بسم الله الرحمن الرحيم
كتبه : مجدي محمد الشهاوي
لا يختلف اثنان أن أصل السنة النبوية أن ترقي نفسك بنفسك .. وترقي زوجتك وأولادك وبناتك ..فلا تذهب إلى أي معالج من المعالجين .. فالنادر منهم ( أقول : النادر ، وليس القليل ) مَن يمكن الوثوق به ! ، فقد أصبح الاشتغال بالرقية حرفة ومهنة جديدة ، يمتهنها أكثر العاطلين وما أكثرهم ( ولا أقول كل الرقاة ؛ بل أستثني ندرة نادرة منهم كما أسلفت ) ، واستتر خلف حرفة الرقية كثير من المحتالين واللصوص والأفاكين والأفاقين والشواذ ( أكرر : لا أقول كل الرقاة ؛ بل أستثني ندرة نادرة منهم كما أسلفت ) فتجد الآن في مختلف القرى والبلاد والأمصار مَن تفرّغ للرقية وفتح بيتاً أو دُكّاناً أو مركزا لرقية الناس نظير أجر يتقاضاه ..، تجد أحدهم قد فتح بيتا أو مركزا لعلاج الناس واتخذ الرقية حرفة ومهنة يستنزف بها أموال الناس بالباطل ،و ما من أحد يتردد عليهم إلا وأخبروه أن به سحراً أو مساً أو حسداً !!، ولا يمكن أن يذهب إليهم واحد من الناس ويخبروه أنه لا شيء به أبدا ! ، إنما هو مصاب ولابد ..
الشفاء فقط بيد الله وحده ..
إلزموا سُنة النبي صلى الله عليه وسلم ..
لا تتعلقوا إلا بالله وحده ..
والتفتوا لله وكتابه فقط ..
الجئوا إلى الله وحده .. وانطرحوا بين يديه في جوف الليل بالأسحار .. فهذه الساعة من ثلث الليل الآخر تفعل الأعاجيب ويُتحصل منها كل خير ،وتُعطي ركعتان ( فيهما حظ من الإخلاص والتذلل والخشوع والخضوع ) أفضل وأكثر من قراءة من يسمون بـ " المعالجين " لعدة شهور ، ففي هذه الساعة من ثلث الليل الآخر : « يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ ؛ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ ؛ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ ».
يا قوم ..
انسوا أيَّ مُعالج أو قاريء ..(1/1)
الله وحده الشافي ليس المعالج أو القاريء .. تذكروا الله الشافي .
يقول الدكتور علي بن نفيع العلياني (1) : لقد اشتهر في هذه الأزمنة المتأخرة بعض طلاب العلم بالرقية على المرضى ، وبلغت شهرتهم الآفاق نظراً لكثرة المواصلات وسهولتها ، وأمام كثرة الناس وكثرة ما يعطونه من المال للراقي ، تفرغ هؤلاء القُرّاء من أعمالهم وقصروا أوقاتهم على القراءة على المرضى ، ووسعوا دورهم واستعدوا للزائرين ، ورتبوا لهم مواعيد كما تفعل المستشفيات المتخصصة تماماً ، واتخذوا هذا العمل حرفة لهم ..، فما حكم هذه الصورة بهذه الكيفية التي لا يُعرف لها مثيل في العصور المتقدمة ? وأمام هذا التساؤل أقول وبالله التوفيق: من المعلوم أن الله عز وجل أباح الرُّقى بضوابطها الشرعية ، وأباح أخذ الأجرة عليها كما في صحيح البخاري يرحمه الله حيث قال : " باب : الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب " وروى بسنده عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ - أَوْ سَلِيمٌ - فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ : هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلاً لَدِيغاً أَوْ سَلِيماً . فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ ، فَبَرَأَ ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا : أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْراً . حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْراً . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
« إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْراً كِتَابُ اللَّهِ » (2) .(1/2)
فإذا عُلِمَ إباحة الرُّقى ، وعُلم إباحة أخذ الأجرة عليها انحصر موضوع البحث في الكيفية التي تتم بها الرقية عند بعض القراء المتأخرين وهي : التفرُّغ لهذا العمل واتخاذه حرفة والاشتهار به بين الناس ، وهذه الكيفية في نظري قد يترتب عليها مفاسد كثيرة بالنسبة للقاريء وبالنسبة للناس المقروء عليهم ، ومنها ما يلي :
* أولا : أن من وجود الجموع الكثيرة من الناس عند القاريء قد يظن عوام الناس أن لهذا القاريء خصوصية معينة بدليل كثرة زحام الناس عليه ، وتطغى حينئذ أهمية القارئ على أهمية على المقروء - وهو كلام الله - بل لا يكاد يفكر كثير من هؤلاء في أهمية المقروء وفائدته ، وإنما تتجه الأنظار للقاريء .
والأصل في الرقية هو المقروء ، والقاريء تبعٌ لذلك ، يقول الله تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (3) ، و يقول سبحانه : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء ) (4) ، ولا يُنكَر ما لصلاح القاريء وقوة إيمانه وثقته بربه وتوكله عليه من تأثير ، ولكنه تابع للمؤثر الأصلي وهو كلام رب العالمين . فكل ذريعة تضعف ثقة الناس بالمقروء فإنه ينبغي أن تُسدَّ ولا تُفتح . يقول ابن القيم : فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة ، وما كل أحد يؤهّل ولا يوفّق للاستشفاء به ، وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروط لم يقاومه الداء أبدا . وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها (5) .(1/3)
* ثانيا : أنه بالنظر إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسيرة أصحابه وسيرة علماء الإسلام الموثوق بعلمهم وفضلهم لم نر أحداً منهم انقطع عن أعماله وقصر نفسه على معالجة المرضى بالرُّقى ، واتخذها حرفة ، واشتهر بها بين الناس ، بحيث إذا ذُكر اسمه اقترن بهذه الحرفة ، ولا شك أن الناس في كل زمان تكثر فيهم الأمراض ، ولم نر أحداً من خلفاء المسلمين نصب قارئا يقرأ على نفسه من كتاب الله ، وإن قابله عالم ذو فضل وديانة وطلب منه الرقية وقرأ عليه فلا حرج ، ومن المعلوم أن المشروع بأصله قد يُمنع إذا صاحبته كيفية مستحدثة . فقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه مرَّ بامرأة معها تسبيح تُسبِّح به فقطعه وألقاه ، ثم مر برجل يُسبِّح بحصى فضربه برجله ، ثم قال : لقد جئتم ببدعة ظلماً ، .. أو : لقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً (6) .
ولو كان الانقطاع لمعالجة المرضى بالرُّقى واتخاذها حرفة والاشتهار بها بين الناس خيراً لسُبقنا إليه ، ولا يظن أحد أن المرضى في هذا الزمان أكثر منهم في الأزمان الأخرى ، ولأجل ذلك لم يتكاثروا على الخلفاء ، ولا على الأئمة الأربعة كتكاثرهم على مَن اشتُهر بالقراءة في هذه الأزمان ، وإنما الذي يجلب الشهرة للقاريء هو تخصيص مكان لهم واستقبالهم فيه متى ما أرادوا وتخصيص مواعيد معينة مثل ما يصنع الطبيب وصاحب المتجر وصاحب المصنع ، وفي ظني أن شيخ الإسلام ابن تيمية لو فتح دكانا للقراءة على المرضى واستقبلهم متى ما أرادوا لما استطاع أن يكتب سوداء في بيضاء لاسيما في زمن الجهل وتفشِّي الأمية والخرافات ، والتعلق بالمشائخ وأصحاب الطرق ، وما ترك علماء أهل السنة هذا الأمر إلا من فقههم رحمهم الله رحمة واسعة .(1/4)
* ثالثا : إن الشياطين عندما ترى تعلُّق الناس بشخص ما قد تساعده وهو لا يشعر ، فتعلن خوفها منه وخروجها من المريض ونحو ذلك ، لتزداد ثقة الناس بالشخص أكثر من ثقتهم بما يتلوه ، وليعتقدوا أن فيه سراً معيَّنا. فقد قال عبد الله بن مسعود لزوجته عندما قالت له : كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ فَكُنْتُ أخْتَلِفُ إلَى فُلاَنٍ الْيَهُودِيّ يَرْقِينِي فإذَا رَقَانِي سَكَنَتْ. فقالَ عَبْدُ الله: إنّمَا ذَلِكَ عَمَلُ الشّيْطَانِ ،كَانَ يَنْخُسُهَا بيَدِهِ فإذَا رَقَاهَا كَفّ عَنْهَا، إنّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أنْ تَقُولِي كَما كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
« اذْهِبِ الْبَاسَ رَبّ النّاسِ، اشْفِ أنْتَ الشّافِي، لاَ شِفَاءَ إلاّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سُقْماً » (7) .(1/5)
ومكر الشياطين بالناس مكر كبير لا يدركه إلا أصحاب الفقه في دين الله، فإن الناس إنما يتزاحمون على القاريء ويضربون له أكباد المطي ، إذا سمعوا ما يُنشر عنه من الحكايات الغريبة، وكيف أن أكثر المصروعين تكلمت الشياطين على ألسنتهم أمام القاريء وتعهد عليها الشيخ بعدم العودة إلى ذلك المصروع !! فإذا كثرت هذه الأخبار كثرة كبيرة حفزت كل مريض لرؤية هذا الشيخ ، للتأكد من أنه ليس فيه جني ، وهذه الحال بهذه الكثرة لو كانت من الكرامات فينبغي للقاريء أن يخاف من عاقبتها . فكيف إذا كان لا يضمن أن يكون الأمر استدراجاً واحتيالاً من الشياطين ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ولما كانت الخوارق كثيرا ما تنقص بها درجة الرجل ، كان كثير من الصالحين يتوب من مثل ذلك ، ويستغفر الله تعالى ، كما يتوب من الذنوب كالزنا والسرقة ، وتعرض على بعضهم فيسأل الله زوالها ، وكلهم يأمر المريد السالك ألا يقف عندها ولا يجعلها همه، ولا يتبجح بها مع ظنهم أنها كرامات فكيف إذا كانت بالحقيقة من الشياطين تغويهم بها ?، فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها ! ، وأعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير وغيرها ، وتقول : خذني حتى يأكلني الفقراء، ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنس ويخاطبه بذلك (8) .
* رابعاً : قد يتوهم القاريء الذي يزدحم الناس على بابه ، ويرى كثرة المرضى الذين يعافيهم الله بسبب رقيته ، وكيف أن الشياطين تخاف منه ، وتخرج من المصروعين ، قد يتوهم أنه من الأولياء الأبرار ويصيبه العُجب ونحو ذلك ، وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم - يخشون من هذا الأمر ويسدون مداخله .(1/6)
قال ابن عيينة : رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه جماعة فعلاه بالدّرة (9) فقال أُبيُّ بن كعب : اعلم ما تصنع يرحمك الله ، فقال عمر : أما علمتَ أنها فتنة للمتبوع مذلّة للتابع ? (10) .
فهذا عمر رضي الله عنه خاف على أُبيِّ رضي الله عنه من كثرة الأتباع والتلاميذ الذين يطأون عقبه ، فغيرهم أولى بالخوف وسد الذريعة . وليس حال القاريء المتقدم صفته كالطبيب الذي يزدحم الناس على بابه ، فإن الطبيب يعالج بعلاج معروف، ولا يشعر أن العلاج لا ينفع إلا إذا وصفه هو ، بل يعتقد أن الأمر مرتبط بالعلاج لا بالطبيب؛ بخلاف الراقي فإنه قد يظن أن الأمر مرتبط به هو لا بالعلاج ، لأن القرآن موجود عند المسلمين جميعاً ، ويستطيعون قراءته ، ومع هذا يحرصون على أن يقرأ هو ، فقد يدخله العُجب والزهو ، ويظن بنفسه الظنون ، ولاشك أن الابتعاد عن مثل هذا أولى . والله أعلم بالصواب .
* خامساً : أنه من الملاحَظ على القراء أصحاب الكيفية المتقدمة أنهم قد يقولون بغير علم ، وذلك أنهم إذا قرأوا على المريض ولم يتكلم الجني على لسانه ، قالوا : ليس فيك جني ، وأنت بك عين ، أو ليس بك جني ولا عين ونحو هذا ، ولسان حالهم يقول : إننا لا نقرأ على مصروع إلا ويلزم أن تخاطبنا الجن وتتكلم فَرَقَاً منا أو من قراءتنا ، وليس على هذا أثارة من علم ، فإن المصروع إذا قُريء عليه وخُوِّف الجن الذي بداخله فقد يتكلم الجني ويخاف وقد لا يتكلم ولا يخاف !، فمن أين لهم القطع بأنه ليس في المقروء عليه جني أو عين ? وقد يترتب على هذا أن المريض يترك الأدعية النبوية في مثل هذه الحالات ، بناء على قول القاريء ، والله عز وجل يقول : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (11) .(1/7)
* سادساً : من الملاحظ على القراء أصحاب الكيفية المتقدمة ، أنهم يجمعون الفئام من الناس فيقرأون عليهم جميعاً قراءة واحدة حرصاً على كسب الوقت أمام كثرة الزائرين ، ثم يدورون على أوعيتهم يتفلون فيها واللعاب والرذاذ الذي خالط القراءة قد ينقضي في الوعاء الأول والثاني، فمن أين لهذا القاريء أن لعابه كله مبارك حتى ولو لم يخالط قراءة واحدة ? ، وأين الدليل على أن هذه الصورة من عمل السلف الصالح ? .
* سابعاً : نظراً لما تُدرّه تلك الكيفية السابقة على أصحابها من أموال طائلة، فقد يقوم بعض المشعوذين والدجالين فيتظاهرون بالقراءة ، فيفتحون دكاكين لهذا الغرض ، ويخلطون الحق بالباطل ، فيفتح على الناس باب شر كبير ، ولا يحصل إنكار على المشعوذين لاختلاط أمرهم بالقراء الذين لا يخلطون مع قراءتهم شعوذة وكهانة فيصعب التمييز ، والذرائع المُفضية إلى الشر يجب سدها ، حتى وإن كان قصد صاحبها الحق ، وقد منع عبد الله بن مسعود وأصحابه وجمع من العلماء المحققين تعليق القرآن - مع أنه كلام الله - سداً للذريعة ، لئلا يفضي ذلك إلى تعلق التمائم (12) ، وأفتى بهذا التعليل أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة في الفتوى رقم 992 و تاريخ 4/4/1395 هـ (13) .(1/8)
* ثامناً : إن بعض القراء أصحاب الكيفية المتقدمة الذين يتفرغون للقراءة على الناس ، ويتخذونها حرفة لهم ، يظنون أن ذلك من المستحبات ، والاستحباب حكم شرعي ، وهو عبادة ، وهذا قد يجرهم إلى الوقوع في البدعة فإن مَن استحب شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله خلفاؤه الراشدون - مع وجود المقتضي له في عصرهم - قد أتى بابا ًمن البدع ، والرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم وإن قرأوا على المرضى وأخذوا الأجرة على ذلك كما تقدم إلا أنهم لم يتفرغوا لهذا الأمر ، ولم يشتهروا به شهرة واضحة بين الناس ، بحيث إذا ذُكر أحدهم ذُكر بأنه هو القاريء على المصروعين لاقتصاره على هذا العمل ، ولم يتخذوه حرفة ومهنة لاكتساب الرزق يقتصرون عليها .(1/9)
* تاسعا : لقد اشتهر بعض الصحابة بإجابة الدعاء كسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ومن الذين دعا لهم رسول الله باستجابة الدعاء (14) ، وبعض التابعين كأويس القرني رضي الله عنه ومع هذا لم يؤْثَر أن المسلمين تزاحموا على أبوابهم أفواجاً إثر أفواج لطلب الدعاء مع حاجة المسلمين إلى إجابة دعائهم في صلاح دينهم ودنياهم ، مع أنه لا مانع شرعاً من أن يأتي الفرد من المسلمين ويطلب من أحدهم الدعاء ، وقد فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك مع أويس القرني ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى ذلك ، ومع هذا لاشك أن عمر بن الخطاب لو رأى أن أهل المدينة اجتمعوا على أويس لطلب الدعاء ، وقدم أهل مكة وأهل العراق لأجل هذا الغرض لَمَنَعهم مع فِعله هو له ، وذلك خشية على الناس من الفتنة ، وخشية على أويس القرني من الفتنة أيضاً ، ومن فقه أويس القرني رضي الله عنه أنه حاول إخفاء نفسه ، ولم يُعرِّض نفسه ولا غيره للفتنة ، فعَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرِ قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ (15) أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ : أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ ، حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ : أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ .
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ .
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ .
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : لَكَ وَالِدَةٌ ؟ .
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :(1/10)
« يَأْتِى عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؛ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ؛ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؛ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ».
فَاسْتَغْفِرْ لِي . فَاسْتَغْفَرَ لَهُ .
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ .
قَالَ : الْكُوفَةَ .
قَالَ عُمَرُ : أَلاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا ؟ .
قَالَ : أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ (16) أَحَبُّ إِلَىَّ .
قَالَ : فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَوَافَقَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ ؛ قَالَ : تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ . قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
« يَأْتِى عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ؛ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؛ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؛ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ » .
فَأَتَى الرجلُ أُوَيْساً فَقَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي .
فقَالَ أُوَيْسُ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْداً بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي .
قَالَ الرجلُ : اسْتَغْفِرْ لِي .
قَالَ أُوَيْسُ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْداً بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي .
قَالَ أُوَيْسُ : لَقِيتَ عُمَرَ ؟ .
قَالَ : نَعَمْ ... ؛ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ . فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ .
قَالَ أُسَيْرٌ : وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً ، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ : مِنْ أَيْنَ لأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ ؟! (17) .(1/11)
وفي نظري أن الرقية كالدعاء ، بل هي دعاء..، ومثل ذلك لو تقاطر أهل بلد على رجل يظهر من حاله الصلاح بأولادهم لأجل تحنيكهم بتمرة ونحو ذلك ، فإنه لا ينبغي ، خشية عليه وعليهم من الافتتان . يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في مثل هذه الصورة وغيرها من صور التبرُّك : ومنها أن فعل هذا مع غيره صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أن يفتنه وتعجبه نفسه فيورثه العجب والكبر والرياء ، فيكون هذا كالمدح في الوجه بل أعظم (18) .
قلت : فما الظن بالذي يقدم عليه الآلاف من الناس لأجل القراءة عليهم، ويتركون القضاة والمفتين وأهل العلم ألا يخشى عليه الفتنة ?! .
* عاشراً : إذا تبين أن هذا الأمر فيه مفسدة على الناس وخاصة العوام منهم الذين يتعلقون بالقاريء أكثر من تعلقهم بالله وبكلامه !! ، حتى يظنوا ارتباط الشفاء بالشخص نظراً لما يرونه من شدة الزحام عليه ، الأمر الذي لا يرونه عند كثير من العلماء الصلحاء ، وفيه مفسدة على القاريء نفسه من جهة الشهرة والعجب ، وابتداع كيفية في الرقية لم تكن معروفة عند السلف الصالح ، كالقراءة على مئات من الناس جميعاً بقراءة واحدة ، والنفث في أوعيتهم جميعاً بعد هذه القراءة فلاشك أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، خاصة إذا عظمت المفسدة على المصلحة ، كما قال تعالى : ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (19) ، فسب المشركين لله عز وجل مفسدة عظيمة ، وسب المؤمنين لآلهة المشركين مصلحة عظيمة ، وهنا قدّم درء المفسدة على جلب المصلحة لِعِظَم المفسدة بذلك .(1/12)
* الحادي عشر : أن المتفرِّغ للرقية على الناس فيه مشابهة بالذي يتفرغ للدعاء للناس ، فالرقية والدعاء من جنس واحد ، فهل يليق بطالب علم أن يقول للناس : تعالوا إليَّ أدعوا لكم !! ، وهذا مخالف لهدْي السلف الصالح ، فقد كان عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم يكرهون أن يُطلب منهم الدعاء ويقولون : أأنبياء نحن ?! (20) .
