إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله " تسليمًا كثيرًا أما بعد:
فإن الأولاد أمانة في أعناق الوالدين،والوالدان مسؤولان عن تلك الأمانة، والتقصير في تربية الأولاد خلل واضح، وخطأ فادح; فالبيت هو المدرسة الأولى للأولاد، والبيت هو اللبنة التي يتكون من أمثالها بناء المجتمع، وفي الأسرة الكريمة الراشدة التي تقوم على حماية حدود الله وحفظ شريعته، وعلى دعائم المحبة والمودة والرحمة والإيثار والتعاون والتقوى_ينشأ رجال الأمة ونساؤها، وقادتها وعظماؤها.
والولد قبل أن تربيه المدرسة والمجتمع_يربيه البيت والأسرة، وهو مدين لأبويه في سلوكه الاجتماعي المستقيم، كما أن أبويه مسؤولان إلى حد كبير عن انحرافه الخلقي(1) .
قال ابن القيم_رحمه الله تعالى_: =وكم ممن أشقى ولده، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء+(2) .
والحديث في الصفحات التالية سيكون عن التقصير في تربية الأولاد وذلك من خلال الوقفذات التالية:
- التحذير من التقصير في تربية الأولاد.
- من مظاهر التقصير والخطأ في تربية الأولاد.
- تساؤلات.
- صور مشرقة من تربية السلف لأولادهم.
- مناشدة.
- السبل المعينة على تربية الأولاد.
وأخيرًا أسال الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى_أن يصلح لنا النية والذرية، وأن يعيننا على أنفسنا وأولادِنا; إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
محمد بن إبراهيم الحمد
الزلفي ص.ب: 460
www.toislam.net(1/1)
كما أن للوالدين حقَّاً على الأولاد_فكذلك للأولاد حق على الوالدين، وكما أن الله_عز وجلّ_أمرنا ببر الوالدين_فكذلك أمرنا بالإحسان إلى الأولاد، فالإحسان إليهم والحرص على تربيتهم_أداء للأمانة، وإهمالهم والتقصير في حقوقهم_غش وخيانة.
ولقد تظاهرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة_آمرةً بالإحسان إلى الأولاد وأداء الأمانة إليهم، محذرة من إهمالهم والتقصير في حقوقهم.
قال _سبحانه وتعالى_: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا] (النساء58 ).
وقال: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] (الأنفال: 27 ).
وقال: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] (التحريم:6)
وقال النبي": =كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته; فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته+ (3) .
وقال: =ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة+ (4) .
بالرغم من عظم مسؤولية تربية الأولاد إلا أن كثيرًا من الناس قد فرط بها، واستهان بأمرها، ولم يرعها حق رعايتها، فأضاعوا أولادهم، وأهملوا تربيتهم، فلا يسألون عنهم، ولا يوجهونهم.
وإذا رأوا منهم تمردًا أو انحرافاً بدأوا يتذمرون ويَشْكُون من ذلك، وما علموا أنهم هم السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف كما قيل:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء
والتقصير في تربية الأولاد يأخذ صورًا شتى، ومظاهر عديدة تتسبب في انحراف الأولاد وتمردهم، فمن ذلك ما يلي (5) :(1/2)
1_ تنشئة الأولاد على الجبن والخوف والهلع والفزع: فمما يلاحظ على أسلوبنا في التربية_تخويف الأولاد حين يبكون ليسكتوا ; فنخوفهم بالغول، والبعبع، والحرامي، والعفريت، وصوت الريح، وغير ذلك.
وأسوأ ما في هذا_أن نخوفهم بالأستاذ، أو المدرسة، أو الطبيب; فينشأ الولد جبانًا رعديدًا يَفْرَقُ من ظلِّه، ويخاف مما لا يخاف منه.
وأشد ما يغرس الخوف والجبن في نفس الطفل_أن نجزَع إذا وقع على الأرض، وسال الدم من وجهه، أو يده، أو ركبته، فبدلاً من أن تبتسم الأم، وتهدِّئ من رَوْعِ ولدها وتشعره بأن الأمر يسير_تجدها تهلع وتفزع، وتَلْطِم وجهها، وتضرب صدرها، وتطلب النجدة من أهل البيت، وتهول المصيبة، فيزداد الولد بكاءاً، ويتعود الخوف من رؤية الدم، أو الشعور بالألم.
2_ تربيتهم على التهور، وسلاطة اللسان والتطاول على الآخرين، وتسمية ذلك شجاعة (6) : وهذا خلل في التربية، وهو نقيض الأول، والحق إنما هو في التوسط.
3_ تربيتهم على الميوعة، والفوضى، وتعويدهم على الترف والنعيم والبذخ: فينشأ الولد مترفاً مُنعَّماً، همُّه خاصة نفسه فحسب، فلا يهتم بالآخرين، ولا يسأل عن إخوانه المسلمين، لا يشاركهم أفراحهم، ولا يشاطرهم أتراحهم; فتربية الأولاد على هذا النحو مما يفسد الفطرة، ويقتل الاستقامة، ويقضي على المروءة والشجاعة.
4_ بسط اليد للأولاد، وإعطاؤهم كلَّ ما يريدون: فبعض الوالدين يعطي أولاده كل ما سألوه، ولا يمنعهم شيئاً أرادوه، فتجد يدَه مبسوطة لهم بالعطاء، وهم يعبثون بالأموال، ويصرفونها في اللهو والباطل، مما يجعلهم لا يأبهون بقيمة المال، ولا يحسنون تصريفه.(1/3)
5_ إعطاؤهم ما يريدون إذا بكوا بحضرة الوالد، خصوصًا الصغار: فيحصل كثيرًا أن يطلب الصغار من آبائهم أو أمهاتهم طلبًا ما، فإذا رفض الوالدان ذلك لجأ الصغار إلى البكاء; حتى يحصل لهم مطلوبهم، عندها ينصاع الوالدان للأمر، وينفذان الطلب، إما شفقة على الولد، أو رغبة في إسكاته والتخلص منه، أو غير ذلك; فهذا من الخلل بمكان، فهو يسبب الميوعة والضعف للأولاد.
يقول الدكتور محمد الصباغ: =سمعت من مالك بن نبي×أن رجلاً جاء يسترشده لتربية ابن له أو بنت ولد حديثاً، فسأله: كم عمرها? قال: شهر، قال: فاتك القطار، قال: وكنت أظن بادئ الأمر أني مبالغ، ثم إني عندما نظرتُ وجدت أن ما قُلتُه الحقُّ، وذلك أن الولد يبكي، فتعطيه أمه الثدي، فينطبع في نفسه أن الصراخ هو الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد، ويكبر على هذا، فإذا ضربه اليهود بكى في مجلس الأمن يظن أن البكاء يوصله حقه+ (7) .
6_ شراء السيارات لهم وهم صغار: فبعض الوالدين يشتري لأولاده السيارة وهم صغار، إما لأن الابن ألحَّ عليه في ذلك، أو لأن الأب يريد التخلص من كثرة طلبات المنزل، ويريد إلقاءها على ولده، أو أن الابن ألحّ على الأم، والأم ألحّت على الأب، أو لغير ذلك من الاعتبارات.
فإذا تمكن الولد من السيارة فإنه_في الغالب_يبدأ في سلوك طريق الانحراف، فتراه يسهر بالليل، وتراه يكثر الخروج من المنزل، وتراه يرتبط بصحبة سيئة، وربما آذى عباد الله بكثرة التفحيط، وربما بدأ في الغياب عن المدرسة، وهكذا يتمرد على والديه، فيصعب قياده، ويعز إرشاده.
7_ الشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم: إما بضربهم ضرباً مبرحاً إذا أخطأوا_ولو للمرة الأولى_أو بكثرة تقريعهم وتأنيبهم عند كل صغيرة وكبيرة، أو غير ذلك من ألوان الشدة والقسوة (8) .(1/4)
8_ شدَّة التقتير عليهم: فبعض الآباء يُقَتِّر على أولاده أكثر من اللازم، مما يجعلهم يشعرون بالنقص، ويحسون بالحاجة، وربما قادهم ذلك إلى البحث عن المال بطريقة أو بأخرى، إما بالسرقة، أو بسؤال الناس، أو بالارتماء في أحضان رفقة السوء وأهل الإجرام.
9_حرمانهم من العطف والشفقة والحنان: ما يجعلهم يبحثون عن ذلك خارج المنزل; لعلهم يجدون من يشعرهم بذلك.
10_الاهتمام بالمظاهر فحسب: فكثير من الناس يرى أن حسن التربية يقتصر على الطعام الطيب، والشراب الهنيء، والكسوة الفخمة، والدراسة المتفوقة، والظهور أمام الناس بالمظهر الحسن، ولا يدخل عندهم تنشئة الولد على التدين الصادق، والخلق الكريم (9) .
11_ المبالغة في إحسان الظن بالأولاد: فبعض الآباء يبالغ في إحسان الظن بأولاده، فتجده لا يسأل عنهم، ولا يتفقد أحوالهم، ولا يعرف شيئاً عن أصحابهم ; وذلك لفرط ثقته بهم، فتراه لا يقبل عدلاً ولا صرفاً في أولاده، فإذا وقع أولاده أو أحد منهم في بلية، أو انحرف عن الجادة السوية، ثم نُبِّه الأب عن ذلك_بدأ يدافع عنهم، ويلتمس المعاذير لهم، ويتهم من نبهه أو نصحه بالتهويل، والتعجل، والتدخل فيما لا يعنيه.
12_ المبالغة في إساءة الظن بهم: وهذا نقيض السابق، فهناك من يسيء الظن بأولاده، ويبالغ في ذلك مبالغة تخرجه عن طوره، فتجده يتهم نيَّاتهم، ولا يثق بهم البتة، ويشعرهم بأنه خلفهم في كل صغيرة وكبيرة، دون أن يتغاضى عن شيء من هفواتهم وزلاتهم.
13_ التفريق بينهم: فتجد من الناس من يفرق بين أولاده، ولا يعدل بينهم بالسوية، سواء كان ذلك مادياً أو معنوياً.
فهناك من يُفَرِّق بين أولاده في العطايا والهدايا والهبات، وهناك من يفرق بينهم بالملاطفة والمزاح، وغير ذلك، مما يوغر صدور بعضهم على بعض، ويتسبب في شيوع البغضاء بينهم، ويبعث على نفورهم وتنافرهم.(1/5)
ومن مظاهر التفريق بين الأولاد_ما تجده عند بعض الآباء، حيث يخص أحد أبنائه الكبار بمبلغ من المال، ويشتري له قطعة أرض، وربما بناها له دون حاجة إلى ذلك، فإذا قيل له: وما نصيب الصغار والبنات? قال: الصغار نعطيهم إذا كَبِروا، والبنات يتزوجن ويكفيهن الأزواج المؤونة!.
بل ربما أعطى بعض الأولاد، ومنع بعضهم الآخر، أو زوَّج بعضهم دون الآخر مع أن السن متقاربة، والحاجة واحدة، ولكنه يفرق بينهم لهوى في نفسه، أو لأن هذا من تلك الزوجة الأثيرة عنده، وذاك من الزوجة التي ليس لها ودٌ في قلبه.
ولا شك أن هذا التصرف باطل ينافي العدل بين الأولاد، فمن الذي يضمن لهذا الرجل أن يعيش حتى يكْبر أبناؤه الصغار? ومن الذي يضمن له أنهم سيعيشون حتى يكبروا? ومن الذي يضمن له أنه سيستمر على غناه ويساره حتى يكْبروا.
ثم إن البناتِ لهن حقٌ ولو تزوجن، فالذي يليق بالوالد إذا أعطى أحدًا من أولاده شيئاً أن يعطي الآخرين مثله أو أن يدخره لهم، أو أن يكتب على هذا المعطى أنه أخذ كذا وكذا، فإما أن يكون ديناً عليه، أو يُحْسَم من حقه من الميراث بعد وفاة الوالد، وهكذا; فذلك لا ينافي العدل.
كما لا ينافي العدل_أيضاً_أن يعطي بعض الأولاد ما يحتاجه من علاج، أو نفقة دراسية، أو أن يشتري له سيارة إذا كان محتاجاً لها، وهكذا يعطي كل من احتاج إلى شيء من النفقة أو نحوها.
ولا يلزمه إذا أعطى أحداً من أولاده على نحو ما مضى أن يعطي الآخرين في الوقت نفسه.
أما العطية والهبة التي تكون لغير حاجة; حيث يخص بها بعضهم دون بعض_فذلك مما ينافي العدل.(1/6)
14_ التسخط بالبنات: وهذا_قبل أن يكون خللاً في التربية_هو خلل في العقيدة، فبعض الناس إذا رزقه الله بنتاً تسخط بها، وضاق ذرعاً بمقدمها، ولا شك أن هذا الصنيع من أعمال الجاهلية وأخلاق أهلها، الذين ذمهم الله_عز وجل_في قوله: [وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ] (النحل: 58، 59) (10)
وما أشبه الليلة بالبارحة، فلو زرت أحد مستشفيات الولادة في بلاد المسلمين، وقلَّبت طرفك في وجوه الذين ولد لهم بنات، وراقبت كلامهم، وسبرت أحوالهم عند إخبارهم بذلك_لوجدت توافقاً عجيباً، وتطابقاً غريباً بين حال كثير من هؤلاء، وحال الجاهليين الذي قصّ الله علينا أمرهم (11) .
وفي بعض المستشفيات قد يكتشفون ما برحم المرأة قبل الولادة عبر الأشعة الصوتية، فإذا كان ما في الرحم ذكرًا بشروا، وإن كان أنثى أقْصَرُوا، بل ربما عزَّوا_عياذًا بالله.
فتسخط البنات أمر خطير وفيه عدة محاذير، منها:
أ_أنه اعتراض على قدر الله_عز وجل_.
ب_أن فيه ردًا لهبة الله بدلاً من شكرها، وكفى بذلك تعرضًا لمقت الله.
جـ_أنه تشبه بأخلاق أهل الجاهلية.
د_أنه دليل على السَّفه والجهل والخلل في العقل.
هـ_أنه تحميل للمرأة ما لا تطيق; فبعضهم يغضب على المرأة بمجرد إتيانها بالأنثى، وما علم أنه هو السبب لو كان يعقل; إذ يعامل المرأة معاملة من لو كانت ولادة الذكور باختيارها; فلماذا لا يحنق على نفسه; إذ يلقح امرأته بأنثى (12) .
