تقياً ثقفاً فقيهاً عالماً أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن مع معاذ، وقدَّمه عمر بن الخطاب وأثنى عليه بالفهم. وزعمت الطائفة التاريخية أنه كان أبله ضعيف الرأي مخدوعاً في القول. ثم ردَّ هذه الأكاذيب وأحال في تفصيل الرد على كتاب له اسمه سراج المريدين.
وبعد فإن صحائف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت كقلوبهم نقاء وسلامة وطهراً. وما نتمناه من تمحيص التاريخ أول ما يشترط له فيمن يتولاه أن يكون سليم الطوية لأهل الحق والخير، عارفاً بهم كما لو كان معاصراً لهم، بارعاً في التمييز بين حملة الأخبار: من عاش منهم بالكذب والدس والهوى، ومن كان منهم يدين لله بالصدق والأمانة والتحرز عن تشويه صحائف المجاهدين الفاتحين الذي لولاهم لكنا نحن وأهل أوطاننا جميعاً لا نزال كفرة ضالين.
http://www.fustat.com المصدر:
============
رسالة إلى أهل العراق
يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه
الخطبة الأولى:(1/351)
أيها المسلمون، قالت مصادر صحفية في الولايات المتحدة الأمريكية: إن كبار رجال الساسة والمهتمين بمنطقة الشرق الأوسط أكدوا للرئيس الأمريكي أن تفاقم الأوضاع وتدهور الحالة الأمنية وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يعود أساسًا إلى إخفاق الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بالتوصل إلى تحقيق السلام بينهما. وأكد المسئولون الأمريكيون أن عدم تنفيذ ما يسمونه: "خارطة الطريق" والتي ترعاها الإدارة الأمريكية ستزيد الأمور تعقيدًا وزيادة حدة التوتر وأعمال العنف، ويسبب بالتالي الانزعاج والقلق لمصداقية الإدارة الأمريكية في العالم العربي؛ بسبب انحيازها المكشوف لصالح إسرائيل، وأن إدارة الرئيس الأمريكي تتغاضى كليًّا عن الممارسات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وفي مناطق خاضعة للسلطة الفلسطينية، من مداهمات يومية واغتيالات واعتقالات ومصادرة للأراضي وتوسيع للمستوطنات. وربطت المصادر الأمريكية بين التوتر الذي تشهده العديد من العواصم العربية وبين الأوضاع المأساوية في فلسطين إلى سوء الإدارة الأمريكية التي فشلت في تطبيق ما أسمته الديمقراطية في العراق وإحلال السلام والحرية للشعب العراقي من دكتاتورية النظام السابق.
أيها المسلمون، إن الطائفية المَقِيتة أخذت بُعْدًا خطيرًا بين العراقيين أنفسهم من ويلات التعذيب داخل زنازين ومعتقلات السلطة العراقية الحاكمة والمتمثلة بالطائفة الشيعية، فالعراقيون يعانون من الاضطهاد والتنكيل وشتّى أصناف وألوان العذاب، وإذا كان هذا هو الواقع العراقي فما الذي تغير؟! وهل مصير الشعب العراقي أن ينجر إلى دوامة الحرب الأهلية والتي تحصد الأخضر واليابس؟!(1/352)
أيها المسلمون، عراق الرافِدَين لم يعد واحدًا، بل هو ساحة حرب، وساحة تفجيرات وانتقامات واغتيالات، آلاف مؤلفة من العراقيين أُزهِقت أرواحهم، الأمر الذي دفع مؤخّرًا بالجامعة العربية إلى إقناع الأطراف المعنية لحضور مؤتمر مصالحة عُقِد في القاهرة؛ لوضع آلية مصالحة، الإدارة الأمريكية رحّبت بقرار مؤتمر المصالحة، بعد أن كانت ترفض أي تدخل في الشأن العراقي عربيًّا كان أم أجنبيًّا، ويأتي الترحيب الأميركي لمؤتمر المصالحة لا لسواد عيون العرب والمسلمين، ولا لوقف حمّام الدم في أرض الرافِدَين، وإنما لوقف النزيف الدموي والحد من الخسائر البشرية في القوات الأمريكية، هذه الخسائر التي أخذت تداعياتها تؤثر سلبًا على الرئيس الأمريكي ومكانته، حيث هبطت شعبيته إلى أدنى مستوى. أمريكا وقوى الشر تُغذّي الاقتتال، وفي الوقت ذاته تُنَصِّب نفسها مصلحًا اجتماعيًّا.
فحذار من الحرب الأهلية والطائفية البغيضة، اسمعوا قوله - تعالى -: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
أيها العراقيون، عودوا إلى رشدكم وصوابكم، وحّدوا صفوفكم، وليكن هدفكم واحدًا، العراق لكم، فلا تدعوا قوى الظلم والعدوان تسلب ثرواتكم وتنهب خيراتكم، لا تجعلوا من عراق الرشيد والمعتصم مقرًّا دائمًا للغزاة والحاقدين، كونوا أمة واحدة كما أرادكم الله، اسمعوا قوله - تعالى -: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، وأنتم تعلمون شرعًا أنه لا يجوز لمسلم أن يشهر السلاح بوجه أخيه المسلم.(1/353)
أيها المسلمون، شعبنا المسلم في أرضنا المقدسة يكتوي بنار الاحتلال، ويقع حاليًّا ضحية التفاعلات والتناقضات في العالم كله، إذ لم يعد قادرًا على المطالبة بحقوقه المشروعة، ذلك أن إسرائيل تستغل الحملة الدولية ضد الإرهاب لتعكس سياستها التوسعية على حساب الحقوق الفلسطينية، وتخلط بين الإرهاب والحق المشروع، فلم يعد في القاموس الدولي ما يعرف بالنِّضَال العادل والمشروع، وإنما يجب محاربة الإرهاب. وقد كشفت وزارة الخارجية البريطانية النقاب عن وثائق سرية تتحدث عن اعتزام الحكومة الإسرائيلية مواصلة تهويد مدينة القدس، ومصادرة المزيد من الأراضي لإقامة مستوطنات جديدة وتوسيع المُقَامَة، وإقامة نقاط حدود تعيق حركة المواطنين.
أيها المسلمون، الحركة المسعورة لتهويد مدينة القدس لا تزال مستمرة وبشتى الوسائل، فقد قامت دائرة الطابو الإسرائيلية بتسجيل ألف وثلاثمائة عقار داخل البلدة القديمة بأسماء يهود، وأمتنا غافلة لاهية وتحت مسمع العالم، ماذا تبقّى من بيوت وعقارات داخل القدس؟! العقارات تسرّب بطرق غير مشروعة، وقد يتم الاستيلاء عليها عنوة وبالقوة، وقد أعلنت الهيئة الإسلامية العليا رفضها لهذه الخطوة من جانب إسرائيل، ودعت المجتمع الدولي ورابطة العالم الإسلامي إلى التدخل السريع لوضع حد لهذه الممارسات التي تفقد الفلسطينيين حقهم المشروع في ممتلكاتهم. ومن هنا فالواجب أخذ الحيطة والحذر الكامل والتمسك بحقنا وتكثيف السكن والتواجد في البلدة القديمة وعدم إعطاء الفرص والذرائع لغيرنا بالاستيلاء على ممتلكاتنا.(1/354)
عباد الله، وضمن سياسة تهويد المدينة تعتزم بلدية القدس القيام بحملة واسعة لهدم البيوت في مدينة القدس وضواحيها بدعوى البناء غير المرخص، علمًا بأن البلدية لا تعطي رخص بناء، وتفرض قيودًا تعجيزية تكلف المواطن مئات آلاف من الشواقل للحصول على رخص بناء، قبل الهدم تفرض الغرامات الباهظة والمخالفات المتعددة فيدفعها المواطن لعل الهدم يتوقف، ثم يفاجأ بقرار الهدم، ويصبح البيت رمادًا تجرفه جَرّافات الظلم. فلا الغرامات تعفيه من الهدم، ولا التراخيص بالأمر الهين السهل حتى يحصل عليها، فهل تعرف بلدية القدس أن أعداد الأسر تتكاثر، وأنه لا بد لهم من سكن ومأوى؟! هل تعرف للإنسانية معنى أو العدالة مغزى؟! هل يريدون أن نرحل من أرضنا؟! فليطمئنوا؛ لن نرحل من أرضنا وأرض الإسلام والمسلمين ما دام فينا عرق ينبض.(1/355)
أيها المسلمون، أفيقوا من سباتكم، وانتبهوا لأنفسكم، فنحن نعيش في زمن المآسي والآلام والأحزان، لم نتذوق حلاوة الإيمان والنصر منذ زمن، وأنتم ترون بأنفسكم أن أفراحكم تتحول إلى أحزان ومآتم، وأبناء جلدتنا يروّجون للكفر والإلحاد والعلمانية والعولمة، وليس لكم من سبيل إلا أن تعودوا إلى طريق الله، وأن تتمسكوا بحبل الله، وأن تعملوا لإقامة دولتكم دولة العدل دولة القوة والتسامح دولة الإسلام دولة الأمن والأمان، فلا تكونوا عونًا للشيطان، وكونوا أهلاً لحمل المسؤولية، وتيقّنوا أن من كان مع الله فلن يخذله، فانصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق: 2، 3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5، 6].
الخطبة الثانية:(1/356)
أما بعد: أيها المؤمنون، إن الله - تعالى -قد تكفّل بنصرة هذا الدين إلى يوم القيامة وبظهوره على الدين كله، وشهد بذلك وكفى بالله شهيدًا، وأخبر الصادق المصدوق أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة، وأخبر أنهم في أرض الشام، كما أخبرنا أن الساعة لا تقوم حتى نقاتل قومًا صغار الأعين، ذُلْف الأنوف، يَنْتَعِلُون الشعر، كأن وجوههم المجَانّ المُطْرَقَة. وأخبر أن أمته لا يزالون يقاتلون الأمم حتى يقاتلوا الأعور الدجال حين ينزل المسيح عيسى ابن مريم من السماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأخبرنا أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد دينها، وأنتم تعلمون أن التجديد لا يكون إلا بعد هدم، ويقول نبينا: ((سألت ربي أن لا يُسلّط على أمتي عدوًّا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بسنة عامة فأعطانيها)).
وما تزال دلائل نبوته تظهر شيئًا بعد شيء يا عباد الله، وأنتم ترون ذلك بأعينكم، مهما حدث لكم من تعب ونصب فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
عباد الله، نريد مسلمين حقيقة لا بأسماء ولا بالوراثة ولا بالوجود في أرض الإسلام، نريد مسلمين مستعدين أن يبذلوا في سبيل دينهم وأمتهم وعقيدتهم.
عباد الله، إن هذا الدين منصور لا محالة، فكونوا أنتم ـ أيها المؤمنون ـ أنصار الله، كونوا أتباع رسول الله، كونوا أنتم الفئة المرجوة لنصرة دين الله - تعالى -، فإن لم تفعلوا: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة: 54]. كونوا أنتم رجال الإسلام والقرآن والإيمان.(1/357)
أيها المسلمون، إن الإسلام ـ والحمد لله ـ طود شامخ وجبل راسخ، بل هو أرسى من الجبال لا تزعزعه الرياح مهما عصفت، إن ديننا يمتد هنا وهناك، ويدخل فيه الكثيرون، ونحن موقنون أن المستقبل للإسلام والمسلمين.
عباد الله، نحن ننتظر اليوم الذي يعم فيه نور الإسلام في كل مكان، ووعد الله سوف يتحقق، ولن يخلف الله وعده، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
23/10/1426
http://www.alminbar.net المصدر:
=============
أساس الخلاف بين الرسالة والجاهلية
أقول - مستعينا بالله - : كل رسالة واجهت مجتمعا مستمسكا بمجموعة من القيم والأعراف والتقاليد الخاطئة التي تصفها الرسالة بأنها كفر بالله، جملةُ هذه التقاليد تقوم على نوعين من الخطأ:
أولهما: التقرب والتوجه إلى غير الله بالنسك.
ثانيهما: الطاعة والتشريع والإتباع من دون الله.
ويتحرك هذا المجتمع بإرادة واعية أو غير واعية للمحافظة على وجوده ضد دعوات الرسل، وفي التنزيل " قالوا أجئتنا لتلفتنا عن ما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين " [يونس: 78]، وفي التنزيل " قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا " [الأعراف: 70]، وفي التنزيل ". وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد " [غافر: 26].
ومن يتدبر يجد أن شرك الطاعة هو أساس شرك النسك، فلولا طاعة عمرو بن لحي - مثلا - لما عُبدت الأصنام في جزيرة العرب.
ولولا طاعة كل قوم لكبرائهم لما ضل مًن ضل: " وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا " [الأحزاب: 67].
ونجد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة حصر لمفهوم العبادة في الطاعة.
قال - تعالى -: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " [يس: 60]
وعبادة الشيطان هي طاعته(1/358)
وقال - تعالى - :" اتخذوا أحبارهم ورهبابهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحنه وتعالى عما يشركون [التوبة: 31] "
سمع عدي بن حاتم الطائي - رضي الله عنه - هذه الآية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعترض قائلا: (إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ) فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (بَلَى إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَال وَأَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَام فَاتَّبَعُوهُمْ فَذَلِكَ عِبَادَتهمْ إِيَّاهُمْ).
يقول بن كثير: قَالَ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا فِي تَفْسِير " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " إنَّهُمْ اِتَّبَعُوهُمْ فِيمَا حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا وَقَالَ السُّدِّيّ اِسْتَنْصَحُوا الرِّجَال وَنَبَذُوا كِتَاب اللَّه وَرَاء ظُهُورهمْ وَلِهَذَا قَالَ - تعالى - :" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا " أَيْ الَّذِي إِذَا حَرَّمَ الشَّيْء فَهُوَ الْحَرَام وَمَا حَلَّلَهُ فَهُوَ الْحَلَال وَمَا شَرَعَهُ اُتُّبِعَ.
فسم الله ورسوله الإتباع في التحليل والتحريم عبادة، كما سمى المحللون والمحرمون - المشرعون آلهة - ومثل هذا قول الله - تعالى -: " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64](1/359)
وهذا المعنى هو الذي فهمه الصحابة - رضوان الله عليهم- ، فهذا ربعي بن عامر - رضي الله عنه - يخاطب رستم " الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " ثم لم تكن الدعوة قرشية أو عربية، ولم تكن الحركات التي ظهرت في التاريخ الإسلامي وخاصة الفرق التي ظهرت في القرون الأولى حركات شعوبية- باستثناء حركة الزنوج - ضد العرب بل كانت حركات عقدية منحرفة، وكان رؤوسها عرب وسبب نشأتها خلافات دينية.
وهذا الطرح لا بد أن يعمل على ربط العقيدة الصحيحة... وأهداف الدعوة الكلية التي هي تعبيد الناس لله، بأحداث السيرة.
والخلل الملحوظ الذي كتبتُ من أجله هذه الفقرة هو أن كثيرا من الكتاب والخطباء الذين يكتبون السيرة النبوية أو يلقون فيها دروسا، يحصرون قضية الخلاف بين الجاهلية والدعوة في عبادة الأصنام وبعض القضايا الأخلاقية مثل تحريم الزنا وشرب الخمر ووأد البنات، وأن الغزوات كانت لمعالجة مشاكل الجوار ولأمور اقتصادية ونحو ذلك وهو من البتر الذي لا يُقبل بحال.
والمراد: أنه حين دراسة السيرة النبوية أو عرضها على الناس لا يفهم أبدا أن الخلاف بين الدعوة والجاهلية القائمة كان في بعض العادات الجاهلية السيئة مثل وأد البنات والزنا وشرب الخمر ورفع الظلم عن الضعفاء، وبعض مظاهر شرك النسك من عبادة الأصنام والاستقسام بالأزلام... الخ.
وإنما كانت ولا زالت القضية الكبرى التي انبثقت منها باقي القضايا هي قضية الطاعة لمن، أو السلطان يكون لمن؟ أو بتعبير آخر من تعبد؟ الله في صورة شرعة؟ أم الشيطان في صورة المناهج الأرضية التي زينها لأوليائه؟
فمن عبد الأصنام إنما عبدها طاعة للأولياء الشيطان، ومن اعتقد التثليث وكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - إنما فعل ذلك طاعة لأولياء الشيطان، قصد أم لم يقصد.
http://www.almoslim.net المصدر:
============
رسالة إلى الغاضبين(1/360)
د. محمد عمر دولة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، رحمة الله للعالمين، وأشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فإنني أتوجه إلى إخواني الأحبة من ملايين المسلمين الغاضبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل مكان بهذه الكلمات: وفاءً وولاءً.
أولاً: جزاكم الله - يا أهلَ المحبة وأصحابَ الغَيْرة - عن دينِنا ورسولِنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - خيرَ الجزاء؛ فالغضب للحبيب دليلُ المحبة والولاء.
ثانياً: لقد أنذرْتم المجرمِين - شُلَّتْ أيديهم - وأسمَعتم العالمَ صوتاً هادراً مُدَوِّياً مفادُه أنَّ المسلمين يذبُّون عن النبيًِّ - صلى الله عليه وسلم - ((فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ))(التحريم4).
ثالثاً: لقد أحييتم في كلِّ مسلمٍ - بغضبتِكم المباركة - رُوحَ الثقة في أمةِ الإسلام؛ فإنَّ ثورةَ الغضب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي انطلقت في كل مكان من العالم الإسلامي تؤكد يقظة هذه الأمة، وأن عقيدتها حيةٌ لم تمت؛ ولكنها تحتاج إلى من ينهض بها من جديد؛ لتستعيد أمجادَها.
رابعاً: لقد حرََّكْتم - أيها الغاضبون الشرفاء - الغيرةَ عند بعض حكومات المسلمين؛ فغضبوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقاطعوا حكومة (الدانمارك)؛ لِتهاوُنِها في مُحاسَبة الصحيفة التي بلغَت بها شِقْوَتُها وسفاهتُها حدَّ الإساءةِ إلى أشرف الخلق - صلى الله عليه وسلم -؛ بعد أن طال عهدُ الأمة بمواقفِ حكوماتِها المشرَّفة؛ فنسأل الله أن يديم الوفاقَ بين المسلمين وبين حكامهم؛ ليتعاونوا على نصرة الإسلام.
خامساً: لقد فضحتم - لله دَرُّكم - كذبَ الرأي العام الغربي الذي يعتبرُ سبََّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تعبيراً عن الحرية، وأما كشفُ جرائم اليهود الغاصِبين فهي في موازينهم الظالمة معاداة للساميَّة!(1/361)
وعينُ الرضا عن كلِّ عَيبٍ كليلةٌ ولكنَّ عينَ السُّخطِ تُبدي المساويا!
سادساً: لقد برهَنتم بغضبتكم الراشدة على هذه الصحافة السافلة أن مِلة الكفر واحدةٌ؛ فالكفار بعدما تداعَوْا جميعاً لحربِ الإسلام عسكرياً في الحملة الصليبية على العراق وأفغانستان؛ هاهم اليوم يشنون حملتهم العقائدية والإعلامية؛ ليسيئوا لرسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - كما قال - عز وجل -: ((وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ))(البقرة 217).(1/362)
سابعاً: لقد كشفتم - بانتفاضتِكم - عوار الحضارة الغربية الخاوية من القيم والمبادىء؛ فتباً لحضارةٍ لا تعظم العظماء ولا تحترم النبلاء؛ بل تتدهور في أخلاقها، وتسفُّ في إعلامها؛ حتى تبلغ الدرك الأسفل من الإنسانية؛ فتسبُّ الأنبياء! وصدق الله العظيم حيث قال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ))(آل عمران 118)، وقال جلَّ جلاله: ((وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ))(النساء 89)، وقال تعالى: ((وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))(البقرة 109).(1/363)
ثامناً: لقد اتضح - بانتفاضتكم المباركة - ما يتصف به الغرب الكافر من أخلاقٍ منحطة لا تراعي المقدسات؛ وافتضح ما يكنُّه هؤلاء القوم للإسلام ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من أحقادٍ صليبية، وما يخفونه عن المسلمين من كراهية دينيةٍ وأطماعٍ استعمارية؛ فآن لكل عاقلٍ أن يَعِيَ قولَ الله - عزََّ وجل -: ((هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور(119) إن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ))(آل عمران 119 - 120).
تاسعاً: لقد أيقظتم - بصَيحتِكم العالية وصَحوتِكم الغالية - قلوباً غافلةً عن أنَّ الحريةَ سيفٌ مسلَّطٌ على الإسلام وأهله وعقائد المسلمين؛ وبيَّنتم جَورَ الإعلام الغربي الظالم؛ فإذا تعلق الأمرُ بالإسلام وعقائده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا بأس بالتعبير عن مُعاداته، وإذا تعلق الأمرُ بقضايا الاستعمار الصليبي للعراق وأفغانستان، أو شكك الناس في محرقة اليهود وكشفوا عوارَهم؛ فهذا تعبيرٌ عن الإرهاب وكراهية للسامية؛ وذلك مصداقاً لقول الله - عز وجل -: ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ))(البقرة 120).(1/364)
عاشراً: لقد أقمتم الحُجة على كل علماني لا يؤمن بالأحقاد الصليبية ضد المسلمين؛ كما قال - عز وجلَّ -: ((وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً ))(النساء 102).
فجزاكم الله خيراً - أيها الفضلاء - فقد أسمَعَت غَضْبتُكم مَن به صَممُ! وكأنِّي أرى العلمانيِّين من بني جلدتنا المنبهرين بالغربِ يعضُّون على أيديهم؛ فليتهم يذكرون عاقبتَهم غداً (( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ))(الفرقان 27).
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.meshkat.net:المصدر
============
رسالة محزنة
أحمد بن ماجد
هرولت إلى جهاز الاستقبال "الفاكس" لعلي أجد الرسالة التي أخبرت بها فإنها قادمة من لندن، ولكن خاب ظني فقد كانت الرسالة تقطر حزناً، تحكي مأساة أحفاد فرعون وهامان اللذين بغيا في الأرض بغير الحق، إنها قصة الطغيان، وأبطالها فراعنة هذا الزمان. وهذه المأساة تتمثل في شكوى طبيبين سوريين: "نريد أن نرى أبانا نريد أن نعرف شكله أو لونه، حياً أم ميتاً"!
فقد سجن والدهما منذ ثلاثين عاماً في سورية، وهربت بهما أمهما وهما طفلان صغيران، هكذا تحدث الطفلان الطبيبان.
وفهمت أنهما يرسلان هذه الرسالة إلى كل من يظنون أنه يمكن أن يوصل صوتهما إلى أبطال مذبحة حماة "رفعت الأسد وأمثاله" ولكن خاب ظني كما خاب ظنهما عندما نوقش الوزير الهمام الشرع قال: هذا الملف لا داعي لفتحه فنحن في مواجهة العدو وهذا هو الأهم، فنحن دولة صمود وبطولة وشجاعة وقومية وتحد!!
أقول لهؤلاء الفراعنة الصغار: والله لن تخطئكم دعوات الثكالى والمظلومين والأطفال اليتامى، وقد بدأت النتائج تظهر وكما تدين تدان ولا يظلم ربك أحداً.(1/365)
فلجنة التحقيق الدولية ما هي إلا الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل لإذلال هؤلاء الأشاوس الذين رفعت الأكف إلى الله في الأيام المباركة للانتقام منهم جزاء بما كانوا يكسبون.
فقد جاء اليوم الذي نرى فيه وزيراً يقتل نفسه، وآخر يريد أن ينجو بنفسه، وثالث يبحث عمن يحميه، ورابع يأخذ المنوم لينام، وشعب مسكين لسان حاله يقول: سبحانك ربي ما أعدلك!! فاعتبروا يا أولي الأبصار.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
-===========
رسالة إلى معلم
سعيد الزهراني
الخطبة الأولى:
أما بعد:
قال - تعالى -: " وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى " [المائدة: 2].
أحباب رسول الله: الإسلام شريعة الله للبشر، أنزلها لهم ليحققوا عبادته في الأرض والعمل بهذه الشريعة يقتضي تطوير الإنسان وتهذيبه، حتى يصلح لحمل هذه الأمانة وتحقيق هذه الخلافة " إِنَّا عَرَضْنَا الاْمَانَةَ عَلَى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً " [الأحزاب: 72]. فلا تحقيق لشريعة الإسلام إلا بتربية النفس والجيل والمجتمع على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده، ومن هنا كانت التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين، والمجتمع وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده، ويؤديها المربون للناشئة، والويل ثم الويل لمن يخون هذه الأمانة أو ينحرف بها عن هدفها أو يسئ تفسيرها أو يغير محتواها.
إنها تربية الإنسان على أن يحكم شريعة الله في جميع أعماله وتصرفاته ثم لا يجد حرجاً فيما حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل ينقاد مطيعاً لأمر الله ورسوله " فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى? يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً " [النساء: 56].(1/366)
إن الأم والأب والمعلم والمجتمع مسئولون أمام الله عن تربية هذا الجيل، فإن أحسنوا تربيته سعد وسعدوا في الدنيا والآخرة، وإن أهملوا تربيته شقي وكان وزره في أعناقهم، ولذا جاء في الحديث: ((كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته))، إن هذه المسئولية العظيمة لتقع على عاتق كل من يقوم بدور التربية والتوجيه بالدرجة الأولى، إذ أنهم ليسوا أصحاب مهنة، بل هم أصحاب رسالة سامية عظيمة، بل هم أصحاب إرث عظيم، إنه إرث الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، إنه العلم.
وإن أول ما يجب تعليمه لهم النطق بالشهادتين وإفهامهم معناها إذا كبروا، وغرس حب الله وحب رسوله في قلوبهم وتعليمهم الصلاة في صغرهم، ليلتزموا بها عند الكبر وتحفيظهم القرآن وتعويدهم الصدق في القول والعمل، وهدايتهم إلى محاسن الدين بغرس محبته في قلوبهم وتعظيمه في نفوسهم بشرح محاسنه وفضائله وما امتاز به عن غيره من الأديان، فإن تعليم الولد في صغره عبارة عن تغذية روحه بما تتهذب به أخلاقه وتزكو أعماله وتحسن مقاصده بحيث يكون ميله إلى الخير محباً له، واعلموا أنكم مسؤولون أمام الله عنهم إذ أنتم إما أن تكونوا دعاة إلى خير - وأسأل الله أن نكون كذلك - وإما دعاة ضلال، ونعوذ بالله من ذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)).(1/367)
أيها المربون: أنتم أمناء على هؤلاء النشء بالكلمة الطيبة الصادقة، والعمل المنظم، والقدوة السلوكية الحسنة، والتحضير الجيد للدرس، واستخدام كل ما يعين من الوسائل السمعية والبصرية والمراجع والنماذج والعينات ليصل الدرس بأهدافه إلى جميع الطلاب على مختلف مستوياتهم وقدراتهم، كونوا متحمسين في عملكم مبدعين مطورين ومتطورين لا يغلبنكم التراخي والكسل، فإن الماء الآسن لا يرجى منه إرواء، تحققوا من المعلومة قبل قولها، فإن طالب اليوم يعيش في عالم من المعلومة السريعة التي يجدها في كل مكان وأي مكان وربما فاق أستاذه إذا كان ذلك المعلم غير مطلع ولا يأبه بما يحدث حوله في العالم من أمور قد يجهلها، اجعلوا من أنفسكم براكين عطاء متفجرة بالعلم والحماس لهذه الرسالة العظيمة يحترمكم القاصي والداني، غذوا في طلابكم نشاطهم الإبداعي ساعدوهم على التخلص من الاعتماد على التوجيه الخارجي، اجعلوهم يعتمدون على ذكائهم، شاركوهم نشاطهم، وجهوا طاقاتهم دائماً إلى ما يعود عليهم بالخير والصلاح في دينهم ودنياهم وآخرتهم، فإن الحسن عندهم ما فعلتم، والقبيح ما تركتم، وحسن سلوك المربي أمام تلاميذه أفضل تربية لهم، ليتخرجوا غداً ويدعوا لكم ويشكروا لكم ويقدموا من علمهم وجهدهم لدينهم وأمتهم ووطنهم الكثير الكثير، ويبقى لكم ذخراً في الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون فإنه من العمل الصالح الذي يبقى لصاحبه بعد موته كما أخبر بذلك الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد الله الذي بفضله تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه - صلى الله عليه وسلم -.
أما بعد:
فنتواصل الحديث عن ما بدأناه في الخطبة الأولى: فنذكر بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المربي المسلم.(1/368)
أولاً: أن يكون هدفه وسلوكه وتفكيره ربانياً، يهدف من كل أعماله التعليمية ودروسه أن يجعل الطلاب مثله ربانيين، يرون آثار عظمة الله وقدرته ويستدلون عليها في كل ما يدرسونه ويخشعون لله ويشعرون بإجلاله عند كل عبرة من عبر التاريخ أو سنة من سنن الحياة أو قانون من قوانين الطبيعة.
ثانياً: أن يكون مخلصاً لله، فلا يقصد بعلمه وسعة اطلاعه إلا مرضات الله والوصول إلى الحق وزرعه في عقول النشء وجعلهم أتباعاً له يدورون معه حيث دار، فإذا زال الإخلاص حل محله الحسد، فيصبح كل معلم يتعصب لرأيه أو طريقته ويسود الغرور والأثرة عوضاً عن التواضع للحق وإيثار الحق على الهوى.
ثالثاً: أن يكون عادلاً بين طلابه لا يميل إلى أي فئة منهم ولا يفضل أحداً على أحد إلا بالحق وبما يستحق كل طالب حسب عمله ومواهبه.
رابعاً: أن يكون صادقاً فيما يدعو إليه، وعلامة الصدق أن يطبقه على نفسه، فإذا طابق علمه عمله اتبعه الطلاب وقلدوه في أقواله وأفعاله.
خامساً: أن يكون واعياً للمؤثرات والاتجاهات العالمية المعاصرة وما تتركه في نفوس النشء من أثر على معتقداتهم وأساليب تفكيرهم وفهمهم للحياة، فاهماً لمشاكل الحياة المعاصرة وعلاج الإسلام لها.
هذه بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم المسلم وغيرها كثير ولكن المكان لايتسع لذكرها وإنما أردت من ذلك التذكير والنصيحة.
وأختم كلامي بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) وفي رواية: ((فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة)) وأن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
هذا وصلوا وسلموا على من أرسله الله رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد على آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
http://www.alminbar.net المصدر:
===========
رسالة من طفل عراقي إلى الرئيس بوش(1/369)
عبد الله بن عبد الرحمن العيادة
فخامة الرئيس:
من فم المأساة، أكتب مأساتي...
فأنا طفل بين الصخور والركام ترقد حكاياتي..
أسمع أزيز الطائرات..
وأشم رائحة البارود والرصاص..
والأرض تتحرك فوق كلماتي..
فأسأل أمي عن دمعة أراها تحرق وجنتيها: لماذا البكاء يا أمي؟ هل سيصيبنا مكروه؟ فلا تجيب، فتلوذ بوجهها عني وتمسح دمعها بطرف ردائها، فألح بالسؤال، فتردّ بصوت ممزق كتمزق أرض العراق: يا صغيري، قد قُدّر لنا في الأزل أن نكون كبش فداء للأقوياء بدون خطيئة.
وأسأل أمي عما أرى في الأفق من أسراب الطائرات، وإلى أين هي ذاهبة.
فتقول: هي ليست ذاهبة، هي قادمة إلينا..
وهل نحن بحاجة إلى هذه الطائرات يا أمي؟
يا صغيري هي ليست لنا بل ستمزق جسدك النحيل الصغير..
ولماذا يا أمي؟ هل اعتديت على أحد؟ هل سرقت لعبة أحد؟ فأنا لا أعرف اللعب، ولم أر اللعب يومًا..
يا بني هكذا هم الضعفاء.. هم دائمًا كبش الفداء..
فأطرقت بصري وسرحت بذهني أرمق الجبال البعيدة الممتلئة بالصخور الصمّاء، وأتسمّع رجع صدى صوتي فلا أسمع إلا صوت الريح التي تنقل لأذني أزيز الطائرات وضحكات الجنود، وهم يحلمون بوجبة شهية من البيتزا الأمريكية تحت نخيل دجلة والفرات.
فخامة الرئيس، أستنطق السؤال المتحجر في فؤادي: هؤلاء الجنود الذين حملتهم الطائرات هذه المسافات وهم يبتسمون ويضحكون: هل لهم أطفال؟ كيف يفكرون فيهم؟ ما هو شعور أحدهم لو شاهد على شاشة التلفاز طفلَهُ الوحيد المدلل، وجسمه قد يتمزق بطلقة خاطئة من جندي آخر؟ هل لديه استعداد أن يطلق النار على طفل يلعب بالحجارة عوضًا عن الدمى البلاستيكية؟ ما ذنب طفولتي إذًا وأنا الذي لم أجنِ شيئًا؟ هل يحتاج جسدي إلى هذه الطائرات والدبابات؟ والناس الذين يحاصرون بيتي من كل اتجاه، وأسمع أصوات العالم وهي تتنادى لقتلي، هل وجودي فقط من دون أطفال الأرض خطيئة؟(1/370)
أسير في طرقات العالم أبحث عن ابتسامة.. أبحث عن حضن دافئ.. أبحث عن حلوى.. أبحث عن مأوى.. لا أحد يجيب.. فأعود لأجد حضن أمي قد مزّقته الطائرات الجارحة.
فخامة الرئيس: هل لي أن أتجرّأ بسؤالكم: ما ذنب طفولتي تُسرق مني وأنا الذي لم أجن ذنبًا؟
طفولة أصدقائي، ما هو الذنب الذي اقترفت، وبأي ذنب قُتلت؟
أشجار ونخيل بلادي تُحرق لماذا؟ زهور دياري تدوسها الدبابات لماذا؟
سيادة الرئيس، كانوا يحدثوننا في بلادكم عن أنهار الحرية.. وساحات العدل، وأنا أستمع إلى حديثك وأنت تهدّدنا بالصواريخ التي ستعبر القارات، تحمل في رؤوسها العدل والسلام والبيتزا الأمريكية لتنعم الشعوب بالرفاه، ولكن على الطريقة الأمريكية.. إذ تحمل هذه الطائرات الموت والدمار واللهب والنار.
سيادة الرئيس، هل الإسلام في نظركم خطيئة؟ فأين حرية الأديان التي تزعمون؟ غضبتم يوم اعتدي عليكم.. وهذا من حقكم.. وتعتدون علينا وتريدون منا أن نبتسم..
فأين العدل الذي تزعمون؟
فخامة الرئيس، سيتشرد أهلي وتُقتل طفولتي، فهل تتوقع يا سيادة الرئيس أن نمنحكم أنهار الحب؟ وهل من السهولة أن يُمنح الحب لمن يقتل الأطفال الأبرياء وهم يرقدون على صدور أمهاتهم يستجدونها قطرة من حليب قد نضب وجف من الجوع والخوف، وشبح الموت يتربص في كل زاوية من أيامها الرمادية، وهم لا يعرفون لماذا يُقتلون؟(1/371)
سيادة الرئيس، قصفتم ديارَنا.. ومزقت صواريخُكم أحلامَنا وثيابَنا.. وتناثرت أشلاؤنا مع لعبنا القماشية، فهل أرويتم غضبكم.. وشفيتم حقدكم؟ أسمع أنين الأطفال وجراحهم تسيل دمًا.. وأسمع دقات قلوبهم وهي ترسم على وجه الحياة، مأساة شعب ذنبه في الحياة أنه مسلم وضعيف، فأصرخ وأصرخ فلا أسمع إلا رجع الصدى مع الريح التي تعبث بنخيلنا، وهي تقاوم من أجل البقاء.. أنادي أطفال العالم لعلهم يسمعون.. لعلهم من أجلنا يبكون.. ولكن أطفال العالم خلف آبائهم قد صمّوا آذانهم، وقالوا: دعوهم لعلهم عن جهادهم.. أقصد عن إرهابهم يتوبون.
فخامة الرئيس، أي طفل هذا الذي يرهب العالم؟ أيرهب العالم طفل لا يجد مأوى؟ أيرهب العالم طفل لا يعرف طعم الحليب؟ أيرهب العالم طفل نسي وجه أمه من الدموع؟ أم يرهب العالم طفل فقد بعضًا منه حينما قبّل صاروخًا أمريكيًا في ليلة ظلماء بدون سابق إنذار؟ فمن يجيب؟
فخامة الرئيس، سأكبر يومًا وستكبر معي مأساتي.. وستبقى صورها في ذاكرتي وحياتي.. صورة صديقي يوم تمزّق جسده برصاص أمريكي.. وصورة أمي وهي تنزف دمًا وأنا أصرخ بجوارها.. صورتها يوم ودعتني وهي تفارق الحياة، وعيناها توصيني:
لا تنسَ الجهاد في سبيل الله.. صورة المآذن وطائراتكم تدكّها.. صور قطع الحلوى التي تناثرت.. ولم نذق طعمها أبدًا.. ألعابنا الخشبية من قصفكم تكسّرت، هل أنسى صورتها؟
فخامة الرئيس، ما أصعب الخوف!! وما أقسى الكره الذي قد يتحول مع الزمن إلى جليد من اللهب يحرق الزهور والرياحين وكل الشجيرات والمؤتمرات المفروشة للحب والسلام!! فهل تتوقع مني أن أمنح الجندي الأمريكي حبًا، وأضع في يده زهرة أو وردة، وأنا أراها مخضبة بألوان الدم من أجساد العصافير والأطفال؟
فخامة الرئيس، هل تتوقع أن أحبكم يومًا ما؟ هل تتوقع أن ننسى مأساتنا يومًا ما؟ ما ظنك بطفل شبّ ونما في أحضان المأساة وسط الرصاص ونام فوق الرماد..كيف سيصحو..؟ .
25/12/1426
25/01/2006(1/372)
http://www.islamtoday.net المصدر:
==============
رسالة حب عاجلة إلى سيد نصير قاتل كاهانا
أ. د جابر قميحة*
ولما رأيتَ الخيلَ قد ريع سربُها *** فأقعت بها أعرافُها والقوائم
ومات الصهيل الحرُّ في لَهَواتها *** وأعمى مآقيها الذبابُ المنادم
وعششَ سود البومِ في صهواتها *** وليس لها منجي من الكربِ عاصم
وقيلَ ميادين العروبة أقفرت *** و إلا فأين الغاضبون الضراغم
وبدد ميراثَ الجدود عصابةٌ *** همو والخطايا الفاحشات توائم
فغابت شهاماتٌ، وذلت رجولة *** وهانت كرامات وغِيلت عمائم
وخانَ شقيق كلَّ عهد وموثق *** ولذت بعينيه الدماءُ السواجم
وداس على أهلِ القضية غادر *** حقيرُ الهوى دامي الأظافرِ غاشم
وقال دعِىُّ: إن مصرًا أعقمت *** فليس بها للغاشمين مصادم
وساد بها الشر الذميم سفاهة *** فمات بها جوعًا عَديٌ وحاتم
وباتَ صلاحُ الدين فيها مسهدًا *** وجافى حماها عبدُ شمسٍ وهاشم
ونادى المنادي "مَنْ فتى"؟ قلتَ: ii"إنني *** إلى الكلب كاهانِ بن صهيونَ قائم"
* * *
فما هي إلا غمضة وانتباهة *** وخر الخسيسُ النذل والدمُ ساجم
وفر بنو الحاخام من هولِ ما رأوْا *** فلم يبق منهم حوله من يقاوم
وكيف يُصَد الحقُّ والحقُّ غالبٌ *** وأنف الألي عادوا الحقيقةَ راغم؟"
رصاصُك لو يدري بأنك يومها *** على رمْي كاهانِ الصهاينِ عازم
لأخطأ عن عمدٍ إصابةَ رأسِهِ *** فليس له إلا النعالُ الصوارم
لذا بات ينعي حظه وهوكاسفٌ *** حزين كسيرُ القلبِ غضبانُ لائم
يقول بصوت عاتب: "قد أهنتني *** أما كان غير الكلب مرمى أصادم؟
* * *
سألناها ماذا قد رأيت برأسه *** وقد أعدمته المرديات القواصم؟
أجاب "حديثي لن يحيط بما حوى *** رأيت به ما لم تسعه عوالم
بحورَ جناياتٍ وخزي وخسة *** وثمة ليلٌ معتمُ.. الدربِ جارم
وفي محجر العينين جحر ثعالبٍ *** ومجرى أفاع سمها النذل فاحم
وأما تلافيفُ الحُقودِ فمخُّه *** أحابيل صيد للتآمر ناظم(1/373)
وفي الجهة اليسرى من القاع هوَّة *** غشاها صديد مفزِعُ البخْرِ عارم
حواليه ذوبان وشتى عقاربٍ *** عليها من الغدر الذميم علائم
وأنَّى تسِرْ لم تلْقَ غيرَ كريهةٍ *** من العار والحقدُ المشبَّبُ ضارم
بكيتُ على نفسي فحظيَ عاثر *** ومثلي هواهُ حيث تجري الملاحم
* * *
أسيِّد: إما يسألوك بقاعة *** محققهم في ساحها والمُحاكِم
"أمعترف بالجُرمِ؟ أنت رميتَه؟ " *** فقل بيقين الحق والثغر باسم
"أنا ما رميتُ، وإن رميتُ ـ وإنما *** هو الله رام للظلوم وقاصم
رمته دماء الأبرياء بقدسنا *** وفي كل نفس للضحايا مآتم
رمته ثكالى قد فُجعن بغارة *** بها اللهب العاتي غشوم وجاحم
رمته الأيادي الخضرُ ثارت لدينها *** بأحجارها تُردي العِدى وتهاجم
رمته حقود حالكات بقلبه *** هي الليل مشبوب التعصب قاتم
بل اتنحرَ الباغي، فلستُ بقاتل *** ومن عاش ظلامًا رمته المظالم"
دفاعك لن يجديك شيئًا لأنه *** دفاع عن الحق المضيع حاسم
فلا تفزعَنْ إن أنكروا الحق مِنْ عمًى *** فتضييعهم للحق شرع مداوم
ومثلك لا يأسي على عيش ذلة *** به الوطن العربي عانٍ وغارم
ولستَ تبالي حين تُقتَل مسلما *** فمثلك لم يضعف وليس يساوم
وقد قمت للجلَّى بصدق وهمة *** وأنت على نيل الشهادة عازم
ومن ينوِ أن يلقى الشهادة صادقًا *** كمن نالها: في جنة الخلد غانم
* * *
رصاصك أجرى في الخيول عزيمة *** لها الغرب مخلوعُ الفؤاد وواجم
فبعد توابيتِ الليالي والأسى *** ستهتك ستر الليلِ والليلُ جاثم
وينهض مُقْعيها ويصهل خارسٌ *** ويبصرُ ما غشتهُ فيها غمائم
وتهوي ضواري البومِ عن صهواتها *** وتشمخ أعرافٌ وتمضي قوائم
سنابكها ترمي الشرار وضبْحُها *** هزيم رعودٍ أججته مجاحم
فليس سوى حق هنالك غانمٌ *** وباطلهم تحت السنابك ساهم
يروِّعه الخسرانُ من كل جانب *** وتفضحه عاراتُه والهزائم
* * *
أسيدُ عشتَ اليوم والغدَ سيدا *** فذكرك حي في القلوب ودائم(1/374)
تقبله منا ثغور وأعين *** ومنه على صدر الشباب تمائم
مُسمَّاك من إسم "النصير" حقيقة *** عليها من العز الأشم معالم
أعدتَ إلى قلب العروبة نبضَهُ *** ووجه العلا للنصر جذلان باسم
فأنت نشيد وقَّع الحقُّ لحنَه *** وصاغت معانيه الكبارَ مكارم
––––––––––––––––––––––––
* " مائيركاهانا " هو الزعيم الصهيوني المتعصب المتطرف، زعيم حركة " كاخ "، و كان يصف العرب والفلسطينيين بأنهم أفاع وحشرات، لذا يجب طردهم، بل القضاء عليهم.وقد تمكن " سيد نصير " المصري المسلم من إطلاق الرصاص عليه في الولايات المتحدة، فأرداه قتيلا.وذلك في أحد فنادق نيويورك، في الخامس من نوفمبر سنة 1990.
* أقعت: قعدت واسترخت.
* الضراغم: الأسود.
* السواجم: السائلة.
* المرديات القواصم: يقصد بها الرصاصات القاتلة.
* أعقمت: عجزت عن الإنجاب.
* النعال الصوارم: الأحذية القوية الشديدة.
* كاسف: خجلان.
* الحقود (بضم الحاء) جمع حقد. جارم: مذنب.
* الهزيم: صوت الرعد.
*خارس:صامت.
komeha@menanet.net*.
http://www.odabasham.net المصدر:
=============
رسالة من مغترب
إلى بلدتي الحبيبة (قارة)
فيصل بن محمد الحجي
كالسيفِ فوقَ حياتنا مَرَّا *** هذا الزمانُ فقطّعَ العُمْرا
ونخالُ بسمتَهُ ستثلجُنا *** فتصبُّ فوقَ قلوبنا جَمرا
ويشيرُ يُغرينا لنرشُفَ ما *** في كأسهِ..فيذيقُنا المُرّا
ما جفَّ دمعٌ في محاجرنا *** إلا وفجّر دمعه حَمْرا
يا قارة الأحباب أرّقني *** بُعدٌ تخطّى البرَّ والبحرا
ومضى بأنفاق الحياةِ على *** أجسادنا وكأننا أسرى
وسرابُ آمالٍ عدا حَدثاً *** دُفنَ الشبابُ بلحده قسرا
نحرَ الأماني في محاجرنا *** ومحا السرور وأطفأ البْشرا
لكنه قد خابَ حين سعى *** متعمداً كي يمسحَ الذكرى!
وتشبّث الحبُّ الأصيل لها *** في خافقي..واستنفر الشّعرا
فمضى يغرّد دونما وجلٍ *** متغزلاً برياضها الخُضْرا
وبنى بأنفاس القريض هنا *** بيني وبين حبيبتي جسرا(1/375)
فإذا نظرتُ رأيتُها نظرتْ *** نحو المهاجر نظرة حيرى:
من ذاك؟ شيخٌ شابَ مفرقُهُ! *** أين الشبابُ وشاربٌ طرّا؟
أينَ الفتوّةُ في توقّدها؟ *** أين النضارةُ تنتشي سكرى؟
أنا يا حبيبةُ ما أزالُ على *** عهد الهوى أشدو به جهرا
ما زالَ في قلبي الشبابُ.. وما *** زالتْ صبابتُهُ لها بِكرا
شبنا وما شابت عزائمنا *** ونجِدُّ في أهدافنا الكبرى
ذكراكِ في الأذهان عالقةٌ *** بل إنها حفرت بنا حفرا
صورٌ تشعُّ بخاطري أبداً *** سبحانَ من أعطى ومن أثرى!
إنسانُها.. بنيانها.. ورُبى *** مثلُ الكواكب حاصرتْ بدرا
الجودُ ظاهرها وباطنها *** غيمٌ وعينٌ أبرزا خيرا
فإذا بقارة تنتشي فرحاً *** ورنت إليه بنظرةٍ حيرى
وكأنها طربت لما سمعت *** لكنها نظرت له غيرى
أتحبني؟ فلم ابتعدتَ إذن؟! *** وعلقتَ دوني بلدةً أخرى!
لو عينُ كسرى شاهدت سمتي *** ما رام غيري بلدة كسرى
فعلام تنأى شارداً؟ ومتى *** كان المحبُّ يفضّل الهَجرا؟
وإذا بكفي تحتوي كبدي *** ودموعُ عيني موجةٌ حرّى
أنا يا حبيبةُ لم أدعك رضاً *** بل إنني ذقتُ النَّوى قسرا
كابدتُ مثلكِ ما يكابدهُ *** من عاشَ كل حياته حُرّا
إنّا ألِفنا العدل مؤتلقاً *** لا نرتضي ظلماً ولا جورا
لكِ في الفؤاد مكانةٌ سمقتْ *** وتعاظمتْ لتطاول الشِّعْرى(1)
لمَ لا أُشيدُ بقارتي ولهاً *** وسماتُها قد أعجزت حَصرا؟!
قُطْعانها قد أدمنت دَرّا *** ورياضُها قد أثمرتْ دُرّا
وفضائل قد أشرقت بِرّاً *** وبيادرٌ قد أتخمت بُرّا
لكنّما الأيامُ قد قلبتْ *** بطنَ المجن لقارتي ظهرا(2)
قد أثقلت بذنوبِ من جحدوا *** نِعَمَ الإلهِ وأدمنوا الكفرا(3)
ولأنهم زرعوا الفسوقَ بها *** جعلوا ثراها يُنبتُ الفقرا
غابت غيومُ الخير عازفةً *** والعينُ غارت في الثرى غَورا
فتصحّر المرجُ الجميلُ بها *** لا نبعَ.. لا مجرى.. ولا نهرا
أوّاه يا ذكرى تؤرقني! *** أنا لا أطيق لجرحها صَبرا؟!(1/376)
أنا في اغترابي جففوا أملي *** وبقارتي قد جففوا الخيرا
يا ربّ أدركنا بمحنتنا *** وابعث لنا في ليلنا فجرا
فهناك مات أبي ومات أخي *** وشقيقتي.. واستوطنوا القفرا
وهناكَ ماتت أمس والدتي *** أأنالُ بين قبورهم قبرا؟
(خمس وعشرون) ارتوت ألما *** فمتى تلوح أمامنا البشرى؟
http://www.odabasham.net المصدر:
=============
رسالة لكل مسؤول
الشيخ مهنا نعيم نجم
عضو هيئة العلماء والدعاة - فلسطين
لًمّا نظرت إلى سلفنا الصالح وجدت العجب العُجاب من حرصِهم على أداء الأمانة، وتبليغ الرسالة، ونشر الهدايّة، فلله درّ أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا ذر إنها أمانة، وإنها لخزيٌّ وندامة يوم القيامة إلا من أدى حق الله فيها)، وصِدَّيق الأمة أبو بكر - رضي الله عنه - يبكي بكاءً شديداً يخاف أن لا يؤدي حق الله فيها، وفاروق الأمة عمر - رضي الله عنه - لا ينام ليلاً، ولا يسكن نهاراً، فسُئل: ما بالُكَ لا تنام الليل، ولا تستريح في النهار؟! فقال: إذا نمت بالنهار ضيّعتُ الأمة، وإذا نمتُ بالليل ضيّعت نصيبي من الله!! أما ذو النورين عثمان - رضي الله عنه - فيحيي الليل بالقرآن، ويتصدق بجميع المال، وهذا حبر الأمة عليّ - رضي الله عنه - شجاع مقدام وقت القتال، وسخيّ وقت العطاء - رضي الله عنهم جميعاً -، ذاك حالهم؛ فأين أنتَ أخي المسؤول منهم!!(1/377)
لِماذا أراك أيها المسؤول منهمكاً مشغولاً في اقتحام المجهول، غاضاً بصرُك أكان حرام أم حلال! لِمَ الرشوة تقبلها، والفساد تساعد في نشره؟ لِمَ التمييز بين الرعيّة؟! وتحقير جانب منها وتعظيم الآخر؟! أي مسلك سلكت، وأي منزلق انزلقت؟! حاول مرّة واحدة أن تنظر بعيّن الإقتداء بالصالحين كيف كانت حياتهم السياسية والاجتماعية؟! بل حاول مرّة واحد أن تتصور حياة أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، أو عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، أو أي صحابيّ شئت، أما علمت أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أمير المؤمنين وخليفتهم مات ولَمْ يترك خلفه درهماً ولا ديناراً!!(1/378)
لا بأس أن تركب سيارة، وتأخذ من الزينة والمنظر الجميل، وتعتاد على وظيفتك ( وتتحمل من التبعات ما تتحمل ) ولكن إياك ثم إياك أن تركن إلى الدنيا وزينتها، وتجعل ذلك سبباً لتغش رعيّتك، وتخون الأمانة التي ألقيت على عاتقك، قال - صلى الله عليه وسلم -: ( من بات غاشاً لرعيّته حرمت عليه الجنة )، فمن الذي منعك أن تؤدي حق الله، وحق عباد الله؟! ألست رضيت أن تكون خادماً لله وشريعته، ألست أنت الذي أقدمت عليها، وتعهدت أن تفعل وتقوم وتعمل، فلماذا اليوم نرى الكذب لكَ شعاراً، وإخلاف المواعيد وانتهاك العهود لكَ عنواناً، فالبدار البدار للتوبة، والرجوع إلى الرب الغفار قبل فوات الأوان، وانقطاع الأسباب، وحلول الآجال، فأنفاسنا تحصى وتعد، هداك الله لِما يحبُه ويرضاه إنه هو القادر على ذلك، وأرجو المعذرة منك إن كان في أسلوبي غلظة، فوالله ما خط قلمي لك هذه الكلمات إلا بعد ما رأيت بأم عيني ما يعانيه بعض المراجعين والوافدين لمكتبك!! فيا رعاك الله إياك ثم إياك أن تسول لك نفسك أنك أعلى منهم مكانة، أو أرفع درجة (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ))، وبهذا أظنك عرفت شرور إتباع النفس والهوى، وسوء عاقبة الكبرياء والرياء - أعاذنا الله منهما - فبادر إلى التقى بإتباع الهدى من الكتاب والسنة أعانك الله على أداء الأمانة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الداعي لك بالتوفيق، وتأدية الأمانة:
أحد المراجعين لمكتبك ودائرتك
http://islamselect.com:المصدر
=============
رسالة مسكونة بالقلق في صنعاء
فهمي هويدي(1/379)
حين يتحدد القتال في صعدة بشمال اليمن، بين من يسمون بالحوثيين وبين وحدات الجيش اليمني، ويتزامن ذلك مع مؤتمر احتجاجي لأحزاب المعارضة في صنعاء، ومحاكمات للعديد من الناشطين، فإن ذلك يبعث إلى الجميع برسالة مسكونة بالقلق، تثير العديد من علامات الاستفهام عما يجري في ذلك البلد العريق الذي ظلمته الجغرافيا كما ظلمه التاريخ. ظلمته الجغرافيا لأنها تخيرت له ركنا قصيا في العالم العربي، فصار بعيدا عن العين، وفي أحيان كثيرة بدا بعيدا عن القلب، وظلمه التاريخ لأن مجده الغابر لم يطل أمره، وتقلب في عصوره الحديثة.(1/380)
حين كتبت في هذا المكان قبل أسبوعين عن أزمة الديمقراطية في العالم العربي، وضربت مثلا بما يجري في تونس من مصادرات للحريات المدنية وانتهاكات لحقوق الإنسان، تلقيت عدة رسائل من اليمن تساءل بعضها: لماذا السكوت على ما يحدث في اليمن، في حين حملت إلي رسائل أخرى كماً من الوثائق والشهادات التي تعبر عن حالة الاحتقان الداخلي، مرفقة ببيانات تتعلق بمحاكمات جرت لعدد من كبار علماء الزيدية، وقوائم للمعتقلين الذين تجاوز عددهم أربعة آلاف شخص، (يتحدث آخرون عن رقم خمسة آلاف) مع قائمة أخرى لأطفال وشبان صغار (عددهم 23) تم اعتقالهم أيضا، في حين تراوح أعمارهم بين 12 و 17 سنة. في الوقت ذاته زارني اثنان من المثقفين اليمنيين حاملين معهما ملفا عزز الصورة التي نقلتها رسائل البريدين العادي والإلكتروني، ولست أخفي أن شعوري بالقلق تضاعف حين فرغت من الإطلاع على محتويات الملف، خاصة أنني أنتمي إلى جيل عاصر الثورة اليمنية وعرف قادتها الذين كان أغلبهم من زملاء الدراسة (بمدرسة حلوان الثانوية جنوب القاهرة) ـ وعلق آمالا كبيرة على تلك الثورة التي بدت حتى وقتذاك ـ في بداية الستينيات ـ وكأنها بداية لتحقيق أحلام الملايين من أبناء اليمن، تنقل بلادهم من عصر سمته التخلف والاستبداد إلى عصر آخر أكثر تقدما واستنارة واحتراما لحقوق الإنسان.
لم أصدق عيني وأنا اقرأ الشهادات والوثائق التي تحدثت عن أوضاع اليمن بعد 40 سنة من الثورة، التي يفترض أنها بدأت صفحة جديدة في تاريخ البلاد، تلبي الحد الأدنى من أشواق الناس وأحلامهم.(1/381)
تماما كما أنني لم أصدق أنني حين سمعت خطبة الرئيس اليمني في يوم 30/11 (في ذكرى جلاء البريطانيين عن عدن) التي شدد فيها على أن المؤسسة العسكرية وحدها الحاكمة والحامية للجمهورية والوحدة والتقدم في اليمن، وهو ما اعتبرته زلة لسان، لأنه إذا صح ذلك، فمعناه أن الثورة خلال أربعين عاما أو أكثر لم تنجح في أن تؤهل الشعب لكي يشارك في الحكم، ويحرس الجمهورية والوحدة والتقدم، معناه أيضا أن الوضع الراهن يراد له أن يستمر أربعين سنة أخرى.
لقد تناقلت وكالات الأنباء في الخامس من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي قرار الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بالعفو عن الذين ألقي القبض عليهم وحوكموا من الحوثيين ـ نسبة إلى حسين بدر الدين الحوثي ـ الذين انخرطوا فيما سمي بالشباب المؤمن، ووصفوا بالهاشميين تارة والزيدية تارة أخرى، وكنت واحدا من كثيرين اعتبروا القرار حكيما، وتهيؤا لفتح صفحة جديدة تنهي الصراع المحزن الحاصل في منطقة صعده، والذي حذرت في مقالة سابقة من تحويله إلى «دارفور أخرى».
غير أن التقارير التي تلاحقت بعد ذلك أجمعت على أن القرار لم يدخل حيز التنفيذ، وأن الذين أطلق سراحهم كانوا في حدود 50 شخصا من بين الأربعة أو الخمسة آلاف، وأدهشني ما سمعته من أحد المحامين اليمنيين أنه سأل الجهات المختصة في صنعاء عن سبب عدم الإفراج عن بقية المعتقلين، فسمع ردا يقول بأن قرار العفو كان مجرد خطبة سياسية، وأنه لم يصدر مكتوبا، وردا آخر يقول بأن العفو قصد به الأبرياء الذين لم يشاركوا في الأحداث التي وقعت (أي الذين ليسوا بحاجة إلى عفو).(1/382)
جاءت الاشتباكات المسلحة التي وقعت في الأسبوع الماضي، لتؤكد أن التوتر لا يزال مستمرا، وأن العفو لم يؤخذ على محمل الجد، وبالتالي فإن احتمالات تفجير الموقف وتوسيع نطاق المواجهة في الشمال اليمني لم تتراجع، خصوصا أن ثمة محاكمة جارية الآن أمام محكمة أمن الدولة المنصوبة في صنعاء، لعناصر من «الشباب المؤمن» وصفوا بأنهم «خلية صنعاء» التي اتهمت بالتحضير لأعمال تخريبية في العاصمة.
لم تكتف التقارير بذلك وإنما سلطت الأضواء على ما سمي بالمحكمة الجزائية المتخصصة، التي تحاكم «خلية صنعاء» وهي محكمة استثنائية.
وفي أغرب الأحكام التي أصدرتها تلك المحكمة الاستثنائية والغرائب بلا حصر بالمناسبة ـ أنها قضت بتوقيع غرامة على صحيفة «الشورى» المعارضة وصلت إلى 500 مليون دولار ـ أكرر خمسمائة مليون دولار لماذا؟ ـ لأنها نشرت ذات يوم خبرا غير دقيق عن عدم صلاحية مصل مضاد لأحد الأوبئة، وقد كذبت وزارة الصحة الخبر، ونشرت الصحيفة التكذيب، غير أن جهة أخرى تصيدت المسألة، ووجدتها فرصة لتأديب الصحيفة المعارضة، فحركت الدعوى ضدها، مستندة في ذلك إلى أن نشر الخبر (الذي تم تكذيبه) من شأنه أن يدفع الناس إلى الشك في جدواه، ومن ثم الإعراض عن التطعيم، وحين يفعلون ذلك فإنهم سيصبحون معرضين للإصابة بالوباء، مما يترتب عليه وفاة إعداد منهم خلال السنوات العشر المقبلة، وهو ما ينبغي أن تتحمل الصحيفة مسؤوليته، عن طريق دفع دية المتوفين من أبناء عدن في الفترة. وهذه الدية قدرتها المحكمة الاستثنائية بخمسمائة مليون دولار!
طعن المحامون في الحكم، وبعد مداولات وأخذ ورد، خفضت الغرامة إلى ما يعادل 20 ألف دولار، وقررت المحكمة إغلاق الصحيفة المعارضة لمدة ستة أشهر.(1/383)
الملف الذي بين يدي حافل بالشهادات والتقارير الأخرى، التي تحدثت عن الاعتداء بالضرب على الصحفيين المعارضين، وعمليات الخطف والقمع والتعذيب التي يتعرض لها الناشطون، وحصة الهاشميين في تلك الممارسات أكبر، الأمر الذي يخشى معه أن يجدد الصراع المذهبي المقيت الذي يفترض أن اليمن تجاوزه منذ عقود، ذلك غير التقارير التي تحدثت عن محاكمة نفر من العلماء، لمجرد أن بعضهم زار إيران أو حضر حفلا في السفارة الإيرانية قبل خمس أو سبع سنوات!
كما يحدث في أقطار عربية أخرى، فإن حملات ملاحقة المعارضين وقمعهم تتذرع بمكافحة الإرهاب ولأنه يقال إن لتنظيم القاعدة حضورا بين بعض الشبان اليمنيين ومنهم من كان له دور في أحداث 11 سبتمبر فقد وجدت أجهزة الأمن في تلك الخلفية غطاء يطلق يدها في إجراءات الملاحقة والقمع، أنيطت بمحكمة أمن الدولة الاستثنائية مهمة إكمال المهمة.(1/384)
غير أن الانتهاكات اتسع نطاقها على نحو أثار حفيظة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، فعقدت أكثر من ندوة انتقدت عدم دستورية المحكمة الجزائية المتخصصة، ودعت إلى رد اعتبار السلطة القضائية واحترام سيادة القانون، ونظمت أحزاب المعارضة إطارا عرف باسم «اللقاء المشترك» وعقدت مؤتمرا في صنعاء (في 27/11) أعلنت فيه مشروعها للإصلاح السياسي (اعتبره مسئولون حكوميون مشروع «خيانة») وانتقدت الأوضاع القائمة مشيرة إلى أن مظاهر الأزمة في اليمن تتجلى في غياب دولة القانون والمؤسسات وانعدام المساواة أمام القانون. وتركيز السلطة في يد رئيس الدولة من دون توافر الحد الأدنى من التكافؤ بين الصلاحيات والمسئوليات فلا محاسبة ولا مساءلة في ظل وجود سلطتين تشريعية وقضائية غير مستقلتين ومسيطر عليهما. ودعوا إلى تشكيل الحكومة من قبل أحزاب أو ائتلاف الغالبية وفق نتائج الانتخابات وخضوع الحكومة للمسألة البرلمانية بشكل مستمر ومنح رئيس الجمهورية الصلاحيات السيادية المتعارف عليها في النظام البرلماني، كما دعوا إلى تخفيض مدة مجلس النواب إلى أربع سنوات بدلا من ست، وتخفيض مدة ولاية رئيس الجمهورية إلى خمس سنوات، على أن يتولى منصبه لدورتين متتاليتين فقط، ومعروف أن الرئيس اليمني في الدستور الحالي ينتخب لسبع سنوات، بدون حد أقصى لمرات الترشيح.
قلت من قبل أنه فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان فان أكثر بيوت العرب من زجاج لكن هناك حالات قصوى من الانتهاكات تذهب بعيدا في ممارسة القمع وإيقاع الظلم بالمواطنين، الأمر الذي يخشى معه أن تنفجر الأوضاع في الداخل، على نحو يهدد الاستقرار ويفتح الأبواب لشرور كثيرة. نسأل الله أن يحفظ بلادنا منها، وحين تبلغ تلك الحالات حد الخطر، فإن دق نواقيس الإنذار بأعلى صوت يصبح واجبا، ليس فقط من باب إنكار المنكر، ولكن أيضا تحسبا لوقوع ما هو أتعس و أنكر، اللهم فاشهد.
http://al-shaab.org المصدر:
===========(1/385)
أماه ( رسالة إلى أم البطل )
محمد أبو الهيثم
بسم الله نبدأ وعلى هدي نبيه - صلى الله عليه وسلم - نسير
إلى كل أمٍ فقدت ابنها في سبيل الله، إلى كل أمٍ حُبس عنها ابنها لصدعه بكلمة الحق إعلاءً لشرع الله، إلى كل أمٍ نُفي عنها ابنها وفارقت بينهم الأيام وحجز بينهم الطغاة.
أماه لقد علمتُ الحق ولا ارتضي عنه بديلاً ولا عن سبيل الله سبيلاً، أماه لقد حال الطغاة بين الخلق وتعبيدهم للخالق، فما كان مني إلا أن ذكّرتهم بالله.
أماه، لقد دافعتُ عن القدس الأبيّة فقتلني الطغاة..
أماه لقد طالبتُ بتطبيق شرع الله، وألا نحتَكِمَ إلا إياه فحبسني عنك البغاة..
أماه مهما باعدت بيني وبينك الحدود، وحالت بيني وبينك الحواجز والسدود، فاعلمي يا قرّة عيني ونور الدجى، أن ابنك هامته عَلَمٌ على طول المدى، قَصَدَ العُلا ولن يضيع تعبُك والله سدى..
أماه إن كنتُ في محبسي فحالي خيرٌ أم حال عباد الخنا والردى؟..
أمِن أجل الدنيا تعبتُ أم من أجل الآخرة؟..
والله يا أماه لو تطلعت إلى ما عند الله فما فقدتيني، واعلمي أن ما عند الله خير وأبقى، فالباقي هو ما عند الله وما كان له..
بالله عليكِ يا نور الفؤاد أدِمائي الطاهرة في سبيل الله تنهمر أمام عينيك أفضل، أم ركوني جوارك هائماً في دنيا عابثاً في لهوٍ بائعاً للدين؟..
أماه باعوا القدس، أماه خانوا العراق، أماه تركوا كابل، أماه انتهكوا عرض أختي في الشيشان وكشمير، أماه شرع ربي ليس له أثر في ديار المسلمين، آه وألف آه على أشباه الرجال..
أماه عسى نفيي سياحة..
أماه عسى قتلي شهادة..
أماه عسى حبسي خلوة..
أماه عسى أي من هذا يكون لي عذر أمام الله يوم يسألنا عن الأمانة التي ما صانها القاعدون..
أماه لا تبكي وتذكري الجنة..
أماه قد بعت الدنيا لله، واشتريت الآخرة لي إن أخلصتُ ولكِ إن صبرتِ بإذن الله، فما أربحَ البيع، وما أعظم الشراء..
أماه لا تحزني عسى أن يأتي الفرج..(1/386)
أماه عسى بجهدي ويدي في أيدي إخواني يتحقق النصر، أماه عسى أن يسطع النور، فما بعد اشتداد الظلام إلا بزوغ الفجر..
أماه قال - تعالى -{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ}
فيا أمي.. يا أم الداعية
يا أمي يا أم الشهيد..
يا أمي يا أم العالِم الموثوق..
إن مات ابنك على الإسلام وفي سبيله، فاعلمي أنه أحرز الخير بإذن الله..
فلستُ أُبالي حين أُقتل مسلماً على أي جنبٍ كان في الله مصرعي..
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزَّع
فيا أمي.. يا أمّ الداعية، يا أمي يا أمّ الشهيد.. يا أمي يا أمّ العالِم الموثوق..
إليكِ هذه الأبيات جمعتها لكِ بفؤادي الممزق حرقةً على فراقك، وكله أملٌ في بزوغ الفجر، وكله إصرارٌ بإذن الله على المُضِيِّ قُدُماً لنصرة الحق
أماه ديني قد دعاني للجهاد وللفدا
أماه إني ذاهب للخلد لن أترددا
أماه لا تبكي علي إذا سقطت ممدداً
فالموت ليس يخيفني ومناي أن أستشهدا
الله أكبر كلما صوت القنابل زغردا
الله أكبر كلما صدح الرصاص وغردا
الله أكبر لن تضيع دماء إخواني سدى
فالنصر أقبل ضاحكاً والحق زاد توقداً
نأبى الخنوع وهامُنا عَلَمٌ على طول المدى
نأبى الصَّغارَ ولو أعد الذابحون لنا المدى
نأبى الركون إلى الطغاة الحاقدين على الهدى
فالحُرُّ يأبى أن يلين وأن يهادن مفسداً
أماه والله إني أحبكِ، ووالله ما أقسى على قلبي بعدكِ ولكن والله يا أمي ما أبعدني عنكِ هوانُكِ عليّ، ولكن هوانُ الدّينِ على الناس، فاحتسبي واصبري، وأبشري وتذكّري أن الرسول الكريم الذي أرسله ربه رحمة للعالمين قال لآل ياسر وهم في محنتهم « صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة » فإن لم نلتقِ في الأرض يوماً وفرّق بيننا ريب المنون، فموعدنا غداً في دار خلدٍ بها يحيا الحنون مع الحنون..
(وأخيراً اعلمي يا أماه أن كل رجال الحق لكِ أبناء)، أسأل الله أن يأجركِ خيراً
06 - 02 - 2004(1/387)
http://www.islamway.com المصدر:
==============
رسالة إلى كل مسلم ملتزم
محمد إبراهيم صبحي
لسنا في زمن الصحابة
كثر ولله الحمد الملتزمون ولكن.... للأسف لسنا في زمن الصحابة أو التابعين.
شاب أو فتاة قالوا إنهم التزموا فأهملوا في دراستهم وعملهم، حتى أصبحنا في آخر ركب الحضارة - هذا إن كنا قد ركبنا من الأصل- وتركوا العلم الدنيوي الذي أمرنا به الله كما أمرنا بالديني... عذرا فلسنا في زمن الصحابة.
رجل أو امرأة قال إنه التزم أهمل عمله ولم يتقن فيه، تعطلت شئون المسلمين علي يديه ويخرج من بين يديه العمل ناقص لا يليق بملتزم وربما ضاعت الحقوق بسببه... آه... فلسنا في زمن الصحابة.
إبن أو ابنة قال أنه التزم فنهر أبواه وأغضبهم ورفض الجنة التي تحت أقدامهم وحجته أنهم ليسوا بمسلمين ملتزمين مثله ونسي وصية الله بالوالدين، معذرة.... فلسنا في زمن الصحابة.
زوج قال إنه ملتزم فأهمل بيته وقال أن العمل واجب وجاء عمله علي حساب زوجته، يتعصب علي زوجته ولا يتحملها ونسي الإحسان والمودة والرحمة ونسي قول رسول الله صلي الله عليه وسلم " رفقا بالقوارير" ونسي وصيته قبل وفاته " أوصيكم بالنساء خيرا" بل نسي سيرته - صلي الله عليه وسلم - وأحواله مع زوجاته والتي ظن هذا الزوج أنه تعلمها فهو ملتزم- آسف لقد نسيت...... فلسنا في زمن الصحابة.
زوجة تقول أنها ملتزمة تصر علي حضور الدروس جزاها الله خيرا- ولكنها نسيت واجبتها نحو زوجها، وكانت حجتها أنه لا يريد أن يعينها علي طلب العلم، وأخري زادت طلباتها وزادت ضجرها وذهبت معه بسمة المودة والرحمة وذهبت معه السكينة التي خلق الله الزوجة لتكون سببها ولكنها تصلي وتصوم ولكن زوجها حاله..... دوما يسرح خيالي إلي بعيد..... فلسنا في زمن الصحابة.(1/388)
أب يقول أنه ملتزم انشغل في عمله وترك ولده في زمن أحاطه الفتن دون أن يرشده لحفظ القرآن ودون مراقبته إن كان يحافظ علي الصلاة أم لا، نعم فكسب المال أصبح صعبا وفي أولوية التفكير!!!، وآخر التزم ابنه ولكن الأب لا يرضي بالتزام الابن إلا أن يكون من نفس نوع التزامه ولا يترك له قدر من المناقشة وحرية التعبير في حدود المسموح به في الدين (نعم فالالتزام أصبح أنواعا !!!!) فكيف سيخرج الرجل القادر علي أخذ القرار إن لم يساعده والده علي ذلك؟ ويـ.... ماذا حدث لعقلي أصبحت أنسي كثيرا... فلسنا في زمن الصحابة.
أم تقول أنها ملتزمة لا تعرف ابنها من يصادق ولا تهتم بفكره ولا تعرف شيئا عن طموحه ومواهبه ونسيت أنها مدرسة تعد جيلا إن صلح صلحت الأمة وإن فسد فسدت الأمة ونسيت السيرة التي تعلمتها عن أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهن ونسيت.......
تقريبا أنا الذي أصبحت أنسى فلسنا في زمن الصحابة، ولكن كيف أنسي والفتن من حولنا حتى صار الحليم في هذا الزمان حيران، فتن كقطع الليل المظلم.
ولكن فتنة الملتزم أصعب فتنة فهو مرآة المسلمين وهو الواجهة التي ينظر إليها الناس ليروا الإسلام وهو الأمل في يوم تنتشر فيه الرحمة والسلام بين الناس.
فاحذروا أيها الملتزمون فهي أمانة في أعناقكم وليست بالكلمة السهلة أن تكون ملتزما واتقي الله وخذ الإسلام كله وليس بعضه وافهم دينك جيدا وتعلم كيف تكون مسلم ملتزم بار بوالديه ورحيم بزوجته ومجتهد ومتقن في عمله وحليم بين الناس ونافع في مجتمعه وتكون زيادة لهذه الدنيا وليس عليها، فليس العيب في زمننا بل العيب فينا،
قال الإمام الشافعي:
نعيب زمننا والعيب *** فينا وما لزمننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب *** ولو نطق الزمان لنا هجانا
معذرة............................ فلسنا في زمن الصحابة.
21-5-1426 هـ
http://www.zzrz.com المصدر:
============
رسالة إلى أهل البلاء
محمد إبراهيم صبحي(1/389)
رسالة إلى كل مبتلى
خَرَجْتَ من ظلمة الرحم، إلى نور الحياة.
ومن دفء حضن الأم، إلى صقيع تدافعه وتتفاداه.
فاعلم أنه أينما كنت..وحيثما ذهبت قدماك.
فأنت في بلاء.
نعم، لقد أتيت إلى دنياك لتبتلى فيها. لتختبر..
ليعرف الله ما تصنعه بك.. أو ما ستصنعه بها.
هل ستقودها.. أم هي تحركك؟
هل ستعلوها.. أم هي تركبك؟
هل ستتقاذفك أمواج أعاصيرها.. أم ترتفع شراعك فوقها؟
نعم.. أنت في بلاء منذ بدايتك.
فإن ولدت في بيئة منحرفة.. هل تصبح سارقا؟
نشأت ذو عاهة خلقية.. هل تكون ساخطا؟
كبرت في بيئة غنية.. هل تغدو لاهيا غافلا؟
ما هو موقفك؟
ماذا لو نشأت في بيت يعمه شجار الأهل والوالدين؟
بل ماذا لو ترعرعت في بلاد تعمها الحروب والفتن؟
ماذا ستفعل؟
هذا هو البلاء.
ذلك هو اختبارك.. وعليك الإجابة.
هل ستثبت على دينك؟ هل ستعض عليه بالنواجذ؟
أم تتخبط، وتقع.. وتسقط؟
لا.
اثبت أخي.
اصبر.
تذكر أن الجنة غالية.
" وما يلقاها إلا الذين صبروا * وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم "
صبروا على بلائهم.. واحتملوه.
لم تحركهم مصائبهم عن أماكنهم.. ولم توهن عزائمهم..
فاستعن بالله.. ملاذ الخائفين.. ومأوى الضائعين..
استعن بالله.. فإنه قريب.. مجيب المحتاجين.
استعن بالله.. ما أجملها كلمة.. وما أخلصها نصيحة..
استعن بالله.. ما أحلاها مناجاة.. وقت ليل في صلاة..
استعن بالله..
نعم.
ومن يعينك سواه.
19-5-1426 هـ
http://www.zzrz.com :المصدر
-============
رسالة إلى الدعاة
عبد الله الراشد
بين يدي هذه الملاحظات أقدِّم قول الشيخ عبد الرزاق عفيفي - حفظه الله - وهو يتحدث عن بعض الأخطاء الفقهية: (إن الذين لديهم ذكاء حاد لا يقبلون الصواب إلا إذا كان من عند أنفسهم، وذلك أن الله أعطاهم قدرات وطاقات عالية وفقوا بسببها إلى كثير من الصواب الذي أخطأ فيه الناس، ولذلك فلديهم من الثقة بآرائهم ما يصعب على الناس إقناعهم بغيرها).(1/390)
لهذا أتمنى على من يقرأ هذه الملاحظات من أصحاب الذكاء الحاد أن يتفكر فيها بنفسه دون أن يطيل النظر في العبارة أو الأسلوب.
والله الموفق لكل خير.
أولاً: في مجال التربية والإعداد الجهادي:
إن ساحة أفغانستان مدرسة تربوية عظيمة لا يقدرها حق قدرها إلا من عاش فيها فترة من الزمن، إذ (ليس الخبر كالمعاينة)، وهو ميدان تبرز فيه الطاقات الكامنة في الأفراد.
إن معظم من يسيرون في طريق الدعوة إلى الله بحاجة ماسة إلى العيش فترة من حياتهم في هذا الجو الجهادي حتى تستقيم نفوسهم على الطاعة والعبادة.
ويكفي في مجال التربية شعور الداعية بدنو أجله وكتابة وصيته حتى تطهر نفسه من أخطائها وأدرانها وأمراضها.
ويكفي في مجال التربية الشعور بالأخوة في الله في أعلى صورها.
ويكفي في مجال التربية والإعداد الجهادي والتدريب على مختلف الأسلحة؛ مما يصقل الداعية ويطرد عنه عقدة الخوف المبتلى بها كثير من الناس اليوم.
لكن بقي أن نقول: أن هناك طائفة بارزة من الدعاة قد لا يكونون بحاجة ماسة إلى هذا الجو، نظراً لما حباهم الله من طاقات وقدرات عالية، إذ لديهم الاستعداد للمواجهة والتضحية في سبيل الله والصدع بكلمة الحق مهما كانت آثارها عليهم، لكن لنتذكر جيداً أن هذه الفئة قليلة وقليلة جداً بالنسبة لعموم السالكين لدرب الدعوة، ويجب عليهم أن يعلموا أن معظم الدعاة ليسوا على نفس المستوى الذي هم عليه.
وإن نظرة شاملة إلى حالة الدعاة في مختلف القطاعات، سواء في التعليم أو في المؤسسات أو في مواقع العمل المختلفة يتبين لنا منها ما تتعرض له النفوس من الأسن والتقهقر.
وفي ظني أن العيش في جو الجهاد كفيل بإزالة الصدأ المتراكم، وكفيل بدفع الداعية إلى النماء والعطاء والبذل والتضحية.(1/391)
ثم إن المسلم الداعية الذي لم يعرض نفسه للجهاد لا يدري عن مقدار إيمانه الذي بين جنبيه، إذ أن الجهاد فضحٌ للمنافق حيث قال المصطفى -عليه الصلاة والسلام-: (من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من شعب النفاق).
والله - جل وعلا -يقول: (لَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ولَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ)، ولقول - سبحانه -: (إلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ويَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ...) الآية.
فهل كل القاعدين عن الجهاد من الدعاة سالمين من مقتضى هذه الآيات.
ومن العجيب أن بلاداً مثل سويسرا (وهي الدولة المحاطة بالأمن من جميع الجهات) يفرض على الفرد الذي يتراوح عمره بين الخامسة عشرة والخامسة والأربعين الالتحاق بدورة تدريبية عسكرية مدتها قرابة الثلاثة أسابيع يعيدها سنوياً وبشكل مستمر.
بحيث يستطيعون خلال ساعتين (وعددهم لا يتجاوز الستة ملايين) تحضير جيش مسلح قوامه ستمائة ألف مقاتل.
أليس الدعاة أحق منهم بهذا الإعداد؟ ومن الخطأ الشائع: ما ذكره لي أحد العلماء الأفاضل من أن الإعداد العسكري يمكن أن يتم في حالة نشوب الحرب، وأنه حيثما كانت الحرب وجدت معسكرات التدرب والإعداد، وأقول لشيخنا الفاضل الحبيب: ترى لماذا لم يفكر السويسريون بهذا المنطق؟.
إن الإعداد العسكري للجهاد في وقت قصير من السنة لن يؤثر مطلقاً على سير الدعوة وطلب العلم الشرعي، بل ولا على الأعمال والوظائف.
كما أن الإعداد المستمر للجهاد لا يقتضي مطلقاً الحماس غير المنضبط والذي يؤدي إلى النكسات المتوالية للدعوات.
ثانياً: علاقتنا بالتيار الجهادي:(1/392)
1- التيار الجهادي متكون من الشباب المتحمس الراغب في بذل نفسه لله ينقصه العلم الشرعي، ولكنه قابل تماماً للتوجيه والإرشاد والتعليم، فمن الواجب علينا أن نستفيد من هذه الطاقات الهائلة ونوجهها التوجيه الصحيح.
لقد رأيت أحد الشباب يستمع إلى شريط لأحد المشايخ ويقول لي: هذه رابع مرة أستمع فيها إلى هذا الشريط، فقلت في نفسي: ترى لو كان الشيخ بينهم كم سيكون تأثيره فيهم؟
2- هذا التيار الجهادي يشعر بالنفور ممن يثبطون عن الجهاد في أفغانستان، ولهذا سيعرض عن الإقبال على الأفكار والمحاضرات الدعوية؛ لأن أصحابها لا يحثون على الجهاد، وبهذا نكون قد وضعنا عوائق بيننا وبين هذا التيار.
3- إن الإعراض عن الشباب المجاهد القاصر في علمه الشرعي يؤدي إلى أن تتلقفه الأفكار المبتدعة ومناهج الخوارج؛ فتتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال، وإذا تبنى هذا الشباب المتحمس مثل هذه الأفكار وتلك المناهج فلا تسأل عما يحدث بعدها من الفساد.
كلمة أخيرة: هذه الملاحظات المكتوبة ممن يعرف قدر نفسه إنما نشأت من قلب محب يشهد بفضل من وجهت لهم وسبقهم في البر والتقوى.
وإن لهم على الأمة فضلاً لا ينكره إلا الجاحدون، فهي ليست إلا من قبيل قول القائل: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
رسالة عاجلة من القلب للعين !!
خالد عبد اللطيف
استطاعت القنوات الفضائية الهادفة المنضبطة أن تشق طريقها وسط أمواج هادرة من قنوات الإثارة والمجون، التي غزت بيوت الأمة وأصبحت مما عمّت به البلوى! على تفاوت بين هذه القنوات (الهادفة المنضبطة) في مدى الانضباط ونوعية البرامج..لكن ثمة تنبيهات يجدر برعاة البيوت الاهتمام بها بصفة عامة وترسيخ مراعاتها في أهليهم؛ عند إدخالهم القنوات التي يغلب عليها الخير. ومن ذلك:(1/393)
* حفظ الوقت وتنظيمه، وتخصيص أوقات محددة لمشاهدة البرامج المفيدة والممتعة، دون إخلال بالحقوق والواجبات التي تضبط أحوال البيت بما فيه صلاح الدين والدنيا. فلشؤون البيت وقتها، ولواجبات الدراسة وقتها، ولالتقاء أفراد الأسرة أوقات جميلة من الأنس والسرور ومناقشة أحوالهم؛ فلا يستحوذ التلفاز ـ حتى لو كانت قناة هادفة منضبطة! ـ على الأوقات، ويسرق اهتمامات الأسرة، حتى تتجمد المشاعر بينهم!
* وكذلك مما تجدر مراعاته: مسألة نظر المرأة للرجال. وليس المجال مجال التفصيل الفقهي في المسألة، ولكنها همسات إلى القلوب.. التي إذا صلحت صلح الجسد كله؛ والعكس!
فالمرأة الصالحة القانتة الحافظة للغيب بما حفظ الله.. تتورّع عن النظر للرجال؛ امتثالاً لقول مولاها - عز وجل -: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.. } الآية (النور: 31).
قال الإمام النووي - رحمه الله - في شرح صحيح مسلم: "الصحيح الَذي علَيه جمهور العلماء وأكثَر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظَر إِلَى الأَجنبِي كما يحرم عليه النظَر إِليها لقَوله - تعالى -: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ... }, {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ... }. ولأَن الفتنة مشتركة وكما يخاف الافْتتان بِها تخاف الافْتتان بِه.. " إلى آخر كلامه - رحمه الله -
وسئل الشيخ العلاّمة "عبد الله بن جبرين" عن حكم نظر المرأة للرجال الأجانب؟ فقال: "ننصح المرأة بالابتعاد عن مشاهدة صور الرجال الأجانب، فخير ما للمرأة "أن لا ترى الرجال ولا يروها"، ولا فرق في ذلك بين المصارعات والمباريات وغيرها، فإن المرأة ضعيفة التحمل، وكثيراً ما يحدث من نظر المرأة لتلك الأفلام والصور الفاتنة ثوران الشهوة والتعرض للفتنة، فالبعد عن أسبابها أقرب إلى السلامة" أهـ.(1/394)
وكما قيل: الوقاية خير من العلاج، والسلامة لا يعدلها شيء! وقد حذرنا المولى - عز وجل - من اتباع خطوات الشيطان وتدرّجه بالإنسان حتى يفسد قلبه ودينه، بقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الآية (النور: 21).
http://www.asyeh.com المصدر:
=============
رسالة إلى تاجر لمقاطعة بضائع المعتدين
صلاح عبد الشكور
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة الأستاذ: سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
تعلمون - رعاكم الله، وبارك فيكم، وفي أموالكم - الهجمة الدنيئة التي تعرض لها رسولنا وقدوتنا - صلى الله عليه وسلم - من مجموعة من الغوغائيين الدانماركيين والنرويجيين عبر رسومات كاريكاتيرية نالت من شخصية رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، كل ذلك باسم حرية التعبير، نسأل الله أن ينتقم منهم.
