التنبيه في الفقه الشافعي
الفيروزآبادي/أبو إسحاق إبراهيم
مكتبة مشكاة الإسلامية
هذا الكتاب هو عبارة عن متن مختصر في فروع المذهب الشافعي اشتمل على مجمل كتب الفقه وأبوابه من كتاب الطهارة إلى كتاب الإقرار وقد دارت في فلكه المصنفات بعد وضعه، ووضعت عليه التحريرات والتخريجات والتوشيحات،
دار النشر / ابن كثير ـ دمشق
المؤلف الشيرازى الشافعى
إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزبادي الشيرازي أبو إسحق جمال الدين. فقيه صوفي له المهذب، النكت في الخلاف، اللمع وشرحه، التبصرة في أصول الفقه، المعونة في الجدل، طبقات الفقهاء، التنبيه في فروع الشافعية، كفاية التنبيه شرح التنبيه.
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد حق حمده، وصلاته على محمد خير خلقه آله وصحبه.
هذا كتاب مختصر في أصول مذهب الإِمام الشافعي رضي الله عنه؛ إذا قرأه المبتدي وتصوره تنبه به على أكثر المسائل، وإذا نظر فيه المنتهي تذكر به جميع الحوادث؛ إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل، وإياه أسأل أن ينفع به إنه قريب مجيب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 11
كتاب الطهارة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 13
باب المياه(1/1)
قال الله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} (48: الفرقان)، ولا يجوز رفع حدث ولا إزالة نجس إلا بالماء المطلق، وهو ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض، على أي صفة كان من أصل الخلقة، وتكره الطهارة بماء قصد إلى تشميسه، وإذا تغير الماء بمخالطة طاهر يستغني الماء عنه كالزعفران والأشنان لم تجز الطهارة به. وإن تغير بماء لا يختلط به كالدهن والعود جازت الطهارة به في أحد القولين، وإن وقع فيما دون القلتين نجاسة لا يدركها الطرف لم تنجسه، وقيل تنجسه، وقيل فيه قولان، وإن كان مما يدركها الطرف فإن كانت ميتة لا نفس لها سائلة لم تنجسه في أحد القولين وهو الأصلح للناس، وتنجسه في الآخر وهو القياس، وإن كان غير ذلك من النجاسات نجسه وإن كان الماء قلتين ولم يتغير فهو طاهر، وإن تغير فهو نجس، وإن زال التغير بنفسه أو بماء طهر وإن زال بالتراب ففيه قولان أصحهما أنه يطهر.
---
وقال في القديم: إن كان الماء جارياً لم ينجس إلا بالتغير، وما تطهر به من حدث فهو طاهر غير مطهر في أظهر القولين، فإن بلغ قلتين جازت الطهارة به، وقيل: لا تجوز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 13
باب الآنية
تجوز الطهارة من كل إناء طاهر إلا ما اتخذ من ذهب أو فضة، فإنه يحرم استعماله في الطهارة وغيرها، فإن تطهر منه صحت طهارته. وهل يجوز اتخاذه؟ فيه وجهان؛ وما اتخذ من بلور أو ياقوت ففيه قولان أظهرهما: أنه لا يحرم، وما ضبب بالفضة إن كان قليلاً للحاجة لم يكره، وإن كان للزينة كره، وإن كان كثيراً للحاجة كره، وان كان للزينة حرم. وقيل: إن كان في موضع الشرب حرم، وإن كان في غيره لم يحرم. وقيل: لا يحرم بحال، ويستحب أن تخمّر الآنية، فإن وقع في بعضها نجاسة واشتبه عليه تحرى، وتوضأ بالطاهر على الأغلب عنده؛ وقيل: إن كان معه ماء تيقن طهارته لم يتحر، وإن اشتبه ذلك على الأعمى، ففيه قولان؛ أحدهما: يتحرى؛ والثاني: لا يتحرى، ومن اشتبه عليه ماء وبول أراقهما وتيمم.(1/2)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 14
باب السواك
السواك سنة عند القيام إلى الصلاة، وعند كل حال يتغير فيها الفم من أزم وغيره، ويكره للصائم بعد الزوال.
ويستحب أن يستاك بعود من أراك، وأن يستاك بيابس قد ندي بالماء، والمستحب أن يستاك عرضاً، ويدهن غباً، ويكتحل وتراً، ويقلم الظفر، وينتف الإبط، ويحلق العانة، ويقص الشارب، ويكره القزع، ويجب الختان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 15
باب صفة الوضوء
---
إذا أراد الوضوء، نوى رفع الحدث أو الطهارة للصلاة أو الطهارة لأمر لا يستباح إلا بالطهارة، كمس المصحف وغيره، ويستصحب النية إلى آخر الطهارة. ويسمي الله تعالى، ويغسل كفيه ثلاثاً، فإن كان قد قام من النوم كره له أن يغمس كفيه في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثاً، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً، يجمع بينهما في أحد القولين بغرفة وقيل: بثلاث غرفات، ويفصل بينهما في الآخر بغرفتين. وقيل: بست غرفات ويبالغ فيهما إلا أن يكون صائماً فيرفق. ثم يغسل وجهه ثلاثاً وهو ما بين منابت شعر الرأس ومنتهى اللحيين والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، (فإن كان عليه شعر كثيف لم يلزمه غسل ما تحته)، ويستحب ان يخلل الشعور إلا الحاجب والشارب والعنفقة والعذار، فإنه يجب غسل ما تحتها؛ وإن كثف الشعر عليها، وفيما نزل من اللحية عن الذقن، قولان أحدهما: يجب إفاضة الماء على ظاهره، والثاني لا يجب، ثم يغسل يديه ثلاثاً، ويجب إدخال المرفقين في الغسل، فإن كان أقطع من فوق المرفق، استحب له أن يمس الموضع ماء، ثم يمسح رأسه، فيبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب باليدين إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ويفعل ذلك ثلاثاً، ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ثلاثاً، ويأخذ لصماخيه ماء جديداً، ثم يغسل رجليه ثلاثاً، ويلزمه إدخال الكعبين في الغسل وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم ويخلل بين أصابعه إذا فرغ من الوضوء أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا(1/3)
شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن لا ينفض يده، وأن لا ينشف أعضاءه، وأن لا يستعين في وضوئه بأحد، وإن استعان به جاز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 15
باب فرض الوضوء ـــ (أي فروضه) ـــ وسننه
---
فرض الوضوء ستة: النية عند غسل الوجه، وغسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح القليل من الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب على ما ذكرناه، وأضاف إليه في القديم: التتابع، فجعله سبعاً.
وسننه عشر: التسمية، وغسل الكفين، والمضمضة، والاستنشاق، ومسح جميع الرأس، ومسح الأذنين، وتخليل اللحية الكثة، وتخليل أصابع الرجلين، والابتداء باليمنى، والطهارة ثلاثاً ثلاثاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 17
باب المسح على الخفين
ويجوز المسح على الخفين في الوضوء للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، وابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخف، فإن مسح في الحضر ثم سافر، أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم، وإن شك في وقت المسح، أو في انقضاء مدة المسح بني الأمر على ما يوجب الغسل، ولا يجوز المسح إلا أن يلبس الخف على طهارة كاملة، ولا يجوز إلاَّ على خف ساتر للقدمين، يمكن متابعة المشي عليه، وفي المسح على الجرموقين قولان: أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز. والسنة أن يمسح أعلى الخف وأسفله فيضع يده اليمنى على موضع الأصابع، واليسرى تحت عقبة، ثم يمر اليمنى إلى ساقه، واليسرى إلى موضع الأصابع، فإن اقتصر على مسح القليل من أعلاه أجزأه، وإن اقتصر على ذلك من أسفله لم يجزئه على ظاهر المذهب، وإن ظهرت الرجل أو انقضت مدة المسح وهو على طهارة المسح غسل القدمين في أصح القولين، واستأنف الوضوء في (القول) الآخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 17
باب ما ينقض الوضوء(1/4)
وهي أربعة: أحدهما: الخارج من السبيلين، نادراً كان أو معتاداً. فإن انسد المخرج المعتاد وانفتح مخرج دون المعدة انتقض الوضوء بالخارج منه، وإن انفتح (مخرج) فوق المعدة ففيه قولان، وإن لم ينسد (المخرج) المعتاد لم ينتقض الوضوء بالخارج من فوق المعدة وفيما تحتها وجهان.
---
والثاني: زوال العقل، إلا النوم قاعداً مفضياً بمحل الحدث إلى الأرض.
والثالث: أن يقع شيء من بشرته على بشرة امرأة أجنبية، فإن وقع على بشرة ذات رحم محرم ففيه قولان؛ وفي الملموس قولان.
والرابع: مس فرج الآدمي بباطن الكف، وإن تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على يقين الطهارة، وان تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على يقين الحدث. وإن تيقن بالطهارة والحدث وشك في السابق منهما نظر فيما كان قبلهما؛ فإن كان حدثاً فهو متطهر، وإن كان طهارة فهو محدث. ومن أحدث حرم عليه الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 18
باب الاستطابة
---(1/5)
إذا أراد قضاء الحاجة فإن كان معه شيء فيه ذكر الله تعالى، نحاه. ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج. ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، وينصب رجله اليمنى ويعتمد على اليسرى، ولا يتكلم، فإذا انقطع البول مسح بيده اليسرى من مجامع العروق إلى رأس الذكر ثم ينتر ذكره (ثلاثاً)، ويقول إذا فرغ: غفرانك الحمد الذي أخرج عني الأذى وعافاني. وإن كان في الصحراء أبعد، واستتر عن العيون وارتاد موضعاً للبول ولا يبول في ثقب ولا سرب، ولا تحت الأشجار المثمرة. ولا في قارعة الطريق، ولا في ظل. ولا يستقبل الشمس والقمر، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها. وإذا أراد الاستنجاء بالماء انتقل الى موضع آخر. والاستنجاء واجب من البول والغائط، والأفضل أن يكون قبل الوضوء، فإن أخره إلى ما بعده اجزأه، وإن أخره إلى ما بعد التيمم لم يجزئه. وقيل: يجزئه والأفضل أن يجمع بين الماء والحجر، فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل، وإن اقتصر على الحجر اجزأه، وإن انتشر الخارج إلى باطن الإلية ففيه قولان: أصحهما أنه يجزئه الحجر، وإن انتشر البول لم يجزئه إلا الماء، وقيل: فيه قولان، أحدهما: يجوز فيه الحجر ما لم يجاوز موضع القطع، والثاني: لا يجزئه إلا الماء وإن كان الخارج دماً أو قيحاً ففيه قولان، أحدهما: لا يجزئه إلا الماء. والثاني: يجزئه الحجر. وإن كان الخارج حصاة لا رطوبة معها لم يجب الاستنجاء منه في أحد القولين، ويجب في الآخر. وإذا استنجى بالحجر لزمه إزالة العين، واستيفاء ثلاث مسحات إما بحجر له ثلاثة أحرف، أو بأحجار ثلاثة، والمستحب أن يمر حجراً من مقدم الصفحة اليمنى إلى أن يرجع إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يمر الثاني من مقدم الصفحة اليسرى إلى ان يرجع الى الموضع الذي بدأ منه، ثم يمر الثالث على الصفحتين والمسربة جميعاً. ولا يستنجي بنجس، ولا بمطعوم كالعظم، وجلد المذكى قبل الدباغ،(1/6)
---
ولا بما له حرمة، فإن استنجى بشيء من ذلك لم يجزئه، ولا يستنجي بيمينه، فإن فعل ذلك أجزأه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 19
باب ما يوجب الغسل
ويجب الغسل على الرجل من شيئين: من خروج المني، ومن إيلاج الحشفة في الفرج.
ويجب على المرأة (من أربعة أشياء): من خروج المني، ومن إيلاج الحشفة في الفرج، ومن الحيض والنفاس. وقيل: يجب عليها أيضاً من خروج الولدإ وقيل: لا يجب.
(تنبيه):
وإن شك هل الخارج من ذكره مني أو مذي فقد قيل: يلزمه الوضوء دون الغسل. ويحتمل عندي أنه يلزمه الغسل. ومن أجنب حرم عليه الصلاة، والطواف، وقراءة القرآن، ومس المصحف، وحمله، واللبث في المسجد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 20
باب صفة الغسل
ومن أراد الغسل نوى الغسل من الجنابة، أو الحيض، أو نوى الغسل لاستباحة ما لا يستباح إلا بالغسل، ويتوضأ كما يتوضأ للصلاة. ثم يفيض الماء على رأسه ويخلل أصول شعره/
ثم يفيض الماء على سائر جسده ويدلك ما وصلت إليه يده من بدنه ويفعل ذلك ثلاثاً، فإن كانت امرأة تغتسل من الحيض استحب لها أن تتبع أثر الدم فرصة، من المسك. فإن لم تجد فطيباً غيره، فإن لم تجد فالماء كاف. والواجب من ذلك النية وإيصال الماء إلى جميع الشعر والبشرة.
وسننه: الوضوء، والدلك، والتكرار، والمستحب أن لا ينقص الماء في الغسل عن صاع، ولا في الوضوء عن مد اقتداء برسول الله ، فإن نقص عن ذلك وأسبغ أجزأه. ومن وجب عليه وضوء وغسل اجزأه الغسل، على ظاهر المذهب.
وإن اجتمع على المرأة غسل جنابة وغسل حيض، فاغتسلت لأحدهما أجزأها عنهما، ومن نوى غسل الجمعة لم يجزئه عن الجنابة، ومن نوى غسل الجنابة لم يجزئه عن الجمعة، في أصح القولين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 21
باب الغسل المسنون
---(1/7)
وهو اثنا عشر غسلاً: غسل الجمعة، وغسل العيدين، وغسل الكسوفين، وغسل الاستسقاء؛ والغسل من غسل الميت، وغسل الكافر إذا أسلم، وغسل المجنون إذا أفاق؛ والغسل للاحرام، والغسل لدخول مكة، والغسل للوقوف بعرفة، والغسل للرمي والغسل للطواف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 22
باب التيمم
ويجب التيمم عن الأحداث كلها إذا عجز عن استعمال الماء، ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين فان خالطه جص أو رمل لم يجز التيمم به، وإذا أراد التيمم فإنه يسمي الله تعالى ويضرب يديه على التراب ويفرق أصابعه وينوي استباحة الصلاة. ويمسح بهما وجهه، ثم يضرب ضربة أخرى، فيضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمنى ويمرها على ظهر الكف، فإذا بلغ الكوع قبض أطراف أصابعه وجعلها على حرف الذراع، ثم يمرها إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمره عليه ويرفع إبهامه، فإذا بلغ الكوع أمرّ إبهام يده اليسرى على إبهام يده اليمنى، ثم يمسح بيده اليمنى يده اليسرى مثل ذلك، ثم يمسح إحدى الراحتين على الأخرى ويخلل بين أصابعهما، والواجب من ذلك النية. ومسح الوجه واليدين (لقوله)، بضربتين فصاعداً، وترتيب اليد على الوجه.
وسننه: التسمية، وتقديم اليمنى على اليسرى.
ولا يجوز التيمم لمكتوبة إلا بعد دخول الوقت. وإعواز الماء أو الخوف من استعماله، فإن أعوزه الماء أو وجده وهو يحتاج إليه للعطش، لزمه طلبه فيما قرب منه.
فإن بذل له أو بيع منه بثمن المثل لزمه قبوله.
وإن دل على ماء بقربه لزمه قصده. ما لم يخش الضرر على نفسه أو ماله.
فإن لم يجد، وكان على ثقة من وجود الماء في آخر الوقت، فالأفضل أن يؤخره. وإن كان على إياس من وجوده فالأفضل أن يقدمه، وإن كان يرجو ففيه قولان: أصحهما أن التقديم أفضل. وإن وجد بعض ما يكفيه استعمله، ثم تيمم للباقي في أحد القولين، ويقتصر على التيمم، في القول الآخر.
---(1/8)
فإن تيمم وصلى ثم علم أن في رحله (ماء نسيه أو أضله)، أو حيث يلزمه طلبه ماء، أعاد في ظاهر المذهب، وإن تيمم ثم رأى الماء قبل الدخول في الصلاة بطل تيممه، وإن كان بعد الفراغ منها أجزأته صلاته إن كان مسافراً، أو يلزمه الإعادة إن كان حاضراً وإن رأى الماء في أثنائها إتمّها إن كانت الصلاة مما يسقط فرضها بالتيمم. وتبطل إن لم يسقط فرضها بالتيمم وإن خاف من استعمال الماء التلف لمرض تيمم وصلى ولا إعادة عليه وإن خاف الزيادة في المرض ففيه قولان، أصحهما: أنه يتيمم، ولا إعادة عليه، وإن خاف من شدة البرد تيمم وصلى. وأعاد إن كان حاضراً وإن كان مسافراً أعاد في أحد القولين، ولم يعد في القول الآخر، وإن كان في بعض بدنه قرح يمنع استعمال الماء، غسل الصحيح، وتيمم عن الجريح في الوجه واليدين، وصلى ولا إعادة عليه، ولا يصلي بتيمم واحد أكثر من فريضة، وما شاء من النوافل. ومن تيمم للفرض صلى به النفل. ومن تيمم للنفل لم يصل به الفرض، ومن لم يجد ماء ولا تراباً صلى الفريضة وحدها وأعاد إذا قدر على أحدهما، وإذا وضع الكسير الجبائر، على غير طهر، وخاف من نزعها التلف مسح عليها، وأعاد الصلاة وإن وضعها على طهر مسح وصلى. وفي الإعادة قولان: هل يضم إلى المسح التيمم؟ فيه قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 22
باب الحيض
أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين.
وأقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً. وغالبه ست أو سبع، وأقل طهر فاصل بين الحيضتين خمسة عشر يوماً، ولا حدّ لأكثره، وإن رأت يوماً طهراً ويوماً دماً ففيه قولان، أحدهما: تضم الطهر إلى الطهر، والدم إلى الدم. والثاني: لا تضم بل الجميع حيض.
---(1/9)
وفي الدم الذي تراه الحامل قولان؛ أصحهما: أنه حيض. والثاني: أنه استحاضة. وإذا انقطع دم المرأة لزمان يصح فيه الحيض فهو حيض، وإن عبر الدم الأكثر فإن كانت مميزة وهي التي ترى في بعض الأيام دماً اسود، وفي بعضها دماً أحمر كان حيضها أيام الدم الأسود. وإن كانت غير مميزة ولها عادة كان حيضها أيام العادة. وإن لم تكن مميزة ولا لها عادة وهي المبتدأة ففيها قولان؛ أحدهما: أنها تحيض أقل الحيض، والثاني: تحيض غالب الحيض، وإن كانت لها عادة فنسيت عددها ووقتها ففيها قولان؛ أحدهما: أنها كالمبتدأة. والثاني: وهو الصحيح أنه لا يطأها الزوج؛ وتغتسل لكل فريضة.
وتصوم شهر رمضان، ثم تصوم شهراً آخر فيصح لها من ذلك ثمانية وعشرون يوماً، ثم تصوم ستة أيام من ثمانية عشر يوماً، ثلاثة في أولها، وثلاثة في آخرها، فيصح لها منها ما بقي من الصوم. وإن كانت ناسية للوقت ذاكرة للعدد. أو ناسية للعدد ذاكرة للوقت، فكل زمان تيقنا فيه حيضها جعلناها فيه حائضاً، وكل زمان تيقنا طهرها (جعلناه فيه طاهراً وكل زمان شككنا فيه) جعلناها في الصلاة طاهراً، وفي الوطء حائضاً، وكل زمان احتمل انقطاع الدم فيه أمرناها بالغسل.
وإذا حاضت المرأة حرم الاستمتاع بها فيما بين السرة والركبة وقيل: يحرم الوطء في الفرج وحده والمذهب الأول، وحرم عليها الصلاة وسقط عنها فرضها وحرم عليها الصوم.
---(1/10)
والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف وحمله والجلوس في المسجد. وقيل: يحرم العبور فيه، وقيل: لا يحرم، وإذا انقطع الدم ارتفع تحريم الصوم ويبقى سائر المحرمات إلى أن تغتسل. وأقل النفاس مجّة وأكثره ستون يوماً، وغالبه أربعون يوماً، وإذا عبر الدم الأكثر فهو كالحيض في الرد إلى التمييز والعادة والأقل والغالب. وإذا نفست المرأة حرم عليها ما يحرم على الحائض، ويسقط عنها ما يسقط عن الحائض، وتغسل المستحاضة فرجها وتَعْصبه، وتتوضأ لكل فريضة، ولا تؤخر بعد الطهارة الاشتغال بأسباب الصلاة والدخول فيها، فإن أخرت ودمها يجري استأنفت الطهارة، وإن انقطع دمها في أثناء الصلاة استأنفت الطهارة والصلاة
وقيل: تمضي فيها، وحكم سلس البول، وسلس المذي حكم المستحاضة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 25
باب إزالة النجاسة
والنجاسة هي البول والغائط، والمذي والودي، وقيل: ومني غير الآدمي. وقيل: ومني ما لا يؤكل لحمه غير الآدمي، والدم، والقيح، والقيء، والخمر، والنبيذ، والكلب، والخنزير، وما يولد منهما، أو من أحدهما، والميتة إلا السمك والجراد. والآدمي في أصح القولين، وما لا يؤكل لحمه إذا ذبح، وشعر الميتة، وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حال حياته. ولبن ما لا يؤكل لحمه غير الآدمي. والعلقة في أحد الوجهين. ورطوبة فرج المرأة في ظاهر المذهب، وما ينجس بذلك. ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلاّ شيئان: الخمر فإنها إذا انقلبت بنفسها خلاً طهرت، وإن خللت لم تطهر، وجلد الميتة سوى الكلب والخنزير إذا دبغ فإنه يطهر، ويحل بيعه في أحد القولين.
وإذا ولغ الكلب، أو الخنزير، أو ما يولد منهما، (أو من أحدهما) في إناء لم يطهر حتى يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب.
فإن غسل بدل التراب بالجَصّ والأشنان ففيه قولان، أصحهما: أنه يطهر، وإن غسل بالماء وحده ففيه وجهان. أحدهما: أنه يطهر، والثاني لا يطهر، ويجزىء في بول الغلام الذي لم يطعم النضح.
---(1/11)
ويجزىء في غسل سائر النجاسات كالبول والخمر وغيرهما المكاثرة بالماء إلى أن يذهب أثره. والأفضل أن يغسل ثلاثاً، وما لا يزول أثره بالغسل كالدم وغيره إذا غسل وبقي أثره لم يضره. وما غسل به النجاسة ولم يتغير فهو طاهر، وقيل: هو نجس، وقيل: إن انفصل وقد طهر المحل فهو طاهر، وإن انفصل ولم يطهر المحل فهو نجس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 27
كتاب الصلاة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 29
باب من تجب عليه فرض الصلاة
ويجب فرض الصلاة على كل بالغ، عاقل، طاهر، مسلم، فأما الصبي، ومن زال عقله بجنون، أو مرض، والحائض، والنفساء فلا يجب عليهم (الصلاة).
ويؤمر الصبي بالصلاة لسبع، ويضرب على تركها لعشر. فإن بلغ في أثناء الصلاة، أو صلى في أول الوقت وبلغ في آخره، أجزأه ذلك عن الفرض، وأما الكافر فإن كان أصلياً لم يجب عليه. وإن كان مرتداً وجب عليه.
ولا يعذر أحد من أهل فرض الصلاة في تأخيرها عن الوقت، إلا نائم، أو ناسٍ أو معذور بسفر أو مطر، فإنه يؤخرها بنية الجمع، أو من أكره على تأخيرها. ومن امتنع من فعلها جاحداً لوجوبها كفر وقتل بكفره.
ومن امتنع غير جاحد حتى خرج الوقت قتل في ظاهر المذهب. وقيل: يقتل بترك الصلاة الرابعة. وقيل: يقتل بترك الصلاة الثانية إلى أن يضيق وقتها.
ويستتاب كما يستتاب المرتد. ثم يقتل (ويغسل ويكفن) ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 29
باب مواقيت الصلاة
الصلاة المكتوبة خمس:
الظهر: وأول وقتها إذا زالت الشمس، وآخره إذا صار ظل كل شيء مثله.
والعصر: وأول وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله وزاد أدنى زيادة، وآخره إذا صار ظل كل شيء مثليه. ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الجواز إلى الغروب.
والمغرب: وأول وقتها إذا غابت الشمس، ولا وقت لها إلا وقت واحد في أظهر القولين وهو بمقدار ما يتوضأ، ويستر العورة، ويؤذن، ويقيم.
---
وله أن يستديمها إلى أن يغيب الشفق (الأحمر).(1/12)
والعشاء: ويكره أن يقال لها العتمة. وأول وقتها إذا غاب الشفق الأحمر، وآخره إذا ذهب ثلث الليل في أحد القولين، ونصفه في الآخر، ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني.
والصبح، وأول وقتها إذا طلع الفجر الثاني، وآخره إذا أسفر الصبح ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الشمس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 30
فرع:
ومن أدرك من الصلاة ركعة قبل خروج الوقت فقد أدركها. ومن شك في دخول الوقت فأخبره ثقة عن علم، عمل به، وإن أخبره عن اجتهاد لم يقلده بل يجتهد، ويعمل على الأغلب عنده.
والأفضل تقديم الصلاة في أول الوقت إلا الظهر في الحر لمن يمضي إلى جماعة فإنه يبرد بها.
وفي العشاء قولان، أصحهما: أن تقديمها أفضل.
ومن أدرك من وقت الصلاة قدر ما يؤدي فيه الفرض ثم جن، أو كانت امرأة فحاضت، وجب عليهما القضاء.
وإن بلغ صبي، أو أسلم كافر، أو طهرت حائض، أو نفساء، أو أفاق مجنون، أو مغمى عليه قبل طلوع الشمس بركعة لزمهم الصبح، وإن كان بدون ركعة ففيه قولان؛ وإن كان ذلك قبل الغروب أو قبل طلوع الفجر بركعة لزمهم العصر والعشاء، وفي الظهر والمغرب قولان، أحدهما: يلزم بما يلزم به العصر والعشاء، والثاني: يلزم بقدر خمس ركعات، ومن لم يصلِّ حتى فاته الوقت وهو من أهل الفرض بعذر أو غير عذر لزمه القضاء، والأولى أن يقضيها مرتباً، إلا أن يخشى فوات الحاضرة فيلزمه البداية بها. والأولى أن يقضيها على الفور فإن أخرها جاز، وقيل: إن فاتت بغير عذر لزمه قضاؤها على الفور، ومن نسي صلاة من الخمس ولم يعرف عينها لزمه أن يصلي الخمس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 30
باب الأذان
الأذان والإقامة سنة في الصلوات المكتوبة وهو أفضل من الإمامة. وقيل: هو فرض على الكفاية، فإن اتفق أهل بلد على تركه قاتلهم الإمام.
---(1/13)
والأذان تسع عشرة كلمة: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، ثم يرجع فيمد صوته فيقول: أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فإن كان في أذان الصبح قال بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم مرتين. والإقامة إحدى عشرة كلمة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. ويستحب أن يرتل الأذان ويدرج الإقامة. (وأن) تكون الإقامة أخفض صوتاً من الأذان، وأن يؤذن ويقيم على طهارة، (وأن) يستقبل القبلة. فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً، ولا يستدبر (القبلة)، وأن يؤذن على موضع عال، وأن يجعل أصبعيه في صماخي أذنيه، وأن يكون المؤذن حسن الصوت، وأن لا يقطع الأذان بكلام ولا غيره.
وأن يكون المؤذن من أقرباء مؤذني رسول الله ، وأن يكون ثقة، وأن يقول بعد الفراغ منه: اللَّهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة، والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، يا أرحم الراحمين.
ويستحب لمن سمعه أن يقول كما يقول المؤذن، إلا في الحيعلة فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا با. ويقول في كلمة الإقامة: أقامها الله وأدامها ما دامت السموات والأرض. ولا يجوز الأذان إلا مرتباً، ولا يجوز قبل دخول الوقت، إلا الصبح فإنه يؤذن له بعد نصف الليل، وتقيم المرأة ولا تؤذن.
---(1/14)
ومن فاتته صلوات أو جمع بين صلاتين أذن وأقام للأولى وحدها، وأقام للتي بعدها في أصح الأقوال. وفي القول الثاني: لا يؤذن ويقيم، وفي القول الثالث: أذن وأقام لكل واحدة على حدة، وإذا لم يوجد من يتطوع بالأذان رزق الإمام من يقوم به. وان استأجر عليه جاز. وقيل: لا يجوز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 31
باب ستر العورة
(بفتح السين)
ويجب ستر العورة عن العيون، بما لا يصف البشرة، وهو شرط في صحة الصلاة. وعورة الرجل ما بين سرته وركبته. وعورة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين. وعورة الأَمَة ما بين السرة والركبة.
والمستحب أن يصلي الرجل في ثوبين قميص ورداء، فإن اقتصر على ستر العورة جاز إلا أن المستحب أن يطرح على عاتقه شيئاً. ويستحب للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب: درع، وخمار، وسراويل. ويستحب لها أن تكثّف جلبابها.
ومن لا يجد إلا ما يستر بعض العورة ستر السوأتين. وإن وجد ما يكفي إحداهما ستر به القبل. وقيل: يستر به الدبر.
وإن بذل له سترة لزنه قبولها. وإن لم يجد صلى عرياناً، ولا إعادة عليه، وإن وجد السترة في أثناء الصلاة وهي بقربه ستر، وبنى، وإن كانت بالبعد ستر واستأنف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 34
باب طهارة البدن والثوب وموضع الصلاة
واجتناب النجاسة شرط في صحة الصلاة. فإن حمل نجاسة في صلاته أو لاقاها ببدنه أو ثيابه لم تصح صلاته.
وقال في القديم: إن صلى ثم رأى في ثوبه (أو بدنه) نجاسة كانت في الصلاة لم يعلم بها قبل الدخول (فيها) أجزأته صلاته.
وإن أصاب أسفل الخف نجاسة فمسحه على الأرض وصلى فيه ففيه قولان؛ أحدهما: يجزئه. والثاني: لا يجزئه.
وإن أصاب الأرض نجاسة فذهب أثرها بالشمس والريح فصلى عليها ففيها قولان. أحدهما يجزئه. والثاني: لا يجزئه.
---(1/15)
وإن صلى في مقبرة منبوشة لم تصح صلاته، وإن كانت غير منبوشة كرهت وأجزأته (صلاته)، وإن شك في نبشها صحت صلاته. وقيل: لا يصح. وإن جبر عظمه بعظم نجس وخاف التلف من نزعه فصلى فيه أجزأته صلاته. وإن صلى وفي ثوبه دم البراغيث، أو اليسير من سائر الدماء، أو سلس البول، أو الاستحاضة، جازت صلاته. وإن كان على ثوبه أو بدنه مما لا يدركه الطرف من غير الدماء، فقد قيل: يصح. وقيل: لا يصح. وقيل فيه قولان، وإن كان على قرحه دم يخاف من غسله صلى فيه وأعاد.
وتكره الصلاة في الحمام، وقارعة الطريق، وأعطان الإبل، ولا تكره في مراح الغنم.
ولا تحل الصلاة في أرض مغصوبة، ولا ثوب مغصوب، ولا ثوب حرير. فإن صلى (في شيء من ذلك) لم يعد. وإن اشتبه عليه ثوب طاهر وثوب نجس صلّى في الطاهر على الأغلب عنده، وإن خفي عليه موضع النجاسة من الثوب، غسله كله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 35
باب استقبال القبلة
ـــ أي الكعبة ـــ
واستقبال القبلة شرط في صحة الصلاة، إلا في شدة الخوف، وفي النافلة في السفر، فإنه يصليها حيث توجه، فإن كان ماشياً أو على دابة يمكنه توجيهها إلى القبلة، لم يجز حتى يستقبل القبلة في الإحرام، والركوع والسجود.
والفرض في القبلة إصابة العين، فمن قرب منها لزمه ذلك بيقين، ومن بَعُد منها لزمه ذلك بالظن في أحد القولين. وفي القول الآخر الفرض لمن بَعُد الجهة. ومن صلى في الكعبة أو على ظهرها وبين يديه سترة متصلة جازت صلاته. ومن غاب عنها فأخبره ثقة عن علم صلى بقوله ولم يجتهد. وكذلك إن رأى محاريب المسلمين في بلد صلى إليها ولم يجتهد.
---(1/16)
وإن كان في برية واشتبهت عليه القبلة اجتهد في طلبها بالدلائل. فإن لم يعرف الدلائل، أو كان أعمى قلد بصيراً يعرفه. وإن لم يجد من يقلده صلى على حسب حاله وأعاد. ومن صلى بالاجتهاد أعاد الاجتهاد للصلاة الأخرى، فإن تغيّر اجتهاده عمل بالاجتهاد الثاني فيما يستقبل؛ ولا يعيد ما صلى بالاجتهاد الأول، وإن تيقن الخطأ لزمه الإعادة في أصح القولين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 37
باب صفة الصلاة
إذا أراد الصلاة قام إليها بعد فراغ المؤذن مِن الإقامة.
ثم يسوي الصفوف إن كان إماماً. ثم ينوي الصلاة بعينها إن كانت الصلاة مكتوبة أو سنة راتبة. فإن كانت نافلة غير راتبة أجزأته نية الصلاة، وتكون النية مقارنة للتكبير لا يجزئه غير ذلك. والتكبير أن يقول: الله أكبر، أو الله الأكبر لا يجزئه غير ذلك.
ومن لا يحسن التكبير بالعربية كبر بلسانه. وعليه أن يتعلم.
ويجهر بالتكبير إن كان إماماً. ويرفع يديه مع التكبير حذو منكبيه، ويفرق أصابعه، فإذا انقضى التكبير حط يديه، وأخذ كوعه الأيسر بكفه الأيمن، وجعلهما تحت صدره، وجعل نظره إلى موضع سجوده ثم يقرأ: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. ثم يقول: أعوذ با من الشيطان الرجيم؛ ويقرأ فاتحة الكتاب، وأولها: بسم الله الرحمن الرحيم، ويرتل القراءة ويرتبها، ويأتي بها على الولاء وإن ترك ترتيبها أو فرقها لزمه إعادتها.
---(1/17)
وإذا قال: ولا الضالين، قال: آمين، يجهر بها الإمام فيما يجهر فيها. وفي المأموم قولان؛ أصحهما: أنه يجهر بها. ثم يقرأ السورة يبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم فإن كان مأموماً في صلاة يجهر فيها، لم يقرأ السورة. وفي الفاتحة قولان؛ أصحهما: أنه يقرأها. والمستحب أن تكون السورة في الصبح والظهر من طوال المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل، ويجهر الإمام والمنفرد بالقراءة في الصبح، والأولين من المغرب والعشاء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 38
---(1/18)
ومن لا يحسن الفاتحة وضاق الوقت عن التعلم، قرأ بقدرها من غيرها. وإن كان يحسن آية ففيه قولان؛ أحدهما: يقرأها ثم يضيف إليها من الذكر ما يتم به قدر الفاتحة. والثاني: أنه يكرر ذلك سبعاً. فإن لم يحسن شيئاً من القرآن لزمه أن يقول: سبحان الله، والحمد ، ولا إله إلا الله، وا أكبر، ولا حول ولا قوة إلا با العلي العظيم، ويضيف إليه كلمتين من الذكر. وقيل: يجوز هذا وغيره، فإن لم يحسن شيئاً، وقف بقدر القراءة، ثم يركع مكبراً رافعاً يديه، وأدنى الركوع أن ينحني حتى يبلغ يداه ركبتيه. والمستحب أن يضع يديه على ركبتيه، ويفرق أصابعه، ويمد ظهره وعنقه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه. وتضم المرأة بعضها إلى بعض. ويقول: سبحان ربي العظيم ـــ ثلاثاً ـــ وذلك أدنى الكمال، فإن قال مع ذلك: اللهم لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وأنت ربي، خشع لك سمعي، وبصري، وعظامي، وشعري، وبشري، وما استقل به قدمي، رب العالمين. كان أكمل. ثم يرفع رأسه قائلاً: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه. فإذا استوى قائما قال: ربنا لك الحمد ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. وذلك أدنى الكمال. فإن قال معه أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، كلنا لك عبد، لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، كان أكمل. ثم يكبر، ويهوي ساجداً، فيضع ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه. وأدنى السجود أن يباشر بجبهته المُصلّى. وفي وضع اليدين، والركبتين، والقدمين قولان؛ أحدهما: يجب. والثاني: لا يجب، وفي مباشرة المُصلّى بالكف قولان؛ أصحهما: أنه لا يجب. والمستحب أن يجافي مرفقيه عن جنبيه. ويقل بطنه عن فخذيه. وتضم المرأة بعضها إلى بعض. ويقول: سبحان ربي الأعلى ـــ ثلاثاً، وذلك أدنى الكمال. فإن قال معه: اللهم لك سجدت، ولك أسلمت وبك آمنت، أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشقّ سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين، كان أكمل. وإن سأل الله في سجوده(1/19)
---
ما شاء كان حسناً.
ثم يرفع رأسه مكبراً، ويجلس مفترشاً ويفرش رجله اليسرى. ويجلس عليها وينصب اليمنى (ويعتمد عليها) ويقول: اللهم اغفر لي، وارحمني، وارزقني، وعافني واعف عني. ثم يسجد السجدة الثانية مكبراً، ثم يرفع رأسه مكبراً، ويجلس جلسة الاستراحة في أصح القولين، ثم ينهض قائماً معتمداً على يديه، ويمد التكبير إلى أن يقوم، ثم يصلي الركعة الثانية مثل الأولى، إلا في النية والاستفتاح والتعوذ. فإن كان في صلاة هي ركعتان جلس متوركاً، يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويخرجهما من تحته، ويفضي بوركه إلى الأرض، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويقبض أصابعه إلا المسبحة فإنه يشير بها متشهداً، ويبسط اليد اليسرى على الفخذ اليسرى، ويتشهد فيقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات ، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله. والواجب منه خمس كلمات وهي: التحيات ، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله ثم يصلي على النبي فيقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 38
والواجب منه: اللهم صلِّ على محمد. ويدعو بما يجوز من أمر الدين والدنيا، والمستحب أن يدعو بدعاء رسول الله : «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت». ثم يسلم تسليمتين إحداهما عن يمينه ينوي بها الخروج من الصلاة والسلام على الحاضرين؛ والأخرى عن يساره ينوي بها السلام على الحاضرين، ثم يدعو سراً، إلا أن يريد تعليم الحاضرين فيجهر.
---(1/20)
وإن كان في صلاة هي ثلاث ركعات أو أربع، جلس بعد الركعتين مفترشاً، وتشهّد، وصلى على النبي وحده في أحد القولين. ولا يصلي في الآخر، ثم يصلي ما بقي من صلاته مثل الثانية، إلا أنه لا يقرأ السورة في أحد القولين. ويقرأ في الآخر.
ويجلس في آخر الصلاة متوركاً. فإن كان في الصبح، فالسنة أن يقنت بعد الرفع من الركوع. فيقول: اللهم اهدني فيمن هديت. وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، وصل اللهم على النبي محمد وآله، ويؤمن المأموم على الدعاء، ويشاركه في الثناء، وإن نزل بالمسلمين نازلة؛ قنتوا في جميع الصلاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 38
باب فروض الصلاة وسننها
وفروض الصلاة ثمانية عشر: النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام، وقراءة الفاتحة، والركوع والطمأنينة فيه، والاعتدال والطمأنينة فيه، والسجود والطمأنينة فيه، والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه، والجلوس في آخر الصلاة والتشهد فيه. والصلاة على النبي ، والتسليمة الأولى، ونية الخروج من الصلاة وقيل: لا يجب ذلك، وترتيبها على ما ذكرناه.
---(1/21)
وسننها أربع وثلاثون: رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع منه، ووضع اليمنى على الشمال، والنظر إلى موضع سجوده، ودعاء الاستفتاح، والتعوذ، والتأمين، وقراءة السورة، والجهر، والإسرار، والتكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، والتسميع، والتحميد في الرفع من الركوع، والتسبيح في الركوع، والتسبيح في السجود، ووضع اليد على الركبة في الركوع، ومد الظهر والعنق فيه، والبداية بالركبة، ثم باليد في السجود، ووضع الأنف في السجود، ومجافاة المرفق عن الجنب في الركوع والسجود، وإقلال البطن عن الفخذ في السجود، والدعاء في الجلوس بين السجدتين، وجلسة الاستراحة، والافتراش في سائر الجلسات، والتورك في آخر الصلاة، ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة، والإشارة بالمسبحة، ووضع اليد اليسرى على الفخذ اليسرى مبسوطة، والتشهد الأول، والصلاة على النبي فيه، والصلاة على آله في التشهد الأخير، والدعاء في آخر الصلاة، والقنوت في الصبح، والتسليمة الثانية، ونية السلام على الحاضرين. فإن ترك فرضاً ساهياً وهو في الصلاة لم يعتد بما فعله بعد المتروك حتى يأتي بما تركه ثم يأتي بما بعده، وإن لم يعرف موضعه بنى الأمر على أسوإ الأحوال.
فإن كان المتروك سجدة من أربع ركعات جعلها من غير الأخيرة ثم يأتي بركعة، فإن كان سجدتين جعل واحدة من الأولى، وواحدة من الثالثة، ويأتي بركعتين، وإن كان ثلاث سجدات جعل سجدة من الأولى، وسجدة من الثالثة، وسجدة من الرابعة، ويأتي بركعتين وإن كان أربع سجدات جعل سجدة من الأولى، وسجدة من الثالثة وسجدتين من الرابعة، ويأتي بسجدة، وركعتين. وإن ذكر ذلك، بعد السلام ففيه قولان؛ أحدهما أنه يبني على صلاته ما لم يتطاول الفصل. والثاني يبني ما لم يقم من المجلس وإن ذكر بعد ذلك استأنف. فإن ترك سنة، فإن ذكر قبل التلبس بفرض عاد إليه، وإن تلبس بفرض لم يعد إليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 45
باب صلاة التطوع
---(1/22)
أفضل عبادات البدن الصلاة. وتطوعها أفضل التطوع. وأفضل التطوع ما شرع له الجماعة وهو العيد، والكسوف، والاستسقاء. وفي الوتر، وركعتي الفجر قولان؛ أصحهما: أن الوتر أفضل.
والسنة أن يواظب على السنن الراتبة مع الفرائض وهي ركعتا الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وأربع قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء. والوتر، وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين، وأدنى الكمال ثلاث ركعات بتسليمتين، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة {قل هو الله أحد} والمعوذتين ويقنت في الأخيرة منها في النصف الأخير من شهر رمضان.
ويصلي الضحى ثماني ركعات، وأدناها ركعتان. ويقوم في كل ليلة من شهر رمضان بعشرين ركعة في الجماعة التراويح. ويوتر بعدها في الجماعة، إلا أن يكون له تهجد فيجعل الوتر بعده. ومن فاته من هذه السنن الراتبة شيء قضاه في أصح القولين. ويسن التهجد بالليل. والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول، والثلث الأوسط أفضل من الأول والأخير. وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار، وفعله في البيت أفضل من فعله في المسجد. والأفضل أن يسلم من كل ركعتين، فإن جمع ركعات بتسليمة أو تطوع بركعة واحدة جاز، ويسن لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين تحية المسجد، إلا أن يدخل وقد حضر الجماعة، فالفريضة أولى، ويجوز فعل النوافل قاعداً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 47
باب سجود التلاوة
---(1/23)
وسجود التلاوة سنة للقارىء والمستمع. وهي أربعة عشر سجدة: سجدة في الأعراف، وسجدة في الرعد، وسجدة في النحل، وسجدة في سبحان، وسجدة في مريم، وسجدتان في الحج، وسجدة في الفرقان، وسجدة في النمل، وسجدة في ألم تنزيل، وسجدة في فصلت، وسجدة في النجم، وسجدة في إذا السماء انشقت، وسجدة في اقرأ، وسجدة ص سجدة شكر ليست من عزائم السجود. فإن قرأها في الصلاة لم يسجد، وقيل: يسجد شكراً، ومن تجددت عنده نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة استحب له أن يسجد شكراً عز وجل. ومن سجد للتلاوة في الصلاة كبر للسجود والرفع، ومن سجد في غير الصلاة كبر للاحرام رافعاً يديه ثم يكبر للسجود ويكبر للرفع وقيل: يتشهد ويسلم وقيل: يسلم، ولا يتشهد، والمنصوص أنه لا يتشهد ولا يسلم، وحكم سجود التلاوة حكم صلاة النفل في استقبال القبلة وسائر الشروط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 48
باب ما يفسد الصلاة وما لا يفسدها
إذا أحدث في صلاته بطلت صلاته، وإن سبقه الحدث ففيه قولان؛ أحدهما: لا تبطل فيتوضأ، ويبني على صلاته، والثاني: إنها تبطل. وإن لاقى نجاسة غير معفو عنها بطلت صلاته، وإن وقع عليه نجاسة يابسة فنحاها عنه في الحال، لم تبطل صلاته، وإن كشفت عورته بطلت صلاته. وإن كشفها الريح لم تبطل. وإن قطع النية أو عزم على قطعها أو شك هل يقطعها أو لا يقطعها أو ترك فرضاً من فروضها بطلت صلاته، فإن ترك القراءة ناسياً ففيه قولان؛ أصحهما: أنها تبطل.
وإن زاد في صلاته ركوعاً، أو سجوداً، أو قياماً، أو قعوداً عامداً بطلت صلاته، وإن قرأ الفاتحة مرتين، لم تبطل صلاته على المنصوص.
وإن تكلم عامداً، أو قهقه عامداً بطلت صلاته. وإن كان ذلك ساهياً أو جاهلاً بالتحريم، أو مغلوباً، ولم يطل الفصل لم تبطل الصلاة وإن أطال فقد قيل: تبطل. وقيل: لا تبطل. وإن نفخ ولم يبن منه حرفان لم تبطل صلاته.
---(1/24)
وإن خطا ثلاث خطوات متواليات، أو ضرب ثلاث ضربات متواليات بطلت صلاته. وإن أكل عامداً، بطلت صلاته، وإن كان ساهياً لم تبطل صلاته.
وإن فكر في الصلاة أو التفت فيها كره ولم تبطل صلاته.
ولا يصلي وهو يدافع الأخبثين، ولا يدخل فيها وقد حضر العشاء ونفسه تتوق إليه، فإن فعل ذلك أجزأته صلاته.
وإن كلمه إنسان، أو استأذن عليه وهو في الصلاة، سبح إن كان رجلاً، وصفقت إن كانت امرأة. وإن سُلِّم عليه رد بالإشارة.
وإن بدره البصاق وهو في المسجد بصق في ثوبه وحك بعضه ببعض، وإن كان في غير المسجد بصق على يساره أو تحت قدمه.
وإن مرّ بين يديه مارّ وبينهما سترة أو عصا بقدر عظم الذراع لم يكره، وكذلك إذا لم يكن عصا وخط بين يديه على ثلاثة أذرع خطاً لم يكره. وإن لم يكن شيء من ذلك كره وأجزأته صلاته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 48
باب سجود السهو
إذا شك في عدد الركعات وهو في الصلاة بنى على اليقين وهو الأقل. ويأتي بما بقي ويسجد للسهو.
وكذلك إذا شك في فرض من فروضها بنى الأمر على اليقين وهو أنه لم يفعل فيأتي به ويسجد للسهو.
وإن زاد في صلاته ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً على وجه السهو سجد للسهو. وإن تكلم أو سلم ناسياً، أو قرأ في غير موضع القراءة سجد للسهو.
وإن فعل ما لا يبطل عمده الصلاة كالالتفات، والخطوة، والخطوتين، لم يسجد للسهو.
وإن نهض للقيام في موضع القعود ولم ينتصب قائماً فعاد إلى القعود ففيه قولان؛ أحدهما: يسجد (للسهو). والثاني: لا يسجد.
وإن ترك التشهد الأول، أو الصلاة على النبي في التشهد الأول وقلنا أنها سنة، أو ترك القنوت، سجد للسهو، وقيل: إن ترك ذلك عمداً لم يسجد وإن سها سهوين أو أكثر كفاه للجميع سجدتان. وإن سهى خلف الإمام لم يسجد، وإن سهى إمامه تابعه في السجود فإن ترك الإمام سجد المأموم. وإن سبقه الإمام بركعة، فسجد معه أعاد في آخر صلاته في قوله الجديد. ولا يعيد في القديم.
---(1/25)
وإن ترك إمامه فرضاً نوى مفارقته ولم يتابعه. وإن ترك فعلاً مسنوناً تابعه ولم يشتغل بفعله.
وسجود السهو سنة فإن ترك جاز ومحله قبل السلام. وقال في موضع آخر: إن كان السهو زيادة فمحله بعد السلام، والأول أصح، فإن لم يسجد حتى سلم ولم يطل الفصل سجد، وإن طال ففيه قولان؛ أصحهما: أنه لا يسجد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 49
باب الساعات التي نُهي عن الصلاة فيها
وهي خمسة أوقات: عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وعند الاستواء حتى تزول، وعند الاصفرار حتى تغرب، وبعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر.
ولا يكره فيها ما له سبب كصلاة الجنازة، وسجود التلاوة، وقضاء الفائتة.
ولا يكره شيء من الصلاة في هذه الساعات بمكة، ولا عند الاستواء يوم الجمعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 50
باب صلاة الجماعة
والجماعة سنة في الصلوات الخمس. وقيل: هي فرض على الكفاية، فإن اتفق أهل بلد على تركها قوتلوا.
وأقل الجماعة اثنان.
ولا تصح الجماعة حتى ينوي المأموم الائتمام.
وفعلها فيما كثر فيه الجمع من المساجد أفضل.
فإن كان في جواره مسجد ليس فيه جماعة كان فعلها في مسجد الجوار أفضل، وإن كان للمسجد إمام راتب كره لغيره إقامة الجماعة فيه.
ومن صلى منفرداً ثم أدرك جماعة يصلون استحب له أن يصليها معهم.
ويعذر في ترك الجماعة: المريض.
ومن يتأذى بالمطر، والوحل.
والريح الباردة في الليلة المظلمة، ومن له مريض يخاف ضياعه، أو قريب يخاف موته.
ومن حضره الطعام ونفسه تتوق إليه، أو يدافع الأخبثين.
أو يخاف ضرراً في نفسه، أو ماله.
ومن أحرم منفرداً، ثم نوى متابعة الإمام جاز من أحد القولين. ومن أحرم (مع الإمام) ثم أخرج نفسه من الجماعة، وأتم منفرداً جاز وإن كان لغير عذر ففيه قولان؛ أصحهما: أنه يجوز.
وإن أحدث الإمام فاستخلف مأموماً جاز في أصح القولين.
---(1/26)
إلا أنه لا يستخلف إلا من لا يخالفه في ترتيب الصلاة. وقيل: لا يجوز أن يستخلف في صلاة الجمعة إلا من كان معه في الركعة الأولى. والمنصوص أنه يجوز.
ويستحب للامام أن يخفف في الأذكار إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل. وإذا أحس الإمام بداخل وهو راكع، استحب له أن ينتظره في أصح القولين، ويكره في القول الآخر. ومن أدرك الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك الجماعة. وإن أدركه راكعاً فقد أدرك الركعة. وإن أدركه في الركعة الأخيرة فهي أول صلاته، وما يقضيه فهو آخر صلاته يعيد فيها القنوت. ومن أدركه قائماً فقرأ بعض الفاتحة ثم ركع الإمام فقد قيل: يقرأ، ثم يركع.t وقيل: يركع، ولا يقرأ.
ويكره أن يسبق الإمام بركن. وإن سبقه بركن عاد إلى متابعته.
(ولا يجوز أن يسبقه بركنين)، فإن سبقه بركنين بأن ركع قبله، فلما أراد أن يركع رفع، فلما أراد أن يرفع سجد، فإن فعل ذلك مع العلم بتحريمه بطلت صلاته، وإن فعل مع الجهل لم تبطل صلاته، ولم يعتد له بتلك الركعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 51
ومن حضر وقد أقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بنافلة، فإن أقيمت وهو في النافلة لم يخش فوات الجماعة أتمها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 51
باب صفة الأئمة
السنة أن يؤم القوم أقرؤهم، وأفقههم، فإن زاد واحد في الفقه والقراءة فهو أولى، وإن زاد واحد بالفقه، وزاد آخر في القراءة، فالأفقه أولى. فإن استويا في ذلك قُدم أشرفهما، وأسنّهما فإن استويا في ذلك قُدم أقدمهما هجرة، فإن استويا في ذلك قدم أورعهما، فإن استويا في ذلك أقرع بينهما.
وصاحب البيت، أولى من غيره، وأمام المسجد أحق من غيره. والسلطان أحق من صاحب المنزل، وإمام المسجد، والبالغ أولى من الصبي. والحاضر أولى من المسافر. والحر أولى من العبد. والعدل أولى من الفاسق. وغير ولد الزنا أولى من ولد الزنا. والبصير أولى عندي من الأعمى وقيل: هو والبصير سواء.
---
ويكره أن يؤم الرجل قوماً وأكثرهم له كارهون.(1/27)
ولا تجوز الصلاة خلف كافر ولا مجنون، ولا محدث، ولا نجس، ولا صلاة رجل، ولا خنثى خلف امرأة، ولا خنثى خلف الخنثى.
ولا طاهرة خلف المستحاضة. وقيل: يجوز ذلك.
ولا يجوز صلاة قارىء خلف أمّي ولا أخرس، ولا ارتّ، ولا ألثغ، في أحد القولين.
ولا تجوز صلاة الجمعة خلف من يصلّي الظهر. وفي جوازها خلف صبي أو متنفل قولان.
ولا يجوز صلاة خلف من يصلي صلاة يخالفها في الأفعال الظاهرة كالصبح خلف من يصلي الكسوف، والكسوف خلف من يصلي الصبح. فإن صلى أحد هؤلاء خلف من يصلي الكسوف، والكسوف خلف من يصلي الصبح، فإن صلى أحد هؤلاء خلف أحد هؤلاء ولم يعلم ثم علم أعاد، إلا من صلى خلف المحدث فإنه لا إعادة عليه في غير الجمعة ويجب في الجمعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 52
باب موقف الإمام والمأموم
السنة أن يقف الرجل الواحد عن يمين الإمام، والخنثى خلفهما، والمرأة خلف الخنثى، وإن حضر رجلان أو رجل وصبي اصطفا خلفه، وإن كانوا عراة وقف الإمام وسطهم. وإن حضر رجال، وصبيان، وخناثى، ونساء، تقدم الرجال، ثم الصبيان، ثم الخناثى، ثم النساء. ومن حضر ولم يجد في الصف فرجة جذب واحداً واصطف معه، فإن لم يفعل وصلى وحده كره ذلك، (وأجزأته صلاته).
وإن حضر ومع الإمام واحد عن يمينه أحرم عن يساره، ثم يتقدم الإمام، أو يتأخر المأمومان.
والمستحب أن لا يكون موضع الإمام أعلى من موضع المأمومين، إلا أن يريد تعليمهم أفعال الصلاة؛ فالمستحب أن يقف الإمام على موضع عال كما فعل رسول الله .
وإن تقدم المأموم على الإمام لم تصح صلاته في أصح القولين.
وإن صلت المرأة بنسوة قامت وسط الصف.
ومن صلى مع الإمام في المسجد جازت صلاته إذا علم بصلاته.
---(1/28)
وإن صلى به خارج المسجد واتصلت به الصفوف جازت صلاته، وإن انقطعت ولم يكن دونه حائل جازت صلاته إذا لم يزد ما بينه وبين آخر الصف ثلاثمائة ذراع، وإن حال بينهما حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة لم تجز صلاته، وإن منع الاستطراق دون المشاهدة بأن يكون بينهما شباك، فقد قيل: يجوز. وقيل: لا يجوز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 53
باب صلاة المريض
إذا عجز المريض عن القيام صلى قاعداً. ويقعد متربعاً في أحد القولين، ومفترشاً في الآخر. وإن عجز عن القعود صلى مضطجعاً على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه؛ ويومىء بالركوع والسجود. ويكون سجوده أخفض من ركوعه، وإن عجز عن ذلك أومأ بطرفه ونوى بقلبه. ولا تترك الصلاة ما دام عقله ثابتاً. وإن قدر على القيام في أثناء الصلاة أو القعود انتقل إليه وأتم صلاته. وإن كان به وجع العين فقيل له: إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك وهو قادر على القيام احتمل ان يجوز له ترك القيام، واحتمل أن لا يجوز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 54
باب صلاة المسافر
إذا سافر في غير معصية سفراً يبلغ ثمانية وأربعين ميلاً بالهاشمي، فله أن يصلي الظهر، والعصر، والعشاء ركعتين ركعتين، إذا فارق بنيان البلد، أو خيام قومه إن كان من أهل الخيام.
والأفضل أن لا يقصر إلا في سفر يبلغ مسيرة ثلاثة أيام، فإذا بلغ سفره ذلك كان القصر أفضل من الإتمام. فإن كان للبلد الذي يقصده طريقان يقصر في أحدهما، ولا يقصر في الآخر فسلك الأبعد لغير غرض لم يقصر في أحد القولين ويقصر في الآخر.
فإن أحرم في البلد ثم سافر، أو أحرم في السفر ثم أقام أو شك في ذلك لم ينو القصر، أو ائتم بمقيم في جزء من صلاته، أو بمن لا يعلم أنه مسافر أو مقيم لزمه أن يتم، وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج أتم.
---
وإن أقام في بلد لقضاء حاجة، ولم ينو الإقامة قصر إلى ثمانية عشر يوماً في أحد القولين. ويقصر أبداً في الآخر.(1/29)
وإن فاتته صلاة في الحضر فقضاها في السفر أتم.
وإن فاتته في السفر فقضاها في السفر أو الحضر (في السفر) ففيه قولان؛ أصحهما: أنه يتم.
ويجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما في السفر الطويل. وفي السفر القصير قولان.
والمستحب لمن هو في المنزل في وقت الأولة أن يقدم الثانية إلى الأولة. ولمن هو سائر أن يؤخر الأولة إلى الثانية اقتداء برسول الله .
وإن أراد الجمع في وقت الأولة لم يجز إلا بثلاثة شروط أن يقدم الأولة منهما وأن ينوي الجمع عند الإحرام بالأولة في أحد القولين. ويجوز في القول الثاني قبل الفراغ من الأولة، وأن لا يفرق بينهما.
وإن أراد الجمع في وقت الثانية كفاه نية الجمع قبل خروج وقت الاولة بقدر ما يصلي فرض الوقت. والأفضل أن يقدم الأولة وأن لا يفرق بينهما.
ويجوز للمقيم الجمع في المطر في وقت الأولة منهما.
إن كان يصلي (جماعة) في موضع يصيبه المطر وتبتل ثيابه. ويكون المطر موجوداً عند افتتاح الأولة، وعند الفراغ منها وافتتاح الثانية. وفي جواز الجمع في وقت الثانية قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 55
باب صلاة الخوف
إذا كان العدو في غير جهة القبلة ولم يؤمنوا وقتالهم غير محظور، فرّق الإمام الناس فرقتين: فرقة في وجه العدو، وفرقة خلفه. فيصلي بالفرقة التي خلفه ركعة، فإذا قام إلى الثانية فارقته وأتمت الركعة الثانية لنفسها، ثم تخرج إلى وجه العدو، وتجيء الطائفة الأخرى فيصلي معها الركعة الثانية ويجلس، وتصلي الطائفة الركعة الثانية ثم يسلم بهم.
وهل يقرأ في حال انتظاره أم لا ويتشهد فيه قولان، وقيل: يتشهد قولاً واحداً.
---(1/30)
فإن كانت الصلاة مغرباً صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالثانية ركعة في أحد القولين. وفي القول الآخر يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين، وإن كانت الصلاة رباعية صلى بكل طائفة ركعتين، فإن فرقهم أربع فرق فصلى بكل فرقة ركعة، ففي صلاة الإمام قولان؛ أحدهما: أنها صحيحة وهو الأصح، وفي صلاة المأموم قولان؛ أحدهما: أنها تصح، والثاني: تصح صلاة الطائفة الأخيرة، وتبطل صلاة الباقين، والقول الثاني إن صلاة الإمام باطلة. وتصح صلاة الطائفة الأولى والثانية، وتبطل صلاة الطائفة الثالثة والرابعة.
وإن كان العدو في جهة القبلة يشاهدون في الصلاة وفي المسلمين كثرة أحرم بالطائفتين وسجد معه الصف الذي يليه، فإذا رفعوا رؤوسهم سجد الصف الآخر فإذا سجد في الثانية حرس الصف الذي سجد في الاولى وسجد الصف الآخر، فإذا رفعوا رؤوسهم سجد الصف الآخر.
ويستحب أن يحمل السلاح في صلاة الخوف في أحد القولين، ويجب في الآخر.
وإذا استبد الخوف والتحم القتال، صلوا رجالاً وركباناً إلى القبلة وغير القبلة، وان لم يقدروا على الركوع والسجود أومأوا، وإن اضطروا إلى الضرب المتتابع ضربوا ولا إعادة عليهم. وقيل: عليهم الإعادة. وإن أمن وهو راكب فنزل بنى، وإن كان راجلاً فركب استأنف على المنصوص. وقيل: إن اضطر إلى الركوب فركب لم يستأنف. وقيل: فيه قولان. إن رأوا سواداً فظنوه عدواً فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان لهم انه لم يكن عدواً أجزأتهم الصلاة في أصح القولين.
وإن رأوا عدواً فخافوهم فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان أنه كان بينهم خندق، أعادوا. وقيل: فيه قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 56
باب ما يكره لبسه كراهة تحريم وما لا يكره
يحرم على الرجل استعمال ثياب الإبريسم.
وما أكثره إبريسم. وكذلك يحرم عليه المنسوج بالذهب والمموه به، إلا أن يكون قد صدىء.
---(1/31)
ويجوز للمحارب لبس الديباج الثخين الذي لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح، ولبس المنسوج بالذهب إذا فاجأته الحرب ولم يجد غيره.
ويجوز شد السن بالذهب للضرورة.
ويجوز لبس الحرير للحكة. وقيل: لا يجوز.
ويجوز أن يلبس دابته الجلد النجس، سوى جلد الكلب والخنزير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 58
باب صلاة الجمعة
من لزمه الظهر لزمه الجمعة إلا العبد، والمرأة، والمسافر والمقيم في موضع لا يُسمع منه النداء من المواضع الذي تصح فيه الجمعة، والمريض، والمقيم بمريض يخاف ضياعه، ومن له قريب يخاف موته، ومن تبتل ثيابه بالمطر في طريقه. ومن يخاف من ظالم فلا جمعة عليهم.
وإن حضروا إلا المريض ومن في طريقه مطر فإنهما إذا حضرا (الجامع) لزمهما الجمعة. ومن لا جمعة عليه مخير بين الظهر والجمعة.
والأفضل أن لا يصلي الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة.
ومن يلزمه فرض الجمعة لا يصلي الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة، فإن صلاها قبل فوات الجمعة لم تصح صلاته في أحد القولين.
ومن لزمه فرض الجمعة لم يجز له أن يسافر سفراً لا يصلي فيه الجمعة بعد الزوال. وهل يجوز قبل الزوال؟ ففيه قولان.
ولا تصح الجمعة إلا بشروط؛ أحدها: أن تكون في أبنية مجتمعة.
والثاني: أن تكون في جماعة.
والثالث: أن تقام بأربعين رجلاً.
(وشروطهم) أحراراً، بالغين، عقلاء، مقيمين في موضع لا يظعنون عنه شتاء، ولا صيفاً، إلا ظعن حاجة، من أول الخطبة إلى أن تقام الجمعة، فإن انفضوا عنه، وبقي الإمام وحده أتمها ظهراً. وإن نقصوا عن الأربعين أتمها ظهراً في أصح الأقوال. وإن بقي معه إثنان أتمها جمعة في الثاني. وإن بقي معه واحد أتمها جمعة في الثالث. والرابع أن يكون وقت الظهر باقياً. فإن فاتهم الوقت وهم في الصلاة أتموها ظهراً.
---(1/32)
والخامس أن لا يكون قبلها ولا معها جمعة أخرى. فإن كان قبلها جمعة فالجمعة هي الاولى، والثانية باطلة، وإن كان معها ولم يُعلم السابق منهما، ولم تنفرد إحداهما عن الأخرى بإمام فهما باطلتان. وإن كان الإمام مع الثانية ففيه قولان؛ أحدهما: أن الجمعة جمعةُ الإمام. والثاني: أن الجمعة هي السابقة.
والسادس: أن يتقدمها خطبتان.
ومن شروط صحتهما الطهارة، والستارة في أحد القولين. والقيام والقعود بينهما. والعدد الذي ينعقد به الجمعة.
وفرضها أن يحمد الله تعالى، ويصلي على النبي ، ويوصي بتقوى الله تعالى فيهما والدعاء للمؤمنين، ويقرأ في الأولى شيئاً من القرآن. وقيل: (تجب) القراءة فيهما. وسنّتهما أن يكون على منبر، أو موضع عال، وأن يسلم على الناس إذا أقبل عليهم، وأن يجلس إلى أن يؤذن المؤذن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 58
ويعتمد على قوس، أو سيف، أو عصا، وأن يقصد قصد وجهه. وأن يدعو للمسلمين.
وأن يقصر الخطبة ويطيل الصلاة. والجمعة ركعتان إلا أنه يسن أن يجهر فيهما بالقراءة.
وأن يقرأ بعد الفاتحة في الأولى: سورة الجمعة، وفي الثانية: المنافقين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 58
باب هيئة الجمعة
والسنة لمن أراد الجمعة، أن يغتسل لها، عند الرواح إليها. فإن اغتسل لها بعد الفجر أجزأه.
وأن يتنظف بسواك، وأخذ ظفر، وشعر، وقطع رائحة (كريهة)، وأن يتطيب، ويلبس أحسن ثيابه، وأفضلها البياض.
ويزيد الإمام على سائر الناس في الزينة، ويبكر بعد طلوع الشمس ويمشي إليها وعليه السكينة والوقار، ولا يركب ويدنو من الإمام ويشتغل بذكر اللَّه عز وجل، والتلاوة، ويستحب أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة. وأن يكثر من الصلاة على النبي في يومها وليلتها.
ويكثر في يومها من الدعاء رجاء أن يصادف ساعة الإجابة.
وإن حضر والإمام يخطب لم يتخط رقاب الناس. ولا يزيد على تحية المسجد ركعتين يتجوز فيهما.
---(1/33)
ويستمع الخطبة إن كان يسمعها. ويشتغل بذكر الله تعالى والتلاوة، ويستحب أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، وأن يكثر من الصلاة على رسول الله في يومها وليلتها. ويكثر في يومها من الدعاء رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، وإن حضر والإمام يخطب لم يتخط رقاب الناس، ولا يزيد على تحية المسجد بركعتين يتجوز فيها، ويستمع الخطبة إن كان يسمعها، ويذكر الله تعالى إن لم يسمعها ولا يتكلم، فإن تكلم لم يأثم في أصح القولين.
وإن أدرك الإمام راكعاً في الثانية أتم الجمعة. فإن أدركه بعد الركوع أتم ظهراً.
وإن زوحم عن السجود، وأمكنه أن يسجد على ظهر إنسان فعل، فإن لم يمكنه انتظر حتى يزول الزحام ثم يسجد. فإن أدرك الإمام قبل السلام أتم الجمعة، وإن لم يدرك السلام أتم الظهر، وإن لم يزل الزحامُ حتى ركعَ الإمام في الثانية ففيه قولان؛ أحدهما: يقضي ما عليه، والثاني: أنه يتبع الإمام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 60
باب صلاة العيدين
وصلاة العيدين سنة مؤكدة، وقيل: هي فرض على الكفاية، فإن اتفق أهل بلد على تركها من غير عذر قوتلوا. ووقتها ما بين أن ترتفع الشمس إلى الزوال.
ويسن تقديم صلاة الأضحى، وتأخير صلاة الفطر، فإن فاتته قضاها في أصح القولين.
والسنة أن يمسك في عيد الأضحى إلى أن يصلي، ويأكل في عيد الفطر قبل الصلاة. وتقام الصلاة في الجامع فإن ضاق بهم صلوا في الصحراء. ويستخلف الإمام من يصلي في الجامع بضعفة الناس، ويحضرها الرجال والنساء والصبيان، ويظهرون الزينة.
ويغتسل لها بعد الفجر. فإن اغتسل لها قبل الفجر جاز في أحد القولين.
ويبكر الناس بعد الصبح، ويتأخر الإمام إلى الوقت الذي يُصلي بهم. ولا يركب في المضي إليها.
ويمضون إليها في طريق، ويرجعون في طريق أخرى اقتداء برسول الله .
والسنة أن تصلى جماعة، وينادى لها الصلاة جامعة.
---(1/34)
ويصلي ركعتين، إلا أنه يكبر في الأولى بعد دعاء الافتتاح وقبل التعوذ: سبع تكبيرات، وفي الثانية قبل القراءة خمس تكبيرات، ويرفع فيها اليدين. ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة ق، وفي الثانية اقتربت الساعة. ويخطب بهم خطبتين كخطبتي الجمعة، إلا أنه يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع تكبيرات.
ويعلمهم في الفطر زكاة الفطر. وفي الأضحى الأضحية.
ويجوز أن يخطب من قعود والسنة أن يبتدىء في عيد الفطر بالتكبير بعد الغروب من ليلة الفطر خلف الصلوات. وفي غيرها من الاحوال، وخاصة عند ازدحام الناس إلى أن يحرم الإمام بصلاة العيد.
وفي عيد الأضحى يبتدىء يوم النحر بعد صلاة الظهر.
ويكبر خلف الفرائض، وخلف النوافل في أصح القولين. إلى أن يصلي الصبح من آخر أيام التشريق في أصح الأقوال، وفيه قول ثان: أنه يكبر من المغرب ليلة العيد إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وفيه قول ثالث: أنه يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى أن يصلي العصر آخر أيام التشريق.
وإن رأى شيئاً من بهيمة الأنعام في الأيام المعلومات وهي العشر الأول من ذي الحجة، كبر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 62
باب صلاة الكسوف
وهي سنة مؤكدة، ووقتها من حين الكسوف، إلى حين تجلى، فإن فاتت لم تقض.
والسنة أن يغتسل لها، وأن تقام في جماعة حيث تُصلى الجمعة، و(أن) ينادى لها: الصلاة جامعة وهي ركعتان في كل ركعة قيامان، وقراءتان، وركوعان، وسجودان. ويستحب أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة سورة طويلة كالبقرة، ثم يركع، ويدعو بقدر مائة آية ثم يرفع، ويقرأ بعد الفاتحة بقدر آل عمران ويركع ويدعو بقدر سبعين آية. ثم يسجد كما يسجد في غيرها، ثم يقوم في الثانية فيقرأ بعد الفاتحة نحو مائة وخمسين آية ثم يركع، ويدعو بقدر سبعين آية، ثم يرفع، فيقرأ بعد الفاتحة نحواً من مائة آية ثم يركع، ويدعو بقدر خمسين آية، ثم يسجد كما يسجد في غيرها.
---(1/35)
فإن كان في كسوف الشمس أسرّ، وإن كان في خسوف القمر جهر.
ثم يخطب خطبتين، يخوفهم فيهما با. فإن لم يصلّ حتى تجلت لم يصل، وإن لم يصل لكسوف الشمس حتى غابت كاسفة لم يصلّ، وإن لم يصلّ، لخسوف القمر حتى غاب خاسفاً قبل طلوع الشمس صلّى.
وإن اجتمع صلاتان مختلفتان بدأ بأخوفهما فوتاً، ثم يصلي الأخرى، ثم يخطب كالمكتوبة، والكسوف في أول الوقت يبدأ بالكسوف، ثم يصلي المكتوبة، ثم يخطب، فإن استويا في الفوات، بدأ بآكدهما كالوتر، والكسوف يبدأ بالكسوف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 63
باب صلاة الاستسقاء
إذا أجدبت الأرض وانقطع الغيث وانقطع ماء العين، وعظ الإمام الناس، وأمرهم بالخروج من المظالم، والتوبة من المعاصي، ومصالحة الأعداء، والصدقة، وصيام ثلاثة أيام، ثم يخرج بهم إلى المصلى في اليوم الرابع بعد غسل، وتنظف في ثياب بذلة. ويخرج معه الشيوخ والعجائز والصبيان، وإن أخرجوا البهائم لم يكره، وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا، ولكن لا يختلطون بالمسلمين. ويصلي بهم ركعتين، كصلاة العيد.
ويستحب أن يقرأ فيها سورة نوح.
---(1/36)
ويخطب خطبتين يستغفر الله في افتتاح الاولى تسعاً، وفي الثانية سبعاً. ويكثر فيهما من الصلاة على رسول الله ، ومن الاستغفار، ويقرأ فيها {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مِدْراراً} (نوح: 10 و11). ويرفع يديه، ويدعو بدعاء رسول الله : «اللهم سقيا رحمة، ولا سقيا عذاب، ولا محق، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق، اللهم على الظراب، ومنابت الشجر، اللهم حوالينا ولا علينا. اللهم اسقنا غيثاً: مغيثاً، هنيئاً، مريئاً، مريعاً، غدقاً، مجللاً، سحاً، عاماً، طبقاً، دائماً، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد، والبلاد، والخلق من اللأواء، والجهد، والضنك، ما لا نشكو إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدّر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجهد، والجوع، والعُري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك، إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً». ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة الثانية، ويحول رداءه من يمينه إلى شماله، ومن شماله إلى يمينه، ويجعل أعلاه أسفله ويتركه إلى أن ينزعه مع ثيابه، ويفعل الناس مثل ذلك.
فإن لم يسقوا أعادوا ثانياً وثالثاً. وإن تأهبوا للصلاة فسقوا قبل الصلاة صلوا وشكروا الله تعالى وسألوه الزيادة. ويستحب الاستسقاء خلف الصلوات بالدعاء.
ويستحب لأهل الخصب أن يدعو لأهل الجدب، ويستحب أن يقف في أول المطر ليصيبه، وأن يغتسل في الوادي إذا سال، ويسبح للرعد، والبرق.
كتاب الجنائز
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 64
باب ما يفعل بالميت
يستحب لكل أحد أن يكثر من ذكر الموت، وأن يعود المريض، فإن رجاه دعا له وانصرف، وإن خاف أن يموت رغبة في التوبة والوصية، وإن رآه منزولاً به وجهه إلى القبلة، ولقنه قول: لا إله إلا الله.
---(1/37)
فإذا مات استحب لأرفقهم به أن يغمض عينيه. ويشد لحييه، ويلين مفاصله، ويخلع ثيابه، ويسجيه بثوب واحد، ويجعل على بطنه حديداً أو طيناً رطباً، ويسارع إلى قضاء دينه، والتوصل إلى إبراء ذمته منه، وتفرقة وصيته، ويبادر إلى تجهيزه، إلا أن يكون قد مات فجأة، فيترك ليتيقن موته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 67
باب غسل الميت
وغسل الميت فرض على الكفاية. والأولى أن يتولاه أبوه، ثم جده، ثم ابنه، ثم عصباته، ثم الرجال الأجانب، ثم الزوجة، ثم النساء الأقارب.
وإن كان امرأة غسلها النساء الأقارب، ثم النساء الأجانب، ثم الزوج، ثم الرجال الأقارب، وذوو المحارم أحق من غيرهم.
وإن مات رجل وليس هناك إلا امرأة أجنبية، أو ماتت امرأة وليس هناك إلا رجل أجنبي يمما.
وإن مات كافر، فأقاربه الكفار أحق من أقاربه المسلمين.
ويُستر الميت في الغسل عن العيون. ولا ينظر الغاسل إلاّ إلى ما لا بد له منه، والاولى أن يغسل في قميص، وغير المسخن من الماء أولى، إلا أن يحتاج إلى المسخن وينوي غسله، وينجيه، ولا يجوز أن يمس عورته، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة، ويوضئه وضوءَه كما يوضئه للصلاة.
ثم يغسل رأسه بماء، وسدر، ويسرح شعره. ويغسل شقه الأيمن ثم الأيسر، ثم يفيض الماء على جميع بدنه، ويفعل ذلك ثلاثاً يتعاهد في كل مرة إمرار اليد على البطن، فإن احتاج إلى الزيادة على ذلك غسل ويكون وتراً، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً، ويقلم أظفاره، ويحف شاربه، ويحلق عانته، والفرض من ذلك النية.
والغسل (مرة)، ثم ينشفه في ثوب، فإن خرج منه بعد الغسل شيء أعيد غسله، وقيل: يُوضأ، وقيل: يكفيه غسل المحل. ومن تعذر غسله يمم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 68
باب الكفن
---
وتكفين الميت فرض على الكفاية. ويجب ذلك في ماله مقدماً على الدين، والوصية. فإن كانت امرأة لها زوج فعلى زوجها. وقيل: في مالها. وإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته، فإن لم يكن ففي بيت المال.(1/38)
ويستحب أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب: إزار ولفافتين بيض. والمرأة في خمسة أثواب: إزار، وخمار، ودرع، ولفافتين بيض. ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه، والواجب ثوب واحد.
ويستحب أن يذر الحنوط والكافور في الأكفان. ويجعل الكافور والحنوط في قطن، ويترك على منافذ الوجه، وعلى الأذن. وعلى مواضع السجود. ولو طيب جميع بدنه بالكافور فهو حسن. وإن كان محرماً لم يقرب الطيب، ولا يلبس المخيط ولا يخمر رأسه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 68
باب الصلاة على الميت
وهي فرض على الكفاية، والسنة أن تفعل في جماعة. وأولى الناس بذلك أبوه ثم جده ثم ابنه، ثم ابن ابنه، على ترتيب العصبات. فإن استوى إثنان في الدرجة قدم أسنّهما، فإن استويا في ذلك أقرع بينهما وإن اجتمع المناسب والوالي قدم المناسب في أصح القولين. وإن اجتمع جنائز قدم إلى الإمام أفضلهم.
ويقف الإمام عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة، وينوي، ويكبر أربع تكبيرات يرفع معها اليدين. يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب، وفي الثانية يصلي على النبي ، وفي الثالثة يدعو للميت فيقول: اللهم هذا عبدك وابن عبديك، خرج من رَوح الدنيا وسعتها، ومحبوبها وأحبائه فيها، إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه.
كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك وأنت أعلم به، اللهم نزل بك وأنت، خير منزول به. وأصبح فقيراً إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، ولقه برحمتك رضاك، وقه فتنة القبر، وعذابه وافسح له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين.
---(1/39)
ويقول في الرابعة: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، برحمتك يا أرحم الراحمين ثم يسلم تسليمتين. والواجب من ذلك: النية، والتكبيرات، وقراءة الفاتحة، والصلاة على النبي ، وأدنى الدعاء للميت، والتسليمة الاولى.