و_أن فيه إهانةً للمرأة وحطَّاً من قدرها.(1/7)
15_ ومن صور التقصير في تربية الأولاد تسميتهم بأسماء سيئة: فهذا خلل في التربية وجناية على الأولاد، قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد_حفظه الله_:=إني تأملت عامة الذنوب والمعاصي، فوجدت الذنوب والمعاصي إذا تاب العبد منها_تجذمها التوبة، وتقطع سيئ أثرها لِتَوِّها; فكما أن الإسلام يَجُبُّ ما قبله وأكبره الشرك_فإن التوبة تَجُبُّ ما قبلها متى اكتملت شروطُها المعتبرةُ شرعًا، وهي معلومة أو بحكم المعلومة.
لكن هناك معصية تتسلسل في الأصلاب، وعارها يلحق الأحفاد من الأجداد، ويتندر بها الرجال على الرجال، والولدان على الولدان، والنسوة على النسوان، فالتوبة منها تحتاج إلى مشوار طويل العثار; لأنها مسجلة في وثائق المعاش من حين استهلال المولود صارخاً في هذه الحياة الدنيا إلى ما شاء الله من حياته، في شهادة الميلاد، وحفيظةِ النفوس، وبطاقة الأحوال، والشهادات الدراسية، ورخصة القيادة، والوثائق الشرعية
إنها =تسمية المولود+ التي تَعَثَّر فيها =الأب+ فلم يهتدِ لاسم يقره الشرع المطهر، ويستوعبه لسان العرب، وتستلهمه الفطرة السليمة.
وهذه واحدة من إفرازات التموجات الفكرية التي ذهبت ببعض الآباء كل مذهب، كل بقدر ما أثَّر به من ثقافة وافدة، وكان من أسوئها ما نفث به بعض المستغربين منها من عشقٍ كَلِفٍ، وظمأ شديد لأسماء الكافرين، والتقاط كل اسمٍ رخوٍ متخاذل وعزوف سادرٍ عن =زينة المواليد+ الأسماء الشرعية+ (13) .
فمن الأخطاء التي تقع في تسمية المولود ما يلي:
أ_تسميتهم بالأسماء الممنوعة المحرمة: كتسميتهم بأسماء الله المختصة به; مثل الأحد، الرحمن، الله، الخالق، ومن ذلك الأسماء المعبدة لغير الله_تعالى_مثل عبد النبي، عبد الحسين، عبد علي، وكذلك تسميتهم بالأسماء الأجنبية الخاصة بأعدائنا من اليهود والنصارى وغيرهم; مثل: جورج، وديفيد، ومايكل، وجوزيف، وديانا، وجاكلين، لأن هذا يجر_ولو على المدى البعيد_إلى موالاتهم.(1/8)
ب_تسميتهم بالأسماء التي ينبغي تجنبها والتي قد تكون محرمة: كتسميتهم بأسماء الجبابرة والطواغيت; أمثال: فرعون، وهامان، وقارون، ومن كان في قافلتهم وعلى شاكلتهم مثل ماركس، ولينين، وستالين، وفرويد; لأن التسمي بهم يَنِمُّ عن الرضا بأفعالهم، والمحبة لمناهجهم.
ج_تسميتهم بالأسماء التي يُظن أنها من أسماء الله_تعالى_: فهذه من الأسماء المكروهة شرعًا كالتسمية بـ: عبد المقصود، وعبد الستار، وعبد الموجود.
د_تسميتهم بالأسماء المكروهة أدباً وذوقاً: وهي التي تحمل في ألفاظها تشاؤماً، أو معانيَ تكرهها النفوس، كحرب، وحمار، وكلب، ومرة.
هـ_تسمية الأولاد بالأسماء التي تسبب الضحك وتثير السخرية: مثل: شحات، وفلفل، وخيشة، وجحش، وبغل، وفجل.
و_التسمية بالأسماء التي توحي بالتميع والغرام وخدش الحياء: مثل: هيام، ومعناه: الجنون في العشق، وكذلك وصال، وفاتن، وفتنة، وشادية.
ز_التسمية بأسماء الملائكة: خاصة للنساء; إذ يخشى أن يكون تشبهاً بالمشركين.
ح_تسميتهم بالأسماء التي تتضمن تزكية دينية، مثل: برة (14) .
16_ مكث الوالد طويلاً خارج المنزل: فبعض الآباء يهمل منزله، ويمكث طويلاً خارجه، مما يعرض الأولاد للفتن، والمصائب، والضياع والانحراف، ومن مظاهر
ذلك ما يلي:
أ_الاشتغال عن الأولاد بالبيع والشراء والتجارة، ولو عوتب الأب على ذلك لقال: إنما أعمل لأجلهم.
ب_السفر الطويل خارج البلد للعمل أو النزهة.
ج_العكوف الساعات الطوال مع الأصحاب في الاستراحات والمتنزهات.
د_إهمال البيت الأول إذا بنى الأب بزوجة جديدة، وسكن معها بمسكن جديد ; فكم من الناس من يهمل بيته الأول إذا بنى بزوجة جديدة،فيضيع الأولاد، ويتشردون، بسبب انشغال والدهم، وبعده عنهم.
هـ_كثرة خروج الأم من المنزل إما للأسواق أو للزيارات.(1/9)
هذه بعض مظاهر المكث خارج المنزل، فكم في هذا الصنيع من إهمال للأولاد، وكم فيه من تعريض لهم للفتنة، وكم فيه من حرمان لهم من الشفقة والرعاية والعناية، وما أحسن ما قيل:
ليس اليتيمُ من انتهى أبواه
همِّ الحياةِ وخلَّفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
أمَّاً تخلَّت أو أباً مشغولا
17_ الدعاء على الأولاد: فكم من الوالدين_وخصوصًا الأمهات_من يدعو على أولاده، فتجد الأم_لأدنى سبب_تدعو على ولدها البريء بالحمى، أو أن يقتل بالرصاص، أو أن تدهسه سيارة، أو أن يصاب بالعمى أو الصمم، وتجد من الآباء من يدعو على أبنائه بمجرد أن يرى منهم عقوقاً أو تمرداً ربما كان هو السببَ فيه.
وما علم الوالدان أن هذا الدعاء ربما وافق ساعة إجابة،فتقع الدعوة موقعها، فيندمان ولات ساعة مندم.
ولهذا قال_عليه الصلاة والسلام_: =لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم+ (15) .
18_ التربية على سفاسف الأمور،وسيئ العبارات،ومرذول الأخلاق: كتشجيع الأندية، وتقليد الكفار، وتعويد البنات على لبس القصير من الثياب، ومن ذلك تعويدهم على إطلاق العبارات النابية، والكلمات المقذعة، وذلك من خلال كثرة ترديد الوالدين لتلك العبارات،أو من خلال نبز الأولاد بالألقاب عند مناداتهم، مما يجعل الأولاد يألفون هذه العبارات، ولا يراعون آداب الكلام.
19_فعل المنكرات أمام الأولاد، أو إقرارهم عليها: كشرب الدخان، أو حلق اللحية، أو سماع الأغاني، أو مشاهدة الأفلام الساقطة،أو متابعة المسلسلات التليفزيونية، وكتبرج المرأة أمام بناتها، وكثرة خروجها من المنزل لغير حاجة،إلى غير ذلك، فهذا كله يجعل من الوالدين قدوةً سيئة للأولاد.
وكذلك قد يرى الوالد على أولاده بعض المنكرات، فلا تراه يحرك ساكناً تجاههم; مما يجعلهم يستمرؤون المنكر.(1/10)
20_جلب المنكرات للمنزل: سواء كانت من المجلات الخليعة، أو من أجهزة الفساد المدمرة، أو الكتب التي تتحدث عن الجنس صراحة، أو غيرها من المنكرات.
فهذه وسائل تخريب، ومعاول هدم، وأدوات فساد وانحلال، ومدارس لهدم العقيدة وتميع الأخلاق، والتدريب العملي على ارتكاب الفواحش (16) ; فهذه الوسائل لها قدرة كبيرة على الإقناع، ولها تأثير بالغ في تنحية دور الأسرة في التربية.
21_ كثرة المشكلات بين الوالدين: فهذا العمل له دوره السيىء على الأولاد، فما موقف الولد الذي يرى والده وهو يضرب والدته? ويغلظ عليها بالقول? وما موقفه إذا رأى أمه تسيئ معاملة والده?
لا شك أن نوازع الشر ستتحرك في نفسه، ومراجل الحقد ستغلي في جوفه، فتزول الرحمة من قلبه، وينزع إلى الشّرَّة والعدوانية.
22_ التناقض: كأن يأمر الوالد أولاده بالصدق وهو يكذب، ويأمرهم بالوفاء بالوعد وهو يخلف، ويأمرهم بالبر والصلة وهو عاق قاطع،أو ينهاهم عن شرب الدخان وهو يشرب، وهكذا
وليس معنى ذلك أن يترك الوالد نصحَ أولاده إذا كان مقصِّراً أو مُفَرِّطاً في بعض الأمور، بل ينبغي أن ينصح لهم، ولو لم يكن عاملاً بما يقول، وإنما المقصود بيان أن التناقض بين القول والفعل_يفقد النصائح أثرها.
23_ العهد للخادمات والمربيات بتربية الأولاد: فهذا الأمر جد خطير، خصوصًا إذا كانت الخادمة أو المربية كافرة; فذلك مدعاة لانحراف الأولاد، وفساد عقائدهم وأخلاقهم.
24_ ترك البنات يذهبن للسوق بلا محرم: ولا شك أن هذا تفريط عظيم وإخلال بالأمانة، فمن الناس من يذهب ببناته إلى السوق الذي يبيع فيه الرجال، فيمكثن فيه الساعات الطوال، يتجولن بين الباعة بدون محرم; مما يعرضهن للفتنة، ويجعلهن يَفْتِنَّ غيرهن.(1/11)
ولو قيل لبعض هؤلاء: لِمَ لا تنزل معهم إلى السوق? لقال: أستحيي أن يراني أحد معهن! سبحان الله،أتستحيي من الناس ولا تستحيي من الله ?! أما تخاف العقوبة?! أما تخشى الفتنة?! لو كان عندك غنم ما تركتها بلا راعٍ يرعاها،أَعِرْضُك أرخص عندك من غنمك?! أما تخشى عليه من الذئاب الضارية?!
ومن رعى غنمًا في أرض مسبعةٍ
ونام عنها تولى رَعْيَها الأسدُ
وقد يقال لهذا: إذا كنت تستحيي من النزول مع محارمك فاذهب بهن إلى الأسواق الخاصة بالنساء، أو اذهب بهن إلى بلدة قريبة من بلدتك، وانزل معهن; حيث لا يعرفك أحد هناك.
25_ إهمال الهاتف وترك مراقبته في المنزل: فبعض الآباء_هداه الله_لا يلقي للهاتف بالاً، ولا يراقبه البتة، بل ربما أعطى كل واحدٍ من أبنائه وبناته هاتفاً خاصاً في غرفته، أو يعطيهم هاتفاً جوالاً ولو كانوا لا يدركون مخاطره، ولا يستفيدون منه على الوجه الصحيح.
وما علم أن الهاتف إذا أسيء استخدامه أصبح معول هدم وخراب; فكم جر من بلايا ورزايا، وكم قاد إلى الشرور والمحن، وكم انتهك بسببه من عرض، وكم خَرِب لأجله من بيت.
26_ الغفلة عمّا يقرؤه الأولاد: فالقراءة_ولا شك_تصوغ الفكر، وتؤثر في القارئ سلبًا أو إيجابًا.
وبعض الآباء لا يلقي لها بالاً، فلا يسأل عن قراءة أولاده، ولا يوجههم إلى القراءة النافعة، ولا يحذرهم من القراءة الضارة.
27_ احتقار الأولاد وقلة تشجيعهم: ومن مظاهر ذلك:
أ_إسكاتهم إذا تكلموا، والسخرية بهم وبحديثهم; مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه، قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه.
ب_التشنيع عليهم إذا أخطأوا ولمزهم إذا أخفقوا في موقف، أو تعثروا في مناسبة، مما يولد لديهم الخجل والهزيمة، ويشعر الوالد بالعجب والكبرياء، فيتكون بذلك الحاجز النفسي بين الطرفين; فلا يمكن بعده للوالد أن يؤثر في أولاده (17) .(1/12)
ج_ازدراؤهم إذا استقاموا: وهذا أشد الاحتقار وأعظم صوره، فتجد من الآباء من يحتقر أولاده إذا رأى منهم تقىً وصلاحًا واستقامةً وهدايةً، مما يجعلهم يضلون، وعلى أعقابهم ينكصون، فيصبحون بعد ذلك عالة عليه، وسببًا لجر البلايا إليه.
28_ قلة العناية بتربيتهم على تحمل المسؤولية: فبعض الآباء لا يربي أولاده على تحمل المسؤولية; إما لإراحتهم، أو لعدم ثقته بهم، أو لعدم مبالاته في تربيتهم، فتجد من الآباء_على سبيل المثال_من لديه محلاتٌ تجارية كثيرة، وتجده يستقدم العمال من خارج بلاده، وربما كانوا من الكفار، وربما استعان بمن يعمل عنده من أهل بلده، وأولاده في المنزل لا عمل لهم، بل ربما عملوا عند غيره.
وقد يكون الأبناء مقصرين أو عاقين، ولكن ما دور الأب تجاههم?
أما إذا كان الأولاد يشتغلون بطلب العلم، أو الدعوة إلى الله، أو نحو ذلك من معالي الأمور، وأراد الوالد أن يفرغهم لما توجهوا إليه من تلك الأعمال العظيمة - فلا بأس بذلك، بل إن الوالد يُحمد على صنيعه هذا.
وإنما اللوم يقع لمن تركهم عالة على غيرهم، وهو قادر على استصلاحهم، والأخذ بأيديهم إلى ما ينفعهم.
29_عدم إعطائهم فرصة للتصحيح والتغيير للأفضل: فبمجرد أدنى خطأ أو زلة_تجد بعض الآباء يزري بولده، ولا يكاد ينسى هذا الخطأ له، فإذا سرق الولد ناداه باسم السارق، وإذا كذب ناداه باسم الكذَّاب، وكأن هذه الأخطاء ضربة لازب لا تزول، أو وصمة عار لا تنمحي،ومن هنا ينشأ الولد وفي نفسه أنه سارق أو كذاب، فلا يحاول التخلص من عيبه، ولا يجد من يعينه على ذلك.