* الثاني عشر : أن انتشار هذه الظاهرة قد يوهم عوام الناس ومَن لا علم عنده بأن هذه الكيفية هي الطريقة الصحيحة للرقية ، فيظل الناس يطلبون الرقية من غيرهم ، وتتعطل سُنّة رقية الأفراد لأنفسهم (21) وانطراحهم بين يدي رب السماوات والأرض وسؤاله الشفاء ( إنتهى كلامه ) .
* فتوى للشيخ الألباني عن التفرغ للرقية :(1/13)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله : أُنكرُ أشد الإنكار على الذين يستغلون هذه العقيدة ، ويتخذون من استحضار الجن ومخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين والمصابين بالصرع ، ويتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة القرآن الكريم مما لم ينزل الله به سلطاناً ، كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحياناً قتل المصاب ، كما وقع هنا في عمّان ، وفي مصر ، مما صار حديث الجرائد والمجالس ، لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفراداً قليلين صالحين فيما مضى ، فصاروا اليوم بالمئات ، وفيهم بعض النسوة المتبرجات ، فخرج الأمر عن كونه وسيلة شرعية لا يقوم بها إلا الأطباء عادة ، إلى أمور ووسائل أخرى لا يعرفها الشرع ولا الطب معاً ، فهي - عندي - نوع من الدجل والوساوس يوحي بها الشيطان إلى عدوه الإنسان ، ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) (22) ، وهو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) (23) فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا - أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى ؟ مسلم أم كافر ؟ وصدقه المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده ؛ فقد شملهم جميعاً وعيد قوله صلى الله عليه وسلم :
« مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم » (24) .
وفي حديث آخر :
« .. لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » (25) .(1/14)
فينبغي الانتباه لهذا ، فقد علمتُ أن كثيراً ممن ابتُلوا بهذه المهنة من الغافلين عن هذه الحقيقة ، مذكراً لهم بقوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (25) ..انتهى كلامه رحمه الله (26) .
على ضوء ما سبق لعلك تدرك لماذا اختفى ثُلَّة من أفضل الرقاة وأخلصهم ، كالشيخ أبي يوسف ( الدكتور صالح الزهراني ) والشيخ وحيد عبد السلام بالي ، غفر الله لهما حيث كانا ورضي عنهما حيث ما أقلتهما أرض وأظلتهما سماء . وسار على دربهما جمٌ غفير من الأخوة الرقاة ، فتركوا التفرغ لهذا الأمر ، وما فعلوا ذلك إلا لفقههم رحمهم الله .
قبل أن تذهب إلى المعالج
فإن اضطُررت للذهاب لمعالج من المعالجين ، فاحرص أشد الحرص على مراعاة جملة أمور ، نذكرها لك هنا ، وحريُّ أن تُكتب بماء الذهب :
يقول أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني وفقه الله (28) : كثر في الآونة الأخيرة انتشار السحرة والمشعوذين والدجالين ، وأكثر من ذلك وأدهى وأمر انتشار مدعي الرقية الشرعية الذين صالوا وجالوا وأكلوا أموال المسلمين بالسحت والباطل ، وانتهكوا أعراضهم ، وأساؤوا إلى الرقية الشرعية أيما إساءة ، وجعلوا من الرقية موضع قذف وتشهير مما لا خلاق لهم .
ومن هنا كان حري بالمسلم قبل الذهاب إلى هؤلاء سؤال العلماء وطلبة العلم والدعاة عن أحوالهم ومنهجهم وعقيدتهم ، وسوف أستعرض معكم [ أهم ] الصفات التي يجب أن يتحلى بها المعالج كي يكون أهلاً لحمل أمانة هذا العلم ، ومنها :
1)- التحري والتثبت والتأكد من منهج الراقي وسلامة عقيدته وتوجهه : فانتفاء هذه المقومات لدى المعالج تورث إثما عظيما للمريض لعدم تثبته منها ومن كافة الجوانب المتعلقة بها ، ولا بد أن يعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه ، وهنا تكمن أهمية سؤال العلماء وطلبة العلم الثقاة .(1/15)
2)- الحذر من الاستجابة للعامة فيما يختص بالعلاج أو المشورة : أو الذهاب معهم إلى أناس يزعمون أنهم يرقون وهم حقيقة من الجهلة أو الدجالين والسحرة والمشعوذين .
3)- يجب الحرص على أصول العقيدة والعودة في كل المسائل التي قد تشكل على المصاب إلى العلماء وطلبة العلم : وربما ذهب الشخص إليهم فيقع فريسة لعبثهم واحتيالهم ، وقد يزين الشيطان للمصاب الشفاء بعد ذهابه لهذا الجاهل أو الساحر أو الكاهن فيفقد دينه وماله وصحة بدنه ، ولو صح بدنه لكانت خسارته في دينه فادحة لا تعادل ما كسبه ، وبقاء المرض مع حفظ العقيدة والصبر وتحمل الابتلاء فيه أجر عظيم وثواب جزيل ، إذا احتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى .
4)- وكل ذلك لا يقاس بعدد رواد فلان من الناس ؛ بل الأساس في ذلك التثبت من المنهج والمسلك وصحة العقيدة لذلك الرجل ، وهذه مسؤوليتنا جميعا ، فإن كانت كل تلك المقومات صحيحة سوية لا يشوبها شك أو لبس ونحوه ، إضافة إلى إقرار العلماء وطلبة العلم لذلك المعالج ، عند ذلك يكون الأمر قد سلك المسلك الشرعي الذي لا بد أن يكون عليه ، إضافة للمتابعة والتوجيه والإرشاد ، أما ارتياد هؤلاء الجهلة بناء على قول فلان وفلانة وازدحام الناس عليه ، فهذا من أعظم الجهل ، ولا غرابة فسوف تتبدد الحيرة والدهشة ، عند الحديث عن المخالفات الشرعية لدى بعض المعالجين ، والتي سوف يتضح من خلال اقتراف بعضها تدمير العقائد وتشتيت الأفكار ، مع أن الواجب الشرعي يملي مخافة الله وتقواه لكل من يتصدر ذلك الأمر ، والذي نراه اليوم ونسمعه أن هذه الفئة استغلت ضعاف الإيمان وحاجتهم للعلاج فأصبحت تنفث سمومها بادعاء الرقية الشرعية ، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أبين بأن البعض بتصرفاته وأفعاله ، يقوم بعمل لا يقل خطورة عما يقوم به السحرة والمشعوذون ، فإلى الله المشتكى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .(1/16)
وتحت هذا العنوان لا بد من الإشارة الإجمالية لبعض النقاط التي لا بد من الاهتمام بها لإلقاء نظرة عامة على المعالج وتقييمه وتحديد منهجه وطريقته ، ويجب الحرص أن تكون هذه النظرة نظرة شمولية لا تقتصر على جوانب معينة دون الاهتمام بالجوانب الأخرى التي بمجملها تحدد طبيعة الشخص ومنهجه ومدى اتساق طريقته مع منهج أهل السنة والجماعة ، وأوجز ذلك بالأمور التالية :
1)- صحة العقيدة ، فمن فسدت عقيدته فلن يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولقي الله وهو عليه غاضب ، فلا يجوز الذهاب مطلقاً إلى من اتخذ مسلكاً وطريقاً غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين ومن سار على نهجهم من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، خاصة بعض أصحاب الطرق الصوفية البدعية ، فقد وصلت بدعهم إلى حد يفوق الوصف والتصور في مسائل الرقية والعلاج والاستشفاء .
2)- إخلاص العمل ، فلا بد أن تكون الغاية والهدف من الاشتغال في هذا العلم هو التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ثم تفريج كربة المكروبين والوقوف معهم وتوجيههم الوجهة الشرعية في مواجهة هذه الأمراض على اختلاف أنواعها ومراتبها ، لا كما يشاهد اليوم من ابتزاز فاضح لأموال المسلمين ، واتخاذ طرق شيطانية في سبيل تحصيل ذلك ، ومنها بيع ماء زمزم بقيمة قدرها ستون ريالاً سعودياً ، حتى وصل الأمر بالبعض لنظرة يشوبها الكره والحقد على أمثال هؤلاء الذين لم يرعوا في مسلم إلا ولا ذمة .(1/17)
ومن غرائب القرن العشرين ظهور فئات من المعالجين لم تكتفي بجمع المئات من الريالات فحسب بل تعدت ذلك لتحصيل الألوفات ، ومن ذلك ما وصلني وتأكد لي خبر أحد المدعين ممن أفقده المال لذة الإيمان فأعمى بصره وبصيرته ، ولم يذق طعماً لحلاوة الإيمان ، ولا فهماً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت الذي رواه [ ابن عمر ] - رضي الله عنهما - حيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ( متفق عليه ) ، حيث عمد إلى عمل أعشاب مركبة مع إضافة قليل من العسل ، واستخدام كمية بسيطة لا تتجاوز مقدار خُمس كوب من البلاستيك الأبيض الصغير لبيعها على أولئك المرضى المساكين وبسعر قدره ثمانون ريالاً للكأس الواحد ، ليس هذا فحسب إنما يجب على المريض أو المريضة أن يستعمل أكثر من عشر كاسات لتنظيف معدته من مادة السحر الموجودة ، وعلى هذا فمن أراد استعمال هذه المادة فعليه دفع مبلغ وقدره ( 80 × 10 = 800 ) ريال سعودي ، ليس ذلك فحسب إنما وصل به الأمر إلى أن يبيع شريط التسجيل بمبلغ وقدره ثلاثون ريالاً ، ناهيك عن وجود جلد ذئب في بيته ظناً منه في أن ذلك يحفظ من الجن والشياطين ، فقلي بربك هل وصل بنا الانحطاط إلى هذا المستوى من التردي ، هل هان على أنفسنا أن نبيعها للشيطان ، هل مات الضمير في قلوب من يدعون العلاج بالقرآن ، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصدق بأمثال هؤلاء على أنهم يريدون الخير والسعادة للمسلمين ، أين هم من آية في كتاب الله عز وجل يقول فيها الحق جل شأنه : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ(1/18)
عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ( سورة الفتح - الآية 29 ) ، أين هم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » ( متفق عليه ) ، ألم يعلموا يقيناً أن دفع الظلم عن الناس ومساعدة المكروب والسير في حاجة المسلم من أعظم القربات إلى الله سبحانه وتعالى ، إن كان لي كلمات أعبر فيها عمّا أراه من مآسي تحرّق القلوب فهي نصيحة خالصة أوجهها لهذا الرجل وأمثاله : أن يتقوا الله عز وجل ، وأذكرهم بقول الحق تبارك وتعالى : ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم ) ( سورة الشعراء - الآية 88 ، 89 ) ، فالله الله في أنفسكم قبل أن تقفوا بين يدي الله سبحانه وتعالى فتحاسبوا يوم الحساب لا يوم العمل .
3)- العلم الشرعي ، وبالقدر التي يحتاجه المعالج في حياته لمتابعة الطريق القويم الذي يؤصل في نفسيته تقوى الله سبحانه أولاً ، ثم توقّي الابتداع في مسائل الرقية ، فلا يأخذ من هذا العلم إلا ما أقرته الشريعة أو أيده علماء الأمة وأئمتها .
4)- المظهر والسمت الإسلامي ، فمن الأمور التي لا بد أن يهتم بها المرضى مظهر المعالج العام من حيث التزامه بالسنة في شكله ومظهره ، والمعنيّ من هذا إطلاق اللحية وتقصير الثوب ونحو ذلك من أمور أخرى ، مع الالتزام في التطبيق العملي قدر المستطاع لنصوص الكتاب والسنة ، واقتفاء آثار الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة وأئمتها .
5)- المحافظة على الفرائض والنوافل ، من حيث أداء الصلوات مع الجماعة والمحافظة عليها في وقتها ونحو ذلك من أمور العبادات الأخرى .(1/19)
6)- الورع والتقى ، وهي من أهم الصفات التي لا بد من الاهتمام بها وتوفرها في المعالج لكي يستطيع تقديم صورة بيضاء ناصعة عن هذا الدين وأهله ، ويجب على المعالِج تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن ، والتورع قدر المستطاع في التعامل مع المرضى ، ويجب أن تكون غايته وهدفه مرضاة الله سبحانه وتعالى ، لا كما يفعل بعض المعالجين اليوم ، فتقتصر النظرة إلى ما في جيوب المرضى من دينار ودرهم ، ونسوا أو تناسوا ما عند الله سبحانه وتعالى من نعيم مقيم لا يفنى ولا يبلى ، وفيه الخلود والسعادة الأبدية .
7)- التواضع وخفض الجناح والبشاشة ورحابة الصدر ، وحقيقة الأمر أن هذا الموضوع من الأمور المهمة التي لا بد من الاهتمام بها غاية الاهتمام لكلا الطرفين المعالِج والمعالَج ، حيث أصبحنا نرى كثيراً ممن سلك طريق الرقية الشرعية وبدأ فيها بداية طيبة محمودة ، أصبحت تراه بعد فترة من الزمن يمشي مشية المتكبرين ويتكلم بكلام المترفعين ، وينظر إلى الناس من حوله نظرة احتقار وازدراء ، وهذا والله هو الخسران المبين ، ولا بد للمعالج من تقوى الله سبحانه وتعالى وإعادة الأمر كله له ، فلولا حفظ الله سبحانه وتعالى له لتلقفته الشياطين منذ أمد بعيد ، فليشكر الله ، وليعامل الناس بما يحب أن يعامل ، فعليه أن يكون متواضعاً ليناً ، البشاشة تعلو محياه ، وخفض الجناح أساس مسعاه ، فيصبر على المرضى ويتفاعل مع مشاعرهم وأحزانهم ، ويظهر لهم حقيقةً أنه يشاركهم فيما يحملون من مرض وابتلاء ، وعندئذ سوف يكون التواصل بين المعالج والمريض ، ومن ثم تتجسد المحبة والألفة وهذا من أكبر دواعي الشفاء بإذن الله سبحانه وتعالى .(1/20)
8)- المنطق والحديث ، وأعني بذلك أن المعالج لا بد أن يكون له منهجاً واضحاً يعتمد أساساً على مرجعية الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة الأجلاء ، وعليه أن يعود في المسائل المشكلة إلى العلماء وطلبة العلم للاسترشاد بآرائهم والتوجه بتوجيهاتهم ، لا كما يفعل كثير من جهلة المعالجين فجعلوا قائدهم في التوجه والتصرف الأهواء والشهوات وأصبحوا وكأنما يمتلكون علماً لدنياً لم يحزه أحدٌ سواهم ، بل أصبحوا وكأنما قد جمعوا العلم من أطرافه ، وإليك قصة أحدهم نقلاً عمن راجع هذا المعالج : جاءني رجل في العقد الثالث من عمره وقد رأيته حالق الرأس فسألته عن سبب ذلك ، فأخبرني بأنه قد راجع معالجاً فأشار عليه بحلق رأسه والعودة إليه مرة ثانية ، ففعل ، وما أن عاد إلى هذا المعالج حتى أخذ يعمد لإجراء قياسات له في رأسه بواسطة ( المغيض - مطاط ) ، ويكون ذلك القياس عرضاً وطولاً فإن توافق القياس فالرجل سليم ، وإن لم يتوافق هذا القياس فالرجل يعاني من أمر ما ، وبعد انتهاء المعالج من أخذ قياسات جميع أنحاء الرأس ، أشار هذا المعالج الحاذق الجاهل بمعاناة الرجل من تنسيم في الرأس ؟؟؟!!! .(1/21)
ليس هذا فحسب ، إنما واجب المعالج أن يحرص كل الحرص على كل كلمة يقولها أو يتفوه بها وأن يضبطها بالشريعة أولاً ، وأن تضبط بسلامة الناحية العضوية والنفسية ثانياً ، بل يجب عليه أن يحرص على نمط العلاقات الاجتماعية بين الأسر ، فلا يتكلم بما قد يؤدي إلى الفرقة أو قطيعة الرحم دون القرائن والأدلة القطعية ، وكذلك مراعاة المصالح والمفاسد ، وقد يعجب الكثير من هذا الكلام ، ولكنه واقع كثير من المعالجين الذين أساؤوا السلوك والتصرف ، وبناء على التصرفات الهوجاء لهذا الصنف من المعالجين ترى فلان قد طلق زوجته ، وآخر قد قذف أهله بالسحر والعين ، وثالث ترك بيته ورابع وخامس ، وكل ذلك ما كان لولا تفشي الجهل في تلك الفئة التي لم تراعي إلا ولا ذمة في مسلم قط ، ومن هنا فلا بد أن يحرص المعالج على قوله وعمله ، فلربما تكلم بكلام أو فعل فعلاً كلفه الكثير في الدنيا والآخرة .
9)- التعامل مع النساء ، ومما يجب الاهتمام به من قبل المرضى تعامل المعالِج مع النساء ، ولا أريد أن أطيل الحديث في هذا الموضوع حيث قد تعرضت له في سلسلة ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) تحت عنوان ( التقيد بالأمور الشرعية الخاصة بالنساء ) و ( اتقاء فتنة النساء ) .(1/22)
وكل ما ذكر تحت هذا العنوان يعطي الانطباع الحقيقي والرؤية الساطعة عن حقيقة المعالج وتوجهه وغاياته وأهدافه ، ولا بد للمرضى من الاهتمام غاية الاهتمام بهذه الأمور وقياس كل ذلك على من تصدر الرقية والعلاج ، وواجب المريض يحتم أحياناً تقديم النصح والإرشاد فيما يراه من تجاوزات في بعض الأمور المذكورة آنفاً ، وأحياناً أخرى يكون واجباً شرعياً على المسلم رفع أمر بعض هؤلاء لولاة الأمر وأهل الحسبة للنظر في أمرهم وتحري ما يقومون به من أفعال تخالف الأسس والقواعد والأخلاقيات في الرقية والعلاج ، وحقيقة الأمر أن هذا الأمر مسؤولية الجميع ابتداء من ولي الأمر وأهل الحسبة والعلماء وطلبة العلم والدعاة ، فيجب تضافر الجهود في تقييم ما هو موجود على الساحة اليوم ، فمن أراد أن يقدم لهذا الدين فنعما هو ، ومن أراد العبث بالعقيدة والقيم والأخلاق فليس بلد التوحيد مجالاً لذلك كله ، وهذا ما عهدناه من ولاة الأمر ومن خلفهم العلماء وطلبة العلم والدعاة في هذا البلد الطيب ، يقفون صفاً واحداً للذود عن حمى العقيدة وصونها وحفظها من دجل الدجالين ودعوى المدعين ، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الجميع وأن يوفقهم في هذا العمل المبارك إنه على كل شيء قدير .