ومن سبقه الإمام ببعض التكبيرات دخل في الصلاة وأتى بما أدركه، فإذا سلم الإمام كبر ما بقي من التكبيرات متوالياً، ثم يسلم. ومن فاته جميع الصلاة صلى على القبر أبداً. وقيل: يصلي عليه من كان من أهل الصلاة عليه عند الموت، وقيل: إلى شهر، وقيل: ما لم يبل جسده. وإن كان الميت غائباً عن البلد صلي عليه بالنية كما صلى رسول الله على النجاشي. وإن وجد بعض ميت، غسل، وكفن، وصلي عليه.
ومن مات من المسلمين في حرب الكفار بسبب من أسباب قتالهم، قبل انقضاء الحرب، لم يغسل، ولم يصل عليه بل ينزع عنه ثياب الحرب، ويدفن فيما بقي من ثيابه.
ومن مات في حرب أهل البغي مِن أهل العدل غسل وصلي عليه في أصح القولين، ويغسل السقط الذي نفخ فيه الروح ولم يستهل، ويكفن ولا يصلى عليه. وإن لم ينفخ فيه الروح كفن ودفن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 69
وإن اختلط من يصلي عليه بمن لا يصلى عليه، صلي على كل واحد منهم، وينوي أنه هو الذي يصلي عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 69
باب حمل الجنازة والدفن
والأفضل أن يجمع في حمل الجنازة بين التربيع، والحمل بين العمودين، فإن أراد أحدهما، فالحمل بين العمودين أفضل. ويستحب أن يسرع بالجنازة، وأن يكون الناس أمامها بقربها.
ثم يدفن وهو فرض على الكفاية، والأولى أن يتولى ذلك من يتولى غسله. وأن يكون عددهم وتراً، وأن يكون بالنهار، ويعمق القبر قدر قامة وبسطة. ويدفن في اللحد، إلا أن تكون الأرض رخوة فيشق، ويدفن في شقها ويسلّ الميت مِن قبل رأسه إلى القبر.
---(1/40)
ويُسجى بثوب عند إدخاله القبر، ويقول الذي يدخله القبر: بسم الله وعلى ملة رسول الله ، ويضجع على جنبه الأيمن، ويوضع تحت رأسه لبنة ويفضي بخده إلى الأرض ويحثى عليه التراب باليد ثلاث حثيات.
ثم يهال عليه التراب بالمساحي، ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر. وتسطيحه أفضل من تسنيمه. ويرش عليه الماء. ولا يجصص، ولا يبنى عليه، ولا يدفن إثنان في قبر إلا لضرورة، ويقدم الأسن الأقرأ إلى القبلة.
والدفن في المقبرة أفضل، فإن دفن من غير غسل، أو إلى غير القبلة، نبش وغسل ووجّه إلى القبلة، وإن وقع في القبر شيء له قيمة نبش وأخذ، وإن بلع الميت مالاً لغيره شق جوفه، وأخرج، وإن ماتت امرأة وفي بطنها ولد يرجى حياته شق جوفها وأخرج، وإن لم ترج تُرك عليه شيء حتى يموت. ويستحب للرجال زيارة القبور. ويقول إذا زار: سلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون، اللَّهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم، ولا يجلس على قبر، ولا يدوسه إلا لحاجة. ويكره المبيت في المقبرة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 71
باب التعزية والبكاء على الميت
ويستحب التعزية، قبل الدفن، وبعده إلى ثلاثة أيام، ويكره الجلوس لها. ويقول في تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك. وفي تعزية المسلم بالكافر أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءكِ. وفي تعزية الكافر بالمسلم أحسن الله عزاءك وغفر لميتك. وفي تعزية الكافر بالكافر أخلف الله عليك، ولا نقص عددك.
ويجوز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة. ويستحب لأقرباء الميت وجيرانه، أن يصلحوا طعاماً لأهل الميت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 72
كتاب الزكاة
لا تجب الزكاة إلا على حر، مسلم، تام الملك، على ما تجب فيه الزكاة. فأمّا المكاتب فلا زكاة عليه.
---(1/41)
والكافر إن كان أصلياً فلا زكاة عليه، وإن كان مرتداً ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: تجب، والثاني: لا تجب، والثالث: إن رجع إلى الإسلام وجبت، وإن لم يرجع لم تجب.
وما لم يتم ملكه عليه كالدين الذي على المكاتب لا تجب فيه الزكاة. وفي الاجرة قبل استيفاء المنفعة، قولان؛ أصحهما: أنه يجبفيه الزكاة.
وفي المال المغصوب، والضال، والدين على مماطل قولان؛ أصحهما: أنه تجب فيها الزكاة.
ولا تجب الزكاة إلا في المواشي، والنبات والناض، وعروض التجارة، وما يؤخذ من المعدن والركاز. وهل تجب في أعيانها أو في الذمة فيه قولان؛ أحدهما: أنها تجب في الذمة. والثاني: تجب في العين، فيملك الفقراء من النصاب قدر الفرض، فإن لم يخرج منه، لم تجب في السنة الثانية زكاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 75
باب صدقة المواشي
ولا تجب الزكاة في المواشي إلا في الإبل، والبقر، والغنم. فإذا ملك منها نصاباً من السائمة حولاً كاملاً، وجبت فيه الزكاة في أصح القولين، ولا تجب في الآخر حتى يتمكن من الأداء. وما ينتج من النصاب في أثناء الحول يزكى لحول النصاب، وإن لم يمض عليه حول. فإن باع النصاب في أثناء الحول انقطع الحول. وإن مات ففيه قولان؛ أصحهما: أنه ينقطع الحول، والثاني: أن الوارث يبني على حول المورث.
وأول نصاب الإبل خمس، فتجب فيها شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه. فإن أخرج منها بعيراً قُبل منه.
---(1/42)
ويجزىء في شاتها الجذع من الضأن، وهو الذي له ستة أشهر، أو الثني من المعز وهو الذي له سنة (ودخل في الثانية). وقيل: لا يجزىء فيها الإّ الجذعة أو الثنية. وفي خمس وعشرين: بنت مخاض، وهي التي لها سنة، ودخلت في الثانية، فإن لم يكن في إبله بنت مخاض، قُبل منه ابن لبون (ذكر) وهو الذي له سنتان، ودخل في الثالثة. وفي ست وثلاثين: بنت لبون. وفي ست وأربعين: حقة، وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. وفي إحدى وستين: جذعة، وهي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة. وفي ست وسبعين: بنتا لبون. وفي إحدى وتسعين: حقتان. وفي مائة وإحدى وعشرين: ثلاث بنات لبون. ثم في كل أربعين: بنت لبون، وفي كل خمسين: حقة.
وفي الأوقاص التي بين النصب قولان؛ أحدهما: أنها عفو، والثاني: أن فرض النصاب يتعلق بالجميع.
ومن وجب عليه سن ولم يكن عنده، أخذ منه سن أعلى منه، ورد عليه شاتان، أو عشرون درهماً، أو سن أسفل منه، ودفع معه شاتان أو عشرون درهماً. والاختيار في الصعود والنزول إلى المصدّق. وفي الشاتين أو العشرين درهماً إلى الذي يعطي ذلك.
وإن اتفق فرضان في نصاب، كالمائتين فيها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، اختار الساعي أنفعهما للمساكين. وقيل: فيه قولان؛ أحدهما: ما ذكرت، والثاني: أنه تجب الحقاق.
وأول نصاب البقر ثلاثون فيجب فيها تبيع، وهو الذي له سنة (ودخل في الثانية). وفي أربعين مسنة وهي التي لها سنتان. وفي ستين تبيعان وعلى هذا أبداً، في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 76
---(1/43)
وأول نصاب الغنم أربعون فتجب فيها شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، ثم في كل مائة شاة فإن كانت الماشية إناثاً أو ذكوراً، وإناثاً لم يؤخذ في فرضها إلا الأنثى، إلا في ثلاثين من البقر، فإنه يجزىء فيها الذكر، وإن كان كلها ذكوراً أخذ من فرضها الذكر إلا الإبل فإنه لا يؤخذ فيها إلا الإناث، وقيل: يؤخذ منها الذكر إلا أنه يؤخذ في ست وثلاثين ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون، يؤخذ في خمس وعشرين، وإن كانت الماشية صحاحاً أخذ منها صحيحة، وإن كانت كلها مراضاً أخذ منها مريضة، وإن كانت صحاحاً ومراضاً أخذ منها صحيحة، ببعض قيمة فرض صحيح، وبعض قيمة فرض مريض على قدر المالين. وإن كانت صغاراً فإن كانت من الغنم أخذت منها صغيرة. وإن كانت من الإبل والبقر أخذ منها كبيرة أقل قيمة من كبيرة تؤخذ من الكبار. وقيل: تؤخذ الكبيرة من النصب التي تتغير فيها الفرض بالسن. فأما فيما يتغير الفرض فيها بالعدد فإنه يؤخذ الصغار. وإن كانت المواشي أنواعاً كالبخاتى والعراب، والجواميس والبقر والضأن، والمعز، ففيه قولان: أحدهما يؤخذ من الأكثر، والثاني: يجب في الجميع بالقسط. ولا تؤخذ الرُبّى. (ولا) الماخض (ولا) فحل الغنم الأكولة، وحزرات المال إلا أن يختار رب المال.
وإن كان بين نفسين من أهل الزكاة نصاب مشترك من الماشية، أو نصاب غير مشترك إلا أنهما اشتركا في المراح، والمسرح، والمشرب، والفحل، والراعي، والمحلب، حولاً كاملاً زكّيا زكاة الرجل الواحد، فإن أخذ الساعي الفرض من نصيب أحدهما رجع على خليطه بالحصة. وإن كان بينهما نصاب من غير الماشية، ففيه قولان؛ أصحهما: أنه كالماشية، والثاني، يزكيان زكاة المنفرد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 76
باب زكاة النبات
---(1/44)
ولا تجب الزكاة في شيء إلا فيما يقتات مما ينبته الآدميون كالحنطة، والشعير، والدخن، والذرة، والأرز، وما أشبه ذلك والقطنية، وهي العدس، والحمص والماش، والباقلا، واللوبياء، والهرطمان، ولا تجب في شيء من الثمار إلاّ في الرطب، والعنب. وقال في القديم: تجب في الزيتون، والورس والزعفران، والقرطم. ولا يجب ذلك إلا على من انعقد في ملكه نصاب من الحبوب أو بدا الصلاح في ملكه نصاباً من الثمار. ونصابه أن يبلغ الجنس الواحد بعد التصفية في الحبوب، والجفاف في الثمار خمسة أوسق وهو ألف وستمائة رطل بالبغدادي، إلا الأرز، والعلَس وهو صنف من الحنطة يدخر في قشره، فنصابه عشرة أوسق مع قشره. وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في إكمال النصاب.
وفي الزرع أربعة أقوال؛ أحدها: أنه يضم زرع العام الواحد بعضه إلى بعض. والثاني، يضم ما اتفق زراعته في فصل واحدٍ. والثالث: (يضم) ما اتفق حصاده في فصل واحد. والرابع: (يضم) ما اتفق زراعته وحصاده في فصل واحد.
وما سقي بغير مؤنة كماء السماء والسيح، أو ما يشرب بالعروق، يجب فيه العشر. وما سقي بمؤنة كالنواضح، والدوالي، يجب فيه نصف العشر.
وإن سقي نصفه بذاك ونصفه بهذا وجب فيه ثلاثة أرباع العشر. وإن سقي بأحدهما أكثر ففيه قولان؛ أحدهما: يعتبر فيه حكم الأكثر. والثاني: يجب بالقسط. وإن جهل المقدار جعل بينهما نصفين.
ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه، ويجب إخراج الواجب من التمر يابساً، ومن الحب مصفى. فإن احتيج إلى قطعه للخوف من العطش، أو كان رطباً لا يجيء منه تمراً، أو عنباً لا يجيء منه زبيب، أخذ الزكاة من رطبه.
وإن أراد صاحب المال أن يتصرف في الثمرة قبل الجفاف خُرّرِ صَ عليه، وضُمن نصيب الفقراء. ثم يتصرف فإن كان اجناساً خرص (عليه) نخلة نخلة. وإن كان جنساً واحداً جاز أن يخرص الجميع دفعة واحدة.
---(1/45)
فإن باع قبل أن يضمن نصيب الفقراء بطل البيع في أحد القولين. ولم يبطل في الآخر. وإن باع الثمرة قبل بدو الصلاح، أو باع الماشية قبل (تمام) الحول، فراراً من الزكاة، كره ذلك، ولم يبطل البيع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 80
باب زكاة الناض
ومن ملك نصاباً من الذهب والفضة حولاً كاملاً، وهو من أهل الزكاة، وجبت عليه الزكاة. ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، وزكاته نصف مثقال، وفيما زاد بحسابه، ونصاب الورق مائتا درهم، وزكاته خمسة دراهم، وفيما زاد بحسابه.
وإن ملك حُلِيّاً معداً لاستعمال مباح، لم تجب الزكاة فيه في أحد القولين. وإن كان معداً لاستعمال محرم، أو للقنية وجبت فيه الزكاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 83
باب زكاة العُروض
إذا اشترى عرضاً (للتجارة) بنصاب من الأثمان، بنى حوله على حول الثمن. وإن اشترى (عرضاً للتجارة) بعرض للقنية أو بما دون النصاب من الأثمان انعقد الحول عليه من يوم الشراء، وقيل: لا يجزىء في الحول حتى تكون قيمته نصاباً من أول الحول إلى آخره. وإن اشترى (عرضاً للتجارة) بنصاب من السائمة، فقد قيل: يبني على حول الماشية، وقيل: ينعقد عليه الحول من يوم الشراء، وهو الأظهر.
---(1/46)
ويقوم مال التجارة برأس المال إن كان نقداً. وبنقد البلد إن كان رأس المال عرضاً. وقيل: إن كان رأس المال دون النصاب قوّم بنقد البلد، فإن بلغت قيمته في آخر الحول نصاباً زكاه، وإن نقصت عن النصاب لم تلزمه الزكاة إلى أن يحول عليه حول آخر، وقيل: (لا يبطل ثم) إن زادت قيمته، بعد ذلك بيوم أو بشهر، صار ذلك حوله، وتلزمه الزكاة، ويجعل الحول الثاني من ذلك الوقت. وإن اشترى عرضاً بمائتي درهم ونض ثمنه وزاد على قدر رأس المال زكى الأصل لحوله، وزكى الزيادة لحولها وفي حول الزيادة وجهان أحدهما: من حين الظهور، والثاني: من حين النض. وقيل: في المسألة قولان؛ أحدهما: يزكي الأصل لحوله، والزيادة لحولها. والثاني: يزكي الجميع بحول الأصل، وإن باع عرض التجارة في اثناء الحول بعرض للتجارة لم ينقطع الحول، وإن باع الأثمان بعضها ببعض للتجارة فقد قيل: ينقطع الحول. وقيل: لا ينقطع وإن اشترى للتجارة ما تجب الزكاة في عينه وسبق وقت وجوب زكاة العين بأن اشترى نخيلاً فأثمرت فبدا فيها الصلاح قبل الحول وجب زكاة العين، وإن سبق وقت وجوب زكاة التجارة بأن يكون عنده مال للتجارة فاشترى به نصاباً من السائمة وجبت زكاة التجارة، وإن اتفق وجوبهما ففيه قولان. وقيل: القولان في الأحوال كلها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 84
باب زكاة المعدن والركاز
إذا استخرج من معدن، في أرض مباحة، أو مملوكة، نصاباً مِن الذهب أو الفضة وهو من أهل الزكاة دفعة واحدة، أو في أوقات متتابعة بحيث لم ينقطع فيها عن العمل بترك وإهمال، وجبت عليه الزكاة في الحال في أصح القولين، ولا تجب في الآخر حتى يحول عليه الحول، وفي زكاته ثلاثة أقوال أحدها: ربع العشر. والثاني: الخمس. والثالث: إن أصابه بلا تعب ولا مؤنة، وجب فيه الخمس، وإن أصابه بتعب ومؤنة، ففيه ربع العشر. ولا يخرج الحق إلا بعد الطحن، والتخليص.
---(1/47)
وإن وجد ركازاً من دفين الجاهلية في موات، وهو نصاب من الأثمان وجب فيه الخمس في الحال. وإن كان دون النصاب، أو قدر النصاب من غير الأثمان، ففيه قولان، وإن كان من دفين الإسلام فهو لقطة، وإن كان في أرض مملوكة فهو لصاحب الأرض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 85
باب زكاة الفطر
وتجب زكاة الفطر على كل حر مسلم فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته ما يؤدي في الفطرة. فإن فضل بعض ما يؤدي فقد قيل: يلزمه، وقيل: لا يلزمه.
ومن وجبت عليه فطرته، وجبت عليه فطرة كل من تلزمه نفقته، إذا كانوا مسلمين، ووجد ما يؤدي عنهم. فإن وجد (بعض) ما يؤدي عن البعض، بدأ بمن يبدأ بنفقته، وقيل: يقدم فطرة الزوجة على فطرة نفسه. وقيل: يبدأ بفطرة نفسه، ثم هو بالخيار في حق غيره. وقيل: هو بالخيار في حق نفسه، وحق غيره.
وإن زوّج أمته بعبد أو حر معسر، أو تزوجت موسرة بحر معسر، ففيه قولان؛ أحدهما: تجب على السّيد فطرة الأمة وعلى الحرة فطرة نفسها. والثاني: لا تجب. وقيل: تجب على السيد، ولا تجب على الحرة، وهو ظاهر المنصوص، وتجب صدقة الفطر إذا أدرك آخر جزء من شهر رمضان، وغربت الشمس، في أصح القولين. وتجب بطلوع الفجر في الثاني. والأفضل أن تُخرج قبل صلاة العيد. ويجوز إخراجها في جميع شهر رمضان.
ولا يجوز تأخيرها عن يوم الفطر. فإن أخرها أثم، ولزمه القضاء. والواجب منه صاع بصاع رسول الله وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، ويجب ذلك من الأقوات التي تجب فيها الزكاة وهي التمر، والزبيب، والبر، والشعير، وما أشبهها.
وأمّا الاقط، فقد قيل: يجوز، وقيل: فيه قولان. وتجب الفطرة مما يقتاته من هذه الأجناس. وقيل: من غالب قوت البلد. فإن عدل عن القوت الواجب إلى قوت أعلى منه اجزأه وإن عدله إلى ما دونه ففيه قولان.
---(1/48)
ولا يجزىء صاع من جنسين؛ فإن كان عبد بين نفسين مختلفي القوت فقد قيل: يخرج من كل منهما نصف صاع من قوته. وقيل: يخرجان من أدنى القوتين. وقيل: يخرجان من قوت البلد الذي فيه العبد، فإن كانوا في بادية لا قوت لهم فيها أخرجوا من قوت أقرب البلاد إليهم، ولا يؤخذ في الفطرة دقيق، ولا سويق، ولا حب معيب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 86
باب قسم الصدقات
من وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له تأخيرها، فإن آخرها أثم وضمن. وإن منعها جاحداً لوجوبها كفر، وأخذت منه وقتل. وإن منعها بخلاً بها أخذت منه، وعزر عليه، وإن غلها أخذت منه وعزر، وإن قال: بعته ثم اشتريته ولم يحل عليه الحول، وما أشبهه مما يخالف الظاهر، حلف عليه، وقيل: يحلف استحباباً.
وإن قال: لم يحل عليه الحول بعد، وما أشبهه مما لا يخالف الظاهر، حلف استحباباً، فإن بذل الزكاة قبلت منه. والمستحب أن يُدعى له، ويقال: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهوراً، وإن مات بعد وجوب الزكاة عليه، قضي ذلك من تركته، فإن كان هناك دين آدمي ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: يقدم الزكاة، والثاني: يقدم الدين، والثالث: يقسم بينهما.
وكل مال تجب فيه الزكاة بالحول والنصاب جاز تقديمها على الحول. وإن تسلف الإمام الزكاة من غير مسألة، فهلك في يده ضمن. وإن تسلف بمسألة الفقراء فهو من ضمانهم. وإن تسلف بمسألة أرباب الأموال فهو من ضمانهم.
وإن تسلف بمسألة الجميع فقد قيل: هو من ضمان الفقراء، وقيل: من ضمان أرباب الأموال، وإن عجل شاة عن مائة وعشرين شاة ثم نتجت شاة سخلة قبل الحول، ضم المخرج إلى ماله، ولزمه شاة أخرى.
وإن نقص النصاب قبل الحول؛ وكان قد بين أنها زكاةٌ معجلة جاز له أن يسترجع، فإن هلك الفقير، أو استغنى من غير الزكاة قبل الحول لم يجزئه عن الفرض، ويسترجع إن كان قد بين أنها زكاة معجلة.
---(1/49)
ومن وجبت عليه الزكاة في الأموال الباطنة وهي النّاض، وأموال التجارة، والركاز جاز له أن يفرق ذلك بنفسه وبوكيله، ويجوز أن يدفع إلى الإمام، وفي الأفضل أوجه؛ أحدها: أن يفرق بنفسه. والثاني: أن يدفع إلى الإمام. والثالث: إن كان الإمام عادلاً فالأفضل أن يدفع إليه، وإن كان جائراً فالأفضل أن يفرق بنفسه.
وفي الأموال الظاهرة وهي: المواشي، والزروع، والثمار، والمعادن قولان؛ أصحهما: أن له أن يفرق بنفسه.
ويكره أن ينقل الزكاة عن بلد المال فإن نقل ففيه قولان؛ أحدهما: يجزئه. والثاني: لا يجزئه، وإن نقل إلى ما لا تقصر فيه الصلاة فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز.
وإن حال الحول عليه، والمال ببادية فرقها على أقرب فقراء البلاد إليه، وإن وجبت عليه زكاة الفطر في بلد وماله في غيره، ففيه قولان؛ أحدهما: أنه يجب لفقراء بلد المال، والثاني: لفقراء موضعه، وهو الأصح، ولا تصح الزكاة حتى ينوي أنها زكاة ماله، أو زكاة واجبة. وقيل: إن دفع إلى الإمام أجزأه من غير نية. وليس بشيء ويجوز أن ينوي قبل حال الدفع. وقيل: لا يجوز، وإن دفع إلى وكيله، ونوى الوكيل ولم ينو رب المال لم يجز، وإن نوى رب المال ولم ينو الوكيل فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
وإن حصل عند الإمام ماشية، فالمستحب، أن يسم الإبل، والبقر في أصول أفخاذها، والغنم في آذانها، فإن كانت من الزكاة كتب: زكاة، أو صدقة، وإن كانت من الجزية كتب: جزية، أو صَغاراً ويجب صرف زكاة المال إلى ثمانية أصناف:
أحدها: العامل، ومن شرطه أن يكون حراً فقيهاً أميناً، ولا يكون ممن تحرم عليه الصدقة من ذوي القربى. ويجعل له الثمن، فإن كان الثمن أكثر من (أجرة) عمله رد الفاضل على بقية الأصناف. وإن كان أقل تمم من خمس الخمس. في أحد القولين، ومن (سهام) الزكاة في الثاني.
---(1/50)
والثاني: الفقراء، وهم الذين لا يقدرون على ما يقع موقعاً من كفايتهم. فيدفع إليهم ما تزول به حاجتهم من أداة يكتسب بها أو مال يتجر فيه. وإن عرف رجل بالغنى ثم ادعى الفقر، لم يدفع إليه إلا ببيّنة.
والثالث: المساكين، وهم الذين يقدرون على ما يقع موقعاً من كفايتهم ولا يكفيهم، فيدفع إليهم ما تتم به الكفاية، فإن رآه قوياً، وادعى أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين، وقيل: يعطى بيمين. وإن ادعى عيالاً لم يقبل إلا ببيّنة.
والرابع: المؤلفة، وهم ضربان: مؤلفة الكفار، ومؤلفة المسلمين، فأما مؤلفة الكفار فضربان: يرجى إسلامه، ومن يخاف شره، فيعطون من خمس الخمس. ومؤلفة المسلمين ضربان: ضرب لهم شرف يرجى بعطيتهم إسلام نظرائهم، وقوم يرجى حسن إسلامهم، فكان النبي يعطيهم. وأما بعده ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: لا يعطون، والثاني: يعطون من سهم المؤلفة، والثالث: من خمس الخمس. وضرب في طرف بلاد الإسلام إن أعطوا دفعوا عن المسلمين، وقوم إن أعطوا جبوا الصدقات ممن يليهم، ففيهم أقوال؛ أحدها: يعطون من سهم المؤلفة، والثاني: من خمس الخمس، والثالث: من سهم سبيل الله، والرابع: من سهم المؤلفة وسهم سبيل الله.
والخامس: الرقاب، وهم المكاتبون فيدفع إليهم ما يؤدون في الكتابة إن لم يكن معهم ما يؤدون ولا يزادون على ما يؤدون، ولا يقبل قوله أنه مكاتب إلا ببينة فإن صدقه المولى، فقد قيل: يدفع إليه، وقيل: لا يدفع.
والسادس: الغارمون، وهم ضربان: ضرب غرم لإصلاح ذات البين، فيدفع إليه مع الغنى، في ظاهر المذهب ما يقضي به الدين. وضرب غرم لنفسه، فيدفع إليه مع الحاجة ما يقضي به الدين، ولا يدفع إليه حتى يثبت أنه غارم بالبيّنة، فإن صدقه غريمه فعلى الوجهين، وإن غرم في معصية وتاب دفع إليه، وقيل: لا يدفع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
---
والسابع: في سبيل الله، وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان، فيدفع إليهم ما يستعينون به في غزوهم مع الغنى.(1/51)
والثامن: ابن السبيل، وهو المسافر، أو المريد للسفر في غير معصية، فيدفع إليه ما يكفيه، في خروجه ورجوعه، ولا يدفع إليه حتى تثبت حاجته، فإن فضل منه شيء استرجع. وإن فقد صنف، من هذه الأصناف فرق نصيبه على الباقين.
والمستحب أن يصرف صدقته إلى أقاربه الذين لا يلزمه نفقتهم، وأن يعم كل صنف إن أمكن، وأقل ما يجزىء أن يدفع إلى ثلاثة من كل صنف منهم، إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحداً. والأفضل أن يفرق عليهم على قدر حاجاتهم، وأن يسوي بينهم. فإن دفع جميع السهم إلى اثنين غرم للثالث الثلث على أحد القولين، وأقل جزء في القول الآخر، وإن فضل عن بعض الأصناف شيء، وكان نصيب الباقين وفق كفايتهم نقل ما فضل إلى ذلك الصنف بأقرب البلاد إليه. وإن فضل عن بعضهم ونقص عن كفاية البعض، نقل الفاضل إلى الذين نقص سهمهم عن الكفاية في أحد القولين. وينقل إلى الصنف الذين فضل عنهم بأقرب البلاد في القول الآخر.
وأما زكاة الفطر فالمذهب أنها كزكاة المال تصرف إلى الأصناف. وقيل: يجزىء في زكاة الفطر أن تصرف إلى ثلاثة من الفقراء. ولا تدفع الزكاة إلى كافر ولا إلى بني هاشم وبني المطلب، ويجوز الدفع الى موالي بني هاشم وبني المطلب، وقيل: لا يجوز، وقيل: إن منعوا حقهم من خمس الخمس دفع إليهم، وليس بشيء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
باب صدقة التطوع
وتستحب الصدقة في جميع الأوقات، ويستحب الإكثار منها في شهر رمضان، وأمام الحاجات، ولا يحل ذلك لمن هو محتاج إلى ما يتصدق به في كفايته، وكفاية من تلزمه كفايته، أو في قضاء دينه. وتكره، لمن لا يصبر على الإضاقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 92
كتاب الصيام
---
يجب صوم شهر رمضان على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر على الصوم. فأما الكافر فإن كان أصلياً لم يجب عليه. وإن كان مرتداً وجب عليه. وأما الصبي فلا صوم عليه غير أنه يؤمر به لسبع ويضرب على تركه لعشر.(1/52)
ومن زال عقله بجنون لم يجب عليه الصوم. فإن بلغ الصبي، (مفطراً) أو أفاق المجنون في أثناء النهار لم يلزمهما صوم ذلك اليوم، على ظاهر المذهب.
وأما من لا يقدر على الصوم لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه فلا يجب عليه الصوم، إلا أنه تلزمه الفدية عن كل يوم مد من طعام في أصح القولين، ولا يلزمه في الآخر.
ومن ترك الصوم جاحداً لوجوبه كفر وقتل بكفره. ومن تركه غير جاحد من غير عذر، حبس ومنع الطعام والشراب.
ولا يجب صوم شهر رمضان إلا برؤية الهلال، فإن غم عليهم وجب استكمال شعبان، ثم يصومون. فإن رأوا الهلال بالنهار فهو لليلة المستقبلة. ويقبل في هلال شهر رمضان عدل في أصح القولين. ولا يقبل في الآخر إلا عدلان.
ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان، وإن قامت البينة بالرؤية في يوم الشك وجب عليهم قضاءه. وفي إمساك بقية النهار قولان؛ أحدهما: يجب، والثاني: لا يجب.
وإن صاموا بشهادة واحد، ثلاثين يوماً، ولم يروا الهلال أفطروا، وقيل: لا يفطرون. وإن اشتبهت الشهور على أسير تحرى وصام. فإن وافق رمضان أو ما بعده أجزأه، فإن وافق ما قبله لم يجزئه في أصح القولين، فإن رأى هلال شوال وحده أفطر سراً.
ولا يصح صوم شهر رمضان ولا غيره من الصيام الواجب، إلا بتعيين النية من الليل. لكل يوم. وقيل: يصح بنية مع الفجر. ويصح النفل بنية قبل الزوال.
وفيه قول آخر: أنه يصح بنية بعد الزوال أيضاً. ولا يصح صوم شهر رمضان ولا غيره من الصيام الواجب إلا بتعيين النية. ويصح النفل بنية مطلقة.
ومن مرض وخاف الضرر على نفسه جاز له أن يفطر، وعليه القضاء. ومن سافر قبل الفجر سفراً تقصر فيه الصلاة جاز له أن يفطر، والأفضل أن يصوم. وإن أفطر فعليه القضاء.
---(1/53)
وإن خافت الحامل أو المرضع على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء. وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء. وفي الفدية ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها تجب عليهما في كل يوم مد من طعام. والثاني: أنها مستحبة. والثالث: أنها تجب على المرضع دون الحامل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 93
وإذا حاضت الصائمة أو نفست بطل صومها وعليها القضاء، وإن جن بطل صومه، ولا قضاء عليه، وإن أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه، وعليه القضاء. وإن أغمي عليه في بعض النهار ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: يبطل صومه. والثاني: لا يبطل. والثالث: إن كان مفيقاً من أول النهار لم يبطل. وقيل: إن كان في طرفيه مفيقاً لم يبطل.
وإن طهرت الحائض، أو أسلم الكافر، أو أفاق المجنون، أو قدم المسافر وهو مفطر، استحب لهم إمساك بقية النهار.
وإن بلغ الصبي، أو قدم المسافر وهما صائمان، فقد قيل: يلزمهما إتمام الصوم. وعندي أنه يلزم المسافر دون الصبي.
ومن نوى الخروج من الصوم بطل صومه وقيل: لا يبطل. فإن أكل، أو شرب، أو استعط، أو احتقن، أو صب الماء في أذنه فوصل إلى دماغه، أو طعن جوفه، أو طعن بأذنه، أو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه، أو استقاء، أو جامع، أو باشر فيما دون الفرج فأنزل، أو استمنى ذاكراً للصوم، عالماً بالتحريم بطل صومه. وعليه القضاء، وإمساك بقية النهار. وإن فعل ذلك ناسياً، أو جاهلاً، أو فعل به شيء من ذلك مكرها، لم يبطل صومه، وإن أكره حتى فعل بنفسه ذلك ففيه قولان؛ أصحهما: أنه لا يبطل.
وإن تمضمض، أو استنشق فوصل الماء إلى جوفه بطل صومه في أحد القولين، دون الآخر. وإن بالغ بطل صومه، وقيل: على قولين، وإن أكل معتقداً أنه ليل، ثم بان أنه نهار لزمه القضاء. وإن أكل شاكاً بعد طلوع الفجر لم يلزمه القضاء. وإن أكل شاكاً في غروب الشمس لزمه القضاء، وإن طلع الفجر وفي فيه طعام فلفظه، أو كان مجامعاً فنزع صح صومه، وإن استدام بطل صومه.
---(1/54)
وإن جامع امرأته في نهار رمضان من غير عذر لزمهما القضاء، وفي الكفارة ثلاثة أقوال؛ أحدها: يجب على كل واحد منهما كفارة، والثاني: تجب الكفارة عليه دونها. والثالث: تجب عليه كفارة واحدة وتكون عنه وعنها.
والكفارة: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد ثبت في ذمته في أحد القولين إلى أن يجد شيئاً، ويسقط في الثاني، ومن حركت القبلة شهوته، كره له أن يقبل.
ويكره للصائم العلك. ويكره له الاحتجام، ويكره له السواك بعد الزوال، ويكره له الوصال. ويكره له ولغيره صمت يوم إلى الليل، وينبغي للصائم أن ينزه نفسه عن الشتم والغيبة، فإن شوتم فليقل إني صائم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 93
ويستحب له أن يتسحر، وأن يؤخر السحور ما لم يخش طلوع الفجر، ويعجل الفطر إذا تحقق غروب الشمس.
ويستحب أن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى الماء. ويستحب أن يدعو عند الإفطار بدعاء رسول الله : اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت. وأن يطلب ليلة القدر في جميع رمضان، وفي العشر الأخير أكثر، وفي ليالي الوتر أكثر، وأرجاها ليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين. ويستحب أن يكون دعاؤه فيها: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. ومن لزمه قضاء شيء من رمضان فالمستحب أن يقضيه متتابعاً.
ولا يجوز أن يؤخر القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر، فإن أخره، لزمه مع القضاء عن كل يوم مدّ من طعام.
ومن مات وعليه صوم تمكن من فعله أطعم عنه عن كل يوم مد من طعام. وفيه قول آخر أنه يصام عنه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 93
باب صوم التطوع
يستحب لمن صام شهر رمضان أن يتبعه بست من شوال. ويستحب أن يصوم يوم عرفة، إلا أن يكون حاجاً بعرفة فيكره له. ويستحب صوم يوم تاسوعاء، وعاشوراء من المحرم. وأيام البيض من كل شهر. وصوم الإثنين والخميس.
---(1/55)
ومن دخل في صوم تطوع، أو صلاة تطوع، استحب له إتمامها، فإن خرج منها كره ولم يلزمه القضاء. وإن دخل في حج التطوع، أو عمرة التطوع لزمه إتمامهما، فإن أفسدهما لزمه القضاء.
ولا يجوز صوم يوم الشك؛ إلا أن يوافق عادة له. أو يصله بما قبله، وقيل: لا يجوز إذا انتصف شعبان أن يصوم إلا أن يوافق عادة له أو يصله بما قبله. ويكره صوم يوم الجمعة وحده.
ولا يحل صوم يوم الفطر والأضحى، وأيام التشريق. فإن صام هذه الأيام الخمسة لم يصح صومه. وقال في القديم: يجوز للمتمتع صوم أيام التشريق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 97
باب الاعتكاف
الاعتكاف سنة، ولا يجب إلا بالنذر ولا يصح إلا بالنية، ولا يصح إلا في المسجد، والأفضل أن يكون بصوم. وأن يكون في الجامع؛ فإن نذر الاعتكاف بالليل لم يلزمه الاعتكاف بالنهار، وإن نذره بالنهار لم يلزمه في الليل. وإن نذر اعتكاف يومين متتابعين لزمه اعتكاف يومين متتابعين، وفي الليلة التي بينهما وجهان: أصحهما أنه لا يلزمه.
وإن نذر اعتكاف مدة متتابعة فخرج لما لا بد منه كالأكل والشرب وقضاء حاجة الإنسان والحيض والمرض، وقضاء العدة، وأداء شهادة تعينت عليه لم يبطل اعتكافه.
فإن خرج لما له منه بد من زيارة، وعيادة، وصلاة جمعة بطل اعتكافه، إلا أن يكون قد شرط ذلك في نذره، فلا يضره. فإن خرج لما لا بد له منه فسأل عن المريض في طريقه ولم يعرج جاز. وإن خرج من المعتكَفِ عامداً، أو جامع في الفرج عامداً بطل اعتكافه. وإن باشر فيما دون الفرج بشهوة ففيه قولان. وإن خرج إلى المنارة الخارجة من المسجد لم يضره.
ولا يعتكف العبد بغير إذن مولاه، ولا المرأة بغير إذن زوجها. ويجوز للمكاتب أن يعتكف بغير إذن مولاه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 98
كتاب الحج
---(1/56)
الحج فرض. وفي العمرة قولان؛ أصحهما: أنها فرض. ولا يجب في العمر إلا مرّة واحدة إلا أن ينذر، أو يدخل إلى مكة لحاجة لا تتكرر من تجارة أو زيارة، فيلزمه الإحرام بالحج أو العمرة في أحد القولين، ولا يلزمه ذلك في القول الآخر.
ولا يجب ذلك إلا على مسلم بالغ، عاقل، حر، مستطيع، فأما الكافر الأصلي فلا يجب عليه ولا يصح منه، وأما المرتد فإنه يجب عليه، ولا يصح منه.
وأما المجنون فلا يجب عليه، ولا يصح منه. وأما الصبي فإنه لا يجب عليه، ويصح منه، فإن كان مميزاً أحرم بإذن الولي، وإن كان غير مميزاً أحرم عنه أحد أبويه، وفعل عنه وليّه لا ما يتأتى منه. ونفقته في الحج وما يلزمه من الكفارة في ماله في أحد القولين. وفي مال الولي في القول الآخر.
وأما العبد فلا يجب عليه ويصح منه. فإن بلغ الصبي أو عتق العبد، قبل الوقوف في الحج، وقبل فراغ الطواف في العمرة أجزأهما عن حجة الإسلام وعمرته. والمستطيع إثنان: مستطيع بنفسه ومستطيع بغيره، فالمستطيع بنفسه أن يكون صحيحاً واجداً للماء والزاد بثمن المثل في المواضع التي جرت العادة أن يكون فيها في ذهابه وإيابه. وأن يكون واجداً لراحلة تصلح لمثله إن كان بينه وبين مكة مسافة تقصر فيها الصلاة.
وأن يكون ذلك فاضلاً عما يحتاج إليه من مسكن وخادم إن احتاج إليه. ومن قضاء دينٍ إن كان عليه. وأن يجد طريقاً آمناً من غير خفارة، وأن يكون عليه من الوقت ما يتمكن فيه من السير لأدائه. وإن كانت امرأة بأن يكون معها مَنْ تأمن معه على نفسها.
والمستطيع بغيره أن يجد من لا يقدر على الثبوت على الراحلة لزمانة أو كبر مالاً يدفعه إلى من يحج عنه، أو له من يطيعه. فيلزمه فرض الحج، والمستحب لمن وجب عليه الحج أو العمرة أن لا يؤخر ذلك. فإن أخّره، وفعل قبل أن يموت لم يأثم. ومن وجب عليه ذلك وتمكن من فعله فلم يفعل حتى مات، أثم ووجب قضاؤه من تركته. ولا يحج الشخص ولا يعتمر عن غيره وعليه فرضُهُ.
---(1/57)
ولا يتنفل بالحج عن نفسه وعليه فرضُهُ، ولا يؤدي نذر الحج وعليه حجة الإسلام؛ فإن أحرم عن غيره، وعليه فرضه انصرف إلى الفرض، وكذلك لو أحرم بنذر الحج وعليه فرض الإسلام انصرف إلى فرض الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 101
ولا تجوز النيابة في حج التطوع، في أحد القولين، وتجوز في الآخر، ويجوز الإحرام بالعمرة وفعلها في جميع السنة.
ولا يجوز الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج وهي: شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة. فإن أحرم بالحج في غير أشهر الحج انعقد إحرامه بالعمرة.
ويجوز إفراد الحج عن العمرة، ويجوز القران بينهما، ويجوز التمتع بالعمرة إلى الحج، وأفضلها الإفراد، ثم التمتع، ثم القران. والإفراد أن يحج ثم يخرج إلى أدنى الحل، ويحرم بالعمرة. والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحج من عامه. والقران أن يجمع بينهما في الإحرام أو يهل بالعمرة، ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف. ثم يقتصر على أفعال الحج، وان أهلَّ بالحج ثم أدخل عليه العمرة ففيه قولان؛ أحدهما: وهو القديم يصح، ويصير قارناً، والثاني: وهو الأظهر الجديد لا يصح، ويجب على المتمتع والقارن دم. ولا يجب ذلك على القارن إلا أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام، ولا على المتمتع إلا أن لا يعود لإحرام الحج إلى الميقات. وان لا يكون من غير حاضري المسجد الحرام، وحاضر المسجد الحرام أهل الحرم، ومن كان منه على مسافة لا تُقْتصَر فيها الصلاة والأفضل أن يذبح دم التمتع والقران يوم النحر، فإن ذبح المتمتع بعد الفراغ من العمرة والقارن بعد الإحرام بالحج جاز على ظاهر المذهب، وقيل: لا يجوز دم التمتع حتى يفرغ من العمرة، ويحرم بالحج. فإن لم يجد الهدي، صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله في أصح القولين، وإذا فرغ من الحج في القول الآخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 101
باب المواقيت
---(1/58)
ميقات أهل المدينة: ذو الخليفة، وميقات أهل اليمن: يلملم، وميقات أهل نجد: قرن، وميقات أهل الشام ومصر: الجحفة، وميقات أهل العراق: ذات عِرقٍ، وإن أهلّوا من العقيق فهو أفضل. وهذه المواقيت لأهلها، ولكل من مر بها من غير أهلها، ومن كان أهله دون الميقات، أو في الحرم فميقاته موضعه.
ومن سلك طريقاً لا ميقات فيه أحرم إذا حاذى اقرب المواقيت اليه.
ومن كان داره فوق الميقات فالأفضل أن لا يحرم إلا من الميقات في أصح القولين. ومن دويرة أهله في القول الآخر. ومن جاوز الميقات غير مريد للنسك ثم أراد أن يحرم أَهَلّ من موضعه، ومن جاوز الميقات مريداً للنسك، وأحرم دونه فعليه دم، فإن عاد إلى الميقات (بعد الإحرام) قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 104
باب الإحرام وما يحرم فيه
إذا أراد أن يحرم اغتسل، فإن لم يجد الماء تيمم، وتجرد الرجل عن المخيط وجوباً، في إزار ورداء أبيضين جديدين أو نظيفين، ويتنظف، ويتطيب، ويصلي ركعتين فإذا بدأ بالسير أحرم في أصح القولين، وفي القول الثاني يحرم عقيب الصلاة، وينوي الإحرام بقلبه ويلبي، فإن لم يلبَ أجزأه، وقيل: لا يجزئه حتى يلبي.
والمستحب أن يُعَيّن في إحرامه ما أحرم به، فإن أحرم مطلقاً، ثم صرفه إلى حج أو عمرة جاز. وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بأحدهما. وإن أحرم بنسك ثم نسيه ففيه قولان؛ أحدهما: أنه يصير قارناً، والثاني أنه يتحرى ويصرف إحرامه إلى ما يغلب على ظنه منهما.
ولا يستحب له أن يذكر ما أحرم به في تلبيته.
---(1/59)
والتلبية أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ويرفع الرجل صوته بالتلبية. والمرأة تخفض صوتها. ويستحب أن يكثر من التلبية. ويستحب ذلك في المساجد، وإقبال الليل والنهار، وعند اجتماع الرفاق، وإذا رأى شيئاً يعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة. وإذا لبى، صلَّى على النبي . وسأل الله تعالى ما أحب. ولا يلبي في الطواف (للقدوم).
وإذا أحرم حرم عليه لبس المخيط في جميع بدنه، فإن فعل ذلك لزمته الفدية، فإن لم يجد إزاراً جاز له أن يلبس السراويل ولا فدية عليه.
ويحرم عليه لبس الخف، فإن لبسه لزمته الفدية، فإن لم يجد نعلين جاز له أن يلبس خفين مقطوعين من اسفل الكعبين ولا فدية عليه. ويحرم عليه ستر الرأس بالمخيط وغيره، فإن ستره لزمته الفدية.
ويحرم عليه الطيب في بدنه وثيابه. ويحرم عليه شم الادهان المطيبة. ويحرم عليه أكل ما فيه طيب ظاهر من الطعام. ويحرم عليه شم الرياحين كالورد، والياسمين، والورس، والزعفران، ويجوز له شم النيلوفر، والبنفسج، وفي الريحان الفارسي قولان. فإن استعمل شيئاً من ذلك لزمته الفدية.
ويحرم عليه أن يدهن رأسه ولحيته؛ فإن فعل ذلك لزمته الفدية. ويحرم عليه تقليم الاظفار، وحلق الشعر. فإن فعل ذلك لزمته الفدية. ويحرم عليه ان يتزوج أو يزوج. فإن فعل فالعقد باطل، وتكره له الخطبة، ويكره له الشهادة على النكاح.
ويحرم عليه الجماع في الفرج، ويحرم عليه المباشرة فيما دون الفرج بشهوة، والاستمناء، فإن فعل ذلك لزمته الكفارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 105
---(1/60)
ويحرم عليه الصيد المأكول، وكذا ما تولد من مأكول أو غير مأكول، فإن مات في يده، أو أتلفه، أو أتلف جزء منه لزمه الجزاء، ويحرم عليه لحم ما صيد له، أو أعان على ذبحه، أو كان له أثر في ذبحه، فإن ذبح الصيد حرم عليه اكله، وهل يحرم أيضاً على غيره؟ فيه قولان. ولا يملك الصيد بالبيع والهبة، وهل يملك بالإرث؟ فقد قيل: إنه يملك، وقيل: لا يملك. وإن كان في ملكه صيد فأحرم زال ملكه عنه في احد القولين دون القول الآخر.
وإن احتاج إلى اللبس لحر أو برد، أو إلى الطيب والحلق للمرض، أو إلى ذبح الصيد للمجاعة جاز له وعليه الكفارة، وإن صال عليه صيد جاز له قتله للدفاع ولا جزاء عليه. وإن افترش الجراد في طريقه فقتله ففيه قولان.
وإن نبتت في عينه شعرة فقلعها لم يلزمه شيء. وإن تطيب، أو لبس، أو ادهن ناسياً، لم يلزمه كفارة، وإن قتل الصيد، أو حلق الشعر، أو قلم الظفر ناسياً لزمته الكفارة.
وقيل في الحلق والتقليم قول آخر إنه لا تلزمه، فإن جامع ناسياً ففيه قولان؛ أصحهما: أنه لا تلزمه الكفارة.
وإن حلق رأسه مكرهاً، أو نائماً وجبت الفدية على الحالق في احد القولين وعلى المحلوق في الآخر، ويرجع بها على الحالق. ويجوز للمرأة لبس القميص، والسراويل، والخمار، والخف، وفي لبس القفازين قولان؛ أصحهما: أنه لا يجوز لها ذلك. ولا يجوز لها ستر وجهها، فإن أرادت الستر عن الناس سدلت على وجهها ما تستره ولا يقع على البشرة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 105
باب كفارة الإحرام
إذا تطيب المحرم، أو لبس أو باشر فيما دون الفرج بشهوة، أو دهن رأسه، أو حلق ثلاث شعرات، أو قلم ثلاثة أظفار لزمه دم. وهو مخير بين أن يذبح شاة وبين أن يطعم ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع، وبين أن يصوم ثلاثة أيام، فإن قلم ظفراً أو حلق شعرة ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: يجب ثلث دم، والثاني: يلزمه درهم، والثالث: مد.
---(1/61)
وإن لبس وتطيب لزمه لكل واحد كفارة، فإن لبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب في مجالس قبل أن يُكَفِّرَ عن الأول كفاه عنهما كفارة واحدة في احد القولين، ويلزمه لكل واحد كفارة في القول الثاني.
وإن جامع في الفرج في العمرة، أو الحج قبل التحلل الأول فسد نسكه. وعليه أن يمضي في فاسده، ويجب عليه القضاء من حيث أحرم. ويكون القضاء على الفور. وقيل: لا يجب على الفور، ويجب عليه نفقة المرأة في القضاء. وقيل: عليها النفقة.
وإن قضى الحج وهي معه فالمستحب أن يفترقا في الموضع الذي جامعها فيه، وقيل: يجب ذلك ويجب عليه بالجماع بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فسبعة من الغنم. فإن لم يجد قوَّم البدنة دراهم، والدراهم طعاماً وتصدق به.
فإن لم يجد صام عن كل مد يوماً، وان تكرر منه الجماع ولم يُكَفِّر عن الأول كفاه عنهما كفارة واحدة في أحد الأقوال، وتلزمه بدنة في القول الثاني، وشاة في القول الثالث. فإن جامع بعد التحلل الأول لم يفسد حجه وعليه بدنة في أحد القولين، وشاة في الآخر. وإن أفسد القضاء لزمه البدنة دون القضاء.
فإن قتل صيداً له مثل من النعم، وجب فيه مثله من النعم، فيجب في النعامة بدنة، وفي حمار الوحش وبقر الوحش بقرة، وفي الضبع كبش، وفي الغزال عنز، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة. في الصغير صغير، وفي الكبير كبير، وفي الذكر ذكر، وفي الأنثى أنثى، وفي الصحيح صحيح، وفي المكسور مكسور، فإن فدى الذكر بالأنثى فهو أفضل على المنصوص.
---(1/62)
وقيل: إن أراد تفريق اللحم لم يجز الأنثى عن الذكر. وإن فدى الأعور من اليمين بالأعور من اليسار جاز، ثم هو بالخيار إن شاء أخرج المثل، وإن شاء اشترى بقيمته طعاماً وتصدق به. وإن شاء صام عن كل مد يوماً. وإن أتلف ظبياً ماخضاً ضمنه بقيمة شاة ماخض. وإن قتل صيداً لا مثل له من النعم وجبت فيه القيمة. ثم هو بالخيار بين أن يخرج الطعام وبين أن يصوم، إلا الحمام وكل ما عب وهدر، فإنه يجب فيه شاة، وهو بالخيار بين الشاة وبين الطعام وبين الصيام. ويرجع في معرفة المثل والقيمة إلى عدلين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
وإن جرح صيداً له مثل فنقص عشر قيمته لزمه عشر ثمن المثل. وقيل: يجب عشر المثل إلا أن لا يجد عشر المثل، فإن جرح صيداً فأزال امتناعه ضمنه بكمال الجزاء منها، وقيل: يلزمه أرش ما نقص، وإن كسر بيض صيد لزمه القيمة. وإن إشترك جماعة في قتل صيد لزمهم جزاء واحد. وإن امسكه محرم فقتله حلال وجب الجزاء على المحرم، وإن قتله محرم آخر وجب الجزاء بينهما نصفين.
---
وصيد الحرم حرام على الحلال والمحرم. فمن قتله منهما وجب عليه ما يجب على المحرم في صيد الاحرام. ويحرم على الحلال والمحرم قلع شجر الحرم. وقيل: لا يحرم قلع ما أنبته الآدمي، والأول هو المنصوص. وإن قطعه ضمنه فإن كانت الشجرة كبيرة ضمنها ببقرة، وإن كانت صغيرة ضمنها بشاة. وإن قطع غصناً منها ضمن ما نقص، فإن عاد الغصن سقط الضمان في أحد القولين، ولم يسقط في الآخر، وإن أخذ أوراقها لم يضمن. ويحرم قطع حشيش الحرم؛ إلا الإذخر والعوسج. وإن قطع الحشيش ضمنه بالقيمة وإن استخلف سقط عنه الضمان. ويجوز رعي حشيش الحرم. ويحرم صيد المدينة كما يحرم صيد الحرم، إلا أنه لا يضمن. وفيه قول آخر أنه يضمن ويُسلب القاتل. وما وجب على المحرم من طعام وجب تفرقته على مساكين الحرم، وما وجب من هدي وجب ذبحه في الحرم، وتفرقته على فقراء الحرم، وإن أحصر جاز أن يذبح ويفرق حيث أحصر.(1/63)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
باب صفة الحج
إذا أراد المحرم دخول مكة اغتسل، ويدخل من ثنية كداء من أعلى مكة، فإذا خرج خرج من ثنية كداء من أسفل مكة، فإذا رأى البيت رفع يديه وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه واعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحيِّنا ربنا بالسلام. ويبدأ بطواف القدوم ويضطبع، فيجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن ويطرح طرفيه على عاتقه الأيسر.
---
ويبتدىء من الحجر الأسود فيستلمه بيده، ويقبله ويحاذيه، فإن لم يمكنه استلمه فإن لم يمكنه أشار إليه بيده، ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف، فإذا بلغ الركن اليماني استلمه وقبَل يده ولا يقبله. ويقول عند ابتداء الطواف: بسم الله، وا أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد . ويطوف سبعاً، ويرمل في الثلاثة الأولة منها ويمشي في الأربعة، وكلما حاذى الحجر الأسود استلمه وقبله، وكلما حاذى الركن اليماني استلمه. وفي كل وتر أحب، ويقول في رمله كلما حاذى الحجر الاسود: اللَّه أكبر اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً. ويقول في الاربعة: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ويدعو فيما بين ذلك بما أحب، ولا ترمل المرأة، ولا تضطبع. والأفضل أن يطوف راجلاً، فإن طاف راكباً جاز، وإن حمله محرم ونويا جميعاً ففيه قولان؛ أحدهما: ان الطواف للحامل، والثاني أنه للمحمول، وان طاف محدثاً، أو نجساً أو مكشوف العورة أو طاف على جدار الحجر أو على شاذروان الكعبة، لم يجزئه.
---(1/64)
وإن طاف من غير نية فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح. ثم يصلي ركعتي الطواف، والأفضل أن يكون خلف المقام، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية {قل هو الله أحد} . وهل تجب هذه الصلاة فيه قولان؛ أصحهما: أنها لا تجب. ثم يعود إلى الركن، ويستلمه ثم يخرج من باب الصفا، ويسعى يبدأ بالصفا، والأولى أن يرقى عليها حتى يرى البيت، والمرأة لا ترقى. ويكبر ثلاثاً، ويقول: الحمد على ما هدانا، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، ذو الجلال والإكرام، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده، لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ثم يدعو بما أحب، ثم يدعو ثانياً وثالثاً. ثم ينزل من الصفا ويمشي حتى يكون بينه وبين الميل الاخضر المعلق بفناء المسجد نحو ستة أذرع فيسعى سعياً شديداً حتى يحاذي الميلين الاخضرين اللذين بفناء المسجد وحِذاء دار العباس ثم يمشي حتى يصعد المروة، ويفعل مثل ما فعل على الصفا ثم ينزل، ويمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه حتى يأتي الصفا، ثم يفعل ذلك سبعاً. فإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك حتى يأتي الصفا فيبدأ به. والمرأة تمشي ولا تسعى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
---(1/65)
فإن كان يوم السابع من ذي الحجة خطب الإمام بعد صلاة الظهر بمكة وأمر الناس فيها بالغدو إلى منى من الغد. ثم يخرج بالناس إلى منى في اليوم الثامن، فيصلي بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ويبيت بها، ويصلي بها الصبح، فإذا طلعت الشمس على ثبير سار إلى الموقف، واغتسل للوقوف، وأقام بنمرة، فإذا زالت الشمس، خطب الإمام خطبة خفيفة، وجلس جلسة خفيفة، ثم يقوم ويأمر بالأذان، ويخطب الخطبة الثانية، ويفرغ منها مع فراغ المؤذن، ثم يقيم ويصلي الظهر، والعصر، ثم يروح الموقف، والأفضل أن يقف عند الصخرات بقرب الإمام، وان يستقبل القبلة وأن يكون راكباً في أحد القولين، وفيه قول آخر ثالث: أن الراكب وغيره سواء.
ويكثر من الدعاء، ويكون أكثر قوله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
---(1/66)
ووقت الوقوف من الزوال يوم عرفة، إلى الفجر الثاني من يوم النحر، فمن حصل بعرفة في شيء من هذا الوقت وهو عاقل، فقد أدرك الحج، ومن فاته ذلك، أو وقف وهو مغمى عليه فقد فاته الحج، ومن أدرك الوقوف بالنهار وقف حتى تغرب الشمس ندباً، فإن دفع قبل الغروب لزمه دم في أحد القولين. ثم يدفع بعد الغروب إلى المزدلفة على طريق المأزمين. ويمشي وعليه السكينة والوقار. فإذا وجد فرجة أسرع، ويصلي بها المغرب والعشاء. ويبيت بها إلى أن يطلع الفجر الثاني، ويأخذ منها حصى الجمار. ومن حيث أخذ جاز. فإن دفع قبل نصف الليل لزمه دم في أحد القولين. ثم يصلي الصبح في أول الوقت، ثم يقف على قزح، وهو المشعر الحرام، فيدعو ويذكر الله تعالى إلى أن يسفر النهار. ويكون من دعائه: اللهم كما أوقفتنا فيه، وأريتنا إياه، فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا، وارحمنا، كما وعدتنا بقولك، وقولك الحق {فإذا أفضتم من عرفات} (البقرة: 198) إلى قوله: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} (البقرة: 199) ثم يدفع قبل طلوع الشمس، فإذا وجد فرجة أسرع، فإذا بلغ وادي محسِّر، اسرع أو حرك دابته، قدر رمية حجر.
فإذا وصل إلى منى بدأ بجمرة العقبة فيرمي إليها سبع حصيات واحدة واحدة لا يجزئه غيره، ويكبر مع كل حصاة، ويرفع يده حتى يرى بياض إبطه. والأولى أن يكون راكباً اقتداء برسول الله ، ويقطع التلبية مع أول حصاة. وإن رمى بعد نصف الليل أجزأه. فإذا رمى ذبح هديًا إن كان معه وحلق أو قصر. وأقل ما يجزىء ثلاث شعرات، والأفضل ان يحلق جميع رأسه وإن لم يكن له شعر استحب له أن يمر الموسى على رأسه، والمرأة تقصر ولا تحلق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
---(1/67)
وهل الحلق نسك أم لا؟ فيه قولان؛ أحدهما: أنه نسك. والثاني: أنه استباحة محظور. ثم ويخطب الإمام بعد الظهر بمنى ويعلم الناس النحر، والرمي، والإفاضة، ثم يفيض إلى مكة، ويغتسل، ويطوف طواف الزيارة، وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر. والمستحب أن يكون في يوم النحر، فإن أخره عنه جاز، فإذا فرغ من الطواف، فإن كان قد سعى مع طواف القدوم لم يسع. وإن لم يكن قد سعى أتى بالسعي. فإن قلنا أن الحلق نسك حصل له التحلل الأول بإثنين من ثلاثة وهي: الرمي، والحلق، والطواف، وحصل له التحلل الثاني بالثالث. وإن قلنا: إِن الحلق ليس بنسك حصل له التحلل الأول بواحد من اثنين: الرمي والطواف، وحصل له التحلل الثاني بالثاني، وفيما يحل بالتحلل الأول والثاني قولان؛ أصحهما: أنه يحل بالأول ما سوى النساء، وبالثاني تحل النساء.
---(1/68)
والقول الثاني: يحل بالأول لبس المخيط والحلق، وقلم الأظفار، وبالثاني يحل الباقي، ثم يعود بعد الطواف إلى منى، ويرمي في أيام التشريق الثلاثة في كل يوم منها الجمرات الثلاث كل جمرة سبع حصيات كما وصفنا فيرمي الجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخيف، ويقف قدر سورة البقرة يدعو الله تعالى، ثم يرمي الجمرة الوسطى، ويقف ويدعو كما ذكرنا، ثم يرمي الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة ولا يقف عندها، ومن عجز عن الرمي استناب من يرمي عنه ويكبر هو. ولا يجوز الرمي إلا بالحجر، والأولى أن يكون بحصى الخذف، ولا يجوز رمي الجمار إلا مرتباً، ولا يجوز إلا بعد الزوال، فإن ترك الرمي حتى مضت أيام التشريق لزمه دم، وإن ترك حصاة ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: يلزمه ثلث دم، والثاني: مد، والثالث: درهم، ويبيت بها أيام الرمي، فإن ترك المبيت في الليالي الثلاث، لزمه دم في أحد القولين، وفي ليلة الأقوال الثلاثة التي في الحصاة، ويجوز لاهل سقاية العباس عليه السلام ورعاء الابل أن يدعوا المبيت ليالي منى. ويرموا يوماً، ويدعوا يوماً، ثم يرموا ما فاتهم. فإن أقام الرعاء بمنى حتى غربت الشمس لم يجز لهم أن يخرجوا حتى يبيتوا، ويجوز لأهل سقاية العباس أن يدعوا المبيت بمنى، وإن أقاموا إلى الغروب، ومن ترك المبيت لعبد آبق، أو أمر يخاف فوته، كان كالرعاء وأهل السقاية على المنصوص.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
---(1/69)
ثم يخطب الإمام في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الظهر، ويودع الحاج، ويعلمهم جواز النفر. فمن نفر قبل غروب الشمس سقط عنه الرمي في اليوم الثالث، ومن لم ينفر حتى غربت الشمس لم يسقط عنه الرمي والمبيت، فإن نفر قبل الغروب، ثم عاد زائراً، أو ماراً، لم يلزمه الرمي، ويستحب لمن حج أن يدخل البيت حافياً ويصلي فيه، ويشرب من ماء زمزم لما أحب، ويتنفس ثلاثاً، ويتضلع منه. وأن يكثر الاعتمار، والنظر إلى البيت، ويكون آخر عهده بالبيت إذا خرج أدمن النظر إليه إلى أن يغيب عنه. وإذا أراد الخروج بعد قضاء النسك طاف للوداع، ولم يقم بعده، فإن أقام لم يعتد بطوافه عن الوداع، ومن ترك طواف الوداع لزمه دم في أحد القولين، وإن نفرت الحائض بلا وداع لم يلزمها دم. وإذا فرغ من الوداع، وقف في الملتزم بين الركن والباب. ويقول: اللهم إن البيت بيتُك، والعبدَ عبدك، وابن عبدك وابن أمتِك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك، وبلغتني بنعمتك حتى اعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري هذا أو انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك، ولا عن بيتك. اللهم فأصحبني العافيةَ في بدني، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما ابقيتني، وأجمع لي خير الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير، ثم يصلي على النبي .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
باب صفة العمرة
إذا أراد العمرة أحرم من الميقات. فإن كان من أهل مكة، خرج إلى أدنى الحل، والأفضل أن يحرم من التنعيم. فإن أحرم بها، ولم يخرج إلى أدنى الحل ففيه قولان؛ أحدهما: لا يجزئه، والثاني: يجزئه، وعليه دم، ثم يطوف ويسعى ويحلق، وقد حلّ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 120
باب فروض الحج والعمرة، وسننهما
أركان الحج أربعة: الإحرام، والوقوف، والطواف، والسعي.
---(1/70)
وواجباته: الإحرام من الميقات، والرمي، والوقوف بعرفة إلى الليل في أحد القولين، والمبيت بمزدلفة في احد القولين، والمبيت ليالي منى في أحد القولين، والحلق في أحد القولين، وطواف الوداع في أحد القولين.
وسننه: الغسل، وطواف القدوم، والرمل، والاضطباع في الطواف، والسعي، والاستلام، والتقبيل، والارتقاء على الصفا، وقيل: انه واجب. والمبيت بمنى ليلة عرفة، والوقوف على المشعر الحرام، والخطب، والأذكار، والأسراع في موضع الاسراع، والمشي في موضع المشي، وافعال العمرة كلها اركان إلا الحلق. ومن ترك ركناً لم يحل من إحرامه حتى يأتي به، ومن ترك واجباً لزمه دم. ومن ترك سنة لم يلزمه شيء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 121
باب الفوات والأحصار
ومن فاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر، فقد فاته الحج، ويتحلل بأفعال عمرة وهي: الطواف، والسعي، والحلق، وعليه القضاء. ودم التمتع في الحال، وقيل: يجب الدم في القضاء.
وإن أخطأ الناس في العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك.k وإن وقع ذلك لنفر لم يجزئهم، وعليهم القضاء كما وصفت.
ومن أحصره عدو وهو محرم، ولم يكن له طريق غيره، ذبح هدياً، وتحلل، وإن لم يكن معه هدي ففيه قولان؛ أحدهما: لا بدل للهدي، والثاني: أن له بدلاً وهو الصوم، وفيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: صوم التمتع، والثاني: صوم الحلق، والثالث: صوم التعديل عن كل مد يوماً. وفي تحلله قبل أن يصوم في أحد القولين، وقبل أن يهدي في القول الآخر قولان؛ ومن أحصره مرض لم يتحلل، إلا أن يكون قد شرط ذلك في الإحرام.
فإن أحرم العبد بغير إذن مولاه جاز له أن يحلله، فإن أحرمت المرأة بحج التطوع بغير إذن زوجها جاز له أن يحللها. وفي حج الإسلام قولان. ومن تحلل بالإحصار لم يلزمه القضاء، وفيه قول آخر: أنه يجب القضاء إذا لم يكن الحصر عاماً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 121
باب الأضحية
---(1/71)
الأضحية سنة؛ إلا أن ينذر. ويدخل وقتها إذا انبسطت الشمس يوم النحر، ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين.
ويخرج وقتها بخروج أيام التشريق. فمن لم يضحّ حتى مضى الوقت فإن كان تطوعاً لم يضح، وإن كان منذوراً لزمه أن يضحي.
والمستحب لمن دخل عليه عشر ذي الحجة، وأراد أن يضحي أن لا يحلق شعره، ولا يقلم ظفره، حتى يضحي.
ويجزىء في الاضحية الجذعة من الضأن، وهي التي لها ستة أشهر. والثنية من المعز، والإبل، والبقر. والثنية من المعز ما لها سنة تامة. ومن البقر ما لها سنتان. ومن الإبل ما لها خمس سنين، وتجزىء البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة.
وإن كان بعضهم يريد اللحم، وبعضهم يريد الفدية جاز. وأفضلها البدنة، ثم البقرة، ثم الجذعة من الضأن. ثم الثنية من المعز. وأفضلها البيضاء، ثم الصفراء، ثم السوداء.
ولا يجزىء فيها معيب بعيب ينقص اللحم. والأفضل أن يذبحها بنفسه. فإن لم يحسن فالأفضل أن يشهد ذبحها.
والمستحب له أن يأكل الثلث، ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث في أحد القولين. وفيه قول آخر: أنه يأكل النصف ويتصدق بالنصف. فإن أكل الكل فقد قيل: لا يضمن، والمذهب أنه يضمن القدر الذي يجزئه وهو أدنى جزء. وقيل: يضمن القدر المستحب، وهو النصف، أو الثلث.
وإن نذر أضحية معينة، زال ملكه عنها. ولم يجز بيعها. وله أن يركبها فإن ولدت ذبح معها ولدها، وله أن يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها. وإن كان صوفها يضر بها (لو بقي) إلى وقت الذبح، جاز له أن يجزه وينتفع به. ولا يأكل من لحمها شيئاً. وقيل: يجوز أن يأكل.
وإن تلفت لم يضمنها، وإن أتلفها هو ضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها، أو أضحية مثلها. فإن زادت القيمة على مثلها تصدق بالفضل، وقيل: يشتري به اللحم ويتصدق به. وقيل: يشارك به في ذبيحة. وإن لم يذبحها حتى فات الوقت لزمه أن يذبحها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 122
باب العقيقة
---(1/72)
والمستحب لمن ولد له ولد أن يحلق رأسه يوم السابع، فإن كان غلاماً ذبح عنه شاتين، وإن كانت جارية ذبح عنها شاةً. ويستحب نزع اللحم من غير أن يُكسر العظم. ويفرق على الفقراء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 123
باب الصيد والذبائح
ولا يحل من الحيوان المأكول شيء من غير ذكاة، إلا السمك والجراد. ولا تحل ذكاة المجوسي، والمرتد، ونصارى العرب، وعبدة الأوثان. ويكره ذكاة المجنون، والسكران.
ويجوز الذبح بكل ما له حد يقطع إلا السن والظفر، فإن ذبح بهما لم يحل. ولا يذبح بسكين كالٍ؛ فإن ذبح بها حل. وما قدر على ذبحه لم يحل إلا بقطع الحلقوم والمريء. ويستحب أن يوجه الذبيحة إلى القبلة. وأن يسمي الله تعالى عليها. ويصلي على النبي .
وأن يقطع الأوداج كلها. وأن ينحر الإبل معقولة من قيام. وأن يذبح البقر والغنم مضجعة. ولا يكسر عنقها، ولا يسلخ جلدها حتى تبرد. وإن علَّم جارحة بحيث إذا أغراه على الصيد طلبه، وإذا أشلاه استشلى، وإذا اخذ الصيد أمسكه على صاحبه وخلى بينه وبينه، ثم أرسله من هو من أهل الذكاة فقتل الصيد بظفره أو نابه، أو تركه ولم تبق فيه حياة مستقرة، أو بقيت فيه حياة مستقرة إلا أنه لم يبق من الزمان ما يمكن (من) ذبحه فيه حتى مات حل.
وإن أرسله مجوسي أو شارك المسلم في الإرسال، أو شارك الجارحة جارحه أرسلها مجوسي في قتل الصيد لم يحل. وإن قتل الجارحة الصيدَ بثقله ففيه قولان. وإن رمى سهماً أو غيره فقتل الصيد بثقله لم يحل.
وإن أكل الجارحة من الصيد ففيه قولان. وإن كانت الجارحة كلباً غسل موضع الظفر والناب من الصيد. وقيل: يعفى عنه. وإن رمى طائراً فأصابه السهم فوقع في ماء أو على جبل فتردى منه فمات لم يحل.
---(1/73)
وإن أصاب صيداً فجرحه جرحاً لم يقتله ثم غاب عنه فوجده ميتاً حلّ في أحد القولين ولا يحل في الآخر. وإن أرسل سهما، أو كلباً على صيد فقتل غيره حل. وإن أرسل على غير صيد فقتل صيداً لم يحل. وقيل: يحل في السهم دون الكلب. وإن رمى شيئاً يحسبه حجراً فكان صيداً فقتله حل أكله. وإن أرسل عليه كلباً، فقد قيل: يحل. وقيل: لا يحل. وإن نضب سكيناً فوقع به صيد فجرحه فمات لم يحل، ومن أخذ صيداً أو أزال امتناعه ملكه. ومن ملك صيداً ثم أرسله لم يزل ملكه عنه في أصح الوجهين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 124
باب الأطعمة
ويؤكل من دواب الأنس: الأبل والبقر والغنم والخيل. ولا يؤكل: الكلب والخنزير والبغل والحمار والسنور.
ويؤكل من دواب الوحش: البقر، والحمار، والظبي، والضبع، والثعلب، والأرنب، واليربوع، والقنفذ، والوبر، وابن عرس، والضب، وسنور البر. فقد قيل: أنه يؤكل. وقيل: لا يؤكل. ولا يؤكل ما يستخبثه العرب من الحشرات كالحية، والعقرب، والوزغ، وسام أبرص، والخنفساء، والزنبور، والذباب، وبنت وردان، وحمار قبان، وما إشبهها.
وكذلك لا يؤكل ما يتقوى بنابه: كالاسد، والفهد، والنمر، والذئب، والدب، والفيل، والقرد، والتمساح، والزرافة، وابن آوى.
ويؤكل من الطيور: النعامة، والديك، والدجاج، والبط، والإِوَز، والحمام، والعصفور، وما أشبهها.
ولا يؤكل ما يصطاد بالمخلب: كالنسر، والصقر، والشاهين، والبازي، والحِدَأة. ولا ما يأكل الجيف: كالغراب الأبقع، والغراب الأسود الكبير، وأما غراب الزرع، والغداف، فقد قيل: إنهما يؤكلان، وقيل: لا يؤكلان. وما تولد من مأكول وغير مأكول، لا يحل أكله كالسبع وغيره. وتكره الشاة الجلالة، فإن أطعم الجلالة فطاب لحمها لم يكره.
---(1/74)
ويؤكل من صيد البحر: السمك، ولا يؤكل الضفدع وما سواها فقد قيل: أنه يؤكل وقيل: لا يؤكل. وقيل: ما أكل شبهه من البر أكل، وما لا يؤكل شبهه في البر لم يؤكل، وكل طاهر لا ضرر في أكله يحل أكله، إلا جلد ما يؤكل لحمه إذا مات ودبغ، فإنه لا يجوز أكله في أحد القولين، ويجوز في الآخر. وما ضر أكله كالسم وغيره، لا يحل أكله. ولا يحل أكل شيء نجس. فإن اضطر إلى الميتة أكل منها، ما يسد به الرمق في أحد القولين، وقدر الشبع في الآخر وإن وجد المضطر ميتة وطعام ميتة وطعام الغير، أكل طعام الغير وضمن بدله، وقيل: يأكل الميتة. وإن وجد صيداً وميتة وهو محرم ففيه قولان: أحدهما يأكل الميتة، والثاني يأكل الصيد.
ومن اضطر إلى شرب الخمر جاز له أن يشربها وقيل: لا يجوز. وقيل: يجوز للتداوي، ولا يجوز للعطش. ولا يحرم كسب الحجام، والأولى أن يتنزه الحر عن أكله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 126
باب النذر
ولا يصح النذر إلا من مسلم بالغ عاقل، وقيل: يصح من الكافر. ولا يصح النذر إلا في قربة.
ويصح النذر بالقول وهو أن يقول: علي كذا، أو عليّ كذا، وقيل: يصح بالنية وحدها. وإن علق النذر على أمر يطلبه، كشفاء المريض، وقدوم الغائب، لزمه الوفاء به عند وجود الشرط، ومن نذر شيئاً ولم يعلقه على شيء فقد قيل: لا يصح. والمذهب أنه يصح. ومن نذر شيئاً على وجه اللجاج، بأن قال: إن كلمت فلانًا فعلي كذا، فهو بالخيار عند وجود الشرط بين الوفاء بما نذر، وبين كفارة يمين، وقيل: إن نذر حجاً لزمه، وليس بشيء. ومن نذر الحج راكباً فحج ماشياً لزمه دم، ومن نذر الحج ماشياً لزمه الحج ماشياً من دويرة أهله. وقيل: يلزمه من الميقات. ولا يجوز له أن يترك المشي إلى أن يرمي في الحج، ويفرغ من العمرة، فإن حج راكباً من غير عذر فقد أساء وعليه دم، وإن حج راكباً لعذر جاز وعليه دم في أصح القولين.
---(1/75)
ومن نذر المضي إلى مكة أو إلى الكعبة لزمه قصدها بحج أو عمرة، وإن نذر المشي إلى بيت الله تعالى ولم يقل الحرام لم يلزمه المشي على ظاهر المذهب. وقيل: يلزمه. وإن نذر المشي إلى مسجد رسول الله أو إلى المسجد الأقصى، لزمه ذلك في أحد القولين، دون الآخر. وإن نذر المشي إلى ما سواهما من المساجد لم يلزمه المشي. ومن نذر النحر بمكة لزمه النحر بها، وتفرقة اللحم على أهل الحرم. وإن نذر النحر والتفرقة في بلد آخر، لزمه. وإن نذر النحر وحده، فقد قيل: يلزمه النحر والتفرقة. وقيل: لا يلزمه. ومن نذر أن يهدي شيئاً معيناً إلى الحرم، نقله إليه، إن كان مما ينقل.
وإن لم يمكن نقله باعه ونقل ثمنه. فإن نذر الهدي وأطلق لزمه الجذع من الضأن، أو الثني من المعز والبقر والإبل. وإن نذر أن يهدي لزمه ما ذكرناه في أحد القولين، وما يقع عليه الاسم في القول الآخر. فإن نذر بدنة في الذمة لزمه ما نذر. فإن أعوزه الإبل اخرج بقرة، وإن أعوزهُ البقر أخرج سبعاً من الغنم، وقيل: هو مخير بين الثلاثة.
ويستحب لمن أهدى شيئاً من البدن أن يشعرها بحديدة في صفحة سنامها الأيمن. وإن تقلدها خُرب القرب، ونحوها من الخيوط المفتولة والجلود. ويقلد البقر والغنم ولا يشعرها. فإن عطب منها شيء قبل المحل نحره وغمس نعله في دمه وضرب صفحته وخلا بينه وبين المساكين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 129
ومن نذر صوم سنة بعينها لم يقض أيام العيد، والتشريق، وشهر رمضان، وإن كانت امرأة فحاضت قضت أيام الحيض، في أصح القولين. وإن نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان لم يصح نذره في أحد القولين. ويصح في القول الآخر، وإن قدم في اثناء النهار نوى صومَه ويجزئه.
---(1/76)
وإن كان مفطراً لزمه القضاء؛ وإن وافق ذلك شهر رمضان لم يقض، وإن وافق يوم العيد قضاه في أصح القولين، ومن نذر صلاة لزمه ركعتان في أصح القولين، وركعة في الآخر. ومن نذر عتق رقبة أجزأه ما يقع عليه الاسم. وقيل: لا يجزئه إلا ما يجزىء في الكفارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 129
كتاب البيوع
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 131
باب ما يتم به البيع
لا يصح البيع إلاّ من مطلق التصرف، غير محجور عليه. ولا ينعقد إلا بإيجاب وقبول، وهو أن يقول: بعتك أو ملكتك وما أشبهه. ويقول المشتري: قبلت أو ابتعت، وما أشبه ذلك.
فإن قال المشتري: بعني. فقال: بعتك، انعقد البيع. وإذا انعقد البيع ثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا أو يتخايرا، وهو أن يقولا: اخترنا أمضاء البيع، أو فسخه.
فإن تبايعا على أن لا خيار لهما لم يصح البيع. وقيل: يصح، ولا خيار لهما. وقيل: يصح ويثبت لهما الخيار. وإن تبايعا بشرط الخيار إلى ثلاثة أيام فما دونها جاز. إلا في الصرف وبيع الطعام بالطعام، ويعتبر ابتداء المدة من حين العقد، وقيل: من حين التفرق، وينتقل المبيع إلى المشتري بنفس العقد في أحد الأقوال، وبانقضاء الخيار في الثاني، وموقوف في القول الثالث، فإن تم البيع بينهما حكمنا بأنه انتقل بنفس العقد، وإن لم يتم حكمنا بأنه لم ينتقل.
ولا يملك المشتري التصرف في المبيع، حتى ينقطع خيار البائع، ويقبض المبيع.
ولا ينفذ تصرف البائع في الثمن إن كان معيناً حتى ينقطع خيار المشتري، ويقبض الثمن. وإن كان في الذمة، لم ينفذ تصرفه فيه قبل إنقطاع الخيار، وهل يجوز قبل قبضه فيه قولان: أصحهما أنه يجوز.
---(1/77)
ولا يدخل المبيع في ضمان المشتري إلا بالقبض، ولا يستقر ذلك عليه إلا بالقبض، فإن هلك قبل القبض انفسخ البيع، وإن اتلفه المشتري استقر عليه الثمن، وإن أتلفه أجنبي ففيه قولان؛ أحدهما: ينفسخ البيع، والثاني: لا ينفسخ بل يثبت للمشتري الخيار بين الفسخ وبين الإمضاء، والرجوع على الاجنبي بالقيمة، وإن أتلفه البائع انفسخ البيع، وقيل: هو كالأجنبي، والقبض فيما ينقل النقل، وفيما يتناول باليد التناول، وفيما سواهما التخلية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 131
باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز
ولا يصح البيع إلا في عين طاهرة، فأما الكلب والخنزير والخمر والسرجين والزيت النجس، فلا يجوز بيعها. ويجوز بيع الثوب النجس، ولا يصح إلا فيما فيه منفعة. فأما الحشرات والسباع التي لا تصلح للاصطياد، فلا يجوز بيعها.