30_سوء الفهم لنفسية الأولاد وطبائعهم: فكثير من الآباء لا يفهم نفسية أولاده، ولا يعرف طبائعهم وأمزجتهم; فالأولاد تختلف أمزجتهم وطبائعهم; فمنهم من يغضب بسرعة، ومنهم من يتسم بالبرود، ومنهم من هو معتدل المزاج، فمعاملتهم بنمط واحد_بالرغم من تباين نفسياتهم_قد يتسبب في انحرافهم وميلهم.(1/13)
31_ قلة المراعاة لتقدير مراحل العمر التي يمر بها الولد: فتجد من الوالدين من يعامل الولد على أنه طفل صغير، بالرغم من أنه قد كَبِر، فهذه المعاملة تؤثر في نفس الولد وتشعره بالنقص، فلكل مرحلة من مراحل العمر معاملتها الخاصة التي يجدر بالوالد مراعاتها، والأخذ بها.
32_ الشماتة بالمبتلين: فبعض الآباء إذا رأى مبتلىً بدأ يشمت به، ويتهم أهله بالتقصير في تربيته، بدلاً مِنْ أن يسأل الله السلامة لنفسه، والعافية لهذا المبتلى; فكم من الناس من انحرف أبناؤه وضلوا; بسبب شماتته، وذرابة لسانه، وجرأته على الناس.
33_ قلة الاهتمام باختيار مدارس الأولاد: فكم من الآباء من لا يهتم بذلك، فتجده لا يسأل عن المدرسة التي سيدرس فيها ابنه، ولا عن المدرسين وسلوكهم وأخلاقهم، ولا عن المناهج الدراسية، ولا عن نوعية الطلاب الذين يدرسون في المدرسة مع ابنه.
34_ إلحاقهم بالمدارس الأجنبية: التي تفسد عقائدهم وأخلاقهم، خصوصًا إذا كانوا صغارًا، أو قليلي الحصانة من العلم والتقوى.
وقد لا يقتصر فسادهم على أنفسهم، بل يصبحون معاول هدم لأمتهم.
35_ قلة التعاون مع مدارس الأولاد أو انعدامه بالكلية: فكثير من الآباء لا يتعاون مع المدارس التي يدرس فيها أولاده، بل ربما لا يعلم أين يدرسون.
36_ الدفاع عن الولد بحضرته_خصوصًا في المدرسة: فقد يحدث أن يقوم أحد المدرسين أو المسؤولين في المدرسة بتأنيب طالب من الطلاب أو عقابه، ثم يأتي والده وقد غضب غضبةً مُضريَّةً، وبدلاً من الحوار الهادئ مع صاحب الشأن، وبدلاً من أن يكون ذلك بعيدًا عن ناظري الولد_تجد ذلك الوالد يطلق العباراتِ النابيةَ على الأستاذ أو المسؤول، ويصب جام غضبه عليه، وينزله في الحضيض بحضور ولده، ومن هنا تقل قيمة المدرسة في نفس الولد، ويشعر بالزهو والتيه والإعجاب بالنفس، فلا يكاد بعد ذلك يصيخ السمع للمعلمين والمربين.(1/14)
37_ ترك المبادرة في تزويج الأبناء مع الحاجة والمقدرة: فمن الآباء من لا يحفل بهذا الأمر; فتراه لا يبادر إلى تزويج أبنائه مع حاجاتهم إلى الزواج، ومع غنى الأب، واستطاعته أن يزوجهم.
وهذا خطأ فادح; حيث يترتب عليه مفاسد عظيمة تعود على الفرد والأمة; فبسببه تتعطل الشواب عن الزواج إلى سن متأخرة، وبسببه تضيع أعراض، وأخلاق.
وقد يصاب ذلك الابن الذي لم يُبادَر في تزويجه بمرض عضال، إما بسبب حادث سيارة أو غير ذلك، فلا يتمكن معه من الزواج، ولا يقبل أحد أن يزوجه بسببه; فمن يقوم على رعايته، خصوصاً إذا كان الوالدان كبيرين وليس عندهما من يقوم به، بل قد لا يجد من يلتفت إليه بعد فراق والديه الدنيا، كما أن المنية قد تفاجئ هذا الذي أُخر زواجه، فيُتوفَّى دون أن تكون له ذرية تدعو له، وتترحم عليه، وتحيي ذكره.
وإذا عاش ذلك الذي أُخِّر زواجه ربما عاش ممزقاً مشتتاً متعرضاً للفتن.
والذي يُؤخَّر زواجه يُحْرم من سكون النفس، وطمأنينة القلب، وفضائل الزواج المتعددة.
ثم إن الزواج مشروع في دين الإسلام، وأقل درجات المشروعية الإباحة، بل إن المتأمل في أدلة الشرع يجدها لا تدل على الإباحة فحسب، بل تدل على الاستحباب، أو الوجوب(18) .
وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن النكاح فرض عين يأثم تاركه مع القدرة عليه، قال بذلك أهل الظاهر (19) .
والذي نص عليه ابن حزم أنه واجب على الرجال دون النساء (20) .
ونقل الكاساني عن بعض الحنفية أنه فرض كفاية كالجهاد، وصلاة الجنازة، ونقل عن آخرين أنه واجب.
والقائلون بالوجوب من الحنفية منهم من عدّه واجباً كفائياً كرد السلام، ومنهم من جعله واجباً عَيْنِيَّاً عملاً لا اعتقاداً على طريق التعيين كصدقة الفطر والأضحية (21) .
والقول بوجوبه رواية عن أحمد، وهو قول بعض الحنابلة (22) .
وذهب بعض شافعية العراق إلى القول بأنه فرض كفاية يقاتل أهل البلد الذي يمتنعون منه (23) .(1/15)
وقد استدل القائلون بالفرضية، أو الوجوب العيني، أو الكفائي بالنصوص الآمرة بالنكاح كقوله_تعالى_: [فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ] (النساء: 3) .
وقوله: [وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ] (النور:32)
وقوله ": =يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج; فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم; فإنه له وجاء+ (24) .
فالأمر عندهم للوجوب، ولم يأتِ صارف يصرفه عن الوجوب، وقد تأكد الوجوب من إخبار الرسول"أن النكاح من سنته، ومن إنكاره"على من ترك النكاح، وعزم على التبتّل (25) .
وذهب جمهور أهل العلم إلى استحباب النكاح للتائق إليه الذي لا يخشى على نفسه الوقوع في الزنا; فإن كان توقانه شديدًا; بحيث يخشى على نفسه الوقوع في الزنا وجب عليه الزواج متى قدر على تكاليفه (26) .
هذه نبذة يسيرة من أقوال أهل العلم في الزواج وأهميته ومع ذلك تجد بعض الآباء لا يلقي بالاً لهذا الأمر; مما ينذر سوء المنقلب، على الأبناء بخاصة، وعلى الأمة بعامة.
فحقيق على الآباء أن يعوا هذا الأمر، وأن يسعوا في تزويج أبنائهم عند حاجة الأبناء، ويسار الآباء.
38_ إجبار الابن على نكاح من لا يريد: كأن يقول الوالد لابنه تزوج بنت عمك، أو بنت خالك، أو بنت الوجيه الفلاني، أو التاجر الفلاني، أو نحو ذلك.
وإذا لم يتزوج غضب عليه الوالد أشد الغضب، بل ربما هجره.
وهذا الصنيع لا يجوز; فليس للوالد إجبار ابنه على الزواج من أسرة معينة، أو فتاة معينة; فقد يرى الابن ما لا يرى والده; فقد لا يجد ميلاً لمن أشار والده بها، وقد يكون طامحًا لأسرة أخرى; وهكذا
نعم للوالدين أن يشيرا عليه، ولهما أن يحاولا إقناعه، وفتح المجالات أمامه، وإبداء المسوغات له.
ولكن ليس لهما إجباره، فقد يضرانه من حيث أراد نفعه.
رام نفعاً فضر من غير قصد
ومن البر ما يكون عقوقا(1/16)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =ليس لأحد من الأبوين أن يُلْزِم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقَّاً.
وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه_كان النكاح كذلك، وأولى; فإن أكل المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طولٍ يؤذي صاحبه، ولا يمكن فراقه+ (27) .
39_تأخير زواج البنات بغير مسوغ شرعي: فمن الآباء من يؤخر زواج ابنته بلا مسوغ شرعي; فتراه يرد الخاطب الكفؤ، ويؤخر زواج ابنته إما لكونها وحيدته فلا يرغب في فراقها، أو لرغبته في أن تخدمه، أو لأنها موظفة ويرغب في مالها، أو لأنه ينتظر خاطبًا غنيَّاً يتقدم لموليته، أو لغير ذلك من الأسباب.
وهذا حرمان للفتاة من حقها في الزواج; فكيف تكون حالها وهي ترى أترابها من بنات عمها،أو بنات خالها،أو صديقاتها وهن يحملن الأطفال، ويسعدن بالأزواج?
إنها تحترق كمداً وغمَّاً، وحسرة; فتبعة ذلك التأخير يتحملها الأب; لأن الأصل أن يبادر إلى تزويجها متى تقدم لها الخاطب الصالح.
أمّا تأخير الزواج، ورد الخاطب بلا مسوغ_فشذوذ، وخروج عن الأصل الشرعي والعرفي، وهو تمكين الفتاة من الزواج.
فإذا ارتضت المرأة رجلاً، وكان كفواً فليس لوليها منعُها من التزوج به.
فيا أيها الأب الناصح لابنته، خَفِ الله، وارحم موليتك، وتذكر بأنك لست مخلدًا في هذه الدنيا، وتذكر بأن الأنثى لا بدَّ لها من رجل يحوطها برعايته أباً كان، أو أخاً، أو عمَّاً، أو خالاً.
فإذا انْتَقَلْتَ عن هذه الدنيا، ولم تَدْخُلِ ابنتُك عشَّ الزوجية، وأنت السبب فمعنى ذلك أنها ستكون عالةً على إخوانها، أو أحدِ قاربها.
وقد تبتلى بمن لا يخاف الله فيها، سواء كان ذلك زوجَ أمِّها إذا تزوجت أمها بعد فراقك، أو زوجة أحد إخوانها، أو غير أولئك، فتتحول حياتها إلى جحيم لا يطاق(28).(1/17)
40_تزويج البنات بغير الأكفاء: فمن الآباء من لا يقصِّر في المبادرة إلى تزوج ابنته، ولكنه يقصر في اختيار الزوج المناسب، فتراه لا يتحرى الكفؤ الذي يُرضى دينُه وخلقُه، إما لقلة اهتمامه بأمر ابنته، أو لرغبته في التخلص من تبعتها وبقائها بلا زوج، وإما لعجلته وخرقه، وإما لطمعه في المال إذا تقدم إليه غني، أو لرغبته في الوجاهة والمنصب والسمعة إذا تقدم له من هو كذلك، أو يزوجها للقريب الذي يستحيي من رد طلبه.
أما الدين القويم، والخلق الكريم فلا يخطر بباله، ولا يدور في خياله.
ولهذا قد تبتلى بتارك للصلاة، أو مدمن للمخدرات، أو شرس الأخلاق، جافيْ الطبع.
ولا حرج أن يسأل الإنسان عن المنصب، والحسب، والنسب، ونحو ذلك من الاعتبارات.
لكن الحرج أن تكون هي المحكَّمةَ في المفاضلة، والترجيح دون اعتبار للدين والخلق، وهذا من الخلل والتفريط (29) .
41_ إرغام البنت على الزواج بمن لا تريده: فمن الآباء من إذا خطبت إليه ابنته، واقتنع بالخاطب_أيَّاً كانت دوافع الاقتناع_أعطى الموافقة التامة دون أن تعلم البنت بشيء; فإذا قرُبَ موعد الزفاف همس الولي في أذنها; كي تهيئ نفسها لزوجها.
وهذا من الخلل; فقد لا ترضى البنت بالزوج; فإذا أجبرت على الزواج منه كانت حياتهما ضرباً من النكد.
ولهذا جاء الشرع الحكيم بمنع الولي من إكراه موليته على الزواج; لأن ذلك ليس من حقه، جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة÷أن النبي"قال: =لا تُنْكَح الأيِّمُ حتى تستأمر، ولا تُنْكَح البكر حتى تستأذن+.
قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها? قال: =أن تسكت+ (30) .
وعلى هذا فلا يجوز تزويج المولية بغير إذنها، ولا يعني اشتراط إذنها أن الولي غير لازم في نكاحها; فالصواب من القول أن تتفق إرادتها وإرادة وليها في التزويج.
نعم لوليها أن يحاول إقناعها بالزواج إذا كانت ترفضه، وله إقناعها بالزوج الصالح إذا كان ترده، ولكن ليس له إجبارها.(1/18)
ولا يعني ذلك أن تتعنَّت المرأة بحجة أنها لا تجبر (31) .
42_ دخول الوالد في كل صغيرة وكبيرة من أمر ولده إذا تزوج: فمن الوالدين _أباً كان أو أماً_من يفرض وصاية عامة، ويضع سياجًا محكماً على أولاده بنين وبناتٍ حتى بعد أن يتزوجوا; فتراه يتدخل في شؤونهم الخاصة، ويأتي بيوتهم على غِرَّة، ويفرض أراءه التي قد تكون مجانبة للصواب.
وهذا من الخلل في التعامل مع الأولاد; فاللائق بالوالد أن يترك أولاده يعيشون حياتهم الخاصة بهم، وألا يكون حجر عثرة في طريق سعادتهم.
ولا يعني ذلك أن يترك مناصحتهم، ودلالتهم على ما فيه صلاحهم وفلاحهم، وإنما المقصود من ذلك لزوم الاعتدال في شتى الأحوال.
هذه بعض مظاهر التقصير في تربية الأولاد، فماذا نؤمل بعد هذا الإهمال? وماذا سنحصد من جراء ذلك التقصير?
أَوَبعد هذا نطمع في استقامة الأولاد? نحيطهم بكل ما يؤدي إلى الانحراف، ثم نرجو بعد ذلك صلاحهم وفلاحهم?