سُئل فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين السؤال التالي : ماذا تنصح العوام قبل الذهاب لشخص بعينه من أجل الرقية والاستشفاء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟(1/23)
فأجاب - حفظه الله - : ننصح المصاب بمس أو عين أو صرف أن يعالج نفسه بكثرة الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار والأعمال الصالحة وكثرة القربات من صدقة أو صوم أو حج أو عمرة أو تلاوة أو نفع عام للمسلمين ، وننصحه بالتوبة عن المعاصي والبعد عن السيئات والمخالفات ، وهجر العصاة وأهل الملاهي والأغاني والصور والصحف الماجنة والأفلام الهابطة وكل ما يدعو إلى الشر أو يدفع إلى المعاصي وذلك لأن الاستشفاء بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إنما تنفع أهل الإيمان والتقوى كما قال تعالى : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَء امَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي ءاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) ( سورة فصلت - الآية 44 ) ، وقال تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ) [ سورة الإسراء : 82 ] ، وننصحه أن يعتقد ويجزم بأن كتاب الله تعالى هو الشفاء والدواء النافع ، ولا يشك ولا يتردد في أثر نفعه ، ولا يجعله كتجربة ، وننصحه أن يختار من القراء أهل التقى والورع وقوة الإيمان والخوف من الله تعالى والنصح للمسلمين ، ولا يذهب إلى النفعيين الذين جعلوا الرقية حرفة يأكلون معها أموال الناس ، فإن تأثيرهم قليل والله أعلم .. ( القول المعين في مرتكزات معالجي الصرع والسحر والعين - ص 345 ، 346 ) .
وبعد فقد اتضحت الرؤيا ، وأصبح الأمر سهلاًُ ميسراً بإذن الله سبحانه وتعالى ، فلنحرص جميعاً على تتبع ذلك قبل الذهاب إلى المعالجين ، وتوعية الناس بذلك كي نقي العقيدة والمنهج والدين والأعراض والأموال من فئة باعت نفسها للشيطان ، سائلاً المولى عز وجل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه : مجدي محمد الشهاوي
ـــــــــــــــ
تخريجات :(1/24)
(1) في كتابه :" الرُّقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة واتخاذها حرفة " ط . دار الصفوة القاهرة ( ص 75 - 79) .
(2) رواه البخاري (5737) ، وابن حبان (5124) ، والبيهقي (1866، 14182) ، والدارقطني (3019 - 3020) .
قلت : وقد وقع نحو هذا في رواية مماثلة لأبي سعيد الخدري [ رواه البخاري (5736،2276) ، ومسلم (2201) ، وأبو داود (3900،3419،3418) ، والترمذي (2063 - 2064) ، والنسائي في الكبرى (7533،7534) ، وفي عمل اليوم والليلة له (1035 -1038) ، وابن ماجه (2156) ، وأحمد (3/44،10) ، وابن حبان (6079 - 6080) ، والبيهقي (1866 ، 11456) والحاكم (1/559) ، وابن السني (636) ، والدارقطني (3015-3018) ، وابن الجارود في المنتقى (588) ] ، فانتبه إلى أنه لم يرد في السنة - حتى ولا في أثر ضعيف - أن الناس توافدت إلى بيت أبي سعيد رضي الله عنه لطلب العلاج والرقية منه بعد هذه الحادثة !!...؛ لأن القلوب لم تلتفت لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه ؛ بل تعلقت القلوب بالمقروء - وهو القرآن!! -.. ولو وقع مثل هذا الأمر لأحد الصالحين في زماننا هذا وسمع به الناس لهجموا عليه وحاصروا داره ، ومنعوه من الخروج منها حتى ولو للصلاة ، وضربوا إليه أكباد المطيّ وشدُّوا الرحال إليه لطلب العلاج منه ... ، فتأمَّل هذا جيدا ، وقارنه بما حولك من أدعياء الرقية ترى عجب العجاب !! .
(3) الإسراء : 82 .
(4) فصلت : 44 .
(5) زاد المعاد (3/178) .
(6) سنن الدارمي (204) ، البدع لابن وضاح ( ص 8) ، وإسناده صحيح .(1/25)
(7) رواه أحمد (1/381) ، وأبو داود(3883) ، وابن ماجه (3530) ، وابن حبان (6058) ، والبيهقي (19387) ، وأبو يعلى (5208) ، والطبراني في الكبير (9/174) ، والحاكم (4/418) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي ، وصححه الألباني في الصحيحة (1/854) ، وصحيح سنن ابن ماجه (2/269) ، قلت : وفي رواية الطبراني أنها تقرأ الإخلاص والفلق والناس .
(8) مجموع الفتاوى (11/30) .
(9) الدرة : التي يُضرب بها (عصا) .
(10) عن سليم بن حنظلة قال : بينا نحن حول أُبيِّ بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر ، فعلاه بالدِّرة ، فقال : انظر يا أمير المؤمنين ما تصنع ! ، فقال : إن هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع [ أخرجه ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (51) ، وابن المبارك في الزهد (48 - زيادات نعيم ) ، والدارمي (523) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 144) ، والذهبي في تذكرة الحفاظ (1/8) ، والغزالي في إحياء علوم الدين (3/ 428 ) ] .
وخرج ابن مسعود ذات يوم فاتبعه ناس ، فقال لهم : ألكم حاجة ? ، قالوا : لا ، ولكننا أردنا أن نمشي معك ، قال : ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع [ سنن الدرامي (527) ، صفة الصفوة ( 1/ 214) لابن الجوزي ] .
(11) الإسراء : 36 .
(12) انظر فتح المجيد (132) ، ومعارج القبول (1/469) .
(13) مجلة البحوث الإسلامية العدد 25 عام 1409 هـ ، ( ص 40) .
(14) سير أعلام النبلاء (1/11) ، والحاكم في المستدرك (3/499) وصححه الذهبي ، والبيهقي في دلائل النبوة ( 6/189 ) ، والسيوطي في الخصائص الكبرى ( 2/165 ) .
(15) هم الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو ، واحدهم : مدد .
(16) أي ضعافهم وصعاليكهم الذين لا يؤبه لهم ، وهذا من إيثار الخمول وكتْم حاله.(1/26)
(17) رواه مسلم (2542) ، والإمام أحمد في المسند (1/38 - 39) ، وفي كتاب الزهد له ( ص 416) ، والحاكم (3/ 403-404) ، والبيهقي في دلائل النبوة (6/375 - 377) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (2/79-87) ، وأبو يعلى (212) ، سير أعلام النبلاء (5/69-74) ، تاريخ دمشق ( 9/416-440) .
(18) تيسير العزيز الحميد ( ص 186) .
(19) الأنعام : 108 .
(20) الحكم الجديرة بالإذاعة بين يدي الساعة ، لابن رجب الحنبلي ( ص 54) .
(21) يُلاحَظ أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل يرقي نفسه بنفسه حتى اللحظات الأخيرة من مرضه إلى أن ثقل .. فعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ في الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا .
ظلَّ النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه بنفسه إلى أن ثَقُلَ .. ظل كذلك حتى لم يستطع بعد اشتداد المرض به .. الحديث رواه البخارى (5735) ، ومسلم (2192) ، وأبو داود (3902) ، والترمذي (2056) ، والنسائي في الكبرى (7086 ، 7530) ، وابن ماجه (3529) ، ومالك في الموطأ ( ص 942 - 943) ، وأحمد (6/104 ، 114 ، 124 ، 181 ، 256 ، 263) ، وابن حبان (6556) ، وعبد بن حميد (1474) ، وابن راهويه (795) ، وابن أبي الدنيا في المرض والكفارات (188) .
(22) الأنعام : 112 .
(23) الجن : 6 .
(24) أخرجه أحمد (2/429) ، والحاكم في المستدرك (1/8) وقال : هذا حديث صحيح على شرطهما جميعاً ، والبيهقي (16273) ، وابن راهويه (503) .
(25) رواه مسلم (2230) ، وأحمد (4/68) ، (5/380) ، والبيهقي (16287) ، والطبراني في الكبير (23/215) ، عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وللحديث رواية عن ابن عمر عند الطبراني في الأوسط (1424) ، ورجاله ثقات كما في مجمع الزوائد (5/118) .(1/27)
(26) النور : 63 .
(27) السلسلة الصحيحة ج6 قسم 2 ص 1009-1010 .
(28) منقول من :
http://www.gesah.net/vb/vb/showthread.php?t=2681
http://www.gesah.net/vb/vb/showthread.php?t=2764
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://www.gesah.net/vb/vb/showthread.php?t=3996
المدرار
عضو تاريخ الانتساب: Aug 2002
مشاركات: 1
التكسب على قراءة القرآن لا يجوز فتنبهوا
السلام عليكم : اخوني ارجو من الله ان يكون عمل اي انسان راق لاخوانه ان يكون لله تعالى لان اخذ الاجر عليه حرام ولا يجوز شرعا اما الاستدلال على حله بقصة لديغ القوم فهو استدلال يخالف فهم السلف الصالح لهذا الاثر حيث ان الصحابية لما اشترط عليهم ان يطعموهم انما اشترطه عليهم لانه هو في الاصل حق الضيافة لهم لانهم مقطوعون ولهم حق الضيافة الاسلامية والتي امر بها النبي صلى الله عليه وسلم في احاديث ذكرها الامام مسلم وغيره فارجو من اخواني الرقاة ان يتنبهوا لهذا المر فان من اخبث الكسب في هذا الزمان هو الذي يقوم به اخواننا الرقاة من اخذ الاجرة على القرآن
&
أبو البراء
مشرف عام منتدى الرقية الشرعية
حكم أخذ الأجرة على الرقية !!!
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، ثم أما بعد ،،،
الأخ المكرم ( المدرار ) بخصوص الموضوع الذي طرحته تحت عنوان ( التكسب على قراءة القرآن لا يجوز فتنبهوا ) فاعلم رعاك الله أن الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء قد اتفقوا على جواز أخذ الأجرة على الرقية ، كما ذكر ذلك ابن حجر في الفتح ( 4 / 457 ) ، وقد استدلوا بالأحاديث النبوية التالية :(1/28)
1 )- عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : ( انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب ، فاستضافوهم ، فأبوا أن يضيفوهم ، فلدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شئ لا ينفعه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شيء ، فأتوهم ، فقالوا : يا أيها الرهط ! إن سيدنا لدغ ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه ، فهل عند أحد منكم من شيء ؟ فقال بعضهم : نعم والله إني لأرقي ، ولكن استضفناكم ، فلم تضيفونا ، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا ، فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فانطلق يتفل عليه ، ويقرأ : الحمد لله رب العالمين ، فكأنما أنشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبة ، قال : فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم : اقتسموا ، فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنذكر له الذي كان ، فننظر ما يأمرنا ، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له ذلك ، فقال : ( وما يدريك أنها رقية ؟ ) ، ثم قال : ( قد أصبتم ، اقسموا واضربوا لي معكم سهما ) ( متفق عليه ) .
قال النووي - رحمه الله - تعقيبا على شرح الحديث : ( وهذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة وأنها حلال لا كراهة فيها وكذا الأجرة على تعليم القرآن . وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد واسحاق وأبي ثور وآخرين ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 356 ) .(1/29)
وفي رواية أخرى للحديث : ( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فنزلنا بقوم فسألناهم القرى فلم يقرونا ، فلدغ سيدهم فأتونا فقالوا : هل فيكم من يرقى من العقرب ؟ قلت : نعم أنا ، ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما ، قالوا : فإنا نعطيكم ثلاثين شاة ، فقبلنا ، فقرأت عليه الحمد سبع مرات فبرأ وقبضنا الغنم . قال : فعرض في أنفسنا منها شيء ، فقلنا : لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فلما قدمنا عليه ذكرت له الذي صنعت ، قال : ( وما علمت أنها رقية ؟ اقبضوا الغنم ، واضربوا لي معكم بسهم ) ( صححه الألباني - أنظر صحيح الترمذي 1685 ، صحيح ابن ماجة 1749 - الإرواء 1556 ) .
ولا بد من وقفات مع حديث قصة لديغ القوم لاستخلاص بعض الفوائد المتعلقة به :-
1- إن القرآن شفاء لأمراض القلوب والأبدان ، وقد يبلغ حصول شفاء الأمراض البدنية ما لا يبلغه الدواء ، وفي ذلك يقول ابن القيم – رحمه الله - : ( فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه . فأغنته عن الدواء . وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء ) ( مدارج السالكين – 1 / 67 ) .
2- إن تصرف القوم وطلبهم أن يجعلوا لهم جعلا جاء بناء على موقف هؤلاء القوم ولؤمهم ، ومنعهم لحق الضيف ، والجزاء من جنس العمل ، قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله - : ( وكان أصحاب اللديغ لم يضيفوهم فلهذا شرطوا عليهم الجعل ) ( مقالة في مجلة " المسلمون " - الجمعة 15 ربيع الأول 1416- العدد 549 ) .
3- الراجح أن هؤلاء القوم كانوا كفارا ، ولا تربطهم أي رابطة بالمسلمين ، فليس يربطهم بهم أواصر الأخوة والمودة ونحوه ، بدليل أنهم رفضوا ضيافة القوم ، ومثل ذلك التصرف لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخرج من مسلم يشهد أن لا الله إلا الله وأن محمدا رسول الله .(1/30)
يعقب ابن القيم – رحمه الله – على حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - فيتكلم عن حصول شفاء اللديغ بقراءة الفاتحة ، حيث يقول : ( هذا مع كون المحل غير قابل ، إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين ، أو أهل بخل ولؤم . فكيف إذا كان المحل قابلا ) ( مدارج السالكين – 1 / 67 ) .
* قال القاسمي : ( يقول بعضهم مستدلاًّ بجواز الرقية بأنه عليه السلام أقرّ ابن مسعود على رقيته من لدغَ بعقرب ، وأقره وجماعته على أخذ الشياه في مقابلتها .
فأولاً : يقال له : ذهب كثير من العلماء إلى أن ذلك خصوصية لابن مسعود وجماعته ؛ لحالة اضطروا إليها ، والعصر عصر النبوة ، وهي قضية عين لم يسمع بنظيرها في عهده عليه السلام من غير ابن مسعود ، وكان الشفاء بالرقية بها معجزة له صلى الله عليه وسلم وكرامةً لأصحابه .
وثانياً : لو تنزلنا وقلنا : إنها ليست بخصوصية ، فإذا كان الراقي يقتصر على الفاتحة لا يتعدّاها ويأخذ أجرة في مقابلتها ؛ فلا بأس ، وإن كان يزيد عليها من عندياته ليطيل ذيل القضية بالبهللة والخزعبلات ؛ فأنّى يحلّ أكل أموال الناس بالباطل والخداع والتلبيس ؟
أرأيت كيف أصبح بعضهم يشترط في الرقية ما يشترطه المحامون ووكلاء الدعاوى ؛ فقد يذهب بعض المغفلين إلى بعض المشتهرين ويرجوه أن يذهب لرقية مريضه ، فيقول : لا أذهب إلا بأربع ليرات أو أكثر سلفاً ، ثم إذا شفي فلي مثلها ؛ فيذهب ، ويخلط في الشروط والاقتراحات ووضع الأوراق وتبخيره بها ، وإذا لم يجد أهل المريض نجاحاً وسألوه يقول لهم : أخطأتم شرطي ، أما قلت لكم ايتوني بالصحن في وقت كذا ، واسقوه وقت كذا ، ولا تفعلوا إلا كذا ؛ أكاذيب ، وأضاليل ، وتمويهات ، واختلاس أموال الغير بالباطل ؛ فإنا لله ، ولا قوة إلا بالله ) ( قاموس الصناعات الشامية – ص 233 – 234 ) .(1/31)
ذكر في الموسوعة الفقهية ما نصه : ( لا خلاف بين الفقهاء في جواز رقية المسلم للكافر. واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – سبق ذكره ، ووجه الاستدلال أن الحي – الذي نزلوا عليهم فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم – كانوا كفارا ، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه ) ( الموسوعة الفقهية – 13 / 34 – نقلا عن الشرح الصغير – 4 / 769 ، وتفسير القرطبي – 10 / 317 ، وعمدة القاري – 5 / 649 ) .
4- إن القوم اشترطوا أن يجعلوا لهم جعلا ، فاستحقوا الأجرة بعد أن نشط سيد القوم كأنه فك من عقال .
قال ابن عبد البر عن النشرة : ( وإذ كانت مباحة فجائز البدل عليها - وهذا إنما يكون إذا صح الانتفاع بها - فكل ما لا ينتفع به بيقين فأكل المال عليه باطل محرم ) ( التمهيد - 6 / 241 ) .
5- إن المصلحة الشرعية في عصرنا الحاضر تقتضي عدم أخذ الأجرة على الرقية من قبيل الدعوة إلى الله ، ولذلك قال بعض أهل العلم بجواز أخذ الأجر على الرقية إلا أن الأولى تركها حسبة لله تعالى .
2 )- عن ابن عباس – رضي الله عنه – : ( أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ – أو سليم – فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال : هل فيكم راق ؟ إن في الماء رجلا لديغا – أو سليما – فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء ، فبرأ . فجاء بالشاء إلى أصحابه ، فكرهوا ذلك وقالوا : أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا : يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا ، فقال الرجل : يا رسول الله إنا مررنا بحي من أحياء العرب فيهم لديغ – أو سليم – فانطلقت فرقيته بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله عز وجل ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه – برقم ( 5737 ) ، أنظر صحيح الجامع 1548 ) .(1/32)
3 )- عن عم خارجة بن الصلت التميمي - رضي الله عنه - : ( أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، ثم أقبل راجعا من عنده ، فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد ، فقال أهله : إنا حدثنا أن صاحبكم هذا ، قد جاء بخير ، فهل عندك شيء تداويه ؟ فرقيته بفاتحة الكتاب ، فبرأ ، فأعطوني مائة شاة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : " هل إلا هذا " وقال مسدد في موضع آخر : ( هل قلت غير هذا ) ؟ قلت : لا ! قال : ( خذها ، فلعمري لمن أكل برقية باطل ، لقد أكلت برقية حق ) ( صححه الألباني ، أنظر صحيح أبي داوود ( 2918 ، 3297 ، 3298 ) - أنظر السلسلة الصحيحة 2027 ) .
والأدلة من الأحاديث آنفة الذكر ظاهرة في جواز أخذ الأجرة على الرقية وشاهد ذلك ما يلي :
* قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد : ( قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما ) .
* وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ( عز وجل ) ) .
* وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث خارجة : ( كل فلعمري من أكل برقية باطل ، لقد أكلت برقية حق ) .
حيث أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على ما أخذوه من الأجر مقابل رقيتهم .
أما مسألة هل المعطى من الأجرة على الرقية من باب الإجارة أم الجعالة ؟
* يقول الدكتور فهد بن ضويان السحيمي عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، في منظومته العلمية لنيل درجة الماجستير : ( قلت : قد يكون المعطى من الأجر على الرقية من باب الإجارة وقد يكون من باب الجعالة وتفصيل ذلك كما يلي :
لو قال المريض للراقي ارقني بمبلغ كذا والاتفاق بينهما على القراءة فقط سواء شفي المريض أم لم يشف فهذا من باب الإجارة ، لأن الإجارة لا بد فيها من مدة أو عمل معلوم ، وهذا الاتفاق على عمل معلوم ألا وهو القراءة فقط .(1/33)
أما إن اشترط المريض الشفاء فقال للراقي لك مبلغ وقدره كذا إن شفيت ، فهذا من باب الجعالة لأنها تجوز على عمل مجهول والشفاء أمر مجهول ) ( أحكام الرقى والتمائم – ص 79 ) .
* قال ابن قدامة : ( قال ابن أبي موسى : لا بأس بمشارطة الطبيب على البرء لأن أبا سعيد حين رقى الرجل شارطه على البرء ) ( المغني – 5 / 541 ) .
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إذا جعل الطبيب جعلا على شفاء المريض جاز ، كما أخذ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين جعل لهم قطيع على شفاء سيد الحي ، فرقاه بعضهم حتى برأ ، فأخذوا القطيع ، فإن الجعل على الشفاء لا على القراءة ، ولو استأجر طبيبا إجارة لازمة على الشفاء لم يجز لأن الشفاء غير مقدور له فقد يشفيه الله وقد لا يشفيه فهذا ونحوه مما تجوز فيه الجعالة دون الإجارة اللازمة ) ( مجموع الفتاوى - 20 / 507 ) .
