التقوى الدُرَة المَفقُودة والغاية المَنشُودة
الدكتور أحمد فريد
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [ ..... ( أل عمران : 102 )
] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [ ..... ( النساء : 1 )
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ ....... ( الأحزاب : 70 ، 71 )
ثم أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلاله وكل ضلاله فى النار .
ففى مثل هذه الازمنة الغابرة التى استولت فيها الغفلة على القلوب ، وضعفت فيها العين المتطلعة إلى الأخرة فلا تكاد ترى ، وظن الناس أن السعيد من فاز فى الدنيا بشهواتها ، ومن وصل إلى جاهها وسلطانها ، والشقى من حرم هذا الخير(1/1)
العظيم والرزق الكريم وهذا من الغفلة الشنيعة والجهل البليغ بالسعادة الحقيقية والشرف العظيم الذى جعله الله عز وجل للمتقين فى الحياة ويوم يقوم الناس لرب العالمين ولو ذاقت قلوب أهل الدنيا شيئاً من مواجيد أهل التقوى وما يجدونه من العزة والشرف فى الدنيا مع ما ينتظرهم من سعادة الأخرة ونعيمها لأكلوا أصابعهم ندماً وحسرة على ما فاتهم من الخير ويفوتهم إذا استمرت غفلتهم ،
فالتقوى كما قال الغزالى رحمة الله : كنز عزيز، فلئن ظفرت به كم تجد فيه من جوهر شريف ، وخير كثير ، ورزق كريم ، وفوز كبير ، وغنم جسيم ، وملك عظيم ، فكأن خيرات الدنيا والأخرة جمعت فجعلت تحت هذه الخصلة الواحدة التى هى تقوى الله ، وتأمل ما فى القرأن من ذكرها فكم علق بها من خير وكم وعد عليها من خير وثواب وكم أضاف إليها من سعادة (1) .
فاهل التقوى هم ملوك الدنيا كما أنهم ملوك الأخرة وهم وأهل السعادة الحقيقية والشرف العظيم فى الدنيا والأخرة كما قال تعالى : ] وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [ .......... ( طه : 132 )
وقال تعالى : ] وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [ .......... ( الزخرف : 35 )
وأنت يا أخى الكريم معى فى هذا الكتاب نسير مع التقوى فى كل باب لعلى وإياك عند الختام يمن الله علينا بالتوبة النصوح وما لها من الفتوح ويجعلنا من المتقين ، الذين تقر أعينهم فى الدنيا بالطاعات وفى الأخرة بالجنات ، وقد جمعت لك فى هذا الكتاب من المعانى الشريفة ، والفوائد اللطيفة ما تنشرح له القلوب ، وتقترب به من علام الغيوب وغفار الذنوب ، فبدأت بذكر معانى التقوى وأقسامها ، وثنيت بذكر شرفها وخطرها ، وثم اجتهدت فى الباب الثالث فى بيان ما تتطلع إليه قلوب اصحاب الهمم العالية والنفوس الأبية
وهو فى بيان كيف تتقى الله عز وجل وذكرت لك خمسة وسائل :
الأولى محبة الله عز وجل ،
والثانية فى استحضار المراقبة والحياء ،(1/2)
والثالثة فى معرفة ما فى طريق الحرام من الشرور والالام ،
والرابعة فى بيان كيف تغالب هواك وتطيع مولاك،
والخامسة فى معرفة مكائد الشيطان ومصائده ، والحذر من وساوسه ودسائسه ،
ثم زدتك تشريفا وتعريفا باصحاب الرتب العالية والدرجات الرفيعة السامية، بذكر صفات المتقين ، وختمت بحسن االختام ، وهو رحله فى رياض التقوى ننزة قلوبنا وابصارنا برؤية ثمرات التقوى العاجلة والآجلة.
والامر كما يقال :
طبيب يداوى .... والطبيب سقيم
ولولا ما نطمع فيه من رحمة الله وعفوه وكرمه ، وان لا نحرم دعوة صالحة من اخ كريم لتقطعت القلوب يأسا من النفوس وصلاحها وقلة تقواها ، ولا تظن ان من تكلم عن التقوى فقد صار بذلك من المتقين ، فما اظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى واكتساب الاموال وهو فقير وبين العلم بأسباب الصحة وهو سقيم ، ولكن نرجو بذكر القوم ومحبتهم ان نجد ريحا من اثار غبارهم او ان نلحق ولو بساقاتهم
وكما قال بن الجوزى رحمة الله :
إن صدقت فى طلابهم فانهض وبادر، ولا تستصعب طريقهم فالمعين قادر، تعرض لمن اعطاهم وسل فمولاك مولاهم ، رب كنز وقع به فقير ، ورب فضل اختص به صغير ، علم الخضر ما خفى على موسى وكشف لسليمان ما خفى على داود (2) .
وسوف تجد فى صحبة هذا الكتاب ومبانيه ما يبين لك شرف معانيه ، فتجد شرف التقوى فى طياته وسعادتها ين وريقاته ،
نسأل الله أن يجعلنا من أهلها وأن يقسم لنا من كنوزها وثمراتها . وأن يبارك فى هذا الكتاب وفى جامعة وناشره ومن قرأه يلتمس الهداية والتوفيق ،
والله الهادى لاقوم طريق فهو الذى تقر القلوب بمحبته فى الدنيا ورؤيته فى الجنة ،
وصلى الله على رسوله المصطفى واله واصحابه ومن اتبع السنة وسلم تسليماً .
وكتبه
الشيخ / أحمد فريد
معنى التقوى ومراتبها
* المعنى اللغوى : قال فى المصباح : وقاه الله السوء وقاية : حفظه(1/3)
والوقاء مثل كتاب كل ما وقيت به شيئاً ، وروى أبو عبيد عن الكسائى الفتح فى ( الوقاية ) و (الوقاء) أيضاً و ( اتقيت ) الله ( اتقاءً ) و ( التقية ) و (التقوى ) اسم منه والتاء مبدله
من واو والأصل (وقى) أهـ (1).
* المعنى الشرعى : اختلفت تعبيرات العلماء فى تعريف التقوى مع أن الجميع يدور حول مفهوم واحد ، وهو أن يأخذ العبد وقايته من سخط الله عز وجل وعذابه ، وذلك بامتثال المأمور واجتناب المحظور .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه
فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك ، وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه ، وتاره تضاف التقوى إلى اسم الله عز وجل ، كقوله تعالى :] وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [ .......... ( المائده : 96 )
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [
..... (الحشر : 18)
فإذا اضيفت التقوى إليه سبحانه وتعالى فالمعنى اتقوا سخطه وغضبه وهو أعظم ما يتقى ، وعن ذلك ينشأ عقابة الدنيوى والاخروى ، قال تعالى ] وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ [ ........ ( آل عمران : 28 )
وقال تعالى ] هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [ .......... ( المدثر : 56 )
فهو سبحانه أهل ان يخشى ويهاب ويجل ويعظم فى صدور عباده ، حتى يعبدوه ويطيعوه ،
لما يستحقه من الإجلال والإكرام ، وصفات الكبرياء والعظمة وقوة البطش .
وفى الترمذى عن انس عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه الاية :
] هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى ......... [ قال الله تعالى : ( أنا أهل التقوى فمن اتقانى فلم يجعل معى إلهاً أخر فأنا أهل أن أغفر له) (1)(1/4)
وتارة تضاف التقوى إلى عقاب الله ، أو إلى مكانه كالنار ، أو إلى زمانه كيوم القيامة
كما قال تعالى : ] وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [.......... ( آل عمران : 131 )
وقال تعالى : ] فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ ...... ( البقره : 24 )
وقال تعالى : ] وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ [ .......... ( البقره : 281 )
وقال تعالى : ] وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً [ .......... ( البقره : 48 )
ويدخل فى التقوى الكاملة فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات وربما دخل فيها بعد ذلك فعل المندوبات وترك المكروهات.
قال تعالى : ] الم~ (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [ (2) .......... (البقره : 1 - 4 )
وقال ابن القيم رحمه الله :
وأما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيماناً واحتسابا ، أمراً ونهياً ، فيفعل ما أمر الله به إيماناً بالأمر وتصديقاً بوعده ، ويترك ما نهى الله عنه إيماناً بالنهى وخوفا من وعيده ،
كما قال طلق بن حبيب : " إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى . قالوا : وما التقوى ؟ قال : أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله " .
وهذا من أحسن ما قيل فى حد التقوى ، فإن كل عمل لا بد له من مبدأ وغاية ، فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض لا العاده ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك ، بل لابد أن يكون مبدأه محض الإيمان(1/5)
وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته وهو الإحتساب .
ولهذا كثيراً ما يقرن بين هذين الاصلين فى مثل قول النبى صلى الله عليه وسلم :
( من صام رمضان إيماناً واحتساباً ) (1) ، ( ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ) (2)
ونظائره . فقوله : ( على نور من الله ) إشارة إلى الأصل الأول وهو مصدر العمل والسبب الباعث عليه . وقوله ( ترجو ثواب الله ) إشارة إلى الأصل الثانى وهو الإحتساب ،
وهو الغاية التى لأجلها توقع العمل ويقصد به (3).
وقال العلامة نعمان بن محمود الألوسى رحمه الله :
وفى تحفة الإخوان : التقوى إمتثال الاوامر واجتناب النواهى ولها ثلاث مراتب :
الاولى : التوقى من العذاب المخلد بالتبرى من الشرك وعليه قوله تعالى : ] وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ
التَّقْوَى [ .......... ( الفتح : 26 )
والثانية : التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم ، وهو المتعارف بالتقوى فى الشرع وهو المعنى بقوله تعالى : ] وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ [ ......
(الاعراف : 96 ) وعلى هذا قول عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه :
التقوى ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله ، فما رزق الله بعد ذلك فهو خير إلى خير .
والثالثة : أن يتنزه عما يشتغل سره عن الله تعالى ، وهذه هى التقوى الحقيقية المطلوبة بقوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [ ....... ( أل عمران: 102 )
وقال ابن عمر : الا ترى نفسك خيراً من أحد . (1)
وقال الغزالى رحمة الله :
اعلم أولاً - بارك الله فى دينك وزاد فى يقينك - أن التقوى فى قول شيوخنا رحمهم الله هى تنزيه القلب عن ذنب لم يسبق عنك مثله ، حتى تحصل لك من القوة والعزم على تركه وقاية بينك وبين المعاصى .(1/6)
فإذن لما حصلت وقاية بين العبد وبين المعاصى من قوة عزمه على تركها ، وتوطين قلبه على ذلك ، فيوصف حينئذ بأنه متق ، ويقال لذلك التنزيه والعزم والتوطين : التقوى .
والتقوى فى القرأن : تطلق على ثلاثة اشياء : أحداهما بمعنى الخشية والهيبة .
قال تعالى: ] وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [ ....... ( البقرة : 41 ) وقال تعالى : ] وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ [....... ( البقرة : 281 ) ، والثانى بمعنى الطاعة والعبادة قال الله تعالى :
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [ ....... ( أل عمران : 102 )
قال ابن العباس رضى اله عنهما : اطيعوا الله حق طاعته.
وقال مجاهد : هو أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر
والثالث : بمعنى تنزيه القلب عن الذنوب ، فهذه هى الحقيقة عن التقوى دون الأولين ألا ترى أن الله يقول ] وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [ .....( النور : 52 ) ذكر الطاعة والخشية ثم ذكر التقوى ، فعلمت أن حقيقة التقوى معنى سوى الطاعة والخشية ، وهى تنزيه القلب عما ذكرناه ،
ثم قالوا : منازل التقوى ثلاثة :
تقوى عن الشرك وتقوى عن البدعة ، وتقوى عن المعاصى الفرعية ، ولقد ذكرها الله تعالى فى أية واحدة وهى قوله جل من قائل :
] لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ ... [ ( المائده : 93)(1/7)
فالتقوى الأولى عن الشرك ، والإيمان الذى فى مقابلتها التوحيد ، والتقوى الثانية من البدعة ، والإيمان الذى ذكر معها إقرار عقود السنة والجماعة ، والتقوى الثالثة عن المعاصى الفرعية ، ولا إقرار فى هذه المنزلة فقابلها بالإحسان وهو الطاعة والاستقامة عليها ، فتكون منزلة السنة ، ومنزلة استقامة الطاعة .
قال : وأنا وجدت التقوى بمعنى اجتناب فضول الحلال ، وهو ما روى فى الخبر المشهور عن النبى صلى الله علية وسلم أنه قال :( إنما سمى المتقون متقين لتركهم ما لا بأس به حذراً عما به بأس ) (1) .
فهذه أقوال العلماء فى معنى التقوى وأقسامها ولا شك أن اسم التقوى يسع ما ذكر ، وأحوال الناس معها لا تعارض ذلك ، فمن الناس من يقى نفسه الخلود فى النار ، وذلك بالإقرار بالتوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يقى نفسه خلود النار بالكلية ،
فيفرط فى الواجبات ويتلبس بالمخالفات ، فهذا نوع من التقوى وإن كان فى أدنى درجاتها ،
ولا يستحق صاحبها إسم المتقى بإطلاق ، لأنه متعرض للعذاب مستحق للعقاب ،
إن لم تتداركه رحمة الله فإنه تعالى لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ،
ومن الناس من يتقى الكفر وكبائر الذنوب إلا إنه لا يتورع عن الصغائر ولا يكثر من النوافل .
فلا شك أنه أقرب للنجاة لقول الله عز وجل : ] إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا [ .....( النساء : 31 ) وقوله صلى الله علية وسلم : ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ). (1)
إلا أن لم يأخذ الجنة الكاملة من النار ، فلابد أن يكون هناك من التقصير فى الفرائض والوقوع فى الصغائر التى يخشى من المداومة عليها التجرؤ على الكبائر ، وليس له من نوافل الطاعات واجتناب الشبهات والمكروهات ما يكمل به تقوى العبد ،(1/8)
لذا قال الله عز وجل :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [ .. ( أل عمران: 102 )
فالتقوى الحقيقية هى أن يجتهد العبد فى ترك الذنوب كلها صغارها وكبارها ، ويجتهد فى الطاعات كلها الواجبات والنوافل ما استطاع ،
لعل كثرة النوافل تعوض ما قد يعرض من تقصير وإجتناب الصغائر يجعل بين العبد وبين الكبائر جنة حصينة كما قال عز وجل : ] فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [ ......( التغابن : 16 )
فمثل هذا يستحق اسم المتقى ، واجتهاده فى الطاعات كلها من الواجبات والنوافل وترك المعاصى ما استطاع من كبائر وصغائر وترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس
هو التقوى التى دارت عليها أقوال السلف .
قال ابو الدرداء : تمام التقوى أن يتقى الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً ، يكون حجاباً بينه وبين الحرام ، فإن الله قد بين للعباد الذى يصيرهم إليه فقال :
] فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [ ...( الزلزله : 7-8 )
فلا تحقرن شيئاً من الخير أن تفعله ولا شيئاً من الشر أن تتقيه .
قال الحسن : ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام .
وقال الثورى : إنما سموا متقين لأنهم اتقوا مالا يتقى .
وقال موسى بن أعين : المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا فى الحرام فسماهم الله متقين .
وقال ميمون بن مهران : المتقى أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه .
وقال بن مسعود فى قوله تعالى : ] اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [ ..... ( أل عمران : 102 )
قال : أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر . (1)
قال ابن رجب رحمه الله :(1/9)
وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات ومعنى ذكره فلا ينسى : ذكر العبد بقلبه لأوامر الله فى حركاته وسكناته وكلماته فيتمثلها ، ولنواهيه فى ذلك كله فيجتنبها ، وقد يغلب استعمال التقوى على اجتناب المحرمات ، كما قال أبو هريره وسئل عن التقوى فقال :
هل أخذت طريقاً ذا شوك ؟ قال : نعم ، قال : فكيف صنعت ؟ قال : إذا رايت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه : قال ذاك التقوى .
وأخذ هذا ابن المعتمر وقال :
خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
ولا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
وأصل التقوى أن يعلم العبد ما يتقى ثم يتقى .
ذكر معروف الكرخى عن بكر بن خنيس قال : كيف يكون متقياً من لا يدرى ما يتقى ؟ ثم قال معروف الكرخى : إذا كنت لا تحسن تتقى أكلت الربا ، وإذا كنت لا تحسن تتقى لقيتك امرأة فلم تغض بصرك ، وإذا كنت لا تحسن تتقى وضعت سيفك على عاتقك . (1)
وروى الحافظ ابن عساكر فى ترجمة سعيد بن مسلم . قال سعيد :
لقد حدثنى سليمان بن المغيره أنه عمل ذنباً فاستصغره فأتاه أت فى منامه فقال له يا سليمان :
لا تحقرن من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يعود كبيراً
إن الصغير ولو تقادم عهده عند الإله مسطراً تسطيرا
فازجر هواك عن البطالة لا تكن صعب القياد وشمّرن تشميراً
إن المحب إذا أحب إلهه طار الفؤاد وألهم التفكيرا
فاسأل هدايتك الإله فتتئد فكفى بربكم هاديا ونصيرا
وقال الإمام أحمد رحمة الله : التقوى هى ترك ما تهوى لما تخشى .
وقيل : هى الخوف من الجليل ، والرضا بالتنزيل ، والإستعداد ليوم الرحيل .
وقيل : هى أن لا يراك الله حيث نهاك ، ولا يفقدك حيث أمرك .
وقيل : هى علم القلب بقرب الرب .
نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل ، وأن يغفر لنا ما بدا من تقصير ، وأن يدخلنا برحمته فى شفاعة البشير النذير فقد بان بما ذكرنا عن التقوى فقرنا من أقسامها ومعانيها وإفلاسنا من أعلامها ومبانيها.(1/10)
شرف التقوى وأهميتها
1- التقوى وصية الله عز وجل للأولين والأخرين
قال الله تعالى :] وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ [ ...... ( النساء: 131)
قال الغزالى :
أليس الله تعالى أعلم بصلاح العبد من كل أحد ، أو ليس هو أنصح له وارحم وأرأف من كل أحد ، ولو كانت فى العالم خصلة هى أصلح للعبد ، وأجمع للخير وأعظم للأجر ، وأجل فى العبودية ، واعظم فى القدر ، وأولى بالحال ، وأنجح فى المآل ،
من هذه الخصلة التى هى التقوى، لكان الله تعالى أمر بها عبادة ، وأوصى خواصه بذلك لكمال حكمته وسعة رحمته ،
فلما أوصى بهذه الخصله الواحده ، وجمع الأولين والأخرين من عباده فى ذلك واقتصر عليها ، علمت أنها الغاية التى لا متجاوز عنها ، ولا مقصود دونها ، وأنه عز وجل قد جمع كل نصح ودلالة وإرشاد وتنبيه وتأديب وتعليم وتهذيب فى هذه الخصلة التى هى التقوى هى الجامعة لخيرى الدنيا والأخرة الكافية لجميع المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات .
وهذا أصل لا مزيد عليه ، وفيه كفاية لمن أبصر النور واهتدى وعمل بذلك واستغنى
والله ولى الهداية والتوفيق بمنه. (1)
2- التقوى وصية النبى صلى الله علية وسلم لأمته
عن العرباض بن سارية قال : ( صلى بنا رسوله الله صلى الله علية وسلم الصبح فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فاوصنا فقال : اوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشياً ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً ، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلاله ) .(1)
قوله : " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ".
قال ابن رجب رحمه الله :(1/11)
فهاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والأخرة ، أما التقوى فهى كافلة سعادة الدنيا والأخرة لمن تمسك بها ، وهى وصية الله للأولين والأخرين ، وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا ، وبها تنظم مصالح العباد فى معاشهم ، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم ".(2)
وعن أبى ذر جندب بن جنادة وابى عبد الرحمن معاذ بن جبل رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله علية وسلم :( اتق الله حيث ما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) (3) وقوله صلى الله عليه وسلم :"حيثما كنت" أى : فى السر والعلانية ، حيث يراه الناس وحيث لا يرونه.
وعن أبى هريره رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى علية وسلم يوماً لأصحابه ( من يأخذ عنى هؤلاء الكلمات فيعمل بهن ، أو يعلم من يعمل بهن ؟ قال أبو هريره: قلت : أنا يا رسول الله ، فأخذ بيدى وعد خمساً فقال : اتق المحارم تكن أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناًً ، واحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ، ولا تكثر الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب ). (1)
وعن أبى أمامه قال : سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يخطب فى حجة الوداع فقال :
( اتقوا الله وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وادوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم ) .(2)
وعن أبى سعيد رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى اله عليه وسلم
( أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس كل شئ وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام ، وعليك بذكر الله تعالى وتلاوة القرأن ، فإن روحك فى السماء وذكرك فى الأرض ).(3)
وعن ابى ذر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى اله عليه وسلم
( أوصيك بتقوى الله فى سر أمرك وعلانيته ، وإذا اسأت فأحسن ، ولا تسالن احداً شيئاً ، ولا تقبض أمانة ولا تقض بين اثنين ) . (4)
وعن ابى هريره رضى الله عنه قال :(1/12)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( اوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف) . (1)
.وكان دعاء النبى صلى الله عليه وسلم :( اللهم أت نفسى تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ) .(2)
3- التقوى هى وصية جميع الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام
قال تعالى :] كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُون َ [... ( الشعراء : 105 - 106 )
قال تعالى :] كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ [ ...... ( الشعراء : 123 - 124)
وقال تعالى :] كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ [ ...... ( الشعراء : 141 - 142 )
وقال تعالى : ] كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ [ ....... ( الشعراء : 160 - 161 )
وقال تعالى : ] وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ [ ........ ( الشعراء : 10 - 11 )
ولا شك ان الرسل هم أزكى البشر وانصح الناس لهم ، فلو علموا أن هناك خصلة للناس
انفع لهم من التقوى لما عدلوا عنها ، فلما اجمعوا عليها بان خطرها
وعظم موقعها وشرفها نسأل الله أن يجعلنا من أهلها العاملين بها والمتعاونين عليها.
4- التقوى وصية السلف الصلح رضى الله عنهم
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ولم يزل السلف الصالحون يتواصون بها :
كان أبو بكر رضى الله عنه يقول فى خطبته : أما بعد فإنى أوصيكم بتقوى لله ، وان تثنوا عليه بما هو أهله ، وان تخلطوا الرغبة بالرهبة ، وتجمعوا الإلحاف بالمسالة(1/13)
فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: ] إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [ ........ ) الانبياء : 90 )
ولما حضرته الوفاة وعهد إلى عمر دعاه فوصاه بوصيته ، وأول ما قاله له : اتق الله يا عمر .
وكتب عمر إلى ابنه عبد الله : أما بعد ، فإنى اوصيك بتقوى الله عز وجل ، فإنه من اتقاه وقاه ، ومن أقرضه جزاه ، ومن شكره زاده ، واجعل التقوى نصب عينيك ، وجلاء قلبك .
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل : أوصيك بتقوى الله عز وجل ، والتى لا يقبل غيرها ، ولا يرحم إلا أهلها ، ولا يثاب إلا عليها ، فإن الواعظين بها كثير ، والعاملين بها قليل ،
جعلنا الله وإياك من المتقين .
ولما ولى خطب فحمد الله وأثنى عليه وقال : أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، فإن تقوى الله
عز وجل خلف من كل شئ ، وليس من تقوى الله خلف.
وقال رجل ليونس بن عبيد :
أوصنى ، فقال : أوصيك بتقوى الله والإحسان ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
وكتب رجل من السلف إلى أخ له : أوصيك بتقوى الله فإنها من أكرم ما أسررت ، وأزين ما أظهرت ، وأفضل ما ادخرت أعاننا الله وإياك عليها وأوجب لنا ولك ثوابها.
وقال شعبه : كنت إذا أردت الخروج قلت للحكم : ألك حاجة فقال :
أوصيك بما أوصى به النبى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل :
( اتق الله حيث ما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) . (1)
وقال ابن القيم رحمه الله : ودع ابن عون رجلاً فقال :
عليك بتقوى الله فإن المتقى ليست عليه وحشه .
وقال زيد بن أسد : كان يقال : من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا .
وقال الثورى لابن أبى ذئب : إن اتقيت الله كفاك الناس ، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئاً . (2)
5- التقوى أجمل لباس يتزين به العبد(1/14)
قال الله تعالى : ] يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [ ....... ( الاعراف : 26 )
فبعد ان تمنن الله عز وجل على عبادة بما جعل لهم من اللباس والريش .
واللباس ما يستر به العورات ، والريش والرياش ما يتجمل به - فالاول من الضروريات والثانى من الزيادات التكميليات - دلهم على أفضل لباس وهو ما يوارى عورات الظاهر والباطن ويتجمل به ، وهو لباس التقوى .
قال القرطبى رحمه الله : قوله تعالى : " وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ " يبين ان التقوى خير لباس
كما قيل (1):
اذا المرء لم ثيابا من التقى تقلب عريانا وان كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان عاصيا (2)
وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهنى قال : ( لباس التقوى) الحياء .
وقال ابن عباس : ( لباس لتقوى ) هم العمل الصالح. وعنه أيضا : السمت الحسن فى الوجه .
وقيل : ما علمه الله عز وجل وهدى به .
ومن قال إنه لبس الخشن من الثياب فإنه أقرب إلى التواضع وترك الرعونات فدعوى ، فقد كان الفضلاء من العلماء يلبسون الرفيع من الثياب مع حصول التقوى .(3)
6- التقوى هى أفضل زاد يتزود به العبد
قال الله عز وجل : ] وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [ ...
......... ( البقرة : 197)
قال ابن كثير رحمة الله :
وقوله : " فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى " لما أمرهم بالزاد للسفر فى الدنيا ، أرشدهم إلى زاد الأخرة ، وهو استصحاب التقوى إليها ، كما قال تعال : " وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ "
لما ذكر اللباس الحسى ، نبه مرشداً إلى اللباس المعنوى ، وهو الخشوع والطاعة والتقوى ، وذكر أنه خير من هذا وأنفع ، قال عطاء الخرسانى فى قوله :" فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى "
يعنى زاد الأخرة. (1)(1/15)
وقال الزمخشرى رحمة الله : أى اجعلوا زادكم إلى الأخرة اتقاء القبائح ، فإن خير الزاد اتقائها وقيل : كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ، ونحن نحج بيت الله أفلا يطعمنا فيكونون كلاً على الناس ، فنزلت فيهم ،
ومعناه : وتزودوا واتقوا الاستطعام وإبرام (2) الناس والتثقيل عليهم
فإن خير الزاد التقوى : " وَاتَّقُونِ " : وخافوا عقابى " يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ "
يعنى : أن قضية اللب تقوى الله ومن لم يتقيه من الألباء فكأنه لا لب له . (3)
7- أهل التقوى هم أولياء الله عز وجل وهم اكرم الناس
قال تعالى :] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [ ....... ( يونس : 62 - 63 )
وقال تعالى : ] هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ [ .....( الجاثية : 19 )
وقال عز وجل مبينا أنه لا يستحق الولاية إلا أهل هذه المنزلة العالية والرتبة السامية
فقال عز وجل :] إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [...( الأنفال : 34)
وجعل الله عز وجل التقوى هى الميزان الحق الذى يوزن به الناس ، لا ميزان الحسب والنسب والمال والشهرة ، فقال عز وجل :] إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [ .... ( الحجرات : 13)
وهذا الميزان كذلك هو ميزان النبى صلى الله علية وسلم .
عن أبى هريره رضى الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟
قال ( اتقاهم لله ....)(1) ،
قال الشنقيطى رحمه الله : إن الفضل والكرم إنما هو بتقوى الله لا بغيره من الأنتساب إلى القبائل ، ولقد صدق من قال :
فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
وقد ذكروا أن سلمان رضى الله عنه كان يقول :
أبى الإسلام لا اب لى سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم(1/16)
فأكرم الناس وافضلهم أتقاهم لله ولا كرم ولا فضل لغير المتقى ولو كان رفيع النسب . (2)
8- ولشرف التقوى أمر الله عز وجل المسلمين
بالتعاون عليها ونهاهم عن التعاون على ما يخالفها
قال تعالى :] وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [ ...... ( المائدة : 2 )
قال القرطبى رحمة الله:
قال الماوردى : ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى لله ، لأن فى التقوى رضا الله تعالى ، وفى البر رضا الناس ، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته.
وقال بن خويذ منداد في احكامة : والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه ، فواجب على العالم ان يعين الناس بعلمه فيعلمهم ، ويعينهم الغنى بماله والشجاع بشجاعته فى سبيل الله ، وان يكون المسلمين متظاهرين كاليد الواحدة
قال رسول الله صلى الله علية وسلم : ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ) . (1)
وقال القاسمى رحمة الله :
وفى "الإكليل" استدل المالكية بالآية على بطلان إجارة الإنسان نفسه لحمل خمر ونحوه ، وبيع العنب لعصره خمراً ، والسلاح لمن يعصى به وأشباه ذلك انتهى وهو متجه. (2)
وقال ابن القيم رحمة الله:
وقد اشتملت هذه الاية على جميع مصالح العباد فى معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم ، فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين ، وهذين الواجبين : واجب بينه وبين الله ، وواجب بينه وبين الخلق ،
فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم متعاوناًً على مرضاة الله وطاعته ، التى هى غاية العبد وفلاحه ،
ولا سعادة له إلا بها ، وهى البر والتقوى ، الذين هما جماع الدين كله. (1)
كيف تتقى الله عز وجل
هذا باب لا يدخل فيه إلا النفوس الفاضلة الشريفة الأبية ، التى لا تقنع بالدون ،(1/17)
ولا تبيع الأعلى بالأدنى بيع العاجز المغبون .
فبعد أن بينا شرف التقوى وتشوقت النفوس إليها فقد يقول قائل :
بالله عليك كيف أحوز هذه الجوهرة النفيسة وأصل إلى هذه المرتبة الشريفة ، فإن المؤمن إذا رغب فى الخير رغب ، وإذا خوف من الشر هرب ، ولا خير فيمن إذا زجر لا ينزجر ، وإذا أمر لا يأتمر .
قال الغزالي رحمة الله : " إنما الفضيلة فى أمر هذه النفس أن تقوم عليها بقوة العزم فتمنعها عن كل معصية ، وتصونها عن كل فضول ، فإذا فعلت ذلك كنت قد اتقيت الله تعالى فى عينك وأذنك ولسانك وقلبك وبطنك وفرجك وجميع أركانك ، وألجمتها بلجام التقوى ، ولهذا الباب شرح يطول ، وأما الذي لا بد منه هاهنا فأن نقول : من أراد أن يتقى الله فليراع الأعضاء الخمسة فإنهن الأصول : وهى العين والأذن واللسان والقلب والبطن ، فيحرص عليها بالصيانة لها عن كل ما يخاف منه ضرراً فى أمر الدين من معصية وحرام وفضول وإسراف من حلال،
وإذا حصل صيانة هذه الأعضاء فمرجو إن يكف سائر أركانه ،
ويكون قد قام بالتقوى الجامعة بجميع بدنه لله تعالى " .(1)
فإن قلت : كيف لى أن أصون الأعضاء الخمسة عن معصية الله عز وجل ؟ وكيف أقيدها بطاعة الله ، فان هذا لب السؤال وغاية الآمال والسبب الموصل إلى رحمة الكبير المتعال ؟ قلت : سوف اجمع لك من السطور ما يبين لى ولك الطريق ، والله ولى التوفيق.
* وألخص ذلك فى خمسة أمور :
1- محبة الله عز وجل تغلب على قلب العبد يدع لها كل محبوب
ويضحى فى سبيلها بكل مرغوب
2- أن تستشعر فى قلبك مراقبة الله عز وجل وتستحى منه حق الحياء .
3- أن تعلم ما فى سبيل المعاصى والاثام من الشرور والآلام .
4- أن تعلم كيف تغالب هواك وتطيع مولاك .
5- أن تدرس مكائد الشيطان ومصائده ، وان تحذر من وساوسه ودسائسه.
1- محبة الله عز وجل :(1/18)
قال ابن القيم رحمة الله : فالمحبة شجرة فى القلب ، عروقها الذل للمحبوب وساقها معرفته ، وأغصانها خشيته ، وورقها الحياء منه ، وثمرتها طاعته ، ومادتها التى تسقيها ذكره ،
فمتى خلا الحب عن شئ من ذلك كان ناقصاً .(1)
وقال ابن رجب رحمه الله : ومحبة الله سبحانة وتعالى على درجتين :
أحداهما : فرض لازم ، وهى أن يحب الله سبحانه وتعالى محبة توجب له محبة ما فرضه الله عليه ، وبغض ما حرمه عليه ، ومحبة لرسوله المبلغ عنه أمره و نهيه ، وتقديم محبته على النفوس والاهلين والرضا بما بلغه عن الله من الدين ، وتلقى ذلك بالرضى والتسليم ، ومحبة الانبياء والرسل والمتبعين لهم باحسان جملة ، وعموما لله عز وجل ، وبغض الكفار والفجار جملة وعموما لله عز وجل وهذا القدر لابد منه فى تمام الايمان الواجب ،
ومن اخل بشئ منه فقد نقص من ايمانه الواجب بحسب ذلك ، قال الله عز وجل :
] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [.. ( النساء : 65 ) وكذلك ينقص من محبته الواجبة بحسب ما أخل به من ذلك ، فإن المحبة الواجبة تقتضى فعل الواجبات وترك المحرمات .
الدرجة الثانية : درجة السابقين المقربين ، وهى أن ترتقى المحبة إلى محبة ما يحبه من نوافل الطاعات ، وكراهة ما يكرهه من دقائق المكروهات ، وإلى الرضا بما يقدره ويقضيه مما يؤلم النفوس من المصائب ، وهذا أفضل مستحب مندوب إليه
وفى صحيح البخاري عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم :(1/19)
قال : ( يقول الله عز وجل : من عادى لى ولياً فقد أذنته بالحرب ، وما تقرب إلى عبدى بشئ أحب إليه مما افترضت عليه، ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوفل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به ، وبصره الذى يبصر به ، ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ، ولئن سألنى لأعطينه ، ولئن استعاذنى لأعيذنه ، وما تردت عن شئ أنا فاعله ترددى فى قبض نفس عبدى المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته ) .(1)
قال ابن القيم رحمه الله :
ولو لم يكن فى المحبة إلا أنها تنجى محبه من عذابه ، لكان ينبغى للعبد أن لا يتعوض عنها بشئ أبداً . وسئل بعض العلماء أين تجد فى القران إن الحبيب لا يعذب حبيبه : فى قوله تعالى : ] وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم (2)[ ............( المائده : 18 )
* الأسباب الجالبة للمحبة :
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعاينه .
2- التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل بعد الفرائض .
3- دوام ذكره بالقلب واللسان .
4- إيثاره محابه على محابك عند غلبات الهوى
5 - مطالعة أسمائه وصفاته ، ومشاهدتها ، والتقلب فى رياض معانيها.