ولا يجوز البيع فيما يبطل به حق آدمي كالوقف وأم الولد والمكاتب في أصح القولين والمرهون. وفي العبد الجاني قولان وقيل: ان كانت الجناية خطأ لم يجز قولأ واحداً، وإنما القولان في جناية العمد، وقيل: إن كانت الجناية عمداً جاز قولاً واحداً. وإنما القولان فيما إذا كانت الجناية خطأ.
---(1/78)
ولا يجوز بيع ما لا يملك إلا بولاية أو نيابة، ولا بيع ما لم يتم ملكه عليه، كالمملوك بالبيع والنكاح وغيرهما من المعاوضات قبل القبض، فأما ما ملكه بالإرث أو الوصية أو عاد إليه بفسخ عقد جاز له بيعه قبل القبض. ولا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه كالطير الطائر، والعبد الآبق، وما أشبهه. ولا ما في تسليمه ضرر كالصوف على ظهر الغنم، وذراع من ثوب تنقص قيمته بقطعه. ولا يجوز بيع المعدوم ولا بيع العربون. ولا يجوز بيع ما يجهل قدرهُ كبيع الصبرة إلا قفيزاً منها. ولا يجوز بيع ما يُجهل صفته كالحمل في البطن، واللبن في الضرع، والمسك في الفأرة، وبيع ذراع من دار وهما لا يعلمان ذرعان الدار. وفي بيع الاعيان التي لم يرها المشتري قولان؛ أصحهما: أنه لا يجوز، والثاني: أنه يجوز إذا وصفها، ويثبت للمشتري الخيار إذا رآها. فإن رآها قبل العقد وهي مما لا تتغير غالباً جاز بيعها، وإن رآها وقد نقصت ثبت له الخيار، وإن اختلفا في النقصان فالقول قول المشتري.
ولا يجوز البيع بثمن مجهول القدر كبيع السلعة برقمها. وكبيع السلعة بألف مثقال ذهب وفضة. فإن باعه قطيعاً كل شاة بدرهم، أو صبرة كل قفيز بدرهم، جاز. وإن لم يعلم مبلغ الثمن في حال العقد. فإن كان لرجلين عبدان لكل واحد منهما عبد فباعاهما بثمن واحد، ولم يعلم كل واحد منهما ما له، بطل البيع في أحد القولين وصح في القول الآخر. ويقسط الثمن عليهما على قدر قيمتهما.
ولا يجوز البيع بثمن مجهول الصفة، كالبيع بثمن مطلق في موضع ليس فيه نقد متعارف، فإن باعه بثمن معين لم يره فعلى قولين. ولا يجوز البيع بثمن إلى أجل مجهول، كالبيع إلى العطاء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 132
---(1/79)
وبيع حبل الحبلة، وهو في قول الشافعي رضي الله عنه وهو أن يبيع بثمن إلى أن تحبل هذه الناقة، وتلد، وتحبل ولدها. ولا يجوز تعليق البيع على شرط كبيع المنابذة وهو أن يقول: إذا نبذت إليك الثوب فقد وجب البيع. وكبيع الملامسة وهو ان يقول: إذا لمسته فقد وجب البيع، وكبيع حبل الحبلة في قول أبي عبيدة وهو أن يقول: إذا ولدت هذه الناقة وولدت ولدها فقد بعتك الولد. وإن جمع في البيع بين حر وعبد، أو بين عبده وعبد غيره ففيه قولان؛ أحدهما: يبطل العقد فيهما، والثاني: يصح في الذي يملكه. وللمشتري الخيار إن شاء فسخ العقد، وإن شاء أمضاه فيما يصح بقسطه من الثمن في أحد القولين. وبجميع الثمن في القول الآخر، فإن جمع بينهما فيما لا عوض فيه كالرهن والهبة فقد قيل: يصح فيما يحل قولاً واحداً. وقيل: على قولين. وإن جمع بين حلالين، ثم تلف أحدهما قبل القبض لم يبطل في الآخر وقيل: على القولين. فإن جمع بين عقدين مختلفي الحكم كالبيع والإجارة، والبيع والصرف، والبيع والنكاح، والبيع والكتابة. ففيه قولان؛ أحدهما: يبطل العقد فيهما والثاني: يصح ويقسط الثمن عليهما على قدر قيمتهما.
وإن جمع بيعتين في بيعة في أحد التأويلين: بأن قال: بعتك هذا العبد بعشرة على أن تبيعني دارك بمائة، بطل البيع. وقال في التأويل الآخر: بعتك بعشرة نقداً، أو بعشرين نسيئة بطل البيع، وإن فرق بين الجارية وولدها قبل سبع سنين بطل البيع، وفيما بعد ذلك إلى البلوغ قولان.
ولو باع شاة حية إلا يدها أو جارية إلا حملها، أو جارية حاملاً بحرّ، بطل البيع. وإن باع جارية حاملاً وشرط حملها ففيه قولان.
وإن باع عبداً مسلماً من كافر بطل البيع في أصح القولين. ويصح في القول الآخر، ويؤمر بإزالة الملك فيه.
وإن باع العصير ممن يتخذ الخمر، أو السلاح ممن يعصي الله تعالى به، أو باع ماله ممن أكثر ماله حرام، كره ولم يبطل البيع.
---(1/80)
وإن شرط في البيع شرطاً يقتضيه العقد كالتسليم، وسقي الثمرة أو تبقيتها إلى (أوان) الجَذاذ، وما أشبه ذلك، لم يفسد العقد. وإن شرط ما فيه مصلحة للعاقد كخيار الثلاث، والأجل، والرهن والضمين، لم يفسد العقد.
وإن شرط العتق في العبد لم يفسد العقد، فإن امتنع مِن العتق أجبر عليه. وقيل: لا يجبر بل يخير البائع بين الفسخ والامضاء. وإن شرط ما سوى ذلك مما ينافي مُوجَب العقد، وليس فيه مصلحة، كبيع الدابة بشرط أن يركبها، وبيع الدار بشرط أن يسكنها شهراً لم يصح العقد ولم يملك فيه المبيع، فإن قبضه المبتاع وجب رده، فإن هلك عنده ضمنه بقيمته أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التلف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 132
وإن حدثت فيه زيادة، كالسمن وغيره، ضمنها. وقيل: لا يضمن القيمة إلا من حيث القبض، ولا يضمن الزيادة والمذهب الأول. وإن كان لمثله أجرة لزمه اجرة المثل. وإن كانت جارية فوطئها لزمه المهر، وأرش البكارة إن كانت بكراً، فإن أولدها فالولد حر، ويلزمه قيمته يوم الولادة، وإن وضعته ميتاً لم تلزمه قيمته، وإن ماتت الأمة من الولادة لزمه قيمتها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 132
باب الربا
ولا يحرم الربا إلا في الذهب والفضة والمأكول والمشروب. فأما الذهب، والفضة، فإنه يحرم فيهما الربا بعلة واحدة وهو أنهما قيم الأشياء. والمأكول، والمشروب فإنه يحرم فيهما بعلة واحدة، وهو أنه مطعوم، فمتى باع شيئاً من ذلك بجنسه حرم فيه التفاضل والنسَاء، والتفرق قبل التقابض، وإذا باع بغير جنسه فإن كان مما يحرم فيه الربا بعلة واحدة كالذهب والفضة والحنطة والشعير جاز فيه التفاضل، وحرم فيه النسَاء، والتفرق قبل التقابض، وإن لم يحرم فيهما الربا بعلة واحدة كالذهب والحنطة والفضة والشعير جاز فيهما التفاضل والنسَاء والتفرق قبل التقابض.
---(1/81)
وكل شيئين جمعهما اسم خاص كالتمر المعقلي والبرني، فهما جنس واحد، وما لم يجمعهما اسم خاص كالحنطة والشعير، واللحم والشحم، والالية، والكبد، فهما جنسان. وفي اللحمان والألبان، قولان؛ أصحهما: أنها أجناس، فيباع لحم البقر بلحم الغنم متفاضلاً، والثاني: أنهما جنس واحد، فلا يباع لحم البقر بلحم الغنم، متفاضلا.
وإن اصطرف رجلان وتقايضا ووجد أحدهما بما أخذ عيباً، فإن وقع العقد على العين، وردّه، انفسخ البيع، ولم يجز أخذ البدل، وإن كان على عوض في الذمة، جاز أن يرد، ويطالب بالبدل قبل التفرق. وبعد التفرق قولان؛ أحدهما: يرد ويأخذ بدله، والثاني: أنه بالخيار إن شاء رضي به وإن شاء رده، فإذا رده انفسخ البيع. وما حرم فيه التفاضل فإن كان مما يكال لم يجز بيع بعضه ببعض حتى يتساويا في الكيل، فإن كان في أحدهما قليل تراب جاز.
وإن كان مما يوزن لم يجز بيع بعضه ببعض حتى يتساويا في الوزن، فإن كان في أحدهما قليل تراب لم يجز.
وإن كان مما لا يكال ولا يوزن ففيه قولان؛ أحدهما: أنه لا يجوز بيع بعضه ببعض. والثاني: يجوز إذا تساويا في الوزن. وما حرم فيه التفاضل لا يجوز بيع حبه بدقيقه ولا بيع دقيقه بدقيقه. ولا بيع مطبوخه بمطبوخه، ولا مطبوخه بنيئه، ولا أصله بعصيره، ولا خالصه بمشويه، ولا مشويه بمشويه، ولا رطبه برطبه، ولا رطبه بيابسه. إلا في العرايا: وهو بيع الرطب على رؤوس النخل، بالتمر على وجه الأرض، والعنب في الكرم، بالزبيب على وجه الأرض فيما دون خمسة أوسق خرصًا. وفي خمسة أوسق قولان. وفيما سوى الرطب، والعنب من الثمار، قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 136
وما حرم فيه الربا لا يباع الجنس الواحد بعضه ببعض، ومع أحد العوضين جنس آخر يخالفه في القيمة كمد عجوة، ودرهم بمدي عجوة.
---(1/82)
ولا يباع نوعان مختلفى القيمة من جنس واحد بنوع واحد منه متفق القيمة كدينار قاساني، ودينار سابوري بقاسانيين أو سابوريين، وكدينار صحيح، ودينار قراضة، بدينارين صحيحين، أو دينارين قراضة. ولا يجوز بيع اللبن بشاة في ضرعها لبن، ولا يجوز بيع اللحم بحيوان مأكول، وفي بيعه بحيوان غير مأكول، قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 136
باب بيع الأصول والثمار
إذا باع أرضاً وفيها بناء أو غراس دخل البناء والغراس في البيع، فإن كان له حمل، فإن كان ثمره يتشقق كالنخل أو نوراً يتفتح كالورد والياسمين، فإن كان قد ظهر ذلك، أو بعضه فالجميع للبائع، وإن لم يظهر شيء منه فهو للمشتري. وقيل: إن ثمرة الفُحّال للبائع بكل حال، وهو خلاف النص. وإن كان ثمرته بارزة، كالتين والعنب، أو في كمام لا يزال عنه إلا عند الأكل كالرمان والرانج، فهو للبائع.
وإن كان ثمره في قشرين كالجوز واللوز فهو كالتين والرمان على المنصوص، وقيل: هو كثمرة النخل قبل التأبير.
وإن كان ثمره يخرج في نور ثم يتناثر عنه النور كالمشمش والتفاح، فهو كثمرة النخل إن ظهر ذلك، أو بعضه فهو للبائع، وإن لم يظهر منه شيء فهو للمشتري. وقيل: انه للبائع في الحالين. وإن كان ثمره ورقاً كالتوت فقد قيل: انه إن لم يتفتح فهو للمشتري، وإن تفتح فهو للبائع. وقيل: هو للمشتري بكل حال.
---(1/83)
وإن باع أرضاً وفيها زرع لا يحصد في السنة إلا مرة، لم يدخل الزرع في البيع. وإن كان يجز مرة بعد أخرى كالرطبة، كانت الأصول للمشتري، والجزة الأولى للبائع. وان باع الاصل وعليه ثمرة للبائع لم يكلف نقله إلى أوان الجداد، فإن احتاج إلى سقي، لم يكن للمشتري منعه من سقيه، وإن كانت الشجرة تحمل حملين فلم يأخذ البائع ثمرته حتى حدثت ثمرة المشتري واختلطت ولم يتميز، ففيه قولان أحدهما: أن البيع ينفسخ. والثاني: لا ينفسخ البيع بل يقال للبائع: إن سلمت الجميع أجبر المشتري على قبوله، وإن امتنع، قيل للمشتري: إن سلمت الجميع أجبر البائع على قبوله: وإن تشاحا فسخ العقد. وقيل: لا ينفسخ قولاً واحداً.
ولا يجوز بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، إلا بشرط القطع، فإن بدا صلاحها جاز بيعها مطلقاً وبشرط القطع وبشرط التبقية. وبدو الصلاح أن يطيب أكله، وإذا وجد ذلك في بعض الجنس في البستان جاز بيع جميع ما في البستان من ذلك الجنس.
ولا يجوز بيع الزرع الأخضر إلا بشرط القطع، فإن باع الثمرة قبل بدو الصلاح من صاحب الأصل، والزرع الأخضر من صاحب الأرض جاز من غير شرط القطع.
ولا يجوز بيع الباقلّي الأخضر في قشريه، ولا الجوز واللوز في قشريه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 138
ويجوز بيع الشعير في سنبله، وفي بيع الحنطة في سنبلها قولان؛ أصحهما: أنه لا يجوز. وإن باع الثمرة أو الزرع بعد اشتداد حبه، لم يكلف المشتري نقله إلا في أوان الجداد والحصاد، وإن احتاج إلى سقي لزم البائع السقي، وإن كان عليه ضرر في السقي وتشاحا فسخ العقد. وإن اشتري ثمرة فلم يأخذها حتى حدثت ثمرة أخرى، (واختلطت ولم يتميزا) أو اشترى جزة من الرطبة ولم يأخذ حتى طالت، أو طعاماً فلم يأخذه حتى اختلط به غيره ففيه قولان؛ أحدهما: ينفسخ البيع، والثاني: لا ينفسخ، بل يقال للبائع: إن تركت حقك أقر العقد، وإن لم تترك فسخ العقد.
---(1/84)
وإن تلفت الثمرة بعد التخلية، ففيه قولان؛ أحدهما: أنها تتلف من ضمان البائع. والثاني: وهو الأصح أنها تتلف من ضمان المشتري.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 138
باب بيع المصراة والرد بالعيب
إذا اشترى ناقة، أو بقرة، أو شاة مصراة، وتبين فيها التصرية فهو بالخيار بين أن يمسك وبين أن يرد، ويرد معها صاعاً من تمر بدل اللبن. وان اشترى أتانًا مصراة ردها، ولا يرد بدل اللبن. وإن اشترى جارية مصراة فقد قيل: لا يرد وقيل: يرد، إلا أنه لا يرد بدل اللبن، وإن اشترى جارية جُعّد شعرها، أو أسوّد، ثم بان أنها سبطة الشعر أو بيضاء الشعر، ثبت له الخيار. ومن علم بالسلعة عيباً، لم يجز له بيعها حتى يبين عيبها، وإن باع ولم يبين عيبها فالبيع صحيح. وإن علم المشتري بالمبيع عيباً كان موجوداً عند العقد، أو حدث قبل القبض فهو بالخيار بين أن يمسكه وبين أن يرده. فإن أخر الرد من غير عذر سقط حقه من الرد. وإن لم يعلم بالعيب حتى حصلت له منها فوائد حدثت في ملكه، أمسكها ورد الأصل.
وإن قال البائع: أنا أعطيك الأرش عن العيب، لم يلزمه قبوله، وإن طالب المشتري بالأرش لم يلزم البائع. فإن تراضيا على أخذ الأرش، فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز.
فإن اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيباً رده، وأمسك الآخر في أحد القولين.
---(1/85)
وإن اشترى اثنان فوجدا به عيباً، جاز لأحدهما أن يرد نصيبه دون الآخر، وإن وجد العيب وقد نقص المبيع عند المشتري بأن كانت جارية بكراً فوطئها، أو ثوباً فقطعه سقط حقه من الرد، وله أن يطالب بالأرش، فإن قال البائع: أنا آخذه منك معيباً سقط حقه من الأرش، فإن كان لا يوقف على عيبه إلا بكسره كالبطيخ والرانج، فكسر منه قدر ما يعرف به العيب ففيه قولان؛ أحدهما: يرده، ويرد معه أرش ما نقص بالكسر في أحد القولين، دون الآخر. والثاني: لا يرد بل يرجع بالأرش ان كان لما بقي قيمة، وإن لم يكن له قيمة رجع بالثمن كله. وإن وقف المبيع أو كان عبداً فأعتقه، أو مات رجع بالأرش، وإن باعه لم يرجع بالأرش، وقيل: يرجع. وليس بشيء، فإن رد عليه الثاني بالعيب، أو وهبه له، أو ورثه ردّه.
والعيب الذي يرد به ما يعده الناس عيباً من المرض، والعمى، والجنون، والبرص، والجذام، والبخر، والزنا، والسرقة، وما أشبه ذلك. فأما إذا اشترى جارية فوجدها ثيباً، أو مسنة، أو كافرة، لم يجز ردها، إلا أن يكون قد شرط أنها بكراً، أو صغيرة، أو مسلمة.
وإن شرط أنها ثيب فخرجت بكراً لم يرد، وقيل: يرد. وإن شرط أنه كافر فخرج مسلماً ثبت الرد، وإن باع وشرط البراءة من العيوب ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يبرأ، والثاني: أنه لا يبرأ ويبطل البيع على هذا، وقيل: لا يبطل. والثالث: أنه يبرأ من كل عيب باطن في الحيوان لم يعلم به البائع، ولا يبرأ مما سواه. فإن اختلفا في عيب يمكن حدوثه، فقال البائع: حدث عندك، وقال المشتري: بل كان عندك. فالقول قول البائع مع يمينه، وإن باعه عصيراً أو سلمه فوجد في يد المشتري خمراً، فقال البائع: عندك صارت خمراً، وقال المشتري: بل كان عندك خمراً، ففيه قولان، أحدهما: إن القول قول البائع، والثاني: إن القول قول المشتري.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 140
---
باب بيع المرابحة والنجش، والبيع على بيع أخيه، وبيع الحاضر للبادي، وتلقي الركبان(1/86)
ويجوز أن يبيع ما اشتراه برأس المال، وبأقل منه ويجوز أن يبيعه مرابحة إذا بيّن رأس المال ومقدار الربح. وما يزاد في الثمن، ويحط منه في مدة الخيار يلحق برأس المال. وكذلك ما يرجع به من أرش العيب يحط من رأس المال، فإن اشترى ثوباً بعشرة وقصره بدرهم ورفأه بدرهم خبّر به في المرابحة فيقول: قام علي باثني عشر، ولا يقول: ابتعته باثني عشر، وإن عمل فيه عملاً يساوي درهمين أخبر به فيقول: اشتريته بعشرة وعملت فيه بدرهمين، ولا يقول: قام علي باثني عشر. وإن أخذ مِن لبنه أو صوفه الموجود حال العقد شيئاً أخبر به.
---(1/87)
وإن اشترى عبدين بثمن واحد جاز أن يبيع أحدهما مرابحة إذا قسط الثمن عليهما بالقيمة. وإن قال: اشتريته بمائة، ثم قال: بل بتسعين ففيه قولان؛ أحدهما: يحط الزيادة وربحها ويأخذ المبيع بالباقي. والثاني: أنه بالخيار بين أن يفسخ المبيع وبين أن يحط الزيادة وربحها ويأخذ المبيع بالباقي. وإن قال: اشتريت بمائة ثم قال: (بل) بمائة وعشرة لم يقبل وإن أقام عليه بينة إلا أن يصدقه المشتري، وإن واطأ غلامه، فباع منه ما اشتراه بعشرة ثم اشتراه منه بعشرين وخبّر به العشرين كره ذلك. ويحرم النجش، وهو أن يزيد في الثمن ليغر غيره فيشتريه. ويحرم أن يبيع على بيع أخيه، وهو أن يقول لمن اشترى شيئاً بشرط الخيار: افسخ البيع وأنا أبيعك مثله بأقل من هذا الثمن، فإن فسخ وباعه صح البيع. ويحرم أن يدخل على سوم أخيه وهو أن يجىء إلى رجل أنعم لغيره في سلعة بثمن، فيزيده ليبيع منه فإن فعل ذلك صح البيع، فإن عرض له بالإجابة كره الدخول في سومه. ويحرم أن يبيع حاضر لباد وهو أن يقدم رجل ومعه سلعة يريد بيعها (في الحال)، ويحتاج إليها في البلد، فيجيء إليه رجل، فيقول: لا تبع حتى أبيع لك قليلاً قليلاً، وإزيد في ثمنها، فإن فعل صح البيع. ويحرم تلقي الركبان وهو أن يتلقى القافلة ويخبرهم بكساد ما معهم ليغبنهم، فإن قدموا وبان لهم الغبن، كان لهم الخيار. وإن لم يغبنهم فقد قيل: يثبت لهم الخيار، وقيل: لا يثبت، ويحرم التسعير.
ويحرم الإحتكار في الأقوات. وهو أن يبتاع في وقت الغلاء فلا يبيعه، ويمسكه ليزداد في ثمنه، وقيل: لا يكره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 142
باب اختلاف المتبايعين
---(1/88)
إذا اختلف المتبايعان في ثمن السلعة، أو في شرط الخيار، أو الأجل أو قدرهما ولم يكن لهما بينة تحالفا، فيبدأ بالبائع فيحلف أنه ما باع بكذا، ولقد باع بكذا، ويحلف المشتري أنه ما اشترى بكذا، ولقد اشترى بكذا، فإذا حلفا لم ينفسخ البيع حتى يُفسخ على المنصوص. فإن رضيا بأحد الثمنين أقر العقد، وإن لم يرضيا فسخا، وقيل: لا يفسخ إلا بالحاكم.
فإن اختلفا في عين المبيع فقال البائع: بعتك هذه الجارية، وقال المشتري: بل بعتني هذا العبد لم يتحالفا. بل يحلف البائع أنه ما باعه العبد، ويحلف المشتري أنه ما أبتاع الجارية. وإن قال: بعتك هذه الجارية، فقال: بل زوجتنيها، حلف كل واحد منهما على نفي ما يدعي عليه، وإن اختلفا في شرط يفسد البيع، فالقول قول من يدعي الشرط في أحد القولين، والقول قول من ينكر ذلك في القول الآخر، وإن اختلفا في التسليم، فقال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري: لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع أجبر البائع على ظاهر المذهب. فإن كان الثمن حاضراً أجبر المشتري على تسليمه، وإن لم يكن حاضراً ولكنه معه في البلد حجر على المشتري في السلعة وجميع ماله حتى يحضر الثمن. وإن كان غائباً في بلد آخر بيعت السلعة في الثمن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 144
باب السلم
السلم صنف من البيع وينعقد بجميع ألفاظ البيع. وينعقد بلفظ السلم، ويثبت فيه خيار المجلس، ولا يثبت فيه خيار الشرط. ومن شرطه أن يسلم رأس المال في المجلس، فان كان في الذمّة بينّ صفته وقدره. وإن كان معيناً، لم يفتقر إلى ذكر صفته وقدره في أصح القولين.
ولا يصح السلم إلا في مال يضبط بالصفة، كالاثمان، والحبوب، والأدقة، والمائعات، والحيوان، والرقيق، واللحوم، والبقول، والاشعار، والاصواف، والقطن، والإبريسم، والثياب، والرصاص، والنحاس، والحديد، والاحجار، والاخشاب، والعطر، والأدوية، وغير ذلك مما يضبط بالصفة.
---(1/89)
ولا يجوز حتى يضبط بالصفات التي تختلف بها الأغراض عند أهل الخبرة. فإن شرط فيها الأجود لم يصح. وإن شرط الأردأ فعلى قولين. وما لا يضبط بالصفة لا يجوز السلم فيه، كالجواهر، والحيوان الحامل، وما دخله النار كالخبز، والشواء.
وما يجمع اجناساً مختلفة كالقسي والنبل المريش، والغالية، والند، والخفاف، والثوب المصبوغ. فإن أسلم في ثوب صبغ غزله ثم نسج، أو في ثوب قطن سَداه إبريسم، جاز. وإن اسلم في الرؤوس، ففيه قولان. وإن أسلم في المخيض وفيه الماء لم يجز.
وإن أسلم في الجبن وفيه الأنفحة، أو في خل التمر وفيه الماء، جاز. وإن أسلم في الجلود والرق لم يجز. وإن أسلم في الورق، جاز. وإن أسلم في آنية مختلفة الأعلى والأوسط والأسفل كالإباريق، والأسطال الضيقة الرؤوس، والمنارات لم يصح. فإن كان فيما لا يختلف كالهاون، والسطل المربع جاز.
ولا يجوز السلم إلا في قدر معلوم. ويجوز فيما يكال بالكيل والوزن. وفيما يوزن بالوزن، وفيما يذرع بالذرع وفيما يعد بالعد. وإن كان مما يختلف كالبيض، والجوز، واللوز، والقثاء، والبطيخ لم يجز السلم فيه إلا وزناً، وقيل: يجوز في الجوز، واللوز كيلاً. وإن أسلم في مؤجل لم يجز إلا إلى أجل معلوم، وأن أسلم في جنس إلى أجلين، أو جنسين إلى أجل جاز في أصح القولين، فإن أسلم حالاً لم يفتقر إلى بيان الموضع ويستحق التسليم في موضع العقد. وإن أسلم مؤجلا في موضع لا يصلح للتسليم وجب بيان موضع التسليم، وإن كان في موضع يصلح فيه التسليم فقد قيل: لا يجب بيانه، ويجب التسليم في موضع العقد، وقيل: فيه قولان؛ أحدهما: لا يجب بيانه، والثاني: يجب، ولا يصح السلم إلا فيما يعم وجوده ويؤمن إنقطاعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
---
فإن أسلم فيما لا يعم كالصيد في موضع لا يكثر فيه، أو في جارية وأختها، وإن أسلم فيما لا يؤمن إنقطاعه كثمرة قرية بعينها، أو على مكيال بعينه أو وزنة صخرة بعينها أو قوة شجرة بعينها لم يصح.(1/90)
وإن أسلم فيما يؤمن إنقطاعه ثم انقطع في محِله ففيه قولان؛ أصحهما: أن المشتري بالخيار بين أن يفسخ وبين أن يصبر إلى أن يوجد، والثاني: أنه ينفسخ العقد. ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل القبض، ولا التولية ولا الشركة، وإذا أحضر المسلم فيه على الصفة التي يتناولها العقد أو أجود منه وجب قبوله. وقيل: إن كان الاجود من نوع آخر كالمعقلي عن البرني، لم يجز قبوله.
وإن أحضره قبل المحل ولم يكن عليه ضرر في قبضه لزمه قبوله. وإن قبض ثم ادعى أنه غُلط عليه في الكيل والوزن، لم يقبل في أصح القولين. وإن دفع إليه جزافاً.
فإن ادعى أنه نقص من حقه فالقول قوله. وإن وجد بما قبض عيباً رده وطالب ببدله، وإن حدث عنده عيب آخر طالب بالأرش. وإن أنكر المسلم إليه وقال: الذي اسلمت إليك غيره، فالقول قول المسلَم إليه مع يمينه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
باب القرض
القرض مندوب إليه، ويجوز قرض كل ما يثبت في الذمة بعقد السلم. وما لا يثبت في الذمة بعقد السلم كالجواهر، والخبز، والحنطة المختلطة بالشعير لا يجوز قرضه.
ولا يجوز أن يقرض الجارية لمن يملك وطأها. ويجوز لمن لا يملك وطئها، ويملك المال فيه بالقبض، وقيل: لا يملك إلا بالتصرف. ويجوز أن يشترط فيه الرهن والضمين، ولا يجوز شرط الأجل فيه. ولا شرط جرّ منفعة، مثل أن يقول: أقرضتك الفاً على أن تبيعني دارك بكذا، أو على أن ترد علي أجود من مالي، أو أن تكتب سفتجة فإن بدأ المستقرض بذلك من غير شرط جاز.
---
ويجب رد المثل فيما له مثل، وفيما لا مثل له فليرد القيمة، وقيل: يرد المثل. وإن أخذ عن القرض عوضاً جاز. وإن أقرضه طعاماً ما ببلد ثم لقيه ببلد آخر فطالبه به لم يلزمه دفعه إليه، وإن طالب بالعوض عنه لزمه دفعه، فإن أقرضه دراهم في بلد فلقيه في بلد آخر فطالبه بها لزمه دفعها إليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 148
باب الرهن(1/91)
ولا يصح الرهن إلا من مطلق التصرف، ولا يصح على دين لم يجب، ولم يوجد سبب وجوبه، مثل أن يرهنه على ما يقرضه غداً، ولا يصح إلا بدين لازم كثمن المبيع ودين السلم، وأرش الجناية، أو يؤول إلى اللزوم كثمن المبيع بشرط الخيار، فأما ما لا يلزم بحال كمال الكتابة فلا يجوز الرهن به. ولا يصح إلا بالإيجاب والقبول، ولا يلزم إلا بالقبض، فإن اتفقا على أن يكون في يد المرتهن جاز، وإن اتفقا على أن يكون عند عدل جاز، وإن تشاحا، سلمه الحاكم إلى عدل. وكل عين جاز بيعها جاز رهنها وقيل: ان المدبر لا يجوز رهنه، وقيل: يجوز، وقيل: على قولين. والمعلق بصفة تتقدم على حلول الحق لا يجوز رهنه، وقيل: يجوز فيه قول آخر أنه يجوز. وما يسرع إليه الفساد لا يصح رهنه بدين مؤجل في أصح القولين، ويصح في الآخر. وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه، وما لا يجوز في البيع من الغرر لا يجوز في الرهن. فإن رهن المبيع قبل القبض جاز. وإن رهنه بثمنه لم يجزْ. وإن رهن الثمرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع جاز في أصح القولين.
---(1/92)
وإن رهن نخلاً وعليه ثمرة غير مؤبرة لم تدخل الثمرة في الرهن في أصح القولين، وتدخل في الآخر. وإن شرط في الرهن شرطًا ينافي مقتضى الرهن، فإن كان ينفع الراهن بطل الرهن، وإن كان ينفع المرتهن ففيه قولان؛ أصحهما: أنه يبطل وإن شرط الرهن في بيع فامتنع من الاقباض، أو قبضه ثم وجد به عيباً ثبت له الخيار في فسخ البيع، وإن شرط في البيع رهناً فاسداً بطل البيع في أحد القولين دون الآخر، ولا ينفك من الرهن شيء حتى يقضي جميع الدين، ولا يتصرف الراهن بما يبطل به حق المرتهن كالبيع والهبة، ولا بما ينقص قيمة الرهن كلبس الثوب وتزويج الأمة ووطئها إن كانت ممن تحبل وإن كانت ممن لا تحبل جاز له وطؤها، وقيل: لا يجوز. ويجوز أن ينتفع به فيما لا ضرر فيه على المرتهن كالركوب والاستخدام وله أن يعير، ويؤجر إن كانت مدة الإجارة دون محل الدين. وإن رهنه بدين آخر عند المرتهن ففيه قولان؛ أصحهما: أنه لا يجوز فإن اعتقه ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يعتق، والثاني: لا يعتق، والثالث: إن كان معسراً لم يعتق، وإن كان موسراً اعتق وأخذت منه القيمة، وجعلت رهناً مكانه. وإن كانت جارية فأحبلها فعلى الأقوال، إلا إذا بيعت بعدما أحبلها ثم ملكها، ثبت لها حكم الاستيلاد، وان بيعت بعدما اعتقها ثم ملكها لم يثبت العتق. وإن جنى المرهون عمداً اقتص منه، وإن جنى خطأ بيع في الجناية، وإن أقر عليه السيد بجناية الخطأ قبل في أحد القولين، دون الآخر. وإن جُني عليه تعلق حق المرتهن بالأرش. وإن حصل من عين الرهن فائدة لم تكن حال العقد، كالولد واللبن، والثمرة فهو خارج من الرهن، وما يلزم على الرهن من مؤنة فهو على الراهن، والرهن امانة في يد المرتهن، فإن هلك لم يسقط من الدين شيء، وإن اختلفا في رده فالقول قول الراهن مع يمينه وإن اختلفا في قدره، فالقول قول المرتهن مع يمينه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
باب التفليس
---(1/93)
إذا حصلت على رجل ديون، فإن كانت مؤجلة لم يطالب بها، وإن أراد السفر لم يمنع منه وقيل: يمنع من سفر الجهاد.
وإن كانت حالة، وله مال يفي بها طولب بقضائها، فإن امتنع باع الحاكم ماله وقضى دينه.
فإن لم يكن هناك مال، وادعى الإعسار نظرت، فإن كان قد عرف له قبل ذلك مال حبس إلى أن يقيم البينة على اعساره، ولا يقبل في ذلك إلا بشهادة شاهدين من أهل الخبرة بحاله، فإن قال الغريم: احلفوه أنه لا مال له في الباطن، حلف في أحد القولين. وإن لم يعرف له مال حلف أنه لا مال له، وخلي سبيله، وإن كان له مال لا يفي بديونه، وسأل الغرماء الحاكم الحِجر عليه حُجر عليه. والمستحب أن يشهد على الحجر فإذا حجر عليه لم ينفذ تصرفه في المال، فإن لم يكن له كسب انفق عليه وعلى عياله إلى أن ينفك عنه الحجر، وإذا أراد الحاكم بيع ماله أحضره، أو وكيله، وأحضر الغرماء وباع كل شيء في سوقه، فإن لم يجد من يتطوع بالنداء استأجر من خمس الخمس من ينادي، فإن لم يكن استأجر من مال المفلس.
وبدأ بما يسرع إليه الفساد، ثم بالحيوان، ثم بالعقار، وقسم بين الغرماء على قدر ديونهم. وإن كان منهم من له دين مؤجل لم يقض دينه في أصح القولين، وله قول آخر: أنه تحل بالإفلاس ديونه. وإن كان فيهم من له رهن خص بثمنه، وإن كان له عبد في رقبته ارش جناية، قدم حق المجني عليه. وإن كان فيهم من له عين مال باعها منه، فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء وبين أن يفسخ البيع ويرجع فيها، إلا أن يكون قد استحق بشفعة أو رهن، أو جناية أو خلطه بما هو أجود منه، فإن نقصت العين بفعل مضمون رجع فيها، وضرب مع الغرماء بقدر أرش النقص من الثمن.
---(1/94)
وإن زادت زيادة متميزة كالولد، والثمرة رجع فيها دون الزيادة. وإن كانت الزيادة طلعاً غير مؤبر ففيه قولان؛ أحدهما: يرجع فيها مع الطلع، والثاني: يرجع فيها دون الطلع، وإن كانت الزيادة حملاً لم ينفصل ففيه قولان؛ أصحهما: أنه يرجع فيها مع الحمل، والثاني: يرجع فيها دون الحمل. وإن زادت قيمة العين بقصارة، أو طحن رجع في العين وكانت الزيادة للمشتري.
وإن اشترى ثوباً وصبغاً فصبغ به الثوب، فإن لم يزد قيمتهما رجع كل واحد منهما في ماله، وإن زادت قيمتهما رجع كل واحد منهما في ماله وما زاد للمشتري، وإن نقصت قيمتهما حسب النقصان من قيمة الصبغ، فيرجع صاحب الثوب بماله، وصاحب الصبغ بالخيار إن شاء رجع فيه ناقصاً، وإن شاء ضرب مع الغرماء. وإن كان للمفلس دين، وله به شاهد ولم يحلف فهل يحلف الغرماء أم لا، فيه قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 151
باب الحجر
لا يجوز تصرف الصبي والمجنون في مالهما، ويتصرف في مالهما الولي وهو الأب، ثم الجد، ثم الوصي، ثم الحاكم، أو أمينه، وقيل: تتصرف الأم بعد الجد، ولا يجوز لمن يلي مالهما أن يبيع لهما شيئاً من نفسه، إلا الأب والجد، ولا أن يهب مالهما، ولا يكاتب لهما عبداً.
ولا أن يبيع لهما شيئاً بدون ثمن المثل ولا أن يغرر بمالهما في المسافرة به، أو يبيعه نسيئة إلا لضرورة أو لغبطة وهو أن يبيع بأكثر من ثمن المثل ويأخذ عليه رهناً. ولا يقرض من مالهما شيئاً إلا أن يريد سفراً يخاف عليه فيه، فيكون إقراضه أولى من إيداعه.
وإن وجب لهما شفعة وفي الآخذ لهما غبطة، لم يجز له تركها، ويتخذ لهما العقار ويبنيه لهما بالآجر والطين، ولا يبيع العقار عليهما إلا لضرورة. والغبطة ان يبيع بأكثر من ثمن المثل بزيادة كثيرة.
فإن بلغ الصبي وادعى أنه باع العقار من غير غبطة ولا ضرورة، فإن كان الولي أباً أو جداً فالقول قولهما، فإن كان غيرهما لم يقبل إلا ببيّنة.
---(1/95)
وإن ادعى الولي أنه أنفق عليه ماله أو تلف فالقول قوله. وإن ادعى أنه دفع المال إليه لم يقبل إلا ببيّنة.
وإن احتاج الوصي أن يأكل مِن مال اليتيم شيئاً أكله، ورد عليه البدل، وقيل: لا يرد البدل. وإذا بلغ الصبي، وعقل المجنون، أو أونس منهما الرشد انفكّ الحجر عنهما. والبلوغ في الغلام بالاحتلام أو بإستكمال خمس عشرة سنة. أو إنبات الشعر الخشن في أظهر القولين.
وبلوغ الجارية بما ذكرناه، وتزيد بالحيض والحبل، وإيناس الرشد أن يبلغ مصلحاً لدينه، وماله، ولا يسلم إليه المال حتى يختبر اختباراً مثله، اما قبل البلوغ أو بعده.
فإن كان سفيهًا في دينه أو ماله استديم الحجر عليه ولا يجوز بيعه، ولا نكاحه، فإن اذن له في النكاح صح، وإن اذن له في البيع فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح، وإن طلق أو خالع صح، إلا أنه لا يسلم إليه المال، وإن كان مصلحاً لدينه وماله انفك الحجر عنه، وقيل: لا ينفك إلا بالحاكم فإن فك الحجر عنه ثم بذر حجر عليه الحاكم، ولا ينظر في ماله غيره.
والمستحب أن يشهد على الحجر ليجتنب معاملته، وإن فك الحجر عنه ثم سفه في الدين دون المال، فقد قيل: يعاد عليه الحجر، وقيل: لا يعاد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 153
باب الصلح
الصلح بيع يصح ممن يصح منه البيع، ويثبت فيه ما يثبت في البيع من خيار المجلس وخيار الشرط والرد بالعيب.
ولا يجوز الصلح على ما لا يجوز عليه البيع من المجهول وغيره وإن صالح مِن دين على عين، أو على دين لم يجز أن يتفرقا من غير قبض.
وإن صالح من ألف على خمسمائة لم يصح، وقيل: يصح، وإن قال: اعطني خمسمائة وأبرأتك من خمسمائة جاز، وإن ادعى عليه مالاً فأنكر ثم صالح منه على شيء لم يصح الصلح.
---
فإن صالح عنه أجنبي، فإن كان المدعى ديناً جاز الصلح. وإن كان المدعي عيناً لم يجز حتى يقول: هو لك وقد وكلني في مصالحتك، وإن قال: هو لك وصالحني عنه على أن يكون لي جاز، فإن سلم له انبرم، وإن لم يسلم له رجع فيما دفع.(1/96)
ويجوز أن يشرع الرجل جناحاً إلى طريق نافذ إذا كان عالياً لا يستضر به المارة. ولا يجوز أن يشرع إلى درب غير نافذ إلا بإذن أهل الدرب، وقيل: يجوز.
ولا يجوز أن يشرع إلى ملك غيره، فإن صالحه مالكه عن ذلك بعوض لم يجز، وإن أراد أن يضع جذوعاً على حائط جاره، أو حائط مشترك بينهما لم يجز في أصح القولين. فإن صالحه عن ذلك بشيء جاز؛ إذا كان ذلك معلوماً. وإن صالح رجلاً (بعوض) على أن يجري في أرضه، أو على سطحه ماء وكان ذلك معلوماً، جاز، ولا يجوز أن يفتح كوة في حائط الجار، ولا في حائط مشترك إلا بإذنه، وإن حصلت اغصان شجرة في هواء (دار) غيره فطولب بإزالتها لزمه ذلك، وإن امتنع كان لصاحب الدار قطعها، فإن صالحه عنها بعوض لم يجز وإن كان له دار في درب غير نافذ، وبابها في آخر الدرب فأراد أن يقدمه إلى وسطه أو إلى أوله جاز. وإن كان بابها في أول الدرب فأراد أن يؤخره إلى وسطه أو إلى آخره لم يجز. وإن كان ظهر داره إلى درب غير نافذ فأراد أن يفتح باب إلى الدرب للاستطراق لم يجز. وإن فتح لغير الاستطراق، فقد قيل: يجوز. وقيل: لا يجوز، فإن صالحه أهل الدرب بعوض جاز. وإن كان بينهما حائط واقع أو لأحدهما العلو وللآخر السفل فوقع السقف فدعى أحدهما صاحبه إلى البناء وامتنع الآخر ففيه قولان؛ أصحهما: انه لا يجبر عليه فإن أراد أن يبني لم يمنع منه، فإن بناه بآلة له فهو ملك له ينفرد به. وإن بناه بما وقع من الآلة فهو مشترك بينهما، وإن استهدم فنقضه أحدهما اجبر على إعادته، وقيل: هو أيضاً على قولين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 155
باب الحوالة
---
لا تصح الحوالة إلا برضى المحيل والمحتال. ولا يفتقر إلى رضاء المحال عليه على المنصوص.(1/97)
ولا تصح إلا بدين مستقر على دين مستقر، فأما ما ليس بمستقر كمال الكتابة، ودين السلم، فلا تصح الحوالة به، ولا عليه. ولا تصح إلا على من عليه دين، وقيل: تصح على من لا دين عليه برضاه، ولا يجوز إلا بمال معلوم، وقيل: تصح في إِبل الدية وإن كانت مجهولة.
ولا يجوز إلا أن يكون المال الذي في ذمة المحيل والمحال عليه متفقين في الصفة، والحلول، والتأجيل، ولا يثبت فيه خيار الشرط، ولا خيار المجلس وقيل: تثبت فيها خيار المجلس. فإذا أصبحت الحوالة برئت ذمة المحبل، وصار الحق في ذمة الحالّ عليه. فإن تعذر من جهته لم يرجع على المحيل.
وإن أحال البائع على المشتري رجلاً بمال، ثم خرج المبيع مستحقاً بطلت الحوالة.
وإن وجد المشتري بالمبيع عيباً فرده لم تبطل الحوالة، بل يطالب المحتال المشتري بالمال، بحكم الحوالة ويرجع المشتري على البائع به، وإن أحال المشتري البائع بالثمن على رجل، ثم وجد المشتري بالمبيع عيباً فرده، فإن كان بعد قبض الحق لم تنفسخ الحوالة. بل يطالب المشتري البائع بما قبض.
وإن كان قبل قبض الحق، فقد قيل: تنفسخ. وقيل: لا تنفسخ.
وإن اختلف المحيل، والمحتال، فقال المحيل: وكلتك في القبض، وقال المحتال: بل أحلتني. فالصحيح أن القول قول المحيل، وقيل: القول قول المحتال، وإن قال المحيل: احلتك، وقال المحتال: بل وكلتني، وحقي باق عليك، فالأظهر أن القول قول المحتال. وقيل: القول قول المحيل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 157
باب الضمان
---(1/98)
من صح تصرفه في ماله بنفسه صح ضمانه، ومن لا يصح تصرفه في المال كالصبي، والمجنون، والمحجور عليه لسفه، فلا يصح ضمانه، والمحجور عليه لإِفلاس يصح ضمانه، ويطالب به إذا انفك الحجر عنه، والعبد لا يصح ضمانه بغير إذن السيد، وقيل: يصح ويتبع به إذا اعتق، ويصح ضمانه بإذنه، ويتبع به إذا اعتق، وقيل: يؤديه من كسبه أو من مال التجارة إن كان مأذوناً له فيه. وإن قال للمأذون له اضمن من مال التجارة، لزمه القضاء منه، إلا أن يكون عليه دين آخر.
وأما المكاتب قبل الاذن، فهو كالعبد القن وإن أذن له ففيه قولان.
ولا يصح الضمان حتى يعرف الضامن المضمون له، ويصح ضمان كل دين لازم كثمن المبيع، ودين السلم، وارش الجناية، أو يؤول الى اللزوم كثمن المبيع في مدة الخيار، ومال الجعالة. وقيل: ان مال الجعالة لا يصح ضمانه، وأما ما ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم كدين المكاتب فلا يصح ضمانه، ولا يصح ضمان مال مجهول وقيل: يصح ضمان إبل الدية وإن كانت مجهولة، ولا يجوز ضمان ما لم يجب، ويصح ضمان الدرك على المنصوص. وإن قال: الق متاعك في البحر وعليّ ضمانه، فألقاه لزمه ضمانه.
ولا يثبت في الضمان خيار المجلس، ولا خيار الشرط، ولا يجوز تعليقه على شرط مستقبل، فإن شرط ضماناً فاسداً في بيع، بطل البيع في أحد القولين دون الآخر، وللمضمون له مطالبة الضامِن، والمضمون عنه.
فإن ضمن عن الضامن ضامن آخر، طالب الكل، فإن ابرأ الأصل برىء الكفيل. وإن ابرأ الكفيل لم يبرأ الأصيل. وإن قضى الكفيل الدين فإن كان ضمن عنه باذنه رجع عليه، وقيل: لا يرجع حتى يضمن بإذنه، ويدفع بإذنه، وإن ضمن بغير إذنه لم يرجع، وقيل: إن دفع بإذنه رجع. وإن ضمن ديناً مؤجلاً فقضاه قبل الأجل لم يرجع قبل الأجل. وإن مات أحدهما حل عليه ولم يحل على الآخر.
---(1/99)
وإن تطوع بزيادة لم يرجع بالزيادة، وإن دفع اليه عن الدين ثوباً رجع بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الدين، وإن أحاله الضامن على من له عليه دين رجع على المضمون عنه، وإن أحاله على من لا دين له عليه، لم يرجع حتى يدفع إليه المحال عليه، ويرجع على الضامن فيغرمه ثم يرجع الضامن على المضمون عنه، فإن دفع إليه الحق ثم وهبه منه رجع، وقيل: لا يرجع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 158
ولا تصح الكفالة بالأعيان بالمغصوب والعواري. وقيل: يصح.
وفي كفالة البدن قولان؛ أصحهما: أنها تصح، وقيل: تصح قولاً واحداً. وإن تكفل ببدن من عليه حد عز وجل، لم تصح. وإن تكفل ببدن من عليه قصاص، أو حد قذف صح. وقيل: لا يصح.
وإن تكفل بجزء شائع من الرجل، أو بما لا يمكن فصله منه كالكبد والقلب صح، وإن تكفل به بغير إذنه لم يصح، وقيل: يصح (كالضمان). وإن أطلق الكفالة طولب في الحال. وإن شرط فيه أجلاً طولب (به) عند المحِل، وإن أحضره قبل المحل وليس عليه ضرر في قبوله وجب قبوله. وإن سلم المكفول به نفسه برىء الكفيل، وإن غاب لم يطالب به حتى يمضي زمان يمكن المضي إليه فيه، وإن انقطع خبره لم يطالب به حتى يعرف مكانه. وإن مات سقطت (عنه) الكفالة، وقيل: يطالب الكفيل بما عليه من الحق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 158
باب الشركة
---(1/100)
يصح عقد الشركة من كل جائز التصرف، ولا يصح إلا على الأثمان على ظاهر النص، وقيل: يصح على كل ما له مثل، وهو الأظهر. ولا يصح من الشرك، إلا شركة العِنان وهو أن يعقد على ما يجوز الشركة عليه، وان يكون مال أحدهما من جنس مال الآخر، وعلى صفته، فإن كان من أحدهما دراهم ومن الآخر دنانير، أو من أحدهما صحاح ومن الآخر قراضة لم تصح الشركة. وأن يخلط المالان، وقيل: وأن يكون مال أحدهما مثل مال الآخر في القدر وليس بشيء، وإن كان مالهما عرضاً، وأراد الشركة، باع كل واحد منهما بعض عرضه ببعض عرض صاحبه فيصير مشتركاً بينهما، ثم يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف، فما حصل من الربح يكون بينهما على قدر المالين، وما حصل من الخسران يكون عليهما على قدر المالين، فإن تساويا في المال وشرطا التفاضل في الربح، أو تفاضلا في المال وشرطا التساوي في الربح، بطل العقد، وقسم الربح بينهما على قدر المالين، ويرجع كل واحد على الآخر بأجرة عمله في ماله.
وأما شركة البدن: وهي الشركة على ما يكتسبان بأبدانهما، فهي باطلة، ويأخذ كل واحد منهما أجرة عمله.
وأما شركة المفاوضة: وهي أن يشتركا فيما يكتسبان بأموالهما وأبدانهما، وأن يضمن كل واحد منهما ما يلزم الآخر بغصب، أو بيع فاسد، أو ضمان مال، فهي باطلة، ويأخذ كل واحد منهما ربح ماله وأجرة عمله، ويضمن ما يختص به من الغصب والمبيع الفاسد وضمان المال.
وأما شركة الوجوه: وهو أن يشتركا في ربح ما يشتريان بوجوههما (إلى أجل)، فهي باطلة، وإن أذن كل واحد منهما للآخر في شراء شيء معلوم بينهما فاشتريا ونويا عند الشراء أن يكون ذلك بينهما كان ذلك بينهما وربحه لهما، والشريك أمين فيما يشتريه، وفيما يدعيه من الهلاك، وفيما يدعى عليه من الخيانة. فإن عزل أحدهما صاحبه عن التصرف انعزل. وبقي الآخر على التصرف، إلى أن يعزل. وإن مات أحدهما، أو جن، انفسخت الشركة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 160
---
باب الوكالة(1/101)
من جاز تصرفه فيما يوكل فيه جاز توكيله وجازت وكالته. ومن لا يجوز تصرفه لا يجوز توكيله، ولا يجوز وكالته، إلا الصبي المميز فإنه تصح وكالته في الإذن في دخول الدار، وحمل الهدية ويجوز التوكيل في حقوق الآدميين من العقود، والفسوخ، والطلاق، والعتاق، وإثبات الحقوق، واستيفائها، والإبراء منها.
وفي الاقرار وجهان. وفي تملك المباحات كالصيد، والحشيش، والماء، قولان. ولا يجوز التوكيل في الظهار. والأيمان.
وفي الرجعة وجهان. وأما حقوق الله عز وجل فما كان منها عبادة لا يجوز التوكيل فيها إلا في الزكاة والحج. وما كان منها حداً يجوز التوكيل في استيفائه، دون إثباته، وما جاز التوكيل فيه جاز فعله مع حضور الموكل، ومع عيبته، وقيل: لا يجوز في استيفاء القصاص، وحدّ القذف مع غيبة الموكل، وقيل: يجوز، وقيل: فيه قولان.
ولا تصح الوكالة إلا بالإيجاب، والقبول. ويجوز القبول فيه بالقول والفعل. ويجوز القبول على الفور، وعلى التراخي.
ولا يجوز عقد الوكالة على شرط مستقبل، فإن عقد على شرط، ووجد الشرط فتصرف الوكيل نفذ تصرفه، وإن وكله في الحال وعلق التصرف على شرط جاز. وإن وكل في خصومة أو استيفاء حق، لم يعتبر رضا الموكل عليه، وإن وكل في حق لم يجز للوكيل أن يجعل ذلك إلى غيره إلا أن يأذن له فيه، أو كان ذلك ممن لا يتولى مثله بنفسه، أو لا يتمكن منه لكثرته، وإن وكل شخصين لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف إلا أن يجعل الموكل ذلك إليه، وإن وكله في البيع لم يجز أن يبيع من نفسه، وقيل: إن نصّ له على ذلك جاز وليس بشيء. ويجوز أن يبيع من ابنه ومكاتبه، وقيل: لا يجوز. وإن وكل عبداً لغيره في شراء نفسه له من مولاه، فقد قيل: يجوز. وقيل: لا يجوز.
---(1/102)
ولا يجوز للوكيل، أن يبيع بدون ثمن المثل، ولا بثمن مؤجل، ولا بغير نقد البلد إلا أن ينص له على ذلك كله، وإن قال: بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يصح، وإن قال: بع بألف فباع بألفين صح إلا أن ينهاه، وإن قال: بع بألف فباع بألف حال جاز، إلا أن ينهاه أو كان الثمن مما يستضر بحفظه في الحال، وإن قال: اشتر بألف حال فاشترى بألف مؤجل جاز، (إلا أن ينهاه)، وقيل: لا يجوز. وإن قال: اشتر عبداً بمائة فاشترى عبداً يساوي مائة بما دون المائة جاز، وإن قال اشتر عبداً بمائة فاشترى عبداً بمائتين وهو يساوي مائتين لم يجز، وإن دفع إليه الفاً، أو قال: ابتع بعينها عبداً، فابتاع في ذمته لم يصح، وإن قال ابتع في ذمتك وانقد الألف فيه، فابتاع بعينها فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح. وإن قال: بع بيعاً فاسداً فباع بيعاً صحيحاً أو فاسداً لم يجز، وإن قال: اشتر بهذا الدينار شاة، فاشترى به شاتين تساوي كل واحدة منهما ديناراً، كان الجميع له، وقيل: للوكيل شاة بنصف دينار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
وإن أمره ببيع عبد أو شراء عبد لم يجز أن يعقد على نصفه، وإن أمره أن يشتري شيئاً موصوفاً، لم يجز أن يشتري معيباً، فإن لم يعلم بالعيب، ثم علم به رده، وإن وكل في شراء شيء بعينه، فاشتراه ثم وجد به عيباً فالمنصوص أنه يرد. وإن وكله في البيع من زيد فباع من عمرو لم يجز، وإن وكل في البيع في سوق فباع في غيرها، جاز، وإن وكله في البيع سلم المبيع، ولم يقبض الثمن. وقيل: يقبض. وإن وكله في تثبيت دين فثبته لم يجز له قبضه، وإن وكله في قبضه فجحد من عليه الحق، فقد قيل: يثبته، وقيل: لا يثبته، وإن وكله في قليل وكثير لم يجز، وإن وكله في شراء عبد ولم يذكر نوعه لم يصح التوكيل. وإن ذكر نوعه، ولم يقدر الثمن لم يصح التوكيل، وقيل: يصح. وإن ذكر النوع وقد الثمن، ولم يصف العبد فالأشبه أنه لا يصح، وقيل: يصح.
---(1/103)
وما يتلف في يد الوكيل من غير تفريط، لا يلزمه ضمانه، والقول في الهلاك، وما يدعي عليه من الخيانة قوله، وإن كان متطوعاً فالقول في الرد قوله. وإن كان بجعل فقد قيل: القول قوله، وقيل: القول قول الموكل. وإن اختلفا فقال الموكل: أذنت لك في بيع حال، فقال: بل في بيع مؤجل، أو قال: في الشراء بعشرة، وقال: بل بعشرين فالقول قول الموكل، فإن اختلفا في البيع وقبض الثمن فادعاه الوكيل، وأنكر الموكل، أو قال الوكيل: اشتريته بعشرين، وقال الموكل: بعشرة ففيه قولان.
وإن وكله في قضاء دين، فقضاه في غيبة الموكل، ولم يشهد (به)، فأنكر الغريم ضمن. وقيل: لا يضمن. وليس بشيء، وإن أشهد شاهدين ظاهرهما العدالة أو شاهداً واحداً فقد قيل: يضمن، وقيل: لا يضمن، وإن قضاه بمحضر الموكل، ولم يشهد فقد قيل: يضمن، وقيل: لا يضمن.
وإن وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد، لم يضمن، وقيل: يضمن، وإن كان عليه حق لرجل فجاء رجل وادعى أنه وكيله فصدقه جاز له الدفع، ولا يجب، وإن قال: أنا وارثه، فصدقه وجب الدفع، وإن قال: أحالني عليك فصدقه، فقد قيل: يجب الدفع، وقيل: لا يجب.
وإن جاء صاحب الحق فأنكر، وجب على الدافع الضمان، وللوكيل أن يعزل نفسه متى شاء وللموكل أن يعزله إذا شاء فإن عزله ولم يعلم الوكيل انعزل في أحد القولين دون الآخر، وإن خرج الوكيل أو الموكل عن أن يكون من أهل التصرف بالموت، أو الجنون، أو الاغماء، انفسخت الوكالة. وإن وكل عبدًا في شيء ثم اعتقه احتمل أن يعزل، ويحتمل أن لا ينعزل، وإن تعدى الوكيل انفسخت الوكالة، وقيل: لا تنفسخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
باب الوديعة
لا يصح الإيداع إلا من جائز التصرف كالوكالة، فإن أودع صبي مالاً ضمنه المودَع، ولا يبرأ إلا بالتسليم إلى الناظر في أمره. وإن أودع صبياً مالاً فتلف عنده بتفريط أو غير تفريط لم يضمنه. وان أتلفه ضمنه وقيل: لا يضمن.
---(1/104)
ومن قبل الوديعة لزمه حفظها في حرز مثلها، فإن قال: لا تقفل عليها قفلين أو: لا ترقد عليها فخالف في ذلك لم يضمن وقيل: يضمن، وإن قال: احفظ في هذا الحرز فنقله إلى ما دونه، ضمن، وإن نهاه عن النقل فنقله إلى مثله ضمن. وقيل: لا يضمن. وإن خاف عليه الهلاك في الحرز فنقله لم يضمن. وإن لم ينقل حتى تلف ضمن. وقيل: إذا نهاه عن النقل لم يضمن. وإن قال: لا تنقل وإن خفت عليه الهلاك فخاف فنقل لم يضمن. وإن قال: اربطها في كمك فأمسكها في يده، ففيه قولان؛ أحدهما: يضمن، والثاني: لا يضمن. وقيل: يضمن قولاً واحداً، وإن قال: احفظها في جيبك فجعلها في كمه ضمن، وإن قال: احفظها في كمك فجعلها في جيبه لم يضمن. وإن أراد سفراً ولم يجد صاحبها سلمها إلى الحاكم، فإن لم يكن إلى أمين، فإن سلم إلى أمين مع وجود الحاكم ضمن، وقيل: لا يضمن، وإن دفن (الوديعة) في دار واعلم بها أميناً يسكن الدار لم يضمن على ظاهر المذهب، وقيل: يضمن، وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمنها، وإن قال: لا تعلفها فلم يعلفها حتى ماتت لم يضمن. وقيل: يضمن.
وإن أودع عند غيره من غير سفر ولا ضرورة ضمن، وله أن يضمن الأول والثاني، فإن ضمن الثاني رجع على الأول. وإن خلط الوديعة بمال له لا يتميز ضمن. فإن استعلمها، أو أخرجها من الحرز لينتفع بها ضمن.
وإن نوى إمساكها لنفسه لم يضمن وقيل: يضمن. وإن طالبه بها فمنعها من غير عذر ضمن.
---(1/105)
ومتى تعدى فيها فترك التعدي، لم يبرأ من الضمان، فإن احدث له استئماناً برىء على ظاهر المذهب، وقيل: لا يبرأ حتى يردها إلى صاحبها وللمودع والمودَع فسخ الوديعة متى شاء. وإن مات أحدهما، أو جن، أو اغمي عليه انفسخت الوديعة. وإن قال المودِع (للمودَع): رددت عليك الوديعة فالقول قوله مع يمينه، فإن قال: أمرتني بالدفع إلى زيد فقال زيد لم يدفع إلى فالقول قول زيد. وإن قال: هلكت الوديعة فالقول قوله. وإن قال: اخرجتها من الحرز، أو سافرتُ بها لضرورة. فإن كان ذلك بسبب ظاهر كالحريق والنهب وما أشبههما لم يقبل إلاَّ ببيّنة، ثم يحلف أنها هلكت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 164
وإن كان بسبب خفي قبل قوله، وإن قال: ما أودعتني، فالقول قوله. وإن أقام المدعي بيّنة بالإيداع فقال: قد كان اودعتني ولكنها هلكت، وأقام المودع البيّنة أنها هلكت قبل الجحود سمعت، وقيل: لا تسمع. وإن قال: ما لك عندي شيء، فأقام عليه البينة بالإيداع، فقال: أودعتني ولكنها تلفت، قبل قوله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 164
باب العارية
من جاز تصرفه في ماله جازت إعارته، ويجوز إعارة كل ما ينتفع به مع بقاء عينه. ويكره إعارة الجارية الشابة مِن غير ذي رحم محرم. ويحرم إعارة العبد المسلم من الكافر.
---(1/106)
ويحرم إعارة الصيد من المحرم. ويكره أن يستعير أحد أبويه للخدمة، ومن استعار أرضاً للغراس والبناء جاز أن يزرع. وإن استعار للغراس لم يبن، وإن استعار للبناء لم يغرس، وقيل: يغرس فيما استعار للبناء، ويبني فيما استعار للغراس، وليس بشيء. وإن قال: ازرع الحِنطة، زرع الحنطة، وما ضرره ضرر الحنطة. وإن قال: ازرع، ولم يسم شيئاً، ثم رجع والزرع قائم، فإن كان مما يحصد قصيلاً حصد وإن لم يحصد ترك إلى الحصاد وعليه الأجرة من حينئذ. وإن قال: ازرع الحنطة، لم يقلع إلى الحصاد. وإذا استعار أرضاً للغراس أو البناء مدة جاز أن يغرس ويبني إلى أن تنقضي المدة أو يرجع فيها، وإن استعار مطلقاً، جاز له البناء والغراس ما لم يرجع، فإن رجع فيها فإن كان قد شرط عليه القلع أجبر عليه، ولا يكلف تسوية الأرض. فإن لم يشترط القلع واختار المستعير القلع، قلع ولم يكلف تسوية الأرض، وقيل: يكلف ذلك وإن لم يختر، فالمعير بالخيار بين أن يبقي ذلك وبين أن يقلع، ويضمن (للمستعير) أرش ما نقص بالقلع.
وإن تشاحا لم يمنع المعير من دخول أرضه، ويمنع المستعير من دخولها للتفرج. ولا يمنع من دخولها للسقي، والاصلاح. وقيل: يمنع من ذلك. وإن أراد صاحب الأرض بيع الأرض جاز، وإن أراد صاحب الغراس بيع الغراس جاز. وقيل: لا يجوز من غير صاحب الأرض.
وإن حمل الماء بذراً لرجل إلى أرض غيره فنبت فقد قيل: يجبر على قلعه. وقيل: لا يجبر.
وإن استعار شيئاً ليرهنه بدين فرهنه ففيه قولان؛ أحدهما: أن حكمه حكم العارية، فإن تلفت في يد المرتهن، أو بيعت ضمنها المستعير بقيمتها. والثاني: أن المعير كالضامن للدين فلا يجوز ذلك حتى يبين جنس الدين، وقدره وصفته، فإذا تلف في يد المرتهن لم يرجع المعير بشيء، وإن بيع في الدين رجع بما بيع به. وإن اعاره حائطاً لوضع الجذوع لم يرجع فيها ما دامت عليه الجذوع.
---(1/107)
فإن انهدم، أو هدمه أو سقطت الجذوع، فقد قيل: يعيد مثلها. وقيل: لا يعيد وهو الأصح. وإن أعاره أرضاً للدفن لم يرجع فيها ما لم يبل الميت. وفيما سواه يرجع متى شاء، ومؤنة الرد على المستعير، فإن تلفت العارية وجب عليه قيمتها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 166
وقيل: تجب قيمتها أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التلف، وإن أتلف ولدها ضمن، وقيل: لا يضمن.
ومن استعار شيئاً لم يجز أن يعيره. وقيل: يجوز وليس بشيء. وإن اعاره فهلك عند الثاني فضمن لم يرجع به على الأول.
وإن دفع إليه دابة فركبها ثم اختلفا، فقال صاحب الدابة: أجرتكها فعليك الأجرة، وقال الراكب: بل اعرتني، فالقول قول الراكب في أصح القولين.
وإن قال صاحب الدابة: اعرتكها، وقال الراكب: بل أجرتني فالقول قول صاحب الدابة. وإن قال صاحب الدابة غصبتني، وقال الراكب: بل أعرتني، فالقول قول الراكب. وإن اختلف المعير والمستعير في رد العارية، فالقول قول المعير.
باب الغصب
إذا غصب شيئاً له قيمة ضمنه بالغصب، ويلزمه رده، فإن كان خيطاً مخاط به جرح حيوان لا يؤكل، وهو مما له حرمة، وخيف من نزعه الضرر لم يلزمه رده.
---(1/108)
وإن خاط به جرح حيوان يؤكل ففيه قولان. وإن كان لوحاً فأدخله في سفينة وهي في لجة، وفي السفينة مال لغير الغاصب. أو حيوان لم ينزع فإن كان فيها مال للغاصب فقد قيل: ينزع، وقيل: لا ينزع. ادخل ساجأ في بناء فعفن فيه لم ينزع. وإن تلف المغصوب عنده أو أتلفه فإن كان له مثل ضمنه بمثله وإن اعوزه المثل، أو وجد بأكثر من ثمن المثل ضمنه بقيمة المثل. وقت المحاكمة، وقيل يضمنه بقيمة المثل أكثر ما يكون من حين القبض إلى وقت المحاكمة بالقيمة وقيل: عليه قيمته أكثر مما كانت من حين القبض إلى حين تعذر المثل. وإن لم يكن له مثل ضمنه بقيمته أكثر مما كانت حين الغصب إلى التلف، وتجب قيمته من نقد في البلد الذي غصب فيه، وقيل: إن كان حلياً من ذهب ضمن العين بمثل وزنها من جنسها، وضمن الصنعة بقيمتها فضة. وليس بشيء.
وإن ذهب المغصوب من اليد ولم يتلف بأن كان عبداً فأبق ضمن البدل. فإذا عاد رد واسترجع البدل.
---(1/109)
وإن نقص من عينه شيء بأن تلف بعضه، أو أحدث فيه ما نقص به قيمته، بأن كان مائعاً فأغلاه، أو فحلاً فأنزاه على بهيمة فنقصت قيمته ضمن أرش ما نقص. فإن تلف بعضه ونقص قيمة الباقي مثل أن يغصب زوجي خف قيمتهما عشرة فضاع أحدهما وصار قيمة الباقي درهمين لزمه قيمة التالف، وأرش ما نقص وهو ثمانية، وقيل: يلزمه درهمان. وإن كان عبداً فقطع يده لزمه أكثر الأمرين من أرش ما نقص، أو نصف قيمته أكثر مما كانت من حين الغصب إلى حين قطع اليد، فإن احدث فيه فعلاً نقص به وخيف عليه الفساد في الثاني بأن كانت حنطة قبلهما، أو زيتاً فخلطه بالماء، وخيف عليه الفساد في الثاني بأن كان حنطة قبلها، أو زيتاً مخلطه بالماء وخيف عليه الفساد استحق عليه مثل طعامه وزيته، وقيل: فيه قولان؛ أحدهما: هذا، والثاني: أنه يأخذه وأرش ما نقص، وإن كان له منفعة ضمن أجرته للمدة التي أقام في يده، فإن كانت جارية فوطئها مكرهة ضمن مهرها، فإن طاوعته لم يلزمه في ظاهر المذهب. وقيل: يلزمه، فإن زاد في يده بأن سمن، أو تعلم صنعة، أو ولدت الجارية ولداً ضمن ذلك كله. فإن سمن ثم هزل، ثم سمن، ثم هزل يضمن أرش السمنين، وقيل: يضمن أكثرها قيمة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 166
---(1/110)
وإن خلط المغصوب بما لا يتميز كالحنطة إذا خلطها بالحنطة، والزيت بالزيت، فإن كان مثله، لزمه مثل مكيله منه، وإن خلطه بأجود منه فهو بالخيار بين أن يدفع إليه مكيلة منه، وبين أن يدفع إليه مثل ماله، وقيل: يجبر على الدفع إليه منه. وإن خلطه باردأ منه فالمغصوب منه بالخيار بين أن يأخذ حقه منه، وبين أن يأخذ مثل ماله. وإن خلط الزيت بالشيرج وتراضيا على الدفع منه جاز، فإن امتنع أحدهما لم يجبر الممتنع. فإن احدث فيه عينًا بأن كان ثوباً فصَبغه، فإن لم تزد قيمتهما ولم تنقص صار الغاصب شريكاً له بقدر الصبغ. فإن أراد الغاصب قلع الصبغ لم يمنع، وإن أراد صاحب الثوب قلع الثوب وامتنع الغاصب أجبر، وقيل: لا يجبر وهو الأصح، وإن وهب الصبغ من صاحب الثوب فقد قيل: يجبر عليه، وقيل: لا يجبر وهو الأصح. وإن زادت قيمة الثوب والصبغ كانت الزيادة بينهما، وإن أراد صاحب الصبغ قلعه لم يجز، حتى يضمن لصاحب الثوب (أرش) ما ينقص وإن نقصت قيمة الثوب حسب النقصان على (صاحب) الصبغ. وإن عمل فيه عملاً زادت به قيمته بأن قصر الثوب أو عمل من الخشب أبواباً فهو متبرع بعمله، ولا حق له فيما زاد، وإن غصب دراهم فاشترى سلعة في ذمته ونقد الدراهم في ثمنها وربح، رد مثل الدراهم، وفيه قول آخر: أنه يلزمه ردها مع الربح وان غصب شيئاً وباعه كان للمالك ان يضمن من شاء منهما، فإن علم المشتري بالغصب فضمنه لم يرجع على الغاصب، وإن لم يعلم فما التزم ضمانه بالبيع لم يرجع به كقيمة العين والأجزاء وما لم يلتزم ضمانه ولم يحصل له به منفعة كقيمة الولد، ونقصان الولادة يرجع به على الغاصب، وما حصل له به منفعة، كالمهر، والأجرة، وأرش البكارة قال في القديم: يرجع، وقال في الجديد: لا يرجع، وإن ضمن الغاصب فكل ما يرجع به المشتري على الغاصب لم يرجع به الغاصب، وكل ما لم يرجع به يرجع به الغاصب وإن كان المغصوب طعاماً فأطعمه انساناً فإن قال: هو مغصوب فضمّن الغاصب رجع به. وإن(1/111)
---
ضمن الآكل لم يرجع، وإن قال: هو لي فضمن الغاصب لم يرجع به على الآكل. وإن ضمّن الآكل رجع في أحد القولين ولا يرجع في الآخر وهو الأصح. وإن قدمه إليه ولم يقل: هو لي، أو مغصوب فضمن الآكل رجع في أحد القولين دون الآخر. وإن ضمن فإن قلنا: لا يرجع الآكل على الغاصب رجع الغاصب، وإن قلنا: يرجع الآكل لم يرجع. وإن اطعم المغصوب منه وهو يعلم برىء الغاصب، وإن لم يعلم ففيه قولان، أحدهما يبرأ، والثاني لا يبرأ، وإن رهن المغصوب منه من الغاصب لم يبرأ، من الضمان، وإن أودعه إياه فقد قيل: يبرأ، وقيل: لا يبرأ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 166
وإن فتح قفصاً عن طائر، فوقف ثم طار، لم يضمن، وإن طار عقب الفتح ففيه قولان: أصحهما أنه لا يضمن.
وإن فتح زقًا فيه مائع فاندفق ما فيه ضمن، وإن بقي ساعة ثم وقع بالريح فسال ما فيه لم يضمن، وإن كان ما فيه جامداً فذاب بالشمس وخرج ضمن، وقيل: لا يضمن وليس بشيء.
وإن سقى أرضه فأسرف، حتى أهلك أرض غيره، أو أجج ناراً على سطحه فأسرف، حتى تعدى على سطح غيره ضمن.
وإن غصب حراً على نفسه لزمه تخليته، وإن استوفى منفعته ضمن الأجرة، وإن حبسه مدة ضمن الأجرة، وقيل: لا يضمن.
وإن غصب كلباً فيه منفعة لزمه رده، وإن غصب خمراً من ذمي وجب ردها عليه، وإن أتلفها لم يضمن. وإن غصبها من مسلم أراق، وإن صارت خلاً رده وإن غصب جلد ميتة رده، فإن دبغه، فقد قيل: يرده، وقيل: لا يرد. وإن غصب عصيراً فصار خمراً ثم صار خلاً رده ما نقص من قيمة العصير وقيل: يرد الخل، ويضمن مثله من العصير، وأرش ما نقص، وليس بشيء.
وإن غصب صليباً أو مزماراً فكسره لم يضمن الارش. وإن اختلفا في رد المغصوب، فالقول قول المغصوب منه. وإن اختلفا في قيمته بعد تلفه، فالقول قول الغاصب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 166
باب الشفعة
---(1/112)
لا تجب الشفعة إلا في جزء مشاع من عقار محتمل للقسمة. فأما الملك المقسوم، فلا شفعة فيه، وغير العقار من المنقولات، لا شفعة فيه. وأما البناء والغراس، فإنه ان بيع مع الأرض ففيه الشفعة. وإن بيع منفرداً فلا شفعة فيه، وإن كان على النخل غير مؤبر فقد قيل: يؤخذ مع النخل بالشفعة. وقيل: لا يؤخذ.
وما لا يقسم كالرحى، والحمام الصغير، والطريق الضيق، فلا شفعة فيه. وقيل: فيه قولان.
ولا شفعة إلا فيما ملك بمعاوضة، كالبيع، والإجارة، والنكاح، والخلع. وما ملك بوصية، أو هبة لا يستحق فيها ثواب فلا شفعة فيه، وما ملك بشركه الوقف لا يستحق فيه الشفعة.
ويأخذ الشفيع بعوض الشقص الذي استقر عليه العقد، فإن كان له مثل اخذه بمثله، وإن لم يكن له مثل اخذه بقيمته وقت لزوم العقد.
فإن كان الثمن مؤجلاً ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يخير بين أن يعجل الثمن ويأخذ، وبين أن يصبر حتى يحل فيأخذ. والثاني: أنه يأخذ بثمن مؤجل. والثالث: أنه يأخذه بسلعة تساوي الثمن. والأول أصح.
والشفعة على الفور في قول. وإلى ثلاثة أيام في قول: وعلى التأبيد في قول: الى أن يصرح بالاسقاط، أو يعرض بأن يقول: بعني، أو بكم اشتريت في قول، والصحيح أنه على الفور، فإن طلب وأعوزه الثمن بطلت شفعته، وإن أخر الطلب بطلت شفعته وإن قال: بعني، أو كم الثمن بطلت شفعته.
وإن قال صالحني عن الشفعة على مال، أو أخذ الشقص بعوض مستحق، فقد قيل: تبطل شفعته. وقيل: لا تبطل. وإن بلغه الخبر وهو مريض، أو محبوس، ولم يقدر على التوكيل فهو على شفعته. وإن بلغه الخبر وهو غائب فسار في طلبه، وأشهد فهو على الشفعه، وإن لم يشهد ففيه قولان. وإن لم يقدر (الغائب على) أن يسير، ولا أن يوكل فهو على شفعته وإن أخر وقال: أخرت لأني لم أصدق فإن كان المخبر صبياً، أو امرأة، أو عبداً لم تبطل شفعته.
---(1/113)
وإن كان حراً عدلاً، فقد قيل: هو على الشفعة، وقيل: تبطل شفعته. وإن دل في البيع أو ضمن الثمن أو قال: إشتر فلا اطالبك لم تسقط شفعته. وإن توكل في شرائه لم تسقط شفعته. وإن توكل في بيعه سقطت شفعته، وقيل: لا تسقط.
وإن باع حصته قبل أن يعلم بالشفعة، ثم علم فقد قيل: تسقط، وقيل: لا تسقط. وإن أظهر له شراء جزء يسير أو جزء كثير بثمن كثير فترك الطلب ثم بان خلافه فهو على شفعته. ولا يؤخذ الشقص إلا من يد المشتري وعهدته عليه. وإن امتنع مِن قبضه أجبر عليه ثم يأخذ منه ولا يؤخذ بعض الشقص. فإن اشترى شقصين من أرضين في عقد واحد، جاز للشفيع أن يأخذ أحدهما، وقيل: لا يجوز. وإن هلك بعض الشقص بغرق أخذ الباقي بحصته من الثمن. فإن كان في الشقص نخل فأثمر في ملك المشتري ولم يؤبر أخذ الثمر مع الأصل في أحد القولين دون الآخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
وإن كان للشقص شفيعان أخذا على قدر النصيبين في أحد القولين، وعلى عدد الرؤوس في (القول) الآخر. فإن عفا أحدهما أو غاب أخذ الآخر جميع المبيع، أو يترك، فإن قدم الغائب انتزع منه ما يخصه.
وإن كان البائع أو المشتري اثنين فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما دون الآخر. وإن كان المشتري شريكاً فالشفعة بينهُ وبين الشريك الآخر على ظاهر المذهب.
وإن ورث رجلان داراً عن أبيهما، ثم مات أحدهما وترك إبنين، ثم باع أحد هذين الإبنين نصيبه، كانت الشفعة بين الأخ والعم، في أصح القولين، وللأخ دون العم في القول الآخر. وإن تصرف المشتري في الشقص بالغراس، والبناء فالشفيع مخير بين أن يأخذ ذلك بقيمته وبين أن يقلع، ويضمن أرش ما نقص.
---
وإن وهب، أو وقف فله أن يفسخ ويأخذ. وإن باع فله أن يفسخ ويأخذ بما اشترى، وله أن يأخذ من المشتري الثاني بما اشتراه وإن قابل البائع فله أن يفسخ ويأخذ. وإن رد عليه بالعيب فقد قيل: له أن يفسخ ويأخذ. وقيل: ليس له. وإن تحالفا على الثمن فله أن يأخذ بما حلف عليه البائع.(1/114)
وإن أنكر المشتري الشراء، وادعاه البائع أخذ من البائع، ودفع إليه الثمن، وعهدته عليه، وقيل: لا يؤخذ. وإن قال البائع: أخذت الثمن، لم يأخذ (من) الشفيع على ظاهر المذهب.
وإن ادعى المشتري الشراء، والشقص في يده، والبائع غائب فقد قيل: يأخذ. وقيل: لا يأخذ. وإذا أخذ الشفيع لم يكن له أن يرد إلا بعيب، وقيل: له أن يرد بخيار المجلس.
وإن مات الشفيع انتقل حقه الى الورثة، فإن عفا بعضهم عن حقه، كان للآخر أن يأخذ الجميع، أو يدع.