* وقد خالف ابن أبي زيد القيرواني المالكي في هذه المسألة حيث قال : ( لا يجوز الجعل على إخراج الجان من الإنسان لأنه لا يعرف حقيقته ولا يوقف عليه وكذا الجعل على حل المربوط والمسحور ) ( نقلا عن كتاب الشرك ومظاهره للميلي – ص 169 ) .
* وقد أجاب على ذلك الميلي حيث قال : ( إخراج الجن من الإنسان وحل المربوط والمسحور إن كان بما هو مشروع فالجهل بحقيقة الإصابة وعدم الوقوف عليها لا يضر لأن الجعل على الشفاء وذلك يوقف على حقيقته ويعرف هل شفي المريض أو لا والجعالة جائزة على ذلك .
إلا إذا أراد ابن أبي زيد شفاء مطلقا بحيث لا يعود الجن للمريض ولا العقد إلى المربوط ، ولا السحر إلى المسحور فهذا نعم لا يوقف على حقيقته ، ولا يمكن القول به ، ولا يستطيع أحد أن يضمن ذلك مطلقا والمتعارف عليه في حصول الشفاء الذي يستحق به الجعل هو حصوله في ذلك الوقت ) ( الشرك ومظاهره – ص 170 ) .(1/34)
* سئل فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عن جواز أخذ الأجرة على الرقية الشرعية من الكتاب والسنة دون طلب أجر أو اشتراط ؟
فأجاب – حفظه الله - : ( لا مانع من أخذ الأجرة على الرقية الشرعية بشرط البراءة من المرض وزوال أثره ، والدليل على ذلك حديث أبي سعيد أن بعض الصحابة نزلوا بقوم فلم يقروهم ، فلدغ سيد القوم فسعوا له بكل شيء ولا يغني عنه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء النازلين فأتوهم ، فقال بعضهم : والله إني لأرقي ولكن قد نزلنا بكم فلم تقرونا ، فما أنا بقارئ إلا بشيء ، فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فجعل يتفل عليه ويقرأ " الحمد لله رب العالمين " فقام وكأنما نشط من عقال ، فأوفوا لهم جعلهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اقسموا واضربوا لي معكم سهماً " . فأقرهم على الاشتراط وأسهموا له ليدل على إباحته ، ولكن بشرط أن يرقي رقية شرعية ، فإن كانت غير شرعية فلا تجوز ، ولا يشترط إلا بعد السلامة من المرض وزواله ، والأولى بالقراء عدم الاشتراط ، وأن تكون الرقية لتنفع المسلمين وإزالة الضرر والمرض ، فإن دفعوا له شيئاً بدون اشتراط أخذه دون أن يكون هو قصده ، وإن دفعوا له شيئاً أكثر مما يستحق رد الزائد إليهم ، وإن اشترط فلا يشدد في الاشتراط بل بقدر الحاجة الضرورية ، والله أعلم ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين - ص 349 ) .
قلت : والظاهر من الأحاديث النبوية الشريفة وأقوال أهل العلم هو جواز أخذ الأجرة على الرقية ، وأن ذلك قد يكون من باب الإجارة إن لم يشترط الشفاء ومن باب الجعالة إذا اشترط الشفاء لأن ذلك مجهول وهو مما تجوز فيه الجعالة لا الإجارة .(1/35)
أما التوسع في هذا المجال على نحو ما نراه أو نسمعه اليوم فهو عين الظلم وأكل مال بغير حق وهو من السحت الذي حرمه الله ، واتخاذ الرقية الشرعية وسيلة للتجارة دون رادع أو وازع ، فتغيرت النية لدى كثير ممن سلك هذا المسلك وتبدل حالهم ، فأصبحت التجارة والربح هما الغاية ، وأصبحت ترى من يبيع الماء بمبلغ كذا ، والآخر يأخذ رسم دخول قدره كذا ، والثالث يبيع أوراقا مكتوبا عليها آيات من كتاب الله عز وجل بالمداد المباح بمبلغ كذا ، والرابع يبيع الحديد بكذا ( بيع قطع من الحديد أو الفؤوس ونحوه بمبالغ طائلة وإحماء ذلك الحديد على النار والتبخر به اعتقادا في استخدامه من أجل حل المربوط عن أهله ، وهذا اعتقاد جاهلي ليس له أصل في الشريعة وهو من قبيل عمل السحرة والمشعوذين ، وقد صدرت فتوى لهيئة كبار العلماء تؤكد هذا المفهوم ، ناهيك أن فيه أكل مال بالباطل وهو من السحت المحرم ) ، ولا ندري بعد ذلك أي طريق سيسلكون وإلى أين سيذهبون ؟! وما نراه ونسمعه اليوم بعيد كل البعد عن أهداف الرقية الشرعية ، ومعظم أولئك جاهل بالأحكام الشرعية ، لا يفرق بين الأصول والفروع .(1/36)
سئل فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عن الحكم الشرعي في بيع الماء والزيت المقروء عليه ونحو ذلك من أمور أخرى وبأسعار قد تكون خيالية في بعض الأحيان ، فأجاب - حفظه الله - : ( الواقع أن الذين يبيعون الماء ونحوه بعدما ينفثون فيه قليلا ، أن ذلك الماء قليل الفائدة والتأثير ، حيث أن ذلك الراقي لم يقصد من قراءته في هذا الماء أو الزيت ونحوه إلا الدنيا والمصلحة الشخصية ، ولا يضره من انتفع به أو لم ينتفع به ، فننصح القارئ أن يحتسب في رقيته فيقصد منفعة إخوانه المسلمين وزوال الضرر عنهم ، ولا يأخذ منهم أجرة على الرقية إلا بقدر تكلفته كقيمة الماء الذي يقرأ عليه ونحوه ، وكذا أجرة الرقية ، عليه أن لا يطلب منهم مالا ، فإن أعطوه كثيرا رده عليهم ، وننصح المريض أن لا يذهب إلى أولئك النفعيين الذين هدفهم المال ، فإن تأثيرهم قليل والله أعلم ) ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى - ص 40 ) .
إن العلم الشرعي يورث في قلب العبد مخافة الله وتوقيره ، ورحمة المؤمنين ونصرتهم ، ومعاونتهم والأخذ بأيديهم ، لا استغلالهم وتحميلهم فوق طاقتهم ، وقد أصبح هؤلاء يتفننون بأشكال كثيرة في أكل أموال الناس بالباطل متذرعين بجواز أخذ الأجرة على الرقية الشرعية ، أو بتسديد نفقات عملهم هذا ، ولا شك أن هذه الوسائل واستخدامها بهذا الشكل وهذه الكيفية حرام وأكل مال بغير حق ، لا سيما أن المريض محتاج إلى النصح والإرشاد والتوجيه ، لا إلى من يخرجه خالي اليدين وبخفي حنين – كما يقولون – وعلينا أن ندرك أن من يتعامل بهذه الكيفية والمنظور مع إخوانه المسلمين لا يمكن أن يجعل الله سبحانه وتعالى على يديه شفاء ، وسيفضحه في الدنيا قبل الآخرة .(1/37)
* قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : ( لكن في زماننا هذا ضعف الدين والإيمان ، وصار الناس يعتمدون على الأمور الحسية الظاهرة ، وابتلوا فيها في الواقع . ولكن ظهر في مقابل هؤلاء القوم أهل شعوذة ولعب بعقول الناس ومقدراتهم وأموالهم يزعمون أنهم قراء بررة ، ولكنهم أكلة مال بالباطل ، والناس بين طرفي نقيض منهم من تطرف ولم ير للقراءة أثرا إطلاقا ، ومنهم من تطرف ولعب بعقول الناس بالقراءات الكاذبة الخادعة ، ومنهم الوسط ) ( فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين – ص 982 ) .
* قال فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله - في تقديمه لكتاب النذير العريان للأخ الفاضل " فتحي الجندي " وثنائه على الكتاب ومحتواه : ( فنهيب بالقراء الذين يهمهم معرفة الأحكام أن يرجعوا إليه - إلى الكتاب - فسوف يعرفون الحق وما ينبغي أن يستعمل في علاج المرضى ، سيما المصاب بالمس ، والعين ، والأعمال الشركية : من السحر ، والكهانة ، والشعوذة ، وخرافات الكذابين ، والتكسب بهذه الحرف ، وأخذ الأموال على العلاج بهذه الأعمال ، وحكم ما يفرضه هؤلاء المتكسبون بالرقى ) ( النذير العريان – ص 4 ) .
* قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - : ( واشتط آخرون ، فاستغلوا هذه العقيدة الصحيحة ، وألحقوا بها ما ليس منها مما غير حقيقتها ، وساعدوا بذلك المنكرين لها ! واتخذوها وسيلة لجمع الناس حولهم لاستخراج الجان من صدورهم بزعمهم ، وجعلوها مهنة لهم ، لأكل أموال الناس بالباطل ، حتى صار بعضهم من كبار الأغنياء ، والحق ضائع بين هؤلاء المبطلين وأولئك المنكرين ) ( تحريم آلات الطرب - ص 166 ) .
* قال الدكتور عبد المنعم القصاص ، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية وعضو لجنة الفتاوى بالأزهر : ( وبالنسبة لموضوع العلاج بالقرآن اختلط الأمر علينا فأصبحنا لا نفرق بين الصالح والطيب والخبيث .(1/38)
فهناك من يدعي بأنه طبيب يعالج بالقرآن ويقوم بابتزاز أموال الناس ويأتي بأعمال منافية للآداب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
أما الصنف الطيب من المعالِجين بالقرآن فهم أهل الصلاح والتقوى ، أهل الذكر والطاعة ، أهل القرآن الكريم ، فهؤلاء هم الذين يجوز لهم القيام بهذه المهمة الإنسانية بشرط ألا يطلبوا بذلك إلا وجه الله وأن يكونوا من المشهورين بالتقوى والصلاح ) ( العلاج بالقرآن من أمراض الجان - ص 152 ) .
* قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ : ( كذلك نجد بعض القراء " الراقين " يصنفون القراءة فيسمي هذه قراءة عادية بسعر كذا وقراءة أخرى بسعر أعلى وقراءة ثالثة وهكذا ، وهذا من أكل أموال الناس بالباطل وهو خلاف المشروع في الرقية ، فليس هناك رقية عادية وأخرى ممتازة وليس هناك تسعير للرقية وهذا ما ينبغي الإقلاع عنه والحذر منه ) ( مجلة الدعوة - صفحة 23 - العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ ) .
* قال الشيخ علي بن حسن عبد الحميد – حفظه الله - : ( ورأوا - أيضا – تصرفات كثير من المعالِجين والراقين – وبعضهم يتخذ هذا الصنيع مهنة ، يتأكل من ورائها ! وهذا شأن فيه نظر كبير – قد خرجت عن حد الشرع ، مخالفين هدي السنة الصحيحة ، متكئين في كثير من ذلك على المجربات ، أو الأحاديث الواهيات ، فجمعوا بسبب ذلك المال ، وحازوا الشهرة ، ونالوا الصيت !!!
وهذا الصنيع من المعالِجين ، وذاك التهافت من المدعين - أو المصروعين - جعل البعض يتوقف في إثبات أصل المسألة ويتردد فيه ، و ( يتلمس ) الشبهات التي يردها بها ، غير آبه لقالات العلماء ، ولا ملتفت إلى شهاداتهم وأخبارهم ) ( برهان الشرع في إثبات المس والصرع - ص 19 - 20 ) .(1/39)
* قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين : ( ولكن كثيرا ممن يرقون هذه الأيام توسعوا في الأمر فصاروا يطلبون المال الكثير ، وأصبح هو همهم الوحيد حتى دخلت نياتهم بعض الشوائب التي لم تجعل لهذه القراءة بركة .
والواجب على من يرقي أن يتقي الله ربه ولا يجعل المال أكبر همه ، ولا يشترط المبالغ الطائلة وأن يراعي أحوال المحتاجين .
وإن أكثر ما يخشى منه أن يتظاهر المشعوذون والدجالون وغيرهم بالقراءة على الناس ويخلطون الحق بالباطل ويبدأون في استنزاف أموال الناس .
وعلى من نذر نفسه للقراءة على الناس ونفعهم أن يحتسب ذلك عند الله فإن أعطي أخذ وإن منع نفسه من أخذ شيء فهذا أسلم وأعظم أجرا وأكثر بركة ونفعا بإذن الله تعالى ) ( فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين - ص 105 ) .
قلت : واتخاذ هذا الأسلوب المادي مطية في الرقية الشرعية أدى إلى أن ينعق الناعقون ويتكلم المتكلمون ويتبجح العقلانيون على صفحات الجرائد والمجلات ، ويقللون من شأن الرقية الشرعية وأهلها ، بل قد وصل الأمر إلى حد استهزاء البعض بالرقية وأصحابها وبتلك الأماكن التي من المفترض أن تكون منبرا للدعوة إلى الله ، لا أن تكون طريقا للتجارة والمزايدة ، وتلك الفئة ممن أكنت العداء والبغض في سريرتها وعلانيتها للدين وأهله أصبحت تقدر الدخل الشهري بل السنوي لمدعي الرقية والعلاج ، فخلطوا بين الرقية الشرعية المباحة والسحر والكهانة والدجل ، كل ذلك نتيجة لسوء التصرف والانقياد للشهوة والهوى لدى بعض المعالِجين وللأسف أصبح هذا الصنف كثيرا على الساحة اليوم .(1/40)
* جاء في تقرير لمجلة الأسرة تحت عنوان " قرّاء أم مشعوذون – قوارير الماء تلمع ذهباً " ما نصه : ( لقد صارت حرفة القراءة على المرضى من الوظائف التي يسعى إليها كثير من الناس طمعاً في الغنى السريع ، والربح الوافر ، حتى وصل دخل بعض هؤلاء القراء إلى عشرات الألوف من الريالات في الشهر الواحد ، بل وعرف عن بعضهم أنه يملك جملة من العقارات والأراضي والسيارات غالية الثمن ، كل ذلك بعد أن امتهن حرفة " الراقي " . وما أيسرها من مهنة : فمنهم من أوقف " وايت " ماء صغيراً أمام منزله أو مقرأته فإذا اجتمع الناس لديه ، عدد من الزبائن صعد على سطح " الوايت " ونفث فيه مدة من الزمن ثم طلب من المراجعين والمرافقين والمرضى أن يملأ كل منهم إناءه وكلما كبر الإناء ، زادت التكلفة وارتفع السعر ) ( مجلة الأسرة - ص 9 - العدد 75 جمادى الآخرة 1420 هـ ) .
وقد أثلج صدورنا جميعا ما علمناه من ضوابط خاصة للرقية الشرعية وتقنينها في المملكة العربية السعودية من قبل ولاة الأمر والعلماء - حفظهم الله - ولن يتصدر بعد اليوم جاهل أو متسول قضايا الرقية ، وسيكون هناك تنظيم وترتيب لذلك ، ومن أراد أن يقدم للدعوة وللدين فنعما هو ، ومن أراد الإساءة فليس الدين مكانا للمزايدة وسوء التصرف ، ونعتقد جازمين أنه لا يوجد أحد من علماء الأمة يجيز أخذ أموال الناس بتلك الطريقة وبهذه الكيفية ، خاصة أن العلماء في المملكة العربية السعودية قد أفتوا بعدم جواز بيع الأشياء المقروء عليها سواء كانت ماء أو زيت ونحوه بأسعار خيالية كما يحصل اليوم ، وقد مر معنا ذلك آنفا في هذا الفصل وبداية هذا المبحث ، فإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا به .(1/41)
وليحذر المعالجين من هذه الفتنة العظيمة ، والآفة الخطيرة التي استطاع الشيطان بمكره وخبثه من استدراج الكثيرين منهم وإيقاعهم بحبائله ودسائسه الماكرة ، ويغنينا في سياق هذا الموضوع أن نذكر بقصة ذكرها ابن الجوزي – رحمه الله – في كتابه القيم " تلبيس إبليس " يقول فيها : ( قال القرشي : وسمعت سعيد بن سليمان يحدث عن المبارك بن فضالة عن الحسن قال : كانت شجرة تعبد من دون الله فجاء إليها رجل فقال : لأقطعن هذه الشجرة ، فجاء ليقطعها غضباً لله – فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال : ما تريد ؟ قال : أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله . قال : إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟ قال : لأقطعنها . فقال له الشيطان : هل لك فيما هو خير لك لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك . قال : فمن أين لي ذلك ؟ قال : أنا لك ، فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ، ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئاً ، فقام غضباً ليقطعها فتمثل له الشيطان في صورته وقال : ما تريد ؟ قال : أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى ، قال : كذبت مالك إلى ذلك سبيل ، فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد يقتله ، قال : أتدري من أنا ! أنا الشيطان ، جئت أول مرة غضباً لله ، فلم يكن لي عليك سبيل ، فخدعتك بالدينارين فتركتها ، فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك ) ( تلبيس إبليس – ص 44 ) .
وهذا الكلام لا يعني مطلقا عدم جواز أخذ الأجرة على الرقية ، وشاهد ما أقول قصة لديغ القوم ، وقد ذكر العلماء تفصيل في ذلك .(1/42)
وبنظرة متفحصة في أوضاع الرقية والرقاة يتضح جلياً أن المصلحة الشرعية تقتضي الاستعفاف وترك أخذ المال حسبة لله سبحانه وتعالى وابتغاء الأجر والثواب منه وحده ، وإن كان بعض المعالجين ممن قتر عليه رزقه ، فلا يجعل طريق الرقية سبيلا للوصول إلى ما في أيدي الناس من أموال ، وليعلم أن العيون تتابعه ، والألسن تراشقه ، فلا يجعل لأحد كائن من كان الرقية وأهلها في موضع ونظرة ازدراء خاصة من قبل أولئك الحاقدين الحاسدين المتربصين بالدين وأهله ، ناهيك عن العوام ممن سوف يضعون تساؤلات وتساؤلات عن الحال والمآل الذي وصل إليه كثير من المعالجين اليوم .
فعلاج مثل هذا التقتير في موارد الرزق يكون بالبحث عن عمل شريف يستغنى به عن دخول معترك الشبه والقيل والقال ، وإن دعي لرقية أخ مسلم فلا يستشرف للمال ولا يطلبه ولا يكون هو همه الأول والأخير ، فمن يستغن يغنه الله ، ومن يستعفف يعفه الله ، فإن عرض مال من غير طلب أو تلميح أو استشراف فيكتفى بما يسد الحاجة بالمعروف مع أن الأولى ترك ذلك لما تقتضيه المصلحة الشرعية .
* قال فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - : ( ولا بأس أن يأخذ الراقي أجرة أو هدية على عمله . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة الذين أخذوا الأجرة على رقية اللديغ وقال :"إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" ) ( السحر والشعوذة - ص 93 ) .