وإن المسلم الصادق ليبكي حرقة، ويتقطع قلبه حسرة وألماً؛ وهو يشاهد هذا الاستهزاء العلني العالمي الفاحش بمن؟ بسيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -، وإننا نحن المسلمون لابد أن تكون لنا وقفة جادة قوية مشتركة لنصرة نبينا الكريم، والدفاع عنه بكل ما أوتينا من قوة وطاقة، ولو تضافرت جهودنا ضد هذا العدوان، وقمنا قومة رجل واحد، وعملنا على دفع هذا الظلم بكل الوسائل المشروعة؛ لأثّر ذلك في أعدائنا، ولتنازلوا عن غطرستهم وكبريائهم، وعرفوا حقاً من هم المسلمون، وماذا يعني لهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم -!(1/395)
هذا وإننا نملك أسلحة كثيرة، وكماً كبيراً من العتاد؛ لصد هذا البغي على نبينا المعصوم، وما من شك أنكم أيها التجار ورجال الأعمال من أقوى الأسلحة التي نمتلكها لو سُخرت ووُجهت التوجيه الأمثل.
أخي التاجر الكريم: إن من أعظم وأفتك الأسلحة في هذا العصر سلاح المقاطعة الاقتصادية، وهو سلاح مدمر ذو تأثير قوي، ولئن كان أفراد المسلمين يملكون المقاطعة الفردية كلٌ حسب مشترياته، فأنت تملك مقاطعة كبرى جماعية، ولك أجران - بإذن الله -؛ أجرٌ بمقاطعتك أنت، وأجرٌ لتسهيلك على الناس ومساعدتك لهم أن يقاطعوا هذه السلع والمنتجات، وتذكر أخي التاجر أن الله سيُبارك لك في مالك وتجارتك إن رأى منك صدق التعامل، وحسن النية فيما تفعل وتترك، واعلم أن الله سيعوضك خيراً، وأنك بمقاطعتك لسلع ومنتوجات الدانمارك ستدعم المنتوجات والسلع الداخلية التي سينتعش سوقها.
لذا فإننا نخاطب فيك غَيرتك على نبيك - صلى الله عليه وسلم -، ونأمل أن تصدر قراراً في نفسك أولاً ثم في منشأتك بعدم استقبال أي سلعة دانماركية أو نرويجية، واستبدالها بأخرى وما أكثر البدائل، وإنا نبشرك أن هناك الكثير من التجار أمثالك قد أسهموا في المقاطعة بل تبرع بعضهم لإقامة حملات ترويجية للمقاطعة الشعبية كمراكز العثيم والقلزم وبنده وغيرها كثير، فكلنا أمل أن تكون أحد المدافعين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نسأل الله - تعالى- أن يحشرنا جميعاً في زمرة نبينا، ويكتب أجورنا، وينتقم من أعدائنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://nosra.islammemo.ccالمصدر :
=============
رسالة إلى أعداء الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم
محمد إبراهيم فايع(1/396)
اسمحوا لي أن أقول: إنه مهما كانت ردات الفعل عند كل مسلم على التهجم الذي تبنته صحيفتان دنماركيتان مؤخراً على رسولنا وحبيبنا وقدوتنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فلنا العذر، ولنا كل الحق أن نغضب ونثور، ونشجب ونستنكر وندين، بل نعلنها مدوية تخرق آذان أعداء الإسلام والمسلمين ليعلموا بأن المسلم لا يرضى أن يهان نبيه ودينه تحت سمعه وبصره من أعداء الدين الإسلامي.
ولكن هل كل هذا يكفي؟ هل يكفي أن ننادي بمقاطعة المنتجات الدانماركية والبضائع؛ وهل سيستجيب التجار والدول التي لها صفقات تجارية وعقود مع الدانمارك، ويقاطعون كل منتج دانماركي احتجاجاً على هذا الهجوم الذي يعكس مدى الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين؛ وهل المقاطعة التجارية في حد ذاتها ستوصل احتجاجنا وغضبنا لحكومة الدانمارك وشعبها ليفهموا الرسالة جيداً بأن المسلمين لا يقبلون الإهانات والإساءات لدينهم ونبيهم.
ترى من الذي احتج على ما حدث؛ وكم دولة عربية رفعت صوتها غضباً مما حدث؟ وأي جرم بعد هذا يمكن أن يحدث إذا ما أهين خير البشر، ووجهت الاتهامات، ورسمت الرسوم الكاريكتورية للسخرية والتهكم، وكتبت المقالات للنيل من الإسلام وأبنائه وتعاليمه؟(1/397)
إن موقف السعودية كان موقفاً مشرفاً وهي تستدعي سفيرها في الدانمارك احتجاجاً على موقف الصحيفتين، وقد أحسن مجلس الشورى في السعودية عندما أدان علانية الإساءات الموجهة لرسولنا - عليه الصلاة والسلام -، وتمنيت من قلبي لو سارت كل الدول العربية والإسلامية على نهج السعودية، واتخذت موقفاً موحداً ليعلم العالم بأننا عند الشدائد متوحدون ومتضامنون ومتمسكون بثوابتنا، ولن نبيعها ونخسر أخرانا من أجل مصالح دنيوية، فالقضية أكبر من قصة (زبدة وجبنة)، القصة مواقف وثوابت، وعقيدة ودين، ولكن دعوني أقف معكم عند ما يسمى بحوار الأديان والمؤتمرات التي أقيمت حوله: هل نجحت في تقريب وجهات النظر، وتصحيح الأغلاط والمفاهيم المشوهة؛ أم أن العنصرية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب ما زالت تشهد على جهل الغربيين بالدين الإسلامي وقيمه، فما فتئوا يشوهونه ويلطخونه بكل سيئ، ويعتبرون ذلك الفعل يدخل ضمن ما يسمى (بالحرية الفكرية)، وكأنها المفتاح الذي يملكونه عند فتح أي باب للدخول عبره، والنيل من الآخرين، إنه الجهل المطبق الذي تتغذى عليه أحزاب وأفراد في الغرب، فجرَّهم هذا إلى القول بأن عدوهم القادم الإسلام، ورفعوا ما اسموه (الإسلام فوبيا)، وسخَّروا أقلامهم وإعلامهم ووسائلهم للصق التهم بالإسلام، وما قامت به صحيفتان في الدنمارك جزء من ذلك المخطط الغربي، وهو مكمل لما يقال عن محمد - صلى الله عليه وسلم - والدين الإسلامي في أمريكا، وفي إمبراطورية السينما (هوليوود).(1/398)
وكم من الكتب ظهرت إلى الوجود وهي تحاول النيل من الإسلام، وتشويه مبادئه وقيمه وتعاليمه، وتصوير المسلمين على أنهم إرهابيون وقتلة وسفاحون، وضد حقوق المرأة وضد التطوير، ومثل ذلك ظهر في النرويج، وفي ألمانيا مورست عنصرية عدائية للمسلمين، وضيقت عليهم في المساجد وفي مؤتمراتهم، وفي روسيا يرون في الإسلام عملاقاً نائماً ما يلبث أن يتحرك يوماً ما، وتبقى صور العداء للإسلام متجلية أكثر في أمريكا، وعلى الطريق سارت دول تنهج هذا النهج العدائي مثل النائبة الهولندية عيان حيرزي، كنت أتمنى أن يكون موقفنا من هذا العداء مثل موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أسوتنا في أقواله وأفعاله عندما قال لعمه أبي طالب - صلى الله عليه وسلم -: (يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري؛ على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته...)، موقف ثابت صلب لو وقفت الدول العربية والإسلامية مثله لاحترمنا العالم، واحترم ديننا، ولما تجرأ على أن يسيء لنا بأي إساءة، أمّا ردات الفعل التي تصدر على استحياء، والمواقف اللينة مع الإبقاء على الصفقات والعقود التجارية، ورحلات الطيران والعلاقات الدبلوماسية؛ فلن تجدي، وسنرى مستقبلاً من يجدد لنا الإساءة تلو الإساءة ونحن نتقبلها.(1/399)
أنا أدعو من خلال هذا المقال إلى أن (نصدر نشرة) نضمنها أسماء الأشخاص والمنظمات والهيئات والصحف والصحفيين والدول والمؤلفات وأصحابها الذين يسيئون للإسلام والمسلمين، ويتجرأون على مقام النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بالإساءة، والاحتفاظ بها، وتعميمها من منطلق (أعرف عدوك)، وينبغي ألا تأخذنا في الله لومة لائم، ونقول لهم: نحن نعرفكم ونعلم حقدكم، ولا نجهل خططكم، ولا يمكن لنا نسيان عداوتكم، وتقسيمكم أراضي العرب والمسلمين لغرس التفرقة والنزاعات، وما حقدكم على نبينا إلا جزء من المؤامرة التي يحاول بعضنا تصويرها على أنها وهم، ومما أتذكر من تلك الأسماء التي تحمل الكره، وتعكس الوجه العنصري الحاقد على الإسلام وأهله:(1/400)
دانييال ياييس، وبات روبرتسون عراف بوش رئيس أمريكا الذي يدعي أنه يتلقى الوحي من الرب، وجاكي مايسون الذي وصف الإسلام بمنظمة قاتلة، وشبكة فوكس ووستورد ون الأمريكيتين اللتين تعرفان بمواقفهما العدائية من الإسلام ومساندتهما للمواقف الإسرائيلية، والسيناتور تشارلز شومر الذي يدعو أمريكا إلى معاداة السعودية وقطع علاقتها بها، كذلك هوليوود وما تقدمه من أفلام يقال إن 95% مما تقدمه يكرس تشويه صورة الإسلام والمسلمين، ومع هذا هناك من يقدر جهودها ويتعامل مع نتاجها الإعلامي، والبرلمانية الهولندية الصومالية الأصل عيان حيرزي التي تتهم المسلمين بتشويه التاريخ اليهودي، وبمعاداة السامية، وهي المرتدة عن الإسلام، والعناصر والأسماء التي تشكل المجلس الاستشاري للبنتاغون، وتحريضهم الدائم على أن السعودية هي منبت الإرهاب، الجنرال وليام بوكين الذي أماط اللثام عن وجه قبيح ليرشق الإسلام والمسلمين بأقذع الكلمات والأوصاف، ومنظمة (مناصرو إسرائيل) ومؤسسها أفي لينكن الذي دعا إلى مؤتمر مؤخراً في سويسرا ليحذِّر من مخاطر تكاثر المسلمين، وتحرك الإسلام والمنظمات الصهيونية داخل إسرائيل وخارجها، ومن الصحف صحيفة تلاتهاسي، ورسام الكاريكاتير فيها المدعو دوج مارلست الذي صوَّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجلاً إرهابياً بلحية يقود شاحنة متفجرات، والباحث لوران موراويك في مؤسسة راندا الذي دعا إلى اعتبار أن السعودية هي العدو الأول.
نريد أن يعلم الدنمركيون والنروجيون والفرنسيون وجميع أعداء الإسلام أننا نعلم حقيقتهم، وأننا في الأزمات متوحدون ومتناصرون، ويدنا واحدة.
http://www.islamselect.comالمصدر :
============
رسالة مفتوحة المفوضية الأوربيّة
اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -
02/05/2006
نحن نتمنى لكم ولبلدانكم ولشعوبكم حياة خيرٍ وسعادة.(1/401)
إننا إذ نخاطبكم إنما نخاطب حكماء أوروبا، وأصحاب الفكر والقرار فيها، ولا يخفى على الجميع أن مقتضى الشراكة التي بين البشر في الحياة على هذا الكوكب أن نسعى جميعاً إلى إشاعة السلام بين شعوبه، وأن يكون الاحترام بين مختلف الحضارات هو منطلق التعايش بينها، وأن يكون أسلوب التفاهم بين مختلف الأديان والحضارات هو الحوار الهادئ البعيد عن زَرْع معاني الكراهية، أو عن إثارة النَّعْرات العنصريّة.
وقد اضطلعت المفوضيةُ الأوربيّةُ بهذه المعاني منذ مؤتمرها الوزاري الأوربي - المتوسطي الثاني المنعقد في مالطا 15 - 16 أبريل 1997م حيث جاء في خلاصته الثانية: " تنمية الموارد البشريّة، والتشجيع على التفاهم بين الثقافات، والتبادلات بين المجتمعات المدنية "، وجاء في عناصر هذه الخلاصة: "المقاومة الفعالة ضدّ ظاهرة العنصريّة، وكره الأجانب ضد اللا تسامح، والعمل على الاتفاق حول التعاون لتحقيق هذا الهدف".
فبناءً على هذه المبادئ الكبرى التي نتّفق عليها، وبناءً على هذه القرارات الواعية المتحضّرة: نريد من المفوضيّة الكبرى أن تعبر عن موقفها تجاه ما تعرّض له خاتم الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم -، أعظم شخصيّة بشريّة عند المسلمين، ولها قداستها الكبرى عندهم، حيث تعرّض لإساءة صريحةٍ من خلال رسوم وتعليقات، وما تلاها من تبريرات تتّسمُ بالعنصريّة المقيتة وبالتعالي، وتحت غطَاء حرية التعبير المساء استخدامهُا.
إن حريّة التعبير قيمةٌ إنسانيةٌ نٌقدّرها - نحن المسلمين - ونسعى إليها، لكن حرية التعبير يجب أن تقف عند خطّ الاعتداء على حرية الآخرين وعلى مشاعرهم، والسخريةُ بالشيء المقدّس عند غيرك، لا يٌتصوّر أن يكون أمراً مقبولاً عنده، وما دام أنه يؤلم أكثر من مليار مسلم على وجه الأرض فمعنى ذلك أنه لا يمكن أن تكون حريةُ التعبير تبريراً يُسوّغ مثل هذا الألم الضخم الكبير الذي شمل نسبةً كبيرةً من أهل الأرض.(1/402)
إن مثل هذه الحرية تهدّد معاني الشراكة البنّاءة بين شعوب الأرض، وتقوّض كل ما يسعى إليه العقلاء من إشاعة مبادئ السلام، وتصورّات التعايش بين مختلف الحضارات.
وحفاظاً على تلك المبادئ السامية التي نؤمن بها جميعاً، وإثباتاً لجديّة تلك القرارات؛ نرجو أن يكون للمفوضيّة الأوربية موقفٌ إيجابي يناسب مقدار الأذى البالغ الذي سببته تلك التصرّفات غير المسؤولة من صحافة الدانمرك، ومن تبريرات حكومتها غير المبالية بمشاعر المسلمين في داخل الدانمرك وخارجها.
إننا نرجو أن لا نسمح للتعبير الهدام باسم الحريّة أن يدمّر كل ما بناه العقلاء من خلال التعبير الحر البنّاء.
اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -
1 محرم 1427 هـ الموافق 31 يناير 2006م
http://www.icsfp.comالمصدر :
============
رسالة إلى أختي المسلمة
عبد الرحمن بن إبراهيم العتل
حدثٌ وربِّك للبلاد يُدبرُ *** ومصائبٌ تترى فأين المعبرُ؟
وغوايةٌ في كلٍّ حين شأنُها *** متلوّنٌ متذبذبٌ متغيرُ
نادى بها الأعداءُ وقتَ قلاقلٍ *** وشعارُهم في الخافقين تحررُ
كذبوا وربِّ البيتِ ليس تحرراً *** بل إنه الكسرُ الذي لا يُجبرُ
جعلوا النساء مطيةً لمرادهم *** وتستروا في زيِّنا وتدثروا
خدعوكِ يا أختاه بالخُطب التي *** طاب البناءُ بها وساء المخبرُ
وركضتِ في عجلٍ ودون تفكرٍ *** وهم الذين سعَوْا لذاك وفكروا
ورميتِ طهرَك والحياءُ مجندلٌ *** يبكي ويصرخ والمدامعُ تُنثرُ
يا أخت أنتِ الأمُّ حين نريدُها *** تبني لنا الجيلَ الذي لا يُقهرُ
يا أخت أنتِ البرءُ للجرح الذي *** يقضي على أحلامِنا ويدمرُ
عُودي إلى التاريخِ واقتبسي الضيا *** سيرُ النساءِ مع العقيدةِ تزهرُ
إن التشتتَ والهلاكَ لأمتي *** أن يخرجَ الوجهُ الطَّهورُ ويسفر
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
رسالة إلى عقلاء الغرب(1)
د. جبر خضير البيتاوي*
15/1/2006(1/403)
لم أستطع أن أصمت طويلاً، لأن أموراً عظيمة قد بدأت بالظهور، والبلايا قد حلت بالناس جميعاً، لذا رغبت في أن أخاطب عقلاء الغرب كي يفيقوا من غفلتهم، فإني والله مشفق عليهم، فإسهاماتهم العلمية والمعرفية كانت موضع تقديري واحترامي وكل المنصفين الباحثين عن الحقيقة، فالحضارات الإنسانية تكمل بعضها بعضاً، وتسد النقص فيما بينها.
ولكن بعد أن بلغ السيل الزبى في هذه الأيام، وبعد أن ادلهمت الخطوب، وطفح الكيل؛ رغبت أن أكتب إليكم أنتم عقلاء الغرب باعتباري مسلماً عربياً من فلسطين، غيوراً على أمتي العربية والإسلامية، يعز على أن أرى الغرب وصل إلى ما وصل إليه من تيه وضياع نتيجة ممارسات زعامته الخاطئة التي تقود شعوبها إلى الهاوية.
أكتب إليكم وأنا ممن نهل من المعرفة الغربية، واستفدت منها كثيراً في حياتي الأكاديمية والعلمية، وتعلمت منها: أن الإنسان عليه أن يميل إلى الحق**، ويعدل عن الباطل، منطلقاً من الأمانة العلمية، والنزاهة العملية، إن زعامتكم تقودكم إلى الهلاك لأنهم نظروا إلى أنفسهم بمفهوم السيد المطاع، وعلى باقي البشر أن يظلوا عبيداً لهم حتى النهاية، هؤلاء لم يفهموا حقيقة العلاقة التي يجب أن تسود بين الشرق العربي والإسلامي وبين الغرب الذي فقد روحه، ولم يتعلموا من دروس التاريخ شيئاً، هذه العقلية الفوقية التي ترى أن الجنس الغربي بزعامة وجورج بوش الابن رئيس الولايات المتحدة وتابعه توني بلير رئيس وزراء بريطانيا وأعوانهما بأنهما أسياد العالم، وعلى العرب والمسلمين أن يبقوا عبيداً لهما، وأن يرضخوا لمطالبهما ورغباتهما في كل الأحوال والأحايين، لقد رفع رئيس أمريكا بوش شعاراً ساذجاً منذ أيلول/سبتمبر 2000م، الهجوم على نيويورك وواشنطن يقول فيه: إما أن تكون مع أمريكا وإلا فالموت ينتظرك، وتصور نفسه بأنه أحد آلهة اليونان القدماء المطاع، وعلى الجميع أن ينصاع له.(1/404)
أخاطبكم أنتم العقلاء، لترفعوا صوتكم ضد من أعمتهم شراهة الزعامة، وبريق الرياسة في أميركا وبريطانيا، وممن لف لفهم لأقول: إن الطغيان لا يمكن أن يستمر، وأن شجرة الباطل ضعيفة وإن تظاهرت بالجلد، فشجرة الخير أقوى وأثبت منها، والله - تعالى- جلت قدرته، وتعالت عظمته؛ هو الخالق لهذا الكون، وهو الإله المطلق لهذا الكون، وصاحب الملك والملكوت والمتصرف به، قال - تعالى- في حديث قدسي: (( العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، من خاصمني فيه قصمته ولا أبالي))، فمن ينازع الله في ملكه ويشرك في حكمه قصمه الله، فالعظمة والكبرياء لله وحده لا شريك له، وأمره هو الغالب قال الله - تعالى-: ((والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)).
لقد آن للحق أن يبزغ فالله - عز وجل - لا يقبل أي منازع له في حكمه وتشريعه، وإن له سننا، فمن سنن الله أن مدعي الألوهية هالك لا محالة، لذا فشل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد في قيادة البشرية، ووصلت البشرية في زمانه إلى فوضى وازدواجية المعايير، والكيل بمكيالين، وتقسيم العالم إلى قسمين: غرب متغطرس، وشرق مستعبد، وشمال يملك كل شيء، وجنوب مستقبل لكل شيء، ولكن سرعان ما نهض مارد الشرق العربي والإسلامي ليصحو من جديد، وليعيد الحق إلى نصابه، ويضع حداً للغطرسة والاستعباد والاستكبار، فهل آن الأوان لأن تفيقوا يا عقلاء الغرب؟
____________
* أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية جامعة النجاح الوطنية - نابلس.
** وهذا الأمر مأخوذ ومستفاد من الإسلام والحضارة الإسلامية، وليس موجوداً بإطلاق عند الغرب. ( المختار الإسلامي ).
http://www.islamselect.comالمصدر
===============
رسالة إلى عقلاء الغرب (2)
نحن أمة تريد النهوض
د. جبر خضير البيتاوي
أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية
جامعة النجاح الوطنية-نابلس(1/405)
أحب أن أصارحكم بحقيقة ما يجري عندنا نحن العرب والمسلمين، فقد وصلت الأمور عندنا حداً من الظلم والقهر والذل والعبودية بحيث لا يمكن تحمله نتيجة لما يمارس علينا من أصناف الإذلال والاستعباد والاسترقاق، لم يشهد التاريخ مثيلاً لها فسياسة الغرب وعلى رأسها أمريكا هي التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد.
فالعرب والمسلمون يعانون من ظلم الأباعد والأقارب، أما الأوضاع عندنا فقد قاربت على الانفجار الكبير، فمجتمعاتنا مقسمة إلى قسمين، قلة متنفذة تمتلك الثروة والجاه والصدارة وكل شيء وأكثرية مسحوقة معدومة لا تملك أي شيء هي الأغلبية.
وزاد الأوضاع سواء انعدام العدل فأصبح هذا المفهوم خارج القانون عندنا ولا أبالغ إذا قلت لكم كما قال أحد الساسة العرب لجلسائه يوماً "يوجد عندنا وزيراً ووزارة عدل، ولكن لا يوجد عندنا عدل، هكذا وبكل بساطة متناهية.
تصوروا أنفسكم تعيشون في مجتمع فقدت فيه العدالة إلا نادراً، بل تساوى عندنا الظالم والمظلوم والضحية والجلاد، بل أكثر من ذك إذا ركب أحد المظلومين رأسه وأصر على رفع شكواه ضد خصمه فسيصبح هذا المظلوم متهماً في نظر منصفي العدالة؛ ولهذا أثر أغلب المظلومين في عالمي العروبة والإسلام الصمت وعدم رفع شكواهم لأي كان إلا لله وحده ولكن دون جهر حتى لا يسمعه غير الله فيبلغ هذا الأمر للسلطان.
أما مراكز العدالة عندنا فهي أشبه ما تكون بأماكن مزدحمة بالمراجعين أحدهم يقول لك، قضيتي في هذا المركز منذ أكثر من عشرين سنة ولم أخذ حقي، ولهذا أصبحت الأوراق والقضايا مكدسة تنتظر من يحلها وينصف مظلوميها.
لم تسألوا أنفسكم يوماً لماذا أكثر من "80%" من لاجئي العالم من العرب والمسلمين؟ مع ما تمتلكه أمة العرب والإسلام من ثروات طبيعية وبشرية مذهلة. ولماذا الاقطار العربية والإسلامية من أفقر بلدان العالم؟ ولماذا يفضل راكبو السفن التي تحمل مهاجرين "غير شرعيين" -كما تسمونهم أنتم- الموت على الرجوع لبلادهم؟(1/406)
قبل ثلاث سنين وأثناء زيارة علمية لي لبروكسل عاصمة بلجيكا كنت مع صديق لي فقلت له: سأسير في هذا الشارع لاستوقف عرباً ومسلمين وأسألهم سؤالاً محدداً لماذا أنت موجود هنا؟ فكانت الإجابة غريبة كغرابة أحوالنا فقال لي أحدهم: أنا لاجئ سياسي من المشرق وآخر لاجئ سياسي من المغرب وآخر لاجئ سياسي من الوسط، وهكذا...
فقلت في نفسي غريب هذا الحال، لقد أصبحنا نحن العرب والمسلمين أما غرباء في أرضنا وأما غرباء خارج أرضنا وأوطاننا.
وبعد ... ألم يأن لكم أن تدركوا، لماذا نحن العرب والمسلمين نريد النهوض وفك القيود والخروج من الأقفاص التي وضعنا فيها منذ أكثر من مائة سنة؟ أم أنكم لا زلتم تبحثون عن وسائل ومناهج معرفية أخرى لتعرفوا حقيقة أمرنا.
وأخيراً أقول لكم وبكل صراحة نحن العرب والمسلمين طلاب عدل وأمة تريد النهوض..
فهل آن الأوان لأن تفيقوا؟؟
التاريخ: 23/12/2005م"
===============
كيف تصنع رسالة دعوية
أحمد بن عبد المحسن العساف
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على إمام الدعاة وقدوة العباد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛ وبعد:
هذه طريقة مقترحة لكيفية إيصال الرسالة الدعوية إلى المتلقي؛ اقتضتها الحاجة وكثرة السؤال ممن بذلوا أوقاتهم لخدمة دين الله ونفع عباده؛ وقد جاءت في اثنتي عشرة خطوة كما يلي:
*اجعل لطرحك مسوغاً:
فذلك أدعى لقبوله ولفت الانتباه إليه؛ وحتى لا يتسلل الشك إلى نفس المخاطب بأنه المقصود بالحديث خاصة في بعض المسائل، وهذا المسوغ:(1/407)
إما أن يكون موجوداً: كأن يبدأك بسؤال أو ذكر حادثة فتجيب أو تعلق بما يناسب، أو أن ترى منظراً لرجل مصاب فتذكره بنعمة الله وحقوقها، أو تشاهد مستغرباً في لباسه فتحدثه عن نعمة الإسلام والتدين وتعمق مفاهيم الولاء والبراء لديه، ومثله أن تستغل التزامك بقوانين المرور وأنظمته للتذكير بضرورة الالتزام بأوامر الله ونواهيه وتعزيز مفاهيم الأمانة وحفظ الضرورات الست عنده، وكأن تستغل انضباطه بمواعيده للثناء عليه وذكر فضيلة الوفاء بالوعد والعهد ثم تتخذ ذلك منطلقاً للحديث عن الصلاة ومواقيتها وجماعتها وتعرج على المنافقين بفضح خلائقهم وصفاتهم دون أسمائهم.
أو تسعى لإيجاده: كأن تورد القصة من باب التسلية ثم تعلق عليها، أو تستمع معه إلى شريط نافع أو برنامج ماتع وتناقشه فيه، أو تبادره بالسؤال عن الامتحانات لتحدثه عن فضيلة الصبر أو الشكر؛ أو تستخبره عن والديه لتعقب بحديث عن حقهما ووجوب برهما وطاعتهما في غير معصية، وهكذا حتى لا يشعر صاحبك أنك تعتسف الحديث اعتسافاً.
*لا تشعره بأنك تلقي محاضرة:
وذلك بأن تكون على سجيتك أثناء الطرح؛ متوسط اللغة غير متقعر ولا مسفٍ ولا مغرقٍ في العامية؛ ولا تبدأ حديثك بما تبدأ به المحاضرات بالرغم من فضل تلك البداية وأجرها، ولتكن معانيك واضحة قريبة سهلة المأخذ وحاذر الرمزية وكن مباشراً دفعاً للظنة والفهم الخاطئ.
*اجعل لطريقة عرضك خطة قبل اللقاء:
وذلك بالتزام منهج تسلكه لبلوغ الهدف المنشود من اللقاء معتمداً على ترتيب الأفكار ومراعاة الأولويات، فلا تذكر للمدعو صوراً من الربا قبل ذكر تعريفه وبعض أدلة تحريمه؛ وتذكر أن إيجاد المسوغ من أهم مهمات خطة الطرح.
*احرص على رؤوس الأقلام المهمة:(1/408)
فقد لا يسعفك الوقت أو شخصية المقابل، فلا تطل واكتف بذكر رؤوس الأقلام المهمة لكونها أرسخ في الذهن وأبعد عن الملل؛ ولا مانع حسب حالة المتلقي من تكرارها؛ وتذكر قول المبرد: " من أطال الحديث وأكثر القول فقد عرض أصحابه للملال وسوء الاستماع ".
*لا تذكر الشبهة نقداً وتجعل ردها نسيئة:
والصواب ذكر المفهوم الصحيح والتأكد من فهمه ورسوخه ثم ذكر الشبهة وتفنيدها؛ وسيكون نجاحك أكيداً باهراً لو شاركك المدعو بتفنيد الشبهة ودحضها بناءً على قولك الأول.
* ليس ضرورياً أن يكون لكل لقاء موضوعاً خاصاً:
ويتأكد ذلك في الجلسة الأولى؛ ويكتفى بذكر الله حينما تعرض مناسبة كالآذان أو العطاس أو القيام من المجلس أو الفراغ من طعام أو شراب، وعند البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا " وقد علق الحافظ ابن حجر على ذلك بقوله: " ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال " ثم قال: " ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص؛ والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط".
*نوِّع خطابك:
فلا تجعله محصوراً في العلم أو العاطفة أو الفكر أو الأدب؛ بل شكله حسب المقام والمستهدف، ومن تنويع الخطاب أن يكون مرة بلسانك وأخرى عبر شريط أو إذاعة وثالثة من خلال كتاب أو مجلة، وهكذا...
*لا يكن حديثك متشائماً:
فلا تشحن خطابك بالسلبيات ولا تصيره مكتظاً باليأس والقنوط والهزائم فذلك أدعى لرفضك ورد مقولك وقطع العلائق معك، ولا يعني هذا الإغراق في الإيجابيات والتفاؤل المفرط الساذج؛ لأن كثرتها خلاف الواقعية والموضوعية؛ والتوسط مطلوب في كل شيء.
*لا تشغله بالجزئيات:(1/409)
فلعله لا يستفيد شيئاً من التوسع في ذكر اختلافات الأئمة رضوان الله عليهم في مسألة ما مثل ما يستفيده من الاقتصار على القول الراجح أو من ترسيخ حكم أساسي في ذهنه، ثم إن شغله بالجزئيات مدعاة لتشتيت الذهن وعدم شعوره بالفائدة ثم الانقطاع.
*لا تسرد موضوعاتك مرة واحدة:
فلن يستفيد ولن تجد ما تحدثه به مستقبلاً إلا المعاد المكرر، وستكون كصاحب بيض وضعها في سلة واحدة وقطع بها أرضاً وعرة ثم عثر! فما ظنك بالبيض؟
*ليكن خطابك مما يحتاجه المدعو:
فلا تحدث فقيراً عن الإسراف وخطره مثلاً؛ ولا ترشد آخر غير سالكٍ إلى أهمية النظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً، وإذا علمت عمن معك أنه يرافق صحبة سيئة فحدثه عن الصحبة الصالحة وبركتها، وليكن حديثك عن الأشياء الظاهرة عليه أو المعلومة عنه حديثاً غير مباشر خصوصاً في بدايات المعرفة، ويدخل ضمن هذه الفقرة مراعاة اهتمامات المدعو حتى يأنس بالجلوس إليك؛ ومنها أيضاً تحديث المدعوين على قدر مداركهم واستيعابهم كما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه: " ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة "، وإياك إياك أن تطب زكاماً فتحدث جذاماً، والسلامة لا يعدلها شيء.
*تجنب متاهات السياسة ولا تدخل في موضوعات حرجة:
وذلك أجلب لاطمئنانه وأضمن لاستمراره، ومن نفيس كلام الإمام الشاطبي - رحمه الله - قوله: " وليس كل ما يُعلم مما هو حق يطلب نشره، وإن كان من علم الشريعة ومما يفيد علماً بالأحكام ". وليكن موقفك واضحاً في رفض الأخطاء واستنكارها كأعمال التفجيرات بنفس الدرجة التي تنكر بها المخالفات الأخرى.(1/410)
وأخيراً؛ أصلح نفسك وتعاهد سريرتك وتفقد نيتك يصلح الله لك مَنْ معك، ويجعل لكلامك نورانية تخترق حُجُب النفوس حتى لو كانت غليظة إلى حيث موقعها من قلب المدعو؛ وأحثك على مزيد من العلم ومزيد من الثقافة ومزيد من المهارة فلا يحسن أن يكون المدعو أميز من الداعية في واحدة مما ذكرت؛ وكن قدوة بسمتك وبقولك وبفعلك؛ سددك الله ووفقك وأعانك؛ ولله الأمر من قبل ومن بعد؛ والسلام.
* كتب مقترحة:
• مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي. د. عبد الكريم بكار.
• ثقافة الداعية. د. يوسف القرضاوي.
http://www.d3wa.org المصدر:
============
رسالة إلى أخواني طلاب المرحلة الثانوية مع نهائية العام الدراسي
خالد أبو سلمان
أخي الفاضل:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
أتذكر يوم أن بدأنا عامنا الدراسي الحالي، لقد كان بالأمس القريب يومها كنا ننظر إلى نهايته على أنها بعيدة، لكن الأيام مضت، والأسابيع انقضت، والأشهر ولت ووصلنا إلى نهايته أو كدنا.
وكما مضت هذه الأيام سريعا فيوشك العمر أيه الحبيب أن يمضي، وملك الموت أن يحل ضيفا علينا، ومفرق الجماعات وهادم اللذات أن ينزل بساحتنا..... شئنا ذلك أم أبينا.
لا أدري ولا تدري متى يكون ذلك اليوم؟.....
قد يكون اليوم أو الغد أو بعد غد.. وقد يكون بعد أيام أو أسابيع أو أشهر.. وقد يكون بعد أعوام... لكن الشيء الذي أدريه وتدريه جيدًا أن الموت ضيف لابد نازل (كل نفس ذائقة الموت)
أخي الكريم: أنت الآن في مرحلة مهمة من عمرك مضى السن الذي كان يتحمل منك فيه الخطأ وحل عليك العمر الذي أخذ فيه الملك قلمه ونشر صحائفه ليكتب كل لفظ تلفظه وكل عمل تعمله ولن يختم هذه الصحائف إلا بانتقالك إلى مآلك، وفراقك لآلك.
لقد انتقلت أخي من مرحلة الطفولة إلى مرحلة التكليف، انتقلت من عالم إلى عالم آخر، وأصبحت مرحلة الطفولة بالنسبة لك ذكرى لن تعود.......
أخي / اسمح لي أن أقول لك (أعد النظر في حياتك).....(1/411)
• أعد النظر في تفكيرك وهمومك، في لسانك ومنطقك، في أفعالك وتصرفاتك....
فلم يعد يقبل منك اليوم ما كان يقبل منك فيما سبق (فلقد أصبحت رجلا ً).
• أصلح حالك مع ربك وأخلص له في جميع شأنك، حافظ على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن في جماعة، تذكر دائما (أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر).
• تقرب إلى مولاك بالنوافل بعد الفرائض ألا تريد الفوز بمحبة الله - تعالى -(لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
• بر والديك وأحسن إليهما واعلم أن ربك - سبحانه - قرن حقه بحقهما (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) وفي الحديث (رضى الرب في رضا الوالدين وسخط الرب في سخط الوالدين).
• أعد النظر في أصحابك واعلم أن الصاحب ساحب، والأخلاق تعدي، وأن (المرء على دين خليله)
• صاحب الأخيار تجد لديهم المتعة والأنس والسرور وزوال الهموم مع ما أعده الله للمتحابين فيه.. أما علمت أن المتحابين في الله تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، أما سمعت بالحديث القدسي الذي رواه الترمذي وأحمد (قال الله - عز وجل -: المتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء).
أما صديق السوء فهو شؤم عليك في الدنيا والآخرة وهو رأس كل بلية، وسبب كل شر.
ألا يكفيك من شؤمه وعاره أنك تُعرف به في الدنيا فيقال صاحب فلان وصديقه.
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
كم رأينا والله من الشباب الطيبين من طلاب الحلقات وغيرهم ممن تحولوا عن طريق الصلاح والاستقامة إلى طريق الانحراف والغواية بسبب أصدقاء السوء.
ألا يكفيك ما تشعر به معهم من ضعف الإيمان، ورقة الدين، والسكوت عن المنكر، والمداهنة في دين الله، ثم بعد ذلك العداوة والبراءة منك يوم القيامة (الأخِلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)
• أخي عجل التوبة قبل الممات واستعد قبل أن يقال فلان مات.(1/412)
لماذا تؤخر التوبة؟
أما علمت أن السعادة الحقيقية هي بطاعة رب الأرض والسماوات، أما علمت أن ممن يظل تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله (شاب نشأ في طاعة الله)، أما علمت أن المرء يسأل يوم القيامة عن شبابه فيما أبلاه، أما تعلم أن الشباب مرحلة النشاط والقوة والحيوية، ثم يعقب ذلك مرحلة الضعف والشيبة (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير).
فكيف تؤخر التوبة والطاعة إلى زمن الضعف والعجز؟
ألا تخش أن يُختم على قلبك فيحال بينك وبين التوبة فلا تستطيعها أبداً.
أخي: أطلت عليك أعلم ذلك، لكنها كلمات خرجت من محب لك يأمل أن تصادف قبولاً لديك وما بقي أكثر مما قلت ولعل فيما سبق الكفاية.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
http://www.saaid.net المصدر:
===========
رسالة الى ابي القابع في مكان ينر الزمن فيه كسلحفاة
/عائشة السفاريني/ فلسطين
إلى أبي القابع في مكان يمر الزمن فيه كسلحفاة
عائشة السفاريني – جامعة النجاح
لمن أكتب؟! لمن تتناغم الكلمات حتى الموت؟! لمن أمشي أسير بخطاي ملء الكون؟! لمن اكتب وقد صار الكلام لجرحنا لهبا.. وأضحت كل أشكال الهوى لعبا.. ولكن، سأمضي واقفاً، عيناي قرص الشمس، وقلبي راية للحب، وعنواني على بوابة الأحزان يا ابتي.. يا أبتي..
أبي وقرة عيني، يا توأم الروح ومهجة الفؤاد.. من ليل الآه وفجر المعاناة، من صدأ القيد وعثرة الدرب، من لسان يحتضن تراقص الكلمات أستل كلماتي.. وأرسلها مع الريح حاملة قبلاتي، على جبينك الأسمر اطبعها، وعلى زندك البهي أمطرها.. ولكن! من أين ابدأ يا جراح القلب يا ألماً يزيد!! خانتني الأحرف والكلمات، فوقفت حائرة مع قلمي العاجز استنجد قبس نور يقودني لاكتب إليك..(1/413)
أبى أينما كنت، في مجدو، عوفر أو عسقلان، فأنت الأقرب الى نفسي، كلامك كل ما يستوطن ذاكرتي، ظلك يتصدر أوراقي، يرتسم على ملامح الوقت عندي، فتبدو تقاطيعه واضحة بكل أوجاعه وحنانه وآهاته.. أكتب إليك وأنا أبلغ الان عشرين من عمري، وما زال الحزن منها يقتات.. اكتب إليك وأنت قابع في تلك الزنزانة حيث لا معنى للحياة هناك.. اذكر تلك اللحظة عندما رحلت عنا ورحل فرحي، فغفت ضحكاتي وسقط الضباب على ايامي، فانهمر الثلج فوق صدري وتجمدت نبضاتي.. عندها ضعت في دروب بلا أرصفة.. عندها سقطت أمامي جميع المعادلات..
أكتب اليك يا أبتي وكلي شوق أن أرتمي بين ذراعيك لتمسح عن وجهي تعباً ما زلت غير قادرة على تحمله، ولتمسح من عيوني دمعي، ودمع امي واخوتي الصغار.. اكتب إليك حروفاً ممزقة وكلمات مبعثرة وجملاً غير مكتملة، اكتب إليك بدمي الأحمر وعظمي الذي لم يشتد بعد، اكتب اليك والأمل نصب عيني ان أراك من جديد.. اكتب اليك وأنا اجهل الوقت عندك، فهل هو الصباح وفنجان القهوة والجريدة؟ ام هو المساء وأنت تتابع الأخبار؟ لعلّه وقت الظهيرة وأنت تداعب اخوتي الصغار، لا انه الظلام الهادىء وصوت الجلاّد ينبح: قم جاء وقت العدّ!!
أبى اشتقت إليك.. اشتاقت الأرض لرؤيتك، والشمس لنورك, والقمر لهلالك: اشتاق الشعب للقياك، والتراب لكلامك، والزرع لسلامك.. نحلم بلقائك من جديد فها نحن نحترق انتظاراً، تتحرك عقارب الساعة والزمن في سكون، وكأن العالم جمد وكف عن الحركة عندما رحلت عنا.. اشتاق لذراعك تطوقني، آه كم اشتاق للعناق! في تلك اللحظة سأعلن اني امتلكت العالم وأن لعبة الأقدار التي عصفت من حيث لا ندري قد انتهت، نحلم بلقائك، لان الأماني حياة والاستسلام عدم، نبكي أحيانا لان الدموع قطرات ندى تغسل الكدر من عيوننا.. فان رمانا الدهر بسهم الفراق فلنعش على أمل اللقاء..(1/414)
أبي، يا فارس الحلم وساكن القلب، ما زلت اشعر ان ملايين الكلمات تجول في صدري، تنتظر موعد الإفراج عنها، ولا أزال أؤمن ان المسافات بين ما قد قلت ولم اقل كبيرة.. ما زلت احتفظ لك في ذاكرتي بالكثير، فالقلم عاجز عن إخراج خبايا الصدور.. فكم هي واسعة عطاياك، حبك، حنانك، وعظك وارشادك، كلها أصبحت كريات في دمي ونبضات في عروقي، أحرف كلماتك أضحت كخيوط الشمس الدافئة التي انغرست في ضلوعي ولن تغرب ابداً.. فانت يا ابي حاضرٌ دوماً، تنهض من ركام الذاكرة لاجدك ماثلاً أمام ناضري، حاضراً في الزمان والمكان تنفض غبار الزمن المتراكم في اجندة القيد والحصار..
أبتي، ما فتئنا ندافع عن خضرة الزيتون وزرقة البحر ورمل الذاكرة، ما فتئنا كذلك، لان طريقنا أشجار خضراء على جنباتها حجارة لونها الزمن بلون اخضر، مرتبة بعناية، النجوم وقبل طلوع الشمس تعانق أشجار الزيتون والبلوط.. أشعة الشمس الذهبية وقطرات الندى تتلألأ بهدوء من بين الأغصان.. تداعب شقائق النعمان الفتية.. تغسل سنابل القمح المتمايلة مع هبات الريح كأنها جديلة فتاة بللتها حبات المطر.. ما فتئنا نحلم ببحر عكا وجنات برتقال يافا.. وما فتئتم بأيادٍ أدمتها الجراح تغزلون للانتصار رايته الجديدة، فقد سقط أولئك الذين يسمون الأشياء بغير أسمائها ويضعون للأرض عنواناً عدا سنابل القمح التي اتخذتها الأرض رموشاً لها.. سقط القناع ولم تعد تخفى علينا المسألة.(1/415)
أبى وقرة عيني، يقول ابن تيمية – رحمه الله -: "المحبوس من حبس عن ربه، والمأسور من أسر هواه" . فأنتم يا ابي رغم القيد أحرار لأنكم موصولون بالله، انتم الذين لم توهن عزائمهم السجون، فكنتم رجالاً في زمن قل فيه الرجال، فان ضاقت عليك يا والدي جدران السجن، ففي صدرك فسحة واسعة من أرض هذا الوطن الجميل تجوب بها روحك المؤمنة الصادقة بين أرجاء المعمورة.. بين بيارات البرتقال وأشجار الزيتون وعبق الرياحين، فاصمد يا ابتي صمود الجبال، واثبت ثبوت الأبطال فأنت صاحب موقف لا يثنيك عنه موت أو اعتقال.
واخيراً يا والدي، ابعث لك بهذه الكلمات ولا أبالي برفض السّجان لها.. فهي كلمات لسعتها عقارب الزمن، وطوتها ذاكرة الحزن وحان لها ان تخرج وتجتاز كل الحدود.. مع قبلات ابنتك المنتظرة.
============
رسالة فقط لمن يفعل فعل قوم لواط
عبد الله القحطاني
الحمد لله الذي حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماًكثيرا0
أما بعد: -
هذه رسالة إلى كل شخص في قلبه الإيمان لكنه لم يخش من نظر الرحيم الرحمن، إنها رسالة إلى شخص أحب عملاً لا يحبه الله ولا يرضاه، إنها رسالة أحببت أن أبُثها إليه الآن في الدنيا قبل أن يُبثّ عليه العقاب من ربٍ شديد العقاب - سبحانه - جل وعز.
يا ابن الإسلام:
اعلم أن اللواط رذيلةٌ من أسوأ الرذائل، خصلةٌ من خصال الشر، مميتاً للحياء، فساداً للأخلاق، فساداً للقلب، اعتداءٌ شديدٌ على الطبيعة التي ركبها الله - عز وجل -، بل جريمةٌ نكراء تعافها البهائم والحيوانات.
يا من فعل اللواط...أنعم الله عليك بنعمة الإسلام، والأمن والأمان، والسلامة في الأبدان والعافية من الأسقام، والبصر والسمع والكلام فلماذا هذا الشر والنكير؟
أما تعلم أن فعل اللواط يغضب الذي يجري الدّم في عروقك!(1/416)
أما تعلم أن هذه الفاحشة يضيق بها الفضاء، وتعج لها السماء، ويحل بها البلاء، وطريقاً إلى دار الشقاء!
أما تعلم أن فعل اللواط، شرٌ ونكير، وفسادٌ كبير، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب!
أما تعلم أنه كشف حال، وسوء مآل، وداءٌ عضال، وقبح أفعال!
إنه عيبٌ دونه سائر العيوب، تذوب من أجلها القلوب، فعلٌ مسبوب ، ووضعٌ مقلوب، وفاعلٌ ملعون، ومفعولٌ به مغضوب، إنه خلقٌ فاسد وعرضٌ ممزق، وكرامةٌ معدومة، إنه زهريٌ وإيدز، سيلانٌ وسرطانٌ ذو ألوان، قذارةٌ دونها كل القاذورات، إنه خللٌ في توازن العقل، وضعفاً شديداً في الإرادة، وانعكاسٌ نفسي، وخفقاناً في القلب، وطريقاً للإصابة بالعقم، وانعدام عضلاتٍ للمستقيم ، بل إنه فعل الكلاب، فعل البغال والحمير، فعل القردة والخنازير، ولا يصاب الشخص اللوطي أو فاعل العادة السرية بالأمراض الفتاكة إلا بعد فترة مديدةً من الزمن.
-كيف يطيب لك عيشٌ والله غاضبٌ عليك لأنك أغضبته وهتكت ستره.
-كيف يهنأُ لك بالاً وأنت مخالفاً للقرآن الكريم فلقد قال - سبحانه وتعالى - {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}
أخي في الله:
ما هو موقفك حينما يناديك الله بين الخلائق أجمعين وأنت فاعلٌ للواط، ثم يفضحك بين الخلق أجمعين.
بل ما هو موقفك من حياةٍ تعيشها بعدما تنظر إلى أقاربك وأصدقائك عندما يكونوا في أتم الصحة والعافية ويكون لديهم أبناءً وأُسراً، وأنت تنتقل من مرضٍ إلى مرض، ومن مصيبةٍ إلى أخرى، والسبب في ذلك أنك تستجيب لهذه الشهوة المحرمة.
بل ما هو موقفك حينما يرسل الله عليك ملك الموت وأنت فاعل للواط.
أخي في الله:(1/417)
اعلم أن اللوطي ملعون في الأرض، وملعونٌ في السماء، ملعون من الله تعالى على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما قال (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ) رواه النسائي.
وروى عن أنس بن مالك قال: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -(من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله - تعالى - حتى يحشر معهم)
- لماذا أصبح كثيراً من الشباب منقاداً للشيطان اللعين حتى غرقوا في هذه الفاحشة النكراء؟
- لماذا أصبح أكثر الشباب صحبتهم من أجل الغرام واللواط؟
- لماذا أصبح أكثر الشباب سخيف العقل، عديمُ الهمة والحياء من الله - عز وجل - فاهتم بالحب والغرام، والمعاكسات الهاتفية، والصور والمجلات، والنظرات الساقطة، والكلام الفاحش، وهذه في الغالب مسببات اللواط، والزنا والعادة السيئة0
- لماذا أصبح بعض الشباب فريسةً لكل لوطي، يعبثون به، ويهددونه، ويذهبون به حتى يتمكنوا منه؟
- فبالله عليك ما هو موقف الرجل اللوطي في الآخرة أمام الله - عز وجل -، بل ما هو موقفه في الدنيا عندما يصبح في مهنةٍ أو في مستوىً وظيفي أو كان له زوجةً وأبناءً، ثم يقال عنه كان هذا الرجل يُفعل به كذا وكذا...
كلوا واشربوا وازنوا ولوطوا وابشروا *** فإن لكم زفاً إلى الجنة الحمرا
فقوم لوطٍ مهدوا الدار قبلكم ***وقالوا إلينا عجلوا لكم بشرا
وها نحن أسلافٍ لكم في انتظاركم***سيجمعنا الجبار في ناره الكبرى
فلا تحسبوا أن الذين نكحتموا*** يغيبون عنكم بل ترونهم جهرا
ويلعن كل منكما لخليله *** ويشقى به المحزون في الكرة الأخرى
يعذب كلٌ منهما بشريكه ***كما اشتركا في لذةٍ توجب الوزرا
(الجواب الكافي)ص197
فيا أخا الإسلام:(1/418)
هؤلاء قوم لوط لم يستفيدوا من فعلهم اللواط إلا أن أعقبت الحسرات، وأذهبت اللذات، وانقضت الشهوات، وتمتعوا قليلاً وعذبوا طويلا، فلقد أهلكهم الله هلاكاً شديدا، وقلب ديارهم عليهم، ونكّل بهم، ورماهم بحجارةٍ من السماء.
أخي الكريم/ كأني بك الآن قد مللت مما قرأت وتقول أريد أن أتوب من اللواط، وأريد أن أتوب من الخوض والكلام فيه، وأريد أن أفتح صفحةً مشرقةً تكون مليئةٌ بطاعة الله وتحدي الشيطان وكبح شهواته.
نعم أخي الشاب :
أنا أؤيدك على ذلك وأقول لك اجعل في قلبك العزيمة والإرادة على الندم والإقلاع، ولا تجعل أصحاب السوء منك نصيب.
وقد يقول لوطي:
كيف أتوب، كيف أقلع وأندم، وكل صديقٌ يهددني، ويعرف عني القبائح والرذائل، والكل يضايقني من كل حدبٍ وجهة.
والجواب هو :
مهما هددّت من أصدقائك من كلامٍ وصور، ومهما بلغت شهرتك، ومهما بلغت فضائحك عنان السماء00 فأنت رجل، والرجل قوي العزيمة والإرادة، وباب التوبة مفتوحاً، والآيات والأحاديث تدل على أن الله غفورٌ رحيم0 فإذا تبت سوف تبدّل سيئاتك إلى حسنات، ويحبك الله ويرضى عنك بعد أن غضب عليك، وتبدّل أوصافك بالمحاسن والأوصاف الحميدة بدلاً من الأوصاف السيئة، وسوف يعرف الناس توبتك بعدما علموا شهرتك
فبادر بالتوبة الآن قبل أن تبادر بالموت. هذا وأسأل الله أن يجعل هذه الرسالة نافعةً شافيةً كافيةً لكل من أصيب بهذا الداء الفتاك، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد.
http://www.saaid.net المصدر:
-============
رسالة إلى طالب الصف الأول الثانوي
عبد الله القحطاني
الحمد لله الذي أمر بتقواه فقال - سبحانه - {واتقوا الله ويعلمكم الله} والصلاة والسلام على رسول الهدى محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم...وبعد..(1/419)
أرسل إليك يا أخي الحبيب رسالة محب... رسالةً طرزتها بالود والنصح... رسالةً حمّلتها بالإرشاد والتوجيهات التي تضيء لك طريق الدنيا والآخرة إن علمتها وعملت بها... إنها كلمات أحببت أن أقولها لك وأنت تلج شيئاً فشيئاً للمرحلة الثانوية، وكذلك وأنت قد أصبحت مكلفاً في شرائع الدين، ولكن قد تستغرب وتقول لماذا هذه الرسالة لطالب الصف الأول الثانوي فقط0 فأقول لك لأن أهل الشر استقبلوني بكل وسيلة إلى الشهوات والملذات وكنت أقابلها بالصفح والابتسامة حتى غرقت في بئر المعاصي والذنوب ثم نجاني الله منها بفضله ورحمته، فعجلت بهذه الرسالة لأني لا أريدك أن تغرق مثلما غرقت، ولا أن تشقى مثلما شقيت، فأرجوا منك أن تتقبلها بروح مليئةً بالعزيمة والقوة والإرادة، حتى إذا قابلت شيئا من الشهوات تكون ضدها بقلبك وقالبك من أجل رضى الله - عز وجل - ثم من أجل أن لا تكون فريسةً لصاحب سوء يسعى بك إلى كل شهوة محرمة 0فأقول مستعيناً بالله.
1- وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - (اتق الله حيثما كنت) فاتق الله في سمعك، واتق الله في بصرك، واتق الله في لسانك، واتق الله في فرجك، واتق الله في أحوالك كلها حتى تفوز بالدنيا والآخرة.
2- حافظ على الصلوات المفروضة مع الجماعة في المسجد، وحافظ على أركانها وشروطها وواجباتها.
3- حافظ على صلاة الفجر والعصر مع الجماعة في المسجد فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول ( من صلى البردين دخل الجنة )وانتبه أن تفضل النوم على أي صلاة مفروضة.
4- كن من ذوي الأخلاق الحسنة مع المعلمين ومع الطلاب ومع الأسرة.
5- شارك في نشاط التوعية الإسلامية الذي في مدرستك أو في أي مكان كان، فإن في هذا النشاط كنوزٌ لا تستطيع أن تحصل عليها في مشاركة يومٍ أو يومين، بل تحصل عليها كلها عند استمرارك فيها بجديةٍ ونشاط.(1/420)
5- انتبه من رجل ظاهره الخير.. باطنه الشر.. دائماً كلامه عذب، يتكلم في كل شهوة.. ضحكه كثير في الغيبة والسخرية والاستهزاء.. إنه رجلٌ شبهه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنافخ الكير، إنه الصاحب السيئ الذي لا يكتم سراً، ولا يستر عيبا، يطوي حسنتك وينشر سيئتك، إن كنت حسن المظهر فتجده يريد مصاحبتك بأكثر الأثمان حتى إذا صحبته عرض عليك الفلم الخبيث والصورة الخبيثة، أو أي حركة فعلتها معه فيهوي بك في مصاحبته ومصاحبة غيرة. ولكن أقول لك: -
لا تصحب أخا *** الجهل فإياك وإياه
فكم من جاهلٍ أردى **** حليماً حين يغشاه
أخي في الصف الأول الثانوي: -
إن كان لك مفاسد تريد أن تتخلص منها فتخلص منها الآن قبل فوات الأوان لا تتردد في ذلك، فإن كنت تسمع الغناء فاستغفر الله وتب إليه، وإن كنت تشرب الدخان والشمة والقات والمخدرات والمسكرات فاستغفر الله وتب إليه، وإن كنت عاقاً لوالديك، سيئ الخلق، بذيء اللسان، دائماً مغتاباً ونماماً وكذاباً ومستهزئاً، لوطياً وزانياً، فاستغفر الله وتب إليه، وإن كنت صاحباً سيئاً فكن صاحباً صالحا، وغيّر صحبتك السيئة حتى وإن كانوا أقاربك وجيرانك، فقل لي من تصاحب أقول لك من أنت.
أخي في الصف الأول الثانوي: -
توكل على الله وتب إليه واجعل دخولك للمرحلة الثانوية دخولاً أبدياً بالسعادة بدلاً من الشقاء عند توبتك واستغفارك لله عز و جل. يقول الله - عز وجل - {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنين لعلكم تفلحون}
هذا وأسال الله أن يوفقك في دينك ودنياك وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
رسالة عاجلة إلى أخي المسلم المدخن
عبد الله نياوني
الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث والصلاة والسلام على خير البرية ومعلم الإنسانية وهادي البشرية
نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
أخي المسلم المدخن! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(1/421)
أنا أعلم أنك أول العارفين بما يسببها الدخان من أمراض فتاكة للإنسان،
وأعلم كذالك أنك تريد التخلص منه كي تحيا حياة سعيدة، روحيا وجسديا،
ولكن عذرك هو، أنك تقول:
* لقد حاولت تركه فعجزت.
* لقد تركته ولكن بعد برهة يسيرة عدت إليه أيضا.
* لا أدري ماذا أفعل كي أتخلص منه.
فلذا، حبا في معاونتك، أبحث إليك هذه الرسالة العاجلة، التي تحمل في طياتها نصائح مفيدة ووسائل ناجحة التي أعانت الكثير وستعينك إن شاء الله على التخلص من الدخان.
وملخصها: قوة الإرادة، احترام النفس، البديل الحسن، الاستعانة بالله.
قوة الإرادة:
أخي المسلم المدخن!
يجب أن تكون لديك قوة الإرادة للتخلص من هذا الداء العضال، ولا تقل لا أستطيع، بل كن رجلا على الأحوال جلدا، فإرادتك القوية هي أهم نقطة انطلاق، فقل في نفسك، أنا قادر على التخلص من جرثومة الدخان،...كيف لا؟ وكنتُ قبلُ لا أدخن.......
فكلما عاودتك نفسك الأمارة بالسوء، وهيجتك على حب التدخين، فاسلك الخطوات التالية:
أولا: استعذ بالله قائلا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه.
ثم تفكر في أضرار الدخان بصحتك واسأل نفسك قائلا:
كيف أصرف مالي فيما يسبب لي مرض السرطان؟
كيف أصرف مالي فيما يقتل مناعتي؟
كيف أصرف مالي فيما ينتن فمي و أسناني؟
كيف أصرف مالي فيما يسبب لي السعال الدائم؟
هل معقول أن أكون أنا الذي يبحث عن حتفه بظفر نفسه؟
كلا.... بل أنا أحترم نفسي، وتلك هي النصيحة الثانية.
احترم نفسك:
أخي المسلم المدخن!
أنت تعلم جيدا أن الله كرمك وفضلك وخلقك في أحسن تقويم وميزك بالعقل من سائر الحيوانات، فهل بعد هذه الكرامة، ترضى بالدنائة؟
فاحترم نفسك وقل:
أنا أحترم نفسي فلن أضر غيري بالدخان.
أنا أحترم نفسي فلن أكون مضرا للملائكة الكرام (الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم).
أنا أحترم نفسي فلن أنتن فمي الذي هو محل ذكر ربي وخالقي.
أخي المسلم المدخن!(1/422)
بهذا قصمت ظهر الشيطان، ولكن لا تظن أنه لن يعود فلعله يأتيك بحيلة أخرى محاولا وسوستك، فيقول: هاأنت تركت التدخين، فماذا تفعل بهذه الدراهم التي بها كنت تشتريه؟ فليس لك بديلا له فحيهلا..
أخي المسلم المدخن!
اعلم أن هذا عين الوسوسة، فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ثم هاك البديل:
البديل الحسن:
بادر بهذه الدراهم إلى شراء السواك، فالسواك مطهرة للفم مرضات للرب.
اشتري بهذه الدراهم تمرا فهو أحلى، فسينسيك إن شاء الله عن الدخان.
بادر بهذه الدراهم إلى التصدق على فقير أو يتيم تنال ثوابه عند الله‘ وإياك إياك أن تلقي بنفسك إلى التهلكة.
أما النصيحة الرابعة الأخيرة-
الإستعانة بالله:
روي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ماذا تصنع إذا سول لك الشيطان الخطايا؟ قال أجاهده، قال هذا يطول، أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها، ومنعك من العبور ماذا تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي قال: هذا يطول عليك، لكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك.
أخي المسلم المدخن!
إذا أردت التخلص من الشيطان ووسوسته، فاستعن بخالقه يكفه عنك و يحميك.
ولكن لعلك تسأل، كيف أستعين بالله؟
أقول لك:
قم وتوضأ وضوءك للصلاة، في غير وقت الصلاة، في جوف الليل مثلا، أو في الثلث الأخير من الليل،
ثم صلِِِّ ركعتين بخشوع وخضوع،
ثم ارفع كفك الضارع إلى السماء وقل:
يارب إني مغلوب فانتصر...
يا رب إني مبتلى فاحمني..
يا رب حبّب إليّ الطيبات، وكره إليّ الدخان والخبائث...
يا رب! يا رب!!
فستجد الله لك معينا وناصرا(أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السوء).
وفي الختام، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم، أن يثبت أقدامنا على صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. غير المغضوب عليهم ولا لضالين. آمين
وصلي الله على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين.
13 ربيع الثاني 1426 هجرية
http://www.saaid.net المصدر:
============
رسالة إلى الخطيب المسلم(1/423)
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
* أيها الخطيب المسلم.
* يا من صعدت المنابر، وتحدثت إلى الآخرين.
* يا من تُنصت لك الأسماع، و تستمع لك الجماهير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد؛
فإن الخطابة فن أدبي راقٍ من فنون القول. وهي صناعةُ عظيمةُ تهدف إلى التأثير في نفوس الآخرين، كما أنها تُعد أبرز وسائل مخاطبة الجماهير منذ القدم في شؤون الحياة المُختلفة للدعوة، والتعليم، والتوعية، واستنهاض الهمم، وحل المشكلات، وفك النزاعات، وقيادة الجماعات، وغير ذلك من الأحوال والمناسبات المتنوعة.
وفيما يلي أُوجه هذه الرسالة إلى الخطيب المسلم الذي تُعلّق عليه الآمال الكبيرة في توعية الناس وتبصيرهم بأمور دينهم ودُنياهم؛ فأقول مُستعيناً بالله - تعالى -:
• أيها الخطيب المسلم، اعلم أنك صاحب رسالة عظيمة، ومهمةٌ جسيمة، وأن عليك أن تؤديها بكل صدقٍ وإخلاص، وأن تبذل ما وسعك الجهد لأدائها على الوجه الأكمل الذي يُرضي الله - تعالى -، ومحاولة إيصالها إلى الآخرين بكل ثقةٍ واقتدارٍ، دونما كللٍ أو ملل، ولا تنس (أجزل الله مثوبتك) أن يكون قصدك من خطبتك ابتغاء وجه الله - تعالى -، والتقرب إليه - تعالى -بإصلاح النية وإخلاصها؛ حتى ولو كانت تلك وظيفتك التي تقتات منها؛ لأن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
• أيها الصوت الناطق بالحق، لا تنس أن الخطابة فن لا يُجيده إلا من امتلك أدواته ومهاراته؛ وأن على من اختارها أن يكون ذا موهبة واستعدادٍ في هذا الشأن، وأن يكثر من التدرب عليها، وأن يكون واسع الاطلاع على العلوم المختلفة، والفنون، والآداب؛ فسعة الإطلاع خير معين للخطيب لأداء خطبته بقوةٍ وتأثيرٍ وفاعلية، كما أن على الخطيب الاتصاف باللين والرفق والتلطف مع الناس لأن ذلك أدعى إلى استمالتهم وإقناعهم، وأن يكون في المقابل حاضر البديهة، جيد الإعداد لموضوعات خُطبه، واثقاً من نفسه. وأن يُحسن توظيفها تبعاً لاختلاف الظروف والمُناسبات.(1/424)
• أيها المؤثر في الناس، إياك والخوض في ما لا علم لك به من القضايا الشرعية أو الاجتماعية أو غيرها من القضايا الدينية أو الدنيوية. وليكن قولك وطرحك مبنياً على الحقائق والأدلة والبراهين حتى لا يزل بك اللسان، أو تهوي بك القدم في ما لا يُحمد عقباه من القول بغير علمٍ أو التجني في الخطاب أو نحو ذلك. واحرص على تبيّن الأمور، والبُعد عمّا أشكل منها أو غمُض أو ترتب عليه مفسدة عملاً بقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (سورة الحُجرات: الآية 6).
• يا من تحملت مسؤولية المنبر، كن قدوةً حسنةً في قولك وعملك وسلوكك وهيئتك وكل شأنك، واعلم أنك مأجور إن شاء الله - تعالى -على ذلك كله متى احتسبته عند الله - تعالى -وابتغيت به ما عنده جل في عُلاه؛ و تأكد أن الناس ينظرون إلى سلوك الخطيب، ويدققون النظر فيه لما يُفترض أن يكون عليه من حُسن الخُلق وجميل السلوك، ولذا ينبغي أن تتطابق أفعالك مع أقوالك، لأن التزام الخطيب بأحكام الإسلام بوجه عام، وتطبيقه لما يدعو إليه في خطبته، يجعل كلامه مقبولاً عند المستمعين، أما مخالفة العمل للقول، فإنه يجعل المستمعين لا يثقون به، ولا يحترمون كلامه وصدق الله القائل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (سورة البقرة: الآية رقم 44).(1/425)
• يا من تسعى لإصلاح الفرد وبناء المجتمع، لا تنس أن مُهمتك تتمثل في الدعوة إلى الله - تعالى -بالحكمة والموعظة الحسنة التي تفرض عليك تعليم الناس ما يجهلون، وتذكيرهم بما ينسون، وتنبيههم إلى ما يغفلون عنه؛ فكان عليك تُخاطبهم بما يوافق حالهم إذ إن لكل مقامٍ مقال، ولكل مُناسبةٍ ما يُلائمها من الخطاب الذي يجب أن يُراعى فيه مستوى المستمعين؛ فلا يُخاطبون بما لا يفهمون، ولا يُطرح عليهم ما لا يستوعبون، فما خوطب أُناسٌ بما لا يفهمون إلا كان فتنةً عليهم، مصداقاً لما روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما أنت بمُحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلُغُهُ عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنةً " (رواه مسلم، الحديث رقم 14، ص 9). فاحرص (سدّد الله قولك وعملك) على اختيار موضوعات خطبك بعنايةٍ فائقةٍ، وعليك أن تتلمَّس حاجات المستمعين الذين جاءوا لاستماع خطبتك، ولا تنس أن حُسن القول مطلوبٌ منك في الظروف والأحوال كلها، لاسيما وأنك ممن يدعو إلى الله - تعالى -بالحسنى وليس هناك أحدٌ أحسن قولاً ممن حمل راية الدعوة إلى الله - تعالى -، وإلى إتباع منهجه القويم، والالتزام بأحكام وتعاليم الدين الحنيف. قال - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (سورة فصلت: الآية 33). وأعلم أن اختيار موضوع الخطبة من واقع حياة الناس أمرٌ إيجابيٌ وفاعل، وأن مناقشة المشكلات الاجتماعية ومحاولة طرح الحلول المناسبة لها واجبٌ يفرضه عليك تحملك لهذه المسؤولية.(1/426)
• يا من تُشنفُ الآذان بقولك الجميل المُدعّم بالآيات البينات، والأحاديث النبوية المختارة، والأقوال المأثورة عن السلف الصالح، احرص على ما يُعرف ببراعة الاستهلال في خُطبك، واجتهد في فصاحة اللسان، وسلامة مخارج الحروف، وعليك بمراعاة مهارات حسن الإلقاء من تنويعٍ للأسلوب، وضربٍ للأمثال، وجودة الاقتباس، ودقة الاستشهاد، وحُسن العرض؛ فإن ذلك مما يُساعد على نجاح الخطيب في أداء رسالته الدعوية والتوعوية على الوجه الصحيح الذي يؤثر في المستمعين، ويأسر أفئدتهم، ويجذبهم إلى ما يقوله ويطرحه من موضوعات.
• يا من ينظر إليك الناس قدوةً ومثلاً، إياك (سدّد الله خُطاك) من بعض الصفات التي لا تليق بالخطيب المسلم كأن تُطيل في إلقاء خطبتك، أو أن تُكرر موضوعها حتى تُمل، أو أن ترفع صوتك أو تخفضه عن الحد المطلوب لإسماع الحاضرين، أو أن تُكثر من الحركات والإشارات. واحذر (كفانا الله وإياك) من الكبر، والغرور، والإعجاب بالنفس، وتصيد أخطاء الآخرين، ونحو ذلك من الصفات التي قد تُحبط الأجر وتضيع الثواب والعياذ بالله. وإياك من التقعر في الكلام، أو التكلف في الخطاب، أو أن يراك الناس في مواقع الشُبه والريبة؛ فإن ذلك مما يُفقد الخطيب مصداقيته واحترامه عند الآخرين.(1/427)
• يا من تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، اجتهد (وفقك الله - تعالى -) أن يأتي حديثك في كل خطبةٍ مناسباً لظروف الزمان والمكان فمعايشة الواقع أجدى وأنفع وأكثر قبولاً عند المستمعين. وليكن موضوع الخطبة عن القضايا الكلية دون التعمق في الجزئيات التي قد لا تؤدي إلى كثير نفعٍ وفائدةٍ للمستمعين. واعلم أن من الجميل جداً أن يُخفف الخطيب زمن الخطبة، وألاّ يُطيل فيها أبداً حتى لا يمل الناس أو ينفرون، ولأن ذلك مخالفٌ لهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي لم يكن يُطيل الخطبة وهو أبلغ الناس، فقد روي عن عمارٍ - رضي الله عنه - أنه قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إنّ طول صلاة الرجل، وقصَرَ خطبته مئنّّةٌ من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصُرُوا الخُطبة، وإنّ من البيان سحراً " (رواه مسلم، الحديث رقم 2009، ص 349). وما روي عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه قال: " أمرنا رسول الله بإقصار الخُطب " (رواه أبو داود، الحديث رقم 1106، ص 173). وعن جابر بن سمُرة قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُطيل الموعظة يوم الجمعة؛ إنما هُنَّ كلماتٌ يسيراتٌ " (رواه أبو داود، الحديث رقم 1107، ص 173). فعليك (وفقنا الله وإياك) بالحرص على إتباع الهدي النبوي، وعدم الإطالة في الخُطبة فخير الكلام ما قل ودل.
• وختاماً / أسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن يوفقنا جميعاً لصالح القول، وجميل العمل، وأن يُجنبنا الخطأ والزلل، والحمد لله رب العالمين.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
رسالة إلى فتاة متبرجة
إيمان حمد سعد العباد
أختي الكريمة..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/428)
أنت حتما لا تعرفينني وأنا أيضا لا أعرف شخصك ولكن يجمعني بك رباط قوي يحتم علي أن أقتطع جزءا من وقتك لأبدي لك خالص الود وأمحضك ونفسي النصح في خطاب أسكب قلبي في عباراته ليشملنا قوله - تعالى -: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وقوله - عز وجل -: (وتعاونوا على البر والتقوى).
عذرا أخيتي الحبيبة إن كنت سأرفع التكلف والتنميق لأحدثك حديثا لا تنقصه الصراحة (فالمؤمن مرآة أخيه) ولن يكتمل إيمان امرىء لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فالعين تبصر منها ما دنا ونأى....... ولا ترى نفسها إلا بمرآةِ.. ثم إن الأمر متعلق بدينك.. بعبادتك التي تتقربين إلى الله بها فهو إذن أمر مهم يستوجب هذا كله فشنفي أذنيك وأرعيني سمعك وعقلك:
لقد ذهلت... حين رأيتك هناك بهذه الهيئة المحزنة.. وهذا الحجاب الفاتن!!
كنتِ نهبة لكل عين.. ولقمة سائغة لكل متطفل.. لقد هممت أن أفقأ تلك العيون.. وأن أحشو تلك النفوس بالتراب!!
ولكنني توقفت برهة.. فهي ليست سببا مباشرا.. إنما السبب الحقيقي هو.. هذا الحجاب الصارخ: أن هلموا إلي!!
إن أمر الحجاب يا أختي العزيزة أمر تعبدي لا مجال فيه لاجتهادات ولا آراء ذاتية.. فيجب أن نرضى به كما أمرنا (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) [سورة الأحزاب: 36].
أمرتِ بالحجاب كما أمرتِ بغيره من العبادات.. به تستترين عن أعين الذئاب المسعورة.. وبه تحصنين نفسك.. وتحمين شباب أمتك من الوقوع في مهاوي الردى والرذيلة.. وبه تكبتين الشيطان وأعداء الإسلام.. وتعلين راية التوحيد.. وتتربعين على عرش العزة والكرامة.
إنني يا عزيزتي: قد أجد لك مبررا لأن تختاري ثوبا جميلا يناسبك.. أو تقتني ساعة رائعة تليق بك.. ولكنني لا أستطيع أن أسوغ لك تفننك في اختيار أصناف جديدة لعباءتك وطرحتك وخمارك!!(1/429)
إنك بهذا أنزلتِ الحجاب من عليائه وخلعتِ عليه أوحال الموضة.. وأطمارها.
هل كنت تظنين أن لبسك للعباءة بهذا الشكل هو الحشمة ذاتها.. أم أنك تعلمين أن هذا صورة من صور الزينة التي ما فرض الله الحجاب إلا لسترها؟!!
كوني صريحة مع نفسك.. وحاسبيها بكل صدق.
هل تدركين ماذا يعني الحجاب.. ؟... وما الحكمة من فرضيته.. ؟
هل أنت موقنة أن دينك الإسلامي العظيم ما جاء بشيء إلا وفيه كل الخير وما نهانا عن شيء إلا وفيه الشرُّ كله؟
إنك مطمع الرجال ومهوى أفئدتهم وإذا خرجتِ زينك الشيطان في أعينهم.. فما بالك بهذا الحجاب المتبرج.. تبدين أكثر مما تسترين.. وتظهرين ربما بصورة أحسن من حقيقتك.. فتفتنين وتفتنين والعياذ بالله.
أخية.. إن هذا الحجاب نوع من السفور.. إنه النهاية.. إنه الفصل الأخير في هذه المسرحية.. المدبرة بليل من أعدائك المتربصين بك.. وحين يسدل الستار.. ستكون نجمات هذه المسرحية.. والمتجمهرات لرؤيتها.. واللاتي يقلدنهن.. قد نزعن الحجاب تماما وسرن سافرات شئن أم أبين!فجيلك أبدى العينين والمفاتن.. وسيأتي جيل بعده يخلع الحجاب ويخلع معه ربقة الحياء.. وكل جيل يتحمل تبعات الجيل الذي بعده.. ويوم القيامة تلعن كل أمة أختها.
حجابك هذا الذي تلبسين لا يؤدي الغرض الذي قال الله عنه: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وهو تشبه بالرجال في طريقة لبس العباءة كما أفتى بذلك بعض العلماء.. وأما نقابك فإنه لا يمت بصلة قرابة إلى نقاب الصحابيات.. بل هو دخيل عليه.. وقد أفتى العلماء بمنعه (لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز) حتى وإن كنت تلبسينه بحسن نية؟(1/430)
أخيتي.. إنك بالحجاب الشرعي الساتر باب موصد في وجه العدو.. وسور عال أمام مكائده.. فاحذري.. أخية.. أن يؤتى الإسلام من قبلك.. وأنت لا تشعرين.. أعيدي النظر في حجابك.. إن هذه الثغور التي تبرز منها العينان والوجنتان.. هي ثغور في جدار الأمة.. يدخل منها المفسدون.. والمرجفون.. ليزلزلوا كيانا ظل شامخا زمنا طويلا.
اسمعي معي إلى نصوص الوحيين لتري كيف سعى الشارع الحكيم إلى محاربة كل ما شأنه إحداث خلل ولو صغيرا في هذا الجدار المتين (الحجاب) قال - تعالى -: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) وقال: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية).
فما بالك عزيزتي.. بالنقاب والبرقع واللثام وعباءة الكتف التي صارت كالحرباء تتشكل بكل لون وتلك الطرح الموشاة بكل زينة.. إنها بالتأكيد أشد وقعا في نفوس الرجال من الخلخال.
إن الحجاب عبادة.. وليس عادة.. تجارين فيها آخر خطوط الموضة وتوجهاتها (إن مثل هذا السفور تجاه الحجاب هو الذي جعله ينحرف عن مساره).
أخية.. يا رائحة الطهر العبقة.. أصديقيني القول بربك.. ما الذي دفعك للخروج من بيتك بهذا الحجاب السافر ؟!!
هل هو تقليد الأخريات؟ أو التأثر بالصديقات؟ أو مسايرة للركب وخجلا من التخلف عنه؟(1/431)
أيا كان جوابك فهو دليل على ذوبان الشخصية وإلغاء العقل.. ألم تسمعي قول الحق - تعالى -: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) وقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (لا يكن أحدكم أمعة يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إذا أحسن الناس أحسنوا وإذا أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم) وقوله - تعالى -: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر.. ) فما أنت فاعلة بعد؟ !
إنني أربأ بك عن الوقوع في حبائل الشيطان.. أيا كان لونه.. وسيلة إعلامية... صديقة سيئة.. دعوى غربية.. أو هوى متبع ونحوها.. إن هذا السقوط المريع يعني الولوغ في وحل الجريمة والزنى والمخدرات والسفور.. ألم يقل أحد الشياطين (إن المرأة المسلمة هي الأقدر على جر المجتمع كله بعيدا عن الدين!!).. فهل تضعين يدك في أيديهم؟!
هل تنسين أنك ابنة الإسلام التي صانت حدوده.. ؟.. أنت حفيدة أمهات المؤمنين وسليلة نساء الأنصار اللاتي قالت عنهن عائشة - رضي الله عنها -: (ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا لكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل).. لماذا هذه الشهادة النورانية من الصديقة بنت الصديق: (لأنه لما نزل قول الله - تعالى -: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان وعليهن أكسية سود يلبسنها).
أختي الكريمة.. إن الحياء شعبة من شعب الإيمان.. ومن الحياء أن تحتشم المرأة لتبتعد عن مواطن الريب.. وهذا الحجاب الذي يزينك يجعلك ترتعين حول الفتنة توشكين أن تقعي فيها!
إن الحجاب أمر من الله إلينا جميعا بدأ به من هن أشرف وأطهر وأعف وأحصن فهل تطيعين الله (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم.. ).(1/432)
أم ترغبين في مخالفة أمره (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) إن فعلت ذلك فقد تعديت حدوده (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه).
إن المتبرجات السافرات (لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) ألا يكفي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال فيهن (العنوهن فإنهن ملعونات.. ) إنني لا أظن ذلك من شيمك فأنت المسلمة المتوضئة التي يسري في قلبها حب الله وتخفق روحها خوفا منه.. ترجو جنته وتخاف عذابه.. فلا تراعي واسمعي مني نصائح تهديك إلى الخلاص بإذن الله.
أولا: عليك بهدي الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ومنهاج قرآنه المحكم، ثم توبي إلى الله توبة نصوحا مستوفية شروطها ومنتفية موانعها، ثم استبدلي بعباءتك هذه عباءة محتشمة تنطبق عليها شروط الحجاب الشرعي، وحاولي أو اعزمي على مقاطعة محلات العباءات المتبرجة.. وإن وجدت في نفسك ميلا لها فيمكنك أن توصي أختا صالحة بأن تشتري لك العباءة أو الخمار الذي تودين حتى لا تضعف نفسك أمام كثرة العروض وإغرائها، والزمي أخواتك الصالحات واعتزي بأخوتهن واقضي معهن وقتا ممتعا فيه ذكر وتفكر.. ولا تنسي الدعاء فهو سهام الليل التي لا تخطىء..
أسأل الله لك الهداية والثبات على دينه والتمسك بالحجاب الذي يرضي الله ويحفظك ويحفظ لك عفتك وطهارتك ونقاءك عسى الله أن يحجب وجوهنا عن النار وعذرا للإطالة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://hijabsahih.tripod.com المصدر:
============
رسالة إلى صاحب استراحة
صالح بن عبد الله الخليف
حمداً الذي لا إله إلا هو الوهاب الذي أنعم على عباده بنعم كثيرة {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}.(1/433)
أخي صاحب الاستراحة احمد الله الذي أكرمك بالعبودية، وأنعم عليك بالإسلام والقرآن، وجعلك من أهل الحرمين الشريفين مهبط الوحي، ومبعث رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم - للبشر أجمعين، أسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، ومنّ عليهم بهذه الولاية المباركة التي تحكم شرع الله وتدعو إليه، فاحمد الله أخي على ذلك واشكره، وكن متعاوناً على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
سخّر استراحتك للخير وحافظ على سفينة مجتمعك من الغرق عبرها واجعلها مشروع بناء وشكر لله على نعمته لا مشروع هدم وافساد للشباب والأسر، اتق الله في السر والعلانية، واعلم بأن الله - سبحانه وتعالى - لا تخفى عليه خافية يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، مطلع على نيتك وقصدك، وقد شرع لك الكسب الحلال فلا يكن همك جمع المال من أي وجه كان ولو أغضب الله، تحر المال الحلال في كسبك، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وكل جسم نبت من سحت فالنار أولى به، وأني يُستجاب دعاء من غذي بالحرام؟! وأنى تُقبل صدقة من تصدق من مال حرام؟!
أخي صاحب الاستراحة: تذكّر أن من قواعد الدين العظيمة أن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح، فاحذر أن تؤجّر استراحتك لمن يغلب على ظنك أنه سيستعملها فيما يغضب الله فتقع في الإثم والعدوان لأنك شاركت صاحبه من حيث لا تعلم، حيث يسرت له فعل الشر وأعنته عليه وسهلته له وأصبحت متعاوناً معه وخالفت أمر ربك - سبحانه - القائل: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
فما شعورك يوم تقف بين يدي مولاك - جل وعلا -، ويوم لا ينفع مال ولا بنون، ثم تجد صحيفتك مليئة بالسيئات بسبب استراحتك وأنت لا تعلم، فكم من شاب صحب قرناء السوء في استراحتك فوقع فريسة للدخان والشيشة والمخدرات؟! وكم من جرم حصل؟ ووقت أهدر فيها دون فائدة؟ وتباً لمال يضر مجتمعك مهما كثر!!(1/434)
فاحذر يا أخي العقوبة العاجلة والآجلة، لأنها تحصل بسبب ما كسبت يداك من الذنوب والمعاصي، فهي كالنار تحت الرماد ولا تدري متى تحل بك نقمة الله، فإنه - سبحانه - مطلع على سائر عملك وما تضمره نيتك وهو يمهل ولا يهمل:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب
فالبدار البدار إلى التوبة النصوح قبل فوات الأوان وعض يد الندم.
أسألك اللهم أن تحفظ مجتمعنا من الذنوب والمعاصي وأن تديم عليه النعم وتجنبه النقم وترزق الجميع ذكرك وشكرك وحسن عبادتك إنك على كل شيء قدير.
http://www.saaid.net المصدر:
============
رسالة إلى الفتاة المسلمة المحتشمة
في زمان الداعيات السافرات
محمد المقرن
أسمعيني يا أخية صرخة النفس الأبية
اسمعيني منك لا لن ارتضي عيش الدنيه
أنا بالإيمان يمنى في دمي نار الحمية
وارف قلبي وروحي بالهدى روح ندية
في ثياب الطهر تزهو بسمة الحب النقية
ماشجاني ناعقٌ لم يُبقِ للطهرِ بقيّه
ماشجاني ما أراه من لحومِ عربيّه
تقتل الطهرَ جِهارا وترى الستر قضيّه
قد كرهت الحبَّ إن ما صرت بالحب ضحيّه
صادقٌ حبي لأني لم أخن لله نيّه
لؤلؤ القاع أنا لست على الشط رميه
أسمعيني لست أرضى العيش عيش الهمجيّه
زادُكِ الإيمان تمضيـ ــن بقصدٍ ورويّه
لا تبالي بالدعاوى والأباطيل الدعية
ليس حباً أن تكوني حيثما كانوا بغّية
ليس حبا أن تكوني مثلما كانو غبيّه
أنتِ أعلى أنتِ أغلى أنتِ أنقى يا أخيّه
شرف الحبِ حماه الشرعُ أن يُرمى بنيّه
يرفل الحب بدين اللـ ـه في أحلى سجيّه
أنتِ إن صنتِ الذي صنـ ـتِ بما كنتِ غنيّه
أنتِ إن كنتِ كما كنـ ـتِ بما كنتِ غنيّه
أسمعيني إنني مَن كنت ترجوها أبيّه
واسمعيني عندها أهـ ـديك إعجابي تحيّه
http://www.hadaeeq.com المصدر:
===========
رسالة إلى مهمومة
عبد الله القحطاني(1/435)
الحمد لله - تعالى -ولي الصالحين، رب العالمين، ومجيب دعوة الداعين، والصلاة والسلام على صفوة المرسلين، وقدوة الناس أجمعين وعلى الآل والأصحاب أقمار الدين وزينة المتقين:
هذه رسالة أرسلها... إلى كل من أحاطها الملل في حياتها، وسكن القلق عيشُها في صباحها ومسائها
أرسلها... إلى كل من بارت عليها الحيل وضاقت بها السبل
أرسلها... إلى كل من فنيت آمالها، وأوصدت الأبواب في زمانها
أرسلها... إلى كل من ضاقت عليها الأرض بما رحبت، وضاقت عليها نفسها بما حملت
أرسلها... إلى كل من تربى في فكرها الوساوس، وزاد في منسوب عيشِها الدسائس
أرسلها... إلى كل من ذاقت طعم الهم، وتجرعت كأس الغم
أرسلها... إلى كل من اضطربت مشاعرها، واحترّت أعصابها
أرسلها... إلى كل من تأخر عليها الفرج، ويأست مِن من بيده مفاتيح الفرج
أرسلها... إلى كل من لامها اللائمين، وعذلها العاذلين
أرسلها... إلى كل عاطلة عن العمل، وذاقت طعم الملل والكسل
أرسلها... إلى كل من واجهتها الصعاب، وترعرع في نفسها راسب الاكتئاب
أرسلها... إلى كل من خافت من المستقبل، وانزعجت من كابوس الماضي
أرسلها... إلى كل من أصيبت بعاهة في جسدها، وأصيبت بالقرحة ومرض القلب وكل مرض نغص عيشُها
أرسلها... إلى كل من عانت وعانت من جفاء وقسوة ولدها
أرسلها... إلى كل من عانت وعانت من جفاء وقسوة والدها
أرسلها... إلى كل فتاة صدرها أضيق من سمِّ الخياط
أرسلها... إلى كل شابة تصرمت حياتها بين كل ذنب وحرام، وفقدت الأنس بالعليم العلام
أرسلها... إلى كل شابة عاشت بين صفحات الاكتئاب، وضاقت عليها الأحوال من كل باب
أرسلها... إلى كل فتاة أحسَّت بالعنوسه، وفقد الزواج
أرسلها... إلى كل امرأة انهار زواجها، وفقدت حلاوة العيش ونعيم الزواج
أرسلها... إلى كل فتاة لم تنعم بالحياة، ولم تتلذذ بطعم الإيمان(1/436)
إليكم أيها المسلمات... إليكم هذه الرسالة طرزتها بالود والوفاء، جملتها بكل ما يزيل العناء بإذن العليم العلام.... ياالله... ياالله... ياالله...