وإن اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن فالقول قول المشتري. وإن ادعى المشتري الجهل بالثمن فالقول قوله. وقيل: يقال له: بيّن وإلا جعلناك ناكلاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
باب القراض
من جاز تصرفه في المال، صح منه عقد القراض، ولا يصح القراض إلا على الدراهم والدنانير ولا يجوز على المغشوش منهما. ولا يصح إلا على مال معلوم الوزن، ولا يصح إلا على جزء معلوم مِن الربح. فإن قال: قارضتك على أن الربح بيننا نصفين جاز. وكان بينهما نصفين وقيل: لا يجوز.
وإن قال: على أن لك النصف صح. وقيل: لا يصح. والأول أظهر، وإن قال: على أن لي النصف لم يصح. وقيل: يصح. والأول أظهر.
وإن شرط لأحدهما ربح شيء يختص به لم يصح.
---(1/115)
وإن قال: قارضتك على أن يكون الربح كله (لي أو كله) لك فسد العقد، إلا أنه إذا تصرف نفذ التصرف، ويكون الربح كله لرب المال، وللعامل أجرة المثل. فإن دفع إليه المال فقال: تصرف والربح كله لي فهو إبضاع، لا حق للعامل فيه. وإن قال: تصرف والربح كله لك فهو قرض، ولا يجوز إلا على التجارة في جنس يعم وجوده، فإن علقه على ما لا يعلم، أو على أن لا يشتري إلا من رجل بعينه لم يصح ولا يصح إلا أن يُعقد في الحال، فإن علقه على شرط لم يصح، وإن عقده إلى شهر على أن لا يبيع بعده لم يصح. وإن عقده إلى شهر على أن لا يشتري بعده صح. وإن شرط أن يعمل معه رب المال لم يصح. وإن شرط أن يعمل غلام لرب المال صح على ظاهر المذهب، وقيل: لا يصح.
وعلى العامل أن يتولى بنفسه ما جرت العادة أن يتولاه. وأن يتصرف على وجه الإحتياط، ولا يبيع بدون ثمن المثل، ولا بثمن مؤجل، إلا أن يأذن له في ذلك كله فإن اشترى معيباً يرى شراءه جاز، وإن اشترى شيئاً على أنه سليم فخرج معيباً ثبت له الخيار.
وإن اختلف هو ورب المال في الرد بالعيب عمل ما فيه المصلحة وإن اشترى من يعتق على رب المال أو زوج رب المال بغير إذنه لم يصح. ولا يسافر بالمال من غير إذن، فإن سافر بالإذن فقد قيل: إن نفقته في ماله، وقيل: على قولين؛ أحدهما: أنها في ماله، والثاني: أنها في مال المضاربة وأي قدر يكون في مال المضاربة، قيل: الزائد على نفقة الحضر، وقيل: الجميع. وإن ظهر في المال ربح ففيه قولان؛ أحدهما: أن العامل لا يملك حصته إلا بالقسمة ويكون الجميع لرب المال وزكاته عليه، وله أن يخرجها من المال. والثاني: أن العامل يملك حصته منه بالظهور، ويجري في حوله إلا أنه لا يخرج الزكاة منه قبل المقاسمة، وإن اشترى العامل أباه ولم يكن في المال ربح صح الشراء وإن كان في المال ربح فقد قيل: لا يصح. وقيل: يصح ويعتق، وقيل: يصح ولا يعتق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 174
---(1/116)
فإن اشترى سلعة بثمن في الذمة وهلك المال قبل أن ينقد الثمن لزم رب المال الثمن، وقيل: يلزم العامل، وإن دفع إليه ألفين فتلف أحدهما قبل التصرف تلف من رأس المال، وانفسخت فيه المضاربة، وإن تلف بعد التصرف والربح تلف من الربح، ولم تنفسخ المضاربة فيه، وإن اشترى بهما عبدين فتلف أحدهما، فقد قيل: يتلف من رأس المال، وقيل: يتلف من الربح وهو الأصح، والقول قول العامل فيما يدعي أنه اشتراه للمضاربة، أو لنفسه.g
وفيما يدعي من هلاك ويدعى، عليه من خيانة، وإذا اختلفا في رد المال، فقد قيل: إن القول قول العامِل، وقيل: القول قول رب المال. وإن اختلفا في قدر الربح المشروط تحالفا. وإن اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل ولكل واحد منهما أن يفسخ العقد متى شاء، فإن مات أحدهما أو جن أو أغمي عليه انفسخ العقد، وإذا فسخ وهناك عرض وتقاسماه جاز، وإن طلب أحدهما البيع لزم بيعه، وإن كان هناك دين لزم العامل أن يتقاضاه لينضّ. وإن قارض في المرض اعتبر الربح من رأس المال، وإن زاد على أجرة المثل؛ وإن مات وعليه دين قدم العامل على سائر الغرماء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 174
باب العبد المأذون له
إذا كان العبد بالغاً، رشيداً، جاز للمولى أن ياذن له في التجارة. وما يكسبه يكون لمولاه. وما يلزمه مِن دين التجارة يجب قضاؤه من مال التجارة. فإن بقي شيء أتبع به إذا عتق، ولا يجوز أن يتجر إلا فيما أذن له فيه، وإن أذن له في التجارة لم يملك الإجارة؛ وقيل: يملك ذلك في مال التجارة ولا يملك ذلك في نفسه، ولا يتصرف إلا على وجه النظر، والإحتياط، ولا يهب، ولا يتخذ دعوة، ولا يبيع بنسيئة، ولا بدون ثمن المثل، ولا يسافر بالمال إلا بإذن المولى، وإن اشترى من يعتق على مولاه بغير إذنه لم يصح الشراء في أصح القولين.
---(1/117)
وإن اشترى بإذنه صح الشراء وعتق عليه إن لم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين ففي العتق قولان. وإن ملَّكه السيد مالاً لم يملكه في أصح القولين، ويملكه في الآخر، ملكاً ضعيفاً ويملك المولى انتزاعه منه ولا تجب فيه الزكاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 176
باب المساقاة
من جاز تصرفه في المال صح منه عقد المساقاة، وينعقد بلفظ المساقاة، وبما يؤدي معناه. ويجوز على النخل والكرم. وفيما سواها من الأشجار قولان. فإن ساقاه على ثمرة موجودة، ففيه قولان. وإن ساقاه على الوَدِيّ إلى مدة لا تحمل فيها لم تصح.
وهل يستحق اجرة العمل؟ فيه وجهان. وإن كان إلى مدة قد تحمل، وقد لا تحمل، فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح. وللعامل أجرة المثل. وإن ساقاه على وديّ يغرسه ويعمل عليه لم يصح.
ولا تجوز المساقاة إلا إلى مدة معلومة، ويجوز ذلك إلى مدة يبقى ما يعمل عليه في أصح القولين. ولا يجوز في الآخر أكثر من سنة.
ولا يجوز إلا على جزء معلوم مِن الثمرة كالثلث، والربع، وإن شرط أن له ثمرة نخلات بعينها أو أصُعاً معلوماً مِن الثمرة لم يصح، وإذا انعقد لزم كالإجارة، وعلى العامل أن يعمل ما فيه مستزاد في الثمرة من التلقيح، وصرف الجريد وإصلاح الأجاجين، وتنقية السواقي، والسقي.
وعلى رب المال ما يحفظ به الأصل كسد الحيطان، وحفر الأنهار، وشراء الدولاب.
فإن شرط أن يعمل معه غلمان رب المال، ويكونوا تحت أمره جاز على المنصوص. وتكون نفقتهم على رب المال. وإن شرط أن تكون نفقتهم على العامل جاز، وإن شرط أن يعمل معه رب المال لم يجز، والعامل أمين فيما يدعي من هلاك، وفيما يدعي عليه من خيانة، وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشرف عليه فإن لم يتحفظ بالمشرف، استؤجر عليه من يعمل عنه، وإن هرب العامل، استؤجر عليه من ماله من يعمل معه، فإن لم يكن له مال اقترض عليه.
---(1/118)
وإن انفق عليه رب المال بغير إذن الحاكم لم يرجع، وإن لم يقدر على إذنه فأنفق ولم يشهد لم يرجع وإن أشهد فقد قيل: يرجع، وقيل: لا يرجع، وإن لم يمكن ذلك فله أن يفسخ، فإن لم تكن ظهرت الثمرة، فالثمرة للمالك، وللعامل أجرة ما عمل، وإن ظهرت فهي لهما، فإن اختار رب المال بيع الكل، جاز.
وإن لم يختر بيع منه نصيب العامل، وإن لم يختر ترك إلى أن يصطلحا.
وإن مات العامل فتطوع ورثته بالعمل استحقوا الثمرة، وإن لم يعملوا استؤجر من ماله من يعمل، فإن لم يكن له مال فلرب المال أن يفسخ. ويملك العامِل حصته من الثمرة بالظهور وزكاته عليه، وقيل: فيه قولان؛ أحدهما: هذا، والثاني: أنه لا يملك إلا بالتسليم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 177
وإن ساقاه في المرض، وبذل له أكثر من أجرة المثل، اعتبرت الزيادة من الثلث. وقيل: يعتبر من رأس المال، وإن اختلفا في القدر المشروط للعامل تحالفا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 177
باب المزارعة
المزارعة أن يسلم الأرض إلى رجل ليزرعها ببعض ما يخرج منها، ولا يجوز ذلك إلا على الأرض التي بين النخل، ويساقيه على النخيل ويزارع على الأرض، ويكون البذر من صاحب الأرض فيجوز ذلك تبعاً للمساقاة. وقيل: إن كان النخل قليلاً والبياض كثيراً لم يجز. ولا يجوز ذلك إلا على جزء معلوم من الزرع كالمساقاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 178
باب الإجارة
الإجارة بيع، تصح ممن يصح منه البيع. وتصح بلفظ الإجارة، وبلفظ البيع. وتصح على كل منفعة مباحة.
وفي استئجار الكلب للصيد، والفحل للضراب، والدراهم، والدنانير، وجهان: أظهرهما أنه لا يجوز في جميع ذلك.
---(1/119)
ولا تصح على منفعة محرمة كالغناء والزمر، وحمل الخمر. وتصح الإجارة على منفعة عين معينة كاستئجار الدار للسكنى، والمرأة للرضاع، والرجل للحج والبيع والشراء، والدابة للركوب، وتصح على منفعة في الذمة كالاستئجار لتحصيل الحج، وتحصيل حمولة إلى مكان، فإن كان على منفعة عين لم يجز إلا على عين يمكن استيفاء المنفعة منها، فإن استأجر أرضاً للزراعة لم يجز حتى يكون لها ماء يؤمن انقطاعه، كماء النهر، والمد بالبصرة، والثلج، والمطر في الجبل، فإن كان بمصر لم يجز حتى تروى الأرض بالزيادة، ولا يجوز إلا على منفعة عين معروفة، فإن لم تعرف إلا بالرؤية كالعقار لم يجز حتى يرى. ولا يجوز إلا على منفعة معلومة القدر، فإن كانت مما لا تتقدر إلا بالعمل كالحج والركوب إلى مكان قدر به. وإن كان مما لا يتقدر إلا بالزمان كالسكنى، والرضاع، والتطيين، قُدّر به، وإذ كان مما يتقدر بهما كالخياطة والبناء قدر بأحدهما. ويجوز أن يعقد إلى مدة تبقى فيها العين في أصح القولين، ولا يجوز أكثر من سنة في الآخر، وقيل فيه قول ثالث: أنه يجوز إلى ثلاثين سنة.
فإن قال: أجرتك كل شهر بدرهم بطل، وقيل: يصح في الشهر الأول، ولا يجوز إلا على منفعة معلومة، فإن كان معلوماً بالعرف كالسكنى، واللبس حمل العقد عليه. فإن لم يكن كان معلوماً بالعرف وصفه، كحمل الحديد، والقطن، والبناء بالآجر، والطين، والجص، واللبن، وإن لم يعرف بالوصف لكثرة التفاوت كالمحمل، والراكب، والصبي في الرضاع. لم يجز حتى يرى. وما عقد على مدة ولا يجوز فيه شرط الخيار، وفي خيار المجلس وجهان. وما عقد على عمل معين يثبت فيه الخياران، وقيل: لا يثبتان، وقيل: يثبت فيه خيار المجلس دون خيار الشرط.
ولا يجوز إلا معجلاً، ويتصل الشروع في الاستيفاء بالعقد، وإن اطلق وقال: أجرتك شهراً لم يصح. ولا تجوز الإجارة إلا على أجرة معلومة الجنس، والقدر، والصفة، فإن استأجر بالطُعمة والكُسوة لم يصح.
---(1/120)
وإن عقد على مال جزاف جاز وقيل: فيه قولان، كرأس مال السلم. فإن أجر منفعة بمنفعة جاز، وتجب الأجرة بنفس العقد إلا أن يشترط فيها الأجل فيجب في محله، وإن كان العقد على مدة فسلم العين، ومضت المدة، أو على عمل معين فسلم ومضى زمان يمكن فيه الاستيفاء استقرت الأجرة، ووجب رد العين، وإن كانت الإجارة فاسدة استقرت أجرة المثل، وما يحتاج إليه للتمكين من الإنتفاع، كمفتاح الدار، وزمام الجمل، والحزام، والقتب، فهو على المكري، وما يحتاج إليه لكمال الإنتفاع كالدلو، والحبل، والمحمل، والغطاء، فهو على المستأجر. وفي كسح البئر وتنقية البالوعة وجهان، وعلى المكري الإشالة، والحط، وإركاب الشيخ، وإبراك الجمل للمرأة، وللمكتري أن يستوفي المنفعة بالمعروف، فإن اكترى أرضاً ليزرع الحنطة زرع مثلها. وإن استأجر دابة ليركبها أركبها مثله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 179
وإن أكل بعض الزاد، وقيمته تختلف في المنازل جاز أن يبدله وإن لم تختلف ففيه قولان.
---(1/121)
وإن اكترى دابة إلى مكان فجاوزه لزمه المسمى في المكان، وأجرة المثل لما زاد، وإن حمل عليها أكثر مما شرط فتلفت وهي في يده ضمن قيمتها، فإن كان صاحبها معها ضمن نصف القيمة في أحد القولين والقسط في القول الآخر، وللمكتري أن يكري ما اكتراه بعد قبض العين، ولا يجوز أن يكري قبل القبض من غير المكري في أصح القولين، ويجوز من المكري في أصح الوجهين. وإن تلفت العين المستأجرة انفسخت الإجارة فيما بقي، دون ما مضى، وقيل فيما مضى قولان. وإن وجد به عيباً، أو حدث به عيب ثبت له خيار الفسخ، فإن فسخ لزمه أجرة ما مضى، وإن كانت داراً فانهدمت، أو أرضاً فانقطع ماؤها ففيه قولان؛ أحدهما: ينفسخ، والثاني: يثبت له خيار الفسخ، وإن غصب العين حتى انقضت مدة الاجارة فهو كالمبيع إذا تلف قبل القبض، وقد بينّاه في كتاب البيع. وإن مات الصبي الذي وقعت الإجارة على ارضاعه انفسخ العقد على المنصوص، وقيل فيه قول آخر: أنه لا ينفسخ فإن تراضيا على ارضاع غيره جاز، وإن تشاحا فسخ العقد.
---(1/122)
وإن مات الأجير في الحج عنه أو احصر قبل الإحرام لم يستحق شيئاً من الاجرة. وإن كان بعد الفراغ من الاركان استحق الأجرة وعليه دم لما بقي، وإن مات وقد بقي عليه بعض الاركان استحق بقدر ما عمل، ويستأجر المستأجر من يستأنف الحج عنه، وإن هرب المكري، والعقد على منفعة ثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ والإبقاء، فإن كان العقد على مدة انفسخ بمضي الوقت حالا فحالاً، وإن كان على عمل لم ينفسخ، فإذا قدر عليه طالبه به، وإن هرب الجمال، وترك الجمال وفيها فضل بيع ما فضل، وأنفق عليها، فإن لم يكن فيها فضل اقترض عليه، فإن أمر الحاكم المستأجر أن ينفق عليها قرضاً جاز في أصح القولين، ويقبل قوله في النفقة بالمعروف، وان لم يكن حاكم فأنفق وأشهد رجع، وقيل: لا يرجع، وإن مات أحد المتكاريين، والعين المستأجرة باقية لم يبطل العقد، وإن هلكت العين المستأجرة في يد المستأجر من غير عدوان لم يضمن، وان انقضت مدة الاجارة لزم المستأجر رد العين وعليه مؤنة الرد، وقيل: يجب على المؤجر فإن اختلفا في الرد فالقول قول المؤجر، وإن هلكت العين التي استؤجر على العمل فيها في يد الأجير، فإن كان العمل في ملك المستأجر، أو في غير ملكه، والمستأجر مشاهد له لم يضمنه، وإن كان في غير ملك المستأجر ففيه قولان: أصحهما أنه لا يضمن، ويستحق الاجرة لما عمل في ملك المستأجر إلى أن هلكت. ولا يستحق لما عمل في غير ملكه. وإن اختلف المستأجر والأجير المشترك في رد العين فقد قيل: القول قول الأجير، وقيل: القول قول المستأجر، وإن باع المكري العين من المكتري جاز، ولم تنفسخ الإجارة بل يستوفي ما بقي بحكم العقد، وإن باع مِن غيره لم يصح في أحد القولين. ويصح في الآخر. ويستوفي المستأجر ما بقي، فإن لم يعلم المشتري بالإجارة ثبت له الخيار فإن كان عبداً فأعتقه عتق، ويلزم المولى للعبد أقل الأمرين من أجرته أو نفقته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 179
---(1/123)
وإن آجر العين من غير المستأجر لم يجز، وإن آجرها من المستأجر جاز في أظهر القولين. وإن انقضت مدة الإجارة، وفي الأرض زرع فإن كان بتفريط من المستأجر جاز إجباره على قلعه وتسوية الأرض، وجاز تركه بأجرة، وإن لم يكن بتفريط منه فقد قيل: يجوز إجباره، وقيل: لا يجوز.
وإن كانت الإجارة على عمل في الذمة جاز بلفظ السلم. فإن عقد بلفظ السلم اعتبر فيه قبض الأجرة في المجلس، وإن عقد بلفظ الاجارة فقد قيل: يعتبر وقيل: لا يعتبر، ولا تستقر الاجرة في هذه الإجارة إلا بالعمل.
ويجوز أن يعقد على عمل معجل، ومؤجل. فإن هلكت العين، أو غصبت لم تنفسخ الإجارة، بل يطالب بالبدل، وإن هرب المكري اكترى عليه. وإن تعذر ذلك ثبت للمكتري الخيار بين أن يفسخ، وبين أن يصبر على أن يجده. وإن دفع إليه ثوباً فقطعه قميصاً، فقال صاحب الثوب: أمرتك أن تقطعه قباء فعليك الأرش، وقال الخياط: بل أمرتني بقميص فعليك الأجرة، تحالفا على ظاهر المذهب. ولا يستحق الخياط الاجرة. وهل يلزمه أرش النقص؟ فيه قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 179
باب الجعالة
وهو أن يجعل لمن عمل له عملاً عوضاً، فيقول: من بنى لي حائطاً، أو رد لي آبقاً فله كذا، فإذا عمل ذلك استحق الجعل.
ويجوز على عمل مجهول. ولا يجوز إلا بعوض معلوم، ويجوز لهما الفسخ قبل العمل، فأما بعد الشروع في العمل فيجوز للعامل الرجوع فيه. ولا يجوز لصاحب العمل إلا بعد أن يضمن للعامِل أجرة ما عمل، وإن اشترك جماعة في العمل اشتركوا في الجعل. ومن عمل لغيره شيئاً من ذلك من غير شرط لم يستحق عليه الجعل. فإن قال العامِل: شرطت لي عوضاً، وأنكر المعمول له فالقول قول المعمول له. وإن اختلفا في قدره تحالفا.
وإن أمر غسالاً بغسل ثوب، ولم يسم له شيئاً فغسل، لم يستحق عليه الأجرة، وقيل: يستحق (أجرة المثل).
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
باب المسابقة
---(1/124)
المسابقة على عوض كالاجارة في أحد القولين، وتصح ممن تصح منه الإجارة. ولا يجوز فسخها بعد لزومها، ولا الزيادة فيها. ولا الامتناع مِن اتمامها. وحكمها في خيار الشرط، وخيار المجلس حكم الإجارة.
ويجوز أخذ الرهن والضمين فيها، وكالجعالة في القول الآخر فيجوز فسخها، والزيادة فيها والإمتناع مِن اتمامها، ويفسخها متى شاء. ولا يؤخذ فيها الرهن والضمين.
ويجوز ذلك على الرمي بالنشاب، والرماح، والزانات وما أشبهها من آلة الحرب، ويجوز على الخيل، والإبل. وفي الحمار والبغل قولان.
وفي الفيل وجهان. ولا يجوز على الأقدام والزبازب، والطير في ظاهر المذهب، وقيل: يجوز ذلك. وفي الصراع وجهان. ولا تجوز المسابقة بين الجنسين: كالخيل، والإبل، وتجوز على نوعين: كالعربي والبرذون. ولا تجوز إلا على فرسين معروفين.
ولا تجوز إلا على مسافة معلومة الإبتداء والإنتهاء. ولا تجوز إلا على عوض معلوم. ويجوز أن يكون العوض منهما ومن غيرهما، فإن أخرج أحدهما السَبَق على أن من سبق منهما أحرزه جاز، وإن أخرجا السبق على أن من سبق منهما أخذ الجميع لم يجز إلا أن يكون معهما محلل وهو ثالث على فرس كَفِءٍ لفرسيهما لا يخرج شيئاً، فإن سبقهما احرز سبقهما، وإن سبقاه احرز كل واحد منهما سبقه. وإن سبق أحدهما مع المحلل احرز السبق المتأخر. وإن سبق أحدهما أخذ السبقين.
ولو أخرج الإمام مِن بيت المال أو أحد الرعية من ماله السبق بين اثنين وشرط أن من سبق منهما احرزه جاز. فإن سبق أحدهما استحق وإن جاءا معاً لم يستحقا. وإن شرط للسابق وللآخِر لم يجز.
وإن كانوا ثلاثة فشرط لاثنين دون الثالث، أو أربعة فشرط لثلاثة دون الرابع جاز، وإن شرط للجميع وسوّى بينهم لم يجز.
وإن فاضل وجعل للسابق عشرة، وللمجلي تسعة، وللمصلي ثمانية، فقد قيل: يجوز وقيل: لا يجوز.
---(1/125)
وإن شرط أنه إذا سبق أحدهما أطعم السبق أصحابه، لم تصح المسابقة على ظاهر المذهب، وقيل: تصح إلا أنه يسقط المسمى، ويجب عوض المثل وقيل: تصح، ولا يستحق شيئاً.
والسبق في الخيل إذا استوت أعناقها. (في الطول، والقصر، والإرتفاع، والمد) أن يسبق أحدهما بجزء من الرأس أو من الأذن وغيره، فإن اختلفا في طول العنق أو كان ذلك في الإبل اعتبر السبق بالكاهل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 185
وإن مات أحد المركوبين قبل الغاية بطل العقد. وإن مات أحد الراكبين قام وارثه مقامه، فإن لم يكن له وارث استأجر الحاكم من يقوم مقامه، وإن كانت المسابقة على الرمي لم يجز اخراج السبق منهما أو من غيرهما إلا على ما ذكرنا في الخيل، ولا يجوز حتى يتعين الرماة، فإن كانوا حزبين لم يجز حتى يعرف كل واحد من رأس الحزبين أصحابه قبل العقد.
ولا يجوز إلا ممن يحسن الرمي فإن خرج أحد الحزبين فيمن لا يحسن الرمي بطل العقد فيه، وسقط من الحزب الآخر بإزائه واحد.
ثم الرماة بالخيار: بين فسخ العقد وبين الإمضاء، ولا يجوز إلا على عدد من الرشق معلوم، وأن يكون عدد الإصابة معلوماً. فإن شرطا اصابة تسعة من تسعة، أو تسعة من عشرة، أو عشرة من عشرة لم يجز في أصح القولين. وأن يكون مدى الغرض معلوماً، فإن شرط دون مائتي ذراع جاز. وفيما زاد قيل: يجوز إلى مائتين وخمسين ذراعاً. وقيل: يجوز إلى ثلثمائة وخمسين ذراعاً.
وإن شرط الرمي إلى غير غرض، وأن يكون السبق لأبعدهما رمياً لم يصح. وأن يكون الغرض في نفسه معلوم الصفة، معلوم الطول والعرض، (والسَمك)، والإرتفاع، والإنخفاض من الأرض. وأن يعلم أن الرمي محاطّة أو مبادرة أو مناضلة، والمحاطة أن يحط أكثرهما إصابة من عدد الآخر فيفضل له عدد معلوم يتفقان عليه فينضله (به).
والمبادرة: أن يشترطا إصابة عشرة من عشرين فيبدر أحدهما إلى اصابة العشرة فينضل صاحبه.
---(1/126)
والمناضلة: أن يشترطا إصابة عشرة من عشرين على أن يستوفيا جميعاً، فيرميان معاً جميع ذلك، فإن أصاب كل واحد منهما العشرة، أو أكثر، أو أقل احرز أسبقهما، وإن أصاب أحدهما دون العشرة وأصاب الآخر العشرة، أو فوقها فقد نضله.
وأن يكون البادىء منهما معلوماً. وقيل: إن شرط ذلك وجب الوفاء (به)، وإن لم يشرط جاز. وإن تشاحا أقرع بينهما ويرميان سهماً سهماً. فإن شرط أحدهما أن يرمي بجميع سهامِه حملا على الشرط، وأن تكون صفة الرمي معلومة من القرع، والخزْق، والخسق، والمرق، والخرم، فالقرع: هو إصابة الشن من غير أن يؤثر فيه، والخزق: أن يخدش الشن ولا يثبت فيه، والخسق: أن يثبت فيه. والمرق: أن ينفذ فيه. والخرم: أن يقطع طرف الشن ويكون بعض النصل في الشن، وبعضه خارجاً منه، فيحملان على ما شرطا.
فإن شرطا إصابة حوالي الشن فأصاب الشن، أو بعيداً منه لم يحتسب له، وإن شرطا الخسق وفي الغرض حصاة منعت من الخسق فخزق السهم وسقط حسب له خاسقاً. وإن انقطع الوتر، أو انكسر القوس، أو استغرق في المد فسقط، أو عرضت في يده ريح، أو هبت ريح شديدة فرمى فأخطأ لم يحسب عليه وإن هبت ريح شديدة فأصاب لم يحسب له. وإن انتقل الغرض بالريح فأصاب موضعه، والشرط هو القرع حسب له. وإن كان الشرط هو الخسق وثبت السهم في (الموضع) والموضع في صلابة الغرض حسب له.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 185
وإن أصاب السهم الأرض فازدلف، وأصاب الغرض حسب له في أحد القولين. ولم يحسب له ولا عليه في القول الآخر.
وإن شرطا الرمي بالقسي العربية، أو الفارسية، أو أحدهما يرمي بالعربية، والآخر بالفارسية حملاً عليه، وإن اطلقا العقد حملا على نوع واحد. وإن تلف القوس أبدل. وإن مات الرامي بطل العقد.
وإن عرض عذر مِن مطر، أو ريح، أو ليل، جاز قطع الرمي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 185
باب احياء الموات وتملك المباحات
---(1/127)
من جاز أن يملك الأموال، جاز أن يتملك الموات بالإحياء، ولا يجوز للكافر أن يملك بالاحياء في دار الاسلام، ويملك في دار الشرك، وكل موات لم يجر عليه أثر ملك، ولم يتعلق بمصلحة عامر، جاز تملكه بالاحياء. وما جرى عليه أثر ملك ولا يعرف له مالك، فإن كان في دار الإسلام لم يملك بالإحياء، وإن كان في دار الشرك فقد قيل: يملك وقيل: لا يملك.
والإحياء: أن يهيّىء الأرض لما يريد، فإن كان داراً بأن يبني ويسقف، وإن كان حظيرة بأن يحوط عليها وينصب عليها الباب.
وإن كانت مزرعة، بأن يصلح ترابها، ويسوق الماء إليها، ويزرع في ظاهر المذهب، وقيل: يملك وإن لم يزرع.
وإن كان عيناً، أو بئراً فبأن يحفرها حتى يصل إلى الماء./ ويملك المُحْيَا، وما فيه من المعادن، والشجر، والكلأ وما ينبت فيه وينبع. ويملك معه ما يحتاج إليه من حريمه ومرافقه، وقيل: إن الماء لا يملك، والمذهب الأول، ولا يجب عليه بذل شيء من ذلك إلا الماء، فإنه يجب عليه بذل فضله للبهائم، دون الزرع.
وإن تحجر شيئاً من الموات، بأن شرع في إحيائه ولم يتم فهو أحق به. وإن نقله إلى غيره صار الثاني أحق به. وإن مات قام وارثه مقامه، فإن باع لم يصح بيعه وقيل: يصح، وإن لم يحيَ، وطالت المدة قيل له: إما أن تحيي، وإما أن تخليه لغيرك فإن استمهل أمهل مدة قريبة. فإن لم يحيَ جاز لغيره أن يحييَه، وإن اقطع الإمام مواتاً صار المقطع كالمتحجر.
وما بين العامر من الشوارع، والرحاب، ومقاعد الاسواق لا يجوز تملكها بالاحياء، ولا يجوز فيها البناء، ولا البيع والشراء، ومن سبق إلى شيء منها جاز له أن يرتفق بالقعود فيه، وما لم يُضر بالمارة، فإن قام ونقل عنه قماشه، كان لغيره أن يقعد فيه، وإن طال مُقامه وهناك غيره، أقرع بينهما. وقيل: يقدم الإمام أحدهما. فإن أقطع الإمام شيئاً من ذلك صار المقطع احق بالارتفاق. وإن نقل عنه قماشه لم يكن لغيره أن يقعد فيه.
---(1/128)
ومن حفر معدناً باطناً لا يتوصل إلى نَيله، إلا بالعمل، كمعدن الذهب، والفضة، والحديد، وغيرها، فوصل إلى نيله ملك نيله.
وفي المعدن قولان؛ أحدهما: يملكه إلى القرار، والثاني: أنه لا يملكه. فإذا انصرف كان غيره احق به، وإن طال مقامه، وهناك غيره، أو سبق إثنان إليه اقرع بينهما. وقيل: يقدم الإمام أحدهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 189
وإن قطع الإمام شيئاً من ذلك، فإن قلنا: انه يملك المعدن بالعمل، صح الاقطاع، وصار المقطع أحق به من غيره، وإن قلنا: لا يملك ففي الاقطاع قولان؛ أحدهما: لا يصح، والثاني: يصح فيما يقدر على العمل فيه.
ومن سبق إلى معدن ظاهر يتوصل إلى نيله بغير عمل: كالقار، والنِفط، والمومياء، والياقوت، والبلور، والبِرام، والملح، والكحل، والجص، والمدر، أو إلى شيء من المباحات كالصيد، والسمك، وما يؤخذ من البحر من اللؤلؤ، والصدف، وما ينبت في الموات من الكلأ والحطب، وما ينبع من المياه في الموات، وما يسقط من الثلوج، وما يرميه الناس رغبة عنه، أو انتثر من الزروع والثمار وتركوه رغبة عنه، وأخذ منه شيئاً ملكه.
وإن سبق اثنان إلى ذلك، وضاق عنهما فإن كانا يأخذان للتجارة قسم بينهما. وإن كانا يأخذان القليل للاستعمال، فقد قيل: يقرع بينهما، وقيل: يقسم بينهما، وقيل: يقدم الإمام أحدهما، وإن اقطع الإمام شيئاً من ذلك لم يصح إقطاعه.
وإن كان من ذلك ما يلزم عليه مؤنة بأن يكون بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء حصل منه الملح جاز أن يملك بالإحياء، وجاز للإمام إقطاعه.
وإن حمى الإمام أرضاً لترعى فيها إبل الصدقة، ونِعَم الجزية، وخيل المقاتلة، والأموال الحشرية، ومال من يضعف عن الإبعاد في طلب النُجعة، ولم يضر ذلك بالناس، جاز في أصح القولين، ولم يجز في الآخر. فإن زالت الحاجة جاز أن يعاد إلى ما كان وقيل: ما حماه رسول الله لا يجوز تغييره بحال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 189
---
باب اللقطة(1/129)
إذا وجد الحر الرشيد لُقَطَة في غير الحرم، في وضع يأمن عليها فالاولى أن يأخذها، وإن كانت في موضع لا يأمن عليها لزمه أن يأخذها. وقيل: فيه قولان في الحالين جميعاً، أحدهما: يجب الأخذ، والثاني: يستحب، ثم يتعرف وِعاءَها، وعِفاصَها، ووكائها، وجنسها، وصفتها، وقدرها. ويستحب أن يشهد عليها، وقيل: يجب. فإن أراد حفظها على صاحبها لم يلزمه التعريف.
وإن أراد أن يملكها عرفها سنة، على أبواب المساجد، والأسواق، وفي الموضع الذي وجدها فيه، فيقول: من ضاع منه شيء أو من ضاع منه دنانير، وقيل: ان كان قليلاً كفاه أن يعرفه في الحال ثم يتملك، وقدّر القليل بالدينار، وقدر بالدرهم، وقدر بما لا تقطع فيه يد السارق. وظاهر المذهب أنه لا فرق بين القليل والكثير، ويجوز التعريف في سنة متفرقة. وقيل: لا يجوز، والأول أظهر، فإذا عرف واختار التملك ملك. وقيل: يدخل في ملكه بالتعريف. فإن هلك قبل أن يتملك لم يضمن، وإن هلك بعدما ملك ضمن، وإن جاء صاحبها قبل التملك أخذها مع زيادتها، وإن جاء بعد التملك أخذها مع الزيادة المتصلة دون الزيادة المنفصلة، وإن جاء من يدعيها ووصفها فغلب على ظنه صدقه جاز أن يدفعها إليه، ولا يلزمه إلا ببيّنة. وإن وجد اللقطة في الحرم لم يجز أن يلتقطها إلا للحفظ على ظاهر المذهب. وقيل: يجوز أن يلتقطها للتملك.
وإن كان الواجد للقطة عبداً، ففيه قولان؛ أحدهما: يجوز التقاطه ويملكه السيد بعد الحول، إما بتعريفه أو بتعريف العبد، والثاني: لا يجوز فإن تلفت في يده ضمنها في رقبته، فإن دفعها إلى السيد زال عنه الضمان.
---(1/130)
وإن كان نصفه حراً ونصفه عبداً فهو كالحر على المنصوص ويكون بينه وبين مولاه يعرفان ويتملكان، إن لم يكن بينهما مهايأة، فإن كان بينهما مهايأة فهل تدخل اللقطة؟ فيه قولان؛ أحدهما: أنه تدخل، فإن وجدها في يومه كانت له، وإن وجدها في يوم السيد فهي له، والثاني: لا تدخل فتكون بينهما وخرج فيه قول (مخرج) آخر أنه كالعبد، وإن كان مكاتباً، ففيه قولان؛ أحدهما: أنه كالحر، ويعرف ويملك، والثاني: لا يلتقط فإذا أخذها انتزعها الحاكم منه وعرفها ثم يتملك المكاتب.
وإن كان فاسقاً كره له أن يلتقط، فإن التقط أقر في يده في أحد القولين، وينتزع في الآخر، ويسلم إلى ثقة، وهل ينفرد الفاسق بالتعريف؟ فيه قولان؛ أحدهما: ينفرد به، والثاني: أنه يضم إليه من يشرف عليه. فإذا عرف تملكه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 193
وإن كان كافراً، فقد قيل: يلتقط ويتملك وهو الأصح.
وقيل: لا يلتقط في دار الإسلام، ولا يملك، وإن وجد جارية تحل له لم يجز أن يلتقطها للتملك، بل يأخذها للحفظ.
---(1/131)
فإن وجد ضالة تمتنع مِن صغار السباع بقوته كالإبل، والبقر، أو لسرعته كالظبي، أو بطيرانه كالحمام، فإن كان في مهلكة لم يلتقطها للتملك. فإن التقط لذلك ضمن، فإن سلمه إلى الحاكم برىء مِن الضمان، وإن التقط للحفظ، فإن كان حاكماً جاز، وإن كان غيره فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وإن كان مما لا يمتنع كالغنم وصغار الإبل والبقر جاز إلتقاطه، فإذا التقطه فهو بالخيار بين أن يحفظها على صاحبها ويتبرع بالإنفاق عليها، وبين أن يعرفها سنة ثم يتملكها، وبين أن يأكلها، ويغرم قيمتها إذا جاء صاحبها أو يبيعها في الحال، ويحفظ ثمنها على صاحبها ويعرف اللقطة سنة، ثم يتملك، وإن وجد في البلد فهو لقطة يعرفها سنة، إلا أنه إذا وجده في البلد لا يأكل، وفي الصحراء يأكل، وقيل: هو كما لو وجده في الصحراء لا يأخذ الممتنع ويأخذ غير الممتنع، إلا أنه ليس له الأكل في البلد، وله الأكل في الصحراء، وإن كان ما وجده مما لا يمكن حفظه كالهريسة وغيرها، فهو مخير بين أن يأكل وبين أن يبيع، فإن أكل عزل قيمته مدة التعريف وعرف سنة كاملة ثم يتصرف فيها، وقيل: يعرف ولا يعزل القيمة، وإن أراد البيع رجع إلى الحاكم، فإن لم يكن الحاكم باع بنفسه، وحبس ثمنه، فإن كان ما وجده يمكن إصلاحه كالرطب، فإن كان الحظ في بيعه باعه، وإن كان في تجفيفه جففه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 193
باب اللقيط
التقاط المنبوذ فرض على الكفاية فإذا وجد لقيط حكم بحريته، فإن كان معه مال متصل به أو تحت رأسه فهو له، وإن كان مدفوناً تحته لم يكن له. وإن كان المال بقربه فقد قيل: هو له، وقيل: ليس له.
وإن وجد في بلد المسلمين وفيه مسلمون، أو في بلد كان لهم ثم أخذه الكفار فهو مسلم.
وإن وجد في بلد فتحه المسلمون ولا مسلم فيه، أو في بلد الكفار ولا مسلم فيه، فهو كافر، وإن وجد في بلد الكفار وفيه مسلمون فقد قيل: هو مسلم، وقيل: هو كافر.
---(1/132)
فإن التقطه حر مسلم أمين، مقيم، أقر في يده. ويستحب أن يشهد عليه وعلى ما معه وقيل: يجب ذلك، فإن كان له مال كانت نفقته في ماله، ولا ينفق عليه الملتقط من ماله بغير إِذن الحاكم، فإن انفق بغير إذنه ضمن، فإن أذن له الحاكم جاز، وقيل على قولين: أصحهما أنه يجوز، وإن لم يكن حاكم فانفق عليه من غير إشهاد ضمن، وإن أشهد ففيه قولان، وقيل: وجهان؛ أحدهما: يضمن، والثاني: لا يضمن، وإن لم يكن له مال وجبت نفقته في بيت المال، فإن لم يكن ففيه قولان؛ أحدهما: يستقرض له في ذمته، والثاني: يقسط على المسلمين من غير عوض، وإن أخذه عبد أو فاسق لم يقر في يده، وإن كان محكوماً بكفره أقر في يده، وإن اخذه ظاعِن فإن لم تختبر امانته لم يقر في يده، وإن اختبرت امانته نظر، فإن كان ظاعنًا إلى البادية واللقيط في حضر لم يقر في يده، وإن كان ظاعنًا في بلد آخر ففيه وجهان؛ أحدهما: يقر في يده، والثاني: لا يقر، وإن كان اللقيط في البادية واخذه حضري يريد حمله إلى الحضر جاز، وإن كان بدوياً فإن كان له موضع راتب أقر في يده، وإن كان ينتقل من موضع إلى موضع فقد قيل: يقر في يده وقيل: لا يقر.
وإن التقطه رجلان من أهل الحضانة وأحدهما موسِر والآخر معسِر فالموسِر أولى، وإن كان أحدهما مقيماً والآخر ظاعنًا فالمقيم أولى، فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما، وإن ترك أحدهما حقه ترك في يد الآخر، وقيل: يرفع إلى الحاكم حتى يقره في يد الآخر، وليس بشيء. وإن ادعى كل واحد منهما أنه الملتقط فإن كان في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه، وإن كان في يدهما اقرع بينهما، وإن لم يكن في يد واحد منهما سلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما، وإن أقام أحدهما بيِّنة حكم له، وإن أقاما بينتين مختلفتي التاريخ قدم اقدمهما تاريخاً. وإن كانتا متعارضتين سقطتا في أحد القولين، وصار كما لو لم يكن لهما بيِّنة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 195
---(1/133)
وإن ادعى مسلم نسبه لحقه، وتبعه في الإسلام. فإن كان المدعي هو الملتقط استحب أن يقال له: من اين هو ابنك، وإن ادعاه كافر لحق به، فإن أقام البينة على ذلك تبعه الولد في الكفر وسلم إليه، وإن لم يقم البيّنة لم يتبعه في الكفر، ولم يسلم إليه. وقيل: إن أقام البيّنة جعل كافراً قولاً واحداً، وإن لم يقم البينة ففيه قولان.
وإن ادعت امرأة نسبه لم يقبل في ظاهر النص إلا ببيّنة، وقيل: يقبل، وقيل: ان كان لها زوج لم يقبل، وإن لم يكن لها قبل. وإن ادعاه اثنان ولأحدهما بيِّنة قضى له، وإن لم يكن لواحد منهما بينة أو كان لكل واحد منهما بينة عرض على القافة، فإن كان لأحدهما يد لم تقدم بينته باليد، وإن ألحقته القافة بأحدهما لحق به، وإن ألحقته بهما، أو نفته عنهما، أو اشكل عليها، أو لم تكن قافة ترك حتى يبلغ فينسب إلى من تميل إليه نفسه.
وإن ادعى رجل رقه لم يقبل إلا ببينة تشهد بأن أمته ولدته وقيل فيه قول آخر: أنه لا يقبل حتى يشهد بأن أمته ولدته في ملكه.
وإن قتل اللقيط عمداً فللإمام أن يقتص من القاتل إن رأى ذلك، وله أن يأخذ الدية إن رأى ذلك، وإن قطع طرفه عمداً وهو موسر انتظر حتى يبلغ، وإن كان فقيراً فإن كان معتوهاً كان للإمام أن يعفو على مال يأخذه وينفقه عليه، وإن كان عاقلاً انتظر حتى يبلغ، وإن بلغ فقذفه رجل وادعى أنه عبد، وقال اللقيط: بل أنا حر، ففيه قولان: أصحهما أن القول قول القاذف.
وإن جنى عليه حر وقال: أنت عبد، فقال: بل أنا حر، فالقول قول اللقيط. فيحلف ويقتص منه، وقيل: فيه قولان كالقذف.
---(1/134)
وإن بلغ اللقيط ووصف الكفر فإن كان قد حكم بإسلامه تبعاً لأبويه فالمنصوص أنه لا يقر عليه، وخرج فيه قول آخر، أنه يقر عليه، فإن حكم بإسلامه بالدار ثم بلغ ووصف الكفر فالمنصوص أنه يقال له: لا نقبل منك إلا الإسلام ويفزعه، فإن أقام على الكفر قبل منه وخرج فيه قول آخر، كالمحكوم بإسلامه بأبيه، وإن بلغ وسكت فلم يصف اسلاماً ولا كفراً فقتله مسلم فقد قيل: لا قوَد عليه وقيل: يجب مطلقاً. وقيل: إن حكم بإسلامه بأبيه فعليه القود، وإن حكم بإسلامه بالدار فلا قود عليه، وإن بلغ، وباع، واشترى، ونكح، وطلق، وجنى، وجني عليه، ثم أقر بالرق فقد قيل فيه قولان؛ أحدهما: يقبل إقراره، والثاني: لا يقبل. وقيل: يقبل إقراره قولاً واحداً وفيما يقبل قولان؛ أحدهما: يقبل في جميع الأحكام، والثاني: يقبل فيما عليه ولا يقبل فيما له.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 195
باب الوقف
الوقف قربة مندوب إليه؛ ولا يصح إلا ممن يجوز تصرفه في ماله.
ولا يصح إلا في عين معينة فإن وقف شيئاً في الذمة بأن قال: وقفت فرساً أو عبداً لم يصح.
ولا يصح إلا في عين يمكن الإنتفاع بها مع بقائها على الدوام كالعقار، والحيوان والأثاث. فإن وقف ما لا ينتفع به مع بقائه كالاثمان والطعام أو ما لا ينتفع به على الدوام كالمشموم لم يجز. ولا يجوز إلا على معروف وبر كالوقف على الاقارب، والفقراء، والقناطر، وسبل الخير، فإن وقف على قاطع الطريق أو على حربي أو مرتد لم يجز، وإن وقف على ذمي، ولا يجوز أن يقف على نفسه، ولا على مجهول، كرجل غير معين. ولا على من لا يملك الغلة كالعبد والحمل. فإن وقف على من يجوز، ثم على من لا يجوز بطل الوقف في أحد القولين وصح في الآخر. ويرجع إلى أقرب الناس إلى الواقف.
وهل يختص به فقراؤهم أو يشترك فيه الفقراء والاغنياء؟ فيه قولان. وقيل: يختص به الفقراء قولاً واحداً.
---(1/135)
وإن وقف على من لا يجوز، ثم على من يجوز فقد قيل: يبطل قولاً واحداً. وقيل فيه قولان؛ أحدهما: يبطل، والثاني: يصح، فإن كان ممن لا يجوز الوقف عليه ممن لا يمكن اعتبار انقراضه كالمجهول صرف الغلة إلى من يصح (الوقف عليه)، فإن كان ممن يمكن اعتبار انقراضه كالعبد، فقد قيل: يصرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه. وقيل: لا يصرف إليه إلى أن ينقرض. وقيل يكون لأقرباء الواقف إلى أن ينقرض، ثم يصرف إلى من يجوز الوقف عليه.
وإن وقف على رجل بعينه ثم على الفقراء فرد الرجل بطل في حقه. وفي حق الفقراء قولان.
فإن وقف وسكت عن السبل بطل في أحد القولين. ويصح في الآخر. ويُصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف، ولا يصح الوقف إلا بالقول، وألفاظه: وقفت، وحبست، وسبلت. وفي قوله: حرمت، وأبدت، وجهان: فإن قال: تصدقت لم يصح الوقف حتى ينويه، أو يقرن به ما يدل عليه كقوله: صدقة محرمة، أو صدقة مؤبدة أو صدقة لا تباع، وما أشبه ذلك.
وإذا صح الوقف لزم، وإن شرط فيه الخيار أو شرط أن يبيعه متى شاء بطل. ولا يجوز أن يعلق ابتداءه على شرط، فإن علقه على شرط بطل، وإن علق انتهاءه (على شرط) بأن قال: وقفت هذا إلى سنة بطل في أحد القولين، ويصح في الآخر، ويصرف بعد السنة إلى أقرب الناس إلى الواقف، وينتقل الملك في الرقبة بالوقف عن الواقف في ظاهر المذهب فقد قيل: ينتقل إلى الله تعالى، وقيل: إلى الموقوف عليه. وقيل: فيه قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 198
ويملك الموقوف عليه غلة الوقف، ومنفعته وصوفه، ولبنه، (بالإتفاق). وإن كان جارية لم يملك وطئها.
وفي التزويج ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يجوز بحال. والثاني: يجوز للموقوف عليه، والثالث: يجوز للحاكم. وإن وطئت أخذ الموقوف عليه المهر، وإن أتت بولد (من نكاح أو زنا) فقد قيل: يملكه الموقوف عليه ملكاً يملك التصرف فيه بالبيع وغيره. وقيل: هو وقف كالأم.
---(1/136)
وإن اتلف (الموقوف) اشترى بقيمته ما يقوم مقامه. وقيل: ان قلنا (الملك) أنه للموقوف عليه فهي له، وإن قلنا: أنه تعالى اشترى بها ما يقوم مقامه. وإن جنى خطأ وقلنا: هو له فالأرش عليه، وإن قلنا: تعالى فقد قيل: في ملك الواقف وقيل: في بيت المال. وقيل: في كسبه، وينظر في الوقف من شرطه الواقف فإن شرط النظر لنفسه جاز.
وإن لم يشرط نظر فيه الموقوف عليه في أحد القولين، والحاكم في القول الآخر، ولا يتصرف الناظر فيه إلا على وجه النظر والإحتياط.
فإن احتاج إلى نفقة، انفق عليه من حيث شرط الواقف، فإن لم يشرط أنفق عليه من الغلة. ويصرف الباقي إلى الموقوف عليه. والمستحب أن لا يؤجر الوقف أكثر من ثلاث سنين. فإن مات الموقوف عليه في أثناء المدة انفسخت الإجارة وقيل: لا تنفسخ. ويصرف أجرة ما مضى إلى البطن الأول، وما بقي إلى البطن الثاني.
ويصرف الغَلة على شرط الواقف من الأثرة والتقديم والتأخير، والجمع والترتيب. وإخراج من شاء بصفة (واحدة) وإدخاله بصفة.
فإن وقف على الفقراء جاز أن يصرف إلى ثلاثة منهم، وإن وقف على قبيلة كثيرة بطل الوقف في أحد القولين، وصح في الآخر، ويجوز الصرف إلى ثلاثة منهم. وإن وقف على مواليه وله موال من أعلى، وموال من أسفل فقد قيل: يبطل، وقيل: يصح ويصرف إلى الموالي من أعلى، وقيل: يقسم بينهما وهو الأصح. وإن وقف على زيد، وعمرو، وبكر، ثم على الفقراء فمات زيد صرفت الغلة إلى من بقي من أهل الوقف، فإذا انقرضوا صُرفت (الغلة) إلى الفقراء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 198
باب الهبة
الهبة مندوب إليها، وللأقارب أفضل. ويستحب لمن وهب لأولاده أن يسوّي بينهم. ولا تصح (الهبة) إلا من جائز التصرف في ماله غير محجور عليه.
---(1/137)
ولا يجوز هبة المجهول. ولا هبة ما لا يقدر على تسليمه، ولا ما لا يتم ملكه عليه كالمبيع قبل القبض، ولا يجوز تعليقه على شرط مستقبل، ولا بشرط ينافي مقتضاه. فإن قال: اعمرتك هذه الدار، وجعلتها لك حياتك ولعقبك من بعدك، صح. فإن لم يذكر العقب، صح أيضاً، وتكون له في حياته ولعقبه من بعد موته وقيل: فيه قول آخر أنه يصح ويكون للمعمَر في حياته، فإذا مات رجع إلى المعمِر، أو إلى ورثته إن كان قد مات، وإن قال: جعلتها لك حياتك فإذا مت رجعت إِلي بطل في أحد الوجهين، يصح في القول الآخر وترجع إليه بعد موته. وإن قال: ارقبتك هذه الدار، فإن مت قبلي عادت إلي، وإن متُ قبلك استقرت لك صح ويكون حكمه حكم العُمرى.
ولا يصح شيء من الهبات إلا بالإيجاب والقبول، ولا يملك المال فيه إلا بالقبض، ولا يصح القبض إلا بإذن الواهب. فإن وهب منه شيئاً في يده أو رهنه عنده لم يصح القبض حتى يأذن فيه ويمضي زمان يتأتى فيه القبض. وقيل في الرهن: لا يصح إلا بالإذن، وفي الهبة: يصح من غير إذن. وقيل: فيها قولان.
وإن مات الواهب قبل القبض قام الوارث مقامه، إن شاء أقبض وإن شاء لم يقبض. وقيل: ينفسخ العقد، وليس بشيء.
وإن وهب الأب، أو الأم، أو أبوهما، أو جدهما شيئاً للولد وأقبضه إياه جاز له أن يرجع فيه. وإن تصدق عليه فالمنصوص أن له أن يرجع، وقيل: لا يرجع.
وإن زاد الموهوب زيادة مميزة كالولد، والثمرة، رجع فيه دون الزيادة. وإن أفلس الموهوب له وحجر عليه فقد قيل: يرجع، وقيل: لا يرجع.
---(1/138)
وإن كاتب الموهوب أو رهنه لم يرجع فيه حتى تنفسخ الكتابة، وينفك الرهن، وإن باعه أو وهبه لم يرجع في الحال، وقيل: إن وهب ممن يملك الواهب الرجوع في هبته جاز له أن يرجع عليه، فإن عاد (إليه) المبيع أو الموهوب، فقد قيل: لا يرجع وقيل: يرجع، فإن وطأ الواهب الجارية الموهوبة كان ذلك رجوعاً وقيل: لا يكون رجوعاً، من وهب شيئاً ممن هو أعلى منه ففيه قولان؛ أحدهما: لا يلزمه الثواب، والثاني: يلزمه، وفي قدر الثواب أقوال؛ أحدها: يثيبه إلى أن يرضى، والثاني: يلزمه قدر الموهوب، والثالث: يلزمه ما يكون ثواباً لمثله في العادة، فإن لم يثبه ثبت للواهب الرجوع، فإن قلنا: لا يلزمه الثواب فشرط ثواباً مجهولاً بطل، وإن شرط ثواباً معلوماً ففيه قولان. وإن قلنا: يلزمه الثواب فشرط ثواباً مجهولاً جاز، وإن شرط ثواباً معلوماً ففيه قولان؛ أحدهما: أنه يبطل ويكون حكمه حكم البيع الباطل، والثاني: أنه يصح ويكون حكمه حكم البيع الصحيح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 201
باب الوصية
من جاز تصرفه في ماله، جازت وصيته. ومن لا يجوز تصرفه كالمعتوه والمبرسم لا تصح وصيته.
وفي الصبي المميز، والمبذر قولان. ولا تصح الوصية إلاّ إلى حر، مسلم، بالغ عاقل، عدل. فإن وُصِّيَ إليه وهو على غير الصفات فصار عند الموت على هذه الصفات جاز. وقيل: لا يجوز، وإن وصى إلى أعمى فقد قيل: تصح. وقيل: لا تصح.
ويجوز أن يوصي إلى نفسين، فإن أشرك بينهما في النظر لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف. وإن وصى إليه في شيء لم يصر وصياً في غيره.
وللوصي أن يوكل فيما لا يتولى مثله بنفسه. وليس له أن يوصي، وإن جعل إليه أن يوصي ففيه قولان؛ (أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز). وإن أوصى إلى رجل ثم بعده إلى آخر جاز. ولا تتم الوصية إليه إلا بالقبول، وله أن يقبل في الحال.
---(1/139)
وله أن يقبل في الثاني، وللموصي أن يعزله متى شاء، وللوصي أن يعزل نفسه متى شاء، ولا تجوز الوصية إلا في معروف مِن قضاء دين، وأداء حج، والنظر في أمر الصغار، وتفرقة الثلث، وما أشبه ذلك، فإن وصى بمعصية كبناء كنيسة، أو كتب التوراة، أو بما لا قربة فيه كالبيع من غير محاباة لم تصح.
وإن وصى لوارث عند الموت، لم تصح الوصية في أحد القولين، وتصح في الآخر، ويقف على الإجازة وهو الأصح. وإن وصى للقاتل بطلت الوصية في أحد القولين، وصحت في الآخر وهو الأصح.
وإن وصى لحربي فقد قيل: تصح، وقيل: لا.
وإن وصى لقبيلة كثيرة أو لمواليه، وله موال من أعلى، وموال مِن أسفل فعلى ما ذكرناه في الوقف.
وإن وصى لما تحمل هذه المرأة فقد قيل: تصح، وقيل: لا تصح. ويستحق الوصية بالموت إن كانت لغير معين. وإن كانت لمعين ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: يملك بالموت، والثاني: بالموت والقبول، والثالث؛ وهو الأصح: أنه موقوف، فإن قبل حكم له بالملك من حين الموت، وإن رد حكم بأنها ملك للوارث. وإن لم يقبل ولم يرد وطالبَ الورثة خيّره الحاكم بين القبول والرد، فإن لم يفعل حكم عليه بالإبطال. وإن قبل الوصية وقبض ثم رد لم يصح الرد وإن رد بعد القبول وقبل القبض فقد قيل: يبطل، وقيل: لا يبطل، والأول أصح.
وإن مات الموصَى له قبل موت الموصي بطلت الوصية. وإن مات بعد موته قام وارثه مقامه في القبول والرد. وتجوز الوصية بثلث المال، فإن كان ورثته اغنياء استحب أن يستوفى الثلث. وإن كانوا فقراء استحب أن لا يستوفى الثلث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 203
فإن أوصى بأكثر من الثلث ولا وارث له بطلت الوصية فيما زاد على الثلث، وإن كان له وارث، ففيه قولان؛ أحدهما: تبطل الوصية، والثاني: تصح، وتقف على اجازة الوارث فإن أجاز صح، وإن رد بطل، ولا يصح الرد والإجازة إلا بعد الموت.
---(1/140)
فإن أجاز ثم قال: أجزت لاني ظننت أن المال قليل وقد بان خلافه، فالقول قوله مع يمينه أنه لم يعلم. وإن قال: ظننت أن المال كثير وقد بان خلافه، ففيه قولان؛ أحدهما: يقبل (قوله)، والثاني: لا يقبل.
وما وصى به من التبرعات يعتبر من الثلث، سواء وصى به في الصحة أو المرض.
وما وصى به من الواجبات إن قيد بالثلث اعتبر من الثلث، وإن اطلق، فالأظهر أنه لا يعتبر من الثلث، وقيل: يعتبر، وقيل: إن كان قد قرن به ما يعتبر من الثلث (اعتبر من الثلث) وإن لم يقرن لم يعتبر، وما تبرع به في حياته كالهبة، والوقف، والعتق، والمحاباة، والكتابة، وصدقات التطوع إن كان قد فعله في الصحة لم يعتبر من الثلث، وإن فعله في مرض مخوف كالبرسام، والرعاف الدائم والزحير المتواتر، وطلق الحامل، وما أشبه ذلك، واتصل بالموت اعتبر من الثلث، وإن فعله في حال التحام الحرب، أو تموّج البحر، أو التقديم للقتل ففيه قولان؛ أحدهما: يعتبر من الثلث، والثاني: لا يعتبر، وإن وصى بخدمة عبد اعتبرت قيمته من الثلث على المنصوص، وقيل: تعتبر المنفعة من الثلث.
وإذا عجز الثلث عن التبرعات المنجزة في حال المرض بُدىء بالأول فالأول، فإن وقعت دفعة واحدة، أو وصى وصايا متفرقة، أو دفعة واحدة، فإن لم يكن عتقاً ولا معها عتق قسم الثلث بين الجميع، وإن كان فيها عتق وغير عتق ففيه قولان؛ أحدهما: يقدم العتق، والثاني: يسوي بين الكل. وإن كان الجميع عتقًا ولم تجز الورثة جزئوا ثلاثة اجزاء، وأقرع بينهم فتكتب ثلاث رقاع في كل رقعة اسم، وتترك في ثلاث بنادق طين متساوية، وتوضع في حجر رجل لم يحضر ذلك، ويؤمر بإخراج واحد منها على الحرية فيعتق من خرج اسمه، ويرق الباقون.
---(1/141)
وإن كان له مال حاضر ومال غائب، أو عين، ودين، دفع إلى الموصى له ثلث الحاضر، وثلث العين، وإلى الورثة من ذلك ثلثاه، وكلما نضّ من الدين شيء، أو حضر من الغائب بشيء قسم بين الورثة وبين الموصى له، وإن وصى بثلث عبد، فاستحق ثلثاه فإن احتمل ثلث المال الباقي نفذت الوصية فيه، وإن لم يحتمل نفذت في القدر الذي يحتمل. وقيل: لا تصح الوصية إلا في ثلثه. وليس بشيء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 203
وتجوز الوصية بالمعدوم، كالوصية بما تحمله الشجرة، أو الجارية، وبالمجهول كالوصية بالأعيان الغائبة وبما لا يقدر على تسليمه كالطير الطائر والعبد الآبق. وبما لا يملكه كالوصية بألف درهم لا يملكه، وقيل: إن لم يملك شيئاً أصلاً لم تصح وليس بشيء. ويجوز تعليقها على شرط في الحياة وعلى شرط بعد الموت. ويجوز بالمنافع، والأعيان، وبما يجوز الإنتفاع به من النجاسات كالسماد، والسرجين، والكلب، والزيت النجس. ولا يجوز فيما لا يجوز الانتفاع به كالخمر، والخنزير.
وإن أوصى لأقارب فلان دفع إلى من يعرف بقرابته، ويسوي بين الأقرب والأبعد منهم.
وإن وصى لأقرب الناس إليه لم تدفع إلى الأبعد، مع وجود الأقرب، وإن اجتمع الابن والأب، قدم الابن في أحد القولين، وسوى بينهما في الآخر. وإن اجتمع الجد والأخ، قُدّم الأخ في أحد القولين، وسوى بينهما في الآخر، وإن وصى لجيرانه صرف إلى أربعين داراً من كل جانب.
وإن أوصى لفقراء بلد استحب أن يعمهم، وإن اقتصر على ثلاثة منهم جاز. وإن أوصى بالثلث لزيد وللفقراء فهو كأحدهم، وقيل: يدفع إليه نصف الثلث، وإن أوصى لحمل هذه المرأة دفع إلى من يعلم أنه كان موجوداً عند الوصية.
وإن وصى للرقاب صرف إلى المكاتبين، وإن أوصى لسبيل الله صرف إلى الغزاة مِن أهل الصدقات.
---(1/142)
وإن وصى لعبد فقيل تدفع إلى سيده. وإن وصى بعتق عبد أعتق عنه ما يقع عليه الاسم، وقيل: لا يجزىء إلا ما يجزىء في الكفارة. وإن قال: أعطوه رأساً من رقيقي ولا رقيق له عند الموت بطلت الوصية. وإن قال: أعطوه عبداً من مالي اشتريَ ودفع إليه. وإن قال: اعطوه رأساً من رقيقي فماتوا كلهم، أو قتلوا إلا واحداً تعينت فيه الوصية، فإن قتلوا كلهم دفعت إليه قيمة أحدهم.
وإن وصى له برقبة عبد دون منفعته اعطى الرقبة، فإن أراد عتقها جاز وإن أراد بيعها لم يجز، وقيل: يجوز مطلقاً، وقيل: إن أراد بيعها مِن مالك المنفعة جاز. وإن أراد بيعها مِن غيره لم يجز، وفي نفقته وجهان؛ أحدهما: على الموصى له بالرقبة، والثاني: أنها على مالك المنفعة، فإن قتل العبد اشترى بقيمته عبداً يقوم مقامه وقيل: قيمته للموصى له بالرقبة. وإن قال: اعطوه ثوراً لم يعط بقرة وإن قال: اعطوه جملاً لم يعط ناقة، على المنصوص، وقيل: يعطى. وإن قال: اعطوه دابة دفع إليه فرس، أو بغل، أو حمار على المنصوص. وقيل: إن قال: هذا في غير مصر، لم يدفع إليه إلا فرس. وإن قال: اعطوه كلباً من كلابي وله ثلاثة أكلب دفع إليه واحد، وإن كان له كلب دفع إليه ثلثه، وإن قال: اعطوه كلباً ولا كلب له بطلت الوصية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 203
وإن قال: اعطوه طبلاً، أو عوداً، أو مزماراً، فإن كان ما يصلح منه للهو، ويصلح لمنفعة مباحة دفع إليه. وإن قال: اعطوه قوساً دفع إليه قوس ندف، أو قوس رمي، إلا أن يقرن به ما يدل على أحدهما فيحمل عليه.
---(1/143)
وإن أوصى بأن يحج عنه، فإن كان ذلك من رأس المال حج عنه من الميقات، وإن كان من الثلث فقد قيل: يحج عنه من الميقات، وقيل: إن كان قد صرح بإنه من الثلث حج عنه من بلده وإن لم يصح حج من الميقات. وإن قال: اعطوه جزءا من مالي أو سهماً من مالي اعطي أقل جزء، وإن قال: اعطوه مثل نصيب أحد وارثي، أعطي مثل نصيب أقلهم، وإن قال: اعطوه مثل نصيب ابني ولا وارث له غيره كانت الوصية بالنصف. وإن قال: اعطوه ضعف نصيب ابني كانت الوصية بالثلثين وإن قال: ضعفي نصيب ابني كانت الوصية بثلاثة أرباعه. وإن قال: اعطوه نصيب ابني فالوصية باطلة، وقيل: هو كما لو قال: مثل نصيب ابني. وإن أوصى لرجل بالنصف وللآخر بالثلث واجاز الورثة أخذ كل واحد منهما وصيته، وإن لم يجيزوا كان للموصى له بالنصف ثلاثة أسهم من خمسة، وللآخر سهمان من الثلث.
وإن وصى بشيء، ثم رجع في وصيته صح الرجوع. وإن وصى لزيد بجميع ماله، أو ثلثه، أو بعبد، ثم وصّى بذلك لعمرو سوى بينهما. وإن قال: وصيت لعمرو بما وصيت به لزيد جعل ذلك رجوعاً عن وصية زيد، وإن وصى لزيد بشيء، ثم أزال الملك فيه ببيع، أو هبة، أو عرّضه لزوال الملك إن دبره، أو كاتبه، أو عرضه على البيع، أو وصى ببيعه كان ذلك رجوعاً. وإن وصى به، ثم رهنه، فقد قيل: هو رجوع وقيل: ليس برجوع، وإن آجره أو كاتب جارية فزوجها لم يكن رجوعاً. وإن وصى بشيء، ثم أزال اسمه بأن كان قمحاً فطحنه، أو دقيقاً فعجنه، أو عجيناً فخبزه، كان ذلك رجوعاً. وإن كان غزلاً فنسجه، أو نقرة فضربها دراهم، أو ساجا فجعله باباً فقد قيل: هو رجوع، وقيل: ليس برجوع، وإن وصى بدار فانهدمت وبقيت عرصتها فقد قيل: تبطل الوصية، وقيل: لا تبطل، فإن كان طعاماً بعينه فخلطه بغيره (بحيث لا يمكن تمييزه) كان رجوعاً. وإن كان قفيزاً من صبرة فخلطه بأجود منه كان رجوعاً، وإن خلطه بمثله، أو بما هو دونه، لم يكن رجوعاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 203
---
باب العتق(1/144)
العتق: قربة مندوب إليه، ولا يصح إلا من مطلق التصرف في ماله، فلا يصح من صبي، ومجنون، ويصح بالصريح، والكناية، وصريحه: العتق والحرية. والكناية؛ قوله: لا ملك لي عليك، ولا سلطان لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وأنت لله، وأنت طالق، وأنت حرام، وحبلك على غاربك، وما أشبه ذلك.
وفي قوله: فككت رقبتك، وجهان؛ أحدهما: أنه صريح. والثاني: أنه كناية. ويقع العتق بالصريح من غير نية، ولا يقع بالكناية إلا بالنية.
ويجوز أن يعلق العتق على الأخطار والصفات كمجيء الأمطار وهبوب الرياح، وغير ذلك مِن الصفات. وإذا علق العتق على صفة لم يملك الرجوع فيها بالقول، ويملك التصرف فيه بالبيع وغيره، فإن باعه ثم اشتراه لم تعد الصفة.
وإن علق العتق على صفة مطلقة فمات السيد بطلت الصفة، وإن علق على صفة بما بعد الموت فمات السيد لم تبطل الصفة. وأن أتت الجارية التي علق عتقها على صفة بولد، تبعها الولد في أحد القولين، ولا يتبعها في الآخر. وهو الأصح.
ويجوز العتق في العبد، وفي بعضه، فإن اعتق بعض عبده عتق جميعه. وإن أعتق شركاً له في عبد، فإن كان معسراً عتق نصيبه، ورق الباقي، وإن كان موسراً قوّم عليه نصيب شريكه يوم العتق.
ومتى يعتق حصة الشريك؟ فيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: يعتق في الحال فإن اختلفا في القيمة فالقول قول المعتق، والثاني: يعتق بدفع القيمة فإن اختلفا في القيمة فالقول قول الشريك. والثالث: أنه موقوف، فإن دفع القيمة حكمنا بأنه عتق في الحال، وإن لم يدفع حكمنا بأنه لم يعتق، وإن المعتق كان موسراً ببعض القيمة عتق منه بقدره، وإن قال لغيره: اعتق عبدك عني فأعتقه دخل في ملك السائل وعتق عليه.
وإن اعتق أحد عبديه أو احدى أمتيه، عين العتق فيمن شاء (منهما). فإن مات قبل أن يعين قام وارثه مقامه، وقيل: لا يقوم، وليس بشيء.
---(1/145)
فإن وطىء احدى الأمتين كان ذلك تعييناً للعتق في الأخرى. وقيل: لا يكون تعييناً. وإن اعتق أحدهما بعينه ثم أشكل عليه ترك حتى يتذكر، فإن مات قام الوارث مقامه. فإن قال الوارث: لا أعرف، اقرع بينهما في أحد القولين، فمن خرجت عليه القرعة عتق. ووقف الأمر في القول الآخر.
ومن ملك أحد الوالدين وان علوا، أو المولودين وإن سفلوا عتق عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 208
ومن ملك بعضه، فإن كان برضاه وهو موسر قوم عليه الباقي وعتق عليه وإن كان بغير رضاه لم يقوم عليه.
ومن وجد من يعتق عليه مملوكاً (وهو موسر) استحب أن يتملكه ليعتق عليه، وإن وصى لمولى عليه بمن يعتق عليه، فإن كان معسراً لزم الناظر في أمره، أن يقبله، وإن كان موسراً فإن كان ممن لا تلزمه نفقته وجب قبوله، وإن كان ممن يلزمه نفقته لم يجز قبوله، وإن وصى له ببعضه وهو معسر لزمه قبوله. فإن كان موسراً أو هو ممن تلزمه نفقته لم يجز القبول، وإن (كان ممن) لم تلزمه نفقته ففيه قولان؛ أحدهما: لا يجوز القبول، والثاني: يلزمه ولكن لا يقوم عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 208
باب التدبير
التدبير: قربة، يعتبر من الثلث، ويصح من كل من يجوز تصرفه (في المال). وفي الصبي المميز والمبذر قولان؛ أحدهما: يصح تدبيره، والثاني: لا يصح. والتدبير مثل أن يقول: أنت حر بعد موتي، أو إن مت مِن مرضي هذا أو في هذا البلد فأنت حر، فإن قال: دبرتك، أو أنت مدبر ففيه قولان.
ويجوز أن يعلق التدبير على صفة، بأن يقول: إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي.
ويجوز في بعض العبد، فإن دبر البعض لم يسر إلى الباقي، وإن دبر شركاً له في عبد لم يقوم عليه على ظاهر المذهب. وقيل: يقوم عليه، وإن كان عبد بين اثنين فدبراه ثم أعتق أحدهما نصيبه، لم يقوم عليه نصيب شريكه في أصح القولين ويقوم في الآخر.
---(1/146)
ويجوز الرجوع في التدبير بالتصرف بالبيع وغيره. وهل يجوز بالقول؟ فيه قولان: أصحهما أنه لا يجوز. فإن وهبه ولم يقبضه بطل التدبير، وقيل: لا يبطل. وإن دبر جارية، ثم أحبلها بطل التدبير.
وإن كاتب عبداً ثم أدبره صح التدبير، فإن أدى المال عتق وبطل التدبير. وإن لم يؤده حتى مات السيد عتق وبطلت الكتابة، وإن لم يحتمل الثلث جميعه عتق (من) الثلث، وبقي ما زاد على الكتابة. وإن دبر عبداً ثم كاتبه بطل التدبير في أحد القولين، ولم يبطل في الآخر، ويكون مدبراً مكاتباً.
وإن أتت المدبرة بولد من نكاح أو زنا لم يتبعها في أصح القولين، ويتبعها في الآخر.
وإن دبر الكافر عبده الكافر فأسلم العبد، فإن رجع في التدبير بيع عليه وإن لم يرجع لم يقر في يده، فإن خارجه جاز وإن لم يخارجه سلم إلى عدل وينفق عليه إلى أن يرجع عن التدبير فيباع، أو يموت فيعتق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 210
باب الكتابة
الكتابة: قربة تعتبر في الصحة من رأس المال، ومن الثلث في المرض.
ولا تجوز إلا من جائز التصرف في ماله. ولا يجوز أن يكاتب إلا عبداً بالغاً عاقلاً. ولا يستحب إلا لمن عرف كسبه وأمانته. ولا يجوز إلا على عوض في الذمة، معلوم الصفة، ولا يجوز على أقل من نجمين، يعلم ما يؤدي في كل نجم، فإن كاتبه على عمل ومال، قدم العمل على المال، وجعل المال في نجم بعده، وإن كاتبه على عملين، ولم يذكر مالاً لم يجز. ولا يصح حتى يقول: كاتبتك على كذا، فإذا أديت فأنت حر، ولا تصح إلا بالقبول. ولا يجوز عقدها على صفة مستقبلة، ولا على شرط خيار. ولا يجوز على بعض عبد إلا أن يكون باقيه حراً.
وإن كان عبد بين اثنين، فكاتبه أحدهما في نصيبه بغير إذن شريكه لم يجز، وإن كان بإذنه ففيه قولان، وإن كاتباه لم يجز إلا على مال بينهما على قدر الملكين وعلى نجوم واحدة.
---(1/147)
وللمكاتب أن يفسخ العقد متى شاء، وليس للسيد أن يفسخ، إلا أن يعجز المكاتب عن الأداء، وإن مات العبد انفسخت الكتابة، وان مات السيد لم تنفسخ، وعلى السيد أن يحط عن المكاتب بعض ما عليه، فإن لم يفعل حتى قبض المال رد عليه بعضه، ولا يعتق المكاتب، ولا شيء منه ما بقي عليه درهم، فإن كان عبد بين اثنين فكاتباه وابرأه أحدهما عن حقه، أو مات فأبرأه أحد الوارثين عن حقه عتق نصيبه، وقوم عليه نصيب شريكه في أحد القولين ولا يقوم في الآخر.
ويملك المكاتب بالعقد منافعه وأكسابه، وله أن يبيع ويشتري ويستأجر، ويكري، وهو مع السيد كالأجنبي مع الأجنبي في البيع، والشراء، والأخذ بالشفعة، وبذل المنافع. وله أن يسافر في أحد القولين دون الآخر، ولا يتزوج إلا بإذن المولى، ولا يحابي، ولا يهب، ولا يعتق، ولا يكاتب، ولا يضارب، ولا يرهن، ولا يكفر بالطعام والكسوة، ولا ينفق على أقاربه غير ولده من أمته ولا يشتري من يعتق عليه، وإن أذن له سيده في شيء من ذلك ففيه قولان؛ أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز.
وإن أوصى له بمن يعتق عليه وله كسب يفي بنفقته جاز أن يقبل، ويقف عتقه على عتقه، وان أحبل جاريته فالولد مملوك يعتق بعتقه، وفي الجارية قولان؛ أحدهما: أنها تصير أم ولد له، والثاني: لا تصير، وإن أتت المكاتبة بولد من نكاح أو زنا ففيه قولان؛ أحدهما: أنه مملوك للولي يتصرف فيه، والثاني: أنه موقوف على عتق الأم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 211
---(1/148)
ولا يجوز للمولى بيع المكاتب، في أصح القولين، ولا بيع ما في ذمته في أصح القولين، ويجوز أن يوصي بما في ذمته، فإن عجز عن أداء المال إلى الموصى له كان للورثة فسخ الكتابة. وإن كاتب أَمة لا يملك تزويجها إلا بإذنها ولا يجوز له وطؤها، فإن وطئها لزمه المهر، وإن أحبلها صارت أم ولد، فإن أدّت المال عتقت وصحبها كسبها، وإن مات السيد قبل أن تؤدي عتقت بالإستيلاد، وعاد الكسب إلى السيد، وإن حبس المكاتب مدة لزمه أجرة المثل في أحد القولين، وتخليته مثل تلك المدة في القول الآخر، وإن جنى عليه لزمه أرش الجناية. وإن جنى المكاتب عليه جناية خطأ فدى نفسه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية في أحد القولين، وبأرش الجناية بالغاً ما بلغ في القول الآخر. وإن لم يفدِ نفسه كان للمولى أن يعجزه. وإن جنى المكاتب على أجنبي فدى نفسه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية، فإن لم يفد نفسه بيع في الجناية. وانفسخت الكتابة وإن كاتبه على عوض محرم أو شرط فاسد فسدت الكتابة، وبقيت الصفة وللسيد فسخها، فإن دفع المال قبل الفسخ إلى الوكيل، أو (إلى) الوارث لم يعتق. وإن دفعه إلى المالك عتق. ورجع إلى المولى عليه بالقيمة، ورجع هو على المولى بما دفع، فإن كانا مِن جنس واحد سقط أحدهما بالآخر في أحد الأقوال، ولا يسقط في الثاني، ولا يسقط في الثالث إلا برضى أحدهما، ولا يسقط في الرابع إلا برضاهما، وإن وصى بالمكاتب وهو لا يعلم بفساد الكتابة ففيه قولان؛ أحدهما: يصح، والثاني: لا يصح.
وإن اسلم عبد لكافر أمر بإزالة الملك عنه، فإن كاتبه ففيه قولان؛ أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 211
باب عتق أم الولد
---(1/149)
إذا وطىء جاريته، أو جاريه يملك بعضها، فأولدها فالولد حر، والجارية، أم ولد له؛ وإن أولد جارية ابنه فالولد حر، وفي الجارية قولان: اصحهما أنها أم ولد له. وإن أولد جارية أجنبي بنكاح، أو زنا، فالولد مملوك لصاحب الجارية، ولا تصير الجارية أم ولد له، وإن أولد جارية اجنبي بشبهة فالولد حر، والجارية ليست بأم ولد له في الحال، فإن ملكها ففيه قولان؛ أحدهما: أنها تصير أم ولد له، والثاني: لا تصير، وإن وطىء جاريته فوضعت ما لم يتصور فيه خلق آدمي فشهد أربع من القوابل أنه لو ترك لكان أدمياً، ففيه قولان؛ أحدهما: أنها تصير أم ولد، والثاني أنها لا تصير.
ولا يجوز بيع أم الولد، ولا هبتها، ولا الوصية بها، ويجوز استخدامها واجارتها، ويجوز وطئها، وفي تزويجها ثلاثة أقوال، أصحها: أنه يجوز له، والثاني: لا يجوز، والثالث: يجوز له برضاها.
وتعتق أم الولد بموت السيد من رأس المال، فإن جنت أم ولد، فداها المولى بأقل الأمرين من قيمتها أو أرش الجناية. فإن فداها بقيمتها ثم جنت جناية أخرى ففيه قولان؛ أحدهما: يفديها في الثانية أيضاً بأقل الأمرين، والثاني: أنه يشارك المجني عليه ثانياً المجني عليه أولاً فيما أخذ، ويشتركان فيه على قدر الجنايتين.
وإن اسلمت أم ولد نصراني، حيل بينه وبينها، وإنفق عليها، إلى أن يموت فتعتق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 212
باب الولاء
ومن عتق عليه مملوك بملك، أو بإعتاقه، أو بإعتاق غيره عنه بإذنه، أو بتدبيره، أو بكتابته، أو بإستيلاده فولاؤه له، وإن أعتق على المكاتب عبد، ففي ولائه قولان؛ أحدهما: أنه لمولاه، والثاني: أنه موقوف على عتقه، فإن عتق فهو له، وإن عجز نفسه فالولاء لمولاه.