فيجب الحذر من ذلك ، وإخلاص النية لله سبحانه ، وأن يعلم العبد المؤمن أنه مفارق للدنيا ولن يناله منها إلا عمله الصالح ، وأخذ الأجرة على الرقية الشرعية إن كان بضوابطه الشرعية ، دون اعتداء أو ظلم فذلك جائز لا شك فيه ، فلنحرص على أن نغرس بذور المحبة في قلوب الناس لنحصد ثمارها ، بدعوة مكروب تدخر لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .(1/43)
وخلاصة البحث في هذه المسألة : أنه يجوز أخذ الأجرة على الرقية الشرعية وقد تكون من باب الإجارة أو من باب الجعالة كما أسلفت ، أما ما نراه ونسمعه في الوقت الحالي فهذا من أكل أموال الناس بالباطل والسحت ، والله تعالى أعلم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم الرقية على المرأة الأجنبية ومس جسدها
ابواحمد
عضو تاريخ الانتساب: Jun 2002
مشاركات: 1
سؤال يا شيخ ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا جزاك الله خيرا على الموقع ونسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه
السؤال /هل يجوز للمرقي أن يرى وجه المرأه المريضة ؟ وهل يجوز له أن يمسح على جسدها بالزيت المقروؤ عليه؟ BULB6
&
أبو البراء
مشرف عام منتدى الرقية الشرعية تاريخ الانتساب: Jun 2002
مشاركات: 2,121
حكم الرقية على المرأة الأجنبية ومس جسدها
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمدج وعلى آله وصحبه وسلم ثم أما بعد ...(1/44)
بالنسبة لسؤال الأخ الكريم ( أبو أحمد ) حول رقية المرأة والمسح عليها بالزيت ، فاعلم رعاك الله أنه لا بد للمعالج بالرقية الشرعية التقيد بالأمور الشرعية الخاصة بالنساء ، ومن ذلك تقيد المرأة بلباسها الشرعي الإسلامي ، وعدم الخلوة بها ، أو النظر اليها أو مس المرأة الأجنبية في أي موضع أو مصافحتها ، وقد ثبتت بذلك الأدلة النقلية من السنة المطهرة ، فقد ثبت من حديث عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) (السلسلة الصحيحة 226) .
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن جواز أن يمس القارئ شيئا من جسد المرأة أثناء الرقية ، أو الكشف عن يديها أو صدرها للنفث ، فأجاب - حفظه الله - : ( لا مانع من استعمال الرقية على المرأة مع النفث والنفخ ، ولكن لا يحل لها أن تكشف شيئا من جسدها لغير النساء أو المحارم ، ولا يحل للقارئ الأجنبي أن يباشر لمس بشرتها بدون حائل ، بل يقرأ عليها وهي متحجبة ، أو يقرأ عليها إحدى نسائها أو محارمها ، أو تقرأ هي على نفسها بما تيسر من القرآن ، فالكل يرجى فيه الشفاء والنفع من الله . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ) ( النذير العريان – ص 267 ) .
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم مس جسد المرأة يدها أو جبهتها أو رقبتها مباشرة من غير حائل بحجة الضغط والتضييق على ما فيها من الجان خاصة أن مثل هذا اللمس يحصل من الأطباء في المستشفيات وما هي الضوابط في ذلك ؟(1/45)
فأجابت اللجنة - حفظها الله - : ( لا يجوز للراقي مس شيء من بدن المرأة التي يرقيها لما في ذلك من الفتنة وإنما يقرأ عليها بدون مس ، وهنا : فرق بين عمل الراقي وعمل الطبيب لأن الطبيب قد لا يمكنه العلاج إلا بمس الموضع الذي يريد علاجه ، بخلاف الراقي فإن عمله وهو القراءة والنفث لا يتوقف على اللمس ) ( منشورات دار الوطن – " 10 مخالفات في الرقية " – رقم الفتوى : 20361 بتاريخ 17 / 4 / 1419 هـ ) .
وقد تجوز بعض المعالِجين مس المرأة الأجنبية للضرورة ، وبالنظر للنصوص الشرعية والتجربة والخبرة العملية لبعض المعالِجين ممن أقحم نفسه في هذا الأمر ، وندم حيث لا ينفع البكاء والندم ، يتضح عدم جواز ذلك الأمر للاعتبارات التالية :-
أ)- إن التجوز الحاصل في هذه المسألة يستند في الاستدلال والقياس بعمل الأطباء ، والطبيب قد يعمد إلى ذلك الأمر من باب القاعدة الفقهية ( الضرورات تبيح المحظورات ) وبدراسة هذه المسألة من الناحية الشرعية يتضح الآتي :-
1)- لا يجوز للمرأة أن تذهب إلى طبيب إلا للضرورة القصوى ، وفي حالة احتياجها لذلك ، إما لعدم توفر طبيبة مسلمة ، أو اضطرت لذلك الأمر لأي سبب من الأسباب .
2)- قد يلجأ الطبيب إلى لمس المرأة لتحديد مكان الألم وطبيعته والأسباب الداعية إليه .
3)- إن هذا الإجراء من قبل الطبيب يجب أن يتوافق مع نص القاعدة الفقهية ( الضرورة تقدر بقدرها ) فلا يجوز له في هذه الحالة أن يتعدى حدود منطقة الألم إلا فيما يعتقد أنه ضروري لذلك .(1/46)
ب)- إن الطبيب يتعامل مع أمور محسوسة ملموسة ، تحتاج في تشخيصها وقياسها لتكنولوجيا متقدمة ، كاستخدام الأشعة والمناظير وغيره من الأجهزة الطبية المتطورة ، وأما المعالِج فيتعامل مع أمر غيبي غير محسوس أو ملموس ، ولا يستطيع أن يقطع أو أن يجزم به ، مهما بلغت خبرته ونضجه في تلك المسائل ، وفي هذه الحالة تنتفي الحاجة لقيامه بهذا الإجراء ، والتعدي على حدود الله وشرعه ومنهجه .
ج)- لم أعهد من خلال التجربة العملية المتواضعة في هذا المجال ومن متابعاتي لبعض المعالِجين ممن أقحم نفسه في هذا الأمر دون علم شرعي أو سؤال العلماء الأجلاء أن هذا الإجراء وهو لمس المرأة الأجنبية في أي موضع كان ، يؤدي إلى أية نتائج بل على العكس من ذلك تماما ، فقد يؤدي إلى مفسدة عظيمة ، ويكفينا في التعامل مع هذه الناحية القاعدة الفقهية التي تنص على أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ) ، مع اليقين بأنه ليست هناك أدنى مصلحة شرعية البتة في قيام المعالِج بمس امرأة أجنبية لا تحل له ، كما بينت النصوص القرآنية والحديثية هذا المفهوم وأكدت عليه .
د)- قد يؤدي فتح هذا الباب إلى استغلال ذلك من بعض ذوي النفوس المريضة ، ويصبح ذريعة إلى مفسدة أعظم وأشد .
ومن هنا ومن خلال استقراء كافة النصوص النقلية وأقوال العلماء الأجلاء يتضح أنه لا يجوز وضع اليد أو كشف أي موضع بالنسبة للمرأة ، والله تعالى أعلم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني
&
عمر السلفيون
نائب المشرف العام تاريخ الانتساب: Apr 2002
مشاركات: 1,106
--------------------------------------------------------------------------------
أخي الكريم أبو البراء(1/47)
دخلت هذا القسم لأسلم عليك كنت قد اشتقت إليك واحببت السلام فوجدت موضوعك هذا والذي ربما اخالفك ببعض جزئياته فهل تسمح لي بذلك أم أسكت ؟؟؟!!!!!
محبك بجد / عمر
__________________
&
أبو البراء
مشرف عام منتدى الرقية الشرعية تاريخ الانتساب: Jun 2002
مشاركات: 2,121
--------------------------------------------------------------------------------
الأخ الكريم ( عمر السلفيون ) حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد
أولاً أحبك الذي أحببتنا فيه ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتجاوز عن سيئاتنا إنه سميع مجيب الدعاء ، وثانياً : لك أن تبدي رأيك أخي الكريم ، واعتقادي الجازم أن المرجعية لي ولك ولعامة المسلمين وخاصتهم هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة ، وأقوال علمائها قديماً وحديثاً ،،، ونقول : ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل واسرافيل عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما اختلفوا فيه من الحق ، فاهدنا لما اختلف فيه بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) ،،، مع تحيات أخوك المحب أبو البراء .
محبكم في الله / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني
&
عمر السلفيون
نائب المشرف العام تاريخ الانتساب: Apr 2002
مشاركات: 1,106
--------------------------------------------------------------------------------
أخي الكريم أبو البراء حماك الباري .
المسألة برمتها تدور حول كلمة المس وكيف نقدر المحظورات بقدرها فكما تعلم بأن الرجل احيانا يضطر إلى لمس المرأة وربما تتكشف امامه رغم أخذه لكل الإحتياطات من لبس البنطال والحجاب الشرعي فوقه وبما أني لا أقول بوجوب النقاب ومعي أدلتي وأغلب أهل بلدتي يحسرن عن وجوههن وبما اني أضع يدي على رأس الرجل كما المرأة من فوق حائل ثخين غير الحجاب الذي على رأسها ....(1/48)
أقول لا أجد مانعا شرعيا لذلك لأن حديث المس لا يدخل ولا يستشهد به باللمس فالمس فسره العلماء على انه الجماع والمس كما تعلم أو اللمس يكون بدون حال بخلاف ما يحدث هنا وكما تعلم بأن الراقي في اللغة يعني الطبيب والمسألة تقدر بقدرها كما تعلم ...
أولا لنبدأ بالحديث :
فالحديث يدل على المس أي الجماع أرجو ان تراجع شرح الحديث كما يمكنك ان تنظر بالسلسلة الصحيحة للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله .
ويمكنك أن تستشهد بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : إني لا أصافح النساء فهذا فيه دلالة أقوى من حديث المس .
والمس يكون بدون حائل كما في الحديث ولو ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صافح النساء من وراء حائل يوم البيعة لقلنا به ولكن الأثر فيه اضطراب فيبقى الموضوع من المسكوت عليه شرعا بحائل طبعا والله أعلم واحكم .
كما لا يخفى عليك أن الراقي يحق له عند الضرورة ما لا يحق لغيره حسب ما تقتضي الحالة كما لو ذهبت امرأة عند طبيب نسائي ولا يوجد غيره وهي بخطر شديد ماذا تفعل ؟؟؟
وقد تكلم الفقهاء حول مثل هذه الحالات وقالوا بالجواز إن لم يوجد من النساء من يقوم بذلك .
كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق
وقيل من راق قيل هو من الرقية عن ابن عباس وعكرمة وغيرهما روى سماك عن عكرمة قال من راق يرقى أي يشفى وروى ميمون بن مهران عن ابن عباس أي هل من طبيب يشفيه وقاله أبو قلابة وقتادة وقال الشاعر هل للفتى من بنات الدهر من واق أم هل له من حمام الموت من راق كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق
تفسير :
القرطبي
ابن كثير
الطبري وغيرهم .
وفي شرح غريب الحديث ( من راق ) من يداويه وينجيه من عذاب الحريق
والله اعلم وأحكم .
__________________
&
عمر السلفيون
نائب المشرف العام تاريخ الانتساب: Apr 2002
مشاركات: 1,106
--------------------------------------------------------------------------------
وضع اليد على مكان الألم والمسح بها(1/49)
ومما جاء في وضع اليد ما أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا فَلَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَقُلَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ لأَصْنَعَ بِهِ نَحْوَ مَا كَانَ يَصْنَعُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاجْعَلْنِي مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى قَالَتْ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى . رواه مسلم
وعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَرْقِي رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَيْنِ فَأَضَعُ يَدِي عَلَى صَدْرِهِ وَأَقُولُ امْسَحِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ بِيَدِكَ الشِّفَاءُ لا كَاشِفَ لَهُ إِلا أَنْتَ. رواه أحمد في مسنده
عَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِوَلَدِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بِهِ لَمَمًا وَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ عِنْدَ طَعَامِنَا فَيُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامَنَا قَالَ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدْرَهُ وَدَعَا لَهُ فَتَعَّ تَعَّةً فَخَرَجَ مِنْ فِيهِ مِثْلُ الْجَرْوِ الأسْوَدِ فَشُفِيَ . رواه أحمد(1/50)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ تَنَاوَلْتُ قِدْرًا لأُمِّي فَاحْتَرَقَتْ يَدِي فَذَهَبَتْ بِي أُمِّي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَمْسَحُ يَدِي وَلا أَدْرِي مَا يَقُولُ أَنَا أَصْغَرُ مِنْ ذَاكَ فَسَأَلْتُ أُمِّي فَقَالَتْ كَانَ يَقُولُ أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ. رواه احمد في مسنده .
وعن عائشةَ بنتِ سعد أن أباها قال: تَشكيتُ بمكة شكوَى شديدة ، فجاءني النبيّ صلى الله عليه وسلم يَعودُني, فقلتُ: يانبيّ الله ، إني أترُكُ مالاً ، وإني لم أترُك إلا بنتاً واحدة ، فأُوصي بثُلثَي مالي وأترُكُ الثلثَ؟ فقال: لا. قلتُ: فأُوصي بالنصفِ وأتركُ النصفَ؟ قال: لا. قلتُ: فأُوصي بالثلثِ وأترُكَ لها الثلثين؟ قال: الثلثُ ، والثلثُ كثير. ثم وضعَ يدَهُ على جبهتهِ ، ثم مَسحَ يدَه على وَجهي وبَطني ، ثم قال: اللهم اشفِ سعداً, وأَتممْ له هِجرَته. فما زِلتُ أجدُ بَردَهُ على كَبِدي فيما يُخالُ إِليّ حتى الساعة. روه البخاري .
وعن عائشة رضيَ الله عنها قالت: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعوّذ بعضهم يمسَحُهُ بيمينهِ: أذهِب الباس, ربّ الناس, واشفِ أنت الشافي, لاشِفاء إلا شفاؤك, شِفاءً لا يغادِرُ سَقماً». رواه البخاري
وعن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: مِنْ تَمَامِ عِيَادَةِ المَرِيضِ أَنْ يضَعَ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، أَوْ قالَ عَلَى يَدِهِ ، فَيَسْأَلَهُ كَيْفَ هُوَ، وَتَمَامُ تَحِيّتِكُمْ بَيْنَكُمْ المُصَافَحَةُ .رواه الترمذي(1/51)
ويقول ابن كثير عند تفسيره سورة القصص في قوله تعالى : }وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرّهْبِ{ ، قال مجاهد من الفزع وقال قتادة من الرعب وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير مما حصل لك من خوفك من الحية والظاهر أن المراد أعم من هذا وهو أنه أمر عليه السلام إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب وهو يده فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يده على فؤاده فإنه يزول عنه ما يجده أو يخف إن شاء الله تعالى وبه الثقة ، قوله}وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ{ اليد اليمنى بمعنى الكف }مِنَ الرّهْبِ{ أي جنبك الأيسر تحت العضد إلى الإبط ا.هـ.
ومن الفوائد التي تفيد الراقي في التشخيص وضع اليد على رأس المريض أو مكان الألم ، ويكون ذلك مع الرجال والمحارم من النساء :
* يلاحظ المعالج إذا كان هناك نبضاً غير طبيعي لعروق الرأس .
* يلاحظ المعالج إذا كان هناك رعشة غير طبيعية .
* يشعر المريض بحرارة شديدة تخرج من يد الراقي .
* يشعر المريض بثقل يد الراقي وكأنها جبل على رأسه أو صدره.
* يشعر المريض بدوران في رأسه حتى أنه يكاد أن يغمى عليه.
* أحيانا بمجرد ان يضع الراقي يده على رأس المريض يصرع المريض .
* ومن فوائد وضع اليد على رأس المريض ما ذكره ابن حجر في الفتح في باب وضع اليد على المريض يقول : قال ابن بطال: في وضع اليد على المريض تأنيس له وتعرف لشدة مرضه ليدعوا له بالعافية على حسب ما يبدوا له منه ، وربما رقاه بيده ومسح على ألمه بما ينتفع به العليل اذا كان العائد صالحا .
وممن خلال المتابعة نلاحظ أن بعض الذين بهم مس من الجان لا يتحملون الحرارة التي تخرج من يد الراقي حال الرقية والبعض يقول إني أشعر وكأن يد الراقي جبل على صدري ، وذلك ببركة كلام الله تعالى.
والله أعلم واحكم
http://www.khayma.com/roqia/HAND.HTM
__________________
&
أبو البراء(1/52)
مشرف عام منتدى الرقية الشرعية تاريخ الانتساب: Jun 2002
مشاركات: 2,121
الأخ الحبيب ( عمر السلفيون ) بارك الله فيك
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، ثم أما بعد ،،،
أولاً أشكرك أخي ( عمر السلفيون ) على هذه المداخلة ، ويسرني أن أبين لك الأمور الهامة التالية :-
أولاً : لا أعتقد أنك قد استوعبت كلامي السابق بخصوص موضوع مس أو لمس المرأة الأجنبية عن المعالج ، وحقيقة الأمر فبعد قراءة ما ذكرته لم أجد أي تعارض يذكر بين الرأيين ، حيث لا أمانع مطلقاً أن يكون لمس المرأة بحائل سواء على الرأس أو الصدر ونحو ذلك ، وهذا ما سوف أوؤكده في نقطة أخرى ، علماً أن كلمة ( مس ) قد وردت في الأحاديث الصحيحية فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) ( قال المنذري في الترغيب - 3 / 66 : رواه الطبراني في الكبير - 20 / 210 ، والبيهقي ، ورجال الطبراني ثقات - رجال الصحيح ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 5045 ، أنظر السلسلة الصحيحة 226 ) .(1/53)
وكذلك ما ثبت في البخاري من حديث عروة بن الزبير – رضي الله عنه – أن عائشة – رضي الله عنها – أخبرته : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بقول الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( الممتحنة – الآية 12 ) ، قال عروة : قالت عائشة : ( فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد بايعتك ) ، كلاما ، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ، ما يبايعهن إلا بقوله : ( قد بايعتك على ذلك ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - باب ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات )- أنظر فتح الباري 4891 ) .
ثانياً : أما بالنسبة لمسألة تغطية الوجه التي ذكرتها ، فالمعلوم أن هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم ، وأرى الترجيح في تغطية الوجه ، والألباني – رحمه الله – ممن يرى بكشف الوجه ومع ذلك كانت زوجته وبناته – حفظهن الله – يغطين اتقاءً للفتنة ، وحقيقة الأمر فلا داعي للدخول في أدلة الطرفين ، إنما القول الفصل في هذه المسألة أنها خلافية ، ونقول في الخلاف : ( ما اتفقنا عليه فلنعمل سوياً عليه ، وما اختلفنا فيه في المسائل الاجتهادية فليعذر بعضنا بعضاً ) ، والواجب على من يرجح بين أحد القولين من طلبة العلم بناء على الدراسة العلمية الشرعية المستفيضة لهذه المسألة أن يكون منصفاً فيأخذ بترجيحه دون تسفيه رأي الآخرين أو الانتقاص من قدرهم ، واعتقد أننا متفقين على ذلك كل الاتفاق .(1/54)
ثالثاً : أما قولك أخي الكريم ( يجوز للمعالج ما لا يجوز لغيره ) فهذا الكلام لا يؤخذ على إطلاقه ، فلا بد أن تكون طريقة ومنهج المعالج تسير وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهدي الصحابة والتابعين والسلف ، أما أن يفتح الباب لكل نطيحة ومتردية وأكيلة سبع كي يدخل غمار الرقية الشرعية ونجوز له ما لا نجوز لغيره ، فهذا الكلام مجانب للصواب ، ويخالف المنهج الإسلامي القويم ، بخلاف بعض المسائل الضرورية بعد موافقة العلماء الأجلاء والأخذ بآرائهم وفتواهم .