6- تذكر نعمه وإحسانه وبره على العبد ، فإن القلوب جلبت على محبة من أحسن إليها
وبغض من اساء إليها .
7- الخلوة به وقت النزول الإلهى والإذن العام ، عند قوله عز وجل :
هل من سائل .. هل من تائب .. هل من مستغفر .(1)
8- مجالسة المحبين الصادقين ، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم.
9- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله من الشهوات والشبهات .
10- التفكر فى مصنوعاته الدالة على كماله ، فإن القلوب مفطورة على محبة الكمال ، وكان السلف يفضلون التفكر على عبادة البدن .
11- تذكر ما ورد فى الكتاب والسنة من رؤية أهل الجنة لربهم وزيارتهم له
واجتماعهم يوم المزيد .(1/20)
ولا شك فى أن الاشتغال بهذه الاسباب الجالبة للمحبة مما يشغل القلب بطاعة الله ويبعده عن المعاصى، ثم إذا كملت المحبة فإن المحب لا يعصى محبوبه كما قيل :
تعصى الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمرى فى القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
وإذا فتح للعبد هذا الباب الشريف ، ودخل هذا القصر المنيف ، فإنه تحبب إليه الطاعات
ويجد فيها منتهى راحته وسعادته ،
قال النبى صلى الله عليه وسلم : ( وجعلت قرة عينى فى الصلاة ) (1)، وكان يصلى حتى ترم ساقاه وتشقق قدماه فيقال له فى ذلك فيقول صلى الله عليه وسلم: ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) (2)
فمحبة الله عز وجل من أعظم أسباب التقوى ،
كما قال القائل:
وكن لربك ذا حب لتخدمه إن المحبين للأحباب خدام
فإن المحب يسر بخدمة محبوبه وطاعته ، ولا تطاوعه نفسه على معصيته كما قال بعض الصالحين : إنى لا أحسن أن أعصى الله . أى أن جوارحه لا تأتى معه فى المعصية ،
لمحبتها للطاعات ، وبغضها للمعاصى .
كما نصحت إحدى الصالحات من السلف بنيها فقالت لهم :
" تعودوا حب الله وطاعته فإن المتقين ألفت جوارحهم الطاعة فاستوحشت من غيرها ،
فإذا أمرهم الملعون بمعصية ، مرت المعصية بهم محتشمه فهم لها منكرون ".
فنسال الله الغنى الكريم أن يمن علينا بمحبته وأن يوفقنا لأسباب فضله ورحمته.
2- ومما يعين على تقوى الله عز وجل أن يدرب العبد نفسه على المراقبة وان يستشعر اطلاع الله عز وجل عليه فيستحى عند ذلك من المعصية ويجتهد فى الطاعة :
قال الله تعالى :] وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [ ... ( الحديد : 4 )
قال ابن كثير رحمه الله : أى رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأين كنتم ، من بر أو بحر ، فى ليل او نهار ، فى البيوت او القفار ، الجميع فى علمه على السواء ، وتحت بصره وسمعه فيسمع كلامكم ، ويرى مكانكم ، ويعلم سركم ونجواكم .(1)(1/21)
وقال تعالى : ] أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [ .... ( هود : 5 )
قال الشنقيطى رحمة الله :
بين الله تعالى فى هذة الاية الكريمه أنه لايخفى عليه شىء ، وان السر كالعلانية عنده ، فهو عالم بما تنطوى عليه الضمائر وما يعلن وما يسر والايات المبينة لهذا كثيرة جدا كقوله تعالى :
] وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ ... ( ق : 16 )
وقوله جلا وعلا ] وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [ .. ( البقره : 235 )
وقوله ] فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ [ ....... ( الأعراف : 7 )
وقوله ] وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء [ ....... ( يونس : 61 )
ولا تقلب ورقة من المصحف الكريم إلا وجدت فيها أية بهذا المعنى.
ثم قال تحت عنوان .... : تنبية هام :
اعلم ان الله تبارك وتعالى ما أنزل من السماء الى الارض واعظاً أكبر ولا زاجراً أعظم مما
تضمنته هذة الايات الكريمة وامثالها فى القرآن ، من انه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه ،
رقيب عليهم ، ليس بغائب عما يفعلون ، وضرب العلماء لهذا الواعظ الاكبر والزاجر الاعظم مثلا ليصير بة كالمحسوس فقالوا :
لو فرضنا ان ملكاً قتالاً للرجال ، سفاكاً للدماء ، شديد البطش والنكال على من انتهك حرمته ظلماً وسيافه قائم على رأسه ، والنطع مبسوط للقتل ، والسيف يقطر دماً ،(1/22)
وحول هذا الملك الذى هذة صفته جواريه وازواجه وبناته ، فهل ترى ان احداً من الحاضرين يهتم بريبة او بحرام يناله من بنات الملك وازواجه،
وهو ينظر اليه ، عالم بأنه مطلع عليه ؟ لا وكلا ، بل جميع الحاضرين يكونون خائفين ، وجلة قلوبهم، خاشعة عيونهم ، ساكنة جوارحهم ، خوفا من بطش ذلك الملك.
ولا شك ولله المثل الأعلى أن رب السموات والارض جل وعلا أشد علماً واعظم مراقبةً ، واشد بطشاً واعظم نكالاً وعقوبةً من ذلك الملك ، وحماه فى أرضه محارمه ،
فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه ، وأنه مطلع على ما يقول
وما يفعل وما ينوى ، لان قلبه ، وخشى الله تعالى ، وأحسن عمله لله جل وعلا. (1)
وقد دلت الأحاديث الشريفة على ما دلت عليه هذه الأيات الكريمات من وجوب مراقبة
الله تعالى ، والاستحياء منه حق الحياء.
عن ابن مسعود رضى الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( استحيوا من الله حق الحياء ، من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى ، وليحفظ البطن وما حوى ، وليذكر الموت والبلا ، ومن أراد الأخرة ترك زينة الحياة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ) . (1)
قال المناوى فى الفيض : " استحيوا من الله حق الحياء " بترك الشهوات والنهمات ، وتحمل المكاره على النفس حتى تصير مدبوغة ، فعندها تطهر الأخلاق ، وتشرق أنوار الأسماء فى صدر العبد ، ويقرر علمه بالله فيعيش غنياً بالله ماعاش .
قال البيضاوى : ليس حق الحياء من الله ما تحسبونه ، بل أن يحفظ نفسه بجميع جوارحه عما لا يرضاه من فعل وقول .(1/23)
وقال سيفان بن عيينه : الحياء أخف التقوى ، ولا يخاف العبد حتى يستحى ، وهل دخل أهل التقوى إلا من الحياء ( من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس ) أى راسه ( وما وعى ) : ما جمعه من الحواس الظاهرة والباطنة ، وحتى لا يستعملها إلا فيما يحل ( وليحفظ البطن وما حوى ) أى : وما جمعه الجوف باتصاله به من القلب والفرج واليدين والرجلين ،
فإن هذه الأعضاء متصله بالجوف فلا يستعمل منها شئ فى معصية الله ،
فإن الله ناظر إلى العبد لا يواريه شئ .(2)
وعن أسامة بن شريك رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما كرهت أن يراه الناس منك فلا تفعله بنفسك إذا خلوت ) . (3)
وعن ثوبان رضى الله عنه قال :
قال رسول الله صلى اله عليه وسلم ( لأعملن أقواماً من أمتى ياتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منشورا ، أما إنهم إخوانكم ، ومن جلدتكم ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ). (1)
وعن أنس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله علية وسلم : ( ثلاث مهلكات وثلاث منجيات : فقال : ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه . وثلاث منجيات : خشية الله فى السر والعلانية ، والقصد فى الفقر والغنى ، والعدل فى الغضب والرضا ). (2)
قال المناوى : قدم السر لأن تقوى الله فيه أعلى درجة من العلن لما يخاف من شوب رؤية الناس ، وهذه درجة المراقبة وخشيته فيهما تمنع من إرتكاب كل منهى ، وتحثه على فعل كل مأمور ، فإن حصل للعبد غفلة عن ملاحظة خوفه وتقواه فارتكب مخالفة مولاه لجأ إلى
التوبة ثم داوم الخشية .(3)
وسئل النبى صلى الله علية وسلم عن الإحسان فى الحديث المسمى بأم السنه
فقال صلى الله علية وسلم : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). (4)(1/24)
قال النووى رحمه الله : " هذا من جوامع الكلم التى أوتيها صلى الله عليه وسلم ، لأنا لو قدرنا أن احداً قام فى عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى ، لم يترك شيئاً ما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به فقال صلى الله عليه وسلم : ( اعبد الله فى جميع أحوالك كعبادتك فى حال العيان ) فإن التتميم المذكور فى حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه ، فلا يقدم العبد على تقصير فى هذا الحال للاطلاع عليه ، وهذا المعنى موجود مع رؤية العبد ، فينبغى أن يعمل بمقتضاه ، فمقصود الكلام الحث على الأخلاص فى العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى فى إتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك ، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعاً من تلبسه من النقائض إحتراماً لهم وإستحياءً منهم ، فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه فى سره وعلانيته (1).
وقال ابن رجب رحمه الله : يشير إلى أن العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة وهو استحضار قربه ، وأنه بين يديه كأنه يراه ، وذلك يوجب الخشية والهيبة والتعظيم ن كما جاء فى رواية أبى هريره : ( أن تخشى الله كأنك تراه ) ويوجب أيضاً النصح فى العبادة وبذل الجهد فى تحسينها وإتمامها وإكمالها ، وقد وصى النبى صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة
بهذه الوصية .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) قيل : إنه تعليل للأول ، فإن العبد إذا أمر بمراقبة الله تعالى فى العبادة واستحضار قربة من عبده حتى كأن العبد يراه فإنه قد يشق ذلك عليه ، فيستعين على ذلك بإيمانه بأن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته وباطنة وظاهره ، ولا يخفى عليه شئ من أمره فإذا تحقق هذا المقام سهل عليه الانتقال إلى المقام الثانى،
وهو دوام التحقق بالبصيرة إلى قرب الله من عبده ومعيته حتى كأنه يراه ، وقيل :(1/25)
بل هو إشارة إلى أن من شق عليه أن يعبد الله كأنه يراه فليعبد الله على أن الله يراه ويطلع عليه فليستحى من نظره إليه ، كما قال بعض العارفين : اتق الله أن يكون أهون الناظرين
إليك . وقال بعضهم : خف الله على قدر قدرته عليك واستحى من الله على قدر قربه منك .(2)
وصفوة الكلام أن يقال : مما يعين على التقوى التدرب على مراقبة الله عز وجل
وإحساس القلب بقربة وإطلاعه ، فيستحى العبد عند ذلك من المعصية ويبذل جهده
فى أداء الطاعة على أحسن وجوهها ، وهذه بعض الأثار فى تقرير هذا المعنى :
ذكر عن أعرابى قال : خرجت فى بعض ليالى الظلم فإذا أنا بجارية كأنها علم (1) ، فأردتها
عن نفسها فقالت : ويلك أما كان لك زاجر من عقل إذا لم يكن لك ناهٍ من دين ؟
فقلت : إنه والله ما يرانا إلا الكواكب ، فقالت : فأين مكوكبها.
وسئل الجنيد بم يستعان على غض البصر ؟ قال : بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظر إليه.
وقال الحارث المحاسبى : المراقبة علم القلب بقرب الرب .
وكان الإمام أحمد ينشد :
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
3- ومما يعين على التقوى معرفة ما فى سبيل الحرام من المفاسد والألام
فليس فى الدنيا والأخرة شر و داء إلا وسببه الذنوب والمعاصى ،
قال ابن القيم رحمه الله : فما الذى أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم
والبهجة والسرور إلى دار الالام والأحزان والمصائب .
وما الذى أخرج أبليس من ملكوت السماء ، وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته أقبح صوره وأشنعها ، وباطنه أقبح من صورته وأشنع وبدل بالقرب بعداً ، وبالرحمة لعنه ، وبالجنة ناراً تلظى ، فهان على الله غاية الهوان ، وسقط من عينه غاية السقوط ، فصار
قوداً لكل فاسق ومجرم ، رضى لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة ، فعياذاً بك اللهم
من مخالفة أمرك ، وأرتكاب نهيك .(1/26)
وما الذى أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال .
وما الذى سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على سطح الأرض كأنهم
أعجاز نخل خاوية ، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم ، وما الذى أرسل على
قوم ثمود الصيحه حتى قطعت قلوبهم فى أجوافهم وماتوا عن أخرهم ؟ وما الذى رفع
قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعهم حجارة من سجيل ، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمه غيرهم ، ولإخوانهم أمثالها وما هى من الظالمين ببعيد ، وما الذى أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ،
فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى ؟ وما الذى أغرق فرعون وقومه فى البحر ، ثم نقلت ارواحهم إلى جهنم ، فالأجساد للغرق ، والأرواح للحرق ، وما الذى أهلك القرون من بعد نوح ودمرها تدميراً.(1)
ثم ذكر رحمه الله أثار الذنوب والمعاصى فلتراجع فإنها مفيده جداً فى الزجر عن معصية
الله والمباعدة عنها ، وهى التقوى المقصودة والدرة المفقودة ، نسال الله السلامه ، ونعوذ
بالله من الحسرة والندامه ، فحقيق بكل عاقل أن لا يسلك طريقاً حتى يعلم سلامتها وأفاتها ، وما توصل إليه من سلامة أوعطب ،
ولا شك أن سبيل المعاصى فيه من التعرض للعذاب العاجل والأجل وضيق الصدر والرزق وبغض الخلق ومحق البركة فهى كطعام لذيذ مسموم يتمتع به لحظات وتبقى آلامه فى
الحياة وبعد الممات كما قال القائل :
تفنى اللذاذة من نال لذتها من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبتها لا خير فى لذة من بعدها النار
4- ومما يعين على التقوى أن تتعلم كيف تغالب هواك وتطيع مولاك
قال الشيخ مصطفى السباعى رحمه الله : " إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها بالله ، فإذا
لم ترجع فذكرها بأخلاق الرجال ، فإذا لم ترجع فذكرها بالفضيحه إذا علم الناس ، فإذا لم ترجع فاعلم أنك تلك الساعة انقلبت إلى حيوان " . (1)(1/27)
وقال ابن القيم رحمه الله : " وملاك الأمر كله الرغبة فى الله وأرادة وجهه والتقرب
إليه بأنواع الوسائل والشوق إلى الوصول إليه ، وإلى لقائه ، فإن لم يكن للعبد همة على
ذلك فالرغبة فى الجنة ونعيمها وما أعد الله فيها لأوليائه ، فإن لم تكن له همة عالية تطالبه
بذلك ، فخشية النار وما أعد الله فيها لمن عصاه ، فإن لم تطاوعه نفسه لشئ من ذلك ، فليعلم أنه خلق للجحيم لا للنعيم ، ولا يقدر على ذلك بعد قدر الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه .
فلم يجعل الله طريقا إلى الجنة غير متابعته ، ولم يجعل للنار طريقاً غير مخالفته ،
قال الله تعالى :
] فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [ ..... ( النازعات : 37 - 41 )
وقال تعالى : ] وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [ ..... ( الرحمن : 46 )
قيل : هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه فى الدنيا ومقامه بين يديه فى
الأخرة فيتركها لله .
وقد أخبر الله عز وجل أن اتباع الهوى يضل عن سبيله فقال الله تعالى :
] يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ [ (1) ..( ص : 26 )
وقد حكم الله تعالى لتابع هواه بغير هدى من الله أنه أظلم الظالمين فقال الله عز وجل :
] فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [ ..... ( القصص : 50 )(1/28)
وجعل سبحانه وتعالى المتبع قسمين لا ثالث لهما : إما ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
وإما الهوى : فمن اتبع أحداهما لم يمكنه إتباع الأخر .(2)
وقال ابن الجوزى رحمه الله : " الحذر الحذر من المعاصى فإنها سيئة العواقب ، والحذر من الذنوب خصوصاَ ذنوب الخلوات ، فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه سبحانه ، ولا
ينال لذة المعاصى إلا دائم الغفلة ، فأما المؤمن اليقظان فإنه لا يلتذ بها ، لأنه عند إلتذاذه يقف بإيذائه علمه بتحريمها ، وحذره من عقوبتها ، فإن قويت معرفته رأى بعين علمه قرب الناهى - وهو الله - فيتنغص عيشه فى حال إلتذاذه ،فإن غلبه سكر القلب متنغصاً بهذه المراقبات ، وإن كان الطبع فى شهوته فما هى إلا لحظة ثم خزى دائم وندم ملازم وبكاء متواصل وأسف على ما كان مع طول الزمان ، حتى لو تيقن العفو وقف بإزائه حذر العتاب .