ولقد ذكرتك والخطوب كواحِلٌ *** سودٌ ووجهُ الدهرِ أغبرُ قاتِمُ
فهتفت في الأسحار باسمكِ صارخاً *** فإذا مُحيا كُلَّ فَجرٍ بَاسِمُ
يا الله.. قلت وقولك الحق {قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب}
يا الله.. قلت وقولك الحق {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر}
يا الله.. قلت وقولك الحق {أليس الله بكاف عبده}
مهما رسمنا في جلالك أحرُفاً *** قُدسيةً تشدو بها الأرواحُ
فلأنت أعظمُ والمعاني كلها *** يا رب عند جلالكم تَنداحُ
أيها المهمومة:
بقربي تعالي.. وسبِّح المُتعالِ..
أيها المهمومة:
... افهمي ما أقول، وترجمي كل ما تقرأينُ على أرض واقعك، وليكن لديكِ وعياً في هذه الحياة، ولا تُصيُّرُكِ التوافه إلى الحضيض، وحققِ السعادة في دنياك وآخرتك.
أيها المهمومة:
اصبري وما صبركِ إلا بالله،
استقبلي المكارة برحابة صدر....
استقبلي الهموم والغموم بقوة وشجاعة تناطح السحاب....
فهل أوجد العلماء
وهل أوجد الحكماء والأطباء
حلاً للأزمات والمصائب غير الصبر؟!
اصبري يا مهمومة فالله يقول {اصبروا وصابرو}
اصبري يا مهمومة فالله يقول {اصبر وما صبرك إلا بالله}
اصبري يا مهمومة فمحمد - صلى الله عليه وسلم - يقول (إن الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم)
اصبري مهما داهمتكِ الخطوب
اصبري مهما أظلمت أمامكِ الدروب
فإن مع العسر يسر....
وإن مع الكرب فرج....
أيها المهمومة:
من الذي يفزع إليه المكروب
من الذي يستغيث به المنكوب
من الذي تصمد إليه الكائنات
إنه الله لا إله إلا هو
حقٌ علي وعليكِ أن ندعوه في الشِّدة والرخاء
حق علي وعليكِ أن ننطرح على عتبات بابه سائلين.... باكين.... ضارعين.... منيبين
{أمن يجيب المضطر إذا دعاه}
الله قريب
الله سميع
الله مجيب
يجيب المضطر إذا دعاه
يا مهمومة
يا مهمومة
يا مهمومة(1/437)
يا مغمومة...
مُدّي يديكِ....
ارفعي كفيكِ....
أطلقي لسانكِ....
أكثري من طلبه....
بالغي في سؤاله....
ألِحّي عليه....
ألزمي بابه....
انتظري لطفه....
أيها المهمومة:
إذا أصابكِ مايُهِمُّكِ....
ونزلت عليكِ النوازل....
وأصابتكِ الملمات....
وقهركِ الرجال....
وفشلتِ في الأعمال....
فلا تغضبي....
ولا تجزعي....
ولا تنهري أهلكِ....
ولا تشتكين على أحد....
ولا تجعلي شدّة المصيبة على أبيكِ أو على ولدكِ أو على أخيكِ أو على بيتكِ
ولكن قولي
الحمد له...
قولي
الشكر لله...
قولي
قدر الله وما شاء فعل....
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم، إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها
وقال محمد – صلى الله عليه وسلم - فصلي على محمد :
عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابه ضراء صبر فكان خيرا له
إذن
استسلمي للقدر....
لا تتسخطي....
لا تتذمري....
اعترفي بالقضاء والقدر....
وليهدأ بالكِ....
ولا تقولي لو أني فعلت كذا لكان كذاو كذا ولكن قولي قدر الله وما شاء فعل....
أيها المهمومة:
قد يكون همكِ بسب فراغك القاتل أوالعطالةِ عن العمل...
ولكن....
تذكري نعمة الله عليكِ
يكفيكِ أنكِ مسلمة....
يكفيكِ انكِ مؤمنة....
يكفيكِ أنكِ تصلين....
يكفيكِ أن حواسَّكِ غير معطّلة....
يكفيكِ الأمنَ والأمان....
يكفيكِ أنكِ قادرة على العمل وإن لم تتيسر لكِ ظروف العمل....
يكفيكِ انكِ في صحة وعافية دائمة....
فانظري لمن ملك الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير القطن والكفن
أيها المهمومة:
سوف أدلكِ على واسطة تحقق لكِ كل ما تريدين....
ولكن إذا نويتِ الدخول عليه
فتهيأي تهيأًً كاملا والتزمي بالشروط التي يجب إحضارها إليه من أجل أن يقبل ما عندكِ
ثم بعد ذلك
أدخلي عليه
فهو يفتح أبوابه لكِ كل ليل لكي يقبل طلبات المحتاجين....(1/438)
ثم أرسلي له برقية مباشره بينكِ وبينه حتى تخرجين من عنده بثقة كاملة في الحصول على المطلوب وصد قيني أن هذا الواسطة سوف تحقق لكِ من طلبكِ إحدى ثلاث أشياء....
من هو هذا الواسطة لكي نذهب إليه هذه الليلة....
إنه ملك الملوك....
إنه رب الوزراء....
إنه إله الرؤساء....
إنه الله....
إنه الله....
إنه الله الذي أمره بين الكاف والنون.... {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون}
فاستعدي قبل الدخول عليه - سبحانه - عز وجل -....
فرغي قلبكِ من الشهوات....
والتزمي بشروط إجابة الدعاء....
فإن الله لا يقبل من قلبٍ غافلٍ لاه....
حققي شرط أكل وشرب الحلال....
فأنى يستجاب لآكل الحرام
بعد ذلك أدخلي عليه لوحدكِ في ظلمة الليل....
أدخلي عليه في ذلك الوقت الذي ينام فيه أهل الوساطة الذين نتعلق بهم....
ولكن...
ما نام الذي ما تنام عينه....
ما نام الحي القيوم....
يقول للعباد....
يقول للشابات....
يقول للنساء....
هل من سائلٍ فأعطيه....
.... هل من داعٍ فأستجيب له....
هل من مستغفر فأغفر له....
نعم أليس الله - سبحانه - فرج الكرب عن أيوب..
أليس الله - سبحانه - ألان الحديد لداود..
أليس الله - سبحانه - فلق البحر لموسى..
أليس الله - سبحانه - جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم..
أليس الله - سبحانه - شق القمر لمحمد..
لا إله إلا الله
سافر الناس يتوسطون بالناس ونسو رب الناس....
لا إله إلا اله
في هذا الوقت قدمي ما لديكِ على ربكِ....
ادعِ ربكِ....
ناديه....
اسأليه....
استغفري منه....
استغفري منه....
استغفري منه....
ثم إذا فرغتِ من دعائكِ له، فإنكِ سوف تفوزين بإحدى ثلاث أشياء
إما أن يحقق لكِ طلبك....
وإما أن يدِّخر لكِ يوم القيامة بشيء أفضل بكثير وكثير مما تطلبينه في هذه الدنيا....
وإما أن يدفع الله بهذا الدعاء بلاءً ينزل ُ عليكِ من السماء....
إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق بها الصدر الرحيب(1/439)
وأوطنت المكاره واطمأنت *** وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر نفعا *** وما أجدى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوثٌ *** يمُنُّ بها اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت *** فموصول بها فرج قريب
أيها المهمومة:
أذا ضاق صدركِ....
وصعب أمركِ....
وكثر مكركِ....
وأظلمت في وجهكِ الأيام....
فعليكِ بالصلاة....
عليكِ بالصلاة....
عليكِ بالصلاة....
{يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}
سبحان الله الصلاة هي مستشفى تداوى البشر من السقم وتشرح الصدر من الهم والغم
، فكان الرسول في المهمات العظيمة يشرح صدره بالصلاة،
وكان العظماء يحاطون بالنكبات، فيفزعون إلى الصلاة، فيفرج الله عنهم.
أيها المهمومة:
اعلمي....
ثم اعلمي....
ثم اعلمي....
أن قلة التوفيق....
وفساد الرأي....
وخفاء الحق....
وفساد القلب....
وإضاعة الوقت....
والوحشة بين العبد وبين ربه....
ومنع إجابة الدعاء....
وقسوة القلب....
ومحق البركة في الرزق....
وحرمان العلم....
ولباس الذل....
وضيق الصدر....
وطول الهم....
والابتلاء بقرناء السوء....
تنشأ
وتتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله........
فالله الله في ترك الذنوب....
الله الله في ترك الذنوب....
فالله الله في ترك الذنوب....
كلنا نعرف الحلال و الحرام....
ولكن السعيدة
من فعلت الحلال وتركت الحرام
والشقية منا
من فعلت الحلال وفعلت الحرام
فتوبي إلى الله وارجعي إليه واسمعي الآيات التي تقوي من رجائكِ، وتشد عضدك، وتزرع في النفس التفاؤل وعدم القنوط قال الله {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}
وقال الله {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}
وقال الله {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما}(1/440)
أيها المهمومة:
إن سِرَّ أسباب راحة البال....
وهدوء الجنان....
هو الاستغفار....
يقول ابن تيميه:
إن المسألة لتغلق علي، فأستغفر الله ألف مره، أكثر أو أقل فيفتحها الله علي.
قال الرب: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيم}
أيها المهمومة:
أبشري باللطف الخفي....
أبشري بالأمل المشرق....
أبشري بالمستقبل الحافل....
فقد آن أن تداوين شككِ باليقين....
قدآن أن تقشعي عنكِ غياهب الظلام بفجر صادق....
آن أن تقشعي مرارة الأسى بحلاوة الرض....
أبشري أيتها المهمومة.. بصبح يملؤكِ نورا..
أيها المهمومة....
اطمئني فإنكِ تتعاملين مع اللطيف بالعباد والرحيم بالخلق.
أيها المهمومة....
اطمئني فإن العواقب حسنه، والنتائج مريحة، والخاتمة كريمه
لمعت نارهم وقد عسعس الليـ ــل ومل الحادي وحار الدليل
فتأملتها وفكري من البيـ ــن عليل وطرف عيني كليل
وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى وغرامي ذاك الغرام الدخيل
وسألنا عن الوكيل المرجى للملمات هل إليه سبيل
فوجدناه صاحب الملك طرا أكرم المجزلين فرد جليل
أيها المهمومة:
هدئي أعصابكِ بالإنصات إلى كتاب ربكِ، أنصتي إلى تلاوة ممتعه حسنه مؤثره من كتاب الله تسمعينها من قارئ جيد حسن الصوت، أو اقرئي كتاب الله العظيم الذي هجره بعض الناس، اقرئي هذا الكتاب، وتدبريه ورتليه، فإن ذلك يفضي على نفسكَِ السكينة والراحة والطمأنينة
قال تعالى: ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنُ القلوب)
هذه رسالتي باختصار
أرجوا أني قد عالجت بهذه الرسالة ولو بشيء بسيط من همكِ....
يا من هو عالم بالسرائر....
يا من هو مطلع على مكنونة الضمائر....
فرَّج همَ المهمومين من المسلمين....
وفرج كرب المكروبين....
إنك على كل شيء قدير....
http://www.saaid.net المصدر:
============
رسالة إلى من يتهاون بالصلاة في جماعة وخاصة صلاة الفجر(1/441)
أخي الغالي: - حفظه الله - ورعاه
يسرني أن أقدم لك هذه الرسالة مغلفة بالحب والود موسومة بالنصح والصدق والوفاء. وأسأل الله أن تقرأها وأنت في صحة وعافية وسعادة دائمة. فهي همسة من القلب إلى القلب ونصيحة محب صادق يحبك على قدر حبك لله وطاعتك له ويخشى عليك من عذاب الله.
اعلم أخي الغالي أنك تحب الخير ولولا طمعي في حسن استجابتك لما كتبت إليك حرفاً واحداً. لكن الشيطان حريص كل الحرص على أن يبعدنا نحن وإياك عن طاعة الله والنفس أمارة بالسوء وداعية إلى الكسل والخمول ولكن سلعة الله غالية لا ينالها الكسالى.
يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " رحم الله امرئ أهدى إليّ عيوبي " وأريد أن أهدي لك هذه الهدية وهذه الرسالة.
رأيتك أيها الغالي مقصراً في صلاة الجماعة معنا وخاصة صلاة الفجر وتعلم أني والله لم أرسل لك هذه الرسالة إلا حباً لك في الخير وحرصاً عليك والرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول: (من صلى البردين دخل الجنة) والبردين صلاة الفجر والعصر. ولقد جاء رجل أعمى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال: (هل تسمع النداء بالصلاة) فقال: نعم. قال: (فأجب). هذا وهو رجل أعمى فكيف بك وأنت ولله الحمد صحيح البدن وقوي الجسم. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر).
واعلم أخي الحبيب أن في صلاة الجماعة مصالح دينية ودنيوية فمنها:(1/442)
أنها تجدد الإيمان، وتحيي القلوب، وتشرح الصدر، وتملأ النفس بالسرور والسعادة الأبدية، وفيها مفارقة للمنافقين، وسبب للمودة والألفة والترابط بين المسلمين، وفيها إرغاماً للشيطان وأعوانه، وسبب لتحصيل كثير من الأجر والحسنات التي لا تحصل لمن صلى في بيته، والمحافظ على الصلاة يكون له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ويكون له نور وبرهان يوم القيامة، وصلة بين العبد وربه، وتكفير لخطايا والسيئات، والصلاة فيها الطمأنينة والراحة وقرة العين في الدنيا والآخرة، وفيها إعانة للمسلم على أمور دينه ودنياه، وفيها الفلاح والنجاح والظفر والفوز في الدنيا والآخرة، والصلاة فيها التوسعة في الرزق، وهي طهارة للنفس وفيها الثبات للمؤمن في الدنيا والآخرة، وفيها الحفظ والأمان للعبد في الدنيا والآخرة، وفيها حصول معية الله - جل وعلا - للمصلي، وفيها نيل محبة الله - تعالى -.
أخي الحبيب:
قد سمعت الأدلة على وجوب الصلاة مع الجماعة وليس لك عذر أبداً. فاسأل نفسك هل يسرك أن يقبض الله روحك في ليلة عزمت فيها ألا تصلي الفجر في المسجد؟
أخي اعلم أخي أن لذة الدقائق التي تنامها وقت الفجر لاتعادل ضمة من ضمات القبر أو زفرة من زفرات النار.
أخي الحبيب: ألم يأن لك أن تندم على سيئاتك وتقصيرك في صلاة الجماعة على أن تتوب إلى الله قبل أن يحال بينك وبين التوبة.
وأوصيك أخي بأهم الوصايا التي تعينك على القيام لصلاة الفجر:
1- الصدق مع الله فاصدق مع الله يصدقك. 2- الدعاء إلى الله بأن يعينك على القيام.
3- النوم المبكر. 4- وضع منبه يساعدك على الاستيقاظ.
4- عدم النوم قبل وقت الصلاة بقليل. 5- مجاهدة النفس.
5- توصية الأهل أو أحد الجيران أو الأصدقاء لكي يوقظك للصلاة.
واحرص بارك الله فيك على البعد عن المعاصي فهي من أعظم الأسباب التي تجعل الصلاة تفوتك واحرص على أن تلقى الله وأنت في أتم الاستعداد لمقابلته.(1/443)
وأسأل الله لي ولك الهداية والتوفيق وأن يجمعنا في جنات النعيم وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://www.saaid.net المصدر:
============
رسالة من تائب يعترف بذنبه
الإخوة والأخوات: تحية محب ومشتاق:
لقد حدثني الكثير من أصدقائي عن هذه القوائم وقد أثّر حديثهم فيّ ودغدغ مشاعري وأثار مكامن الشهوة ولم أتمالك نفسي فقمت مندفعا بقوة الشهوة والغريزة بالاشتراك في هذه القائمة للاستمتاع بالصور التي تنشرها، وقد خطّطت قبل إطّلاعي على أي صورة أن أعمد إلى إقفال الأبواب وتوفير كل السبل التي تجعلني في خلوة تامة حيث أخجل أن يطلع عليّ أحد، خاصة من أقاربي لذلك خططت قفل كل ما يمكن أن يخطر على بالى إلا أنني تذكرت شيئا واحدا ومنفذا كبيرا لم استطع التوصل إلى كيفية إغلاقه مما نغّص علي التمتع بهذه المناظر والاستمتاع بها في خلوتي التي حرصت عليها ولم اقدر في ذات الوقت عليها.
لقد أوقعني ذلك الأمر في حرج شديد وضيق وتبرم من عجزي عن توفير سبل الخلوة التامة فقد عرفت أن الله يراني وأنه معي في كل وقت وحين وليس لي أي سبيل إلى منعه عن التواجد في خلوتي أو إطلاعه على أفعالي بل وتفكيري..... لقد خجلت من نفسي كيف لي أن أحرص على هذه الخلوة والتمتع بهذه المناظر وأنا الذي لو عرفت بان أحدا يشاهدني لم استطع النظر إليها....(1/444)
وكان خجلي أكبر عندما ذهبت الشهوة وجاءت الفكرة عندما عرفت بأنني سأفضح يوم الحشر أمام الملأ كلهم إنسهم وجنهم إذ سيأتي بيّ الله على رؤوس الأشهاد ويذكرني بعملي فكيف لي أن أستمتع بهذه المناظر وسوف أفضح غدا على رؤوس الأشهاد وأنا الذي لو شاركني أحدا من معارفي أو أهلي أو حتى علم بمشاهدتي تلك (فضلا عن ممارستي) لكانت سببا في نقصان لذتي وتكدر خاطري فكيف إذا فضح أمري أمام كل الناس من أعرفه ومن لا أعرفه.
كما تذكرت بأنني عندما أعصي الله في وحدتي وخلوتي فانا ادخل بذلك في وعيد الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم عندما قال في الحديث الذي رواه ابن ماجه عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله - عز وجل - هباءً منثوراً، قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم و نحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم و من جلدتكم، و يأخذون من الليل كما تأخذون، و لكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.
كما أقلق مضجعي قلقي الشديد من أن اقبض وأنا أشاهد هذه الصور أو وأنا أنّفس عن شهوتي بطريقة غير مشروعة فابعث على ما مت عليه وتكون الفضيحة عند البعث وعند الحساب.
الإخوة الكرام: هل نسينا توعد الله - سبحانه - وتعالي بالعذاب الأليم لمن يحب أن تشيع الفاحشة فضلا عن إشاعته هو للفاحشة. قال - تعالى -في سورة النور " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون" وقد ورد تفسير هذه الآية في تفسير الجلالين بما نصه " أي يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح "لهم عذاب أليم في الدنيا" أي بالحد، وفي الآخرة بالعذاب الأليم "والله يعلم وأنتم لا تعلمون" أي فردوا الأمور إليه ترشدوا.(1/445)
وقال الإمام أحمد عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته، حتى يفضحه في بيته".
لقد نسينا كلنا وخاصة الإخوة المشرفين حديث الحبيب المصطفي حين وضّح بأن من دل على شر فإن عليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة....
جاء في سنن الترمذي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سن سنة خير فاتبع عليها فله أجره ومن أجور من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئاً ومن سن سنة شر فاتبع عليها كان عليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئاً.
فهل يتحمل المشرفون وكل شخص يرسل صور جنسية أوزار كل من أرسلوا لهم هذه الصور وكل من شاهد هذه الصور بل وفي كل مرة يشاهدون فيها هؤلاء الأشخاص هذه الصور.... ألم يكفيهم ذنوبهم حتى يتحملوا ذنوب غيرهم، هل يتحملون تبعات ما تثيره هذه الصور في الغريزة وبالتالي الوقوع في الحرام.
ألم نعرف جميعا أن الله قد لعن الناظر إلى عورة الآخرين كما لعن المنظور... وكلنا يعرف أن اللعن هو الإبعاد عن رحمة الله.
ألم نعلم جميعا أن الله قد أمرنا بغض البصر وحذرنا من الوقوع في الزنا وأن الله قد توعد الزناة بعذاب أليم (فضلا عن اللوطيين والسحاقيات)... روى أبو هريرة عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال: " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه "
ألم يتوعد رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم المجاهرين بالمعاصي فقال في الحديث المتفق عليه " كل
أمتي معافى إلا المجاهرين، وان من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستر الله عليه فيقول يا(1/446)
فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه " أو ليس ما ينشر في هذه القائمة من المجاهرة بالمعاصي.
أو لم يخبرنا الرسول بان كل أمته يدخلون الجنة إلا من يأبى: روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى). قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).
فهل نرغب في دخول الجنة؟؟؟ إذن علينا بطاعة الله ورسوله.
أولم تحف الجنة بالمكاره والنار بالشهوات.. روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات.
فهل ندع شهواتنا لتمنعنا عن دخول الجنة وتسوقنا إلى النار.
لقد نسينا كلنا أو تناسينا أن هذا مما يخطط له أعدائنا حيث أنه السبيل الوحيد لهم لتملك زمام الأمور.
الإخوة والأخوات الكرام: اعلم أن من يقرأ رسالتي هذه لن يخرج عن ثلاثة أصناف:
الأول سينهي الرسالة منذ أن يعرف أن فيها نصحا وإرشادا للحق وقد يشتم ويلعن، وهذا اسأل الله أن يهديه للحق.
الثاني سيواصل قراءة الرسالة من باب الفضول وربما لن يكمل القراءة وقد يلعن في قراره نفسه من تجرأ على إرسال هذه الرسالة في قائمة مثل هذه وهذا أيضا اسأل الله أن يهديه.
أما الصنف الثالث (وهو الأهم) فهو من يكمل القراءة ويجد لهذه النصائح وقعا في قلبه إذ تلامس النصيحة قلب مؤمن مذنب عرف خطاه وعرف بان له رب غفور كريم يغفر الذنب ويقبل التوبة بل ويبدل السيئات حسنات فيستغفر ويتوب ويعزم على عدم العودة حيث يعلم أن من شروط قبول التوبة الإقلاع عن الذنب و الصدق والعزم على عدم العودة.(1/447)
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه - عز وجل - قال: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم! اغفر لي ذنبي، فقال- تبارك وتعالى -: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أنه له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال- تبارك وتعالى -: عبدي أذنب ذنبا، فعلم أنه له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال- تبارك وتعالى -: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أنه له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك.
فهل نستغفر ونعود لربنا الغفور الرحيم أم نتمادى في غينا ونصبح من الهالكين.
أسأل الله أن يهدينا للحق ويسهل علينا إتباعه وان يجعلنا من أهل الجنة اللذين يطيعون أوامره وأن يبصّرنا بما يخطط له أعدائنا.
http://www.twbh.com المصدر:
===========
قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية ...
رسالة علمية تستحق الشكر
عبد اللّه بن محمد زقيل
الحمدُ للهِ وبعدُ؛
كتبتُ في ملحقِ " الرسالةِ " من جريدةِ المدينةِ مقالاً عن رسالةِ الدكتوراه " قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية.دراسة نقدية في ضوء الإسلام " والتي أعدها الدكتور فؤاد بن عبدالكريم بن عبدالعزيز العبد الكريم الأستاذ المساعد في كلية الملك فيصل الجوية.
أسألُ اللهَ أن ينفعَ بهِ، وأن يجزي الدكتور فؤاد العبد الكريم على رسالته القيمةِ.
قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية... رسالة علمية تستحق الشكر
(إن للمرأة في الإسلام مكانة عظيمة ومرتبة جليلة، فقد رفع الإسلام منزلتها بعد أن كانت مهانة عند العرب قبل الإسلام وعند الأمم الأخرى، فجعلها في منزلة واحدة مع الرجل من حيث قبول الأعمال الصالحة).(1/448)
هذه الكلمات هي مقدمة لرسالة علمية عنوانها: (قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية. دراسة نقدية في ضوء الإسلام)، أعدها الدكتور فؤاد بن عبد الكريم العبد الكريم جزاه الله خيرا -، وقد استقصى فيها الباحث المؤتمرات التي عقدت وأثير فيها قضايا المرأة من منطلق مناقض للإسلام، والرسالة نفيسة في موضوعها مليئة بالحقائق والأرقام والأقوال التي تشير إلى ما يخطط له الغرب لإخراج المرأة المسلمة من بيتها وجعلها سلعة مبتذلة كما في الغرب، ولا شك أن المرأة المسلمة في بلادنا على رأس أهداف تلك المؤتمرات.
والدراسة التي قام بها الباحث الدكتور فؤاد لم يسبق أن نوقشت مناقشة ناقدة لتلك المؤتمرات بمنظور إسلامي، وقد أبان أيضا عن منهجه في الرسالة بقوله: " وقد سلكت في هذا البحث منهجاً وصفياً في عرض القضايا الأساسية للمرأة، ومنطلقاتها من خلال وثائق المؤتمرات، كما استخدمت المنهج التاريخي في تتبع بعض قضايا المرأة في هذه المؤتمرات، كقضية تقديم الثقافة الجنسية للجنسين في المدارس الغربية، وقضية خروج المرأة للعمل، وكذلك قضية الحقوق السياسية للمرأة الأوربية، وغيرها من القضايا، واستخدمت المنهج التحليلي النقدي في تحليل وثائق المؤتمرات المتعلقة بالمرأة، ونقدها في ضوء المصادر الإسلامية، مبرزاً الموقف الإسلامي من هذه القضايا ".
وانطلاقا من مقولة حذيفة - رضي الله عنه - في الصحيح: " وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني " كان الإشارة في هذا الوقت إلى هذه الرسالة العلمية الرائعة التي تكشف كثيرا من مخططاتٍ تحاك ضد المرأة في بلادنا، إلى جانب أن لا تنخدع المرأة في بلادنا بالدعوات البراقة التي ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب والخسران نسأل الله أن يحفظ بلادنا منها.(1/449)
وقد كان موقع " الدرر السنية " بإشراف الشيخ علوي السقاف على الشبكة العنكبويتة من أوائل المواقع نشرا للرسالة العلمية المشار إليها، والرسالة تعتبر مرجعا مهما وإضافة جديدة للمكتبة الإسلامية يستفيد منها طلاب العلم والمثقفين وأصحاب البحوث المتعلقة بالمرأة المسلمة وما يخطط ضدها، فأنصح بزيارة الموقع وتنزيل الكتاب كاملا.
وقد قام الدكتور فؤاد باختصار الرسالة في مُؤَلَّف من إصدار مجلة البيان بعنوان: (العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية) فجاء في مقدمة الكتاب: " وقد استقر الرأي على اختصارها وتهذيبها لتناسب القراء عامة، ومن أراد المزيد من التفصيل فليرجع إلى أصل الرسالة التي تزيد صفحتها عن 1300 صفحة ". ا. هـ.
جزى الله خيرا الدكتور فؤاد العبد الكريم على رسالته الرائعة
أضغط هنا لتحميل.. كتاب قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية دراسة نقدية في ضوء الإسلام
http://www.saaid.net المصدر:
===========
رسالة إلى كل طالب وطالبة
محمد محمود عبدالخالق
أخي الحبيب يا من شمرت عن ساعديك للإقبال على الله يعلم الله أني أحبك في الله، وأسأل الله أن يجمعني وإياك تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إن الله على كل شيء قدير.
ومن منطلق حبي لك فإني أزف إليك كلمات هي من حقك علي، فإن استحسنتها فإمساك بمعروف، وإلا فتسريح بإحسان والله المستعان.
هذه الكلمات هي وصايا وتوجيهات أبعثها إليك أخي وأنت مقبل على عام دراسي جديد وأظن أنك في احتياج إلى معرفتها حتى يخرج العام الدراسي في صورة طيبة وصالحة تقربك من الله وتؤهلك لنيل ثوابه وعطائه - سبحانه وتعالى -.(1/450)
(1) الإخلاص: - قال - تعالى -: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء...... )، ويقول - تعالى -: (ألا لله الدين الخالص)، ويقول - تعالى -: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى........ ) " صحيح وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي توضح ضرورة أن يكون العمل خالصا لله - سبحانه وتعالى - لا يرجى به سواه، ومما لاشك فيه أن دراسة العلم النافع من أفضل الأعمال والقربات إلى الله - سبحانه وتعالى - ولكن الأمر يحتاج إلى النية الصادقة الخالصة لله - سبحانه وتعالى -، فمن يتعلم أو يدرس علما للحصول على مال أو شهرة أو منصب أو غير ذلك من لأمور الدنيوية البحتة فعلمه وسعيه مردود عليه لا قيمة له طالما لم يرد به وجه الله - سبحانه وتعالى - فالإخلاص في العمل شرط أساسي لقبوله بالإضافة إلى الشروط الأخرى ولذلك على الطالب المسلم أن يكون علمه ودراسته وسعيه لله - سبحانه وتعالى - فلا يقف بنيته عند الحصول على الشهادة أو الوظيفة أو المنصب أو المال بل يصل بنيته إلى أن ذلك لله - سبحانه وتعالى -.
(2) التفوق في الدراسة: - لتعلم أخي الطالب أن المسلم الحق لا يمكن أن يكون فاشلا في دراسته وعلمه فديننا يحث على التفوق ويرغب فيه ولذلك فإن من الواجب عليك أن تسعى بجد ونشاط في تحصيل دروسك وأداء مهامك على أكمل وجه وأفضل طريقة فنحن يا أخي لم نتخلف في الجانب الديني فقط بل في الجانب المادي كما يسمونه لذلك علينا أن نعيد للأمة كرامتها وعزتها ونثبت للعالم بأسره أننا أمة \" أقرأ \" وأننا أعظم حضارة عرفتها البشرية وأنه بأيدينا هداية الناس وأخذهم إلى بر الأمان ولا شك أن ذلك لن يكون إلا بالعودة الصادقة للدين وبالأخذ بأسباب التقدم والرقي والتي من أهمها التسلح بسلاح العلم الذي كان من المفترض أن لا نفقده.(1/451)
(3) معرفة فضل العلم والعلماء: - لعل القارئ لفضل العلم والعلماء في ديننا ليشعر بالفخر من هذا التكريم الرائع وهذا الأجر الكبير الذي يحظى به العلماء في شريعتنا، وأدعوك أخي إلى أن تتأمل هذه الفضائل التي خص بها العلم لعلها تكون دافعا لك على السعي والجد في دراستك ولعلها تصلح من نيتك ومن أهم فضائل العلم: -
1- أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ بالعلم فقد أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا كنت من أهل العلم ترث محمداً - صلى الله عليه وسلم - وهذا من أكبر الفضائل .2- أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق والدليل قوله - تعالى -: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط) (آل عمران، الآية: 18)، فهل قال:" أولو المال؟ لا بل قال " وأولو العلم قائماً بالقسط " فيكفيك فخراً يا طالب العلم أن تكون ممن شهد لله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله - عز وجل - .
3- أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يرغب أحداً أن يغبط أحداً على شيء من النعم التي أنعم الله بها إلا على نعمتين هما:
1- طلب العلم والعمل به.
2- التاجر الذي جعل ماله خدمة للإسلام فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلمها "
4- أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلي الجنة " رواه مسلم.
5- أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه، وكيف يعامل عباده، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة .(1/452)
6- أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولا يخفى على كثير من الناس قصة الرجل الذي كان من بني إسرائيل وقتل تسعاً وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجلٍ عابد فسأله هل له من توبة؟ فكأن العابد استعظم الأمر فقال: لا فقتله فأتم به المئة، ثم ذهب إلي عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دلّه على بلد أهله صالحون ليخرج إليها فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق ….. والقصة مشهورة فأنظر الفرق بين العالم والجاهل.
7- أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلي الله - عز وجل - والعمل بما عملوا وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به قال الله - تعالى -: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (سورة المجادلة، الآية: 11).
وليس هذا فقط فللعلم فضائل غيرها ومناقب وآيات وأخبار صحيحة مشهورة مبسوطة في طلب العلم.(1/453)
(4) غض البصر: - وهو أمر في غاية الخطورة والأهمية وعلى الطالب المسلم أن يكون حريصا عليه فالحق- تبارك وتعالى -يقول: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم..... )، ويقول - تعالى -: (.... إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها مخافتي أبدلته عبادة يجد حلاوتها في قلبه " ضعيف، ويقول: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناها النظر " صحيح ثم ذكر اللسان والرجل واليد و القلب فبدأ بزنا العين لأنه أصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج، فهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصي بالنظر وأن ذلك زناها ففيه رد على من أباح النظر مطلقا، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -" يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية " حسن، وقال العقلاء: من سرح ناظرة أتعب خاطرة ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت عليه أوقاته وفاضت عليه عبراته.
من أطلق الطرف اجتنى شهوة *** وحارس الشهوة غض البصر
والطرف للقلب لسانا فإن *** أراد نطقا فليكر النظر
ويقول الشاعر:
كل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم من نظرة فتكت بقلب صاحبها *** فتك السهام بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا عين يقلبها وفي *** أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته لا *** مرحبا بسرور عاد بالضرر.
وقد يشتكي البعض من عدم قدرته على أن يغض بصره وهؤلاء ادعوهم بذلك:
أولاً: استخدام العلاج الذي أمر الله - تعالى -به في قوله{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}ويعلم أن غض البصر طاعة يتقرب به إلى مولاه - عز وجل -، ومعلوم أن الله لا يأمر عباده إلا بما يقدرون عليه، وهو - سبحانه - أعلم بهم وبما يصلحهم.(1/454)
ثانياً: استخدام العلاج النبوي: وذلك حين سئل - عليه الصلاة والسلام - عن نظر الفجأة فأرشد إلى العلاج النافع الذي من استعمله سد عليه هذا الباب بالكلية ولا يحتاج معه لعلاج غيره فقال "اصرف بصرك ".
ثالثا: الصبر على غض البصر.
رابعا: التفكر في حقيقة المنظور.
خامساً: تأمل العواقب وملاحظتها فإذا تأملت عاقبة النظر وما سيؤول إليه فإنك تدرك أثره وتأثيره على قلبك وجوارحك وإيمانك وجميع ما يصدر عنك، فتعلم حينئذ خطره فتؤثر الغض وتراقبه أيما مراقبه.
سادساً: تذكر ما أعده الله - عز وجل - لعباده الصالحين في جنات النعيم وما فيها من المشتهيات واللذات على أكمل الأوجه وأوسعها وأوعاها.
سابعا: اليأس: وذلك بأن يجزم جزماً ويعقد عزماً على غض البصر، بحيث تقنط النفس مع هذا الجزم، وتيأس بأن لا تتطلع إلى المحذور مع هذا العزم، فإنها حينئذ تذعن للغض، ولو على مضض، وهذا يحتاج إلى نفس حرة عزيمة أبيه.
ثامناً: البعد عن مواطن الفتن والأماكن التي تكثر فيها، وأماكنها معرفة معلومة وإن كانت بعض البلاد صارت بؤرة للفتن، قد ملأت السهل والجبل والشواطئ والشوارع والله المستعان، ولكن الواجب أن يبتعد عن هذه الأماكن قدر المستطاع ويبذل في ذلك جهده لأنه قد تجذبه بصورها وفتنها.
تاسعاً: نعمة النظر: فالنظر نعمة من الله فلا تعصه بنعمه، واشكره عليها بغض البصر عن الحرام تربح واحذر أن تكون العقوبة سلب النعمة.
الحادي عشر: العمل بأحكام الإسلام فإن هذا يضمن الضمان المؤكد بإذن الله - عز وجل - بحبس النظر عن الحرام.(1/455)
(5) الحرص على أداء العبادات: - لأن طالب العلم يكون مشغولا بعلمه فيفوته الكثير من العبادات فلذلك عليه أن يكون حريصا على أداء الصلاة في أوقاتها فلا يضيعها مهما كانت الظروف كما أنصحه بأن يكون حريصا على قراءة القرآن وأن يضع لنفسه وردا يوميا يقرأه ويخصص لذلك وقتا معينا بناء على ظروفه على أن يكون هذا الوقت ثابتا لا يتغير ولا يضيع مهما كان كما أنصحه بالمحافظة على أذكار الصباح وأذكار المساء لما لها من ثواب عظيم عند الله - سبحانه وتعالى - كما أنصحه بأن يكون دائم الاستغفار والذكر لله - سبحانه وتعالى - والصلاة والسلام على رسول الله سواء في جلوسه في المدرسة أو المعهد أو الجامعة أو أثناء سيره أو ركوبه فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى الرجل الذي اشتكى له كثرة شرائع الإسلام فقال له: لا يزال لسانك رطبا بذكر الله كما أنصحه بصلاة ركعتين أو أكثر قبل أن ينام بنية قيام الليل ثم يوتر بعد ذلك وإن استطاع الاستيقاظ قبل صلاة الفجر بمدة ثم يصلي تلك الركعتين ثم يوتر فذلك أفضل.
(6) الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -: - المسلم دائما يدعوا إلى الله في كل مكان يتواجد فيه ولا يشترط أن تكون الدعوة بالخطابة أو الدروس أو حتى النصيحة فعمل الإنسان وأخلاقه قد تكون أكثر نفعا في دعوة الغير من الكلام أو النصيحة على الرغم من أهميتها ولعلي أقصد أن يكون الطالب حريصا على الدعوة إلى الله مستغلا هذه المرحلة التي يمر بها والتي لا تتكرر كثيرا وذلك بكافة الوسائل المتاحة له.
(7) الحذر من أصدقاء السوء: - إياك وصحبة الأشرار: فصحبتهم خزي وعار، وذلة وشنار، لا خير فيهم، ولا نفع يرجى من ورائهم؛ إذ كيف ينفعوك وهم لم ينفعوا أنفسهم؟!!.
وصحبة السوء في الجامعة خطرهم أكبر.
قد هيئوك لأمر لو فَطِنْتَ له *** فَارْبَأْ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ.(1/456)
قال - تعالى -: "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ".، وأخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-مرفوعاً: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ".
وصحبة الأشرار وإن لبسوا أثواب البر سبب الضياع والانحراف عن الاستقامة، والوقوع في الكبائر كالزنا، والعادة السيئة وغيرهما عافاني الله وإياك-.
(8) المحافظة على الوقت: - أهتم الإسلام بالوقت وقد أقسم الله به في آيات كثيرة فقال الله - تعالى -(والعصر إن الإنسان لفي خسر)، وقال - تعالى -(والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى)، كما قال الله - تعالى -(والفجر وليال عشر) وغيرها من الآيات التي تبين أهمية الوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله، وهناك أحاديث كثيرة توضح ذلك: فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به؟ "، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ "، وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل "
فالآيات والأحاديث تشير إلى أهمية الوقت في حياة المسلم لذلك فلابد من الحفاظ عليه وعدم تضيعه في أعمال قد تجلب علينا الشر وتبعدنا عن طريق الخير، فالوقت يمضي ولا يعود مرة أخرى.
(9) التحلي بأخلاق الإسلام في التعامل مع الآخرين: - على المسلم أن يتحلى بأخلاق الإسلام في تعاملاته مع الغير ولذلك فإن الطالب المسلم عليه ان يكون حريصا على أخلاق الإسلام سواء مع مدرسه أو زملائه في المدرسة أو المعهد أو الجامعة أو مع غيرهما.
------------------
المصادر والمراجع:(1/457)
(1) رياض الصالحين للنووي.
(2) الداء والدواء لابن القيم.
(3) مقالات لبعض العلماء.
http://www.28hrf.com المصدر:
===========
رسالة إلى الشهر الكريم
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أيها الضيف الكريم
يا شهر رمضان المبارك
يا شهر الجهاد في سبيل رب العباد
يا سيد الشهور، وموسم الخير والسرور
يا شهر البركة والعطف، وموسم الرحمة واللطف
سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد:
فأهلا َوسهلاَ ومرحباَ بك يا شهر الإيمان وموسم القرآن في هذه المناسبة الإيمانية المتكررة في كل عام، والمتجددة في كل حين. وحياك الله من ضيفٍ كريمٍ له في القلوب منزلة، وفي النفوس مكانة، ولا يسعنا إلا أن نُردد قول الشاعر الدكتور / عائض بن عبد الله القرني، وهو يُرحب بشهر رمضان المبارك قائلاً:
مرحباَ أهلاَ وسهلاَ بالصيام *** يا حبيباَ زارنا في كل عام
قد لقيناك بحبٍ مفعم *** كل حب في سوى المولى حرام
فاغفر اللهم ربي ذنبنا *** ثم زدنا من عطاياك الجسام
= أهلا َبك يا شهر رمضان المبارك في خضم هذه الأحداث التي تمر بها أمة الإسلام، لتكون ـ بإذن الله فرصة مناسبة لتطهير النفوس من ذنوبها وخطاياها، ولتكون زادا َروحيا َمباركاَ يسمو بالأرواح إلى بارئها، فترتفع عن الأدناس، وتتخلص من الأرجاس، حتى تطهُر وتصفو، وترتقي وتسمو؛ فلا تنقاد للغرائز البهيمية، ولا تستسلم للشهوات الحيوانية، وإنما تتعلق بأنوار الهداية الربانية وأهداب السُّنة المحمدية.
= أهلا َبك يا شهر التوبة والرضوان ليجدد العباد صلتهم في أيامك ولياليك بالواحد الديان، صلاةً وصياماً، وقياماً ودعاءً، وصدقةً وذكراً، وبراً وإحساناً، وقولاً وعملاً؛ فتزكو نفوسهم، وتطهُر قلوبهم، وتسموا أرواحهم، وتخشع جوارحهم، وتوّجه أفكارهم إلى كل ما من شأنه صلاح أمور دينهم والدنيا.(1/458)
= أهلاً بك يا شهر رمضان في زمنٍ يعيش فيه المسلمون أزماتٍ قاسيةٍ، ومآسي عظيمة، فالعالم الإسلامي اليوم مثخنٌ بالجراح من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وهذا أمر يدعونا جميعاً في هذا الشهر الكريم إلى معايشة هذه القضايا الكبرى بالقلب والقالب، واللسان واليد، والنفس والمال، حتى يكون الجميع على بصيرةٍ وعلمٍ بما يُراد بالإسلام والمسلمين، وليكون الجميع صفاً واحداً في مواجهة الباطل وأهله على مختلف مللهم ومذاهبهم تحقيقاً لقوله - تعالى -: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (سورة الأنبياء: 92). وحتى نعيش قول - صلى الله عليه وسلم - في وصف أبناء الإسلام: " مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " (رواه مسلم، الحديث رقم 6586، ص 1131).
وهنا يحضرني قول الشاعر الدكتور / عبد الرحمن العشماوي في وصفه الرائع لوحدة الأمة المسلمة بقوله:
إذا اشتكى مسلمٌ في الصين أرقني *** وإن بكى مسلمٌ في الهند أبكاني
ومصرُ ريحانتي، والشام نرجستي *** وفي الجزيرة تاريخي وعنواني
= أهلاً بك يا شهر الجهاد في سبيل الله، ففيك ارتفعت راية التوحيد، وتم بحول الله - تعالى - دُحِرَ أعداء الله من الكفار والمشركين في غزوة بدرٍ الكبرى، وعند فتح مكة المكرمة، وغيرها من المعارك التي انتصر فيها المسلمون كحطين وعين جالوت وحرب العاشر من رمضان وغيرها.
= أهلاً بك يا شهراً أخرج فيك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشرة سريةً لنُصرة الإسلام وإعلاء كلمته، فكانت ثمارها ارتفاع راية التوحيد خفاقةً فوق هامات الرؤوس، مُعانقةً لشوامخ الجبال، مُناطحةً لقطع السحاب.
= أهلاً بك يا شهراً يُجاهد فيه العدو بالقتال والسلاح، وتُجاهد فيه النفوس بالعبادة والصلاح، ويجاهد فيه الجسم بالجوع والعطش، وكف الأذى، والبُعد عن الشهوات والشُبهات.(1/459)
= أهلاً بك يا شهر التربية الروحية للنفوس المؤمنة المطمئنة، لتنشأ وتُربى وتُصاغ وتوجَّه إلى السبيل القويم، والمنهج السليم الذي تطمع أن يبلغ بها مدارج الكمال والجمال والجلال. وما أحسن قول الشاعر:
فقوت الروح أرواحُ المعاني *** وليس بأن طعمتَ ولا شربتَ
= أهلاً بك يا شهراً تقوى فيه العزيمة الصادقة، وتُربى فيه الإرادة الحازمة، فيقل فيه التهافت على الشهوات، ويُمسكُ فيه عن المحرمات، وتُجتنب فيه المنكرات. وهنا يحضرني قول الشاعر:
أتاك شهر السعدِ والمكرُمات *** فحيه في أجمل الذكريات
= أهلاً بك يا موسم الصلح مع الله - تعالى -، وميدان التنافس في كثرة الطاعات، والبعد عن المعاصي والمُحرمات، فيزداد الإيمان، ويعظُم اليقين، وتتحقق محبة الله - عز وجل - في كل وقتٍ وحين، وتُحيا سُنن رسوله الأمين، وتُستثمر فيه الأوقات بكل نافعٍ ومُفيد، ويُبارك الله - تعالى -في أيامه ولياليه، وتنشط الدعوة إلى الله - تعالى -بإقامة الدروس الدينية، وتنظيم المحاضرات التوعوية، وعقد الندوات، وإلقاء المواعظ، وغير ذلك من مجالس الذكر وحلق العلم وأُمسيات الخير.
= أهلاً بك يا شهر القرآن الكريم لتكون دافعاًً لجلوس العباد إلى مائدة القرآن الكريم حتى ينهلوا من معينه الطيب المُبارك الفياض، ويتدبروا آياته البينات، ويستكثروا بتلاوته من الحسنات فقد صح في الحديث أن للقارئ بكل حرفٍ من القرآن حسنة، والله يُضاعف لمن يشاء.(1/460)
= أهلاً بك يا شهراً يصوم فيه المسلم كله لوجه الله - سبحانه - امتثالاً لأمره وابتغاءً لمرضاته، فالقلب يصوم عندما يتجه إلى خالقه جل في علاه في كل لحظة، ويبتعد عن المحرمات والمعاصي، ويُعمرُ بالتقوى. والبطن يصوم عندما يمتنع عن أكل الحرام سواءً كان رباً أو رشوةٍ أو سُحتٍ أو غشٍ أو أكلٍ لمال اليتيم أو طعامٍ مُحرمٍ أو شرابٍ مُسكر أو مُفتِّر أو نحو ذلك مما حرمه الله - تعالى -ورسوله. والأذن تصوم عندما تنتهي عن سماع اللغو والباطل، والغناء والموسيقى، والقول الفاحش والكلام البذيء. والعين تصوم عندما تمتنع عن النظر إلى ما حرَّم الله - تعالى -من المناظر والمشاهد ونحوها. واللسان يصوم عندما يتوقف عن كل قولٍ باطلٍ لا خير فيه من لغوٍ وغيبةٍ ونميمةٍ وكذبٍ وفجورٍ وسبٍ وشتمٍ وفضولٍ ونحوها.
= أهلاً بك يا شهراً يُجدد فيه المسلمون عهدهم مع الله - تعالى - على التوبة الصادقة، فيعودون إلى الله - سبحانه - ويُنيبون إليه ويستغفرونه (جل في عُلاه) بعد أن كثُرت خطاياهم، وعظُم زللهم، وزادت سيئاتهم، وطال زمن عصيانهم؛ فكان شهر رمضان المبارك فرصةً لا تُفوت للتوبة والاستغفار والعودة والإنابة. قال - تعالى -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (سورة الزمر: 53).
وما أجمل قول الشاعر في هذا المعنى:
أتوب إليك يا رحمن مما *** جنت نفسي فقد كثرت ذنوبي
وأشكو يا إلهي من معاصٍ *** أصابتني وآذتني عيوبي(1/461)
= وختاماً أيها الضيف الكريم، لا يسعُني إلا أن أُردد الترحيب بك مراتٍ ومرات قائلاً ومعي كل مسلمٍ على وجه الأرض: حللت أهلاً، ووطئت سهلاً، فحياك الله من ضيفٍ كريمٍ نصوم أيامه، ونقوم لياليه، ونتقرب إلى الله - تعالى -فيه بالقول الجميل والعمل الصالح طمعاً في ما وعدنا الله فيه من المغفرة والرحمة والعتق من النار.والله نسأل أن يكتب لنا جميعاً الأجر والثواب، وأن يوفقنا جميعاً لما فيه الصلاح والفلاح، وأن يرزقنا الجنة إنه - تعالى -على كل شيءٍ قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله العلي القدير.
http://www.saaid.net المصدر:
==========
البعد الإنساني في قصيدة ( رسالة خادمة إلى أولادها )
شمس الدين درمش
نالت الصور الاجتماعية اهتمام الشعراء قديماً وحديثًا، فتحدثوا عن الفقر، واليتم، والتشرّد، والمرض، والكوارث بأنواعها، ولكن بعض النقاط الجديرة بالاهتمام بقيت بمنأى عن عدسة الشعراء المصورة، ومنها موضوع الخدم والتعاطف معهم وتصوير مشاعرهم. وفي رأيي يعود السبب في هذا الإغفال إلى احتقار هذه الطبقة مع ما جاء في الأحاديث النبوية من التوصية بهم، فقلما يتعاطف صاحب العمل مع من يعمل لديه، أو المخدوم مع الخادم؛ إذْ لا يعمل الخدم إلا لدى الطبقة العالية ماليًا واجتماعيًا فيكون تسليط الأضواء على المخدوم لا الخادم.
الشاعر خالد الحليبي تجاوز بهذه القصيدة عقبات عديدة، وارتفع إلى الأفق الأعلى..أفق الإنسانية، وحقق بهذا التصوير الرائع الإنسانية من عدة مستويات:
الأول: التفاته إلى معاناة الخدم عامة.
والثاني: كون الخادم امرأة.
والثالث: كون المرأة أمًّا.
والرابع: كون الأم مغتربة فارقت أولادها الصغار.
والخامس: كونها مغتربة في بلاد بعيدة جداً خارج الوطن، ولا يمكن أن ترى أولادها لفترات متقاربة.
والسادس: كونها فقيرة وهي صفة مشتركة لدى الخدم.(1/462)
ولو تأملنا هذه المستويات لوجدنا كلاً منها تستحق وقفة من الشاعر، فكيف وقد اجتمعت في شخص واحد!!
جاءت القصيدة على لسان الخادمة الأم تواسي نفسها في اغترابها وفراقها أولادها.
هجرت مهد الصبا والموطن الحاني *** وعفتُ من أجلكم روحي وريحاني
ولكنها هاجرت بجسمها، أمّا القلب فهو مع الأحبة:
رحلت لكن فؤادي قيد وجهتكم *** أنّى اتجهتم، فهل في الدمع سلواني؟
وهي إذ تطير من أرض إلى أرض، فإنها تحسّ بالخوف يفجّر كيانها في لحظة الهبوط الأولى:
حتى إذا هبطتُ أحسست قنبلة *** تستأصل الأمن من أرجاء وجداني
ويصور الشاعر لحظات الوصول وسريان دفق من مشاعر المهانة لدى هذه الإنسانة وأمثالها حين يأتي المخدومون فيختارون خادماتهم، وليس هناك من صلة ولغة إلا لغة العيون:
واختارني واحد من بينهم فغدت *** تسري نواظره في كل أرداني
كأنه مشترٍ ألفى مطالبه *** بعد الضنى فرحاً في قعر دكان
إن إنسانية الشاعر الحليبي لم تغفل ضرورة الخروج من دائرة المهانة التي تلفّ هذه (الخادمة الأم) وأمثالها فراح يكشف لنا تلك الغيوم الكالحة المخيفة، فيصفو الجو وترتاح النفس، وتطمئن؛ لأنها صارت في أسرة تعرف معنى الإنسانية، وترتقي إلى مستوى التعامل بمبادئها، ذلك أن الأسرة المسلمة يجب أن تتحلى بهذه الإنسانية من أجل الإنسانية ومن أجل الإسلامية.
تقول الخادمة في وصف منزلها الجديد في الغربة:
فضمني منزل طابت سرائره *** في كل قلب به للخير نبعان
فالأم أمي ورب البيت يشملني *** منه الرعاية شأن الوالد الحاني
ولكن أنّى للطائر الجريح أن يكفّ جناحاه عن محاولة الطيران! وأنّى للأم الحنون أن تسلو عن أحشائها، وتمنع قلبها عن الخفقان! كل حركة في هذا المنزل الآمن تذكرها بمنزلها الآمن الذي تحِنّ فيه قلوب الصغار إلى أمهم، وهل عن الأم عوض للصغار فهي غائبة حاضرة، وبعيدة قريبة:
إني لأنظركم في كل ناحية *** على أرائك من حولي وجدران(1/463)
أحس هرولة الأوراق تجرفها *** الرياح عودتكم من كل ميدان
وإن تراقصت الأغصان هامسة *** حسبته صوتكم بالحب ناداني
لقد حبست دمعي ووضعت يدي على قلبي وأنا أقرأ هذا البيت الهامس عندما قرأت (حسبته صوتكم بالحب ناداني).
فهي لا ترى في أولاد مخدومها إلا أولادها الذين خلفتهم وراءها.
إنها أفق إنساني آخر يصوره الشاعر بعد ذلك الإحساس الإنساني الذي سرى في كيان (الخادمة الأم) عندما صارت في أسرة كأنها أسرتها؛ فتبادلهم الإنسانية وتندمج معهم بل تذوب فيهم فإذا هم وهي في وعاء الإنسانية الواحد. ومع مرور الأيام تتأجّج الأشواق، ويزداد أُوارها، وتمرّ الدقائق بطيئة بطيئة...
تمضي الدقيقة كالأيام في مَهَلٍ *** حتى أظن أن الوقت عاداني
وتتساءل:
متى أعود إلى روحي برؤيتكم *** وتستلذ بطعم النوم أجفاني؟!
هذه القصيدة من روائع الشاعر خالد الحليبي وقد جاءت حلقة في دائرة الهمّ الإنساني في ديوانه (قلبي بين يديك)، يُوجّه هنا سؤال إلى الشاعر المبدع وهو: أين الجزء الثاني من هذه القصيدة؟! أين جواب هذه الرسالة من أولادها؟! تُرى: ماذا قالوا عندما قرؤوا رسالة أمهم، أم أن الرسالة ضاعت في صناديق البريد؟!
21/8/1426
25/09/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
===========
موعد مع الحياة - رسالة إلى متبرجة
لو كان الظبي مطواعًا سهل الصيد والانقياد لما افتتن به الصيادون أو عشقه العامة، ودفع الخاصة لأجل الظفر به الأموال وتحملوا مشاق السفر وعناء البحث وويلات المسافات في سبيل صيده أو الحظو به. والمرأة كالظبي تقترن غالبًا بجماله وتمنعه والافتتان به، لكن هذا الأمر لا ينطبق على المرأة العارضة جسدها في سوق الأثمان البخسة، والتي لا تنتسب للإسلام أو التي لا تحمل منه إلا اسمه.(1/464)
في أصل الفطرة المرأة مقرونة بالحياء. وهو صفتها الأولى: كثير من السلوكيات والأفعال يقوم بها الرجال لا تقوم بها المرأة ولا تليق بها، كأمور القتال والخصام والجهاد ومجابهة الأحداث والرجال، وفي هذا يقول الله - سبحانه وتعالى - واصفًا المرأة {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]، أي المرأة.
وهذا بالفعل ما يحكيه سلوك كثير من النساء حتى بعض المتبرجات أنفسهن وهو مما يدل على أن الحياء في أصل المرأة لكنها تقلّد على غير هدى.
وأستشهد بمثال لإحدى الضيفات عبر برنامج تلفازي كانت ترتدي 'جونلة' قصيرة، بين اللحظة والأخرى تشدها إلى الأسفل في محاولة لستر ما ظهر، رغم أنها هي من كشفت عن مفاتنها، فالأصل في المرأة الحياء، لكنها مخلوق ضعيف، وهي تابعة للرجل، قابلة للإيحاء وسهلة الانقياد، ونقطة الضعف لديها أن يعتز إنسان بجمالها، وينبهر بمحاسنها، ولهذا الأمر سقط كثير من النساء في كيد الكائدين وحبائل الشياطين. وإذا ضعف الإيمان ضعف كل ما يتصل به، وفي مقدمة ذلك الحياء الذي لا يأتي إلا بخير، والذي هو 'شعبة من شعب الإيمان' كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة، وهو مما تتميز به المرأة المسلمة عن المرأة الغربية الخالعة، التي أدى بها المآل للفشل والتعاسة كما يقر بذلك كثير من النساء في تلك المجتمعات.
إن الستر والحياء اللذين يدعو إليهما ديننا الحنيف، ويقرهما بل ويقرنهما بالمرأة من الأمور الراقية ومن النعم الكبرى، ومما يصل بالمرأة ومجتمعها إلى التقدم والنضج والأهلية الكاملة لأداء رسالتها في الحياة، بل مما يطمئن على سلامة الأجيال القادمة وسلامة المجتمعات وتطورها الحقيقي.
المرأة مخلوق لطيف، جاء الإسلام فقدّرها ورعاها وحفظ لها كرامتها وصانها عن الفساد والانحلال، بل ورفعها إلى مكانة عالية لم تكن لتبلغها لولا هذا الدين.(1/465)
لكن نساء سقطن في مكائد الشيطان وحبائله، بالجهل غالبًا، وباسم التحضر المزعوم تارة، وغرّتهن زخارف الأقوال وظاهر الأمور عن حقائقها وبواطنها بل ومآلها.
وكم هو مؤلم ومؤسف أن تتعلق النساء بالقشور وتصدق كل ما يقال أو يُفعل لأغراض دنيئة لا شك أنها لا تخدم المرأة أو تنجيها من العذاب الأليم.
لم ينجح المغرضون في سلب الحياء المطلق من المرأة في المجتمعات المحافظة من خلال الدعوة إلى ترك الحجاب، ولكنهم فتنوها في أشكاله وألوانه الملفتة للانتباه لتخرج عن أصل الهدف إلى الانشغال بغيره، وهكذا هي خطوات الشيطان والنتيجة واحدة: الضلالة والانحراف. مسكينة تلك المرأة التي تُصدق كل ما يقال عن الموضة والجمال المزعوم على حساب القيم الدينية المتأصّلة وعلى رأسها الحياء؛ لأنه في نهاية الأمر لا يصح إلا الصحيح والبراهين عديدة. وأستشهد على ذلك ببعض الأمثلة: إحدى المصدومات بالصديقة والصداقة كما تدعي جاءت إليَّ محبطة تبكي وتشتكي قلة الوفاء وغدر الصديقات عندما رفضت صديقتها خطبتها لأخيها. وانتخبت أخرى غريبة وهي الصديقة المصدوقة الوفية الملازمة والأمر واضح وضوح الشمس، فهذه الصديقة ذات الأظافر الطويلة، والقصة الفرنسية والحجاب الناقص أو غير اللائق لا تنفع لأن تكون العروس المناسبة أو الإنسانة التي يشهد لها الجميع بالصلاح، صلاح الظاهر على الأقل ما دام صلاح الباطن لا يعلمه إلا الله.
والحقيقة أن المرأة الساترة تفرض احترامها حتى على الأقل تدينًا، وهي محل الثقة والتقدير...والعكس تمامًا.. بل كيف يحترم الناس مهرجًا في السيرك يغير في شكله ليضحك الناس بل ليضحكهم عليه؟! كيف يثق الناس بالمتذبذب، والإمعة، والمندفع، والسطحي.
ومما يدعو إلى مزيد من القهر والألم أن من وضع عراقيل الشعارات الضالة أمام النساء ومن يحاول تجريدهن من ثياب العفة والفضيلة هو نفسه أول من ينظر إليهن نظرة الازدراء والتهكم ما إن يقعن في شراكه ويمضين في سبيله.(1/466)
والأشد ألمًا أن تنشد المرأة السعادة والرقي وهي من يحاول اغتيالها بين يديها، وتبغي السمو، وهي من تهوي بنفسها في قاع الضلالات.
نعم لا يصح إلا الصحيح، وهذه النتيجة يصل إليها المتغربلات في أوحال الفن النتنة، عندما لا تجد إحداهن من يتزوجها، أو تستحيل حياتها الزواجية إلى شقاء ومسرح خيانات ومشكلات زواجية مستمرة والله - تعالى -لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وبالمقابل، ما أصاب الإنسان من مصيبة أو شقاء أو تعاسة فمن نفسه، ومعاصيه، والسفور عصيان أمر رباني واضح.
إن من يبحث عن الستر يجده، ومن يريد السلامة يسلم. الخمار تاج المرأة المصون، وليس سببًا للتخلف والرجعية. وهذا ما أقرت به إحدى نساء الغرب التي صدمت في طريقها للالتزام بإحدى بنات المسلمين ـ وهي تقفز كالكنغر في بنطلون الجينز الضيق في إحدى المحلات التجارية ـ بعد أن سألتها مستنكرة: لماذا تخلعون الخجاب هنا... ألستم تؤمنون برب واحد... وهو هنا كما هو هناك؟
وعودًا على بد.. لقد كان الجمال لؤلؤة بيضاء داخل محارة مغلقة يغامر الرجال من أجلها، ويتحملون المشاق تحوطهم المجازر وتفتك بهم المخاطر فلا يزيدهم إلا إصرارًا وعزيمة... فهل تعقل النساء؟!
ذو القعدة 1425هـ
http://www.islammemo.cc المصدر:
==========
رسالة إلى الأخت المسلمة
أشرف شعبان
إليك يا أختي المسلمة أخط بضع كلمات هي إلى العظة والتذكير أقرب منها إلى النصح فإن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فاعلمي أنك على ثغر من ثغور الإسلام ألا وهو الأسرة المسلمة وتربية أطفالها فلا يصح أن يُؤتَى من قِبلك، فارتداؤك الحجاب الإسلامي الفضفاض وغير الشفاف وما يتبعه من خمار لا يعني نهاية الطريق بل هو بدايته، به تعلنين أمام الملأ انضمامك للصف الإسلامي وتمسكك بتعاليم الإسلام وأوامره ونواهيه والتزامك به في سلوكياتك وتصرفاتك أمام أهلك وأمام المجتمع.(1/467)
ولتعلمي يا أختي أن المحن والابتلاءات ستدور عليك وحولك: ستخيَّرين بين من يقدم لك متاع الدنيا وبين من لا يملك سوى دينه يريدك زوجة له، فتذكري حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: » إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه « ولك في نساء الصحابة أسوة حسنة حين أتم رسول الله زواج إحداهن بمهر وقدره خاتم من حديد أو بما حفظ من آيات القرآن الكريم.
وتُمتحنين في أقرب الناس إليك: زوجك أو ابنك، فقد يجبر أحدهما أو كلاهما على الرحيل من بلده فراراً بدينه أو للجهاد في سبيله هنا وهناك، فلا تحزني فالدنيا مهما طالت أيامها معدودة وقصيرة وستلتقين بهما لتنضموا سوياً إما بالنصر أو النعيم في الجنة وهذا هو الإسلام وذروة سنامه، ستتذوقين شظف العيش ويخلو بيتك من الملذات فتذكري أن بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمضي عليه ثلاثة شهور دون أن تشعل فيه نار، فلا تترددي أو تضعفي يا أختي أمام المحن والابتلاءات فكلما ازداد إيمان الفرد اشتد بلاؤه، وتذكري حديث رسول الله » إن أشد الناس ابتلاءً هم الأنبياء ثم الصالحون « وكل ابتلاء يثاب عليه المؤمن في جسده أو ماله أو ولده ليخرجه من الدنيا كما ولدته أمه بلا ذنوب واعلمي أن حياتك الدنيا ما هي إلا دار ابتلاء وامتحان، فمن صبر وشكر فهو مع الذين أنعم الله عليهم من الصديقين والشهداء في جنة الخلد عند مليك مقتدر.
جعلنا الله وإياك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
رسالة إلى معتمر
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
* أيها المعتمر.
** يا واحداً من ضيوف الرحمن - سبحانه -.
*** يا من شددت الرحال إلى بلد الله الحرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:(1/468)
فإن العمرة شعيرةٌ واجبةٌ، يُقصد بها زيارة بيت الله الحرام للطواف والسعي. وقد جاء الترغيب في أدائها والحث على فعلها في كتاب الله بقوله جل في عُلاه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (البقرة: من الآية 196). كما جاء في السنة المطهرة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما " (رواه البخاري، الحديث رقم 1773، ص 285). ولهذا كان على كل مسلم أن يحرص على أدائها بقدر استطاعته، وأن لا يهملها أو يتقاعس عنها بدون عذر شرعي، وهنا أوجه هذه الرسالة إلى كل معتمر لعله يجد فيها نفعاً أو فائدة. فأقول مستعيناً بالله وحده:
* يا من نويت أداء العمرة، عليك أن تقصد بعمرتك وجه الله - سبحانه - والدار الآخرة والتقرب إلى الله - سبحانه - بما يرضيه من الأقوال والأعمال في ذلك الموضع الشريف، وأن تحذر كل الحذر من أن تقصد بعمرتك أعراض الدنيا الفانية، أو الرياء والسمعة، والمفاخرة بين الناس. وهنا تذكّر أن عليك سؤال أهل العلم عن ما يُشكل عليك من أمورٍ ومسائل حتى تكون على بصيرةٍ، وتكون عمرتك على الوجه الذي يرضي الله جل جلاله.
* يا من عزمت على السفر إلى بلد الله الحرام، اختر الرفقة الصالحة الطيبة التي تعينك على ذكر الله - جل وعلا -، وتُذكِّرك إذا نسيت، واحرص على صحبة أهل الطاعة والتقوى والصلاح، وطلبة العلم المتفقهين في الدين، وإياك وصحبة السفهاء و الفُسَّاق والأشرار.وأعلم أن مال العمرة لابد أن يكون حلالاً حتى يقبلها الله جل جلاله، فلا يدخل فيه مالٌ مسروق أو مغصوب، أو من مصدر حرامٍ كالربا أو الرشوة أو الغش ونحو ذلك.(1/469)
* يا من توجهت إلى بلد الله الحرام لإتمام مناسك العُمرة، لا تتجاوز الميقات الذي تمر به في طريقك إلى مكة المكرمة حتى تحرم منه إن كان سفرك براً أو بحراً، فإذا وصلت إلى الميقات فعليك التجرد من ثيابك والاغتسال كغُسل الجنابة، ثم تلبس قطعتين من القماش الذي لا مخيط فيه، أحدهما إزاراً يستر النصف الأسفل، والثاني رداء ًيستر النصف الأعلى كاملاً، والأفضل أن يكونا أبيضين للرجال؛ أما المرأة فلها أن تلبس ما شاءت من ثيابٍ، وأن تحذر التشبه بالرجال أو التبرج، وأن لا تُخصص للعمرة لوناً معيناً فإن ذلك غير وارد. أما إذا كان سفرك جواً فعليك أن تحرم إذا حاذيت الميقات الذي تمر به، ويفضل أن تلبس ثياب الإحرام قبل ذلك حتى إذا حاذيت الميقات نويت الإحرام في الحال بأن تقول: ((لبيك اللهم عمرةً))، فإنه لا يجوز تأخير الإحرام عن ذلك.
* يا من لبست ملابس الإحرام، لا تنس أن تتطيب عند الإحرام في رأسك ولحيتك لما جاء في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة (- رضي الله عنها -) أنها قالت: " كنت أُطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه حين يُحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت " (رواه البخاري، الحديث رقم 1539، ص 249). وأعلم جُزيت خيراً - أن لك أن تصلي ركعتين بنية سنة الوضوء، ثم تنوي الإحرام بالعمرة وتجهر بها قائلاً: " لبيك عمرةً " أو " لبيك اللهم عمرة ". أما النساء فلا يجهرن بها ولا بالتلبية.(1/470)
وهنا تذكر أن لك متى خفت من عائق يعوق إتمام نسكك أن تشترط عند الإحرام فتقول: ((إن حبسني حابسٌ فمحلي حيث حبستني)). وعند ذلك تُشرع لك البدء في التلبية المشروعة الثابتة فقد ورد عن ابن عمرٍ - رضي الله عنهما - أن تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والمُلك، لا شريك لك " (رواه البخاري، الحديث رقم 1549، ص 251). وارفع صوتك بها واكثر منها حتى تبدأ الطواف بالبيت الحرام، أما النساء فيلبين بصوتٍ منخفض.
* يا من أحرمت لله - تعالى - معتمراً تجنب جميع محظورات الإحرام؛ فلا تأخذ من شعرك أو أظفارك شيئاً ولا تتطيب بعد الإحرام في بدنك أو إحرامك، ولا تقتل الصيد، ولا تُغط رأسك بملاصق، ولا تقطع شجر الحرم ونباته الأخضر، ولا تلتقط لقطته إلا لتعريفها، ولا تباشر زوجك بشهوة سواءً كان ذلك باللمس أو التقبيل أو نحوهما، ولا تلبس المخيط سواءً كان ذلك قميصاً أو ثوباً أو سروالاً، أو عمامةً أو خفاً أو نحوها، ولا تلبس المرأة النقاب أو البرقع أو نحوهما؛ وعليها ألاَّ تلبس القُفازين في يديها لورود النهي عن ذلك؛ إلا أن عليها متى كانت بحضرة رجالٍ أجانب أن تُغطي وجهها بالخمار ونحوه. وأعلم أنه لا بأس (أخي المعتمر) بلبس النعلين والخاتم غير المذهب وسماعة الأذن والنظارة والساعة والحزام، ولا بأس بتغيير ملابس الإحرام وغسلها وتنظيفها، وغسل الرأس والبدن.(1/471)
* لا تنس (أخي المعتمر) أن عليك أن تبدأ الطواف من محاذاة الحجر الأسود الذي إن لم يتيسر لك استلامه فيكفيك التكبير مع الإشارة إليه باليد اليمنى لما ورد في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر (- رضي الله عنهما -) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما انتهى إلى البيت " استقبل الحجر فكبَّر " (رواه ابن خُزيمة، ج 4، الحديث رقم 2716، ص 214). ولا تُقبِّل يداك بعد الإشارة بهما إليه، وإياك ومزاحمة الناس أو إيذائهم بأي نوعٍ من الأذى القولي أو الفعلي. فإذا ما مررت بالحجر الأسود بعد ذلك فكبر فقط، وقبِّله إن استطعت دونما مزاحمةٍ لما في الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عمر، لا تؤذ الضعيف. إذا أردت استلام الحجر فإن خلا لك فاستلمه؛ وإلا فاستقبله وكبِّر " (رواه البيهقي في السُنن الكبرى، ج 5، الحديث رقم 9043، ص 80).(1/472)
* إذا بلغت الركن اليماني في طوافك وتيسّر لك استلامه فامسح عليه بيدك اليمنى ولا تُقبِّله، ولا تزاحم الناس عليه، فإن شق عليك استلامه فاتركه وامض في طوافك؛ ولا تُشر إليه، ولا تُكبِّر عند محاذاته. واعلم (بارك الله فيك) أنه ليس للطواف دعاءٌ مخصوص أو ذكرٌ معين؛ و أن ما يسمى بأدعية الطواف والسعي التي تنتشر بين أيدي كثيرٍ من الحجاج والمعتمرين ليست ثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن المشروع للمسلم في الطواف يتمثل في الإكثار من الذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم، إلاّ في ختام كل شوط بين الركن اليماني والحجر الأسود فيستحب أن يقول الطائف بالكعبة: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار)) لما ورد عن عبد الله بن السائب عن أبيه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ما بين الركن اليماني والحجر: " ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار " (رواه الحاكم، ج 2، الحديث رقم 3098، ص 3042). وهنا عليك أن تُراعي أنه لا ينبغي رفع الصوت بالدعاء حتى لا يكون هناك تشويش على بقية الطائفين والمصلين.
* لا تنس - أخي المعتمر أن مما يُشرع للرجال ((الاضطباع)) و ((الرَّمَل)) في الطواف فقط؛ فأما الاضطباع فهو أن يجعل الرجل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على الكتف الأيسر، وبذلك يكون كتفه الأيمن مكشوفاً حتى إذا فرغ من الطواف غطاه وأعاد الرداء إلى حالته الأولى. أما الرَّمَل فهو إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، ويكون ذلك في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف فقط إن تيسر له ذلك، لما ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: " سعى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشواطٍ، ومشى أربعةً في الحج والعمرة " (رواه البخاري، الحديث رقم 1604، ص 260).(1/473)
* لا تنس أن تصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم - عليه السلام - بعد فراغك من الطواف بالبيت سبعة أشواط لقوله - تعالى -: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} (البقرة: من الآية 125)؛ فإن لم يتيسر ذلك فصل في أي موضع من الحرم دون مزاحمةٍ أو مضايقةٍ للمصلين والطائفين، واعلم أنه يُسَنُ في هاتين الركعتين قراءة (سورة الكافرون) بعد الفاتحة في الأولى، و (سورة الإخلاص) بعد الفاتحة في الثانية.
* توجّه بعد ذلك إلى المسعى واصعد على الصفا تالياً قوله - تعالى -: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 158). ثم استقبل القبلة وارفع يديك حامداً الله - سبحانه وتعالى - وداعياً بما تشاء، ثم انزل من الصفا متوجهاً إلى المروة؛ فإذا بلغت العلم الأخضر فأسرع في سعيك بقدر ما تستطيع ولا تؤذ غيرك من الناس حتى تبلغ العلم الأخضر الثاني، ولا تنس أن هذا الإسراع في المشي بين العلمين الأخضرين مشروع للرجال فقط أما النساء فلا يشرع لهن لأنهن عورة، وإنما المشروع لهن المشي في السعي كله. ثم امش كالعادة إلى أن تصل إلى المروة فاصعد عليها واستقبل القبلة رافعاً يديك داعياً بما تشاء كما فعلت على الصفا. ثم انزل من المروة إلى الصفا ماشيا في موضع المشي، وساعياً في موضع السعي حتى تكمل سبعة أشواط، واعلم أن الذهاب من الصفا إلى المروة شوط، والرجوع من المروة إلى الصفا شوط آخر. ولك (أخي المعتمر) أن تردد في سعيك ما شئت من ذكر الله - سبحانه وتعالى -، والدعاء الصالح، وتلاوة القرآن الكريم دون التقيد بذكرٍ معينٍ أو دعاءٍ خاصٍ لكل شوط.(1/474)
* إذا أتممت سعيك سبعة أشواط فاحلق شعر رأسك أو قَصِّره على أن يعم التقصير شعر الرأس كله، ولا تكتف بأخذ بعض الشعر من يمين الرأس وشماله ووسطه فإن ذلك خطأ يقع فيه كثير من الناس، إذ إن الحلق أو التقصير يجب أن يكون شاملاً لجميع شعر الرأس. واعلم أن الحلق أفضل من التقصير لما ورد عن يحيى بن الحُصين عن جدته أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع " دعا للمحلِّقين ثلاثاً وللمقصرين مرة " (رواه مسلم، الحديث رقم 3150، ص 548). إلاّ أن يكون وقت الحج قريباً فإن التقصير أفضل. أما المرأة فتقص من كل ظفيرةٍ من ظفائرها قدر أنملة، وبذلك تكون ـ أخي المعتمر ـ قد أتممت عمرتك، ولك بعد ذلك أن تلبس ثيابك وأن تتطيب وأن تعود إلى ما كنت عليه قبل الإحرام.
* تذكّر أن عليك عدم تخطي الرقاب في الحرم، والحذر من إيذاء المصلين، فإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وإياك والنظر إلى النساء أو الصلاة بجوارهن فإن ذلك مما يجب على المسلم اجتنابه وبخاصة في بيت الله الحرام. وعليك أن تتلطف بمن حولك من إخوانك الحجاج والمعتمرين والمصلين أثناء الطواف والسعي وعند تقبيل الحجر الأسود فإن كثير من الناس قد يقع في المحظور ليأتي بسنةٍ من السنن - والعياذ بالله -.
* لا تُغلِق أبواب الحرم ومداخله وطرقاته بالصلاة فيها أو النوم أو الجلوس والافتراش، ولا تلوث الحرم بطعام أو شراب أو قذر؛ فإن ذلك من العبث وعدم تعظيم شعائر الله. واعلم أنه لا يجوز ـ كما أفتى بذلك كثيرٌ من أهل العلم ـ تعطيل الطواف بالجلوس حول الكعبة أو الصلاة قربها أو الوقوف عند الحجر الأسود، أو حِجر إسماعيل - عليه السلام -، أو أمام باب الكعبة، أو عند مقام إبراهيم - عليه السلام - ؛ وخاصةً عند الزحام لما في ذلك من الضرر بالمسلمين وإيذائهم. وأحذر من التمسح بجدران أو حِلق الكعبة أو ثوبها أو غير ذلك مما يفعله الجهلة بدين الله وشريعته السمحة.(1/475)
** وختاماً: لا تنس أن تحمد الله - تعالى -على توفيقه إياك لأداء هذه الشعيرة، وتيسيره لك إتمام أعمال العمرة، وعليك أن تحمده وأن تُكثر من شكره - سبحانه وتعالى - أن وفقك لزيارة المسجد الحرام والبيت العتيق، وأن تسأله القبول والإخلاص في القول والعمل. والله أسأل لنا ولك عمرةً مقبولةً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً كثيراً.
http://www.saaid.net المصدر:
-============
رسالة الطبيب في الحياة
لقد خلق الله البشر ولكل قدرته وطاقته ومواهبه، وخلق أرزاقهم ويسر لهم السبيل باختيار منهج وطريق حياتهم، وأرشدهم لاتخاذ السبل في كسب العيش والبحث عن الرزق..
والكل راضٍ بما قسمه الله له، ولقد حمل الإنسان الأمانة في عمارة هذه الأرض بعد أن استخلف فيها.
قال - تعالى -: (وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: 30].
وقال: (إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ والأَرْضِ والْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وأَشْفَقْنَ مِنْهَا وحَمَلَهَا الإنسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب: 72].
وإن هذه الأمانة والاستخلاف تزداد مسؤوليتها والحمل الملقى على صاحبها مع حجم الطاقة والقدرة وبقدر المواهب والعلم والمعرفة والمكانة التي يتمتع بها.
وإن رسالة الطبيب رسالة إنسانية بما فيها من رأفة ورحمة وشفقة، والعبء ثقيل والأمانة عظيمة ودوره وشأنه عظيم في هذه الحياة وذلك بسبب:
1- مكانته وقدرته ومواهبه وعلاقته الاجتماعية..(1/476)
2- طبيعة مهنته وتعامله مع أرواح وأنفس وأجساد البشر، وقوة وشدة تأثيره، لذا فمسؤوليته عظيمة، والأمانة ثقيلة، والدور الذي أنيط به جد مهم، فمن ثم عليه أن يقوم بواجبه بإحسان التعامل مع المريض والسعي لتخفيف الألم والحزن وشدة المرض عن الناس وأن يبذل جهده ويعمل بشكل دؤوب لتحقيق الصحة العامة والخدمة الإنسانية بشتى جوانبها والشفاء بإذن الله.
وتزيد هذه المسؤولية على الطبيب المسلم لأنه ينطلق من منظور ديني إسلامي ومراقبة ذاتية ومحاسبة مستمرة وارتباطه الكامل بالله - عز وجل - ولابد أن يتذكر كل طبيب أنه سيحاسَب عن هذه المسؤولية في يوم الحساب حينما يقف بين يدي رب الأرباب.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
رسالة وتوقيع ( تجنب النميمة )
شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي
يا أخي المسلم سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
يا أخي المسلم: يقول الله تعالى: ((ولا تطع كل حلافٍ مهين همازٍ مشاء بنميم)) وفي الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل الجنة نمّام].
يا أخي المسلم: النمّام هو الذي ينقل الكلام بين الناس وينقل كلام الغير إلى المقول فيه بهدف الإفساد بينهم، وحسبك بالنّمام خسة ورذيلة سقوطه وضغنه.
يا أخي المسلم: لا يجوز لك نقل ما رأيت أو ما تسمعه من أحوال وأقوال الناس، إلا إذا كان في حكاية أقوالهم وأفعالهم فائدة للمسلم، أو دفع معصية لله تعالى، ويجب على المسلم الذي تحمل إليه النميمة، أن لا يصدق من نم إليه، لأن النمام فاسق، وهو مردود الخبر، ويجب على المنقول إليه أن ينهى الناقل عن النميمة وينصحه ولا يسمع لقوله بل يقبح فعله ويبغضه في الله – تعالى فإنه بغيض عند الله والبغض في الله واجب وأن لا يظن بالمنقول عنه السوء لقوله تعالى: ((اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم)).(1/477)
يا أخي المسلم: إن السعاية والنميمة مهلكة وحالقة، تجمع الخصال الذميمة من الغيبة، وشؤم النميمة: التغرير بالنفوس والأموال في النوازل والأحوال، تسلب العزيز عزه وتحط الرفيع عن مكانته والسيد عن مرتبته فكم دم أراقه سعي ساع، وكم حريم استبيح بنميمة نمام وكم صفيين تباعدا، وكم متواصلين تقاطعا وكم من محبين افترقا، وكم من إلفين تهاجرا، وكم من زوجين تطالقا.
يا أخي المسلم: لقد كان لسلفنا مواقف صلبة تؤدب النمام ننقل لك بعضاً منها لتكون لك نبراساً تقتدي بها في تعاملك مع الساعين والنمامين: فهذا الصاحب بن عباد دفع إليه إنسان رقعة يحثه فيها على أخذ مال يتيم وكان مالاً كثيراً، فكتب إليه على ظهرها: النميمة قبيحة، وإن كانت صحيحة والميت رحمه الله واليتيم جبره الله والساعي، لعنه الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. وسعى رجل إلى بلال ابن أبي برده برجل وكان أمير البصرة فقال له انصرف حتى أكشف عليك، فكشف عنه فإذا هو ابن بغي، وكلم معاوية رضي الله عنه الأحنف بن قيس في شيء بلغه عنه فأنكره الأحنف، فقال له معاوية: بلّغني عنك الثقة، فقال له الأحنف: إن الثقة لا يبلغ مكروها. وكان الفضل بن سهل يبغض السعاية، فإذا أتاه ساعٍ يقول له: إن صدقتنا أبغضناك وإن كذبتنا عاقبناك وإن استقلتنا أقلناك. وكتب في جواب كتاب ساع يقول له: نحن نرى أن قبول السعاية شر من السعاية، لأن السعاية دلالة والقبول إجازة، وليس من دل على شيء وأخبر به كمن قبله وأجازه فاتقوا الساعي فإنه لو كان في سعايته صادقاً لكان في صدقه لئيماً، إذ لم يحفظ الحرمة ولم يستر العورة0
يا أخي المسلم: وقد ضرب الأقدمون أمثلة للنمام منها: من سعى بالنميمة حذره الغريب ومقته القريب، ومن ذلك قولهم: من أطاع الواشي ضيع الصديق0(1/478)
يا أخي المسلم: نقل عن المأمون أنه قال: النميمة لا تقرب مودة إلا أفسدتها، ولا عداوة إلا جددتها ولا جماعة إلا بددتها، ثم لا بد لمن عرف بها ونسب إليها أن يجتنب ويخاف من معرفته ولا يوثق بمكانه 0 انتهى كلامه، وقديماً قيل:
من نم في الناس لا تؤمن عقاربه *** على الصديق ولم تؤمن أفاعيله
كالسيل بالليل لا يدري به أحد***من أين جاء ولا من أين يأتيه
يا أخي المسلم: ومن الناس من يتلوّن ألواناً ويكون بوجهين ولسانين، فيأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر].
http://www.olamaalshareah.net المصدر:
============
سيف الدين قطز .. والرسالة الخالدة
شهد العالم الإسلامي عام 656هـ / 1258م كارثة تمثلت في هجمة مغولية شرسة على الجناح الشرقي من العالم الإسلامي؛ فأسقطوا الخلافة العباسية، وقتلوا الخليفة المستعصم بالله، وهدموا المنازل وحرقوا المساجد، وسفكوا الدماء حتى جرت في طرقات بغداد، وخربوا مكتبتها، وعمّ الخوف والهلع قلوب العباد، وتتابع سقوط مدن العراق والشام في يد المغول، وغدا العالم الإسلامي كله على شفا جرف هار، فلم يبق من معاقل القوى السياسية الإسلامية آنذاك سوى مصر.
معادن الرجال:(1/479)
وتُظهر الشدائدُ معادن الرجال، ففي بلاد الشام خشي كثير من أمراء بني أيوب عاقبة مقاومة المغول، فتملكهم اليأس والقنوط، ونادى بعضهم بالاستسلام، في حين توهم البعض الآخر إمكانية التحالف مع هؤلاء القوم، بدلاً من أن يستشعر عِظَم المصيبة؛ فأرسل الناصر يوسف صاحب دمشق ابنه إلى هولاكو يطلب منه المساعدة في استعادة مصر من يد المماليك، فقرر هولاكو إرسال قوة من عشرين ألف فارس إلى بلاد الشام، فما لبثت جحافل التتار أن اجتاحت المدن الشامية الواحدة تلو الأخرى حتى وصلوا إلى غزة. وعمّ الفزع والهلع قلوب المصريين من هول ما وصلهم من أنباء عن قوة المغول وبأسهم وتنكيلهم بالمسلمين، ففر كثير من التجار نحو المغرب والحجاز. ووسط هذه المهانة والخنوع والخضوع قيض الله لهذه الأمة سيفاً من سيوفه، ألا وهو سيف الدين قطز بن عبداللّه المعزي ثالث ملوك الترك المماليك بمصر والشام (حكم من 657 / 658هـ ـ 1259/1260م) كان مملوكاً للمعز أيبك وترقى إلى أن أصبح "أتابك" العساكر في دولة المنصور بن المعز.