رابعاً : أما الاستدلال بالنسبة لجواز مس أو لمس المرأة بما يقوم به الطبيب ، فقد بينت بما لا يدع مجالاً للشك أن القياس خاطئ بالعموم ، وأعيد ذكر ما قلته آنفاً وهو على النحو التالي :
( تجوز بعض المعالِجين مس المرأة الأجنبية للضرورة ، وبالنظر للنصوص الشرعية والتجربة والخبرة العملية لبعض المعالِجين ممن أقحم نفسه في هذا الأمر ، وندم حيث لا ينفع البكاء والندم ، يتضح عدم جواز ذلك الأمر للاعتبارات التالية :-
أ )- إن التجوز الحاصل في هذه المسألة يستند في الاستدلال والقياس بعمل الأطباء ، والطبيب قد يعمد إلى ذلك الأمر من باب القاعدة الفقهية ( الضرورات تبيح المحظورات ) وبدراسة هذه المسألة من الناحية الشرعية يتضح الآتي :-
1)- لا يجوز للمرأة أن تذهب إلى طبيب إلا للضرورة القصوى ، وفي حالة احتياجها لذلك ، إما لعدم توفر طبيبة مسلمة ، أو اضطرت لذلك الأمر لأي سبب من الأسباب .
2)- قد يلجأ الطبيب إلى لمس المرأة لتحديد مكان الألم وطبيعته والأسباب الداعية إليه .
3)- إن هذا الإجراء من قبل الطبيب يجب أن يتوافق مع نص القاعدة الفقهية ( الضرورة تقدر بقدرها ) فلا يجوز له في هذه الحالة أن يتعدى حدود منطقة الألم إلا فيما يعتقد أنه ضروري لذلك .(1/55)
ب)- إن الطبيب يتعامل مع أمور محسوسة ملموسة ، تحتاج في تشخيصها وقياسها لتكنولوجيا متقدمة ، كاستخدام الأشعة والمناظير وغيره من الأجهزة الطبية المتطورة ، وأما المعالِج فيتعامل مع أمر غيبي غير محسوس أو ملموس ، ولا يستطيع أن يقطع أو أن يجزم به ، مهما بلغت خبرته ونضجه في تلك المسائل ، وفي هذه الحالة تنتفي الحاجة لقيامه بهذا الإجراء ، والتعدي على حدود الله وشرعه ومنهجه .
ج)- لم أعهد من خلال التجربة العملية المتواضعة في هذا المجال ومن متابعاتي لبعض المعالِجين ممن أقحم نفسه في هذا الأمر دون علم شرعي أو سؤال العلماء الأجلاء أن هذا الإجراء وهو لمس المرأة الأجنبية في أي موضع كان ، يؤدي إلى أية نتائج بل على العكس من ذلك تماما ، فقد يؤدي إلى مفسدة عظيمة ، ويكفينا في التعامل مع هذه الناحية القاعدة الفقهية التي تنص على أن : ( درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ) ، مع اليقين بأنه ليست هناك أدنى مصلحة شرعية البتة في قيام المعالِج بمس امرأة أجنبية لا تحل له ، كما بينت النصوص القرآنية والحديثية هذا المفهوم وأكدت عليه .
د)- قد يؤدي فتح هذا الباب إلى استغلال ذلك من بعض ذوي النفوس المريضة ، ويصبح ذريعة إلى مفسدة أعظم وأشد .
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم مس جسد المرأة يدها أو جبهتها أو رقبتها مباشرة من غير حائل بحجة الضغط والتضييق على ما فيها من الجان خاصة أن مثل هذا اللمس يحصل من الأطباء في المستشفيات وما هي الضوابط في ذلك ؟(1/56)
فأجابت – حفظها الله - : ( لا يجوز للراقي مس شيء من بدن المرأة التي يرقيها لما في ذلك من الفتنة وإنما يقرأ عليها بدون مس – وهناك فرق بين عمل الراقي وعمل الطبيب لأن الطبيب قد لا يمكنه العلاج إلا بمس الموضع الذي يريد أن يعالجه ، بخلاف الراقي فإن عمله وهو القراءة والنفث لا يتوقف على اللمس ) ( جزء من فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – الفقرة الثالثة – برقم ( 20361 ) وتاريخ 17 / 4 / 1419 هـ ) .
خامساً : أما بخصوص كلام الفقهاء حول جواز رقية الرجل للمرأة فلا نشك بذلك مطلقاً ، وقد كتبت ذلك في الموسوعة الشرعية ، وهذا ما صرح به العلماء .
سادساُ : وأشكرك بخصوص بعض نقولات أهل العلم كالطبري والقرطبي وابن كثير حول الآية الكريمة ( كلا إذا بلغت التراقيَّ وقيل من راق . . . ) ، فقد أفدت القراء الأعزاء بتلك المعلومات حول المعنى لهذه الآية .
سابعاً : أما بخصوص وضع اليد مكان الألم فهذا ما دلت عليه السنة المطهرة ، وقد ذكرته في كتابي ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين – صفحة 332 ) .
هذا ما أحببت أن اعقب به على أخي ومن أحبه في الله ( عمر السلفيون ) ، وحقيقة الأمر فإن المشكلة أخي عمر أنك لم تتعرف على منهجي الكامل في الرقية والعلاج ، وكما وعدتك عند انتهاء الموسوعة المكونة من أربعة عشر مجلداً فسوف أهديك إياها .
وبالمناسبة فقد علمت أنك بصدد إجراء عملية جراحية ، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسر لك هذا الأمر وأقول لك ( طهور لا بأس عليك إن شاء الله تعالى ) .
سائلاً المولى عز وجل أن يجعلنا من المتحابين فيه ، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني
&
عمر السلفيون
نائب المشرف العام تاريخ الانتساب: Apr 2002
مشاركات: 1,106
-----------------------(1/57)
جزاك الله خيرا على هذا التوضيح والحمد لله لا يوجد خلاف يذكر بالنسبة لكل ما تفضلت به
سوى مسألة عدم القياس بين الطبيب والراقي مع العلم قد يشتركان في نفس الحالة احيانا ولا أقول بأنه يصح أن يدس المرأة او ما شابه بل جل ما عنيته وضع اليد على رأس المريضة بحائل وربما ضرب غير مبرح بين الكتفين ( وهي بلباسها الشرعي وأضيف إليه لبس البنطال خشية التكشف ) وهذا يحصل أحيانا من قبلي ولا اتجاوزه أي الضرب الغير مبرح بين الكتفين ولم أفعل أكثر من ذلك في كل الحالات التي مرت معي .
واما كل ما تفضلت به حول مسألة المس وغيرها فلا خلاف إن شاء الله وقريبا أود استشارتك بأمر مهم أرجو أن أجد الجواب الشافي والعون من قبلك بعد توفيق الله سبحانه وتعالى .
بالنسبة للعملية الجراحية فقد تمت الآن لوالدتي والان رجعت من زيارتها نسأل الله أن يعجل بشفائها
وجزاك الله خيرا على حسن سؤالك .
أخوك
عمر
__________________
&
أبو البراء
مشرف عام منتدى الرقية الشرعية تاريخ الانتساب: Jun 2002
مشاركات: 2,121
-----------------------
الأخ الكريم ( عمر السلفيون ) حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
لا أخالفك الرأي فيما قلت ، إنما الذي أراه بالنسبة لمسألة ضرب كتفين المريضة من قبل المعالج هو عدم الجواز ، وصدقني يا أخي الحبيب أنا أتكلم من واقع خبرة كبيرة في هذا المجال تعدت خمسة عشر عاماً ، وبخاصة أن الشيطان يترصد بالإنسان ، ولو وثق الإنسان في نفسه فكيف يثق بكثير من المعالجين اليوم الذين أبدعوا في فن البدعة والمعصية مع المرضى ، إلم تجعل الفتنة في بني إسرائيل في النساء ، وهذه إمرأة ولا بد أن يتحرز المعالج قدر المستطاع في التعامل معها ، وبخاصة أن الشيطان يجري من بن آدم مجرى الدم ، ولا نريد أن نفتح الباب أمام ذوي النفوس المريضة ليستغلوا المريضات بفتوى ( يجوز ) وهم كثر في العصر الحالي ، مع تحياتي لك بالتوفيق والسداد .(1/58)
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني
&
عمر السلفيون
نائب المشرف العام تاريخ الانتساب: Apr 2002
مشاركات: 1,106
--------------------------------------------------------------------------------
أخي أسامة
جزيت خيرا على حسن ردك ولا أشك أن الأفضل عدم الضرب حتى لا تفتح أبواب أخرى ولكن أهل مكة أدرى بشعابها يعني ربما لا أقول بذلك لأصحاب النفوس المريضة .مع قولي بالجواز لعدة آثار ومنها ما رواه ابن ماجه في كتاب الطيب بسند صحيح عن عمرو بن العاص بأن الرسول صلى الله عليه وسلم (ضربه على صدره )وتفل بفمه وقال اخرج عدو الله إني رسول الله وكما تعلم شيخنا من أراد ان يخصص فعل الرسول عليه ببيان أدلة التخصيص وإلا فالاقتداء بأفعاله سنة
المهم اود استشارتكم شيخنا الفاضل :
كنت قد تداولت مع من أثق بدينهم من مشايخ بلدتنا على مشروع ضخم وكانت الموافقة المبدئية من قبلهم والمساعدة عندما تحين ساعة الصفر بعد التدقيق والتمحيص .
المشروع يكمن بأن أجمع الرقاة من طلبة العلم بمركز واحد يكون مرجعا للرقية نتبادل الخبرات من خلاله ونزيل الشوائب ونصوب الأخطاء لبعض الرقاة بالاشتراك مع أطباء أعصاب ممن نثق بدينهم فكما تعلم أخي هناك حالات بحاجة لمعالجة عند الأطباء .
والهدف هو كالآتي :
1 - الدعوة إلى الله من خلال الرقية وتعريف الناس بخالقهم ونعلمهم كيف يحصنون أنفسهم واولادهم .
2 - قطع الطريق على المشعوذين وأصحاب الطرق المنحرفة .
3- جمع الرقاة على منهج واضح وسليم حتى لا يسئ أحدهم من حيث يدري او لا يدري فإن أصاب الواحد منهم يكثر عليه المرضى فلا يستطيع تلبية حاجاتهم فيذهبون للسحرة والمشعوذين
ومنهم من يخطئ فيصبح الرقاة كلهم فاكهة مجلس المتفيهقين و بني علمان .(1/59)
4-أكثر الناس مرضهم الوهم لبعدهم عن ربهم فمن خلال الرقية ولا شك بان القرآن فيه الشفاء بإذن الله وبما أنهم جاؤوا بمفردهم فهذا دليل إيمان بالرقية فستتحسن حالهم بإذن الله عند سماعهم للرقية .
5 -معالجة حالة المس والسحر الواضحة والتي لا تحتمل التأويل او المخالفة بالتشخيص
6 - بعد التثبت من الحالة يتفرغ الراقي للمرأة مع محرمها وللرجل بجانبه رجلان داخل المركز الواحد وباشراف مراقب عام .
7 - ربما نطلب مبلغا زهيدا لقاء استمرارية الرقاة في عملهم وتفرغهم له فأكثر الرقاة حالتهم معدومة ومحاربين من الكل ...... باختصار ولا يأخذون أجرا على عملهم هذا .
وهناك فوائد أخرى لا تستحضرني الآن
أرجو أن تبدي رأيك حول ما قلته وتنصح لي بهذا المشروع والذي اعتقد أنه سيعود النفع من خلاله لتثقيف الناس بأمور دينهم فليست الرقية بذاته الهدف بل هي إحدى الوسائل للدعوة إلى الله .
والله من وراء القصد
أخوك / عمر
__________________
&
المتأمل خيرًا
المشرف العام تاريخ الانتساب: Jun 2002
الدولة: ( بلاد الحرمين )
مشاركات: 4,779
-----------------------
جزاكم الله خير
أساتذتي
وبارك في علمكما
و جعل لكما به جنة الخلد
آآمين
__________________
&
أبو البراء
مشرف عام منتدى الرقية الشرعية تاريخ الانتساب: Jun 2002
مشاركات: 2,121
مسألة الضرب في الرقية والعلاج !!!
-----------------------
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، ثم أما بعد ،،،(1/60)
بخصوص ما ذكرته أخي الكريم ( عمر السلفيون ) حول مسألة الضرب ، فأنا لا أعترض مطلقاً على ذلك بل قد ثبت هذا الفعل الحديث الذي ذكرته عن عثمان بن العاص ، والأقوى من ذلك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أم أبان بنت الوازع بن عامر العبدي عن أبيها والشاهد من الحديث : (... فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله ، فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض أبطه . . . ) ( أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد – 9 / 3 ، وقال الحافظ في تقريب التهذيب ( 2 / 619 ) عن أم أبان : مقبولة ) .
والشاهد من الحديث كلمة ( فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض أبطه ) ، وهذا يعني أن الضرب كان قوياً بدليل رؤية بياض إبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أكد مجموعة من العلماء قديماً وحديثاً على هذا الأمر مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن مفلح ، والعلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ، وقد بينت ذلك بتفصيل دقيق في كتابي ( منهج الشرع في علاج المس والصرع ) .
إنما اعتراضي يتعلق في استخدام يد المعالج في الضرب على منطقة حساسة ، مع أمكانية أن يقوم أحد المحارم أو المرافقات بهذا الفعل بتوجيه من المعالج .
أما بالنسبة لاقتراحك هذا فسر على بركة الله ، حيث أن هذا الالتقاء فيه من الفوائد ما لا يعد ولا يحصى ، والفكرة الآن قيد الدراسة في المملكة العربية السعودية في إنشاء دار للرقية وقد تصدر لهذا الأمر الشيخ عبدالله السدحان – حفظه الله – وقد طلب مني دراسة الأمر من جميع جوانبه الشرعية والسلوكية ، وقد أبديت مرئياتي كاملة حول الموضوع ، وسوف يتم عرضه بعد بلورته على العلماء في السعودية للموافقة عليه وإقراره .
سائلاً المولى عز وجل أن يوفقك ويحفظك ، وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص في القول والعمل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني(1/61)
ولن أنسى أخي الحبيب ( المتأمل خيراً ) على كلماته الطيبة والتي لست أهلاً لها ، تحياتي القلبية لك أخي مع أطيب تمنياتي لك بالصحة والعافية في الدنيا والآخرة .
&
عمر السلفيون
نائب المشرف العام تاريخ الانتساب: Apr 2002
مشاركات: 1,106
--------------------------------------------------------------------------------
جزاك الله خيرا
إذا أرجو ان ترفق لي ما قد طلبه منك السدحان عسى الله أن يكتب لك فيه أجرا مضاعفا
__________________
&
أبو البراء
مشرف عام منتدى الرقية الشرعية تاريخ الانتساب: Jun 2002
مشاركات: 2,121
-----------------------
أخي الحبيب ( عمر السلفيون ) حفظه الله
الموضوع الآن قيد الدراسة والبحث ، وبإذن الله سوف أجمع لك كافة الأبحاث والمرئيات بخصوصه وأرسلها لك عبر البريد ، هذا وسوف يكون هناك قسم يعطي دورات شرعية في العلاج والرقية ، وكذلك إنشاء مجمع للرقية الشرعية ، وسوف أوافيك بكل التفصيلات التي ستخدمك في مشروعك بإذن الله ، وتقبل تحياتي .
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني
&
ضيف مشاركات: n/a
-----------------------
شيخنا الحبيب الفاضل أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني حفظه الله
الرقية الشرعية معلومة .
ولكن الطريقة التي ترى أن يتبعها الراقي .
نقول لا يلمسها ولا يضع يده بحائل أو بدون حائل فهل إذا جلست المريضة بجانب الراقي دون أن يلمسها ، وأقترب من أذنها مع ترك مسافة بسيطة ما رأيكم ؟
حبذا لو تفضلتم بشرح أفضل طريقة شرعية لمعالجة المريضة الأجنبية ، لأن السماعات التي توضع على مسافة وتضعها المريضة على أذنيها ويستخدمها بعض الرقاة هي إحدى الطرق .
&
ضيف مشاركات: n/a
--------------------------------------------------------------------------------(1/62)
وقد تصدر لهذا الأمر الشيخ عبدالله السدحان – حفظه الله – وقد طلب مني دراسة الأمر من جميع جوانبه الشرعية والسلوكية ، وقد أبديت مرئياتي كاملة حول الموضوع ، وسوف يتم عرضه بعد بلورته على العلماء في السعودية للموافقة عليه وإقراره .
وماذا تم ؟
&
أبو البراء
مشرف عام منتدى الرقية الشرعية تاريخ الانتساب: Jun 2002
مشاركات: 2,121
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخ الحبيب ( سعيد بن سعيد ) حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
أما بخصوص الاستفسار الأول الخاص بتعامل المعالج مع المرأة ، فمن خلال تجاربي وتعاملي مع النساء في نواحي الرقية الذي أراه أن يقرأ المعالج عن بعد ، ولو استخدم حائل يوضع على مكان الألم فلا بأس ، وما دون ذلك فلا ، ويمكن استخدام السماعات ففيها فائدة بإذن الله عز وجل .
أما بخصوص الاقتراح الخاص بإنشاء مقر علاج للرقية الشرعية ، فلا أخفيك أخي الحبيب أن مشاغلي الكثيرة وعدم رد الشيخ عبدالله السدحان - حفظه الله - على هاتفي جعلني أترك الأمر ، وبخاصة أخي الحبيب فأنا مشغول الآن في متابعة الموسوعة الشرعية في الحج والعمرة ، وتقبل تحيات :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني .
&
شيخنا الحبيب الفاضل أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني حفظه الله
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
جزاك الله خيرا ووفقك في الدارين .
تحياتي
&
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرقية والرقاة(1/63)
أعجب من أناس يقفون كالسد المنيع بين المرضى وبين والذهاب إلى الرقاة ، وكأن هذا المريض سوف يذهب إلى ساحر أو كاهن أو مشعوذ ، ويدندن بعضهم ويزعمون أنه لا حاجة للمريض لأن يذهب لمن يرقيه ، ويكفي أن يرقي المريض نفسه أو أن ترقيه زوجته والزوج يرقي زوجته والأخ يرقي أخته ، وهذا سوء فهم ونظرة غير صائبة ورأي خاطئ ، فإن الأمراض التي تعتري النفس البشرية ليست بالمتشابهة ، والمرضى ليسو سواء في العمر والعلم والمعرفة . فهل من به عين خفيفة كمن هو مصاب بمس من شيطان متمرد؟ .
وإن في بعض الحالات يستخف الشيطان بعقل المريض فلا يرقي نفسه ولا يقبل أن يرقيه أحد من أقاربه ، وفي بعض الحالات يصرع الشيطان المريض ويغيب عن وعيه أو يضيق عليه صدره بمجرد أن يهم بالصلاة أو قراءة القرآن أو ينوي أن يستخدم بعض العلاجات التي تزعج الجن ، وفي بعض الحالات لا يستطيع أن يرقي المريض نفسه من شدة المرض .
ومن الناس من لا يعرف ما هي الرقية أو ماذا يقرأ ، ومن الناس من لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ الرقية. ومن الناس من يخشى الجن فضلاً عن حضور الشيطان على جسد المريض . ومن الناس من لا يعرف كيف يتعامل مع الجان إذا حضر . ومن الناس لو قرأ على مريضه لا يحسن التشخيص ولا يعلم من الذي يتحدث معه الجني أم المريض نفسه ، ولا يعلم إذا ما كان المريض مصاب بالمس أو السحر أو العين ، ومعرفة المرض نصف العلاج في الغالب .
وكثير من الناس لا يعرفون المنهج الذي ينبغي أن يتبعه في علاج المريض، وكيف يعرف الراقي إن لم يكن من أهل الخبرة والتجربة حضور الجان وانصرافه وصدقه من كذبه ؟.، وماذا لو حضر الجان على جسد المريض ( المريضة ) وتفلت وضرب القارئ وفعل به الأفاعيل . وأنا اسأل هل في رقية من به مس من الجان خطر على الراقي ..؟ .