فأفً للذنوب ! ما أقبح أثارها ؟ وأسوأ أخبارها ؟ ولا كانت شهوه لا تنال إلا بمقدار قوة الغفله .(1)
وقال ابن القيم رحمه الله : " واعلم أن الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ، فإن الشهوة إما أن توجب ألماً وعقوبة ، وغما أن تقطع لذة أكمل منها ، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة ، وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه ، وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير من ذهابة ، وإما أن تضع قدراً قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسل نعمة بقاؤها ألذ من قضاء الشهوة ". (2)
وخلاصة هذا الفصل أن الناس فى ترك المعاصى والتورع عنها دوافع متعددة :
* منهم من يدفعه عن معصية محبة الله عز وجل وإجلاله أن يخالف أمره ويرتكب نهيه كما قال بعضهم : وددت أن جلدى قرض بالمقارض ، وأن هؤلاء الخلق أطاعوا الله عز وجل ، وهذه أعلى مراتب الخشية واغلى دوافع التقوى.(1/29)
* ومن الناس من يدفعه عن المعصيه الرغبة فى دار القرار وما فيها من نعيم مقيم للأبرار ، قال النبى صلى اله عليه وسلم : (من شرب الخمر فى الدنيا لم يشربها فى الأخرة إلا أن يتوب) .(3)
فالتمتع بالحرام فى دار الفناء سبب للحرمان من النعيم المقيم فى دار البقاء ، فلن يجعل الله من أذهب طيباته فى حياته الدنيا واستمتع بها كمن صام عنها ليوم فطره من الدنيا إذا لقى الله عز وجل . قال بعضهم :
أنت فى دار شتات فتأهب لشتاتك
واجعل الدنيا كيوم صمته عن شهواتك
واجعل الفطر عند الله فى يوم وفاتك
قال الخطابى : معناه لم يدخل الجنة ، لأن الخمر شراب أهل الجنة ( جامع الاصول 5/99)
وقال النووى : معناه أنه يحرم شربها فى الجنة وإن دخلها من فاخر شراب الجنة فيمنعها هذا العاصى بشربها فى الدنيا ، وقيل إنه ينسى شهوتها لان الجنة فيها كل ما يشتهى ، وقيل
لا يشتهيها وإن ذكرها ويكون هذا نقص نعيم فى حقه تمييزاً بينه وبين تارك شربها -
النووى على صحيح مسلم ( 13 / 173 ) .
* ومنهم من يتركها خوفاً من النار وإتقاء غضب الجبار . قال بعضهم :
إذا ما هممنا صدنا وازع التقى فولى على أعقابه الهم خاسئاً
وقال أخر :
لا خير فيمن لا يراقب ربه عند الهوى ويخافه إيماناً
حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى يخشى إذا وافى المعاد هواناً
* ومنهم من يتركها خوف العار والشنار(1) واستبقاء الحياء والوقار كما قال بعضهم :
ما إن دعانى الهوى لفاحشة إلا نهانى الحياء والكرم
فلا إلى فاحش مددت يدى ولا مشت بى لريبة قدم
* ومنهم من يترك المعصية لما يعقبها من شرور ومصائب وألام كما قال بعضهم :
وكم من معاص نال منهن لذة ومات فخلاها وذاق الدواهيا
تصرم لذات المعاصى وتنقضى وتبقى تباعات المعاصى كما هيا
فيا سوءتا والله راء وسامع لعبد بعين الله يخشى المعاصى
* ومنهم من يحمله على ترك المعاصى لذة العفة والاستعلاء عن أتباع الهوى فإن
لذلك حلاوة فى القلوب لا يعرفها إلا من ذاقها .(1/30)
كما قال بعضهم :
وإنى لمشتاق إلى كل غاية من المجد يكبو دونها المتطاول
بذول لمالى حين يبخل ذو النهى عفيف عن الفحشاء قرم حلاحل(1)
* ومنهم من يتركها لإنها تنافى المروءة والشهامة كما قال عنترة وهو من شعراء العصر الجاهلى لم يسمع قول الله عز وجل : ] قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [ ....( النور : 30)
وأغض طرفى إن بدت لى جارتى حتى يوارى جارتى مأواها
* ومنهم من يتركها إستحياء من الناس ولا يخشى الله عز وجل وهذة أدنى المراتب : كما قال بعضهم :
لم يكن شأنى العفاف ولكن كنت خلا لزوجها فاستحييت
5- ومما يعين على تقوى الله عز وجل معرفة مكائد الشيطان ومصائده
، والحذر من وساوسه ودسائسه :
قال العلامة ابن مفلح المقدسى رحمه الله : اعلم أن الشيطان يقف للمؤمنين فى سبع عقبات ، عقبة الكفر ، فإن سلم منه ففى عقبة البدعة ، ثم فى عقبة فعل الكبائر ، ثم فى عقبة
فعل الصغائر ، فإن سلم منه ففى عقبة فعل المبيحات فيشغله بها عن الطاعات ،
فإن غلبه شغله بالأعمال المفضولة عن الأعمال الفاضلة ، فإن سلم من ذلك وقف له فى العقبة السابعة ، ولا يسلم منها المؤمن إذ لو سلم منها أحد لسلم منه رسول الله صلى الله علية وسلم وهى تسليط الأعداء الفجرة بأنواع الأذى . (1)
فلا شك فى أن معرفة العقبات التى يقف عندها الشيطان ، ومعرفة مداخله إلى قلب ابن أدم مما يعين على الحذر منه ، وأولى من ذلك بالذكر أن تعرف أن الشيطان عدو لبنى أدم فلا يمكن أن يأمره بخير أو ينهاه عن شر .
قال الله تعالى : ] إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [ .........) فاطر : 6 )(1/31)
وقال تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [ ......... ( النور : 21 )
قال أبو افرج بن الجوزى : " إنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه ، ويزيد تمكنه منهم ويقل على مقدار يقظتهم ، وغفلتهم وجهلهم ، وعلمهم ، واعلم أن القلب كالحصن ، وعلى ذلك الحصن سور ، وللسور أبواب ، وفيه ثلم (2) ، وساكنه العقل ، والملائكة تتردد على الحصن ، وإلى جانبه ربض (3) فيه
الهوى ، والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع ، والحارس قائم بين أهل الحصن وأهل الربض ، والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم ، فينبغى للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذى قد وكل بحفظه وجميع الثلم ، وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة فإن العدو ما يفتر " .
قال رجل للحسن البصرى : أينام إبليس ؟ قال : لو نام لوجدنا راحة ، وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق بالإيمان ، وفيه مرآة صقيلة يتراءى بها صور كل ما يمر به ، فأول ما يفعل الشيطان فى الربض إكثار الدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة ، وكمال الفكر يرد الدخان ، وصقل الذكر يجلو المرآة ، وللعدو حملات فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكر
عليه الحارس فيخرج ، وربما دخل فعاث (1) ، وربما أقام لغفلة الحارس ، وربما ركدت الريح الطاردة للدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة فيمر الشيطان ولا يدرى به ، وربما جرح الحارس لغفلته وأسر واستخدم .(2)
واعلم أن أول ما يغوى به الشيطان ابن أدم الوساوس التى يوسوس بها إليه ، كما قال تعالى أمراً بالاستعادة بالله عز وجل من وساوسه:(1/32)
] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ [ ...... ( الناس )
فإذا غفل القلب عن ذكر الله عز وجل جثم عليه الشيطان واخذ يوسوس إليه بالذنوب والمعاصى ، فإذا ذكر الله عز وجل واستعاذ به انخنس الشيطان وانقبض ، وإذا كره ما وسوس به فإن ذلك محض الإيمان ، عن أبى هريره قال : جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم
فسألوه : إنا نجد فى أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال : ( وقد وجدتموه ؟ ) قالوا : نعم . قال : ( ذلك صريح الإيمان ) . (3)
قال ابن القيم رحمه الله :
" الوسوسة هى مبادئ الإرادة فإن القلب يكون فارغاً من الشر والمعصية فيوسوس إليه ويخطر الذنب بباله فيصوره لنفسه ويمنيه ويشهيه فيصير شهوه ، ويزينها له ويحسنها ويخيلها له
فى خيال تميل نفسه إليه فتصير إرادة ، ثم لا يزال يمثل ويخيل ويمنى ويشهى وينسى
علمه بضررها ويطوى عنه سوء عاقبتها فيحول بينه وبين مطالعته ، فلا يرى إلا صورة
المعصية وألتذاذه بها فقط ، وينسى ما وراء ذلك فتصير الأراده عزيمه جازمه ، فيشتد الحرص عليها من القلب ، فيبعث الجنود فى الطلب فيبعث الشيطان معهم مدداً لهم وعوناً ، فإن فتروا حركهم ، وإن ونوا أزعجهم كما قال تعالى :
] أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [ ......( مريم : 83)
أى تزعجهم إلى المعاصى ازعاجاً كلما فتروا أو ونوا أزعجتهم الشياطين وأزتهم وأثارتهم ، فلا تزال بالعبد تقوده إلي الذنب ، وتنظم شكل الأجتماع بألطف حيله وأتم مكيده .
فأصل كل معصيه وبلاء إنما هى الوسوسة . (1)(1/33)
فمهما كان العبد مشغولاً بالطاعات وذكر الله عز وجل ، فإنه لا يكون عند ذلك محلاً للوساوس فإذا غفل عن الذكر والطاعة وسوس إليه الشيطان بالمعاصى كما قال ابن القيم رحمه الله :
إذا غفل القلب ساعة عن ذكر الله جثم عليه الشيطان وأخذ يعده ويمنيه .
وأختم هذا الفصل بما يستعان به من طاعة الرحمن الرحيم حتى يحفظ العبد نفسه من وساوس الشياطين :
1- الاستعاذة بالله قال الله تعالى : ] وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ ..... ( الأعراف : 201 )
وعن سليمان بن صرد قال : كنت جالساً مع النبى صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فاحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه ، فقال النبى صلى الله علية وسلم : ( إنى لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد ) . الحديث (1) .
2- قراءة المعوذات فقد قال صلى الله علية وسلم : " لم يتعوذ الناس بمثلهن " .(2)
3- قراءة أية الكرسى عند النوم كما فى حديث أبى هريره فمن قرأها عند نومه لا يزال عليه من الله حافظ لا يقربه شيطان .
4- قراءة سورة البقرة قال النبى صلى الله عليه وسلم
( إن البيت الذى فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ) .(3)
5- خاتمة سورة البقرة عن أبى مسعود الانصارى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من قرأ الأيتين من أخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه ) . (4)
6- " لا أله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير " مائة مرة من قرأها فى يوم كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى .
7- كثرة ذكر الله عز وجل فما أحرز العبد نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله عز وجل .
8- الوضوء والصلاة قال ابن القيم : وهذا أمر تجربته تغنى عن إقامة الدليل عليه .
9- إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس ، فإن الشيطان إنما يتسلط على(1/34)
ابن أدم وينال منه غرضه من هذه الأربعة .(1)
صفات المتقين
وبعد أن ذكرنا معنى التقوى وشرفها وطريق الوصول إليها نرى من المفيد كذلك أن نتعرف على أصحاب هذه الرتب العليه ، والدرجات السنية ، حتى لا تدعيها النفوس وهى عارية منها ، وقد يكون العلم بها مما يشحذ الهمم فى طلبها ، وبذل نفائس الأنفاس فى خطبتها وقرانها .
يقول ابن القيم رحمه الله :
واما السابقون المقربون فنستغفر الله الذى لا إله إلا هو أولاً من وصف حالهم وعدم
الاتصاف به ، بل ما شممنا له رائحة ، ولكن محبة القوم تحمل على تعرف منزلتهم والعلم بها ، وإن كانت النفوس متخلفة منقطعة عن اللحاق بهم ، ففى معرفة حال القوم فوائد عديده :
منها أن لا يزال المتخلف المسكين مزرياً على نفسه ذاماً لها ، ومنها أن لا يزال منكسر القلب بين يدى ربه تعالى ذليلاًله حقيراً يشهد منازل السابقين وهو فى زمرة المنقطعين ،
ويشهد بضائع التجار وهو فى رفقة المحرومين ، ومنها أنه عساه أن تنهض همته يوماً إلي التشبث والتعلق بساقة القوم ولو من بعيد ، ومنها أنه لعله أن يصدق فى الرغبة واللجوء إلى من بيده الخير كله أن يلحقه بالقوم ويهيئه لأعمالهم فيصادف ساعة إجابة لا يسأل الله فيها شيئاً إلا إعطاه ، ومنها أن هذا العلم هو من أشرف علوم العباد ،
وليس بعد علم التوحيد أشرف منه ، وهو لا يناسب إلا النفوس الشريفة ، ولا يناسب النفوس الدنيئه ، فإذا رأى نفسه تناسب هذا العلم وتشتاق إليه وتحبه وتأنس بأقلة فليبشر بالخير فقد أهل له ، فليقل لنفسه : يا نفس فقد حصل لك شطر فاحرصى على الشطر الاخر ، ومنها أن العلم بكل حال خيراً من الجهل
ومنها أنه إذا كان العلم بهذا الشان همه ومطلوبه فلابد ان ينال منه بحسب استعداده ولو لحظه ولو بارقة ، ولو أنه يحدث نفسه بالنهضة إليه ، ومنها أنه لعله يجرى منه على لسانه ما ينتفع به غيره بقصده أو بغير قصده(1/35)
والله لا يضيع مثقال ذرة فعسى أن يرحم بذلك العالم ، وإياك أن تظن أن بمجرد علم هذا الشأن صرت من أهله ، هيهات ما أظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى وهو فقير وبين الغنى بالفعل ، وبين العالم بأسباب الصحة وحدودها وهو سقيم وبين الصحيح بالفعل ، فاسمع الأن وصف القوم وأحضر ذهنك لشأنهم العجيب وخطرهم الجليل ، فإن وجدت من نفسك حركة وهمة إلى التشبه بهم فاحمد الله وادخل فالطريق واضح والباب مفتوح:
إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه تكن مثل ما يعجبك
فليس على الجود والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك
1- فمن صفات المتقين أنهم يؤمنون بالغيب إيماناً جازماً:
والغيب هو ما غاب عن حواسنا ما أخبرنا الله عز وجل بوجوده أو أخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم ، كالإيمان بالله وملائكته والإيمان بالأخرة ، ولا شك أن هذه الصفة أخص صفاتهم ، فإنها التى تدعوهم إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والانقياد الكامل لأمر الله عز وجل
ونهيه ، وهذه الصفة هى أول صفة وصفهم الله عز وجل بها فى كتابه.
قال الله تعالى : ] ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [ ........( البقرة : 2 - 4 )
ومدحهم الله عز وجل كذلك فى هذه الأيات الكريمات بأنهم أهل الهداية الحقيقية بالقرأن .
قال القاسمى : قال الناصر فى الانتصاف : الهدى يطلق فى القرآن على معنيين:
أحداهما : الارشاد وإيضاح سبيل الحق ومنه قوله تعالى :
] وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [ ........( فصلت : 17)
وعلى هذا يكون الهدى للضال باعتبار أنه رشد إلى الحق سواء حصل له الاهتداء أو لا .
والأخر: خلق الله تعالى الاهتداء فى قلب العبد ومنه :(1/36)
] أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [ ...... ( الانعام : 90 )
فإذا ثبت وروده على المعنيين فهو فى هذه الأية يحتمل أن يراد به المعنيان جميعاً .
وعلى الأول فتخصيص الهدى بالمتقين للتنويه بمدحهم حتى يتبين أنهم هم الذين اهتدوا وانتفعوا به كما قال تعالى : ] إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا [ .......( النازعات : 45 )
وقال ] إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ [ ...... ( يس : 11 )
وقد كان صلى الله عليه وسلم منذراً لكل الناس فذكر هؤلاء لأجل أنهم هم الذين انتفعوا بإنذاره ، وهذه الأية نظير أية :] قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ [ (1) ..( فصلت : 44 )
2- ومن صفاتهم أنهم يعفون ويصفحون :
كما قال تعالى : ] وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [ ....... ( البقرة : 237 )
وقد قال عز وجل :
] وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [ ......(الشورى : 40 )
فأخبر الله عز وجل أن من اتصف بهذه الصفة فأجره فى ذلك على الله عز وجل كما رغبهم الله عز وجل فى مغفرته إذا فعلوا ذلك فقال عز وجل فى سورة النور ] وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا
أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ ......( النور : 22 )
وقال تعالى فى وصف المتقين ] وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [.... ( أل عمران : 134 )
قال العلامة محمد رشيد رضا :
قال الراغب : الغيظ أشد الغضب ، وهو الحرارة التى يجدها الإنسان من فوران دم قلبه ،(1/37)
وفى روح المعانى : أن الغيظ هيجان الطبع عند رؤية ما ينكر ، والفرق بينه وبين
الغضب على ما قيل : أن الغضب يتبعه إرادة الانتقام البته ، ولا كذلك الغيظ .
وقال الزمخشرى : كظم الغيظ هو ان يمسك ما فى نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثراً ،
ويروى عن عائشة أن خادماً لها غاظها فقالت : لله در التقوى ما تركت لذى غيظ شفاء .
] وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [ العفو عن الناس هو التجافى عن ذنب المذنب منهم وترك مؤاخذته مع القدرة عليها ، وتلك مرتبة فى ضبط النفس والحكم عليها وكرم المعاملة قل من يتبوأها ،
فالعفو مرتبة قبل مرتبة كظم الغيظ ، إذ ربما يكظم المرء غيظه على حقد وضغينة ،
وهناك مرتبة أعلى منها وهى ما أفاده قوله عز وجل : ] وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [
فالإحسان وصف من اوصاف المتقين ، ولم يعطفه على ما سبقه من الصفات بل صاغه
بهذه الصيغة تمييزاً له بكونه محبوباً عند الله تعالى ويروى أن بعض السلف غاظه غلام له فجأة غيظاً شديداً فهم بالانتقام منه فقال الغلام ] وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ [َ فقال : كظمت غيظى ،
قال الغلام : ] وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس ِ [فقال : عفوت عنك . قال ] وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [
قال : اذهب فأنت حر وجه الله . فهذه الواقعة تبين لك ترتيب المراتب الثلاثة .(1)
3- ومن صفاتهم أنهم غير معصومين من الخطايا إلا من عصمه الله عز وجل من الانبياء غير أنهم لا يقارفون الكبائر ، ولا يصرون على الصغائر :
بل كلما وقعوا فى صغيرة رجعوا إلى الله بالتوبة والاستغفار والعمل الصالح عملاً بقول النبى صلى الله عليه وسلم : ( اتبع السيئة الحسنة تمحها ) . (1)
ودل على هذه الصفة قوله عز وجل :] إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [ .........( الأعراف : 201 )(1/38)
قال ابن كثير رحمه الله : يخبر تعالى عن المتقين من عبادة الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما عنه زجر ، أنهم إذا مسهم - أى : أصابهم - طيف وقرأ الأخرون طائف ، وقد جاء
فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان فقيل : بمعنى واحد ، وقيل : بينهما فرق ، ومنهم من فسر ذلك بالغضب ، ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصدع ونحوه ، ومنهم من فسره بالهم بالذنب ، ومنهم من فسره بإصابة الذنب ، وقوله :] تَذَكَّرُوا [ أى : عقاب الله وجزيل ثوابه
ووعده ووعيده فتابوا وانابوا ورجعوا إليه من قريب :] فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [ أى : قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه .(2)
ثم ذكر الله عز وجل ما يقابل هذه الصفة فى المتقين بقوله تعالى :
] وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ [ ........ ( الإعراف : 202)
قال العلامة رشيد رضا رحمه الله : شأن المؤمنين المتقين إذا مسهم طائف من الشيطان لحملهم على محاكاة الجاهلين والخوض معهم وعلى غير ذلك من المعاصى والفساد تذكروا
فأبصروا فحذروا وسلموا ، وإن زلوا تابوا وأنابوا ، وأن إخوان الشياطين وهم الجاهلون
غير المتقين تتمكن الشياطين من إهوائهم فيمدونهم فى غيهم وفسادهم ،
لأنهم لا يذكرون الله تعالى إذا شعروا فى أنفسهم بالنزوع إلى الشر والباطل والفساد فى
الأرض ، ولا يستعيذون منه بالله ، وإما لأنهم لا يؤمنون بأن للإنسان شيطاناً من الجن يوسوس إليه ويغريه بالشر - ثم لا يقصرون ولا يكفون عن إغوائهم وإفسادهم لذلك يصرون
على الشرور والفساد لفقد الوازع النفسى والواعظ الدينى . (1)
4- ومن صفاتهم أنهم يتحرون الصدق فهم أصدق الناس إيماناً وأصدقهم أقوالاً وأعمالاً وهم الذين صدقوا المرسلين
قال تعالى : ] وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [ ..( الزمر : 33 )
قيل : الذى جاء بالصدق هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : جبريل عليه السلام ،(1/39)
وقال مجاهد : أصحاب القران المؤمنون : يجيئون يوم القيامة فيقولون : هذا ما اعطيتمونا بما أمرتمونا.
قال ابن كثير : وهذا القول عن مجاهد يشمل كل المؤمنين ، فإن المؤمنين يقولون
الحق ويعملون به ، والرسول صلى اله عليه وسلم أولى الناس بالدخول فى هذه الاية على هذا التفسير ، فإنه جاء بالصدق وصدق المرسلين ، وأمن بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. (2)
وقال تعالى : ] أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [ ......( البقرة : 77 )
قال القاسمى : ] أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا [ فى إيمانهم لأنهم حققوا الإيمان القلبى بالأقوال والأفعال ، فلم تغيرهم الأحوال ولم تزلزلهم الأهوال ،
وفيه إشعار بأن من لم يفعل أفعالهم لم يصدق فى دعواه الإيمان ] وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [
عن الكفر وسائر الرذائل ، وتكرير الإشاره لزيادة تنويه بشأنهم ، وتوسيط الضمير للإشارة لانحصار التقوى فيهم (1)
وقد رغب النبى صلى اله عليه وسلم فى هذه الخصلة النبيلة والرتبة الجليلة فقال صلى الله عليه وسلم ( وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتي يكتب عند الله صديقا ) .(2)
5- ومن صفاتهم أنهم يعظمون شعائر الله
قال الله تعالى:] ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [ ...( الحج :32)
قال القرطبى رحمه الله عليه :
قوله تعالى ] ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ [ الشعائر جمع شعيره
وهى كل شئ لله تعالى فيه أمر أشعر به واعلم ، ومنه القوم فى الحرب ، أى علامتهم التى يتعارفون بها تسمى شعيره بمعنى المشعورة ، فشعائر الإسلام أعلام دينه ، ولاسيما ما يتعلق بالمناسبك ،(1/40)
وقال قوم : المراد هنا تسمية البدن والاهتمام بأمرها ، والمغالاة بها قاله ابن عباس ومجاهد وجماعة ، وفيه إشارة لطيفة ، وذلك أن أصل شراء البدن ربما حصول الإجزاء بما دونها فلا يظهر له عمل إلا تعظيم الشرع وهو من تقوى القلوب والله أعلم .
واضاف التقوى الى القلوب لان حقيقة التقوى فى القلب ولهذا قال (ص) فى الحديث الصحيح :
( التقوى ها هنا واشار الى صدره ) (1)
فالمتقون يعظمون طاعة الله وأمره فيدفعهم ذلك الى طاعته ، ويعظمون كذلك ما نهى الله عنه فيدفعهم ذلك عن معصيته ، وعكس ذلك الاستهانة بالاوامر فلا يؤديها ، وبالنواهى فيقع فيها نسال الله السلامة .
قال انس رضى الله عنة :
" انكم لتعلمون اعمالا هى ادق فى اعينكم من الشعر ، كنا لنعدها على عهد رسول الله من الموبقات ".(2)
قال ابو عبدالله : يعنى بذلك المهلكات ، وعن ابن مسعود رضى الله عنة قال: ( ان المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على انفة فقال به هكذا ) . (3)
قال العينى : السبب فى ان قلب المؤمن منور فاذا راى من نفسة ما يخالف ذلك عظم الامر علية ، والحكمة فى التمثيل بالجدل ان غيرة من المهلكات قد يحصل منة النجاة بخلاف الجدل اذا سقط علية فانة لا ينجو عادة . (4)
6- ومن صفاتهم انهم يتحرون العدل ويحكمون بة ولا يحملهم بغض احد على تركة :
قال الله تعالى: ] وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون [ ............( المائدة : 8 )
قال الزمخشرى :(1/41)
لا يحملنكم بغض المشركين على أن تتركوا العدل فتعتدوا عليهم بأن تنتصروا منهم وتتشفوا بما فى قلوبكم من الضغائن بارتكاب ما لا يحل لكم من مثلة أو قذف من مثلة أو قذف أو قتل أولاد أو ساء أو نقض عهد أو ما أشبه ذلك ] اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [ نهاهم اولاً أن تحملهم البغضاء على ترك العدل ، ثم استانف فصرح لهم بالأمر بالعدل تاكيداً وتشديداً ، ثم استأنف فذكر لهم وجه الاأمر بالعدل وهو قوله ] هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [ لكونه لطفاً فيها . وفيه تنيه عظيم علىوجب العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة من القوة ، فما الظن بوجوب مع المؤمنين الذين هم أولياؤه واحباؤه (1)
وقد ثبت فى الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال ( نحلنى أبى نحلاً فقالت أمى : لا أرضى حتى عن النعمان بن بشير انه قال : ( نحلنى أبى نحلا فقالت أمى : لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه ليشهده على صدقتى فقال :
( أكل ولدك نحلت مثله ؟ ) قال : لا. فقال : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) . قال : فرجع أبى فرد تلك الصدقة . (2)
7- ومن صفاتهم أنهم يتبعون سبيل الصادقين من الأنبياء والمرسلين وصحابة سيد الأولين والاخرين صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [ .......( التوبة : 119)
وقد فسر بعض العلماء هذه الأية على أنها تحريض على الصدق وأمر به كابن كثير والقاسمى ، ورجح بعضهم أها حض على التزام طريق الصادقين كالشوكانى ، ونقل عن سعيد بن جبير والضحاك ] َكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [ أبو بكروعمر ، وذكر القرطبى وابن جرير القولين ورجح ابن جرير الثانى منها فقال :(1/42)
والصحيح من التأويل فى ذلك هو التأويل الذى ذكرناه عن نافع (1) والضحاك ، وذلك أن رسوم المصحف كلها مجمعه على ] وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [ وعى القراءة التى لا أستجيز لأحد القراءة بخلافها ، وتأويل عبد الله رحمة الله عليه (2) فى ذلك على قراءته تأويل صحيح غير أن القراءة بخلافها . (3)
وقال القرطبى : هذا الأمر بالكون مع أهل الصدق حسن بعد قصة الثلاثة حين نفعهم الصدق وذهب بهم عن منازل المنافقين واختلف فى المراد هنا بالمؤمنين الصادقين على اقوال فقيل هو خطاب لمن أمن من أهل الكتاب ،
قيل ] وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [ اى مع الذين خرجوا مع النبى صلى الله عليه وسلم لا مع المنافقين ، اى كونوا على مذاهب الصادقين وسبيلهم . وقيل هم المهاجرون لقول ابى بكر يوم السقيفه :
إن الله سمانا الصادقين فقال ] لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ [ ........( الحشر : 8 )
ثم سماكم بالمفلحين فقال : ] وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ [........( الحشر : 9 )
وقيل : هم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم .
قال ابن العربى : وهذا القول هو الحقيقة والغاية التى إليها المنتهى ، فإن هذه الصفة يرتفع بها النفاق فى العقيدة والمخالفة فى العمل ،
وصاحبها يقال له الصديق كابى بكر وعمر وعثمان ومن دونهم على منازلهم وازمانهم ،
وأما تفسير أبى بكر الصديق فهو الذى يعم الأقوال كلها فغن جميع الصفات فيهم موجودة . (4)(1/43)
فلا شك أن من صفات المتقين أنهم ينتهجون منهج الصحابة رضى الله عنهم ، لأنهم أولى الناس بهذه الصفة التى أمرنا الله أن نكون مع أهلها ، فقد شهد الله عز وجل لهم بالصدق ، وشهد لهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز لأحد أن يلزمهم بشئ ، أو يتهمهم بما برأهم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فالصحابة كلهم عدول ، وظهرت فيهم من علامات الصدق والإيمان واليقين ما يجعل العاقل يقطع بتعدلهم ، فمن تقوى الله عز وجل موالاتهم ومحبتهم ونصرتهم والاحتجاج بغجماعهم ، وفهم تقثوى الله عز وجل موالاتهم ومحبتهم ونصرتهم والاحتجاج بغجماعهم ، وفهم الكتاب والسنة على منهجهم وطريقهم ، وبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم .
المتقون يدعون ما لا بأس به حذراً مما به بأس ويتقون الشبهات
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال :" لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك فى الصدر ".(1)
قال الحافظ : المراد بالتقوى وقاية النفس عن الشرك والاعمال السيئة والمواظبه على الأعمال الصالحة ، وقوله " حاك" أى تردد ففيه إشارة أن بعض المؤمنين بلغ كنه الإيمان وحقيقته ، وبعضهم لم يبلغ . وقد أخرج ابن أبى الدنيا فى كتاب التقوى عن ابى الرداء قال :( تمام التقوى أن تتقى الله حتى تترك ما ترى أنه حلال خشية أن يكون حراماً ). (2)
وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال :" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ".(3)
ومعنى ذلك أنهم يتركون كل ما يشكون فى حلة فإن الحلال المحض لا يحصل للمؤمن فى قلبه شك ، وغنما تسكن إليه النفس ، ويشبه هذا الحديث
كذلك قوله صلى الله عليه وسلم :( إن الحلال بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرا لدينه وعرضه ، ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام ). (1)(1/44)
فالمتقون يتورعون عن الشبهات وعما يرتابون فيه ما ليس حلالاً بينا ، وذلك أدعى أن يتورعوا عن الحرام البين ، ومن اجترأ على الشبهة اجترأ كذلك على الحرام ، ففى رواية الصحيحين : ( فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ) يعنى : أن ترك الإثم مع اشتباهه عليه فهو أولى بتركه إذا استبان أنه إثم .
قال ابن رجب رحمه الله : وههنا أمر ينبغى التفطن له وهو أن التدقيق فى التوقف
عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها وتشابهت أعماله فى التوقف والورع ،
فأما من يقع فى انتهاك المحرمات الظاهره ثم يريد أن يتورع عن شئ من دقاءق الشبهة فإنه
لا يحتمل له ذلك بل ينكر عليه ،
كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق : يسألوننى عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( هما ريحانتاى من الدنيا ) .(2)
وسأل رجل بشر بن الحرث عن رجل له زوجه وامه تأمره بطلاقها :
فقال إن كان بر أمه فى كل شئ ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فليفعل ، وإن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم بعد ذلك يشترى بقلاً ويشترط الخوصة - يعنى التى تربط بها حزمة لبقل - فقال أحمد : إيش هذه المسائل ؟ قيل : إن إبراهيم بن أبى نعيم
يفعل ذلك . فقال أحمد : إن كان إبراهيم بن أبى نعيم فنعم ، هذا يشبه ذاك ، وغنما أنكر هذه المسائل ممن لا يشبه حاله ، وأما أهل التدقيق فى الورع فيشبه حالهم هذا ، وقد كان الإمام أحمد نفسه يستعمل فى نفسه هذا الورع فإنه أمر من يشترى له سمناً فجاء على ورقة فأمر برد إلى البائع . (1)
ثمرات التقوى(1/45)
ونختم هذا البحث المعطار بذكر ثمرات التقوى العاجلة والاجلة نسأل الله سعادة الأولى والأخرة فالتقوى هى أعظم سبب للسعادة فى الدنيا والأخرة ، بل لا سعادة بدونها ، لأن مدار التقوى على معرفة الله عز وجل معرفة تشغل العبد بطاعته وذكره وشكره ، وهذه من سعادة النفوس ، وما يترتب على ذلك من محبة الله عز وجل والرضا به وحسن التوكل عليه .
سعادة أعظم من السعادة الأولى ، فالمتقون يسعدون بالطاعة وثمارها فى الدنيا ، وشاهد هذه السعادة فى نفس العبد أنه إذا وقع فى معصية الله عز وجل لضعف وازع التقوى كم يجد من حرج فى صدره وضيق ووحشه بينه وبين الله عز وجل وبين عباد الله المؤمنين ، فلو حصلت له الدنيا بحذافيرها لم تعوضه هذه الوحشة .
يقول ابن القيم رحمه الله واصافاً من ذاق شيئاً من سعادة التقوى ثم حرم ذلك :
" ومن ذاق شيئاٍ من ذلك طريقاً موصلة إلى الله ثم تركها واقبل على إرادته وراحاته وشهواته ولذاته وقع فى أثار المعاصب ، وأودع قلبه سجون المضايق ، وعذب فى حياته عذاباً لم يعذب به احد من العالمين ، فحياته عجز وغم وحزن ، وموته كدر وحسره ، ومعاده أسف وندامه ، قد فرط عليه أمره وشتت عليه شمله ، وأحضر نفسه الغموم والاحزان ، فلا لذة الجاهلين ،
ولا راحة العارفين ، يستغيث فلا يغاث ، ويشتكى فلا يشتكى ،
فقد ترحلت أفراحه وسروره مدبرة ، واقبلت الامه وأحزانه وحسراته ، فقد أبدل بأنسه وحشه ، ويعزه ذلاً ، وبغناه فقراً ، وبجمعيته تشتتاً ، وابعدوه فلم يطظفر بقربهم ،
وأبدلوه مكان الأنس إيحاشاً ذلك بأنه عرف طريقه إلى الله ثم تركها وناكب عنها مكباً
على وجهه ، فأبصر ثم عمى ، وعرف ثم انكر ، واقبل ثم أدبر ، ودعى فما أجاب وفتح
له فولى ظهره للباب ، وقد ترك طريق مولاه ، واقبل بحليته على هواه التوحيد
وميادين الأنس ورياض المحبه ،(1/46)
وموائد القرب قد انحط بسبب إعراضه عن إلهه الحق إلى أسفل سافلين ، وحصل فى عداد الهالكين ، فنار الحجاب تطلع كل وقت على فؤاده ، وإعراض الكون عنه إذا أعرض عنه مولاه حائل بينه وبن مراده ". (1)
إلى أخر ما ذكره رحمه الله فلا يستطيل ما ذكرناه والله يعصمنا من الزلل ويمن علينا بصالح القول والعمل ، وكما رزقنا محبة الصالحين نساله تعالى أن يرزقنا سلوك طريقهم وذوق حلاوة مواجيدهم ، ونعوذ به من السلب بعد العطاء ، ومن الحور بعد الكور ، وفى حدائق التقوى ننزه قلوبنا وجوارحنا برؤية ثمرات التقوى وبشارات المتقين ، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم
ثمرات التقوى العاجلة
1 - المخرج من كل ضيق والرزق من حيث لا يحتسب :
قال تعالى : ] وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [...... ( الطلاق : 2-3 )
عن ابن عباس رضى الله عنه : يجعل له مخرجاً : ينجيه من كل كرب فى الدنيا والأخرة
وقيل : المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقة على صالح.
وقال الربيع بن خثيم : يجعل له مخرجاً : من كل شء يجعل له مخرجاً من عقوبة أهل البدع ويرزقه اجنة من حيث لا يحتسب .
قيل : ومن يتق الله فى الرزق بقطع العلائق يجعل له مخرجاً بالكفاية .
وقال عمر بن عثمان الصدفى : ومن يتق الله فيقف عند حدوده ويتجنب معاصيه يخرجه من الحرام إلى الحلال ، ومن يضيق إلى السعة ، ومن النار إلى الجنة ، ويرزقه من حيث لا يحتسب من حيث لا يرجو . وقال ابن عيينه : هو البركه فى الرزق .