وصول قطز إلى الحكم(1/480)
عقد قطز نائب السلطنة مجلساً بالقلعة للتشاور في أمر التهديدات المغولية، فأنكر على الملك الصبي "المنصور علي بن أيبك" سلوكه وانصرافه إلى حياة اللهو، بما لا يتناسب مع ما تجابهه الأمة من أخطار، فلمّا استشعر قطز موافقة الحاضرين واقتناعهم انتهز فرصة خروج الأمراء للصيد، وألقى القبض على المنصور وأمه وأخيه، وأمسك بزمام الأمر بنفسه، فجلس على عرش مصر في 24 ذي القعدة 657هـ 1259م، فلما رجع الأمراء أنكروا عليه فعلته، وخشي من غضبتهم، فحاول إقناعهم قائلاً: "إني ما قصدت إلاّ أن نجتمع على قتال التتار، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم أقيموا في السلطنة من شئتم"، وأخذ يرضي الأمراء حتى تمكن منهم واستتب له الأمر. ومقولته هذه تبين استراتيجيته وعزمه على الخروج لملاقاة هذا العدو منذ البداية، ولم يكن خروجه مجرد رد فعل.
رسل المغول:
ورد قطز دأب المغول على بث الرعب في قلوب أعدائهم، فأرسلوا بسفارة إلى مصر، تحمل رسالة يطلبون فيها الاستسلام ولم تخل من تهديد ووعيد وإهانة؛ فورد فيها: "سلموا لنا الأمر تسلموا، قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا، وقد سمعتم أننا أخربنا البلاد وقتلنا العباد، فكيف لكم الهرب، ولنا خلفكم الطلب؟ فما لكم من سيوفنا خلاص... عددنا كالرمال، فمن طلب حربنا ندم... فلا تهلكوا أنفسكم بأيديكم".(1/481)
فما كان من قطز إلاّ أن حبس الرسل واستشار الأمراء والعلماء، فأيد أكثرهم الحرب وعارض قليل منهم. وجد قطز أن بديل الحرب.. الاستسلام والخضوع والذل والمهانة، ففضل القتال، ففيه إحدى الحسنييّن: إما النصر والعزة والكرامة ورفع راية الإسلام، ومن ثَمّ إنقاذ العالم الإسلامي من براثن التتار، وإما الاستشهاد في حومة الوغى، وبعدها جنة ونعيم. فجاء رده على سفارة المغول أقوى وأبلغ، إذ مزق الرسالة وذبح حامليها على غير عادة المسلمين مع الرسل وعلقهم على باب زويلة؛ لا لشيءٍ إلاّ لشحذ الهمم وإزالة ما تركه النبأ من رعب وهلع في نفوس المسلمين، فوضع بذلك البلاد على طريق الحرب عند نقطة اللاعودة. فكان الاستعداد بهذه الطريقة البداية الحقيقية للنصر.
وقد يكون لأصول قطز دخل في هذا الموقف الصلب، إذ تروي بعض المصادر أنه ينتمي إلى البيت الخوارزمي، واسمه محمود بن ممدود، خاله السلطان جلال الدين خوارزم شاه الذي ضاع ملكه على يد المغول، وأن قطز كان ضمن أطفال خطفهم التتار وباعوهم في أسواق النخاسة، فاستقر به المقام في مصر، ضمن مماليك المعز أيبك.
ولكن مما لا شك فيه أن لأسلوب تربيته الأثر الأكبر في هذا الموقف، حيث حرص بنو أيوب على جلب عدد كبير من المماليك في سن صغيرة وتربيتهم تربية دينية وعسكرية خاصة، يحفظ فيها المملوك القرآن ويتلقى تعاليم الدين الحنيف، ويحاسب حساباً شديداً على تطبيقها، فإذا اشتد عوده تعلم ركوب الخيل وفنون الرماية والقتال، وتشرب حب الدين والجهاد، وتُعَدّ الفروسية والذكاء والإخلاص لولي الأمر أهم مقومات وصول المملوك إلى أعلى المناصب. وقد أفرزت هذه التربية رجالاً حموا حوزة الدين أمثال قطز وبيبرس، وجنوداً من أمثال أبطال عين جالوت، فعلام نربي أبناءنا الآن، وعلام يربي حكام المسلمين اليوم أبناءهم؟!
يا خيل الله.. اركبي(1/482)
اختار قطز الخروج لملاقاة العدو في بلاد الشام، خط الدفاع الأول عن مصر، فبدأ بتنظيم الجبهة الداخلية، بعزل كل من شك في ولائه وتعيين رجاله المقربين، وألقى القبض على معارضيه وأودعهم السجن، وحشد الجيوش من المماليك، ثم نادى منادي الجهاد في القاهرة وسائر الأقاليم. وبدأ في جمع الأموال اللازمة، ففرض ضرائب جديدة، لكنه لقي معارضة شديدة من العلماء، وفي مقدمتهم العز بن عبد السلام، الذي طالبه بجمع ما عند أمراء المماليك من ذهب وسكة عملة، حتى لا يبقى مع الواحد منهم سوى جواده وسلاحه، فإذا لم يكف جاز له أن يفرض ضريبة على الرعية، فامتثل قطز لهذا الرأي.
ولمّا وجد قطز تقاعساً من بعض الأمراء في الخروج لحرب المغول صاح فيهم: "يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال وأنتم للغزاة كارهون؟ أنا متوجه.. فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين"، فكان لكلماته كبير الأثر فاستجابوا جميعاً لنداء الجهاد.
وضع قطز على رأس مقدمة الجيش الظاهر بيبرس زعيم المماليك البحرية، نظراً لروحه العالية وتحمسه للجهاد، وخبرته ببلاد الشام، إضافة إلى كسب ود هذه الطائفة وإزالة ما بينه وبينها من خلاف. تقدم بيبرس بالمقدمة فهزم قوة صغيرة من المغول في غزة، وتبعه قطز ببقية الجيش، ارتعدت فرائص الصليبيين من قوة جيش مصر وعدده وعدته، فخرجوا إلى قطز يعرضون عليه المساعدة، فشكرهم وأخذ عليهم العهد أن يكونوا على الحياد لا له ولا عليه، وهددهم إذا نقضوا عهدهم بأن يقاتلهم قبل المغول، ومضى في طريقه شمالاً، ولم يكن الصليبيون آنذاك قوة يخشى بأسها.
عين جالوت(1/483)
وفي صباح يوم الجمعة 26 رمضان 658ه 3 سبتمبر 1260م التقى الجمعان عند عين جالوت، فبقي المسلمون في السهل، حيث دارت المعركة. ومنذ البداية حملت ميسرة المغول بكل شراسة على ميمنة المسلمين، فتشتت المسلمون وزلزلوا زلزالاً شديداً، وكادت المعركة تنتهي منذ بدايتها بكارثة للعالم، فترجل قطز من فوق فرسه وألقى خوذته في الأرض، وصاح بأعلى صوته مستنفراً همة المسلمين: "واإسلاماه"، فالتف حوله كل من سمع صيحته، وفي مقدمتهم بيبرس، وشنوا هجوماً مضاداً، فاختل توازن التتار، ومن حسن الطالع أن قائدهم كتبغا لقي حتفه في هذا الهجوم، فانسحب المغول شمالاً. أعاد المغول تنظيم صفوفهم عند بيسان، وتبعهم قطز بجيشه، فالتحم الفريقان مرة أخرى، وبعد طول قتال بين كر وفر أكد المسلمون نصرهم في النهاية، وتجرع المغول كأس الهزيمة لأول مرة في تاريخهم. عندئذ نزل قطز من فوق فرسه وخر ساجداً لله شاكراً في ميدان المعركة.
وفي أعقاب عين جالوت قام جيش المماليك بقيادة قطز وبيبرس بتطهير سريع لبلاد الشام، فاسترد دمشق وحلب، وفرت فلول المغول من بلاد الشام، ودان من تبقى من أمراء البيت الأيوبي لدولة المماليك، وتعهدوا بدفع الخراج، والدعاء لقطز على المنابر.
ولم تكن معركة عين جالوت نهاية المطاف، ولكنها كانت بداية لهزائم أخرى تجرعها المغول على يد بيبرس، لكن ترجع أهمية عين جالوت إلى أنها وضعت حداً لهجمات المغول الكاسحة التي أتت على الأخضر واليابس، فأنقذت العالم الإسلامي من الفناء، تحت أقدام هذه القوة الغاشمة، وكسرت شوكتهم وبدلت استراتيجيتهم الهجومية، فاتخذت غزواتهم بعد ذلك شكل غارات متقطعة، سرعان ما تنتهي بالانسحاب عندما تخرج لهم جيوش مصر. وأذنت عين جالوت بتغيير موازين القوى السياسية والعسكرية في المنطقة؛ حيث أفل نجم الدولة العباسية، وسقطت التيجان الأيوبية، وسما نجم المماليك.
المشهد الأخير من حياة البطل(1/484)
وفي طريق العودة إلى القاهرة شاءت الأقدار أن يسدل الستار على حياة بطل عين جالوت بشكل مأساوي، حارت في تفسيره أقلام المؤرخين، إذ دبرت بليل مؤامرة أمراء المماليك البحرية بقيادة بيبرس، للتخلص من البطل المغوار قطز زعيم المماليك المعزية، خوفاً من أن يتخلص هو منهم، كما تخلص من أستاذهم أقطاي من قبل، وهذا هو التفسير الأقرب لطبائع المماليك. وبعيداً عن الخوض في أسباب هذا الحادث الذي أدمى القلوب، فقد رحل قطز، تاركاً رسالة واضحة لمن جاء بعده من حكام المسلمين، مفادها: أن مكانة القادة في قلوب الرعية وصفحات التاريخ لا تقاس بالأعمار الطويلة أو الأزمان المديدة، وإنما تقاس بالأعمال المجيدة. فقطز الذي لم يدم ملكه أكثر من عام واحد حاز مكانة في قلوب المسلمين لم يبلغها إلاّ القلائل من الرجال.
رد قطز على رسل المغول جاء قوياً حيث مزق الرسالة وقتل حامليها حتى لا يترك فرصة للتراجع والاستسلام
كاد المسلمون أن يهزموا في بداية المعركة
لولا صيحة قطز الخالدة "واإسلاماه"
مكانة القادة في صفحات التاريخ لا تقاس بالأعمار الطويلة بل بالأعمال المميزة
-----------------
المراجع:
(1) ابن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور (القاهرة، 1975).
(2) سعيد عبد الفتاح عاشور، مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك (دار النهضة العربية، بيروت، د. ت).
(3) أحمد تمام، حدث في العام الهجري (قطز قهر المغول وطعنه الرفاق).
(4) عماد حسين، مجاهيل ومشاهير قطز..الصائح:واإسلاماه
http://www.almujtamaamag.com المصدر:
=============
رسالة إلى الشرفاء خلف الأسوار
د. جمال نصار
أحبتي الكرام .. أكتب إليكم بعد أن قضيت معكم أفضل الأوقات في الحب والترابط والتعاون، وحُسن الصلة بالله، سائلاً المولى عز وجل أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعل هذه الأوقات في ميزان حسناتكم يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.(1/485)
أحبتي.. يعلم الله مدى شوقي لرؤياكم الطيبة العزيزة على نفسي، ولكن حسبي أن القلوب تتواصل، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، وأرجو من الله العلي القدير أن يرفع هذا الظلم البيّن الواقع عليكم، وعلى كل الشرفاء من أبناء هذا الوطن العزيز.
وأنتم تعلمون أن طريق الدعوات لابد فيه من الابتلاءات والمحن، وبفضل الله - تبارك وتعالى- ثم بفضل ترابطكم وأخوتكم تكون منحة إن شاء الله كما قال ابن عطاء الله السكندري: "ربما كمنت المنن في المحن والمحن في المنن".
فالغاية النبيلة التي نسعى إليها جميعًا، وهي التمكين لشرع الله في الأرض حتى يسود العدل وتعم الحرية، تتطلب منها كثيرًا من التضحيات والعمل المتواصل، فإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل، أو نرضى بالهوان، أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، ولا يغيب عنا ما عاناه الصحب الكرام رضوان الله عليهم في سبيل نشر الخير في ربوع الأرض حتى وصل إلينا ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين (139) إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس(آل عمران).
أحبتي في الله إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها.
أحبتي الكرام: أريد أن أؤكد معنيين مهمين فيما أنتم فيه:
الأول: توثيق عُرى الأخوة والترابط، حتى يرتفع صرح الحب الشامخ بيننا، وتسمو النفوس وتعلو فتظل حائمة حول العرش لا تدنسها أوحال الأرض، هذه الأخوة التي ترتبط فيها القلوب والأرواح برباط العقيدة، والأخ الصادق أحبتي يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه، لأنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره.(1/486)
وكان أحد الصالحين يقول: "لقاء إخواني أحب إليّ من لقاء أهلي، فأهلي يذكرونني بالدنيا وإخواني يذكرونني بالآخرة".
الثاني: التواصي بالحق والصبر، فليس أمام دعاة الحق إلا أن يعتصموا باليقين ويتسلحوا بالصبر في وجه الظلم الواقع عليهم، والصبر هنا كما قال الإمام علي كرم الله وجهه "سيف لا ينبو، ومطية لا تكبو، وضياء لا يخبو"، وللصبر مظاهر متعددة منها:
1 - الصبر بالله، وهو الاستعانة به في التصبر، فهو المعين على ذلك.
2 - صبر لله، وهو الباعث على الصبر والتقرب إليه به، لا للرياء ولإظهار التصبر للخلق.
3 - صبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله منه، وهو صبر الصديقين.
وكما قال الإمام الغزالي "الصبر لله غناء، والصبر بالله بقاء، والصبر مع الله وفاء، والصبر عن الله جفاء".
أحبائي الكرام.. أرجو من الله- تبارك وتعالى -أن نسعد برؤيتكم قريبًا في العافية والحرية، ونأنس بصحبتكم ويقولون متى" هو قل عسى" أن يكون قريبا
ولرب نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعًا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج
( اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) 200(آل عمران) .
http://www.almujtamaamag.com المصدر:
===========
رسالة مقترحة لمن بين إخوانه وأخواته مشكلات
علي بن صالح الجبر البطيح
إلى الأخ العزيز أو الأخت العزيزة/ - حفظه الله - تعالى -...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أكتب إليك هذه الرسالة والتي خرجت من صميم القلب للأسباب التالية:
1 محبتك لأنك أخي الغالي والعزيز والحبيب.
2 لأن الله - تعالى -أوجب النصيحة فيما بيننا.
3 لعلمي أنك تفهم جيداً، ولا يقفز إلى ذهنك أيّ تفسير آخر.
4 لم أكتب إليك بأيّ ضغط من أيّ جهة أخرى وإنما ما أملاه عليّ ضميري فقط.
5 ما لاحظته من تباعد العلاقة بين الإخوة والأخوات في الآونة الأخيرة وبشكل ملحوظ.(1/487)
6- مما أثّر على والديّ وأرى ذلك في عينيهما وصحّتهما.
7 التناقضات في علاقات إخواني وأخواتي والتي لا يجد الجيل الجديد من أطفالنا تفسيراً لها.
8 اطّلاع بنات الناس (زوجاتنا) وبعض أبناء الناس (أزواج أخواتي) على ما يظهر لهم مما خفي من أحوالنا.
9 تطاول بعض إخواني وأخواتي على بعض بعبارات لاذعة بقصد أو بغير قصد أمام الجميع.
10 إخبار الوالدين بكل ما يحدث وإيغار صدريهما نحو الطرف الآخر، مما لا يجد له الوالدان متنّفساً غير الدموع.
11 حيرتي في ما يرد من أولادي الكبار الناضجين مما لا أجد له تفسيراً أحياناً كثيرة.
الرسالة: لعلك فهمت جزءاً منها (هل يعجبك ما عليه إخوانك وأخواتك؟؟ ) قد تقول: لا، لكن ما الحل؟
الحل بيدك.كيف؟ المطلوب منك ما يلي:
1 لا تتحدث مع الوالدين عن أيّ شيء يجري بينك وبين أحد من إخوانك أو أخواتك، ولعلك تعرف من بينك وبينه خصومة، حتى وإن طال العهد بها.
2 إذا حدثت مشكلة بينك وبين أحد من إخوانك فلتعالجها سرّاً في منزله بعيداً عن الأطفال، لأنه سُمع - إذا حدث ذلك فعلاً - عن أحد الأطفال يناجي طفلاً آخر يقول: خالي لا يحبّ أمي.. إلى آخر تلك العبارات البريئة.
3 إذا أحد مسّ أيّ أحد من إخوانك أو أخواتك بسوء فردّ عليه مباشرة وصحح خطأه ولا تدع له فرصة للتطاول.
4 إذا حدّثك أحد الأطفال عن أحد أعمامه أو أخواله فافرح بحديثه، وأظهر حبّك أمامه للطرف الآخر، حتى وإن كان بينك وبينه ما يكون بين الإخوان والأخوات من خصومات، والبيوت لا تخلو من المشاكل.
5 اتصل دائماً عبر الثابت والجوال ولو بالشهر مرّة، إن لم تتم الزيارة لمنزله أو لمنزلها.
6 ودّع المواقف القديمة من غير رجعة احتساباً لله - تعالى - لأنك مأجور بذلك حتى وإن كنت صاحب حق.(1/488)
7 صحيح أن الإنسان أحياناً يتملكه الغضب فينسى نفسه، لكن عليه أن يتذكّر أنه جنى على جيل من الأطفال الذين يلحظون ما تزلّ به الألسن وتبقى في ذاكرتهم، فاتق الله - تعالى - فينا وفي أطفالنا لأننا أسرة واحدة ولا فرق في المشكلة أكانت معي أم مع غيري، فالمشكلة مع أحد إخواني أو أخواتي أعتبرها معي، لأننا لحمة واحدة لا تنفصل.
8 أعرف أسراً ليسوا على قلب واحد من المشكلات التي تدور بينهم، ولكنهم مع ذلك لا ينقطعون بل في كل ليلة خميس يجتمعون، وكأن شيئاً لم يحدث، وأطفالهم ينعمون بالأمان في رحابهم، فعلى أقل تقدير لنكن مثلهم.
9 أنا لا أحاسبك وليس لي ذلك، ولكن أقول من عندك يبدأ التغيير، ولا تظن أنك المخاطب وحدك، بل خاطبت غيرك ممن بينهم وبين غيرهم سوء تفاهم عفا عليها الزمن، وهو مشروع إصلاح بدأت به اليوم معك، وكلي أمل أن تجد كلماتي وقعاً في قلبك.
10 فكّر جيّداً بكلامي واقرأه مرة ومرتين وثلاثاً حيث لا يراك أحد وإذا انتهيت مزّق الرسالة إلا من قلبك.
11 سارع بعد قراءة الرسالة إرغاماً للشيطان بالاتصال والاعتذار على من بدر بينك وبينه شيء.. فهو أخوك / أو هي أختك.
12 لو افترضنا صدود الطرف الآخر عنك حتى بعد اعتذارك، هل يعني هذا أننا نبادله بالمثل ونجعل الناس يستشرفون قضايانا، كلا بل يتوجب علينا الصبر حتى يملّ الصبر من صبرنا، وهذا من الابتلاء فأشد بلاءً الأنبياء فالأمثل فالأمثل بيتلى المرء على قدر دينه قال - تعالى - (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله يحب الصابرين) وما يدريك ربما: إذا لمس منك الطرف الآخر صدق المصالحة سارع إليها قبلك، واصبر على ما يبدر منه من جفاء وسوء ظن فأنت الكسبان بدءاً ونهاية، تحياتي لك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
http://www.saaid.net المصدر:
===========
رسالة إلى المعلم
إبراهيم بن مبارك بوبشيت(1/489)
الحمد له الذي رفع شأن العلم والعلماء فقال: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). الحمد لله الذي جعل في الناس بقية تدل على الخير وترشد إليه.
وأشهدُ ألا إله إلا الله شهادة تنجي صاحبها من المهلكات، وتوصله إلى أعلى الدرجات وتبوئه الجنات
يا رب حمداً ليس غيرك يحمدُ *** يا من له كلُّ الخلائقِ تصمدُ
أبوابُ كلِّ ملك ٍقد أُ وصِدَت *** ورأيتُ بابك واسعاً لا يُوصدُ
وأشهدُ أن محمدا ًعبده ورسوله صلى الله عليه وسلم خير الأنام ومعلم الإنس والجان والمرسل إليهم بأكمل بيان
صلّى عَليك اللهُ يا علم الهدى *** واستبشرت بقدومك الأيام
هتفت لك الأرواحُ من أشواقها *** وازَّيَّنت بحديثك الأقلامُ
ورضي الله عن آله الكرام وأصحابه مصابيح الدجى في الظلام ومن تبعهم بإحسانٍ بلا توانٍ وإمهال.
أما بعد:
أيها المسلم:
فهذه رسالة من طالب أُرسلها.
فعلى ماذا تدور؟ وعن ماذا تتحدث؟ ولمن وجهت إليه يا ترى؟؟؟ ؛؛؛
فهل هي من رسائل الحب والغرام التي بدأت تعج بها الساحة؟ أم رسالة تطلب مصلحة من مصالح الدنيا؟، فإذا بالجواب يقول: لا.
أم هي رسالة من ولدٍ لوالده؟، أم موجهة لمسؤول؟ فإذا بالجواب: لا.
إذن ما هو خبرها؟ وما سبب إرسالها؟.
وإذ بالرسالة قد خرجت من قلب هذا الطالب إلى من كان سبباً في سعادته الحقيقية بعد الله تعالى بنماء عقله وتفتح ذهنه وزيادة علمه. رسالة إلى من عايش معه شطراً َمن حياته، فاقتبس فيها هدياً من هديه وسمتاً من سمته واقتفى أثراً من أثره، رسالة لمن كان سبباً بعد اللهً في علمه وتعلمه، من كان يمضي معه ما يقرب من ست(6) ساعات فلا تفارق عينه عينه ولاهيئته خياله.......
أو تراك قد عرفت المرسل إليه؟ إنها رسالة من طالبٍ قد تخرََّج وأنهى مرحلة التعليم وانتقل إلى مرحلة أخرى، أرسلها وفاءً وشكراً إلى ذلك المعلم الكريم المبارك. الذي طالما سكب دم روحه من أجل تعليمه حيث قال كاتبها...
(بسم الله الرحمن الرحيم)(1/490)
أستاذي الكريم ومعلمي الفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد: فهذه رسالة من قلبٍ طالما غرست فيه بعض غراسك وزرعت فيه بعض زرعك، فرويته بمعالم فضلك ووهبته جميل هباتك
أستا ذي ومعلمي: كم كنتُ أغبطك على هذه المهنة العظيمة ذات الشرف في الدنيا والآخرة، كيف لا وهي مهنة الأنبياء وطريق المرسلين، ولقد كنتُ أتأمل قوله تعالى (هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون). فقلتُ في نفسي هنيئاً لك هذا الفضل.
فإذا جاء الناس يوم القيامة بالشاة والبعير والعمارات والعقارات والأموال والمراكب الفارهة التي جمعوها في الدنيا جئت أنت تحمل معك البقرة وآل عمران وأُناساً اهتدوا بهديك وتعلموا من علمك ونهلوا من فضلك قد نورت بصائرهم ونفيت عنهم الجهالات وأبعدتهم عن الفضلات. فكم حاربت إبليس وأبعدت طلابك عن التلبيس وخشيت عليهم من أن يكونوا مفاليس وبشراك
بشراك بحديث رسولك ومصطفاك، حيث قال: (إن الله وملائكته، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر، ليصلون على معلم الناس الخير). رواه الطبراني في الكبير والضياء عن أبي أُمامة وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وأحسبك أنك منهم إن شاء الله تعالى بصدق نيتك وإخلاصك لله تعالى.(1/491)
معلمي الفاضل: إنك من المجاهدين بكل حقٍ وحقيقة فأنت على ثغرة من ثغور المسلمين فلئن كان المجاهد في ثغور البلاد يحميها من تسلط العابثين، ودخول المعتدين الذين يُزعِزعون أمنها ويولدون الرعب لها فأنت من أعظم المجاهدين فمن يحمي العقول من عبث العابثين ولوث العلمانيين وتحريف الغالين وينفي شُبه الزائغين..... إنه أنت يا أستاذي الكريم فالقرآن أمامك والتوحيد سلاحك والتفسير بيانك والفقه إمامك والتاريخ سندك والجغرافيا دليلك و الإنجليزي رموزك وألغازك وأساس كشف أسرار أعدائك و الجلوجيا وعلم الأرض فهما مجال تطبيق علمك والرياضة قوتك ونشاطك والمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. والفيزياء والكيمياء هما مصدر الابتكار والاختراع من أجل القوة والغلبة ولا أنسى الرياضيات منمية العقول و الفهوم والإدراك إذ لا حراك إلا بوقود وهي وقودٌ للعقول العاملة والأفهام الثاقبة وقبل الختام فالحاسوب هو جهاز التكنولوجيا والذي أصبحت ترى العالم كله من خلاله وتخاطب من شئت بواسطته......
أيها المجاهد: استمع لكتاب الله تعالى وهو يخبر عنك(ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبير).
أستاذي الكريم معلمي الفاضل:
لإن افتخر المهندس برونق إنشائه وجمال إبداعه. وبرز الطبيب بفرط ذكائه وخفة أدائه لأعماله وارتفاع صيته وشهرته وازدحم الناس على عيادته، وظهر المخترع والمبتكر بجمال ابتكاره وذاع صيته في كل أرجاء بلاده،(1/492)
فلا أنسى ذخيرتك العظمى التي تدر عليك الحسنات مدراراً وتسجلها في ميزانك بلا عدٍ ولاحسبان، ذلك العالم الرباني وطالب العلم الهمام الذي قصد المصادر الربانية و المنح الإلهيه فحفظها وقام للناس موجهاً وللجهال معلماً وللمتعلمين معضداً فقام بالحق وبه يعدل. وذاك الشاعر الفصيح، واللغوي الرصين الذي نافح برصانة كلماته عن الإسلام وأثار حماس أهل الجهاد فكان بحقٍ حسانَ عصره وعليَ زمانه ومهما أطلعنا الفلكي على بعض اكتشافاته وعظيم استنتاجاته ومهما اعتلى الطيار في السماء، أو أجاد السباحة في الهواء والفضاء وتما يل بطيارته كتمايل طير الحمام بفرح الخروج مع ضوء النهار وبالغدو والإبكار. وذالكم القائد العسكري الذي أخذ العهد على نفسه بحما ية دينه ومليكه ووطنه سواء ً كان في البر أو البحر أو الجو.....
فيا استاذي: حُقًّ لك أن تفخر فهؤلاء ِكلهم وغيرهم كثير ٌو كثير بعض نتاجك (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون). فلئن تقاعد أي موظف عن عمله وانقطعت عنه تبعاته ونسي متطلباته واندثرت في الغالب بعض صلاته... فلا تنقطع صلاتك ولا تنتهي سنوات خدمتك فالكل لاينسى فضلك وإبداعك، فأنت مربي الأجيال لتعمر الديار وينتشر الأمان بسبب انتشار العلم وسعة الفهم وقوة البيان.....
أستاذي الكريم:(1/493)
طالما طاردتُ الذكريات كلما تجاوزت مرحلة من المراحل لا تنسى فقد عشت معك سنوات الابتدائية الجميلة وغمرتني فيها بعطفك وحنانك وحظك لي على التعلم وأنت تكرر أول ما أرسل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ بسم ربك الذي خلق () خلق الإنسان من علق *اقرأ وربك الأكرم*الذي علم بالقلم *). فنميت في قلبي حب التعليم وغرست فيه البر والمثابرة، ولما انتقلتُ إلى المتوسطة كانت وسطاً لحياتي فحظيتُ بالتوجيه، خصوصاً أني في مستقبل فتوتي وشبابي ولما انتقلت إلى الثانوية عرفتُ أن الحياة بلا علم ثانوية، فتعلمتُ منك أنها بداية الانطلاق والاختراع وأنها بلا إبداع تصبح عذاباً ولما انتقلتُ إلى الجامعة حظيتُ منك بكل معلومة جامعة بل ومانعة فبارك الله في علمك يا أستاذي وكساك الله حلل الكرامة........
فأنت يا معلمي:
زاد الطريق في ظمأ العلم وفشو مرض الجهل وسياج الأمان في كثرة السباع وسوء الأفهام و الحصن الحصين بإذن رب العالمين عند انتشار الشياطين، فالعلماء كواكبُ في السماء، فهم ورثة الأنبياء وسادة الشهداء تستغفر لهم حيتان الماء، وطيورالسماء، وتدعو لهم النملة وتستغفر لهم النحلة......
هذا هو العلم لاطينٌ ولاحجرٌ *** ولاخيلٌ ولاعيسٌ ولابقرٌ
هو النجاةُ هو الرضوانُ فاحض به *** وما سوى العلم ِلاعينٌ ولاأثرُ
فيا أستاذي الكريم:
يا من حملت راية العلم سنين وسنين حُقَّ لك هذا الوسامُ من الملك العلام (ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً).
أستاذي ومعلمي:(1/494)
يا من أكن له خالص شوقي واحترامي ولذلك خط له بناني، لقد راجعتُ سجل الذكريات على مر المراحل والأعوام في تلك الليالي المظلمات فحظيت ببعض الأمور التي هي والله لسعي طالب الكمال لا لتلمس العيوب في الحديث والمقال وتصيد الأخطاء التي قد مضى بها غابر الزمان. فيا ستاذي الكريم: لم أنسَ ذلك الأسلوب الجميل الذي تعوّدناه منك ألا وهو: رحم الله امراً أهدى إليّ عيوبي وطالما كُنتَ تُشنّف آذاننا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم عن أبي رُقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قال لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم).
فإذا كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنصح لعامة المسلمين فكيف بمعلميها وناصحيها فلا تنسَ يا أستاذي أن أسرتي أسلمت لك مضغتها ودما ًمن دمها فاتقِ الله فيها صنها بالخوف من الله وعلمها مراقبته فبأخلاقك تتخلق وبسمتك تتسم
أُستاذي ومعلمي: لقد رأيتُ أن القدوة فيك في بعض الأحيان تنخرم والله يقول (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا). فأنت من أعظم الأئمة فأتعجب من أن قولك في بعض الأحيان لا يوافق الصواب فالكذب تنطقُ به والسب والشتم والاحتقار والاستهزاء صفة تتراوح عندك كتراوح الحر والبرد لقد تعجبتُ من أفعالك التي تنمي لتناقضك فتحثنا على استغلال الوقت وتنظيمه والعناية به وعدم إهداره ولقد تناقلت. الأخبار عنك من مصادرنا الموثوقة أنك صاحبُ سهر ووقت يقضى في الملاهي حتى أصبحنا نرى قلبك لاهياً. فلا تظن أُستاذي أني نسيت جميل نسائم نصحك ولكني خشيت عليك من قول ربنا سبحانه (يا أيها الذين ءامنوا لما تقولون ما لا تفعلون).(1/495)
أنسيت ونحن و في سنين الابتدائية وأنت تعلمونا أركان الإسلام ومن ذلك الصلوات الخمس وكنت تحظنا عليها فتعجبتُ منك أنك تنقصها فلقد أخبرني والدي وبعض زملائك أن لا تشهد صلاة الفجر جما عة في المسجد على جهة الاستمرار والعصر في بعض الأحيان.
بل لقد لمستُ ذلك وأنت تشرحُ لنا حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم: أثقل الصلاة على المنافقين: (ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعصر) الذي رواه البخاري عن أبي هريرة فمررت عليه مرور اللئام فلم تعطِه حقه ولم تبين فضله.
أستاذي: لقد تذكرتُ حديث سنن الفطرة، ذلك الحديث العظيم الذي ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عشرٌ من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية و السواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البرامج ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء) يعني الاستنجاء قال الراوي نسيتُ العاشرة إلا أن تكون المضمضة، فتعجبتُ منك يا أستاذي أنك أعطيتها حقها ووفيتها شرحها فبارك الله في فيك وعلمك، ولكن لفت نظري وأبعد وسني أنك لم تعطِ أحد ألفاظ الحديث حقه ألا وهو ـ إعفاء اللحيةـ فلا تظن أني كلما رأيتها وقد أخذتها الشياطين أو احتوشتها الوحوش فأخذت من أطرافها فما بقي إلا الأصول فنسأل الله بقاء الأصول
وأنقلُ لك يا أستاذي كلاماً نفيساً لعالمٍ نفيس ألا وهو العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ قال في كلامه الثمين [وأما إعفاء اللحية وهو عدم التعرض لها بقصٍ أو حلقٍ أونتفٍ فلأن الله خلقها تميزاً بين الذكور والإناث وإظهاراً للرجولة والقوة ثم قال رحمه الله تعالى: فحلق اللحية حرام لأنه خروج عن الفطرة ومخالفة للرسل وأتباعهم وموافقة للمشركين وتغير لخلق الله تعالى بلا إذنٍ منه وليس إبقاء اللحية من الأمور العادية كما يظنه بعض الناس وإنما هو من الأمور التعبدية..... ثم قال ومن أعفاها من المشركين فإنه هو المتشبه بنا وليس نحن المتشبهين به.(1/496)
أستاذي الكريم:
كم كان تعجبني هيئتك وجمال ملبسك الذي طغى على جمال درسك وتوصيل علمك فلقد آثارني حرصك العظيم على ملابسك وتجددها كل حين ولم أرَ تجدد وسائلك التعليمية أثناء الشرح.
بل يؤلمني أني أرى مادة جافة إنما هي نقل للمعلومات من الكتاب وما دام الحال هذا فلماذا لا تسجل المادة ونسمعها نحن وجميع الطلاب فكم كنت أتمنى أن أسمع سبب نزول هذه الآية والقصة التي فيها دون أن تكون مقررة في المنهج مستفيدين من المنهج العلمي الرائع الذي ابتكر لنا لأن الأجهزة الحديثة لها الأثر البالغ كما تعلم ولا يخفى عليّ أنها ليست في المنهج المقرر........
أستاذي وينبوع فؤادي: ـ
كم كنتُ أتمنى أن أرى مادة الجغرافيا مليئة بالإيمان إذا تحدثت عن الجبال وعظمتها والسماء وعظيم اتساعها والأرض وجميل إبداعها. فالسماء انشقت والجبال تفجرت وأخرجت الماء، والأرض انشقت ومُدت وألقت ما فيها وتخلت فربطت بين السحاب بالإيمان فهطل المطر، وحدث التبخر وكم هي تلك الظواهر الجغرافية التي تحتاج لربط بالقرآن و السنة ولكن عدم حرصك هو الذي جعل هذه المادة قائمة على الجمود.
ولا أنسى التاريخ يا أستاذي.....
فتعجبتُ من شرحك في مادة التاريخ حيث إنه لا يعدو المنهج المقرر و ذلك لأنك لا تعلم إلا ما يختص بمنهجك فقط دون أن يكون لديك علمٌ بأمور كثيرة عن التاريخ أَوَ نسيت ذلك اليوم الذي كنت تشرح فيه عن فتح مكة؟ ولما سألتك من خلف الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينه؟ قلت: لا يسأل أحدٌ خارج الدرس.......
أستاذي العزيز: ـ
اللغة العربية هي لغة القرآن الذي هو كلام الرحمن الذي أنزله الله: (بلسانٍ عربيٍ مبين). فما سببُ ضعفي وضعف غيري؟ إن من أسباب ذلك عدم كلامك الكلام العربي وسلاسة لسانك.(1/497)
وأنا أعلم: أن من اللحن لا يصلحه سيبويه ولا يقيمه نفطويه، واسمع معي هذه الحكاية: كان جعفر البرمكي عند الرشيد كالمأمور فلما رفع المجرور ترك رأسه في البلاط يدور. وهذا أبو جعفر المنصور: لما رأى أبا مسلم يضم المكسور جعل سيفه في صدره كالضمير المستور...
فيا أستاذي: ـ لحن القول أهون من لحن الفعل فعظم النحو لأحبابي كفى بالنقص الذي وقع لي ولزملائي....
أستاذي وطريق وصولي......
لا أنسى الجلوجيا مادة العلم الجميل والخلق الفسيح فكم فيها من إعجاز الله تعالى فبين علم الأرض وما فيها من جبال راسيات وسهول وأنهار جاريات وكذلك أختها الأحياء وبها تعرف كيف كانت الحياة من معرفة علم الأجنة والنطف ومراحل التكوين لهذا الإنسان ساعة والأنسجة ساعة ولكن ذهبت بسبب عدم الإتيان بآيات التدبر والتفكر (فلينظر الإنسان مم خلق () خلق من ماءٍ دافق() يخرج من بين الصلب والترائب). الفيزياء والكيمياء مادة التصنيع والابتكار ذهبتا بعدم الحظ على الاختراع والابتكار، بل إن من المؤسف أن تردد دائماً أنه لا يوجد إمكانيات إن هذا لا يقوله صاحب همة وعزم ـوإذا لم يوجد الماء أجزأ التيمم وإذا لم يوجد صلى على أي حالٍ كان وما أجمل الرياضة لولا أن بعدها الرياضيات وبينهما تناقض في العبارات فصارت الرياضيات لا تعتمد على الفهم والاستيعاب.
فيا أستاذي الكريم:
كرر الدرس فالحظوُ بمسألة واحدة أفضل من ذهاب المسائل في خب كان فيصبح الخبر بلا مبتدأ.
وأما الرياضة فإنها حصة النشاط والحيوية فقد انتكس فيها الهدف فأصبحت تركز فيها على الأبدان وتركت العقول فأصبحت لا تتكلف شيئاً إنما هو رمي هذه الكرة جلدة السوء فقط دون بث روح النشاط في القلب والروح.(1/498)
فيا أستاذي لماذا لا تذكرُ لنا سيرة سلمة بن الأكوع في غزوة ذي قرد وكيف كان يسابق الخيل ويده مثل خف البعيربدل سيرة الرياضيين الكفرة وتذكر لنا سيرة خالد وكيف كان في الجهاد دون ذكر المصارعين العرايا وما أجمل الإتيان لنا في بعض الأحيان بسيرة الرسول وكيف كان يسابق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بدل الجريدة الرياضية في كل حين إذ في سيرته كل أخبار الرياضة وكم كنت أتمنى أستاذي أن تكون حصة الرياضة المليئة بالأنس والراحة فيها الحظ على اللباس الشرعي والبعد عن اللفظ القبيح والمنطق الذميم....
و لا أنساك أنت نعم أنت...
يا من نقلت معارفي و ربطت إحساسي و مشاعري بجهاز يعتبر حبلاً موصولاً بالعلم
فيا أستاذي معلم الحاسب الآلي أنت المعني بالخطاب فلا تحد عن اتباع الصواب فإنه من أخلاق أولي الألباب فكم أتأمل تلك الأساليب و نحن في معمل الحاسب و أنت توجهنا بالهدوء في التعامل مع هذا الجهاز و الحذر من الخطأ و لو كان صغيراً فإن تأثيره عظيمٌ و أخذت أقلب صفحات قلبي و مكنون فؤادي.
فقلت: يا أستاذي تعجبت من الخبر الذي قال لي: إنك ليس عندك جهاز في البيت؟!!
و ذكرتني كلمتك بالتعامل بدقة مع الجهاز وتأثير الخطأ و إن كان صغيراً فقلت: أين نحن عن تأثير الذنوب التي تطمس على القلوب فلا تعقل الخير و لا تبصر الصواب و الله يقول ((و ذروا ظاهر الإثم و باطنه)).
و ما أجمل أن أرى منك يا أستاذي حثاً لزملائي و توجيههم بتسخير هذا الجهاز للخير خصوصاً وأني أراهم يسألونك عن بعض المواقع الإباحية و كيفية فك الحماية عن هذه المواقع و لم أرَ منك تمعّراً في الوجه لهذه الأسئلة المحزنة و لم أرَ منك نصحاً و إرشاداً لهم و حثاً على تصفح المواقع الإسلامية التي تحتوي على خطب و محاضرات و دروس مفيدة.(1/499)
و لعلي أطلت عليك و لكن لا ألام فالكمبيوتر صاحب العقل المدبر عند الكثير من الناس و صار هو الصاحب و الصديق عند آخرين فسلب عقولهم و قصم وقتهم و استنزف أموالهم.
أستاذي الكريم:
و عندما كنت أتأمل تلك الرسومات و الأشكال جملة المحيا التي تسحر الناظر و توقف الماشي، و تمتلك تلابيب الفؤاد. لماذا لا يكون ذلك و هي نابعة من روحك قبل قلمك و من جمال خيالك قبل رونق ألوانك.
أستاذي و معلمي:
لقد أعجبني ما رأيته في غرفة التربية الفنية من شهادات حققتها و جوائز نلتها. و لكم كنت أنا و زملائي نسمع عن بعض الإبداعات التي كانت في حياتك سواء تلك المناظر الخلابة و الخطوط التي خطها بنانك.
و لكن آلمني أني لم أرَ ذلك ثلاث سنوات قضيتها معك في المرحلة المتوسطة خصوصاً و قد ذهبت أيام الابتدائية في رسم الشجر و السيارات فقط فلقد كانت حصة الفنية حصة الأعمال الشاقة من حمل أمتعة المدرسة و تنظيف الغرفة.
أستاذي و معلمي:
ما أجمل اختياراتك للألوان و حسن التنسيق بينهما متعجباً من عدم تناسق أخلاقك مع ذوقك فقلت: سبحان الله ((و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة)).
فتعجبت من طيشك في بعض المواقف و سرعة إيذاء لسانك قبل يدك.
و كم كان بعض الأساتذة يعيبون علينا عدم جمال خطوطنا و كلما أخبرناك بذلك لم تبدِ لنا حراكاً.
حتى تخرجنا من المتوسطة و لم ننل شيئاً ف ((إنا الله و إنا إليه راجعون)).
أستاذي
هذا بعض من نصحي، وحبي لك جعلني أكتبها لك، وطلبي لكمالك حرضني على توجيهك.
أستاذي
أنت علم الخير ورمز الهدى للسائرين، النظر إليك ليس كالنظر لغيرك، وصلاحك صلاح للجيل.
فما أصبت من خير فهو من الله وما أخطأت فمن نفسي، والله ورسوله منه بريئان وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
تلميذك البار
26/6/1422 هـ
http://www.saaid.net المصدر:
===========
رسالة من أب إلى ابنه الذي فشل في الامتحان
أحمد محمد أحمد
ابني العزيز(1/500)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الشخص الوحيد الذي يتمنى لك أن تكون أفضل منه هو أبوك، هذه حقيقة قد يجهلها الأبناء، ولكن الآباء يعرفونها جيدًا، ويحسون بها في أعماقهم، إن حبي لك يجعلني من أكثر الناس حرصًا على مصلحتك طالما أني قد تمنيت أن تكون أفضل مني، فحب الأب لأبنائه يحمله على التضحية بكل غال ونفيس من أجل إسعادهم، لذلك أقول لك اسمع مني جيدًا ونفذ ما أقوله لك تسعد في الدنيا والآخرة.
إن الفشل ليس عيبًا وإنما العيب هو أن نستسلم ونستكين للفشل، بل يجب أن نستفيد من الفشل في ترميم مواطن الخلل وسد الثغرات التي أدت إلى هذا الفشل، فأين هي مواطن الخلل؟ هذا هو السؤال المهم الذي يجب أن تجد له الإجابة الشافية. يجب أن لا تلقي اللوم على الآخرين، فهذا فشل من نوع آخر، كما في المثل الذي يقول: (Abad workman blames his tools) أي أن الصانع الذي يفشل في مهمة أو عمل ما يحاول أن يلقي اللوم على الظروف أو الآخرين أو عدة الشغل، فهذا هو الفشل بعينه!!
أولاً هنالك حقيقة يجب أن تعرفها جيدًا، وهي أن النجاح لا يتم ببذل الأسباب وحدها من مذاكرة وغيرها، وعلى الرغم من أن بذل الأسباب مهم جدًا في حد ذاته،(2/1)
ولكن يجب أن لا ننسى أن هنالك الأقدار والسنن التي تصاحب الأسباب وتسير معها جنبًا إلى جنب، والله تعالى هو مقدر الأقدار وخالق السنن التي يسير عليها هذا الكون، فكل شيء يسير بقدرته ووفقًا لسننه، فيجب علينا أن نسير في حياتنا وفقًا لسننه، ونستسلم لأقداره برضى تام كي نصل إلى النجاح في سائر أعمالنا. في كثير من الأحيان يبذل الإنسان كل جهده ويسد كل الأبواب والثغرات التي يمكن أن تؤدي إلى الفشل ولكن التوفيق والنجاح لم يحالفه فيفشل فشلاً ذريعًا!! معنى ذلك أن الله لم يقدر له النجاح أو أنه كان يسير في اتجاه معاكس لسنن الله في خلقه، ومن سنن الله في هذا الكون قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) إذًا يجب أن تبحث عن أسباب هذا الفشل في نفسك.
أولاً: يجب أن تغير ما بداخل نفسك، فإن كنت مقصرًا في حق الله تعالى من العبادات التي فرضها عليك مثلاً فيجب أن تعود إلى الله وتؤدي حقه عليك، إن سنن الله لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي ولا تجامل أحدًا من خلق الله، فالشمس تشرق كل يوم من الشرق لتغرب من الغرب، وليس هنالك أحد يستطيع أن يتدخل في حركتها ودورانها، إذًا يجب أن نسير مع سنن الله وفي الاتجاه الذي تسير فيه، لا أن نسير عكسها فنصبح كمن يسبح عكس التيار الذي سرعان ما يتعب فيغرق. من كان مع الله كان الله معه في سائر أعماله، وسيقدر له الخير والنجاح إن شاء الله، ومن أعرض عن الله فلن يجني غير التعب والمشقة كما صرح بذلك تعالى في كتابه العزيز}ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى| والضنك: هو المشقة والتعب وضيق العيش، وهذا هو السير عكس سنن الله الذي يؤدي إلى الفشل.
ثانيًا: ابحث عن أسباب الفشل في رفاقك وأصدقائك فمن هم رفاقك؟ في المدرسة أو الحي. يقول الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي(2/2)
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم *** ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
وقيل قديمًا: قل لي من تعاشر أقل لك من أنت. وهذا صحيح فإن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
أقول لك صراحة إن هنالك نوعًا من الأصدقاء لا طموح ولا هدف لهم في هذه الحياة، وكأن الله قد خلقهم عبثًا دون أي غاية أو هدف، لا هم لهم غير اللعب والعبث وإلهاء الآخرين وتضييع أوقاتهم. إن هجر مثل هؤلاء الأصدقاء وتركهم دون التأسف عليهم فيه مكسب كبير للإنسان. ليس هنالك شك في أن وجود الأصدقاء في حياة الشبان من هم في مثل سنّك أمر مهم وضروري، لذا عليك أن تختار أصدقاءك من أولئك الفضلاء أصحاب الهمم العالية والأخلاق الفاضلة، ومن الشبان الجادين الصالحين الذين يعرفون معنى الحياة ويقدرونها، ويعشقون النجاح ويسعون إليه ويكرهون الفشل ويهربون منه. وليس هنالك شك في أن مخالطة الأصدقاء ستترك أثرًا عظيمًا في نفس الصديق. الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه الشهير يصور لنا ذلك أصدق وأبلغ تصوير، فهو يدعونا إلى مجالسة الأخيار الصالحين ومصاحبتهم ويشبههم لنا بحامل المسك، ويحذرنا من مصاحبة الأشرار ويشبههم لنا بنافخ الكير.
إن كثيرًا من العظماء والمتفوقين ينسبون سر عظمتهم وتفوقهم إلى أنهم قد وفقوا إلى اختيار صديق أو أصدقاء أثروا فيهم أثرًا صالحًا ونبهوا فيهم قوى كانت خاملة ومواهب كانت مدفونة هي التي قادتهم إلى دنيا التفوق والنجاح. إن خطر مصاحبة الأصدقاء من الأشرار لا يقف عند حد معلوم فهو يصاحب الإنسان حتى بعد الممات، انظر إلى قوله تعالى: (يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانًا خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً) هذا هو الندم يوم لا ينفع الندم عند اختيار الأخلاء (الأصدقاء) من أولئك العابثين المتبطلين، فهو خسران ما بعده خسران في الدنيا والآخرة.(2/3)
ثالثًا: ابحث عن أسباب الفشل بالمدرسة نفسها، فالمدرسة هي المكان الأمثل لغرس الأخلاق الفاضلة في نفوس التلاميذ وتهذيبهم، هذا بالإضافة إلى دور المدرسة التعليمي المعروف، فهنالك مدارس مشهورة بتفوقها، مدارس نموذجية، طلابها دائمًا من المتفوقين، إضافة إلى ما يتميزون به من أخلاق فاضلة وقيم نبيلة، وهنالك أيضًا مدارس أخرى تتميز بالضعف الشديد في الجانب التعليمي والتربوي معًا، ونسبة نجاح الطلاب فيها ضعيفة جدًا، كما أن كثيرًا من طلابها من أولئك المستهترين الذين لا يبالون بشيء.
إذا كانت المدرسة التي تدرس بها لا تقوم برسالتها على الوجه الأكمل في مجال التربية المثلى والتعليم الأكاديمي المتقدم، فمن الأفضل أن تغادر مثل هذه المدرسة غير آسف عليها، وغير آسف على من عرفت بها، وأن تلتحق بمدرسة أخرى نموذجية من المدارس التي تشتهر بتفوقها في المجالين التربوي والتعليمي.(2/4)
رابعًا: ابحث عن أسباب الفشل في تنظيم الوقت وإدارته: كلنا نعلم أن الوقت هو أثمن ما في الوجود، وأن الوقت الذي يضيع منا لا يمكن تعويضه بأي حال من الأحوال، كما وأن الوقت الذي يمر علينا دون أن نستفيد منه سندفع ثمنه غاليًا آجلاً أو عاجلاً، الواقع أننا جميعًا ندرك ما يعني الوقت بالنسبة لنا، ولكن المشكلة الحقيقية التي تواجهنا هي: كيف ننظم الوقت؟ كيف نستفيد منه؟ كيف نسخره لتحقيق أهدافنا؟ ويشتكي معظم الناس من ضياع الوقت، مع أنهم هم السبب الأساسي في تضييع أوقاتهم، ويكون ذلك إما بعدم التنظيم أو لظروف أخرى تتعلق بالبيئة المحيطة بهم، فإن عدم وضع كل شيء في مكانه المناسب والمخصص له مثلاً يتسبب في إضاعة كثير من الوقت والجهد، وذلك عندما نحتاج لذلك الشيء ونقوم بالبحث عنه. إن عدم تنظيم الوقت من الأسباب الأساسية للفشل وعرقلة طريق النجاح، فيجب عليك أن تنظم وقتك وفقًا للمواد الدراسية التي ستقوم بدراستها ومذاكرتها، وذلك على حسب طاقتك ومقدرتك الجسمانية والعقلية، وعلى حسب الظروف البيئية المحيطة من حولك، فمثلاً خصص قدرًا كبيرًا من الوقت لمراجعة المواد المهمة والمقررات الطويلة، وحدد زمنًا معينًا من اليوم لحفظ المواد التي تحتاج للحفظ، كأن يكون ذلك في الصباح الباكر مثلاً. وخلاصة القول: عليك أن تضع جدولًا تحدد فيه المهام والأولويات الخاصة بدروسك ومذاكرتك، أن تحذر وتتجنب التسويف لأنه من خداع الشيطان، ولأنه يطيل عمر الشر ويقصر عمر الخير في حياة الإنسان.(2/5)
ابني: هاأنذا قد كتبت إليك ما تذكرته من العوامل والأسباب التي تؤدي إلى الفشل، ما أريده منك هو أن تنسى بصورة نهائية وكلية أنك لم تنجح في هذا العام، بل انس أنك قد جلست للامتحان في هذا العام، لا تلتفت لكلام أولئك الذين لا هم لهم غير تثبيط همم الآخرين من المتبطلين التافهين. إن الدهر يومان يوم لك ويوم عليك، وإذا كان اليوم عليك فغدًا سيكون لك بإذن الله، وأعلم أن المؤمن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر وإن إصابته ضراء صبر، كما أخبرنا بذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، واعلم أن النجاح لا يصيب إلا أصحاب الهمم العالية والأهداف النبيلة.
أعد الثقة والعزم السابق إلى نفسك، وابدأ من الآن وبروح عالية وجد ونشاط، والنجاح موجود في داخل نفسك، فيجب أن تثيرها وتزيح عنها الركام والغبار، وستجد بداخلها كثيرًا من المواهب والقدرات المدفونة التي تقودك إلى النجاح، لا تنتظر المساعدة من أحد، اعتمد على نفسك أولاً وأخيرًا.
ويقول الشاعر:
ماحك جلدك مثل ظفرك *** فتول أنت جميع أمرك
ويقول شوقي:
ومن يستعن في أمره غير نفسه *** يخنه الرفيق والعون في المسلك الوعر
ليس هنالك شيء صعب أو مستحيل مادام هنالك أشخاص مثلنا قد وصلوا إلى ما نصبو إليه. ولكل مجتهد نصيب، ومن كد وجد. أسأل الله العلي العظيم أن يوفقك ويكتب لك النجاح والتوفيق في الدنيا والآخرة.
والدك
http://www.almarefah.com المصدر:
===========
رسالة « كاترينا » إلى العرب
فهمي هويدي(2/6)
هذا إنذار جديد بعثت به المقادير، أرجو أن نتخذه على محمل الجد هذه المرة في العالم العربي.ذلك أننا جميعاً تابعنا أصداء إعصار كاترينا الذي ضرب جنوب الساحل الأميركي، وما زالت تداعياته ودروسه محل لغط كبير في داخل الولايات المتحدة وخارجها، لكن أحداً لم ينتبه إلى أن في القصة جانباً يهمنا ورسالة علينا أن نتلقاها. وهي لا تهمنا وحدنا في حقيقة الأمر، وإنما تعني أيضاً كل أهل السواحل والذين لهم علاقة جغرافية بالبحار والمحيطات.
لقد كانت مدينة نيو أورليانز ضحية عاملين، أولهما موقعها تحت سطح الماء، بين نهر المسيسبي في الجنوب وبحيرة بونتشارترين في الشمال، وهو ما جعلها أشبه ما تكون بصحن كبير ينتظر الامتلاء، أما الثاني فهو إعصار كاترينا، الذي كان يتحرك بسرعة 140 ميلاً في الساعة، ويحمل قوة تعادل قنبلة نووية من عيار 20 ميجا طن، تنفجر كل عشرين دقيقة. وبسبب قوته وعنفوانه فإنه كل يوم كان يغرق في الطين رقعة من المدينة تعادل مساحة 33 ملعب كرة قدم أميركية، الأمر الذي أسفر عن الخراب الهائل الذي تحدثت به الركبان في أنحاء المعمورة.
الحدث الجلل كان له صداه في هولندا، التي وصلتها الرسالة بسرعة، لأن نصف البلد يقع تحت سطح البحر، الأمر الذي يعرضها لاحتمالات مماثلة، لم تكن بعيدة عن أذهان المسؤولين في الحكومة، الذين خططوا منذ عدة عقود لمواجهة الاحتمال الأسوأ. وكانت هولندا قد شهدت قبل أكثر من نصف قرن (عام 1953) عاصفة هائلة، أسفرت عن مقتل 1500 شخص وأدت إلى تدمير مئات الجسور والمساكن، الأمر الذي اعتبر كارثة وطنية في حينه. وبسبب من ذلك وضعت الحكومة خطة لمدة 30 سنة ـ كلفتها 3 مليارات دولار ـ لتعزيز قدرات الجسور وتشييد شبكة ضخمة من القنوات والجزر الاصطناعية، إضافة إلى إقامة 62 ممراً ـ بطول ميل ونصف الميل ـ للسيطرة على دخول وخروج مياه بحر الشمال في المناطق المنخفضة بالأقاليم الجنوبية.(2/7)
بعد الذي أحدثه إعصار كاترينا، تجدد الحوار بين الخبراء الهولنديين حول مدى كفاية الاحتياطات التي اتخذت لتجنيب البلاد كارثة مماثلة. ذلك أن بعضهم ارتأوا أن الأوضاع تغيرت مع حلول القرن الواحد والعشرين، حيث تزايد عدد السكان وتغير الطقس من جراء ظاهرة الاحتباس الحراري. وهي ملابسات أدت إلى كثرة عدد الفيضانات، وجددت القلق على مصير البلاد.
وقد أشارت التقارير الصحافية إلى أن دراسة مهمة جرى إعدادها خلال السنوات الخمس الأخيرة، سوف تعلن خلال شهر يناير (كانون الثاني) القادم، وستحدد حجم احتمالات المخاطر المحتملة، خصوصاً في ظل المؤشرات التي دلت على أن هولندا تحيطها مياه ترتفع بنسب مقلقة، في الوقت الذي تنخفض فيه أرضيتها بشكل مستمر. حيث تبين أن أراضي تلك الدولة الصغيرة انخفضت بمعدل 12 قدماً خلال الألف سنة الماضية، وأن مياه البحر المحيطة تزيد بمعدل يتراوح بين 23 و39 بوصة كل مائة عام.
ما دعاني إلى هذا الاستطراد أن عالمنا العربي ـ منطقة الخليج بوجه أخص ـ ما زالت تعيش فورة البناء في البحر، بعدما ظهرت الموجة في دبي أولاً، ثم لقيت هوى عند آخرين، فانتشرت في مختلف دول الخليج تباعاً، وهو ما فتح الباب واسعاً لإنفاق مليارات الدولارات، واستنزاف أموال الناس وإغراقهم في الديون، دون انتباه كاف إلى حجم المغامرة ـ المقامرة إن شئت الدقة ـ في الموضوع.(2/8)
لقد أطلقت تنبيهاً وتحذيراً من الانجراف وراء هذه الصرعة مرتين في أعقاب إعصار تسونامي الذي ضرب السواحل الآسيوية في بداية العام الحالي، وأشاع فيها الخراب والدمار، على النحو الذي يعرفه الجميع. وشجعني على ذلك نفر من الخبراء العرب، الذين أزعجتهم هرولة من يملكون ومن لا يملكون نحو إلقاء أموالهم في البحر، استجابة لإغواء شركات الاستثمار، التي ما برحت تدغدغ مشاعر الناس وتشجعهم على الانتقال من حياة البر والاستمتاع بالحياة وسط مياه البحر وهي العملية التي تتكلف مبالغ طائلة، تصل إلى عشرة أضعاف تكلفة البناء في البر.
لم تمل تلك الشركات من نشر الإعلانات التي حاولت فيها طمأنة أصحاب الأموال إلى أن الأمر خضع لدراسات واسعة النطاق، حصنت المشروع ضد تقلبات الدهر. وليس عندي ما يبرر التشكيك في تلك المعلومات، إلا أن التجارب التي نعرفها دلت على أن نسبة المغامرة في العملية تظل قائمة، وأن كل الاحتياطات التي تتخذ لا يمكن أن تضمن صمود عمليات البناء في البحر أمام كافة الاحتمالات، حيث يظل البحر خارج السيطرة في نهاية المطاف. في الوقت ذاته لا يغيب عن فطنة القارئ أن كل من يروج سلعة يسعى إلى المبالغة في تصوير حسناتها وجدواها، ويغض الطرف عن عمد أو غير عمد عن مساوئها. الأمر الذي يدعوني إلى القول بأنه مع كل الاحترام والتقدير لما نشر على ألسنة الخبراء من حجج وبيانات مطمئنة ومشجعة في الموضوع، إلا أنه لا تزال هناك آراء مقابلة لخبراء تدحض ما يسوقونه من حجج وترد على كل ما يستندون إليه من بيانات ودراسات، وهو ما دعاني في مرة سابقة إلى اقتراح عقد طاولة مستديرة تضم خبراء الفريقين لاستجلاء غوامض الأمر والتوصل إلى اتفاق حول النقاط الخلافية فيه. ومن أسف أنه تم تجاهل الدعوة، لكني لا أستطيع في هذا المقام أن أتجاهل حقيقة أن الشركات التي تبنت فكرة البناء في البحر توافرت لها مكاسب خرافية.(2/9)
إن المرء لا يستطيع أن يكتم دهشته وهو يرى تهافت الناس على تبديد أكبر ثروة وإلقائها في البحر، في حين أن الأرض من حولهم واسعة، والصحاري مترامية الأطراف، بوسعهم أن يعمروها ويستمتعوا بخيراتها، ولا يدفعون لقاء ذلك سوى عشر ما يرمونه في البحر لاقتناء بيوت تحيط بها المخاطر التي لا تخفى على كل ذي عينين.
لقد تلقينا إنذاراً أول في مستهل العام مع إعصار تسونامي، وها نحن نتلقى إنذاراً ثانياً من خلال إعصار كاترينا، ولا أعرف ما إذا كان ذلك سيحرك لدينا شيئاً أم لا، لكن المشهد يذكرني بالطرفة ذات الدلالة التي تقول إن فيضاناً اجتاح قرية حتى ملأ شوارعها بالماء. وظل منسوب المياه يرتفع في الشوارع إلى حد أقلق الناس الذين اندفعوا لمغادرة بيوتهم مستعينين بقوارب استحضروها لنجدتهم. ووصلت المياه إلى بيت راهب القرية الذي خرج إلى الشارع، فاقترب منه صاحب أحد القوارب لينقذه، ولكن الراهب رفض قائلاً إن الرب هو الذي سيتولى إنقاذه، فتركه الرجل ومضى، ثم تقدم نحوه قارب آخر ودعاه صاحبه إلى الركوب معه، بعد أن غطت المياه جسمه، فاستمر الراهب على موقفه محتجاً بأن الرب سينقذه. وإزاء استمرار رفضه، غرق الرجل وصعدت روحه إلى السماء، حيث استقبلها أحد الملائكة، فقالت للمَلَك، هل يعقل أن يترك الراهب للغرق لأنه رفض أن تمتد إليه يد البشر بالإنقاذ، وكان واثقاً من أن يد الرب هي التي ستنقذه؟ وعندئذ قال المَلَك إن الرب بعث إلى صاحبك مرتين بمن ينقذه، ولكنه فوّت الفرصة الأولى التي لاحت له، كما فوت الثانية، ولأن الرب لا يجامل المغفلين، فكان لا بد له أن يغرق!أسأل الله أن يجنبنا ذلك المصير، لكنني لا أستطيع أن أتجاهل أننا تلقينا إلى الآن رسالتين لكي ننتبه ونحذر، ولكننا لم نعتبر!
http://alshaab.org المصدر:
============
بوح المحب .. رسالة من مسجدك المشتاق إليك(2/10)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وقائد الغر المحجّلين من أثر الوضوء، نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد...
أخي الحبيب!
لعلها المرة الأولى التي تقرأ فيها رسالة كتبتها إليك.. وأنا مسجدك الذي تسمع منه نداء لا إله إلا الله خمس مرات في كل يوم...
ولعلك تتساءل.. ما الذي دفع المسجد للكتابة إليك في هذا اليوم...
آه أخي الحبيب!
إنها همسات حانية وكلمات مخلصة وددت أن أبوح لك بها وها قد فارقنا شهر رمضان... ذلك الزائر الذي مر بنا سريعاً، وودّعنا قبل أن نملأ قلوبنا من فيضه وفضله.. ودَعنا قبل أن نشعر أنه مرّ بِنا... ودعنا وكأن لم يأت قط!...
لعلك قد عرفت الآن لمَ قررت أن أصارحك بما أكتمه بين جدراني وفي أروقتي في هذا اليوم، ونحن نودع ذلك الشهر الفضيل... ذلك الشهر الذي أُحبه وأنتظره في كل عام بشغف ولهفة واشتياق!... كيف لا؟! كيف لا وهو شهر القرآن والقيام؟!... كيف لا وفي هذا الشهر أرى وجوه أحبة طالما اشتقت لمرآها وتمنيت خدمتها...
أتدري أخي؟؟ كنت منذ أيام قليلة أستعد للإحتفاء بأفواج المصلين الذين سيتوافدون عليّ في رمضان يحيون ليله، يعتكفون في أواخره ويملأون جنباتي ذكراً وتسبيحاً وتلاوة عطرة.. ! كان شوقي يتزايد وأنا أرقب الأيام تمضي وأنا أشعر بها وكأنها كهل متعب لا يقوى على الحراك فكأنها لا تمشي قدماً أبداً!.. وأخيراً... جاء الحبيب! وهلّ رمضان بعد طول انتظار!
يا لله! يالها من لحظات!(2/11)
ياله من شعور غريب عجيب وقد امتلأت الصفوف.. وعلا أزيز المصلين بالتلاوات العطرة!.. وأتت أول ليلة من ليالي الرحمة... وتزاحمت الأرجل.. ورُصَّت الصفوف كصفوف الملائكة!.. يا الله!.. ما أسعدني وأنا أشرف بهذه الجباه وهي تخر للرحمن سُجَّداً على أرضي وبين جنباتي! لك الحمد يالله أن اخترتني أنا لأكون الأرض التي يسجدون عليها... والجدران التي تسترهم وتقيهم الحر والبرد.. والسقف الذي يظلهم من شمس الأصيل...
الله أكبر! نداء تكرر في جنباتي كعدد الحصى الذي بنيت به.. لا بل أكثر.. ! ولكنه في هذه اللحظات له طعم آخر... إنه نداء يخرج من أفواج من المصيلن لم أشرف بمثل أعدادهم منذ رمضان الماضي!.. يالله!... لكأن جدراني تتسع وصفوفي تمتد لتحتوي هذه الجموع المؤمنة فلا تشعر بضيق المكان!...
يا الله! لكم انتظرت هذه اللحظات!
لكم مرت عليّ لحظات عصيبة طوال العام أعاني الوحشة والهجر...
كنت استمع لأنين المصاحف إذا ما أقفل المؤذن أبواب المسجد ليلاً بعد أن ينصرف الجميع.. وكنت أسمعها تشتكي غباراً اعتلاها ومصلين هجروها... كانت تنظر إلي منتظرة الجواب... كنت أشيح عنهم عيوناً فاضت بالدمع... وأكتم آهات تكاد تخرج عبر مكبرات الصوت قائلة: أين هم! أين الغر المحجلين! أين أحبابي؟ أين من تعلقت قلوبهم بالمساجد؟! أين من يحبون أن أشهد لهم أنهم قاموا لله فيه مصلين خاشعين ولبوا النداء إذ دعاهم للفلاح... ولكن... !
وجاء رمضان! وأشرق الأمل من جديد.. !
هاهم!....
إنهم قادمون!..
يؤنسون ليلي..
ويملأون نهاري ذكراً وتسبيحاً وصلاة..
ومرت الأيام والليالي سريعاً.... وكأنها جواد أبصر واحة ماء في فلاة فمضى جموحاً لا يوقفه أحد!..
ومضى رمضان!!
أحقاً مضى رمضان؟!
أحقاً مضت ليالي الرحمة والمغفرة والعتق من النيران؟
ترى... هل سأعود ورفاقي المصاحف إلى الهجر والنسيان والنكران؟!
هل انتهت تلك اللحظات الخاشعة بهذه السرعة؟!!
أحبتي!(2/12)
اكتب لكم هذه السطور لعلي أصارحكم بما لم أبح لكم به من قبل!
أكتب لكم لأقول لكم كم أحبكم... وكم اشتاق إليكم!.. وكم انتظر ساعة تجمعني بكم فأشرف باحتوائكم بين جدراني وتحت قبابي.. !
أكتب لكم.. وأنا الذي رقَّت حجارتي لنحيبكم في قنوت رمضان..
أكتب لكم وأنا الذي اشرأبت مئذنتي عالياً في السماء فخراً بجموعكم التي أتت أحسبها لا ترجو إلا الرحمة والمغفرة فملأت جوانبه...
أكتب لكم.... أسائلكم.... هل يا ترى لن أراكم ثانية؟!
هل يا ترى ستعود الصفوف إلى حالها قبل رمضان؟!
أحبابي!....
إن لم تكونوا أنتم أنتم من يعمرني في رمضان وفي غير رمضان.. فمن سيفعل؟!
إن لم تكونوا أنتم أنتم من يخاطبهم الله - عز وجل - في كتابه قائلاً {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]
فلمن الخطاب.. ولمن نزل الكتاب؟!
إن لم تكونوا أنتم أنتم من يلبي نداء الله ويأتي الصلاة ”حيث ينادى بها“ كما أرشد الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.. فمن سيُلَبّي ويجيب؟!
أخي الحبيب!...
إنها كلمات أحببت أن أنقلها إليك.. علك تعرف مدى حسرتي ولوعتي لفراقك لي!
كلمات كتبتها لكي أحرك بها مشاعرك وقلبك.. علك تكون ممن تعلقت قلوبهم بالمساجد فيظلك الله في ظله ”يوم لا ظل إلا ظله“!
كلمات كتبتها.. علني أشرف بخدمتك وأنت تنتظر الصلاة إلى الصلاة فتكون في رباط...
كلمات كتبتها علني أشرف بمد أرضي من تحتك سهلة منبسطة تشرف بحملك عليها في صلاة الفجر... وتفخر في جلوسك عليها في انتظار شروق الشمس فتصلي ركعتين وترجع بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة!
كلمات كتبتها إليك علك تكثر الخطى إليّ، فيمحو الله خطاياك ويرفع درجاتك ويعد لك نزلاً في الجنة كلما غدوت أو رحت!
أخي الحبيب!(2/13)
هذه بعض الأسرار التي كنت أخبئها بين أروقتي وتحت قبابي.. بحت لك بها لأني أحبك في الله... ولأني أدعو الله ألا يحرمني من شرف خدمتك ولخشيتي أن يكون هذا اليوم هو آخر لقاء بيننا إلى عام قادم!
أخي الحبيب!
من كان يعبد رمضان... فها قد مضى رمضان.. والله أعلم بالمتقين...
ومن كان يعبد رب رمضان.. فهو رب كل الشهور... وهو حي لا يموت.. وهو القائل..
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور: 36-37]
فهلا كنت من هؤلاء الرجال؟!
21 - 02 - 2004
http://www.islamway.com المصدر:
==============
رسالة إلى رواد المساجد
الدكتور صالح بن علي أبو عراد
• يا رواد بيوت الله في الأرض.
• يا من أعد الله لكم نُزلاً في الجنة.
• يا من تولون وجوهكم شطر المسجد الحرام في صلواتكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الله سبحانه قد رفع منزلة المساجد في الأرض، وعظَّمها بأن نسبها إليه سبحانه، فليست لأحد سواه. قال عز من قائل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (سورة الجن: 18). فكان علينا جميعاً أن نُعظِّمها وأن نحترمها وأن نقدسها، وأن نعرف لها حقها الذي وجدت من أجله، فلا نساويها بغيرها من البقاع، ولا نشبهها بسواها من الأماكن، فهي جزءٌ لا يتجزأ من مجتمعنا المسلم الذي أذن الله أن ترفع فيه، وأن تكون بقاعاً طاهرة نقية تتنزل فيها الرحمات، وتهبط الملائكة، وتحل السكينة والخشوع.(2/14)
ولأن للمسلم علاقةٌ حميمةٌ وصلةٌ وثيقةٌ بهذه المساجد في كل وقتٍ وحين، فقد رأيت أن أوجّه هذه الرسالة لرواد المساجد وعُمَّارها من عباد الله المؤمنين الصادقين، فأقول مستعيناً بالله وحده:
* إن المساجد بيوت الله في الأرض، ولا يحل لأحد من الخلق أن يعمل فيها إلا بما أذن الله من قول أو عمل، فلا يمكن أن تكون المساجد لغير عبادة الله والدعوة إلى سبيله، وإقامة شعائر الإيمان، وحفظ كتاب الله العظيم وتلاوته وتجويده، ومدارسة سنته صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع ذكر الله سبحانه في كل حين كما قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ} (سورة النور: 37). فيا من وصفكم الله بعُمار المساجد احرصوا بارك الله فيكم ـ على عمارتها الحقة، والعمل على إحياء رسالتها الخالدة، وإعادة دورها العظيم في حياة الأمة.
* يا من وصفكم الله عز وجل بأنكم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة، تذكروا أن كثرة ارتيادكم لبيوت الله تعني إغاظة أعداء الله وإرهابهم وجعلهم يعيشون في قلق وهم دائمين، وعلى رأسهم إبليس ـ لعنه الله ـ وجنوده وأعوانه من شياطين الجن والإنس الذين يؤلمهم ويؤرقهم ويزعجهم أن يرتاد المسلمون بيوت الله، لا سيما الشباب الذين هم عماد الأمة وأملها ورجال مستقبلها.(2/15)
* يا من تُحافظون على الصلوات الخمس جماعةً في المسجد، اعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أن أداء الصلاة جماعة في المساجد من أفضل الأعمال التي حثت عليها سنة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ورغبت فيها كثيراً؛ فعن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعاً وعشرين "(رواه مسلم، الحديث رقم 1478، ص 262). واعلم أن أداء الصلاة في المساجد لا يُعطل مسيرة الحياة، ولا يعوق النشاط الدنيوي للمسلم، ولا يؤخره عن أعماله وارتباطاته، لأن الصلوات في حقيقة الأمر ليست سوى محطاتٍ إيمانيةٍ يتزود فيها المسلم بالطاقة الروحية اللازمة للسعي في الحياة، تلك الطاقة الإيمانية التي تصله بربه جل وعلا، وتجدد نشاطه باستمرار، وتدفعه إلى الأمام، وتعينه على التحمل والمثابرة والمصابرة في مشوار حياته. كما أن لأداء الصلاة في المساجد معاني عظيمة وآثاراً طيبة في تربية أبناء المجتمع المسلم ونهيهم عن فاحش القول ومنكر العمل تصديقاً لقوله سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (سورة العنكبوت: من الآية 45).(2/16)
وليس هذا فحسب فإن للصلاة دوراً مهماً في بناء شخصية المسلم وتحديد معالمها، فهي كفيلةٌ ـ إن شاء الله ـ بصقل نفس المؤمن وإرهاف حسه وترقيق وجدانه، وربطه بخالقه العظيم جل وعلا، لما فيها من صلة بالله سبحانه، ومناجاة له وخشوع وخضوع يجعل المصلي متمثلاً لعظمة الله وقدرته سبحانه.ولذلك روي عن أنس رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم قال: " وجُعل قرة عيني في الصلاة " (رواه النسائي برقم 3939، مج 7، ص 61).وهذا فيه تأكيدٌ على أن في الصلاة راحة نفسية للمسلم متى أداها بخشوعٍ وخضوع، وأنها تؤدي إلى السكينة و الطمأنينة وهدوء البال، وهو ما يشعر به المؤمن بعد أدائه الصلاة أداءً صحيحاً يربطه بخالقه العظيم ارتباط إيمانٍ واستسلامٍ وتعبد.
* يا رواد المساجد في المجتمع المسلم، اعلموا أن المساجد ليست أماكن لأداء الصلاة فقط، ولكنها مراكز للتعليم والتوجيه، ومؤسسات للتربية والتنشئة، ومعاهد للفقه الشرعي، والبحث العلمي عن طريق ما يعقد فيها من دروس ومحاضرات وندوات، وما يلقى على منابرها من خطب ومواعظ ونصائح في مختلف جوانب الحياة الفردية والجماعية. واعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أنه ما لم تكن تلك وظيفة المساجد ورسالتها الخالدة ومهمتها العظمى فإنها ستظل معطلة، ولن تؤتي ثمارها الطيبة المباركة التي وجدت من أجلها. يقول أحد دعاة الإسلام: " من أراد أن ينظر وأن يتعرف على حقيقة مدينة من المدن، أو قرية من القرى، فلينظر إلى مساجدها، ولير ما مقدار اهتمام الناس بهذه المساجد؟ وما هي علاقتهم بها؟ حينها يحكم على هذا الجيل أو هذه الطائفة من الناس ومدى رقيهم الحضاري الإسلامي ". من هنا كانت المساجد في تاريخنا الإسلامي المجيد قلاعاً للإيمان، وحصوناً للفضيلة، وبيوتاً للأتقياء، وينابيع للصلاح، وموارد للخير، ومجامع الأمة، ومواضع الأئمة.(2/17)
* يا عباد الله الصادقين، حافظوا على تحية المسجد التي تميزه عن غيره من الأماكن و البقاع. فهي تختلف عن غيرها من أنواع التحايا المتبادلة عند الدخول إلى المنازل أو المكاتب أو نحوها من المرافق والأماكن بأنها تحية مميزة لمكان مميز وبقعة طاهرة فكان لابد لها من أداء خاص يليق بمنزلتها عند المسلم، ولذلك فقد روي عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أحدُكم المسجد فلا يجلس حتَّى يُصلي ركعتين " (رواه البخاري، الحديث رقم 1163، ص 186). وليس هذا فحسب، بل لقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أدائها، وأمر بذلك حتى في أثناء أداء خطبة الجمعة حيث روي عن جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما ) قال: جاء سُليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخْطُب، فجلس، فقال له: " يا سُليك! قم فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما "، ثم قال: " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطُب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما " (رواه مسلم، الحديث رقم 2024، ص 350). فكم هو عظيم وجليل وجميل أن يفتتح المسلم دخوله إلى بيت من بيوت الله في الأرض بركعتين يُعلِنُ بهما السمع والطاعة، والخشوع والخضوع لله جل وعلا !! إضافةً إلى أن في هاتين الركعتين قطعاَ للحديث بين المصلين، وانتظاراً للصلاة في خشوعٍ ووقارٍ وسكينة.(2/18)
* يا عمار بيوت الله في الأرض، إن لهذه البيوت منزلة رفيعة، ومكانةً عاليةً في النفوس، ولذلك فهي تختلف عن غيرها من الأماكن التي يرتادها الناس في حياتهم اليومية بمالها من آداب فاضلة وسلوكيات مثالية كالاستعداد لدخولها بالطهارة، ومراعاة آداب الدخول إليها والخروج منها والخشوع والسكينة أثناء المكوث فيها، وعدم رفع الصوت فيها أو الانشغال بأمور الدنيا بين جنباتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم من يبيعُ أو يبتاعُ في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشُد فيه ضالةً، فقولوا: لا رد الله عليك " (رواه الترمذي، الحديث رقم 1321، ص 312). وهذا يعني صرف الوقت داخل المسجد لشؤون الدنيا أو لتعطيلها عن ذكر الله سبحانه. كما أن من آدابها العظيمة المشي إليها بتؤدة وخشوع وطمأنينة دونما جري أو تعجيل، والتبكير في الحضور إليها، وعدم تخطي الرقاب أو اختراق الصفوف لا سيماَ في صلاة الجمعة لما ورد في ذلك من النهي على لسان معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم.
* يا من تخافون يوماَ تتقلب فيه الأبصار، احرصوا على تسوية الصفوف عند إقامة الصلاة استعداداً للوقوف بين يدي الله عز وجل. فإن وقوفكم خلف الإمام بشكلٍ مستوٍ ومنتظم وعلى هيئة صفوفٍ متراصةٍ يربي المسلم على حب النظام والترتيب، ويربي النفوس على إزالة الملامح الطبقية والسمات الإقليمية، كما أن في ذلك غرساً لمبدأ المساواة والعدل في النفس البشرية، وإشارة إلى بنيان الأُمة المسلمة المرصوص. لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أُقيمت الصلاة فأقبل علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: " أقيموا صفوفكم وتراصوا " (رواه البخاري، الحديث رقم 719، ص 117). وجاء في حديث آخر عن أنس ابن مالك قال: قال صلى الله عليه وسلم: " سوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة "(رواه مسلم، الحديث رقم 975، ص 184).(2/19)
* يا رجالاً تُحبون أن تتطهروا، حافظوا على نظافة المساجد وجمال مظهرها بحرصكم على إزالة ما قد يلوثها أو يشوه جمالها أو يُخل بطهارتها. ولذلك وجب علينا جميعاً الاهتمام الدائم والمستمر بنظافة المساجد لأنها شعار الإسلام، ومراكز تجمع المسلمين والتقائهم خمس مراتٍ في اليوم والليلة، وهي أطهر بقعةٍ وأقدس مكان يمكن أن تتم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته ليكون فرداً صالحاً بإذن الله تعالى ؛ فكان لا بُد من الاهتمام بنظافتها وترتيبها، وتعهدها بالطيب والبخور ونحوه لتكون لائقةً لاستقبال المصلين وأدائهم لعبادتهم بنفسٍ طيبةٍ وروحٍ مُنشرحة؛ فعن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت: " أمر رسول الله بِبِنَاء المساجد في الدور، وأن تُنظَّفَ و تُطيَّب " (رواه أبو داود، الحديث رقم 455، ص 77). ويقول أحد دعاة الإسلام: " لقد حث عليه السلام على تطييبها [أي المساجد] بالروائح الطيبة، وجعل هذه المهمة لكل مسلم حتى لا ينفرد بهذا الشرف الكبير وحده، وحتى تتاح الفرصة للجميع فيُشاركون في تنظيف المساجد وتطييبها وتجهيزها للمصلين ".(2/20)
* يا رواد بيوت الله احرصوا على تطييبها وتنزيهها من الروائح الكريهة والقمامات والقاذورات حتى فيما حولها من مساحات لئلا يتأذى بها الملائكة الكرام الذين يشهدون المساجد مع المصلين، ولئلا تكون تلك الروائح مدعاة لإيذاء بقية المصلين الذين يتأذون من رائحة الثوم والبصل والكُرَّاث، وغيرها من الأطعمة والمأكولات ذات الروائح النافذة و المؤذية، إضافة إلى رائحة الدخان والشيشة ونحوهما من الروائح الخبيثة المنتنة، لا سيما وقت أداء الصلاة في بيتٍ من بيوت الله تعالى. فعن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: " من أكل من هذه الشجرة – يعني الثوم – فلا يقربنَّ مسجدنا "(رواه البخاري، الحديث رقم 853، ص 138). وعن جابرٍ قال: نهى رسول الله عن أكل البصل والكُرَّاث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها. فقال: " من أكل من هذه الشجرة المُنتنة فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الأِنس " (رواه مسلم، الحديث رقم 1252، ص 227). من هنا فإن على كل مسلمٍ أن يهتم بنظافة المساجد وتطييبها وإزالة الأذى منها حتى تشتاق إليها الأرواح، وترتاح إليها الأنفس.(2/21)
* يا من تنتظرون الصلاة بعد الصلاة هنيئاً لكم بذلك؛ فقد حث الإسلام على إطالة الجلوس في بيوت الله تعالى، والمكوث فيها إن لم يكن للمسلم حاجة تدعو إلى قضائها خارج المسجد؛لما في ذلك من الخير الكثير والفضل العظيم، ولذلك جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال العبد في صلاةٍ ما كان في مُصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يُحْدِثَ " (رواه مسلم، الحديث رقم 1509، ص 268). كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أدُلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ " قالوا: بلى. يا رسول الله! قال: " إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباطُ " (رواه مسلم، الحديث رقم 587، ص 123). فهنيئاً لعُمار المساجد الذين يُطيلون البقاء فيها لذكر الله تعالى، وأداء الفرائض والنوافل، وتلاوة القرآن الكريم، ومُدارسة العلوم الشرعية والتفقه في أمور الدين والدنيا، وحضور حلقات الدرس ومجالس العلم.(2/22)
* يا عباد الله الراكعين الساجدين العاكفين، احذروا من كيد أعداء الله وأعداء الإسلام الذين هم أعداء المساجد ومن فيها من الركع السجود، ولا تنسوا أن الله تعالى قد حذَّرنا منهم وسجل لنا التاريخ أنهم لا يتوانون عن الكيد للإسلام والمسلمين، ومحاولة الصد عن دين الله بكل الوسائل المتاحة لهم. وخير مثالٍ على ذلك الكيد الخبيث زعمهم أن المساجد ليست سوى دورٍ للعبادة، ومكانٍ لأداء الصلاة وتلاوة القرآن الكريم قبيل أداء الفريضة فقط. وأنها أصبحت غير مناسبة لتقديم الوظائف التي كانت تقوم بها في زمن النبوة وعهد السلف الصالح. فإن هذه دعوى باطلة، وفريةٌ عظيمة لا أساس لها من الصحة، وعلينا جميعاً أن نُعيد للمسجد رسالته السامية ودوره العظيم في بناء شخصية الإنسان المسلم، وتربيته التربية الإسلامية المثالية الصالحة لكل زمانٍ ومكان.
* يا من تُجيبون دعوة الله تعالى ؛ إياكم واصطحاب الأطفال الصغار الذين هم دون سن التمييز إلى بيوت الله لما في ذلك من إزعاجٍ للمصلين وقطعٍ لخشوع الخاشعين بالمرور بين أيديهم والإخلال بتنظيم صفوفهم. وليس هذا فحسب بل ربما وصل الأمر ببعض الأطفال إلى تلويث المسجد في بعض الأحيان. أما أولئك الأطفال الذين يُرجى من اصطحابهم تدريبهم على ارتياد المساجد وتعويدهم أداء الصلاة، وغرس حب المساجد في نفوسهم فلا بأس – إن شاء الله تعالى – من اصطحابهم مع مراعاة عدم الغفلة عنهم، ومحاولة التحكم في تصرفاتهم، وحثهم على احترام هذه المساجد والالتزام بآدابها والتحلي بأخلاقها.(2/23)
* يا من تُحبون بيوت الله تعالى وتحترمونها لا تنسوا أن من علامات احترام هذه البيوت المحافظة على المظهر الحسن عند ارتيادها والدخول إليها عملاً بقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (سورة الأعراف: من الآية 31). ومعنى ذلك أن يلبس المصلي لباساً لائقاً بالمساجد من حيث النظافة والستر والأناقة والهندام، والحشمة والوقار. و الحذر الحذر من ارتيادها بملابس غير لائقة كأن يأتي الإنسان إلى المسجد بثياب النوم أو بملابس العمل المتسخة أو التي تفوح منها الروائح المؤذية أو نحوها لأن في ذلك عدم احترام لقدسية هذا المكان، ثم لأنها قد تؤذي برائحتها من في المسجد من الملائكة والمصلين. وقد سبق معنا قوله صلى الله عليه وسلم: " من أكل من هذه الشجرة المُنتنة فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الأِنس " (رواه مسلم، الحديث رقم 1252، ص 227).(2/24)
* يا من أديتم الفريضة في المساجد، إياكم والتفريط في الأذكار التي حثت السنة النبوية على الإتيان بها بعد أداء الفريضة، ولا يستعجل أحدكم في مغادرة المسجد حتى يذكر الله تعالى بما ثبت وصح عن معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم من أذكارٍ جامعةٍ مانعة؛ فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من سبَّح الله في دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعةٌ وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " (رواه مسلم، الحديث رقم 1352، ص 242). وقد روي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: " إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وقال ابن عباسٍ: " كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته ". (رواه البخاري، الحديث رقم 841، ص 136).