ومن هنا نعلم أية جناية نجنيها على الأولاد حين نقذف بهم إلى معترك الحياة في جو هذه التربية الخاطئة، ثم ما أسرعنا إلى الشكوى منهم حين نراهم منحرفين أو عاقين أو متمردين; ونحن قد غرسنا بأيدينا بذور هذا الانحراف، أو العقوق، أو التمرد (32) .
أين تربيتنا_في هذه الأعصار المتأخرة_من تربية سلفنا الصالح الذين خروجوا لنا أكرم جيل، وأفضل رعيل لا يدانيهم أحد من بعدهم، ولا يبلغ شَأْوَهَمْ مَنْ لحق بهم.
فمن كان وراء هؤلاء الأبطال? ومن الذي صنع أولئك الرجال?
إننا لو سبرنا أحوالهم، وتتبعنا سيرهم_لوجدنا أن وراء كل واحد منهم_بعد توفيق الله_أباً عظيمًا أو أمَّاً عظيمة يربون أولادهم على تطلاب الكمال، ونشدان المعالي.
ولنأخذ نماذج لبعض الأمهات ممن كن وراء الخدور، يربين الأولاد، ويغرسن الفضيلة في جوانحهم، ويثبتن دعائمها في مسارب دمائهم.(1/19)
1_ هذا الزبير بن العوام÷تربى في حجر أمه صفية بنت عبد المطلب_رضي الله عنها_ونشأ على طبعها وسجيتها، تلك المرأة الشجاعة الكريمة.
ومن صور شجاعتها ما كان منها في معركة أحد، عندما أغرت هند بنت عتبة_رضي الله عنها_بحمزة بن عبد المطلب÷مَنْ خالسه فصرعه، وكان قد قَتَل آلها يوم بدر_فنفذت إليه، فبقرت بطنَه، ونزعت كبدَه، وجدعت أنفه، وصَلَمَتْ أذنيه، وعندما انقضت المعركةُ كادت جثمان حمزة تحيل من فرط ما مُثِّل به، فلما وقف به رسول الله"اشتد حزنه لما أصاب عمّه البطل الكريمَ، ووقف بنجوة منه، ثم أبصر فوجد عمَّته صفية بنت عبد المطلب مقبلةً، لتنظر ما فعل القوم بأخيها، فقال رسول الله"لابنها الزبير بن العوام: =دونك أمك فامنعها+ وأكبر همه ألا يجدَّ بها الجزع لما ترى، فلما وقف ابنها يعترضها قالت: =دونك لا أرض لك لا أم لك+.
وهنالك ارتجفت أحناء بطل قريش، وزلزلت قدماه، واعتقل لسانه، وكر راجعاً إلى رسول الله"فحدثه حديث أمِّه فقال: =خلِّ سبيلها+.
ثم انفرجت صفوف الناس لعمة رسول الله"فسارت حتى أتت أخاها فنظرت إليه، فصلت واسترجعت، واستغفرت له، وقالت لابنها: =قل لرسول الله ما أرضانا بما كان في سبيل الله، لأحتسبن، ولأصبرن إن شاء الله+.
2_ وهذا أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب÷تَنَقَّل في تربيته بين صدرين من أملأ صدور العالمين حكمةً، وأحفلها بجلال الخلال وكريم الخصال، فكان مغذاه على أمه فاطمة بنت أسد، ومراحه على أم المؤمنين خديجة بنت خويلد_رضي الله عنها_.
3_ وهذا أمير المؤمنين، أريب العرب، وألمْعِيُّها معاوية بن أبي سفيان _رضي الله عنهما_ من كان وراءه? لقد كان وراءه أمٌّ عظيمة هي هند بنت عتبة_رضي الله عنها_وهي القائلة وقد قيل لها ومعاوية وليد بين يديها: إن عاش ساد قومه. قالت: ثكلته إن لم يسد إلا قومه.(1/20)
وكان معاوية إذا نوزع الفخر بالمقدرة، وجوذب بالمباهاة بالرأي_انتسب إلى أمه، فصدع أسماع خصمه بقوله: أنا ابن هند.
4_ وهذا عبد الله بن الزبير÷كان وراءه أم كريمة شجاعة هي أسماء بنت أبي بكر الصديق_رضي الله عنهما_وهي القائلة وقد نعي ابنها عبد الله: =ما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل+.
وهي القائلة_أيضاً_قبل ذلك عندما استشارها ابنها عبد الله بن الزبير في قتال الحجاج: =اذهب والله لضربة بالسيف على عزٍّ أفضل من ضربة بالسوط على ذل+.
5_ وهذا أمير المؤمنين أعدل الملوك وأورعهم، وأزهدهم أبو حفص عمر بن عبد العزيز_رحمه الله تعالى_من كان وراءه? إنها أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب أكملُ أهل دهرها كمالاً، وأكرمهم خلالاً.
6_ وهذا عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، ذلك الفتى الذي كملت مروءته، وتناهى سؤدده فكان مضرب المثل في العلم والشجاعة، والزهد والعبادة بالرغم من أنه توفي وهو في التاسعة عشرة من عمره.
فمن كان وراءه? لقد كان وراءه والده الزاهد عمر بن عبد العزيز، وأمه فاطمة بنت عبد الملك بن مروان (33) .
7_ وهذا سفيان الثوري، وما أدراك ما سفيان الثوري?
إنه فقيه العرب، ومحدثهم، وأحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، إنه أمير المؤمنين في الحديث.
وما كان ذلك العلم الشامخ، والإمام الجليل إلا ثمرةَ أم صالحةٍ، حفظ لنا التاريخ مآثرها وفضائلها ومكانتها، وإن كان ضنَّ علينا باسمها.
روى الإمام أحمد بسنده عن وكيع قال: =قالت أم سفيان لسفيان: يا بني: اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي+.
فكانت_رحمها الله_تعمل وتقدم له; ليتفرغ للعلم، وكانت تتخوله بالموعظة والنصيحة; قالت له ذات مرة_فيما يرويه الإمام أحمد_: =يا بني إن كتبت عشرة أحرفٍ فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم ترَ ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك+.(1/21)
8_ وهذا الإمام الحبر، الفقيه البحر، العالم النحرير; الذي دَنَتْ له قطوف الحكمة، ودانت له نواصي البلاغة، إنه محمد بن إدريس الشافعي الذي ملأ أقطار الأرض علمًا وفقهًا وفضلاً_كان ثمرة الأمِّ العظيمة، فقد مات والده وهو جنين أو رضيع، فتولته أمه بعنايتها، وأشرقت عليه بحكمتها،وكانت امرأة من فضليات عقائل الأزد.
9_وهذا أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر: الذي ولي الأندلس، وهي ولاية تميد بالفتن، وتشرق بالدماء، فما لبث أن قرَّتْ له، وسكنت لهيبته، ثم خرج في طليعة من جنده، فافتتح سبعين حصنًا في غزوة واحدة، ثم أمعن بعد ذلك في قلب فرنسا، وتغلغل في أحشاء سويسرا، وضم أطراف إيطاليا، حتى ريَّض كل أولئك له.
وبعد أن كانت قرطبة دار إمارة يُذْكر فيها الخليفة العباسي على منابرها، وتمضي باسمه أحكامها_أصبحت مقر خلافته، يحتكم إليها عواهل أوروبا وملوكها، ويختلف إلى معاهدها علماء الأمم، وفلاسفتها.
أتدري ما سر هذه العظمة? وما مهبط وحيها? إنها المرأة وحدها; فقد نشأ عبد الرحمن يتيمًا قتل عمُّه أباه، فتفردت أمه بتربيته، وإيداع سر الكمال وروح السمو في نفسه، فكان من أمره ما علمت.
10_وربما تقول_أيها القارئ الكريم هؤلاء هم السلف الأوائل، فـ:
لا تَعْرِضَنَّ بذكرهم مع ذكرنا
ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ
وأقول لك: إن الأمثلة في هذا السياق لا تكاد تنقضي; فالخير_ولله الحمد_موجود في هذه الأمة، وإليك هذا المثال لإمام من أئمة العلم، والفضل، والزهد، والتقى ولد عام 1330هـ وتوفي عام 1420هـ_بعد أن خلَّف سيرة غرّاء، وذكرًا أطيب من ريح المسك، بعد أن ملأ الدنيا علماً وفضلاً، وإصلاحاً; إنه سماحة الإمام العلامة الحبر البحر الشيخ عبد العزيز بن باز_رحمه الله رحمة واسعة_لقد مات والده وهو صغير; حيث إنه لا يذكر والده، وكان ضعيف البنية في صغره; حيث لم يستطع المشي إلا بعد أن بلغ الثالثة من عمره; فمن كان وراءه حتى صار إلى ما صار إليه?(1/22)
لقد تعهدته والدته بالتربية، والعناية; فكان_منذ نعومة أظفاره_سبّاقاً للخير، مواظباً على الطاعات، مبكراً للصلوات، وكان معروفاً بالكرم منذ صغره، ومنذ أن كان يطلب العلم على المشايخ; فكان إذا سلم عليه أحد دعاه إلى غدائه أو عشائه، وكان يأخذ زملاءه في الضحى; ليطعمهم التمر وما تيسر، مع قلة ذات اليد، وشظف العيش آنذاك.
ألف المروَّة مذْ نشا فكأنما
رضع اللبانَ بها صبيَّاً مُرْضعاً
ولقد كانت أمه_بعد توفيق الله_نعم المعين والمربي والموجه له.
وإلا كيف يبلغ هذه الإمامة وذلك التفرد مع يُتمه، ومع مرض العيون الذي أصابه في سن السادسة عشرة، وذَهَب ببصره وعمره تسع عشرة سنة; وما زالت أمه وراءه حتى توفيت وعمره خمس وعشرون سنة (34) .
هذه نماذج عطرة، وصور مشرقة من سيرة السلف في التربية، تأخذ بالألباب، وتثير في النفس دواعي الإعجاب.
وإن الإنسان إذا رأى ما عليه الأولاد في هذه الأزمنة من التمرد والانحراف، ورأى ما عليه الآباء من الغفلة والإعراض، وقارن حالنا بحال السلف الصالح، إن الإنسان إزاء هذا ليكاد اليأس يدِبُّ إلى قلبه، وينفث آثاره في روعه.
ولكن مهما يكن من شيء فالمسلم لا ييأس، ولا ينبغي له، فالذي أصلح السلف قادر على إصلاح الخلف، وهذه الأمة كالمطر; الخير في أولها وآخرها.
فالأمر_بعد توفيق الله_بأيدينا، وذلك إذا أخذنا بالأسباب، ودخلنا البيوت من الأبواب، وسعينا في البحث عن العلاج، وأصحلنا الخطأ وقومنا الاعوجاج.
فيا معشر الآباء والأمهات: شمروا عن ساعد الجد، واقدحوا لتربية الأولاد الزند، واستفرغوا لذلك الطاقةَ والجهد; فوالله لو لم يأتكم من تربية الأولاد إلا أن تكفوا شرهم، وتسلموا من تبعتهم.
معينة على تربية الأولاد، وأمور يجدر بنا مراعاتها، وينبغي لنا سلوكها مع فلذات الأكباد، فمن ذلك ما يلي (35) :(1/23)
1_ العناية باختيار الزوجة الصالحة: فلا يليق بالإنسان أن يقدم على الزواج إلا بعد استخارة الله _عز وجل_ واستشارة أهل الخبرة والمعرفة; فالزوجة هي أم الأولاد، وسينشؤون على أخلاقها وطباعها، ثم إن لها_في الغالب_تأثيرًا على الزوج نفسه; لذلك قيل: =المرء على دين زوجته; لما يستنزله الميل إليها من المتابعة، ويجتذبه الحب لها من الموافقة، فلا يجد إلى المخالفة سبيلاً، ولا إلى المباينة والمشاقة طريقاً+ (1) .
قال أكثم بن صيفي لولده: =يا بَنِيَّ! لا يَحْمِلَنَّكم جمال النساء عن صراحة النسب; فإن المناكحَ الكريمةَ مدرجةٌ للشرف+ (36) .
وقال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: =قد أحسنت إليكم صغارًا وكبارًا، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد? قال: اخترت لكم من الأمهات مَنْ لا تُسَبُّون بها+ (37) .
وأنشد الرياشي:
فأول إحساني إليكم تَخَيُُّري
لماجدة الأعراق بادٍ عفافُها(2)
2_ سؤال الله الذريةَ الصالحة: فهذا العمل دأب الأنبياء والمرسلين، وعباد الله الصالحين كما قال_تعالى_عن زكريا_عليه السلام_: [قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ] (آل عمران: 38) .
وكما حكى عن الصالحين أن من صفاتهم أنهم يقولون: [رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً] (الفرقان: 74) .
3_ الفرح بمقدم الأولاد، والحذر من تسخطهم: فالأولاد هبة من الله_عزّ وجل_واللائق بالمسلم أن يفرح بما وهبه الله، سواء كان ذلك ذكرًا أم أنثى، ولا ينبغي للمسلم أن يتسخط بمقدمهم، أو أن يضيق بهم ذرعاً، أو أن يخاف أن يثقلوا كاهله بالنفقات; فالله_عز وجل_هو الذي تكفل برزقهم كما قال_سبحانه وتعالى_: [نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ] (الإسراء: 31) .(1/24)
كما يحرم على المسلم أن يتسخط بالبنات، ويحزن لمقدمهن، فما أجدره بالبعد عن ذلك; حتى يسلم من التشبه بأخلاق الجاهلية، وينجو من الاعتراض على قدر الله، ومن ردِّ هبته_عز وجل_.
ففضل البنات لا يخفى، فهن البنات، وهن الأخوات، وهن الزوجات، وهن الأمهات، وهن_كما قيل_نصف المجتمع، ويلدن النصف الآخر، فهن المجتمع بأكمله.
ومما يدل على فضلهن_أن الله_عز وجل_سمى إتيانهن هبةً، وقدمهن على الذكور، فقال_عز وجل_: [لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ] (الشورى: 49) .
وقال_عليه الصلاة والسلام_: =من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن سترًا له من النار+ (38) .
وقال": =لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان أو أختان، فيتقي الله فيهن، ويحسن إليهن إلا دخل الجنة+ (39) .