وإن تزوج عبد لرجل بمعتقة لرجل (آخر) فأتت منه بولد، كان ولاء الولد لمعتق الأمة، فإن أعتق (الأب بعد ذلك) أب الولد مولى انجر الولاء مِن مولى الأم إلى مولى الأب.
---(1/150)
وإن اعتِق جَدُه، والأب مملوك فقد قيل: لا ينجر من مولى الأم إلى مولى الجد، وقيل: ينجر. فإن اعتق الأب بعد ذلك انجر من مولى الجد إلى مولى الأب.
ومن ثبت له الولاء فمات انتقل ذلك إلى عصابته دون سائر الورثة. يقدم الأقرب فالأقرب، فإن كان له ابن وأب فالولاء للابن، وإن كان له أب وأخ فالولاء للأب، وإن كان له أخ من أب وأم وأخ من أب، فالولاء للأخ من الأب والأم، وإن كان له أخ وجد فيه قولان؛ أحدهما: الولاء للأخ، والثاني: بينهما، وإن كان ابن أخ وعم فالولاء لابن الأخ، وإن كان له عم، وابن عم فالولاء للعم، وإن لم يكن له عصبة انتقل إلى مواليه، ثم إلى عصباتهم على ما ذكرت.
وإن أعتق عبداً، ثم مات وترك ابنين، ثم مات أحدهما وترك ابناً، ثم مات العبد المعتق فماله للكُبر من العصبة، وهو ابن المولى دون ابن ابن المولى.
وإن مات إبناه بعده، وخلف أحدهما إبناً واحداً، والآخر تسعة من البنين، ثم مات العبد المعتق كان ماله بينهم على عددهم لكل ابن عشر، ولا ترث النساء بالولاء إلا من أعتقن، أو اعتق من اعتقن، أو جر الولاء إليهن من أعتقن، وإن ماتت المرأة المعتِقة انتقل حقها مِن الولاء إلى أقرب الناس إليها من عصاباتها على ما ذكرت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 213
كتاب الفرائض
من مات وله مال ورث، إلا المرتد فإنه لا يورث، ومن بعضه حر وبعضه عبد ففيه قولان؛ أحدهما: يورث عنه ما جمعه بحريته، والثاني: لا يورث.
وإذا مات من يورث عنه بدىء من ماله بمؤنة تجهيزه، ودفنه، ثم تقضى ديونه، ثم تنفذ وصاياه، ثم تقسم تركته بين ورثته.
والوارثون من الرجال، خمسة عشر: الإبن، وابن الإبن، وإن سفل، والأب، والجد وإن علا، والأخ للأب والأم، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ للأب والأم، وابن الأخ للأب، والعم للأب والأم، والعم للأب، وابن العم للأب والأم، وابن العم للأب، والزوج، والمولى المعتق.
---(1/151)
والوارثات من النساء إحدى عشرة: البنت، وبنت الابن وإن سفلت، والأم، والجدة من قبل الأم، والجدة من قبل الأب، والأخت للأب والأم، والأخت للأب، والأخت للأم، والزوجة، والمولاة المعتقة، ومولاة المولى.
ومن قتل مورثه لم يرثه. وقيل: إن كان متهماً في القتل لم يرث. وإن لم يكن متهماً ورث. وقيل: إن كان القتل يوجب ضماناً لم يرث، وإن لم يوجب ضماناً ورث.
ولا يرث أهل ملة من غير أهل ملتهم إلا الكفار، فإنه يرث بعضهم من بعض مع اختلاف الملل.
ولا يرث حربي من ذمي، ولا ذمي من حربي، ولا يرث العبد والمرتد من أحد. وإذا مات متوارثان بالغرق، أو الهدم، ولم يعرف السابق منهما، لم يورث أحدهما من الآخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 215
باب ميراث أهل الفرض
وأهل الفرض هم الذين يرثون الفروض المذكورة في كتاب الله عز وجل وهي: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس، وهم عشرة: الزوج، والزوجة، والأم، والجدة، والبنت، وبنت الإبن، والأخت، وولد الأم، والأب مع الابن، أو ابن الإبن، والجد مع الابن أو ابن الإبن، فأما الزوج فله النصف مع عدم الولد، أو ولد الابن، وله الربع مع الولد، أو ولد الإبن.
وأما الزوجة فلها الربع مع عدم الولد، وولد الابن، ولها الثمن مع الولد وولد الابن، وللزوجتين والثلاث والاربع ما للواحدة من الربع أو الثمن بالاجماع، وأما الأم فلها الثلث مع عدم الولد وولد الابن، أو اثنين من الإخوة والأخوات، ولها السدس مع الولد وولد الإبن، أو اثنين من الإخوة والأخوات. ولها ثلث ما يبقى بعد فرض الزوج، أو الزوجة في فريضتين وهي زوج وأبوان، أو زوجة وأبوان.
وأما الجدة فإن كانت أم الأم أو أم الأب فلها السدس، وإن كانت أم أب الأب ففيها قولان: أصحهما أن لها السدس.
---(1/152)
وإن اجتمع جدتان متحاذيتان فالسدس بينهما، وإن كانت إحداهما أقرب من الأخرى فإن كانت القربى من جهة الأم اسقطت البعدى، وإن كانت من الأب، ففيه قولان؛ أصحهما: أنها تسقط البعدى.
وأما البنت فلها النصف إذا انفردت، وللبنتين فصاعداً الثلثان. وأما بنت الابن، فلها النصف إذا انفردت وللإثنتين فصاعداً الثلثان، ولها مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين.
وأما الأخت فإن كانت من الأب والأم فلها النصف وللاثنتين فصاعداً الثلثان، وان كانت من الأب فلها النصف وللاثنتين فصاعداً الثلثان، ولها مع الأخت مِن الاب والأم السدس تكملة الثلثين، والأخوات مِن الأب والأم مع البنات عصبة فإن لم تكن فالأخوات من الأب.
وأما ولد الأم فللواحد السدس وللاثنين فصاعداً الثلث ذكورهم وإناثهم فيه سواء.
وأما الأب فله السدس مع الابن وابن الإبن.
وأما الجد فله السدس مع الابن وابن الابن، ولا ترث بنت الابن مع الابن، ولا ابن الابن مع الابن، ولا الجدات مع الأم، ولا الجدة أم الأب مع الأب، ولا الجد مع الأب ولا يرث ولد الأم مع أربعة: الولد، وولد الابن، والأب، والجد، ولا يرث، الاخوة من الأب والأم مع ثلاثة: الابن، وابن الإبن، والأب، ولا يرث الإخوة من الأب مع أربعة: الابن، وابن الابن، والأب، والأخ مِن الأب، والأم. وإن استكمل البنات الثلثين لم يرث بنات الابن إلا أن يكون في درجتهن أو اسفل منهن ذكر فيعصبهن الذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا استكمل الأخوات للأب والأم الثلثين لم يرث الأخوات مِن الأب، إلا أن يكون معهن أخ لهن فيعصبهن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 216
---(1/153)
ومن لا يرث، لا يحجب أحداً عن فرضه، وإذا اجتمع اصحاب فروض ولم يحجب بعضهم بعضاً فرض لكل واحد منهم فرضه، وإن زادت الفروض على السهام أعيلت بالجزء الزائد مثل مسألة المباهلة وهي زوج وأم وأخت من أب وأم، فيجعل للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث فتعال الفريضة بفرض الأم وهو سهمان، فتصير من ثمانية للزوج نصف عائل، وللأخت نصف عائل، وللأم ثلث عائل.
وإن اجتمع في شخص جهتا فرض كأم إذا كانت أختاً ورثت بالقرابة التي لا تسقط، وهي الأمومة ولا ترث بالأخرى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 216
باب ميراث العصبة
والعصبة: كل ذكر ليس بينه وبين الميت أنثى، وأقرب العصبات الابن، ثم ابن الإبن، وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد ما لم يكن إخوة، ثم ابن الأب وهو الأخ، ثم ابنه وإن سفل، ثم ابن الجد وهو العم، ثم ابنه وإن سفل، ثم ابن جد الاب وهو عم الأب، ثم ابنه وان سفل، ثم ابن جد الجد، ثم ابنه وإن سفل، وعلى هذا فإذا انفرد واحد منهم أخذ جميع المال.
وإن اجتمع مع ذي فرض أخذ ما بقي بعد الفرض. ولا يرث أحد منهم بالتعصيب وهناك من هو أقرب منه، فإن استوى اثنان منهم في درجة فأولاهما من انتسب إلى الميت بأب وأم ولا يعصب أحد منهم أمته إلا الابن، وابن الابن، والأخ فانهم يعصبون اخواتهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
ويعصب ابن الابن من يحاذيه من بنات عمه، ويعصب ابن ابن الابن من (فوقه) من بنات عمه، ويعصب ابن الابن من فوقه من عماته، وبنات عم أبيه إذا لم يكن لهن فرض، ولا يشارك أحد منهم أهل الفرض في فرضه إلا ولد الأب والأم فإنهم يشاركون ولد الأم في فرضهم في المشركة وهي: زوج وأم أو جدة، واثنان من ولد الأم، وواحد من ولد الأب والأم، فيجعل للزوج النصف، وللأم، أو الجدة السدس، ولولد الأم الثلث يشاركهم فيه ولد الأب والأم.
وإن وُجد في شخص جهة فرض وتعصيب كابن عم هو زوج، أو ابن عم هو أخ من أم، ورث بالفرض والتعصيب.
---(1/154)
وإن كان في الورثة خنثى مشكل دفع إليه ما يتيقن أنه حقه، ووقف ما يشك فيه، فإن لم يكن أحد من العصبات ورث المولى المعتق رجلاً كان أو امرأة، فإن لم يكن فعصبته على ما ذكرته في باب الولاء، فإن لم يكن وارث انتقل ميراثه إلى بيت المال ميراثاً للمسلمين، فإن لم يكن سلطان عادل، كان لمن في يده المال أن يصرفه في المصالح، أو يحفظه إلى أن يلي سلطان عادل. وقيل: يرد إلى أهل الفرض غير الزوجين على قدر فروضهم إن كان هناك أهل فرض.
وإن لم يكن صرف إلى ذوي الأرحام وهم: ولد البنات وولد الأخوات، وبنات الإخوة، وبنات الأعمام، وولد الأخ من الأم، والعم للأم، والعمة، وأبو الأم، والخال، والخالة، ومن أدلى بهم يورثون على مذهب أهل التنزيل، فيقام كل واحد منهم مقام من يدلي به، فيجعل ولد البنات والأخوات بمنزلة امهاتهمن، وبنات الإخوة، والأعمام بمنزلة آبائهم، وأبو الأم، والخال، والخالة بمنزلة الأم، والعم للأم، والعمة بمنزلة الأب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 218
باب الجد والإخوة
---(1/155)
إذا اجتمع الجد، مع الإخوة من الأب والأم، أو الإخوة للأب جعل كواحد منهم يقاسمهم، ويعصب اناثهم ما لم ينقص حقه بالمقاسمة مِن الثلث، وإن نقص حقه بالمقاسمة من الثلث فرض له الثلث، وجعل الباقي للأخوة والأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن اجتمع مع الأخ من الأب والأم، والأخ من الأب قاسمهما المال أثلاثاً، ثم ما حصل للأخ من الأب يرده على الأخ من الأب والأم، فإن كان ولد الأب والأم أختاً واحدة رد عليها الأخ من الأب تمام النصف. وإن اجتمع معه من له فرض جعل للجد الأوفر مِن المقاسمة أو ثلث ما يبقى بعد الفرض، أو سدس جميع المال، فإن بقي شيء أخذه الإخوة. وإن لم يبقَ شيء سقطوا مثل أن يكون زوج وأم، وجد، وأخ، فيجعل للزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، ويسقط الأخ، ولا يفرض للأخت مع الجد، إلا في الأكدرية، وهي زوج، وأم، وجد، وأخت، فيجعل للزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس وللأخت النصف فتعول الفريضة إلى تسعة، ثم يجمع نصف الأخت، وسدس الجد فيجعل بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، وتصح من سبعة وعشرين للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 219
كتاب النكاح
من جاز له النكاح من الرجال وهو جائز التصرف، فان كان غير محتاج إليه، كره أن يتزوج، وإن كان محتاجاً إليه استحب له أن يتزوج.
والأولى أن لا يزيد على امرأة واحدة، وهو مخير بين أن يعقد بنفسه وبين أن يوكل من يعقد له.
ولا يجوز أن يوكل إلا من يجوز أن يقبل العقد بنفسه، فإن وكل عبداً فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز. والمستحب أن لا يتزوج إلا من يجمع الدين والعقل.
---(1/156)
فإن لم يكن جائز التصرف، فإن كان صغيراً ورأى الأب أو الجد تزويجه زوجه. وإن كان كبيراً مجنوناً، فإن كان يفيق في وقت، لم يزوج إلا بإذنه، وإن كان لا يفيق وهو محتاج إلى النكاح زوجه الأب، أو الجد، أو الحاكم. وإن كان سفيهاً وهو محتاج إلى النكاح زوجه الأب، أو الجد، أو الحاكم، فإن أذنوا له فعقد بنفسه جاز، وإن كان يكثر الطلاق سري بجارية، وإن كان عبداً صغيراً زوجه المولى، وإن كان كبيراً تزوج بإذن المولى.
وهل للمولى أن يجبره على النكاح؟ فيه قولان؛ أصحهما: أنه ليس له إجباره. وإن طلب العبد النكاح فهل يجبر السيد عليه؟ فيه قولان؛ أصحهما: أنه لا يجبر.
ومن جاز لها النكاح من النساء، فإن كانت لا تحتاج إلى النكاح كره لها أن تتزوج. وإن كانت محتاجة إليه استحب لها أن تتزوج. وإن كانت حرة ودعت إلى كفؤ، وجب على الولي تزويجها.
وإن كانت بكراً جاز للأب والجد تزويجها بغير إذنها. والمستحب أن يستأذنها إن كانت بالغة وإذنها السكوت.
وإن كانت ثيباً فإن كانت عاقلة لم يجز لأحد تزويجها إلا بإذنها. بعد البلوغ، وإذنها بالنطق.
فإن كانت مجنونة، فإن كانت صغيرة جاز للأب والجد تزويجها. وإن كانت كبيرة جاز للأب والجد والحاكم أيضاً تزويجها.
وإن كانت أمة، وأراد الولي تزويجها بغير إذنها جاز. وإن دعت المولى إلى تزويجها لم يلزم المولى تزويجها. وقيل: إن كانت محرمة عليه لزمه تزويجها.وإن كانت مكاتبة لم يجز للمولى تزويجها بغير إذنها، وإن دعت هي إلى تزويجها فقد قيل: يجب، وقيل: لا يجب.
ولا يصح نكاح المرأة إلا بولي ذكر.
---(1/157)
فإن كانت أمة زوجها السيد، وإن كانت لامرأة زوّجها من يزوج المرأة بإذنها، وإن كانت المرأة غير رشيدة، فقد قيل: لا تزوج، وقيل: يزوجها أبو المرأة، وجدها، وإن كانت حرة زوجها عصباتها، وأولاهم الأب ثم الجد، ثم الأخ، ثم ابن الأخ، ثم العم، ثم ابن العم، ثم المولى، ثم عصبه المولى، ثم مولى المولى، ثم عصبته، ثم الحاكم. ولا يزوج أحد منهم، وهناك من هو أقرب منه، فإن استوى اثنان في الدرجة وأحدهما يدلي بالأبوين والآخر يدلي بالأب، فالولي هو الذي يدلي بالأبوين في أصح القولين، وفيه قول آخر: أنهما سواء. وإن استوى اثنان في الدرجة والإدلاء فالاولى أن يقدم أسنّهما وأعلمهما، وأفضلهما، فإن سبق الآخر فزوّج صح. وإن تشاحا، أقرع بينهما فإن خرجت القرعة لأحدهما فزوج الآخر فقد قيل: يصح، وهو الأصح، وقيل: لا يصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
ولا يجوز أن يكون الولي عبداً، ولا صغيراً، ولا سفيهاً، ولا ضعيفاً.
ولا يجوز أن يكون الولي فاسقاً إلا السيد في تزويج أمته. وقيل: إن كان غير الأب والجد جاز أن يكون فاسقاً؛ وهو خلاف النص.
وهل يجوز أن يكون الولي اعمى؟ فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز.
ولا يجوز أن يكون ولي المسلمة كافراً، ولا ولي الكافرة مسلماً، إلا السيد في تزويج الأمة. والسلطان في نساء أهل الذمة. وإن خرج الولي عن أن يكون ولياً انتقلت الولاية الى من بعده من الأولياء وإن عضلها وقد دعت إلى كفؤ أو غاب زوّجها الحاكم. ولم تنتقل الولاية إلى من بعده. وقيل: إن كانت الغيبة إلى مسافة لا تقصر فيها الصلاة لم تزوج حتى يستأذن.
ويجوز للولي أن يوكل من يزوج. وقيل: لا يجوز لغير الأب والجد إلا بإذنها. ويجب أن يعين الزوج في التوكيل، في أحد القولين، ولا يجب في الآخر.
---
ولا يجوز أن يوكل إلا من يجوز أن يكون ولياً، وقيل: يجوز أن يوكل الفاسق، وليس للولي ولا للوكيل أن يوجب النكاح لنفسه، وقيل: يجوز للسلطان فيمن هو في ولايته.(1/158)
ولا يجوز أن يتولى الإيجاب والقبول في نكاح واحد، وقيل: يجوز للجد أن يوجب ويقبل في تزويج بنت ابنه بابن ابنه الآخر.
ولا يزوج أحد مِن الأولياء المرأة من غير كفؤ إلا برضاها ورضا سائر الأولياء. فإن دعت إلى غير كفؤ لم يلزم الولي تزويجها، والكفاءة في النسب، والدين، والصنعة، والحرية، فلا تزوج عربية بأعجمي، ولا قرشية بغير قرشي، ولا هاشمية بغير هاشمي، ولا عفيفة بفاجر، ولا حرة أصيلة بعبد، ولا بنت تاجر أو تانىء، بحائك، أو حجام. فإن زوجها من غير كفؤ بغير رضاها، وبغير رضا بقية الأولياء فالنكاح باطل، وقيل: فيه قولان؛ أحدهما: أن النكاح باطل، والثاني: أنه صحيح ولها الخيار.
ولا يصح النكاح إلا بحضرة شاهدين، ذكرين، مسلمين، حرين. عدلين، فإن عقد بشهادة مجهولين جاز على المنصوص. ولا يصح إلا على زوجين معينين. ويستحب أن يخطب الولي قبل العقد. وأن يقول قبل العقد أزوجك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
ولا يصح العقد إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح، فإن قال: زوجتك أو أنكحتك فقال: قبلت، ولم يقل: نكاحها أو تزويجها، فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح، وقيل: على قولين.
وإن عقد بالعجمية وهو يحسن العربية لم يصح، وإن لم يحسن على ظاهر المذهب، وقيل: لا يصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
ويجب تسليم المرأة في منزل الزوج إن كانت ممن يمكن الاستمتاع بها، فإن سألت الإنظار ثلاثة أيام أُنظرت.
وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل.
والمستحب إذا سلمت إلى الزوج أن يأخذ بناصيتها أول ما يلقاها ويقول: بارك الله لكل واحد منا في صاحبه.
---(1/159)
ويملك الاستمتاع بها مِن غير اضرار. وله أن يسافر بها إن شاء وله أن ينظر إلى جميع بدنها وقيل: لا ينظر الى الفرج. ولا يجوز وطئها في حال الحيض، ولا في الدبر، وإن كانت أمة فله أن يعزل عنها، والأولى أن لا يعزل. وإن كانت حرة لم يجز إلا بإذنها، وقيل: يجوز من غير إذنها. وله أن يجبرها على ما يقف الاستمتاع عليه كالغسل من الحيض، وترك السكر، وأما ما يكمل به الاستمتاع كالغسل من الجنابة، واجتناب النجاسات، وإزالة الوسخ والاستحداد، ففيه قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
باب ما يحرم من النكاح
ولا يصح نكاح المحرم، والمرتد، والخنثى المشكل، وهو الذي له فرج الرجل وفرج المرأة ويبول منهما دفعة واحدة ويميل إلى الرجال والنساء ميلاً واحداً.
ويحرم على الرجل نكاح الأم، والجدات وإن علون، والبنات، وبنات الأولاد وإن سفلوا، والأخوات، وبنات الاخوات، وبنات أولاد الأخوات وإن سفلوا، وبنات الإخوة، وبنات أولاد الإخوة وإن سفلوا، والعمات، والخالات وإن علون.
ويحرم عليه أم المرأة وجداتها وبنت المرأة وبنات أولادها، فإن بانت الأم منه قبل الدخول بها حللن له، وإن دخل بها حرمن على التأبيد.
ويحرم عليه أم من وطئها بملك، أو بشبهه وامهاتها وبنت من وطئها بملك أو بشبهه وبنات أولادها، فإن لمسها بشهوة فيما دون الفرج ففيه قولان؛ أحدهما: يحرم، والثاني: لا يحرم.
ويحرم عليه زوجة أبيه، وازواج آبائه، وزوجة ابنه، وأزواج أولاده. ومن دخل بها الأب بملك أو بشبهه أو دخل بها آباؤه ومن دخل بها الابن بملك اليمين أو بشبهة، أو دخل بها أولاده، وإن تزوج امرأة ثم وطئها أبوه أو ابنه بشبهة، أو وطىء هو أمها أو بنتها بشبهة، انفسخ نكاحها.
ويحرم عليه أن يجمع بين المرأة وأختها، وبين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وما حرم من ذلك بالنسب حرم بالرضاع.
---(1/160)
ومن حرم نكاحها ممن ذكرناه حرم بالرضاع ومن حرم نكاحها ممن ذكرناه حرم وطئها بملك اليمين، وإن وطىء أمة بملك اليمين ثم تزوج أختها أو عمتها أو خالتها حلت المنكوحة، وحرمت المملوكة.
ويحرم على المسلم نكاح المجوسية، والوثنية، والمرتدة، والمولودة بين المجوسي والكتابية.
وهل تحرم المتولدة بين الكتابي والمجوسية؟ فيه قولان، ويحرم على المسلم نكاح الأمة الكتابية، ولا يحرم عليه وطئها بملك اليمين.
ويحرم على الحر نكاح الأمة المسلمة، إلا أن يخاف العنت، ولا يجد صداق حرة. وإن جمع بين حرة وأمة، ففيه قولان؛ أحدهما: يبطل النكاح فيهما، والثاني: أنه يصح في الحرة ويبطل في الأمة. ويحرم على الرجل نكاح جارية ابنه، ونكاح جاريته.
ويحرم على العبد نكاح مولاته، فإن تزوج جارية أجنبي ثم اشتراها انفسخ النكاح، وإن اشتراها ابنه فقد قيل: يفسخ، وقيل: لا ينفسخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 225
وإن تزوجت الحرة بعبد ثم اشترته انفسخ النكاح. وتحرم الملاعنة على من لاعنها المطلق ثلاثاً على من طلقها.
ويحرم على الرجل الحر نكاح المحرمة، والمعتدة من غيره، ويكره له نكاح المرتابة بالحمل، فإن نكحها فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح.
ويحرم على الحر أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة، وله أن يطأ بملك اليمين ما شاء. ويحرم على العبد أن يجمع بين أكثر من امرأتين.
---(1/161)
ولا يصح نكاح الشِغار، وهو أن يزوج الرجل وليته من رجل على أن يزوجه ذلك وليته، ويكون بضع كل واحدة منهما صداقاً للأخرى. ولا يصح نكاح العبد على أن تكون رقبته صداقاً للمرأة. ولا نكاح المتعة، وهو أن يتزوجها إلى مدة. ولا نكاح المحلل وهو أن ينكحها ليحلها للزوج الأول، فإن عُقد لذلك ولم يشترط في العقد كره ولم يفسد العقد، وإن تزوجها على أنه إذا احلها طلقها ففيه قولان؛ أحدهما: أنه يبطل، والثاني: لا يبطل، وإن تزوج بشرط الخيار فالعقد باطل، وإن تزوج وشرط عليه أن لا يطأها بطل العقد. وإن تزوج على أن لا ينفق عليها، أو لا يبيت عندها أو لا يتسرى عليها، أو لا يسافر بها، أو لا يقسم لها بطل الشرطء وبطل المسمى، وصح العقد، ووجب مهر المثل. وقيل: إن شرط ترك الوطء أهل الزوجة بطل العقد.
وإذا طلقت المرأة ثلاثاً، أو توفي عنها زوجها فاعتدت منه حرم التصريح بخطبتها، ولا يحرم التعريض. وإذا خالعها زوجها، فاعتدت منه، لم يحرم على زوجها التصريح بخطبتها، ويحرم على غيره. وفي التعريض، قولان؛ أحدهما: يحرم، والثاني: لا يحرم.
ويحرم على الرجل أن يخطب على خطبة أخيه إذا صرح له بالإجابة، فإن خالف وتزوج صح العقد، وإن عرض له بالإجابة ففيه قولان؛ أصحهما: أنه لا يحرم خطبتها، والثاني: يحرم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 225
باب الخيار في النكاح والرد بالعيب
إذا وجد أحد الزوجين بالآخر جنوناً، أو جذاماً، أو برصاً ثبت له الخيار.
---(1/162)
وإن وجد أحدهما الآخر خنثى ففيه قولان. وإن وجد الزوج بالمرأة رتقاً، أو قرناً، ثبت له الخيار. وإن وجدت المرأة زوجها عنيناً، أو مجبوباً ثبت لها الخيار، وإن وجدته خصياً أو مسلولاً ففيه قولان: أصحهما أنه لا خيار لها، وإن حدث العيب بالزوج كان لها أن تفسخ، وإن حدث بالزوجة ففيه قولان: أصحهما أن له الفسخ، وإن وجد أحدهما بالآخر عيباً مِن هذه العيوب وبه مثله فقد قيل: ينفسخ، وقيل: لا ينفسخ، ولا يصح الفسخ بهذه العيوب إلا على الفور، ولا يجوز إلا بالحاكم، ومتى وقع الفسخ فإن كان قبل الدخول سقط المهر. وإن كان بعده نظرت فإن كان بعيب حدث بعد الوطء وجب المسمى، وإن كان بعيب قبل الوطء سقط المسمى ووجب مهر المثل. وهل يرجع به الزوج على من غره؟ فيه قولان. وليس لولي الحرة ولا لسيد الأمة، ولا لولي الطفل تزويج المولى عليه، ممن به هذه العيوب، فإن أرادت الحرة أن تتزوج بمجنون كان للولي منعها، وإن أرادت أن تتزوج بمجبوب، أو عنين، لم يكن لها منعها. وإن أرادت أن تتزوج بمجذوم، أو أبرص، فقد قيل: له منعها، وقيل: ليس له منعها، وقيل: ليس له منعها. وإن حدث العيب بالزوج ورضيت به المرأة لم يجبرها الولي على الفسخ.
وإن اختلف الزوجان في التعنين، وادعته المرأة وأنكر الزوج، فالقول قوله مع يمينه.
فإن أقر بالعتنين، أجل سنة، من يوم المرافعة، فإن جامعها وأدناه أن يغيب الحشفة في الفرج سقطت المدة، وإن ادعى أنه وطئها وهي ثيب فالقول قوله مع يمينه، وإن كانت بكراً فالقول قولها مع يمينها، وإن اختارت المقام معه قبل انقضاء الأجل لم يسقط خيارها على المنصوص.
وإن جب بعض ذكره وبقي ما يمكن الجماع به فادعى أنه يمكنه الجماع وأنكرت المرأة، فقد قيل: القول قوله، وقيل: القول قولها. وإن اختلفا في القدر الباقي هل يمكن الجماع به، فالقول قول المرأة.
---(1/163)
وإن تزوج امرأة وشرط أنه حر فخرج عبداً فهل يصح النكاح؟ فيه قولان؛ أحدهما: أنه باطل. والثاني: أنه صحيح ويثبت لها الخيار. وإن شرط أنها حرة فخرجت أمة وهو ممن يحل له نكاح الأمة ففيه قولان؛ أحدهما: أنه باطل، والثاني: أنه صحيح، وهل له الخيار؟ فيه قولان: أصحهما أن له الخيار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 228
وقيل: ان كان الزوج عبداً فلا خيار له، قولاً واحداً، والأول أصح. وإن كان قد دخل بها وقلنا إن النكاح باطل، أو قلنا أنه يصح وله الخيار فاختارت الفسخ لزمه مهر المثل بها، وهل يرجع به على من غره؟ فيه قولان، وإن أتت بولد لزمه قيمته يوم الوضع ويرجع بها على من غره.
وإن تزوج امرأة، وشرط أنها أمة فخرجت حرة أو على أنها كتابية فخرجت مسلمة ففيه قولان؛ أحدهما: أن النكاح باطل، والثاني: أنه صحيح، ولا خيار له. وإن تزوج إمرأة ثم بان أنها أمة وهو ممن يحل له نكاحها أو بان أنها كتابية فقد قيل فيهما قولان؛ أحدهما: أن له الخيار، والثاني: أنه لا خيار له. وقيل: في الأمة لا خيار له، وفي الكتابية يثبت له الخيار.
وإن تزوج عبد بأمة ثم أعتقت الأمة ثبت لها الخيار. وفي وقته ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه على الفور، والثاني: إلى ثلاثة أيام، والثالث: إلى أن يطأها.
فإن أعتقت وهي في عدة من طلاق رجعي فلم تفسخ، أو اختارت المقام معه لم يسقط خيارها، فإن لم تفسخ أدعت الجهل بالعتق ومثلها يجوز أن يخفى عليه قبل قولها وإن ادعت الجهل بالخيار، ففيه قولان؛ أحدهما: يقبل، والثاني: لا يقبل.
---(1/164)
وإن أعتقت ولم تفسخ حتى أعتق الزوج، ففيه قولان؛ أحدهما: يبطل خيارها، والثاني: لا يبطل، يجوز لها الفسخ بالعتق من غير حاكم، فإن فسخت قبل الدخول سقط المهر. وإن فسخت بعد الدخول بعتق بعده وجب المسمى، وإن فسخت بعد الدخول بعتق قبل الدخول سقط المسمى ووجب مهر المثل، وإن طلقها قبل أن تختار الفسخ، ففيه قولان؛ أحدهما: أنه يقع، والثاني: أنه موقوف، فإن فسخت لم يقع، وإن لم تفسخ تبينا أنه قد وقع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 228
باب نكاح المشرك
إذا أسلم أحد الزوجين الوثنيين، أو المجوسيين، أو أسلمت المرأة والزوج يهودي أو نصراني فإن كان ذلك قبل الدخول تعجلت الفرقة، وإن كان بعد الدخول وقفت الفرقة على انقضاء العدة، فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة حكم بالفرقة من حين أسلم الأول منهما، فإن وطئها في العدة ولم يسلم الثاني منهما وجب المهر، فإن أسلم في العدة فالمنصوص من أنه لا يجب المهر، وفيه قول مخرج أنه يجب، وإن أسلم الحر وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه، اختار أربعاً منهن، فإن لم يفعل أجبر على ذلك وأخذ بنفقتهن إلى أن يختار، فإن طلق واحدة منهن كان ذلك اختياراً لها وإن ظاهر منها أو آلى لم يكن اختياراً.
وإن وطئها فقد قيل: هو اختيار، وقيل: ليس باختيار، وإن مات قبل أن يختار وقف ميراث أربع منهن إلى أن يصطلحن.
وإن أسلم وتحته أم وبنت، وأسلمتا معه، فإن كان قد دخل بهما انفسخ نكاحهما. وإن لم يدخل بواحدة منهما، ففيه قولان؛ أحدهما: يثبت نكاح البنت ويبطل نكاح الأم، والثاني: وهو الأصح، أنه يختار أيتهما شاء وينفسخ نكاح الأخرى، وإن دخل بالبنت دون الأم ثبت نكاح البنت، وانفسخ نكاح الأم. وإن دخل بالأم دون البنت ففيه قولان؛ أحدهما: ينفسخ نكاحهما، وحرمتا على التأبيد، والثاني: يثبت نكاح الأم، وينفسخ نكاح البنت.
---(1/165)
فإن اسلم وتحته أربع إماء فأسلمن معه فإن كان ممن يحل له نكاح الإماء اختار واحدة منهن. وإن كان ممن لا تحل له نكاح الإماء انفسخ نكاحهن. وإن نكح حرة وإماء، وأسلمت الحرة معه ثبت نكاحها وانفسخ نكاح الإماء، وإن لم تسلم الحرة وأسلمت الإماء، وقف امرهن على إسلام الحرة فإن أسلمت قبل انقضاء العدة لزم نكاحها، وانفسخ نكاحهن، وإن لم تسلم حتى انقضت عدتها وهو ممن يحل له نكاح الإماء كان له أن يختار واحدة من الإماء. وإن أسلم وتحته إماء وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر ثم أسلمن كان له أن يختار واحدة منهن.
وإن اسلم عبد وتحته أربع نسوة فأسلمن معه اختار منهن اثنتين، فإن أسلم وأعتق ثم أسلمن، أو اسلمن واعتق ثم أسلم، ثبت نكاح الأربع.
وإن أسلم الزوجان وبينهما نكاح متعة أو نكاح شرط فيه خيار الفسخ متى شاءوا، أو شاء أحدهما لم يُقرَّا عليه، وإن أسلما وقد تزوجها في العدة أو بشرط خيار الثلاث، فإن أسلما قبل انقضاء العدة أو قبل انقضاء مدة الخيار لم يقرا عليه، وإن أسلما بعد انقضاء العدة، أو بعد انقضاء الخيار أقرا عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 230
وإن قهر حربي حربية على الوطء، أو طاوعته، ثم أسلما، فإن اعتقدا ذلك نكاحاً اقرا عليه، وإن لم يعتقداه نكاحاً لم يقرا عليه.
وان ارتد الزوجان المسلمان أو أحدهما قبل الدخول تعجلت الفرقة، وإن كان بعد الدخول وقفت الفرقة على انقضاء العدة، فإن اجتمعا على الاسلام قبل انقضائها فهما على النكاح، وإن لم يجتمعا قبل انقضاء العدة حكم بالفرقة.
وإن انتقل المشرك من دين إلى دين يقر أهله عليه، ففيه قولان؛ أحدهما: يقر عليه، والثاني: لا يقر عليه، وما الذي يقبل منه؟ فيه قولان؛ أحدهما: الاسلام، والثاني: الاسلام أو الدين الذي كان عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 230
باب الصداق
المستحب أن لا يعقد النكاح إلا بصداق. وما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون صداقاً.
---(1/166)
وإن ذكر صداقاً في السِرّ وصداقاً في العلانية فالصداق ما عُقد به العقد، ولا يزوج ابنته الصغيرة، بأقل من مهر المثل، ولا ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل، فإن نقص ذلك وزاد هذا بطلت الزيادة ووجب مهر المثل.
ولا يتزوج السفيه بأكثر من مهر المثل، فإن زاد بطلت الزيادة.
ولا يتزوج العبد بأكثر من مهر المثل، ومهر امرأته في كسبه ان كان مكتسباً، أو فيما في يده إن كان مأذوناً له في التجارة، فإن لم يكن مكتسباً، ولا مأذوناً له (في التجارة) ففي ذمته إلى أن يعتق، في أحد القولين، أو يفسخ النكاح، وفي ذمة السيد في القول الآخر، فإن زاد على مهر المثل وجبت الزيادة في ذمته يتبع بها إذا عتق، وإن تزوج بغير إذنه، ووطىء، ففي المهر ثلاثة أقوال؛ أحدها: يجب حيث يجب المهر في النكاح الصحيح، والثاني: أنه يتعلق بذمته، والثالث أنه يتعلق برقبته تباع فيه.
ويجوز أن يكون الصداق عيناً تباع، وديناً يُسلم فيه، ومنفعة تكرى، ويجوز حالاً ومؤجلاً.
وما لا يجوز في البيع والإجارة، مِن المحرم والمجهول، لا يجوز في الصداق.
وتملك المرأة المهر بالتسمية، وتملك التصرف فيه بالقبض ويستقر بالموت، أو الدخول، وهل يستقر بالخلوة؟ فيه قولان: أصحهما أنه لا يستقر، ولها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض، فإن تشاحا، أجبر الزوج على تسليمه إلى عدل، وأجبرت المرأة على التسليم، فإذا دخل بها سلّم المهر إليها. فإن لم يسلّم لزمه نفقتها، وفيه قول آخر: أنه لا يجبر واحد منهما بل أيهما بدأ بالتسليم أجبر الآخر عليه، فإن تمانعا لم تجب نفقتها، فإن تبرعت وسلمت نفسها حتى وطئها سقط حقها مِن الإمتناع، وإن هلك الصداق قبل القبض، أو خرج مستحقاً، أو كان عبداً فخرج حراً، أو حدث به عيب فردته، رجع إلى مهر المثل في أصح القولين، وإلى قيمة العين في القول الآخر.
---(1/167)
وإن وردت فرقة من جهتها قبل الدخول بأن ارتدت، أو أسلمت، سقط مهرها، وإن قتلت نفسها، فقد قيل: فيه قولان؛ أحدهما: يسقط مهرها، والثاني: لا يسقط. وقيل: إن كانت حرة لم يسقط، وإن كانت أمة سقط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
وإن وردت الفرقة من جهته، بأن أسلم أو ارتد أو طلق سقط نصف المهر.
وإن اشترت زوجها فقد قيل: يسقط النصف. وقيل: يسقط كله.
وإن اشترى زوجته سقط كله، وقيل: يسقط النصف، وقيل: إن استدعى الزوج بيعها وجب النصف، فإن استدعى السيد لم يجب شيء. ومتى ثبت له الرجوع بالنصف فإن كان باقياً على جهته رجع في نصفه، وإن كان فائتاً، أو مستحقاً بدين أو شفعة رجع إلى نصف قيمته أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض. وإن كان زائداً زيادة منفصلة كالولد والثمرة رجع إلى نصفه دون زيادته، وإن كان زائداً زيادة متصلة كالسمن، والتعلم، فالمرأة بالخيار: بين أن ترد النصف زائداً، وبين أن تدفع إليه قيمة النصف، وإن كان ناقصاً فالزوج بالخيار: بين أن ترجع فيه ناقصاً، وبين أن يأخذ نصف قيمته.
وإن كانت قد وهبت منه الصداق قبل الطلاق، ففيه قولان: أصحهما أنه يرجع عليها بنصف بدله، وإن كان ديناً فابرأته منه ففيه قولان: أصحهما أنه لا يرجع عليها، وإن حصلت الفرقة، والصداق لم يقبض، فعفى الولي عن حقها، لم يصح العفو، وفيه قول آخر: أنه إن كانت بكراً صغيرة، أو مجنونة، فعفى الأب أو الجد عن حقها صح العفو. وإذا فوضت المرأة بضعها من غير بدل لم يجب لها المهر بالعقد، ولها المطالبة بالفرض، وإن فرض لها مهراً صار ذلك كالمسمى في العقد في جميع ما ذكرناه، وإن لم يفرض لها حتى دخل بها وجب لها مهر المثل.
وإن مات أحدهما قبل الفرض، ففيه قولان، أحدهما: يجب لها مهر المثل. والثاني: لا يجب، وإن طلقها قبل الفرض وجب لها المتعة.
---(1/168)
وإن تزوجها على مهر فاسد، أو على ما يتفقان عليه في الثاني وجب لها مهر المثل. واستقر بالموت أو الدخول وسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول. وان كانا ذميين وعقدا على مهر فاسد ثم أسلما قبل التقابض سقط بذلك ووجب مهر المثل، وإن اسلما بعد القبض برئت ذمة الزوج، وإن اسلما بعد قبض البعض برئت ذمة الزوج، وإن أسلما بعد قبض البعض برئت ذمته من المقبوض ووجب بقسط ما بقي من مهر المثل، وإن اعتق أمته بشرط أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها عتقت، ولا يلزمها أن تتزوج به، ويرجع عليها بقيمة رقبتها، فإن تزوجته استحقت مهر المثل، وإن اعتقت المرأة عبدها على أن يتزوج بها عتق، ولا يلزمه أن يتزوجها ولا ترجع عليه بالقيمة، وإن تزوجها استحقت عليه مهر المثل، ويعتبر مهر المثل بمهر من يساويها من نساء العصبات في السن، والمال، والجمال، والثيوبة، والبكارة، والبلد، فإن لم يكن لها نساء عصبات، اعتبر بمهر أقرب النساء إليها، فإن لم يكن لها أقارب من النساء، اعتبر بنساء بلدها، ثم بأقرب النساء شبهاً بها، وإذا اعسر الزوج بالمهر قبل الدخول ثبت لها الفسخ، وإن أعسر بعد الدخول ففيه قولان: ولا يجوز الفسخ إلا بالحاكم، وإن اختلفا في قبض الصداق فالقول قولها، وإن اختلفا في الوطء فالقول قوله بيمينه، فإن أتت بولد يلحقه استقر المهر في أحد القولين، دون الآخر، وإن اختلفا في قدر المسمى تحالفا، وبدأ بيمين الزوج، وقيل فيه ثلاثة أقوال؛ أحدهما: هذا، والثاني: يبدأ بالمرأة، والثالث: بأيهما شاء الحاكم، وإذا حلفا وجب مهر المثل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
ومن وطىء امرأة بشبهة، أو في نكاح فاسد، أو أكره امرأة على الزنا وجب عليه مهر المثل. وإن طاوعته على الزنا لم يجب لها مهر. وقيل: إن كانت أمة وجب، والمذهب أنه لا يجب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
باب المتعة
---(1/169)
إذا فوضت المرأة بضعها، وطلقت قبل الفرض، والمسيس وجب لها المتعة، وإن سمى لها مهر صحيح، أو وجب لها مهر المثل، وطلقت قبل المسيس وجب لها نصف المهر دون المتعة. وإن طلقت بعد المسيس فهل لها المتعة مع المهر، فيه قولان.
وكل فرقة وردت مِن جهة الزوج بإسلام، أو ردة، أو لعان، أو خلع، أو من جهة أجنبي كالرضاع، فحكمه حكم الطلاق في إيجاب المتعة.
وكل فرقة وردت من جهة المرأة من إسلام، أو ردة، أو فسخ بالعيب، أو بالإعسار لم يجب فيها المتعة، وإن كانت أَمة فباعها المولى من الزوج انفسخ النكاح، فالمذهب أنه لا متعة لها. وقيل: يجب، وقيل: إن كان السيد طلب البيع لم تجب المتعة، وإن كان الزوج طلب وجب، وتقدير المتعة إلى الحاكم، يقدرها على حسب ما يرى على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره. وقيل: يختلف باختلاف حال المرأة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 235
باب الوليمة والنثر
الوليمة على العرس واجبة في ظاهر النص. وقيل: لا تجب وهو الأصح.
والسنة أن يولم بشاة، وبأي شيء أولم من الطعام جاز.
والنثر مكروه، ومن دعي الى وليمة لزمه الإجابة. وقيل: هي فرض على الكفاية. وقيل: لا يجب.
ومن دعي في اليوم الثاني استحب له أن يجيب، ومن دعي في اليوم الثالث فالأولى أن لا يجب.
وإن دعي مسلم إلى وليمة كافر لم يلزمه الإجابة، وقيل: يلزمه.
ومن دُعي وهو صائم صوم تطوع استحب له أن يفطر، وإن كان مفطراً لزمه الأكل. وقيل: لا يلزمه.
وإن دعي إلى موضع فيه معاصي من زمر أو خمر، ولم يقدر على إزالته فالأولى أن لا يحضر، فان حضر فالأولى أن ينصرف، فإن قعد ولم يستمع واشتغل بالحديث والأكل مع انكاره بقلبه جاز.
وإن حضر في موضع فيه صور حيوان فإن كان بساط يداس، أو مخاد توطأ جلس، وإن كان على حائط، أو على ستر معلق لم يجلس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 235
باب عشرة النساء والقسم والنشوز
---(1/170)
يجب على كل واحد من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف. وبذل ما يجب عليه من غير مطل ولا اظهار كراهية.
ولا يجوز أن يجمع بين امرأتين في مسكن واحد إلا برضاهما. ويكره أن يطأ إحداهما بحضرة الأخرى. وله أن يمنع زوجته من الخروج من منزله.
فإن مات لها قريب استحب له أن يأذن لها في الخروج، ولا يجب عليه أن يقسم لنسائه، فإن أراد القسم لم يبدأ بواحدة منهن إلا بقرعة، ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والرتقاء، ويقسم للحرة ليلتين والأَمة ليلة.
ولا يجب عليه إذا قسم أن يطأ، غير أن المستحب أن يسوي بينهن في ذلك.
وإن سافرت المرأة بغير إذنه سقط حقها من القسم. وإن سافرت بإذنه سقط قسمها في أحد القولين دون الآخر. وإن امتنعت من السفر مع الزوج سقط حقها من القسم، فإن أراد أن يسافر بامرأة لم يجز إلا بقرعة. فإن سافر بواحدة بغير قرعة قضى. وإن سافر بالقرعة لم يقض، وقيل: إن كان في مسافة لا تقصر فيها الصلاة قضى.
فإن أراد الانتقال من بلد إلى بلد فسافر بواحدة وبعث البواقي مع غيره فقد قيل: يقضي لهن. وقيل: لا يقضي.
ومن وهبت حقها مِن القسم لبعض ضرائرها برضى الزوج جاز، وإن وهبت للزوج جعله لمن شاء منهن، وإن رجعت في الهبة عادت إلى الدور من يوم الرجوع.
وعماد القسم الليل لمن معيشته بالنهار، فإن دخل بالنهار إلى غير المقسوم لها لحاجة جاز، وإن دخل لغير حاجة لم يجز، فإن خالف وأقام عندها يوماً، أو بعض يوم لزمه قضاؤه للمقسوم لها، وإن دخل بالليل لم يجز إلا لضرورة، فإن دخل بها وأطال قضى، وإن دخل وجامعها فقد قيل: لا يقضي، وقيل: يقضي بليلة، وقيل: يقضي بأن يدخل في نوبة الموطوأة فيجامع كما جامعها وإن تزوج امرأة وعنده امرأتان قد قسم لهما قطع الدور للجديدة، فإن كانت بكراً أقام عندها سبعاً ولا يقضي، وإن كانت ثيباً فهو بالخيار بين أن يقيم عندها سبعاً ويقضي، وبين أن يقيم ثلاثاً ولا يقضي.
ويجوز أن يخرج بالنهار لقضاء الحاجات، وقضاء الحقوق.
---(1/171)
وإن تزوج امرأتين وزفتا إليه مكاناً واحداً أقرع بينهما لحق العقد، وإن أراد سفراً فأقرع بينهن فخرج السهم لإحدى الجديدتين سافر بها، ويدخل حق العقد في قسم السفر. وإذا رجع من السفر قضى حق العقد للأخرى، وقيل: لا يقضي، وإن كان له امرأتان فقسم لإحداهما ثم طلق الاخرى قبل أن يقضي لها أثم، وإن تزوجها لزمه أن يقضيها حقها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 236
ومن ملك إماء لم يلزمه أن يقسم لهن، ويستحب أن لا يعضلهن، وإن يسوي بينهن، وإذا ظهر له من المرأة امارات النشوز، وعظها بالكلام، فإن ظهر منها النشوز، وتكرر هجرها في الفراش دون الكلام، وضربها ضرباً غير مبرح.
وإن ظهر ذلك مرة واحدة، ففيه قولان: أحدهما يهجرها ولا يضربها. والثاني يهجرها ويضربها.
وإن منع الزوج حقها، وأسكنها الحاكم إلى جنب ثقة ينظر إليها، ويلزم الزوج الخروج من حقها، وإن ادعى كل واحد منهما على صاحبه الظلم والعدوان أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما، ويمنع الحاكم الظالم منهما من الظلم، فإن بلغا إلى الشتم والضرب بعث الحاكم حرين، مسلمين عدلين، والأولى أن يكونا من أهلهما لينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة من الاصلاح أو التفريق، وهما وكيلان لهما في أحد القولين، فلا بد من رضاهما فيوكل الزوج حكماً في الصداق وقبول العوض، وتوكل المرأة حكماً في بذل العوض وهو الأصح فإن غاب الزوجان وهما حكمان من جهة الحاكم في القول الآخر فيجعل الحاكم إليهما الاصلاح أو التفريق من غير رضى الزوجين أو أحدهما وهو الأصح.
وإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظرهما على القول الأول، وينقطع على القول الثاني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 236
باب الخلع
---(1/172)
يصح الخلع من كل زوج بالغ، عاقل، ويكره الخلع إلا في حالين؛ أحدهما: أن يخافا أو أحدهما ألا يقيما حدود الله عز وجل، والثاني: أن يحلف بالطلاق الثلاث على فعل شيء لا بد منه، فيخالعها، ثم يفعل الأمر المحلوف عليه ثم يتزوجها فلا يحنث.
فإن خالعها ولم يفعل المحلوف عليه، ثم تزوجها ففيه قولان: أصحهما أنه يتخلص من الحنث.
وإن كان الزوج سفيهاً فخالع صح خلعه، ولزم دفع المال إلى وليه. وإن كان عبداً وجب دفع المال إلى مولاه، إلا أن يكون مأذوناً له.
ويصح بذل العوض في الخلع من كل زوجة جائزة التصرف في المال، فإن كانت سفيهة لم يجز خلعها.
وإن كانت أمة فخالعت بإذن السيد لزمها المال في كسبها، أو مما في يدها مِن مال التجارة، فإن لم يكن لها كسب ولا مال في يدها للتجارة ثبت في ذمتها إلى أن تعتق. وإن خالعت بغير إذنه ثبت العوض في ذمتها إلى أن تعتق، وإن كانت مكاتبة فخالعت بغير إذن السيد فهي كالأمة، وإن خالعت بإذنه فقد قيل: هو كهبتها، وفيها قولان، وقيل: لا يصح قولاً واحداً.
وليس للأب، ولا للجد، ولا لغيرهما من الأولياء أن يختلع امرأة الطفل، ولا أن يختلع الطفلة بشيء من مالها.
ويصح الخلع مع الزوجة ومع الاجنبي، ويصح بلفظ الطلاق، وبلفظ الخلع فإن كان بلفظ الطلاق هو طلاق، وإن كان بلفظ الخلع والمفاداة والفسخ فإن نوى به الطلاق فهو طلاق، وإن لم ينو به الطلاق ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه طلاق، والثاني: أنه فسخ، والثالث: أنه ليس بشيء.
---(1/173)
ولا يصح الخلع إلا بذكر العوض، فإن قال: أنت طالق وعليك ألف، وقع الطلاق رجعياً ولا شيء عليها، وإن ضمنت له الألف لم يصح الضمان. وإن قال: أنت طالق على الف فقبلت، بانت ووجب المال ويجوز على الفور، وعلى التراخي، فإذا قال: خالعتك على ألف، أو أنت طالق على ألف، أو ان ضمنت لي ألفاً، أو إن اعطيتني ألفاً أو إذا اعطيتني الفاً فأنت طالق، لم يصح حتى يوجد القبول، أو العطية عقيب الإيجاب، وله أن يرجع فيه قبل القبول.
وإن قال: متى ضمنت لي ألفاً، أو متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق، جاز القبول في أي وقت شاءت، وليس للزوج أن يرجع في ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 238
---(1/174)
وما جاز أن يكون صداقاً مِن قليل وكثير، ودين وعين، ومال ومنفعة، يجوز أن يكون عوضاً في الخلع، وما لا يجوز أن يكون صداقاً من حرام أو مجهول، لا يجوز أن يكون عوضاً في الخلع، فإن ذكر مسمى صحيحاً استحقه وبانت المرأة، وإن خالعها على مال، وشرط فيه الرجعة سقط المال وثبتت الرجعة في أصح القولين. وقيل فيه قول آخر: أنه لا تثبت الرجعة، ويسقط المسمى، ويجب مهر المثل، وإن ذكر بدلاً فاسداً كخمر، أو خنزير، أو مغصوب، أو مجهول، بانت، ووجب مهر المثل. وإن قال: (ان) اعطيتني عبداً ولم يصفه، ولم يعينه، فأنت طالق فأعطته على الفور عبداً، بانت ولكن لا يملكه الزوج، بل يرده، ويرجع بمهر المثل، وإن أعطته مكاتباً، أو مغصوباً، لم تطلق، وإن خالعها على عبد موصوف في ذمتها فأعطته عبداً معيباً بانت، وله أن يرد، ويطالب بعبد سليم، وإن قال: إن اعطيتني عبداً مِن صفته كذا فأنت طالق، فأعطته على الفور عبداً على تلك الصفة بانت، فإن كان معيباً فله أن يرده، ويرجع بمهر المثل في أحد القولين، وبقيمة العبد في القول الآخر. وإن قال: إن اعطيتني هذا العبد فأنت طالق، فأعطته وهي تملكه، بانت، فإن كان معيباً فله أن يرده ويرجع إلى مهر المثل في أحد القولين وإلى قيمته في الآخر، وإن اعطته وهي لا تملكه بانت. وقيل: لا تطلق، وليس بشيء، وإن خالعها على ثوب على أنه هروي فخرج مروياً بانت، وله الخيار بين الرد والإمساك، وان خرج كتاناً بانت ويجب رد الثوب، ويرجع الى مهر المثل في أحد القولين وإلى قيمته في الآخر. وقيل: هو بالخيار بين الإمساك والرد، وإن قالت: طلقني ثلاثاً على الف فطلقها طلقة استحق ثلث الألف، وإن قالت: طلقني طلقة فطلقها ثلاثاً استحق الألف، وإن وكلت المرأة في الخلع لم يخالع الوكيل على أكثر من مهر المثل، فإن قدرت له العوض فزاد عليه وجب مهر المثل في أحد القولين: ويجب في الثاني أكثر الأمرين مِن مهر المثل أو القدر المأذون فيه، وإن خالع على(1/175)
---
مهر فاسد وجب مهر المثل.
وإن وكل الزوج في الخلع، فنقص عن مهر المثل، وجب مهر المثل في أحد القولين، وفي القول الثاني: الزوج بالخيار بين أن يقر الخلع على ما عقد؛ وبين أن يترك العوض، ويكون الطلاق رجعياً، فإن قدر البدل فخالع بأقل منه أو على عوض فاسد، لم يقع الطلاق، وإذا خالع في مرضه اعتبر ذلك من رأس المال حابى أو لم يحاب، فإن خالعت في مرضها بمهر المثل اعتبر ذلك من رأس المال، فإن زادت على مهر المثل اعتبرت الزيادة مِن الثلث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 238
وإن اختلف الزوجان في الخلع، فادعاه الزوج، وأنكرت المرأة بانت، والقول قولها في العوض. وإن قال: خالعتك على ألف، فقالت: خالعت غيري بانت، والقول قولها في العوض. وإن قال: خالعتك على ألف، فقالت على ألف ضمنها زيد لزمها الألف، وإن قال: خالعتك على ألف في ذمتك فقالت: بل خالعتني على الف في ذمة زيد بانت، وتحالفا في العوض، وقيل: يلزمها مهر المثل وليس بشيء. وإن اختلفا في قدر العوض، أو عينه، أو في تعجيله أو في تأجيله، أو في عدد الطلاق الذي وقع به الخلع وتحالفا، ووجب مهر المثل، وإن قال: طلقتك بعوض، فقالت: طلقتني بعد مضي الخيار، بانت، والقول قولها في العوض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 238
باب الطلاق
يصح الطلاق من كل زوج بالغ عاقل مختار، فأما غير الزوج فلا يصح طلاقه.
وكذلك الصبي لا يصح طلاقه، ومن زال عقله لسبب يعذر فيه كالمجنون، والنائم، والمبرسم لا يصح طلاقه.
ومن زال عقله بسبب لا يعذر فيه كالسكران، ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة، وقع طلاقه، وقيل فيه قولان: أشهرهما أنه يقع طلاقه.
ومن أكره بغير حق كالتهديد بالقتل، والقطع، أو الضرب المبرح لا يقع طلاقه، وإن أكره بضرب قليل، أو شتم وهو من ذوي الأقدار فالمذهب أنه لا يقع طلاقه، وقيل: يقع طلاقه.
ويملك الحر ثلاث تطليقات.
---(1/176)
ويملك العبد تطليقتين، وله أن يطلق بنفسه، وله أن يوكل، فإن وكل امرأة في طلاق زوجته فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح، وللوكيل أن يطلق متى شاء إلى أن يعزله. وإن قال لامرأته: طلقي نفسك، فقالت في الحال: طلقت نفسي، طلقت، فإن أخرت ثم طلقت لم يقع، إلا أن يقول: طلقي نفسك متى شئت.
ويكره أن يطلق الرجل امرأته من غير حاجة، فإن أراد الطلاق فالأفضل أن لا يطلق أكثر من طلقه، فإن أراد الثلاث فالأفضل أن يفرقها فيطلق في كل طهر طلقة، فإن جمعها في طهر واحد جاز.
ويقع الطلاق على ثلاثة أوجه: طلاق السنة، وهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه.
وطلاق البدعة وهو أن يطلقها في الحيض من غير عوض، أو في طهر جامعها فيه من غير عوض.
وطلاق لا سنة فيه ولا بدعة، وهو طلاق الصغيرة، والآيسة، والتي استبان حملها، وغير المدخول بها، فإن كانت حاملاً فحاضت على الحمل فطلقها في الحيض فالمذهب أنه ليس ببدعة، وقيل: هو بدعة، ولا إثم فيما ذكرناه إلا في طلاق البدعة.
ومن طلق بدعياً استحب له أن يراجعها.
ويقع الطلاق بالصريح، والكناية، فالصريح: الطلاق، والفراق، والسراح، فإذا قال: أنت طالق أو مطلقة، أو طلقتك، أو فارقتك، أو أنت مفارقة، أو سرحتك، أو أنت مسرحة طلقت، وإن لم ينوه. فإن ادعى أنه أراد طلاقاً من وثاق، أو فراقاً بالقلب، أو تسريحاً من اليد لم يقبل قوله في الحكم، ودين فيما بينه وبين الله عز وجل.
والكنايات كقوله: أنت خلية، وبرية، وبتة، وبتلة، وبائن، وحرام، وأنت كالميتة، واعتدِّي، واستبري، وتقنعي، واستتري، وتجرعي، وأبعدي، واعزبي واذهبي، والحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، وأنت واحدة وما أشبه ذلك، فإن نوى بها الطلاق وقع، وإن لم ينو لم يقع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 241
---(1/177)
وإن قال: اختاري، فهو كناية، يفتقر إلى القبول في المجلس على المنصوص، وقيل: يفتقر إلى القبول في الحال، فإن قالت: اخترت ونويا الطلاق، وقع. وإن لم ينويا أو أحدهما لم يقع، وإن رجع فيه قبل القول صح الرجوع، وقيل: لا يصح.
وإن قال لها: ما اخترت؟ فقالت: اخترت، فالقول قوله. وإن قال: ما نويتِ؟ فقالت: نويت، فالقول قولها، وقيل: القول قوله، والأول أصح، وإن قال لها: طلقي نفسك فقالت: اخترت ونوت الطلاق وقع، وقيل: لا يقع حتى تأتي بلفظ الصريح، وإن قال: أنت الطالق فقد قيل: هو صريح، وقيل: هو كناية. وإن قال: أنا منك طالق، أو فوض الطلاق إليها، فقالت: أنت طالق فهو كناية لا يقع إلا بالنية. وإن قال: كلي، واشربي فقد قيل: هو كناية، وقيل: ليس بشيء، فأما إذا قال: اقعدي، وبارك الله عليك، وما أشبه ذلك فليس بشيء، نوى أو لم ينو.
وإن قال: أنت عليّ كظهر أمي ونوى الطلاق، لم يقع الطلاق. وإن قال له رجل: اطلَّقت امرأتك؟ فقال: نعم طلقت، وإن قال: ألك زوجة؟ فقال: لا لم يكن شيئاً.
وإن كتب الطلاق ونوى، ففيه قولان: أصحهما أنه يقع. وإن قال لها: شعرك طالق، أو يدك طالق، أو بعضك طالق طلقت. وإن قال: ريقك طالق، أو دمك طالق، لم تطلق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 241
باب عدد الطلاق والاستثناء فيه
إذا خاطبها بلفظ من ألفاظ الطلاق، ونوى به طلقتين أو ثلاثاً وقع، إلا قوله: أنت واحدة فإنه لا يقع به أكثر من طلقة، وقيل: يقع به ما نوى.
وإن قال: أنت طالق واحدة في اثنتين، ونوى طلقة مقرونة بطلقتين طلقت ثلاثاً.
وإن لم ينو شيئاً وهو لا يعرف الحساب وقعت طلقة، وإن نوى موجبها عند أهل الحساب لم يقع إلا طلقة، وقيل: يقع طلقتان، وإن كان يعرف الحساب ونوى موجبها في الحساب وقعت طلقتان، وإن لم تكن له نية وقعت طلقة في ظاهر النص، وقيل: يقع طلقتان، وإن قال: أنت طالق طلقة معها طلقة طلقت طلقتين.
---(1/178)
وإن قال للمدخول بها: أنت طالق طلقة بعدها طلقة طلقت ثلاثاً، وان قال: انت طالق طلقة قبلها طلقة، وادعى أنه أراد قبلها طلقة في نكاح آخر أو من زوج آخر، فإن كان ذلك قبل منه، وإن لم يكن لم يقبل، وإن قال: أنت طالق هكذا وأشار باصابعه الثلاث وقع الثلاث، وإن قال: أردت بعدد الاصبعين المقبوضتين قبل منه. وإن قال: أنت طالق من واحدة إلى الثلاث طلقت طلقتين. وإن قال لغير المدخول بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت طلقة. وإن قال ذلك للمدخول بها فإن نوى العدد وقع وإن ونوى التأكيد لم تقع إلا طلقة. وإن لم ينو شيئاً ففيه قولان؛ أصحهما: أنه يقع بكل لفظة طلقة، والثاني: لا يقع إلا طلقة واحدة. وإن اتى بثلاثة إلفاظ مثل أن قال: أنت طالق، وطالق، فطالق، وقع بكل لفظة طلقة، وإن قال: أنت طالق نصف طلقة أو نصفي طلقة وقعت طلقة. وإن قال: أنت طالق ثلاثة انصاف طلقة فقد قيل: تقع طلقة، وقيل: يقع طلقتان. وإن قال: أنت طالق نصفي طلقتين طلقت طلقتين. وإن قال: أنت طالق نصف طلقتين، فقد قيل: يقع طلقة، وقيل: يقع طلقتين وإن قال: نصف طلقة، ثلث طلقة، سدس طلقة، وقعت طلقة وإن قال: نصف طلقة، وثلث طلقة، وسدس طلقة، طلقت ثلاثاً.
وإن قال لأربع نسوة: أوقعت بينكن طلقة، أو طلقتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً وقعت على كل واحدة طلقة. وإن قال: أوقعت بينكن خمس تطليقات وقع على كل واحدة طلقتان.
وإن قال: أنت طالق مِلء الدنيا، أو أطول الطلاق، أو أعرضه، طلقت طلقة إلا أن يريد به الثلاث، وإن قال: أنت طالق كل الطلاق، أو أكثر الطلاق طلقت ثلاثاً.
---(1/179)
وإن قال: أنت طالق أولاً؟ لم يقع شيء. وإن قال: أنت طالق طلقة لا تقع عليك طلقت طلقة، وإن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً وقع الثلاث. وإن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا نصف طلقة وقع الثلاث، وان قال: أنت طالق وطالق وطالق إلا طلقة، طلقت ثلاثاً على المنصوص، وإن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا طلقتين، وقعت طلقة وان قال: أنت طالق ثلاثا الا طلقتين الا طلقة، طلقت طلقتين وان قال: أنت طالق خمساً الا ثلاث فقد قيل تطلق ثلاثا وقيل طلقتين، وان قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين فقد قيل: يقع ثلاثا، وقيل: طلقتان، وقيل: طلقة وان قال: أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء أبوك واحدة، فقال أبوها: شئت واحدة، لم تطلق. وان قال: أنت طالق إن شاء الله تعالى، فالمذهب انه يقع، وقيل: انه يقع، وقيل: انه لا يقع. وان قال: أنت طالق ان شاء زيد، فمات زيداً، أو جن لم تطلق. وان خرس فأشار لم تطلق وعندي انه يقع في الأخرس. وان قال: أنت طالق ثلاثا واسثنى بعضها بالنية لم يقبل في الحكم. وان قال: نسائي طوالق، واستثنى بعضهن بالنية لم يقبل في الحكم، وقيل: يقبل في النساء وليس بشيء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 244
باب الشرط في الطلاق
---(1/180)
من صح منه الطلاق صح ان يعلق الطلاق على شرط، ومن لم يصح منه الصلاق لم يصح أن يعلق الطلاق على شرط. وإذا علق الطلاق على شرط وقع عند وجود الشرط، وان قال لامرأته ولها سنة وبدعة في الطلاق: أنت طالق للسنة، طلقت في حال السنة، وان قال: أنت طالق للبدعة أو طلاق الحرج، طلقت في حال البدعة، وان قال: أنت طالق أحسن الطلاق، وأعدله وأتمه طلقت إلا أن ينوي ما فيه تغليظ عليه، وان قال: انت طالق أسمج الطلاق وأقبحه، طلقت للبدعة إلا أن ينوي ما فيه تغليظ عليه، وان قال: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة، طلقت طلقتين في الحال، فإذا حصلت في الحال الأخرى وقعت الثالثة، فإن ادعى انه أراد طلقة في الحال وطلقتين في الثاني فالمذهب أنه يقبل، وقيل: لا يقبل في الحكم. وان قال: انت طالق في كل قرء طلقة، طلقت في كل طهر طلقة، فان كانت حاملا لم تطلق في حال الحمل أكثر من طلقة حاضت على الحمل أو لم تحض، وان قال: إن حضت فأنت طالق طلقت برؤية الدم، وان قال: ان حضت حيضة فأنت طالق، لم تطلق حتى تحيض وتطهر، فان قالت: حضت فكذبها فالقول قولها مع يمينها، وان قال: ان حضت فضرتك طالق، فقالت: حضت، فكذبها فالقول قوله، ولم تطلق الضرة، وان قال لامرأتين: ان حضتما فأنتما طالقتان، لم تطلق واحدة منهما حتى تحيضا، فان قالتا: حضنا فصدقهما طلقتا وان كذبهما لم تطلق واحدة منهما وان صدق إحداهما وكذب الأخرى طلقت المكذبة، ولم تطلق المصدقة. وان قال: ان حضتما حيضة فأنتما طالقتان، لم يتعلق بهما طلاق، وقيل: إذا حاضتا طلقتا، وان قال لأربع نسوة: أيتكن حاضت فصواحباتها طوالق، فقلن: حضنا، فان صدقهن طلقت كل واحدة منهم ثلاثة وان كذبهن لم تطلق واحدة منهن، وان صدق واحدة طلقت المكذبات طلقة طلقة ولم تطلق المصدقة وان صدق اثنتين طلق كل واحدة من المكذبتين طلقتين، وطلقت كل واحدة من المصدقتين طلقة وان كذب واحدة طلقت المكذبة ثلاثاً وطلقت كل واحدة من المصدقات
---(1/181)
طلقتين، وان قال: ان كنت حائلاً فأنت طالق، ولم يكن استبرأها قبل ذلك حرم وطؤها حتى يستبرئها بثلاثة أقراء، وقيل: بطهر، وقيل: بحيضة، فإذا بان انها حائل وقع طلقة واحتسب ما مضى من الأقراء من العدة فان بان أنها كانت حاملا حل وطؤها وان كان استبرأها حل وطؤها في الحال وقيل: لا يحل حتى يستأنف الاستبراء، وان قال: ان كنت حاملا فأنت طالق حرم وطؤها، حتى يستبرئها، وقيل يكره، وان قال: ان كان في جوفك ذكر فانت طالق طلقة وان كان أنثى فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكراً وأنثى طلقت ثلاثاً. وان قال: ان كان ما في جوفك ذكراً فأنت طالق طلقة، وان كان أنثى فأنت طالق طلقتين فولدت ذكراً وأنثى، لم تطلق وان قال: إن طلقتك فانت طالق، ثم قال لها: أنت طالق، وهي مدخول بها طلقت طلقتين. وان كانت غير مدخول بها طلقت طلقة، وان قال: ان دخلت الدار فانت طالق، ثم قال: إذا طلقتك فأنت طالق، فدخلت الدار وقعت طلقة. وان قال: إذا وقع عليك طلاقي فانت طالق، ثم قال: ان دخلت الدار فانت طالق، فدخلت الدار وقعت طلقتان. وان قال: كلما طلقتك فانت طالق، ثم قال: أنت طالق وقع طلقتان، وان قال كلما وقع عليك طلاقي فانت طالق، ثم قال لها: أنت طالق، طلقت ثلاثا. وان قال لأربع نسوة: أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحباتها طوالق، ثم قال لاحداهن أنت طالق طلقن ثلاثا ثلاثاً. وان قال: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها: ان خرجت من الدار أو لم تخرجي، أو إن لم يكن هذا كما قلت فانت طالق، طلقت. وان قال: إذا طلعت الشمس أو جاء الحاج فانت طالق لم تطلق. وان كان له عبيد ونساء فقال: كلما طلقت امرأة، فعبد حر، وان طلقت امرأتان فعبدان حران، وان طلقت ثلاثا فثلاثة أعبد أحرار، وان طلقت أربعا فأربعة أعبد أحرار، فطلق أربع نسوة عتق خمسة عشر عبداً على المذهب، وقيل: عشرة وقيل سبعة عشر. وان قال: متى وقع عليك طلاقي فانت طالق قبله ثلاثا، ثم قال لها: أنت طالق لم تطلق، وقيل: تطلق
---(1/182)
طلقة، وقيل: تطلق ثلاثا. وان قال: أي وقت لم أطلقك فانت طالق، فمضى زمان يمكنه أن يطلق فلم يطلق طلقت. وان قال: ان لم أطلقك فانت طالق، فالمنصوص أنها لا تطلق الا في آخر العمر وان قال: إذا لم أطلقك فانت طالق، فالمنصوص انه إذا مضى زمان يمكنه أن يطلق فلم يطلق طلقت. وقيل: فيهما قولان. وان قال: أنت طالق الى شهر، لم تطلق إلا بعد شهر، فان قال: أنت طالق في شهر رمضان، طلقت في أول جزء منه. وان قال: أردت به الجزء الأخير لم يقبل في الحكم، وان قال: أنت طالق في أول آخر رمضان فقد قيل في أول ليلة السادس عشر، وقيل: في أول اليوم الأخير من الشهر. وان قال: إذا مضت سنة فانت طالق، اعتبرت سنة بالأهلة، فان كان العقد في اثناء الشهر اعتبر شهر بالعدد، واعتبر الباقي بالأهلة. وان قال: أنت طالق اليوم إذا جاء غد، لم تطلق. وان قال: انت طالق قبل موتي أو قبل قدوم زيد بشهر، فمات أو قدم زيد بعد شهر طلقت قبل ذلك بشهر. وان قال: انت طالق أمس، طلقت في الحال، وقيل: فيه قول آخر: أنه لا يقع. وان قال: ان طرت أو صعدت السماء فأنت طالق، لم تطلق، وقيل: فيه قول آخر: أنها تطلق. وان قال: ان رأيت الهلال فانت طالق، فرآه غيرها طلقت. وان رأته بالنهار لم تطلق. وان كتب الطلاق وكتب إذا جاءك كتابي فأنت طالق، فجاءها وقد انمحى موضع الطلاق، لم يقع الطلاق، وإن انمحى غير موضع الطلاق، بقي موضع الطلاق فقد قيل: يقع، وقيل: إن كان كتب: إن أتاك كتابي، وقع، وإن كتب: إن أتاك كتابي هذا، لم يقع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
---(1/183)
وإن قال: إن ضربت فلانا فأنت طالق، فضربته وهو ميت لم تطلق. وإن قال: إن قدم فلان فأنت طالق، فقدم به ميتاً لم تطلق، وإن حمل مكرهاً لم تطلق، وإن أكره حتى قدم (بنفسه) ففيه قولان. وإن قال: إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق فأذن لها وهي لا تعلم فخرجت لم تطلق، وإن أذن لها مرة فخرجت بالإذن، ثم خرجت بغير الإذن لم تطلق، وإن قال لها: كلما خرجت إلا بإذني فأنت طالق، فأي مرة خرجت بغير الإذن طلقت.
وإن قال: إن خالفت أمري فأنت طالق، ثم قال: لا تخرجي فخرجت لم تطلق.
وإن قال: إن بدأتك بالكلام فأنت طالق، فقالت: وإن بدأتك بالكلام فعبدي حر، فكلمها لم تطلق المرأة ولم يعتق العبد.
وإن قال لها وهي في ماء جار: إن خرجت من هذا الماء فأنت طالق وان أقمت فيه فأنت طالق، لم تطلق خرجت أو أقامت، وإن قال لها: إن شئت فأنت طالق، فقالت في الحال: شئت، طلقت، وإن أخّرت لم تطلق. وقيل: إذا وجد في المجلس طلقت وإن قالت: شئتُ إن شئت، لم تطلق.
وإن قال: من بشرني بكذا فهي طالق، فاخبرته امرأته بذلك وهي كاذبة، لم تطلق، وإن قال: من أخبرني بقدوم فلان فهي طالق، فأخبرته وهي كاذبة طلقت، وإن قال: إن كلمت فلاناً فأنت طالق فكلمته مجنوناً أو نائماً لم تطلق. وإن كلمته بحيث يسمع إلا أنه تشاغل بشيء فلم يسمع، طلقت، وإن كلمه اصم فلم يسمع، للصمم فقد قيل: تطلق، وقيل: لا تطلق. وإن قال: أن كلمت رجلاً فأنت طالق، وإن كلمت طويلاً فأنت طالق، وإن كلمت فقيهاً فأنت طالق، فكلمت رجلاً طويلاً فقيها طلقت ثلاثاً. وإن قال: أنت طالق، إن دخلت الدار ـــ بفتح الألف ـــ وهو يعرف النحو، طلقت في الحال.
وإن قال: أنت طالق لرضاء فلان طلقت في الحال. وإن قال: أردت إن رضي فلان، قبل منه، وقيل: لا يقبل.
---(1/184)
وإن قال: أنت طالق، وقال: أردت إن دخلت الدار، لم يقبل في الحكم، ودين فيما بينه وبين الله عز وجل. وإن قال: أنت طالق إن دخلت الدار ثم قال: أردت في الحال، قبل منه، وإن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، ثم قال: عجلت لك ذلك لم يتعجل، وإن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم بانت منه ثم تزوجها فدخلت الدار ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: تطلق، والثاني: لا تطلق، والثالث: إن عادت بعد (الثلاث) لم تطلق، وإن عادت قبله طلقت، والأول أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
باب الشك في الطلاق وطلاق المريض
إذا شك هل طلق أم لا لم تطلق والورع أن يراجع، وإن شك هل طلق طلقة أو أكثر لزمه الأقل، والورع إن كان عادته أن يطلق ثلاثاً أن يبتدىء إيقاع الطلاق الثلاث، وإن طلق إحدى امرأتين بعينها ثم أشكلت، وقف عن وطئها حتى يتذكر، فإن قال: هذه بل هذه طلقتا، وإن وطىء إحداهما لم يتعين الطلاق في الأخرى. وإذا عيّن وجبت العدة من حين الطلاق، والنفقة عليه إلى أن يعَيّن. وإن طلق إحداهما لا بعينها لزمه أن يعيّن، فان قال: هذه، لا بل هذه، طلقت الأولة دون الثانية. وإذا وطىء إحداهما تعيّن الطلاق في الاخرى على ظاهر المذهب، وقيل: لا يتعين. فإذا عيّن وجبت العدة من حين الطلاق، وقيل: من حين التعيين، والأول أصح. والنفقة عليه إلى أن يعَيّن، فإن ماتت المرأتان قبل التعيين وقف من مال كل واحدة نصيب الزوج. وإن مات الزوج وقف لهما من ماله نصيب زوجه فإن قال الوارث: أنا اعرف الزوجة، فهل يرجع إليه؟ فيه قولان. وقيل: يرجع في الطلاق المعين، ولا يرجع في المبهم. وإن ماتت إحداهما، ثم مات الزوج، ثم ماتت الاخرى رجع إلى وارث الزوج، فإن قال: الأولة مطلقة، والثانية زوجة، قبل منه، وإن قال: الأولة زوجة والثانية مطلقة، فهل يقبل؟ فيه قولان، وإن قلنا: لا يرجع وقف الميراث حتى يصطلحا عليه.
---(1/185)
وإن قال لزوجته وأجنبية: إحداكما طالق، رجع إليه، فإن قال: أردت الاجنبية، قبل قوله. وإن كان له زوجة اسمها زينب فقال: زينب طالق، ثم قال: أردت أجنبية إسمها زينب لم يقبل في الحكم، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى. وإن قال: يا زينب فأجابته عمرة فقال: أنت طالق، وقال: ظننتها زينب طلقت عمرة، ولا تطلق زينب.
وإن قال: ان كان هذا الطائر غراباً فأنت طالق، فطار ولم يعرف، لم تطلق امرأته، وإن قال: إن كان غراباً فأنت طالق، وإن لم يكن غراباً فعبدي حر وقف عن التصرف فيهما حتى يعلم، فإن لم يعلم حتى مات فقد قيل: يقوم الوارث مقامه، وقيل: لا يقوم وهو الأصح. ويقرع بين العبد والزوجة، فإن خرج السهم على العبد عتق، وإن خرج على الزوجة لم تطلق، ولكن يملك التصرف في الصيد، وقيل: لا يملك.
وإن طلق امرأته ثلاثاً في المرض ومات، ولم ترثه في أصح القولين، وترثه في الآخر. وإلى متى ترث؟ فيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها ترث أي وقت مات، والثاني: إن مات قبل أن تنقضي العدة ورثت، وإن مات بعده لم ترث، والثالث: إن مات قبل أن تتزوج ورثته، وإن تزوجت لم ترثه، وإن سألته الطلاق الثلاث فقد قيل: لا ترث، وقيل: على قولين، وإن علق طلاقها على صفة تفوت بالموت بأن قال: ان لم أتزوج عليك فأنت طالق ثلاثاً، فمات فهل ترثه؟ على قولين، وإن علق طلاقها على صفة لا بد لها منه كالصوم والصلاة فهي على قولين، وإن لاعنها في القذف لم ترث وإن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، فوجدت الصفة وهو مريض لم ترث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 250
بابُ الرَجعَة
ـــ بفتح الراء وكسرها ـــ
---(1/186)
إذا طلق الحر امرأته طلقة أو طلقتين، أوطلق العبد امرأته طلقة بعد الدخول بغير عوض، فله أن يراجعها قبل أن تنقضي العدة، وله أن يطلقها، ويظاهر منها، ويولي منها قبل أن يراجعها، وهل له أن يخالعها؟ فيه قولان: أصحهما أنه له ذلك. وإن مات أحدهما ورثه الآخر، ولا يحل له وطؤها، والاستمتاع بها، قبل أن يراجعها، فإن وطئها ولم يراجعها فعليه المهر، وإن وطئها ثم راجعها لزمه المهر على ظاهر النص، وقيل فيه قول مخرج أنه لا يلزمه، وإن كان الطلاق قبل الدخول، أو بعد الدخول بعوض فلا رجعة إليه، وإن اختلفا فقال: فقد أصبتك فلي الرجعة، وإنكرت المرأة، فالقول قولها.