** وختاماً، أسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، ومرضاة رب العباد، وأن يجعلنا جميعاً ممن يعمرون بيوت الله في الأرض قولاً وعملاً، وسراً وعلناً، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.saaid.net المصدر:
============
رسالة إلى أهل البلاء
إنّ الله تعالى خلق الدنيا وجعلها دار ممرٍ وليست بدار مقرّ، وحفّها بالمحن والابتلائات وغمرها بالمصائب والفتن..لحكمة جليلة ذكرها الله تعالى في قوله: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} [الملك: 2]
فالدنيا هي دار التكليف والعمل وليست بدار النعيم والأمل..ومع ذلك فقد غفل كثير من المسلمين عن تلك الحقيقة!(2/25)
فإذا أقبلت المصائب والابتلاءات (والدنيا لا تخلو منها) ترى الناس يفزعون، بل ويتسخّطون على قدر الله، وذلك لأنهم لم يتحصنوا بالإيمان عامة، وبالإيمان بالقضاء والقدر خاصة الذي هو أصل من أصول الإيمان.
ومن تأمل في أحوال الخلائق علم علم اليقين أنه ما من مخلوق إلا وكان له نصيب من آلام الدنيا وأحزانها... كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " لكل فرحةٍ ترحة، وما مُلئ بيت فرحاً إلا وملئ ترحاً "
والمؤمن هو الذي يعلم أنه مسافر إلى الله، وأن كل ما هو من حطام الدنيا فسوف يتركه لا محالة.. إما بالفقر أو بالموت، كما قال تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوّالناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعائكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون} [الأنعام: 94]
بل إن المؤمن يعلم أن الدنيا مزرعة للآخرة، وأن ما يزرعه هنا فسوف يحصده هناك.. عندما يصل المؤمن إلى تلك الحقيقة، ويوقن أنه موقوف بين يدي الله جل وعلا في يوم مقداره خمسون ألف سنة، فإن الدنيا لو سجدت بين يديه لركضها برجليه طامعاً في ساعة واحدة يناجي فيها ربّه لعل الله يكتب له بها النجاة من تلك النار التي أُوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، وألف عامٍ حتى احمرّت، وألف عامٍ حتى اسودّت، فهي الآن سوداء قاتمة... فيعلم المؤمن أن كل نعيم دون الجنة سراب، وكل عذاب دون النار عافية.
هنا تهون المصائب كلها على المؤمن.. بل إنه عندما يقف على الخير الذي ادّخره الله لأهل الصبر على البلاء، الراضين بقضائه جل وعلا فإنه يشتهي، بل ويتمنّى البلاء لينال الأجر العظيم من الوهّاب الكريم..
قال صلى الله عليه وسلم: « يودّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض » (صحيح الجامع: 8177)(2/26)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كلَّه له خير، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاؤ صبر فكان خيراً له » (أخرجه مسلم)
وقال صلى الله عليه وسلم: « يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبَضتُ صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة » (أخرجه البخاري)
وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنّ الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوّضته عنهما الجنة » يريد: عينيه (أخرجه البخاري)
وقال صلى الله عليه وسلم: « من يرد الله به خيرا يُصِب منه » (أخرجه البخاري)
وقال صلى الله عليه وسلم: « إذا أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشرّ أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة » (صحيح الجامع: 308)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إنّ عظم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإنّ الله تعالى إذا أحبّ قوماً ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرضا، ومن سَخِطَ فله السخط » (صحيح الجامع: 2110)
وقال صلى الله عليه وسلم: « ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في تفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة » (صحيح الجامع: 5815)
بل إنّ الصبر على البلاء يجعلك ترتقي في درجات الجنة!
فقد قال صلى الله عليه وسلم: « إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله فما يبلغها بعملٍ، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتّى يبلّغه إيّاها » (صحيح الجامع: 1625)
بل تدبّر معي قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: « إذا أصاب أحدَكم مصيبة، فليذكر مصابه بي، فإنها من أعظم المصائب » (صحيح الجامع: 347)
نعم والله يا إخواني، فأي مصيبة في الدنيا مهما عظمت لا تساوي بأي حال مصيبتنا في موت النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه بموته انقطع الوحي من السماء، وكثرت الفتن، وابتعد الناس من بعده عن شرع الله جل وعلا..... فأي مصيبة أعظم من هذه؟!(2/27)
أخي الحبيب، أختي الفاضلة: إن هذه الكلمات دعوة للإيمان بالقضاء والقدر الذي هو أصل من أصول الإيمان..
وأخيراً فإني أهدي لكم جميعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: « لو أن الله عذّب أهلَ سماواته وأهلَ أرضه لعذّبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أُحُدٍ ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو متّ على غير هذا لدخلت النار » (صحيح الجامع 5244)
http://www.abuammar.com المصدر:
===========
عالمية الرسالة وخطاب القرآن
رياض أدهمي
تمثل قضية عالمية الرسالة معياراً منهجياً يساعدنا على وضع الأمور في نصابها عند مراجعة التراث ومحاولة الاستفادة منه في تحرير قضايا العقيدة والتشريع. وقد عالجنا في عدد سابق من " الرشاد " قضية اللغة من أفق عالمية الرسالة وأشرنا إلى ضرورة تخليص لغة عرض العقيدة وبيانها من العبء التاريخي لواقع المسلمين والمعارك الكلامية والخلافيات والجدل عبر العصور. وفي هذا المقال نحاول أن نطلّ مرة أخرى من أفق عالمية الرسالة لنرى بعض قضايا الخطاب القرآني من منظور جديد.
لقد تحدث العلماء والمفسرون وأطالوا في قضية إعجاز القرآن وذكر أكثرهم أن الإعجاز قد وقع - حصراً - بلغة القرآن وبيانه ونظمه وبلاغته، وما زال العلماء والمفسرون لكتاب الله - تعالى -ينهلون من معين القرآن وبلاغته وروائع نظمه ويأتون في كل عصر بالعجيب من دقائق وعلو البيان وشرف المعاني ما يقصر عمر الإنسان عن الإحاطة به لسعته وكثرته. وكلما اطلع المرء على ما سطرته قرائح العلماء في هذا الباب ازداد حباً للقرآن الكريم وشغفاً بقراءته وشعوراً بالمنّة العظيمة والنعمة الكبيرة بمعرفة لغة القرآن.(2/28)
ولكن التأمل في ما كتبه العلماء في هذه القضية وعند عرضه على معيار عالمية الرسالة يشير إلى أن هناك بعض الذهول عن أفق هذا المعيار يحتاج إلى التحرير والتنبيه لنخرج من مبالغات الإستغراق في خصوصيات عصر الرسالة ونزول الوحي وللعودة بالقضية إلى إطارها المطلق الذي رسمه القرآن الكريم.
لقد كان اختيار المكان والزمان لتنزل الرسالة الخاتمة حكمةً إلهيةً باهرة ظهرت آثارها في طبيعة الإستجابة وعمقها وسرعتها وانتشارها وثباتها واستمرارها. وما كان ذلك ليحدث لولا أن طبيعة القوم الذين اختارهم الله - سبحانه - لحمل الرسالة وطبيعة لغتهم وظروفهم التاريخية لحظة تنزل الوحي تؤدي وفق سنن الله وقدره الغالب إلى مثل تلك النتيجة " الله أعلم حيث يجعل رسالته "
وقد تحدى القرآن الكريم العرب الذين عاصروا نزول الوحي أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعشر سور مثله أو بسورة من مثله فحاولوا وعجزوا. ولقد وصف العلماء حالة العرب ودهشتهم والروعة التي أخذتهم لما سمعوا القرآن وأجادوا في وصف ذلك بما لا يحتمل مزيد بيان. وبين العلماء كذلك أن قليل القرآن وكثيره سواء في إثبات مخالفة بيان القرآن لما عهدته العرب في بيانها وتصاريف استعمالها للألفاظ والمباني وإقامة الحجة عليهم بالقرآن ومطالبتهم من أجل ذلك بالإيمان بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.(2/29)
وفي هذا السياق بين العلماء أنه لا معنى لتحدي العاجز وأن التحدي يعني بداهة أن العرب الذين عاصروا نزول الوحي قد وصلوا في البيان والتفنن في ضروب المعاني والبلاغة إلى أعلى درجات الإمكان ومع ذلك فقد عجزوا وبهروا واستسلموا للتحدي غير قادرين على رده وكان شأوهم في هذا قول العاجز المستكبر: " قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ". ومن هنا يقرر الإمام الجرجاني في " دلائل الإعجاز " أن الجهة التي قامت منها الحجة بالقرآن وبانت وبهرت هي أن كان على حد من الفصاحة تقصر عنه قوى البشر، وكان محالاً أن يعرف كونه كذلك إلا من عرف الشعر الذي هو ديوان العرب وعنوان الأدب، ثم بحث عن العلل التي بها كان التباين في الفضل.
وقد كتب الأستاذ محمود محمد شاكر فصلاً قيماً ممتعاً في إعجاز القرآن وجعله تقديماً لكتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي - رحمه الله -. وفي هذا الفصل يقرر الأستاذ شاكر أن الشعر الجاهلي هو أساس مشكلة إعجاز القرآن فهو الشاهد والدليل على مكانة العرب في البيان ومن ثم فهو يدعونا كما دعا الإمام الجرجاني من قبل إلى التعمق والمعايشة للشعر الجاهلي حتى نتلمس القدرة البيانية التي يمتاز بها أهل الجاهلية عمن جاء بعدهم ومستنبطين من ضروب البيان التي أطاقتها لغتهم وألسنتهم، فإذا تم ذلك فمن الممكن القريب يومئذ أن نتلمس في القرآن الذي أعجزهم خصائص هذا البيان المفارق لبيان البشر.
وهنا لابد أن نذكر أن المطابقة التامة بين التحدي القرآني وما اصطلح عليه علماء البلاغة باسم "إعجاز القرآن" بدلالته ومحتواه اللغوي البياني البلاغي حصراً، هي مطابقة غير مسلّمة وهذا هو ما أريد أن أسجل فيه بعض الملاحظات والتي آمل من خلالها أن يفتح هذا الملف المهم وتعود القضية إلى أصلها القرآني بأفقها الواسع الممتد فيما وراء خصوصيات عصر الرسالة.(2/30)
فإذا كان التحدي الذي أعلنه القرآن مستمر وقائم إلى قيام الساعة، وأن هذا التحدي هو للبشر جميعاً في كل عصورهم وعلى اختلاف ألسنتهم وألوانهم، فأي معنى لهذا التحدي إذا كان الناس فيما وراء عصر النبوة غير قادرين على فهم وتذوق ومعرفة لغة العرب، ومن ثم فهم غير قادرين على معرفة خصائص بيان القرآن وبلاغته والذي أصبح به القرآن معجزاً (حصراً) حسب قول علماء البلاغة؟ وأي معنى لتحدي الإنس والجن أن يأتوا ببيان لا يعرفه ولا يفهمه عشر معشارهم ممن خلق الله من وراء أمة العرب؟(2/31)
لقد تحدى القرآن العرب ومن ورائهم الجن والإنس أن يأتوا بمثل القرآن أو بسورة من مثله، وجاءت الآيات التي ذكر فيها التحدي في سياق خطاب القرآن للناس كافة أو بصيغة العموم التي لا تفيد الحصر بأمة العرب خاصة. ففي سورة البقرة جاء قوله - تعالى -: "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين" في سياق خطاب القرآن للناس كافة "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون". وقول الله - تعالى -في سورة يونس: " أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " جاء في سياق قوله - تعالى -: "وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله". ومعلوم أن الدعوى بافتراء القرآن لم يتفرد بها مشركو العرب، بل هي دعوى اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الأرض عبر العصور. وقول الله - تعالى -في سورة هود: "أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين" جاء في سياق خطاب القرآن للإنسان اليؤوس الكفور والذي يشمل بالطبع من خاطبهم القرآن أول مرة، ولكن صيغة العموم لا تنفي أن يكون المقصود بالتحدي كل من سولت له نفسه من المعاندين والمكابرين أن يدّعي افتراء القرآن ويتهم الرسول في صدق معجزته من ربه. وآية سورة الإسراء: " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً " هو خبر في معنى التحدي للإنس والجن جميعاً متظاهرين.والأمر الآخر الذي نلاحظه في آيات التحدي بالإضافة إلى عموم الخطاب هو أن الله - سبحانه وتعالى-تحدى المرتابين والمكذبين أن يأتوا بمثل القرآن أو بسورة من مثله وترك هذه (المثلية) دون تحديد ليكون موضوعها ومجالها هو ما يختاره المرتابون وما يحددونه هم من مجالات يظنون أنهم يمتلكون فيها الخبرة والتفوق ومن أجل ذلك يستطيعون حشد(2/32)
الشهداء والأعوان الأكفاء.
فعندما واجه القرآن العرب بهذا التحدي أول مرة لم يكن لهم مما يدلّون به ويعتقدون لأنفسهم فيه المكانة والإبداع والتمكن إلا بيانهم ولغتهم وفصاحتهم وبلاغتهم، فأعجزهم القرآن وبهرهم في شيء اعتقدوا أنهم يمتلكون ناصيته. ومن هنا فإن كل ما سطره العلماء في شرح وتفصيل بلاغة القرآن وروعة بيانه ومفارقته لبيان البشر وما كان من شأن العرب لما سمعته أول مرة، أمر مسلّم ينبغي ألا يكون موضع خلاف. ولكن المهم هنا أن حصر المثلية التي وقع بها التحدي القرآني بالبيان والبلاغة هو حصر لا أرى عليه دليلاً ولا أراه إلا استغراقاً في خصوصية ظروف عصر الرسالة حمل عليه الذهول عن أفق عالمية الرسالة.(2/33)
لقد اختار الله - سبحانه وتعالى-العرب لحمل رسالته الخاتمة، فواجههم بالقرآن وتحداهم به فبهروا وانقطعوا واستسلموا، ولم تمض سنوات حتى أتم الله نعمته وأكمل دينه ودخل الناس في دين الله أفواجاً وتأسست قاعدة الدين في جزيرة العرب الذين انساحوا في الآفاق يحملون الهدى ويعلّمونه للناس. لقد كان إعجاز القرآن للعرب وخضوعهم له حقيقةً تاريخيةً ساطعة أبرزت لنا طرفاً من حكمة الله - سبحانه - في ما اختار لإرساء قاعدة رسالته الخاتمه فالذين يمارون في هذه الحقيقة لا يحملهم على الإنكار والجدال إلا الجحود والضيق بما تمّ من نعمة الله، ولا أجد لهم جواباً إلا قوله - تعالى -: "قل موتوا بغيظكم". أما أن يهولنا ما يقوله المفترون عن الشعر الجاهلي ونظن أن قضية الإعجاز هي في خطر! ! فلا أحسب أن هذا من الحكمة في شيء فالحقيقة التاريخية التي مكنت للإسلام من الظهور والاستقرار والانتشار هي أكبر من أن ينكرها أو يشكك بها عاقل. وسيبقى التحدي بالقرآن قائماً ولو قصر تذوق الناس لبلاغته وبيانه أو جهلوا وجه إعجازه اللغوي وسحر بيانه في عصر من العصور أو ثقافة أخرى غير الثقافة العربية فالتحدي مطلق شامل عام لا يختص بالعرب ولغتهم ثقافتهم. ومع ذلك سيظل التمكن من لغة العرب ومعرفة بيانها وتصاريف استعمالها للمعاني شرطاً أساسياً لفهم القرآن وشرحه ومعرفة مراد الله منه.(2/34)
و من جهة أخرى فقد توجه كثير من الباحثين على مر العصور إلى القرآن يمحصون فيه كل ما يخطر في بالهم من قضايا في إطار اختصاصهم وما تمرسوا فيه وأتقنوه، فما رجعوا إلا مستسلمين مذعنين. ومن هنا ذكر كثير من العلماء أبواباً من الإعجاز للقرآن الكريم لا تنحصر في قضايا اللغة والبيان، فذكروا الإعجاز العلمي والإعجاز الأخلاقي والإعجاز النفسي والإعجاز التشريعي والإعجاز التاريخي. وفي كل هذه الأنواع من الإعجاز ذكر العلماء وأطالوا فيما يثبت أن نمط القرآن وطريقة عرضه وتناوله لهذه الأمور مختلف ومفارق لما عهده البشر في محاولاتهم للتدوين والتأليف في هذه الموضوعات والأبواب من المعرفة، وهذه هي عين القضية التي تناولها علماء البيان ليثبتوا مفارقة بيان القرآن لبيان البشر.
وقد فتح الله على المسلمين في هذا العصر من أبواب الفهم لعجائب القرآن وأسراره ومواطن التدبر فيه بما لم يخطر للأقدمين على بال مما لم يكن عندهم من الأدوات والوسائل لمعرفته والبحث فيه. ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء العلماء لا يبحثون في قضايا لغوية أو بيانية وإنما يدورون في فلك آخر يعتمد المعاني والقضايا والتوجهات ويصل الجميع إلى النتيجة الوحيدة والتي تنطق بها كل الشهادات وهي أن تحدي القرآن قائم وأن قدرة البشر على الاستجابة ومقابلة التحدي بكل مجالاته أمر خارج عن الإمكان.
http://www.alrashad.org المصدر:
===========
رسالة من أم إلى ابنها
جمال صالح عبيد الغامدي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته:
هذه إحدى الأمهات قالت بالحرف الواحد:
لي أربعة أبناء، ثلاثة لا أراهم إلا قليلا..أما رابعهم يأتيني كل جمعة..بعد صلاة الجمعة مباشرة.. ومعه جريدة.. يتصفحها عندي قليلا ثم ينصرف " فكتبت إليهم هذه الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم(2/35)
يا بني.. هذه رسالة مكلومة من أمك المسكينة.. كتبتها على استحياء.. بعد تردد وطول انتظار.. أمسكت بالقلم مرات فحجزته الدمعة.. وأوقفت الدمعة مرات فجرى أنين القلب.. يا بني .. بعد هذا العمر الطويل.. أراك رجل سويا مكتمل العقل.. ومتزن العاطفة.. من حقي عليك أن تقرأ هذه الورقة.. وإن شئت بعد فمزقها كما مزقت أطراف قلبي من قبل.. يا بني.. منذ خمسة وعشرين عاما كان يوما مشرقا في حياتي.. عندما أخبرتني الطبيبة أنني حامل.. والأمهات يا بني يعرفن معنى هذه الكلمة جيدا.. فهي مزيج من الفرح والسرور.. وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسمية.. وبعد هذه البشرى.. حملتك تسعة أشهر في بطني.. فرحةً جذلا.. أقوم بصعوبة.. وأنام بصعوبة.. وآكل بصعوبة.. وأتنفس بصعوبة.. ولكن.. كل ذلك لم ينقص محبتي لك.. وفرحي بك.. بل نمت محبتك مع الأيام.. وترعرع الشوق إليك.. حملتك يا بني وهن على وهن.. وألما على ألم.. أفرح بحركتك.. وأسر بزيادة وزنك وهي حمل على ثقيل.. إنها معاناة طويلة.. أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها... ولم يغمض لي فيها جفن.. ونالني من الألم والشدة، والرهبة والخوف مالا يصفه القلم ولا يتحدث عنه اللسان.. ورأيت بأم عيني الموت مرات عدة... حتى خرجت إلى الدنيا.. فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي.. وأزالت كل ألامي وجراحي.. يابني.. مرت سنوات من عمرك وأنا أحملك في قلبي.. وأغسلك بيدي.. جعلت حجري لك فراشا.. وصدري لك غذاء.. أسهرت ليلي لتنام.. وأتعبت نهاري لتسعد.. أمنيتي كل يوما أن أرى ابتسامتك.. وسروري في كل لحظة أن تطلب مني شيء أصنعه لك.. فتلك هي منتهى سعادتي.. ومرت الليالي والأيام.. وأنا على تلك الحالة.. خادمة لم تقصر.. ومرضعة لم تتوقف.. وعاملة لم تفتر.. حتى اشتد عودك.. واستقام شبابك.. وبدت عليك معالم الرجولة.. فإذا بي أجري يمينا وشمالا.. لأبحث لك عن المرأة التي طلبت.. وأتى موعد زفافك.. فتقطع قلبي.. وجرت مدامعي..(2/36)
فرحة بحياتك الجديدة.. وحزنا على فراقك.. ومرت الساعات ثقيلة.. فإذا بك لست ابني الذي أعرفه.. لقد أنكرتني وتناسيت حقي.. تمر الأيام لا أراك.. ولا أسمع صوتك.. وتجاهلت من قامت بك خير قيام.. يا بني.. لا أطلب إلا القليل.. اجعلني في منزلة أطرف أصدقائك عندك.. وأبعدهم حضوة لديك.. اجعلني يا بني.. إحدى محطات حياتك الشهرية.. لأراك فيها ولو لدقائق.. يابني.. احدودب ظهري.. وارتعشت أطرافي.. وأنهكتني الأمراض.. وزارتني الأسقام.. لا أقوم إلا بصعوبة.. ولا أجلس إلا بمشقة.. ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك.. لو أكرمك شخصا يوما لأثنيت على حسن صنيعه.. وجميل إحسانه.. وأمك أحسنت إليك إحسانا لا تراه.. ومعروفا لا تجازيه.. لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات.. فأين الجزاء والوفاء؟... ألهذا الحد بلغت بك القسوة وأخذتك الأيام؟ يا بني.. كلما علمت أنك سعيد في حياتك زاد فرحي وسروري.. ولكني أتعجب وأنت صنيع يدي! أي ذنب جنيته حتى أصبحت عدو لك؟ لا تطيق رؤيتي!.. وتتثاقل زيارتي.. هل أخطأت يوما في معاملتك أو قصرت لحظة في خدمتك؟.. امنحني جزءا من رحمتك.. ومن علي ببعض أجري.. وأحسن.. فإن الله يحب المحسنين.. يا بني.. أتمنى رؤيتك.. لا أريد سوا ذلك.. دعني أرى عبوس وجهك.. يا بني.. تفطر قلبي.. وسالت مدامعي.. وأنت حي ترزق.. ولا يزال الناس يتحدثون عن حسن خلقك وجودك وكرمك.. يا بني.. أما آن لقلبك أن يرق لامرأة ضعيفة أضناه الشوق.. وألجمه الحزن.. جعلت الكمد شعارها.. والغم دثارها.. وأجريت لها دمعا، وأحزنت قلبا، وقطعت رحما.. لن أرفع الشكوى.. ولن أبث الحزن.. لأنها إن ارتفعت فوق الغمام.. واعتلت إلى باب السماء.. أصابك شؤم العقوق.. ونزلت بك العقوبة.. وحلت بدارك المصيبة.. لا لا لا لا لا لا .. لن أفعل.. لا تزال يا بني فلذة كبدي.. وريحانه حياتي.. وبهجة دنياي.. أفق يا بني.. بدأ الشيب يعلو مفرقك.. وتمر السنوات ثم تصبح أبا شيخا.. والجزاء من جنس(2/37)
العمل.. وستكتب رسائل لابنك بالدموع.. مثل ما كتبتها إليك.. وعند الله تجتمع الخصوم.. يا بني.. اتق الله في أمك.. كفكف دمعها.. وواسي حزنها.. وإن شئت بعد ذلك فمزق رسالتها.. واعلم أن من عمل صالحا فلنفسه.. ومن أساء فعليها..
إخوتي /أخواتي.. لنقف و نراجع و نفكر في تعاملنا و مخاطبتنا لأمهاتنا.. فقد كثرت آهاتهن.
http://www.almualem.net المصدر:
=============
رسالة من الجندي المجهول
• هو الجندي المجهول..يعمل بصمت وبحركة دؤوبة على إشعال و إشغال القلب بما يحب الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
• هو لسعة يقظة يعمل على وخز القلب كلما أحس بالخمول.
• هو كساعة المنبه يجلجل صوته في أرجاء القلب الذي تذبذب بفعل الغفلة.
• هو الحكم الذي يفصل بين مباراة الخير والشر الواقعة على أرض القلب.
• هو سفير القلب للقلوب.. وصوت الحق للدرووب..
أتعلم من هو؟
هو الضمير الحي!! نسأل الله - تعالى -أن يطهر قلوبنا ويجعلها نابضة بذكر الرحمن.. تستنير بنور القرآن
هل أدلك على ثلاث آيات تقرأها في دقائق معدودة تجعل سبعين ألف ملك يصلون عليك ليس هذا فقط..... بل إن مت في يومك هذا مت شهيداًً.
عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « من قال حين يصبح ثلاث مرات "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكَّلَ اللهُ سبعين ألف مَلَكٍ يصلّون عليه حتى يمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين ُيمسي كان بتلك المنزلة » أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم(2/38)
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
http://www.d3wa.org المصدر:
===========
رسالة إلى أصحاب موقع الأغاني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فلقد تساهل كثير من الناس هدانا الله وإياهم في هذا الزمان بسماع الغناء والتلذذ به والمجاهرة بسماعه رغم تحريمه في الكتاب والسنة، ورغم ما يشتمل عليه من كلام ساقط ماجن بذيء لا يليق بمسلم عاقل أبداً أن يستمع لمثله فضلاً عن أن يتلذذ به أو يجاهر بسماعه ولم يكتفوا بذلك بل امتد مرض الأغاني إلى مواقع الانترنت فتجد هناك عددا لا يحصى من مواقع الأغاني وللأسف فإن مواقع الأغاني تعتبر الأكثر زيارة وشهرة ...وتلك الطامات من الذنوب تنصب على رأس صاحب الموقع وربما ينتقل صاحب الموقع إلى حياه البرزخ في القبر وموقعه لا زال قائما فيكسب ذنوبه وهو في قبره,
إليكم جانبا من أضرار الغناء:(2/39)
إن للغناء أضرار ومفاسد كثيرة: فهو يفسد العقل وينقص الحياء ويهدم المروءة، وهو سبب ذهاب الغيرة ونور الإيمان من القلوب ويقرب من يستمعه من الشيطان ويبعده عن الرحمن، والغناء هو الذي أفسد الأمة وأثار الشهوات في نفوس الناس وهو الطريق الموصل إلى الزنا واللواط، وهو الذي ألهى الأمة عن القرآن وعن الذكر وعن الطاعة وأنبت النفاق في قلوب مستمعيه وحرك البنات الغافلات والبنين الغافلين إلى التفكير الخاطىء وإلى التفكير في الفاحشة والرذيلة وأصبح الواحد منهم في ليله ونهاره غارقاً في بحر الأوهام والأماني الكاذبة والأفكار السيئة.
واليكم رأي الدين في الغناء:
قال ابن القيم - رحمه الله - : الغناء هو جاسوس القلوب وسارق المروءة، وسُوس العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويدب إلى محل التخييل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة، فبينما ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القران، فإذا سمع الغناء ومال إليه نقص عقله، وقل حياؤه، وذهب مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه وشكا إلى الله إيمانه، وثقل عليه قرآنه...
وقال - رحمه الله - في أهل الغناء:
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة *** لكنه إطراق ساه لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا *** والله ما رقصوا لأجل الله
أدلة تحريم الغناء:
إن الغناء محرم بالكتاب والسنة، فمن القرآن قوله - تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6].
قال ابن مسعود في تفسير هذه الآية: والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء وأقسم على ذلك ثلاثة مرات.(2/40)
ومن السنة ما روته عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "والذي نفسي بيده ما رفع رجل عقيرته بالغناء إلا ارتدفه شيطانان يضربان بأرجلهما صدره وظهره حتى يسكت".
وعن أنس أيضاً - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جلس إلى قينة صب في أذنيه الآنك يوم القيامة" الآنك هو الرصاص المذاب، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام من جنب علم (جبل)، تروح عليهم بسارحة
يأتيهم الفقير لحاجة فيقولون إرجع إلينا غداً فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". رواه البخاري.
فلو كان الغناء والمعازف حلالاً لما ذمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - باستحلالها ولما جعل عقوبتهم كعقوبة من يستحل الخمر والزنا، ولو كانت حلالاً لما توعدوا بهذا الوعيد الشديد.
فمن استمع الغناء فهو مهدد بهذه العقوبة الفظيعة في الدنيا قبل عذاب الآخرة.
قال ابن القيم: ومن لم يمسخ منهم في حياته مسخ في قبره.
آراء أئمة الإسلام في الغناء:
اتفق أئمة المذاهب الأربعة وسلف الأمة على تحريم الغناء وأنه لا يتعاطاه ويستمعه إلا فاسق وسفيه من السفهاء.
1. مذهب الحنفية: يقرر الحنفية في كتبهم أن سماع الغناء فسق وأن التلذذ به كفر، وقد نص الحنفية أن التغني حرام في جميع الأديان، وكيف يبيح الله ما يقوي النفاق ويدعو إلى الرذيلة والفاحشة.
2. مذهب المالكية: سئل الإمام مالك عن الغناء فقال: إنما يفعله عندنا الفساق، وسأل رجل الإمام مالك عن الغناء فقال مالك: إذا جيء بالحق والباطل يوم القيامة ففي أيهما يكون الغناء، قال السائل: في الباطل، قال مالك: والباطل في الجنة أو في النار، قال في النار، قال: اذهب فقد أفتيت نفسك.
3. المذهب الشافعي: قال الإمام الشافعي: من استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته.(2/41)
4. المذهب الحنبلي: يقول الإمام أحمد إن الغناء لا يعجبني، إنه ينبت النفاق بالقلب، والغناء باطل والباطل في النار.
فيا من تستمعون الغناء أما تكفيكم هذه الأدلة في تحريم الغناء؟ لماذا هذا العناد والإصرار على سماعه ووضعه في مواقعكم وهو محرم، إن الله خلق لكم السمع لتسمعوا فيه ما ينفعكم وتسمعوا فيه ما يرضي ربكم، فلماذا تسمعون فيه ما يضركم ويغضب ربكم من ساقط الكلام ورديء الأشعار، أهذا هو شكر النعمة، لماذا تحاربون الله بنعمه وتبارزونه بالمعاصي، لماذا هذا الاستهتار بأوامر الله؟ أين تعظيم الله؟ أما تخافون عقوبة الله؟ هل لكم صبر وجلد على النار؟ هل تذكرتم الموت وسكرته والقبر وظلمته والصراط ودقته والحساب وشدته؟ ألستم مسلمين؟ إن المسلم لم يخلق لتوافه الأمور كاللهو واللعب وسماع الغناء!! إن المسلم خلق ليعبد الله وينشر دين الله، ويجاهد في سبيل الله فلا تجعلوا غاية همكم هو سماع الغناء واللهو واللعب فإن هذا والله لا يليق بكم أبداً.
أيها اللاهي على أعلى وجل *** اتق الله الذي - عز وجل -
واستمع قولاً به ضرب المثل *** اعتزل ذكر الأغاني والغزل
وقل الفصل وجانب من هزل *** ذهبت لذاتها والإثم حل
كم أطعت النفس إذا أغويتها *** وعلى فعل الخنا ربيتها
كم ليالي لاهياً أنهيتها *** إن أهنأ عيشة قضيتها
أسال الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
http://alhodaway.net المصدر:
===========
رسالة إلى معلم
عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه...(2/42)
فيا مشاعل النور والرحمة:.. أيها المعلم، وأيتها المعلمة، إن الواجب عظيم، وإن المهمة ثقيلة، والمسؤولية كبيرة على هذا العلم. إنها رسالة عظيمة، رسالة شريفة لمن كان مخلصاً لله في أقواله وأعماله. أجل إنها رسالة شريفة، وإنه لعمل عظيم لمن أخلص لله في قوله وعمله... نعم، إنه واجب كبير، معلم سيلتقي بمجموعة من أبناء المسلمين، ومعلمة ستقوم بتعليم كثيرٍ من بنات المسلمين، فما واجب ذلك المعلم؟ فما واجب ذلك المعلم وتلك المعلمة؟ إن واجبهم يتلخص في أمور من أهمها:
أولاً: أن يكون هدفه وسلوكه وتفكيره ربانياً، يهدف من كل أعماله التعليمية ودروسه أن يجعل الطلاب مثله ربانيين، يرون آثار عظمة الله وقدرته ويستدلون عليها في كل ما يدرسونه ويخشعون لله ويشعرون بإجلاله عند كل عبرة من عبر التاريخ أو سنة من سنن الحياة أو قانون من قوانين الطبيعة.
ثانياً: أن يكون مخلصاً لله، فلا يقصد بعلمه وسعة اطلاعه إلا مرضاة الله والوصول إلى الحق وزرعه في عقول النشء وجعلهم أتباعاً له يدورون معه حيث دار، فإذا زال الإخلاص حل محله الحسد، فيصبح كل معلم يتعصب لرأيه أو طريقته ويسود الغرور والأثرة عوضاً عن التواضع للحق وإيثار الحق على الهوى.
ثالثاً: أن يكون عادلاً بين طلابه لا يميل إلى أي فئة منهم ولا يفضل أحداً على أحد إلا بالحق وبما يستحق كل طالب حسب عمله ومواهبه. قال الحسن البصري - رحمه الله -: لا يزال الرجل بخير إذا قال: قال لله، وإذا عمل: عمل لله، الإخلاص هو الهدى والنور، عاقبته الرضا والسرور، وجنات الفردوس والحبور، ما كان في قليل إلا كثره، ولا يسير إلا باركه، قال بعض السلف - رحمهم الله -: كم من عمل قليل كثرته النية.
رابعاً: أن يكون صادقاً فيما يدعو إليه، وعلامة الصدق أن يطبقه على نفسه، فإذا طابق علمه عمله اتبعه الطلاب وقلدوه في أقواله وأفعاله.(2/43)
خامساً: أن يكون واعياً للمؤثرات والاتجاهات العالمية المعاصرة وما تتركه في نفوس النشء من أثر على معتقداتهم وأساليب تفكيرهم وفهمهم للحياة، فاهماً لمشاكل الحياة المعاصرة وعلاج الإسلام لها.
هذه بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم المسلم وغيرها كثير ولكن المكان لا يتسع لذكرها وإنما أردت من ذلك التذكير والنصيحة.
التعليم الذي نريد..
لا يقول العقلاء فضلاً عن رجال التربية: إن المقصود من التعليم حشو المعلومات وحرفية النصوص دون اعتبار لمعانيها وتجاوبٍ مع مدلولاتها إذا كنا ننشد حقا تربيةَ الأجيال والارتقاء بهم إلى الكمال. فمهما بلغت المعلومات المادية ومستوى الخبرات الآلية فإنها وحدها لا تُنمِّي شخصية، ولا تُعدّ إنساناً، ولا تحرّك البشرية إلى عمل واحد من أعمال الخير، إنما الذي يحركها إلى عمل الخير هو إيمانها بالقيم العليا والمبادئ السُّميا.
فحاجتنا إلى القلوب العامرة بالإيمان ليست دون حاجتنا إلى الرؤوس المشحونة بالمعلومات، كيلا يكون النشء شيطاناً يرمي بشرره وينشر الدمار والبؤسَ على العالمين، وكيلا تجرفه موجات إدمان المخدرات والأفكار المنحرفة والعقائد الضالة،.
ما قيمة العلم إذا كان صاحبه كذوبا خؤونًا، يتمرّغ في الرذيلة، وينقض مبادئَ التربية عروةً عروة بسلوكه وأخلاقه؟! ما قيمة التعليم إذا لم يظهر أثره على طالب العلم في أدبه مع العلم، وفي أدبه مع أساتذته، وفي أدبه مع إخوانه وكتبه؟!(2/44)
ثانياً: أن يكون المعلم قدوة حسنة لغيره، يتخلق بأخلاق الإسلام، ويتأدب بآدابه، وليعلم أن أقواله وأعماله تتلقى عنه، وأن هؤلاء النشء سينظرون إلى المعلم والمعلمة، سينظرون إلى الأقوال التي يتلفظون بها، والأعمال التي يعملونها، فإن يكن ذلك المعلم وتلك المعلمة ذا خلق نبيل ومروءة وعلم واستقامة على الخُلُق فإنه يصدر منه ومن المعلمة كل كلامٍ طيب بعيد عن الفحش، بعيد عن سقيط الأقوال والأعمال، إن الأبناء والبنات مرآة تعكس أخلاق المعلم والمعلمة، فليتق الجميع ربهم في ذلك، وليحرصوا على أن تكون الأقوال والأعمال موزونة بالميزان الشرعي، فبذلك يؤدي المعلم وتؤدي المعلمة واجبها... وتختل الموازين حينما يتولى التدريس غير ملتزم بأحكام الإسلام متهاون في أوامر الله قد استحوذ عليه الشيطان لان المطلوب من الإرشاد إلى كل خلق حسن والتحذير من كل خلق ذميم ولكن فاقد الشيء لا يعطيه... فالطالب الذي يرى مدرسه في حالة من الميوعة والتسبب كيف يتعلم الفضيلة؟ والطالب الذي يسمع من مدرسه كلمات السب والشتم كيف يتعلم حلاوة المنطق؟ والطالب الذي يرى مدرسه يتعاطى الدخان سيسهل عليه هذا الأمر؟ وليعلم كل من اشتغل بالتدريس: أن أقل ما ينتظر من المدرس المسلم أن يكون مظهره إسلاميا وأن يتفق قوله وفعله وسلوكه مع روح الإسلام ومبادئه... فمثلا: إذا دخل على طلابه قابلهم بوجه طلق قال - صلى الله عليه وسلم - " لا يحتقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " وحياهم بتحية الإسلام " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " لا بتحية العوام " صباح الخير " أو " مساء الخير " وليبدأ حديثه بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فـ " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهوا قطع " إلى غير ذلك من الأمور التي يغرس في نفوس الصغار الأخلاق الحميدة.(2/45)
ثالثاً: أن يكون عادلاً بين طلابه لا يميل إلى أي فئة منهم ولا يفضل أحداً على أحد إلا بالحق وبما يستحق كل طالب حسب عمله ومواهبه..
خامسا: أن يكون حليماً مقتدياً بأشرف الخلق سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، كان خير المعلمين إمام المربيين والموجهين، كان - صلى الله عليه وسلم - خير المعلمين، كان - صلى الله عليه وسلم - خير المربين، حينما كان حليماً رحيماً رفيقاً رقيقاً، ييسر ولا يعسر، ويبشر ولا ينفر، كان - صلى الله عليه وسلم - خير المعلمين حينما كان طليق الوجه دائم البشر والسرور، قال جرير - رضي الله عنه وأرضاه - : (ما لقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا تبسم في وجهي).
يا مشاعل النور والرحمة: أيها المعلم والمعلمة، إن أبناءنا وبناتنا يواجهون غزواً فكرياً إلحادياً قائماً على أشُدِّه من خلال كل الوسائل التي يراها أعداء الإسلام مؤثرةً على شبابنا وفتياتنا، هذا الغزو الضال المكثف لا يمكن أن نتداركه إلا أن نملأ قلوبهم بالخير، وأن نحذرهم من الشر ووسائله، إلى أن ننأى بهم عن طرق الضلال والغواية... فاحرص ـ أيها المعلم ـ واحرصي ـ أيتها المعلمة ـ على تصحيح الوضع، وعلى إصلاح الأخطاء، وعلى التوجيه السليم لهؤلاء الفتيان والفتيات، ألاَّ يغتروا بما شاهدوا وبما يرون، وأن تستأصلوا كل الشر من نفوسهم بالتربية الصالحة والتوجيه الطيب الذي يستفيدون منه في الحاضر والمستقبل.. وأختم كلامي بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)).
http://www.saaid.net المصدر:
============
على هامش " رسالة من البصرة إلى الشعب البريطاني "
د. بدران الحسن
قبل البداية: وصلتني رسالة على بريدي الإلكتروني فيها مقتطفات من بعثتها عراقية اسمها (إيمان السعدون) إلى الشعب البريطاني بمناسبة ما حصل من تفجيرات في لندن، وأودى بحياة كثير من المدنيين.(2/46)
وقبل تناول الرسالة المعبرة أريد القول: إن قتل المدنيين العزل بدون وجه حق أمر محرم في ديننا كما هو محرم في شرائع الدنيا كلها. وإننا نقاسم المصابين أحزانهم، والذين فقدوا أحبتهم ويفقدونهم كل يوم في كل مكان من العالم تعرضوا فيه للقتل والترهيب دون وجه حق، ودون أن يحملوا السلاح، بل باغتهم الترهيب والقتل دون سابق إنذار، وخاصة في فلسطين على يد إرهاب الدولة الصهيونية، وفي العراق، وأفغانستان، وغيرها من البلدان التي تتععرض لترهيب وبربرية الحضارة المعاصرة دون رحمة أو شفقة أو تمييز بين المدني والعسكري، وخاصة أولئك الضحايا من النساء والشيوخ والولدان الذين لا يجدون حيلة للاحتماء من بطش الاحتلال، أو الفرار بأنفسهم، أو الدفاع في وجه من لا يعطي أدنى تقدير لإنسانية الإنسان.
والغريب في الأمر، أن ما يحدث من تقتيل للإنسان والحيوان وتدمير للأرض وإفساد ما فيها في فلسطين والعراق وأفغانستان لم يجد بواكي له في وسائل الإعلام العالمية والعربية والإسلامية التي راحت تكثر من النحيب والعويل على ما وقع في لندن، في الوقت الذي يُقتل فيه أضعاف مضاعفة في العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان ومندناو وفي إفريقيا وغيرها من بقاع العالم على يد آلة الرعب والقتل الأمريكية والصهيونية خصوصاً والغربية عموماً.
وهذا التمييز بين قيمة المدني العراقي وبين قيمة المدني البريطاني أو الأمريكي أو الغربي عموماً هو الإرهاب الحقيقي؛ إذ إن المدني مدني بطبعه وإنسانيته، وليس بعرقه أو دينه أو منطقته الجغرافية، وإلا اختلت موازين الحق والعدل، وفشا الظلم في تقييم الأمور والأشياء، وهذا مؤذن بخراب العمران كما قال ابن خلدون عليه رحمة الله. وهذا ما نجد تعبيراً عنه في رسالة السيدة (إيمان السعدون) من البصرة إلى الشعب البريطاني بمناسبة حوادث تفجيرات لندن.
محتوى الرسالة البصرية إلى الشعب البريطاني(2/47)
تقول الرسالة: إني مرسلة هذه الرسالة إلى الشعب البريطاني، وبخاصة إلى سكان مدينة لندن.
لمدة ساعات معدودة عشتم لحظات من القلق والرعب. وفي تلك الساعات فقدتم أفراداً من أسركم أو عائلاتكم أو صديقاً لكم، ونود أن نقول لكم بكل شرف، بأننا نحزن جداً حين تقع أنفس بريئة ضحايا. ولا أستطيع أن أعبر لكم عن مدى الجرح العميق الذي يصيبنا لما نرى الوجوم والخوف والألم على وجوه الآخرين؛ لأننا عشنا هذه الحالة ولا نزال نعيشها يومياً منذ أن قادت دولتكم بريطانيا- والولايات المتحدة الأمريكية قوى التحالف في حملة مهاجمة وغزو العراق واحتلاله.
إن رئيس وزراء دولتكم، توني بلير قال: إن الذين قاموا بتلك التفجيرات قاموا بذلك باسم الإسلام. ووزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس، وصفت التفجيرات بأنها عمل بربري. كما أن مجلس الأمن الدولي اجتمع وشجب بإجماع ذلك الحادث.
ولكني بودي أن أسألك، أيها الشعب البريطاني الحر؛ باسم مَنْ حوصر بلدي اثنتا عشرة سنة كاملة؟ وباسم مَن أُلقيت القنابل والأسلحة المحرمة دولياً على مدن بلدي العراق؟ وباسم من قام الجيش البريطاني بقتل العراقيين وتعذيبهم وانتهاك حرماتهم؟ هل كان ذلك باسمك؟ أم اسم الدين؟ أم الإنسانية؟ أم الحرية؟ أم الديموقراطية؟
ماذا تقولون عن قتل أكثر من مليوني طفل؟ وماذا تقولون عن تلويث التراب والماء باليورانيوم المشع والأسلحة الفتاكة والعناصر الكيماوية الأخرى؟ وماذا تقولون عمّا حدث في سجن (أبو غريب)، وغوانتانامو والسجون والمعتقلات الأخرى؟ وماذا تقولون عن تعذيب الرجال والنساء والولدان؟ وماذا تقولون عن ربط القنابل بأجساد المساجين وتفجيرهم بها؟ وماذا تقولون عن طرق التعذيب الجديدة التي استخدمت في تعذيب السجناء العراقيين؛ من قلع الأضافر، وفقء الأعين وقلعها، ووضع السجاير على جلودهم، وإحراق شعر رؤوسهم؟ فهل يكون وصف "بربري" كافياً لوصف سلوك جنودكم في العراق؟(2/48)
هل من الممكن أن أسأل: لماذا لم يشجب مجلس الأمن مجازر العامرية والفلوجة وتلعفر ومدينة الصدر والنجف؟
لماذا وقف العالم يتفرج على شعبي يُقتل ويُعذّب ويُشرّد، ولم يشجب الجرائم التي ارتكبت في حقنا؟ فهل أنتم بشر ونحن شيء آخر أقل من ذلك؟ وهل تعتقدون أنكم أنتم فقط تتألمون، وتشعرون بالألم بينما نحن لا إحساس لنا؟
في الحقيقة نحن الأكثر وعياً بالألم الفظيع الذي يلم بالأم التي فقدت ابنها أو الأب الذي فقد أسرته. نعلم جيداً كم هو مؤلم أن يفقد أحد من يحب.
إنكم لا تعرفون شهداءنا، ولكن نحن نعرفهم. لا تتذكرونهم أو تبكون من أجلهم، ولكننا نفعل ذلك.
هل سمعتم بالطفلة حنان صالح مطرود؟ أو الطفل أحمد جابر كريم؟ أو سعيد شبرم؟
نعم. إن موتانا وقتلانا لهم أسماء أيضاً. إن لهم وجوهاً وقصصاً وذكريات. لقد كانوا بيننا ذات يوم، يضحكون ويلعبون. كانت لهم أحلام مثلما لكم أحلام أنتم أيضاً. كان لهم غد ينتظرهم، ولكنهم اليوم يرقدون بيننا بلا غد يوقظهم.
إننا لا نكره الشعب البريطاني ولا شعوب العالم الأخرى. وهذه الحرب فُرضت علينا، ولكننا اليوم ندفع عن أنفسنا؛ لأننا نريد أن نحيا على أرضنا- أرض العراق الحر- ونعيش كما نريد أن نعيش نحن، وليس كما تريد حكومتكم أو حكومة الولايات المتحدة.
دع عائلات أولئك الذين قُتلوا يعرفون أن مسؤولية أحداث تفجيرات الثلاثاء في لندن تقع على عاتق توني بلير وسياساته.
أوقفوا الحرب على شعبنا.
أوقفوا القتل اليومي الذي يمارسه جنودكم.
أنهوا احتلالكم لأرضنا.
توقيع: إيمان السعدون
14 يوليو 2005
وماذا بعد؟(2/49)
إن المتأمل في رسالة هذه السيدة العراقية يجدها تثير نقاطاً كثيرة، تخاطب ضمير الشعب البريطاني ومن ورائه المجتمعات الغربية كلها، تستثير فيها التفكر في كثير من معاني الفوضى القيمية في العالم بفعل آليات التهويل الإعلامي والسياسي الغربية، وتابعتها في العالم العربي والإسلامي، وآليات التهوين لما أصاب أمتنا من محن على أيدي قوات الغطرسة الصهيونية والغربية وتابعتها ممثلة في أنظمة القهر والجبروت في العالم العربي خاصة.
كما أن الرسالة في حقيقتها موجهة للإدارة الأمريكية التي حملت على عاتقها برنامج إخضاع العالم لسطوتها، وتبعتها في ذلك أو ساندتها السياسة الرسمية البريطانية. وبعبارة أخرى فإن الزهو الأمريكي بعد النجاحات العسكرية في العراق وأفغانستان وغيرها من مواقع العالم، والتفوق الأمريكي في ميدان السلاح والاقتصاد والتقنية الحديثة زاد من طغيان إدارة اليمين المسيحي المتصهين في الإدارة الأمريكية، بل وأعمى بصرها عن إدراك مآلات الأمور فيما يتعلق بعلاقاتها بشعوب الأرض قاطبة.
والملاحظ، أنه بفعل غرور الانفراد الأمريكي نشأ عرف أمريكي شاذ عن المعايير الإنسانية التي توارثتها البشرية منذ قرون، ويقوم هذا العرف المنفرد بصياغة مفردات السياسة الدولية بشكل يثير حقد العالم عموما، والمسلمين بشكل خاص؛ ذلك أنه بالإضافة إلى الظلم العام الذي تمارسه أمريكا على العالم، فإن هناك ظلماً خاصاً تسلطه على المسلمين بشكل لم يسبق له مثيل من قبل في التاريخ.
فالمسلم المنتفض من أجل حقه في الوجود إرهابي، بينما الصهاينة شذاذ الأفاق الذين تجمعوا في أرض بيت المقدس ويعيثون فساداً وقتلاً هم في نظر أمريكا مضطهدين. والمحتلين لأرض العراق وأفغانستان وغيرها يعدون مقاتلين من أجل الحرية المستدامة، ولهم إعفاء كامل من المحاكم الدولية عن أي جريمة ضد الإنسانية.(2/50)
وإذا قُتل يهودي أو حدث له أمر ما فإن ذلك معاداة للسامية، بينما آلاف الفلسطينيين الذين هم ساميون بالعرف العلمي الغربي- لا بواكي لهم، ولا يُرفع من أجلهم شعار معاداة السامية، مع أن علماء الأجناس والسلالات واللسانيات يرون أن العبري والعربي كليهما ساميان.
وإذا صنعت باكستان أو إيران أو العراق سلاحاً يمكن أن يمارس نوعاً من التخويف وحماية النفس فإن ذلك محور الشر ونذير شؤم على أمن وسلام العالم، أما إذا كانت الهند أو الكيان الصهيوني أو غيرها من الدول التي لا يحكمها مسلمون فإن ذلك يُضرب عنه صفحاً في صحف وقنوات العالم ولا يسمع به أحد، ولا يشكل خطراً على أمن وسلام العالم. بل حتى كوريا التي أعلنت وهدّدت وباشرت تصنيع السلاح النووي لم تُعامل بمعشار ما عومل به العراق أو ليبيا أو مصر أو العراق أو السعودية.
إنه الانفراد والغرور الأمريكي في العالم عامة وفي العالم الإسلامي خاصة، والذي كلما طال أمده زاد رصيد نتائجه من الحقد على أمريكا وحلفائها التي ترى أنها تؤدي دور "روما الجديدة" في مقابل "البرابرة الجدد" الذين هم المسلمون في العرف الأمريكي المتصهين والإنجيلي المتهوّد.
وحتى لا يُقال إن كلامنا هذا كلام حاقد على أمريكا رائدة "الحضارة" والتقدم و"العالم الحر"، فإن ما ذكرناه للقارئ الكريم في بداية هذا المقال يثبت ويدعو إلى تأمل الأحداث الأخيرة، وما أدت إليه من زيادة الكراهية لأمريكا وحلفائها في العالم كله، وليس في العالم الإسلامي فحسب، وما ذلك إلا بسبب الأخطاء الإستراتيجية للإدارة الأمريكية المتصهينة وتوابعها من حكومات بريطانيا وغيرها المبنية على "عقيدة الانفراد" والتسلط، وعلى تبديل القيم والمفاهيم، وتحيّز معايير الكرامة الإنسانية، وازدواجية المكاييل فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ومفاهيم الإرهاب، وتطبيقاتها المتحيزة، ونفاق الإعلام وتحيزه وتهويله لأشياء صغيرة وتهوينه لعظائم كثيرة.
18/6/1426
24/07/2005(2/51)
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
رسالة إلى المعلم المسلم
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
* أيها المعلم المسلم.
* يا مربي الأجيال، وصانع الرجال.
* يا من شرفك الله بمهنة الأنبياء و الرسل - عليهم السلام -.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأكتب إليك هذه الرسالة من وراء اثنين وعشرين عاماَ قضيتها في مهنة التعليم؛شاعرا َبكثير من الاعتزاز والفخر لانتمائي إلى مهنة هي أشرف المهن، وصناعة هي أكرم الصناعات، لاسيما وأنها رسالة الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أرسلهم الله - تعالى -إلى أقوامهم معلمين ومُبشرين ومُنذرين يدعونهم إلى الصراط المستقيم، ويخرجونهم من الظلمات إلى النور، قال - تعالى -: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة الأنعام: الآية رقم 48). فيا أخي المعلم في أي مرحلةٍ من المراحل، وفي أي مادةٍ من المواد العلمية أو الأدبية أو غيرها؛ أكتب لك هذه الرسالة مُذكراً وناصحاً، ومؤملاً أن تنال رضاك، وأن تحوز إعجابك، وأن تكون عوناً لنا جميعاً على بذل المزيد من الجهد والسعي لما فيه الخير والصلاح. وفيها أقول:
* يا من أعَّزهُ الله بالإسلام، تَذَكَّر أن المعلم المسلم يحمل أشرف رسالة، ويؤدي أعظم أمانة، وأن جمال رسالته مستمد من شرفها وبخاصة أن قدوته في ذلك أستاذ البشرية ومعلم الإنسانية محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن أجلُ وأشرفُ من المعلم في مهنته؟ الموظف أم البائع؟ المهندس أم الصانع؟ الطبيب أم المزارع؟(2/52)
إن كل أولئك و غيرهم من أبناء المجتمع إنما هم صنائع المعلم، به قاموا، وبه كانوا، لذا فهو يسعَدُ إذ يرى أبناءه وقد كانوا من أولئك المهندسين والأطباء والفنيين والخبراء..... الخ. الذين تنهض بهم الأمم، وتقوم بهم المجتمعات، وينتشر على أيديهم الخير ويعم الصلاح. وصدق الله جل في عُلاه وهو يقول: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} (سورة إبراهيم: الآية رقم 24).
* يا من تخاف الله - تعالى -وترجوا رحمته، اتق الله في عملك وراقبه - سبحانه -؛ فإنه يراك في كل وقتٍ وحين. واحرص على أدائه واجبك بالشكل الذي يرضاه جل في عُلاه، وتذكر ما روي عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " (رواه أبو يعلى في مسنده برقم 4386، المجلد السابع، ص 349).
ولا تنس - بارك الله فيك - أن حُسن تعاملك وتجاوبك مع مُديريك وزملائك، أو جلوسك في مكتبك، أو فصلك، أو معملك، وقضاءَك لحاجة طلابك أو إجابتك عن استفساراتهم يُعد عبادةً تُثاب عليها متى صلُحت نيتك واحتسبتها عند الله - سبحانه -.(2/53)
* يا من يتيه فخراً على أقرانه من العاملين في القطاعات و الميادين الأخرى؛ يكفيك أن أسمى ما تعتز به تلك المودة والمحبة، وذلك الاحترام والتقدير والوفاء الذي تحظى به أينما اتجهت، وحيثما حللت من طلاب الأمس الذين أصبحوا رجال اليوم. وتذكر أن من يجلسون أمامك - الآن - على مقاعد الدراسة هم رجال الغد المشرق وبُناة المستقبل الزاهر - إن شاء الله -. واعلم أن هؤلاء الطلاب أوسمةً على صدرك، ولئن كان البعض يعتزُ بوسامٍ واحدٍ يحمله بعد عملٍ جليلٍ طويل؛ فإن المعلم يحمل كل يومٍ وساماً، ولئن كانت أوسمة الآخرين تُعلقُ على صدورهم فإن أوسمة المعلم تعيش في قلبه، ويجسدها وجدانه وهو يرى مكانته في نفوس الآخرين اعترافاً بفضله وإجلالاً لقدره، كما قال الشاعر:
يا صانع الأجيال ما كانت لنا *** من غير صُنعك راية بيضاءُ
لولاك ما كان الخطيب مفوهاً *** ولما تغنى في الهوى الشعراءُ
* يا من يعيش حياة التعليم ويستغرق فيها بعقله وقلبه، ولا يرضى عنها بديلاً، لا تكن شمعةً تُحرق نفسها لتضيء الدرب للآخرين؛ بل كن سراجاً يُضيء الدروب للآخرين ولا ينسى نفسه من الخير والعطاء. وخيرُ سبيلٍ لتحقيق ذلك أن يكون شعارك في حياتك قوله - تعالى -: } وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {(سورة فُصلت: الآية رقم 33). وأن تبذل كل ما في وسعِك لتكون قدوةً حسنةً لأبنائك الطلاب في التزامك، وموضوعيتك، وسمّتِك، وعدلِك، وإنصافِك، وفي تعاملك مع من حولك على أُسسٍ قويمةٍ من التقوى والصلاح والأخلاق الفاضلة. ولله در الشاعر إذ يقول:
إني أرى التدريس أشرف مهنةٍ *** تبعاته من أثقل التَبِعاتِ
فليتق الله المدرسُ دائماً *** فيمن يُدَرِّسُه من الفلذات(2/54)
* يا من تعلم أن الله يراك في كل وقتٍ وحين، تَذَكَّر أن التربية فن وعلم ورسالة عظمى لمن وفقه الله لأدائها، لا سيما وأنها تعتمد على رؤية المعلم لطلابه وتحسسه لمشكلاتهم، وحسن تقديره لظروفهم ومراعاته لأحوالهم. وحافظ على مواعيد الحضور والانصراف، وإياك أن تتأخر أو تتغيب عن طلابك بغير عذر يجبرك على ذلك فكل راع ٍ مسؤول عن رعيته، وكل معلمٍ مسؤول عن مهامه وواجباته؛ التي إن أحسن أداءها جوزي خيراً إن شاء الله - تعالى -، وإن قصَّر حوسب وعوقب والعياذ بالله من ذلك -. وعليك أن تضع نصب عينيك تقوى الله جل جلاله في كل وقتٍ وحين، والشعور بمراقبته - سبحانه وتعالى -. وما أجمل قول الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يَغفلُ ساعة *** ولا أن ما تُخفي عليه يغيب
* يا من ترجوا رحمة الله - تعالى -وتخشى عقابه، الحذر من الانشغال بأي عملٍ مهما كان مهماً متى حان وقت الصلاة، وعليك - بارك الله فيك - أن تُعوِّد نفسك على إجابة النداء مبكراً، وأداء الفريضة في وقتها حتى يكون عملك بإذن الله - تعالى - عوناً لك على الطاعة. وتذكَّر أنه لا خير في عملٍ يؤخر المسلم عن أداء الفريضة، أو يمنعه من إجابة داعي الله جل في عُلاه. فإذا ما فرغت من ذلك فإياك وإضاعة الوقت فيما لا فائدة منه ولا نفع فيه، و عُد مباشرةً إلى فصلك أو مكتبك أو معملك حتى لا يتعطل سير العمل أو يضيع وقته.(2/55)
* يا من تقتدي بمعلم البشرية وأُستاذ الإنسانية، كُن سهلاً ليناً، حبيباً لطيفاً في تعاملك مع من حولك من المديرين والموجهين والمرشدين والوكلاء وأولياء الأمور والمستخدمين والعمال والطلاب، وعليك بمساعدة من تستطيع منهم ومد يد العون له في حدود ما تسمح به الأنظمة والتعليمات، ودونما ضررٍ أو ضِرار، وتذكّر أن من يَسَّر على مسلم، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، وأن من رفق بمسلم رفق الله به في الدنيا والآخرة؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في بيتي هذا:
" اللهم! من وَلِيَ من أمر أُمتي شيئاً فشقَّ عليهم، فاشقق عليه. ومن وَلِيَ من أمر أُمتي شيئًا فرَفَق بهم، فارفق به " (رواه مسلم، الحديث رقم 4722، ص 819 820).
* يا من تفتخر بدينك الإسلامي الحنيف، وتعتز بانتمائك لأمة الإسلام، حافظ على هويتك المُتميزة وشخصيتك المُستقلة، التي لا ترضى معها أن تتخلى أو تتنازل عن شيءٍ من المظاهر مهما كان ذلك يسيراً في نظرك؛ كأن تُحافظ على تحية الإسلام عند الالتقاء بالزملاء والطلاب، وأن تبدأ الدرس بحمد الله - تعالى -والصلاة والسلام على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، والمحافظة على كتابة البسملة في أعلى السبورة، وترديد دعاء ختام المجلس عند نهاية الدرس، والمحافظة على المظهر الجميل والسمت الحسن، ومراعاة سنن الفطرة، ونحو ذلك من الآداب النبوية والأخلاق الإسلامية التي تُميز شخصية المعلم المسلم، وتحفظ هويته، وتُعلي منزلته في أي زمانٍ ومكان.(2/56)
* يا من تبتغي بقولك وعملك ما عند الله - تعالى - من الخير العميم والثواب العظيم، لا تتردد في استخدام أُسلوب الثواب والمكافأة، واحرص على توظيف أسلوب الثناء المُباشر على طلابك إذا رأيت فيهم أو لمست منهم بادرةً حسنةً، أو سلوكاً طيباً. وما أحسن أن تُشجعهم على ذلك ببعض الهدايا المناسبة والجوائز الملائمة التي تعود عليهم بالنفع والفائدة في الدنيا والآخرة كأن تقوم بتوزيع بعض الأشرطة الإسلامية المختارة، أو الكُتيبات ذات الموضوعات النافعة، أو المطويات المُختصرة، أو نحو ذلك من الهدايا والمكافآت التي تُسهم في حثهم على الجد والاجتهاد ومضاعفة الجهد في الدرس والتحصيل، وتدفعهم إلى تحقيق الأهداف النبيلة والغايات السامية، وتغرس في أنفسهم المحبة والمودة لكلٍ من حولهم من الكائنات والمكونات.
* يا من تقوم بإعداد أجيال الأُمة، وتربية رجال المستقبل ليقوموا بوظائف البلاد وينهضوا بحضارة الأمة، ويحملوا رسالتها، تَذَكَّر أنك الأساس والمرتكز وحجر الزاوية في بناء الأمة الحضاري؛ فتحمل المسؤولية كاملة، وكن أهلاً لأداء هذه الرسالة العظيمة التي جسد أبعادها قول الشاعر:
أعلمت أشرف أو أجل من الذي *** يبني وينشىءُ أنفساَ وعقولاَ
وقول الآخر:
إن المعلم في عيني وفي نظري *** نورٌ به يهتدي من كان حيراناَ
لولا " المعلم " ما كانت حضارتنا *** تزداد شأواً وتسمو في الدُنا شانا
وهذا يفرض عليك أن تكون مُلماً بكل جديدٍ ومُفيدٍ في مجال تخصصك، وأن تكون مُتمكناً من مادتك العلمية التي تقوم بتدريسها لطلابك، وأن تكون حريصاً على الاطلاع والتجديد والتطوير المستمر لمعلوماتك ومهاراتك وقدراتك وخبراتك حتى تتمكن من مواكبة تطورات العصر وتغيراته المتلاحقة.(2/57)
* يا من يُجهد نفسه ويُضحي بوقته، ويبذُل الكثير لأداء رسالته، ويجد في أثناء ذلك كثيراً من المتاعب والعقبات، لا تنس أنك مأجورٌ ومشكورٌ ـ إن شاء الله ـ على ذلك كله متى أخلصت النية لله - سبحانه -، وصبرت واحتسبت ذلك عند الله - تعالى -. فليس هناك عملٌ بلا تعب، ولا نجاح بلا سهر، وما أجمل قول الشاعر الذي صوُّر حال مهنة التدريس بقوله:
ما أحسن التدريس لولا الابتلا *** بمُشاكسٍ أو أحمقٍ أو عاتي
أو ذي غباءٍ ليس يفهم درسه *** ولديه نثر القول كالأبيات
* وختاماً، أُهديك أخي المعلم عظيم شُكري، ووافر تحيتي، وخالص دعائي بالتوفيق والسداد، والهداية والرشاد في مسيرتك المُباركة، ومشوارك الطويل لأداء هذه الرسالة العظيمة التي جعلتك محط الأنظار، ومحل العناية والاهتمام في هذا الزمان وكل زمان. وصلى الله على محمدٍ المختار وآله الأطهار، وسلَّم تسليماً كثيراً.
http://www.saaid.net المصدر:
============
رسالة إلى التاجر المسلم
فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فمن نعم الله على عباده أن أحل لهم البيع وأباحه لهم، وحرم عليهم الربا. {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة275]. وفي البيع تحصيل لمنافع عظيمة يحتاجها الناس في حياتهم، لأن الناس لا بد وأن تتعلق نفوسهم بما في يد الغير، فكان البيع هو الوسيلة التي أباحها الله لعباده لكي يصلوا إلى ما يريدون، وهو بذل الثمن لتملك المثمن.(2/58)
وحديثنا هنا نخص به التاجر المسلم: الذي اختار البيع والشراء وسيلة لكسب المال، وأنعم بها من وسيلة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - اشتغل بالتجارة مدة من الزمن، وكثيرٌ من الصحابة كانوا تجاراً كأبي بكرٍ الصديق وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم. ولم تكن تلك التجارة مانعة لهم من إقامة شعائر الله أو التفريط فيها، بل بذلوها رخيصة لدين الله وفي سبيله، فلم تكن الدنيا قطٌ في قلوبهم بل كانت في أيديهم، ولا أدل على ذلك إلا فعل أبي بكر -رضي الله عنه- عندما جاء بكل ماله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - متصدقاً به يرجو الثواب من الله - عز وجل -، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله[رواه أبو داود: 1678]. وكذا عثمان-رضي الله عنه- له في هذا قصص مشهورة ومن أعظمها بذل كثير من ماله لتجهيز جيش العسرة، حتى قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم. مرتين) [رواه الترمذي وقال: حسن غريب من هذا الوجه].
أخي التاجر المسلم: لما أُخاطبك بالتاجر المسلم، أعني أنك لست كالتاجر الكافر همه كيف الحصول على المال بأي وسيلة كانت، وكيف يخراج المال من جيوب الناس … ولما أُخاطبك بالتاجر المسلم فإنني أخاطب فيك إسلامك وإيمانك، لأن الشواهد والتجارب أكدت على أن من لم يكن عنده دين، لا يتوانى عن ركوب كل طريق حتى يحصل على المال، مهما كانت الوسيلة وهل هي مشروعة أو غير مشروعة، وهل هي مفسدة للقيم والأخلاق أو غير مفسدة، المهم عنده الحصول على المال بأي ثمن.
ولذا فإنه نوجه لإخواننا التجار نصيحة نرجو أن تنير لهم الطريق، وتقوم المعوج، وترشد الضال إلى سواء السبيل. فأقول مستعيناً بالله:(2/59)
- أيها التاجر المسلم عليك بالنصيحة للمسلمين: وعدم غشهم، ومن صور النصيحة التي تبذلها للناس: الربح المعقول الذي لا يشق على المشتري، وإخباره عن جودة السلعة وعدم المبالغة فيها، وعدم كتمان عيوبها. فإن كتمان العيب في السلعة غشٌ لا يرضي الله - عز وجل -، وهو ممحق لبركة البيع، نازع لها: قال - صلى الله عليه وسلم -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) [رواه البخاري: 2110، ومسلم: 1532].
- وقم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فإنها من أعظم القرب، وليكن أمرك ونهيك ودعوتك بالحسنى وبالقول الحسن، وعليك بلين الكلام فإنه طريق لفتح قلوب الأبواب المغلقة. وطرق الدعوة كثيرة، كالتذكير بالله لمن يأتيك في متجرك، أو توزيع الكتب والأشرطة … إلخ.
- وعليك بصدق الحديث، وحسن المعاملة: فإن من اتقى الله، وصدق الناس، وأحسن إليهم نال رضا الله، وجعله الله محبوباً إلى الخلق، ورزقه من حيث لا يحتسب.
- وأقلِ الناس إن هم اشتروا من عندك سلعة ثم ندموا: فإن كثير من الناس قد يشترون شيئاً ثم يندمون عليه، ويتحسرون، ويتمنون أنهم لم يشتروه، فإن جاءوك ليردوا ما أخذوه وكان سليماً، فاعذرهم واردد لهم أموالهم، ولا تجبرهم على الشراء مما عندك فقد لا يريدونه، ولا يغلبنك حب الدنيا على نفع الناس؛ والحق أنك تنفع نفسك. قال - صلى الله عليه وسلم -: (من أقال مسلما أقاله الله عثرته) [رواه أبو داود: 3460].(2/60)
- وكن سمحاً في البيع والشراء، وانظر المعسر، وتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنك في وقت أنت أحوج ما تكون إلى تجاوز الله عنك. قال - صلى الله عليه وسلم -: (رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى) [رواه البخاري: 2076]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه) [رواه البخاري: 2078، ومسلم: 1562]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله… الحديث) [مسلم: 3014].
- أد زكاة مالك. فهو حق لله لا لك، فإنك إن فعلت أطعت ربك، بارك لك في مالك، وإن عصيته وحبست حق الله عليك، نُزعت البركة منه، ويكون وبالاً عليك في الدنيا والآخرة، ونالك ما نال الذي يكنز الذهب والفضة: قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34)يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ(35)}[التوبة]. ثم إنك بمنعك زكاة مالك-حق الله عليك- تكون قد أسأت إلى خلق الله، لأنك كنت سبباً في منع الغيث من السماء، قال - صلى الله عليه وسلم -: (… ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا …الحديث) [رواه ابن ماجة: 4019، وقال الألباني حسن: برقم: 3262].(2/61)
- انفع نفسك بالإنفاق في سبيل الله، فإنك إن بذلت مالك لوجه الله، وأنفقته في سبيله، تنفع نفسك ويقربك عند مولاك، وليس لك من مالك إلا ما أنفقته في سبيله. فعن عبد الله بن الشخير-رضي الله عنه- قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ ألهاكم التكاثر، قال: يقول ابن آدم: مالي، مالي. قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك، إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت) [رواه مسلم: 2958]. أمضيت أي: أبقيت. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [رواه مسلم: 1631].
- وأحذر: من إضاعة الصلاة لأجل كسب بضعة ريالات، فإن الدنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة، فإذا أُذن للصلاة فأترك الدنيا-الزائلة- وراء ظهرك، وأطلب الآخرة الدائمة التي لا تزول. ومن تشاغل عن الصلاة بالبيع والشراء فقد أثم ووقع في المحرم. قال - تعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]. وهذا الحكم ليس في الجمعة فحسب، بل أي تجارة ألهت عن صلاة فهو محرم.
- وأحذر: من الغش فإنه مقيت، والغاش متوعدٌ على لسان رسولنا- صلى الله عليه وسلم -: (من غش فليس مني) [رواه مسلم: 102]. ولا شك أن الغش من كبائر الذنوب. وصور الغش كثيرة، والتجار أعلم بها من غيرهم، والله مطّلع على السرائر، فليحذر التاجر من يوم تبلى فيه السرائر، فما كان مخفياً في الدنيا يظهره الله يوم الآخرة.(2/62)
- وأحذر الربا فإنه بئس المكسب وبئس المنقلب: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276]. وقال - تعالى -: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: 275]. وعن جابر-رضي الله عنه- قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه وقال: هم سواء) [رواه مسلم: 1598]. وصور الربا كثيرة، ولا تقل من عند نفسك هذه الوسيلة الفلانية جائزة ولا شيء فيها أو نحو ذلك، بل ارجع إلى أهل العلم الراسخين فيه، واسألهم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]. ولا تتشبث بفتوى أنصاف العلماء وأحذرهم، وأنجو بنفسك إن أردت لها الفلاح.
- وأحذر: من بيع العينة فإنها محرمة على لسان رسول الله صلى الله فعن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) [رواه أبو داود: 3462 وصححه الألباني].(2/63)
وصورة العينة: أن يبيع شخص سلعة على شخص آخر بثمن مؤجل، ثم يشتريها منه بثمن حال أقل من المؤجل. مثال ذلك: أن يبيع شخص على آخر سيارة بعشرين ألفاً إلى أجل، ثم يشتريها منه بخمسة عشر ألفاً حالة يسلمها له، وتبقى العشرون الألف في ذمته إلى حلول الأجل؛ فيحرم ذلك؛ لأنه حيلة يتوصل بها إلى الربا، فكأنه باع دراهم مؤجلة بدراهم حالة مع التفاضل، وجعل السلعة حيلة فقط. [الملخص الفقهي(2/13): للشيخ صالح الفوزان].
- وأحذر: من بيع محرم النفع، أو مما يستعان به على معصية الله؛ فإن هذا البيع محرمٌ، وهو من التعاون على الإثم والعدوان: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. وهذا البيع؛ كبيع الخمر، وبيع آلات اللهو، والدخان، ومن كان مثلها في التحريم.
- ولا تبع على بيع أخيك، أو تشتري على شراءه، فإن هذا يجلب العداوة والبغضاء بين المسلمين، ويفرق فيما بينهم، وفوق ذلك أنه محرم، فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يبيع بعضكم على بيع أخيه)[رواه البخاري: 2139].
ومثال البيع على البيع: أن يشتري زيد من عمرو سيارة بعشرة آلاف، فيذهب رجل إلى زيد ويقول له أنا أعطيك أحسن منها بتسعة، أو مثلها بثمانية، ونحو ذلك.
ومثال الشراء على الشراء: أن يبيع زيد على عمرو سلعة بتسعة، فيأتي رجل آخر ويقول لزيد البائع-: أنا أعطيك فيها عشرة، أو نحو ذلك. وكل هذا محرم، والشراء داخل في البيع.
- وأحذر: من النجش: فهو ظلم وعدوان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا) [البخاري: 6066].(2/64)
والنجش: هو الزيادة في قيمة السلعة مع عدم الرغبة في الشراء، حتى ترتفع قيمة السلعة. وهذا فيه تغرير بالمشتري وخديعته وإضرار به. وهذا يقع كثيراً اليوم وخصوصاً في (حراج السيارات).
ومن صور النجش المحرم أن يقول صاحب السلعة: أُعطيت بها كذا وكذا، وهو كاذب، أو يقول: اشتريتها بكذا وهو كاذب.
ومن صور النجش المحرم أن يقول صاحب السلعة: لا أبيعها إلا بكذا أو كذا؛ لأجل أن يأخذها المشتري بقريب مما قال، كأن يقول: في سلعة ثمنها خمسة: أبيعها بعشرة؛ ليأخذها المشتري بقريب من العشرة. [انظر الملخص الفقهي: (2/19) للشيخ: صالح الفوزان] قلت: وهذا منتشر الآن بين البائعين إلا من رحم الله.
- ولا تحلف بالله كذباً وزوراً، من أجل متاع من الدنيا قليل، فإنه أكل لأموال الناس بالباطل، وظلمٌ لهم، وجنب نفسك سخط ربك عليك، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان…الحديث) [رواه البخاري: 2357، ومسلم: 138]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق) [رواه مسلم: 1067]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرارا. قال أبو ذر-رضي الله عنه-: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟.قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) [رواه مسلم: 106].(2/65)
- وأحذر من التعرض لأعراض المسلمين؛ فإنه بئس البضاعة عند العرض على الله.فإن من الباعة من لا يخاف الله في نساء المسلمين، فيحاول التغرير بهم، أو استدراجهم، حتى ينال منهن ما يريد، وليحذر سخط الجبار فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ألا فليتق الله ذلك البائع، وليعلم أن أعراض المسلمين حرام عليه، قال - صلى الله عليه وسلم -: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهر كم هذا في بلدكم هذا …الحديث) [رواه البخاري: 67، ومسلم: 1679]. وأن أذيتهم محرمة قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
- ولا تجلب الفساد والشر إلى بلاد المسلمين. فإن إثمها ووزرها عليك؛ وهو من غش المسلمين وعدم النصيحة لهم. كاستيراد الملابس التي تكشف العورات والسوآت، أو جلب المشروبات أو المطعومات المحرمة، أو جلب الأفلام الخليعة والصور الماجنة… إلخ.
- وأحذر من بيع المباح إذا علمت أنه يُستعمل في معصية الله: كبيع العصير لمن يتخذه خمراً، أو بيع السلاح لمن يقتل نفساً معصومة، أو بيع (الأشرطة) لمن (ينسخ) عليها الأغاني أو الكلام الخليع. وهذا كله داخلٌ في قوله - تعالى -: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].(2/66)
- وإياك و التطفيف في الميزان، فإن فيه نزلت سورة قال الله - تعالى -في أول آياتها: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ(5)يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} [المطففين: 1-6]. والتطفيف هنا: هو بخس الناس حقوقهم في المكيال والميزان ظلماً وعدواناً، فتوعدهم الله هذا الوعيد الشديد.
- وأحذر من التغرير بالناس، بأي نوع من أنواع التغرير، وكثير من المسابقات التي تعمل الآن من قبل المحلات التجارية، هو خداع للناس، وأكل لأموالهم بالزور، لأن المشتري ما اندفع لشراء السلعة إلا طمعاً في نيل الجوائز المعروضة، فيجتهد هذا المسكين مخرجاً ما في جيبه لشراء شيئاً قد لا يحتاجه، أملاً في حلم قد يتحقق وقد لا يتحقق!. فاتقوا الله يا أيها التجار في خلق الله.
وقد سئُل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين- حفظه الله - سؤالٌ هذا نصه-: هل يجوز أن أعلن للجميع أن من يشتري من عندي سيارة يحصل على رقم، ولمدة محدودة، وبعدها يجُعل سحب على هذه الأرقام، فالذي يُسحب رقمه يحصل على جائزة قيمة، وبذلك أُرغب في بضاعتي ويكثر زبائني. أفتونا عن هذه الطريقة جزاكم الله خيراً؟
فأجاب: هذا لا يجوز لأنه إما قمار أو شبيه به، والله - تعالى -يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]. والميسر: هو القمار الذي يكون الداخل فيه بين غانم وغارم. [فقه وفتاوى البيوع: ص414].
وختاماً: أسأل مولانا الجليل، أن يغفر لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.(2/67)
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
http://www.saaid.net المصدر:
============
رسالة وتوقيع ( تابع .. معنى لا إله إلا الله )
للشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي - رحمه الله -.
يا أخي المسلم سلام الله عليك ورحمته وبركاته
يا أخي المسلم: إذا أردت أن تعرف ماذا تعني لا إله إلا الله، وما هو المطلوب من قائلها، إذا أردت أن تعرف ذلك معرفة تامة فتأمل أمرين.
الأول: أن تعرف أن الكفار الذين قاتلهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقتلهم وغنم أموالهم واستحل دماءهم، وسبى نسائهم كانوا مقرين لله بأنه الرب وحده وهو ما يعرف بتوحيد الربوبية وأنه لا يخلق إلا الله ولا يرزق ولا يحي ولا يميت ولا يدبر الأمر إلا الله كما قال - تعالى -: ((قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن بدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون)) وهذه مسالة عظيمة ومهمة للتأمل فيها والنظر للفرق بين الإسلام والكفر وإضافة إلى ما تقدم فإنهم أيضاً كانوا يمارسون بعض العبادات فيتصدقون ويعتمرون ويحجون ويتعبدون ويتركون أشياء من المحرمات خوفاً من الله - تعالى -.
والأمر الثاني: يا أخي المسلم لا بد أن تدرك وتعرف ما الذي كفرهم وأحل دماءهم وأموالهم وأن تعرف شركهم الذي قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه ذلك هو عدم شهادتهم لله بالإلوهية حيث صرفوا أفعالهم كلها أو بعضها لغير الله - سبحانه - كالدعاء والذبح والنذر وغير ذلك من الإلحاد في أعمال العباد وبغير ما أمر الله به بل ومخالفة أمر الله - سبحانه -.(2/68)
يا أخي المسلم: تمسك بأصل دينك أوله وآخره وهو شهادة أن لا إله إلا الله اعرف معناها واعمل بمقتضاها مخلصاً لله وأحب أهلها واجعلهم إخوانك ولو كانوا بعيدين، واكفر بالطواغيت وعادهم وابغض من أحبهم أو جادل عنهم أو أعرض عنهم ولم يتبرأ منهم ولو كان من إخوانك أو أولادك أو وطنك لعلك تلقى الله مسلماً صادقاً لا تشرك به شيئاً، أسأل الله أن يتوفاك مسلماً ويلحق بالصالحين.
http://www.olamaalshareah.net المصدر:
===============
رسالة إلى المرأة
إسماعيل أمين
رسالتي هذه إلى المرأة، الأم الرؤوم الحنون، والزوجة العفيفة المصون، والأخت والابنة الغالية اللؤ المكنون. رسالة إلى صانعة الرجال، إلى مربية الأجيال. رسالة إلى جالبة العظماء ومقدمة الشهداء.
تحية طيبة عطرة نقية سلام الله عليك ورحمته وبركاته أما بعد:
مما لا شك فيه أن المرأة في المجتمع كالقلب في الجسد إذا صلحت صلح المجتمع كله وإذا فسدت فسد المجتمع كله. ولمّا رأيت تلك الهجمة الشرسة وتلك الضربات الموجعة للمرأة المسلمة عامة والشرقية العربية خلصة لزم التنويه:
أختي في الله لقد نصب دعاة التحرير والتغريب شراكهم للإيقاع بك ووجهوا اسهمهم نحوك للإيقاع بك، حقدا وحسدا من عند أنفسهم، لقد أكلهم الكره أكلا لمّا رأوا تكريم الإسلام لك أختي وهنا مربط الفرس "تكريم الإسلام" تعالي أختي نناقش هذه المسألة بمنطق عقلي:
ما المسألة: "يقولون أن الإسلام حرر المرأة وكرمها دون سائر الأديان ولكنه في حقيقة الأمر استعبدها واستبقاها خادمة للرجل" هذه هي المسألة إذا فلنحرر المرأة ولكن مهلا أي تحرير تقصدون يا سادة؟:
يردون قائلين:
أولا: أن تخلع النسوة حجابهن فهو رمز للتخلف والتأخر وأن للمرأة أن تساير الموضة.
ثانيا: أن تتعلم جنبا إلى جنب مع الرجل.
ثالثا: أن تعمل فأي المجالات شاءت.(2/69)
فهذا هو التحرر ويا له من تحرير. أن تتحرر المرأة بخلع الحجاب، ومال الحجاب ومال الحرية - ألم أقل إنه حقد وكره - هل سيعوق الجلباب والخمار وأحيانا النقاب تلك الحرية أم ماذا؟ أم أن هذه الأشياء تكبلها؟ وإذا خلعتها هل هي حرة؟ هيهات هيهات وكيف ذلك؟
عندما خلعت المرأة حجابها وتنازلت عن جلبابه وخمارها ونقابها أصبحت تركض وراء المموضة وتلهث خلفها، ظهر الفستان الفلاني في المكان كذا ولون الشعر هذا يقدمه المحل ذاك وهكذا وهكذا وهكذا وهكذا....فأصبحت لعبة في يد مصمم أزياء ومصفف شعر وهوس صاحب محل وثقافة استهلاكية جامحة، بل الأدهى والأمر عندما تخلت المرأة المسلمة عن حجابها كان ولابد وأن تتجه الأنظار إليها إذا فلابد وأن تحافظ على جسمها ونقلوا لنا المواصفات القياسية لهذا الجسم فترى كثيرا من البنات إذا زدن جراما واحا أصابهن الأرق والقلق من هذا الجرام والبعض الآخر يتبعن نظام حمية قاس(ريجيم) ولكن ما لم ينقلوه لنا هو أن بعض تلك الأنظمة تفضي إلى الإكتئاب وفي بعض حالاته الانتحار. كنت قد قرأت في أحد المواقع أن هناك في الغرب مرض يدعى اضطراب الأكل أو الخوف من الأكل يصل إلى درجة التقيؤ عند أكل أي شئ فيصاب المريض إلى انهيار في أجهزته الداخلية وخلص صاحب البحث أن سبب قلة وجود هذا المرض في المجتمعات المسلمة هو الحجاب-الجلباب والخمار-لأن المرأة المسلمة ليست في حاجة إلى أن تكشف عن جسدها وبالتالي لن يحملق فيها الغادي والرائح ولا تستطيع رد أسهم إبليس الموجهة نحوها من منافقي هذا العصر، فها أنت أصبحت أسيرة جسدك بل والطامة الكبرى والبلاء الأعظم أنك أصبحت أسيرة ويا للمفارقة - للرجل !.(2/70)
هل لا حظتي أنه الآن لا يوجد إعلان إلا وفيه بنت تتعرى وتتلوى لماذا؟ لتشد الأنظار لها ويستطيع صاحب الإعلان أن يجعل المشاهد يسمع كل ما يريد فأصبحت بذلك يا أختي عبدة لذلك الرجل المريض والمشاهد الشره وكذلك في المحال التجارية والشركات، المرأة ممزقة بين هذا وذاك، فتحرري يا أختي بحجابك الشرعي تحرري من سيطرة هؤلاء عليك هذا من ناحية ترك الحجاب والتحرر. فماذا عن التعلم جنبا إلى جنب مع الرجل؟. هل لا يجوز العلم إلّا بجانب الرجال ومنهم البر والفاجر؟ أم ماذا؟ أين التحرر هنا؟ هل في إغواء الرجال للنساء وإيذائهم لهن أم في إغواء النسوة للرجال؟ هل في معاداة الرجال ومناطحتهم؟ لا أدري صراحة في أي من ذلك تكون المساواة والحرية؟، ماذا عن المواصلات؟ لو دققت النظر أختاه لوجدت أنك فعلا قد ظلمت، فأنت مضطرة إلى مكابدة عناء المواصلات والزحام يوميا ومشاحنة الرجال بل أحيانا الركض وراء المواصلات لكي تلحقي بعملك وللأسف قد ذهبت غيرة النساء على أنفسهن والرجال على زوجاتهن وأصبح التلامس لا يمثل مشكلة. وكل هذا لماذا؟ لكي تأتي في آخر الشهر وتعطي المرتب لزوجك مازلت تعملين للرجل- وتأخذي نصفه إن لم يكن ثلاثة أرباعه دواء لك ضغط، أعصاب، برد- ودعك من المادة ماذا عن زوجك وأولادك ألم تقصري في حقوقهم بما لا تعوضه نقود الدنيا ومن النسوة من يقلن أنا أعمل لأبني مستقبلي وأثبت ذاتي فأقول لها اعملي واجتهدي ولاشك عندي أنك ستنجحين بل وتصبحين وزيرة ورئيسة دولة ولكن بعد ماذا بعد أن أصبحت رجلا ونسيت أنوثتك ولكن هذه الأنوثة ستظل قابعة في مكان ما مظلم من وجدانك تنتظر اللحظة المناسبة لتنقض عليك وتفترسك جرّاء ما فعلته بها فتشعرين بها عندما لا تجدين حولك سكنك (زوجك) وأولادك وماذا تنتظرين من زوج تركتيه وأولاد هجرتيهم عندها فقط ستعترفي بأنك إمرأة. ها قد ناقشنا في إيجاز بعض شروط التحرر الغربي(الأسر والعبودية والذل والمهانة والوحدة) ونكمل في(2/71)
المرة القادمة كلامنا إن شاء الله- فإلى لقاء عسى أن يكون قريبا.