ولله در القائل:
حبذا من نعمة الله البناتُ الصالحاتُ
هن للنسل وللأنس وهن الشجراتُ
وبإحسانٍ إليهنَّ تكون البركاتُ(40)
4_ الاستعانة بالله على تربيتهم: فإذا أعان الله العبد على أولاده، وسدده ووفقه _أفلح وأنجح، وإن خُذل ووكل إلى نفسه_فإنه سيخسر ويكون عمله وبالاً عليه، كما قيل:
إذا صح عونُ الخالق المرءَ لم يجد
عسيرًا من الآمال إلا ميسرا
وكما قيل:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
5_ الدعاء للأولاد، وتجنب الدعاء عليهم: فإن كانوا صالحين دعي ليهم بالثبات والمزيد، وإن كانوا طالحين دعي لهم بالهداية والتسديد.
والحذر كلَّ الحذرِ من الدعاء عليهم; فإنهم إذا فسدوا وانحرفوا_فإن الوالدين أولُ من يكتوي بذلك.
6_ تسميتهم بأسماء حسنة: فالذي يجدر بالوالدين أن يسموا أولادهم أسماءً إسلاميةً عربيةً حسنةً، وأن يحذروا من تسميتهم بالأسماء الممنوعة، أو الأسماء المكروهة، أو المشعرة بالقبح، فالأسماء تستمر مع الأبناء طيلة العمر، وتؤثر بهم، وبأخلاقهم.(1/25)
قال ابن القيم×: =فقلَّ أن ترى اسماً قبيحاً إلا وهو على مسمى قبيح كما قيل:
وقلَّ أن أبصرت عيناك ذا لقبٍ
إلا ومعناه لو فكَّرت في لقبه
والله_سبحانه_بحكمته في قضائه وقدره يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها ; لتناسب حكمته_تعالى_بين اللفظ ومعناه كما تناسبت بين الأسباب ومسبباتها.
قال أبو الفتح ابن جني: ولقد مر بي دهرٌ وأنا أسمع الاسم لا أدري معناه، فآخذ معناه من لفظه، ثم أكتشفه، فإذا هو ذلك بعينه، أو قريب منه.
فذكرت ذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية×فقال: وأنا يقع لي كثيراً (41) .
وقال ابن القيم×: =وبالجملة فالأخلاق والأعمال، والأفعال القبيحة - تستدعي أسماءً تناسبها، وأضدادها تستدعي أسماءً تناسبها، وكما أن ذلك ثابت في أسماء الأوصاف فهو كذلك في أسماء الأعلام، وما سمي رسول الله " محمداً وأحمد إلا لكثرة خصال الحمد فيه; ولهذا كان لواء الحمد بيده، وأمته الحمَّادون، وهو أعظم الخلق حمدًا لربه_تعالى_لهذا أمر رسول الله " بتحسين الأسماء فقال: =حسِّنوا أسماءكم+; فإن صاحب الاسم الحسن قد يستحيي من اسمه، وقد يحمله اسمه على فعل ما يناسبه، وترك ما يضاده; ولهذا ترى أكثر السفل أسماؤهم تناسبهم، وأكثر العِلْيَة أسماؤهم تناسبهم، وبالله التوفيق+ (42) .
قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد_حفظه الله_: =فعلى المسلمين عامة، وعلى أهل هذه الجزيرة العربية خاصة_العناية في تسمية مواليدهم بما لا ينابذ الشريعة بوجه، ولا يخرج عن سنن لغة العرب; حتى إذا أتى إلى بلادهم الوافد، أو خرج منها القاطن_فلا يسمع الآخرون إلا: عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وأحمد، وعائشة، وفاطمة، وهكذا من الأسماء الشرعية في قائمة يطول ذكرها زخرت بها كتب السير والتراجم.(1/26)
أما تلك الأسماء الأعجمية المولدة لأمم الكفر المرفوضة لغة وشرعًا، والتي قد بلغ الحال من شدة الشغف بها التكني بأسماء الإناث منها، وهذه معصية المجاهرة مضافة إلى معصية التسمية بها_فاللهم لا شماتة.
ومنها: إنديرا، جاكلين، ديانا، سوزان_ومعناها الإبرة، أو المحرقة_فالي، فكتوريا، كلوريا، لارا، لندا، مايا، منوليا، هايدي، يارا.
وتلك الأسماء الأعجمية فارسية أو تركية، أو بربرية: مرفت، جودت، حقي، فوزي، شيرهان، شيرين، نيفين.
وتلك التافهة الهمل: زوزو، فيفي، ميمي.
وتلك الأسماء الغرامية الرخوة المتخاذلة: أحلام، أريج، تغريد، غادة، فاتن، هيام+ (43) .
وما أجمل قول البيحاني في منظومته:
سم الذي جئتِ به محمداً
أو طاهراً أو مصطفى أو أحمدا
نعم وإن شئت فعبد الله
لكي يعيش تحت لطف الله
والبنتَ سميها بأم هاني
لا باسم فيروز ولا اسمهان(44)
7_ تكنيتهم بكنى طيبة في الصغر: كأن يكنى الولد بأبي عبد الله، أو أبي أحمد أو غير ذلك; حتى لا تسبق إليهم الألقاب السيئة، فتستمر معهم طيلة العمر; فقد كان السلف الصالح يُكَنُّون أولادهم وهم صغار، فتبقى معهم هذه الكنى حتى فراق الدنيا، وكتب التراجم والسير زاخرة بذلك.
8_ غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد: فمما يجب_بل هو أوجب شيء على الوالدين_أن يحرصوا كل الحرص، على هذا الأمر، وأن يتعاهدوه بالسقي والرعاية، كأن يعلم الوالد أولاده منذ الصغر أن ينطقوا بالشهادتين، وأن يستظهروها، وينمي في قلوبهم محبة الله_عز وجل_وأن ما بِنَا من نعمة فمنه وحده، ويعلمهم_أيضًا_أن الله في السماء، وأنه سميع بصير، ليس كمثله شيء، إلى غير ذلك من أمور العقيدة، وهكذا يوجههم إذا كبروا إلى قراءة كتب العقيدة المناسبة لهم.(1/27)
9_ غرس القيم الحميدة والخلال الكريمة في نفوسهم: فيحرص الوالد على تربيتهم على التقوى، والحلم، والصدق، والأمانة، والعفة، والصبر، والبر، والصلة، والجهاد، والعلم; حتى يَشِبُّوا متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، ومكارم الأخلاق.
10_ تجنيبهم الأخلاق الرذيلة، وتقبيحها في نفوسهم: فيُكَرِّه الوالد لهم الكذب، والخيانة، والحسد، والحقد، والغيبة، والنميمة، والأخذ من الآخرين، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والجبن، والأثرة، وغيرها من سفاسف الأخلاق ومرذولها; حتى ينشأوا مبغضين لها، نافرين منها.
11_ تعليمهم الأمور المستحسنة، وتدريبهم عليها: كتشميت العاطس، وكتمان التثاؤب، والأكل باليمين، وآداب قضاء الحاجة، وآداب السلام ورده، وآداب الرد على الهاتف، واستقبال الضيوف، والتكلم بالعربية وغير ذلك.
فإذا تدرب الولد على هذه الآداب والأخلاق، والأمور المستحسنة منذ الصغر - ألفها وأصحبت سجية له; فما دام أنه في الصبا فإنه يقبل التعليم والتوجيه، ويشب على ما عُوِّد عليه كما قيل:
وينشأ ناشئُ الفتيان منا
على ما كان عوَّده أبوه
وكما قيل:
إن الغصون إذا قوَّمْتَها اعتدلت
ولا يلين إذا قوَّمْتَه الخشبُ
وكما قال صالح بن عبد القدوس:
وإن من أدبته في الصبا
كالعود يسقى الماء في غرسه
حتى تراه ناظراً مورقا
بعد الذي قد كان من يبسه
12_ الحرص على استعمال العبارات المقبولة الطيبة مع الأولاد، والبعد عن العبارات المرذولة السيئة: فمما ينبغي للوالدين مراعاته أن يحرصا على انتقاء العبارات الحسنة المقبولة الطيبة، البعيدة عن الاسفاف في مخاطبة الأولاد، وأن يربأوا بأنفسهم عن السب، والشتم، واللجاج وغير ذلك من العبارات البذيئة المقذعة.(1/28)
فإذا أعجب الوالدين شيءٌ من عمل الأولاد_على سبيل المثال_قالا: ما شاء الله، وإذا رأيا ما يثير الاهتمام قالا: سبحان الله، الله أكبر، وإذا أحسن الأولاد قالا لهم: بارك الله فيكم، أحسنتم، وإذا أخطأوا قالا: لا يا بني، ما هكذا، إلى غير ذلك من العبارات المقبولة الحسنة; حتى يألف الأولاد ذلك، فتعفَّ ألسنتهم عن السباب والتفحش.
13_ الحرص على تحفيظ الأولاد كتاب الله: فهذا العمل من أجلِّ الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الوالدان; فالاشتغال بحفظه، والعمل به اشتغال بأعلى المطالب، وأشرف المواهب، ثم إن فيه حفظاً لأوقاتهم، وحماية لهم من الضياع والانحراف، فإذا حفظوا القرآن أثَّر ذلك في سلوكهم وأخلاقهم، وفَجَّر ينابيع الحكمة في قلوبهم.
14_ تحصينهم بالأذكار الشرعية: وذلك بإلقائها إليهم إن كانوا صغارًا، وتحفيظهم إيّاها إن كانوا مميزين، وتبيين فضلها، وتعويدهم على الاستمرار عليها.
15_ الحرص على مسألة التربية بالقدوة: فهذه مسألة مهمة، فينبغي للوالدين أن يكونا قدوةً للأولاد في الصدق، والاستقامة، وغير ذلك، وأن يتمثلا ما يقولانه.
ومن الأمور المستحسنة في ذلك أن يقوم الوالدان بالصلاة أمام الأولاد; حتى يتعلم الأولاد الصلاة عملياً من الوالدين، وهذا من والحِكَم التي شرعت لأجلها صلاة النافلة في البيت.
ومن ذلك كظم الغيظ،وحسن استقبال الضيوف،وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وغير ذلك.
16_ الحذر من التناقض: فلا يليق بالوالدين أن يأمرا الأولاد بأمر ثم يعملا بخلافه، فالتناقض_كما مر_يفقد النصائح أثرها.
17_ الوفاء بالوعد: وهو داخل فيما مضى إلا أنه أفرد لأهميته، ولكثرة وقوع الناس في الخلف فيه، فكثير من الوالدين إذا أراد التخلص من إحراج أحد الأولاد_وعده بالوعود الكثيرة، فيعده بشراء الحلوى، أو بالذهاب إلى الحديقة، أو بشراء دراجة، أو غير ذلك، وربما لا يقوم الوالد بذلك أبدًا، مما يجعل الولد ينشأ على إلف ذلك الخلق الرذيل.(1/29)
فالذي يليق بالوالد، بل ويجب عليه إذا وعد أحدًا من أبنائه وعدًا - أن يتمه ويفي به، وإن حال بينه وبين إتمامه حائل اعتذر من الولد، وبيَّن له مسوغاتِ ذلك.
18_ إبعاد المنكرات وأجهزة الفساد عن الأولاد: فمما يجب على الوالد تجاه أولاده أن يحميهم من المنكرات، وأن يطهر بيته منها، حتى يحافظ على سلامة فِطَر الأولاد، وعقائدهم، وأخلاقهم.
19_ إيجاد البدائل المناسبة للأولاد: فكما أنه يجب على الوالدين إبعاد المنكرات فكذلك يجدر بهم أن يوجدوا البدائل المناسبة المباحة، سواء من الألعاب، أو الأجهزة التي تجمع بين المتعة والفائدة، حتى يجد الأولاد ما يشغلون به وقت فراغهم.
20_تجنيبهم أسباب الانحراف الجنسي: وذلك بإبعاد أجهزة الفساد عنهم، وتجنيبهم مطالعة القصص الغرامية، والمجلات الخليعة، التي يروِّج لها تجار الغرائز والأعراض، وعدم السماح لهم بسماع الأغاني، أو الإطلاع على الكتب الجنسية التي تبحث في التناسليات صراحة، وتشعل مخازن البارود الكامنة فيهم (45) .
21_ تجنيبهم الزينة الفارهة والميوعة القاتلة: فينبغي للوالد أن يمنع أولاده من الإفراط في التجمل، والمبالغة في التأنق والتطيب، وأن ينهاهم عن التعري والتكشف، والتشبه بأعداء الله الكافرين; لأن هذه الأعمال تتسبب في قتل مروءتهم، وإفساد طباعهم، وتقود إلى إغواء الآخرين وفتنتهم، وتدعو إلى جر الأولاد إلى الفاحشة والرذيلة، خصوصاً إذا كانوا صغارًا، أو ذوي منظر حسن.(1/30)
22_ تعويدهم على الخشونة والرجولة، والجد والاجتهاد، وتجنيبهم الكسل والبطالة والراحة والدعة: فلا يليق بالأب أن يعود أولاده على الكسل والراحة والبطالة والدعة، بل عليه أن يأخذهم بأضدادها، ولا يريحهم إلا بما يجم أنفسهم للشغل; فإن للكسل والبطالة عواقبَ سوءٍ، ومغبةَ ندمٍ، وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا، وإما في العقبى، وإما فيهما; فأروح الناس أتعب الناس، وأتعب الناس أروح الناس، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى - لا يوصل إليها إلاعلى جسر من التعب (46) .
فالراحة تعقبها الحسرة، والتعب يُعْقِبُ الراحة، وصدق من قال:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها
تنال إلا على جسر من التعب
23_ ومما ينبغي في ذلك_تعويدهم الانتباه آخر الليل: فإنه وقت الغنائم، وتفريقِ الجوائز، فمستقل، ومستكثر، ومحروم، فمن اعتاده صغيرًا سهل عليه كبيرًا (47) .
24_ تجنيبهم فضول الطعام، والكلام، والمنام، ومخالطة الأنام: فإن الخسارة في هذه الفضلات، وهي تُفوِّت على العبد خير دنياه وآخرته، ولهذا قيل: من أكل كثيرًا شرب كثيرًا; فنام كثيرًا، فخسر كثيرًا.