ولا تصح الرجعة إلا بالقول، وهو أن يقول: راجعتها، أو ارتجعتها، أو رددتها، فإن قال: أمسكتها فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح. وإن قال: تزوجتها أو نكحتها، فقد قيل: لا يصح، وقيل: يصح، والأول أظهر.
ولا يصح تعليق الرجعة على شرط، ولا تصح في حال الردة، فإن اختلفا فقال: راجعتك قبل انقضاء العدة، وقالت: بل انقضت عدتي ثم راجعتني، فإن كانت المرأة سبقت بدعوى انقضاء العدة، ثم قال الرجل: كنت راجعتك، فالقول قولها. وإن سبق الرجل بدعوى الرجعة ثم ادعت انقضاء العدة فالقول قوله. وإن ادعيا معاً فالمذهب أن القول قول المرأة. وقيل: يقرع بينهما.
وإذا طلق الحر امرأته دون الثلاث، أو العبد امرأته طلقة ثم رجعت إليه برجعة، أو بنكاح عادت بما بقي من عدد الطلاق. وإن طلق الحر امرأته ثلاثاً، أو طلق العبد امرأته طلقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره ويطأها في الفرج وأدناه أن تغيب الحشفة في الفرج، فإن كان مجبوباً وبقي من الذكر قدر الحشفة أحلها، وإن وطئها رجل بشبهة، أو كانت أمة فوطئها المولى لم تحل، وإن وطئها زوج في نكاح فاسد، ففيه قولان: أصحهما لا تحل. وإن كانت أمة فملكها الزوج قبل أن تنكح زوجاً غيره لم يحل وطئها بملك اليمين، وقيل: يحل، والأول أصح.
---(1/187)
وإن طلقها ثلاثاً أو غاب عنها فادعت أنها تزوجت بزوج أحلها له، وأن لم يقع في قلبه صدقها، كره له أن يتزوجها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 252
باب الايلاء
كل زوج صح طلاقه وهو قادر على الوطء صح إيلاؤه، وان كان غير قادر لمرض، صح ايلاؤه وإن كان لشلل، أو لجب ففيه قولان؛ أحدهما: يصح ايلاؤه، والثاني: لا يصح.
والإيلاء: هو أن يحلف با عز وجل يميناً يمنع الجماع في الفرج أكثر من أربعة أشهر، فإن حلف بغير الله عز وجل بأن قال: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً، إن وطئتك فعليّ صوم، أو صلاة، أو عتاق، ففيه قولان؛ أصحهما: أنه مول، والثاني: أنه ليس بمول.
وإن حلف على ترك الجماع في الدبر، أو فيما دون الفرج لم يكن مولياً.
وإن قال: وا لا أنيكك أو لا أغيّب ذكري في فرجك، أو واللَّه لا أفتضك، وهي بكر فهو مول، وان قال: واللَّه لا جامعتك أو لا وطئتك، فهو مول في الحكم، فإن نوى غيره، دين بينه وبين الله تعالى. وإن قال: وا لا باضعتك، أو لا باشرتك، أو لا لمستك، أو لا قربتك، ففيه قولان؛ أحدهما: انه مول في الحكم، فإن نوى غيره دين، والثاني: أنه ليس بمول إلا أن ينوي الوطء وهو الأصح وإن قال: وا لا اجمع رأسي ورأسك، أو لتطولَن غيبتي عنك، وما أشبهه، فإن نوى الوطء فهو مول، وإن لم ينو فليس بمول، وإن حلف ان لا يستوفي الإيلاج فليس بمول، وإن حلف على ترك الجماع أربعة أشهر لم يكن مولياً. وإن قال: وا لا وطئتك مدة لم يكن موليا، حتى ينوي أكثر من مدة أربعة أشهر. وإن قال: وا لا وطئتك أربعة أشهر، فإذا مضت فوا لا وطئتك أربعة أشهر فقد قيل: هو مول، وقيل: ليس بمول وهو الأصح. وإن قال: وا لا وطئتك حتى ينزل عيسى ابن مريم، أو يخرج الدجال، أو حتى أموت أو تموتي كان موليا.
وإن قال: وا لا وطئتك حتى أمرض، أو حتى يموت فلان لم يكن مولياً.
---(1/188)
وإن قال: وا لا وطئتك في السنة إلا مرة لم يكن مولياً في الحال، فإن وطئها وبقي من السنة أكثر من أربعة أشهر فهو مول. هكذا إن قال: ان أصبتك فوا لا اصبتك لم يكن مولياً في الحال، فإذا أصابها صار مولياً، وفيه قول آخر: انه يكون مولياً في الحال، والأول أصح، وإن قال: وا لا أصبتك في هذا البيت، لم يكن مولياً، وإن قال: ان وطئتك فعلي صوم هذا الشهر لم يكن مولياً، وإن قال: وا لا أصبتك ان شئت، فقالت في الحال: شئت صار مولياً، وإن أخرت لم يصر مولياً.
وإن قال لإربع نسوة: وا لا اصبتكن لم يصر مولياً، وإن وطىء ثلاثاً منهن صار مولياً من الرابعة، وإن قال: وا لا أصبت واحدة منكن صار مولياً من كل واحدة منهن. وإن قال: أردت واحدة بعينها قبل منه. وإن قال: وا لا أصبتك ثم قال لأخرى: اشركتك معها لم يصر مُولياً مِن الثانية. وإن قال: إن اصبتك فأنت طالق، ثم قال لأخرى: اشركتك معها كان مولياً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 253
وإذا صح الإيلاء ضربت له مدة أربعة أشهر.
---(1/189)
فإن كان هناك عذر من جهتها كالمرض، والحبس، والإحرام، والصوم الواجب، والإعتكاف الواجب، والنفاس، لم تحتسب المدة. فإذا زال ذلك استؤنفت المدة. وإن كان حيض حسبت المدة. وإن كان العذر من جهته كالحبس، والمرض، والصوم، والاحرام، والاعتكاف حسبت المدة، وإن طلقها طلقة رجعية، أو ارتد لم تحتسب المدة، فإذا انقضت المدة وطالبت المرأة بالفيئة وقف وطولب بالفيئة وهو الجماع، فإن كان فيها عذر يمنع الوطء لم يطالب، وإن كان العذر فيه فاء فيئة معذور، وهو أن يقول: لو قدرت لفئت، فإذا زال العذر طولب بالوطء، فإن انقضت المدة وهو مظاهر، لم يكن له أن يطأها حتى يكفِّر، فإن قال: أمهلوني حتى أطلب رقبة، فاعتق ثم إطأ أنظر ثلاثة أيام، وإن لم يكن له عذر يمنع الوطء فقال: انظروني أُنظر يوماً، ونحوه في أحد القولين، وثلاثة أيام في القول الآخر، فإن جامع، وأدناه أن تغيب الحشفة، فقد أوفاها حقها، فإذا جامعها، فإن كانت اليمين با عز وجل لزمته الكفارة في أصح القولين، ولا تلزمه في الآخر، وإن كانت اليمين على صوم أو عتق، فله أن يخرج منه بكفارة يمين، وله أن يفي بما نذر.
وإن كان بالطلاق الثلاث طلقت ثلاثاً وقيل: إن كانت اليمين بالطلاق الثلاث لم يجامع والمذهب الأول، وإن جامع لزمه النزع. فإن استدام لزمه المهر دون الحد، فإن أخرج ثم عاد لزمه المهر، وقيل: يلزمه الحد، وقيل: لا يلزمه، وإن لم يف طولب بالطلاق وادناه طلقة رجعية، فإن لم يطلق ففيه قولان؛ أحدهما: يجبر عليه، والثاني: يطلق الحاكم عليه وهو الأصح، فإن راجعها وبقيت من المدة أكثر من أربعة أشهر، ضربت له المدة، ثم يطالب بالفيئة أو الطلاق، وإن لم يراجع حتى انقضت العدة، وبانت فتزوجها، فهل يعود الإيلاء أم لا؟ على الأقوال الثلاثة التي ذكرناها في كتاب الطلاق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 253
باب الظهار
من صح طلاقه صح ظهاره، ومن لا يصح طلاقه (كالصبي المجنون)، لا يصح ظهاره.
---(1/190)
والظهار: أن يشبه امرأته بظهر أمه، أو بعضو من اعضائها فيقول: أنت عليّ كظهر أمي، أو كفرجها، أو كيدها، وخرج فيه قول آخر أنه لا يكون مظاهراً في غير الظهر.
وإن شبّهها بغير أمه من ذوات المحارم كالاخت، والعمة، ففيه قولان: أصحهما أنه مظاهر.
وإن شبّهها بامرأة حرمت عليه بمصاهرة، أو رضاع، فإن كانت ممن حلت له في وقت، ثم حرمت لم يكن مظاهراً، وإن لم تحل له اصلاً فعلى قولين.
وإن قال: أنت عليّ كأمي، أو مثل أمي لم يكن مظاهراً إلا بالنية.
وإن قال: أنت طالق كظهر أمي، فقال: أردت الطلاق والظهار، فإن كان الطلاق رجعياً صارت مطلقة ومظاهراً منها، وإن كان بائناً لم يصر مظاهراً منها، وإن قال: أردت بقولي «أنت طالق» الظهار لم يقبل منه.
و(لو) قال: أنتِ عليّ حرام كظهر أمي، ولم ينو شيئاً فهو ظهار. وإن نوى الطلاق فهو طلاق في أصح الروايتين، فإن نوى به الطلاق والظهار، كان طلاقاً وظهاراً. وقيل: لا يكون ظهاراً. وإن نوى تحريم عينها قبل منه، وعليه كفارة يمين، وقيل: لا يقبل ويكون مظاهراً، ويصح الظهار معجلاً ومعلقاً على شرط، فإذا وجد صار مظاهراً، وإن قال: إذا تظاهرت مِن فلانة فانت علي كظهر أمي، وفلانة أجنبية فتزوجها وظاهر منها صار مظاهراً مِن الزوجة، وإن قال: إذا تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت عليّ كظهر أمي، ثم تزوجها، وظاهر منها فقد قيل: يصير مظاهراً من الزوجة، وقيل: لا يصير: وهو الأصح.
ويصح الظهار مطلقاً، ومؤقتاً في أصح القولين، وهو أن يقول: أنت عليّ كظهر أمي شهراً أو يوماً.
ومتى صح الظهار، ووجد العود، وجبت الكفارة، والعود هو أن يمسكها بعد الظهار زماناً يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق، فإذا وجد ذلك وجبت الكفارة واستقرت، فإن مات قبل امكان الطلاق، أو عقب الظهار بالطلاق لم تجب الكفارة.
---(1/191)
وإن ظاهر من رجعية لم يصر بترك الطلاق عائداً، فإن راجعها أو بانت، ثم تزوجها وقلنا: يعود الظهار، فهل يكون الرجعة والنكاح عوداً أم لا؟ فيه قولان.
وإن ظاهر الكافر من امرأته فأسلم عقيب الظهار فقد قيل: إسلامه عود، وقيل: ليس بعود، وإن كان قذفها ثم ظاهر منها، ثم لاعنها، فقد قيل انه صار عائداً وقيل: لم يصر عائداً. وإن بقيت من اللعان الكلمة الخامسة فظاهر منها ثم أتى بالكلمة (الخامسة) لم يصر عائداً. وإن كانت الزوجة أمة فابتاعها الزوج عقيب الظهار فقد قيل: أن ذلك عود فلا يطأها بالملك حتى يكفّر، وقيل: ليس بعود، وإن ظاهر منها ظهاراً مؤقتاً فأمسكها زماناً يمكن فيه الطلاق صار عائداً، وقيل: لا يصير عائداً إلا بالوطء وإن تظاهر من أربع نسوة بكلمة واحدة لزمه لكل واحدة كفارة في أصح القولين، وتلزمه كفارة في القول الآخر، وإن كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة وأراد الاستئناف ففيه قولان؛ أصحهما: أنه يلزمه لكل مرة كفارة. والثاني: يلزمه للجميع كفارة واحدة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 256
وإذا وجبت الكفارة، حرم وطئها إلى أن يكفِّر، وهل تحرم المباشرة بشهوة فيما دون الفرج؟ فيه قولان: أصحهما أنه لا تحرم.
---(1/192)
والكفارة أن يعتق رقبة مؤمنة، سليمة من العيوب التي تضر بالعمل كالعمى، والزمانة، وقطع اليد أو الرجل، وقطع الإبهام، أو السبابة أو الوسطى، فإن كان مقطوع الخنصر والبنصر لم يجزئه، وإن قطع أحدهما أجزأه، وإن كان مقطوع الانملة من الابهام لم يجزئه، وإن كان من غيرها اجزأه، ويجزىء العوراء والعرجاء عرجاً يسيراً، والأصم، والأخرس إذا فهمت إشارته، فإن جمع بين الصمم والخرس لم يجزئه، ولا يجزىء المجنون المطبق، ويجزىء من يجن ويفيق، ولا يجزىء المريض المأيوس منه، ولا النحيف الذي لا عمل فيه، ولا تجزىء أم الولد، ولا المكاتب، ويجزىء المدبر، والمعتق بصفة، ولا يجزىء المغصوب. وفي الغائب الذي انقطع خبره قولان، وإن اشترى من يعتق عليه بالقرابة ونوى الكفارة لم يجزئه. وإن اشترى عبداً بشرط العتق فأعتقه عن الكفارة لم يجزئه، وإن اعتق عبداً عن الكفارة بعوض لم يجزئه. وإن اعتق شركاً له في عبد وهو موسر ونوى (الكفارة) اجزأه، وقوم عليه نصيب شريكه، وإن اعتق نصف عبدين فقد قيل: يجزئه، وقيل: لا يجزئه، وقيل: إن كان الباقي حراً اجزأه، وإن كان عبداً لم يجزئه، وإن كان عادماً للرقبة، وثمنها، أو واجداً وهو محتاج إليها للخدمة، أو إلى ثمنها للنفقة كفّر بالصوم، وإن كان واجداً لما يصرفه في العتق في بلده عاد ماله في موضعه، فقد قيل: يكفر بالصوم، وقيل: لا يكفر.
وإن اختلف حاله ما بين أن يجب إلى حال الأداء وكان موسراً في أحد الحالين، معسراً في الأخرى، اعتبر حاله عند الوجوب في أصح الأقوال، ويعتبر حاله عند الأداء في الثاني، ويعتبر اغلظ الحالين في الثالث.
وكفارة الصوم أن يصوم شهرين متتابعين، بالأهلة فإن دخل فيه في اثناء الشهر لزمه شهر تام بالعدد، وشهر بالهلال تم أو نقص، وإن خرج منه بما يمكن التحرز منه، كالعيد، وشهر رمضان، بطل التتابع، وإن أفطر بما لا يمكن التحرز منه كالمرض ففيه قولان.
---(1/193)
وإن افطر بالسفر فقد قيل: يبطل، وقيل: على قولين. وإن لم يستطع الصوم لكبر أو مرض لا يرجى زواله، كَفَّر بالطعام فيطعم ستين مسكيناً كل مسكين مداً من قوت البلد، وهو رطل وثلث، فإن اخرج من دون قوت البلد من حب تجب فيه الزكاة ففيه قولان. وإن كان قوت البلد مما لا زكاة فيه فإن كان أقطاً فعلى قولين، وإن كان لحماً أو لبناً فقد قيل: لا يجوز، وقيل: على قولين، وإن كان في موضع لا قوت فيه أخرج من قوت أقرب المواضع إليه، ولا يجزىء فيه الدقيق، ولا السويق، ولا الخبز، ولا القيمة، فإن غدّاهم أو عشاهم بذلك، لم يجزئه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 256
ولا يجوز دفعه إلى مكاتب، ولا (إلى) كافر، ولا إلى من تلزمه نفقته، ولا يجوز أن يدفع إلى أقل من ستين مسكيناً، ولا يجزىء شيء من الكفارات إلا بالنية، ويكفيه في النية أن ينوي العتق، أو الصوم، أو الإطعام عن الكفارة، وقيل: يلزمه أن ينوي في الصوم التتابع في كل ليلة، وقيل: في أول الصوم، والصحيح أنه لا يلزمه ذلك، وإن كان المظاهر عبداً كَفَّر بالصوم وحده، وإن كان كافراً كفر بالمال دون الصوم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 256
باب اللعان
يصح اللعان من كل زوج بالغ عاقل، وإذا قذف زوجته من يصح لعانه، ووجب عليه الحد أو التعزير، وطولب به، فله أن يسقطه باللعان، فإن عفت عن ذلك، لم يلاعِن، وقيل: له أن يلاعن، وليس بشيء، فإن لم تطالب ولم يعف، فقد قيل: له أن يلاعن، وقيل: ليس له، وهو الأصح.
وإن قذفها بالزنا ومثلها لا توطأ، عُزِّرَ ولم يلاعن.
---(1/194)
وإن قذفها وهي زانية، عُزِّرَ ولم يلاعن في ظاهر المذهب، وإن قذف امرأته ولم يلاعن فَحُدَّ، ثم قذفها ثانياً عُزِّرَ ولم يلاعن. وإن قذفها وانتفى عن ولدها، لاعن، وإن قذفها وانتفى عن حملها فله أن يلاعنها في الحال، وله أن يؤخر إلى أن تضع، وإن انتفى عن ولدها وقال: وطئك فلان بشبهة، عرض الولد على القافة ولم يلاعن لنفيه، وإن قال: هو من فلان، وقد زنا بك، وأنت مكرهة، ففيه قولان؛ أصحهما: أنه يلاعن لنفيه.
وإن قذف زوجته بزنا إضافة إلى ما قبل النكاح، ولم يكن هناك ولد لم يلاعن، وإن كان هناك ولد فقد قيل: لا يلاعن، وقيل: يلاعن وهو الأصح، وإن أبانها وقذفها بزنا اضافه إلى حال النكاح فإن لم يكن هناك ولد حُدَّ، ولم يلاعن، فإن كان هناك ولد منفصل لاعن لنفيه، وإن كان حملاً لم ينفصل فقد قيل: لا يلاعن حتى ينفصل، وقيل: فيه قولان.
وإن قذف أربع نسوة لاعن أربع مرات، فإن كان بكلمة واحدة وتشاححن في البداية أقرع بينهن، فإن بدأ الحاكم بلعان واحدة من غير قرعة جاز، وإن وطىء امرأة في نكاح فاسد فأتت بولد فانتفى عنه لاعن.
واللعان: أن يأمره الحاكم، فيقول أربع مرات: أشهد با أني لمن الصادقين فيما رميتها به، ويسميها إن كانت غائبة. ويشير إليها إن كانت حاضرة، وقيل: يجمع بين الاسم والاشارة. ويقول في الخامسة: وعليّ لعنة الله ان كنت من الكاذبين. وإن كان هناك نسب ذكره في كل مرة.
وإن قذفها بزناءين ذكرهما في اللعان، فإذا لاعن سقط عنه الحد، وانتفى عنه النسب، ووجب عليها حد الزنا، وبانت منه، وحرمت على التأبيد. وإن كان قد سمى الزاني وذكره في اللعان سقط ما وجب عليه من حده وان لم يسمه ففيه قولان؛ أحدهما: يسقط عنه حده، والثاني: لا يسقط، وقيل: إن كان اللعان في نكاح فاسد لم يحرم على التأبيد وليس بشيء.
---(1/195)
وللمرأة أن تلاعن لدرء الحد عنها فيأمرها الحاكم أن تقول أربع مرات: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به مِن الزنا، وفي الخامسة تقول: وعليّ غضب الله إن كان من الصادقين، فإذا لاعنت سقط عنها الحد وإن أبدل لفظ الشهادة بالحلف، أو القسم، فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وإن أبدلت لفظ الغضب باللعنة لم يجز. وإن أبدل الزوج لفظ اللعنة بالغضب فقد قيل: يجوز: وقيل: لا يجوز. وإن قدم لفظ اللعنة أو الغضب على الشهادة لم يجز، وقيل: يجوز، والأول أصح، وإن لاعنت المرأة قبل الرجل لم يعتد به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 259
والمستحب أن يتلاعنا مِن قيام، فإذا بلغ الرجل إلى اللعنة، أو بلغت المرأة إلى الغضب استحب للحاكم أن يقول: أنها موجبة للعذاب، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. ويأمر رجلاً أن يضع يده على فمه، ويأمر امرأة أن تضع يدها على فمها فإن أبيا تركهما ويُلاعن بينهما بحضرة جماعة وأقلهم أربعة، ويلاعن بينهما بعد العصر، فإن كان بمكة لاعن (بينهما) بين الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند منبر رسول الله ، وإن كان ببيت المقدس فعند الصخرة، وإن كان في غيرها من البلاد ففي الجوامع عند المنبر أو على المنبر فإن كان أحدهما جنباً لاعن على باب المسجد وإن كانا ذميين لاعن بينهما في المواضع التي يعظمونها، وإن ترك التغليظ بالجماعة، والزمان جاز، وإن ترك التغليظ بالمكان ففيه قولان. وإذا تلاعنا ثم قذفها اجنبي حد، فإن قذفها الزوج عزر، ولم يلاعن على ظاهر المذهب. فإن اكذب الزوج نفسه حد إن كانت محصنة، وعزر أن كانت غير محصنة ولحقه النسب، وإن أكذبت المرأة نفسها حدت بحد الزنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 259
باب ما يلحق من النسب، وما لا يلحق
---(1/196)
من تزوج بامرأة، فأتت بولد يمكن أن يكون منه، لحقه نسبه، ولا ينتفي عنه إلا باللعان. وإن لم يمكن أن يكون منه بأن يكون له دون عشر سنين أو كان مقطوع الذكر والانثيين جميعاً، أو اتت به امرأته لدون ستة أشهر من حين العقد، أو أتت به مع العلم بأنه لم يجتمع معها، أو أتت به لأكثر من أربع سنين من حين اجتمع معها، انتفى عنه من غير لعان، فإن وطئها ثم طلقها طلاقاً رجعياً، ثم أتت بولد لأكثر من أربع سنين من حين الطلاق، ففيه قولان؛ أحدهما: لا يلحقه، والثاني: يلحقه، ولا ينتفي عنه إلا بلعان، وإن أبانها وانقضت عدتها ثم تزوجت بآخر ثم أتت بولد بستة أشهر من حين النكاح الثاني فهو للزوج الثاني.
---(1/197)
وإن وطىء امرأة بشبهة فأتت بولد يمكن أن يكون منه لحقه، ولا ينتفي عنه إلا بلعان، ومن لحقه نسب يعلم أنه من زنا لزمه نفيه باللعان، وإن رأى فيه شبهاً بغيره، فقد قيل: له نفيه باللعان، وقيل: ليس له ذلك، ومن لحقه نسب فأخر نفيه من غير عذر سقط نفيه. وقيل فيه قول آخر: أن له نفيه إلى ثلاثة أيام وإن ادعى أنه لم يعلم بالولادة ومثله يجوز أنه يخفى عليه فالقول قوله، وإن قال: لم أعلم أن لي النفي أو لم أعلم ان النفي على الفور، فإن كان قريب العهد بالاسلام قبل منه، وإن كان يجالس العلماء لم يقبل منه، وإن كان من العامة فقد قيل: يقبل منه، وقيل: لا يقبل، وإن أخر النفي لعذر من مرض، أو حبس، أو حفظ مال، أو كان غائباً، ولم يمكنه أن يسير لخوف ونحوه وبعث إلى الحاكم وأعلمه أنه على النفي كان له نفيه، أو إن لم ينفه ولم يشهد لم يجز له نفيه، وإن كان الولد حملاً فترك نفيه وقال: لم أتحقق، قبل منه، وإن قال: علمت ولكني قلت لعله يموت، فأكفى اللعان لحقهُ، وإن هُنّىء بالولد فقيل له: بارك الله لك فيه، أو جعله الله خلفاً مباركاً، فأجاب بما يتضمن الإقرار بأن امّن على الدعاء وما أشبهه لزمه، وإن أجاب بما لا يتضمن الاقرار بأن قال: بارك الله عليك، أو رزقك الله مثله، أو أحسن الله جزاءك، لم يلزمه. وإن أتت امرأته بولدين بينهما دون ستة أشهر فأقر بأحدهما، أو أخر نفيه لحقه الولدان. وإن مات الولد قبل النفي جاز له نفيه بعد الموت. ومن أتت أمته بولد يمكن أن يكون منه فإن لم يطأها لم يلحقه وان وطئها لحقه ولا ينتفي عنه إلا أن يدعي الاستبراء أو يحلف عليه، وإن قال: كنت أطأ وأعزل لحقه، وإن قال: كنت اطؤها دون الفرج فقد قيل: يلحقه وقيل: لا يلحقه، وإن وطىء أمته، ثم أعتقها، واستبرأت، وأتت بولد لستة أشهر من حين العتق لم يلحقه، وقيل: يلحقه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 261
---(1/198)
وإن اشترك اثنان في وطء امرأة فأتت بولد، لو انفرد به كل واحد منهما لحقه، عرض على القافة، فإن لحقته بأحدهما لحقه.
وإن لم يكن قافة أو كانت وأشكل عليها، أو ألحقته بهما، أو نفته عنهما ترك حتى يبلغ فينتسب إلى من يقوى في نفسه أنه أبوه. ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكراً حراً عدلاً مجرباً في معرفة النسب، ويجوز أن يكون واحداً، وقيل: لا بد من اثنين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 261
كتاب الأَيْمَان
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
باب من يصح يمينه وما يصح به اليمين
يصح اليمين من كل بالغ، عاقل، مختار، قاصد إلى اليمين، فأما الصبي فلا يصح يمينه، ومن زال عقله بنوم أو مرض لا يصح يمينه، وإن زال بمحرّم صحت يمينه، وقيل: فيه قولان، ومن أكره على اليمين لم يصح يمينه، ومن لم يقصد اليمين فسبق لسانه إليها، أو قصد اليمين على شيء فسبقت يمينه إلى غيرها لم يصح يمينه وذلك لغو اليمين الذي لا يؤاخذ به.
ويصح اليمين على الماضي والمستقبل، فإن حلف على ماضٍ وهو صادق فلا شيء عليه، وإن كان كاذباً أثم، وعليه الكفارة، وهذه اليمين هي اليمين الغموس، وإن حلف على مستقبل فإن كان على أمر مباح، فقد قيل: الأولى أن لا يحنث، وقيل: الأولى أن يحنث، وإن حلف على فعل مكروه، أو ترك مستحب، فالأولى أن يحنث.
---(1/199)
ويكره أن يحلف بغير الله عز وجل، فإن حلف بغيره كالنبي، والكعبة، لم ينعقد يمينه، وإن قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني لم ينعقد يمينه، ويستغفر الله تعالى، ويقول: لا إله إلا الله. فإن حلف باسم تعالى لا يسمي به غيره كقوله: وا، والرحمن، والقدوس، والمهيمن، وعالم الغيب، وخالق الخلق، والواحد الذي ليس كمثله شيء، وما أشبهه، انعقدت يمينه، وإن حلف باسم له يسمى به غيره مع التقييد كالرب والرحيم، والقادر، والقاهر، ولم ينو به غيره انعقدت يمينه، وان نوى به غيره لم ينعقد يمينه، وإن حلف بما يشترك فيه هو وغيره كالحي، والموجود، والغني، والسميع، والبصير، لم ينعقد يمينه إلا أن ينوي به الله عز وجل، وإن قال: واللَّهِ لأفعلنَّ كذا، لم يكن يميناً، إلا أن ينوي به اليمين، وإن قال: با لأفعلن كذا، وأراد: با استعين لأفعلن كذا، لم يكن يميناً.
وإن حلف بصفة من صفات الذات لا يُحتمل غيره وهي: وعظمة الله، وجلال الله، وعزة الله، وكبرياء الله، وبقاء الله، وكلام الله، والقرآن، انعقدت يمينه، وإن كانت تستعمل في مخلوق وهو قوله: وعلم الله، وقدرة الله، وحق الله، ونوى بالعلم المعلوم، وبالقدرة المقدور، وبالحق العبادات، لم ينعقد يمينه، وإن لم ينو شيئاً انعقدت يمينه.
وإن قال: لعمر الله، فهو يمين، إلا أن ينوي به غير اليمين على ظاهر المذهب، وقيل: ليس بيمين إلا أن ينوي به اليمين.
وإن قال: اقسمت با، أو أقسم با، انعقدت يمينه، فإن قال: أردت بالأول الخبر عن ماض، وبالثاني الخبر عن مستقبل، قبل فيما بينه وبين الله عز وجل. وهل يصدق في الحكم؟ قيل: لا يصدق وقيل: إن كان في الايلاء لم يصدق، وإن كان في غيره صدق، وقيل: فيه قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
وإن قال: أشهد با، فقد قيل: هو يمين، إلا أن ينوي بالشهادة غير القسم، وقيل: ليس بيمين إلا أن ينوي به القسم.
---
وإن قال: اعزم با، لم يكن يميناً، إلا أن ينوي به اليمين.(1/200)
وإن قال: عليّ عهد الله وميثاقه، وذمة الله، وأمانته وكفالته، لأفعلن كذا فليس بيمين، إلا أن ينوي به اليمين وإن قال: أسألك با، واقسمت عليك با لتفعلن كذا فليس بيمين، إلا أن ينوي به اليمين.
وإن حلف رجل با تعالى، فقال آخر: يميني في يمينك، أو يلزمني مثل ما يلزمك، لم يلزمه شيء، وإن كان ذلك في الطلاق والعتاق ونوى لزمه مثل ما لزم الحالف، وإن قال: اليمين لازمة لي، لم يلزمه شيء، وإن قال: الطلاق والعتاق لازم لي، ونواه لزمه. وإن قال: الحلال عَلَيَّ حرام ولم تكن له زوجة، ولا جارية، لم يلزمه شيء. وإن كانت له زوجة فنوى طلاقها، أو جارية فنوى عتاقها، وقع الطلاق والعتاق وإن نوى الظهار صح الظهار في الزوجة دون الأمة. وإن نوى تحريمهما لزمه بنفس اللفظ لكل واحدة كفارة يمين، وإن لم ينو شيئاً، ففيه قولان؛ أحدهما: لا يلزمه شيء، والثاني: أنه يلزمه كفارة يمين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
باب جامع الأَيمان
إذا قال: وا لا سكنت داراً وهو فيها، وأمكنه الخروج منها، ولم يخرج حنث، وإن خرج منها بنية التحول لم يحنث، وإن رجع إليها لنقل القماش لم يحنث.
وإن حلف لا يساكن فلاناً، فسكن كل واحد منهما في بيت من دار كبيرة أو خان وانفرد بباب وغلق، لم يحنث. وإن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها، ولم يخرج ففيه قولان. وإن حلف لا يلبس ثوباً، وهو لابسه، واستدام، أو لا يركب دابة وهو راكبها واستدام حنث، وإن حلف لا يتزوج وهو متزوج، أو يتطهر وهو متطهر، أو لا يتطيب وهو متطيب فاستدام لم يحنث، وإن حلف لا يدخل داراً فصعد سطحها لم يحنث، وقيل: إن كان محجراً حنث، وإن كان فيها نهر فحصل في النهر الذي فيها، أو صعد شجرة يحيط بها حيطان الدار حنث.
---(1/201)
وإن حلف لا يدخل دار فلان هذه، فباعها ودخلها حنث. وإن حلف لا يدخل دار فلان فدخل داراً تسكنها بكراء أو عارية لم يحنث، إلا أن ينوي ما يسكنها. وإن حلف لا يدخل مسكن فلان فدخل ما يسكنها بإجارة أو اعارة حنث. وإن حلف لا يدخل هذه الدار فصارت عَرَصَة فدخلها لم يحنث، وإن أعيدت بنقضها فدخلها، فقد قيل: يحنث، وقيل: يحنث. وإن قال: وا لا دخلت هذه الدار من بابها فحول بابها إلى موضع آخر، فقد قيل: لا يحنث وهو ظاهر النص، وقيل: يحنث وهو الأظهر. وإن حلف لا يدخل بيتاً، فدخل بيتاً من شعر أو أدم حنث على ظاهر النص، وقيل: إن كان حضرياً لم يحنث. وإن حلف لا يدخل بيتاً فدخل مسجداً لم يحنث، وإن حلف لا يأكل هذه الحنطة، فجعلها دقيقاً أو سويقاً أو خبزاً فأكله لم يحنث. وإن حلف لا يأكل الخبز فشرب الفتيت لم يحنث. وإن حلف لا يشرب السويق فاستفه لم يحنث. وإن حلف لا يذوق شيئاً فمضغه ولفظه فقد قيل: يحنث، وقيل: لا يحنث. وإن حلف لا يأكل سمناً فأكله في عصيدة وهو ظاهر فيها حنث، وإن أكله مع الخبز حنث على ظاهر المذهب. وقيل: لا يحنث. وإن حلف لا يشرب من هذا الكوز، فجعل ما فيه في غيره وشربه لم يحنث، وإن حلف لا يشرب مِن هذا النهر فشرب ماءه في كوز حنث. وإن حلف لا يأكل لحماً فأكل شحماً أو كلية أو ثَرْبا، أو كَرِشاً، أو كبداً أو طحالاً، أو قلباً لم يحنث، وإن أكل الشحم الذي على الظهر حنث، وإن أكل الإلية لم يحنث، وقيل: يحنث، وإن أكل السمك لم يحنث، وإن حلف على الشحم فأكل سمين الظهر، أو الإلية، لم يحنث. وإن حلف لا يأكل الرؤوس لم يحنث، إلا بما يباع منفرداً وهي رؤوس الإبل، والبقر، والغنم، وإن كان في بلد تباع رؤوس الصيد فيه منفردة حنث بأكلها، وإن كان في بلد لا تباع فيه، فقد قيل: يحنث، وقيل: لا يحنث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 267
---(1/202)
وإن حلف لا يأكل البيض لم يحنث، إلا بما يفارق بائضه، فإن أكل بيض السمك أو الجراد لم يحنث. وإن حلف لا يأكل إدما حنث بأكل الملح واللحم وإن أكل التمر لم يحنث وقيل: يحتمل أن يحنث.
وإن حلف لا يأكل بسرة أو رطبة فأكل منصفًا لم يحنث. وإن حلف لا يأكل لبناً فأكل شيرازاً أو دُوْغاً حنث، وإن أكل جبناً، أو لُوُرا، أو مَصلاً، أو كَشكاً، أو أقطاً لم يحنث.
وإن حلف لا يأكل فاكهة فأكل الرطب، أو العنب، أو الرمان، حنث.
وإن حلف لا يَشم الريحان فشم الضميران حنث، وإن شم الورد، والياسمين، لم يحنث.
وإن حلف لا يلبس شيئاً فلبس درعاً، أو جوشناً، أو خفاً، أو نعلاً، أو حنث، وقيل: لا يحنث. وإن حلف على رداء أنه لا يلبسه ولم يذكر الرداء في يمينه فقطعه قميصاً ولبس حنث، وقيل: لا يحنث.
وإن حلف لا يلبس حلياً فلبس خاتماً، أو مخنقة لؤلؤ حنث.
وإن مَنَّ عليه رجل فحلف لا يشرب له ماءً من عطش، فأكل له خبزاً، أو لبس له ثوباً، أو شرب له ماء من غير عطش لم يحنث. وإن حلف لا يلبس له ثوباً فوهبه منه أو أشتراه، أو لبس ما اشترى له لم يحنث.
وإن حلف لا يضربها فنتف شعرها، أو عضها لم يحنث.
وإن حلف لا يهب له، فتصدق عليه حنث.
وإن اعاره أو أوصى له، لم يحنث، وإن وهب له فلم يقبل، لم يحنث، وإن قبل ولم يقبضه لم يحنث، وقيل: يحنث.
وإن حلف لا يتكلم فقرأ القرآن لم يحنث. وإن حلف لا يكلمه، فراسله، أو كاتبه، أو أشار إليه لم يحنث في أصح القولين.
وإن قال: لا صلّيت، فأحرم بها، حنث، وقيل: لا يحنث حتى يركع.
وإن حلف لا مال له، وله دين مؤجل، فقد قيل: يحنث، وقيل: لا يحنث. وإن حلف ما له رقيق، أو ما له عبد، وله مكاتب، لم يحنث في أظهر القولين، ويحنث في الآخر، وإن حلف لا تسريت، فقد قيل: لا يحنث حتى يحصن الجارية ويطأها وينزل، وقيل: يحنث بالتحصين، والوطء، وقيل: يحنث بالوطء وحده.
---(1/203)
وإن قال: لا رأيت منكراً إلا رفعته إلى القاضي فلان، ولم ينو أنه يرفع إليه، وهو قاض فعُزل ثم رفع إليه فقد قيل: يحنث، وقيل: لا يحنث. وإن قال: لا رأيت منكراً إلا رفعته إلى القاضي، حمل على قاضي ذلك البلد من كان.
وإن حلف لا يكلم فلاناً حيناً، أو دهراً، أو زماناً، أو حقباً بر بأدنى زمان.
وإن حلف لا يستخدم فلاناً، فخدمه وهو ساكت، لم يحنث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 267
وإن حلف لا يتزوج، أو لا يطلق، فوكل فيه غيره حتى فعل، لم يحنث.
وإن حلف لا يبيع أو لا يضرب، فوكل فيه غيره، حتى فعل لم يحنث في أظهر القولين، وفيه قول آخر: أنه إن كان ممن لا يتولى ذلك بنفسه حنث.
وإن حلف ليضربن عبده مائة سَوط، فشد مائة سوط، وضربه ضربة واحدة، وتحقق أن الكل أصابه بر، وان لم يتحقق لم يبر، والورع ان يكفِّر، وإن حلف ليضربنه مائة ضربة فضربه بالمائة المشدودة دفعة واحدة فقد قيل: يبر، وقيل: لا يبر. وإن حلف ليأكل هذه التمرة، فاختلطت بتمر فأكله إلا تمرة ولم يعرف أنها المحلوف عليها لم يحنث، والورع أن يكفر. وإن حلف لا يأكل رغيفين فأكلهما إلا لقمة لم يحنث. وإن حلف لا يأكل هذه الرمانة، فأكلها إلا حبّة لم يحنث. وإن حلف لا يشرب ماء الكوز فشربه إلا جُرعة لم يحنث. وإن حلف لا يشرب ماء النهر وشرب منه لم يحنث، وقيل: يحنث بشرب بعضه. وإن حلف لا يأكل مما اشتراه زيد، فأكل مما اشتراه زيد وعمرو لم يحنث، وإن اشترى كل واحد منهما شيئاً فخلطاه فأكل منه فقد قيل: لا يحنث حتى يأكل أكثر من النصف، وقيل: إن أكل حبّة، أو عشرين حبّة لم يحنث، وإن كان أكل كفاً حنث.
---(1/204)
وإن حلف لا يدخل الدار فدخلها ناسياً، أو جاهلاً، ففيه قولان، وإن أدخل على ظهر انسان باختياره حنث، وإن أكره حتى دخل ففيه قولان، وإن حمل مكرهاً لم يحنث، وقيل: على قولين. وإن حلف ليأكلنّ هذا الرغيف غداً، فأكله في يَومه حنث، وإن تلف في يومه فعلى القولين كالمكره. فإن تلف من الغد، وتمكن من أكله، فقد قيل: يحنث وقيل: على القولين، وهو الأشبه.
وإن قال: لا فارقت غريمي، فهرب منه لم يحنث. وإن حلف فقال: إن شاء الله متصلاً باليمين، لم يحنث. وإن جرى الاستثناء على لسانه على العادة، ولم يقصد به رفع اليمين، لم يصح الاستثناء، وإن عقد اليمين ثم عنّ له الأستثناء لم يصح الاستثناء. وإن عنّ له الاستثناء في أثناء اليمين فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح وإن قال: لا سلمت على فلان، فسلم على قوم هو فيهم، واستثناه بقلبه لا يحنث، وإن لم ينو شيئاً ففيه قولان.
وإن قال: لا دخلت على فلان، فدخل على قوم هو فيهم، واستثناه بقلبه، فقد قيل: لا يحنث، وقيل: يحنث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 267
باب كفارة اليمين
إذا حلف وحنث لزمته الكفارة، فإن كان يكفِّر بالصوم لم يجز حتى يحنث، وإن كان يكفِّر بالمال فالأولى أن لا يكفِّر حتى يحنث. فإن كفَّر جاز قبل أن يحنث، وقيل: إن كان الحنث بمعصية لم يجز حتى يكفر قبل الحنث وليس بشيء.
والكفارة أن يعتق رقبة، أو يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم، والخيار في ذلك إليه، فإن أراد العتق اعتق رقبة كما ذكرنا في الظهار، وإن أراد الإطعام اطعم كل مسكين رطلاً وثلثاً كما ذكرنا في الظهار، وإن أراد الكسوة دفع إلى كل مسكين ما يقع عليه إسم الكسوة مِن قميص، أو سراويل، أو منديل، أو مئزر، فإن اعطاهم قلنسوة فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، ولا يجوز فيه الخلَق، ويجوز ما غسل دفعة، أو دفعتين.
---(1/205)
فإن كان معسراً لا يقدر على المال، كفَّر بالصوم، وإن كان له مال غائب لم يجز أن يكفِّر بالصوم، والصوم ثلاثة أيام، والأولى أن يكون متتابعًا، فإن فرقها ففيه قولان: أصحهما أنه يجوز. وإن كان الحالف كافراً لم يجز أن يكفر بالصوم، فإن كان عبداً فاذن له المولى في التكفير بالمال لم يجز له في أصح القولين، ويجوز في الآخر بالإطعام والكسوة دون العتق.
وإن أراد أن يُكفر بالصوم في وقت لا ضرر على مولاه فيه جاز، وإن كان عليه فيه ضرر نظر، فإن حلف بغير إِذنه وحنث بغير إِذنه لم يجز، وإن حلف بإذنه وحنث بغير إِذنه، فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وهو الأصح، فإن خالف وصام اجزأه.
وإن كان نصفه حراً، ونصفه عبداً، وله مال، كفر بالطعام والكسوة، وقيل: هو كالعبد القن، والأول أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
باب العدة
إذا طلق امرأته بعد الدخول، وجبت عليها العدة، وإن طلقها بعد الخلوة، ففيه قولان: أصحهما أنه لا عدة عليها.
ومن وجبت عليها العدة وهي حامل اعتدت بوضع الحمل وأكثره أربع سنين، وإن وضعت ما لم يتصور فيه خلق آدمي، وشهد القوابل أن ذلك خلق آدمي فقد قيل: تنقضي به العدة وقيل: فيه قولان.
وإن كانت مِن ذوات الأقراء اعتدت بثلاثة أطهار. ومتى يحكم بانقضاء العدة؟ قيل فيه قولان؛ أحدهما: إن كان الطلاق في طهر انقضت العدة بالطعن في الحيضة الثالثة، وإن كان في الحيض انقضت العدة بالطعن في الحيضة الرابعة، والقول الثاني: لا تنقضي العدة حتى تحيض يوماً وليلة، وقيل: إن حاضت للعادة انقضت العدة بالطعن في الحيض، وإن حاضت لغير العادة لم تنقض حتى يمضي يوم وليلة. وإن كانت ممن لا تحيض لصغر، أو يأس اعتدت بثلاثة أشهر.
---(1/206)
فإن انقطع دمها لغير عارض، وهي ممن تحيض ففيه قولان؛ أحدهما: تقعد إلى اليأس، ثم تعتد بالشهور، وفي الاياس قولان؛ أحدهما: اياس اقاربها، والثاني: اياس جميع النساء. والقول الثاني: تقعد إلى أن تعلم براءة الرحم ثم تعتد بالشهور، وفي قدر ذلك قولان؛ أحدهما: تسعة أشهر، والثاني: أربع سنين. وإن اعتدت الصغيرة بالشهور فحاضت في اثنائها انتقلت إلى الأطهار. ويحتسب بما مضى طهراً، وقيل: لا يحتسب والأول أصح.
وإن كانت أَمة فإن كانت حاملاً فعدتها بالحمل، وإن كانت من ذوات الاقراء اعتد بقرأين. وإن كانت من ذوات الشهور، ففيها ثلاثة أقوال؛ أحدها: ثلاثة أشهر، والثاني: شهران، والثالث، وهو الاظهر: شهر ونصف، وإن اعتقت في أثناء العدة فإن كانت رجعية اتمت عدة حرة، وإن كانت بائنة ففيه قولان.
ومن وطئت بشبهة وجبت عليها عدة المطلقة.
ومن مات عنها زوجها وهي حامل اعتدت منه بالحمل، وإن كانت حائلاً، أو حاملاً بحمل لا يجوز أن يكون منه، اعتدت بأربعة أشهر وعشراً وإن كانت أمة اعتدت بشهرين وخمس ليال.
وإن طلق امرأته طلقة رجعية، ثم توفي عنها، انتقلت إلى عدة الوفاة. وإن طلق إحدى امرأتيه ثلاثًا بعد الدخول، ومات قبل أن يتبين، وجب على كل واحدة منهما أطول العدتين، من الاقراء والأشهر.
وإن فقدت زوجها، وانقطع عنها خبره، ففيه قولان؛ أحدهما: أنها تكون على الزوجية إلى أن تتحقق الموت، وهو الأصح، والثاني: أنها تصبر أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة، ثم تحل للازواج في الظاهر. وهل تحل في الباطن؟ ففيه قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 274
ويجب الإحداد في عدة المتوفي، ولا يجب في عدة الرجعية، ولا الموطوءة بشبهة.
وفي عدة البائن، قولان: أصحهما أنه لا يجب فيها الاحداد.
---(1/207)
والاحداد أن تترك الزينة فلا تلبس الحلي، ولا تتطيب، ولا تختضب، ولا ترجل الشعر، ولا تكتحل بالإثمد والصبر. فإن احتاجت إليه اكتحلت بالليل وغسلته بالنهار. ولا تلبس الأحمر، ولا الأزرق الصافي، ولا الاخضر الصافي، ولا الاصفر، ولا يجوز للمبتوتة ولا للمتوفى عنها زوجها أن تخرج من المنزل لغير حاجة، وإن أرادت الخروج لحاجة كشراء القطن، وبيع الغزل لم يجز ذلك بالليل.
ويجوز للمتوفى عنها زوجها أن تخرج لقصد الحاجة بالنهار، وفي المطلقة البائن قولان: أصحهما أنه يجوز.
---(1/208)
وإن وجب عليها حق يختص بها، وهي برزة خرجت، فإذا وفت رجعت وبنت، وتجب العدة في المنزل الذي وجبت فيه، فإن وجبت وهي في مسكن لها، وجبت لها الاجرة، وإن وجبت وهي في مسكن للزوج لم يجز أن يسكن معها إلاَّ أن تكون دار فيها ذو رحم محرم لها أو له ولها موضع تنفرد به. ولا يجوز نقلها من المسكن الذي وجبت فيه العدة، إلا لضرورة، أو بذاءَة، على أحمائها فتنتقل إلى أقرب المواضع إليها، وإن أمرها الزوج بالانتقال إلى موضع آخر فانتقلت، ثم طلقها قبل أن تصير إلى الثاني فقد قيل: تمضي، وقيل هي: بالخيار بين المجيء وبين العود. وإن أذن لها في السفر فخرجت ووجبت العدة، قبل أن تفارق البلد فقد قيل: عليها أن تعود وقيل: لها أن تمضي ولها أن تعود، وأن فارقت البلد، ثم وجبت العدة فلها أن تمضي في السفر ولها أن تعود، وإن وصلت إلى المقصد فإن كان السفر لقضاء حاجة لم تقم بعد قضائها، إن كان لتنزه، أو زيارة، لم تقم أكثر من ثلاثة أيام. وإن قدر لها مقام مدة ففيه قولان: أحدهما: لا تقيم أكثر من ثلاثة أيام، والثاني: تقيم المدة التي اذن فيها، فإن قضت الحاجة في المسألة الأولى، أو انقضت المدة في الثانية، وبقي من العدة ما يُعلم أنه ينقضي قبل أن تعود إلى البلد، فقد قيل: لا يلزمها العود، وقيل: يلزمها وإن أذن لها في الخروج الى منزل، أو إلى بلد لحاجة، ثم اختلفا فقالت: نقلتني إلى الثاني ففيه أعتد، وقال: ما نقلتك، فالقول قول الزوج. وإن مات الزوج واختلفت هي والورثة في ذلك فالقول قولها، وإن أحرمت بإذنه ثم طلقها، فإن كان الوقت ضيقاً مضت في الحج، وإن كان واسعاً أتمت العدة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 274
---(1/209)
وإن وجبت العدة، ثم أحرمت، أتمت العدة بكل حال. وإن تزوجت في العدة، ووطئها الزوج وهي غير حامل انقطعت العدة، فإذا فرق بينهما أتمت العدة من الأول، ثم أستأنفت العدة مِن الثاني، فإن كانت حاملاً لم تنقطع العدة، فإذا وضعت استقبلت العدة من الثاني. وإن وطئها الثاني وظهر بها حمل يمكن أن يكون من كل واحد منهما، اعتدت بهِ عمن يلحقه، ثم تستقبل العدة من الآخر، وإن وطئها الزوج في العدة بشبهة استأنفت العدة من الآخر، ودخلت فيها البقية، وله الرجعة فيما بقي مِن العدة الأولى، فإن حبلت من الوطىء الثاني فقد قيل: تدخل فيها البقية، وله الرجعة إلى أن تضع، وقيل: لا تدخل فتعتد بالحمل عن الوطء، فإذا وضعت أكملت عدة الطلاق بالاقراء وله الرجعة في الاقراء. وهل له الرجعة في الحمل؟ قيل: له الرجعة وقيل: ليس له. وإذا راجع المعتدة في اثناء العدة، ثم طلقها قبل الدخول استأنفت العدة في أصح القولين، وبنت في القول الثاني. وان تزوج المختلعة في اثناء العدة، ثم طلقها قبل الدخول، فقد قيل: يبني على العدة، وقيل فيه قولان؛ أحدهما: يبني، والثاني: تستأنف، وإذا اختلفا في انقضاء العدة بالاقراء فادعت انقضائها في زمان يمكن انقضاء العدة فيه، فالقول قولها، وإن اختلفا في اسقاط جنين تنقضي به العدة فادعت ما يمكن انقضاء العدة به، فالقول قولها. وإن اختلفا هل طلق قبل الولادة أو بعدها، فالقول قوله. وإن اختلفا هل وَلّدَتْ قبل الطلاق أو بعده، فالقول قولها. وإن اختلفا هل انقضت عدتها بالحمل أم لا، فقال الزوج: لم تنقض عدتك بوضع الحمل، فعليك أن تعتدي بالاقراء وقالت: انقضت، فالقول قول الزوج.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 274
باب الاستبراء
---(1/210)
من ملك أمة لم يطأها حتى يستبرئها، فإن كانت حاملاً استبرأها بوضع الحمل، وإن كانت حائلاً تَحيض استبرأها بحيضة في أصح القولين، وبطهر في القول الآخر. وإن كانت ممن لا تحيض استبرأها بثلاثة أشهر في أصح القولين، وبشهر في الثاني.
فإن كانت مجوسية، أو مرتدة، لم يصح استبراؤها حتى تسلم.
وإن كانت مزوجة، أو معتدة، لم يصح استبراؤها حتى يزول النكاح، وتنقضي العدة، وإن ملكها بمعاوضة، لم يصح الاستبراء حتى يقبضها.
وإن ملكها وهي زوجته، حلت من غير استبراء، والأولى أن لا يطأها حتى يستبرئها من كانت أمته، ثم رجعت إليه بالفسخ لم يطأها حتى يستبرئها.
وإن ارتد السيد، أو ارتدت الأمة، ثم عاد إلى الاسلام لم يطأها حتى يستبرئها.
وإن زوجها، ثم طلقها الزوج قبل الدخول لم يطأها حتى يستبرئها، وإن طلقت بعد الدخول فاعتدت من الزوج فقد قيل: يدخل الاستبراء في العدة، وقيل: لا يدخل، بل يلزمه أن يستبرئها.
ومن لا يحل وطؤها قبل الاستبراء، لم يحل التلذذ بها في غير الفرج قبل الاستبراء، إلا المسبية، فإنه يحل التلذذ بها في غير الجماع، وقيل: لا يحل، والأول أظهر.
ويحل بيع الامة قبل الاستبراء، وأما تزويجها فينظر فإن كان قد وطئها المالك في الحال أو من ملكها مِن جهته لم يجز تزويجها قبل الاستبراء، وإن لم يكن قد وطئها جاز، وإن اعتق أم ولده في حياته، أو مات عنها لزمها الاستبراء، فإن اعتقها، أو مات عنها وهي مزوجة، أو معتدة لم يلزمها الاستبراء، فإن مات السيد والزوج أحدهما قبل الآخر ولم يعلم السابق منهما، فإن كان بين موتهما شهران وخمس ليال فما دونها لم يلزمها الاستبراء، وإن كان أكثر لزمها الاكثر من عدة الوفاة، وهي أربعة أشهر وعشراً، أو الاستبراء ويعتبر من موت الثاني منهما، ولا ترث من الزوج شيئًا وان اشترك اثنان في وطء أمة لزمها عن كل واحد منهما استبراء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 277
باب الرضاع
---(1/211)
إذا ثار للمرأة لبن على ولد، فارتضع منها طفل له دون الحولين خمس رضعات متفرقات صار ولداً لها وأولاده أولادها، وصارت المرأة أماً له وأمهاتها جداته وآباؤها أجداده وأولادها إخوته وأخواته وإخوتها وأخواتها أخواله، وخالاته وان كان الحمل ثابت النسب من رجل صار الطفل ولد له، وأولاده أولاده وصار الرجل أباً له وامهاته جداته وآباؤه أجداده وأولاده إخوته وأخواته وإخوته وأخواته أعمامه وعماته، ويحرم النكاح بينهما بالرضاع كما يحرم بالنسب وتحل له الخلوة والنظر كما تحل بالنسب.
وإن ارتضع ثم قطع باختياره من غير عارض كان ذلك رضعة، وإن قطعت المرأة عليه لم يعتد بذلك رضعة، وقيل: يعتد به.
وإن ارتضع مِن ثدي امرأة، ثم انتقل إلى ثدي امرأة أخرى فقد قيل: لا يعتد بواحدة منهما، وقيل: يحتسب من كل واحدة منهما رضعة، وإن أوجر من لبنها، أو أسعِط خمس دفعات ثبت التحريم، وإن حقن ففيه قولان.
وإن حلبت لبناً كثيراً في دفعة (واحدة) وفرق في خمس أوان، وأوجر الصبي في خمس دفعات ففيه قولان؛ أحدهما: أنه رضعة، والثاني: أنه خمس رضعات.
وإن حلبت خمس دفعات، وخلطت، أوجر الصبي في خمس دفعات، أحدهما: أنه رضع والثاني: أنه خمس رضعات. وإن حلبت في خمس دفعات وخلط وفرق في خمسة أوان، وأوجر في خمس دفعات فهو خمس رضعات، وقيل: على قولين.
وإن جبن اللبن، أو جُعل في خبز، أو ماء، وأطعم (الصبي) حرم، وإن وقعت قطرة في حُبّ، ماء فسقي الصبي بعضه لم يحرم، وإن شرب وتقيّأ قبل أن يحصل في جوفه لم يحرم.
وإن ارتضع من امرأة ميتة، لم يحرم.
---(1/212)
وإن حلب منها في حياتها، ثم اسقي الصبي بعد موتها حرم، وإن ثار لها لبن مِن وطء من غير حمل، ففيه قولان؛ أحدهما: يحرم، والثاني: لا يحرم، وإن كان لها لبن من زوج فتزوجت بآخر، وحبلت منه وزاد لبنها، وأرضعت صبياً ففيه قولان؛ أحدهما: أنه ابن الأول، والثاني: أنه ابنهما. وإن انقطع اللبن من الأول، ثم حبلت من الثاني ونزل اللبن، وارضعت صبياً ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه ابن الأول، والثاني: أنه ابن الثاني، والثالث: أنه ابنهما.
وإن وطىء رجلان امرأة، فأتت بولد وارضعت طفلاً بلبنها فمن ثبت منهما نسب المولود منه، صار الصبي ولداً له، وإن مات المولود ولم يثبت نسبه ففي الرضيع قولان؛ أحدهما: أنه ابنهما، والثاني: انه لا يكون ابن واحد منهما وهل للرضيع أن ينتسب الى أحدهما فيه قولان؛ أحدهما: ينتسب، والثاني: لا ينتسب، فإن أراد أن يتزوج بنت أحدهما، فقد قيل: لا يحل، وقيل: يحل أن يتزوج ببنت كل واحد منهما على الانفراد، ولا يجمع بينهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 279
وإن كان لرجل خمس امهات أولاد، فارتضع صبي من كل واحدة منهن رضعة، صار ابناً له، في ظاهر المذهب، وقيل: لا يصير، وليس بشيء. وإن كان له امرأتان صغيرتان فارضعت امرأة أحدهما بعد الاخرى ففيه قولان؛ أحدهما: ينفسخ نكاحهما، والثاني: ينفسخ نكاح الثانية.
ومن أفسد على الزوج نكاح امرأة بالرضاع، لزمه نصف مهر مثلها على المنصوص، وفيه قولاً آخر أنه يلزمه مهر مثلها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 279
كتاب النفقات
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
باب نفقة الزوجات
ويجب على الزوج نفقة زوجته، فإن كان موسراً لزمه مِدّان مِن الحب المقتات في البلد، وإن كان معسراً لزمه مد، وان كان متوسطاً لزمه مد ونصف، فإن رضيت بأخذ العوض، جاز على ظاهر المذهب وقيل: لا يجوز.
---
ويجب الادم بقدر ما تحتاج إليه من أدم البلد، ومن اللحم على حسب عادة البلد.(1/213)
ويجب لها ما تحتاج إليه من الدهن للرأس، والسدر، والمشط، ولا يجب عليه ثمن الطيب، ولا اجرة الطبيب ولا شراء الأدوية.
ويجب من الكسوة ما جرت العادة به، فيجب لامرأة الموسر من مرتفع ما تلبس نساء البلد، ولامرأة المعسر دون ذلك. وأقل ما يجب قميص وسراويل ومِقنعة ومدَاس للرجل، فإن كان في الشتاء ضم إليه جبة. ويجب لامرأة الموسر مِلحفة، وكساء تتغطى به، ووسادة، ومضربة محشوة بقطن، ليل وزلية، أو لبد تجلس عليه بالنهار.
ولامرأة المعسر كساء، أو قطيفة. فإن اعطاها كسوة مدة وبليت قبلها، لم يلزمه إبدالها، وإن بقيت بعد المدة لزمه التجديد، وقيل: لا يلزمه، والأول أصح. ويجب تسليم النفقة إليها في أول النهار، فإن سلفها نفقة مدة فماتت قبل انقضائها، رجع فيما بقي، ويجب تسليم الكسوة في أول الفصل، فإن اعطاها الكسوة ثم ماتت قبل انقضاء الفصل لم يرجع، وقيل: يرجع، والأول أصح. وإن تصرفت فيما اخذت مِن الكسوة ببيع أو غيره جاز، وقيل: لا يجوز. ويجب لها سكنى مثلها.
فإن كانت المرأة ممن تخدم وجب لها خادم واحد فإن قال الزوج: أنا أخدمها بنفسي لم يلزمها الرضى به، وإن قالت: أنا اخدم نفسي وآخذ أجرة الخادم، لم يلزمه الرضى به، وتجب عليه نفقة الخادم وفطرته، فإن كان موسراً لزمه للخادم مد وثلث من قوت البلد، وإن كان معسراً أو متوسطاً لزمه للخادم مد، ويجب عليه أدمه من دون جنس أدم المرأة على المنصوص، وقيل: يلزمه من جنس أدمها، ولا يجب للخادم الدهن، والسدر، والمشط، ويجب لخادم امرأة الموسر من الكسوة قميص ومقنعة وخف، ولا يجب له سراويل، ويجب له كساء غليظ، أو قطيفة ووسادة، ولخادم امرأة المعسر عباءة، أو فروة.
وتجب النفقة إذا سلمت نفسها إلى الزوج أو عرضت نفسها عليه.
وإن كانت صغيرة ففيه قولان: أصحهما أنه لا تجب لها.
---
وان كان الزوج صغيراً وهي كبيرة ففيه قولان: أصحهما انها تجب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281(1/214)
وإن كان مريضة، أو رتقاء، أو كان الزوج عنينًا وجبت النفقة، ولا تجب النفقة إلا بالتمكين التام.
فإن كانت أمة فسلمها السيد ليلاً ونهاراً وجبت نفقتها، فإن سلمها ليلاً ولم يسلم نهاراً لم تلزمه نفقتها، وقيل: يلزمه نصف النفقة.
وإن كان الزوج غائباً وعرضت نفسها عليه ومضى زمان لو أراد المسير (فيه) لكان قد وصل وجبت النفقة من حينئذ.
ولا تجب النفقة إلا يوماً بيوم، وقال في القديم:
تجب بالعقد إلا أنه لا يجب التسليم إلا بالتمكين يوماً بيوم، فلو ضمن عنه نفقة مدة معلومة جاز، وإن نشزت أو سافرت بغير إذنه أو أحرمت، أو صامت تطوعاً، أو عن نذر في الذمة أو نذر يتعلق بزمان بعينه نذرته بعد النكاح بغير أذنه، سقطت نفقتها. وإن سافرت بإذنه ففيه قولان.
وإن اسلم الزوج وهي في العدة لم تجب لها النفقة، إن أسلمت ففيه قولان: أصحهما أنها لا تستحق لما مضى، وإن ارتدت سقطت نفقتها. فإن اسلمت قبل انقضاء العدة فقد قيل: لا تستحق. وقيل: على قولين.
وإن طلقها رجعية وجب لها النفقة، والسكنى، وإن طلقها طلاقاً بائناً، وجب لها السكنى، وأما النفقة فإن كانت حائلاً لم تجب.
وإن كانت حاملاً وجبت، ولمن تجب فيه قولان؛ أحدهما: لها، والثاني: للحمل ولا تجب إلا على من تجب عليه نفقة الولد، هل تدفع إليها يوماً بيوم أو لا يجب شيء منها حتى تضع؟ فيه قولان، وإن لاعنها ونفى حملها وجب لها السكنى، دون النفقة.
وإن وطىء امرأة بشبهة، وحملت منه لم يجب لها السكنى، وفي النفقة قولان.
وإن توفي عنها (زوجها) لم تجب لها النفقة في العدة، وفي السكنى قولان.
---(1/215)
وإن اختلف الزوجان في قبض النفقة فالقول قولها، وإن اختلفا في تسليمها نفسها فالقول قوله. وإن ترك الانفاق عليها مدة صار دينًا في ذمته. وإن تزوجت بمعسر أو بموسر فأعسر بالنفقة فلها الخيار إن شاءت أقامت على النكاح وتجعل النفقة دينا عليه، وإن شاءت فسخت النكاح، وإن اختارت المقام ثم عن لها ان تفسخ جاز. وإن اختارت الفسخ ففيه قولان؛ أحدهما: الفسخ في الحال، والثاني: تفسخ بعد ثلاثة أيام وهو الأصح، وإن اعسر بنفقة الموسر أو المتوسط لم تفسخ، ولم يصر ما زاد ديناً في ذمته، وإن أعسر بنفقة الخادم لم تفسخ، ويصير ذلك ديناً في ذمته، وإن أعسر بالكسوة ثبت لها الفسخ، وإن أعسر بالأدم لم تفسخ، وإن أعسر بالسكنى احتمل أن تفسخ، واحتمل أن لا تفسخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
وإن كان الزوج عبداً وجبت النفقة في كسبه إن كان مكتسباً، أو فيما في يده إن كان مأذوناً له في التجارة، وإن لم يكن مكتسباً ولا مأذوناً له في التجارة ففيه قولان؛ أحدهما: في ذمة السيد، والثاني: في ذمة العبد يتبع به إذا اعتق، ولها أن تفسخ إذا شاءت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
باب نفقة الأقارب، والرقيق، والبهائم
يجب على الاولاد نفقة الوالدِين وإن علوا ذكوراً كانوا أو إناثاً، وعلى الوالدين نفقة الاولاد وإن سفلوا ذكوراً كانوا أو إناثاً. فأما الوالدون فلا تجب نفقتهم إلا أن يكونوا فقراء زمنى، أو فقراء مجانين، فإن كانوا فقراء اصحاء ففيه قولان: أصحهما أنها لا تجب.
وأما الأولاد فلا تجب نفقتهم إلا أن يكونوا فقراء زمنى، أو فقراء مجانين، أو فقراء اطفالاً، فإن كانوا أصحّاء بالغين لم تجب نفقتهم، وقيل: فيه قولان، ومن وجبت نفقته فيجب نفقة زوجته.
ولا تجب نفقة الأقارب على العبد.
ولا تجب على المكاتب إلا أن يكون له ولد من أمته فيجب عليه نفقته.
---(1/216)
ولا تجب إلاَّ على من فضل عن نفقته، ونفقة زوجته فإن كان له ما ينفق على واحد وله أب أو أم، فقد قيل: الأم أحق، وقيل: الأب احق، وقيل: يجعل بينهما، وإن كان له أب وابن، فقد قيل: الابن أحق، وقيل: الأب أحق.
وإن كان له ابن، وابن ابن، فالابن أحق، وقيل: يجعل بينهما، وإن احتاج وله أب وجد موسران فالنفقة على الأب، وإن كان له أم، وأم أم، فالنفقة على الأم، وإن كان له أب وأم، أو جد وأم فالنفقة على الأب والجد. وإن كان له أم أب، وأم أم فقد قيل: هما سواء، وقيل: النفقة على أم الأب، وإن مضت مدة ولم ينفق فيها على من تلزمه نفقته من الأقارب لم يصر ديناً عليه.
وإن احتاج الوالد إلى النكاح، وجب على الولد اعفافه على المنصوص، وقيل فيه قول مخرج أنه لا يجب، وان إحتاج الطفل الى الرضاع وجب إرضاعه، فإن كان أبواه على الزوجية وأرادت أمه أن ترضعه لم يمنعها الزوج، وإن امتنعت من ارضاعه لم تجبر عليه، وإن طلبت الأجرة فقد قيل: يجوز استئجارها، وقيل: لا يجوز. وإن كانت بائنة جاز استئجارها فإن طلبت أجرة المثل قدمت على الاجنبية. وقيل: إن كان للأب من ترضعه من غير أجرة ففيه قولان: أصحهما أن الأم أحق به، ولا تجب أجرة الرضاع لما زاد على حولين. ومن ملك عبداً، أو أمة، لزمه نفقتهما، وكسوتهما، فإن كانت الأمة للتسري، فضلت على أمة الخدمة في الكسوة، وقيل: لا تفضل.
ويستحب أن يُجلس الغلام الذي يلي طعامه معه، فإن لم يفعل أطعمه منه، ولا يكلفه من الخدمة ما يضر به، ويريحه في وقت القيلولة، وفي وقت الاستمتاع إن كان له امرأة، وإن سافر به أركبه عُقْبَه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
ولا يسترضع الجارية، إلا بما يفضل عن ولدها، وإن مرضا انفق عليهما.
---(1/217)
ومن ملك بهيمة وجب عليه القيام بعلفها، ولا يحمل عليها ما يضر بها، ولا يحلب من لبنها إلا ما يفضل عن ولدها، وإن امتنع من الانفاق على رقيقه أو بهيمته أجبر على ذلك، فإن لم يكن له مال أكري عليه إن امكن أكراؤه، فإن لم يمكن بيع عليه، وإن كانت له أم ولد ولم يمكن اكراؤها ولا تزويجها، فيحتمل أن تُعتق عليه، ويحتمل أن لا تُعتق عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
باب الحضانة
إذا تنازع النساء في حضانة الطفل قدمت الأم، ثم أمهاتها الأقرب فالأقرب، ثم أم الأب، ثم امهاتها، ثم أم الجد، ثم امهاتها، ولا حق لام أب الام، ثم الأخت للأب والأم، ثم الأخت للأب ثم الأخت للأم، وقيل: يقدم الأخت للأم على الاخت للأب، والأول هو المنصوص، ثم الخالة، ثم العمة، وقال في القديم: الأم، ثم أمهاتها، ثم الأخوات، ثم الخالة، ثم أمهات الأب، ثم أمهات الجد، ثم العمة، والأول أصح. الله
وإن اجتمع مع النساء رجال قُدم الأم، ثم امهاتها، ثم الأب، ثم امهاته ثم الجد، ثم أمهاته، ثم الأخوات، ثم الخالة، ثم العمة على ظاهر النص، وقيل: يقدم الأخت للأب والأم، والأخت للأم، والخالة على الأب، وهو الأظهر، وأما الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم، فإنهم كالاب والجد في الحضانة، يقدم الأقرب فالأقرب منهم على ترتيب الميراث على ظاهر النص. وقيل: لا حق لهم في الحضانة.
---(1/218)
وإذا بلغ الصبي سبع سنين وهو يعقل خيّر بين الابوين، وإن اختار أحدهما، سلم إليه. فإن كان ابناً فاختار الأم كان عندها بالليل وعند أبيه بالنهار، وإن اختار الأب كان عنده بالليل والنهار ولا يمنع من زيارة أمِه ولا تمنع الأم من تمريضه إذا احتاج. وإن كانت بنتاً فاختارت الأب أو الأم كانت عنده بالليل والنهار ولا يمنع الآخر من زيارتها، وعيادتها. وإن اختار أحدهما، ثم اختار الآخر حُول إليه، فإن عاد واختار الاول أعيد إليه، وإن لم يكن له أب ولا جد، وله عصبة غيرهما خير بين الأم وبينهم على ظاهر المذهب، فإن كان العصبة ابن عم لم يسلم إليه البنت. وقيل: لا حق لغير الآباء والاجداد في الحضانة وإن وجبت للأم الحضانة فامتنعت لم تجبر، وتنتقل إلى أمها، وقيل: تنتقل إلى الأب، ولا حق في الحضانة لأب الأم ولا لأمهاته، ولا لرقيق، ولا فاسق، ولا كافر على مسلم، وقيل: للكافر حق.
ولا حق للمرأة إذا نكحت حتى تطلق إلا أن يكون زوجها جد الطفل (لأبيه)، وإن أراد الأب أو الجد الخروج إلى بلد تقصر إليه الصلاة بنية المقام، والطريق آمن، وأرادت الأم الإقامة كان الأب أو الجد أحق به، والعصبة من بعده.
وإذا بلغ الغلام وليَ أمرَ نفسه، وإن بلغت الجارية كانت عند أحدهما، حتى تزوج، ومن بلغ معتوهاً كان عند الأم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
كتاب الجنايات
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 287
باب من يجب عليه القصاص ومن لا يجب (عليه)
لا يجب القصاص على صبي، ولا معتوه، ولا مبرسم. ويجب على من زال عقله بمحرم، وقيل: فيه قولان.
ولا يجب القصاص على المسلم، بقتل الكافر، ولا على الحر بقتل العبد. وإن جرح الكافر كافراً، ثم أسلم الجارح، أو جرح العبد عبداً، ثم اعتق الجارح، وجب عليه القود.
وإن قتل الحر عبداً، أو مسلم ذمياً، ثم قامت البينة أنه كان قد أعتق، أو أسلم، ففي القود قولان.
---(1/219)
وإن جنى حر على رجل لا يعرف رقه، ولا حريته، فقال الجاني: هو عبد، وقال المجنى عليه بل أنا حر، فالقول قول المجنى عليه، وقيل: فيه قولان.
ولا يجب القصاص على الأب، والجد، ولا على الأم، والجدة، بقتل الولد، وولد الولد.
وإن وجب القصاص على رجل فورث القصاص ولده، لم يستوف.
وإن قتل المرتد ذمياً، ففيه قولان. وإن قتل ذمي مرتداً فقد قيل: يجب، وقيل: لا يجب.
وإن قطع مسلم يد مسلم، ثم ارتد المجنى عليه، ورجع إلى الاسلام ومات، ولم يمض عليه في الردة ما يسري فيه الجرح ففيه قولان: أصحهما أنه يجب القود. وإن مات من الجرح في الردة وجب القصاص في الطرف في أصح القولين، ومن قتل من لا يقاد به المحاربة، ففيه قولان؛ أحدهما: يجب، والثاني: لا يجب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 287
باب ما يجب به القصاص من الجنايات
والجنايات ثلاث: خطأ، وعمد، وعمد خطأ، فالخطأ: أن يرمي إلى هدف فيصيب انساناً. والعمد: أن يقصد الجناية بما يقتل غالباً، وعمد الخطأ: أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالباً، ولا يجب القود إلا في العمد
فإن جرحه بما له مور من حديد، أو غيره، فمات منه وجب عليه القود.
وإن غرز ابرة في غير مقتل، فإن بقي منها ضمنا، حتى مات، وجب عليه القود، وان مات في الحال فقيل: يجب، وقيل: لا يجب.
وإن ضربه بمثقل كبير، أو بمثقل صغير في مقتل، أو في رجل ضعيف أو في حر شديد، أو في برد شديد، أو والى به الضرب فمات منه، وجب عليه القود، وإن رماه مِن شاهق، أو عصر خصيتيه عصراً شديداً، أو خنقه خنقاً شديداً، أو طرحه في ماء أو نار لا يمكنه التخلص منه وجب عليه القود. وإن طرحه في لجة فالتقمه حوت قبل أن يصل إلى الماء ففيه قولان؛ أحدهما: يجب القود. والثاني: لا يجب.
---
وإن طرحه في زُبية فيها سبع فقتله، أو أمسك كلباً فأنهشه فمات، أو ألسعته حية، أو عقرباً يقتل مثلها غالباً فقتله وجب عليه القود، وإن لم يقتل غالباً ففيه قولان: أصحهما أنه لا يجب.(1/220)
وإن أكره رجلاً على قتله وجب عليه القود، وفي المكره قولان: أصحهما أنه يجب. وإن أمر من لا يميز، فقتله وجب القود على الآمر ولا شيء على المأمور.
وإن أمر السلطان رجلاً بقتل رجل بغير حق، والمأمور لا يعلم، وجب القود على السلطان، وإن علم وجب القود على المأمور.
وإن أمسك رجلاً حتى قتله آخر، وجب القود على القاتل، وإن شهد على رجل فقتل بشهادته، ثم رجع وقال: تعمدت ذلك، وجب عليه القود.
وإن أكره رجلاً على أكل سم فمات (منه)، وجب عليه القود، وإن قال: لم أعلم أنه سم قاتِل ففيه قولان، وإن خلط السم بطعام وأطعم رجلاً، أو خلطه بطعام لرجل فأكله فمات، ففيه قولان.
وإن قتل رجلاً بسحر يقتل غالباً، وجب عليه القود، وإن قطع أجنبي سلعة من رجل بغير إذنه فمات، وجب عليه القود، وإن قطعها حاكم أو وصي من صغير فمات، ففيه قولان؛ أحدهما: يجب عليه القود، والثاني: تجب الدية.
وإن اشترك جماعة في قتل واحد، قتلوا به، وإن جرح واحد جراحة، وجرحه آخر مائة جراحة فمات، فهما قاتلان. وإن قطع أحدهما كفه والآخر ذراعه، فمات فهما قاتلان. وإن قطع أحدهما يده وحزّ الآخر رقبته، أو قطع حلقومه، ومريئه، أو أخرج حشوته، فالأول جارح، والثاني قاتل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 288
وإن اشترك الأب والأجنبي في قتل الابن وجب القود على الأجنبي.
وإن اشترك المخطىء والعامد في القتل، أو ضربه أحدهما بعصا خفيفة، وجرحه الآخر، ومات، لم يجب على واحد منهما القود.
وإن جرح نفسَه، وجرحه آخر فمات، أو جَرحه سبع، وجرحه آخر فمات ففيه قولان؛ أحدهما: يجب القود على الجارح، والثاني: لا يجب.
---
وإن جرحه واحد وداوى هو جرحه بسم غير مُوح، ولكنه يقتل غالباً، أو خاط الجرح في لحم حي فمات فقد قيل: لا يجب القود على الجارح، وقيل: على قولين، وإن خاط الجرح من له عليه ولاية، ففيه قولان؛ أحدهما: يجب القود على الولي، ويجب على الجارح، والثاني: لا يجب على الولي، ولا يجب على الجارح.(1/221)
ومن لا يجب عليه القصاص في النفس، لا يجب في الطرف، ومن وجب عليه القصاص في النفس، وجب القصاص في الطرف.
ومن لا يقاد بغيره في النفس، لا يقاد به في الطرف. ومن أقيد بغيره في النفس أقيد به في الطرف.
ومن لا يجب القصاص فيه في النفس من الخطأ، وعمد الخطأ لا يجب القصاص فيه في الطرف.
وإن اشترك جماعة في قطع طرف دفعة واحدة، قطعوا وإن تفرقت جناياتهم لم يجب على واحد منهم القود.
ويجب القصاص في الجروح والاعضاء، فأما الجروح فيجب في كل ما ينتهي إلى عظم كالموضحة، وجرح العضد والساق والفخذ، وقيل: لا يجب فيما عدا الموضحة، وإذا أوضح رجلاً في بعض رأسه، وقدر الموضحة يستوعب رأس الشاج، أوضح جميع رأسه، وإن زاد حقه على جميع رأس الشاج، أوضح جميع رأسه، وأخذ الارش فيما بقي بقدره، وإن هشم رأسه اقتص منه في الموضحة، ووجب الأرش فيما زاد.
وأما الأعضاء فيجب القصاص في كل ما يمكن القصاص فيه من غير حيف، فتؤخذ العين بالعين، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى، ولا يؤخذ صحيحة بقائمة ويؤخذ القائمة بالصحيحة، وإن أوضحه فذهب ضوء عينه، وجب فيه القود على المنصوص، غير أنه لا يمس الحدقة، وخرج فيه قول آخر، أنه لا يقتص منه، ويؤخذ الجفن بالجفن الأعلى بالأعلى، والاسفل بالاسفل، واليمين باليمين، واليسار باليسار، ويؤخذ المارِن، بالمارن والمِنخر بالمنخر، وإن قطع بعضه قُدِر ذلك بالجزء، كالنصف والثلث، فيؤخذ مثله به.
وإن جَدَعَه، إقتص في المارن وأخذ الارش في القصبة، ويؤخذ الصحيح بالمجذوم إذا لم يسقط منه شيء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 288
---(1/222)
ويؤخذ غير الأخشم بالاخشم، ويؤخذ الأذن بالأذن والبعض بالبعض، والصحيح بالأصم، والاصم بالصحيح ولا يؤخذ الصحيحة بالمخرومة، ويؤخذ بالمثقوبة، ويؤخذ الأنف الصحيح، والاذن الصحيحة بالأنف بالمستحشف، والأذن الشلاء، في أصح القولين، ويؤخذ السن بالسن، ولا يؤخذ سن بسن غيرها، ويؤخذ اللسان باللسان، فإن أمكن أخذ البعض بالبعض أخذ، ولا يؤخذ لسان ناطق بلسان أخرس. ويؤخذ الأخرس بالناطق، وتؤخذ الشفة بالشفة، العليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، وقيل: لا قصاص فيه، وتؤخذ اليد باليد، والرجل بالرجل، والأصابع بالأصابع، والأنامل بالأنامل، والكف بالكف، والمرفق بالمرفق، والمنكب بالمنكب، إذا لم يخف من جائفة، و إذا قطع اليد من الذراع اقتص في الكف، وأخذ الارش في الباقي، ولا يؤخذ يمين بيسار، ولا يسار بيمين، ولا خنصر بإبهام ولا انمله بأنملة أخرى، ولا صحيحة بشلاء، ويؤخذ الشلاء بالصحيحة، ولا يؤخذ كاملة الأصابع بناقصة الأصابع، وتؤخذ الناقصة بالكاملة، ويؤخذ الارش عن الاصبع الناقصة.