سبحانك اللهم وبحمدك لا إله أنت أستغفرك وأتوب إليك.
http://saaid.net المصدر:
===========
رسالة إلى من تعين بعيدا عن أهله
أخي الكريم:
الذي توظف بعيدا عن أهله سواء كنت أعزبا أم متزوج إليك هذه النصائح من مجرب (غربلته الدنيا):
- احمد الله على أن أعطاك هذه الوظيفة فقد حرم غيرك. مع أن الرزق ليس في الوظيفة فقط.
- لا بد أن تكون راضياً بالقضاء والقدر وأن هذا مكتوب في الكتاب قبل أن تخلق السموات والأرض ب50000 سنة.
- البعد عن الأهل سيعلمك أموراً لم تكن تعرفها كالإعتماد على النفس ومواجهة الحياة بوجهك وليس بوجه أمك أو أبيك.
- كن متوقعاً أي أمر يحصل لك من خير أو شر لأن بعضنا قد تكون معرفته بأمور الحياة قليلة.
- احذر من أهل الشر فقد يستغلونك في أمور سيئة كالمخدرات أو......
- لا تتهاون بالناس وضعف حالتهم المادية وتحسب أنك أفضل منهم في كل شئ فكم من واحد لا تعرفه ستكشف لك الدنيا أنه أكثر منك ديناً أو خلقاً أو مالاً أو شراً أو.....
- احذر من الشيطان ونزغاته فقد يسول لك الشيطان الوقوع في الحرام لأن الديرة صغيرة ونفوسهم سيئة و... فتقع وعندها تتندم بعد الفضيحة.
- احذر من التحزبات التي هي من الشيطان وأنك أفضل من غيرك لأنك قبلي أو حضري أو بدوي، فاحذر ثم احذر ثم احذر.
- قبل أن تذهب إلى (ديرتك الجديدة) إسأل عنها وعن موقعها وطريقها هل هو معبد أو ترابي وهل يوجد بها خدمات عامة (مستوصف، اتصالات، كهرباء، بقالات، محطة بنزين، ورشة ... )
- اسأل عن أهلها من حيث القبيلة والأخلاق والعادات كالكرم والشهامة ومحبة الدين وأهله، خلو المنطقة من المخدرات والعادات السيئة، لأنك قد تستفيد منها مستقبلاً.(2/72)
- إذا كنت قريباً من المنطقة لا يمنع أن تقوم بجولة (كشتة) استطلاعية والسؤال عن البيوت الجيدة ومدى صلاحيتها للسكن ويستحسن أن يكون البيت قريب من المسجد والسوق التجاري كالبقالة ومغسلة الملابس وأن يكون واسعاً ونظيفاً وجيد من ناحية الكهرباء والماء والمجاري وأهم شيء أنه " ما يخر من المطر " هذا إذا كانوا مجموعة شباب "
أما إذا كنت لوحدك فاذهب إلى أحد (العزب) الذين تحس بأنك سترتاح معهم نفسياً وقد يكونون معك في المدرسة أو تقابلهم في المسجد، مع أن هذا لا يمنع من النوم في المسجد أو المدرسة " بعد إذن المدير طبعاً " إلى أن تجد عزبة تناسبك.
- قد يكون أحد قد سبقك إلى تلك المنطقة فسأله عنها وعن أفضل العزب و.... وقد يكون عن طريق أناس آخرين فاسع ولا تكسل.
- لا تحسب أخي أن الأمور ستكون جيدة دائماً فقد يكون مدير المدرسة متلاعباً ولكن اعرف النظام جيدا بسؤال من يعرف، ثم اعرف ما لك وما عليك واهتم بدروسك وطلابك وراقب الله فيهم.
- لا يغرنك كثير من كلام من سبقك في مواجهة النظام بالقوة والعنف بل كن هيناً ليناً واحذر من أن يؤكل حقك.
- الطلاب بين يديك كالعجين إن أردت إصلاحهم أو إفسادهم فهم بين يديك ولكن الله حسيبك.
- سترتاح في المدرسة إذا عاملت المدير والمدرسين بروح أخوية ويستحسن وضع اجتماع خارج المدرسة " كشته أو دورية "(2/73)
- أهم شيء في العزبة الجلساء الصالحين وأما الجليس السيء سيضرك، فسترتاح في العزبة إذا كان زملائك من المحافظين على الصلاة ومن أهل الخير ومتمسكين بالأخلاق الفاضلة ولو لم يحبوا ما تهواه نفسك من الهوايات كالصيد والرحلات لأنك ستجد من يشاركك هواياتك في عزبة أخرى.- غالباً البيئة التي تكون بعيدة عن المدن فقيرة بالدعوة إلي الله فلا تحرم نفسك الأجر بافتتاح حلقة للقرآن أو إكمال مشوار غيرك أو المشاركة في الدعوة العامة كتوزيع الأشرطة والمطويات و....، أو الخطب أو المشاركة في مشاريع الأيتام والأرامل و.... ودروب الخير كثيرة لمن يبحث عنها.
- لا تخل بلدة من أهل خير وأهل أخلاق يتعاملون معك فأحسن العلاقة مع الناس عامة وهؤلاء خاصة ولو بالتنازل عن بعض حقك " وليس دينك " فدارهم مادمت في دارهم.
- كن ملماً بمعرفة المناطق التي تعيش فيها حتى تفيد غيرك عنها كالكشتات والمعالم المميزة و.....
- لكي تبدأ بأي عمل خيري لا بد من كسب الناس أولاً وهذا في الأعمال الدعوية العامة وخاصة ماله ارتباط بأولادهم كالحلقة.
- اجعل بداية معرفتك بالدعوة عن طريق إمام المسجد أو الذهاب الى مكتب الدعوة أو الجاليات أو قاضي تلك البلدة أو غيرها...
- قد تكون أنت في بداية مشوار الدعوة فكن راضياً بما يصدر منهم من أخطاء حتى لوكانت في الدين وبعد فترة تبدأ بتصحيحها.
- (أهل مكة أدرى بشعابها) فلو كنت من كنت في العلم والأدب والخلق والقيادة والإدارة والفكر و....... فلا بد أنك ستستعين بأهل البلدة.
- احذر من الدخول في المشاكل التي تكون بين البادية فهي لا تنتهي وأنت قد لا تملك سلطة كالقاضي لكي تحلها فابتعد عنها واتركها.
- ملاحظات مهمة لأمير العزبة:
- لا تقبل كل من جاءك ولكن اقبله مؤقتا بأن تقول له (حياك الله إلى أن تجد سكناً آخر) فإن أعجبك فقل له أن يستقر معكم في العزبة بعد مشاورة الباقين، وإن لم يعجبكم فليرحل.(2/74)
- قاعدة مهمة في السكن هي (دقق الحساب تزين العِشْرِة) يعني أن يدفع كل واحد ما عليه من المال دون أن ينقص أي شيء (الميزانية).
- نموذج مقترح للخدمة في العزبة: يوضع إشراف يومي وأسبوعي حيث يدور الإشراف اليومي على جميع أفراد العزبة في كل يوم ويشمل الطبخ والتنظيف وغيره.
والإشراف الأسبوعي يكون على كل واحد الإشراف أسبوعاً كاملاً ويشمل شراء الأغراض التي تحتاجها العزبة من الخارج.
وبعدها ضع ما تشاء من القوانين حسب ما تراه كالتأخر عن الصلاة وترك السكن مفتوح.
- توضع ميزانية للعزبة بحيث يدفع كل فرد مبلغ معين ولا بد من وجود العقاب كمن يترك الطبخ فيشتري الأكل من حسابه الخاص.
- وما هذه الأشياء إلا خطرات ومن كان له معرفة فليزدنا جزاه الله خيراً.
http://www.saaid.net المصدر:
============
رسالة إلى طالب الصف الأول الثانوي
عبد الله القحطاني
الحمد لله الذي أمر بتقواه فقال - سبحانه - {واتقوا الله ويعلمكم الله} والصلاة والسلام على رسول الهدى محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم...وبعد..(2/75)
أرسل إليك يا أخي الحبيب رسالة محب... رسالةً طرزتها بالود والنصح... رسالةً حمّلتها بالإرشاد والتوجيهات التي تضيء لك طريق الدنيا والآخرة إن علمتها وعملت بها... إنها كلمات أحببت أن أقولها لك وأنت تلج شيئاً فشيئاً للمرحلة الثانوية، وكذلك وأنت قد أصبحت مكلفاً في شرائع الدين، ولكن قد تستغرب وتقول لماذا هذه الرسالة لطالب الصف الأول الثانوي فقط0 فأقول لك لأن أهل الشر استقبلوني بكل وسيلة إلى الشهوات والملذات وكنت أقابلها بالصفح والابتسامة حتى غرقت في بئر المعاصي والذنوب ثم نجاني الله منها بفضله ورحمته، فعجلت بهذه الرسالة لأني لا أريدك أن تغرق مثلما غرقت، ولا أن تشقى مثلما شقيت، فأرجوا منك أن تتقبلها بروح مليئةً بالعزيمة والقوة والإرادة، حتى إذا قابلت شيئا من الشهوات تكون ضدها بقلبك وقالبك من أجل رضى الله - عز وجل - ثم من أجل أن لا تكون فريسةً لصاحب سوء يسعى بك إلى كل شهوة محرمة 0فأقول مستعيناً بالله.
1- وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - (اتق الله حيثما كنت) فاتق الله في سمعك، واتق الله في بصرك، واتق الله في لسانك، واتق الله في فرجك، واتق الله في أحوالك كلها حتى تفوز بالدنيا والآخرة.
2- حافظ على الصلوات المفروضة مع الجماعة في المسجد، وحافظ على أركانها وشروطها وواجباتها.
3- حافظ على صلاة الفجر والعصر مع الجماعة في المسجد فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول (من صلى البردين دخل الجنة)وانتبه أن تفضل النوم على أي صلاة مفروضة.
4- كن من ذوي الأخلاق الحسنة مع المعلمين ومع الطلاب ومع الأسرة.
5- شارك في نشاط التوعية الإسلامية الذي في مدرستك أو في أي مكان كان، فإن في هذا النشاط كنوزٌ لا تستطيع أن تحصل عليها في مشاركة يومٍ أو يومين، بل تحصل عليها كلها عند استمرارك فيها بجديةٍ ونشاط.(2/76)
5- انتبه من رجل ظاهره الخير.. باطنه الشر.. دائماً كلامه عذب، يتكلم في كل شهوة.. ضحكه كثير في الغيبة والسخرية والاستهزاء.. إنه رجلٌ شبهه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنافخ الكير، إنه الصاحب السيئ الذي لا يكتم سراً، ولا يستر عيبا، يطوي حسنتك وينشر سيئتك، إن كنت حسن المظهر فتجده يريد مصاحبتك بأكثر الأثمان حتى إذا صحبته عرض عليك الفلم الخبيث والصورة الخبيثة، أو أي حركة فعلتها معه فيهوي بك في مصاحبته ومصاحبة غيرة. ولكن أقول لك:-
لا تصحب أخا *** الجهل فإياك وإياه
فكم من جاهلٍ أردى **** حليماً حين يغشاه
أخي في الصف الأول الثانوي:-
إن كان لك مفاسد تريد أن تتخلص منها فتخلص منها الآن قبل فوات الأوان لا تتردد في ذلك، فإن كنت تسمع الغناء فاستغفر الله وتب إليه، وإن كنت تشرب الدخان والشمة والقات والمخدرات والمسكرات فاستغفر الله وتب إليه، وإن كنت عاقاً لوالديك، سيئ الخلق، بذيء اللسان، دائماً مغتاباً ونماماً وكذاباً ومستهزئاً، لوطياً وزانياً، فاستغفر الله وتب إليه، وإن كنت صاحباً سيئاً فكن صاحباً صالحا، وغيّر صحبتك السيئة حتى وإن كانوا أقاربك وجيرانك، فقل لي من تصاحب أقول لك من أنت.
أخي في الصف الأول الثانوي:-
توكل على الله وتب إليه واجعل دخولك للمرحلة الثانوية دخولاً أبدياً بالسعادة بدلاً من الشقاء عند توبتك واستغفارك لله عزوجل. يقول الله - عز وجل - {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنين لعلكم تفلحون}
هذا وأسال الله أن يوفقك في دينك ودنياك وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
رسالة عاجلة جدا ... لمن يملك جوالا ذي كاميرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أين أبدأ... ؟؟
وهل تستطيع شفتي بوحا ونطقا.. ؟؟
من أين أبدأ.... ؟؟
والقلب ينزف دما.... ويزداد جرحا... !!
من أين أبدأ... ؟؟
والعين تذرف دما ودمعا... !!!
ما أثقل القلم.... لا أستطيع له حملا.....(2/77)
كيف لا..... ويدي تزداد رعشا....
يا الله........
يا الله........
يا الله........
أهل الجاهلية سالت دماؤهم وتمزقت أشلاؤهم..... من أجل أعراضهم.... !
ودفنوا بناتهم تحت التراب ظلماً....... توهماً أن يحل العار بهم.... !
وعنترة يغض طرفه إن بدت له جارته........... حتى تتوارى عن ناظره.... !
يا الله....
جئت بالإسلام لتزيد الأعراض صيانة وحماية وحرمة...
فنادى بذلك رسول - صلى الله عليه وسلم - في الأمة....
في أعظم جمع وأعظم حجة.
(ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)
يا الله.....
كأني برسولك - صلى الله عليه وسلم - ومعه آلة من حديد (مشقص).....
يريد أن يفقأ بها عين ذلك الذي ينظر من ثقب بابه..... ؟؟
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رجلا اطلع من بعض حجر
النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -
بمشقص أو مشاقص فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه)
رواه البخاري ومسلم.
يا لله.....
عين قيمتها نصف دية..... تفقأ من أجل صيانة عرض...
ربما لم يرا شيئا......... !! ربما رأها متسترة............ !!
ربما رأى لكنها نظرة عابرة............ لا ثابتت مكررة...
ربما لم يكن في البيت أصلا إمرأة.....
يا لله......
كيف بعين ترا عورة أخته الغافلة المسلمة... !!
كيف بعين تنقل ما رأت إلى ملايين مملينه.... !!
كيف بعين كانت بداية قصة مؤلمة ومحزنة...
كيف بعين قامت بالنقل...... فكانت سببا في الفرقة والقتل....
يا الله.....
رحماك يوم أن منعت الأطفال إذا بلغوا الحلم..... ألا يدخلوا على أبويهم حتى يستأذنوا...
رحماك يوم تجمع الأولين والآخرين يوم القيامة وترفع لكل غادر لواء رحماك رباه...
رحماك يوم أن جعلت من غشنا في طعام ليس منا... فكيف بمن غشنا في عرض أهلنا...
رحماك يوم أن جعلت من أفسد امرأة على زوجها ليس منا... فكيف بمن أفسدها على زوجها وأهلها... !!(2/78)
رحماك يوم أن طوقت بسبع أرضين... من أخذ شبرا بغير حق فكيف بمن هتك عرض المؤمنين.. !!
رحماك يوم أن توعدت من تتبع عورة أخيه مسلم أن تفضحه ولو في جوف بيته....
رحماك يوم أن حرمت على المسلم أن يروع مسلما بحديدة... فكيف بمن روعه في عرضه... !!
رحماك يوم أن حكمت أن أربا الربا: (استطالة الرجل في عرض أخيه) هذا بالفم.. فكيف بالصورة والفلم... !!!
رحماك يوم أن عذبت رجلاً في قبره كان يمشي بالنميمة. فكيف بمن أفسد بلقطة مستديمة.. !!
رحماك يوم أن جعلت أقواما لهم أظافر من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم يوم أن أكلوا لحوم الناس ووقعوا في أعراضهم فكيف بمن أظهر العرض.... لينظر إليه كل من في الأرض!... !!
قال - صلى الله عليه وسلم - (شرار عباد الله المشاؤون بالنميمة
المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب) صحيح الترغيب2824
يا لله...
كم فرق هؤلاء بين الأحبة....
كم أظهروا عورات العفيفات الغافلات.....
كم قضوا مضاجع المؤمنين حزنا ونكدا وهما على إخوانهم
فكيف حال من انتهكت أعراضهم......... !!
يا الله.....
أفر من الفتن وأقعد في بيتي....
وأكف الناس شري..... فينتهك عرضي .... !!
إن الموت صار يفرح به في هذا الزمن...
فاقبضني إليك معصوما من الفتن...
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
إن كان في القلب إسلام وإيمان.
يا إخوتاه ...
يا من يسمع محباً ناداه...
إماطة الأذى عن الطريق صدقة...
رحم الله من وجد عرض مسلم في الطريق فأماطه وصانه وحفظه.
واعتق الله من النار..... من ذب عن عرض أخيه في الجهر أو في الإسرار.
ومن وقف في وجه هؤلاء يريد الذب عن عرض أخيه لا يخشى ملامة...
ذب الله عن وجهه النار يوم القيامة......
اخوتاه
شوكة نحاها مسلم عن الطريق حتى لاتؤذي المؤمنين فرحمه أرحم الراحمين....
فكيف بعرض مسلم ينتهك هو شوكة في قلوب كل المؤمنين
استروا إعراض إخوانكم..... ستر الله عوراتكم يوم القيامة(2/79)
ووالله من ستر على مسلم عورته......... فكأنما أحيا موؤدة
قال - صلى الله عليه وسلم -: (من ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا موؤدة) صحيح الترغيب2337
يا اخوتاه....
أما من نصرة للمظلومين في أعراضهم ولو بدعوة في ظهر الغيب أو كلمة.... !!
أما من وقفة شهم يزيل هذه المدلهمة..... عن أعراض الأمة..
يا صاحب المنصب والرياسة والجاه..... بادر عساك أن تحضى بالنجاة...
يا صاحب القلم والمنبر والكلمة....... بادر فقد يوجب لك بها الجنة....
يا ولياً مقبلاً على الله في غفلاتنا...... دعوة منك في ظلام الله أن يستر عوراتنا...
إخوتاه....
يا من بادرتهم إلى النظر والمشاهدة..... إنها أختكم وفيكم عائدة...
كفوا عن النظر إلى عورات إخوانكم فعين حرمها الله على النار:
(عين كفت عن محارم الله)
احذروا الزنا.... فالعينان زناهما النظر: (وكل عين زانية).
لا تنظر فتتوجع.....
واحذر: (فما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع)
قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها وكرهها
وفي رواية أو أنكرها كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها)
صحيح الترغيب 2323
اخوتاه
إن الله يغار وغيرة الله أن تنتهك محارم الله.....
اتقوا الظلم.... فإن الظلم ظلمات يوم القيامة....
اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب أو ستار...
إنها تصعد والله إلى السماء.......................... كأنها شرار..
دعوة المظلوم مستجابة ولو كان من أهل الكفر والفجور........
قال - صلى الله عليه وسلم -:
(دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه)صحيح الترغيب 2229
إخوتاه....
يا من زلت به القدم........ وعلاه التأسف والندم.....(2/80)
قال - صلى الله عليه وسلم -: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلله منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)رواه البخاري.
بادروا بالتوبة والإستغفار... والتحلل والاعتذار...
اتقوا الله..... اتقوا الله..... اتقو الله... اتقوا النار....
يا رب...
يا رب...
يا رب...
نسألك باسمك الأعظم...
أن تزيل عنا هذا الهم....
وأن تستر على أعراضنا....
وأن تحفظ عورات نسائنا....
اللهم عليك بمن أتى بها...
وعليك بمن سعى بنشرها...
يا رب العالمين
http://www.saaid.net المصدر:
============
رسالة وتوقيع .. فخرنا يكون بالإسلام
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (- رحمه الله - تعالى)
يا أخي المسلم سلام الله عليك ورحمة منه وبركاته.
يا أخي المسلم: أخطأ العرب فظنوا أن هذا الدين العالمي الذي نزلت فيه آياته يمنحهم امتيازاً خاصاً، ويجعلهم عنصراً أرقى من سائر الأجناس، ونشأ عن هذا الخطأ رد الفعل الذي لابد منه فقامت الشعوب الأخرى تدافع عن قيمة دمائها وكرامة عنصرها، وهذه الأغلاط المتبادلة علتها حنين البشر إلى الجاهلية واستثقالهم مؤونة السعي لتحصيل الكمال الإنساني، فإذا عز على شخص تافه أن يكون تقياً ينسبه عمله إلى المجد والعلا، ذهب ينتحل نسباً آخر إلى أسرة أو وطن أو جنس ليرتفع به دون جهد، وتلك كلها عصبيات باطلة ونزعات نازلة، ولا محل لها في دين، ولا وزن لها عند رب العالمين.(2/81)
يا أخي المسلم: من المهم أن تعرف أن العرب الأولين لما أرادوا المفاخرة والتميز كان الإسلام متكأهم ومعقد فخارهم، فبأي شيء يملأون أفواههم إذا لم يذكروا الإسلام؟ إن وطا بهم خال، وتاريخهم صفر، حتى جاء الأفاكون في هذا الزمان بالبدعة التي لم يسمع بها إنسان، فإذا العروبة والوطنية في نظرهم يجب أن تجرّد من الإيمان، وزعموا كذباً أنها بالانسلاخ عن الدين تسمو وتسير بل إن بعض هذه العصابة يكتبون ويقولون: [إن الإسلام جنى على أوطاننا وعروبتنا وأن اللغة العربية انتشرت أبعد مما انتشر الإسلام].
يا أخي المسلم: لقد تجرأ هؤلاء إلى القول: [إن الإسلام لأنه عالمي ضاراً للقومية العربية والوحدة الوطنية] وظاهر أن هذا الكلام بقطع النظر عن بطلانه، إنما يروج لحساب الاستعمار الغربي والاحتلال اليهودي على السواء، وأن قائله يخدم أهداف الغزاة الذين عسكرت جيوشهم في بعض أقطار العروبة، وأنزلت بها الهوان، ووقفت على حدود البعض الآخر تتربص به الدوائر.
يا أخي المسلم: لقد تجرأ كتّاب آخرون من هذه العصابة يطلبون منا بإلحاح أن ننسى التاريخ، لأنه لا يضم إلا رفات الموتى، ويثير أحقاداً لا داعي لها، ويطالبونا، بان نتطلع إلى المستقبل فحسب، ونسى هؤلاء الكَذَبَة، أن اليهود في كبد الشرق الأوسط أقاموا دولتهم بإمداد من التاريخ الموحى، وأنهم جعلوا اسم إسرائيل علماً عليها، إنه حلال للناس جميعا أن يستصحبوا تاريخهم في كفاحهم، أما نحن المسلمين فحرام علينا أن نذكر فصلا من هذا التاريخ وأن نستوحي منه عونا في جهاد وأملا في امتداد، إنها قومية عبرية، وغربية، لا عربية تلك التي يبشر بها الموتورون والعلمانيون كارهوا الإسلام.(2/82)
يا أخي المسلم: لقد عرف الأولون والآخرون أننا نحن المسلمون أحنى الناس على الوطن والعروبة وأوصلهم لمجدها، وأخلصهم لقضاياها، وأن هؤلاء المأجورين لا خير فيهم بل إنهم مصدر شر طويل وأذى ثقيل، وعليكم من الله السلام ورحمة منه بركاته.
http://www.olamaalshareah.net المصدر:
============
رسالة وتوقيع .. خطر القوميون
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
يا أخي المسلم سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
يا أخي المسلم: ما هؤلاء الناس؟ إنهم ليسوا عرباً ولا عجماً ولا روس ولا أمريكان!!
إنهم مسخ غريب الأطوار صفيق الصياح بليت به هذه الأمة إثر ما وضعه المستعمر والمحتل بها وترك بذوره في مشاعرها وأفكارها، فهم كما جاء في الحديث: (من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا) بيد أنهم عدو لتاريخنا وحضارتنا، وعبء على كفاحنا ونهضتنا، وعون للحاقدين على ديننا والظآنين بحق الحياة له ولمن اعتنقه.
يا أخي المسلم: إن هؤلاء الناس الذين برزوا فجأة وملاءت ضجاتهم الأودية كما تملاء الضفادع بنقيقها أكناف الليل، يجب أن يمزق النقاب عن سريرتهم، وأن تعرفهم هذه الأمة على حقيقتهم حتى لا يروج لهم خداع، ولا ينطلي لهم زور.
يا أخي المسلم: إن صفوف الذين يلبسون مسوح العربية [الوطنية] ويندسون خلال صفوف المجاهدين، ويزعمون أنهم يحمون الوطنية ومبشرون بالقومية العربية ورافعون لألويتها هم في الوقت نفسه ينسحبون من كل حقوق الوطنية ومن تقاليد العروبة أجل ما عرفت به، ويبعثرون العوائق في طريق الإيمان ورسالته.(2/83)
يا أخي المسلم: إن هؤلاء الناس ينبغي أن يماط اللثام عن وجوههم الكالحة، وأن تلقى الأضواء على وظيفتهم التي يسرها الاستعمار المحتل لهم، ووقف بعيداً يرقب نتائجها المُرّة، وما نتائجها إلا الدمار المنشود لرسالة القرآن وصاحبها محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - لقد قرأنا ما يكتبون، وسمعنا ما يقولون، ولم يعوزنا الذكاء لاستبانة غايتهم، فهم مجاهرون بالدعوة إلى مراد الكفر والكفار يقولون صراحة: إن الإسلام ليس إلا نهضة عربية، فاز بها هذا الجنس العظيم في القرون الوسطى واستطاع في فورته العارمة أن يجتاح العالم بقيادة رجل عبقري، هو الزعيم الكبير محمد - صلى الله عليه وسلم - ومقصدهم أن هذا الدين الجليل، نبت من الأرض، ولم ينزل من السماء وأنه انطلاقة شعب طامح فاتح، وليس هداية مثالية، جاءت من عند الله ليُنقذ العرب من جاهلية طامسة، كانوا بها في مؤخرة البشر إلى حنفية سمحة رفعت خسيستهم، ثم انتشر شعاعها بعد في أنحاء الأرض.
يا أخي المسلم: والفضل في كل ذلك لله وحده الذي اصطفى محمدا - صلى الله عليه وسلم - وامتن عليه بقوله: {وانزل الله عليك الكتاب والحكمة، وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} النساء الآية 113، والذي بين حال العرب بقوله: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} آل عمران الآية 164.
يا أخي المسلم: إن الزعم بأن الإسلام " فورة عربية " أكذوبة كبرى وأضلولة سائلة، وإن هذا القول ليس تكذيباً للإسلام فقط، بل دعوة خطيرة إلى تكذيب الديانات كلها، وإلى إشاعة الكفر والفسوق والعصيان في أنحاء الأرض.(2/84)
يا أخي المسلم: والغريب أن هؤلاء الناس يخاصمون الإسلام بعنف، ويحاربون أمته بجبروت ويهادنون الأديان الأخرى من سماوية وأرضية كأن الإسلام هو العدو الذي كُلفوا باستئصاله وحده، وهل للاستعمار عدو في هذه البلاد إلا الإسلام؟
يا أخي المسلم: إن الإسلام هو مصدر المقاومة العنيدة وروح الكفاح الباسل الذي أعيا المهاجمين وأحبط مؤامراتهم ومن ثم يعمل الكفار والغزاة على أن ينسجوا خيوطاً حوله ليقتلوه، ويحولوا بينه وبين الحياة الكريمة ولقد ابتدع الاتجاهات المختلفة والقوميات الضيقة واستحياها بشتى الأساليب لينال بها من كيان هذا الدين، بعد أن سقطت أساليبه وقواه العسكرية أمام الإسلام في المعركة. لقد قام بدس أتباعه تحت ألوية القومية وألوية الحزبية وزودهم بضرب من الادعاء ليزحموا العرب المخلصين في هذا الميدان، ولينالوا من الإسلام بطريقة أخرى.
يا أخي المسلم: إن موقف دعاة القومية والعلمانية من تفسير الإسلام هو تفسير النكور الكنود، وهو حرب أخرى ضد الإسلام، وإنه لجدير أن يتسمى هؤلاء بأتباع القومية العبرية، أو القومية الغربية، لا العربية، أوليسوا يعملون لمصلحة الغرب ولمصلحة إسرائيل.
يا أخي المسلم: لقد مرت أربعة عشر قرناً على اشتباك العروبة بالإسلام أو بتعبيرنا نحن أهل الإيمان على تشريف الله العرب بحمل هذه الأمانة وإبلاغها للناس، ونظرة إلى البعيد تعرفنا بسهولة، أن العرب مرت عليهم أدهار قبل الإسلام، لم يكونوا فيها شيئاً مذكوراً، ثم جاء هذا الدين فدخلوا التاريخ به، وطار صيتهم تحت رايته، وصدق الله - تعالى -إذ يقول: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(مجموع فتاوى ومقالات متنوعة..ج1 من 312 إلى 314)
http://www.olamaalshareah.net المصدر:
============
رسالة وتوقيع .. معنى لا إله إلا الله
يا أخي المسلم: ’’ سلام الله عليكم ورحمته وبركاته،(2/85)
يا أخي المسلم: رحمك الله قل: لا إله إلا الله، فإذا قلتها فاعلم أن هذه الكلمة هي الكلمة الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى وهي التي جعلها إبراهيم - عليه السلام - كلمة باقية في عقبه ((لعلهم يرجعون)).
يا أخي المسلم ولكن: ليس المراد قولها باللسان مع الجهل بمعناها.ذلك أن المنافقين يقولونها، ومع ذلك فهم تحت الكفار في الدرك الأسفل من النار، مع كونهم يصلون ويصومون ويتصدقون.
يا أخي المسلم: إن المراد من هذه الكلمة: التلفظ بها باللسان ومعرفتها واعتقادها بالقلب، ومحبتها ومحبة أهلها وبغض من خالفها ومعاداته.
يا أخي المسلم: يدلك على ذلك قول رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -: (من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه) وفي لفظ (صادقاً من قلبه) وفي لفظ (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله دخل الجنة) فهذه النصوص تقيد العموم في النطق بلا إله إلا الله.يا أخي المسلم: إن معنى لا إله إلا الله: نفي وإثبات، فالنفي هو أن تنفي الآلهة والطواغيت والأنداد والأرباب وتكفر بها لأن الإله هو المقصود لجلب الخير ودفع الضر، والطاغوت من عبد من دون الله وهو راضي، والند هو المثيل في الأمر والنهي. والرب: كل من أفتى بمخالفة الحق والزم الناس بطاعته، وأما الإثبات فتثبت: الألوهية الربوبية لله رب العالمين وحده وبعده تخصه - سبحانه - بالقصد في العمل وتفرده بالتعظيم والمحبة، كما قال - تعالى -: {والذين آمنوا أشد حبا لله} كما تفرده بالخوف والرجاء قال - تعالى -((وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله)) فمن عرف هذا قطع العلائق من غيران، وصغر أمامه جهامة الباطل كما قال - تعالى -عن إبراهيم والذين معه أنهم: ((قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده)).
محب الخير والنجاة لك:(2/86)
الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -
http://www.olamaalshareah.net المصدر:
=============
رسالة من جبان
مصطفى الزايد
(للذكرى فقط..
في معركة بدر وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو في ساحة المعركة قبل بدء القتال.)
إني اشتملت عباءتي وردائي ** وسهرت في المحراب حيث رجائي
متبخرا، متطيبا، متطهرا ** بالعود والكافور بعد الماء
ثوبي يفيض الطهر من أردانه ** وبهمة الليث استقل ندائي
يعلو زئيرا زلزل المحراب في ** عم غريب في خضمّ الداء
ورفعت كفي سائلا متخشعا ** لله ثم رفعت حسن دعائي
أشكو إلى ربي مصائب أمتي ** وتزايد الطغيان من أعدائي
وبكيت في ألق الضراعة مبديا ** أحزان قلبي في عظيم بلائي
حتى ظننت بكى الملائكة الألى ** حولي ومحرابي لفرط بكائي
وكأنني متنبئٌ أو أنني ** ذو بدعة قد قام بالأهواء
ونسيت أني عند ذاك أذل مَن ** فوق الثرى وأضل ذي آراء
أو أن جبني غشني متلبسا ** بثياب نسكي قاصدا إغوائي
فركنت للذات مكتفيا بما ** أدعو لإخواني بكل جلاء
هم جردو قبل السلاح قلوبهم ** من كل شيء نافذ الإغراء
وتوجهوا لله ليس يظلهم ** إلا السيوف ونخوة الكرماء
ودماؤهم سالت مسيل مدامعي ** شتان بين الدمع والإدماء
كان الرسول إذا دعا لم يدع في ** محرابه كفعائل الجبناء
فعرفت أني في الضلالة غارق ** والمهتدون غدوا مع الشهداء
فإذا تلاحمت السيوف بنقعها ** فهناك ترجى دعوة الصلحاء
http://www.odabasham.net المصدر:
============
رسالة إلى سيد الأقزام
د. كمال أحمد غنيم
يا سيد الأقزام، هل تتسلمُ؟! ** هذي رسالتنا، يسطرها الدَّمُ!
قذفت بها أيدي الرجال قنابلا ** فتدفقت فوق الوهاد تدمدم!
ومضت ترددها الحجارة والمُدى ** حتى الشقائق والسنابل ترجم!
والشمس جابت من صخور جحيمها ** حمما على حمم تدك وتَحطِم!
والأرض فاضت بالبراكين التي ** طعنت ثراها دمعة تتألم!
* * *
يا سيد الأقزام من ينسى يدا ** حفرت له قبرا وراحت تبسم؟!(2/87)
ومضت تهيل الرمل رغم صراخه ** والظلم يبكي، والقساوة ترحم؟!
يا سيد الأقزام من ينسى يدا ** غرست خناجرها بطفل يحلم؟!
ومضت تمزق قلبه وجبينه ** ودماه خمر تحتسيه وتنعم؟!
"يا سيـ..."، ولكن ما يفيد تساؤلي؟! ** فهمت وحوش الغاب ما لم تفهموا!
* * *
هاتوا بنادقكم وكل رصاصكم ** وتقدموا فوق القبور تقدموا!
ولتجعلوا أشلاءنا في بحركم ** جسر العبور لدولة لا تُهزم!
ولتمزجوا دمنا بخبز أبيض ** وليُشرب الكأس اللذيذ المفعم!
ولتجعلوا من عظمنا وضلوعنا ** حطباً لنار لا تزال تُضرّم!!
* * *
... لكن ستنفجر القبور كعُبوة ** وتفتتُ الظلّ الثقيلَ وتَحطِم!
وتقوِّض الأشلاءُ حلما فاسدا ** ويراوغ البحر العميق ويهجم!
والخبز يضحي عبوة موقوتة ** ويُذيب بطن الوحش خمرٌ علقم!
والنار تنسفها العظام بثورة ** فإذا بها مِزَقاً، شظايا ترجم!
* * *
يا سيد الأقزام، من يتسلم؟! ** هذي رسالتنا، فهل من يفهم؟!
كانت لها الأقلام من أضلاعنا ** ومدادها دمع هتونٌ أو دَمُ
سَطَرت يراعتنا بأنا ها هنا ** باقون فوق صدوركم لا نحجم!
فجذورنا ممتدة في أرضنا ** مليار ميلٍ، أو شهيدٍ يألم!!
واسأل رمال الأرض أو أحجارها ** ستجيبكم فصراخها لا يُكتمُ!!
http://www.odabasham.net المصدر:
============
رسالة إلى صاحب عمل
إلى الأستاذ الكريم مدير:..... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد نما إلى سمعي توظيفكم لعناصر نسائية في المؤسسة التابعة لكم، وأن هذا التوظيف كان في أوساط الرجال، وبما أني أعلم عنكم حب الخير ـ ولا نزكيكم على الله ـ أحببت أن أعرض لكم ما عندي من رأي تجاه هذا الموضوع:
أخي الكريم!..
إن إتاحة الفرصة للنساء في العمل إلى جانب الرجال أمر يحرمه الشارع الحكيم، كما يقضي العقل والتجربة بخطورته على الأخلاق والدين، وإليكم الأدلة على ذلك:(2/88)
أولا: قال تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}..
فالله تعالى أمر الرجال بغض أبصارهم عن النساء، فإذا صارت المرأة تعمل إلى جانب الرجل فكيف يمكن له أن يغض بصره؟..
فالمرأة عورة كلها، كما جاء في الأثر، فلا يجوز النظر إليها، وقد قال رسول الله: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة)، رواه الترمذي..
فنظرة الفجأة معفو عنها، وهي الأولى، بخلاف الثانية فإنها محرمة، لأنها تكون عن عمد، وقد جاء في الأثر: (العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطو) [رواه مسلم]..
والنظر زنا لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة، وذلك يفضي إلى تعلق القلب بها، ومن ثم الفاحشة، ولاشك أن النظر متحقق في الاختلاط غاية التحقق.
ثانيا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) [متفق عليه]..
فقد وصفهن بأنهن فتنة على الرجال، فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون في مكان واحد؟!.
ثالثا: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لما بنى المسجد جعل بابا للنساء وقال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) [أبو داود]..
فكان عمر ينهى عن الدخول من باب النساء، فإذا كان منع الاختلاط في الأبواب فلأن يمنع ذلك في المكاتب من باب أولى، إن المرأة مأمورة بالقرار في البيت.. هل تعلم أخي الكريم لماذا؟..
حتى لا تتعرض لأنظار الرجال والاختلاط بهم..
وقد أمر رسول الله – رضي الله عنه - النساء بأن يمشين في حافة الطريق دون وسطه حتى لايختلطن بالرجال..
وكان - عليه السلام - إذا سلم من صلاته ثبت في مكانه مستقبل القبلة ومن معه من الرجال حتى ينصرف النساء ويدخلن بيوتهن، ثم ينصرف وينصرف الناس معه، حتى لا يمتد بصر الرجال إليهن..(2/89)
كل هذه النصوص وغيرها كثير تبين حرمة الاختلاط، وحرمة أن تعمل المرأة إلى جانب الرجل، والعلماء كلهم متفقون على هذا بلا خلاف..
والسبب في تحريم الاختلاط ما فيه من الخطر على العرض والخلق والدين:
فمن المعلوم أن في الرجل ميلا قويا إلى المرأة، وفي المرأة ميلا قويا إلى الرجل مع لين وضعف، فإذا اختلطا كان ذلك مظنة أن يلعب الشيطان بينهما، فيزين الفاحشة إليهما، ومن هنا نقول:
إن النتيجة الطبيعية للاختلاط هو وقوع الزنا وفساد الأعراض والأخلاق..
وإذا كان هذا الاختلاط محرماً لأجل هذه المفسدة العظيمة، فلاشك أن الذي ييسر أسباب ذلك بأن يأذن بالاختلاط في عمله أو مؤسسته أو المستشفى الذي يملكه، عليه من الإثم بقدر ما يحدث من المعاصي بسبب الاختلاط، لأنه لولا إذنه لما حدث ما حدث..
ومن المعلوم أن هتك الأعراض وخراب البيوت وضياع مستقبل الفتاة بالذات وظهور اللقطاء، كل هذه المآسي مرتبطة بالاختلاط، فمنعه منع لجميع تلك المآسي، فرحم الله عبدا حفظ المسلمين في أخلاقهم وأعراضهم ودينهم..
ولا يقال: "إن هذه مبالغة"..!!!!!!!!!!.......
لا، ليست مبالغة، بل هي الحقيقة...
ومن أراد أن يقف على حقيقة الاختلاط وآثاره فليقرأ مشاكل الغرب وما تعانيه المرأة بالذات هناك:
حتى حدى بهم الأمر إلى الدعوة إلى منع الاختلاط في المدارس والجامعات، وبالفعل أنشئت جامعات ومدارس قائمة على الفصل بين الجنسين في أمريكا وغيرها...
ما فعلوا ذلك إلا بعد أن ذاقوا المر والألم من كثرة المفاسد الأخلاقية، أفلا يجب أن نعتبر بهذه الحقائق؟..
أليس من الخطأ أن نكرر نحن المسلمون الأخطاء التي وقع فيها الغرب، وهم اليوم يرجون التخلص منها؟!..
إن المرأة أعز ما لدينا، فهي الأم والزوجة والبنت، فيجب أن نحفظ كيانها وأخلاقها، ونحرص على توفير كل الأسباب التي تعينها على القيام بوظيفتها الأولى: ......الأمومة ورعاية النشء..(2/90)
هل تعلم أخي أن خروجها للعمل بحد ذاته يعد كارثة على الأجيال الآتية التي ستفقد حنان الأمومة والرعاية؟..
وذلك ينعكس أثره سلبا على المجتمع، فيكثر المجرمون والمشردون واللقطاء الذين ما وجدوا المحضن الذي يربيهم ويعتني بهم، فتكون النتيجة الطبيعية هي انحرافهم، وكل ذلك بسبب خروج المرأة للعمل، فكيف إذا كان معه اختلاط؟..
فالأمر أنكى وأمر، فيجب على المسلم أن يتقي الله، ويرحم المجتمع الذي ينتمي إليه من هذه الكارثة الكبرى..
فمن الخطأ أن تكون أهدافنا المادية أكبر عندنا من قيمنا ومبادئنا الدينية، هل يليق بنا كأمة مسلمة أن نضيع أخلاق فتياتنا لأجل حفنة من المال؟!..
نحن نعتبر أمة فريدة بين الأمم كلها، والميزة التي نتميز بها هي صيانتنا للمرأة بالحجاب والبعد عن الرجال، فإذا فرطنا في هذه الميزة استوينا وغيرنا، وفقدنا احترام الآخرين، وإن كان الأطم أن نفقد رضى الله.
أخي الكريم!...
أربأ بكم أن تكونوا عونا لأعدائنا، فإن أعداءنا مافتئوا يمكرون ويخططون من أجل إفساد أخلاق شبابنا وبناتنا، لأن بذلك يمكنهم أن يتسلطوا علينا، فيا فرحهم ويا سرورهم إذا علموا أن المسلمين صاروا يهدمون أمتهم بأيديهم، بمثل هذا الفعل الخطير.
أخي الكريم!..
أعلم أنكم ما قصدتم إلا خيرا، وما أردتم إلا نفع هؤلاء الفتيات، لكن النصيحة تقتضي الصراحة، فإن ما فعلتموه يحتاج إلى تأمل وإعادة نظر وتصحيح، فبالإضافة إلى خطر ذلك على الفتيات في المقام الأول، فهو كذلك حرمان للشباب من أعمال هم أحق بها:
فالفتاة ليست مكلفة بالسعي ولا بالنفقة، بخلاف الشاب فإنه مطالب بذلك، والشاب محتاج إلى الوظيفة لأجل الزواج وبناء أسرة بخلاف الفتاة، فإذا استأثرت الفتيات بالوظائف انتشرت البطالة في أوساط الشباب، وعزفوا عن الزواج لعدم الوظيفة، فتنتشر العنوسة والعزوبة، وتلك مشكلة خطيرة تؤرق المجتمع لما تحمل في طياتها من آثار خطيرة، منها:(2/91)
ثوران الغريزة الجنسية التي تبحث لها عن مخرج، فلا تجد طريقا إلا في الحرام مما يعمق الفساد الأخلاقي وما يتبعه من مشاكل لا تحصى..
فالاختلاط شر، والمرأة إذا احتاجت حاجة ماسة إلى العمل فذلك حق مشروع لها بشرط أن يكون بعيدا عن الرجال.
أخي العزيز!..
ما كتبت إليكم إلا وكلي رجاء أن تكون لكلماتي الوقع الحسن عليكم، وأن يكون مقبولا لديكم، ولا أخفيكم قلقي وأنا أكتب هذه الكلمات خشية أن تعرضوا عن نصيحتي، وسبب قلقي أني أشعر أن الأمر خطير للغاية عليكم وعلى الفتيات والشباب والأمة..
وكم أتمنى من الله الكريم أن يلقي في روعكم ما ألقاه في روعي، وأن يقذف في قلبكم ما قذفه في قلبي، وأن يوقفكم على حقيقة هذه القضية ويعلمكم منها كما علمني، ولست أزعم لنفسي علما، لكن أرجو منكم أن تقرأوا كتاب: "عمل المرأة في الميزان"، للدكتور محمد علي البار، لعل الله أن يشرح صدركم للحق، ويبعد عنكم نزغات الشيطان، أسأل الله ذلك وما توفيقي إلا بالله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://saaid.net المصدر:
=============
رسالة إلى مكلوم
خالد بن ثامر السبيعي
أيها المكلوم...هون على نفسك، فإني أسألك بعض الأسئلة:
ألم يقدر الله مقادير الخلق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة (1) (فأين الإيمان بالقضاء والقدر).
ألم ينزل قول الله - سبحانه وتعالى - بعد غزوة أحد " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " حتى قال ابن مسعود (ما كنت أظن أن أحداً من أصحاب محمد يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية)
فلمَ الإستغراب في عصرنا هذا من بعض الممارسات التي قد تصدر ممن نثق بهم ونحترمهم؟
كنا نتحدث في الرخاء عن الإبتلاء... حتى إذا صار واقعاً ملموساً نسينا ما كنا نحدث به الناس،
فهلاّ تذكرنا " يبتلى الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " (2)(2/92)
قد يفسد البعض علينا الدنيا ولكن لا يستطيع أن يفسد علينا الآخرة... لأن طريقها المحراب، والمصحف، والذكر، وسلامة الصدر، وحب الآخرين والتجاوز عنهم، كل هذه يمكن أن أزاولها في غرفتي وداخل بيتي حيث لا يعلم بها إلا الله، فما يضرني لو زهد فيّ الناس فإن الأهم أن يرضى عني ربهم الكريم الرحيم.
احذر أن تنسى الوقوف بين يدي الله يوم القيامة فإن السعيد من أُتي كتابة بيمينه... أما الدنيا وبهرجتها وما يدور في فلكها فمآلها إلى زوال، ولو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافر شربة ماء..
ضع لبنة صالحة في بناء قوي متماسك ولا تنتظر شكراً من أحد..
وأعلم أن كل حسنة نمت من بذرة بذرتها تصب في ميزان حسناتك فهنيئاً لمن سن سنة حسنة وإن لم يستمتع بثمرتها، فما عند الله خيراً وأبقى.
اعلم أن الأيام ليست يوماً واحداً، فالليل يتلوه النهار وإن مع العسر يسرا ولن يغلب عسر يسرين، ولكما أشتدت ظلمة الليل بزغ الفجر، وعند الصباح يحمد القوم السُرى..
أشتدي أزمة تنفرجي *** قد آذن ليلكِ بالبلجِ
" الم أحسب الناس أن يتركوا أت يقولوا أمنا وهم لا يفتنون "
فحمد الله على كل شيء فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أوذي فصبر وعثمان قُتل على مصحفه، وجلد ابن حنبل، وسُجن شيخ الإسلام ابن تيمية، بل قُتَل الأنبياء وهم خير عباد الله.
فيا ليت شعري هل نعي هذا الكلام...
اسأل الله لنا ولكم الثبات.
http://saaid.net المصدر:
===========
رسالة إلى العفيفات
صلاح بن محمد البدير
الخطبة الأولى:
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتّقوا الله فإنّ تقواه أفضلُ زاد، وأحسنُ عاقبةٍ في معاد، " إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ " [هود: 49].
أيّها المسلمون،
زعَمَ السفورَ والاختلاطَ وسيلةً *** للمجد قومٌ في المجانةِ أغرَقوا
كذبوا متى كان التعرُّضُ للخنَا *** شيئًا تعزُّ به الشعوب وتسبق؟! [1](2/93)
قومٌ تعاظم حِقدهم، واشتدَّ عُدوانهم، ليأتيَ على الفضيلة أعنفُه وعلى الحِشمة أشنعُه وعلى الطّهارة أبشعُه؛ لأنّ العِفّة تثيرُ غيظَهم وتُمضّ أفئدتَهم وتحرِق قلوبهم.
وما على العنبَر الفوّاحِ من حرجٍ *** أن مات من شمِّة الزبّالُ والجعَل[2]
نشؤُوا في حضنِ الإسلام، وتربَّوا في بلاده، فلمّا شبُّوا عن الطّوق استساغوا علقمَ العِدا واستحبّوا العمَى على الهُدى وحمَلوا معاولَ الهدمِ ورفعوا لواءَ الكيدِ والمكر الصُّراح، فأيُّ خيرٍ يُرتجَى ممّن سبَق للعِدا تعبيدُه ورِقُّه وتعذّر فكُّه وعِتقُه؟! فهو الوكيلُ المكتَرى والمملوكُ المشتَرى والخادمُ المرتَضى.
فُسولُ الرجال، الغَشَشَة الضُّلاَّل، أثاروها عجابةً هوجاء، وخطّوها مقالاتٍ خَرقاء، ضدَّ المجتمعِ المسلم الطاهر، وضدّ المرأة المسلمة، لإسقاط حجابها وتدنيسِ شرفها وإنزالها في ميادينِ الرجال وزجِّها في جميع الوظائفِ والأعمال وتأسيس الاختلاط وغَرس نبتتِه الخبيثة ووضعِ لَبِنته النّجسة، فقطعها الله من أكفٍّ، وأخرسَها من ألسُن، وأخمدَها من أنفاس، " وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " [التوبة: 107]، " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ " [البقرة: 11، 12].
أيّها المسلمون، لقد وضَع الإسلام حدًّا وسَدًّا لحمايةِ المرأة من مُعابثة الفُسّاق ومطامِع أهل الرِّيَب والنفاق، وستظلّ بالإسلام في إطارِ الشّرَف والفِخار والإجلال والإكبار، درّةً مصونة وزعيمة شريفة وحرّة عفيفة وشقيقة كريمة. حجابها جمالُها، وسِترها جلالُها، وجلبابُها عِزُّها وكمالُها، مِن الإسلام تستمدُّ هديَها، وبسنّةِ رسول الله تشقُّ طريقَها.(2/94)
وليخسأْْ دعاةُ الافتراءِ المفضوح وأنصار المذهب المقبوح، فلن تجنيَ المرأة من الاختلاطِ والظهور والتكشُّف والحسُور إلا النّظرات المتلطِّخة والتحرّشات العابثة والاعتداءات الفاحِشة والكلالَ والنكالَ والوبال، " وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا " [النساء: 119]، " أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً " [الكهف: 50].
أيّها المسلمون، لقد قامت هذه الدّعواتُ الآثمة والشّعارات المضلِّلة في غابرٍ من الزّمن في عددٍ من الأمصار والأقطار، ونجح مناصِروها في إنزال المرأة من قصرها المنيع وحِصنها الرّفيع، فخلعت حجابَها، وغادرت حِصنها ومخدعَها، وتحرَّرت من كلِّ سلطان، وانطلقت في كلِّ مكان، وعملت في كلّ ميدان، فماذا كانت النتيجة؟! انحسارٌ في أخسّ دركاتِ العبَثِ والفجور، وانغِماسٌ في أسفل دَركات الخلاعة والمجون. وحُقّ لنا أن نتساءل: ماذا أضحتِ المرأة المتحرّرة كما زَعموها والمرأةُ الحديثة كما نعَتوها والمرأة العصريّة كما وصَفوها؟ لقد ابتُذِلت غايةَ الابتذال، واستغِلَّت غايةَ الاستغلال، واستُعبِدَت واستُرِقّت، وغَدت أداة لهوٍ وتسليةٍ في يد العابثين الفُجّار والفَسَقة الأشرار، تعمل بثديَيها قبل يدَيها، راقِصةً في دورِ البِغاء، وعارضةً في دورِ الأزياء، وغانيةً في دور الدّعَارة والتّمثيل، فأينَ أُكذوبة تحريرِها وتكريمها؟! وصدق رسول الله: ((ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء، فاتّقوا الدنيا واتّقوا النساء، فإنّ أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))[3].(2/95)
أيّها المسلمون، إنّ حتميَّة الفصلِ الدقيق والعميق بين الرجلِ والمرأة يُعدُّ ضرورةً أخلاقيّة وسلوكيّة واجتماعية وأمنية؛ لأنّ تمكينَ الاختلاط بين الرجال والنساء أصلُ كلِّ بليّة ونقيصة وأساسُ كلِّ شرٍّ ورذيلة، فعن عقبة بن عامر الجهنيّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((إيّاكم والدخولَ على النساء))، فقال رجل من الأنصار: يا رسولَ الله، أفرأيتَ الحموَ؟ قال: ((الحموُ الموت)) متفق عليه[4]، وعن أمّ سلمة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله إذا سلّم ـ أي: إذا فرَغ من الصلاة ـ مكَث قليلاً، وكانوا يَرونَ أنّ ذلك كيما ينفذ النساءُ قبل الرجال. أخرجه أبو داود[5]. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله: ((لو تركنا هذا البابَ للنّساء))، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. أخرجه أبو داود[6]. وعن أبي أسيد الأنصاريّ - رضي الله عنه - أنّه سمع رسول الله يقول وهو خارجٌ من المسجد فاختلط الرّجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله للنساء: ((استأخِرن، فإنّه ليس لكنّ أن تحقُقن الطّريقَ، عليكنّ بحافّات الطريق)) أخرجه أبو داود[7]. ويقول جلّ في علاه في كتابه العزيز وكلامه البليغ الوجيز: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب: 53].
تلك أدلَّةٌ من الكتاب والسنة تردُّ أباطيلَ كلِّ مارق وتحسِم أضاليلَ كلِّ ماذق ممّن عدَلَ عن مَوردهما العذبِ الزُّلال إلى آسِن قلّوطِ أهل الفِسق والضَّلال.(2/96)
يا فتاةَ الإسلام، كوني كما أرادَك الله وكما أراد لك رسولُ الله، لا كما يريدُه دعاةُ الفتنة وسُعاةُ التبرُّج والاختلاط، فأنتِ فينا مُربِّيةُ الأجيال وصانعةُ الرجال وغارسةُ الفضائل وكريمِ الخصال ومرضِعةُ المكارم وبانيةُ الأمم والأمجادِ، فحاشاك حاشاك أن تكوني مِعوَلَ هدمٍ وآلةَ تخريب وأداةَ تغيير وتغريب في بلادِ الإسلام الطّاهرة وربوعِه العامرة ضِدّ أمّة محمّد.
يا نساءَ المسلمين، إنّ الله رفعكنَّ وشرّفكنّ، وأعلى قدركنّ ومكانتَكنّ، وحفِظ حقوقكنّ، فاشكُرنَ النعمة، واذكُرن المنَّة، فما ضُرِب الحجابُ ولا فُرِض الجِلباب ولا شُرع النقاب إلاّ حمايةً لأغراضِكن وصيانةً لنفوسِكن وطهارةً لقلوبكنّ وعصمةً لكنّ من دواعي الفتنة وسُبُل التحلُّل والانحِدار، فعليكنّ بالاختِمار والاستِتار، واغضُضنَ من أبصاركنّ، واحفظن فروجَكنّ، واحذَرن ما يلفِت الأنظارَ ويُغري مرضَى القلوبِ والأشرار، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب: 33]. استُرن وجوهكنّ وزينتكنّ ومحاسنكنّ عن الرّجال الأجانب عنكنّ.
ولتحذَر المرأةُ المسلمة الرقيقَ من الثيابِ الذي يصِف ويشفّ، والضيِّقَ الذي يبين عن مفاتِنها وتقاطيعِ بدنها وحجمِ عظامها، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((المرأةُ عورةٌ، فإذا خرجت استشرَفها الشيطان، وأقرَب ما تكون من ربِّها إذا هِي في قعرِ بيتِها)) أخرجه ابن حبان[8].(2/97)
ولتحذرِ المرأة المسلمةُ أن تمرَّ على الرجالِ متعطِّرةً متبخِّرة، يقول رسول الهدى: ((إذا استعطَرت المرأة فمرَّت بالقومِ ليجدوا ريحَها فهي زانية)) أخرجه أبو داود والترمذي[9]، وعن عُبيد مولى أبي رُهم أنّ أبا هريرة - رضي الله عنه - لقيَ امرأةً متطيّبةً تريدُ المسجدَ، فقال: يا أمةَ الجبّار، أين تريدِين؟ قالت: المسجد، قال: وله تطيَّبتِ؟! قالت: نعم، قال: فإني سمعتُ رسول الله يقول: ((أيّما امرأةٍ تطيّبَت ثمّ خرجت إلى المسجد لم تُقبَل لها صلاةٌ حتى تغتسِل)) أخرجه ابن ماجه[10]، وعن عمرةَ بنتِ عبد الرحمن عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لو أنّ رسولَ الله رأى ما أحدثَ النساءُ لمنعهنّ المسجدَ كما مُنِعَت نساءُ بني إسرائيل، قيل لعمرةَ: نساءُ بني إسرائيل مُنِعنَ من المسجد؟! قالت: نعم. أخرجه مسلم[11].
ولتحذرِ المرأة المسلمةُ أن تخضعَ بقولها أو تترَقرَقَ في لفظها أو تتميَّع في صوتها أو تتنظّم وتتكسَّر في كلامِها مع الرجال، فتُطمِعَ فيها ضعيفَ الإيمان، " فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا " [الأحزاب: 32].
والمرأةُ الشريفة العفيفَة لا تقبلُ أن تكونَ نبعَةَ إثارةٍ أو مثار فتنة للأعين الشرِهَة والنظراتِ الخائنة الوقِحة والنفوس السافِلة الدنيئةِ والأقوال المهينةِ البذيئة، قال جلّ في علاه: " وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ " [النور: 31]، ويقول - تبارك وتعالى -: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " [الأحزاب: 59].(2/98)
فأين الامتثال؟! وأين الاستجابة في الحال؟! فعن أم سلمةَ - رضي الله عنها - قالت: لمّا نزلت هذه الآية: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ خرج نساءُ الأنصار كأنّ على رؤوسهنّ الغربان من الأكسية. أخرجه أبو داود[12]. وعن عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: كُنّ نساء المؤمنات يشهَدن مع رسول الله صلاةَ الفجر متلفِّعاتٍ بمروطهنّ، ثم ينقلبنَ إلى بيوتهنّ [حين] يقضين الصلاة، لا يعرفهنّ أحدٌ من الغَلَس. متفق عليه[13].
أيّتها المرأةُ المسلمة، تجلَّلي بأشرفِ إِكليل وتلفّعي بأهدَى سبيل وانتمي إلى خيرِ قَبيل، تجلَّلي بالتقوى والإيمانِ والخشية والخوفِ والحياء من الرحمن، واحذري كلَّ متبرِّجةٍ داعِرة وكلَّ حاسِرة وسافِرة وكلّ ماجنةٍ وكافرة، وأرعِي سمعَك لقول رسولِ الهدى: ((صنفان من أهلِ النار لم أرَهما: قومٌ معهم سياطٌ كأذنابِ البقر يضرِبون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات مميلاتٌ مائلات، رؤوسُهنّ كأسنِمَة البُخت المائلة، لا يدخلنَ الجنة ولا يجِدن ريحَها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرةِ كذا وكذا)) أخرجه مسلم[14] والطبراني وزاد: ((العنوهنّ فإنهن ملعونات))[15].
هذا مصيرُ العاريةِ من خشية الله، العاريةِ من شكر نعمةِ الله، العاريةِ من الأخلاق الكريمة، هذا مصير من تبرّجت وترجَّلت ومرجت وبرزت وتكشّفت وفتَنت وافتُتِنَت، فاحذَري سوءَ الخاتمة، ولا يحُل بينك وبين الخاتمة الحسنةِ والدارِ الطيبة في الجنّة العالية دعاةُ المخادنة وأعداءُ الشّرف وأنصار التحلُّل والتفسُّخ والانحدار.(2/99)
أيّها المسلمون، كلّ ما أدّى إلى محذور فهو في الشّرع محظور، وإنّ من أعظم أسباب الفساد والحيدِ عن سبيل العِفَّة والرشاد سَفَرَ المرأة وليس مَعها ذو محرم منها أو خلوتها بأجنبيّ عنها، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسول الله يخطب ويقول: ((لا يخلوَنّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافِر المرأة إلاّ مع ذي محرم))، فقام رجلٌ فقال: يا رسولَ الله، إنّ امرأتي خرجت حاجَّةً وإني اكتُتِبتُ في غزوةِ كذا وكذا، فقال النبيّ: ((انطلِق فحُجَّ مع امرأتك)) متفق عليه[16]، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنّ عمر بن الخطاب خطبَ بالجابية فقال: قام فينَا رسول الله مقامِي فيكم فقال: ((لا يخلوَنّ أحدكم بامرأةٍ فإنّ الشيطان ثالثُهما)) أخرجه أحمد[17]. كلّ ذلك سدًّا للذرائع وحَسمًا للوسائل المفضِية إلى وقوع الفواحِش.
أيّها الآباء والأولياء، صونوا نساءَكم، واحفَظوا أعراضَكم وأنسابكم، واجتنِبوا التفريطَ والتشاغُل، وحاذروا التقصيرَ والتساهلَ الذي لا تُؤمَن لواحِقُه وتوابعُه وتواليهِ وعواقبه، بيدَ أنّ عاقبتَه بوار وخاتمته خَسار، كونوا أُباةَ العَار وحُماةَ العَرين، كونوا كمحافظٍ متنبِّهٍ لا يغفل، ومُراعٍ متيقِّظٍ لا يُهمِل. واعلَموا أنّ أشرفَ الناس أشدُّهم غيرةً على نفسِه وأهله وعِرضه، ومَن لا غَيرة عنده فبطنُ الأرض أولى به من ظهرها، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((إنّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمّا استرعاه: حفظ أم ضيَّع؟ حتى يسأل الرجلَ عن أهل بيته)) أخرجه ابن حبان[18]، وفي الصحيحين: ((والرجلُ راعٍ على أهلِه ومسؤول عن رعيته، والمرأةُ راعية في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيّتها))[19].(2/100)
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [التحريم: 6].
جعلني الله إيّاكم من الهداة المهتَدين المتّبعين لسنّة سيّد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
----------
[1] من قصيدة "السفور والخلاعة" للشاعر محمد حسن النجمي.
[2] من لامية ابن سند.
[3] هذا النص مركب من حديثين، فالجزء الأول منه أخرجه البخاري في النكاح (4706)، ومسلم في الذكر (4923) من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -، والجزء الثاني منه أخرجه مسلم في الذكر (4925) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
[4] صحيح البخاري: كتاب النكاح (4831)، صحيح مسلم: كتاب السلام (4037).
[5] سنن أبي داود: كتاب الصلاة (876)، وهو عند البخاري في الأذان (793).
[6] سنن أبي داود: كتاب الصلاة (391، 484)، ورواه عقِبه موقوفا على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال: "وهو أصحّ"، وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط (1018)، وذكر الجزء المرفوع الألباني في صحيح سنن أبي داود (439، 534).
[7] سنن أبي داود: كتاب الأدب (4588)، وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير (19/261)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (4392).
[8] صحيح ابن حبان (5598، 5599)، ورواه أيضا ابن خزيمة (1685، 1686)، والطبراني في الأوسط (2096) والكبير (10/108)، وقال الهيثمي في المجمع (2/35): "رجاله موثقون"، وصححه الألباني في الإرواء (273)، وانظر السلسلة الصحيحة (2688).(2/101)
[9] سنن أبي داود: كتاب الترجل (3642)، سنن الترمذي: كتاب الأدب (2710) عن أبي موسى بنحوه، وأخرجه أيضا أحمد (4/400، 413، 418)، والنسائي في الزينة (5036)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة (1681)، وابن حبان (4424)، والحاكم (3497)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3516).
[10] سنن ابن ماجه (3992)، وأخرجه أيضا أحمد (2/246، 297، 365، 444، 461)، وأبو داود في الترجل (3643)، وصححه ابن خزيمة (1682)، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (3233).
[11] صحيح مسلم: كتاب الصلاة (676)، وهو أيضا عند البخاري في الأذان (822).
[12] سنن أبي داود: كتاب اللباس (3578)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3456).
[13] صحيح البخاري: كتاب المواقيت (544)، صحيح مسلم: كتاب المساجد (1020، 1021، 1022).
[14] صحيح مسلم: كتاب اللباس (3971) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
[15] المعجم الصغير (1125) والأوسط (9331) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، وهو أيضا عند أحمد (2/223)، وصححه ابن حبان (5753)، والحاكم (8346)، وهو في السلسلة الصحيحة (2683).
[16] صحيح البخاري: كتاب الحج (1729)، صحيح مسلم: كتاب الحج (2391).
[17] مسند أحمد (1/18)، وأخرجه أيضا الترمذي في الفتن (2091)، والنسائي في الكبرى (9225)، والبزار (167)، والبيهقي في الكبرى (7/91)، وقال الترمذي: "هذ حديث حسن صحيح غريب"، وصححه ابن حبان (7254)، والحاكم (387، 388، 389، 390)، وهو في صحيح سنن الترمذي (1758).
[18] صحيح ابن حبان (4492)، وأخرجه أيضا النسائي في الكبرى (9174)، والطبراني في الأوسط (1703)، وابن عدي في الكامل (1/312)، وأبو نعيم في الحلية (6/281، 9/235)، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (13/113)، وهو في السلسلة الصحيحة (1636).
[19] صحيح البخاري: كتاب الجمعة (844)، صحيح مسلم: كتاب الإمارة (3408) عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.
الخطبة الثانية:(2/102)
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " [التوبة: 119].
أيّها المسلمون، إنّ ممّا يذيب القلبَ كَمدًا ويعتصِر له الفؤادُ ألمًا ما يحدثُ من مخالفاتٍ في الأعراس والأفراحِ ومنكراتٍ عظيمة في حفلات النكاح، أفراحٌ تعُجّ وتضِجّ بالمخالفات والمنكرات، استئجارٌ للمغنّين والمغنّيات والمطربين والمطرِبات الذين يتغنّونَ بأشعارِ الفِسق والفجور ويستخدِمون آلاتِ الموسيقى والطبول بمبالغَ باهظة وتكاليفَ عالية، سَفهٌ وإسراف ورِياءٌ وتبذير، وإيذاء واعتداء ناتجان عن رفع الصوت بالغناء، ونساءٌ متبرِّجات يلبسنَ ثيابًا شفّافةً وضيِّقة ومجسِّمة وعارية وشبهَ عارية، ورقص كرقص العاهرات، واختلاط للرّجال بالنساء، وبذلٌ طائش وإسرافٌ فاحِش في المآكل والمشارب الذي لا يخفَى مصيرُها، وسَهرٌ لا خيرَ فيه ولا تُحصَى مساويه.
أمورٌ مخجِلة ومحزنة سَرت إلى صفوف المسلمين بطريقِ العدوى والتقليدِ الأعمى، فاتقوا اللهَ أيّها المسلمون، فما هكذا تُشكَر النِّعم وتستدفَع النِّقم، فانتَهوا عمّا نهيتُم، واستدركوا الفائتاتِ بالتوجُّع للعثرات والخروج من التّبعات والتوبة من السيّئات، والله يتوب على التّائبين.
ثمّ اعملوا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبِّحة بقدسه، وأيَّه بكم أيّها المؤمنون من جنّه وإنسِه، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 59].(2/103)
اللهمّ صلِّ وسلِّم على نبيّنا وسيّدنا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين...
28/5/1425
http://www.alminbar.net المصدر:
-=============
رسالة إلى فتاة تعمل بين الرجال
أختي الكريمة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد آلمني جداً أني رأيتك في هذا المكان، تعملين بين الرجال، وسبب ألمي أن هذا الاختلاط خطر عليك للغاية، في دينك وأخلاقك..
لا تتعجلي وتعرضي عن نصيحتي، وتظني أني أبالغ في ألمي، فإن معي من الأدلة ما فيها البيان الشافي لما أقول، وتذكري أنه لا رابطة تربطني بك إلا رابطة الإسلام، ولست أجني من هذه الكلمات التي أسطرها إليك بأحرف تخرج من قلبي أية فائدة دنيوية، بل إنها تستهلك وقتي وجهدي وتفكيري، فأرجو أن تقدري هذا الموقف مني تجاهك، وتتأملي فيما أقوله مرارا، وستجدين فيه غاية النصيحة لك والإخلاص.
أختي الكريمة!..
إن المرأة مهضومة مظلومة في أي اختلاط لها بالرجال من غير محارمها، فإن عامة الرجال لا تخلو نظرتهم إليها من نظرة شهوانية، ومن زعم منهم غير ذلك فما صدق، فالله خلق في الرجل ميلاً قويا إلى المرأة، وخلق في المرأة ميلاً قويا إلى الرجل مع لين وضعف، ومن ثم فأي قرب بينهما في غير النطاق المشروع فهو خطير للغاية، فالشيطان يؤجج الغرائز في هذا الحال، وعادة ما تكون المرأة هي الخاسر في هذه القضية؛ لأن الرجل لا يتحمل تبعات المشكلة كالمرأة، التي عادة ما تتعرض في أية خلطة لها بالرجال إلى متاعب هي في غنى عنها، فالاختلاط قد يفضي إلى هتك العرض وما يتبع ذلك من مآسي كالحمل وظهور اللقطاء، ولأجل هذا حرمه الشارع، والأدلة في هذا المقام كثيرة أذكر منها بعضها:
- قال - تعالى -: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}.
فالله - تعالى -أمر الرجال بغض أبصارهم عن النساء، فإذا صارت المرأة تعمل إلى جانب الرجل فكيف يمكن له أن يغض بصره؟..(2/104)
فالمرأة عورة كلها، كما جاء في الأثر، فلا يجوز النظر إليها، وقد قال رسول الله: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة) [رواه الترمذي].
فنظرة الفجأة معفو عنها، وهي الأولى، بخلاف الثانية فإنها محرمة؛ لأنها تكون عن عمد، وقد جاء في الأثر: (العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطو) [رواه مسلم]
والنظر زنا لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة، وذلك يفضي إلى تعلق القلب بها ومن ثم الفاحشة، ولا شك أن النظر متحقق في الاختلاط غاية التحقق.
- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) [البخاري]، فقد وصفهن بأنهن فتنة على الرجال، فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون في مكان واحد؟!.
- أن رسول الله لما بنى المسجد جعل بابا للنساء وقال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) [أبو داود].
فكان عمر ينهى عن الدخول من باب النساء، فإذا كان منع الاختلاط في الأبواب فلأن يمنع ذلك في المكاتب من باب أولى..
- وقد أمر رسول الله النساء بأن يمشين في حافة الطريق دون وسطه حتى لا يختلطن بالرجال..
- وكان - عليه السلام - إذا سلم من صلاته ثبت في مكانه مستقبل القبلة ومن معه من الرجال حتى ينصرف النساء ويدخلن بيوتهن، ثم ينصرف وينصرف الناس معه، حتى لا يمتد بصر الرجال إليهن.
كل هذه النصوص وغيرها كثير تبين حرمة الاختلاط، وحرمة أن تعمل المرأة إلى جانب الرجل، والعلماء كلهم متفقون على هذا بلا خلاف..
إن المرأة مأمورة بالقرار في البيت، هل تعلمين لماذا؟..
حتى لا تتعرض لأنظار الرجال والاختلاط بهم..
ومن المعلوم أن هتك الأعراض وخراب البيوت وضياع مستقبل الفتاة بالذات وظهور اللقطاء نتيجة طبيعية للاختلاط..(2/105)
وإن أردت أن تقفي على حقيقة الاختلاط وآثاره فاقرئي مشاكل الاختلاط في الغرب، حتى حدى بهم الأمر إلى الدعوة إلى منعه في التعليم، فأنشئت جامعات ومدارس قائمة على الفصل بين الجنسين في أمريكا وغيرها، ما فعلوا ذلك إلا بعد أن ذاقوا المر والألم من كثرة المفاسد الأخلاقية، أفلا يجب أن نعتبر بهذه الحقائق؟..
أليس من الخطأ أن نكرر نحن المسلمون الأخطاء التي وقع فيها الغرب، وهم اليوم يرجون التخلص منها؟!.
أيتها الأخت!..
أنت أعز من الدينا..
أنت الأخت والبنت والزوجة والأم..
فمن الواجب أن تكوني عونا لنا على صيانتك من المخاطر..
أنت نصف المجتمع، وأنت تلدين الآخر..
أنت التي نرجو منك أن تخرجي لنا الأجيال التي تقود الأمة..
فكيف يمكن لك ذلك إذا تركت القرار في البيت، وتركت عمل البيت وتربية النشء والأمومة، وصرت تزاحمين الرجل في عمله؟..
اعلمي رحمك الله، أن الله - تعالى -ما أمرك بالقرار في البيت إلا رحمة بك: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}..
لأنك إذا خرجت طمع فيك الرجال، وإن شئت أن تتأكدي مما أقول اقرئي كتاب: " عمل المرأة في الميزان"، للدكتور محمد علي البار..
وستجدين فيه الحقائق الجلية بالأرقام والقصص التي تؤكد خطورة ترك المرأة بيتها واختلاطها بالرجال، واعتبري بحال المرأة في الغرب:
إنها تشكو ظلم الرجل، تشكو الابتزاز الجنسي في كل مكان، ولا تستطيع أن تفر من واقعها؛ لأنه لابد عليها من العمل وإلا ماتت جوعا، فهي في ألم وشقاء لا ينتهي..
أما أنت فقد أكرمك الله بالإسلام الذي أوجب على الأب والزوج والأخ والابن أن يسعوا عليك بالنفقة، ولم يأمرك الله بالسعي أبدا، فهذه غنيمة أتتك بلا تعب، تمكثين في بيتك كالملكة وغيرك يسعى عليك..
أليست هذه نعمة عظيمة؟..
فلا تغتري ببريق الدنيا وتزيين الشيطان لك بالخروج للعمل، فإنك إن أردت أن تكوني قريبة من الرحمن فكوني في بيتك، قال رسول الله:(2/106)
(المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها) [رواه الترمذي وابن حبان].
واعلمي أيتها الأخت!.. أن أعز شيء لديك هو إيمانك وعفتك، وهو مهدد بالهتك إذا ما اختلطت بالرجال، فابتعدي عنهم ولا تقربي منهم إلا محرماً أو زوجاً، واعلمي أنك في ظل الحجاب والقرار في البيت تنالين أحسن الأزواج خلقا وغيرة، وإذا بقيت في هذه الأعمال المختلطة فلن تظفرين بالرجل الشهم الغيور..
أيتها الأخت!..
لا تقولي: "أنا قادرة على حفظ نفسي ولو كنت بين الرجال"..
فإن الله ما أمر بغض البصر والفصل بين الذكر والأنثى إلا لعلمه أن الغريزة الجنسية قوة جارفة، والمسلم مأمور بالبعد عن مواطن الفتن، ولا يجوز أن يلقي بنفسه إلى التهلكة، والإنسان إذا جاع لم يقدر أن يمتنع من الطعام، وكذا إذا جاع جنسياً، وفي كل حال إذا ثبت تحريم الاختلاط فإنه يحرم للمرأة والرجل أن يعملا جنباً إلى جنب ولو كانا تقيين، ولا عبرة بخلو النفس من الشهوات أو بقدرة المرأة على حفظ نفسها..
وإن كنت أختي الكريمة في حاجة إلى العمل فليكن بعيدا عن الرجال..
أختي الكريمة!..
لا أدري هل بلغت كلماتي حبة قلبك؟..
وهل استطاعت أن تنفذ في شغافه؟..
أرجو ذلك من كل قلبي، وأدعو الله دعاء المضطر أن يحفظك من كيد الكائدين، الذين يخططون للزج بك في أوحال الرذيلة، وهم في غاية الفرح بما حققوه منك عندما تركت البيت وصرت في محافل الرجال؛ لأنهم يعلمون أنك مربية الأجيال، فإذا فسدت فسد الجيل، وصارت الأمة لقمة سائغة لأعدائها..
فكلي رجاء أن تعي هذه القضية الخطيرة حق الوعي، وتدركي مقدار الخطر الذي أنت فيه..
وإذا لم تلقي بالا لما قلت ـ ولا أظن هذا منك ـ فلسوف أدعو لك آناء الليل وأطراف النهار، ولن أمل أبداً من الدعاء لك، فأنت أخت لي مهما حصل، وثقتي أنك يوما ما ستعودين إلى رشدك، وثقتي أن الله - تعالى -لن يضيع جهدي معك هباءً، وما توفيقي إلا بالله..(2/107)
ولي رجاء إليك أن تكرري قراءة هذه النصيحة مرة بعد مرة، من فترة إلى أخرى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://saaid.net المصدر:
-============
رسالة من مَواطن الفتن
كرم محمد البدوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد:
أخي المسلم:
أبعث إليك بهذه الرسالة من إحدى البلدان الأوربية التي تنتشر فيها الفتن راجياً منك أن تتقبلها بصدر رحب فمحبتي لك وخوفي عليك هو الذي دفعني لتسطير هذه الكلمات لك.
إن هذا البلد الأوربي الذي أقيم فيه وغيره من البلدان يقصده الكثير من أبناء المسلمين سنوياً في فصل الصيف لأسباب مختلفة، فهذا جاء من أجل السياحة، وذاك للاستصحاح، وآخر للعلاج، والبعض يحضر مرافقاً للمرضى، وآخرون حضروا بدون هدف واضح إلا الفسح والبحث عن الشهوات الدنيوية الزائفة نسأل الله السلامة والعافية.
ومن خلال موقع عملي الدعوي في هذه البلاد المشهورة بجمال طبيعتها، والمشهورة أيضاً بالمصحات العالمية المتقدمة والمتميزة في العلاج الطبيعي ألاحظ تردد عدد كبير من المسلمين على هذه البلاد للاستصحاح، وفجأة يجدون أنفسهم وسط كم هائل من الفتن والمنكرات في بلاد تجرد معظم أهلها من الدين والخلق والحياء والمبادئ، فهم يعيشون حياة مفتوحة كل هدفهم فيها تحقيق أكبر قدر من المتع والشهوات الدنيوية.
هل تقبل لنفسك أو لأحد من أحبابك الضياع في هذا النفق المظلم بمخاطرة السفر لهذه البلاد مهما كانت الدوافع والأسباب؟ وتكون النتيجة أنك أتيت لتعالج نفسك من مرض ما وأصبت مرافقيك بعشرات الأمراض المستعصية.(2/108)
ومن خلال زياراتي الدعوية المتعددة لهذه المصحات التي يتردد عليها آلاف المسلمين سنوياً للعلاج مصطحبين معهم مرافقيهم من الشباب والنساء والأطفال في كثير من الحالات سجلت هذه المشاهد الواقعية الأليمة والتي أنقلها لكم ليفكر أحدكم ألف مرة، ويعيد حساباته قبل السفر لبلاد مشهورة بالفتن والفساد مهما كانت دوافع السفر، وإليكم هذه المشاهد:
1- هذه المصحات التي يزورها آلاف المسلمين سنوياً للاستصحاح والعلاج تحيط بها بيوت الدعارة من كل جانب، وقد رأيت بعيني البغايا يعرضن أنفسهن للزنا على جوانب الطرق العامة المؤدية للمصحات.
2- الممرضات والخادمات داخل المصحة الذين يرافقون مرضى المسلمين متجردات عن كل مظاهر العفة والحياء يتواجدون بالمصحات بالملابس القصيرة كاسيات عاريات كاشفات عن مفاتنهن أمام مرضانا ومرافقيهم من الشباب، حتى شكا لي أحدهم بأن أحد المرضى المعاقين ينادي حفيده الشاب المرافق له ليناوله دواء مصحوباً بشربة ماء، ولكن الحفيد فتنته الخادمة فغرق في أحضانها في ناحية من الغرفة غير مبال بنداء الجد المريض نسأل الله السلامة والعافية.
3- الملاهي الليلية والبارات وبيوت الدعارة المجاورة للمصحات والمنتشرة في هذه المدن الصغيرة أصبح ومع الأسف الشديد زبائنها الدائمين في فصل الصيف عدد كبير من شباب المسلمين الذين حضروا لخدمة مرضاهم ومرافقيهم فإذا بدأ الليل يرخي سدوله حملتهم أقدامهم إلى تلك الأماكن إلى ساعات متأخرة من الليل، ولكم أن تتصوروا على أي شيء يسهرون وإلى أي مدى يتخبطون.
وأكتفي بهذه المشاهد الثلاثة ولا تظنوا أني مبالغ فيما ذكرت فإن هناك من البلاء ما هو أعظم من ذلك لا يعلمه إلا الله.(2/109)
وهل بعد ما قرأت تقبل لنفسك أو لأحد من أحبابك الضياع في هذا النفق المظلم بمخاطرة السفر لهذه البلاد مهما كانت الدوافع والأسباب؟ هل يعقل أن تضيع دينك من أجل نزهات فارغة وفسح تافهة وسياحة هابطة؟ حتى وإن كان الأمر يتعلق بعلاج أو استصحاح كيف تقبل أن تسلم جسدك ليعبث به أولئك الممرضات والخادمات الخليعات بدعوى العلاج والمساج؟ كيف تأمن على مرافقيك من الشباب في عمر الزهور وهم يرون من حولهم البغايا والمومسات يراودنهم عن أنفسهم فيقع شبابنا فريسة سهلة في أيديهن، وتكون النتيجة أنك أتيت لتعالج نفسك من مرض ما وأصبت مرافقيك بعشرات الأمراض المستعصية، سواء أمراض القلوب: (كالحسرة والندامة وقسوة القلوب وحرارة ولهيب المعصية التي تبقى في مطاردة صاحبها صباح مساء).
أو أمراض الأبدان: (كالإيدز والسيلان والطفيليات وغيرها من أمراض الجهاز التناسلي) نسأل الله السلامة.
أخي الحبيب:
إن مستشفيات المسلمين بخير وأطباء المسلمين بخير، وهنا أناشد من يقرأ هذا المقال من المستثمرين المسلمين بأن يفكروا في توفير مصحات عالمية متميزة في بلاد إسلامية بجودة وخبرات ومواصفات عالمية تخضع لأصولنا ومبادئنا الإسلامية ليقوا المسلمين شر هذه الويلات والفتن العظام.
وأما من يهوى السياحة والسفر في العطلات فأقول له: إن بلاد المسلمين أولى بك وبأموالك ففيها من الخير والجمال والأماكن الطبيعية ما يحقق لك الغرض المنشود وتحافظ في الوقت نفسه على دينك ونفسك وأسرتك.
وأما من يسافر باحثاً عن المتعة الحرام فتذكر أن الله يراك ومطلع عليك، بل كيف يكون حالك لو قبضت روحك في تلك الأماكن على معصية الله؟ فبأي وجه تلقى الله؟ وكم وكم من شباب المسلمين من وافتهم المنية في مثل هذه البلاد على حال يغضب الله فرجعوا إلى أوطانهم في توابيت محمولين على الأعناق ويبعث المرء على ما مات عليه، والله المستعان.(2/110)
فاتقوا الله إخوتي في أنفسكم وجوارحكم وأعماركم وأوقاتكم. "وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ" (البقرة: 281).
25/4/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
=============
رسالة إلى الزعيم مخرب..!
عمر المختار
أمخرب يا قدوة الأنذال..! ** يا رمز كل سفاهة iiوضلال.. !
طاولت رب العرش في iiعليائه ** وعبثت بالقرآن غير مبال!
أجحفت في أحوال شعبك غافلاً ** عن دورة الأيام iiوالأحوال
بعثرت أموال البلاد iiكأنها ** ميراث جد أو أب أو iiخال.. !
وتركت شعبك للشقاء iiوللضنى ** والشعب قبلك صاحب الأموال
وجننت.. قد أودى بعقلك iiكله ** هوس الزعامة في غياب iiرجال.. !
قزمٌ تخيل نفسه العملاق إذ ** ظن الجنون يزيد في iiالأطوال
وكأنه فأر يتيه iiجلالة ** بين الخنافس في قذى iiالأوحال
زعم الهداية وافترى.. ! iiفكأنه ** الدجال.. أو شر من iiالدجال
في مسرح التهريج أتقن دوره ** وكأنه في مسرح iiالأطفال
متشدقاً فقد الحياء.. iiفتارة ** ينوي الغبي زوال كل iiمحال!
ظن التحدي لعبةً.. فيصيح iiفي ** أبواقهـ: أنا قاهر iiالأبطال!
أنا دولتي العظمى.. ومن يسمو لها ** وزعيمها يزهى بكل iiجلال؟!
(الشرق) يعرق من أنا iiفيجلني ** و (العرب) يرهبني.. فزاد iiدلالي!
فبدأت أنطح من أراه iiبجبهتي ** أو أرفس التالي له بنعالي
حتى إذا قَلَبَ الزمان iiمجنه ** وتراجعت خططي وأدبر iiفالي
ووقفت ما بين الجموع iiمجرداً ** من كل أسلحتي.. وكل iiرجالي!