25_ تشويقهم للذهاب إلى المسجد صغارًا وحملهم على الصلاة فيه كبارًا: كأن يعمد الوالد إلى تشويق أولاده للذهاب للمسجد قبل تمام السابعة من أعمارهم، فيشوقهم قبل ذلك بأسبوع بأنه سيذهب بالولد إلى المسجد، ثم يذهب به، ويحرص على ضبطه فيه، ولا يسمح له بأن يكثر الحركة ويشغل المصلين، أما إذا كبروا فإنه يجب عليه أن يقوم عليهم، وأن يأمرهم بالصلاة في المسجد مع جماعة المسلمين، وأن يحرص على هذا الأمر، ويصطبر عليه.
قال الله - تعالى -: [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى] (طه: 132) .(1/31)
26_ مراقبة ميول الولد، وتنمية مواهبه، وتوجيهه لما يناسبه: بحيث يجد في المنزل ما ينمي مواهبه ويصقلها، ويعدها للبناء والإفادة، ويجد من يوجهه إلى ما يناسبه ويلائمه.
قال ابن القيم_رحمه الله تعالى_: =ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مُسْتَعِدٌّ له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره ما كان مأذونًا فيه شرعًا; فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له_لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك،جيد الحفظ، واعياً - فهذه علامات قبوله، وتهَيُّئِه للعلم; لينقشه في لوح قلبه ما دام خالياً، وإن رآه ميالاً للتجارة والبيع والشراء أو لأي صنعةٍ مباحة_فليمكنه منها; فكل ميسر لما خلق له+ (48).
27_ تنمية الجرأة الأدبية في نفس الولد: وذلك بإشعاره بقيمته، وزرع الثقة في نفسه; حتى يعيش كريماً شجاعاً صريحاً جريئاً في آرائه، في حدود الأدب واللياقة، بعيدًا عن الإسفاف والصفاقة; فهذا مما يشعره بالطمأنينة، ويكسبه القوة والاعتبار، بدلاً من التردد، والخوف، والهوان، والذلة، والصغار (49) .
28_ استشارة الأولاد: كاستشارتهم ببعض الأمور المتعلقة بالمنزل أو غير ذلك، واستخراج ما لديهم من أفكار، كأخذ رأيهم في أثاث المنزل، أو لون السيارة التي سيشتريها الأب، أو أخذ رأيهم في مكان الرحلة أو موعدها، ثم يوازن الوالد بين آرائهم، ويطلب من كل واحد منهم أن يبدي مسوغاته، وأسباب اختياره لهذا الرأي، وهكذا.
ومن ذلك إعطاؤهم الحرية في اختيار حقائبهم، أو دفاترهم، أو ما شاكل ذلك; فإن كان ثم محذور شرعي فيما يختارونه بيَّنهُ لهم.
فكم في هذا العمل من زرع للثقة في نفوس الأولاد، وكم فيه من إشعار لهم بقيمتهم، وكم فيه من تدريب لهم على تحريك أذهانهم، وشحذ قرائحهم، وكم فيه من تعويد لهم على التعبير عن آرائهم.(1/32)
29_ تعويد الولد على القيام ببعض المسؤوليات: كالإشراف على الأسرة في حالة غياب ولي الأمر، وكتعويده على الصرف، والاستقلالية المالية، وذلك بمنحه مصروفاً مالياً كل شهر أو أسبوع; ليقوم بالصرف منه على نفسه وبيته.
30_ تعويد الأولاد على المشاركة الاجتماعية: وذلك بحثهم على المساهمة في خدمة دينهم، وإخوانهم المسلمين، إما بالجهاد في سبيل الله، أو بالدعوة إلى الله، أو إغاثة الملهوفين، أو مساعدة الفقراء والمحتاجين، أو التعاون مع جمعيات البر، وغيرها.
31_ التدريب على اتخاذ القرار: كأن يعمد الأب إلى وضع الابن في مواضع التنفيذ، وفي المواقف المحرجة، التي تحتاج إلى حسم الأمر، والمبادرة في اتخاذ القرار، وتحمُّل ما يترتب عليه، فإن أصاب شجعه وشد على يده، وإن أخطأ قوَّمه وسدده بلطف; فهذا مما يعوده على مواجهة الحياة، والتعامل مع المواقف المحرجة.
32_ فهم طبائع الأولاد ونفسياتهم: وهذه المسألة تحتاج إلى شيء من الذوق، وسبر الحال، ودقة النظر.
وإذا وفِّق المربي لتلك الأمور، وعامل أولاده بذلك المقتضى_كان حريّاً بأن يحسن تربيتهم، وأن يسير بهم على الطريقة المثلى.
33_ تقدير مراحل العمر للأولاد: فالولد يكبر، وينمو تفكيره، فلا بدّ أن تكون معاملته ملائمة لسنه وتفكيره واستعداده، وألا يعامل على أنه صغير دائماً، ولا يعامل_أيضاً_وهو صغير على أنه كبير; فيطالب بما يطالب به الكبار، ويعاتب كما يعاتبون، ويعاقب كما يعاقبون.
34_ تلافي مواجهة الأولاد مباشرة: وذلك قدر المستطاع خصوصاً في مرحلة المراهقة، بل ينبغي أن يقادوا عبر الإقناع، والمناقشة الحرة، والحوار الهادئ البناء، الذي يجمع بين العقل والعاطفة.(1/33)
35_ الجلوس مع الأولاد: فمما ينبغي للأب_مهما كان له من شغل_أن يخصص وقتاً يجلس فيه مع الأولاد، يؤنسهم فيه، ويسليهم،ويعلمهم ما يحتاجون إليه، ويقص عليهم القصص الهادفة; لأن اقتراب الولد من أبويه ضروري جدًا; وله آثاره الواضحة، فهذا أمر مجرب; فالآباء الذين يقتربون من أولادهم; ويجلسون معهم، ويمازحونهم -يجدون ثمار ذلك على أولادهم، حيث تستقر أحوال الأولاد، وتهدأ نفوسهم، وتستقيم طباعهم.
أما الآباء الذين تشغلهم الدنيا عن أولادهم_فإنهم يجدون غبَّ ذلك على الأولاد، فينشأ الأولاد وقد اسودت الدنيا أمامهم، لا يعرفون مواجهة الحياة، فيتنكبون الصراط، ويحيدون عن جادة الصواب، وربما تسبب ذلك في كراهية الأولاد للوالدين، وربما قادهم ذلك إلى الهروب من المنزل، والانحدار في هاوية الفساد.
36_ العدل بين الأولاد: فما قامت السموات والأرض إلا بالعدل، ولا يمكن أن تستقيم أحوال الناس إلا بالعدل; فمما يجب على الوالدين تجاه أولادهم أن يعدلوا بينهم، وأن يتجنبوا تفضيل بعضهم على بعض، سواء في الأمور المادية كالعطايا والهدايا والهبات، أو الأمور المعنوية، كالعطف، والحنان، وغير ذلك.
37_ إشباع عواطفهم: فمما ينبغي مراعاته مع الأولاد إشباع عواطفهم، وإشعارهم بالعطف، والرحمة، والحنان; حتى لا يعيشوا محرومين من ذلك، فيبحثوا عنه خارج المنزل; فالكلمة الطيبة، واللمسة الحانية، والبسمة الصادقة، وما جرى مجرى ذلك_له أثره البالغ في نفوس الأولاد.
38_ النفقة عليهم بالمعروف: وذلك بكفايتهم، والقيام على حوائجهم; حتى لا يضطروا إلى البحث عن المال خارج المنزل.
39_إشاعة الإيثار بينهم: وذلك بتقوية روح التعاون بينهم، وتثبيت أواصر المحبة فيهم، وتعويدهم على السخاء، والشعور بالآخرين، حتى لا ينشأ الواحد منهم فرديًا لا هم له إلا نفسه.
ثم إن تربيتهم على تلك الخلال تقضي على كثير من المشكلات التي تحدث داخل البيوت.(1/34)
40_ الإصغاء إليهم إذا تحدثوا وإشعارهم بأهمية كلامهم: بدلاً من الانشغال عنهم، والإشاحة بالوجه وترك الإنصات لهم.
فالذي يجدر بالوالد إذا تحدث ولده_خصوصًا الصغير_أن يصغي له تمامًا، وأن يبدي اهتمامه بحديثه، كأن تظهر علامات التعجب على وجهه، أو يبدي بعض الأصوات أو الحركات التي تدل على الإصغاء والاهتمام والإعجاب، كأن يقول: رائع، حسن، صحيح، أو أن يقوم بالهمهمة، وتحريك الرأس وتصويبه، وتصعيده، أو أن يجيب على أسئلته أو غير ذلك، فمثل هذا العمل له آثار إيجابية كثيرة منها:
أ_أن هذا العمل يعلم الولد الطلاقة في الكلام.
ب_يساعده على ترتيب أفكاره وتسلسلها.
ج_يدربه على الإصغاء، وفهم ما يسمعه من الآخرين.
د_أنه ينمي شخصية الولد، ويصقلها.
ه_يقوي ذاكرته، ويعينه على استرجاع ما مضى.
و_يزيده قرباً من والده (50) .
41_ تفقد أحوال الأولاد، ومراقبتهم من بعد: ومن ذلك ما يلي:
أ_ملاحظتهم في أداء الشعائر التعبدية من صلاة، ووضوء، ونحوها.
ب_مراقبة الهاتف المنزلي.
ج_النظر في جيوبهم وأدراجهم من حيث لا يشعرون، كأن ينظر في أدراجهم إذا ذهبوا للمدرسة، أو ينظر في جيوبهم إذا ناموا، ثم يتصرف بعد ذلك بما يراه مناسبًا.
د_السؤال عن أصحابهم.
ه_مراقبة ما يقرؤونه، وتحذيرهم من الكتب التي تفسد أديانهم، وأخلاقهم، وإرشادهم إلى الكتب النافعة.
42_ إكرام الصحبة الصالحة للولد: وذلك بتشجيع الولد على صحبتهم، وحثه على الاستمرار معهم، وبحسن استقبالهم إذا زاروا الولد، بل والمبادرة إلى استزارتهم،وتهيئة ما يلزم لهم من تيسيرات مادية ومعنوية، كأن يكرمهم بما يلائمهم،ويحرص على استقبالهم بالبشر والترحاب، ويشعرهم بقيمتهم، ويبادلهم أطراف الحديث، ويسألهم عن أحوالهم وأحوال ذويهم وأهليهم.(1/35)
فهذه الصنيع يشعر الأصحاب بمنزلتهم، ويشعر الولد بقيمته واعتباره، كما أنه حافز للولد على طاعة والديه واحترامهما، كما أنه حافز له على التمسك بهؤلاء، والبعد عن رفقة السوء.
أما النفور من الصحبة الصالحة للولد والجفاء في معاملتهم_فلا يليق، ولا ينبغي; لأنه يشعر الولد بعدم قبولهم والرضا عنهم، فيسعى لمقاطعتهم، أو يتخفى في علاقته بهم، أو يتركهم، فيقع فريسة لأصحاب السوء.
43_ مراعاة الحكمة في إنقاذ الولد من رفقة السوء: فلا ينبغي للوالد أن يبادر إلى العنف واستعمال الشدة منذ البداية، فلا يسارع إلى إهانتهم أمام ولده، أو طردهم إذا زاروه لأول مرة، لأن الولد متعلق بهم، ومقتنع بصحبته لهم.
بل ينبغي للأب أن يتدرج في ذلك، فيبدأ بإقناع ولده بسوء صحبته، وضررهم عليه، ثم يقوم بعد ذلك بتهديده وتخويفه وإشعاره بأنه ساعٍ لتخليصه منهم، وأنه سيذهب إلى أولياء أمورهم كي يبعدوا أبناءهم عنه، فإذا حذر ابنه وسلك معه ما يستطيع، وأعيته الحيلة في ذلك، ورأى أن بقاءه معهم ضرر محقق _ فهناك يسعى لتخليصه منهم بما يراه مناسبًا.
44_ التغافل_لا الغفلة_عن بعض ما يصدر من الأولاد من عبث أو طيش: فذلك نمط من أنماط التربية، وهو مبدأ يأخذ به العقلاء في تعاملهم مع أولادهم ومع الناس عموماً; فالعاقل لا يستقصي، ولا يُشْعِر من تحت يده أو من يتعامل معهم بأنه يعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة; لأنه إذا استقصى، وأشعرهم بأنه يعلم عنهم كل شيء ذهبت هيبته من قلوبهم.
ليس الغبي بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغابي
ثم إن تغافله يعينه على تقديم النصح بقالب غير مباشر، من باب: إياك أعني واسمعي يا جاره، ومن باب: ما بال أقوام. وربما كان ذلك أبلغ وأوقع.(1/36)
45_ البعد عن تضخيم الأخطاء: فمما يجدر بالوالدين أن يأخذوا به_ألا يضخموا الأخطاء، ويعطوها أكبر من حجمها، بل عليهم أن ينزلوها منازلها، وأن يدركوا أنه لا يخلو أحد من الأخطاء، فجميع البيوت تقع فيها الأخطاء فمقل ومستكثر; فكسر الزجاج، أو بعض الأواني، أو العبث ببعض مرافق المنزل، ونحو ذلك_لا يترتب عليه كبير فساد; فكل الناس يعانون من ذلك.
46_ اصطناع المرونة في التربية: فإذا اشتدت الأم على الولد لان الأب، وإذا عنّف الأب لانت الأم; فقد يقع الوالد_على سبيل المثال_في خطأ فيؤنبه والده تأنيباً يجعله يتوارى; خوفاً من العقاب الصارم، فتأتي الأم، وتطيب خاطره، وتوضح له خطأه برفق، عندئذ يشعر الولد بأنهما على صواب، فيقبل من الأب تأنبيه، ويحفظ للأم معروفها، والنتيجة أنه سيتجنب الخطأ مرة أخرى (51) .
47_ التربية بالعقوبة: فالأصل في تربية الأولاد لزوم الرفق واللين إلا أن العقوبة قد يحتاج إليها المربي، بشرط ألا تكون ناشئة عن سورة جهل، أو ثورة غضب، وألا يُلجأ إليها إلا في أضيق الحدود، وألا يؤدب الولد على خطأ ارتكبه للمرة الأولى، وألا يؤدبه على خطأ أحدث له ألماً، وألا يكون أمام الآخرين.
ومن أنواع العقوبة_العقاب النفسي، كقطع المديح، أو إشعار الولد بعدم الرضا، أو توبيخه أو غير ذلك.
ومنها العقاب البدني الذي يؤلمه ولا يضره.