وقال أبو سعيد الخدرى : ومن يبرأ من حوله وقوته بالرجوع إلى الله يجعل له مخرجاً مما كلفه بالمعونة له . (1)
2- السهولة واليسر فى كل أمر :
قال الله تعالى ] وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [ .......( الطلاق : 4 )
قال مقاتل : ومن يتق الله فى اجتناب معاصيه يجعل له من أمره يسراً فى توفيقه للطاعة . (2)(1/47)
قال سيد قطب رحمه الله : واليسر فى الأمر غاية ما يرجوه الإنسان ، وإنها لنعمة كبرى أن يجعل الله الأمور لعبد من عباده فلا عنت ولا مشقه ولا عسر ولا ضيقة يأخذ اللأمور بيسر فى شعوره وتقديره ، وينالها بيسر فى حركته وعمله ، ويرضاها بيسر فى حصيلتها ونتيجتها ويعيش من هذا ، فى يسر رخى ندى حتى يلقى الله .(1)
3- تيسير تعلم العلم النافع :
قال الله تعالى : ] وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ ( البقرة : 282 )
قال العلامه محمد رشيد رضا : أى اتقوا الله فى جميع ما أمركم به ونهاكم عنه وهو يعلمكم ما فيه قيام مصالحكم وحفظ أموالكم وتقوية رابطتكم ، فغنكم لولا هدايته لا تعلمون ذلك ، وو سبحانه العليم بكل شئ . فإذا شرع شيئاً فإنما يشرعه عن علم محيط بأسباب درء المفاسد وجلب المصالح لمن تبع شرعه ، وكرر لفظ الجلاله لكمال التذكير وقوة التاثير . (2)
وقال البيضاوى : كرر لفظ الجلاله فى الجمل الثلاث لاستقلالها ، فالأولى حث على التقوى ، والثانية وعد بإنعامه ، والثالثة تعظيم بشأنه ، ولأنه أدخل فى التعظيم من الكناية .
4- إطلاق نور البصيرة :
قال الله تعالى : ] يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً [ .( الانفال : 29 )
قال العلامه محمد رشيد رضا : الفرقان فى اللغة هو الصبح الذى يفرق بين الليل والنهار ، ويسمى القرأن فرقاناً لأنه يفرق بين الحق والباطل ، وتقوى الله فى الأمور كلها تعطى صاحبها نوراً يفرق به بين دقائق الشبهات التى لا يعملهن كثير من الناس ،
فهى تفيده علماً خاصاً لم يكن ليهتدى إليه لولاها ، وهذا العلم هو غير العلم الذى يتوقف على التلقين كالشرع أصوله وفروعه ، وهو مالا تتحقق التقوى بدونه ،
لأنها عبارة عن العمل فعلاً وتركاً بعلم ، فالعلم الذى هو أصل التقوى وسببها لا يكون
إلا بالتعلم كما ورد فى الحديث:( العلم بالتعلم) (1)(1/48)
وإذا علمت أن التقوى عمل يتوقف على علم ، وأن هذا العلم لا بد أن يؤخذ بالتعلم والتلقى ، وان العلم بالعلم من اسباب المزيد فيه ، وخروجه من مضيق الابهام والإجمال إلى فضاء الجلاء والتفصيل ، فهمت المراد بالفرقان على عمومه ،
وعملت أن أدعياء التصوف الجاهلين لا حظ لهم من ذلك العلم الأول ، ولا من هذه التقوى
التى هى أثره ، ولا من العلم الأخير الذى هو أثر العلم والتقوى جميعاً . (2)
5- محبه الله عز وجل ومحبة ملائكته والقبول فى الأرض :
قال الله تعالى : ] بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [ ....( أل عمران : 76 )
عن أبى هريره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أحب العبد قال لجبريل : قد أحببت فلانا فأحبه . فيحبه جبريل عليه السلام ، ثم ينادى فى أهل السماء : إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول فى الأرض ) .(1)
وكتب أبو الدرداء إلى مسلمه بن خالد : سلام عليك أما بعد ، فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله ، فإذا أحبه الله حببه إلى عباده .
وعن هرم بن حيان قال : ما أقبل عبد بقلبه عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين عليه حتى يرزقهم مودته .
فقد وعد الله عز وجل عبادة المؤمنين الذين يداومون على الأعمال الصالحة بهذه المودة والمحبة كما قال تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [ ...( مريم : 96 )
6- نصره الله عز وجل وتأييده وتسديده :
وهى المعيه المقصودة يقول الله تعالى: ] وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [
.......( البقرة: 194)
فهذه المعية هى معية التأييد والنصره والتسديد وهى معية الله عز وجل لأنبيائه ومعيته للمتقين والصابرين .
قال ابن رجب رحمه الله : وهذه المعيه الخاصة بالمتقين غير المعيه العامه المذكورة فى(1/49)
قولة تعالى : ] وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [ .......( الحديد : 4)
وقوله: ] وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [ .....( النساء : 108)
فإن المعيه الخاصة تقتضى النصر والتأييد والحفظ والإعانة كما قال تعالى لموسى عليه السلام وهارون : ] قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [ (1)........( طه : 46 )
والمعيه العامه تستوجب من العبد الحذر والخوف ومراقبة ، الله عز وجل .
وأما الخاصة فتستوجب من العبد الأنس بالله عز وجل والثقة بنصره وتأييده .
قال قتادة : ومن يتق الله يكن معه ، ومنيكن بالله معه فمعه الفئه التى لا تغلب والحارس الذى لا ينام ، والهادى الذى لا يضل .
وكتب بعض السلف إلى أخيه: أما بعد إن كان الله معك فمن تخاف وإن كان عليك فمن ترجو .
7- البركات من السماء والأرض :
قال تعالى : ] وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ [...... ( الاعراف : 96 )
قال القاسمى رحمه الله : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ( أى : القرى المهلكة ( آمَنُواْ ) أي :
بالله ورسلهم (وَاتَّقَواْ ) أى : الكفر والمعاصى (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ )
أى : لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب مكان ما أصابهم من فنون العقوبات من السماء وبعضها من الأرض .(2)
ويدل على هذا قوله عز وجل :] وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا.. [ (الجن : 16)(1/50)
يقول ابن القيم رحمه الله : فإذا أراد الله أن يطهر الأرض من الظلمه والخونة والفجرة ، يخرج عبداً من عباده من أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم فيملأ الأرض قسطاً كما ملئت جوراً ، ويقتل المسيح ايهود والنصارى ، ويقيم الدين الذى بعث الله به رسوله ، وتخرج الأرض بركتها ، وتعود كما كانت ، حتى إن العصابة من الناس ليأكلون من الرمانة ويستظلون بقحفتها ، ويكون العنقود من العنب وقر بعير ، ولبن اللقحة الواحدة يكفى الفئام من الناس ، وهذا لأن الأرض لما طهرت من المعاصى ظهرت فيها أثار البركة من الله تعالى الت محقتها الذنوب والكفر . (1)
فانظر إلى بركات التقوى ، واعلم أن ما نحن فيه من قلة البركة ونقص الثمار وكثرة
الأفات والأمراض إنما هو نتيجة حتمية لضعف وازع التقوى وكثرة المعاصى كما قال الله
تعالى : ] ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [ ........ ( الروم : 41 ) .
8- البشرى وهى الرؤيا الصالحة وثناء الخلق ومحبتهم .
قال تعالى : ] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [ ....... ( يونس : 62- 64 )
قال الزمخشرى رحمه الله :
والبشرى فى الدنيا ما بشر الله به المؤمنين المتقين فى غير مكان من كتابه وعن النبى صلى الله عليه وسلم :( هى الرؤيا الصالحه يراها المؤمن أو ترى له ) . (2)
وعنه صلى الله عليه وسلم :( ذهبت النبوة وبقيت المبشرات) (1): وقيل : هى محبة الناس
له والذكر الحسن . وعن أبى ذر قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : الرجل
يعمل العمل لله ويحبه الناس . فقال :( تلك عاجل بشرى المؤمنين) . (2)(1/51)
وعن عطاء : لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة قال الله تعالى : ] تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ َ [ ......( فصلت : 30 )
وأما البشرى فى الأخرة فتلقى الملائكه إياهم مبشرين بالفوز والكرامة ، وما يرون من بياض وجوههم وإعطاء الصحائف بأيمانهم وما يقرءون منها وغير ذلك من البشارات .(3)
9- الحفظ من كيد الأعداء ومكرهم
قال تعالى : ] وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [ ....... ( أل عمران : 120 )
قال ابن كثير رحمه الله : يرشدهم تعالى إلى السلامه من شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على الله الذى هو محيط بأعدائهم ، فلا حول ولا قوة لهم إلا به ، وهو الذى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . (4)
وقال الزمخشرى رحمه الله : وإن تصبروا على عدواتهم وتتقوا ما نهيتم عنه من موالاتهم ، أو إن تصبروا على التكاليف الدين ومشاقة ، وتتقوا الله فى اجتناب محارمه ، وكنتم فى كنف الله فلا يضركم كيدهم .
وهذا تعليم من الله وإرشاد إلى أن يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى ،
وقد قال الحكماء : إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلاّ فى نفسك ( إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ ) من الصبر والتقوى وغيرهما محيط ففاعل بكم ما أنتم أهله . (1)
10- حفظ الذرية الضعاف بعناية الله عز وجل
قال الله تعالى : ] وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا [ ......... ( النساء : 9 )
قال القاسمى رحمه الله :
وفي الأيه أشاره إلي أرشاد الأباء الذين يخشون ترك ذرية ضعاف بالتقوى فى سائر شئونهم حتي تحفظ أبنائهم وتغاث بالعنايه منه تعالى ، ويكون في إشعارها تهديد بضياع أولادهم إن(1/52)
فقدوا تقوى الله ، وإشاره إلي أن تقوى الأصول تحفظ الفروع ، وأن الرجال
الصالحين يحفظون في ذريتهم الضعاف كما في الأيه :
] وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [ .........( الكهف : 82 )
فإن الغلامين حفظا ببركه صلاح أبيهما فى أنفسهما ومالهما . (2)
قال محمد بن المنكدر :
إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التى هو فيها والدويرات التى حولها فما يزالون فى حفظ الله وستره .
وقال ابن المسيب لابنه : يا بنى إنى لأزيد فى صلاتى من أجلك رجاء أن أحفظ وتلا هذه الاية : ] وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [ ....... ( الكهف : 82 )
11- سبب لقبول الأعمال التى بها سعادة العباد فى الدنيا والأخرة
قال تعالى : ] قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [ ...... ( المائده : 27 )
قال الزمخشرى رحمة الله :
لما كان الحسد لآخيه على تقبل قربانه هو الذى حمله على توعده لآخيه بالقتل قال له :
إنما أتيت من قبل نفسك لآنسلاخها من لباس التقوى لا من قبلى , فلم تقتلنى ,
ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التى هي السبب فى القبول , فأجابة بكلام حكيم جامع لمعانى الخير وفيه دليل على أن الله تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق ,
فما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم .
وعن عامر بن عبد الله أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له : مايبكيك فقد كنت وكنت ؟ قال : إنى أسمع الله يقول : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) . (1)
وقال الغزالى رحمة الله :
تأمل أصلآ واحداً وهو أنه هب أنك قد تعبت جميع عمرك فى العبادة , وكابدت حتى حصل لك ما تمنيت , أليس الشأن كله فى القبول , ولقد عملت أن الله تعالى يقول ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) فرجع الأمر كله الى التقوى . (2)(1/53)
وقال بعض السلف : لو أعلم أن الله يقبل منى سجدة بالليل وسجدة بالنهار لطرت شوقاً إلى الموت , إن الله عز وجل يقول : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) .
12- سبب النجاة من عذاب الدنيا
قال تعالى : ] وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [ ....... ( فصلت : 17 - 18 )
قال ابن كثير رحمة الله :
( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ) قال ابن عباس رضى الله عنهما وأبو العالية وسعيد بن جبير وقتادة والسدى وابن زيد : بينا لهم ووضحنا لهم الحق على لسان نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام , فخالفوه وكذبوه وعقروا ناقة الله تعالى التى جعلها أية وعلامة على صدق نبيهم
( فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ ) أى : بعثنا عليهم صيحة ورجفة وذلاً وعذاباً ونكالآ
( بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) أى : من التكذيب والجحود ، ( وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا ) أى : من بين أظهرهم لم يمسهم سوء ولا نالهم من ذلك ضرر , بل نجاهم الله تعالى مع نبيهم صالح عليه السلام بإيمانهم وتقواهم لله عز وجل . (1)
13- ما يجعله الله لهم من الشرف وهيبة الخلق وحلاوة المعرفة والإيمان :
قال ابن رجب رحمة الله :
ومنها ( أى : مما يرغب فى شرف الأخرة ) وليس هو قدرة العبد ولكنه من فضل الله ورحمته ما يعوض الله عباده العارفين به الزاهدين فيما يفنى من المال والشرف مما يجعله الله لهم فى الدنيا من شرف التقوى وهيبة الخلق لهم فى الظاهر , ومن حلاوة المعرفة والإيمان والطاعة فى الباطن , وهى الحياة الطيبة التى وعدها الله لمن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن , وهذه الحياة الطيبة لم يذقها الملوك فى الدنيا ولا أهل الرياسات والحرص على الشرف .(1/54)
كان حجاج بن أرطاة يقول : قتلنى حب الشرف , فقال له سوار لو اتقيت الله شرفت . وفى هذا المعنى قيل :
ألا إنما التقوى هى العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد تقى نقيصة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
وقال صالح الباجى : الطاعة إمرة , والمطيع لله أمير مؤمر على الأمراء ، ألا ترى هيبته
فى صدورهم إن قال قبلوا ، وإن أمر أطاعوا , ثم يقول : يحق لمن أحسن خدمتك ومننت عليه بمحبتك أن تذلل له الجبابرة حتى يهابوه لهيبته فى صدورهم من هيبتك فى قلبه , وكل الخير من عندك بأوليائك .
وقال ذا النون المصرى : من أكرم وأعز ممن انقطع إلى من ملك الأشياء بيده .
كان مالك بن أنس يهاب أن يسأل حتى قال فيه القائل :
يدع الجواب ولا يرجع هيبة والسائلون نواكس الأذقان
نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطان (1)
14- الذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين :
قال أبو الدرداء رضى الله عنه : ياحبذا نوم الأكياس وفطرهم وكيف يغبنون به قيام الحمقى وصومهم ، والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين وهذا من جواهر الكلام وأدله على كمال فقه الصحابة وتقدمهم على من بعدهم فى كل خير رضى الله عنهم .
فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير الى الله بقلبه لا ببدنه والتقوى فى الحقيقه تقوى الروح لا تقوى الجوارح .
فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل , أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق , فإن العزيمة والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق الى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل ,
فإن ساواه فى همته تقدم عليه بعمله . (1)(1/55)
فالأعمال تتفاضل بحسب ما فى قلوب أصحابها من إيمان وتقوى لله عز وجل , وإن الرجلين ليكونان فى صف واحد وخلف إمام واحد يكبران بتكبيره ويسلمان بتسليمه وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض , وكم من قائم محروم وكم من نائم مرحوم , هذا قام وقلبه فاجر وهذا نام وقلبه عامر فالسير سير القلوب والسبق سبق الهمم .
من لى بمثل سيرك المدلل تسير رويداً وتجئ فى الاول
الثمرات الأجله
1- تكفير السيئات وهو سبب النجاة من النار , وعظم الأجر وهو سبب
الفوز بدرجات الجنة :
قال تعالى : ] وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [ .... ( الطلاق : 5 )
قال ابن كثير رحمه الله : أى : يذهب عنهم المحظور , ويجزل لهم الثواب على العمل اليسير . (1)
وقال ابن جرير رحمه الله : ومن يخف الله فيتقه باجتناب معاصيه وأداء فرائضه يمحو الله عنه ذنوبه وسيئات أعماله ( وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ) يقول ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه , ومن إعظامه له الأجر أن يدخله جنته فيخلده فيها . (2)
وقال تعالى : ] وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [ ...... ( المائده : 65 )
ولا يصدر عن النار بعد ورودها إلا المتقون قال الله تعالى : ] وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [ ...... ( مريم 71 - 72 )
2- عز االفوقية فوق الخلق يوم القيامة :
قال الله تعالى : ] زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ ...... ( البقره : 212 )(1/56)
قال القاسمى رحمة الله : ( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ) حتى بدلوا النعمة ( الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) لحضورها فألهتهم عن رغائب الأخرة .
قال الحدالى : ففى ضمنه إشعار بأن استحسان بهجة الدنيا كفر ما , من حيث إن نظر العقل والإيمان يبصر طيتها ويشهر جيفتها فلا يغتر بزينتها وهى أفة الخلق فى انقطاعهم عن الحق , فأبهم تعالى المزين فى هذه الاية ليشمل أدنى التزيين الواقع على لسان الشيطان . وأخفى التزيين الذى يكون من استدراج الله كما فى قوله تعالى: ] كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ [ ............ ( الأنعام : 108 )
قوله ( وَيَسْخَرُونَ ) أى : يهزأون ( مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ ) وهذا كما قال تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [ ..... ( المطففين : 29 - 30 )
( وَالَّذِينَ اتَّقَواْ ) وهم المؤمنون وإنمات ذكروا بعنوان التقوى لحضهم عليها , وإيذاناً بترتيب الحكم عليها ( فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) لأنهم فى عليين وهم فى أسفل سافلين , أو لأنهم يتطاولون عليهم فى الاخرة فيسخرون منهم كما سخروا منهم فى الدنيا , كما قال تعالى : ] فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ [ ..... ( المطففين : 34 - 35 )
ولذا قال الراغب : يحتمل قوله تعالى ( فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) وجهين :
أحدهما : أن حال المؤمنين فى الاخرة أعلى من حال الكفار فى الدنيا .