أسئلة عامة لا يعرف الجواب عليها العوام من الناس عندما يرقون أنفسهم أو مرضاهم :(1/64)
هل المريض مصاب بعين ، مس ، سحر ، مرض عضوي ، مرض عضوي بسبب العين أو السحر أو الجن ؟.
لو كان المرض مسحوراُ فهل السحر خارجي ( مدفون ، مرشوش ، منثور ، معلق على الأشجار .. الخ ) أو السحر داخلي ( مأكول ، مشروب ، مشموم ) ؟.
إضافة إلى الرقية ، ما هو علاج السحر الداخلي الذي هو سبب من بعد إذن الله تعالى في استفراغ السحر؟.
هل الشيطان مربوط في الجسد بسحر أو عين ؟ ، وهل شياطين السحر خارج الجسد أم داخل الجسد ؟.
ما هي الخطوات التي ينبغي أن يتبعها الراقي قبل الرقية وبعد الرقية من تحصين وإخراج التماثيل والصور .. الخ .
ماذا يقرأ من الآيات على من به عين؟ .
ماذا يقرأ من الآيات على من به سحر ؟.
ماذا يقرأ من الآيات على من به تلبس حقيقي؟ .
واختم القول بأنه ينبغي على المريض أن يرقي نفسه وأن يرقيه من يحسن الرقية من معارفه في حالات العين والأمراض العضوية .
أما في حالات السحر والمس المتمرد فينبغي للمريض أن يرقي نفسه إذا كان يستطيع ذلك وأن يذهب لمن يرقيه من الرقاة حتى يعينه وينفعه بخبرته وإرشاداته ورقيته من بعد إذن الله تعالى ، وانصح بأن لا يرقيه شخص أعزل من التحصين والذكر ، أو غير ملم في أمور السحر والسحرة والمردة والشياطين ومكرهم فإن في ذلك خطر على نفسه وأهله بل وعلى المريض نفسه ، ولا مانع أبداً من أن يرقي الزوج زوجته أو الأخ أخته أو أحد محارمه إذا كان عنده علم ودراية في الرقية .(1/65)
ومن المؤسف أنه استغل بعض الرقاة القراءة الجماعية لمصالح شخصية وعلى رأسها التجارة ، أعني بيع الماء والزيت والعسل والحبة السوداء وبعض الأعشاب المركبة بأسعار مبالغ فيها ، إضافة إلى فتح الملف وتذكرة الدخول ، ومن القراء من تجاوز حد المبالغة في القراءة والنفث ، فمنهم من أوقف ( وايت ) ماء أمام المقر ينفث فيه بعد الرقية ويبيع الماء بالكميات ، ومن الرقاة من ينفث على العلب المغلقة والأوعية الكبير ( برميل ، خزان ماء ) ، ومنهم من يرفض النفث على الماء والزيت والعسل الذي يحضره المريض معه لأنه يجب على المريض أن يشتري من الدكان الموجود في المقر ، ومنهم من يطلب المبالغ للقراءة الجماعية والمبالغ الكبيرة للقراءة الخاصة ، ومنهم من يبيع المحو الذي عمل بأختام خاصة وبأسعار خيالية ، وهذا منعطف سيئ وأخذ لأموال المسلمين بأساليب غير كريمة ، يقول الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني : واشتط آخرون ؛ فاستغلوا هذه العقيدة الصحيحة وألحقوا بها ما ليس منها مما غير حقيقتها ، وساعدوا بذلك المنكرين لها … وجعلوها مهنة لهم لأكل أموال الناس بالباطل ا.هـ.
ومثل أولئك الرقاة مع أنهم قليلون لا كثرهم الله ، فتحوا الباب على مصراعيه لكل ناعق يريد الطعن بالرقاة سواء من المتفيقهين من طلبة العلم أو من فسقة الأطباء وجهلتهم وغيرهم من المنكرين .
لو أن أهل العلم صانوه صانهمْ ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهونوا ودنسوا محياه بالأطماعِ حتى تجهما
وكم أتمنى أن يتدخل ولاة الأمور ويمنعوا هذا الصنف من الرقاة من المتاجرة باسم الرقية، ولا أعني منعهم من القراءة فلعل الله أن ينفع بهم المسلمين ، وأنا أظن بأن البعض منهم سوف يتوقفون عن الرقية إذا ما منعوا من البيع وأخذ الأموال من المرضى ، وعندها يعلم من يبكى ممن يتباكى.ولا أعني أولئك الذين يضطرون لأخذ مبالغ قليلة ومعقولة لتغطية مصاريف وإحتاجات المقرات المستأجرة .(1/66)
فهذه السلبية وغيرها جعلت الكثير يدندنون حول منع الرقية الجماعية ويزعمون أن هناك تجاوزات شرعية تحصل عند بعض الرقاة خصوصا عند التعامل مع النساء ، والتخبط في التشخيص ويزعمون أن أكثر المرضى حالات نفسية وأنه يمكن للمصاب أن يقرأ على نفسه.
ولعل من أهم أسباب هذه المواقف السلبية تجاه الرقاة هو الجهل بالواقع وبما يحصل للناس من معاناة وأمراض وأسقام وأوهام ووساوس وسهر بسبب المس والسحر والعين ، وهذه الأمور لا تعالج عند الأطباء ، ولو أن أحدهم تمعن في قول الله تعالى على لسان أيوب :" وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيّوبَ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أَنّي مَسّنِيَ الشّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ" [ص:42]، لعلم أن الشيطان إذا ما تسلط على ابن آدم نغص عليه عيشه ، وضيق عليه صدره وصرفهُ عن طاعة مولاه ، ولو تفكر أحدهم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :" أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس "، لعلم أن كثيراً من الأمراض أصلها بسبب العين وليس الخبر كالمعاينة .(1/67)
ولعل السبب في جهلهم في هذا الواقع أن أحدهم لم يبتلِ في نفسه أو في قريب له حتى يعلم مدى المعاناة وجهد البلاء ، وحتى يعلم حقيقة أنه ليس كل المرضى يستطيعون أن يرقوا أنفسهم ؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده قالت عائشة فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به . ويقول ابن القيم : وكان شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة . وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه ، تعجز العقول عن حملها – من محاربة أرواح شيطانية ، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف قوة – قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقربائي ومن حولي : اقرأوا آيات السكينة ، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال ، وجلست وما بي من قلبة. وفي كتب السيرة أن أبا الوليد عتبة بن ربيعة بُعث من قبل مشركي قريش ليساوم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان من مما قال :إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ... حتى قال: وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ، وكيف يرقي المريض نفسه والجان يحضر حضوراً كاملا كلما هم في ذكر الله تعالى فضلاً عن أن يرقي نفسه ، كيف يرقي المريض نفسه وهو مجنون لا يعقل ، كيف يرقي المريض نفسه وهو يرى حروف القرآن تميل يمينا وشمالا ، كيف يرقي المريض نفسه وهو يشعر وكأن على صدره جبال الدنيا من الضيق والحرج ، كيف يرقي المريض نفسه وهو لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ الرقية ، كيف يرقي المريض نفسه والشيطان يضيق عليه من داخل جسده وفي الحديث عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى(1/68)
الطَّائِفِ جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي صَلاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:َ ابْنُ أَبِي الْعَاصِ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا جَاءَ بِكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَوَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي قَالَ ذَاكَ الشَّيْطَانُ ادْنُهْ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ قَالَ فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ وَتَفَلَ فِي فَمِي وَقَالَ اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ الْحَقْ بِعَمَلِكَ قَالَ فَقَالَ عُثْمَانُ فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ . رواه ابن ماجة في سننه . ونهش الصحابي عبدالرحمن بن سهل بجريرات الأفاعي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إلى عمارة بن حزم فليرقه قالوا يا رسول الله إنه يموت قال وإن فذهبوا به إليه فشفاه الله .
وهل يظن أن تلك الجموع الغفيرة التي تطرق أبواب الرقاة في كل يوم وليلة أنهم من السذاجة والغباء إذ يضيعون أوقاتهم وأموالهم دون نفع أو فائدة ، وهل يظن أن كل هذه الجموع لم تطرق أبواب المستشفيات والمصحات النفسيه ، ولعل طلبة العلم يعجبون إذا ما علموا أن بعض أولئك المراجعين هم من الأطباء وطلبة العلم والقضاة، وأن البعض منهم دفع عشرات الألوف بل لا أبالغ إن قلت أن البعض منهم قد دفع مئات الألوف تكاليف للعلاج و الأدوية والأشعة والتحاليل دون فائدة ؛ ولم يجدوا الراحة والطمأنينة إلا بعدما أن رقاهم الرقاة المخلصين بكتاب الله تعالى .(1/69)
أما ما يذكر عن بعض التجاوزات التي تحصل عند القراءة على النساء فهي تجاوزات فردية تحصل عند بعض الرقاة هداهم الله تعالى ، ولا تعمم على كل الرقاة ، والغالب أنها تحصل بدون قصد ، وما هو حاصل عند بعض الأطباء والسحرة والمشعوذين من كشف على عورات المسلمات والعبث في مواضع العفة منهن بحجة الكشف والتشخيص لا يقارن أبداً ببعض الهفوات التي قد تحصل من بعض الرقاة ، ومع ذلك ومع الأسف أنك لا تسمع طعنا أو تنديداً من أولئك الذين يزعمون أنهم من طلبة العلم .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ. ومما يجهله طلبة العلم أن الشيطان إذا ما تلبس المرأة فإن تأثيره عليها بالغواية يكون أكبر ، وربما صرعها وكشف عنها ثيابها على مشهد من الرجال ، وحديث أم زفر شاهد على هذا الكلام فعند مسلم عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ قَالَتْ أَصْبِرُ قَالَتْ فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا. رواه مسلم ، وعند البزار عن ابن عباس أنها قالت : إني أخاف الخبيث أن يجردني .(1/70)
ومنهم من يحتج ويزعم أن الرقاة ليسوا من طلبة العلم فهذا ليس بصحيح فأكثرهم إن لم يكن كل من في الساحة من الرقاة المعروفين هم على دراية طيبة في أمور دينهم وإن لم يطلق عليهم طلبة علم ، وليس من شروط الرقية أن يكون الراقي من العلماء أو من طلبة العلم المعروفين ، يقول صلى الله عليه وسلم ( اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى مالم يكن فيه شرك ) رواه مسلم ، وفي موطأ مالك أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ. فالعبرة بالرقية وليس بالراقي، ولكن ينبغي أن يكون الراقي عنده من العلم ما يجعله يميز بين السنة والبدعة ، ومن العلم ما يجعله في حيطة من تلبيس وإستدراج الشياطين .
وفي تحفة الأحوذي: عن عُمَيْرٍ مَوْلَى أبِي اللّحْمِ، قال: "شَهِدْتُ خَيْبَرَ مع سَادَتي فكلّمُوا فيّ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكَلمُوهُ أنّي مَمْلُوكٌ. قال: فأَمَرَني فَقُلّدْتُ السّيْفَ فإذا أنا أَجُرّهُ فأَمَرَ لي بِشَيْءٍ من خرثى المتَاعِ، وعَرَضْتُ عليه رُقْيَةً كُنْتُ أرْقِي بِهَا المجَانينَ، فأَمَرَنِي بِطَرْحِ بعضِها وحَبْسِ بعضِها". وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.(1/71)
قوله: (عن عمير) بالتصغير قال في التقريب: عمير مولى آبي اللحم الغفاري صحابي شهد خيبر" السنة السابعة للهجرة" (فكلموا فيّ) بتشديد الياء (وكلموه أني مملوك) قال الطيبي: عطف على قوله، فكلموا فيّ، أي كلموا في حقي وشأني أولاً بما هو مدح لي، ثم أتبعوه بقولهم إني مملوك انتهى (فقلدت السيف) بصيغة المجهول من التقليد، قال في المجمع: أي أمرني أن أحمل السلاح وأكون مع المجاهدين لأتعلم المحاربة: فإذا أنا أجره، أي أجر السيف على الأرض من قصر قامتي لصغر سني (وعرضت عليه رقية كنت أرقي بها المجانين فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها) أي بإسقاط بعض كلماتها التي تخالف القرآن والسنة: وإبقاء بعضها التي ليست كذلك، وفيه دليل على جواز الرقية من غير القرآن والسنة بشرط أن تكون خالية عن كلمات شركية وعما منعت عنه الشريعة.
يقول الشيخ عبدالله بن جبرين : الصواب أنه يجوز استعمال الرقية من كل قارئ يحسن القرآن ويفهم معناه ويكون حسن المعتقد صحيح العمل مستقيما في سلوكه، ولا يشترط إحاطته بالفروع ولا دراسته للفنون العلمية ، وذلك لقصة أبي سعيد في الذي رقى اللديغ قال : وما كنا نعرف منه الرقية أو كما قال ، وعلى الراقي أن يحسن النية وأن يقصد نفع المسلم ولا يجعل همه المال والأجرة ليكون ذلك أقرب إلى الإنتفاع بقراءته ، والله أعلم أ.هـ.
ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين : الذي أرى أنه لا يشترط أن يكون من أهل العلم إذا كان حافظا لكتاب الله معروفا بالتقى والصلاح ولم يقرأ إلا بالقرآن أو ما جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم فلا بأس، وليس من شرطه أن يكون عالما ، وبعض العلماء يكون عالما لكن في القراءة يكون أقل من الآخرين أي من بعض الناس ا.هـ.(1/72)
إن حاجة الأمة للرقاة توازي الحاجة للأطباء فينبغي على العلماء وطلبة العلم الشرعي والأطباء المخلصون أن يأخذوا بأيدي الرقاة بالنصح والإرشاد وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وإيضاح التجاوزات الشرعية وعدم التضيق عليهم أو الطعن بهم ، فإنهم على ثغرة وجهاد مع السحرة والشياطين نسأل الله لهم الثبات والتوفيق وإخلاص النية ، فكم من مكروب نفس عنه ، وكم مسحور فك من عقال السحر ، وكم من معيون فرج الله عنه بسبب هؤلاء الرقاة ، فإن وجد عند بعضهم من أخطاء وتجاوزات وسلبيات فهي لن تكون بأي حال من الأحوال بأكثر من إيجابياتهم ومنفعتهم للمسلمين ولن يوازوا السحرة والمشعوذين في كفرهم ودجلهم، ومما لا شك فيه عندي سوف يلوذ بهم المرضى إذا ما أغلق باب الرقية .(1/73)
يقول صاحب كتاب القواعد الشرعية في مقدمة كتابه : برزت الحاجة الشديدة في الآونة الأخيرة إلى فتح عيادات قرآنية، وتنظيم القراءة وتقعيدها بعد أن اتسع مجالها وتشعب ، وهذا لا ينضبط إلا بالكشف عن الأصول والقواعد شأن الرقية شأن غيرها من العلوم الإسلامية تحتاج إلى ضبط وتقعيد ، ففي الوقت الذي اتجهت فيه العلوم الإسلامية إلى التأصيل كان علم الرقية أذكاراً وأدعية مأثورة منثورة في كتب الأذكار والحديث ولم يكن علماً مصنفا ! لأن تصنيف أي علم على حسب حاجة الناس إليه ولم يكن المجتمع الإسلامي الأول في حاجة إلى علم الرقية الشرعية لأنهم كانوا يمارسون الأذكار جل وقتهم حتى أن بيوتهم لأشبه بدوي النحل ، أما في وقتنا الحاضر فقد كثرت مغريات الحياة وصارت هي شغل الناس الشاغل ، ونقضت كثيرٌ من عرى الإيمان ، وقلت الأذكار، وحينئذ وجد الشيطان فرصته السانحة للانقضاض على القلوب الفارغة من ذكر الله ، فكثر المس الشيطاني وعجز الطب عن العلاج ، وانتشرت المصحات النفسية ، فطرق كثير منهم أبواب السحرة والمشعوذين ولكن دون جدوى ، فقام بعض الرقاة بفتح أبوابهم للرقية الشرعية وانفتح لهم باب أمل بعد يأس أ.هـ.
نقلاً عن لقط المرجان في علاج العين والسحر والجان
http://www.khayma.com/roqia
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
من شبكة مشكاة :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?s=&threadid=41752
في كل بيت راق
خالد ثامر السبيعي
مقدمة :
الحمد لله مزيل الهم وكاشف الغم، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره فهو مولي النعم وصارف النقم.
والصلاة والسلام على إمام المرسلين ، وسيد الأولين والآخرين وقائد الغر المحجلين، محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم. أما بعد ،،،
فيا إخوتي في الله : -
شر ما مُنيت به النفوس يأس يميت القلوب وقنوط تُظلم به الدنيا وتتحطم معه الآمال.(1/74)
إن في هذه الدنيا مصائب ورزايا ومحناً وبلايا، آلامٌ تضيق بها النفوس ومزعجاتٌ تورث الخوف والجزع. كم ترى من شاكٍ وكم تسمع من لوام. يشكو علة وسقماً أو حاجةً وفقراً، متبرم من زوجه وولده ، لوامٌ لأهله وعشيرته . ترى من كسدت تجارته وبارت صناعته ، وآخر قد ضاع جهده ولم يدرك مرامه.
تلك هي الدنيا، تُضحك وتُبكي وتجمع وتشتت، شدة ورخاء وسراء وضراء، دار غرور لمن اغتر بها وهي عبرةٌ لمن اعتبر بها. إنها دارُ صدق لمن صدقها ميدان عمل لمن عمل فيها ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) [ الحديد : 23 ] .
تتنوع فهيا الابتلاءات وألوان الفتن، ويُبتلى أهلها بالمتضادات والمتباينات ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) [ الأنبياء : 35 ] .
ولكن إذا استحكمت الأزمات وترادفت الضوائق. فلا مخرج إلا بالإيمان بالله والتوكل عليه وحُسن الصبر. ذلك هو النورُ العاصم من التخبط. وهو الدرع الواقي من اليأس والقنوط .
إنه مما يؤلم القلب ويُحزن النفس.. ماتراه من معاناة بعض الأسر من هموم وغموم وآلام وأمراض . كم رأينا وسمعنا عن أسرةٍ تخرج في الليل البهيم تبحث عن راقٍ أو شيخ ينقذها مما أصابها من آفات الدنيا، أو إيذاء الشياطين، أو شر نفوس الحاسدين.
كيف سيكون الحال لو أن ( في كل بيت راق) ؟
إشارات لابد منها :(1/75)
1- نحن نثبت السحر والمس والعين كما ثبت بالشرع ونأخذ بأقوال علمائنا كابن باز وابن عثيمين رحمهما الله وكذلك نثبت الأمراض النفسية ، وأن لها أهلها من الأطباء والمتخصصين، ونعتقد أن علاج ذلك كله يكون بالقرآن، وقد يحتاج الأمر إلى أسباب أخرى مشروعة كالأدوية الطبية على سبيل المثال في الطب النفسي. ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ) [ الإسراء : 82 ] .
2- نثمن بكل احترام وتقدير ما يبذله الرقاة من جهود وإسهامات رائعة في خدمة الناس وفك معاناتهم بإذن الله تعالى وحوله وقوته، ونسأل الله أن يجزيهم عن الأمة خير الجزاء.
أسباب طرح الموضوع :
1- البحث عن الشفاء بشتى الطرق والوسائل حتى لو كانت محرمة ( قد يبدأ المريض بالرقاة وينتهي به الأمر عند المشعوذين).
2- تعلق المرضى بالأشخاص مما يضعف تعلقهم بالله سبحانه.
3- تجاوزات بعض الرقاة ومبالغتهم في طريقة العلاج.
4- عدم قدرة الرقاة الملتزمين بالضوابط الشرعية من السيطرة على أعداد المرضى، مما يجعلهم دائماً في مأزق وحرج.