48_ إعطاء الأولاد فرصة للتصحيح: فمما ينبغي للوالد مراعاته في التربية_أن يعطي أولاده فرصة للتصحيح إذا أخطأوا، حتى ينهضوا للأمثل، ويرتقوا للأفضل، ويتخذوا من الخطأ سبيلاً للصواب; فالصغير يسهل قياده، ويهون انقياده كما قال زهير بن أبي سلمى:
وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده
وإن الفتى بعد السفاهة يحلم (52)
وكما قيل:
إن الغلام مطيعٌ من يؤدبه
ولا يطيعك ذو سن لتأديب(1/37)
فلا ينبغي للوالد أن يأخذ موقفاً واحداً من أحد أولاده، فيجعله ذريعة لوصمه وعيبه، كأن يسرق مرة فيناديه باسم السارق دائمًا، دون أن يعطيه فرصة للتصحيح وهكذا
49_الحرص على أن يكون التفاهم قائمًا بين الوالدين: فعلى الوالدين أن يحرصا كل الحرص عليه، وأن يسلكا كافة السبل الموصلة إليه، وعليهما أن يجتنبا الوسائل المفضية للشقاق، ويبتعدا عن عتاب بعضهما لبعض أمام الأولاد; حتى يتوفر الهدوء في البيت، وتسود الألفة فيه، فيجد الأولاد فيه الراحة والسكن، والأنس والسرور، فيتعلقوا بالبيت أكثر من الشارع.
50_ تقوى الله في حالة الطلاق: فإذا لم يحصل بين الوالدين وفاق، وقدر الله بينهما الطلاق_فعليهما بتقوى الله، وألا يجعلا الأولاد ضحية.
لعنادهما وشقاقهما، وألا يغري كلُّ واحد منهما بالآخر، بل عليهما أن يعينا الأبناء على كل خير، ويوصي كل واحد منهما الأولاد ببر الآخر، بدلاً من التحريش، وإيغار الصدور، وتبادل التهم، وتأليب الأولاد، وإلا فإن النتيجة الحتمية_في الغالب_أن الأولاد يتمردون على الجميع، والوالدان هما السبب في ذلك; فلا يلوما إلا أنفسهما، كما قال أبو ذؤيب الهذلي:
فلا تَغْضَبَنْ من سيرةٍ أنت سرتَها
وأول راضٍ سُنَّةً من يسيرها
51_ العناية باختيار المدارس المناسبة للأولاد، والحرص على متابعتهم في المدارس: فعلى الوالد أن يحرص كل الحرص على اختيار المدارس المناسبة لأولاده من حيثُ طلابُها، وإدارتها، ومدرسوها، ومناهجها، والتي تُعنى باستقامة طلابها، وتهتم بأخلاقهم، وشمائلهم، قولاً وعملاً; لأن الأغلب أن الولد إنما يختار أصدقاءه من المدرسة من أبناء صفه الذين يشاكلونه في المزاج والطبيعة.
وعلى الوالد أن يقوم بمتابعة الأولاد في المدارس باستمرار، حتى يتأكد بنفسه من صلاح الولد واستقامته، ولئلا يفاجأ في يوم من الأيام بأن ولده على خلاف ما كان يتوقعه ويؤمله، ولأجل أن يدرك الولد بأن والده وراءه يسأل عنه ويتابعه.(1/38)
52_ إقامة الحلقات العلمية داخل البيوت: بحيث تعقد تلك الحلقات في مواعيد محددة، ويقرأ فيها بعض الكتب الملائمة للأولاد، فيتعلمون بذلك القراءة، وحسن الاستماع، وأدب الحوار.
53_ إقامة المسابقات الثقافية بين الأولاد، ووضع الجوائز والحوافز لها: فذلك العمل مما يشحذ هممهم، ويحرك أذهانهم، ويدربهم على البحث والنظر في كتب أهل العلم، ويُعِدُّهم للرقي في مستوياتهم.
54_ تكوين مكتبة منزلية ميسرة: تحتوي على كتب وأشرطة ملائمة لسنيِّهم ومداركهم، فالمكتبة من أعظم روافد الثقافة.
55_ اصطحاب الأولاد لمجالس الذكر: كالمحاضرات، والندوات التي تعقد في المساجد وغيرها; فهي مما يثري الولد بالمعلومات، ويمده بالخير، ويعده لمواجهة الحياة، ويجيب على أسئلته التي تتردد في ذهنه.
كما أنها تغذيه بالإيمان، وتربط على قلبه، وتربيه على أدب الاستماع.
56_ الرحلة مع الأولاد: إما إلى مكة المكرمة، أو المدينة النبوية، أو غيرها من الأماكن المباحة، حتى يتعرف الوالد على الأولاد أكثر وأكثر، ولأجل أن يُجمَّهم، ويشرح صدورهم، ويكسبهم خبرات جديدة، إلى غير ذلك من فوائد السفر التي لا تخفى.
57_ ربطهم بالسلف الصالح في الاقتداء والاهتداء: حتى يسيروا على خطاهم، ويترسموا منهجهم، ولكي يجدوا فيهم القدوة الصالحة التي يجدر بهم أن يقتدوا بها، فإن كان لدى الولد ميول إلى العلم وجد من يقتدي به، وإن كان شجاعًا مقدامًا وجد من يترسم خطاه، وإن كان كسولاً وجد في سيرة السلف ما يبعث فيه الروح، وعلو الهمة، وهكذا.
فسير السلف الصالح حافلة بكل خير، فما أروع أن يرتبط المسلم بهم، وأن يحذو حذوهم، بدلاً من الاقتداء بالهابطين والهازلين من اللاعبين، والمطربين، والمنحرفين، وغيرهم.(1/39)
58_ العناية بتعليم البنات ما يحتجن إليه من أمور دينهن ودنياهن: فكم من الناس من فرط في هذا الحق، وكم من النساء من يجهلن_على سبيل المثال_أحكام الحيض والنفاس ومسائل الدماء عمومًا، بالرغم من أنه يتعلق بها ركنان من أركان الإسلام وهما الصلاة،والصيام، بل والحج، وكم من النساء من تجهل إقامة الصلاة على الوجه المطلوب.
فينبغي أن يُعنى كل والد بتعليم بناته أمور دينهن، كما ينبغي أن يُعَلَّمْنَ أمور حياتهن الخاصة من كيٍّ، وغسيل، وطبخ، وخياطة، وتدبير للمنزل، وغير ذلك.
وبذلك يَكُنَّ على أتم استعداد لاستقبال الحياة الزوجية.
59_منع البنات من الخروج وحدهن: سواء للسوق، أو للطبيب، أو غير ذلك، بل لا بد من وجود المحرم معهن، وألا يخرجن إلا للحاجة الملحة.
60_منع البنات من التشبه بالرجال، ومنع البنين من التشبه بالنساء.
61_ منع الأولاد بنين وبنات من التشبه بالكفار.
62_ منع البنين من الاختلاط بالنساء، ومنع البنات من الاختلاط بالرجال: بل ينبغي أن يعيش الابن في محيط الذكور، والبنت في محيط الإناث، خصوصًا إذا بدأ الابن أو البنت بالتمييز.
63_ العناية بصحة الأولاد: فكم من الناس من قد فرط بهذا الأمر، ولم يرعَهُ حق رعايته; فالأولاد أمانة، ومن الأمانة أن يعتني الوالد بصحتهم، خصوصاً وهم صغار; لأن كثيراً من العاهات والأمراض تبدأ مع الأولاد وهم صغار، فإذا أُهمل علاجها لازمت الأولاد طيلة أعمارهم، وربما قضت عليهم.
ومما يحسن بالوالدين في هذا الصدد أن يقوموا على شؤون الأولاد إذا أصيبوا بعاهات مزمنة، أو إذا ولدوا وهم معاقون، أو مصابون ببعض التشوهات الخلقية، أوما شاكل ذلك; فحريٌّ بالوالدين أن يقوموا على رعاية الأولاد، وأن يحسنوا تربيتهم، وأن يشعروهم بمكانتهم، كما يحسن بالوالدين أن يحتسبوا الأجر عند الله، وأن يحذروا كل الحذر من التسخط والاعتراض على قضاء الله.(1/40)
بل عليهم أن يحمدوا الله على ما آتاهم، وأن يتحروا الخيرة فيما قضاه الله، فربما كانت الخيرة خفية، وربما أن الله يرحم الأسرة جميعها، ويدرُّ عليها الأرزاق، ويدفع عنها صنوف البلايا بسبب هؤلاء المساكين.
64_ عدم استعجال النتائج في التربية: فعلى الوالد إذا بذل مستطاعه لولده، وبين له وحذره ونصح له واستنفذ كل طاقته_ألا يستعجل النتائج، بل عليه أن يصبر، ويصابر، ويستمر في دعائه لولده وحرصه عليه; فلربما استجاب الولد بعد حين، وادَّكر بعد أمة.
65_ الحذر من اليأس: فإذا ما رأى الوالد من أولاده إعراضاً أو نفورًا أو تماديًا_فعليه ألا ييأس من صلاحهم واستقامتهم; فاليأس من روح الله ليس من صفات المؤمنين، بل عليه أن ينتظر الفرج من الله_عز وجل_فلعل نفحةً من نفحات الرحيم الكريم ترد الولد إلى رشده، وتُقْصِرُه عن غيّه.
66_ اليقين بأن التربية الصالحة لا تذهب سدىً: فلو لم يأتِ الإنسان من نصحه لأولاده وحرصه على هدايتهم وصلاحهم_إلا أن يكون أعذرَ إلى الله بذلك.
فالنصح ثمرته مضمونة بكل حال; فإما أن يستقيم الأولاد في الحال، وإما أن يفكروا في ذلك، وإما أن يُقْصِروا بسببه عن التمادي في الباطل، أو أن يُعْذِرَ الإنسان إلى الله_كما مرّ_.
بل كثيراً ما يصلح الأولاد بعد وفاة والدهم الذي ربّاهم على الفضائل; حيث لم يدَّكِروا إلا بعد أمَّة.
67_ إعانة الأولاد على البر: فبر الوالدين وإن كان واجبًا على الأبناء_إلا أنه يجدر بالآباء أن يعينوا أبناءهم على البر، وأن يشجعوهم، وألا يقفوا حجر عثرة أمامهم.
68_ حفظ الجميل للأبناء: فمما يحسن بالوالدين أن يحفظوا الجميل للأبناء، وأن يشكروهم عليه، ويذكروهم به; حتى ينبعث الأولاد للبر والإحسان، ويستمروا عليه.(1/41)
69_التغاضي عن بعض الحقوق: فيحسن بالوالدين أن يتغاضوا عن بعض حقوقهم، وألا يطالبوا أولادهم بكل شيء، بل يحسن بهم أن يوفروا لهم ما يعدهم للكمال، والعلم، وسائر الفضائل خصوصاً إذا كان الوالد في نشاطه، والأولاد في حال إقبال على العلم، والقرآن، وسائر الفضائل، وهم في مقتبل أعمارهم. فإذا أخذ الوالدان بهذه السيرة كان الأولاد على مقربة من الكمال، والفضل، والعلم، والصلاح.
ولا ريب أن الوالد في هذه الحالة سيجني تلك الثمار في حياته وبعد مماته.
70_ استشارة من لديه خبرة بالتربية: من العلماء، والدعاة، والمعلمين، والمربين، ممن لديهم خبرةٌ في التربية، وسبرٌ لأحوال الشباب، وتفهم لأوضاعهم، وما يحيط بهم، وما يدور في أذهانهم، فحبذا استشارتهم، والاستنارة برأيهم في هذا الصدد، فهذا الأمر يعين على تربية الأولاد.
71_ قراءة الكتب المفيدة في التربية: فهي مما يعين على تربية الأولاد; لأنها ناتجةٌ عن تجربة، وممارسة، وخبرة، وعصارة فكر، ونتاج تمحيص وبحث.
ومن تلك التي يجدر بالمسلم اقتناؤها والإفادة منها ما يلي:
أ_العيال لابن أبي الدنيا.
ب_تحفة المودود في أحكام المولود لابن القيم.
ج_المسؤولية في الإسلام د.عبد الله قادري.
د_أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع د.عبد الله قادري.
ح_تذكير العباد بحقوق الأولاد للشيخ عبد الله الجار الله.
ط_الأولاد وتربيتهم في الإسلام لمحمد المقبل.
ك_نظرات في الأسرة المسلمة للدكتور محمد بن لطفي الصباغ.
ي_تربية الأولاد في الإسلام للشيخ عبد الله ناصح علوان.
72_ استحضار فضائل التربية في الدنيا والآخرة: فهذا مما يعين الوالد على الصبر والتحمل، فإذا صلح الأولاد كانوا قرةَ عينٍ له في الدنيا، وسببًا لإيصال الأجر له بعد موته، ولو لم يأته من ذلك إلا أن يكفى شرهم، ويسلم من تبعتهم.(1/42)
73_ استحضار عواقب الإهمال والتفريط في تربية الأولاد: فالأولاد أولاده، ولن ينفك عنهم بحال من الأحوال، والعرب تقول: =أنفك منك وإن ذن (53)+ (54)، وتقول: =عيصك (55) منك وإن كان أشبًا (56) + (57) .
فإذا أهملهم وقصر في تربيتهم كانوا شجىً في حلقه في هذه الدنيا، وكانوا سببًا لتعرضه للعقاب في العقبى.
74_ وخلاصة القول في تربية الأولاد: أن يسعى الوالد في جلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم عاجلاً وآجلاً.
الطبعة الأولى: 27 / 11 / 1414 هـ
الطبعة الثالثة: 18 / 2 / 1422 هـ
الفهرس
_مقدمة
3
_التحذير من التقصير في تربية الأولاد.
5
_من مظاهر التقصير والخطأ في تربية الأولاد:
6
1_ تنشئة الأولاد على الجبن،والخوف،والهلع،والفزع.
6
2_ تربيتهم على التهور وسلاطة اللسان، والتطاول على الآخرين، وتسمية ذلك شجاعة.
7
3_ تربيتهم على الميوعة والفوضى،وتعويدهم على الترف والنعيم والبذخ
7
4_ بسط اليد للأولاد، وإعطائهم كل ما يريدون.
7
5_ إعطاؤهم ما يريدون إذا بكوا بحضرة الوالد_خصوصاً الصغار_.
7
6_ شراء السيارات لهم وهم صغار.
8
7_ الشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم.