والثانى : أن المؤمنين فى الاخرة فى الغرفات , والكفار فى الدرك الأسفل من النار (1)
انتهى .
3- ميراث الجنة فهم أحق الناس بها وأهلها , بل ما اعد الله الجنة إلا لأصحاب هذه الرتبة العلية والجوهرة البهية
قال تعالى : ] تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا [ ..... ( مريم : 63 )(1/57)
فهم الورثة الشرعيون لجنة الله عز وجل .
قال الزمخشرى رحمة الله : ( نُورِثُ ) وقرئ ( نُورّث ) أستعارة أى : نبقى عليه الجنة كما نبقى على الوارث مال المورث , ولأن الاتقياء يلقون ربهم يوم القيامة قد انقطعت أعمالهم وثمراتها باقية وهى الجنة , فإذا أدخلهم الجنة فقد أورثهم من تقواهم كما يورث المال من المتوفى , وقيل أورثوا من الجنة المساكن التى كانت لآهل النار لو أطاعوا (1)
وقال تعالى : ] وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [ .. ( آل عمران : 133 )
وقال تعالى : ] إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [ ..... ( القلم : 34 )
4- وهم لا يذهبون الى الجنة سيراً على أقدامهم بل يحشرون اليها ركباناً :
مع أن الله عز وجل يقرب اليهم الجنة تحية لهم ودفعاً لمشتقهم كما قال تعالى :
] وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ ....... ( ق : 31 )
وقال تعالى : ] يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [ ..... ( مريم : 85 )
قال ابن كثير رحمه الله :
يخبر تعالى عن أوليائه المتقين الذين خافوه فى الدار الدنيا , واتبعوا رسله , وصدقوهم فيما أخبروا , وأطاعواهم فيما أمروهم به , وانتهوا عما زجروهم , انه يحشرهم يوم القيامة
وفداً اليه , والوفد هم القادمون ركباناً , ومنه الوفود , وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الاخرة وهم قادمون على خير موفود إليه الى دار كرامته ورضوانه . (2)
وقال الزمخشرى رحمة الله :
ذكر المتقون بلفظ التبجيل , وهو أنهم يجمعون إلى ربهم الذى غمرهم برحمته وخصهم برضوانه وكرامته , كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عندهم , وعن علىّ رضى الله عنه : ما يحشرون والله على أرجلهم ولكنهم على نوق رحالها ذهب , وعلى نجائب سروجها ياقوت . (1)(1/58)
5- وهم لا يدخلون أدنى درجاتها بل يفوزون فيها بأعلى الدرجات وأفضل النعيم نسأل الله من فضله العظيم
قال تعالى : ] إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [ ..... ( النبأ : 31 )
وقال تعالى : ] هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ [ ..... ( ص : 49 ) والمأب هو المرجع والمنقلب , ثم فصل ذلك عز وجل فقال تعالى : ] جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ [..... ( ص : 50 - 54 )
وبين الله عز وجل قربهم من الحضرة واللقاء والرؤية والبهاء . فقال عز وجل :
] إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ [ ..... ( القمر : 54 - 55 )
قال القرطبى : ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ) أى : مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم , وهو الجنة
( عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) أى : يقدر على ما يشاء وعند هاهنا عندية القربة والزلفة والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة . (2)
وقال الزمخشرى : ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ) فى مكان مرضى , وقرئ فى مقاعد صدق عند مليلك مقتدر مقربين عند مليك مبهم أمره فى الملك والاقتدار , فلا شئ إلا وهو تحت ملكه وقدرته , فاى منزلة أكرم من تلك المنزلة وأجمع للغبطة كلها والسعادة بأسرها (1) ولا عجب فى ذلك فقد جمع الله عز وجل للمتقين كل نعيم الاخرة فقال تعالى : ] وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [ ...... ( الزخرف : 35 )
وقال تعالى : ] وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [ ...... ( القصص : 83 )
ووصف دارهم فقال عز وجل : ] وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ [..... ( النحل : 30 )(1/59)
6- وهى تجمع بين المتحابين من أهلها حين تنقلب كل صداقة
ومحبة الى عداوة ومشاقة
قال تعالى : ] الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [ ..... ( الزخرف : 67 )
قال الزمخشرى :
تتقطع فى ذلك اليوم كل خلة بين المتخالين فى غير ذات الله وتنقلب عداوة ومقتاً إلا خلة المتصادقين فى الله فإنها الخلة الباقية المزدادة قوة إذا رأوا ثواب التحاب فى الله تعالى والتباغض فى الله وقيل : إلا المتقين والمجتنبين أخلاء السوء . (2)
فالمتقون هم الذين تدوم محبتهم وخلتهم كما قيل :
ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل
ومن بركة التقوى كذلك ينزع الله عز وجل ما قد يعلق بقلوبهم من الضغائن والغل فتزداد مودتهم وتتم محبتهم وصحبتهم كما قال تعالى : ] إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [ ...... ......( الحجر : 45 - 47 )
قال ابن الجوزى : قال ابن الانبارى : ما مضى من التأخى قد كان تشوبه ضغائن وشحناء , وهذا التاخى بينهم الموجود عند نزع الغل هو تأخى المصافاة والإخلاص . (1)
7 - وهم يسعدون بالصحبه والمحبه وهم يساقون إلي الجنة زمراً زمرا :
قال تعالى : ] وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [ .... ( الزمر : 73 )
قال ابن كثير رحمة الله :
وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفداً الى الجنة ( زُمَرًا )
أى : جماعة المقربون ثم الأبرار ثم الذين يلونها كل طائفة مع ما يناسبهم :(1/60)
الأنبياء مع الانبياء , والصديقون مع أشكالهم ، والشهداء مع أضرابهم , والعلماء مع أقرانهم , وكل صنف مع صنف , وكل زمرة تناسب بعضها بعضاً . (2)
وقال القرطبى :
قوله تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) والزهاد والعلماء والقراء وغيرهم ممن اتقى الله تعالى وعمل بطاعته , وقال فى حق الفريقين :
( وَسِيقَ ) بلفظ واحد فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزى والهوان كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا الى حبس أو قتل , وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم الى دار الكرامة والرضوان , لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك فشتان ما بين السوقين . (1)
وقيل كل جماعة أو طائفة تعاونت على الخير والطاعة فإنهم ينادون يوم القيامة ويكونون زمرة من الزمر المساقه الى الجنة .
خاتمة نسأل الله حسنها
إذا بلغت الروح المنتهى
وقد سعدناً بصحبة التقوى وأهلها وثمارها بين طيات هذا الكتاب المبارك , فهل لك يأخى القارئ الكريم فى أن تحقق لنفسك السعادة فى لحظة واحدة , وهى لحظة صدق يجلس فيها العبد الى نفسه فلا يخدعها ولا تخدعه , يفكر فيما مضى من عمره , ويتذكر قول القائل :
ما مضى من أعمارنا وإن طالت أوقاته فقد ذهبت لذاته وبقيت تبعاته , وكانه لم يكن إذا جاء الموت وميقاته , قال الله عز وجل :
] أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [ ...... ( الشعراء : 205 - 207 )
تلا بعض السلف هذه الأية وبكى وقال : إذا جاء الموت لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة والنعيم , وفى هذا المعنى ما أنشده أبو العتاهية للرشيد حين بنى قصره واستدعى إليه ندماءه .
عش مابدل لك سالماً فى ظل شاهقة القصور
يسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح وفى البكور(1/61)
فإذا النفوس تقعقعت فى ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا فى غرور (1)
فالدنيا معبر لا مقر وراحلة لا مكث , والسعيد من اتعظ بغيره وانتهز فرصة الحياة فى التزود للأخرة .
قال الحسن : نعمت الدار كانت للمؤمن , وذلك لأنه عمل فيها قليلاً وأخذ منها زاده الى الجنة , وبئست الدار الدنيا كانت للكافر والنافق وذلك لآنه أضاع فيها لياليه وأخذ منها زاده الى النار , وكل نفس من أنفاس العمر جوهرة ثمنية تستطيع أن تشترى بها كنزاً لا يقنى ابد الآباد :
يامن بدنياه انشغل وغره طول الامل
الموت يأتى بغته والقبر صندوق العمل
فهل لك ياعبد الله فى الفلاح والنجاح والفوز والنجاة فى لحظة واحدة , لحظة صدق تتذكر ما مضى من جنايات ومخالفات فتصلح الماضى بتوبة , وتصلح الحاضر بعمل صالح , وتصلح المستقبل بعزيمة صادقة ونية مخلصة على الاستمرار فى طاعة الله عز وجل والتزود بالتقوى.
قال الله عز وجل :
] إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [ ...... ( فصلت : 30 - 32 )
وقال النبى : ( قل أمنت بالله ثم استقم ) (1) فما أوجزه واطيبه وأجمعه لخيرى الدنيا والآخرة و كيف لا وهو من كلام من أوتى جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم .
قال ابن القيم رحمة الله :(1/62)
هلم الى الدخول على الله ومجاورته فى دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء , بل من أقرب الطرق وأسهلها , وذلك أنك فى وقت بين وقتين وهو فى الحقيقة عمرك وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل , فالذى مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار , وذلك شئ لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عمل شاق , وإنما هو عمل القلب وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب , وامتناعك ترك راحة ليس هو عملآ بالجوارح يشق عليك معاناته , وانما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرك ,
فما مضى نصلحه بالتوبة , ومايستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية ,
وليس للجوارح فى هذين نصب لا تعب , ولكن الشأن فى عمرك وهو وقتك الذى بين الوقتين فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك , وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكر نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم . (1)
نسأل الله أن يختم لنا بخاتمة السعادة وأن يرزقنا الحسنى وزيادة , وأن يجعلنا من عباده المتقين الذين يسعدون فى الدنيا بالطاعات ومحبة رب العالمين , وفى الأخرة بالجنات والنظر الى وجه الله الكريم ,
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
مراجع البحث
أ - تفاسير :
1- أضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطى المدنى .
2- تفسير القرأن العظيم , للحافظ ابن كثير دار المعرفة .
3- جامع البيان , لابن جرير الطبرى , دار المعرفة .
4- الجامع لأحكام القرأن للقرطبى , الشعب .
5- روح المعانى , للألوس , دار التراث .
6- زاد المسير , لابن الجوزى , المكتب الإسلامى .
7- فتح القدير , للشوكانى , دار المعرفة .
8- فى ظلال القرأن , لسيد قطب , دار العلم بينها .
9- الكشاف , للزمخشرى , الريان .
10- محاسن التأويل , للقاسمى , دار الفكر .
11- المنار , لمحمد رشيد رضا دا المعرفة .
ب - حديث :
1- بلوغ المرام فى تخريج الحلال والحرام , للألبانى , المكتب الاسلامى .
2- جامع الأصول , لابن الأثير , دار الفكر .(1/63)
3- سنن النسائى بشرح السيوطى وحاشية السندى , دار الكتب العلمية .
4- سنن ابن ماجة بترقيم محمد فؤاد عبد الباقى , المكتبة العلمية .
5- سنن الدرامى , دار الكتب العلمية .
6- سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى الكتب الإسلامى .
7- شرح السنة للبغوى بتحقيق شعيب الأرناؤوط دار بدر .
8- صحيح الجامع الصغير وزيادات اللألبانى , الكتب الإسلامى .
9- صحيح ابن ماجة , للألبانى , مكتب التربية العربية الدولى .
10- صحيح النسائى , للألبانى , مكتب التربية العربى الدولى .
11- صحيح الترمذى , للألبانى , مكتب التربية العربى الدولى .
12- عون المعبود شرح سنن أبى داود لشمس الحق أبادى المكتبة السلفية.
13- عارضة الأحوذى شرح سنن الترمذى لابن العربى , دار الوحى المحمدى .
14- فتح البارى شرح صحيح البخارى لابن حجر طبعة السلفية .
15- فيض القدير شرح الجامع الصغير , دار المعرفة .
16- مستدرك الحاكم وبهامشة التللخيص للذهبى , دار المعرفة .
17- مسند الامام أحمد بفهرس الألبانى , المكتب الإسلامى
18- موطأ مالك ,ط الحلبى .
19- مسلم بشرح النووى , المطبعة المصرية .
20- المعجم الفهرس , لجماعة من المستشرقين , دار الدعوة .
جـ - رقائق ومواعظ :
1- اسنشاق نسيم الأنس لابن رجب ، دار الفتح .
2- تفسير المعوذين ، لابن القيم ، السلفية .
3- تلبيس إبليس ، لابن الجوزى المتنبى .
4- جامع لعلوم والحكم ، لابن رجب ، الحلبى .
5- الجواب الكافى ، لابن القيم ، دار عمر بن الخطاب .
6- شرح حديث ( ماذئبان جائعان ) ، لابن رجب دار الفتح .
7- صيد الخاطر ، لابن الجوزى ، دار الكتب العلميه .
8- صيانه الإنسان ، لابن مفلح ، دار الكتب العلميه .
9- طريق الهجرتين ، لابن القيم ، السلفية .
10- رسالة المسترشدين للمحاسبى ، بتحقيق أبو غدة ، دار السلام .
11- روضة المحبين ، لابن القيم ، دار الصفا .(1/64)
12- الرساله التبوكيه ، لابن القيم ، بتحقيق أشرف عبد المقصود ، التوعيه الإسلامية .
13- غالية المواعظ ، لنعمان محمود الالوسى ، دار المعرفة .
14- الفوائد ، لابن القيم ، دار الدعوة .
15- لطائف المعارف ، لابن رجب الحنبلى ، دار الجيل .
16- منهاج العابدين ، للغزالى ، مكتبة الجندى .
17- نور الاقتباس ، لابن رجب ، المدنى .
18- المدهش ، لابن الجوزى ، دار الكتب العلمية .
19- المصباح المنير للرافعى ، دار المعرفة .
(1) منهاج العابدين (7) مكتبة الجندى
(2) المدهش لابن الجوزى ( 428 ) بتصرف دار الكتب العلميه
(1) المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير للرافعى (669) - دار المعارف .
(1) رواه أحمد ( 3 / 142 ، 243 ) وابن ماجه ( 4299 ) الزهد ، والدرامى ( 2 / 303 ) الرقاق ، وضعفه الألبانى .
(2) جامع العلوم والحكم ( 148 - 149 ) بأختصار .
(1) رواه البخارى ( 4 / 115 ) الصوم
(2) رواه البخارى ( 4 / 255 ) فضل ليلة القدر ، ومسلم ( 6 / 40 ، 41 ) صلاة المسافرين
(3) الرساله التبوكيه بتحقيق أشرف عبد المقصود ونشر مكتبة التوعيه الأسلاميه ( 15 - 17)
(1) غالية المواعظ ومصباح المتعظ وقبس الواعظ ( 2 / 48 ) دار المعرفه .
وقول ابن عمر رضى الله عنهما يشير إلي نوع من التقوى وليست التقوى الكامله ، وأصح من ذلك أن يقال هو نوع من الزهد ، وهو الزهد فى النفس ، والزهد فى النفس أقصى غاية الزهد .
(1) منهاج العابدين ( 74 ، 75 ) بتصرف مكتبة الجندى .
والحديث رواه الترمذى ( 9 / 278 ) ، القيامه وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وابن ماجه ( 4215 ) الزهد ، والحاكم ( 4 / 319 ) الرقاق وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى وقال الألبانى : هذا عجب منه فإن عبد الله بن يزيد لم يوثقه أحد وضعفه فى بلوغ المرام ( 871 ) وضعيف ابن ماجه ( 924 ) .
(1) رواه مسلم ( 118 , 117 / 3 ) الطهاره ، والترمذى ( 15 - 14 / 2 ) الصلاه .(1/65)
(1) رواه الحاكم ( 2 / 294 ) التفسير ، دون قوله : " وأن يشكر فلا يكفر " وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبى .
(1) باختصار من جامع العلوم والحكم ( 140 - 150 ) .
(1) منهاج العابدين ( 72، 73) باختصار .
(1) رواه أحمد (4 / 126 - 127) ، وأبو داود (4583) السنه، والترمذى (2676) العلم ، وابن ماجه (34) ،
والدرامى (1 / 44 - 54) المقدمه ، والبغوى (1 / 205 ) شرح السنه وقال الترمذى : هذا حسن صحيح ، وصححه الألبانى .
(2) جامع العلوم والحكم ( 247) باختصار .
(3) رواه الترمذى (8 / 155) البر، وقال : هذا حسن صحيح ، وأحمد (5 / 158) وحسنه الألبانى (1618) صحيح الترمذى .
(1) رواه الترمذى (9 / 183 - 184) الزهد ، وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان ،
و رواه أحمد (2 / 310) ، وابن ماجه (4217) الزهد بمعناه وحسنه الألبانى ، وكذا فى تحقيق جامع الأصول .
(2) رواه الترمذى ( 6111 تحفة ) الصلاة ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، رواه أحمد (5 / 251) ، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبى وصححه الألبانى .
(3) رواه أحمد ( 3 / 82 ) وحسنه الألبانى بشاهده وهو فى الصحيحة رقم ( 555 ) .
(4) رواه أحمد ( 5 / 181 ) وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع رقم ( 2541 ) .
(1) رواه أحمد ( 2 / 325 - 331) ، وابن ماجه (2771) الوصايا ، والحاكم ( 1 / 445-446 ) (2 / 98) وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبى وقال الألبانى فى الصحيحة (1730) وهو كما قالا إلا أن أسامه بن زيد الليثى فيه كلام يسير حسن الأسناد .