ولا يؤخذ أصلي بزائد، ولا زائد بأصلي. وإن قطع أنامله فتآكلت منه الكف، لم يجب القصاص فيما تآكل، وقيل: فيه قول مخرج، أنه يجب فيه القصاص. ويؤخذ الفرج بالفرج والشُفر بالشفر، والانثيان بالانثيين، وإن امكن أخذ واحدة بواحدة أخذ، ويؤخذ الذكر بالذكر، وتؤخذ الإليتان بالإليتين، ويؤخذ ذكر الفحل بذكر الخصي، والمختون بالأغلف.
ولا يؤخذ الصحيح بالأشل فإن اختلفا في الشلل، وإن كان ذلك في عضو ظاهر، فالقول قول الجاني، وإن كان ذلك في عضو باطن فالقول قول المجنى عليه، وقيل: فيهما قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 288
باب العفو عن القصاص
---(1/223)
إذا قتل من له وارث، وجب القصاص للوارث، وهو بالخيار: بين أن يقتص وبين أن يعفو، فإن عفا على الدية، وجبت الدية، وان عفا مطلقاً ففيه قولان؛ أحدهما: لا تجب والثاني تجب وهو الأصح، وإن اختار القصاص ثم اختار الدية لم يكن له ذلك على المنصوص، وقيل له ذلك.
وإن قطع اليدين من الجاني، ثم عفا عن القصاص لم تجب الدية. وإن قطع إحداهما ثم عفا، وجب له نصف الدية.
وإن كان القصاص لنفسين فعفا أحداهما سقط القصاص ووجب للآخر حقه من الدية، وإن أرادا القصاص لم يجز لاحدهما أن ينفرد به. فإن تشاحا أقرع بينهما، فإن بدر أحدهما فاقتص ففيه قولان؛ أصحهما: أنه لا قود عليه، والآخر: يجب عليه القود. وإن عفا أحدهما ثم اقتص الآخر قبل العلم بالعفو أو بعد العلم وقبل الحكم بسقوط القود ففيه قولان؛ أصحهما: أنه يجب القود، والثاني: لا يجب. فإن قلنا: يجب فأقيد منه، وجبت الدية، وإن قلنا: لا يجب فقد استوفى المقتص حقه ووجب لأخيه نصف الدية. وممن يأخذ؟ فيه قولان؛ أحدهما: من أخيه المقتص، والثاني: من تركة الجاني، وإن كان القصاص لصبي، أو معتوه، حبس القاتل حتى يبلغ الصبي، ويفيق المعتوه، فإن كان الصبي أو المعتوه فقيرين، يحتاجان إلى ما ينفق عليهما، جاز لوليهما العفو على الدية، وقيل: لا يجوز.
---(1/224)
وإن وثب الصبي، أو المجنون فقتل الجاني فقد قيل: يصير مستوفياً، والمذهب أنه لا يصير مستوفياً، وإن قتل من لا وارث له جاز للإمام أن يقتص، وله أن يعفو على الدية، وإن قطع اصبع رجل فقال: عفوت عن هذه الجناية، وما يحدث منها، فسرت إلى الكف سقط الضمان في الاصبع ووجبت دية بقية الأصابع، فإن سرت إلى النفس سقط القصاص، وهل تسقط الدية فقد قيل: إن ذلك وصية للقاتل، وفيها قولان، وقيل: بل هو إبراء فيصح في أرش الاصبع، ولا يصح في النفس، فيجب عليه تسعة أعشار الدية، وإن وجب القصاص في النفس على رجل فمات أو في الطرف فزال الطرف وجبت الدية. ولا يجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان، وعليه أن يتفقد الآلة التي يستوفي بها، فإن كان من له القصاص يحسن الاستيفاء مكنه منه، وإن لم يحسن (الاستيفاء) أمر بالتوكيل، فإن لم يوجد من يتطوع استؤجر من خمس الخمس، فإن لم يكن استؤجر من مال الجاني، وإن وجب القصاص على حامل لم يستوف حتى تضع، وتسقي الولد اللبأ، ويستغني عنها بلبن غيرها، وإن ادعت الحمل فقد قيل: يقبل قولها، وقيل: لا يقبل حتى تقيم بينة بالحمل، وإن اقتص منها فتلف الجنين من القصاص وجب ضمانه، فإن كان السلطان علم به فعليه الضمان، وإن لم يعلم وعلم الولي ذلك فعليه ضمانه، وإن لم يعلم واحد منهما فقد قيل: على الإمام وقيل: على الولي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 293
وإن قتل واحد جماعة، أو قطع عضواً من جماعة أقيد بالأول، واخذت الدية للباقين فإن قتلهم أو قطعهم دفعة، أو أشكل الحال اقرع بينهم وإن بدر واحد وقتله أو قطعه فقد استوفى حقه، ووجبت الدية للباقين، وإن قتل وارتد، أو قطع وسرق أقيد للآدمي ودخل فيه حد الردة والسرقة.
---
وإن قطع يد رجل ثم قتله، قطع ثم قتل، فإن قطعه فمات منه قطعت يده، فإن مات وإلا قتل. وإن قطع يد رجُل من الذراع أو أجافه فمات ففيه قولان؛ أحدهما: يقتل بالسيف، والثاني: يجرح كما جرح، فإن مات وإلا قتل بالسيف.(1/225)
ومن قتل بالسيف، أو السحْر، لم يقتل إلا بالسيف.
وإن قتل باللواط، أو سقي الخمر، فقد قيل: يقتل بالسيف، وقيل: يعمل في اللواط مثل الذكر من الخشب فيقتل به وفي الخمر يسقى بالماء فيقتل به، وإن غرق، أو حرق، أو قتل بالخشب أو بالحجر، فله أن يقتله بالسيف، وله أن يفعل به مثل ما فعل، فإن فعل ذلك فلم يمت ففيه قولان؛ أحدهما: يقتل بالسيف، والثاني: يكرر عليه مثل ما فعل ذلك إلى أن يموت إلا في الجائفة وقطع الطرف.
ومن وجب له القصاص في الطرف استحب له أن لا يعجل في القصاص حتى يندمل، فإن أراد العفو منه على الدية قبل الإندمال ففيه قولان؛ أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز.
---(1/226)
ومن اقتص في الطرف فسرى إلى نفس الجاني لم يجب ضمان السراية، وإن اقتص في الطرف ثم سرى إلى نفس المجنى عليه، (ثم سرى) إلى نفس الجاني فقد استوفى حقه. وإن سرى إلى نفس الجاني، ثم سرى إلى نفس المجنى عليه فقد قيل: تكون السراية قصاصاً، والمذهب أن السراية هدر، ويجب نصف الدية في تركة القاتل، وإن قلع سن صغير لم يثغر، لم يجز أن يقتص حتى يؤيس من نباتها. وإن وجب له القصاص في العين بالقلع لم يمكّن من الاستيفاء بل يؤمر بالتوكيل فيه، ويقلع بالاصبع، وإن كان لطمه حتى ذهب الضوء، فعل به مثل ذلك، فإن لم يذهب الضوء وامكن أن يذهب الضوء من غير أن يمس الحدقة، فعل، وإن لم يكن أخذت الدية، وإن وجب له القصاص في اليمين فقال: أخرج يمينك فاخرج اليسار عمداً فقطعها لم يجزئه عما عليه غير أنه لا يقتص منه في اليمين حتى تندمل المقطوعة، وإن قال: فعلت ذلك غلطاً أو ظناً أنه تجزىء، أو ظننت أنه طلب مني اليسار نظر في المقتص، فإن قطع وهو جاهل فلا قصاص عليه وتجب عليه الدية، وقيل: لا تجب، وإن قطع وهو عالم فالمذهب أنه لا قصاص عليه، وقيل: يجب، وإن اختلفا في العلم به فالقول قول الجاني. وإن تراضيا على أخذ اليسار فقطع لزمه دية اليسار وسقط قصاصه في اليمين، وقيل: لا يسقط وإن كان القصاص على مجنون فقال له: اخرج يمينك، فاخرج اليسار فقطع، فإن كان المقتص عالماً وجب عليه القصاص، وإن كان جاهلاً وجب عليه الدية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 293
باب من لا تجب عليه الدية بالجناية
لا تجب الدية على الحربي، ولا على السيد في قتل عبده، ولا على من قتل حربياً، أو مرتداً، فإن أرسل سهماً على حربي أو مرتد فاسلم ووقع به السهم فقتله لزمه دية مسلم، وقيل: لا يلزمه، ومن قتل من وجب رجمه بالبينة، أو انحتم قتله في المحاربة لم تلزمه الدية.
---(1/227)
ومن قتل مسلماً تترس به المشركون في دار الحرب فقد قيل: إن علم أنه مسلم وجبت ديته، وإن لم يعلم لم تجب، وقيل: إن عينه بالرمي وجبت، وإن لم يعينه لم تجب، وقيل: فيه قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
باب ما تجب به الدية من الجنايات
إذا أصاب رجلاً بما يجوز أن يقتل فمات منه، وجبت الدية.
وإن القاه في ماء، أو نار قد يموت فيه، فمات فيه وجبت ديته. وإن أمكنه أن يتخلص (منه) فلم يفعل حتى هلك، ففيه قولان: أصحهما انه لا تجب ديته. وإن القاه على أفعى، أو ألقاها عليه، أو على أسد، أو ألقاه عليه فقتله، وجبت ديته.
وإن سحر رجلاً بما لا يقتل في الغالب وقد يقتل، فمات منه، وجبت الدية. وإن ضرب الوالد ولده، أو المعلم الصبي، والزوج زوجته، أو ضرب السلطان رجلاً في غير حد، فأدى إلى الهلاك وجبت الدية، وإن سلم الصبي إلى السابح فغرق في يده وجبت الدية، وإن غرق البالغ من السابح لم تجب ديته.
وإن صاح على صبي فوقع من سطح، أو صاح على بالغ وهو غافل فوقع، فمات، وجبت الدية.
وإن صاح على صبي فزال عقله، وجبت الديِة، وإن صاح على بالغ فزال عقله لم تجب.
وإن طلب بصيراً بالسيف، فوقع في بئر (فمات)، لم يضمن، ولو طلب ضريراً فوقع في بئر ضمن، وإن ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً وجب ضمانه. وإن بعث السلطان إلى امرأة ذكرت بسوء فأجهضت الجنين وجب ضمانه.
وإن رمى إلى هدف فأخطأ فأصاب آدمياً فقتله وجبت الدية، وإن ختن الحجام فأخطأ فأصاب الحشفة وجب عليه الضمان، وإن امتنع من الختان (بعد البلوغ) فختنه الإمام في حر شديد أو برد شديد فمات، فالمنصوص أنه يجب الضمان، وقيل: فيه قولان.
---(1/228)
وإن حفر بئراً في طريق المسلمين، أو وضع فيه حجراً أو طرح (فيه) ماء، أو قشر بطيخ فهلك به إنسان وجب الضمان، وإن حفر بئراً ووضع آخر حجراً فتعثر انسان بالحجر ووقع في البئر ومات، وجب الضمان على واضع الحجر، وإن حفر البئر في طريق واسع لمصلحة المسلمين، أو بنى مسجداً، أو علق قنديلاً في مسجد، أو فرش فيه حصيراً ولم يأذن له الإمام في شيء من ذلك فهلك به انسان، فقد قيل: يضمن، وقيل: لا يضمن. وإن حفر بئراً في ملكه أو في موات ليتملكها أو لينتفع بها فوقع فيها انسان ومات لم يضمن، وإن حفر بئراً في ملكه فاستدعى رجلاً فوقع فيها فهلك، فإن كانت ظاهرة لم يضمن، وإن كانت مغطاة ففيه قولان. وإن كان في داره كلب عقور فاستدعى انساناً فعقره فعلى قولين.
وإن أمر السلطان رجلاً أن ينزل الى بئر، أو يصعد إلى نخل لمصلحة المسلمين فوقع ومات، وجب ضمانه، وإن أمره بعض الرعية فوقع فمات، لم يجب ضمانه، وإن بنى حائطاً في ملكه فمال إلى الطريق فلم ينقضه حتى وقع على انسان فقتله، لم يضمن على ظاهر المذهب وقيل: يضمن، وإن وضع جرة على طرف سطح فرماها الريح فمات بها انسان لم يضمن، وإن اخرج روشناً إلى الطريق فوقع على انسان فمات ضمن نصف دية، وإن تقصف من خشبة الخارج شيء، فهلك به انسان، ضمن جميع الدية، وإن نصب مئزاباً فوقع على انسان فأتلفه فهو كالروشن، وقيل: لا يضمن وإن كان معه دابة فأتلفت انسانا بيدها، أو رجلها، وجب عليه ضمانه، فإن لم يكن معها فإن كان بالنهار لم يضمن ما تتلفه، وإن كان بالليل ضمن ما تتلفه. وإن انفلتت بالليل وأتلفت فإن كان بتفريط منه في حفظها ضمن، وإن لم يكن بتفريط منه لم يضمن، وإن كان له كلب عقور ولم يحفظه فقتل انساناً ضمنه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
---(1/229)
وإن قعد في طريق ضيق فعثر به انسان، وماتا، وجب على كل واحد منهما دية الآخر، وإن اصطدما وماتا وجب على كل واحد منهما نصف دية الآخر، وإن اصطدم امرأتان حاملان فماتتا، ومات جنيناهما، وجب على كل واحدة منهما نصف دية الأخرى ونصف دية جنينها، ونصف دية جنين الاخرى.
وإن أركب صبيين مَن لا ولاية له عليهما فاصطدما وماتا، وجب على الذي أركبهما ضمان ما جناه كل واحد منهما على نفسه وعلى صاحبه.
وإن اصطدم سفينتان فهلكتا وما فيهما، فإن كان ذلك بتفريط من القيمين فهما كالرجلين إذا تصادما، وإن كان بغير تفريط ففيه قولان؛ أحدهما: أنهما كالرجلين، والثاني: أنه لا ضمان على واحد منهما، وقيل: القولان إذا لم يكن منهما فعل، فأما إذا سيّر السفن، ثم اصطدمتا وجب الضمان قولاً واحداً وقيل: القولان في الجميع.
وإن رمى عشرة أنفس حجراً بالمنجنيق فرجع الحجر عليهم فقتل أحدهم سقط من ديته العشر ووجب تسعة أعشار الدية على الباقين.
وإن وقع رجل في بئر فجذب ثانياً، والثاني ثالثاً، والثالث رابعاً وماتوا وجب للأول ثلث الدية على الثاني، والثلث على الثالث، ويهدر الثلث، ويجب للثاني ثلث الدية على الأول، والثلث على الثالث، ويهدر الثلث، ويجب للثالث نصف الدية على الثاني ويهدر النصف وقيل: يسقط ثلث الدية ويجب الثلثان، ويجب للرابع الدية على الثالث، وقيل: يجب على الثلاثة أثلاثاً.
وإن تجارح رجلان فماتا وجب على كل واحد منهما دية الآخر، وإن ادعى كل واحد منهما أنه جرح للدفع لم يقبل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
باب الديات
ودية الحر المسلم مائة في الإِبل. فإن كان القتل عمداً، أو شبه عمد وجبت الدية اثلاثاً: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، (في بطونها أولادها).
وإن كان خطأ وجبت أخماساً: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة.
---(1/230)
وإن قتل في الأشهر الحرم وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، أو في الحرم، أو قتل ذا رحم محرم وجبت الدية اثلاثاً خطأ كان أو عمداً.
وفي عمد الصبي والمجنون قولان؛ أحدهما: أنه عمد فتجب به دية مغلظة، والثاني: أنه خطأ، فإن كان للقاتل أو العاقلة إبل وجبت الدية منها، وإن لم يكن لهما إبل وجبت مِن غالب إبل البلد، فإن لم يكن فمن غالب إبل أقرب البلاد إليهم، ولا يؤخذ فيها معيب ولا مريض، فإن تراضوا على أخذ العوض على الإبل جاز، فإن أعوزت الإبل وجبت قيمتها بالغة ما بلغت، في أصح القولين.
وفيه قول آخر أنه يجب الف دينار، أو اثنى عشر الف درهم، يزاد للتغليظ قدر الثلث.
ودية اليهودي، والنصراني، ثلث دية المسلم، ودية المجوسي والوثني ثلثا عشر دية المسلم، ومن لم تبلغه الدعوة فالمنصوص أنه إن كان يهودياً أو نصرانياً وجب فيه ثلث الدية، وإن كان وثنياً أو مجوسياً وجبت فيه ثلثا عشر الدية وقيل: أن كان متمسكاً بكتاب لم يبدل وجب فيه دية مسلم، وإن كان متمسكاً بكتاب مبدل ففيه ثلث الدية.
وإن قطع يد نصراني فأسلم ثم مات، وجب عليه دية مسلم، وإن قطع يد حربي ثم اسلم ومات، فلا شيء عليه.
وإن قطع يد مرتد فأسلم ومات، لم يلزمه شيء، وقيل: تلزمه الدية، وليس بشيء، وإن أرسل سهماً على ذمي فأسلم ثم وقع به السهم فقتله لزمه دية مسلم.
---(1/231)
ودية المرأة على النصف من دية الرجل، ودية الجنين غرة عبد، أو أمة قيمته نصف عشر دية الأب، أو عشر دية الأم، يدفع ذلك إلى ورثته، وإن كان أحد أبويه مسلماً والآخر كافراً أو أحدهما مجوسياً والآخر كتابياً اعتبر بأكثرهما بدلاً، وإن ألقته حياً ثم مات، وجبت فيه دية كاملة، وإن اختلفا في حياته فالقول قول الجاني، وإن ألقته مضغة وشهد القوابل أنه خلق آدمي ففيه قولان؛ أحدهما: تجب فيه الغرة، والثاني: لا تجب، ولا يقبل في الغرة ما له دون سبع سنين، ولا كبير ضعيف، وقيل: لا تقبل الجارية بعد عشرين سنة، ولا العبد بعد خمس عشرة سنة، ولا يقبل خصي ولا معيب، فإن عدمت الغرة فخمس من الإبل في أصح القولين، وقيمة الغرة في القول الآخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
والشجاج في الرأس عشرة: الحارصة، والدامية، والباضعة، والملاحمة، والسمحاق، والموضحة، والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة، والدامغة.
فالحارصة: ما تشق الجلد قليلاً، ولا تدميه. والدامية: ما تشق الجلد وتدمي. والباضعة: ما تقطع اللحم. والمتلاحمة: ما تنزل في اللحم. والسمحاق: ما يبقى بينها وبين العظم جلدة رقيقة وتجب في هذه الخمس حكومة، ولا يبلغ بحكومتها أرش الموضحة.
والموضحة: ما توضح العظم في الرأس، أو الوجه وفيها خمس من الإِبل، فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فقد قيل: يلزمه خمس، وقيل: عشر.
فإن أوضح موضحتين بينهما حاجز فعليه عشر من الابل، فإن خرق بينهما رجعت إلى الخمس، وإن خرق بينهما غيره وجب على الأول عشر وعلى الثاني خمس، وإن أوضح موضحتين وخرق بينهما في الباطن فقد قيل: يجب (عليه) أرش موضحتين، وقيل: أرش موضحة. وإن شج في جميع رأسه شجة دون الموضحة وأوضح في بعضها ولم ينفصل بعضها عن بعض وجب عليه أرش موضحة. والهاشمة: ما يهشم العظم فيجب فيها عشر من الابل، فإن ضربه بمثقل فهشم العظم ولم يجرح وجب خمس من الابل، وقيل: تلزمه حكومة.
---(1/232)
والمنقلة: ما لا يبرأ إلا بنقل العظم، فيجب فيها خمس عشرة من الابل. والمأمومة: ما تصل إلى الجلدة التي تلي الدماغ وفيها ثلث الدية.
والدامغة: ما وصلت إلى الدماغ فيجب فيها ما يجب في المأمومة، وفي الجائفة ثلث الدية، وهي الجناية التي تصل الى جوف البدن من ظهر أو بطن أو صدر أو ثغرة نحر.
فإن طعنه في بطنه فخرجت الطعنة من ظهره، فهما جائفتان، وقيل: هي جائفة والأول أصح. وإن أجاف جائفة فجاء آخر ووسعها وجب على الثاني أرش جائفة. وإن طعن وجنته فهشم العظم ووصلت الجراحة الى الفم، ففيه قولان؛ أحدهما: أنها جائفة، والثاني: أنه يلزمه أرش هاشمة.
وتجب في الاذنين إذا قطعهما مِن أصلهما الدية، وفي إحداهما نصفه، وفي بعضها بقسطه، وإن ضرب الاذن فشلّت وجبت الدية في أحد القولين، والحكومة في الآخر. وإن قطع اذناً شلاء ففيه قولان؛ أحدهما: تجب الدية، والثاني، الحكومة. وتجب في السمع الدية. وإن قطع الاذنين فذهب السمع وجبت ديتان، وإن اختلفا في ذهاب السمع يتبع في أوقات الغفلة، فإن ظهر منه انزعاج سقط دعواه. وإن لم يظهر فالقول قوله مع يمينه، وإن ادعى نقصان السمع فالقول قوله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
ويجب فيما نقص بقدره وفي العقل الدية، وإن نقص ما يعرف قدره بأن يجن يوماً ويفيق يوماً وجب بقسطه (من الدية)، وإن لم يعرف قدره وجب فيه حكومة. وإن ذهب العقل بجناية لا أرش لها مقدر دخل ارش الجناية في دية العقل، وأن ذهب بجناية لها أرش مقدر كالموضحة، وقطع اليد والرِجل، ففيه قولان: أصحهما أنه لا يدخل (أرش الجناية في دية العقل).
---(1/233)
وتجب في العينين الدية، وفي إحداهما نصفها، وإن جنى عليه جناية فادعى منها ذهاب البصر، وشهد بذلك شاهدان مِن أهل المعرفة وجبت الدية، وإن قالا: ذهب ولكن يرجى عوده إلى مدة انتظر إليها. فإن مات قبل انقضائها وجبت الدية، وإن نقصَ الضوء وجبت الحكومة. وإن ادعى نقصانه فالقول قوله. وفي العين القائمة الحكومة. وفي الاجفان الدية، وفي كل واحد ربعها، وفي الاهداب الحكومة، فإن قلع الاهداب مع الاجفان لزمه دية، وقيل: يلزمه دية، وحكومة.
وفي المارن الدية، وفي بعضه بحسابه وإن قطع المارن وبعض القصبة لزمه الدية وحكومة. وإن ضرب الانف فشل المارن ففيه قولان كالأذن، وإن عوجه لزمه حكومة. وفي أحد المنخرين نصف الدية، وقيل: ثلث الدية، وفي الشم الدية، وإن قطع الانف وذهب الشم لزمه ديتان، فإن ادعى ذهاب الشم تُتبع في حال الغفلة بالروائح الطيبة والخبيثة فإن لم يظهر منه احساس حلف.
وفي الشفتين الدية، وفي إحداهما نصفها، وفي بعضها بقسطها، وإن جنى عليها فشلت وجبت الدية، وفي اللسان الدية، وإن جنى عليه فخرس فعليه الدية، وإن ذهب بعض الكلام وجب بقسطه، وتقسم على الحروف، وإن حصلت به تمتمة أو عجلة وجب حكومة، وإن قطع نصف اللسان وذهب نصف الكلام وجب نصف الدية، وإن قطع الربع وذهب نصف الكلام وجب نصف الدية، وان قطع النصف وذهب ربع الكلام وجبت نصف الدية، وإن قطع اللسان فأخذ الدية ثم نبت، رد الدية في أحد القولين دون الآخر، وفي الذوق الدية.
---(1/234)
وفي كل سن خمس من الإبل فإن كسر ما ظهر وجب عليه خمس مِن الابل، وفي بعضه بقسطه. وفي السنخ حكومة، فإن قطع السن مع السنخ دخل السنخ في السن، وإن جنى على سنه اثنان ثم اختلفا في القدر فالقول قول المجنى عليه. وإن قلع سن كبير فضمن، ثم نبت، ففيه قولان؛ أحدهما: يرد ما أخذ، والثاني: لا يرد، وإن قلع سن صغير لم يثغر، انتظر، فإن وقع اليأس منها وجب أرشها، وإن جنى على سن فتغيّرت، أو اضطربت وجبت عليه حكومة، وإن قلع جميع الاسنان في دفعة، أو متوالياً فقد قيل: تجب دية نفس، والمذهب أنه يجب في كل سن خمس من الابل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
وفي اللحيين، الدية وفي إحداهما نصفها، وإن قلع اللحيين مع الاسنان وجب دية كل واحد منهما. وفي كل اصبع عشر من الابل، وفي كل أنملة ثلاثة أبعرة وثلث، إلا الابهام فإنه يجب في كل انملة خمس من الابل. وفي الكفين والاصابع الدية، فإن قطع ما زاد على الكف وجبت الدية في الكف والحكومة فيما زاد، وإن جنى عليها فشلت وجبت الدية، وفي اليد الشلاء الحكومة وفي اليد الزائدة، والاصبع الزائدة الحكومة، وقيل: إن لم يحصل بها شين لم يجب في الزائدة شيء.
وفي الرجلين الدية، وفي إحداهما نصفها، وفي كل أصبع عشر من الابل.
وفي الاليتين الدية، وفي احداهما نصفها.
وإن كسر صلبه فلم يطق المشي لزمته الدية، وإن نقص مشيه أو احتاج الى عصى، لزمته حكومة، وإن كسر صلبه فعجز عن الوطء، لزمه الدية، وإن إختلفا في ذلك فالقول قول المجني عليه، وإن بطل المشي والوطء، وجب ديتان على ظاهر المذهب، وقيل: دية واحدة، وإن قطع اللحم الناتىء على الظهر لزمته الدية، وفي أحداهما نصفها، وفي بعضه بحسابه.
وفي حلمتي المرأة الدية، وفي إحداهما نصفها، وإن جنى على ثديها فشلت، وجبت عليه الدية، وإن انقطع لبنها لزمته الحكومة، وفي حلمتي الرجل حكومة، وقيل فيه قول آخر: أنه تجب فيهما الدية.
---(1/235)
وفي جميع الذكر الدية، وفي الحشفة الدية، وإن قطع بعض الحشفة وجب بقسطه من الحشفة في أصح القولين، وبقسطه من جميع الذكر في (القول) الآخر، وإن جنى عليه فشلَّ وجبت عليه الدية، وإن قطع ذكراً فشل وجبت عليه الحكومة.
وفي الإنثيين الدية، وفي إحداهما نصفها وفي إسكَتي المرأة الدية، وفي إحداهما نصفها، وإن جنى عليها فشلت وجبت الدية، وفي الافضاء الدية، وهو أن يجعل سبيل الحيض والغائط واحداً، وقيل: أن يجعل سبيل البول والحيض واحداً، وفي اذهاب العُذرة الحكومة، وفي الشعور كلها الحكومة.
وفي جميع الجراحات سوى ما ذكرنا الحكومة، وفي تعويج الرقبة وتصعير الوجه وتسوِيده الحكومة.
والحكومة أن يقوم بلا جناية، ويقوم بعد الاندمال مع الجناية، فما نقص من ذلك وجب بقسطه مِن الدية، وإن كانت الجناية مما لا ينقص به شيء بعد الاندمال، ويخاف منه التلف حين الجناية كالاصبع الزائدة، وذكر العبد، قوم حال الجناية، فما نقص وجب، وإن كان مما لا يخاف منه كلحية المرأة يقوّم لو كان غلاماً وله لحية، ويقوم ولا لحية له فيجب ما بينهما. وما اختلف فيه الخطأ والعمد في النفس اختلف فيما دون النفس، ويجب في قتل العبد والأَمة قيمتهما بالغة ما بلغت، وما ضمن من الحر بالدية ضمن من العبد والأمة بالقيمة. وما ضمن من الحر بالحكومة ضمن من العبد والامة بما نقص، ولا يختلف بالعمد والخطأ في ضمان العبد والأمة. وإن قطع يد عبد ثم اعتق ثم مات، وجب فيه دية حر، للمولى منها أقل الأمرين من نصف الدية، أو نصف القيمة. ويجب في جنين الأمة عشر قيمة الأم حال الضرب لا حال الاسقاط، فإن ضرب بطن أمة، ثم أعتقت، ثم ألقت جنيناً ميتاً، وجب فيه دية جنين حرة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
باب العاقلة وما تحمله
إذا جنى الحر على نفس حر خطأ، أو عمد خطأ، وجبت الدية على عاقلته، وإن جنى على اطرافه ففيه قولان: أصحهما أنه على عاقلته.
---(1/236)
وإن جنى على عبد، ففيه قولان: أصحهما أن القيمة في ماله.
وإن جنى عبد على حر أو عبد، وجب المال في رقبته، ومولاه بالخيار بين أن يسلمه فيباع في الجناية، وبين أن يفديه، وإن أراد الفداء فداه في أحد القولين: بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية، وبأرش الجناية بالغاً ما بلغ في الآخر.
وإن جنت أم الولد فداها المولى بأقل الامرين.
وإن جنى مكاتب فإن كان على أجنبي، فدا نفسه بأقل الأمرين، وإن كان على مولاه، فدا بأقل الأمرين في أحد القولين، وبالارش في الآخر، فإن لم يفد بيع في الجناية وانفسخت الكتابة.
وما يجب من الدية بخطأ الإمام، فهو في بيت المال في أحد القولين، وعلى عاقلته في الآخر.
وما يجب من الدية بالخطأ أو عمد الخطأ، فهو مؤجل فإن كانت دية نفس كاملة فهو مؤجل في ثلاث سنين، في كل سنة ثلثها، وابتداؤها من وقت القتل. وإن كان أرش أطراف فإن كان قدر الدية فهو في ثلاث سنين، وإن كان الثلث فما دونه ففي سنة، وإن كان الثلثان أو أقل وجب الثلث في سنة، وما زاد عليه في السنة الثانية، وإن كان قدر الدية أو أقل وجب الثلثان في سنتين، وما زاد في السنة الثالثة وإن كان أكثر من ذلك لم يجب في كل سنة أكثر من الثلث، وابتداؤها من وقت الاندمال.
وإن كان دية نفس ناقصة كدية الجنين، والمرأة، والذمي، فقد قيل: هي كدية النفس (الكاملة) في ثلاث، وقيل: هي كأرش الطرف إذا نقص عن الدية.
والعاقلة العصبات ما عدا الأب، والجد، والابن، وابن الابن، ولا يعقل بنو أب وهناك من هو أقرب منه. وإن اجتمع من يدلي بالأب والأم، ومن يدلي بالأب ففيه قولان: أصحهما: أنه يقدم مَن يدلي بالأب والأم، والثاني: أنهما سواء، وإن اجتمع منهم جماعة في درجة واحدة وبعضهم غيب، ففيه قولان؛ أصحهما: أنهم سواء، والثاني: أنه يقدم الحاضر.
---(1/237)
وإن عدم العصبات وهناك مولى مِن أسفل ففيه قولان: أصحهما أنه لا يعقل. وإن لم يكن من يعقل وجب في بيت المال، وإن لم يكن فقد قيل: (يجب) على الجاني، وقيل: لا يجب عليه، ولا يعقل فقير ولا صبي ولا معتوه، ولا كافر عن مسلم، ولا مسلم عن كافر، وإن أرسل الكافر سهماً، ثم أسلم ثم وقع سهمه فقتل، أو رمى مسلماً ثم ارتد ثم وقع سهمه فقتل كانت الدية في ماله، ويجب على الغني نصف دينار، وعلى المتوسط ربع دينار، في كل سنة، وقيل: لا يجب أكثر من النصف، والربع في الثلاث سنين، ويعتبر حاله في السعة والقلة عند الحول، فإن قسط عليهم فبقي شيء أخذ من بيت المال، وإن كان عددهم على قدر الثلث ففيه قولان؛ أحدهما: يقسط عليهم وينقص (عن) كل واحد عن النصف والربع، والثاني: يقسط الإمام على من رأى منهم، ومن مات من العاقلة قبل محل النجم، سقط ما عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 307
باب كفارة القتل
إذا قتل من يحرم قتله لحق الله تعالى عمداً أو خطأ، أو فعل به شيئاً مات به، أو ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً، وجبت عليه الكفارة.
وإن اشترك جماعة في قتل واحد، وجب على كل واحد منهم كفارة، وقيل فيه قول آخر أنه تجب عليهم كفارة واحدة.
والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع ففيه قولان؛ أحدهما: يطعم ستين مسكيناً كل مسكين مداً من طعام، والثاني: لا يطعم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 308
باب قتال أهل البغي
---(1/238)
إذا خرج على الإمام طائفة من المسلمين، ورامت خلعه، أو منعت الزكاة، أو حقاً توجه عليها وامتنعوا بالحرب، بعث إليهم وسألهم ما تنقمون، فإن ذكروا شبهة أزالها، وإن ذكروا علة يمكن إزاحتها أزاحها، وإن أبوا وعظهم وخوّفهم بالقتال: فإن أبوا قاتلهم، وإن استنظروا مدة لينظروا أنظرهم، إلا أن يخاف (عليهم) أنهم يقصدون الإجتماع على حربه لا ينظرهم ويقاتلهم إلى أن يفيئوا إلى أمر الله تعالى، ولا يتبع في الحرب مدبرهم، ولا يذفف على جريحهم، ويتجنب قتل ذي رحمه، وإن أسر منهم رجلاً حبسه إلى أن تنقضي الحرب، ثم يخليه ويأخذ عليه أن لا يعود إلى قتاله، وإن أسر صبياً أو امرأة خلاه على المنصوص، وقيل: يحبسهم، ولا يقاتلهم بما يعم كالمنجنيق والنار، إلا لضرورة، ولا يستعين عليهم بالكفار، ولا بمن يرى قتلهم مدبرين، وإن اتلف عليهم أهل العدل شيئاً في حال الحرب لم يضمنوا، وإن اتلف أهل البغي على أهل العدل (شيئاً) ففيه قولان: أصحهما أنهم لا يضمنون، وإن ولّوا قاضياً نفذ من حكمه ما ينفذ من حكم الجماعة، وإن اخذوا الزكاة والخراج، اعتد به، وإن ادعى من عليه زكاة أنه دفع الزكاة إليهم قُبل قوله مع يمينه، قيل: يحلف مستحباً، وقيل: يحلف واجباً، وإن ادعى من عليه جزية أنه دفعها إليهم لم يقبل إلا ببيّنة.
وإن ادعى من عليه خراج أنه دفعه إليهم، فقد قيل: يقبل قوله، وقيل: لا يقبل، وإن أظهر قوم رأي الخوارج، ولم يظهروا ذلك بحرب لم يتعرض لهم، وكان حكمهم حكم الجماعة فيما لهم وعليهم، وإن صرحوا بسبّ الإمام، عزرهم، فإن عرّضوا بسبّه لم يتعرض لهم، وإن اقتتل طائفتان في طلب رياسة، أو نهب مال، أو عصبية فهما ظالمتان. وعلى كل واحدة منهما ضمان ما تلف على الأخرى من نفس ومال.
---(1/239)
ومن قصد قتل رجل جاز للمقصود دفعه عن نفسه، وهل يجب (ذلك)؟ قيل: يجب، وقيل: لا يجب، وإن قصد ماله فله أن يدفعه عنه، وله أن يتركه، وإن قصد حريمه وجب عليه الدفع عنه، وإذا أمكن الدفع بأسهل الوجوه لم يعدل إلى أصعبها، فإن لم يندفع إلا بالقتل فقتله لم يضمنه، وإن اندفع (بما دونه) لم يجز أن يتعرض له.
وإن اطلع رجل في بيت رجل (فنظر حريمه)، وليس بينهما محرمية جاز رمي عينه، ويرميه بشيء خفيف، فإن رماه بحجر يقتل فقتله فعليه القود، وإن رماه بشيء خفيف فلم يرجع استغاث عليه، فإن لم يلحقه غوث فله أن يضربه بما يردعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
وإن عض يد إنسان فنزعها منه، فسقطت اسنانه لم يضمن، وإن لم يقدر على تخليصها ففك لحييه، لم يضمن. وإن صالت عليه بهيمة، فلم تندفع إلا بقتلها (فقتلها) لم يضمن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
باب قتل المرتد
تصح الردة من كل بالغ عاقل مختار، فأما الصبي والمعتوه، فلا تصح ردتهما، وتصح ردة السكران، وقيل: فيه قولان.
وأما المكره فلا تصح ردته، وكذلك الأسير في يد الكفار لا تصح ردته.
ومن ارتد عن الإسلام يستحب أن يستتاب في أحد القولين، ويجب في الآخر، وفي مدة الاستتابة قولان؛ أحدهما: ثلاثة أيام، والثاني: في الحال وهو الأصح، فإن رجع إلى الاسلام قبل منه. وإن تكرر منه، ثم أسلم عزر. وإن ارتد إلى دين، لا تأويل لأهله كفاه أن يقر بالشهادتين، وإن ارتد إلى دين يزعم أهله أن محمداً مبعوث إلى العرب لم يصح اسلامه حتى يأتي بالشهادتين، ويبرأ عن كل دين خالف الاسلام، وإن أقام على الردة، وجب قتله، فإن كان حراً لم يقتله إلا الإمام، فإن قتله غيره بغير إذن الإمام عُزر، وإن قتله انسان، ثم قامت البينة أنه كان قد رجع (الى) الإسلام، ففيه قولان؛ أحدهما: يجب عليه القود، والثاني: لا يجب (عليه) إلا الدية، وإن كان عبداً فقد قيل: يجوز للسيد قتله، وقيل: لا يجوز.
---(1/240)
وإن اتلف المرتد مالاً، أو نفساً على مسلم، وجب عليه الضمان، وإن امتنع بالحرب، فأتلف، ففيه قولان: كأهل البغي.d
وإن ارتد وله مال فقد قيل فيه قولان؛ أحدهما: أنه باق على ملكه، والثاني: أنه موقوف، فإن رجع إلى الاسلام حكم بأنه له، وإن لم يرجع حكم بأنه قد زال بالردة، وقيل فيه قول ثالث: انه يزول بنفس الردة، وأما تصرفه ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: ينفذ، والثاني: لا ينفذ، والثالث: أنه موقوف. وإذا مات (على الردة) أو قتل قضيت الديون، مِن ماله، والباقي فيء، وإن أقام وارثه بيّنة أنه صلّى بعد الردة، فإن كانت الصلاة في دار الإسلام لم يحكم بإسلامه، وإن كانت في دار الحرب حكم بإسلامه، وورثه الوارث.
وإن علقت منه كافرة بولد في حال الردة، فهو كافر. وفي استرقاق هذا الولد قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
باب قتال المشركين
من لا يقدر على إظهار الدين في دار الحرب، وقدر على الهجرة وجب عليه أن يهاجر، ومن قدر على إظهار الدين استحب له أن يهاجر.
والجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به من فيه الكفاية سقط الفرض عن الباقين.
ومن حضر الصف من أهل الفرض تعيّن عليه، ويستحب الإكثار من الغزو، وأقل ما يجزىء في كل سنة مرة، فإن دعت الحاجة إلى أكثر من ذلك وجب، فإن دعت الحاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين أخره.
ولا يجب الجهاد إلا على ذكر، حر، بالغ، عاقل، مستطيع، فأما المرأة، والعبد، والصبي، فلا جهاد عليهم فإن حضروا جاز، ولا يجب الجهاد على معتوه، ولا على غير مستطيع وهو الأعمى، والأعرج، والمريض الذي لا يقدر على القتال، والفقير الذي لا يجد ما ينفق على نفسه وعياله، أو لا يجد ما يحمله، وهو على مسافة تقصر فيها الصلاة
ولا يجاهد من عليه دين إلا بإذن غريمه، وقيل: يجوز في الدين المؤجل ان يجاهد بغير إذنه.
---(1/241)
ولا يجوز لمن أحد أبويه مسلم أن يغزو بغير اذنه، فإن أذن له الغريم، ثم بدا له قبل أن يحضر الصف، أو أسلم أحد أبويه قبل أن يحضر الصف لم يغز إلا بإذنهم، وإن كان قد حضر الصف، ففيه قولان، وإن أحاط العدو بهم، وتعين الجهاد، جاز من غير إذنهم.
ولا يجاهد أحد عن أحد، ويكره أن يغزو أحد إلا بإذن الإمام، ويتعاهد الإمام الخيل، والرجال، فما لا يصلح منها للحرب منع من دخول دار الحرب، ولا يأذن لمخذل، ولا لمن يرجف بالمسلمين، ولا يستعين بمشرك، إلا أن يكون في المسلمين قلة. والذي يستعين به حسن الرأي في المسلمين، ويبدأ بقتال من يليه من الكفار، ويبدأ بالأهم فالأهم، ولا يقاتل من لم يبلغه الدعوة حتى يعرض عليه الدين ويقاتل أهل الكتابين والمجوس إلى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية، ويقاتل من سواهم، إلى أن يسلموا ويجوز بياتهم، ونصب المنجنيق عليهم، ورميهم بالنار، ويتجنب قتل أبيه وابنه، إلا أن يسمع منه ما لا يصبر عليه من ذكر الله تعالى، أو ذكر رسوله ، ولا يقتل النساء، والصبيان، إلا أن يقاتلوا، وفي قتل الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، وأصحاب الصوامع قولان: أصحهما أنهم يقتلون، وإن تترسوا بالنساء والصبيان في القتال، لم يمنع من قتالهم، وإن كان معهم قليل من أسارى المسلمين لم يمنع من رميهم، وإن كان معهم كثير منهم لم يرمهم إلا إذا خاف شرهم. فإن تترسوا بهم في حال القتال لم يمنع من قتالهم، غير أنه يتجنب أن يصيبهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 311
ومن امنه مسلم، بالغ، عاقل، مختار حرم قتله، وإن امنه صبي لم يقتل، غير أنه يعرف أنه لا أمان له ليرجع إلى مأمنه، ومن أمنه أسير قد أطلق باختياره حرم قتله.
---(1/242)
ومن أسلم منهم في الحرب، أو في حصار، أو في مضيق حقن دمه وماله، وصان صغار أولاده عن السبي، ومن عرف من المسلمين من نفسه بلاء في الحرب، جاز له أن يبارز، فإن بارز كافر استحب لمن عرف مِن نفسه بَلاء أن يخرج إليه، فإن شرط أن لا يقاتله غيره وفى له بالشرط إلا أن يثخن المسلم، أو ينهزم منه فيجوز قتاله. فإن شرط أن لا يتعرض له حتى يرجع إلى الصف، وفى له بذلك، وليس للمسلم أن ينصرف عن اثنين، إلا متحرفاً لقتال، أو متحيزاً إلى فئة، فإن خاف أن يقتل فقد قيل: له أن يولي والمذهب أنه ليس له ذلك، وإن كان بإزائه أكثر من اثنين وغلب على ظنه أنه لا يهلك فالأولى أن يثبت، وإن غلب على ظنه أنه يهلك فالأولى أن ينصرف، وقيل: يجب عليه، وإن غرر من له سهم بنفسه في قتل كافر ممتنع في حال القتال استحق سلبه وإن كان لا سهم له وله رضخ فقد قيل: يستحق، وقيل: لا يستحق. وإن لم يغرر بنفسه، فإن رماه مِن الصف فقتله، أو قتله وهو أسير أو مثخن لم يستحق، وإن قتله وقد ترك القتال أو انهزم لم يستحق سلبه، وإن اشترك اثنان في قتله اشتركا في سلبه، وإن قطع إحدهما يديه ورجليه، وقتله الآخر فالسلب للقاطع، وإن قطع أحدهما إحدى يديه وإحدى رجليه، وقتله الآخر ففيه وقولان: أحدهما: أن السلب للأول، والثاني: أنه للثاني.
---(1/243)
وإن قتل امرأة أو صبياً، فإن كان لا يقاتل لم يستحق سلبه، وإن قتله وهو على القتال استحق سلبه، والسلب ما تثبت يده عليه في حال القتل من ثيابه، وحليه، ونفقته، وفرسه، وسلاحه، وقيل: لا يستحق الحلي، والمنطقة، والنفقة والأول أصح، وإن اسر صبياً رق، فإن كان وحده تبع السابي في الإسلام، وإن كان معه أحد أبويه تبعه في الدين، وإن سبيت امرأة رقت بالأسر، فإن كان لها زوج انفسخ نكاحها، وإن أسر حراً، فللإمام أن يختار فيه ما يرى المصلحة من القتل، والاسترقاق، والمنّ، والمفاداة بمال، أو بمن أسر من المسلمين، فإن استرقه وكان له زوجة انفسخ نكاحها، وإن اسلم في الاسر سقط قتله، وبقي الخيار في الباقي في أحد القولين، ويرق في القول الآخر. وإن غرر بنفسه في أسره فقتله الإمام أو منّ عليه ففي سلبه قولان؛ أحدهما: أنه لمن أسره، والثاني: أنه ليس له. وإن استرقه أو فاداه بمال فهل يستحق من أسره رقبته أو المال المفادى به؟ فيه قولان، وإن حاصر قلعة فنزل أهلها على حكم حاكم جاز، ويجوز أن يكون الحاكم حراً، مسلماً، ثقة، من أهل الاجتهاد، ولا يحكم الحاكم إلا بما فيه حظ للمسلمين من القتل والاسترقاق، والمن، والفداء، وإن حكم بعقد الذمة لم يلزم، وقيل: يلزم. وإن حكم بقتل الرجال ورأى الإمام أن يمن عليهم جاز فإن نزلوا على حكم حاكم فأسلموا، قبل أن لا يحكم بشيء عصم دمهم ومالهم وحرم سبيهم، وإن أسلموا بعد الحكم سقط القتل، وبقي الباقي. وإن مات الحاكم قبل الحكم ردوا إلى القلعة، ويجوز لأمير الجيش أن يشترط للبدأة والرجعة ما رأى على قدر عملهم من خمس الخمس. ويجوز أن يشترط لمن دله على قلعة جعلاً، فإن كان المجعول له كافراً جاز أن يجعل له جعلاً مجهولاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 311
---(1/244)
وإن قال: من دلني على القلعة الفلانية فله منها جارية، فدل عليها ولم تفتح لم يستحق شيئاً. وقيل: يرضخ له، وليس بشيء، وإن فتحت صلحاً فامتنع صاحب القلعة من تسليم الجارية، وامتنع المجعول له من قبض قيمتها فسخ الصلح، وان فتحت عنوة وقد اسلمت الجارية قبل الفسخ دفع إليه قيمتها، وإن ماتت قبل الفتح ففيه قولان؛ أحدهما: يدفع إليه قيمتها، والثاني: لا شيء له.
ويجوز قطع أشجارهم وتخريب ديارهم، فإن غلب على الظن أنه يحصل لهم، فالأولى أن لا يفعل ذلك، ولا يجوز قتل البهائم إلا إذا قاتلوا عليها، ويقتل الخنازير، وتراق الخمور وتكسر الملاهي، ويُتلف ما في أيديهم من التوراة، والانجيل.
ويجوز أكل ما أصيب في الدار من الطعام وتعلف منه الدواب.
ويجوز ذبح ما يؤكل للأكل من غير ضمان، وقيل: يجب ضمان ما يذبح، وليس بشيء. وإن خرجوا إلى دار الإسلام ومعهم بقية من الطعام ففيه قولان؛ أحدهما: يجب رده إلى المغنم، والثاني: لا يجب، وما سوى ذلك من الأموال لا يجوز لأحدهم أن يستبد به، فمن أخذ منه شيئاً وجب عليه رده إلى المغنم، وله قول آخر أنه إذا قال الأمير: من أخذ شيئاً فهو له صح، فمن أخذ شيئاً ملكه، والأول أصح.
ومن قتل من الكفار كره نقل رأسه من بلد إلى بلد، وإن غلب الكفار المسلمين على أموالهم لم يملكوها فإن استرجعت، وجب ردها على أصحابها، فإن لم يعلم حتى قسمت عوض صاحبها من خمس الخمس، ولا تفسخ القسمة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 311
باب قسم الفيء والغنيمة
---(1/245)
الغنيمة: ما أخذ من الكفار بالقتال، وإيجاف الخيل والركاب ومتى يملك ذلك؟ فيه قولان؛ أحدهما: بانقضاء الحرب، والثاني: بإنقضاء الحرب وحيازة المال، فأول ما يبدأ به بسلب المقتول فيدفع إلى القاتل، ثم يقسم الباقي على خمسة، ثم يقسم الخمس على خمسة أسهم، سهم لرسولا يصرف في المصالح، واهمّها سدّ الثغور، ثم الأهم فالأهم من أرزاق القضاة، والمؤذنين، وغير ذلك من المصالح، وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب، للذكر منهم مثل حظ الانثيين، يدفع إلى القاصي والداني منهم، وقيل: يدفع ما يحصل منه في كل إقليم إلى مَن فيه منهم، وسهم لليتامى الفقراء، وقيل: يشترك فيه الفقراء والاغنياء، وليس بشيء، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل (يصرف إليهم على قدر حاجاتهم)، فلا يعطى الكافر منه شيئاً، ويقسم الباقي وهو أربعة أخماس بين الغانمين للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، ولا يسهم إلا لفرس واحد، فإن دخل راجلاً ثم حصل له فرس فحضر به الحرب إلى أن ينقضي أسهم له، وإن غاب فرسه، فلم يجده إلا بعد انقضاء الحرب، لم يسهم به، وقيل: يسهم به وليس بشيء، وإن غصب فرساً وقاتل عليه أسهم في أظهر القولين. ولصاحب الفرس في (القول) الآخر، وإن حضر بفرس ضعيف أو أعجف، أسهم له في أحد القولين دون الآخر، ومن مات أو خرج عن أن يكون مِن أهل القتال بمرض قبل أن تنقضي الحرب لم يسهم له، ويرضخ للعبد والمرأة والصبي والكافر ان حضر بإذن الإمام، وفي الاجير ثلاثة أقوال؛ أحدها: يسهم له، والثاني: يرضخ له، والثالث: يخير، فإن اختار السهم فسخت الإجارة، وسقطت الاجرة، وإن اختار الاجرة سقط السهم.
وفي تجار العسكر، قولان؛ أحدهما: يسهم لهم، والثاني: يرضخ (لهم)، وقيل: إن قاتلوا أسهم لهم، وإن لم يقاتلوا فعلى قولين؛ ومن أين يكون الرضخ؟ فيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: من أصل الغنيمة كالسلب، والثاني: من أربعة أخماسها، والثالث: من سهم المصالح.
---(1/246)
وإن خرجت سريتان إلى جهة، ثم غنمت إحداهما شيئاً قسم بين الجميع، وإن بعث أمير الجيش سريتين إلى موضعين فغنمت إحداهما اشتركوا فيه، وقيل: ما يغنمه الجيش مشترك بينه وبين السريتين، وما يغنم كل واحدة من السريتين يكون بين السرية الغانمة وبين الجيش، ولا يشاركها فيه السرية الاخرى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 316
وأما الفيء: فهو كل مال أخذ مِن الكفار من غير قتال، كالمال الذي تركوه فزعاً من المسلمين، والجزية، والخراج، والاموال التي يموت عنها صاحبها ولا وارث له مِن أهل الذمة، وفيها قولان؛ أحدهما: أنها تخمس، فيصرف خمسها إلى أهل الخمس، والثاني: لا يخمس إلا ما هربوا عنه فزعاً من المسلمين. وفي أربعة أخماسها قولان؛ أحدهما: أنها لأجناد المسلمين يقسم بينهم على قدر كفايتهم، والثاني: أنها للمصالح، وأهمها أجناد الاسلام، فيعطون من ذلك قدر كفايتهم، والباقي للمصالح، ويبدأ فيه بالمهاجرين، ويقدم الأقرب فالأقرب الى رسول الله ، ويسوي بين بني هاشم، وبني المطلب، فإن استوى بطنان في القرب، قدم فيها أصهار رسول ، ثم بالأنصار، ثم بسائر الناس.
ومن مات منهم دفع إلى ورثته، وزوجته الكفاية، وإن بلغ الصبي واختار أن يفرض له فرض له، وإن لم يختر ترك. ومن خرج عن ان يكون من أهل المقاتلة سقط حقه، وإن كان في مال الفيء أراض، وقلنا أنها للمصالح، صارت وقفاً يصرف غلتها فيها، وإن قلنا أنها للمقاتلة قسمت بينهم، وقيل: يصير وقفاً ويقسم غلتها بينهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 316
باب عقد الذمة وضرب الجزية
لا يصح عقد الذمة إلا من الإمام، أو من فوّض إليه الإمام، ولا يعقد الذمة لمن لا كتاب له، ولا شبهة كتاب، كعبدة الاوثان، والمرتدة.
ومن دخل في دين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل. ويجوز أن يعقد لليهود والنصارى والمجوس.
---(1/247)
ولمن دخل في دين اليهود والنصارى ولم يعلم هل دخل قبل النسخ والتبديل أو بعدها، وأما السامرة والصابئة فقد قيل: يجوز أن يعقد لهم، وقيل: لا يجوز.
ومن تمسك بدين إبراهيم وشيث، وغيرهما من الأنبياء صلَّى اللَّه عليهم وسلم أجمعين فقد قيل: يعقد لهم، وقيل: لا يعقد (لهم).
ولا يعقد لمن ولد بين وثني وكتابية، وفيمن ولد بين كتابي ووثنية قولان: أصحهما أنه يعقد له.
ولا يصح عقد الذمة إلا بشرطين: التزام أحكام الملة، وبدل الجزية، والأولى أن تقسم الجزية على الطبقات، فيجعل على الفقير المعتمل دينار، وعلى المتوسط ديناران، وعلى الغني أربعة دنانير، اقتداء بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وأقل ما يؤخذ دينار، وأكثره ما وقع عليه التراضي.
ويجوز أن يضرب الجزية على الرقاب، ويجوز أن يضرب على الأرض، ويجوز أن يضرب على مواشيهم، كما فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في نصارى العرب، ولا يجوز أن ينقص ما يأخذ من أراضيهم ومواشيهم عن دينار، ويجوز أن يشترط عليهم بعد الدينار ضيافة من يمر بهم من المسلمين، ويبين أيام الضيافة في كل سنة ويذكر قدر من يضاف مِن الفرسان والرجالة، ومقدار الضيافة من يوم أو يومين أو ثلاثة، ولا يزاد على ثلاثة أيام ويبين مقدار الطعام والإدم والعلف واصنافها، ويقسم ذلك على عددهم وعلى قدر جزائهم، وعليهم أن يسكنوهم في فضول مساكنهم وكنائسهم، ومن بلغ من أولادهم استؤنف له عقد الذمة على ظاهر النص، وقيل: يؤخذ منه جزية أبيه.
---(1/248)
وتؤخذ الجزية في آخر الحول، ويؤخذ ذلك منهم برفق كما تؤخذ سائر الديون، ولا تؤخذ من امرأة ولا عبد ولا صبي ولا مجنون، وفي الشيخ الفاني والراهب قولان، وفي الفقير الذي لا كسب له قولان؛ أحدهما: لا تجب عليه، والثاني: تجب، ويطالب بها إذا أيسر وإن كان فيهم من يُجن يوماً ويفيق يوماً، فالمنصوص أنه تؤخذ منه الجزية في آخر الحول، وقيل: يلفق أيام الافاقة، فإذا بلغ قدرها حولاً وجبت عليه الجزية وهو الأظهر. ومن مات منهم أو أسلم بعد الحول، أُخذت منه جزية ما مضى، ومن مات أو أسلم في أثناء الحول فقد قيل يؤخذ منه لما مضى وقيل: فيه قولان؛ أحدهما: أنه لا يجب عليه شيء، والثاني: يجب لما مضى بقسطه وهو الأصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 319
وإن مات الإمام أو عزل وولي غيره، ولم يعرف مقدار الجزية، رجع إلى قولهم. ويأخذهم الإمام بأحكام المسلمين من ضمان المال والنفس والعرض، وإن أتوا ما يوجب الحد مما يعتقدون تحريمه كالزنا والسرقة أقام عليهم الحد.
وإن لم يعتقدوا تحريمه كشرب الخمر، لم يقم عليهم الحد ويلزمهم أن يتميزوا عن المسلمين في اللباس، فإن لبسوا قلانس ميّزوها عن قلانس المسلمين بالخرق، ويشدون الزنانير على أوساطهم، ويكون في رقابهم خاتم من رصاص أو نحاس أو جَرَسٌ يدخل معهم الحمام، ولهم أن يلبسوا العمائم والطيلسان.
---(1/249)
وتشد المرأة الزنار تحت الازار وقيل: فوق الازار، ويكون في عنقها خاتم يدخل معها الحمام ويكون أحد خفيها أسود، والآخر أبيض. ولا يركبون الخيل ويركبون البغال والحمير بالأُكُف عرضاً، ولا يصدرون في المجالس ولا يبدأون بالسلام ويلجئون إلى أضيق الطرق، ويمنعون أن يعلوا على المسلمين في البناء، ولا يمنعون في المساواة وقيل: يمنعون، إن تملكوا داراً عالية اقروا عليها، ويمنعون من إظهار المنكر والخمر والخنزير، والناقوس، والجهر بالتوراة والانجيل، ويمنعون من إحداث بِيَع وكنائس في دار الاسلام، ولا يمنعون من إعادة ما استهدم منها وقيل: يمنعون.
وإن صولحوا في بلادهم على الجزية لم يمنعوا من إظهار المنكر، والخمر والخنزير والناقوس، والجهر بالتوراة والإنجيل، وإحداث البيع والكنائس، ويمنعون من المقام في الحجاز، وهي: مكة، والمدينة، واليمامة، ومخاليفها، فإن أذن لهم في الدخول لتجارة أو رسالة، لم يقيموا أكثر من ثلاثة أيام، وقيل: إن كانوا من أهل الذمة أخذ منهم لدخول الحجاز نصف العشر من تجارتهم، وإن كانوا من أهل الحرب أخذ منهم العشر، وليس بشيء، ولا يمكّن مشرك من دخول الحرم بحال، فإن دخل فمات ودفن نبش وأخرج، ولا يدخلون سائر المساجد إلا بالإذن. وإن كان جنباً فقد قيل: لا يمكن من اللبث، وقيل: يمكن.
ويجعل الإمام على كل طائفة منهم رجلاً، يكتب اسماؤهم وحِلاهم، ويستوفي عليهم ما يؤخذون به.
---(1/250)
وعلى الإمام حِفظ من كان منهم في دار الاسلام، ودفع من قصدهم بالأذية، واستنقاذ من أسِر منهم، وإن لم يفعل ذلك حتى مضى الحول، لم تجب الجزية، وإن تحاكموا إلينا مع المسلمين وجب الحكم بينهم، وإن تحاكموا بعضهم في بعض ففيه قولان؛ أحدهما: يجب الحكم بينهم، والثاني: لا يجب. وإن تبايعوا بيوعاً فاسدة وتقابضوا، ثم (ترافعوا الينا) لم ينقض ما فعلوا، وإن لم يتقابضوا نقض عليهم، وإن ترافعوا إلى حاكم لهم، فألزمهم التقابض ثم تحاكموا إلى حاكم المسلمين امضى ذلك في أحد القولين، ولا يمضيه في الآخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 319
وإن أسلم صبي منهم مميز لم يصح اسلامه، وقيل: يصح اسلامه في الظاهر دون الباطن.
وإن امتنعوا عن اداء الجزية، أو التزام احكام الملة انتقض عهدهم.
وإن زنى أحدهم بمسلمة، أو أصابها بنكاح، أو آوى عيناً للكفار، أو دل على عورة للمسلمين، أو فتن مسلماً عن دينه، أو قتله، أو قطع عليه الطريق نظر، فإن لم يكن قد شرط ذلك في عقد الذمة لم ينتقض عهده، وإن شرط عليهم، فقد قيل: ينتقض، وقيل: لا ينتقض. وإن ذكر الله عز وجل، أو رسول الله ، أو دينه بما لا يجوز، فقد قيل: ينتقض عهده، وقيل: إن لم يشترط لم ينتقض، وإن شرط فعلى الوجهين، فإن فعل ما منع منه مما لا ضرر فيه، كترك الغيار، واظهار الخمر، وما اشبههما عزر عليه، ولم ينتقض العهد، وإن خيف منهم نقض العهد لم ينبذ إليهم عهدهم، ومن فعل ما يوجب نقض العهد، ردّ إلى مأمنه في أحد القولين، وقتل في الحال في القول الآخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 319
باب عقد الهدنة
لا يجوز عقد الهدنة، إلا للإمام أو لمن فوض إليه الإمام. فإن رأى في عقدها مصلحة، جاز أن يعقد ثم ينظر، فإن كان مستظهراً فله أن يعقد أربعة أشهر.
ولا يجوز سنة، وفيما بينهما قولان، وإن لم يكن مستظهراً أو كان مستظهراً، ولكن يلزمه في غزوهم مشقة، لبعدهم جاز أن يهادنهم عشر سنين.
---(1/251)
وإن هادن على أن الخيار إليه في الفسخ متى شاء جاز، وعلى الإمام أن يدفع عنهم الاذية مِن جهة المسلمين، ولا يلزمه دفع الاذية عنهم من جهة أهل الحرب.
وإن جاء منهم مسلم لم يجب رده إليهم، فإن جاءت مسلمة لم يجز ردها إليهم، وإن جاء زوجها يطلب ما دفع إليها من الصداق ففيه قولان؛ أحدهما: يجب رده، والثاني: لا يجب. وإن تحاكموا إلينا لم يجب الحكم بينهم، وإن خيف منهم نقض العهد جاز أن ينبذ إليهم عهدهم.
وإن دخل حربي إلى دار الاسلام من غير أمان جاز قتله، واسترقاقه وكان ماله فيئاً، وإن استأذن في الدخول ورأى الإمام المصلحة في الاذن بأن يدخل في تجارة ينتفع بها المسلمون، أو في اداء رسالة أو يأخذ من تجارتهم شيئاً، جاز أن يأذن له في الدخول، فإذا دخل جاز أن يقيم اليوم والعشرة. وإن طلب أن يقيم مدة جاز أن يأذن له في المقام أربعة أشهر ولا يجوز سنة، وفيما بينهما قولان، وإذا أقام في دار الاسلام لزمه التزام أحكام المسلمين فيضمن المال والنفس، ويجب عليه حد القذف، ولا يجب عليه حد الزنا والشرب، وفي حد السرقة والمحاربة قولان.h
ويجب دفع الاذية عنهم كما يجب عن الذمي، فإن رجع إلى دار الحرب بإذن الإمام في تجارة، أو رسالة فهو باق على الامان في نفسه وماله، وإن رجع للاستيطان انتقض الامان في نفسه، وما معه من المال، وإن اودع مالاً في دار الاسلام لم ينتقض الامان فيه، ويجب رده إليه.
فإن قتل أو مات في دار الحرب ففيه قولان؛ أحدهما: أنه يرد إلى ورثته، والثاني: أنه يغنم ويصير فيئاً، وإن أُسِر واسترق صار ماله فيئاً، وإن مات أو قتل في الاسر قبل الاسترقاق، ففي ماله قولان، وإن مات في دار الاسلام قبل أن يرجع إلى دار الحرب رد ماله إلى ورثته على المنصوص، وقيل: هو أيضاً على قولين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 323
باب خراج السواد
---(1/252)
أرض السواد ما بين حديثة الموْصِل إلى عبادان طولاً، وما بين القادسية إلى حلوان عرضاً، وهي وقف على المسلمين على المنصوص، لا يجوز بيعها ولا رهنها ولا هبتها، وما يؤخذ منها باسم الخراج أجرة، وقيل: إنها مملوكة فيجوز بيعها ورهنها وهبتها، وما يؤخذ منها باسم الخراج ثمن.
والواجب أن يأخذ ما ضربه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وهو من كل جريب كرم عشرة دراهم، ومن كل جريب نخل ثمانية دراهم، ومن كل جريب رطبة أو شجرة ستة دراهم، ومن كل جريب حنطة أربعة دراهم، ومن كل جريب شعير درهمان، وقيل: على الجريب من الكرم والشجر عشرة دراهم، ومن النخل ثمانية دراهم، ومن قصب السكر ستة، ومن الرطبة خمسة، ومن البر أربعة، ومن الشعير درهمان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 324
كتاب الحدود
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 324
باب حد الزنا
إذا زنى البالغ العاقل المختار وهو مسلم أو ذمي أو مرتد وجب عليه الحد، فإن كان محصناً فحده الرجم، والمحصن من وطء في نكاح صحيح. وهو حر بالغ عاقل، فإن وطء وهو عبد ثم عتق، أو صبي ثم بلغ، أو مجنون ثم أفاق فليس بمحصن، وقيل: هو محصن، والمذهب الأول فإن كان غير محصن نظرت، فإن كان حراً فحده جلد مائة وتغريب عام إلى مسافة تقصر فيها الصلاة، وإن كان عبداً فحده جلد خمسين، وفي تغريبه ثلاثة أقوال؛ أحدها: لا يجب، والثاني: يجب تغريب عام، والثالث: يجب تغريب نصف عام.
ومن لاط وهو من أهل حد الزنا، ففيه قولان؛ أحدهما: يجب عليه الرجم، والثاني: يجب عليه الرجم إن كان محصناً، والجلد والتغريب إن لم يكن محصناً.
وإن أتى بهيمة ففيه قولان كاللواط، وقيل فيه قول ثالث: أنه يعزر. وإن كانت البهيمة مما تؤكل وجب ذبحها وأكلت، وقيل: لا تؤكل. وإن كانت لا تؤكل فقد قيل: تذبح، وقيل: لا تذبح.
وإن وطىء أجنبية ميتة، فقد قيل: يحد، وقيل: لا يحد.
وإن وطىء أجنبية، فيما دون الفرج عزر، وإن استمنى بيده عزر.
---(1/253)
وإن أتت المرأة امرأة عزرتا، وإن وطىء جارية مشتركة بينه وبين غيره، أو جارية ابنه عزر.
وإن وطىء أخته بملك اليمين ففيه قولان؛ أحدهما: يحد، والثاني: يعزر وهو الأصح.
وإن وطىء امرأة في نكاح مجمع على بطلانه وهو يعتقد تحريمه كنكاح ذوات المحارم، أو استأجر امرأة للزنا فوطئها، حد. وإن وطىء امرأة في نكاح مختلف في إباحته كالنكاح بلا ولي ولا شهود ونكاح المتعة، لم يحد. وقيل: إن وطىء في النكاح بلا ولي، وهو يعتقد تحريمه حد، وليس بشيء.
وإن وجد امرأة في فراشه فظنها زوجته فوطئها لم يحد، وإن زنى بامرأة وادعى أنه جهل تحريم الزنا، فإن كان يجوز أن يخفى عليه بأن يكون قريب العهد بالاسلام، أو نشأ في بادية بعيدة، لم يحد. ومن وطىء امرأته في الموضع المكروه عزر، وإن وطئها وهي حائض عزر، وقال في القديم: إن كان في إقبال الدم وجب عليه دينار، وإن كان في إدباره وجب عليه نصف دينار.
ولا يقيم الحد على الحر إلا الإمام، أو من فوض إليه الإمام، ويجوز للمولى أن يقيم الحد على عبده وأمته، وقيل: إن ثبت بالإقرار جاز له، وإن ثبت بالبينة لم يجز له، والمذهب الأول، وإن كان المولى فاسقاً، أو امرأة فقد قيل: لا يقيم وقيل: يقيم وهو الأصح، وإن كان مكاتباً فقد قيل: يقيم، وقيل: لا يقيم وهو الأصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 324
---(1/254)
ولا يغام الحد في المسجد، ولا يجلد في حر شديد ولا برد شديد، ولا في مرض يرجى برؤه حتى يبرأ، وإن جلد في هذه الأحوال فمات، فالمنصوص أنه لا يضمن، وقيل: فيه قولان. ولا تجلد المرأة في حال الحبل حتى تضع وتبرأ من ألم الولادة، ولا يجلد بسوط جديد ولا بالٍ ولا يُمدّ، ولا تشد يده، ولا يجرد بل يكون عليه قميص، ولا يبالغ في الضرب فينهر الدم، ويفرق الضرب على اعضائه ويتوقى الوجه، والرأس، والفرج، والخاصرة، وسائر المواضع المخوفة، وإن وضع يده على موضع ضرب غيره، ويضرب الرجل قائماً، والمرأة جالسة في شيء يَستُر عليها وتمسك عليها امرأة ثيابها، فإن كان نِضوا الخلق، أو مريضاً لا يرجى برؤه جلد بأطراف الثياب وإِثْكال النخل.
وإن كان الحد الرجم، فإن كان قد ثبت بالاقرار، فالمستحب أن يبدأ الإمام وإن ثبت بالبينة فالمستحب أن يبدأ الشهود، فإن وجب الرجم في الحر أو البرد أو المرض فإن كان قد ثبت بالبينة رجم وإن ثبت بالاقرار فالمنصوص أنه يؤخر إلى أن يبرأ ويعتدل الهواء، وقيل: يقام عليه.
وإن وجب الرجم وهي حامِل، لم تُرجَم حتى تضع، ويستغني الولد بلبن غيرها، وإن ثبت الحد بالبينة استحب أن تحفر له حفيرة، وإن ثبت بالإقرار لم تحفر، فإن رجم فهرب لم يتبع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 324
باب حد القذف
إذا قذف بالغ عاقل مختار وهو مسلم، أو ذمي، أو مستأمن، أو مرتد، محصناً ليس بمولود له، وجب عليه الحد، فان كان حراً جلد ثمانين، وإن كان عبداً جلد أربعين.
والمحصن: هو البالغ العاقل الحر المسلم العفيف، فإن قذف صغيراً أو مجنوناً أو عبداً أو كافراً أو فاجراً، أو من وطىء وطئاً حراماً لا شبهة فيه عزر، وإن وطىء بشبهة فقد قيل: يحد، وقيل: يعزر.
وإن قذف ولده، أو لد ولده عزر. وإن قذف مجهولاً فقال: هو عبد، وقال المقذوف: أنا حر، فالقول قول القاذف، وقيل: فيه قولان.
---(1/255)
وإن قال: زنيت وأنت نصراني، فقال: لم أزن ولم أكن نصرانياً، ولم يعرف حاله، ففيه قولان؛ أحدهما: يحد، والثاني: يعزر. وإن قذفه وقال: قذفته وهو مجنون، ثم قال: بل قذفني وأنا عاقل، وعرف له حال جنون فالقول قول القاذف في أظهر القولين، والقول قول المقذوف في الآخر.
وإن قذف عفيفاً فلم يحد حتى زنا، أو وطىء وطئاً حراماً لم يحد.
ولا يجب الحد إلا أن يقذفه بصريح الزنا أو اللواط أو بالكناية مع النية. والصريح أن يقول: زنيت، أو يا زاني، أو لطت، أو يا لوطي، أو زنا فرجك، وما أشبهه. والكناية أن يقول: يا فاجر، أو يا خبيث، أو يا حلال ابن الحلال وهما في الخصومة، فإن نوى به القذف وجب الحد، وإن لم ينو لم يجب وان اختلفا في النية فالقول قول القاذف.
وإن قال: زنأت في الجبل ولم ينو القذف لم يحد، وإن قال: زنأت ولم يقل: في الجبل، فقد قيل: يحد، وقيل: لا يحد ـــ وهو الأظهر ـــ إلا بالنية وهو الأصح، فإن قال: أنت أزنى الناس، أو أزنى من فلان، لم يحد من غير نية. وإن قال: فلان زان وأنت أزنى منه حد. وإن قال: يدك أو رجلك، لم يحد، وقيل: يحد.
وإن قال: زنا بدنك لم يحد على ظاهر النص، وقيل: يحد ـــ وهو الأظهر ـــ وإن قال: وطئك فلان وأنت مكرهة فقد قيل: يعزر، وقيل: لا يعزر، وإن قذف جماعة لا يجوز أن يكون كلهم زناة، كأهل بغداد وغيرهم عزر، وإن قذف جماعة يجوز أن يكونوا كلهم زناة، فإن كان بكلمات، وجب لكل واحد منهم حد، وإن كان بكلمة واحدة، ففيه قولان؛ أصحهما: أنه يجب لكل واحد منهم حد.
وإن قال لامرأته: يا زانية بنت الزانية وجب حدان، فإن حضرتا وطالبتا، بدىء بحد الأم، وقيل: يبدأ بحد البنت والأول أصح، وإن حد لأحدهما لم يحد للأخرى حتى يبرأ ظهره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 327
وقيل: إن كان القاذف عبداً، جاز للمولى أن يوالي عليه بين الحدين.
---(1/256)
وإن قذف رجلاً مرتين بزنا واحد، لزمه حد واحد، وإن قذفه بزنائين، فالمنصوص أنه يلزمه حد واحد، وقال في القديم: لو قيل يحد حدين كان مذهباً فجعل ذلك قولاً آخر، وإن قذفه فحد ثم قذفه ثانيا بذلك الزنا عزر، وان قذفه بزنا آخر فقد قيل: يحد وقيل: يغزر.
وإن قذف أجنبية ثم تزوجها ثم قذفها ثانياً فإن بدأت وطالبت بالقذف الأول ولم يقم البينة حد، وإن طالبت بالثاني فلم تلاعن حد حداً آخر. وإن بدأت فطالبت بالثاني ثم بالأول، فلم يلاعن ولم يُقم البيّنة، فعلى قولين: أحدهما: يحد حداً واحداً، والثاني: يحد حدين.
ولا يستوفى حد القذف إلا بحضرة السلطان، ولا يستوفى إلا بمطالبة المقذوف، فإن عفى سقط، وإن قال لرجل: اقذفني، فقذفه فقد قيل: يجب الحد، وقيل: لا يجب. وإن وجب له الحد فمات انتقل الحد إلى جميع الورثة وقيل: ينتقل إلى من يرث بنسب دون سبب، وقيل: ينتقل الى العصبات خاصة، والمذهب الأول.
وإن كان للمقذوف إبنان فعفى أحدهما كان للآخر أن يستوفي لجميع الحد وقيل: يستوفي النصف، وقيل: يسقط الباقي، والمذهب الأول.
وإن قذف عبداً ثبت له التعزير، فإن مات فقد قيل: يسقط، وقيل: ينتقل إلى السيد وهو الأصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 327
باب حد السرقة
إذا سرق بالغ عاقل مختار وهو مسلم أو ذمي أو مرتد، نصاباً مِن المال من حرز مثله ولا شبهة له فيه وجب عليه القطع، وإن سرق دون النصاب لم يقطع؛ والنصاب ربع دينار، أو ما قيمته ربع دينار. فإن سرق ما يساوي نصاباً ثم نقصت قيمته بعد ذلك لم يسقط القطع. وإن سرق طنبوراً أو مزماراً يساوي مفصله نصاباً قطع، وقيل: لا يقطع فيه بحال.
وإن أشترك اثنان في سرقة نصاب لم يقطع واحد منهما، وإن اشتركا في النقب وأخذ أحدهما نصاباً ولم يأخذ الآخر شيئاً قطع الآخذ وحده.
---(1/257)
ومن سرق من غير حرز لم يقطع، ويختلف الاحراز باختلاف الاموال والبلاد، وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه. فإن سرق الثياب والجواهر ودونها أقفال في العمران، وجب القطع. فإن سرق المتاع من الدكاكين، وفي السوق حارس، أو سرق الثياب من الحمام. وهناك حافظ، أو الجمال من المرعى ومعها راع، أو السفن من الشط وهي مشدودة، أو الكفن من القبر، وجب القطع. وإن كان المال محرزاً في دار فأخرجه منه الى الدار وهي مشتركة بين سكان، قطع. وإن كان الجميع لواحد وباب الدار مفتوح، قطع. وإن كان مغلقاً فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع، وهو الأصح. وإن نقب رجلان فدخل أحدهما وأخرج المتاع ووضعه في وسط النقب واخذه الخارج، ففيه قولان؛ أحدهما: يقطعان، والثاني: لا يقطعان، فإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرج المتاع لم يقطع واحد منهما، وقيل فيه قولان؛ كالمسألة قبلها. وإن نقب واحد وانصرف، وجاء آخر فسرقه، لم يقطع واحد منهما.
وإن نقب الحرز وأخذ دون النصاب وانصرف، ثم عاد وأخذ تمام النصاب فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع، وقيل: إن اشتهر خراب الحرز لم يقطع، وإن لم يشتهر قطع.
وإن ترك المال على بهيمة، ولم يسقها، فخرجت البهيمة بالمال أو تركه في ماء راكد فتفجر وجرى مع الماء الى خارج الحرز فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع.
وإن نقب الحرز وقال لصغير لا يعقل: أخرج المال فأخرجه أو طرّ جيبه فوقع منه المال وجب القطع. وان ابتلع جوهرة في الحرز وخرج في الحرز فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع.
وإن سرق حراً صغيراً وعليه حُليّ يساوي نصاباً فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع. وإن سرق المعير مال المستعير من الحرز المعار فالمنصوص أنه: يقطع، وقيل: لا يقطع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
---(1/258)
وإن سرق المغصوب منه مال الغاصب من الحرز المغصوب فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع. وإن سرق الاجنبي المال المغصوب من الغاصب، أو المسروق من السارق، فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع. وإن سرق ما له فيه شبهة كمال بيت المال، والعبد إذا سرق من مولاه، والاب إذا سرق من ابنهِ، والابن إذا سرق مِن أبيه، والغازي إذا سرق من الغنيمة قبل القسمة، والشريك إذا سرق مِن المال المشترك، لم يقطع.
فإن سرق أحد الزوجين من الآخر، فقد قيل: يقطع، وقيل: فيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: يقطع، والثاني: لا يقطع، والثالث: يقطع الزوج دون الزوجة، وإن سرق رتاج الكعبة، قطع.
وإن سرق تأزير المسجد أو بابه، قطع، وإن سرق القناديل أو الحصر فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع وهو الأصح.
وإن سرق الطعام عام السنة والطعام مفقود، لم يقطع، وان كان موجوداً قطع.
وإن سرق شيئاً موقوفاً فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع. وإن سرق عيناً وادعى أنها له، أو أن مالكها أذن له في أخذها فالمنصوص أنه لا يقطع، وقيل: يقطع. وإن أقر المسروق منه بالعين لم يقطع، وإن وهبه منه قطع ولا قطع على من انتهب، أو اختلس، أو خان، أو جحد.
ولا يقطع السارق إلا الإمام أو من فوض إليه الإمام، فإن كان السارق عبداً جاز للمولى أن يقطعه، وقيل: لا يقطعه، والأول أصح، ولا يقطع إلا بمطالبة المسروق منه المال. وإن أقر أنه سرق نصاباً لا شبهة له فيه من حرز مثله من غائب فقد قيل: يقطع، والمذهب: أنه لا يقطع، وإن قامت البيّنة عليه من غير مطالبة فقد قيل: يقطع وهو المنصوص، وقيل: لا يقطع، وقيل: فيه قولان.