ورأيت (أمريكا) كغول iiجائع ** يرنو إلي بقسوة وتعال
وعرفت أني صيدها المأمول iiإن ** لم أستجب باللين iiوالإذلال
فخلعت أثواب العفاف iiأمامها ** وهويت منبطحاً بلا سروال.. !
http://www.odabasham.net المصدر:
============
رسالة عاجلة من ابن العلقمي لمن يهمه الأمر
أخوكم الهالك ابن العلقمى [عميل سابق](2/111)
5ربيع الثاني 1426هـ الموافق له 23 مايو 2005م
إلى أخي وصديقي العزيز الذي لم يجمعنا لقاء ولا زمان ولا مكان، ولكنه حتماً يؤمن بمثل ما أومن به، إلى أخي في العقيدة، وأخي في بغض أهل السنة عموماً والصحابة خصوصاً، الذي يشعر بمثل ما كنت أشعر به، ويحلم بمثل ما كنت أحلم به، وسار على دربي وطريقي في تحقيق أهدافه وغاياته، كم أنا فخور بك، ومحب لك على ما قمت به من أعمال وبطولات! من أجل إحياء الدولة العلوية، وإعادة حق قائم آل محمد المسلوب منذ مئات السنين على أرض العراق، ولكن حق علي وأنت أخي في الرفض ووحدة الهدف والطريق؛ أن أقدم لك تجربتي في الوصول للحكم، فأنت أخي، وحقت لك النصيحة، ولا شك أنك تعرفني جيداً، وقرأت عنى، ودرست سيرتي، بل أنا متأكد أنك قد اقتديت بي، واتبعت سبيلي ومنهجي في تحقيق غاياتي، ولكن سأحكى قصتي لك ولغيرك ممن قد لا يعرفونها.
فأنا محمد بن أحمد بن علي بن محمد العلقمي، المشهور تاريخياً بابن العلقمي، ولدت بالكرخ معقل الروافض ببغداد سنة 593هجرية، ونشأت بها على تعاليم التشيع التي تعلمنا بغض أهل السنة، وتكفير الصحابة - خاصة أبى بكر وعمر -، وحلمت منذ نعومة أظافري بإزالة الخلافة العباسية السنية، وإقامة الخلافة العلوية، ورد حق آل البيت، ومن أجل هذا الهدف تدرعت بالتقية، وتدثرت بالخداع والمكر، ولم أبد ما أعتقد، ولم أجهر بما يعتمل به قلبي من كره وبغض السنة، وقررت أن ألتحق بعمل قريب من دار الخلافة حتى أتمكن من تحقيق وتنفيذ مخططاتي.(2/112)
وبالفعل التحقت كاتباً بدار الخلافة في آخر عهد الخليفة العباسي 'الناصر لدين الله'، وما زلت أترقى في عملي بإخلاص، وأرضي عنى رؤسائي في العمل حتى أصبحت أستاذ دار الخلافة في عهد الخليفة 'المستنصر بالله'، ووثقت صلتي بولده 'عبدالله' الذي كنت أعلم جيداً أن الخلافة ستصير إليه، وكان 'عبدالله' هذا طيباً فيه كثير من سلامة الصدر، وربما يكون فيه غفلة كبيرة، وضعف في الشخصية، فتقربت منه جداً، فلما تولى الخلافة سنة 640هجرية لم يلبث حتى أمر بتعييني في أخطر منصب بالعراق وهو منصب 'الوزارة'، وتحققت المرحلة الأولى من حلمي، وأصبحت وزيراً للدولة العباسية، المتحكم فيها، الآمر الناهي في حكومتها.
بدأت العمل تدريجياً من أجل إضعاف الدولة العباسية، وذلك كالآتي:-
1. عملت على تقليل عدد الجيش المدافع عن بغداد لأنه كان كبيراً وجيد التجهيز، فلقد كان يبلغ أكثر من مئة ألف مقاتل، منهم الأمراء الكبار، والفرسان الأبطال، فما زلت اجتهد في صرفهم عن الخدمة، وتقليل هذا الجيش العرمرم؛ حتى صار عشرة آلآف مقاتل، لا حول لهم ولا قوة، لا يردون عادية أي عادي.
2. عملت على زيادة نفقات الخليفة الغافل، فبنيت له القصور، ودبرت له الأموال من حلها وحرامها، وكنت أوفر في نفقات الجند والسلاح لتمتلئ خزائن الخليفة، وكنت أقيم الولائم الكبيرة التي ينفق عليها بالأموال الطائلة، وكلها أمور ترضي عنها مولاي الخليفة، وتضعف من دولة الخلافة، فضربت بذلك عصفورين بحجر واحد.(2/113)
3. قمت بعد ذلك بالخطوة الجريئة والخطيرة، فلقد بدأت في مراسلة التتار وكبيرهم 'هولاكو' هذا السفاح الطاغية، فأظهرت له الود والولاء والنصح، الذي ساعدني على ذلك أخي في الرفض والتشيع 'نصر الدين الطوسي' الذي سهل لي الاتصال بهولاكو، فلقد كان يعمل عنده وزيراً وناصحاً، وهو الذي شجعه على التقدم إلى بلاد العراق بعدما وقف عند منتصف الهضبة الإيرانية ولم يتقدم منذ فترة، فعرضت على 'هولاكو' القدوم إلى بغداد، والاستيلاء عليها، وإسقاط الدولة العباسية، وألححت في ذلك، كان هذا الأمر يوافق هوى عنده لأن زوجته النصرانية كانت تحرضه ليل نهار على سفك دم المسلمين، وسفارات البابا 'أوسنت الرابع' كانت تأتيه تعرض عليه نفس الفكرة، فاقتنع الرجل بالفكرة التي تضافرت عليها جهودي أنا، وأخي 'نصير الدين الطوسي'، وزوجة هولاكو الصليبية، وسفارات بابا 'أوسنت الرابع'.(2/114)
وهكذا أخي ابن الجعفري اكتملت المؤامرة التي ظللت سنوات طويلة أنسج خيوطها واحبكها، فالخلافة في الداخل في غاية الضعف، والجيش في غاية القلة، والخليفة في غاية الغفلة، وبالفعل أخي جاء هولاكو بجيش مهول يقدر بمائتي ألف مقاتل، واهتزت بغداد بأسرها، وحار الخليفة الغافل ماذا يفعل؟ فأشرت عليه بمشورة زادت من الطين بلة، بأن يرسل هدايا هزيلة لهولاكو ليظهر أنه لا يخاف منه، وأن مقام الخليفة عال لا يرام، وأنا أعلم عقلية الطاغية هولاكو بأن هذا الأمر سيجعله يشتاط غضباً، وقد كان هجوم التتار على حاضرة الخلافة المسكينة في 1 صفر سنة 656 هجرية، فلم تقو على القتال سوى أربعة أيام ثم انهارت، فخرجت أنا وأهلي وعشيرتي الروافض للقاء هولاكو، وأنا أظهر للناس أنى خارج للتفاوض معه، ثم عدت بعد الاتفاق مع هولاكو على استدراج الخليفة وكبار أمرائه وقواده والعلماء والأعيان وسادة البلد الذين يستطيعون أن يقودوا البلد وقت الشدائد، عدت إلى بغداد، وأقنعت الخليفة الأحمق الغافل أن يخرج للقاء هولاكو بمعسكره، فخرج الغافل ومعه سبعمائة رجل من القضاة والفقهاءـ والعلماء ورؤوس الدولة؛ للتفاوض مع هولاكو، كما أقنعتهم على اقتسام خراج العراق نصف للتتار، ونصف للخليفة، فلما وصلوا إلى معسكر هولاكو قتلوا جميعاً شر قتلة إلا الخليفة المسكين المذعور الذي رأى بأم عينيه ما أروعه من مشهد ذبح السبعمائة سني، ولا تعلم يا أخي مدى المجهود الذي بذلته أنا والطوسي من أجل إقناع 'هولاكو' أن يقتل الخليفة المستعصم، فلقد كان متخوفاً من عواقب قتل الخليفة، وثورة المسلمين في كل مكان، ولكنني أقنعته في النهاية فقتل الخليفة المستعصم، وكانت هذه اللحظة هي الأروع في حياتي، فلقد انهارت أخيراً الخلافة السنية بعد قرون من حكم البلاد.(2/115)
ثم مال التتار كالوحوش الكاسرة على أهل بغداد، وقتلوا أهلها جميعاً ماعدا اليهود والنصارى، فقتلوا قرابة المليونين من الرجال والنساء والأطفال، ودمروا المدينة بالكلية، ولا بأس بذلك فهم أهل السنة، دمائهم حلال لنا، مباح سفكها لاستعادة حقنا المنهوب! ولرفع الظلم عنا! ومن أجل الحلم الكبير إقامة الحكومة الرافضية.
وقام هولاكو بمكافأتي وتعييني في منصب الوزارة، ورغم أنني كنت وزيراً من قبل وعند خليفة مسلم، وأعامل بمنتهى التعظيم والاحترام، وكلمتي هي النافذة في بلاد العراق؛ إلا أن منصب الوزارة هذه المرة له مذاق آخر، فلقد ذهبت دولة السنة إلى غير رجعة، وكان علي أن أبدأ الخطوات التنفيذية لإقامة الخلافة الشيعية والحكومة الرافضية، ولكن حدث ما لم يكن في حسباني، حدث ما الذي عليّ أنا - وأنت أخي وعلى دربي - أن أعرفك إياه، وأنصحك به، أتدرى ما حدث بعد ذلك؟ أكيد أنت تدرى يا أخي، فهو مكتوب في كتب التاريخ، معلوم للجميع، وإياك أن تغتر بما كتبه 'ابن طباطبا' في كتابه 'الفخري في الآداب السلطانية' فهو مثلنا رافضي، ولا يحب أن يذكر للناس نهايتي ومأساتي.(2/116)
تصور يا أخي أنني بعدما أصبحت وزيراً عند دولة التتار على بغداد، وتخيلت أن الدنيا قد أقبلت علينا معاشر الروافض؛ إذا بهولاكو ينصب رجلاً على بغداد اسمه 'الأمير علي بهاور'، ورغم أنه شيعي مثلنا؛ ولكنه رفض التعامل معي وهمشني تماماً، تصور يا أخي، لقد أذلني التتار أشد الذل، وعاملوني بمنتهى الاحتقار، تخيل!! ومع أني كنت وزيراً عندهم فقد كنت أركب على حصان قصير يقوده جلف تترى، وهذا هو كل موكبي، بعدما كنت أسير أيام العباسيين في موكب فخم ضخم، يحيط بي الغلمان والفرسان من كل مكان؛ أصبحت مثل أقل خادم يعمل عند أحد حراسي الذين كانوا يقفون على بابي أيام العباسيين، عاملني التتار بمنتهى الإهانة والإذلال، فأصابني الهم والحزن الشديد، وركبني من الغيظ والنكد ما فرق قلبي، ولا أنسى يا أخي هذا اليوم الذي قابلتني فيه امرأة عجوز وقد رأتني وأنا على حصاني القصير الضعيف فقالت لي: 'يا ابن العلقمى أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟' فوقعت كلمتها في قلبي فزادتني غماً وحزناً على ما أنا فيه، فلقد انهارت أحلامي، وتبخرت آمالي، وأصبح كل من التتار والمسلمين يهينوني ويذلوني، ونظموا في الشعر، فقالوا:
يا فرقة الإسلام نوحوا واندبوا أسفاً على ما حل بالمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه لابن الفرات فصار لابن العلقمي
[ وابن الفرات هذا كان وزيراً في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله، وكان باطنياً رديء العقيدة، وتسبب في اضطرابات وفتن انتهت بمقتل المقتدر بالله سنة 328 هجرية ].(2/117)
وهكذا اجتمعت علي الهموم والأحزان والآلام، فذل الإهانة والمعاملة السيئة من التتار بالنهار، وهم ضياع الأحلام وانهيار مشروع الخلافة العلوية بالليل، فلم يقو قلبي المشحون بكل هذه الأحزان والهموم على الاحتمال، وقد جاوزت الستين من عمري، ولم يمض علي سوى بضعة شهور؛ انفطر قلبي بعدها، وانصدع من صدري، فمت مهموماً محزوناً منكوراً في 1 جمادى الآخر سنة 656 هجرية، أي بعد أقل من خمسة شهور من سقوط العباسيين، وهذه كانت نهايتي، نزلت قبري وحدي، ولم يشيعني سوى نفر يسير أسرعوا بدفني كأنهم يتخلصون منى، أما ما حدث لي في قبري، فلا أخبر به أحداً أبداً، وهذه كانت نهايتي، وهى عين نصيحتي، وغاية مقالتي، فاعتبر بما جرى لي، ولا تبع نفسك لأعداء الإسلام مهما كان المقابل والثمن، والتزم بشعبك وأمتك، وإلا فالهوان والآلام، والذل والأحزان؛ هم المصير الذي ينتظرك، وكما قالوا: " العاقل من اعتبر بغيره، ولم يعتبر به غيره ".
المصدر : http://www.islammemo.cc/historydb/one_news.asp?IDNews=456
==========
الاستعمار الفرنسي.. رسالة حضاريّة!!
نايف ذوابه - عمان
20 - 7 - 2005 م(2/118)
فيما تستعد العاصمة الفرنسية لاستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون بعد عشرة أيام تقدمت الحكومة الفرنسية باعتذار جديد لليهود (عربون استقبال وترحيب) عما قام به الفرنسيون قبل ثلاثة وستين عاماً؛ لأنهم سلموا ثلاثة آلاف يهودي فرنسي لألمانيا النازية، وفرنسا أصدرت عام 2001 قانوناً ينصّ على جريمة التحريض على التمييز العنصري (المبني على المنشأ أو السلالة أو الدين) أو الكراهية أو العنف، إثر تزايد مشاعر العداء لليهود في فرنسا من خلال نبش المقابر اليهودية، والاعتداء على المعابد والكنس اليهودية، وقد سبق لشارون أن دعا اليهود الفرنسيين إلى الهجرة إلى إسرائيل ( فلسطين المحتلة) احتجاجاً على موجة اللاسامية والعداء لليهود في فرنسا بوصف فرنسا أصبحت بلداً غير مرحّب باليهود فيه!!
وقد قصر معجم روبير الفرنسي مصطلح معاداة السامية على معاداة اليهود، مع أن مصطلح السامية أوسع من ذلك بكثير، ويشمل العرب إلى جانب اليهود بوصفهم أبناء سام بن نوح!!، ورغم أن بريطانيا عُرفت بالراعي التاريخي لليهود، وهي التي أوجدت الوعد الذي أسست له الكنيسة الإنجيلية، ثم ثبّته بلفور من خلال وعده الشهير المشؤوم؛ إلا أن فرنسا شاركت بفعالية في حماية ورعاية اليهود، والمساهمة في بناء إسرائيل دولة لهم، وقد صدر عام 1990 قانون استثنائي ( فابيو - جيسو) يقتضي بمعاقبة كل من ينكر محرقة النازيين لليهود في غرف الغاز فيما عُرف بِ( الهولوكوست)، أو يشكّك في عددهم، ولهذا حاكموا المفكر الفرنسي روجيه جارودي الذي شكك بغرف الغاز، وبعدد ضحايا النازية من اليهود الذين يدّعون أنهم ستة ملايين يهودي، فيما يشير غارودي إلى أن ضحايا النازية لا يتجاوزون تسعمائة ألف إلى مليون يهودي.(2/119)
انظر إلى النفاق الفرنسي، هنا فرنسا تعتذر وتبالغ في الاعتذار عن ماضيها، وتتملق اليهود، بينما تتفاخر بماضيها الاستعماري بفظاظة ووقاحة، دون أن يرف لها جفن، أو تحسب حساباً لأصدقائها العرب!!، والحقيقة أن مصانعة فرنسا لليهود ليست بجديدة ولا مستغربة للذين يعرفون تاريخ فرنسا الحقيقي في المنطقة بعيداً عن التضليل السياسي الذي رسم صورة مخادعة لفرنسا لدى العرب، ونقصد حكومات الدول العربية التي ضلّلت شعوبها، وسوّقت فرنسا كصديق للعرب، ونصير للقضايا العربية، لكن التاريخ السري للعلاقات الفرنسية الإسرائيلية يكشف حقيقة العداء الفرنسي التاريخي للمنطقة وأهلها؛ ففرنسا - للذين يجهلون أو يتجاهلون تاريخها المخزي - هي أمّ المشروع النووي الإسرائيلي؛ فهي التي بنت أول مفاعل نووي إسرائيلي، وهي التي درّبت الخبراء والعلماء الإسرائيليين ومكنتهم من أسرار السلاح النووي، وهربت اليورانيوم لإسرائيل، وفرنسا هي التي وضعت اللبنات الأولى لسلاح البحرية الإسرائيلي، وزوّدته بالسفن والصواريخ، وفرنسا ساهمت في بناء سلاح الطيران الإسرائيلي، وكانت طائرات الميراج الفرنسية هي العمود الفقري لسلاح الجو الإسرائيلي في حرب حزيران 1967، ونذكّر أيضاً بأن فرنسا شاركت في العدوان الثلاثي على مصر مع بريطانيا وإسرائيل رداً على تأميم قناة السويس، ومحاولة لإسقاط عبد الناصر الذي كان يشوّش عليها من خلال دعم الثورة الجزائرية.(2/120)
أما السابقة الخطيرة والغريبة في التصعيد الفرنسي ضد الشرق الإسلامي عامة والشمال الإفريقي خاصة - والتي تكشف حقيقة المشاعر الفرنسية نحونا كمسلمين - فهو القانون الذي صوّتت الجمعية الوطنية الفرنسية عليه، وكانت قد سنّته الحكومة الفرنسية في الخامس والعشرين من شباط الماضي 2005، ويتعلّق القانون بالحقبة الاستعمارية الفرنسية في شمال إفريقية؛ إذ يمجّد القانون تلك المرحلة التاريخيّة، ويعدّها جزءاً من التاريخ الحضاري لفرنسا، وذكرى تاريخية عن مهمات فرنسا الحضارية في مستعمراتها السابقة، ويمنح الجنود الفرنسيين الذين قُتلوا في المغرب والجزائر صفة الأبطال، والأدهى من ذلك أن القانون يقترح القيام بمراجعة شاملة للمقررات التعليميّة الفرنسيّة من أجل تخصيص حيّز كافٍ فيها للإشادة بتلك الحقبة الاستعمارية، والاعتراف بتاريخ وتضحيات المقاتلين الفرنسيين!!، هناك فرنسا تعتذر لليهود بينما هنا تتبجّح في تحدٍ صارخ ليس لمشاعر الجزائريين وحدهم بل لمشاعر مليار مسلم؛ لأن الجزائر عُرفت ببلد المليون شهيد، وعُرف المقاتلون الجزائريون بالمجاهدين، ولم يصل التبجّح بأي حكومة فرنسية سابقة إلى هذا الحد الذي تمجّد فيه حكومة شيراك (الصديقة للدول العربية) بوقاحة سافرة "الاستعمار" و"القتل" و"النهب" و"التعذيب" باسم الرسالة الحضارية، بدل أن تعتذر عن هذا الماضي المشين، ومما زاد الطين بلة أن هذا الإعلان قد تصادف مع الذكرى الخمسين لمجزرة مدينة سطيف الجزائرية التي ارتكبها الجيش الفرنسي في أيار 1945، وذهب ضحيتها (45) ألف جزائري!!(2/121)
هذا هو وجه فرنسا الحقيقي الذي ينبغي أن يتذكرها به المسلمون، وهو وجه قبيح في غاية القبح، ومما يزيده قبحاً ذاك النفاق الذي صبغ العلاقات الفرنسية، وادّعاء نصرتها للقضايا العربية بينما هي تمكر وتغدر وتؤلب على الإسلام والمسلمين، وما قانون حظر الحجاب عنا ببعيد الذي أصرت الحكومة الفرنسية على سنه في اعتداء صارخ على الحرية الشخصية والحرية الدينية لنحو خمسة ملايين مسلم فرنسي، على الرغم من كل المناشدات من مختلف الشخصيات الفكرية والسياسية والحزبية في أنحاء العالم الإسلامي، وهناك وفود ذكّرت فرنسا بالجميل الذي أسداه لها المسلمون بإطلاق سراح ملكها لويس التاسع الذي أسره المسلمون في معركة دمياط، وسجنوه في دار ابن لقمان، ولم تصغ فرنسا لغير صوت الحقد والكراهية (( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ))، وكل ذلك نكاية بالإسلام، وحسداً من أخلاق العفة والطهر الإسلامية التي تعدّ المرأة المسلمة عرضاً يجب أن يُصان، وتأكيداً للعهر الذي عُرف به الفرنسيون، والذي جعلهم صيداً سهلاً للألمان في حربين عالميتين!!(2/122)
ولنذكر الغرب الحاقد الذي أبى أن يكفّر عن حقده الأعمى، وعن مجازره التي ارتكبها بحق الآمنين المسلمين، ونسوق هذه العبارات المضيئة التي سجلها غوستاف لوبون المستشرق الفرنسي يتحدث فيها عن أخلاق العرب الفاتحين مقارنة بأخلاق الأوروبيين الهمج المستعمرين، وعلى رأي الرئيس الجزائري بوتفليقة المستدمرين، على أساس أن الاستعمار كان استدماراً فعلياً للشعوب!، يقول غوستاف لوبون: "لم يكن الصراع الذي كان يتمخّض عنه العالم غير نزاع عظيم بين أقوام من الهمج، وحضارة تُعدّ من أرقى الحضارات التي عرفها التاريخ"، ويتحدث غوستاف لوبون عن نُبل صلاح الدين الذي تسامح مع نصارى القدس فلم يمسهم بسوء ولا أذى، وتمنّى العلامة لوبون أن يكون العرب قد استولوا على العالم ومنه أوروبا، ويذكر أن موسى بن نصير فكّر في ذلك، وأنه لم يعقه عن هذا العمل العظيم سوى أمر الخليفة إياه بأن يعود إلى دمشق، فلو وُفّق موسى بن نصير لذلك لجعل أوروبا مسلمة، ولحقّق للأمم المتمدّنة وحدتها الدينية، ولأنقذ أوروبا على ما يُحتمل من دور القرون الوسطى الذي لم تعرفه إسبانيا بفضل العرب!!
المصدر : http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&ContentId=6862
=========
رسالة إلى طالب جامعي مبتدئ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد..
هذه رسالة أود أن أتوجه بها إلى جميع أبنائي وبناتي طلاب الجامعات والمعاهد العليا الجدد، نتيجة تجارب معلم، وعصارة خبرات أبٍ مربٍ، وشيخ مجرب، لعل الله أن ينفع بها، وعساها أن تجد قبولاً واستجابة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أولاً: أهنئكم بالتوفيق والنجاح وتحقيق الرغبات، فعليكم شكر هذه النعمة لربكم مسديها، ولوالديكم، وأسركم، وأساتذتكم الذين أعانوكم على ذلك، فبالشكر تدوم النعم.(2/123)
ثانياً: تأكدوا وتيقنوا من أن الكلية والتخصص الذي قبل به أحدكم مناسب لقدراتكم العقلية قبل رغباتكم وتمنياتكم وتمنيات أهليكم، واعلموا أن كلاً ميسر لما خلق له، ولهذا لابد من أن يتدارك كل منكم ذلك فترة الحذف والإضافة، قبل فوات الأوان، وحلول الندم، والاصطدام بالواقع.
ثالثاً: اعلموا أيها الأبناء والبنات أن وظيفتكم الأساسية في هذه المرحلة هي التحصيل العلمي، ثم التحصيل العلمي، ثم التحصيل العلمي، فحاجة الأمة الإسلامية للعلم المفيد، والتخصص الدقيق لا تدانيها حاجة، واحذروا أن تشغلوا عن هذه الوظيفة بغيرها، أو أن تعتبروها من النوافل.
رابعاً: احرصوا على الوقت واستثماره، والاستفادة منه إلى أقصى حد، فما الأعمار إلا دقائق وثوانٍ، وإلا أسابيع، وأيام، وشهور، وأعوام.
خامساً: لا تؤخروا عمل اليوم إلى الغد، واحذروا التسويف والتأخير.
سادساً: وثقوا صلاتكم بالمكتبات الخاصة والعامة والتجارية، فخير جليس في الزمان كتاب، ولا تقنعوا بالمذكرات، ولا بالمناهج والكتب المقررات.
سابعاً: احرصوا أن تكون تخصصاتكم والعلوم التي تدرسونها وما يهيئكم إليه ذلك التخصص بعد التخرج موافقاً للشرع، غير مصادم ومخالف له.
ثامناً: اعلموا أيها الأبناء والبنات أن تخصصاتكم هذه كلها لا تخرج عن دائرة فرض الكفاية، وأن فرض العين هو معرفتك لربك، ولرسولك، ولما يوجبه عليك دينك من التكاليف، ومعرفة الحلال والحرام، والسنة والبدعة، فإن كنت جاهلاً بذلك جهلاً كلياً فلا يحل لك الاشتغال بفروض الكفاية والحال هكذا، وعليك أن تعمل لسد هذا النقص وتفاديه بحضور الدروس في المساجد، ومزاحمة المشايخ بالركب، ولا تظنن أيها الأحباب أنكم ستتداركون ذلك بعد التخرج، فهذه أحلام وآمال يصعب تحقيقها إلا لأصحاب الهمم العالية، وإلا لمن وفقه الله، وما يدريك أن تأتيك منيتك قبل ذلك؟(2/124)
تاسعاً: الحرص على مرافقة الأخيار، ومجالسة من يذكرك بما يجب عليك من الأوامر الشرعية، وما ينفعك في دينك ودنياك إذا نسيت، ويعينك إذا ذكرت، واعلم أن المرء على دين خليله، فمعاشرة الأخيار غنيمة، وصحبة الأشرار جريمة وجريرة عظيمة، وقد مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل مرغب في الجليس الصالح، ومنفر ومحذر من جليس السوء: "مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير... " الحديث.
عاشراًً: كونوا مسلمين واعين، وأبناء صالحين، بالمحافظة على جامعاتكم، وأدواتها، وأثاثها، وممتلكاتها، وقدروا أساتذتكم، واحترموا من يقومون بخدمتكم من الموظفين والعمال.
الحادي عشر: تذكروا أيها الأعزاء من الأبناء والبنات أنكم مسلمون مكلفون، وأنكم رجال المستقبل وأمل الأمة، ولهذا عليكم بالتزام الأوامر والنواهي، التي أهمها:
1. إقام الصلاة المكتوبة في وقتها الاختياري، لأنها من أوجب الواجبات، في جماعة للرجال في المساجد والمصليات حيث ينادى بهن، وهذا من حقوق الله على كل مسلم، ولذلك لا يحل التهاون فيه، وتجب المطالبة بتوفره، وينبغي لواضعي جداول المحاضرات مراعاة مواعيد الصلوات، والالتزام بذلك.
2. الالتزام باللباس الشرعي وهو معلوم ومن لم يكن يعلمه عليه أن يتعلمه للجنسين، فالمرأة كلها عورة على الأجانب، وعليها أن تحذر من لبس ما يكشف أويصف شيئاً من جسمها.
3. الحذر من الخلوة والاختلاط المحرمان، لا في المدرجات ولا في المطاعم و"الكفتريات"، ولا بغرض الاستذكار والمراجعات، وينبغي لإدارات الجامعات والأقسام أن تفصل بين الطلاب والطالبات، سيما وأن الأعداد المقبولة أصبحت كبيرة، وهم مقسمون إلى مجموعات، فما الذي يمنع من أن تكون هناك مجموعة للبنات وأخرى للأولاد؟ وهذا أضعف الإيمان بالنسبة للجامعات المختلطة التي ينبغي عليها أن تحذو حذو الجامعات: الإسلامية، والقرآن، وجامعة إفريقيا العالمية في فصلها بين البنين والبنات.(2/125)
4. الحذر من مصافحة الأجانب، ولا تظنن أيها الأحبة أن الزمالة الدراسية تبيح ذلك، فالحلال ما أحله الشارع، والحرام ما حرمه، وما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً.
الثاني عشر: الحذر من الانتماء إلى الجمعيات والأحزاب العلمانية مهما كانت مسمياتها، فهذا لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر، لا في الجامعة ولا خارجها.
الثالث عشر: يحل التعاون على البر والتقوى والانتماء مع الأخيار من غير تعصب واحتقار لغيرهم، ومن غير تشنيع وشنار على من خرج منهم أو خالفهم، بل قد يصل إلى درجة الوجوب، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وليس هناك أوجب من حفظ الدين والخلق، و"إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".
الرابع عشر: ليعلم الجميع أن ما ينالونه في هذه الجامعات بما في ذلك الجامعات الإسلامية لا يتعدى مفاتح العلم والتخصص الذي يريده الدارس، لهذا لابد أن يسعى لإتمام هذا النقص بالشروع في التحصيل العلمي، ومواصلة ذلك بعد التخرج.
الخامس عشر: الحذر من الغرور والاستبداد والتعالي على غيرك، سواء كانوا من خريجي الجامعات الأخرى أو غيرهم، فالغرور والاستبداد والتعالي من المهلكات، ومن تواضع لله رفعه، ومن - تعالى -خفضه وأذله.
السادس عشر: احذروا أيها الأبناء والبنات شهادات الزور التي يتخرج بها بعض الطلاب نتيجة الغش والتزوير، أو حتى عن طريق التخمين، وتذكر قول رسولك - صلى الله عليه وسلم -: "من غشنا فليس منها"، ومن تخرج بشهادة مزورة فكسبه حرام، وهو غابن لنفسه، ولإخوانه، ولوطنه، وللإسلام.
السابع عشر: ثمرة العلم الحقيقية تقويم السلوك والأخلاق، وتزكية النفوس والارتقاء بها إلى الخيرات، وإلا فما ناله وبال عليه.(2/126)
الثامن عشر: غيروا على محارم الله أن تنتهك بين ظهرانيكم، واغضبوا لذلك، "فمن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك مثال حبة من خردل من إيمان"، وغر على زميلتك في الدراسة كما تغار على أختك، فهي أختك في الدين.
التاسع عشر: الحذر من الممارسات الخاطئة، والسلوك المعوج المنحرف الذي ابتلي به البعض، نحو الزواج العرفي، الذي هو أخو الزنا، وما شابه ذلك، فالحلال بيِّن والحرام بيِّن، وهذا من الحرام البيِّن.
العشرون: تسلحوا بخلق الحياء وتزينوا به، فإنه من الإيمان، فمن حُرم الحياء فقد حرم الخير كله.
الحادي والعشرون: الاتحادات الطلابية معوق للتحصيل العلمي، وعامل أساس لعدم الاستقرار في الدراسة، فينبغي الاستعاضة عنها بالجمعيات الخدمية، تأسياً بالجامعات المصرية، وينبغي لإدارات الجامعات الاهتمام بقضايا الطلاب والعمل على حلها.
وفقكم الله لما يحب ويرضى، ورزقني وإياكم البر والتقوى، ونسأله اللهم علماً نافعاً، ونعوذ به من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://www.islamadvice.com المصدر:
==============
رسالة إلى أصحاب الحافلات وسيارات الأجرة، وسائقيها، ومعاونيهم
انطلاقاً من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة؛ قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"، وأن المؤمن مرآة أخيه، أتوجه بهذه النصائح والتوجيهات التي أرجو أن تجد القبول عند المعنيين بها.
وهذه النصائح والتوجيهات منها ما هو متعلق بأصحاب هذه الحافلات والسيارات في الخطوط السريعة والداخلية، ومنها ما يتعلق بالسائقين والعاملين معهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى منها ما يتعلق بالقيادة، ومنها ما يتعلق بالسلوك، والآداب، والأخلاق، والعقيدة.(2/127)
وسبب هذه النصائح والتوجيهات ما لاحظته ولاحظه غيري كثير من تغير كبير في سلوك السائقين في السودان في السنوات الأخيرة عما كانوا عليه من قبل، وازدياد حوادث السيارات، هذا بجانب الزيادة المضطردة في عدد السيارات والشاحنات، ويتمثل ذلك في الآتي:
أولاً: ما يتعلق بالقيادة:
1. السرعة الجنونية.
2. التهور والاستعجال في التخطي.
3. عدم الالتزام بتعليمات إدارة المرور، نحو الوقوف.
4. الهلع والاستعجال والشفقة التي تميز بها كثير من سائقي الحافلات وسيارات الأجرة.
5. استعمال الأنوار العالية.
6. عدم تقديرهم لحرمة من يركب معهم من المسلمين نتيجة لهذه المخالفات التي قد تودي بحياتهم.
ثانياً ما يتعلق بالسلوك والأخلاق والآداب العامة:
1. التلفظ بالألفاظ النابية، والسب، والمشاتمة، وهي من عظائم الأمور، من غير مراعاة لمن يركبون معهم من النساء والأطفال والكبار.
2. تعليق صور الفنانين، والفنانات، والممثلين، والممثلات، والرياضيين، وغيرهم، النساء سافرات عاريات، والرجال بملابس تبدي عوراتهم.
3. وضع الدمى والتماثيل وتعليقها داخل السيارات.
هذا على الرغم من نهي الرسول الكريم عن التصوير، وعده ذلك من الكبائر، ونهيه كذلك عن تعليق كل ما نفس فيه من إنسان أو حيوان، وبيانه أن ذلك يمنع من دخول ملائكة الرحمة في البيت والسيارة.
4. إزعاج الركاب وإيذائهم برفع الصوت بالأغاني من الإذاعات، سيما إذاعة المانجو 96 وغيرها، وتشغيل الأشرطة.
5. تشغيل أشرطة الفيديو التي تحوي المسلسلات الهابطة، والأغاني الفاضحة، والصور العارية، سيما في حافلات الخطوط الطويلة، ومعلوم من دين الله ضرورة حرمة الغناء والموسيقى، وقد أجمع على ذلك أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة.
6. كتابة بعض الأبيات من الأغاني.
ثالثاً: فيما يتعلق بالعقيدة:
وهذا أخطر الجميع، ويتمثل ذلك في الآتي:
1. تعليق صور بعض المشايخ المعتقد فيهم، كالشيخ المكاشفي والبرعي وغيرهما.(2/128)
2. كتابة بعض التوسلات الشركية، نحو "يا لحاق بعيد"، وهي من صور الشرك الأكبر.
3. تشغيل أشرطة السماع الصوفي، كأشرطة فرقة "الصفوة" وفرقة البرعي وغيرهما، والسماع الصوفي حرام لاحتوائه على كثير من التوسلات الشركية والغلو في النبي والصالحين، هذا بجانب تلحينه واستعمال الآلات الموسيقية، والسماع الصوفي أشد حرمة من الأغاني لظن البعض أنه يقرب إلى الله وهو يباعد بينه وبين ربه ومولاه، كما قرر ذلك العلامة ابن القيم.
فمسؤولية هذه المخالفات جميعاً مسؤولية تضامنية وفردية بين الملاك والسائقين ومعاونيهم، وليعلم الجميع أنهم مسؤولون عن كل نفس تزهق، أو حادث يقع نتيجة ذلك، وأن السائق المتهور وصاحب السيارة الهالكة مسؤولان عن الدية، وعلى السائق كفارة القتل الخطأ أو بسبب، وهي: إما عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين عن كل نفس، وعلى هؤلاء أن لا يغتروا بالتأمين الذي دفع كثيراً من هؤلاء للتهور، هذا بجانب مسؤولياتهم عن إفساد العقائد والأخلاق.
على أصحاب الحافلات وملاكها أن لا يظنوا أن هذه الوسائل الرخيصة الخبيثة هي التي تجلب لهم الركاب، وإن جلبت فإنما تجلب لهم المحقة والحرام، وأن الأرزاق بيد الله - عز وجل -، ودرهم حلال خير من دنانير حرام، وليخشوا نزع البركات، وحلول النكبات.
وليحذر السائق والعامل من أن يقول أنه هو عبد المأمور، وليعلم أنه عبد الله، فليحذر أن يكون عبد سوء، والطاعة في الإسلام لا تكون إلا في المعروف، مع علمنا التام أن "المأمور" هذا لو أمره بما يخالف هواه ومصلحته لما أطاعه.
فعليهم أن يتقوا الله في أنفسهم، وفي هؤلاء الركاب الذين هم أمانة في أعناقهم، وفي المارة من الناس والحيوان، وليعلموا أنهم سيحاسبون على كل ذلك، ويعرضون على من لا تخفى عليه خافية.(2/129)
وجزء كبير من هذا التقصير من إهمال رجال المرور، وعدم تنفيذهم لقوانينهم، ومراقبتهم لسلوك وسير السائقين، ولتجاوزهم عن بعض الأعطال الرئيسية في السيارات في الفحص وعند الترخيص لأسباب مختلفة.
والله أسأل أن يوفق الجميع أن يراقبوا ربهم في سرهم وعلانيتهم، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأن يحاسِبوا أنفسهم قبل أن يحاسَبوا، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://www.islamadvice.com المصدر:
===========
رسالة إلى المغترب المبتعث
ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: لقد استوقفتني كلمة لمالك بن نبي يصور فيها واقع بعض المبتعثين، فيقول: "حين كان الطالب الياباني يذهب إلى الغرب في أواخر القرن الماضي، كان يذهب ليتعلم التقنية، مع الحفاظ المتشدد على أخلاق بلاده، كما سيذهب بعده التلميذ الصيني المتواضع <<نسيان هماسين>> ليتعلم في مختبر <<جوليو كوري>> بباريس، وليعود لبلاده بالمعلومات النووية التي تدهش العالم اليوم، بينما غالب ما يحدث للطالب، الذي يذهب من بلادنا، أن يعود بشهادة، ولكن بعد أن يترك روحه في مقاهي وخمارات الحي اللاتيني، أو النوادي الموجودة بسان حرمان"!
وما ذكره المفكر الجزائري يمثل واحدة من الآفات العظمى التي تعرض للمبتعثين، فإن فقدان الهوية وذوبان الأذهان الهشة في الثقافة الغربية، فضلاً عن كونه أحد علامات ضعف الشخصية والاعتداد بالنفس والدين، فإنه يمثل ضربة قاضية تقصم الهدف المنشود من الابتعاث، بل المقصود من وراء العملية التعليمية كلها، فلا خير في تعليم هدفه الرئيس متقوقع حول خدمة الذات وهموم النفس المتعلقة بالأمور المعيشية أو الحياتية الاعتيادية، بل لا خير في تعليم ليس الهدف من ورائه رفع الأمة أو سد ثغرة فيها، أو النهوض بحضارتها وقيمها وأخلاقها ودينها جميعاً.(2/130)
فكيف إذا كان ما يسببه أولئك الذائبون هو ارتفاع في منسوب المد التغريبي، الأمر الذي يجعله يطغى فيغمر القيم والأخلاق التي ابتعث المبتعث من أجل رفعها.
وما أعظم خيبتنا حينما يهاجر عقل كان بإمكانه أن يصبح إسلامياً جباراً، و كنا نؤمل أن يرجع إلينا بالخطط والمشاريع التنموية التي ترفع شأن البلاد وأهلها، فإذا به يتعاظم ثم يتسامى في أجواء الغرب -رغم برودة المناخ- على أبناء دينه وأرضه! بينما يطرق حياء بيني يدي (جورج) إذا لحظ طرفه ما وُصم بالرجعية وإن كان من صميم الدين، وربما خطف بهرج الغرب بصيرته، فعاد ينظر نظر الشزر إلى ما مقته (لويس) أو إبليس ويتمنى أن لو كان بمقدوره أن يقبره، بينما كان المؤمل أن يبرزه.
إنها خيبة أمل عظيمة..ولكن العزاء فيك أنت أنت من أخاطب أيها المبتعث!(2/131)
فأنت تضع نصب عينيك ما جاء في دائرة المعارف البريطانية وإن لم تقرؤه فيها "من اتفاق أعظم علماء التربية في العهد الحاضر، على أن عملية التربية ليست بضاعة تصدر إلى الخارج، أو تستورد إلى الداخل، كالمصنوعات أو المواد الخام، أو الحاجيات والمخترعات التي تختص ببلد دون بلد، إنما هي لباس يفصل على قامة هذه الشعوب وملامحها القومية، وتقاليدها الموروثة، وآدابها المفضلة، وأهدافها التي تعيش لها، وتموت في سبيلها، وأن التربية ليست إلاّ وسيلة راقية مهذبة لدعم العقيدة التي يؤمن بها شعب أو بلد، وتغذيتها على الاقتناع الفكري القائم على الثقة والاعتزاز، وتسجيلها بالدلائل العلمية إذا احتيج إليها، لتخليد هذه العقيدة، ونقلها سليمة إلى الأجيال القادمة، وأن أفضل تفسير لنظام التربية أنها السعي الحثيث المتواصل، يقوم به الآباء والمربون لإنشاء أبنائهم، على الإيمان بالعقيدة التي يؤمنون بها، والنظرة التي ينظرون بها إلى الحياة والكون، وتربيتهم تربية تمكنهم من أن يكونوا ورثة صالحين للتراث الذي ورثه هؤلاء الآباء عن أجدادهم، مع الصلاحية الكافية للتقدم والتوسع في هذه الثروة" ومن أجل هذا رضيت بالغربة وغادرت عرين عزك لتعود موطداً لأركانه.
لقد أثنى مالك على الطالب الياباني الذي رجع مع حفاظه المتشدد على أخلاقه وأعراف مجتمعه، وعلى الطالب الصيني الذي يعود بالمعلومات التي تصنع الضجيج وتملأ العالم إيجاباً وسلباً، وتكفل لبلده البقاء كدولة دائمة العضوية في مجلس ظلم الشعوب المسلمة.
ولكنه نسي أن يذكرك، وأنت الطالب المثابر، والداعية المجاهد، وعالم الغد المنتظر.(2/132)
نسي أن يذكرك مع أنه لم يسلم على يدي <<نسيان هماسين>> الذي أشاد به من أسلم على يديك، وما رأى الغربيون من دماثة أخلاقه وكريم فعاله ما رأوا منك، ولا عرفوا من خلاله شهامة أهل الصين ووفائهم، كما عرفوا منك شهامة أهل هذا الدين ووفائهم. أنت علمتهم أن البذل قد يكون لغير الدنيا قد يكون لغير المصلحة الشخصية قد يكون لأجل الأخرى، ولا أظنهم يجدون هذا المعنى عند غيرك أيها المسلم، فتحت أعينهم على حضارة تتجاوز أهداف أصحابها حدود الشهوات المبتذلة، أو متع الدنيا الفانية إلى ما ورائها.
عرفوا في إكرامك لزوجك، وبرك بأقاربك وأرحامك، وحنوك على الصغير، وتوقيرك للكبير، ومراعاتك لحقوق لم ينص عليها القانون عندهم معاني الإنسانية التي غابت عنهم.
رأتك عجوزهم تبر أباك وأمك فأنت تنفق من مكافأتك المحدودة جزءاً مقدراً في الاتصال بهم والاطمئنان على أحوالهم وطلب رضاهم، فإذا جاءتك مهاتفة من أحدهما أو كلاهما فإذا بها تراك تطير فرحاً، فتنكس رأسها المسكينة المحرومة وتدمع عينها التي ما اكتحلت برؤية بنيها منذ نمو قوادمهم واشتداد أجنحتهم، فلا تدري إلى أي أصقاع الأرض طاروا، وفي أي فجاجاها حطوا، وهم كذلك في شأنها!
أخي المبتعث الكريم..
الحديث معك ذو شجون، ولا أود الإطالة مخافة السآمة، وأنت اللبيب الذي يفهم بالإشارة، والحر الذي تكفيه العبارة.
ولكني أذكرك بأن ههنا أناساً ينتظرونك ولست أعني العائلة الكريمة ولا الجماعة أو الربع، بل تنتظرك أمة مكلومة فلا تخيب رجاءها ولا تعد إليها خالٍ وفاضك من آمالها.
هذا والله أسأل لك التوفيق والتسديد، والثبات والعصمة، وأن يوفقك للصبحة الصالحة، التي تعينك على أمر دنياك ودينك، وأن يردك إلينا بالسلامة قافلاً كما صحبك بها مرتحلاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
24/3/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
===========
رسالة الصيام الانتصار على الحملة الصهيوصليبية العالمية
حامد بن عبدالله العلي(2/133)
من أهم حكم الصوم في شهر رمضان، تحقيق وحدة الأمّة العقدية، وتميزها عن غيرها، وانتصارها الروحي.
فصيام شهر رمضان يميّز الأمّة عن غيرها بشعيرة زمانية، توحد الأمة في كل بقاع الأرض في عبادة واحدة تذكرها بانتماءها الإيماني إلى نظام واحد قائم على الإيمان، وبوحدتها العقدية، كما يميّزها الحج بشعيرة مكانيّة تفصلهم عن غيرهم، فينحازون جميعا بأجسادهم وأرواحهم عن أهل الجاهلية، ليعبدوا الله - تعالى -وحده، يوالي بعضهم بعضا، وليكفروا بما سواه، وليزايلوا الكافرين بربهم، فهم براء منهم.
وفي كلا المناسبتين تجتمع الأمة على عبادة الله - تعالى -، ثم تفرح بعيدها، فهي لا تفرح بعيد إلا بعد عبادة ربها في وحدة روحية عميقة الأثر فيها، فرحا بأعظم نعم الله - تعالى -عليها، في إشارة إلى أن الأمة إن تركت الدين ناظما أوحدا يجمعها ويميزها عن غيرها، فلن تفرح بعزة قط، كما هو حالها اليوم، نسأل الله أن يردها إلى دينها ردا جميلا.
ولهذا ـ والله أعلم ـ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لاتزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر " لأنهم إن عجلوه أفطروا جميعا في لحظة واحدة، فتجمعهم وحدة روحية في كل صعق من الأصقاع، على أمر دينهم.
أما تحقيق الإنتصار الروحي، فهو قطب رحى الإسلام، ولهذا كانت أهم أسباب انتصارات المسلمين في رمضان مثل انتصار معركة بدر، وفتح مكة، وعين جالوت،..إلخ، أن روح الأمّة تكون في هذا الشهر أقرب إلى الله - تعالى -، وأرواح الشياطين مع عدوها الطاغوت الأكبر الشيطان الذي تقاتل الأمة أولياءه مسلسلة.
ولهذا لخص الله - تعالى - حقيقة الجهاد بأنه (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فاقتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا)، وإنما يكون ضعيفا، في مقابلة من يقاتل في سبيل الله، لأن من يقاتل في سبيل الله منتصر قبل المعركة.(2/134)
ومعلوم أن معركة الإسلام مع أعداءه تدور بين الأرواح أولا، وإنما الأجساد آلات الحرب، ولهذا لما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - سبب انهزام الأمة في زمان تداعي الأمم على أمتنا قال (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) رواه أبو داود من حديث ثوبان - رضي الله عنه -.
وقد قال - تعالى -(ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، وفي ذلك دلالة واضحة على أن الوهن، والإستعداد الروحي للهزيمة، هو الخسران الحقيقي.
كما بيّن الحديث السابق أن الروح حين تكون مهزومة، قد أصابها الوهن، بسبب تعلقها بالدنيا، لن تنتصر حتى لو كانت الأجساد كثيرة العدد، وكثيرة جدا، فهي غثاء لا معنى له.
ولهذا لما كانت روح الأمة عزيزة بإيمانها، كانت تنتصر دائما بعدد أقل من عدوها، لأنها كانت منتصرة أصلا قبل خوض المعركة، ولهذا فحتى لو سقط الجسد صريعا في هذه المعركة فإن سقوطه ليس سوى إعلان الانتصار، حتى نهانا الله - تعالى -أن نصف الشهيد بالميت، (ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) لان روح الشهيد قد حققت الإنتصار الأعظم، فارتقت من سفول الدنيا إلى أعلى مقام، فهي في قناديل معلقة بالعرش، وأي انتصار أعظم من هذا الانتصار لو كانوا يعلمون.
ولهذا أيضا فإن الروح إن حققت الإنتصار الأعظم على الشيطان والتعلق بالدنيا، فهي منتصرة على الطاغوت، وإن تلفت الأجساد في هذه المعركة، فهي ليست سوى آلات تحقق بها النصر، كما في قصة أصحاب الأخدود، فإنهم كانوا (يتعادون ويتدافعون في النار) كما في صحيح مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه -، متلفين أجسادهم في انتصارهم الروحي الأعظم على الطاغوت.(2/135)
ولما كان الصوم تدور معانيه على التخلص من شهوات الدنيا، كما في الحديث (يدع طعامه وشرابه وشهوته من اجلي)، حتى إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، مما يعكس قوة الصلة بين الصائم وربه، فيجعل العبد في اتصال وثيق متفاعل بين جسده على الأرض، وبين ربه في علوه على العرش، ليحقق بذلك سر التقوى.
لما كان الأمر كذلك، كانت أعظم حكمة الصوم هو تحقيق انتصار الروح، في معركتها الكبرى مع الشيطان، وهي أول وأهم خطوة في الإنتصار، في معركة الإسلام مع أعداءه.
ولهذا فإن أهم ما يجب أن يهتم به العلماء، والخطباء، والوعاظ، في هذا الشهر العظيم ـ وهو أهم من بيان مبطلات الصوم، وآداب الفطور، والسحور.. إلخ وكل ذلك مهم أيضا ـ أمران: ـ
أحدهما: التذكير بمعاني ومفاهيم وحدة الأمة، وتميّزها بولاءها لبعضها، عن غيرها من الأمم، ووجوب إلغاء كل السدود والحدود التي وضعها عدوها ليفرقها، وربط المسلمين جميعا، بمعاناة الأمة، فبلادها محتلة في فلسطين، و أفغانستان، والعراق، ومهيمن عليها في كل بلاد الإسلام الأخرى، ممزقة، مُتَحكّم بإقتصادها، مسلوبة الإرادة السياسية.
وأن أهم رسالة صوم رمضان، وجوب السعي في جهاد متواصل لتغيير هذا الواقع الأليم.
الثاني: التذكير بمعاني الإنتصار الروحي، والعزة الإيمانية في مفارقة الجاهلية، والبراءة من أهلها، لاسيما هذه الحملة الصهيوصليبية على أمتنا، فيجب على المسلمين أن يعلنوا انتصارهم الروحي عليها، بإعلان الجهاد عليها في كل أصقاع الإسلام، والسعي لكسرها بكل سبيل.
ومن ذلك الدعاء في الصلوات، ودعاء القنوت، فهذه الحملة الصهيوصليبة هي أكبر وأعظم خطر ماحق يحيط بأمتنا العظيمة، وقد حولت هذه الحملة حتى الدول إلى مراكز، وأدوات لتحقيق أهدافها، فهي قائمة بذلك على أتم وجه.(2/136)
ولاريب أن صرف الأنظار عن هذا الخطر العظيم، إلى مشكلات مصطنعة، مثل ما يطلقون عليه: " الإرهاب " و " التطرف "، وإشغال وسائل الإعلام بهذا الزيف، ليس سوى جزء من مكر تلك الحملة الخبيثة نفسه.
فالواجب أن نبطل هذا التلبيس في الخطاب العام في كل منابرنا، ونعيد الأمور إلى نصابها، ونظهر عدو الأمة الحقيقي، ونعرّي كيده كله، ونحضّ أمّتنا على جهاده، فهذا الشهر العظيم، شهر الإنتصار على حب الدنيا، وهوى النفوس، وشياطين الإنس و الجن، وعلى رأس شياطين الإنس قادة الصهيونية والصليبية العالمية، وأولياءهم.
نسأل الله - تعالى -أن يعيد لأمتنا روحها المنتصرة، وعزتها المنتظرة آمين
http://www.h-alali.net المصدر :
============
رسالة دعوة إلى كل شاب
أبو عبد الله معيلي الشمراني
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد لم يلد ولم يولد، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه المجد،
أما بعد:فمن الفقير إلى ربه أبي عبد الله معيلي الشمراني إلى كل شاب،
إلى من ملّ السير في طريق الهلاك وطريق الغواية،........ إلى من يريد السعادة،....... إلى من يريد أن يتعرف على طريق الاستقامة،..... إلى من تدعوه نفسه المطمئنة إلى الطاعة وتزين له نفسه الأمارة بالسوء الذنوب والمعاصي،....... إلى من أسره الهوى، وتمكن من قياده الشيطان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فيا أخي الحبيب، كلمات صادقة، ودليل محبة، ولغة تواصل، وباقة ورد أنثرها بين يديك، راجياً من الله أن تمس حروفها شغاف قلبك، وأن تهز سطورها أركان فؤادك، فمنه - سبحانه - العون وعليه التكلان.
أخي العزيز: أشهد الله أنني أحبك في الله، ومصداقاً لذلك فهذه رسالة ابعثها إليك وأنا لك ناصح وعليك مشفق وحريص على سعادتك وهنائك في الدنيا والآخرة إن شاء الله.(2/137)
أخي العزيز: قد سطرت إليك هذه الرسالة فأبى قلمي أن يكتبها إلا إذا عصرت على مداده لواعج الحسرات وسواكب العَبَرات، فأعطيته ذلك فها هو يكتب بليلاً، رقيقاً، ليهديك أخي هذه الكلمات.
أخي الحبيب: متّعني الله وإيّاك بالصحة وأسبغ علينا جلباب العافية، وأسدل علينا أستار طاعته ومحبته،..... أخي بعد ما لم نستطع أن نجلس سوياً نتجاذب أطراف الحديث ونشكي هموم بعضنا لبعض فإنني كتبت لك هذه الرسالة التي أملاها قلبي، وحملها إليك النصح والحرص على ما ينفعك، فأملي أخي فيك أن تفتح لها أبواب قلبك، وتضمّنها في سويدائه، فإن فعلت أخي فإنك أن شاء الله لن تعدم خيراً تجده فيها،
أخي الحبيب والله العظيم لو كنت أملك الهداية والسعادة لبذلتها لك من أول وهلة، لكي أخرجك مما أنت فيه من الهموم والأحزان، والتعب والنصب والأرق، ولكنني أستطيع كغيري بإذن الله فعل السبب من كلمة طيبة ونصح صادق وتوجيه وإرشاد فخذها من قلب محب، فهل قلب الحبيب يسمع؟!!
أخي الحبيب: إنني أعرف فيك خيراً كثيراً، فاسمح لي أن آخذك بعيداً بمفردك عن طيش الشباب وشهوات النفس، بعيداً عن وسائل الفساد والضياع، بعيداً عن المعاصي والآثام، بعيداً عن المغنين والمغنيات، بعيداً عن التقليد الأعمى، بعيداً عن رفقاء السوء، بعيداً عن المظللين والمظلين والمخادعين، بعيداً عن كل المؤثرات والمنغصات.
أخي وصديقي: أريدك أن ترجع معي إلى الوراء قليلاً، فأنت تريد أن تكون سعيداً، مسروراً، فرحاً، مازحاً، تبتسم للصغير والكبير، تُداعب هذا وتمزح مع ذاك، تود أن تكون سعيداً مرتاح النفس والضمير والقلب، لا همّ ولا غم ولا ضيق ولا (طفش).(2/138)
أخي الحبيب: بعد ما عرفت وسمعت عنك كل هذا، أريد أن أخاطب قلبك الطيب، ونظراتك البريئة، وفطرت الخير فيك، نعم أريد أن أخاطب فيك الشاب البسيط الحيّ لألتقي معك لقاء لا يرتبط بالمادة، ولا بالمصلحة، ولا بالمجاملة، لقاء الأخ لأخيه الرحيم البار به، اسمعها مني كلمات وادعة، ومشاعر نابغة من القلب، فأرجو أن تكون هذه الرسالة لقاء القلب بالقلب، يعبر عنها اللسان ببيان رقيق جميل، وحس مرهف.
سؤال؟
أخي الحبيب: أريد أن أسألك سؤالاً وآمل أن تجيب عليه بكل صراحة بعد خشوع وتفكر وخضوع وهو: أين الآباء والأجداد.. ! وأين الكثيرين من الأهل والأحباب؟ !! بل كيف تُجيب ربك يوم تقف بين يديه حافي القدمين، عاري الجسد، شاخص البصر، بل كيف تُجيب الملكان عندما يُحثا عليك التراب، ويفارقك الأهل والأصحاب، عندما تكون في ضيق اللحود! ومراتع الدود!، فلا أم تؤانسك ولا صديق يخاطبك ويمازحك؟، ستجد الجواب مصحوباً بدموع الحزن... وأزيز القلوب على الفراق، هم تحت طيات الثرى والتراب؟!! نعم هذا هو المآل... وهذا هو المصير... ؟؟!
همسة:
أخي الحبيب: إذا كان الأمر كذلك:
فعلى صاحب البصر الناقد أن يتزود من نفسه لنفسه، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه. فما بعد الموت من عتاب، ولا بعد الدنيا سوى الجنة أو النار، فمن هنا فأنني أهمس في أذنك وأدعوك للانضمام لقوافل الخير التي تُضيء لك النور بإذن الله وتدلك على طريق الخير والفلاح والصلاح والنور، وتبعدك عن طريق الفساد، والشر، والضياع والظلام، والوحشة، والهم، والغم، إن شاء الله!!!.
وقفة:
أخي الحبيب: إذاًً لا بد من وقفة صادقة مع النفس وقفة محاسبة ومساءلة، فوالله لتموتن كما تنام، ولتبعثن كما تستيقظ، ولتجزين بما تعمل، فجنة الخلد للمُطيعين، ونار جهنم للعاصين.(2/139)
أخي الحبيب، من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، ثم اشتدت عليه حسراته، وأي حسرة على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حجة، وتقوده أيامه إلى المزيد من الردى والشقاوة، وأعلم إن الزمان وتقلباته أنصح المؤدبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين، فأنتبه بإيقاظه، وأعتبر بألفاظه
أخي الحبيب، من غرّه شبابه فنسي فقدان الأقران، وغفل عن سرعة المفاجآت، وتعلق بالآمال والأماني فما هي والله إلا أوهام الكسالى، وأفكار اللاهين وما الاعتماد عليها إلا بضائع المغبونين، ورؤوس أموال المفاليس،.... والتمني والتسويف إضاعة للحاضر والمستقبل.
إيّاك والتسويف:
أخي الحبيب: إنك الآن في مقتبل عمرك وفي سن الشباب والقوة والفراغ، وقد اغتر كثيرٌ من الشباب بهذا السن فقالوا: دعونا نمتع أنفسنا في شبابنا، وسوف نتدارك ذلك إذا تقدمت بنا السن ونسوا أن الموت يأتي في أي لحظة.
هل أكثر الشباب سعداء؟
أخي الحبيب: هل أكثر شبابنا اليوم سعداء؟ الجواب لا!! ولو تأملت في أحوال الكثير منهم لوجدتهم على حال سيئة، وإن رأيت منهم الابتسامة والضحكة؟! ولو سألت أحدهم: هل أنت سعيد في حياتك؟ وهل ضحكك ومزاحك مع الآخرين نابع من سعادة حقيقية؟!،
لرد عليك بقوله: والله لولا ما أتناسى ما أنا فيه لرأيتني مرمياً على الأرض لا أستطيع الوقوف من ثقل ما أحمل من هموم الدنيا، نعم هذه الحقيقة،...... وأي هموم يحملونها؟! هموم ماذا التي أثقلت عليه!!! هموم هذا الدين والدعوة إليه؟ أم هموم القدس وتدنيس اليهود لها؟! أم هموم الأمة الإسلامية وتكالب الأعداء عليها؟!...... ولو سألته أين توجد السعادة؟ وهل بحثت عنها؟ لقال لك: لا سعادة في هذه الدنيا أبداً، ولقد بحثت عن السعادة في كل مكان ولم أجدها!!!(2/140)
ولو سألته عن حاله وحال رفقائه الشباب لقال: صدور ضيقة، وأموال ضائعة، وتصرفات طائشة، وسهرات دائمة، وجلسات فارغة، ولا نعرف لنا قيمة ولا لحياتنا معنى ولا يقدرنا أحد، ونكره أنفسنا دائماً ونتمنى الموت من ضيق ما نحن فيه!!! لماذا هذا كله؟؟؟ !!.
لماذا شبابنا لم يجدوا السعادة؟
أخي الحبيب: أتعلم لماذا شبابنا لم يجدوا السعادة؟
لأنهم بحثوا عن السعادة في اللهو والطرب والسهر والدخان والمخدرات والمسلسلات وصفحات الإنترنت المشبوهة والمجلات الخليعة الماجنة و... ؟ فلم يجدوها! بحثوا عن السعادة في غير محلها، بحثوا عنها في المحرمات بشتى أنواعها فلم يجدوها ولن يجدوها! ! لأن الله يقول - عز وجل - [ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا]، فهم بعيدين عن الله ويبحثون عن السعادة؟؟ فكيف يجدونها وقد هجروا كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيهما السعادة والنجاة، نعم هذا هو حال شبابنا اليوم.
أخي الحبيب: أرجو الله أن لا نكون ممن ضيّع دربه وتاه في طريقه، ويا سبحان الله العظيم ما أبين الطريق، وما أوضح الدرب، وما أسعد الركب على سير الصحابة والسلف رضوان الله عنهم أجمعين.
أين توجد السعادة؟
أخي الحبيب: إذاً أين توجد السعادة؟ لكي نجيب على هذا السؤال أقرأ قوله - سبحانه وتعالى - [من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة]، فاعلم رحمك الله أن السعادة الحقيقية هي السعادة الداخلية سعادة القلب وبهجته، وانشراح الصدر وسعته، ولن يكون هذا أبداً إلا في التقرب إلى الله والالتزام بتعاليم دينه... ذلك الدين الذي تخلى عن صدق تطبيقه كثير من الشباب،.. وأملنا أن يعودوا لرحابه، ففيه كل الطمأنينة والفرح والسرور، قال - تعالى -[الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب].(2/141)
أخي الحبيب: إذا أردت السعادة في الدنيا والآخرة فسوف تجدها بشرط أن تتبع أوامر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وطاعتهما بدون اعتراض أو تردد، وإيّاك ومَنْ يصور لك هذا الدين بأوامره وتكاليفه أنها نوع من تقييد الحرية وحرمان من المتع الدنيوية، فهؤلاء لا يريدون لك إلاّ السعادة المزيفة والمتعة المؤقتة ثم تكون الحسرة في الدنيا والعذاب في الآخرة، نسأل الله العافية.
أخي الحبيب: أنني أدعوك مرة ثانية أن تسلك طريق الاستقامة والصلاح ففيها السعادة والفلاح، والحذر كل الحذر من رفقاء السوء، فلا تنغر بهم وتنحرف معهم، وعليك بالبحث عن الرفيق الصالح الذي يعينك على الاستقامة والسعادة والخير إن شاء الله، وأعلم أن صلاحك في تقواك، وفوزك في خوفك من الله - تعالى -فاستعصم أخي بتقوى الله فهي خير حصن تحصنت به، أخي: أوَمَا تحب أن تكون في الدنيا من الهانئين السعداء، ويوم القيامة من الناجين الفرحين إن شاء الله!!. فإن أردت أخي ذلك فلتتق مولاك - تعالى -في كل صغيرة وكبيرة، وسوف تجد عاقبة ذلك برداً وسلاماً.
فكن يا أخي الحبيب من هؤلاء الشباب حتى تكون من السعداء:
شباب مؤمن بالله يمضي *** وللإسلام يندفع اندفاعا
ويعلنُها بعزمٍ إن دَربي *** إلى الجنَّات يا خُذُني سِراعاً
شبابٌ لم تُدنَّسه المعاصي *** ولم تتركهُ في الدنّيا ضَياعا
أولئكَ هُم شبابٌ للمعالي *** لقد بُعثِوا لدُنيانا شُعاعا
أخي على درب الخير: إليك أهدي هذه الصفحات المتواضعة، راجياً من الله أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، فقد حاولت أن أكتب لك ولو الشيء اليسير الذي يعبر لك عن علو مكانتك وقدرك في نفسي، فإنه يأنسني ويثلج صدري بهجةً وسروراً أن أرى لك موقفاً إيمانياً في يوم من الأيام مع إخوانك الشباب الذين سبقوك بالهداية ولزموا الطريق الصحيح ووجدوا السعادة الحقيقية.(2/142)
أخي الحبيب: متى تتحدى الصعاب وتعلنها رجعة إلى الله؟! وتنقذ نفسك وشبابك وتخدم دينك الذي سوف تسأل عنه في قبرك، فأنت بالدين شيء وبدون الدين لا شيء،....... وفي أثناء قراءتك لهذه الرسالة أرجو أن لا تحمل عليّ إن كنت قاسياً معك في بعض الأحيان، ولكن صدقني إنها هيجان المشاعر حين تلتقي بمن تهواه وتحبه،
مناي من الدنيا علوم أبثها *** وأنشرها في كل بادٍ وحاضر
دعاءٌ إلى القرآن والسنن التي *** تناسى رجال ذكرها في المحاضري
أخي الحبيب: إنني سطرت إليك هذه الكلمات، لتكون دليل محبة، ولغة تواصل، وباقة ورد انثرها بين يديك استخرجتها لك من مكامن جوانحي وخلطتها لك بصدق النصيحة، وقدمتها إليك في قوالب الأخوة في الله، وكم أنا سعيد إن أنت قبلتها، وبقي أخي أني حاولت جهدي، وما عليّ إلا البلاغ، فإن أنت عملت بذلك فلن تكون بسيئ المكانة، فليس عيباً أخي أن تفتح صفحة جديدة في حياتك لتدون عليها أعمالاً صالحة تكون ضياء ونوراً لك في دنياك، ويوم لقائك لربك، وأنت يومها السعيد، الفائز، المفلح، والله يرعاني ويرعاك، ويحفظني ويحفظك، واستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
http://saaid.net المصدر:
=============
رسالة إلى مسلمي العالم ..
آن الأوان لوحدة الصف .. يا أمة الإسلام
د. أسماء الحسين
ما أهونهم وأحقرهم عند الله - تعالى -.. ويل لمن طغى وتجاوز الحد في الإساءة، وكفر، وتجبر.. وويل لمن سكت عن نصرة دين الله - تعالى -واستنكار ما حدث ويحدث للإسلام والمسلمين من أعدائهم.. أيصل الأمر إلى تدنيس كتاب الله؟! تباً.. تباً.. تباً لهم! ما أحقرهم!!(2/143)
إن الدين لمنصور.. والإسلام لغالب.. والباطل لزاهق.. بحول الله - تعالى -..، ولكنها سنن الله - تعالى -في الكون.. ليرى الله - تعالى -وهو أعلم من ينصره ويعبده حق العبادة، ويتقيه حق التقوى.. ولكل أجل كتاب وإن للنصر موعداً.. بل إن نصر الله لقريب، (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) [الأنفال: 7].
الاعتداء والإفساد والغدر من سماتهم ويدعون أنهم من يناصر حقوق الإنسان، وأنهم أهل الحضارة والتقدم، وهم يمثلون بالمسلمين ويعاملونهم بأبشع أساليب الإهانة والتعذيب لا نصرهم الله ولا أبقاهم!
لكنها ليست بغريبة أو عملاً شاذاً منهم، فقد ظهروا على حقيقتهم إنما العجيب المستنكر بل المؤلم حقاً أن تجد من بني جلدتنا من أبناء هذا الدين الإسلام من يبجلّهم ويطبل لهم ويدافع عنهم، وهم لا إيمان لهم ولا أمان، إن الإسلام ليسمو بأهله.. عندما يُعامل غير المسلمين بالعدل واحترام العهود والمواثيق.. أما عندما يُعتدى على الإسلام ويُهان دستوره، ويتطاولون على أهله وأعراضهم وكرامتهم؛ فلا بورك فيمن يسكت ولو عن دعوة حارّة صادقة في جوف الليل لحظة خشوع وغيره، أو يقول كلمة حق ينصر بها دينه (والعاقبة للتقوى).. آن الأوان أن نتحد يا أمة الإسلام فلا أغلى من الدين.. لا أغلى من الدين.. ولا مجال للفرقة.
اسأل الله العظيم رب العرش العظيم كافي وناصر عبده وهازم الأحزاب وحده أن ينصر الإسلام والمسلمين ويثبت أقدامهم ويقوي شوكتهم على أعدائهم أعداء الدين، عاجلاً غير آجل، اللهم آمين.. اللهم آمين. (ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) [الحج: 40]، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون) [الشعراء: 227].
8/4/1426
16/05/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
رسالة إلى أخي المسلم
محمد محمد بدري(2/144)
أخي العزيز، أيها المسلم من أجل الإسلام في كل مكان يا من يقلب وجهه في السماء ويعمل فكره في الكون باحثاً عن الطريق الصحيح لعودة أمة الإسلام..
إني أشاركك حيرتك وهمومك وتطلعاتك..
لقد عانيت ما تعاني، فتعال نبحث معاً في هدوء دون أن أضيق بك أو تضيق بي..
نعم لن أضيق بك يا أخي العزيز فإني أستبشر خيرًا باهتمامك وتطلعك وتفكرك من أجل عودة أمة الإسلام، وإني أرى نفسي فيك، فقد مشيت معك هذا الدرب ومررت على ثغراته ومَنَّ الله علي بمعرفة كثير من مسالكه ومنعطفاته، لن أطلب منك أن تكون أسير فهمي أو فهم غيري، لن أزعم لك أني أحتكر الفهم الصحيح وحدي..
لكني أدعوك دعوة هادئة إلى كتاب الله - عز وجل - الذي أنزل ليمنحنا الحياة (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) - إنك - يا أخي العزيز - تتفق معي أن هدفنا في الحياة قد حدده الله - عز وجل - بقوله: (ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ) عبادة الله وحده لا شريك له..
وأن الناس إذا انحرفوا عن هذا الهدف كان على المسلمين أن يعيدوهم إلى دائرة الالتزام به..
وعليه فمهمتنا هي تحقيق عبودية الإنسان كل الإنسان في الأرض كل الأرض لله رب العالمين.
واعلم -يا أخي العزيز- أنك تحزن وأنا أحزن معك من هذه الغربة الثانية للإسلام » بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء «..
(يصلحون ما أفسد الناس » وتسعى وأسعى معك من أجل أن نصلح ما أفسد الناس ونغير هذا الواقع ونعيد أمة الإسلام إلى الخيرية التي أرسلت من أجلها (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) وهكذا يا أخي تجمعني معك أخوة الإسلام والرغبة في عودة أمة الإسلام إلى المقدمة في قيادة الأمم..
ويجمعني معك شعور كلانا بالغربة، غربة الإسلام بين أهله..(2/145)
واتفاقك واجتماعك معي في هذه المقدمات هو ما دعاني اليوم أن أحدثك بكل بساطة وكما يتحدث الأخ إلى أخيه في موضوع تدفعنا إليه تلك الصحوة الإسلامية المباركة التي تسير في طريق عودة الأمة إلى الله لكي تصبح أمة مسلمة تستحق نصر الله ورضوانه.
أخي العزيز..
تتفق معي أن نزول هذه الأمة من عليائها كان وفق سنن ربانية مفادها أن الله - عز وجل - لا يمكن للناس حتى يستقيموا على عهده (وعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) تتفق معي في ذلك؟ ! فهل تؤمن معي أن عودة هذه الأمة تخضع لسنن معينة أيضاً؟ ! إذا كنت تؤمن بذلك، فأنت رجل يؤمن بإمكانية التغيير..
وهذا يدعوني إلى أن أقرر أمراً هنا أراك لا تخالفني فيه وهو أن التغيير يخضع لعلاقة بين الهدف والوسيلة..
فإذا كنا نريد عودة الأمة المسلمة فهذا هدف له وسائل توصل إليه..
وإنه من الخطأ كل الخطأ أن نتصور أن نجاحنا في تحقيق هدفنا يمكن أن يحدث بطريقة سحرية غامضة الأسباب؟ ! قد تقول - يا أخي العزيز - إن ما نملكه من وسائل لا يكفي لنصل إلى هدفنا، وإننا في حاجة إلى إمكانيات أكبر، وهذه الإمكانيات غير متوفرة لدينا الآن؟..
وأنا أوافقك على ذلك،..
ولكن إذا كنا لا نملك الآن ما يمكننا من الوصول إلى هدفنا هل نتوقف عن العمل حتى تتدخل القوة الخارقة الغامضة الأسباب لتوصلنا إلى هدفنا؟ !..
أم أن المطلوب منا هو العمل قدر الوسع والطاقة واستخدام الوسائل التي نملكها..
وما وراء ذلك من أمور أرادها الله بمشيئته المطلقة وحكمته البالغة فالله أعلم متى يهب النصر ويمكَّن لمن يستحق من عباده.
أخي العزيز:(2/146)
إن علينا أن نعلم أن الحركة الإسلامية تخضع لسنن الله العامة التي تشمل البشر جميعاً مؤمنهم وكافرهم، والإيمان والالتزام بعقائد أهل السنة والجماعة دون الأخذ بالأسباب المادية للنصر لا يضمن النصر والظهور والتمكين في الأرض.
والآن - أخي العزيز - هل اتضح عندك ما أردت الوصول إليه..
إنه بكل بساطة ووضوح وتحديد إقرار لفكرة " المنهجية في العمل الإسلامي " فبين الحركة وبين هدفها منهاج عمل يلعب دوراً كبيراً في تحقيق ذلك الهدف، والمنتصر في أمور الدنيا هو من يملك في تحركه منهاجاً واضحاً سواء كانت أهدافه سليمة أم لا..
فالدنيا ليست للمؤمنين فقط (كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ) وللدنيا قوانينها وأسبابها، ومن قوانين الدنيا أن الذي يمتلك منهاجاً واضحًا في العمل هو الذي ينجح في الوصول إلى الهدف،..
والمنهاج الذي نريده لحركتنا منهاج يأخذ بالإمكانات المتوفرة حالياً للحركة ليصل إلى أهداف معينة، بينما هو يسعى للحصول على إمكانات أخرى توصل إلى الهدف الأكبر.
أو بعبارة محددة وبسيطة منهاج قوامه (الاستفادة من الإمكانات حسب الظروف للوصول إلى الأهداف مع حساب الاحتمالات ومحاولة إيجاد الحل لكل احتمال)..
(وتفصيل ذلك له مقام آخر).
ولكني أريد أن أقول لك - يا أخي العزيز - إن الله - تعالى -قال: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي) فالتحرك الإسلامي يجب أن يكون واعياً صادراً عن خطط مدروسة، وإعداد محكم، واستراتيجية كاملة واضحة تغطي كافة مراحل التحرك وتدرس الواقع من جميع جوانبه..
فإذا كانت كذلك فإن التحرك يكون صحيحاً..
ويكون مؤثراً..
ويكون مُبْلِغًا الهدف بإذن الله..
ويكون لحركتنا شرف أذان الفجر في ليل الشتاء الطويل الذي نعيشه وتعيشه أمتنا..
وسيجيء هناك الحق ويزهق.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
رسالة إلى أهلنا في القدس الشريف(2/147)
الشيخ رائد صلاح
القدس في العيون والأقصى في العيون، ولأن أهلنا في القدس هم أقرب عضو من جسدنا الإسلامي العربي الفلسطيني يحيط بالقدس ويدافع عنها ويحفظ لها إسلاميتها وعروبتها وفلسطينيتها، لأنهم كذلك فهم في العيون ونحن نحبهم ونحيّي فيهم صمودهم في وجه سياسة تهويد القدس ونحيّي فيهم ذودهم المتواصل عن حرمة الأقصى ونحيّي فيهم إنزراعهم في حارات القدس وشوارعها وأسواقها وتلالها وأوديتها ومعابدها ومقدساتها وأوقافها وندعو لهم بالخير!! وأنا إن حسدت أحدًا (حسد غبطة) فأنا أحسد أهلنا في القدس الذين يسيرون ويجلسون وينامون ويصلون على ثرى القدس الطاهر الذي يحفظ صفحات مباركة من تاريخنا الإسلامي العربي المبارك ويحمل معالم شاهقة من حضارتنا الإسلامية العربية المجيدة، ويبشر ببزوغ فجر صادق إسلامي عربي لا محالة!! ولا شك أن إنسانا كأهلنا في القدس يحيا على هذه الثغرة التي لا تقبل التسعير فليعذرنا إذا حسدناه (حسد غبطة)!! وليعذرنا إذا كنا ولا زلنا نردد يا ليتنا مثله نعيش في القدس الشريف ورحاب المسجد الأقصى!! ولكن ما يعزينا أننا وإن لم نعش فيها فنحن نعيش في أكنافها!! كيف لا والجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة) من أكنافها!! بل إنني لا زلت على شعور طاهر يقوي ولا يضعف، إنني وإن كنت في سجن (اشمورت) فأنا في أكنافها!! وكلما تذكرت أن حبي للقدس وحبي للأقصى هو الذي قادني وقاد بقية من معي من رهائن الأقصى إلى السجن، كلما تذكرت ذلك، غمرتني الفرحة وتغشاني السرور وفاضت السكينة في صدري وأشرق الرضا في قلبي!! فهنيئا لكم يا أهلنا في القدس وأعانكم الله تعالى!! 2- وأنا إذ اكتب هذه الرسالة إلى أهلنا في القدس فقد حرصت قبل اعتقالي أن أحافظ على (وصل القدس) مرة في الأسبوع على الأقل!! وهذا الوصل كان يعني لي تجديد عهد مع القدس وتجديد بيعة مع الأقصى حتى أبذل ما بوسعي سعيا إلى إعمار وإحياء القدس(2/148)
والأقصى!! وقد تعرفت على أهلنا في القدس من خلال مشاريع الإعمار والأحياء، وعرفت كم هم كرماء ومضحّون وعاملون في مشوار الإعمار والإحياء الذي باشرنا به، ولن نتوقف بإذن الله - تعالى -بإدارة ورعاية هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار!! فمن أهلنا في القدس جاءت تلك المتصدقة الكريمة التي تقدمت قبل سنوات بمبلغ قيمته عشرة آلاف دولار، ولما سئلت عن اسمها رفضت أن تكشف عن اسمها وقالت: أنا طالبة لمرضاة الله تعالى!! ومن أهلنا في القدس كان يتدافع مئات الشباب مشمرين عن سواعدهم عاملين منذ الصباح حتى المساء في مشوار الإعمار الطويل الذي بدأ بالمصلى المرواني وأبوابه العملاقة وساحاته الرحبة مرورًا بإعمار الأقصى القديم وإقامة وحدات الحمامات والوضوء في باب حطة والأسباط وفيصل، إلى بقية المشاريع الأخرى التي لا تزال النفوس تواقة إلى متابعة إنجازها!! نعم كان يتدافع مئات الشباب من أهلنا في القدس عاملين بجد وإخلاص وحب في كل هذه المشاريع جنبا إلى جنب مع الأهل من المثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة)!! وكنت أمازح أولئك الشباب المقدسيين وألاطفهم مع يقيني التام بأن قسما منهم كان يحافظ على الصلاة وهم الأكثر وقسما منهم بدأ يصلي خلال بدايات عمله في تلك المشاريع وقسما ثالثا لم يكن يصلي، بل إن قسما منهم كان يظهر على ساعده أو شمة الغفلة ومع ذلك أحببنا الجميع ولا زلنا نحب الجميع ولا زلنا على يقين أن الخير في الجميع!! ومن أهلنا في القدس كانت تصل مئات وجبات الطعام كل أسبوع لكل العاملين في تلك المشاريع المباركة!! ولا زلت أذكر أنني صليت الجمعة في الأسبوع الثاني من انتفاضة الأقصى في المسجد الأقصى ووقعنا تحت حصار قوات الاحتلال (الإسرائيلي) وقنابلهم ورصاصهم، وطال الحصار حتى صلاة العشاء، وخلال الحصار جُعْنا، فقام أهلنا في القدس جيران المسجد الأقصى بتهريب الطعام لنا عبر بعض أبواب المسجد الأقصى!! ومن(2/149)
أهلنا في القدس كانت ولا تزال تصل عشرات الحافلات للمشاركة كل عام في (مهرجان الأقصى في خطر) العالمي الذي لا زال يجسد صرخة الأقصى القوية في وجه كل المتآمرين عليه!! هذا المهرجان المبارك الذي يقام كل عام في مدينتنا أم الفحم!! ومن أهلنا في القدس نهض الدعاة والمصلحون وقامت المؤسسات التي لا تزال عاملة ومضحية وداعمة لكل هدف نبيل وغاية سامية وقيمة أصيلة!! وبصراحة من أنا حتى أحصي لهم جوانب عطائهم ومآثر بذلهم، فهم القوم الذين كانوا ولا يزالون يضحون بالغالي والرخيص قابضين على الجمر سعيا منهم لإعمار وإحياء القدس والأقصى. 3- ولأنهم كذلك فيسرني أن أنادي أهلنا في القدس من عميق قلبي وأنا خلف القضبان وأقول لهم: يا أهلنا في القدس أنا من الذين كتبوا عن المخاطر التي تتهدد القدس والأقصى حيث نشرت عشرات المقالات في صحف محلية وعالمية أخرى!! ولكني هذه المرة أكتب لكم وأنا على قناعة مؤلمة ومرة أن القدس الشريف اليوم والمسجد الأقصى اليوم يمران في أخطر لحظات مضت عليهما!! ولا أبالغ إذا قلت: إن بعض العاملين في الأذرع (الإسرائيلية) المختلفة قد بدأوا لأنفسهم بالعد التنازلي المتسارع في سبيل تحقيق مخططاتهم التي لن تكون ولن تقوم إلا على حساب المسجد الأقصى وإسلامية وعروبة القدس الشريف. 4- فلا شك أنكم قد علمتم بخبر التقرير الذي نشرته صحيفة (يديعوت أحرونوت) بتاريخ 1-4-2004 والذي قُدم سرًّا لرئيس الحكومة (شارون) حيث يوصي بإغلاق المصلى المرواني ومحيطه أمام المسلمين، وقد وقعَّ على هذا التقرير سكرتير رئيس الحكومة العسكري (يوآف جلنط)!! وبعث هذا التقرير لجهات أمنية(2/150)
(إسرائيلية) وشخصيات حكومية وسيعقد شارون قريبًا جلسة مباحثات خاصة حول هذا التقرير. 5- وذكرت صحيفة (يديعوت احرونوت) في هذا الخبر أنه قد ألحق بهذا التقرير السري تقارير أخرى أعدتها سلطة الآثار (الإسرائيلية) ادعت من خلالها أن خطر الانهيار يتهدد الجدار الشرقي للمسجد الأقصى، وأن الجدار قد تحرك بعد حدوث الزلزال الأخير في شهر شباط الأخير (5. 2 سم) وظهرت فيه تصدعات جديدة واتسعت التصدعات القديمة!! 6- وعلى أثر تقديم هذا التقرير قدّم مدير سلطة الآثار(الإسرائيلية) (شوقه دورفمن) طلبًا عاجلا للشرطة (الإسرائيلية) في لواء القدس للعمل على منع المسلمين من الدخول إلى المصلى المرواني. 7- وواضح جدًّا لكل عاقل أن انهيار جدار المغاربة الذي وقع قبل أسابيع كان بسبب تراكم الحفريات (الإسرائيلية) تحت حرم المسجد الأقصى!! وواضح لكل عاقل كذلك أنه إذا ظهر أي تصدع يتهدد الجدار الشرقي للمسجد الأقصى فإن سببه هو تراكم الحفريات (الإسرائيلية) تحت حرم المسجد الأقصى!! وادعاء المؤسسة (الإسرائيلية) أن سبب ذلك يعود إلى الزلزال الأخير الذي حدث في شهر شباط الأخير هو ادعاء قبيح، إنما يهدف إلى التستر على الآثار المأساوية التي خلفها تراكم الحفريات (الإسرائيلية) على المسجد الأقصى والتي حدث قسم منها وهو ينذر بحدوث آثار مأساوية أخرى في المستقبل القريب!! ولعل هذا ما خطط له المتآمرون على المسجد الأقصى. 8- ومما يزيد الطين بلة أن حزب (تكوماة) اليميني (الإسرائيلي) قد دعا عبر موقعه على شبكة الانترنت الجماهير (الإسرائيلية) إلى المشاركة الفعالة في المسيرة الحاشدة داخل المسجد الأقصى المبارك يوم الأربعاء الموافق 7-4-2004 بمناسبة عيد الفصح العبري!! ودعا عبر موقعه الجماهير (الإسرائيلية) إلى إقامة الطقوس الدينية في هذا اليوم في المسجد الأقصى. 8- وكان مستوطنون قد استولوا في ساعة مبكرة من فجر الأربعاء الموافق 31-3-2004 على مبنيين سكنيين(2/151)
مأهولين يضمّان (13 شقة) سكنية في حي سلوان الواقع جنوبي المسجد الأقصى!! علمًا أن ملكية هذين المبنيين تعود إلى عائلتي الرجبي ومراغة!! وقد رافق هؤلاء المستوطنين قوة معززة من الجيش كانت معهم لما داهموا هذين المبنيين في الساعة الثالثة فجراً وأصحابها نيام، وطردوا العائلات واعتدوا على النساء والأطفال ورموا أثاث هذه العائلات المسكينة في الشارع ثم أدخلوا أثاثا جديدًا إلى هذين المبنيين وأدخلوا فيهما عشر عائلات من المستوطنين!! 10- كان ذلك يحدث بالإضافة إلى ما كانت ولا زالت تتعرض إليه القدس ويتعرض إليه المسجد الأقصى من ويلات التآمر عليهما ومن مآسي المكر بهما ليل نهار!! ولعل أحد أهلنا من القدس يتساءل حزينا باكيًا ما العمل ونحن لا نرى في الأفق أي تحرك جدي على صعيد المسلمين والعرب حكاماً وشعوباً؟! ما العمل ونحن نرى أن حق القوة هو القانون المسيطر اليوم على أحداث الأرض كلها ولم يبق محل لقوة الحق؟! ما العمل وهذه الأنظمة العربية قد خيبت الآمال يوم أن عجزت عن مجرد عقد اجتماع لها في تونس الخضراء؟! ما العمل وهذا وحيد القرن الأمريكي راح يجتاح العالم الإسلامي والعربي بكل أدواته العسكرية...دولة بعد دولة!! فبالأمس البعيد اجتاح أفغانستان وبالأمس القريب اجتاح العراق، واليوم استسلمت له عشرات الدول المسلمة والعربية وفتحت له أبوابها على مصراعيها، وراحت تأتمر بأمره ولسان حالها يقول: حاضر سيدي!! ما العمل وهذه الضفة الغربية وقطاع غزة محاصرتان براً وبحراً وجواً؟! ما العمل وهذا الاحتلال (الإسرائيلي) قد سولت له نفسه أن يمضي بدموية التصفيات العمياء التي طالت البيوت والمساجد والكنائس والكبار والصغار والنساء؟! ما العمل وها هم قد اغتالوا الشيخ الشهيد أحمد ياسين، وها هم يهددون باغتيال ياسر عرفات، بل وقد أعلنوا عن قائمة اغتيالات طويلة؟! نعم قد تتساءلون بحسرة ومرارة ودموع.11- إنها لأسئلة توجل منها القلوب وتذرف منها(2/152)
العيون، وأنا أشاطركم القول أن الأمة الإسلامية والعربية ما لم تغير ما بأنفسها فلن ننتظر منها اليوم ميلاد صلاح دين جديد يرد للقدس والأقصى كرامتهما!! ولكن مع كل ما قيل ومع كل تلك التساؤلات يبقى في أعناقكم واجب المرحلة الدامية التي نعيشها!! سيما وأنكم أنتم يا أهلنا في القدس أنتم الوحيدون من دون أهل الأرض بالإضافة إلى الأهل في المثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية، أنتم وهم الوحيدون من دون كل مسلمي الأرض وعربها وفلسطينييها الذين بإمكانهم التواصل مع القدس الشريف والأقصى المبارك وحمل همومهما والوقوف في وجه كل مؤامرة تستهدف النيل منهما!! وأنا على يقين أن نخوة إسلام الأهل وعروبتهم وفلسطينيتهم في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية لن تترككم وحدكم!! 12- لذلك أقول لكم بكل محبة وصراحة: هذا هو الوقت الذي يجب أن ندرك فيه أكثر من أي وقت مضى أن بيوتكم في القدس القديمة وفي حارات القدس القديمة في خطر!! وهذا الوقت الذي يجب أن نتعالى فيه عن أي خلافات حزبية ومصلحية لمراجعة حالنا وفحص هذه البيوت بيتا بيتًا والوقوف في وجه (ثعابين التبن) التي باتت تزحف طامعة بالاستيلاء عليها. 13- وهذا الوقت الذي يجب أن ندرك فيه أكثر من أي وقت مضى أن الأرض في خطر والأوقاف في خطر والمقدسات في خطر!! فكم من أرض ابتلعها غول المصادرة في القدس الشريف!! وكم من مقبرة جرفتها الآليات (الإسرائيلية) وشقت على إثرها شارعًا أو أقامت بناية أو متنزها!! وكم من جامع تحول إلى (كنيس يهودي) حتى الآن في القدس الشريف!! وأنا على يقين أنكم تعلمون ذلك ولكن أما آن لنا أن(2/153)
نصغي إلى مقولة: (بالضغط والتضييق تلتحم الأجزاء المتفرقة)!! 14- وأقولها لشباب القدس خاصة: هذا هو الوقت الذي يجب أن ندرك فيه أكثر من أي وقت مضى أنه آن الأوان لنا أن نهجر سوق الغفلة وأن نعود إلى الله تعالى!! فتصوروا يا شباب القدس - وأنتم عشرات الآلاف لو أنكم بادرتم لأداء الصلوات في المسجد الأقصى يوميًّا، وأؤكد يوميًّا!! لو أنكم بادرتم إلى ذلك في صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء كل يوم لتحولت صفوف صلاتكم إلى أعظم رد أبدي سيحبط بإذن الله - تعالى -كل مؤامرة وإن عظمت تستهدف النيل من المسجد الأقصى!! وليتآمر المتآمرون بعدها!! وليروجوا الأكاذيب حول المسجد الأقصى وحول أبنيته وجدرانه ومصاطبه وبوائكه، فستبقى صفوف صلاتكم الأبدية في المرصاد الأبدي لكل كيدهم الأبدي!! فلا تترددوا يا شباب القدس فأنتم الآن وبالذات الآن مرشحون للقيام بهذا الدور في هذا الوقت الحرج باسم الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني!! وأعود وأقول إن الأهل في المثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية لن يتركوكم لوحدكم!! 15- وأقولها لعائلات القدس الضاربة عراقة ومجدًا في أرض القدس وأقولها لكل وجهائها الكرام الذين تربطني علاقة المودة والمحبة بعدد كبير منهم، أقول لهم هذا الوقت الذي يجب أن تدركوا فيه أكثر من أي وقت مضى أنه آن الأوان أن تجمعوا أبناء عائلاتكم في دواوين عائلاتكم، وأن تثيروا فيهم نخوة التواصل اليومي الأبدي مع المسجد الأقصى صباح مساء!! ألستم الذين لا يزالون يجمعون أبناء العائلة في ديوان العائلة للقيام بواجب الأعراس والمآتم والإصلاح؟! وهذا سلوك جميل ومنهج حسن!! ولكن الأجمل من كل ذلك والأحسن من كل ذلك أن تجمعوا أبناء العائلة في ديوان العائلة للقيام بواجب الحفاظ على إسلامية وعروبة القدس، ثم للقيام بواجب التواصل اليومي الأبدي مع المسجد الأقصى. 16 - ثم أين أنتم يا معشر الدعاة!! أين أنتم يا جمهور الوعاظ(2/154)
والعلماء!! أين أنتم يا رجال الأوقاف والمؤسسات والجمعيات الخيرية والهيئات الاجتماعية!! إنني أناديكم لأنني أعلم أنكم عناوين خير وأن فيكم الخير وقد بذلتم الخير الكثير!! لتعلموا أن هذا هو الوقت الذي يجب أن تدركوا فيه أكثر من أي وقت مضى أن عليكم أن تبادروا إلى الاجتماع سويًّا لتفكروا سويًّا وتتفقوا سويًّا على كيفية الحفاظ على إسلامية وعروبة القدس الشريف وعلى كيفية التواصل اليومي الأبدي مع المسجد الأقصى المبارك!! 17 - ولأنني أتوجس أكثر من أي وقت مضى أن شرًا مستطيرًا قد يقع على المسجد الأقصى المبارك خلال الأيام والليالي الحبالى القادمة، أقترح بشكل خاص إغلاق كل مساجد القدس وقت كل صلاة جمعة فقط!! وتوجيه كل أهلنا لأداء كل صلاة جمعة في المسجد الأقصى إلا للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها!! مع يقيني التام بالخطاب النبوي القائل: "واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا". 18- وأخيرًا لتعلموا يا أهلنا في القدس أن الشجاعة صبر ساعة فلا تتلعثموا ولا تترددوا وظلوا كما قيل عنكم: (وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر)!! ولا يخدعنكم أكاذيب المؤسسة (الإسرائيلية) حول المسجد الأقصى!! فتراكم حفرياتها تحت حرم الأقصى هو الذي تسبب بانهيار جدار باب المغاربة وفي نفس الوقت تمنع المؤسسة (الإسرائيلية) هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار من مباشرة إعمار هذا الانهيار!! وتراكم حفرياتها تحت حرم الأقصى هو الذي يهدد تماسك وقوة كل بناء المسجد الأقصى بما في ذلك جداره الشرقي وفي نفس الوقت تمنع المؤسسة (الإسرائيلية) هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار من مباشرة إعمار ما يلزم في هذا الجدار!! وهي (المؤسسة الإسرائيلية) تتيح لنفسها أن تحتل جدار البراق الذي سمته كذبًا حائط (المبكى) وتتيح لنفسها إجراء تصليحات فيه خلال هذه الأيام وفي نفس الوقت تمنع هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار من مباشرة الإعمار في رحاب المسجد الأقصى!! وغني عن البيان(2/155)
أن المؤسسة (الإسرائيلية) هي التي أغلقت مبنى باب الرحمة وطردت منه لجنة التراث - بيت المقدس!! وغني عن البيان أن المؤسسة (الإسرائيلية) هي التي تحارب بالروح والدم كل مشروع تباشر به مؤسسة الأقصى في سبيل إعمار وأحياء المسجد الأقصى!! فما الذي تخطط له المؤسسة (الإسرائيلية) اليوم؟! هل تخطط لإغلاق المصلى المرواني تحت ذريعة أنه في خطر الانهيار لتنفرد به لبعض الوقت كما انفردت بمسجد الحرم الإبراهيمي ثم لتفرض عليه التقسيم الذي تحلم به بين المسلمين واليهود بقوة السلاح وعصا الاحتلال!! كما فرضت مثل هذا التقسيم الظالم البشع على مسجد الحرم الإبراهيمي؟! أعود وأقول الأيام والليالي القادمة حبالى!! ولكن أصحاب الحق هم المنتصرون لا محالة والمحتل مهزوم لأن الاحتلال ظلم والظلم زائل لا يدوم وحسبي الله ونعم الوكيل.