(2) رواه مسلم ( 17 / 41 ) بزياده فى أوله وأخره ، وأحمد ( 4 / 371 ) ، ( 6 / 209 ) بلفظ رب أعط نفسى تقواها .
(1) ، (2) باختصار من جامع العلوم والحكم ( 150 - 151 ) والحديث تقدم تخريجه صفحة .
(1) الفوائد (17) دار الدعوه الإسكندريه .
(2) البيتان منسوبان لأبى العتاهيه .(1/66)
(3) الجامع لأحكام القرآن ( 3 / 2620 - 2621 ) باختصار
(1) تفسير القرآن الكريم ( 1 / 239 ) دار المعرفه .
(2) أي إملالهم وإضجارهم .
(3) الكشاف ( 1 / 244 ) الريان .
(1) رواه البخارى ( 6 / 417 ) أحاديث الأنبياء .
(2) أضواء البيان ( 7 / 635 ) بتصرف .
(1) الجامع لأحكام القرآن ( 3 / 2044 ) والحديث رواه أبو داود ( 4507 ) الديات ، وابن ماجة ( 2683 ) الحدود وصححه الألبانى .
(2) محاسن التأويل ( 6 / 25 ) بتصرف .
(1) الرساله التبوكيه ( 12 ) .
(1) منهاج العابدين ( 67 / 77 ) باختصار .
(1) روضة المحبين ( 904 ) دار الصفا .
(1) استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس ( 11 - 15 ) باختصار ، والحديث رواه البخارى ( 1 / 341 ) الرقاق ، وأبو نعيم فى الحليه ( 1 / 4 ) ، وانظر طرق الحديث فى الصحيحة رقم ( 1640) .
(2) روضة المحبين ( 416 ) .
(1) حديث النزول رواه البخارى ( 13 / 464 ) التوحيد ، ومسلم ( 6 / 38 ، 39 ) والترمذى ( 13 / 30 ) الدعوات ، وأبو داود ( 1301 ) الصلاه .
(1) رواه أحمد ( 128 / 3 ) والنسائى ( 7 / 61 ) عشرة النساء ، والحاكم ( 2 / 160 ) النكاح وصححه على شرط مسلم ، ووافقه الذهبى وصححه الألبانى فى الصحيحة رقم ( 1809 ) .
(2) رواه البخارى ( 3 / 14 ) التهجد موصولاً عن المغيره وبمعناه معلقاً عن عائشه ، وابن ماجه ( 1419 )
(1) تفسير القرآن العظيم ( 4 / 304 ) .
(1) أضواء البيان : ( 3 / 9 - 10 )
(1) رواه الترمذي ( 90 / 281 ) القيامه ، والحاكم ( 4 / 323 ) الرقاق وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبى ، وحسنه الألبانى .
(2) فيض القدير ( 1 / 488 )
(3) رواه ابن حبان فى روضة العقلاء : ( 12 - 13 ) ، والضياء فى المختارة ( 1 / 449 ) وقال الألبانى : والأسناد ضعيف قال : ثم وجدت للحديث شاهداً مرسلاً فى ( جامع بن وهب ) ص65 - فالحديث به حسن إن شاء الله - الصحيحة ( 1055 ) .(1/67)
(1) رواه ابن ماجه ( 4245) الزهد وصححه الألبانى فى الصحيحة (505)
(2) رواه البزار (08) ، والعقيلى ( ص352) وأبو بكر الدينورى فى ( المجالسه وجواهر العلم ) والسياق له ، وأبو نعيم
( 2 / 343 ) وله طرق هو بمجموعها حسن ، باختصار من الصحيحة ( 1802)
(3) فيض القدير ( 3 / 307 )
(4) رواه البخارى ( 1 / 114 ) الإيمان ، ومسلم ( 1 / 157 ، 158 ) الإيمان ، والترمذى ( 10 - 87 / 88 ) الإيمان ، وأبو داود
( 4670) السنه ، والنسائى ( 8 / 97 ) الإيمان .
(1) شرح النووى على صحيح مسلم ( 1 / 157 - 158 ) .
(2) جامع العلوم والحكم ( 33 - 34 ) باختصار .
(1) علم : أي جبل
(1) الجواب الكافى باختصار ( 42 - 43 ) دار عمر بن الخطاب .
(1) علمتنى الحياه ( 32 ) نقلاً عن هامش رسالة المسترشدين للمحاسبى ( 160 ) بتحقيق وتعليق عبد الفتاح أبو غدة .
(1) روضة المحبين ( 401 - 402 ) باختصار .
(2) السابق ( 404 )
(1) صيد الخاطر ( 129 ) بتصرف .
(2) الفوائد ( 182 - 183 ) دار الدعوة .
(3) رواه البخارى ( 10 / 30 ) ، و مسلم ( 13 / 173 ) الأشربه بهذا اللفظ ، ومالك فى الموطأ ( 2 / 846 ) الأشربه ،
وأبو داود ( 3662) الأشربه ، والترمذى ( 8 / 48 ) الأشربه والنسائى ( 8 / 318 ) الأشربه .
(1) الشنار : هو أقبح العيب .
(1) القرم : السيد المعظم ........ والحلاحل : السيد فى عشيرته .
(1) مصائب الأنسان من مكائد الشيطان (69) باختصار ، وذكر ابن القيم رحمه الله هذه العقبات السبع فى تفسير المعوذتين بأطول من ذلك ، فليراجعه من أراد زيادة التفصيل ( 73 - 76 ) .
(2) جمع ثلمه : وهى موضع الكسر من القدح .
(3) المكان الذى يؤوى إليه .
(1) عاث : أى أفسد
(2) تلبيس أبليس ( 37 - 38 ) باختصار - مكتبة المتنبى .(1/68)
(3) رواه مسلم ( 1 / 153 ) الأيمان ، قال النووى رحمه الله : معناه أستعظامكم الكلام به وهو صريح الأيمان فإن أستعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلاً عن اعتقاده إنما يكون لمن أستكمل الأيمان إستكمالاً محققاً وانتفت عنه الريبه والشكوك - النووى على صحيح مسلم ( 1 / 154 ) .
(1) تفسير المعوذتين لابن القيم (71) باختصار وتصرف - السلفيه .
(1) رواه البخارى 0 10 / 518 - 519 ) الأدب ، ومسلم ( 16 / 163 ) البر والصله ، وابو داود ( 4759 ) الأدب ، قال ابن كثير رحمه الله : من لطائف الأستعاذه أنها طهارة الفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب اللهو وهو بتلاوة القرآن وهى استعانه بالله عز وجل واعتراف له بالقدره وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطن الذى لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذى خلقه ولا يقبل ممناعه ولا يدارى باحسان بخلاف العدو من نوع الأنسان كما دلت على ذلك ايات من القرآن
( 1 / 50 ) التفسير .
(2) رواه النسائى ( 8 / 251 ) الأستعاذه : وأحمد بمعناه ( 3 / 417 ) وصححه الألبانى .
(3) رواه مسلم ( 6 / 68 ) صلاة المسافرين بلفظ : أن الشيطان يفر من البيت الذى تقرأ فيه سورة البقره ، والترمذى
( 11 / 10 ) ثواب القرآن بلفظه .
(4) رواه البخارى ( 9 / 50 ) فضائل القرآن ، ومسلم ( 6 / 91 - 92 ) صلاة المسافرين ن والترمذى ( 10 / 12 ) ثواب القرآن ، وابو داود ( 1384 ) الصلاه .
(1) تفسير المعوذتين باختصار( 82 - 86 ) وانظر البحر الرائق للمصنف .
. طريق الهجرتين ( 205 - 206 ) باختصار .
(1) محاسن التأويل ( 2 / 34 ) دار الفكر بيروت .
(1) تفسير المنار باختصار ( 4 / 134 ، 135 ) .
(1) تقدم تخريجه
(2) تفسير القرآن العظيم ( 2 / 279 ) .
(1) تفسير المنار ( 9 / 550 ) بتصرف .
(2) تفسير القرآن العظيم ( 4 / 53 ) .
(1) تفسير القاسمى ( 3 / 54 )(1/69)
(2) رواه البخارى ( 10 / 507 ) الأدب ، ومسلم ( 16 / 160 ) البر و الصله ، وابو داود ( 4968 ) الأدب ، وابن ماجه
( 46 ) المقدمه بزيادة فى اوله ، واللفظ لمسلم .
(1) الجامع لأحكام القرآن ( 5 / 4448 ) باختصار ، والحديث رواه مسلم ( 16 / 120 - 121 ) البر والصله ، والترمذى
( 8 / 15 ) البر ، وأحمد ( 27702 ) .
(2) رواه البخارى ( 11 / 329 ) الرقاق .
(3) رواه البخارى ( 11 / 102 ) الدعوات ، الترمذى ( 9 / 308 ) صفة القيامه .
(4) نقلاً عن هامش جامع الأصول ( 11 / 508 ) .
(1) تفسيرالكشاف ( 1 / 612 / 613) باختصار .
(2) رواه البخارى ( 5 / 211 ) الهبه (5 / 258 ) الشهادات ، ومسلم ( 11 / 67 ) الهبه .
(1) الأثر عن نافع قال : قيل للثلاثه الذين خلفوا : يا ايها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين محمد وأصحابه .
(2) قال بن جرير : وكان ابن مسعود فيما ذكر عنه يقرأه } وكونوا من الصادقين { ويتأوله إن ذلك نهى من الله عن الكذب .
(3) جامع البيان فى تفسير القرآن ( 11 / 46 ) دار المعرفه بيروت .
(4) الجامع لأحكام القرآن ( 4 / 3128 ) باختصار .
(1) رواه البخارى تعليقا مجزوما به ( 1 / 45 ) الأيمان ، وروى الترمذى ( 9 / 278 ) صفة القيامه ، و ابن ماجه (4215 ) الزهد ، والحاكم ( 4 / 319 ) عن عطيه السعدى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس " وقال الترمذى : حسن غريب وصحح أسناده الحاكم والذهبى وضعفه الألبانى ، وأنظر بلوغ المرام ( 178 ) .
(2) فتح البارى ( 1 / 48 ) باختصار .(1/70)
(3) رواه النسائى ( 8 / 230 ) أداب القضاء وقال أبو عبد الرحمن : هذا الحديث جيد ، وقال الألبانى : صحيح الأسناد موقوف - يعنى على عبد الله بن مسعود رضى الله عنه - وقد روى هذا الحديث مرفوعاً عن الحسن بن على بن أبى طالب خرجه أحمد والترمذى والنسائى وابن حبان والحاكم وصححه الترمذى وهو فى جامع العلوم الحديث الحادى عشر وأنظر كلام بن رجب رحمه الله ( 101 - 102 ) .
(1) رواه البخارى ( 1 / 126 ) الأيمان ، ومسلم ( 2711 ) المساقاه والمزارعه ، وابو داود ( 2313 ) البيوع ، والترمذى ( 5 / 189 - 199 ) البيوع ، وابن ماجه ( 3984 ) الفتن ، والدرامى ( 2 / 245 ) ، وأحمد ( 4 / 269 ) .
(2) رواه البخارى ( 7 / 95 ) فضائل الصحابه ، والترمذى ( 13 / 193 ) المناقب ، قال ابن الأثير : ( الريحان والريحانه ) الرزق والراحه ، ويسمى الولد ريحان وريحانه لذلك .
(1) جامع العلوم والحكم ( 103 - 104 ) باختصار .
(1) طريق الهجرتين ( 180 ) السلفيه .
(1) باختصار من الجامع لأحكام القرآن ( 8 / 6638 ، 6639 ) .
(2) الجامع لأحكام القرآن ( 8 / 6644)
(1) فى ظلال القرآن ( 6 / 3602 ) .(1/71)
(2) أستدل الصوفيه بهذه الأيه الكريمه على ما يزعمون بحصول العلم اللدنى ، وأن ما يأتونه من رياضات وأوراد يكفى فى حصول ذلك العلم دون أن يأخذوا بأسباب العلم من طلبه وتعلمه ن وقد قال النبى صلي الله عليه وسلم : " إنما العلم بالتعلم " ذكره البخارى تعليقاً مجزوماً به وسيأتى تخريجه إن شاء الله ، ويقولون فخراً : أخذت منكم ميتاً عن ميت ، وأخذنا علمنا عن الحى الذى لا يموت . ويقول بعضهم : أنتم تأخذون عن عبد الرزاق ونحن نأخذ عن الواحد الخلاق . وهذا لا شك فيه من جهلهم بالدين وفتح أبواب الشياطين ، فيدعى من شاء ما يشاء ويقول : حدثنى قلبى عن ربى . ولا شك أن من يوحى أليه بتكاليف شرعيه يثبت له بذلك مرتبة النبوه ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولفظ الأيه لا يساعده على دعواهم فلم يقل الله عز وجل : واتقوا الله يعلمكم الله وإلا كان مفيداً لما قالوه .والعطف يقتضى المغايره ، والصحيح أن يقال : ييسر الله عز وجل للعبد أسباب التعلم إذا اتقى الله عز وجل ، ويدل على ذلك أثر من عمل لما علم ورثة الله علم ما لم يعلم ومما يوضح ذلك الثمرة الرابعه .
(1) قال الحافظ : " إنما العلم بالتعلم " هو حديث مرفوع أيضاً أورده ابن أبى عاصم والطبرانى من حديث معاويه - ثم ذكر - وإسناده حسن إلا ان فيه مبهماً اعتضد بمجيئه من وجه أخر ( فتح الباري 11 / 161 ) وقال الألبانى : رواه الخطيب فى تاريخه
( 9 / 27 ) عن ابى هريره مرفوعاً ومحسناً وأنظر الصحيحة رقم ( 342 ) .
(2) باختصار وتصرف من تفسير المنار ( 3 / 129 - 131 ) .
(1) البخارى ( 10 / 461 ) الأدب ، ورواه مسلم ( 16 / 183 - 184 ) البر والصله ، ومالك فى الموطأ ( 2 / 953 ) الشعر .
(1) نور الأقتباس فى مشكاة وصية النبى صلي الله عليه وسلم لابن عباس (41) .
(2) محاسن التأويل ( 7 / 221 ) باختصار .
(1) الجواب الكافى ( 67 ) باختصار - دار عمر بن الخطاب .(1/72)
(2) رواه الترمذى ( 9 / 128 ) أبواب الرؤيه وقال : هذا حديث حسن ، ومالك فى الموطأ ( 2 / 958 ) الرؤيا ، والحاكم ( 4 / 391 ) الرؤيا وصححه ووافقه الذهبى .
(1) رواه البخارى ( 12 / 375 ) التعبير ، والترمذى ( 9 / 127 ) أبواب الرؤيا عن أنس
(2) رواه مسلم ( 16 / 189 ) البر والصله ، وأحمد ( 5 / 256 - 157 - 168 ) ، وابن ماجه ( 4225 ) الزهد ، وقال العلماء : معناه هذا البشرى المعجله له بالخير وهى الدليل على رضاء الله تعالى ومحبته له فيحببه إلى الخلق كما سبق فى الحديث ثم يوضع له القبول فى الأرض هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لمحامدهم وإلا فاتعرض مذموم - شرح النووى على صحيح مسلم ( 16 / 189 ) .
(3) الكشاف ( 2 / 356 ) باختصار
(4) تفسير القرآن العظيم ( 1 / 329 ) .
(1) الكشاف ( 1 / 408 )
(2) محاسن التأويل ( 5 / 47 )
(1) الكشاف ( 1 / 624 ) .
(2) منهاج العابدين (72) .
(1) تفسير القرآن العظيم ( 4 / 95 ) .
(1) باختصار من شرح حديث ( ما ذئبان جائعان ) لابن رجب الحنبلى ( 21-22 ) - دار الفتح .
(1) الفوائد ( 186 - 187 ) لابن القيم باختصار .
(1) تفسير القرآن العظيم ( 4 / 382 ) .
(2) جامع البيان فى تفسير القرآن ( 12 / 93 ) .
(1) محاسن التأويل ( 3 / 182 : 185 ) باختصار .
(1) الكشاف ( 3 / 28 ) .
(2) تفسير القرآن العظيم ( 3 / 137 ) .
(1) الكشاف ( 3 / 42 ) وأثر علىّ رضى الله عنه أخرجه ابن أبى شيبه ، وعبد الله بن أحمد فى زيادات المسند ، والطبرى وابن أبى حاتم من رواية عبد الرحمن بن أسحق بن النعمان بن سعد بن علىّ نحوه ، وأخرجه ابن أبى داود - فى كتاب البعث من هذا الوجه مرفوعاً ، ورواه ابن عدى عن حديث ابن عباس رضى الله عنهما مرفوعاً أيضاً .
(2) الجامع لأحكام القرآن ( 7 / 6320 ) .
(1) الكشاف ( 4 / 442 ) .
(2) الكشاف ( 3 / 263 ) .
(1) زاد المسير ( 4 / 404 ) المكتب الأسلامى(1/73)
(2) تفسير القرآن الغظيم ( 4 / 5 ) .
(1) الجامع لأحكام القرآن ( 7 / 5728 - 5729 ) .
(1) باختصار وتصرف من ( لطائف المعارف ) لابن رجب الحنبلى ( 315 ، 317 ) دار الجيل
(1) رواه مسلم ( 2 / - 9 ) الأيمان ، وأحمد ( 3 / 413 ) ، ( 4 / 385 ) وفيه زيادة قال : وما أتقى فأومأ إلى لسانه ، ورواه الترمذى ( 9 / 249 ) الزهد ، وابن ماجه ( 3972 ) . < بلفظ : قل ربى الله >
(1) الفوائد ( 151 ، 152 ) دار الدعوه .
??
??
??
??(1/74)