وإذا وجب عليه القطع، قطعت يده اليمنى، فإن عاد قطعت رجله اليسرى، فإن عاد قطعت يده اليسرى، فإن عاد قطعت رجله اليمنى، وإذا قطع حُسِم بالنار. فإن عاد بعد قطع اليدين والرجلين، وسرق عزر.
---(1/259)
ومن سرق ولا يمين له، أو كانت هي شلاء قطعت رجله اليسرى، وإن كانت له يمين بلا أصابع قطع الكف، وقيل: يقطع رجله، والمنصوص هو الأول. ومن سرق وله يمين فلم تقطع حتى ذهبت، سقط القطع.
وإن وجب قطع اليمين، فقطع اليسار عمداً، قطعت يمينه وأقيد من القاطع من يساره، وإن قطعت سهواً، غرم الدية، وفي يمين السارق قولان، أحدهما: تقطع، والثاني: لا تقطع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
باب حد قاطع الطريق
من شهر السلاح وأخاف السبل في مصر أو غيره وجب على الإمام طلبه، فإن وقع قبل أن يأخذ المال ويقتل، عزر، وإن أخذ نصاباً لا شبهة له فيه وهو ممن يقطع في السرقة، قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى.
وإن أخذ دون النصاب لم يقطع، وقيل: فيه قول مخرج انه يقطع وليس بشيء. وإن قتل إنحتم قتله، وإن أخذ المال وقتل، قتل ثم صلب. وقيل: يصلب حياً ويمنع الطعام والشراب حتى يموت، والأول أصح، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام، وقيل: يصلَب حتى يسيل صديده، وليس بشيء. وإن جنى قاطع الطريق جناية توجب القصاص فيما دون النفس، ففيه قولان؛ أحدهما: ينحتم القصاص، والثاني: لا ينحتم، وإن وجب عليه الحد ولم يقطع طلب أبداً إلى أن يقع، فيقام عليه الحد، فإن تاب قبل أن يقدر عليه، سقط انحتام القتل والصلب وقطع الرجل، وقيل: يسقط قطع اليد، وقيل: لا يسقط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 332
باب حد شارب الخمر
كل شراب أسكر كثيره، حرم قليله وكثيره.
ومن شرب المسكر وهو بالغ عاقل مسلم مختار وجب عليه الحد، فإن كان حراً جلد أربعين، وإن كان عبداً جلد عشرين، وإن رأى الإمام أن يبلغ بالحد في الحر ثمانين، وفي العبد أربعين، جاز.
وإن ضرب الحر أحداً وأربعين فمات ففيه قولان؛ أحدهما: يضمن نصف الدية، والثاني: يضمن جزءاً من أحد وأربعين جزءاً من ديته.
---(1/260)
ويضرب في حد الشرب بالأيدي والنعال وأطراف الثياب، وقيل: يجوز بالسوط، والمنصوص هو الأول فإن ضربه بالسوط فمات فقد قيل: يضمن بقدر ما زاد على ألم النعال، وقيل: يضمن جميع الدية.
ومن زنى دفعات أو سرق دفعات أو شرب المسكر دفعات ولم يحد، اجزأه عن كل جنس حد واحد، وإن زنى وهو بكر فلم يحد حتى زنى وهو محصن جلد ورجم، ويحتمل أن يقتصر على رجمه. وإن زنى وسرق وشرب الخمر، وجب لكل واحد منهما حد، فيبدأ بحد الشرب، ثم يجلد في الزنا، ثم يقطع في السرقة وإن كان معه حد قذف فقد قيل: يبدأ به قبل حد الشرب، وقيل: يبدأ بحد الشرب، ثم بحد القذف، وإن اجتمع قتل قصاص، وقتل في المحاربة قدم السابق منهما. وإن اجتمع عليه حدان فأقيم أحدهما لم يقم الآخر حتى يبرأ الأول، وإن اجتمع قطع السرقة وقطع المحاربة، قطعت يده اليمنى للسرقة والمحاربة وهل يقطع الرجل معها؛ قيل: تقطع، وقيل: لا تقطع.
وإن كان مع الحدود قتل في المحاربة، فقد قيل: يوالي بين الحدود وقيل: لا يوالي. ومن وجب عليه حد الزنا والسرقة والشرب فتاب وأصلح ومضى عليه سنة سقط عنه الحد في أحد القولين، ولا يسقط في الآخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 332
باب التعزير
ومن أتى بمعصية لا حد فيها ولا كفارة كالمباشرة المحرمة فيما دون الفرج، والسرقة ما دون النصاب، والقذف بغير الزنا، والجناية بما لا يوجب القصاص، والشهادة بالزور، وما أشبه ذلك من المعاصي، عزّر على حسب ما يراه السلطان غير أنه لا يبلغ به أدنى الحدود، فإن رأى ترك التعزير جاز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 333
باب أدب السلطان
الإمامة فرض على الكفاية، فإن لم يكن من يصلح إلا واحداً تعيَّن عليه ويلزمه طلبها، وإن امتنع أجبر عليها.
ولا تنعقد الإمامة إلا بتولية الإمام قبله أو بإجماع جماعة من أهل الاجتهاد على التولية.
---(1/261)
ولا يجوز أن يعقد لاثنين في وقت واحد، فإن عقد لاثنين فالإمام هو الأول، فإن عقد لهما معاً أو لم يعلم الأول منهما، استؤنفت التولية. وينبغي أن يكون الإمام ذكراً حراً بالغاً عاقلاً عدلاً عالماً بالأحكام، كافياً لما يتولاه من أمور الرعية وأَعْباء الأمة، وإن يكون من قريش.
فإن اختل شرط من ذلك لم تصح توليته، وإن زال شيء من ذلك بعد التولية بطلت ولايته. والأفضل أن يكون شديداً من غير عنف، ليناً من غير ضعف، ولا يحتجب عن الرعية.
ولا يتخذ حاجباً ولا بواباً، فإن اضطر إلى ذلك اتخذ أميناً، سلساً، لا يكون جباراً شرساً.
ويستحب أن يشاور أهل العلم في الأحكام، وأهل الرأي في النقض والإبرام، ويلزمه النظر في مصالح الرعية من أمر الصلاة والأئمة، وأمر الصوم والأهلة، وأمر الحج والعمرة، والقضاء والحسبة، وأمر الأجناد الرتبين في الحصون وغيرها، والإمرة، ولا يولي ذلك إلا ثقة، مأموناً، عارفاً بما يتولاه، كافياً لما يتقلده من الأعمال. ولا يدع السؤال عن اخبارهم والبحث عن أحكامهم. وينظر في أموال الفيء، والخراج، والجزية، ويصرف ذلك في الأهم فالأهم من المصالح من سدّ الثغور، وأرزاق الأجناد، وسد البثوق، وحفر الانهار، وأرزاق القضاة، والمؤذنين، وغير ذلك من المصالح، وينظر في أموال الصدقات، ومصارفها، ويتأمل أمر المرافق، والمعادن، ومن يقطعها على ما ذكرناه في مواضعها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 334
كتاب الأقضية
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
باب ولاية القضاء وأداب القاضي
ولاية القضاء فرض على الكفاية، فإن لم يكن من يصلح له إلاّ واحد، تعين عليه ويلزمه طلبه، فإن امتنع أجبر عليه.
وإن كان هناك غيره (صالح له) كره أن يتعرض له إلاّ أن يكون محتاجاً، فلا يكره له لطلب الكفاية، أو خاملاً فلا يكره لنشر العلم. ويجوز أن يكون في البلد قاضيان فأكثر، ينظر كل واحد منهما في موضع.
---
ولا يصح القضاء الا بتولية الإمام، أو من فوض إليه الإمام.(1/262)
فإن تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء فحكماه في مال ففيه قولان؛ أحدهما: أنه لا يلزم ذلك الحكم إلاّ أن يتراضيا به بعد الحكم، والثاني: يلزم بنفس الحكم، فإن رجع فيه أحدهما قبل أن يحكم فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز. وإن تحاكما إليه في النكاح واللعان والقصاص وحد القذف، فقد قيل: لا يجوز، وقيل: على قولين.
وينبغي أن يكون القاضي ذكراً حراً بالغاً عاقلاً عادلاً عالماً مجتهداً، وقيل: يجوز أن يكون أمياً، وقيل: لا يجوز، والأفضل أن يكون شديداً من غير عنف، ليناً من غير ضعف.
وإذا ولى الإمام رجلاً كتب له العهد ووصاه بتقوى الله عز وجل والعمل بما في العهد وأشهد على التولية شاهدين، وقيل: إن كان البلد قريباً بحيث يتصل الخبر به لم يلزمه الاشهاد. ويسأل القاضي عن حال البلد ومن فيه من الفقهاء والأمناء قبل دخوله. ويستحب أن يدخل صبيحة يوم الاثنين، فإن فاته دخله (يوم) السبت أو الخميس، وينزل في وسط البلد، ويجمع الناس ويقرأ عليهم العهد ويتسلم المحاضر والسجلات من القاضي الذي كان قبله.
وإن احتاج أن يستخلف في أعماله لكثرتها استخلف من يصلح أن يكون قاضياً، وإن لم يحتج، فقد قيل: لا يجوز، وقيل: يجوز إلا أن يؤذن له في ذلك، وإن احتاج إلى كاتب استحب أن يكون مسلماً عدلاً فقيهاً.
ولا يتخذ حاجباً أو بواباً فإن احتاج اتخذ حاجباً عاقلاً أميناً بعيداً من الطمع، ويأمره أن لا يقدم خصماً على خصم، ولا يخص في الإذن قوماً دون قوم، ولا يقدم أخيراً على أول، ويوصي الوكلاء على بابه بتقوى الله، ويأمرهم بطلب الحق، ويوصي أعوانه بتقوى الله والرفق بالخصوم، ولا يتخذ شهوداً مرتين لا يقبل غيرهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
---(1/263)
ويتخذ قوماً من أصحاب المسائل أمناء ثقات برآء من الشحناء بينهم وبين الناس ليعرف حال من يجهل عدالته من الشهود، ويجتهد أن لا يعرف بعضهم بعضاً، ولا يولي ولا يحكم، ولا يسمع البينة في غير عمله فإن فعل ذلك لم يعتد به، ولا يجوز أن يرتشي ولا يقبل هدية ممن لم يكن له عادة بالهدية له قبل الولاية ولا ممن كانت له عادة ما دامت له خصومة، فإن لم يكن له خصومة جاز له أن يقبل، والأفضل أن لا يقبل.
ولا يحكم لنفسه ولا لوالده ولا لولده ولا لعبده و(لا) لأمته، فإن اتفق لأحد منهم خصومة حكم فيها بعض خلفائه.
ومن تعين عليه القضاء وهو مستغن لم يجز أن يأخذ عليه الرزق من بيت المال، وإن كان محتاجاً جاز. ومن لم يتعين عليه جاز أن يأخذ ما يحتاج إليه لنفسه ولحاجبه ولكاتبه وللقرطاس الذي يكتب فيه المحاضر، وإن احتسب ولم يأخذ فهو أفضل.
ويجوز أن يحضر الولائم، ويشهد مقدم الغائب، ويسوي بين الناس في ذلك، فإن كثرت عليه وقطعه عن الحكم امتنع في حق الكل، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، فإن كثر عليه أتى من ذلك ما لا يقطعه عن الحكم.
ولا يقضي وهو غضبان ولا جائع ولا عطشان ولا مهموم ولا فرحان، ولا يقضي والنعاس يغلبه، ولا يحكم والمرض يقلقه ولا يقضي وهو حاقن، ولا حاقب ولا في حر مزعج، ولا برد مؤلم، فإن حكم في هذه الأحوال نفذ حكمه.
ويستحب أن يجلس للحكم في موضع فسيح بارز يصل إليه كل احد، ولا يحتجب إلا لعذر، ولا يجلس للقضاء في المسجد، وإن اتفق جلوسه فيه فحضره الخصمان لم يكره أن يحكم بينهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
---(1/264)
ويستحب أن يجلس مستقبل القبلة، ويجلس وعليه السكينة والوقار، من غير جبرية ولا استكبار. ويترك بين يديه القمطر مختوماً، ويجلس الكاتب بقربه عن يساره ليشاهد ما يكتبه. ويستحب أن لا يحكم إلاّ بمشهد من الشهود، وبمحضر من الفقهاء، فإن اتفق أمر مشكل شاورهم فيه، فإن اتضح له الحق حكم به، وإن لم يتضح له أخره إلى أن يتضح (له آخره)، ولا يقلد غيره في الحكم، وقيل: إن حضره ما يفوته كالحكم بين المسافرين وهم على الخروج جاز أن يقلد غيره ويحكم، وليس بشيء. وإن حَضره خصوم بدأ بالأول فالأول، وإن كان فيهم مسافرون، قدمهم إلا أن يكثروا فلا يقدمهم. فإن استوى جماعة في الحضور أو أشكل السابق منهم اقرع بينهم، فمن خرجت عليه القرعة قدم. ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة، ويسوي بين الخصمين في الدخول والمجلس والإقبال عليهما والانصات إليهما، فإن كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً، قدم المسلم على الكافر في الدخول ورفعه عليه في المجلس. ولا يضيف أحدهما ولا يسارّه، ولا يلقن أحداً دعوى ولا حجة، ولا يعلمه كيف يدعي وقيل: يجوز أن يعلمه، والأول أصح، وله أن يزن عن أحدهما ما لزمه، وله أن يشفع له إلى خصمه، وأول ما ينظر فيه أمر المحبسين فمن حبس بحق رده إلى الحبس، ومن حبس بغير حق خلاه، ومن ادعى أنه حبس بغير خصم نادى عليه ثم يحلفه ويخليه. ثم ينظر في أمر الأيتام والأوصياء، ثم في أمر أمناء القاضي، ثم في أمر الضوال واللقطة وإن كان القاضي قبله لا يصلح للقضاء نقض أحكامه كلها أصاب فيها أو أخطأ. وإن استعداه خصم على القاضي قبله لم يحضره حتى يسأله عما بينهما، فإن ادعى عليه مالاً غصبه، أو رشوة أخذها على حكم أحضره. وإن قال: حكم علي بشهادة فاسقين أو عبدين، فقد قيل: يحضره، وقيل: لا يحضره حتى يقيم المدعي بينة أنه حكم عليه، فإن حضر وقال: حكمت عليه بشهادة حرين عدلين، فالقول قوله مع يمينه، وقيل: القول قوله من غير يمينه، والأول أصح. وإن قال: جار(1/265)
---
عليّ في الحكم، نظر فإن كان أمر لا يسوغ فيه الاجتهاد نقضه، فإن كان يسوغ فيه الاجتهاد ووافق رأيه لم ينقضه، وإن خالفه ففيه قولان؛ أحدهما: ينقضه، والثاني: لا ينقضه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
باب صفة القضاء
إذا جلس بين يدي الحاكم خصمان فله أن يقول لهما: تكلما. وله أن يسكت حتى يبتدآ، فإن ادعى كل واحد منهما على الآخر حقاً قدم السابق منهما بالدعوى، فإذا انقضت خصومته سمع دعوى الآخر، فإن قطع أحدهما الكلام على صاحبه أو ظهر منه لدد أو سوء أدب نهاه، فإن عاد زبره، فإن عاد عزره، وإن ادعى دعوى غير صحيحة لم يسمعها. وإن ادعى دعوى صحيحة قال للآخر: ما تقول فيما يدعيه عليك، وقيل: لا يقول حتى يطالبه المدعي، وليس بشيء، وإن أقر لم يحكم عليه حتى يطالبه المدعي، وإن أنكر فله أن يقول: ألك بيِّنة؟ وله أن يسكت، فإن قال: ما لي بيّنة فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، ولا يحلفه حتى يطالب المدعي، فإن نكل عن اليمين رد اليمين على المدعي فإن حلف استحق وإن نكل صرفهما، وإن قال المدعي عليه بعد النكول: أنا أحلف لم يسمع، وإن قال المدعي بعد النكول: إذا أنا احلف، لم يسمع إلا أن يعود في مجلس آخر ويدعي فينكل المدعى عليه. وإن قال المدعي بعد العجز عن إقامة البينة: لي بيّنة، سمعت بيّنته، وإن حضرت البيّنة لم يطالب بإقامتها، فإن شهدوا وكانوا فساقاً، قال للمدعي: زدني في الشهود، وإن كانوا عدولاً وارتاب بهم، استحب أن يفرقهم فيسألهم: كيف تحملوا؟ أو في أي موضع تحملوا؟ أو متى تحملوا؟ فإن اتفقوا وعظهم، فإن ثبت استحب أن يقول للمدعى عليه: شهد عليك فلان وفلان، وقد قبلت شهادتهما، وقد مكنتك من جرحهما، فإن قال: لي بيّنة بالجرح، وجب إمهاله ثلاثة أيام وللمدعي ملازمته إلى أن يثبت الجرح، فإن لم يأت بالجرح كان للمدعي أن يطالب بالحكم، وإن كان الشهود مجاهيل، فإن جهل اسلامهم رجع فيه إلى قولهم، وإن جهل حريتهم (وادعوها) لم
---(1/266)
يقبل إلا ببيّنة، وإن جهل عدالتهم سأل عن اسم كل واحد منهم وعن كنيته وصنعته وسوقه ومصلاه واسم المشهود له واسم المشهود عليه وقدر الدين، وكتب ذلك في رقاع ويدفعها إلى أصحاب المسائل، ولا يعلم بعضهم ببعض وأقلهم اثنان، وقيل: يجوز واحد. فإن عادوا بالتعديل أمر من عدلهم في السر أن يعدلهم علانية كما عدلهم سراً، ويكفي في التعديل أن يقول: هو عدل، وقيل: لا يجوز حتى يقول: هو عدل علي ولي.
ولا يقبل التعديل إلا بمن هو من أهل المعرفة الباطنة، وإن عادوا بالجرح سقطت شهادتهم فإن عاد أحدهما بالتعديل والآخر بالجرح أنفذ آخرين، فإن عدله إثنان وجرحه إثنان قدم الجرح على التعديل، ولا يقبل الجرح إلا مفسراً. فإن سأل المدعي أن يحبسه حتى يثبت عدالتهم حبس. وإن قال المدعي: لي بيّنة غائبة فهو بالخيار إن شاء حلف المدعى عليه وإن شاء صبر حتى تحضر البينة. وإن أقام شاهداً واحداً وسأله أن يحبسه حتى يأتي بالثاني، ففيه قولان، وقيل: إن كان في المال حبس قولاً واحداً، وإن علم الحاكم وجوب الحق فهل له أن يحكم بعلمه، فيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: يحكم، والثاني: لا يحكم، والثالث: يحكم في غير حدود الله عز وجل، ولا يحكم في حدوده؛ وهي حد الزنا، والسرقة، والمحاربة، والشرب. وإن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر، قال له الحاكم: إن أجبت وإلا جعلتك ناكلاً. ويستحب أن يكرر ذلك ثلاثاً، فإن أجاب، وإلا جعله ناكلاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
---(1/267)
وإن قال: لي حساب وأريد أن أنظر فيه، لم يلزم المدعي إنظاره. وإن قال: برئت إليه مما يدعي أو أقضيته، فقد أقر بالحق، ولا يقبل قوله في البراءة والقضاء إلا ببيّنة، فإن قال: لي بينة قريبة بالقضاء والإبراء، أمهل ثلاثة أيام، وللمدعي ملازمته حتى يقيم البيّنة وإن لم تكن له بينة حلف المدعي أنه ما برىء إليه (منه) ولا قضاه ولا استحق. وإن ادعى على ميت أو غائب أو صبي أو مستتر في البلد وله بينة سمعها الحاكم وحكم بها، وأحلف المدعي أنه لم يبرأ إليه (منه) ولا من شيء منه، فإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي، فهو على حجته. وإن ادعى على ظاهر في البلد غائب عن المجلس فقد قيل: يسمع البينة عليه ويحكم، وقيل: لا يسمع. وإن استعدى الحاكم على خصم في البلد أحضره، فإن امتنع (من غير عذر) أشهد عليه شاهدين أنه ممتنع ثم يتقدم إلى صاحب الشرطة ليحضره، وإن استعدى على غائب عن البلد في موضع لا حاكم فيه، كتب إلى رجل من أهل الستر ليتوسط بينهما، وإن لم يكن احد لم يحضره حتى يُحقق المدعي دعواه، فإذا حقق الدعوى أحضره. وإن استعدى على حرة غير برزة لم تكلف الحضور بل توكل، فإن وجب عليها اليمين أنفذ إليها من يحلفها. وإذا حكم على غائب فسأله المدعي أن يكتب إلى قاضي البلد الذي فيه الخصم بما حكم به لينفذه كتب إليه. وإن ثبت عنده ولم يحكم فسأله المدعي أن يكتب إلى قاضي البلد الذي فيه الخصم بما ثبت عنده ليحكم عليه نظر، فإن كان بينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة لم يكتب، وإن كان بينهما مسافة تقصر فيها الصلاة كتب، وإذا كتب الكتب أحضر شاهدين ممن يخرج إلى ذلك البلد ويقرأ الكتاب عليهما، أو يقرآن عليه وهو يسمع، ثم يقول لهما: اشهدا عليّ أني كتبت إلى فلان بن فلان بما سمعتما في هذا الكتاب، فإذا وصلا قرآ الكتاب على المكتوب إليه وقالا: نشهد أن هذا الكتاب قرأه علينا فلان بن فلان وسمعناه واشهدنا أنه كتب إليك بما فيه، وإن قالا: نشهد أنه كتب إليك بهذا
---(1/268)
(الكتاب) ولم يَقْرءا لم يجز. وإن مات القاضي الكاتب أو عزل أو مات المكتوب إليه أو عزل وولي غيره، حُمِل الكتاب إليه وعمل به، وإن فسق الكاتب فإن كان فيما كتبت به اليه ولم يحكم به بطل كتابه، وإن كان (فيما) حكم به لم يبطل، وإذا وصل إليه الكتاب وحضر الخصم فقال: لست فلان بن فلان فالقول قوله مع يمينه وإذا أقام المدعي البينة أنه فلان بن فلان فقال: إلا أني غير المحكوم عليه، لم يقبل قوله حتى يقيم البيّنة أن له من يشاركه في جميع ما وصف به في الكتاب. فإن حكم عليه. فقال: اكتب إلى الحاكم الكاتب أنك حكمت عليّ حتى لا يدعي ذلك مرة أخرى، فقد قيل: يلزمه، وقيل: لا يلزمه، إلا إذا ادعى ذلك عليه مرة أخرى. وإذا ثبت عند الحاكم حق فسأل صاحب الحق. أن يكتب له محضراً بما جرى كتبه ووقّع فيه ودفعه إليه، ويكتب نسخته ويودعها في قمطرة، فإن لم يكن للحاكم قرطاس من بيت المال كان ذلك على صاحب الحق، فإن أراد أن يسجل له كتب له سجلاً، وحكى في المحضر، وأشهد على نفسه بالانفاذ، وسلمه إليه وكتب نسخته وتركها في قمطرة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
وما يجتمع من المحاضر و(السجلات) في كل شهر، أو في كل أسبوع، أو في كل يوم على قدر قلته وكثرته، يضم بعضها إلى بعض، ويكتب عليه: محاضر وقت كذا من شهر كذا من سنة كذا. فإن لم يسجل له الحاكم جاز.
---
وإن ادعى رجل على رجل حقاً وادعى أن له حجة في ديوان الحكم فوجدها كما ادعى، فإن كان ذلك حكماً حكم به هذا الحاكم، لم يرجع إليه حتى يذكر. وإن كان حكماً حكم به غيره، لم يرجع إليه حتى يشهد به شاهدان. وإذا لم يعرف الحاكم لسان الخصم رجع فيه إلى من يعرف ولا يقبل فيه إلا قول من تقبل شهادته، ولا يقبل إلا من عدد يثبت به الحق المدعي فإن كانت الدعوى في زنا ففيه قولان؛ أحدهما: يقبل في الترجمة إثنان، والثاني: لا يقبل إلا أربعة. وإن حكم الحاكم بحكم فوجد النص أو الإجماع أو القياس الجلي يخالفه نقض حكمه.(1/269)
وإذا اختلف رجلان فقال أحدهما: قد حكم لي الحاكم بكذا، وأنكر الآخر، فقال الحاكم: حكمت، قبل قوله وحده.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
باب القسمة
يجوز قسمة الأملاك فإن كان فيها رد فهو بيع فما لا يجوز في البيع لا يجوز في القسمة، وإن لم يكن فيها رد ففيه قولان؛ أحدهما: أنه تمييز للحقين فما أمكن فيه القسمة جازت قسمته، وما لا يمكن فيه القسمة كالارض مع البذر، والارض مع السنابل لا يجوز قسمته. والقول الثاني: أنه بيع فما جاز بيع بعضه ببعض جازت قسمته كالاراضي، والحبوب، والادهان، وغيرها، وما لا يجوز بيع بعضه ببعض كالعسل الذي عقد أجزاؤه بالنار، وخل التمر، لا يجوز قسمته. ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم، ويجوز أن ينصبوا من يقسم بينهم، ويجوز أن يترافعوا إلى الحاكم لينصب من يقسم بينهم، فإن ترافعوا إليه في قسمة ملك من غير بيّنة ففيه قولان؛ أحدهما: لا يقسم بينهم. والثاني: يقسم، إلا أنه يكتب أنه قسم بينهم بدعواهم. وإن كان في القسمة رد اعتبر التراضي في ابتداء القسمة وبعد الفراغ منها على المذهب، وقيل: لا يعتبر التراضي بعد خروج القرعة. وإن لم يكن فيها رد، فإن تقاسموا بأنفسهم لزم بإخراج القرعة.
---
وإن نصبوا من يقسم بينهم اعتبر التراضي بعد خروج القرعة على المنصوص، وقيل فيه قول مخرج من التحكيم أنه لا يعتبر التراضي. وإن ترافعوا إلى الحاكم، فنصب من يقسم لزم ذلك بإخراج القرعة. ولا يجوز للحاكم أن ينصب للقسمة إلا حراً، بالغاً عاقلاً عدلاً عالماً بالقسمة، فإن لم يكن في القسمة تقويم جاز قاسم واحد، وإن كان فيها تقويم لم يجز إلا قاسمان، وإن كان فيها خرص ففيه قولان؛ أحدهما: يجوز واحد، والثاني: لا يجوز إلا إثنان، وأجرة القاسم في بيت المال، فإن لم يكن فعلى الشركاء تقسم عليهم على قدر أملاكهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 346
---(1/270)
فإن طلب القسمة أحد الشريكين وامتنع الآخر نظر، فإن لم يكن على واحد منهما ضرر كالحبوب والأدهان والثياب الغليظة والاراضي والدور، أجبر الممتنع، وإن كان عليهما ضرر كالجواهر والثياب المرتفعة والرحا والبئر والحمام الصغير لم يجبر الممتنع. وإن كان على أحدهما ضرر، فإن كان على الطالب لم يجبر الممتنع، وإن كان على الممتنع، فقد قيل: لا يجبر، وقيل: يجبر وهو الأصح. وإن كان بينهما دور ودكاكين وأراضٍ في بعضها شجر وبعضها بياض، فطلب أحدهما أن يقسم بينهما اعياناً بالقيمة، وطلب الآخر قسمة كل عين، قسم كل عين. وإن كان بينهما عضائد صغار متلاصقة، فطلب أحدهما قسمتها اعياناً، وامتنع الآخر فقد قيل: يجبر، وقيل: لا يجبر. وإن كان بينهما عبيد أو ماشية أو ثياب أو أخشاب، وطلب أحدهما قسمتها اعياناً، وامتنع الآخر فالمذهب أنه يجبر الممتنع، وقيل: لا يجبر. وإن كان بينهما دار وطلب أحدهما أن يقسم فجعل العلو لأحدهما والسفل للآخر، وامتنع شريكه لم يجبر. وإن كان بين ملكيهما عرصة حائط فأراد أحدهما أن يقسمه طولاً، فيجعل لكل واحد منهما نصف الطول في كمال العرض وأمتنع الآخر أجبر عليه، وإن أراد أن يقسم عرضاً، فيجعل لكل واحد منهما نصف العرض في كمال الطول وامتنع الآخر، فقد قيل: يجبر، وقيل: لا يجبر. وإن كان بينهما حائط، فطلب أحدهما أن يقسمه عرضاً في كمال الطول وامتنع الآخر لم يجبر، وإن طلب أحدهما أن يقسم طولاً في كمال العرض وامتنع الآخر، فقد قيل: يجبر، وقيل: لا يجبر، والأول أصح. وإن كان بين رجلين منافع، فأراد قسمتها بينهما بالمهايأة جاز، وإن أراد أحدهما ذلك، وامتنع الآخر، لم يجبر الممتنع. ومتى أراد القاسم أن يقسم عدل السهام إِما بالقيمة إن كانت مختلفة، أو بالاجزاء إِن كانت غير مختلفة أو بالرد إن كانت القسمة تقتضي الرد.
---(1/271)
فإن كانت الانصباء متساوية كالارض بين ثلاثة أنفس أثلاثاً أقرع بينهم، فإن شاء كتب اسماء الملاك في رقاع متساوية وجعلها في بنادق (من طين) متساوية، وجعلها في حجر رجل لم يحضر ذلك ليخرج على السهام، وإن شاء كتب السهام ليخرجها على الاسماء، وإن كانت الانصباء مختلفة مثل أن يكون لواحد السدس، وللثاني الثلث، وللثالث النصف قسمها على أقل الاجزاء وهي ستة أسهم وكتب أسماء الشركاء في ست رقاع: لصاحب السدس رقعة، ولصاحب الثلث رقعتان، ولصاحب النصف ثلاث رقاع، ويخرج على السهام، فإن خرج اسم صاحب السدس اعطى السهم الأول ثم يقرع بين الآخرين، فإن خرج اسم صاحب الثلث اعطى السهم الثاني، والثالث بلا قرعة، والباقي لصاحب النصف، وإن خرج أولا اسم صاحب النصف اعطي ثلاثة أسهم، ثم يقرع بين الآخرين على نحو ما تقدم، ولا يخرج السهام على الاسماء في هذه القسمة، وقيل: يقتصر على ثلاث رقاع لكل واحد رقعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 346
وإذا تقاسموا، ثم ادعى بعضهم على بعض غلطاً، فإن كان فيما تقاسموا بأنفسهم لم يقبل دعواه، وإن قسمه قاسم من جهة الحاكم فالقول قول المدعى عليه بيمينه، وعلى المدعي البينة.
وإن نصبا من يقسم بينهما، فإن قلنا: يعتبر التراضي بعد خروج القرعة لم يقبل قوله، وإن قلنا: لا يعتبر فهو كالحاكم، وإن كان ذلك في قسمة فيها رد؛ وقلنا: يعتبر التراضي بعد خروج القرعة، لم يقبل قوله، وإن قلنا: لا يعتبر، فهو كقسمة الحاكم. وإن تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهما شيء معين، لم يستحق مثله من حصة الآخر، بطلت القسمة. وإن استحق مثله من حصة الآخر لم تبطل. وإن استحق من الجميع جزء مشاع بطلت القسمة، وقيل: تبطل في المستحق، وفي الباقي قولان.
---(1/272)
وإن تقاسم الورثة التركة ثم ظهر دين يحيط بالتركة، فإن قلنا: القسمة تمييز الحقين لم تبطل القسمة، فإن لم يقضَ الدين بطلت القسمة، وإن قلنا: أنها بيع ففي (نفي) بيع التركة قبل قضاء الدين قولان، وفي قسمتها قولان، وإن كان بينهما نهر أو قناة أو عين يمنع فيها الماء، فالماء بينهم على قدر ما شرطوا من التساوي والتفاضل، وقيل: ان الماء لا يملك، والمذهب الأول. فإن أرادوا سقي أراضيهم من ذلك الماء بالمهايأة جاز، وإن أرادوا القسمة جاز فينصب قبل أن يبلغ (الماء) إلى أراضيهم خشبة مستوية، ويفتح فيها كُوى، على قدر حقوقهم ويجرى فيها الماء إلى أراضيهم، فإن أراد أحدهم أن يأخذ قدر حقه قبل أن يبلغ الماء إلى المقسم ويجريه في ساقية له إلى أرضه، أو يدير به رحى، لم يكن له ذلك. وإن أراد أن يأخذ الماء ويسقي به أرضاً ليس لها رسم شرب من هذا النهر، لم يكن له ذلك. وإن كان ماء مباحاً في نهر غير مملوك، سقى الأول أرضه حتى يبلغ إلى الكعب، ثم يرسله إلى الثاني، فإن أحتاج الأول إلى سقي أرضه دفعة أخرى قبل أن يسقي (إلى) الثالث، سقى ثم يرسل إلى الثالث.
فإن كان لرجل أرض عالية وبجنبها أرض مستفلة ولا يبلغ الماء في العالية إلى الكعب حتى يبلغ في المستفلة إلى الوسط، سقى المستفلة حتى يبلغ الكعب ثم يسدها ويسقي العالية.
فإن أراد بعضهم أن يحيي أرضاً ويسقيها من هذا النهر، فإن كان لا يضر بأهل الأراضي لم يمنع، وإن كان يضر بهم منع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 346
باب الدعوى والبينات
لا تصح الدعوى إلا من مطلق التصرف فيما يدعيه، ولا تصح دعوى مجهول إلا في الوصية، فأما فيما سواها فلا بد من إِعلامها، فإن كان المدعي دينا ذكر الجنس والصفة والقدر، وإن كان عيناً يمكن تعيينها كالدار والعين الحاضرة عينها.
---(1/273)
وإن لم يمكن تعيينها ذكر صفاتها، وان ذكر القيمة فهو آكد. وإن كانت تالفة ولها مثل ذكر جنسها وصفتها وقدرها، وإن ذكر القيمة فهو آكد. وإن لم يكن لها مثل ذكر قيمتها. وإن ادعى نكاح امرأة فالمذهب أنه يذكر أنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها إن كان رضاها شرطاً وقيل: أن ذلك مستحب. وقيل: إن كان الدعوى لابتداء العقد وجب ذكرها، وإن كان لاستدامته لم يجب ذكرها.
وإن ادعى بيعاً أو إجارة أو غيرهما من العقود لم يُفتقر إلى ذكر الشروط، وقيل: يفتقر، وقيل: في بيع الجارية: يُفتقر وفي غيرها لا يفتقر.
وإن ادعى قتلاً ذكر القاتل، وأنه انفرد بقتله، أو شاركه فيه غيره. ويذكر أنه عمد أو خطأ أو شبه عمد ويصف كل واحد من ذلك. وإن ادعى أنه وارث بيّن جهة الإرث، وإن لم يذكر سأله الحاكم عنه. فإن أنكر المدعى عليه ما ادعاه صح الجواب، وإن لم يتعرض لما ادعى عليه بل قال: لا يستحق عليّ شيئاً صح الجواب، فإن كان المدعي ديناً، فالقول قوله مع يمينه، فإن أقام المدعي بينة قضى له، وإن كان المدعي عيناً، ولا بينة، فإن كان في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه، وإن كان في أيديهما أو لم يكن في يد احدهما حلفا، وجعل بينهما نصفين، وإن كان في يد ثالث رجع إليه، فإن ادعاه لنفسه، فالقول قوله مع يمينه، وإن أقر به لغيره وصدقه المقر له انتقلت الخصومة إليه، وهل يحلف للمدعي، فيه قولان. وإن كذبه المقر له أخذه الحاكم وحفظه، إلى أن يجيء صاحبه، وقيل: يسلم إلى المدعي (بيمينه) فإن أقر به لغائب انتقلت الخصومة إليه، وإن أقرّ لمجهول، قيل له: إما أن تقر به لمعروف، أو نجعلك ناكلاً. وقيل: يقال له: إما ان تقر به لمعروف، أو (تدعيه) لنفسك، أو نجعلك ناكلاً.
---(1/274)
وإن تداعيا حائطاً، فإن كان مبنياً على تربيع احدى الدارين، أو متصلاً بأحدهما اتصالاً لا يمكن احداثه، فالقول قول صاحب الدار مع يمينه، وإن كان بين ملكيهما تحالفا، وجعل بينهما (نصفين)، وإن كان لاحدهما عليه أزج فالقول قول صاحب الازج. وإن كان لاحدهما عليه جذوع لم يقدم صاحب الجذوع. وإن تداعيا عرصة (بين ملكيهما)، لاحدهما فيها بناء أو شجر، فإن كان قد ثبت البناء له والشجر بالبينة فالقول قوله في العرصة مع يمينه. وإن ثبت ذلك بالاقرار فقد قيل: القول قوله، وقيل: هو بينهما. وإن كان السفل لاحدهما، والعلو للآخر وتنازعا السقف حلفا، وجعل بينهما، وإن تداعياً سُلَما منصوباً، حلف صاحب العلو وقضي له، وإن تداعيا درجة فإن كان تحتها مسكن، حلفا وجُعل بينهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 350
وإن كان تحتها موضع حب وما أشبهه فهو لصاحب العلو، وقيل: هي بينهما، والأول أصح.
وإن تنازعا عرصة الدار ولصاحب العلو ممر في بعضها دون بعض، فالقول قولهما فيما يشتركان فيه من الممر، وما لا ممر فيه لصاحب العلو، فالقول فيه قول صاحب السفل مع يمينه، وقيل: يحلفان ويجعل بينهما.
وان تنازع المكري والمكتري في الرفوف المنفصلة حلفا وجعل بينهما.
وإن ادعى رجلان مُسَنّاة، بين أرض أحدهما ونهر الآخر حلفا وجعلت بينهما.
وإن تداعيا بعيراً ولأحدهما عليه حمل فالقول قول صاحب الحمل مع يمينه. وإن تداعيا دابة وأحدهما راكبها والآخر سائقها فالقول قول الراكب بيمينه، وقيل: هي بينهما مع يمينهما. وإن كان في يدهما صبي لا يعقل، فادعى كل واحد منهما أنه مملوكه حلفا وجعل بينهما، وإن كان بالغاً فالقول قوله مع يمينه، وإن كان مميزاً يعقل فهو كالصبي، وقيل: هو كالبالغ.
وإن قطع ملفوفاً وادعى الولي أنه قتله وادعى الضارب أنه كان ميتاً ففيه قولان: أصحهما أن القول قول الضارب.
---(1/275)
وإن تداعيا عيناً ولاحدهما بينة قضى له، وإن كان لكل واحد منهما بينة، فإن كان في يد أحدهما قضى به لصاحب اليد، وقيل: لا يقضى له حتى يحلف، والمنصوص هو الأول، وإن كان في يدهما أو في يد غيرهما، أو لا يد لأحد عليها، فقد تعارضت البينتان، ففي أحد القولين يسقطان فيكونان كالمتداعيين بلا بينة، وفي الآخر: يستعمل البينتان. وفي الاستعمال ثلاثة أقوال؛ أحدها: يوقف، والثاني: يقسم بينهما، والثالث: يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة قضي له، وهل يحلف مع القرعة؟ فيه قولان؛ (أحدهما: نعم). وإن كان بينة أحدهما شاهدين، وبينة الآخر شاهد ويمين، ففيه قولان؛ أحدهما: يقضي لصاحب الشاهدين، والثاني: أنهما سواء فيتعارضان، وفيهما قولان، فإن شهدت بينة أحدهما بالملك من سنة، وبينة الآخر بالملك من شهر، ففيه قولان؛ أحدهما: أنهما يتعارضان وفيها قولان، والثاني: وهو الصحيح، أن الذي شهد بالملك القديم أولى فعلى هذا ان كان مع أحدهما بينة بالملك القديم ومع الآخر يد فقد قيل: صاحب اليد أولى، وقيل: صاحب البينة بالملك القديم أولى، وإن شهدت بينة أحدهما بالملك والنتاج في ملكه، وبينة الآخر بالملك وحده فقد قيل: بيّنة النتاج أولى، وقيل على قولين كالمسألة قبلها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 350
وإن ادعى رجلان كل واحد منهما أنه ابتاع هذه الدار من زيد، وهي ملكه، وأقام كل واحد منهما بينة على ما يدعيه، فإن كان تاريخهما مختلفاً، فهي للسابق منهما، وإن كان تاريخهما واحداً أو لم يعرف السابق منهما تعارضت البينتان وفيهما قولان؛ أحدهما: تسقطان، والثاني: تستعملان إما بالقرعة أو بالقسمة ولا يجيء الوقف.
وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه، وادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه، وأقام كل واحد منهما على ما يدعيه بينة تعارضت البينتان وفيه قولان.
---(1/276)
وإن كان في يد زيد دار، فادعى كل واحد منهما أنه باعها منه بألف وأقام كل واحد منهما بينة على عقده، فإن كان تاريخهما واحد، تعارضت البينتان وفيه قولان، وإن كان تاريخهما مختلفاً لزمه الثمنان، وإن كانتا مطلقتين أو احداهما مطلقة والاخرى مؤرخة، فقد قيل: يلزمه الثمنان، وقيل: يلزمه ثمن واحدة.
وإن ادعى ملك عبد، وأقام عليه بيّنة وادعى الاخر أنه باعه منه أو وقفه أو أعتقه وأقام عليه بينة، قضي له بالبيع والوقف والعتق. وإن قال لعبده: إن قُتلتُ فأنت حر، فأقام العبد بينة أنه قُتل، وأقام الورثة بينة أنه مات، ففيه قولان؛ أحدهما: يتعارضان ويرق العبد، والثاني: تقدم بينة القتل. وإن قال: إن مِتُّ في رمضان فعبدي حر، وإن متُّ في شوال فجاريتي حرة، ومات وأقام العبد بينة بالموت في رمضان والجارية بينة بالموت في شوال ففيه قولان؛ أحدهما: يتعارضان ويرقان، والثاني: يقدم بينة رمضان. وإن قال لأحدهما: إن متُّ من مرضي (هذا) فأنت حر، وقال للآخر: إن برئت من مرضي (هذا) فأنت حر، ثم مات وأقام كل واحد منهما بينة بما يوجب عتقه، تعارضت البينتان وسقطتا ورق العبدان. وإن شهد شاهدان أنه اعتق سالماً وهو ثلث ماله، وشهد آخر أنه أعتق غانماً وهو ثلث ماله، ولم يعلم الأول منهما ففيه قولان؛ أحدهما: أنه يعتق من كل واحد منهما نصفه، والثاني: يقرع بينهما. وإن ادعى عينا في يد زيد وأقام بينة بملك متقدم فإن شهدت البينة أنه ملكه أمس لم يحكم به حتى تشهد البينة أنه أخذها زيد منه. وقيل: فيه قولان؛ أصحهما: أنه لا يحكم له، والثاني: يحكم. وإن ادعى مملوكاً وأقام بينة أنه ولدته أمته في ملكه، أو ثمرة وأقام بينة أنها أثمرتها نخلته في ملكه حكم له، وقيل: هي كالبينة بملك متقدم.
---(1/277)
وإن ادعى أن هذا العبد كان له فأعتقه وغصبه منه فلان وأقام عليه بيّنة فقد قيل: يقضي بها، وقيل: هو كالبينة بملك متقدم. وإن ادعى عيناً في يد غيره وأقام بيّنة أنه ابتاعها من رجل، لم يقض له حتى تشهد البينة أنه ابتاعها منه وهي في ملكه، أو ابتاعها وتسلمها من يده.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 350
وإن ادعى مملوكاً فأقام بينة أنه ولدته جاريته، أو ثمرة، وأقام بينة أنها اثمرته نخلته، لم يقض له حتى تشهد أنها ولدته جاريته في ملكه وأثمرته في ملكه.
وإن ادعى طيراً أو غزلاً أو آجراً فأقام بينة أن الطير من بيضه، والغزل من قطنه، والآجر من طينه، قضى له.
وإن مات نصراني، وخلف ابناً مسلماً وابنا نصرانياً، فأقام المسلم بيّنة أن أباه مات مسلماً، وأقام النصراني بيّنة أنه مات نصرانياً ولم يؤرخا، قدمت بينة المسلم. وإن شهدت بينة المسلم أن آخر كلامه عند الموت الاسلام، وشهدت بينة النصراني أن آخر كلامه كان بالنصرانية، تعارضت البينتان وفيهما قولان؛ أحدهما: يسقطان ويحكم بأنه مات نصرانياً، والثاني: تستعملان بالوقف أو القرعة أو القسمة، وقيل: لا تجيء القسمة.
وإن كان الميت لا يعرف أصل دينه تعارضت البينتان وفيهما قولان؛ أحدهما: تسقطان ويرجع إلى من في يده التركة، والثاني: تستعملان على ما ذكرناه. ويغسل الميت ويصلى عليه في المسائل كلها، وإن مات رجل، وخلف ابنين، واتفقا على اسلام الأب واسلام أحدهما قبل موت الاب واختلفا في اسلام الآخر هل كان قبل موت الأب أو بعد موته؟ فالقول قول الابن المتفق على إسلامه. وان اتفق أن أحدهما أسلم في شعبان والآخر في رمضان، واختلفا في موت الاب فقال أحدهما: مات قبل اسلام أخي، وقال الآخر: بل مات بعد اسلامنا، فالقول قول الثاني فيشتركان.
---(1/278)
وإن مات رجل وخلف أبوين كافرين وابنين مسلمين فقال الأبوان: مات كافراً، وقال الابنان: مات مسلماً، ففيه قولان؛ أصحهما: أن القول قول الابنين، والثاني: أنه يوقف حتى ينكشف أو يصطلحا.
وإن ماتت امرأة وإبنها، فقال زوجها: ماتت أولاً فورثها الإبن، ثم مات الابن فورثته، وقال أخوها: بل مات الابن أولاً وورثته الأم ثم ماتت فورثتها، لم يورث ميت من ميت، بل يجعل مال الابن للزوج، ومال المرأة للزوج والأخ.
وإن ادعى رجل أن أباه مات عنه، وعن أخ له غائب وله مال عند رجل حاضر وأقام بينة بذلك، سلم إليه نصف المال، وأخذ الحاكم نصيب الغائب ممن هو عنده وحفظه عليه، وقيل: إن كان ديناً لم يأخذ نصيبه بل يتركه في ذمة الغريم حتى يقدم.
وإن مات رجل فادعى رجل أنه وارثه ولا وارث له غيره، فشهد شاهدان من أهل الخبرة بحال الميت أنه وارثه لا وارث له غيره، سلم إليه الميراث. وإن لم يقولا: لا نعلم (له) وارثاً غيره، أو قالا ذلك ولم يكونا من أهل الخبرة، فإن كان ممن له فرض دفع إليه الفرض عائلاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 350
وإن كان إبناً أو أخاً لم يدفع إليه شيء، ثم يسأل الحاكم عن حاله في البلاد الذي سافر إليها. فإن لم يظهر له وارث أخر فإن كان ممن له فرض أكمل فرضه، وإن كان أبناً سلم المال إليه وإن كان أخاً فقد قيل: لا يسلم إليه المال، وقيل: يسلم إليه وهو الأصح.
ويستحب أن يؤخذ منه كفيل، وقيل: يجب، وقيل: إن كان ثقة استحب، وإن كان غير ثقة وجب، والأول أصح.
ومن وجب له حق على رجل وهو مقر، (لم يجز له أن) يأخذ من ماله إلا بإذنه، وإن كان منكراً وله بينة فقد قيل: يؤخذ، وقيل: لا يؤخذ، وان كان منكراً ولا بينة له فله أن يأخذ. فإن كان (المأخود) من غير جنس حقه باعه بنفسه، وقيل: يواطىء من يقر له (بحق) عند الحاكم، وإنه ممتنع ليبيع الحاكم عليه، والأول أصح. وإن تلفت العين في يده تلفت من ضمانه، وقيل: (تتلف) من ضمان الغريم.
---(1/279)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 350
باب اليمين في الدعاوى
إذا ادعى رجل على رجل حقاً فأنكره ولم يكن للمدعي بينة، فإن كان ذلك في غير الدم حلف المدعى عليه، فإن نكل عن اليمين فإن كان الحق لغير معين كالمسلمين والفقراء، حبس المدعى عليه حتى يحلف أو يدفع الحق، وقيل: يقضي عليه بالنكول (للضرورة)، وإن كان الحق لمعَيّن ردت اليمين عليه، فان حلف استحق وان أخَّر لعذر لم يسقط حقه من اليمين.
وإن كان الدعوى في دم فإن كان هناك لوث، حلف المدعي خمسين يميناً، ويقضى له بالدية، وإن كانت الدعوى في قتل عمد، ففي القود قولان: أصحهما أنه لا يجب.
فإن كان المدعي جماعة ففيه قولان؛ أحدهما: يحلف كل واحد خمسين يميناً، والثاني: يسقط عليهم الخمسون على قدر مواريثهم، ويجبر الكسر، فإن نكل المدعي عن اليمين ردت اليمين على المدعى عليه، فيحلف خمسين يميناً، فإن كانوا جماعة، ففيه قولان؛ أحدهما: يحلف كل واحد خمسين يميناً، والثاني: يقسم عليهم الخمسون على عدد رؤوسهم. وان لم يكن لوث حلف المدعى عليه يميناً واحدة في أحد القولين، وخمسين يميناً في الآخر.
وإن كانت الدعوى على اثنين وعلى أحدهما لوث دون الآخر حلف المدعي على صاحب اللوث، وحلف الذي لا لوث عليه، واللوث هو أن يوجد قتيل في محلة اعدائه ولا يخالطهم غيرهم، أو تزدحم جماعة، فيوجد بينهم قتيل، أو تتفرق جماعة عن قتيل في دار، أو يرى القتيل في موضع لا عين فيه ولا أثر، وهناك رجل مخضب بالدم، أو يشهد عدل أنه قتله فلان أو تشهد جماعة من النساء أو العبيد بذلك، فإن شهد شاهد أنه قتله فلان بالسيف، وشهد أخر أنه قتله بالعصا، فقد قيل: هو لوث، وقيل: ليس بلوث. وإن شهد واحد أنه قتله زيد، وشهد آخر أنه أقر بالقتل ثبت اللوث ولو شهد إثنان أنه قتله أحد هذين الرجلين، ولم يعينا، ثبت اللوث، على أحدهما، وإن شهد شاهد على رجل أنه قتل أحد هذين الرجلين لم يثبت اللوث.
---(1/280)
وإن ادعى أحد الوارثين القتل على واحد في موضع اللوث، وكذبه الآخر، سقط اللوث في أحد القولين، ولم يسقط في الآخر، فيحلف المدعي ويستحق نصف الدية.
وإن ادعى القتل على رجل مع اللوث وأقر آخر أنه قتله، لم يسقط حق الولي من القسامة، وإن كان الدعوى في طرف فاليمين على المدعى عليه، وفي التغليظ بالعدد قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 356
ومن لزمه يمين في غير مال أو في مال قدره النصاب، غلظ عليه اليمين بالزمان والمكان واللفظ، فأما الزمان والمكان فقد بيناه في اللعان، وأما اللفظ فهو أن يقول: وا الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، عالم خائنة الاعين وما تخفي الصدور، فإن كان يهودياً حلف با الذي انزل التوراة على موسى بن عمران ونجاه من الغرق، وإن كان نصرانياً حلف با الذي انزل الإنجيل على عيسى عليه السلام، وإن كان مجوسياً أو وثنياً حلف باللَّه الذي خلقه وصوّره، وان اقتصر على الاسم وحده جاز. ومن حلف على فعل نفسه نفياً كان أو اثباتاً حلف على القطع، وإن حلف على فعل غيره، فإن كان على إثبات حلف على القطع، وإن كان على نفي، حلف على نفي العلم/
ومن توجهت عليه اليمين لجماعة حلف لكل واحد منهم (يميناً)، فإن اكتفوا منه بيمين واحدة، فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز وهو الأصح.
ومن ادعى عليه غصب، أو بيع، فأجاب بأنه لا حق عليه لم يحلف إلاّ على ما أجاب، وإن أجاب بنفي ما ادعى عليه، حلف على ما أجاب، وقيل: يحلف أنه لا حق عليه، ومن حلف على شيء ثم قامت البينة على كذبه قضى بالبينة وسقطت اليمين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 356
كتاب الشهادات
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 359
«باب من تقبل شهادته، ومن لا تقبل»
تحمل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية.
---
فإن كان موضع ليس فيه غيره تعين عليه، ولا يجوز لمن تعين عليه أن يأخذ عليه اجرة، ويجوز لمن لم يتعين (عليه)، وقيل: لا يجوز.(1/281)
ولا تقبل الشهادة إلاّ من حر بالغ متيقظ، حسن الديانة، ظاهر المروءة.
ولا تقبل من عبد، ولا صبي، ولا معتوه، ولا مغفل، ولا تقبل من صاحب كبيرة، ولا مدمن على صغيرة، ولا تقبل ممن لا مروءة له، كالكناس والنخال والقمام والقيم في الحمام والذي يلعب بالحمام، والقوال والرقّاص والمشعوذ، ومن يأكل في الأسواق ويمد رجله عند الناس، ويلعب بالشطرنج على الطريق. وأما أصحاب المكاسب الدنيئة كالحارس والحائك والحجام، فقد قيل: تقبل شهادتهم إذا حسنت طريقتهم في الدين، وقيل: لا تقبل، والأول أصح، وتقبل شهادة الأخرس، وقيل: لا تقبل والأول أصح، وتقبل شهادة الأعمى فيما تحمل فيه قبل العمي، ولا تقبل فيما تحمله بعد العمى، إلاّ في موضعين؛ أحدهما: أن يقول (له) في أذنه شيئاً فيعلقه، ويحمله إلى القاضي ويشهد بما قاله في أذنه. والثاني: فيما يشهد فيه بالاستفاضة.
ولا تقبل شهادة الوالد لولده وان سفل، ولا شهادة الولد لوالده وإن علا ومن شهد على أبيه أنه طلق ضرة أمه أو قذفها، ففيه قولان؛ أحدهما: تقبل، والثاني: لا تقبل.
ولا تقبل شهادة الجار إلى نفسه نفعاً، كشهادة الوارث للمورث بالجراحة قبل الاندمال، وشهادة الغرماء للمفلس بالمال، وشهادة الوصي لليتيم، والوكيل للموكل، فإن شهد الوارث للمورث (بمال) في المرض، ثم برىء لم تقبل وقيل: تقبل.
ولا تقبل شهادة الدافع عن نفسه ضرراً كشهادة العاقلة على شهود القتل بالفسق، ولا شهادة العدو على عدوه، ولا شهادة الزوج على زوجته بالزنا، وتقبل شهادة الصديق لصديقه، وشهادة الزوج لزوجته، ولا تقبل شهادة الانسان على فعل نفسه كالمرضعة على الرضاع، والقاسم على القسمة بعد الفراغ، والحاكم على الحكم بعد العزل، وقيل: تقبل شهادة القاسم والحاكم.
---
ومن جمع في الشهادة بين ما يقبل وما لا يقبل ففيه قولان؛ أحدهما: يرد في الجميع، والثاني: يقبل في أحدهما دون الآخر.(1/282)
وإذ اعتق عبدين ثم شهدا على المعتق أنه غصبهما لم تقبل شهادتهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 359
ومن ردت شهادته بمعصية غير الكفر، أو لنقصان مروءة فتاب، لم تقبل شهادته حتى يستمر على التوبة سنة.
وإذا شهد الكافر أو الصبي أو العبد في حق فردت شهادتهم، ثم أسلم الكافر وبلغ الصبي، وعتق العبد واعادوا تلك الشهادة، قبلت. ولو شهد الفاسق أو من لا مروءة له فردت شهادته ثم تاب وحسنت طريقته، وأعاد تلك الشهادة لم تقبل. وإن شهد الوارث لمورثه بالجراحة قبل الاندمال فردت شهادته، ثم اندمل الجرح وأعاد (تلك) الشهادة، فقد قيل: تقبل، وقيل: لا تقبل.
وتقبل في المال، وما يقصد به المال كالبيع والاجارة والرهن والاقرار، والغصب، وقتل الخطأ رجلان أو رجل وامرأتان أو شاهد ويمين المدعي. وأما الوقف فقد قيل: تقبل فيه ما يقبل في المال، وقيل: إن قلنا أنه ينتقل إلى الآدمي قبل، وإن قلنا ينتقل إلى الله تعالى لم يقبل. وما لا يقصد به المال كالنكاح والطلاق والعتاق والنسب والولاء والوكالة والوصية إليه وقتل العمد وسائر الحدود غير حد الزنا، لا يقبل فيه إلاّ شاهدان ذكران. وإن شهد في قتل العمد شاهد وإمرأتان لم يثبت القصاص ولا الدية. ولو شهد في السرقة شاهد وامرأتان لم يثبت القطع وثبت المال وإن كان في يد رجل جارية لها ولد فادعى رجل أنها أم ولده وولدها منه، وأقام شاهداً وامرأتين، أو شاهداً وحلف معه، قضى له بها.
وفي نسب الولد وحريته قولان.
ولا يقبل في حد الزنا واللواط وإتيان البهيمة إلاّ أربعة من الرجال، وقيل: إن قلنا أن الواجب في إتيان البهيمة التعزير، قبل فيه شاهدان وليس بشيء.
---
وإن شهد ثلاثة بالزنا، وجب على الشهود حد القذف في أحد القولين، وإن شهد أربعة، أحدهم الزوج، فقد قيل: يحد الزوج قولاً واحداً، وفي الثلاثة قولان، وقيل: في الجميع قولان.
وفي الاقرار بالزنا قولان؛ أحدهما: يثبت بشاهدين، والثاني: لا يثبت إلاّ بأربعة.(1/283)
ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال كالرضاع والولادة والعيوب (التي) تحت الثياب شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، أو أربع نسوة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 359
باب تحمل الشهادة وإدائها
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 362
والشهادة على الشهادة
ولا يصح التحمل إلاّ بما يقع به العلم، فإن كان فعلا كالزنا والغصب لم يصح التحمل فيه إلاّ بالمشاهدة، فإن أراد أن يتعمد النظر إلى ما تحت الثياب لتحمل الشهادة جاز على ظاهر النص، وقيل: لا يجوز، وقيل: لا يجوز في غير الزنا، ويجوز في غير الزنا. وقيل: يجوز في غير الزنا، ولا يجوز في الزنا. وإن كان عقداً أو إقراراً فلا بد من مشاهدة العاقد والمقر وسماع كلامهما، وإن كان نسباً أو ملكاً مطلقاً أو موتاً جاز أن يتحمل بالاستفاضة من غير معارضة. وأما النكاح والوقف والعتق والولاء فقد قيل: يشهد فيها بالاستفاضة، وقيل: لا يشهد. وأقل ما يثبت به الاستفاضة اثنان.
وإن رأى رجلاً يتصرف في دار مدة طويلة من غير معارضة، جاز أن يشهد له باليد والملك، وقيل: يشهد له باليد دون الملك، وهو الأصح.
ومن كانت عنده شهادة لآدمي، لم يشهد بها حتى يطالب بها صاحب الحق.
---
ومن كانت عنده شهادة في حد من حدود الله عز وجل، فإن رأى المصلحة في الشهادة شهد، وإن رأى المصلحة في الستر، استحب أن لا يشهد. ومن شهد بالنكاح ذكر شروطه، ومن شهد بالرضاع ذكر أنه ارتضع من ثديها، أو من لبن حلب منها، وذكر عدد الرضاع ووقته. ومن شهد بالقتل ذكر صفة القتل، فإن قال: ضربه بالسيف فمات لم يحكم به حتى يقول: مات منه، أو يقول: ضربه بالسيف فقتله. وإن شهد بالزنا ذكر الزاني، وكيف زنى، وفي أي موضع زنى، وإن لم يبين الشاهد ذلك سأله الحاكم.
وتجوز الشهادة على الشهادة في حقوق الآدميين، وفي حدود الله عز وجل قولان؛ أصحهما: أنه يجوز.(1/284)
ولا يجوز أن يتحمل الشهادة على الشهادة، إلاّ أن يسترعيه الشاهد بأن يقول: أشهد أن لفلان على فلان كذا، فأشهد على شهادتي أو يسمع رجلاً يشهد عند الحاكم بحق، أو يسمع رجلاً يشهد على رجل بحق مضاف إلى سبب يجب به الحق كالبيع والقرض.
ولا تجوز الشهادة على الشهادة، إلاّ أن يتعذر حضور شهود الأصل بالموت أو المرض، أو الغيبة في مسافة تقصر فيها الصلاة، فإن أراد أن يؤدي الشهادة على الشهادة فإن تحمل بالاسترعاء قال: أشهد أن فلان بن فلان يشهد على فلان بن فلان بكذا، أشهدني على شهادته بذلك، وإن رآه يشهد عند الحاكم (بحق) قال: أشهد أن فلان بن فلان يشهد بكذا عند الحاكم، وإن رأى يشهد بحق مضاف إلى سببه ذكر نحو ما ذكرناه، ولا تقبل الشهادة على الشهادة من النساء، ولا يثبت شهادة كل واحد من شاهدي الأصل إلاّ بشاهدين، فإن شهد اثنان على أحد الشاهدين، ثم شهدا على الآخر، ففيه قولان؛ أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز. ولا يحكم بالشهادة حتى يثبت عنده عدالة شهود الأصل والفرع، وإن شهد شهود الفرع ثم حضر شهود الأصل قبل أن يحكم، (لم يحكم) حتى يسمع من شهود الأصل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 362
باب اختلاف الشهود والرجوع عن الشهادة
---(1/285)
إن شهد شاهد أنه أقر بألف، وشهد آخر أنه أقر بألفين، وجب له الألف، وله أن يحلف ويستحق الألف الثاني. وإن شهد شاهدان أنه زنى بها في زاوية، وشهد آخر أنه زنى بها في زاوية أخرى لم يثبت الزنا. وإن شهد اثنان أنه زنى بها وهي مطاوعة، وشهد أخران أنه زنى بها وهي مكرهة لم يثبت الزنا، وقيل: يثبت الزنا في حق الرجل وليس بشيء. وإن شهد شاهد أنه قذفه بالعجمية وشهد الآخر أنه قذفه بالعربية، أو شهد أحدهما أنه قذفه يوم السبت وشهد الآخر أنه قذفه يوم الأحد، لم يثبت القذف. وإن شهد أحدهما أنه أقر بالقذف بالعجمية، وشهد الآخر أنه أقر بالقذف بالعربية، أو شهد أحدهما أنه أقر بالقذف يوم السبت، والآخر أنه أقر (به) يوم الأحد وجب الحد.
وإن شهد أحدهما أنه سرق كبشاً أبيض، وشهد الآخر أنه سرق كبشاً أسود، لم يجب الحد، فإن حلف المسروق منه مع الشاهد قضي له، وإن شهد شاهدان أنه سرق ثوباً قيمته عشرة دراهم وشهد آخران أن قيمته عشرون درهماً، لزمه أقل القيمتين.
---(1/286)
وإن شهد شاهدان على رجلين أنهما قتلا فلاناً، وشهد الآخران على الشاهدين أنهما قتلاه رجع إلى الولي، فإن صدق الأولين حكم بشهادتهما وإن كذب الأولين وصدق الآخرين أو صدق الجميع، أو كذب الجميع، سقطت الشهادتان. وإن شهدوا بحق ثم رجعوا عن الشهادة، فإن كان قبل الحكم لم يحكم، وإن كان بعد الحكم، فإن كان في حد، أو قصاص لم يستوف، وإن كان في مال أو عقد، استوفى على المذهب، وقيل: لا يستوفى. ومتى رجع شهود المال بعد الحكم لزمهم الضمان في أصح القولين، ولا يلزمهم في الآخر، وإن رجع شهود العتق لزمهم الضمان، وإن رجع شهود الطلاق بعد الحكم، فإن كان بعد الدخول لزمهم مهر المثل للزوج، وإن كان قبل الدخول ففيه قولان؛ أحدهما: يلزمهم نصف مهر المثل، والثاني: يلزمهم جميعه، وإن رجع شهود القتل بعد القتل فإن تعمدوا، لزمهم القصاص، وإن اخطأوا لزمتهم الدية. وإن شهد عليه أربعة بالزنا فرجم، ثم رجع أحدهم، وذكر أنه أخطأ في الشهادة، لزمه ربع الدية. وان شهد ستة فرجع اثنان، فقد قيل: لا يلزمهما شيء، وقيل: يلزمهما ثلث الدية. وإن شهد أربعة بالزنا وإثنان بالإحصان ثم رجعوا، فقد قيل: لا يلزم شهود الاحصان شيء، وقيل: يلزمهم، وقيل: إن شهدوا بالاحصان قبل الزنا لم يلزمهم شيء وإن شهدوا بعد الزنا لزمهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 363
وإذا حكم الحاكم بشهادة شاهدين، ثم بان أنهما كانا عبدين، أو كافرين نقض الحكم، وإن بان أنهما كانا فاسقين عند الحكم نقض الحكم في أصح القولين، ولا ينقض في الآخر، ومتى نقض الحكم فإن كان المحكوم به اتلافاً كالقتل والقطع، ضمنه الإمام.
وإن كان مالاً، فإن كان باقياً رده، وإن كان تالفاً ضمنه المحكوم له، فإن كان معسراً ضمنه الحاكم، ثم يرجع به (الحاكم) على المحكوم له إذا أيسر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 363
باب الاقرار
---(1/287)
من لم يحجر عليه يجوز إقراره، ومن حجر عليه لصغر، أو جنون لا يصح إقراره، فإن أقر ثم ادعى أنه غير بالغ، فالقول قوله من غير يمين. وعلى المدعي البينة أنه بالغ.
ومن حجر عليه لسفه لم يجر اقراره في المال، ويجوز في الطلاق، والحد والقصاص. ومن حجر عليه لفلس يجوز اقراره في الحد والقصاص. وفي المال قولان؛ أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز في الحال. ومن حجر عليه لرق يجوز إقراره بالحد والقصاص والطلاق. وإن أقر بمال اتبع به إذا عتق. فإن أقر بسرقة مال في يده قطع، وفي المال قولان؛ أحدهما: يسلم (إليه)، والثاني: لا يسلم، وإن تلف المال (في يده) بيع منه بقدر المال في أحد القولين، ولا يباع في الآخر.
ولا يجوز إقرار المولى عليه بما يوجب الحد والقصاص، ويجوز إقراره عليه بجناية الخطأ.
ومن حجر عليه لمرض يجوز اقراره بالحد والقصاص ويجوز اقراره بالمال للاجنبي، وفي إقراره بالمال للوارث قولان، وقيل: يجوز قولاً واحداً. ويجوز الإقرار لكل من يثبت له الحق المقر به، فإن أقر لعبد بمال ثبت المال لمولاه، وإن أقر لبهيمة لم يثبت المال لصاحبها، وإن أقر لحمل، وعزاه الى إرث، أو وصية صح الإقرار، وإن أطلق ففيه قولان: أصحهما أنه يصح. فإن ألقته ميتاً بطل الإقرار، وإن إلقته حياً وميتاً، جعل المال للحي. ومن أقر بحق لآدمي (ثم رجع)، لم يقبل رجوعه.
وإن أقر بحد (من حدود) للَّه تعالى، وهو حد الزنا، والسرقة، والمحاربة، وشرب الخمر، قبل رجوعه، ويستحب للإمام أن يلقنه الرجوع عن ذلك، وإن أقر العربي بالعجمية، وادعى أنه لم يعرف، قبل قوله مع اليمين. وإن أقر بمال أو بهبة واقباض، ثم ادعى أنه أقر بالمال على وعد، ولم يقبض أو وهب ولم يقبض، وطلب يمين المقر له، حلف على المنصوص، ومن وكل غيره في أن يقر عنه بمال لزمه المال، وإن لم يقر الوكيل، ومن أقر لرجل بمال، وكذبه المقر له نزع المال منه وحفظ، وقيل: يترك في يده.
---(1/288)
ومن ادعى على رجل حقاً، فقال: أنا مقر، أو أقر ولا أنكر، لم يلزمه. وإن قال: أنا مقر بما تدعيه، أو لا أنكر ما تدعيه لزمه، وإن قال: أنا أقر بما تدعيه لم يلزمه، وإن قال: بلى، أو نعم، أو أجل، لزمه. وإن قال له: عليّ ذلك إن شاء الله، أو إن شئت، لم يلزمه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 365
وإن قال: إذا جاء رأس الشهر فله عليّ ألف لم يلزمه. إن قال: له عليّ ألف إذا جاء رأس الشهر فقد قيل: يلزمه، وقيل: لا يلزمه. وان قال: كان له علي الف فقد قيل: يلزمه، وقيل: لا يلزمه. وإن قال: ان شهد شاهدان فعليَّ ألف، لم يلزمه، وإن قال: إن شهد شاهدان (عليّ) بألف فهما صادقان، لزمه في الحال. وإن قال له علي شيء ففسره بما لا يتمول، كقشر فستقة أو جوزة لم يقبل. وإن فسره بكلب أو سرجين أو جلد ميتة لم يدبغ، فقد قيل: يقبل، وقيل: لا يقبل، وإن فسره بخنزير أو ميتة، لم يقبل. وإن فسره بحد قذف قُبل، وقيل: لا يقبل، وإن فسره بحق شفعة قُبل، وإن قال: غصبت منه شيئاً، ثم قال: أردت نفسه لم يقبل، وإن أقر بمال أو بمال عظيم أو خطير أو كثير، قبل في تفسيره بالقليل والكثير. وإن أقر بدراهم أو بدراهم كثيرة، لزمه ثلاثة. وإن عليّ درهم ثم أعاده في وقت آخر، لزمه درهم واحد. وإن قال له: عليّ درهم من ثمن ثوب، ثم (قال له): عليّ درهم من ثمن عبد، لزمه درهمان. وإن قال له: عليّ درهم ودرهم لزمه درهمان. وإن قال له: عليّ درهم فدرهم لزمه درهم على المنصوص، وقيل فيه قولان؛ أحدهما: درهم، والثاني: درهمان. وإن قال: عليّ درهم تحت درهم، أو فوق درهم أو مع درهم، أو قبل درهم أو بعد درهم، (فقد قيل فيه) قولان: أحدهما: درهم، والثاني: درهمان وقيل: إن قال: فوق درهم أو تحت درهم أو مع درهم، لزمه درهم. وإن قال: قبل درهم أو بعد درهم لزمه درهمان، وإن قال: له عليّ درهم في دينار، لزمه درهم، إلاّ أن يريد مع دينار، فيلزمه درهم ودينار. وإن قال: له عليّ درهم في
---(1/289)
عشرة، لزمه درهم إلا أن يريد الحساب فيلزمه عشرة. وإن قال: له عليّ درهم أو دينار، لزمه أحدهما وأخذ بتعيينه. وإن قال: درهم بل درهم لزمه درهم. وإن قال: درهم بل درهمان، لزمه درهمان، وإن قال: درهم، لا بل دينار لزمه درهم ودينار. وإن قال له: علي درهمان بل درهم لزمه درهمان، وإن قال له: عليّ ما بين درهم والعشرة، لزمه ثمانية، وان قال له: عليّ من درهم الى عشرة، فقد قيل: يلزمه ثمانية، وقيل: تسعة، وقيل: عشرة. وإن قال له: عليّ كذا فهو كما قال: له عليّ شيء. وإن قال له: علي كذا درهما، أو كذا كذا درهما، لزمه درهم. وإن قال: عليّ كذا وكذا درهماً، فقد قيل: يلزمه درهمان، وقيل: فيه قولان؛ أحدهما: درهم، والثاني: درهمان. وإن قال: كذا درهم بالخفض، لزمه دون الدرهم، وقيل: يلزمه درهم، وإن قال له: عليّ ألف درهم، أو ألف وثوب، لزمه الدرهم والثوب، ورجع في تفسير الألف إليه. وإن قال: له عليّ مائة وعشرة دراهم كان الجميع دراهم، وقيل: يلزمه عشرة دراهم، ويرجع في تفسير المائة إليه. وإن قال له: عليّ عشرة إلا عشرة لزمه العشرة. وإن قال: له عليّ درهم، ودرهم إلاّ درهمان لزمه درهمان على المنصوص، وقيل: يلزمه درهم. وإن قال: له عليّ الف درهم إلا ثوباً، وقيمة الثوب دون الألف قبل منه. وإن قال: له عليّ ألف إلا دينار رجع في تفسير الالف اليه واسقط منه دينار، وإن قال له: (عليّ) هؤلاء العبيد العشرة إلا واحداً لزمه تسليم تسعة، وإن ماتوا إلاّ واحداً فذكر أنه هو المستثنى قبل منه على المذهب، وقيل: لا يقبل. وإن قال: له هذه الدار إلاّ هذا البيت، أو هذه الدار له وهذا البيت لي، قبل منه. وإن قال: له هذه الدار عارية فله أن يرجع فيها متى شاء. وإن قال: له هذه الدار هبة، فله أن يمتنع من التسليم. وإن قال: له (عليّ) ألف مؤجلة لزمه ما أقر به مؤجلاً، وقيل فيه قولان؛ أحدهما: (يلزمه) ما أقر به، والثاني: يلزمه ألف حالة. وإن قال: له (عليّ) ألف من(1/290)
---
ثمن خمر، أو ألف قضيتها، ففيه قولان؛ أحدهما: يلزمه، والثاني: لا يلزمه. وإن قال: له عليّ ألف من ثمن مبيع لم يلزمه حتى يقر بقبض المبيع. وإن قال له: (عليّ) ألف درهم نقص، لزمه الف ناقصة الوزن، وإن قال: (له) ألف درهم وهو في بلد أوزانهم ناقصة لزمه من دارهم البلد على المنصوص، وقيل: يلزمه الف وازنة. وإن قال: له درهم صغير، وهو في بلد أوزانهم وافية، لزمه صغير وازن. وإن قال: (له) درهم كبير، وفي البلد دراهم كبار القدود لزمه درهم وازن منها. وإن قال: له ألف درهم زُيَّف ففسرها بما لا فضة فيها لم يقبل، وإن فسرها بمغشوش قبل على (ظاهر) المذهب وقيل: لا يقبل إلاّ أن يكون متصلاً بالإقرار. وإن قال: له علي دراهم ففسرها بسكّة غير سكة البلد، قبل منه. وإن قال: له عندي ألف، ففسرها بدين قبل منه. وإن قال: له عليّ ألف وديعة، فهي وديعة، وإن قال: كان عندي أنها باقيه فإذا هي هالكة لم يقبل، وإن ادعى أنها هلكت بعد الاقرار قبل منه، وقيل لا يقبل والاول أصح. وإن قال: له عليّ ألف في ذمتي ثم فسرها بوديعة فقد قيل: يقبل، وقيل: لايقبل وهو الأصح. وإن قال: له في هذا العبد الف درهم ثم فسرها بقرض أقرضه في ثمنه، أو بألف وزنها في ثمنه لنفسه، أو بألف وصى (له) بها من ثمنه، أو أرش جناية جناها العبد، قبل منه، وإن فسرها بأنه رهن بألف له عليه فقد قيل: يقبل، وقيل: لا يقبل وإن قال: له في ميراث أبي أو من ميراث أبي الف، فهو دين على التركة وإن قال: (له) في ميراثي من أبي، أو من ميراثي من أبي فهو هبة من ماله. وإن قال: له في هذه الدار نصفها، أو من هذه الدار نصفها لزمه. وإن قال: له في داري، أو من داري نصفها، فهو هبة، وإن قال له (من) مالي الف درهم لزمه. وإن قال: (له) في مالي فهو هبة على المنصوص.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 365
وقيل: هذا غلط في النقل، ولا فرق بين أن يقول: في مالي، وبين أن يقول: من مالي، في أن الجميع هبة.
---(1/291)
وإن قال: له عندي تمر في جراب، أو سيف في غمد، أو فص في خاتم، لم يلزمه الظرف.
وإن قال: له عندي عبد عليه عمامة، لزمه العبد والعمامة، وإن قال: له دابة عليها سرج، لم يلزمه السرج.
وإن ادعى رجلان ملكاً في يد رجل بينهما نصفين، فأقر لأحدهما بنصفه وجحد الآخر، فإن كان قد عَزَيا إلى جهة واحدة من إِرث أو ابتياع، وذكرا أنهما لم يقبضا، وجب على المقر له أن يدفع نصف ما أخذ إلى شريكه، وإن لم يعزيا إلى جهة، أو أقر بالقبض، لم يلزمه أن يدفع إليه شيئاً.
وإن أقر رجل فقال: هذه الدار لزيد لا بل لعمرو، أو غصبتها من زيد لا بل من عمرو لزم الاقرار الأول، وهل يغرم للآخر؟ فيه قولان، وقيل: إن سلمها الحاكم بإقراره، ففيه قولان. وإن سلمها المقر بنفسه لزمه الغرم قولاً واحداً، والصحيح أنه لا فرق بين المسألتين.
وإن باع شيئاً وأخذ الثمن، ثم أقر بأن المبيع لغيره، فقد قيل: يلزمه الغرم قولاً واحداً، وقيل على قولين. وإن قال: غصبت من أحدهما أخذ بتعيينه، فإن قال: لا أعرفه وصدقاه، انتزع منه، وكانا خصمين فيه، وإن كذباه فالقول قوله مع يمينه، وإن قال: هو لفلان سلم إليه ولا يغرم للآخر شيئاً. وإن قال: غصبت هذه الدار من زيد وملكها لعمرو لزمه أن يسلم إلى زيد، ولا يلزمه لعمرو شيء، وإن قال: هذه الدار ملكها لزيد وقد غصبتها من عمرو، فقد قيل: هي كالتي قبلها، وقيل: يسلم إلى الأول، وهل يغرم للثاني، على قولين.
ومن أقر بنسب صغير مجهول النسب ثبت، فإن كان ميتاً ورثه، وإن أقر بنسب كبير، لم يثبت نسبه حتى يصدقه، فإن كان ميتاً لم يثبت نسبه. وإن أقر من عليه ولاء بأخ، أو أب لم يقبل، وإن أقر بنسب ابن فقد قيل: يقبل، وقيل: لا يقبل، وإن أقر الورثة بنسب، فإن كان المقر به يحجبهم، ثبت النسب دون الإرث، وقيل: يثبت الإرث وليس بشيء، وإن لم يحجبهم ثبت النسب والإرث. وإن أقره بعضهم وأنكر البعض، لم يثبت النسب، ولا الإرث.
---(1/292)
وإن أقر الورثة بزوجته امرأة للموروث ثبت لها الميراث، وإن أقر بعضهم، وأنكر البعض فقد قيل: يثبت لها الإرث بحصته، وقيل: لا يثبت.
وإن أقر الورثة بدين على مورثهم، لزمهم قضاؤه من التركة. وإن أقر بعضهم بالدين، وأنكر البعض ففيه قولان؛ أحدهما: يلزم المقر جميعه من حصته، والثاني: يلزم بقسطه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 365
وإن كان لرجل أمة فأقر بولد منها، ولم يبين بأي سبب وطئها، صارت الأمة أم ولد له، وقيل: لا تصير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 365
وإن كان لرجل أمة فأقر بولد منها، ولم يبين بأي سبب وطئها، صارت الأمة أم ولد له، وقيل: لا تصير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 365
---(1/293)