02/06/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
============
رسالة القلم
حسن قطامش
جال بخاطري أن أنظر فيما أوحى به قلم الرافعي من بديع الأسلوب وجميل الحكم، فرددت بصري فيه ثم توقفت عند هذه الكلمات: إن الحقائق الكبرى كالإيمان والجمال والحب والخير والحق ستبقى محتاجة إلى كتابة جديدة من أذهان جديدة.
تفكرت فيها، ثم أرجعت البصر في عرض هذه الحقائق اليوم وما نصيبها من واقعنا، فإذا هي بين أيدي مرتزقة أكالين يدنسونها بمزاعم أوهام التقدم والرقي، وبين حابسين لها في نفوس ملؤها الخوف والتردد من صوغها في قالب الصدق والموضوعية ولازالت الحاجة قائمة لسبرغور تلك الحقائق والتي تملأ حياة الإنسان..
في نفسه وأهله ويومه وغده.
إن الإنسان بحاجة إلى أقلام صادقة توجهها عقول ناضجة تدرك حاجاته النفسية والاجتماعية والثقافية والتربوية، أقلام تحمل همّ هذه الأمة التي تتجاوز التيارات التائهة في دروب الهوى، أقلام تعرف للكلمة حقها وقوتها وسطوتها وتعرف لها مكانها وزمانها.(2/156)
وكم تآذت مسامعنا من أقلام ارتكست في رديء التصورات، وسيء المعاني، مما أضعف في نفوس الكثير من الناس الأدب، وسار ركب الأقلام الآسنة يستقى من مداد الرذيلة، ويلون الصفحات بزائف الكلم، ويقدمون الإيمان والجمال والحب والخير والحق وغيرها من تلكم المعاني الكبار في ثوب زور لُطخ بآسن الأفكار وزبالة الأذهان..
فأي ضحك على الإنسان.
إن هذه الأقلام العرجاء مهما بدا من حُسن مظهرها واستمراريتها لن تعدم أصحاب نظر ثاقب يكشفون مرضها وعللها المزمنة.
أما بعض الأقلام الصالحة المنكسرة فلابد لها يوماً أن يستقيم عودها، وذلك حين تتحرر من وهم الخوف والتردد، لتصبح أذهاناً جديدة لصياغة حقائقنا الكبيرة.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
رسالة إلى كل بائع دخان
سيدي البائع:
تحية طيبة وبعد،
هذه رسالة محبة قبل أن يكون مطلب...
فهي من أجل صالحك قبل أن تكون لمصلحة شعب بأكمله وأمة بأسرها..
أن السجائر التي تقوم ببيعها وقد تظن إنها تدر عليك مكسبا كبيرا أو ربما ترى أن مكسبك كله منشأه من بيع السجائر وان سائر البضائع لا تحقق لك أي دخل يذكر، مخطئ أنت بالتأكيد.
فالله - سبحانه وتعالى - لم يجعل بركته فيم حرم ولا السعادة فيم يغضبه. لقد اجمع علماء المسلمين في فتاواهم أن التدخين حرام وبالتالي فبيع السجائر وكل ما هو للتدخين من تبغ ومعسل وخلافه هو اتجار في الحرام ويكون المكسب الناتج عنه كله مال حرام.
يا سيدي لا تظن أن الرزق مال يتدفق بين يديك بل هو بركة في قليل وابن بار وقضاء بالخير يحيطك ومعونة في كربك. والمال الحرام يصطحب الضيق وسوء العاقبة وصعوبة الأيام وكثرة المشاكل والأمراض ولقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به » (سنن الترمذي)(2/157)
ومن هذا الحديث يا سيدي تتبين فداحة هذه التجارة فكل ما ستكتسبه منها من طعام و صحة أو نماء أو تربية عيال سيكون مصيرها إلي النار.
والمكسب مكسب اليوم ولكن الخسارة خسارة العمر فكر جيدا وتوكل على الله واجعل ابتعادك عن الحرام إرضاء له وسيخلفك مال خيرا من مالك وحال خير من حالك.
ولك منا كل التقدير والاحترام.
http://www.islamway.com المصدر:
============
رسالة قصيرة للكتاب في المنتديات
تركي العبدلي
هذه رسالة موجهة لكتاب المنتديات، والذين يسعون لنشر الفضيلة وهدم سور الرذيلة، الذين يتطلعون الى غد مشرق لدينهم، للذين يزرعون الآمال في نفوس الناس بأن النصر للإسلام...
أقول لهم...
يا كتاب المعالي... يا ناشدين الخير وهداية الناس... الا ترون أن الكثير من أوقاتنا تذهب على شبكة النت ولا ندري هل هي لنا أم علينا؟، وأن أناملنا تعبت من الضغط على أزرار لوحة المفاتيح... اسمح لي أن أقول لك توقف لحظة... نعم توقف لحظة... وارفع يدك عن زر الفأرة قليلا ولا تقفز إلى صفحة أخرى... حتى تمرر عينيك الكريمتين على هذه الكلمات... هل خطر ببالك هذه المحاور التي ينطلق منها الكاتب... الصالح...
1- أن على الإنسان أن يترفع عن بعض الردود احتراما لإسلامه الذي بين له كيفية تعامله مع الآخرين ولو انحطت أخلاقهم، وأن يظهر محاسن دينه والتي تنطق بها أنامله على الشبكة.
2- أن يحرص على هداية الناس للخير، وأن يحصل منهم ولو أدنى المكاسب مهما ضؤلت كأن يجعله ينثني عن سيئة كان يعزم عملها.
3- أن ينتقي مقالاته المطروحة سواء كانت من منقولة أو معقولة، حيث تكون مما ينفع الناس.
4- أن يبتكر في فن العرض والنقد، ويبتعد عن الأسلوب الموحد في الطرح بحيث لا يجعل الملل يتسرب إلى نفوس القراء..(2/158)
5- أن يخلص العمل لله - تعالى -، وضابطه أولا أن ينظر في صفحة قلبه هل من شريك لله في موضوعه ثم ينظر في صفحة مقاله هل فيها ما يثير سخط الله عليه ولو مخالفة بسيطة لدينه...
6- أن يلزم الدعاء بأن يهديه الله إلى ما يحب ويرضى و أن ينفع الله - تعالى - بما يكتب.
أقول إن لم يخطر ببالك ذلك فراجع نفسك أخي وأختي الحبيبين..
http://saaid.net المصدر:
===========
رسالة من رائد فضاء
فيصل بن محمد الحجي
كثيرون هم الذين يصعدون الجبال..وكثيرون الذين يصعدون الطائرات..ولكن الذين يصعدون إلى الفضاء قليلون.. إلا الذين يصعدون إلى الفضاء على أجنحة الخيال.. ولقد رأيتني أصعد إلى الفضاء بمركبة الخيال.. وحين التفت إلى الخلف رأيت ما جعلني أصيح هاتفاً:
يا أسارى الأرضِ... يا كلَّ سجينْ!
في سجون الظالمينْ
أنا في مركبتي أمضي كومضِ البرقِ
إنني أنأى.. ولا تبتعدونْ.. !
وبرغم البُعد تدنون.. وتدنون.
أجل تقتربونْ
تتبعوني.. تصحبوني
إنكم في قمرتي..
بل في ثنايا القلبِ والقلب سعيدٌ- تنفذونْ
أنكم عندي هنا نحوَ المعالي تصعَدون
وعلى أجنحةِ الصبرِ أراكم تسبقون.. !
أنا في مركبتي أعلو.. وأعلو.. وأرى
تحتَ أقدامي جميعَ الظالمينْ
تحت أقدامي جميعَ المجرمينْ
إنني أبصرُ كل الظالمينَ الآن.. إلا الساقطينْ
إنهم قد فرشوا أعناقهم تحتَ نِعالِ الظالمينْ
ولذا غابوا وذابوا
في حُثالاتٍ وطينْ
غَرَقوا في الدَّركِ...
في الدَّرك المَهينْ
بَعدما ظنوا الرِّياءَ
في مساعيهم ذكاءَ
إنهم كانوا يَؤزون على الإجرام أزّاً
كلَّ عاتٍ مُتجبرْ
لينالوا عنده مجداً وعِزاً
ليصبّوا حِقدهم في الأبرياءْ
ويُذِلوا الأتقياءْ
فغدا الكيدُ ومن كادوا هَباءْ
وغدا ما قالهُ المغرورُ وهماً وهُراءْ
وبدا للماكرين الأذكياءْ
أنهم...
لم يكونوا في هواهمْ عقلاءْ
قد دَهَتنا (جونتنامو)... !
آلمتنا (جونتنامو)... !
أحزنتنا (جونتنامو)... !
إنما... !
في بلادي... !(2/159)
في بلاد العُربِ ألفُ (جونتنامو)... !
لا ترى فيها العُصاة.. !
لا ترى فيها البُغاة.. !
لا ترى فيها الزُّناة.. !
إنما اكتظَّت بمن صَلّوا وصاموا
وعلى الحق استقاموا.. !
ما القضية؟
إنهم جندُ (صلاح الدينْ).. !
لم يزوروا (الكَمبَ) أو (مَدريدَ)
حيث يُغتالُ السَّلامُ..
حيث يَنحطُّ الكلامُ..
فالأمامُ الخلفُ والخلفُ الأمامُ.. !
والمُحاماة عن الحقِّ حرامُ.. !
حيث ترتدُّ السِّهامُ..
لتهُدَّ (المسجد الأقصى)..
حينذاكَ (الهيكلُ) المزعوم يُبنى ويقامُ.. !
وترى (شَيلوكَ) في المِحرابْ..
إنه (شَيلوك)... هل تعرفه؟
إنه (الشيخُ) لقومي و (الإمامُ)..
والفراعينُ (اقتدوا) طَوعاً
وفي (الصَّف) استقاموا..
وعلى (القُدسِ) السَّلامُ... !
إنني أعلو وأعلو
وأرى تحتي جميعَ الظالمينْ
وأرى (فِرعوننا) المنفوخَ كِبراً
ذلك العِملاقْ
قد تراءى صاغِراً لا يستبينْ
حجمهُ كالفأر.. كالصرصارِ بلْ
نملةٌ جَوعى..
وفي حالٍ مَشينْ
في العلا تتقلبُ الأحوالُ.. !
فقوانينُ (العلا)
غيرُ قوانينِ الألى قد عَربَدوا في الأسفلينْ
أنزلوكُمُ في الزنازينِ.. وظنّوا
أنهم يَعلونَ لما تَنزلونْ
جَهلوا ميزانَ ربِّ العالمينْ
حيثُ يَعلو النازلونْ.. !
ويَخرُّ الصاعدونْ
حيثُ يَقوى الضُعفاءْ.. !
ويذلَّ الأقوياءْ.. !
حيثُ يَرقى للنَّعيم البُؤساءْ
ويُساقُ المترفونَ المارقونْ
لشَقاءٍ وبَلاءْ
يستكينون لأمرٍ عادلِ
يستجيبون لحكمٍ فاصلِ
صاغرينْ...
قُمْ وبشّرْ يا فؤادي الصَّابرينْ
ثم قُلْ: يا ظالمونْ
لكمُ الويلُ ابتداءَ
ووراءَ الويلِ ويلاتٌ وهُونْ
حيثُ لا ينفعُ مالٌ وبَنونْ
حيثُ لا جندٌ ولا حاشيةٌ أو ناصرونْ
والأخلاءُ غَدَوا أعداءَ... إلا المُتَّقينْ
http://www.odabasham.net المصدر:
===========
رسالة إلى بوش
رمضان عمر
قلْ ما تشاءُ
ورتبْ الأوراقَ في بطرٍ
وصرحْ إن أردت-بأنها
حربٌ على الإسلام
جرد كل سيفٍ
قاطع
متبجحا ومهددا بالبغيِ
بغيِ عدالةِ الصلبانِ(2/160)
واشمخْ في ضلالك
أيها (البوش) الحقيرُ
* * * *
واجعلْ من (الشارون) هامانا
لصرحك -ايها الفرعون-
وانسجما وقولا:
نحن قررنا قتال الرب لا نخشى من الرحمن
فالله القدير
* * * *
قل ما تشاءُ
وقتِّل الأطفال واستحيي -كما تهوى - النساء
وسر باسطول التجبرِ حارقا كلَّ المدائن
ساحقا كل الاماكنِ
قل: أنا الجبار
واستعد الملايين الضعيفةَ
في جنون البطشِ
واشمخ يا حقير
* * * *
واذا نزلت بساحة الضعفاء
فاستأذن من الشيطان
ان تجتث شأفتهم
كما فعلَت نماردةٌ لكم في حربها التتري
لا تلوي على التفكيرِ
لا تأس على طفلٍ رضيعٍ
- قد يئن بلا حراكٍ تحت شلال القنابل-
* * * *
كن جسورا مثل ذئب جائع
لا تكترث بمزابل التاريخ
كن وحشا مثاليا
رجوتكَ، ايها الوحشُ الكبير
* * * *
قل ما تشاء ورتب الأوراق في طابا
وفي روما
وفي ركن يماني اذا اخترقت
يداك مواطن التشكيك في دمنا
ولكنا نقول بوعينا
أنا عزمنا امرَنا
لنخوضَ معمعةَ القتالِ
على طريقةِ سيدِ الثقلينِ في بدرِ البطولة
سوف نرسم ما محتهُ معالمُ التزوير
في يرموكِ أردن الرباطِ
نعيدُ مجد القادسية،
ثم نحسم أمرنا في دجلةِ الخيرات
في نيل الكرامةِ
من معين المسكِ
من دمنا
سننهض كي نحطم عرشكَ
المخبونَ يا وهماً؛
ففي دمنا منار النصر
في دمنا العبيرُ.
قل ما تشاء
وعندها سيشط فيك القولُ
يا هذا ولن تقوى على الجبروت
واسأل إن أردت الغابرينَ
سلْ الذينَ تجبروا بالأمس.
كيف مصائر الفرعون؟
كيف الغوص في الأعماق؟
لا صرحاً يقل
ولا نجاة ترتجى
أبداً ولن يجدي الغرورُ
ولسوف يرجمك الصغير
ولسوفَ يحقرك الكبيرُ
وسل الثموديين أصحاب الصخور
العاتيات عن المصير
وسل هنالك حيث خيبرُ
لم تعد حصناً منيعا
سل قريظة أيها المغرور
واعلم أنك التافه الغرير
http://www.odabasham.net المصدر:
============
اكتبي رسالة إليه
الدكتورة رقية المحارب(2/161)
تتقن بعض الزوجات فن التعامل مع أزواجهن وبطرق لا تخلو من الطرافة والتجديد. وهكذا وبطريقة ذكية حولت الكثيرات حياتهن وبيوتهن إلى حدائق جميلة من الأنس والسعادة والاستقرار دون أن يكلفهن هذا جهداً كبيراً أو مالاً كثيراً. ولا يمكن أن تخلو العلاقة الزوجية من منغصات بسبب أشياء صغيرة، ولكن الزوجة الذكية تستطيع أن تحول هذه المنغصات إلى فرص لتقوية العلاقة وملء البيت بالسعادة بعد أن هربت منه نسائمها.
وقد تسألين كيف؟ وأقول: هل جربت أن تكتبي رسالة إلى زوجك تعبرين فيها عما في نفسك من مشاعر وما تحسين فيه بصدق من آلام وما تحلمين به من آمال؟ إن المشاعر المكبوتة لا تموت، إنها تبقى في النفس وتتراكم الواحدة تلو الأخرى حتى يأتي الوقت الذي تنفجر فيه وينفرط العقد مرة واحدة..من أجل ذلك كانت تجربة الأخوات في كتابة الرسائل تجربة ناجحة آتت ثمراتها بسرعة في أحيان كثيرة.
هذه الكتابة تجعل من الرجل يدرك أنه يتعامل مع إنسان له مشاعر وأحاسيس، وأنه لا يتعامل مع جماد ينفذ ما يقال له دون أي اعتراض تماماً كالآلة الصماء.. إن بعض العادات التي يتوارثها بعض الرجال ـ وللأسف ـ تجعل نظرتهم للمرأة فيها شيء من الانتقاص والسخرية، وهذا أمر لم يكن من سمت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا هديه ولا ما أمر به.. إن هذه الكتابة تعمل على إضافة رصيد ثقافي له وينبهه إلى القيام بدوره تجاه شريكة حياته بطريقة غير مباشرة.(2/162)
كثيرات يشتكين من سوء معاملة أزواجهن وتأتي كثير من الإجابات بالتوصية بالصبر والاحتساب وهذا صحيح، إن المرأة وكذلك الرجل مطالبين بالصبر على بعضهما، ولكن ألا يضاف إلى ذلك البحث عن وسائل أخرى تفيد في تلطيف الجو وتقريب النفوس. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن كتابة رسالة شكر، وتضمينها بعضاً من أبيات الشعر الرقيقة ـ إن هو قام بمبادرة طيبة ـ كفيل بتقوية العلاقة الروحية وسبب ـ لزيادة المحبة ـ كبير. وبعض الأخوات تقول إنها تستحي من ذلك بحجة طول الزواج وأنها لم تتعود عليه وأقول لها: إن البداية تحتاج إلى قدر من الشجاعة وبعد التجربة سوف تشعرين بأنك ولدت من جديد.. إن هذا يعتبر من المعروف الذي يحقق أهدافاً قريبة وبعيدة.
27/7/1423
14/10/2001
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
رسالة من أم إلى ابنها
جمال صالح عبيد الغامدي
هذه إحدى الأمهات قالت بالحرف الواحد:
لي أربعة أبناء، ثلاثة لا أراهم إلا قليلا..أما رابعهم يأتيني كل جمعة..بعد صلاة الجمعة مباشرة.. ومعه جريدة.. يتصفحها عندي قليلا ثم ينصرف" فكتبت إليهم هذه الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم(2/163)
يا بني.. هذه رسالة مكلومة من أمك المسكينة.. كتبتها على استحياء.. بعد تردد وطول انتظار.. أمسكت بالقلم مرات فحجزته الدمعة.. وأوقفت الدمعة مرات فجرى انين القلب.. يا بني.. بعد هذا العمر الطويل.. أرآك رجل سويا مكتمل العقل.. ومتزن العاطفة.. من حقي عليك أن تقرأ هذه الورقة.. وإن شئت بعد فمزقها كما مزقت أطراف قلبي من قبل.. يا بني.. منذ خمسة وعشرين عاما كان يوما مشرقا في حياتي.. عندما أخبرتني الطبيبة أنني حامل.. والأمهات يا بني يعرفن معنى هذه الكلمة جيدا.. فهي مزيج من الفرح والسرور.. وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسمية.. وبعد هذه البشرة.. حملتك تسعة أشهر في بطني.. فرحةً جذلا.. أقوم بصعوبة.. وأنام بصعوبة.. وآكل بصعوبة.. وأتنفس بصعوبة.. ولكن.. كل ذلك لم ينقص محبتي لك.. وفرحي بك.. بل نمت محبتك مع الأيام.. وترعرع الشوق إليك.. حملتك يا بني وهن على وهن.. وألما على ألم.. أفرح بحركتك.. وأسر بزيادة وزنك وهي حمل على ثقيل.. إنها معاناة طويلة.. أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها... ولم يغمض لي فيها جفن.. ونالني من الألم والشدة، والرهبة والخوف مالا يصفه القلم ولا يتحدث عنه اللسان.. ورأيت بأم عيني الموت مرات عدة... حتى خرجت إلى الدنيا.. فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي.. وأزالت كل ألامي وجراحي.. يابني.. مرت سنوات من عمرك وأنا أحملك في قلبي.. وأغسلك بيدي.. جعلت حجري لك فراشا.. وصدري لك غذاء.. أسهرت ليلي لتنام.. وأتعبت نهاري لتسعد.. أمنيتي كل يوما أن أرى ابتسامتك.. وسروري في كل لحظة أن تطلب مني شيء أصنعه لك.. فتلك هي منتهى سعادتي.. ومرت الليالي والأيام.. وأنا على تلك الحالة.. خادمة لم تقصر.. ومرضعة لم تتوقف.. وعاملة لم تفتر.. حتى اشتد عودك.. واستقام شبابك.. وبدت عليك معالم الرجولة.. فإذا بي أجري يمينا وشمالا.. لأبحث لك عن المرأة التي طلبت.. وأتى موعد زفافك.. فتقطع قلبي.. وجرت مدامعي..(2/164)
فرحة بحايتك الجديدة.. وحزنا على فراقك.. ومرت الساعات ثقيلة.. فإذا بك لست ابني الذي أعرفه.. لقد أنكرتني وتناسيت حقي.. تمر الأيام لا أرآك.. ولا أسمع صوتك.. وتجاهلت من قامت بك خير قيام.. يا بني.. لا أطلب إلا القليل.. اجعلني في منزلة أطرف أصدقائك عندك.. وأبعدهم حضوة لديك.. اجعلني يا بني.. إحدى محطات حياتك الشهرية.. لأرآك فيها ولو لدقائق.. يا بني.. احدودب ظهري.. وارتعشت أطرافي.. وأنهكتني الأمراض.. وزارتني الأسقام.. لا أقوم إلا بصعوبة.. ولا أجلس إلا بمشقة.. ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك.. لو أكرمك شخصا يوما لأثنيت على حسن صنيعه.. وجميل إحسانه.. وأمك أحسنت إليك إحسانا لا تراه.. ومعروفا لا تجازيه.. لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات.. فأين الجزاء والوفاء؟... ألهذا الحد بلغت بك القسوة وأخذتك الأيام؟ يابني.. كلما علمت أنك سعيد في حياتك زاد فرحي وسروري.. ولكني أتعجب وأنت صنيع يدي! أي ذنب جنيته حتى أصبحت عدو لك؟ لا تطيق رؤيتي!.. وتتثاقل زيارتي.. هل أخطأت يوما في معاملتك أو قصرت لحظة في خدمتك؟.. امنحني جزءا من رحمتك.. ومن علي ببعض أجري.. وأحسن.. فإن الله يحب المحسنين.. يا بني.. أتمنى رؤيتك.. لا أريد سوا ذلك.. دعني أرى عبوس وجهك.. يا بني.. تفطر قلبي.. وسالت مدامعي.. وأنت حي ترزق.. ولا يزال الناس يتحدثون عن حسن خلقك وجودك وكرمك.. يا بني.. أما آن لقلبك أن يرق لامرأة ضعيفة أضناه الشوق.. وألجمه الحزن.. جعلت الكمد شعارها.. والغم دثارها.. وأجريت لها دمعا، وأحزنت قلبا، وقطعت رحما.. لن أرفع الشكوى.. ولن أبث الحزن.. لأنها إن ارتفعت فوق الغمام.. واعتلت إلى باب السماء.. أصابك شئم العقوق.. ونزلت بك العقوبة.. وحلت بدارك المصيبة.. لالالالالالا.. لن أفعل.. لا تزال يا بني فلذة كبدي.. وريحانه حياتي.. وبهجة دنياي.. أفق يا بني.. بدأ الشيب يعلو مفرقك.. وتمر السنوات ثم تصبح أبا شيخا.. والجزاء من جنس العمل..(2/165)
وستكتب رسائل لأبنك بالدموع.. مثل ما كتبتها إليك.. وعند الله تجتمع الخصوم.. يا بني.. اتقي الله في أمك.. كفكف دمعها.. وواسي حزنها.. وإن شئت بعد ذلك فمزق رسالتها.. واعلم أن من عمل صالحا فلنفسه.. ومن أساء فعليها..
إخوتي /أخواتي.. لنقف و نراجع و نفكر في تعاملنا و مخاطبتنا لأمهاتنا.. فقد كثرت آهاتهن.
http://www.almualem.net المصدر:
===========
رسالة النوارس
عمر طرافي
في ليلة بهماءْ
تغشّتِ المدينه
بحلكة عزاؤها
تيّار كهرباءْ
فأمست الحزينه
كعتْمة دكناءْ
ما عاد في الجدران " فوتوناتْ "
من ضوء " إيديسونْ "
تداعب الذرّاتْ
في أوجه الحيطانْ
فكلها قد اختفت
في غيهب البطونْ
تململت عيوني
واستوسعتْ أحداقي
لدُجْية الظلامْ
و حاصرتْ حقولَ رؤيتي
مراتعُ الخيامْ
فاختلفتْ ترائبي
و غابت الأنسامْ
هنالكم أطلقتها مدويه:
تبّا لذي العماره
ترصفها الحجاره
تلتهم الأنوار حين ينقضي
كهيرب الضياء
و تُرشف المناره
ليصخب الإنسانْ!!
هنيهة هنيهة
هممتُ بالرحيلْ
لألزم الفراشْ
لكنني أزمعتُ أن أنامْ
في فسحة الفضاء
وذاك مستحيلْ
يحفّ بي الإسمنت بالسّلاحْ
مدجّج الأركانْ
مسدّس المكانْ
من أين لي ببقعة
خالية الأرجاءْ؟
فسيحة الهواءْ؟
آه...
في السّطح.. أمضي نومتي
حالمة غنّاءْ
هرعت نحو السّطحْ
لتبدأ المسيره
ويزهر الخلودْ
****
رأيت في السّماءْ
لآليء النجومْ
انفرطت من عقد لؤلؤ درّ ي
في صفحة القطيفة السوداءْ
قد أطرَقتْ
من شدّة الوجومْ
تسبّح الإلهْ
ساطعة بهيّه
الله.. ما أجملها
بروجا في السّماءْ
انظرْ هناكْ
هذا سديم أنجمٍ كثيفه
قد شكّلت في جمْعها
مجرّة التبّانْ
ونأيها عن بعضها
يقاس بالسنينْ
ووحدة ضوئيه
وفي الوجود مثلها
الألوف والألوف..
ما أعظم الإلهْ!
وأجحد الإنسان!
يراه في أكوانه
وينقض الإيمانْ!!
كفاك يا صَدوفْ
غرور الكبرياءْ
هلاّ ذكرت ساعة الولاده؟
ممّ خُلقْت؟
من طينة من ماءْ
من حمإ مسنونْ
فاركن إذن إلى الثرى
ولتضبط الجنونْ(2/166)
وأنت يا محزونْ
انظر إلى الأفلاك في دورتها
شموسها..
أقمارها..
نجومها..
كواكبا تحومْ
أنشأها لحكمة إلهنا القيّومْ
ونحن منْ؟
عبادٌ مكرمونْ
بالعقل لو تدبّروا
الآيات في السكونْ
أوجدنا جميعنا
إله هذا الكون ْ
يقول في محكمه:
" وما خلقت الجنّ
والإنسَ
إلاّ ليعبدون ْ"
عمارة ً..
عبادة ً..
خلافة ً..
ما امتثل الإنسانْ
إذ أزهق العماره
تطاول ُ البنيانْ
وأحبط العباده
أورو مع الدولارْ
وأسقط الخلافه
الرجل المريضْ
****
استيقظ الضميرْ
من رقدة طويله
وحلّت البصيره
لتغرس المنظارْ
وتجليَ الستارْ
وتُسقطَ الغشاوه
من مقلة الأبصارْ
ماهذه السكينه؟!
أحسّ بالوقارْ
وجنّة تسلّلتْ لتعمر القفارْ
بزهر الجُلّنارْ
قامت على ضفاف قلبٍ ضامئٍ
لعسجد الأنوارْ
و آبت النوارس البيضاءْ
في فمها رساله
رسالة السماءْ
تبارك المسيره
وصحوة البصيره
فأرستِ الخطابْ
تنتظر الجواب ْ
****
لمحتُ في الكتابْ
إشارة التدبّرْ
في قرية النمالْ
و النحل في بيوتها
ولتدركِ الأمثالْ
هنالكم عرفتُ سرّ الوحده
لمجد المسلمينْ
سأمضي للحياه...
و أنشد المماتْ...
و أعلن بالتربيه
شعاريَ الأمينْ
و أرصفُ بالتوعيه
صفوف المؤمنينْ
عندئذٍ.. عندئذٍ
سيشرق التمكينْ
ويُنصرُ الإلهْ...
06/03/2005م
http://www.odabasham.net المصدر:
===============
رسالة إلى فرعون
أسامة الأحمد
من أين أبدأ قصتي؟!
من أين أبدأ والحروفُ
تحيّرتْ يا إخوتي؟!
لو كان ثمةَ منصتٌ في أمتي
لَقطعتُ أيامي أطوفُ
أقصُّ بعضَ حكايتي!
لم يبقَ إلا قاتلي
أُهديه بعضَ رسائلي
بين السطور كتبتُها
بدم القبورِ غمستُها
فافهمْ، عدوَّ الشمسِ، أسرارَ السطورْ
ياراقصاً فوق القبورْ
يا ناثراً أشلاءَ طفلي
بين نخلي والزهورْ
أوَما ارتويتَ من الدماءِ
ومن دموع الأبرياءِ؟!
يا سُبّةً بفم الدهورْ
يا كِذْبةً بين النسورْ
طامِنْ غرورَك يا غَرورْ
يا راقصاً فوق القبورْ
يا حارقاً ولدي بأسلحة السلامْ!
يا سارقاً بلدي بأجنحة الظلامْ(2/167)
أفخرتَ أنك بهلوانْ
يا أيها البطلُ الجبانْ؟!
عِشْ للمآسي والحروبْ
ياراعيَ البقر الحلوبْ!
عربِدْ فقد فُقِد الشعورْ
يا راقصاً فوق القبورْ
أوَكلَّ هذا يصنعُ الذئبُ العقورْ؟!
يا أيها البطلُ الكذوبْ
أسِمعتَ أغنية الشعوبْ
هتفتْ بها كلّ القلوبْ ؟!
لا..لم يدُمْ إيوانُ كسرى
لا..لم يدم طغيانُ قيصرْ
كلا.. ولا مَن قد عَلا
بفساده أو من تجبّرْ
ولَسوف يا فرعونُ تهتفُ
" إنني ربٌّ مزوَّرْ "
أفهمتَ ما تروي القبورْ
أفهمتَ ما تحكي السطورْ
عن قصة الغضبِ المقدَّرْ؟
طامنْ غروركَ يا صريعَ الخُيَلاءِ؟!
تباًّ لوجهكَ ليس فيه من حياءِ
يكفيك زهواً في رداء الكبرياءِ
فاللهُ يمحقُ من طغى
واللهُ يقصمُ من تكبّرْ
والله أكبرُ.. والوجودُ يقولها
اَلله أكبرْ
http://www.odabasham.net المصدر :
===========
استشهاد فاطمة .. صاحبة الرسالة المبكية
شنت المقاومة هجومًا صاروخيًا على سجن ' أبو غريب ' عند الساعة الواحدة قبل فجر اليوم الجمعة بصواريخ أبابيل شديدة التدمير وصواريخ كراد، واستمر القصف على السجن أكثر من 15 دقيقة أدى إلى استشهاد أربعة عراقيين ومعتقلة واحدة، وهي فاطمة صاحبة الرسالة التي وجهتها قبل ثلاثة أسابيع ونشرت 'مفكرة الإسلام' نصها حول اغتصابها من قبل جنود الاحتلال، كما جُرحت أيضًا فتاة تبلغ من العمر 22 عامًا وإصابتها بليغة.(2/168)
وحسب ما صرح به مسئول عراقي مهم يعمل في سجن أبو غريب فإن أكثر من 68 جنديًا أمريكيًا قتلوا جراء القصف وأن الصواريخ استهدفت ثكناتهم العسكرية بالتحديد إلا أن القوات الأمريكية قامت قبل ليلة واحدة فقط بتحويل أكثر من 500 أسير وأسيرة إلى الجهة الشرقية من السجن للاحتماء بهم كعادتها في التترس بالنساء والأطفال والمعتقلين؛ مما أدى إلى مقتل عدد من السجناء، فيما قامت الشرطة العراقية بإيصال جثمان فاطمة إلى منزلها الكائن في قرية الذهب الأبيض 45 كم بمنطقة أبو غريب، وبسبب الحالة النفسية لذوي فاطمة لم يستطع مراسلنا هناك من إجراء لقاء مع ذويها إلا أن جارهم تكلم مع مراسلنا فقال: [سبحان الله لقد كان أخو فاطمة الأكبر- وهو أحد المجاهدين الذين تبحث عنهم قوات الاحتلال - في صلاة العشاء ليلة الخميس الماضي بالمسجد، وأثناء القنوت صار يدعو ببكاء حار وكل من في المسجد كان يسمعه وهو يقول اللهم اقبض روحها، اللهم خذها إليك شهيدة، اللهم إنه العار فاغسله، أنت قادر أنت قادر أنت قادر، فقام إليه أحد المصلين بعد انتهاء الصلاة ووبخه على قوله اللهم إنه العار فاغسله، وقال له: بل قل إنه الشرف فارفعه وأكرمه، نحن من تنطبق علينا كلمة العار لا فاطمة إنها أشرف وأزكى وأطهر فتاة وأنا أطلب يدها منك بعد خروجها من السجن إن شاء الله.
وأكمل ذلك الجار لمراسلنا قائلاً: لقد شن أخو فاطمة مع مجموعته القتالية أكثر من خمسين هجومًا صاروخيًا على السجن بعد رسالة فاطمة وقبلها، وكل يوم يصطاد سيارة أو اثنتين من سيارات الاحتلال وأصبح اسمه عندهم في تلك المنطقة مشهورًا كشهرة الزرقاوي].(2/169)
وأما فاطمة فحدثتنا عنها زوجة هذا الجار فتقول: [قبل اعتقالها بشهر وزعت فاطمة حلوى وأصابع العروس وهي أكلة عراقية شعبية معروفة على أهالي الشارع بسبب أنها أكملت حفظ 13 جزءًا من القرآن الكريم وكانت تقول للنساء: 'البقرة وحفظناها ؟ باقي القرآن هيّن الحفظ.. امنحوني ثلاثة أشهر أخرى وسترون من الأحسن أنا أم الشيخ خالد '، والشيخ خالد هو إمام مسجد الحي الذي تسكن فيه فاطمة وتصفها تلك السيدة بقولها: إنها كانت تستحي من كل شيء وأذكر مرة في حفلة زفاف لأحد شباب المنطقة أن بقية البنات طلبن منها أن تخلع حجابها حيث لم يكن بيننا رجال ولكنها رفضت هذا من شدة حيائها].
فيما ذكر مراسلنا هناك أن فاطمة شيعت عند الساعة الواحدة ظهرًا من هذا اليوم الجمعة وسط تهليل وتكبير من الأهالي وخلت جنازتها من إخوتها أو أبيها بسبب خوفهم من قوات الاحتلال من أن تلقي القبض عليهم حيث إنهم مطلوبون لديهم حيث إن القوات الأمريكية كانت تطوق الجنازة من المنزل إلى المقبرة.
ويذكر التقرير الطبي أن إصابتها كانت في الرأس وكانت إصابة مميتة فارقت الحياة حال إصابتها بسرعة.
الآن هناك أعلام بيضاء ترفع على دار فاطمة حيث قام أهالي المنطقة باستقبال المعزين في دارها وكأن فاطمة الآن تقول في قبرها لكل المعزين:
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
فاطمة الآن ترقد في قبرها في مقبرة الكرخ الإسلامية غرب بغداد وقد أبكت الملايين من خلال رسالتها والتي استغاثت فيها بمن يغيث صرخة ' وامعتصماه ' غير أنا في زمن قلّ فيه من يسمون بالرجال.(2/170)
وتتقدم أسرة 'مفكرة الإسلام' بتعازيها إلى شعب العراق الحر والذي أصبحت له فاطمة رمز شرف وعز يفتخر بها العراقيون في كل مجمع ومحفل حتى أن قصتها أصبحت على لسان الصغير والكبير والذكر والأنثى ونرجو من الله أن يجمعها وذويها وإيانا في جنة عرضها السماوات والأرض، ونسأل الله أن ينطبق عليها وعد النبي - صلى الله عليه وسلم -: ' ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر' أخرجه أحمد.
وأخيرًا نعيد نشر رسالة فاطمة والتي كان تفاعل الجميع معها كثيرًا مع أنه بقي الكثير من 'الفواطم' في سجن أبو غريب:
بسم الله الرحمن الرحيم
[قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ]
اخترت هذه السورة الكريمة من كتاب الله؛ لأنها أشد وقعًا على نفسي ونفسكم ولها رهبة في قلوب المؤمنين خاصة.
إخوتي المجاهدون في سبيل الله.. ماذا أقول لكم؟! أقول لكم: لقد امتلأت بطوننا من أولاد الزنى من الذين يغتصبوننا من أبناء القردة والخنازير؟! أم أقول لكم: لقد شوهوا أجسادنا وبصقوا في وجوهنا ومزقوا المصاحف التي في صدورنا؟ الله أكبر... هل أنتم لا تعقلون حالنا؟!! هل حقيقة أنكم لا تعلمون ما بنا؟!! نحن أخواتكم، سيحاسبكم الله يوم غد.
والله لم تمضِ ليلة علينا ونحن في السجن إلا وانقض علينا أحد القردة والخنازير بشهوة جامحة مزقت أجسادنا، ونحن الذين لم تفض بكارتنا خشية من الله، فاتقوا الله، اقتلونا معهم... دمرونا معهم، ولا تدعونا هكذا ليحلو لهم التمتع بنا واغتصابنا كرامة لعرش الله العظيم.. اتقوا الله فينا، اتركوا دباباتهم وطائراتهم في الخارج، وتوجهوا إلينا هنا في سجن 'أبو غريب'.(2/171)
أنا أختكم في الله [فاطمة]، لقد اغتصبوني في يوم واحد أكثر من 9 مرات، فهل أنتم تعقلون؟ تصوروا إحدى أخواتكم يتم اغتصابها! فلماذا لا تتصورون وأنا أختكم؟! معي الآن 13 فتاة كلهن غير متزوجات يتم اغتصابهن تحت مسمع ومرأى الجميع.
وقد منعونا من الصلاة، لقد نزعوا ثيابنا ولم يسمحوا لنا بارتداء الثياب. وأنا أكتب لكم هذه الرسالة انتحرت إحدى الفتيات والتي تم اغتصابها بوحشية، حيث ضربها جندي بعد أن اغتصبها على صدرها وفخذها، وعذبها تعذيبًا لا يصدق، فأخذت تضرب رأسها بالجدار إلى أن ماتت، حيث لم تتحمل، مع أن الانتحار حرام في الإسلام، ولكني أعذر تلك الفتاة أرجو من الله أن يغفر لها؛ لأنه أرحم الراحمين.
إخوتي أقول لكم مرة أخرى: اتقوا الله، اقتلونا معهم لعلنا نرتاح، وامعتصماه.. وامعتصماه.. وامعتصماه'.
ويقول مراسل ' مفكرة الإسلام ' هناك أن من العجائب في هذه القصة أن الرسالة خرجت من السجن يوم الجمعة ووصلت إلينا في نفس اليوم ولم تنشر سوى يوم السبت بعد التحقق منها فالاستغاثة انطلقت يوم الجمعة وشهادتها بإذن الله - كانت في يوم الجمعة بعد ثلاثة أسابيع، كما أن أمنية فاطمة - رحمها الله - أن تنالها قذائف المقاومة لترتاح من العذاب الذي هي فيه وأخواتها حيث هتك الأعراض المستمرة والموت البطيء الذي يلحق بهن، وقد حقق الله أمنيتها.
26/11/1425هـ
http://www.awda-dawa.com المصدر :
============
رسالة إلى طالب العلم
أيمن سامي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فضل العلم ومكانة العلماء:
أولا ً من كتاب الله:
1 ـ قال - تعالى -: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما ً بالقسط} [سورة آل عمران: 18]
2 ـ قال - تعالى -: {وقل رب زدني علما ً} [سورة طه: 114]
3ـ قال - تعالى -: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [سورة فاطر: 28]
4 ـ قال - تعالى -: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [سورة الزمر: 9](2/172)
5 ـ قال - تعالى -: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [سورة المجادلة: 11]
ثانيا ً من السنة:
1 ـ في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « من يرد الله به خيرا ً يفقه في الدين »
2 ـ في السنن الأربعة إلا النسائي عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « من سلك طريقا ً يلتمس فيه علما ً سهل الله له طريقا ً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا ً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ً ولا درهما ً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر »
3 ـ في صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « بينا أنا نائم إذ أوتيت بقدح فيه لبن، فشربت حتى إني لأرى الري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم »
4ـ في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -، قال: ضمّني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدره وقال: « اللهم فقّه في الدين »
ثالثا ً من أقوال السلف:
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لكميل بن زياد: يا كميل العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت حرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والمال يزكوا بالإنفاق، وقال ناظما ً:
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حيا ً به أبدا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء
من آداب طالب العلم:
1ـ الإخلاص.
2ـ تقوى الله.
3ـ الحرص.
4ـ الصبر.
5ـ الأخذ عن العلماء..(2/173)
يظن الغمر أن الكتب تهدي *** أخا فهم لإدراك العلوم
وما يدري الجهول بأن فيها *** غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخ *** ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى *** تصير أضل من توما الحكيم
فالعالِم: يقصر لك العمر، ويسدد لك الفهم، وتتعلم منه الأدب.
6ـ العمل بالعلم:
العلم يهتف بالعمل *** فإن أجاب وإلا ارتحل
وهذه جملة من الآداب:
أخي لن تنال العلم إلا بستة *** سأنبيك عنها ببيان
ذكاء وحرص وافتقار وغربة *** وتلقين أستاذ وطول زمان
كيفية طلب العلم:
1 ـ البدء بكتاب الله.
2 ـ تقديم فروض الأعيان على غيرها.
3 ـ دراسة أصول الفنون أولا ًثم التوسع بعد ذلك.
4 ـ حفظ مختصر في كل فن تدرسه.
5 ـ عدم الانتقال من مختصر إلى آخر بلا سبب.
مراحل مقترحة في طلب العلم:
1ـ حفظ كتاب الله.
2ـ في العقيدة: الأصول الثلاثة ثم كشف الشبهات ثم كتاب التوحيد ثم العقيدة الواسطية ثم الحموية ثم التدمرية ثم شرح الطحاوية.
3ـ في الفقه: العمدة ثم المقنع ثم الكافي ثم المغني.
4ـ في أصول الفقه: الأصول من علم الأصول ثم روضة الناظر.
5ـ في التفسير: القواعد الحسان ثم تيسير الكريم الرحمن ثم تفسير القرآن العظيم ثم تفسير القرطبي.
6ـ في الحديث: الأربعين النووية ثم عمدة الأحكام ثم الكتب الستة.
7ـ في مصطلح الحديث: البيقونية ثم نخبة الفكر ثم الباعث الحثيث.
8ـ في النحو: الآجرومية ثم ملحة الأعراب ثم قطر الندى ثم ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل.
9ـ في السيرة والتاريخ: الفصول لابن كثير ثم الرحيق المختوم ثم زاد المعاد ثم التاريخ للطبري.
وبعد فهذا المنهج اجتهاد بشري فإن أخطأت فرحم الله من أهدى إلي عيوبي.
http://saaid.net المصدر:
============
أحدٌ..... أحدْ رسالة إلى بلالٍ الحبشي مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أنس إبراهيم الدغيم
أتيتُ إليك يحملني السؤالُ
فخذْ بيدي و قلْ لي يابلالُ
أتيتَ و فيك جوع الأرض يمشي(2/174)
فكيف مشتْ بسيرتك الرحالُ
و كيف تقاطرتْ كفاك مجداً
وليس لديك مالٌ أو عيالُ
إذا عاش الفقير بقلب ليثٍ
فليس يضيره أنْ قلَّ مالُ
وإن عاش الغنيُّ على الدنايا
ففوق عظامه ترسو النعالُ
بلالُ أرى حروفي ليس ترقى
إليكَ و ليس يسعفني المقالُ
وإنّك في دمي لحنٌ عميقٌ
على أنغامه تغفو الرمالُ
و صوتك حين تنثره البوادي
سحابٌ في رؤى قفري ثقالُ
أذانك لم يزلْ في الأرض حياً
و في عرض السماء له مثالُ
تفور به مآذننا و تشدو
بنجواه الروابي و التلالُ
طعمتَ الرّقّ حتى قيلَ عبدٌ
و فوق الرقّ تحملك الخصالُ
و جئتَ إلى رسول الله حراً
و قمتَ إليه حين الناسُ مالوا
وقلتَ ( الله أكبر)فاستبيحتْ
ظلالُ الشركِ و اهتزّتْ قلالُ
فثارتْ في قريشَ سيوفُ قهرٍ
على شفراتها سكن الوبالُ
جروحك يا حبيبي حرُّ نارٍ
( أميةُ) في لظاها ما يزالُ
إذا ( أحدٌ) تهادتْ منك مادت
على أطراف مكّتهم جبالُ
إذا ( أحدٌ) لها (أحدٌ)فأهونْ
بما تلقاه في الله الرجالُ
بلالُ يراعيَ المحمومُ كهلٌ
و ليس إلى الوفاء هنا مجالُ
و للحبشيّة السمراء دينٌ
على حرفي فهل يرجى و صالُ؟
بلالُ سوادُ وجهكَ عند ربي
هلالٌ لا يجاريه هلالُ
و لونكَ كان في ماضيك شيئاً
و لكنْ عاش في غده الجمالُ
http://www.odabasham.net المصدر :
============
رسالة إلى حاسد
الخطبة الأولى:
أما بعد...(2/175)
فاتقوا الله عباد الله وطهروا قلوبكم من الأمراض والآفات والرذائل والآثام فإن القلب سيد الجوارح فهي منقادة له يستعملها ويستخدمها كيف شاء فالجوارح آلات له في سعيه وسيره ومنه أي من القلب تكتسب الجوارح الاستقامة أو الضلالة ويشهد لهذا ويدل عليه ما أخرجه الشيخان عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) (1).فالقلب أشرف الأعضاء وأعظمها خطراً وأكثرها أثراً وأدقها أمراً وأشقها إصلاحاً، فبالقلب يسير العبد إلى ربه ويتعرف عليه فهو العامل لله والساعي والمتقرب إليه، ولما كانت هذه منزلته ومكانته كان زلله والعياذ بالله عظيماً خطيراً وزيغه فظيعاً، أدناه قسوة وميل عن الله - تعالى -ومنتهاه ختم وطبع وكفر بالله - تعالى -ولذا فإن آكد ما يجب عليك يا عبد الله أن تصلح قلبك وأن تطهره من الآفات والآثام التي تهلك القلب وتوبقه فإن الأمر كما قال الأول:
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة *** و إلا فإني لا إخالك ناجيا
أيها المؤمنون إن من أخطر الآفات التي تفسد القلب وتصرفه عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه الحسد.(2/176)
ذلك الداء من أعظم الأدواء والابتلاء به من أشد البلوى يحمل صاحبه على مراكب الذنوب والآثام ويبعده عن منازل أهل التقوى والإيمان، فلله ما أعظمه من بلاء ما دخل قلباً إلا أفسده وأعطبه وأفسد عليه حاضره ومستقبله. والحسد داء قديم حتى قيل: إنه أول ذنب عصي به الله - تعالى -وليس ذلك ببعيد. أيها المؤمنون إن المرء بالحسد يقع في ألوان من الذنوب والآثام أعلاها الكفر بالله وأدناها كراهة الخير لعباد الله فلله كم جر الحسد على الخلق من الرزايا والبلايا، فهل أخرج إبليس عن فضل الله ورحمته إلى سخطه ولعنته إلا الحسد؟ وهل قتل قابيل أخاه هابيل إلا بالحسد؟ وهل أعرض أكثر صناديد الكفر عن اتباع الأنبياء والرسل إلا بالحسد؟ وهل نقم اليهود والنصارى على أمة الإسلام إلا لأجل الحسد؟ وهل استطال أقوام لبسوا لباس السنة والاتباع في أعراض أهل السنة من العلماء والدعاة وأهل الصحوة والدعوة إلا حسداً على ما آتاهم الله من فضله كما قال الله - تعالى -: ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (2).
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا *** سعيه فالقوم أنداد له وخصوم(2/177)
أيها المؤمنون إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذر أمته الحسد وعظم أمره في أحاديث كثيرة منها ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ))(3) رواه الشيخان واللفظ لمسلم، وقد بين لنا - صلى الله عليه وسلم - شدة إفساده لدين العبد فقال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه الترمذي بسند لا بأس به عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء وهي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر ))(4).
وقد أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - إفنائه للحسنات وإفساده للطاعات فعن أبي هريرة وعبد الله بن كعب - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب))(5) رواه أبو داود وغيره بسند جيد.
أيها المؤمنون إن الحسد الذي ورد في السنة ذمُّه والتحذير منه، هو أن يحب المرء زوال نعمة الله عن المحسود. أما محبة مساواة غيره في الخير والفضل أو حتى الامتياز عليه كأن تحب أن يكون لك من الخير والفضل كما لفلان أو أفضل منه دون أن تزول النعمة عنه فهذا من التنافس في الخير وليس من الحسد المذموم ومنه قوله - تعالى -عند ذكر نعيم الجنة: ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)(6) ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق))(7) رواه الشيخان.
عباد الله احذروا الحسد فإنه داء عضال فتاك لا يوقر كبيراً لكبره ولا شريفاً لشرفه ولا عالماً لعلمه بل يطرق قلب الصغير والكبير والشريف والوضيع والعالم والجاهل فطهروا قلوبكم منه واحرصوا على قطع أسبابه وإزالة دواعيه فإن النجاة منه فوز أكيد(2/178)
فإن تنج منه تنج من ذي عظيمة *** و إلا فإني لا إخالك ناجيا
أيها المؤمنون؛ إن مما يزهدك في الحسد ويعينك على تركه أن تعلم أن الحاسد مضاد لله - تعالى -ومحاد له في قدره وشرعه فبالحسد سخطت قضاء الله - تعالى -وكرهت نعمته التي قسمها بين عباده واعترضت على عدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته ولطيف صنعه فاستنكرت ذلك واستبشعته، وهذا والله نقص في توحيد الله الواحد الديان، وقذى في عين الإيمان.
فلله ما أخبث هذه النفس التي عصت الله في أمره، وتقدمت بين يديه في قضائه، وقدره ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(8).
ومما يعينك أيضاً على تطهير قلبك من هذه الخطيئة أن تعلم أن الحاسد أول ضحايا الحسد، فإن الحاسد معذب مهموم مغموم حتى قيل: لم نرَ ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد. وقد وصف بعضهم حال الحاسد فقال: طول أسف ومحالفة كآبة وشدة تحرق فهو مكدر النعمة لا يجد لها طعماً، يرى كل نعمة على الخلق نقمة عليه، فهو طويل الهم دائم السخط منغص العيش، وهذه عاجل عقوبته؛ هم وغم بغير اجتلاب دنيا مع ذهاب الدين فلا دنيا حصل ولا ديناً أبقى، ولذا فإن بعض المحسودين يدعو الله أن يبقي حساده ليطول عذابهم حتى قال أحدهم:
أبقى لي الله حسادي وغمهم *** حتى يموتوا بداء غير مكنون(2/179)
ومما يعيننا أيها الإخوة على تطهير قلوبنا من الحسد أن نعلم أن الحسد يهيج أنواعاً من الذنوب والخطايا فيكثر شركك ومعاصيك، فبالحسد تقع في الغيبة، وبه تتبع عورات المسلمين بل عورات المتقين والعلماء العاملين والدعاة الناصحين فتبحث عن السقطة والزلة وتشيع الهفوات و الهنات بحجة النقد وبدعوى التصحيح والنصح وغير ذلك من الدعاوى التي يتشبث بها بعض مرضى القلوب مما عشش في قلوبهم من الغل والحسد والحقد ويأبى الله إلا أن يذل ويفضح من عصاه
تكاشرني كرهاً كأنك ناصح *** وعينك تبدي أن قلبك لي دوي
بدا منك عيب طالما قد كتمته *** أذابك حتى قيل هل أنت مكتوي
ومما يعيننا على محاربة الحسد والتخلي منه علمنا أن الحاسد مخذول محروم فلا يكاد يظفر بمراده ولا يظفر على عدوه فالحسود غير منصور إذ إن مراده زوال نعم الله عن عباده المسلمين وأعداؤه هم من المسلمين أو المؤمنين وقد قال الله - تعالى -: ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )(9).
ومن أعظم ما ينفع المرء ويعينه على ترك الحسد القناعة بما قسم الله - تعالى- و قضى ، فإنه - سبحانه - أعلم بمحالِّ فضله وجوده، فطب أيها المؤمن نفساً بقسمة الله وقر عيناً بقضائه وقدره فإنه عزيز حكيم عليم خبير.
ومما يعينك على كسر سَورة الحسد وفل غربها معاملة المحسود بنقيض ما يقتضيه الحسد من قول أو فعل فكف عنه الأذى وابذل له الخير والندى عسى الله أن يعينك على التخلص من هذا الداء الدوي وأحبه على ما تلقى من جراء ذلك فإنه من لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء
فالصبر كأس مر مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل
الخطبة الثانية
أما بعد..
فاعلموا أيها الإخوة أن الحسد فاشٍ منتشر في قلوب كثير من الناس حتى قال أحدهم في وصف كثرته وانتشاره:
ولم أر مثل اليوم أكثر حاسداً *** كأن قلوب الناس في قلب واحد(2/180)
وسر هذا الانتشار هو إقبال الناس على الدنيا التي فتنوا بها حتى أخذت بمجامع قلوبهم فعليها يوالون وعليها يعادون، والدنيا مهما اتسعت فإنها لن تسع الناس جميعاً ، ولذا يتزاحم الناس عليها وعلى المنازل فيها ولو فطن هؤلاء إلى ما ينفعهم لكفوا أبصارهم عنها و لمدوا أنظارهم إلى فضل الله ومنه وكرمه الذي وسع كل شيء، فإن خزائن فضل الله ورحمته ومنه وكرمه لا تنفد وبحور جوده وعطائه وهباته لا تنضب فاسألوا الله من فضله كما أمركم بذلك فإنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع قال الله - تعالى -: ( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(10).
أيها المؤمنون إن الله - سبحانه وتعالى - أمركم بالاستعاذة من شر الحساد فقال - تعالى -: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)(11) شر وضرر متعدد وهذه السورة من أكبر أدوية الحسد ولذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم وما ذلك إلا لما فيها من عظيم النفع وكبير الدفع للشر وأسبابه فاحرصوا عليها وعلى عامة الأذكار فإنها من أسباب دفع شر الحاسد.
ومن أسباب دفع شر الحاسد تقوى الله - تعالى - فإنه من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.
ومن أسباب دفع شر الحاسد التوكل على الله فإنه من يتوكل على الله فهو حسبه أي كافيه ومانعه.(2/181)
ومن أسباب دفع شر الحاسد التوبة إلى الله - تعالى -من الذنوب والمعاصي فإن التوبة من أعظم أسباب زوال الشر والفساد قال ابن القيم - رحمه الله -: (فليس للعبد إذا بغي عليه أو أوذي أو تسلط عليه خصم شيءٌ أنفع من التوبة النصوح) فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
ومن أسباب زوال الحسد وشر الحاسد والباغي والموذي، الإحسان إليه فكلما ازداد أذىً وشراً وبغياً وحسداً ازددت أيها الراشد إليه إحساناً وله نصيحة وعليه شفقة قال الله - تعالى -: ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )(12).
وما أجمل ما قاله الأول:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
--------------
(1) أخرجه البخاري باب فضل من استبرأ لدينه (رقم 52) ومسلم باب أخذ الحلال وترك الشبهات (رقم 1599).
(2) النساء: 54.
(3) أخرجه البخاري كتاب الأدب (رقم 6064) ومسلم في البر والصلة والآداب (رقم 2559).
(4) أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع (رقم 2510).
(5) أخرجه أبو داود في الأدب (رقم 4903).
(6) المطففين: 26.
(7) أخرجه البخاري في العلم (رقم 73) و أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (رقم 816) من حديث ابن مسعود، وابن عمر - رضي الله عنهم -.
(8) الزخرف: 32.
(9) الحج: 38.
(10) النساء: 32.
(11) الفلق: 1 - 5.
(12) فصلت:34.
http://www.almosleh.com المصدر :
============
رسالة إلى العالم الحر !
فاطمة محمد عبد المقصود
يتقزم في أعينكم عالمنا.. نصير دمىً في أيديكم.. نصغر نصغر.. حين نمد إليكم أيدينا نتوسل.. نستجدى.. نصافح تلك الأيدي المصبوغة دماً ونقبلها خوفا.. رهباً.. أو ربما حباً!(2/182)
وتصيرون بأعيننا عمالقة.. مغولاً.. أو يأجوج و مأجوج.. نتودد بالطاعة.. نتضرع.. نتوسل.. تصيرون لعالمنا حكاما وقضاة وتشرعون لنا.. نخشاكم فتزدادون تجبراً.. نتذلل فتدكون علينا الحصون..
وتقولون بأن العالم في قبضة أيديكم، وتفرحون بالدنيا كقارون.. تنادون الشعوب للحرية وتكممون أفواه من ينطق منا.. ترفعون شعارات خادعة وتقولون بأنكم الأحرار.. يكفى تمثال الحرية.. نِعْمَ الأحرار!
لن أتحدث عن ماضيكم فذا إن شئتم يحتاج لآلاف الأوراق.. تلك حضارة؛ ولا يصح أن يقال حضارة.. قامت على الجماجم والأشلاء، وإن نسيتم فانظروا لفيتنام مرة وانظروا أخرى إلى اليابان، فهذا قليل من كثير من مآثر ماضيكم.. !
أما حاضركم المشرق؛ يا مدعى حقوق الإنسان.. ويا متزعمي أحرار العالم.. ويا دعاة التقدم الحضاري.. ويا أنصار السلام.. أقدم لكم صورة حية من عدلكم وإنصافكم الحضاري.. !
إنها قصة شعبين يذبح كل منهما بأيديكم البيضاء!.. تمدون عصابة من السفاحين القتلة بأحدث أسلحة فتاكة ليبيدوا شعبا لا ذنب له إلا أنه شعب فلسطين.. وتحاصرون شعبا آخر وتمنعون عنه الغذاء والدواء والكساء وتقتلونه قتلاً بزعم أن حاكمه كان يمتلك الأسلحة النووية!
أوَ أحرار أنتم في دنيا الناس.. ؟ بل أنتم شيطان أكبر.. ! فليتعلم منكم إبليس.. هو حقا منكم أصغر.. !
لكن ما ارتفعت أعناقكم إلا بانحنائنا.. ما صرتم فراعين إلا بصمتنا وخضوعنا.. فلا تفرحوا كثيرا؛ غدا تزحف من كل الدنيا رجال عقيدتنا الشماء؛ ليحطموا الصنم ويرجموا الشيطان وتعود الحرية لنا حقا..
24/04/1425
12/06/2004
http://www.lahaonline.com المصدر:
==============
رسالة الإعلامي المسلم ..!
عندما يلحق وصف "المسلم" بأمر ما فقد لحق به أكرم الأوصاف..ولحقت بالموصوف تبعا لذلك مسؤوليات عظيمة تليق بما وصف به!(2/183)
الإعلام المسلم اليوم هو أمل كل حرّ برّ نقيّ يريد صدقا وعفة قلم، وعزما مضاءً وقوة بأس، وسط أمواج متلاطمة من الكذب والإثارة والإرجاف.. !
وعلى كل من ينتسب إلى هذه الإعلام أن يتحمل أمانته ويؤدي رسالته، متعبدا لله - عز وجل - بالجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، وبيان الحق، وفضح الظلم، ومراغمة قوى البغي والإفساد في الأرض.. !
يخطئ كثيرا ويخسر كثيرا من ينتسب إلى هذا الإعلام لمجرد نفع دنيوي أو غاية محدودة؛ بل هو ثغر عظيم له أكبر الأثر اليوم في الدعوة إلى الله على بصيرة، والجهاد الحق الرشيد، ونصرة المستضعفين، ونشر الوعي بقضايا الإسلام والمسلمين.
أما من عرف دوره كمسلم يدين بالعبودية لله - عز وجل -، ويحققها امتثالا في كل ميادين الحياة.. فهذا الذي تتحقق به رسالة الإعلام المسلم وتنمو وترتقي!
ما أحوجنا إلى إعلام صادق اللهجة، قوي الحجة، شديد التأثير، لا تنقصه الخبرة والحنكة، ولا تستخفه أراجيف المبطلين، يملأ الدنيا خيرا ونورا، كما يملؤها إعلام الطغاة والبغاة بهتا وزورا، وإعلام المتحللين مجونا وفجورا.. !
وما أشد حاجة هذا الإعلام إلى "رجال" يفقهون معنى انتمائهم للإسلام، ودورهم في إخراج العالمين من الظلمات إلى النور، ونصرة المستضعفين في الأرض، ومصاولة قوى الشر والفساد.. التي لن تقوى أمام إعلام هؤلاء رجاله وهذه رسالته، مهما امتدت واشتدت جولة الصراع بينهما؛ لحكمة في علم المولى القدير!
06/11/1425
18/12/2004
http://www.lahaonline.com المصدر:
============
رسالة إلى فنان
عائض القرني(2/184)
يقول - سبحانه وتعالى -: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف ". (آل عمران: الآية 110)، هذه الأمة كانت فيما مضى تخرج للناس العلماء والزعماء والشهداء والأدباء، في حين كان الغرب يخرج للناس قطاع الطرق، ومروجي الجرائم، ومهربي المخدرات، وسفكة الدماء.. فتغير الحال، والحمد لله على كل حال! فأصبحت هذه الأمة تخرج الفنانين والفنانات، والمغنين والمغنيات، وأصبح الغرب يخرج المخترعين والمكتشفين والأطباء والمنهدسين.
فماذا فعل الفن بنا؟ وماذا فعلنا مع الفن؟
أطل سهر العيون فكل نوم
لغيرك أيها المولى حرام
وأسمعني حديث الوصل سبعاً
رضيت لك السرى والناس ناموا
تغير الحال بهذه الأمة فأصبحت في المؤخرة بعد أن كانت رائدة.
وأصبحت في الحضيض بعد أن كانت في القمة.
وأصبحت مقادة بعد أن كانت قائدة.
كم صرّفتنا يد كنا نصرفها
وبات يملكنا شعب ملكناه
هنا قضايا مع الفنانين:
أولها: أنهم يسمون أحدهم الفنان الصاعد. وهو صاعد، ولكن إلى الأسفل! ويسمونهم النجوم، وهي النجوم اللامعة ولكن بلا نور!
ووسائل الإعلام تحييهم وتشعل نورهم صباحاً ومساءاً، في تطفئ أنوار العلماء وطلبة العلم والدعاة.
فما هو مردود الفن على الأمة؟
يا مسلمون! يا عقلاء! يا فطناء.. هل رفع الفن عن العالم الإسلامي الفقر، والتخلف، والجوع، والبدع، والخرافات؟ هل علّم الفن الجهلة في الضواحي وفي البوادي؟ هل أطعمهم من جوع؟ وألبسهم من عرى؟ وسقاهم من ظمأ؟ هل نفعت الملايين التي تهدر للفنانين والفنانات في بناء المساجد والمدارس والمستشفيات؟
هل رد لنا الفن فلسطين؟ والألوف المؤلفة من المسلمين تتحلق حول الفنان المعاصر، والفنانة الواحدة، وهل أعاد لنا الفن الأندلس؟ وهل ملأ الفن مصانعنا بالطائرات؟ وهل ملأها بالأجهزة الحديثة المتنوعة التي كلها مستوردة من عدونا، ولا زالت الوسائل الإعلامية كل يوم تقول: بشرى بالفنان الصاعد الذي خرج إلى النور بفنه وصوته الجميل.(2/185)
الصوت الجميل الذي خلقه الله له، يقول - سبحانه وتعالى -: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم". (التين: الآية4) قال مجاهد: الصوت الجميل.
فهو الذي منح الصوت الجميل، وهل منحه للعاشقين وللمغنين؟
لا بل منحه لحكمة. فالصوت كقوة الجسم وقوة الذاكرة والمال والولد، إذا لم يصرف عنه في طاعة الله فلا خير فيه، وسوف يحاسب عليه العبد.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منّا من لم يتغنَّ بالقرآن". (أخرجه البخاري)، والمقصود: يصرف صوته الجميل في ترتيل القرآن.
كان أبو موسى - رضي الله عنه - وأرضاه، جميل الصوت، يسلب الألباب بصوته... فهل جعله - صلى الله عليه وسلم - يردد قصائد الغزل والمجون؟ لا بل جعله قارئاً.
مر - صلى الله عليه وسلم - في الليل فسمع صوته، فوقف - صلى الله عليه وسلم - وقتاً طويلاً يستمع له.. وقال: "يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لصوتك". (أخرجه البخاري ومسلم)، قال يا رسول الله، إنك كنت تستمع لقراءتي؟ قال: " إي والذي نفسي بيده "، قال أبو موسى: والله الذي لا إله إلا هو يا رسول الله، لو علمت أنك كنت تستمع لي لحبّرته لك تحبيراً(1) أي: حسّنته وجملته وجعلته بديعاً.
فالصوت الحسن يصرف في كلام رب الأرض والسماوات، يرتل به القرآن، يتغنى بكتاب الله ولا يتغنى بغيره. ثم قولوا لي: ما هي مهمة الفنان في الحياة؟ فالمهندس عرفنا جهده، وهكذا الطبيب، والعامل، والتاجر، والفلاح، والجندي، ما عدا هذا الفنان الذي لا يعرف فائدة عمله أبداً... إلا أن يكون هدم المجتمع، وتدمير الأخلاق، ودغدغة المشاعر، واستثارة الغرائز، وتحبيب الفاحشة للناس، والتهجم على الأعراض، وتقريب الزنا، وتضييع شباب الأمة.
هذه مهمة الفنانين في الحياة.(2/186)
فهل كان محمد - صلى الله عليه وسلم - مسؤولاً عن إخراج جيل فنان، لاهٍ، لاعب، لا يعرف دينه، ولا مهمته في الحياة؟ لا والله، ما بعث إلا لإعزاز بلاد التوحيد، ولنشر الفضيلة في العالم.
بلاد أعزتها جنود محمد
فما عذرها ألا تعز محمدا
دماء المسلمين في فلسطين، وفي أفغانستان، وفي كل بلد من بلاد الرحمن تسأل، والعزف والغناء في البلاد الأخرى يصدح ويعلو، أهذا حق؟
دم المصلين في المحراب ينهمر
والمسلمون بلا ردع ولا خبر
إذا تفاخر بالأهرام منهزم
فنحن أهرامنا سلمان أو عمر
أهرامنا شادها طه دعائمها
وحي من الرحمن لا طين ولا حجر
هذه أهرامنا، وهذا فننا، وهذه نجومنا.. أبو بكر وعمر ومالك وأحمد وابن تيمية وابن القيم.
أما هؤلاء السقطة فليسوا نجوماً لأمة الإسلام، وإنما عملاء ومخربون في دار الإسلام.
تجد بعضهم قد بلغوا الثمانين من العمر وهم يغنون:
ويقبح بالفتى فعل التصابي
وأقبح منه شيخ قد تفتّى
ويقول الآخر:
هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها
ما بل أشيب يستهويه شيطان
كثير من أهل العلم ومن الصالحين لبسوا الأكفان في الستين من عمرهم، قال سفيان الثوري: من بلّغه ستين سنة فليلبس كفناً وليتهيأ لدخول القبر.
فأولى الناس بالتكريم هم الذين يقدمون العلم والإنتاج للناس، ويريحونهم بجهودهم، ويذبون عن مصالحهم، ويسعون في استقرار الأمن في البلاد، وطرد الجرائم والفواحش من حياة الأمة. هؤلاء هم أولى الناس بالإكرام والتبجيل... لا هؤلاء السقطة والجموع الهادرة، والألوف التي تقف في المدرجات وتحيي الفنانين وتصفق لهم، وتضيع الليالي والصلوات، ولا تحضر الدروس ولا المحاضرات، ولا الجمع ولا الجماعات، والله أعلم.
• نماذج من كلمات المفسدين:
1. يقول أحدهم في أغنية ذكرها ابن الجوزي في "صيد الخاطر ":
أيا ربي تخلق أغصان رندٍ
وألحاظ حورٍ وكثبان رمل
وتنهى عبادك أن يعشقوا
أيا حاكم العدل ذا حكم عدل(2/187)
يقول: يا رب لماذا تخلق أغصان الشجر الجميل؟ ولماذا تخلق الألحاظ الجميلة، والعيون الناعسة والدعج؟ ولماذا تخلق النهود والخدود؟ ثم تنهانا أن ننظر إليها... وأن نعشق.
فهذا ظلم! وليس بعدل.
قال أهل العلم: من قال هذا واعتقده فقد كفر، وخرج عن الإسلام.
2. ويقول الثاني وهو عند المقام يدعو بعد أن قالوا له: تب من الهوى، فقال:
أتوب إليك يا رحمن مما
جنت نفسي فقد كثرت ذنوب
وأما من هوى ليلى وتركي
زيارتها فإني لا أتوب!
والله أعلم، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وهذا آخر ما أردت تسطيره في هذه الورقات، أسأل الله أن ينفع بها الجميع، والحمد لله رب العالمين، و- صلى الله عليه وسلم - وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
______________________
(1) راجع تفسير ابن كثير (3/77-78) وهذه في غير الصحيحين.
المراجع د. عائض القرني، للشباب خاصة، ص 227-232
http://www.tarbawi.com المصدر :
=============
مدمن تائب رسالة إلى أمي العزيزة يرحمها الله
يوسف الصالح
هذه رسالة من أعماق قلبي ومن كل جوارحي، بكل أيام الألم والندم والحسرة إنها رسالة اعتذار أقدمها لك من قلب كان في يوم من الأيام كسيف يقطع حياتك ويجرح إحساسك من قلب كان لا يعرف الرحمة وكان عاق في أبسط حقوقك.
أمي الغالية... - يرحمها الله -:
أحسست اليوم بأنني محتاج أن أتقدم لكِ برسالة اعتذار أصدق اعتذاري إلى أحسن أم.. لأنني لم أكن أبدا ذلك الابن الوفي البار في حقك كنت أقابل مجهودك بجحود وقد تربيت في حنانك وصبرك... ولم أرد الجميل إليك....
أسفي يا أمي خانتني العبارة وثقلت الكلمات وضاعت الحروف عندما تذكرتك فالأمر ليس حملاً يطوق عنقي فحسب فأمثالك يا عزيزتي يطوقون أطفالهم بكل المحبة والحنان..
أسفي لك يا أمي وأنت تحت الثرى بأن تسمعي كلماتي وحرقة قلبي وشوقي إليك ونظرة إلى وجهك وقبلة على يدك،(2/188)
أقدم اعتذاري إلى قلبك الحنون لقد عشت حياتك بين انتظار وخوف.. وجلبت لك الليالي السوداء.. وأذقتك قسوة النكران والجحود تلك الصفات التي لا تليق بأي إنسان عاقل أصبحت جميعها ملتصقة بي مثل جلدي بعد أن شملتني غيبوبة الإدمان وعصفت بي عواصف التعاطي حتى ذهب العقل مني وأصبحت مجرد مدمن لا شعور له، ولا إحساس وهل يكفي اعتذاري لك عن ما بدر مني وهل يكفي انشغالي عنك... ؟
سؤال وألف سؤال يدور في خاطري عندما أتذكرك لقد أبعدني الإدمان وحرمني منك لمدة عشرين سنة لقد صارعتني بها الكثير والكثير وحاولت مساعدتي وكنت تحاولين التقرب مني وأنا أبعد عنك.
عزيزتي الغالية...:
لو سالت دموعي حتى جرت بها الأرض لما غسلت ما ألحقته بك من مصاعب وأحزان..
رغم إحساسي الغائب وشعوري المعدوم بسبب تعاطي المخدرات والكحول.. ولا أَنسَ يا أمي عباراتك ودموعك ووصاياك التي لا يمكن أن أنساها، بل أتذكرها... واسمعها حرفا حرفا كنت وفي أثناء التعاطي لا أدري ما تقولين ولم استوعب كل هذه المعاني وأنا تحت تأثير المخدرات والكحول، وقد وصلت سمومها مشاعري وإحساسي وعقلي..
لقد أفقدني هذا السم البغيض البصر والبصيرة كانت المخدرات لعنة أصابتني ببصري ونزعت الرحمة من قلبي..
عزيزتي الغالية:
صحيح أن عيناي مفتوحتان ولكن كنت لا أدري سوي أصدقاء السوء وصحيح أن قلبي كان ينبض ولكن ليس به رحمة.
وافقدني البصيرة فلم أصغ إلى توجيهاتك ونصائحك التي لم اقدر ثمنها في وقتها ولم اعرف قيمتها إلا بعد أن فقدتك وفقدت كل شيء بعد رحيلك عني.
هذه الكلمة ذاتها كنت تعلنيها للناس بأنني في الغد سوف اكبر وتعتمدين على ساعدي الذي حل محل أكتافي.
أمي ماذا عساي أن أقول لك وأنا الذي أرغمتك على الخروج من المنزل في منتصف الليلة الشديدة البرد إلى الشارع.. وأخرجتك من البيت بعد أن قمت بركلك عدة ركلات وأنا تحت تأثير المخدر واستبدلتك بمدمن ليؤنس وحشتي ويرافق وحدتي في المنزل..(2/189)
أقول لك آسف وماذا عسى الأسف أن ينفع وأنا الذي أخذت جميع ما تملكين من الذهب والمال الذي لم يكن أصلا ذا قيمة كبيرة وأنت تتوسلين بأن لا أشتري به مخدرا بل اصرفه فيما يعود علي بالنفع.. سامحيني.. سامحيني.. يا أمي..
أمي الغالية:
أتذكر عندما فاجأتك بأحد أصدقاء السوء وقمت باطلاعه على أثاث المنزل لأنه يرغب في أخذ كل ما في البيت حتى يزودني بالمخدرات حيث أنني اتفقت معه على ذلك مسبقاً..
ونظرتِ إلي بكل حسرة وألم وحرقة أغمي عليك لحظتها لم يحس ضميري لذلك الموقف لن أنسى مثل هذه المواقف وتلك التي لم أذكرها لك.
أتذكر يا أمي كيف كنت أسيطر على السعادة والحزن وكيف كنت أتحكم على حياتك.
وأتذكر كيف كنت تبحثي عن الحلول السريعة لإنقاذي من هذه المشكلة ولكن عطفك وحنانك كان دائماً يساعدني على أن أتعاطي أكثر وأكثر...
سامحيني يا أمي على ما بدر مني من أضرار وسلوك مشين لك ولكن لتعلمي يا أمي بأن حياتي قد تغيرت الآن وأصبحت ذلك الرجل الذي كنت تتمنينه طوال عمرك وقد منحت حياتي لخدمة الجميع ومساعدة الناس لعل الله أن يساعدني..
أمي العزيزة...:
ها أنا الآن ذلك الرجل الذي كنت ترتجينه
لقد أصبحت يا أمي أرتاد المساجد لطلب العلم بدلا من الجلوس على أرصفة الطرقات والبحث عن المخدرات
ودخولي المسجد هو الخطوة الأولى نحو العودة إليك نادما أقبل الأرض التي تمشين عليها وأقدم اعتذاري وأسفي بل أصدق الاعتذار إليك يا أمي
أمي أرقدي حيث أنتي واعلمي بأني سوف أكون ذلك الرجل الذي كنت تتمنينه دائماً إن شاء الله - تعالى -.
رحمك الله يا أمي وأسكنك فسيح جناته،،،
ابنك التائب يوسف الصالح.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
رسالة أبكتني !!
أهدي لك رسالة من قلب محب مشفق إلى أختي في الله وليتها تحدث صدى في مسمعك ويلين لها قلبك…..
أختاه:(2/190)
نزلت دموعي من عيني وانجرح قلبي من هول ما سمعت قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله النامصة والمتنمصة…..) ..
هل أدركتي معنى الحديث؟
أختاه: إذا لم تدركي معناه!! فأنا أذكرك معناه..
- لعن وهي كلمه قالها رب الأرباب لإبليس عندما عصاه بسبب تكبره وعصيانه على الله وأخرج من الجنة بعدما كان مكرماً فيها وحذر ادم - عليه السلام - منه وأنه يجري بالإنسان مجرى الدم ولا شك أن النفس تميل إلى السهل دون الصعب واللذيذ دون المؤلم وتحب الانطلاق وتكره القيود وهذه فطرة الله ولو ترك الإنسان نفسه وهواها وانقاد لها سلك طريق الجحيم الذي فيه كل ما هو لذيذ وممتع تميل إليه النفس فلا تتبعي نفسك هواها كي لا تخسري آخرتك بل قفي نفسك عند الحدود الشرعية وكتاب الله وسنه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وانهي نفسك عما نهى الله ورسوله..
أختاه:
أخاف عليك من النار فلما تفعلين هذا الأمر.. متاع الدنيا قليل وهو زائل وفاني.. لماذا؟.. تعرضين نفسك لهذا الأمر وأنتِ في غناء عنه.. بل أخذتك الغفلة يا أختاه..
يا أختاه فكري في نفسك وضعفك.. فأنتِ عندما تمرضين تلجئين لمن؟؟!!... إلى الله - سبحانه - ليشفيك من مرضٍ قد أصابك.. وهو غفور رحيم.. على معنى انك قد عصيتيه وهو ينتظر توبتك لعلها تكون قريبه...
أختاه: أما سمعتي قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم براحلته))..
فما تنتظرين فبادري بالتوبة قبل فوات الأوان اتركي الدنيا لأصحابها فنحن لسنا أهل لها بل نحن أناس مرتحلين إلى جنة عرضها السموات والأرض فبلغي زادك فإن سفرك بعيد، بل نحن في غناء عن هذه الدار وملذاتها الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر نحن نأخذ ما يأمرنا الله به ونترك ما حرمه علينا لكي نفوز بالجنة.
قال - تعالى -: (فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) [سورة آل عمران آية 185].(2/191)