8
8_ شدة التقتير عليهم.
9
9_حرمانهم من العطف والشفقة والحنان.
9
10_الاهتمام بالمظاهر فحسب.
9
11_ المبالغة في إحسان الظن بالأولاد.
9
12_ المبالغة في إساءة الظن بهم.
9
13_ التفريق بينهم.
11
14_ التسخط بالبنات.
11
15_ تسميتهم بأسماء سيئة.
12
16_ مكث الوالد طويلاً خارج المنزل.
14
17_ الدعاء على الأولاد.
15
18_ التربية على سفاسف الأمور،وسيء العبارات،ومرذول الأخلاق.
16
19_فعل المنكرات أمام الأولاد،وإقرارهم عليها.
16
20_جلب المنكرات للمنزل.
16
21_ كثرة المشكلات بين الوالدين.
17
22_ التناقض.
17
23_ العهد للخادمات والمربيات بتربية الأولاد.
17
24_ ترك البنات يذهبن للسوق بلا محرم.
18
25_ إهمال الهاتف،وترك مراقبته في المنزل.
18
26_ الغفلة عما يقرؤه الأولاد.
19(1/43)
27_ احتقار الأولاد،وقلة تشجيعهم.
19
28_ قلة العناية بتربيتهم على تحمُّل المسؤولية.
19
29_عدم إعطائهم فرصة للتصحيح،والتغيير للأفضل.
20
30_سوء الفهم لنفسية الأولاد وطبائعهم.
20
31_ قلة المراعاة لتقدير مراحل العمل التي يمر بها الولد.
20
32_ الشماتة بالمبتلين.
20
33_ قلة الاهتمام باختيار مدارس الأولاد.
21
34_ إلحاقهم بالمدارس الأجنبية.
21
35_ قلة التعاون مع مدارس الأولاد،أو انعدامه بالكلية.
21
36_ الدفاع عن الولد بحضرته_خصوصاً في المدرسة_.
21
37_ ترك المبادرة في تزويج الأبناء مع الحاجة والقدرة.
21
38_ إجبار الابن على نكاح من لايريد.
24
39_تأخير زواج البنات بغير مسوغ شرعي.
25
40_تزويج البنات بغير الأكفاء.
26
41_ إرغام البنت على الزواج بمن لا تريده.
27
42_ دخول الوالد في كل صغيرة وكبيرة من أمر ولده إذا تزوج.
27
_تساؤلات.
29
_10 صور مشرقة من تربية السلف لأولادهم.
30
_مناشدة.
35
_السبل المعينة على تربية الأولاد:
36
1_ العناية باختيار الزوجة الصالحة.
36
2_ سؤال الله الذرية الصالحة.
37
3_ الفرح بمقدم الأولاد،والحذر من تسخطهم.
37
4_ الاستعانة بالله على تربيتهم.
38
5_ الدعاء للأولاد،وتجنب الدعاء عليهم .
39
6_ تسميتهم بأسماء حسنة.
39
7_ تكنيتهم بكنى طيبة في الصغر.
41
8_ غرس الإيمان والعقيدة في نفوس الأولاد.
41
9_غرس القيم الحميدة، والخلال الكريمة في نفوسهم.
42
10_تجنيبهم الأخلاق الرذيلة،وتقبيحها في نفوسهم.
42
11_ تعليمهم الأمور المستحسنة،وتدريبهم عليها.
42
12_ الحرص على استعمال العبارات المقبولة الطيبة مع الأولاد، والبعد عن العبارات المرذولة السيئة.
43
13_ الحرص على تحفيظ الأولاد كتاب الله.
43
14_ تحصينهم بالأذكار الشرعية.
43
15_ الحرص على مسألة التربية بالقدوة.
43
16_ الحذر من التناقض.
44
17_ الوفاء بالعهد.
44
18_ إبعاد المنكرات،وأجهزة الفساد عن الأولاد.
44
19_إيجاد البدائل المناسبة.(1/44)
44
20_تجنيبهم أسباب الانحراف الجنسي.
45
21_ تجنيبهم الزينة الفارهة،والميوعة القاتلة.
45
22_ تعويدهم على الخشونة، والرجولة، والجد، والاجتهاد، وتجنيبهم الكسل،والبطالة،والراحة،والدعة.
45
23_ تعويدهم الانتباه آخر الليل.
46
24_ تجنيبهم فضول الطعام، والكلام، والمنام، ومخالطة الأنام.
46
25_ تشويقهم للذهاب إلى المسجد صغاراً،وحملهم على الصلاة فيه كباراً .
46
26_ مراقبة ميول الولد،وتنمية مواهبه،وتوجيهه لما يناسبه.
46
27_ تنمية الجرأة الأدبية في نفس الولد.
47
28_ استشارة الأولاد.
47
29_تعويد الولد على القيام ببعض المسؤوليات.
48
30_تعويد الأولاد على المشاركة الاجتماعية.
48
31_ التدريب على اتخاذ القرار.
48
32_ فهم طبائع الأولاد ونفسياتهم.
48
34_ تلافي مواجهة الأولاد مباشرة.
48
35_ الجلوس مع الأولاد.
49
36_ العدل بين الأولاد.
49
37_ إشباع عواطفهم.
49
38_ النفقة عليهم بالمعروف.
49
39_إشاعة الإيثار بينهم.
50
40_الإصغاء إليهم إذا تحدثوا، وإشعارهم بأهمية كلامهم.
50
41_ تفقد أحوال الأولاد ومراقبتهم من بعد.
50
42_ إكرام الصحبة الصالحة للولد.
51
43_ مراعاة الحكمة في إنقاذ الولد من رفقة السوء.
51
44_ التغافل_لا الغفلة_ عن بعض ما يصدر عن الأولاد من عبث أو طيش.
52
45_ البعد عن تضخيم الأخطاء.
52
46_ اصطناع المرونة.
52
47_ التربية بالعقوبة.
53
48_ إعطاء الأولاد فرصة للتصحيح.
53
49_الحرص على أن يكون التفاهم قائماً بين الوالدين.
54
50_تقوى الله في حال الطلاق.
54
51_ العناية باختيار المدارس المناسبة للأولاد، والحرص على متابعتهم في المدارس.
54
52_ إقامة الحلقات العلمية داخل البيوت.
55
53_ إقامة المسابقات الثقافية بين الأولاد، ووضع الجوائز والحوافز لهم .
55
54_ تكوين مكتبة منزلية ميسرة.
55
55_ اصطحاب الأولاد لمجلس الذكر.
55
56_ الرحلة مع الأولاد.
55
57_ ربطهم بالسلف الصالح في الاقتداء والاهتداء.
55(1/45)
58_ العناية بتعليم البنات ما يحتجن إليه من أمور دينهن ودنياهن.
56
59_منع البنات من الخروج وحدهن.
56
60_منع البنات من التشبه بالرجال، ومنع البنين من التشبه بالنساء.
56
61_ منع الأولاد بنين وبنات من التشبه بالكفار.
56
62_ منع البنين من الاختلاط بالنساء، ومنع البنات من الاختلاط بالرجال.
56
63_ العناية بصحة الأولاد.
57
64_ عدم استعجال النتائج.
57
65_ الحذر من اليأس.
57
66_ اليقين بأن التربية الصالحة لا تذهب سدى .
58
67_ إعانة الأولاد على البر.
58
68_ حفظ الجميل للأولاد.
58
69_التغاضي عن بعض الحقوق.
58
70_استشارة من لديه خبرة بالتربية.
58
71_ قراءة الكتب المفيدة في التربية.
59
72_ استحضار فضائل التربية في الدنيا والآخرة.
59
73_ استحضار عواقب الإهمال والتفريط في تربية الأولاد.
59
74_ وخلاصة القول في تربية الأولاد أن يسعى الوالد في جلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم عاجلاً وآجلاً.
60
(1) انظر: نظرات في الأسرة المسلمة، د: محمد الصباغ، ص 154 وأخلاقنا الاجتماعية، د/مصطفى السباعي، ص 155
(2) تحفة المودود في أحكام المولود لابن القيم، ص 146_ 147
(3) البخاري مع الفتح (853) ، ومسلم (1829) .
(4) رواه البخاري 13/112 ومسلم (142) .
(5) انظر: أخلاقنا الاجتماعية، د: مصطفى السباعي، ص 155_ 161 وحقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة، للشيخ محمد بن عثيمين، ص 9_11 والمسؤولية في الإسلام، د: عبد الله قادري، ص99_119 وأثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع، د: عبد الله قادري، ص 168_ 192
(6) انظر: وقفات مع الأسرة، صبري شاهين، ص،12 ورسائل إلى ابنتي، لمحمد الأبشيهي، ص 76
(7) انظر: نظرات في الأسرة المسلمة، ص 146_ 147
(8) انظر: رسائل إلى ابنتي للأبشيهي، ص76_ 77 وأثر الأسرة في صلاح الأبناء وانحرافهم، لإبراهيم المشيقح، ص 22_ 23
(9) انظر: نظرات في الأسرة المسلمة، ص 150
(10) انظر: تحفة المودود، ص 16.(1/46)
(11) انظر: صون المكرمات برعاية البنات، للشيخ جاسم الفهيد الدوسري ص 16.
(12) انظر: تفسير التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور 7/ 184.
(13) تسمية المولود، للشيخ بكر أبو زيد ص 9_10.
(14) انظر: آداب استقبال المولود في الإسلام، ليوسف العريفي، ص 40_42 وحق الآباء على الأبناء وحق الأبناء على الآباء، د: طه العفيفي، ص 84
(15) رواه مسلم، 4/2304
(16) انظر: الأسرة المسلمة أمام الفيديو والتليفزيون، لمروان كجك، ص 191 وأخطار تهدد البيوت، للشيخ محمد المنجد، ص 21_ 28 وبصمات على ولدي، لطيبة اليحيى، ص 22_ 25 وحصوننا مهددة من داخلها، د: محمد محمد حسين، ص45_ 47 والإسلام والمشكلة الجنسية، د: صطفى عبد الواحد، والتليفزيون بين المنافع والأضرار، عوض منصور، ص15_ 36 والصحافة والأقلام المسمومة، لأنور الجندي، ص 67_ 87 وتربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس، د: محمد الزعبلاوي، ص 422 وسموم على الهواء، لفريد التوني، ص 15_ 40
(17) انظر: المراهقون، د: عبد العزيز النغيمشي، ص60
(18) انظر: إلى بدائع الصنائع للكاساني 2/228 وبداية المجتهد لابن رشد 2/3.
(19) انظر: إلى بدائع الصنائع للكاساني 2/228 وبداية المجتهد لابن رشد 2/3.
(20) انظر: المحلى لابن حزم 9/440_444.
(21) انظر: بدائع الصنائع 2/228.
(22) انظر: المغني لابن قدامة 9/340_341.
(23) انظر: روضة الطالبين للنووي 7/18 ومغني المحتاج للشربيني 3/135.
(24) رواه البخاري (5066)
(25) انظر: أحكام الزواج د. عمر الأشقر ص 28.
(26) انظر: حاشية ابن عابدين 3/،7 وبدائع الصنائع 2/،228 وكفاية الأخيار للحسيني 5/67 وروضة الطالبين 7/18 وصحيح مسلم بشرح النووي 9/522 _ 523 وشرح الزركشي على مختصر الخرقي للزركشي تحقيق الشيخ د. عبد الله بن جبرين 5/5_ 8 ومغني المحتاج 3/125 ومختصر المزني 3/255 والكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر 2/519 وجواهر الإكليل للآمدي 1/474 وأحكام الزواج ص32(1/47)
(27) مجموع الفتاوى لابن تيمية 32/30.
(28) انظر: أخطاء في مفهوم الزواج للكاتب ص10_12
(29) انظر: المرجع السابق ص16_ 19
(30) البخاري (5136) .
(31) انظر في تفصيل ذلك إلى أخطاء في مفهوم الزواج ص 26_ 29.
(32) انظر: أخلاقنا الاجتماعية ص 160.
(33) انظر: سيرة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، لابن رجب الحنبلي، تحقيق: عِفَّت وصال حمزة
(34) انظر: تفصيل سيرة ذلك الإمام في كتاب: جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز رواية الشيخ محمد الموسى، وإعداد الكاتب، يسر الله إتمامه وإخراجه قريباً.
(35) انظر: تحفة المودود ص 146_ 148 وحقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة ص 9_11 وأخلاقنا الاجتماعية ص 156_ 157 وأدب المسلم لمحمد سعيد مبيِّض ص 161_ 163 وتذكير العباد بحقوق العباد ص 18_ 23 و 66_ 77 وأثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع د. عبد الله قادري ص 168_ 189 والمسؤولية في الإسلام د. عبد الله قادري ص 99_119 وشخصية المسلم كما يصوغها الكتاب والسنة د. محمد علي الهاشمي ص 93_ 106 ونظرات في الأسرة المسلمة ص 155_ 170 والأولاد وتربيتهم في الإسلام لمحمد المقبل ص 131_ 136
(36) أدب الدنيا والدين، ص 132
(37) أدب الدنيا والدين، ص 132
(38) أخرجه البخاري (1418) ، ومسلم (2629) .
(39) أخرجه الإمام أحمد 3/43.
(40) انظر: صون المكرمات، للدوسري، ص 27
(41) تحفة المودود، ص 92.
(42) تحفة المودود، ص 92.
(43) تسمية المولود، ص 6_ .7
(44) تربية البنين، منظومة البيحاني، ص 20
(45) انظر: الانحرافات الجنسية وأمراضها، د: فايز الحاج، ص 66.
(46) انظر: تحفة المودود، ص 146.
(47) انظر: تحفة المودود، ص 146.
(48) انظر: تحفة المودود، ص 147_ 148.
(49) انظر: المراهقون، د: عبد العزيز النغيمشي، ص 48.
(50) انظر: مشكلات تربوية في حياة طفلك، لمحمد رشيد العويد، ص 37_ 41
(51) انظر: رسائل إلى ابنتي، ص 78_ 79.
(52) شرح المعلقات للزوزني، ص 155.(1/48)
(53) ذن: سال مخاطه.
(54) عيون الأخبار، لابن قتيبة، 3/89.
(55) عيصك: الجماعة من السدر يجتمع في مكان واحد.
(56) أشبا: الأشب شدة التفات الشجر.
(57) عيون الأخبار، 3/89.
??
??
??
??(1/49)