5- المجتمع يسير نحو الإعاقة وهو لا يعلم، وأعني بالإعاقة ، الإعاقة الإيمانية، والإعاقة الصحية.
مفاهيم يجب أن تدرك وتُصحح :
1- الحالات الصعبة في المجتمع قليلة نسبياً وأكثر الحالات تتراوح بين المتوسطة ودون المتوسطة وهذه يمكن السيطرة عليها بإذن الله. أما الحالات الصعبة فيستشار فيها المتمرسون من الرقاة.
2- معظم الحالات المتوسطة تدور بين العين والضغوط النفسية وهناك فرق بين العين التي تُدخل الرجل القبر والجمل القدر وبين ما يسمى عند العامة بالنفس.(1/76)
هذه الحالات ( أعني النفس أو العين غير الشديدة ، والضغوط النفسية تكثر في مجتمعنا وتزيد عند أناس وتقل عند آخرين، وتتنوع أعراضها ومظاهرها ولكن يمكن الصبر عليها وعلاجها بالرقية ووسائل أخرى، كالعسل وماء زمزم والحبة السوداء، والصدقة، وغيرها.
وقد ذكر الشيخ عبد الله السدحان كلاماً قريباً من ذلك في كتابه ( كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية ) أعني حول علاج العين أو النفس التي أشرت إليها فقال : " ويخطئ كثير من المعالجين هداهم الله بإحداث البلبلة وشحن فكر هذا المريض أن فيه سحراً أسود أو أحمر، أو جاناً مسيطرين عليه سفلياً كان أم علوياً !! فيجعله ييأس من رحمة الله، ويقومون بتعذيبه بالضرب والخنق، وتسليط الجن عليه بالوساوس ، فليس هذا من الدين في شيء، فليتق الله هؤلاء الرقاة، ولا يكونوا عوناً للشيطان على أخيهم ) .
3- مات من الهم .. ما سر ذلك ؟
كنت فيما مضى أتساءل كثيراً.. كيف يموت الإنسان من الهم.. ما زال هذا السؤال محيراً حتى وقفت على بعض المعلومات التي تفك هذه الشفرة وتحل ذلك اللغز.. ولنقف مع هذه القصص..
أ- مجنون ليلى :
قيس بن الملوح بن مزاحم العامر.
شاعر غزل من المتيمين من أهل نجد لم يكن مجنوناً وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى بنت سعد التي نشأ معها إلى أن كبرت وحجبها أبوها، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش، فيُرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز، إلى أن وُجد ملقى بين الأحجار وهو ميت فحُمل إلى أهله.
وهو القائل :
صغيرين نرعى البهم ياليت أننا "" إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهمُ
وقال أيضاً :
هوى صاحبي ريحُ الشمال إذا جرت "" وأهوى لنفسي أن تهب جنوبُ
فويلي على العذال ما يتركونني "" بغمي أما في العاذلين لبيبُ
يقولون لو عزيت قلبك لا رعوى "" فقلت وهل للعاشقين قلوبُ
لقد بلغ الهم بقيس مبلغاً عظيماً حتى أهلكه ولا حول ولا قوة إلا بالله.(1/77)
ب – ذكر ابن القيم أن رجلاً تعلق بمحبوب له، فلما امتنع المحبوب عن لقائه سقط الرجل صريعاً على فراش المرض ثم أنشد قائلاً :
أسلم يا راحة العليل "" ويا شفا المدنف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي "" من رحمة الواحد الجليل
ثم صرخ صرخة ومات من حينه.
نعوذ بالله من ميتة السوء.. وهلاك الغفلة.
لقد ثبت في البحوث الطبية أن الهم والقلق يسبب نقص المناعة، وبالتالي يضعف الجسم عن مقاومة الأمراض ويبدأ الجسم تدريجياً في الضعف والذبول حتى يصل إلى مرحلة خطيرة وقد أورد صاحب كتاب " التفاؤل التلقائي " ما يلي :
" أوضحت الدراسات في المجلة الطبية أن الاضطرابات النفسية الحادة ترتبط بالمناعة الخلوية في الإنسان "
وقد تعوذ الرسول صلى الله عليه وسلم من الهم كما جاء عند البخاري فقال: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن".
يقول جون جوزيف : إن قرحة المعدة لا تأتي مما تأكل ولكنها تأتي مما يأكلك، يعني القلق والهموم وتوتر العواطف والخوف.
إذاً ينبغي على كل مؤمن أن يطرد الهم والغم من ساحته حتى لا يكون فريسة لهذا الداء الخطير، وسيأتي لاحقاً العلاج في الجملة إن شاء الله.
4- إياك والوهم فإنه مدخل من مداخل الشيطان .
كلنا يدرك المعركة الأزلية بين الإنسان والشيطان ، هذه المعركة التي بدأت حينما توعد الشيطان بإغواء الإنسان {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } ص82 .
ويعتبر الوهم أحد مداخل الشيطان الخطيرة لإسقاط الإنسان في دائرة الشك ومن ثم ضعف الإيمان والتوحيد.
تبدأ الخطة الإبليسية بالوهم .. ثم ضعف التوحيد، ثم التعلق بغير الله.. إلى ترك الصلاة والوقوع في الهاوية عياذاً بالله من ذلك.
رجل في بطنه ثعبان :
ذكر الشيخ الطنطاوي رحمه الله في كتابه الماتع (صور وخواطر) مانصه :(1/78)
" وهذا العلامة المؤرخ الشيخ الخضري، أصيب في أواخر عمره بتوهم أن في أمعائه ثعباناً، فراجع الأطباء، وسأل الحكماء، فكانوا يدارون الضحك حياء منه، ويخبرونه أن الأمعاء قد يسكنها الدود، ولكن لا تقطنها الثعابين. فلا يصدق.
حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب، بصير بالنفسيات قد سمع بقصته ، فسقاه مسهلاً وأدخله المستراح وكان وضع له ثعباناً فلما رآه أشرق وجهه، ونشط جسمه، وأحس بالعافية ، ونزل يقفز قفزاً، وكان قد صعد متحاملاً على نفسه يلهث إعياء، ويئن ويتوجع ولم يمرض بعد ذلك أبداً.
ثم قال الطنطاوي أيضاً :
ما شفي الشيخ لأن ثعباناً كان في بطنه ونزل، بل لأن ثعباناً كان في رأسه وطار، لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة، وإن في النفس الإنسانية لقوى إذا عرفتم كيف تستفيدون منها صنعت لكم العجائب ".
يا لها من قصة ظريفة ومفيدة .. تشخص الداء وتوضح بكل براعة طبيعة الدواء...
5- القرآن راحة للأرواح والأبدان :
إن القرآن العظيم كتاب هداية ونور وشفاء لما في الصدور.. لذلك نحتاج إلى نشر روح السكينة والهدوء في علاجنا لأنفسنا ومن حولنا.
إن الرقية بالقرآن راحة للأرواح وعافية للأبدان، إنها ليست رعباً وهلعاً تجعل الإنسان يتهرب أو يتردد في العلاج بكتاب الله الكريم.
يجب على كل واحد منا أن يربي نفسه وأهل بيته وجيرانه على هذا المفهوم، حتى يتقبل الجميع الرقية وهم أسكن نفساً وأهدأ حالاً.
وتأمل حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذه الحالات:
1- جاء عند الإمام أحمد .. حينما أتت الرسول الرسول صلى الله عليه وسلم امرأة بابن لها قد أصابه لمم، فقال النبي الرسول صلى الله عليه وسلم" أخرج عدو الله أنا رسول الله قال: فبرأ " .(1/79)
2- عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرع وإني أتكشف ، فادع الله لي قال: " إن شئتِ صبرت ولك الجنة، وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيك ".
قالت أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. متفق عليه.
تأمل كيف عالجها الرسول الرسول صلى الله عليه وسلم وتحاور معها بكل هدوء وسكينة...
6- نحو مجتمع سليم ومنتج:
إن من أعظم النعم التي يمن الله عز وجل بها على أي مجتمع، نعمة العافية في الأبدان والأمن في الأوطان، ولذلك جاء في الحديث الشريف " من أمسى معافى في بدنه آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ". رواه الترمذي وقال حديث حسن ووافقه الألباني
إن المجتمع لا يمكن أن يكون منتجاً .. نافعاً حتى يبرأ من مرضه الإيماني والنفسي.
وإني لأتعجب كيف استطاعت اليابان أن تتجاوز محنتها من المحرقة النووية.. وكيف صبرت حتى وصلت إلى قمة التقدم والتطور المبهر.. وهي وثنية المعتقد ؟!
وكيف تخطت ألمانيا مصاعبها بعد الحرب العالمية .. لكي تقف على أقدامها من جديد.
فعلينا أن نتجاوز مشاكلنا ومصائبنا بعد الإيمان بالله.... بالتفاؤل والأمل.. والجد والعمل.
أعلل النفس بالآمال أرقبها "" ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
ولماذا نحطم أنفسنا.. ونعطل طاقاتنا بحجة أننا مرضى.. أو نعاني من هموم وغموم وضغوط نفسية.
إننا نملك نعماً عظيمة، ولم ندرك بعد عظيم فضل الله علينا، جاء في مؤلفات ديل كارنيجي ما نصه :(1/80)
" إن أحد الأشخاص كان واقفاً على أحد الشوارع واليأس يقطع قلبه في شرود وهموم متخيلاً نفسه أتعس الناس لأنه لم يجد العمل المناسب رغم أنه في صحة جيدة، وصاحب خبرة، ويقول فجأة شاهد رجلاً يقطع الطريق وهو مقطوع الساقين متكئاً على عوارض خشبية.. وبعد أن التقت عيناه مع ذلك الشخص ابتسم " مقطوع الساقين" وقال.. صباح الخير ياسيدي وقال إنه يوم جميل .. أليس كذلك ؟ يقول الرجل عندها أدركت كم أنا سعيد بما أملك وكيف نسيت ما عندي من النعم وخجلت من نفسي ".
- ما أعظم نعم الله علينا لو أنا أطلقنا تفكيرنا نحو التأمل الإيجابي .... !
7- العلامة ابن باز ووصايا نافعة :-
كان لسماحة العلامة عبد العزيز بن باز وصايا نافعة في مجال الرقية، وكان مما أوصى به أحد السائلين حول مسألة الرقية قوله : " يقرأ على المريض آية الكرسي وبعض الأدعية المعروفة بالرقية الشرعية حتى ولو لم يكن هناك إطالة في القراءة " ( جريدة الجزيرة ، 3/8/1417هـ) فانظر إلى الهدوء والتوازن في الرد على السؤال.
- وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله حول قراءة الراقي على المرأة الأجنبية فقال:
( لا يحل للقارئ الأجنبي أن يباشر لمس بشرتها بدون حائل، بل يقرأ عليها وهي متحجبة أو يقرأ عليها أحد نسائها أو محارمها أو تقرأ هي على نفسها بما تيسر من القرآن فالكل يرجى فيه الشفاء والنفع من الله ).
والشاهد هنا من كلام الشيخ ابن جبرين قوله ( أو تقرأ هي على نفسها) ، فما أجملها من وصية طيبة خرجت من عالم مبارك.
8- تجارب ناجحة :
هذه تجارب سمعت بعضها من بعض الفضلاء، وعايشت بعضها الآخر، وما أروع أن يعيش الإنسان تجربة كانت ناجحة بكل المقاييس، وكل ذلك من فضل الله وكرمه.(1/81)
1- ذكر لي أحد الأخوة أن رجلاً جاء إلى أحد القراء يطلب منه أن يقرأ عليه، فهو كما يقول سافر إلى أماكن كثيرة طلباً للشفاء ولم يجد ما كان يتمنى، فقال له هذا الراقي وفقه الله. اذهب إلى بيتك واقرأ البقرة ثلاثة أيام متتالية ثم تعال بعد ذلك. وبعد ثلاثة أيام جاء الرجل إلى الأخ الراقي وقد شُفي تماماً من مرضه ولم يحتج للرقية، فقد رقى نفسه.
فانظر بارك الله فيك ، كيف تعالج الحالات، وكيف تتحول البيوت إلى مواطن للذكر وقراءة القرآن.
2- جاءني شخص شاب قد أرهقته الأمراض الأوهام، وقال لي: ذهبت إلى الشيخ فلان تسع مرات ولم يتغير شيء، هل ممكن أن أُشفى من مرضي، فأنا لا أستطيع النوم مما أصابني.
فقلت له أبشر بالخير، إن شاء الله. فتحاورت معه وأخبرته بعد ذلك أن الشفاء من الله وأن يبدأ الخطوة الأولى من بيته فذكرت له بعض الوصايا التي تعين على تجاوز هذه المشكلة، من توجه لله وتوكل عليه وقراءة القرآن وقيام الليل، مع تحليل مختصر لطبيعة الحالة. وماهي إلا أيام حتى أصبح هذا الشاب طلق المحيا.. مرتاح البال.. قريباً من الله.. يلهج لسانه بذكر الله.. وقد حقق حلم ( في كل بيت راق ).(1/82)
3- عائلة تخرج في الليل البهيم تبحث عن راق يهدئ روعها .. ويعيد البسمة إلى أجوائها، فقد أصيبت الأم بحالة غريبة بشكل مفاجئ تعاني منذ أيام.. ولم يجدوا أحداً تلك الليلة، وباتوا ليلتهم في هم وغم ومعاناة حتى الصباح، وفي اليوم التالي اتصل بي أحد الأخوة يطلب مني زيارة هذه العائلة ، فتمت الزيارة، وحصل حوار بيني وبين المرأة وزوجها ، وكان مما فيه أهمية التحصين ، والتوجه إلى الله والأذكار وقراءة البقرة، ثم تحليل مبسط للحالة التي يمرون بها، وإشارة إلى الخير الذي في طيات هذه المحنة.. ثم مكثت ثلاثة أيام تقريباً لأسمع الخبر من أحد أفراد هذه العائلة أن الأب والأم تحولا إلى رقاة لأنفسهم ولأبنائهم وأن سورة البقرة أصبحت أهم أولياتهم . وأصبحا يحفظان الأذكار ويوزعان المطويات بين أبنائهم حتى قال لي أحدهم: لقد تحول الرجل إلى (راق في بيته) ولم يحتج بعد ذلك للبحث عن الرقاة.
- هذه بعض التجارب.. ويوجد غيرها ليس عندي فقط بل عند الكثير تثبت بالبرهان والواقع الملموس أنه بالإمكان تحقيق هذه الأمنية.
فما أجمل الحياة.. وما أروع المجتمع حينما يكون ( في كل بيت راق).
الوسائل المعينة لتحقيق ( في كل بيت راق) :
1- التوحيد :
إن معظم الشرور والنكبات التي أصابت أمة الإسلام وأشد البلايا التي حلت بها، كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس.
( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ) [ الأنعام : 17 ] .
- وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في يده حلقة من صفر فقال: " ما هذا ؟ قال: من الواهنة، فقال: انزعها فإنها لاتزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً " رواه أحمد بسند لابأس به.
ولأحمد أيضاً عن النبي النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من تعلق تميمة فلا أتم الله له ".
وذكر ابن القيم في الفوائد قوله :(1/83)
" فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد. ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد،ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه بالتوحيد فلا يُلقى في الكُرب العظام إلا الشرك ولا يُنجى منها إلا التوحيد ".
ومن الأمور المعينة على كشف الكرب ما يلي :
" وإذا سألت فاسأل الله ".
إن أول خطوة عادةً ما نقوم بها حينما نصاب بمرض أو هم أوغم هي البحث عن شيخ أو راق يعالج ما ألم بنا.
والصحيح أن نتوجه أولاً لله سبحانه وتعالى ، فهو القائل عز وجل : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }البقرة186.
والمتأمل في أحوال الناس يجد أنهم يبذلون الجهد والوقت والمال حتى يصلوا إلى الراقي أو الشيخ، وكثيراً ما يكون هذا الراقي مشغولاً ، أو أنه قطع وسائل الاتصال به لكثرة الزحام عليه من الناس.
فيا عجباً لنا ! إن الواحد الديان لا يغلق بابه أبداً. بل يتنزل في الثلث الأخير من الليل نزولاً يليق بجلاله فيقول هل من سائل فأعطيه .. فأين نحن من هذه الساعات المباركة واستغلالها في التضرع إلى الله بأن يكشف عنا البلاء والهم والمرض. ..
ثم تأمل معي أيها الحبيب هذه المواقف:
1- حينما قُذف إبراهيم عليه السلام في النار .. تبدى له جبريل فقال يا إبراهيم هل لك من حاجة، فقال أما إليك فلا وأما إلى الله فنعم فقال الله عز وجل : {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }الأنبياء69 .
2- وفي قصة موسى عليه السلام قال الله تعالى : {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }الشعراء63 .(1/84)
3- وهذا رسولنا الكريم النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان في الغار مع صاحبه أبي بكر، وكفار قريش، يحومون حول الغار طلباً للحبيب عليه الصلاة والسلام، فإذا بأصوات أقدامهم تخفق إلى جوار الرسول النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه .. فقال أبو بكر : " لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا " فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ماظنك باثنين الله ثالثهما. { فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40
أيها المبتلى :
إذا سألت فاسأل الله، فإنه سميع مجيب وإنه نعم المولى ونعم النصير.
- واعلم أن من التوحيد أيضاً: التوكل على الله، واليقين بموعوده والثقة بنصره، فلا تبخل على نفسك بهذه المعاني المباركة.. فإن فيها من لذة الإيمان .. وسعادة القلب ما الله به عليم.
ومن الوسائل المعينة لتحقيق (في كل بيت راق) :
2- الصلاة :
" كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة " وكان يقول " أرحنا بها يابلال " . رواه احمد وأبو داود
إن الإنسان إذا أراد الراحة والسعادة والعافية فلابد أن يحافظ على الصلاة .. ويستمتع بالوقوف أمام العزيز الرحيم.. وكلما اضطربت صلاتك زادت علاتك.. والحر تكفيه الإشارة.
يقول الدكتور عائض القرني في كتابه الشهير لا تحزن : " إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعرف على المسجد ، وأن يمرغ جبينه ليُرضي ربه أولاً، ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب. وإلا فإن الدمع سوف يحرق جفنه، والحزن سوف يحطم أعصابه وليس لديه طاقة تمدّه بالسكينة والأمن إلا الصلاة ".
3- عليك بالذكر والدعاء والاستغفار :
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } طه124(1/85)
" مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، كمثل الحي والميت ".
اعلم أيها الحبيب أن الغفلة داء خطير.. ومدخل من مداخل الشيطان الرجيم.
يقول ابن القيم في الفوائد :
" كل ذي لب يعلم ألا طريق للشيطان عليه إلا من ثلاث جهات ... وذكر منها :
الغفلة : فإن الذاكر في حصن الذكر، فمتى غفل فتح باب الحصن فولجه العدو فيعسر عليه أو يصعب إخراجه.
ثم تأمل معي هذا الحديث الشريف :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال إذا خرج من بيته بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له حينئذ: كفيت ووقيت وهُديت، وتنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكفي ووُقي؟ " رواه أبو داوود والنسائي والترمذي بإسناد جيد.
فانظر إلى فضل الذكر وثمرته في حديث واحد فكيف بمن لازم الذكر في سائر يومه.
4- الدعاء :
إن الدعاء هو لب العبادة.. وقد ثبت في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم " الدعاء هو العبادة " . رواه الترمذي وقال حديث صحيح
فمتى ما أراد المبتلى أو المريض النجاة والسعادة، فعليه بالتضرع إلى الله .. فإنها خير طريق وأيسره إلى نيل فضل الله ورحمته.
قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ) [ الأنعام : 42].
البأساء: الفقر والضيق في العيش.
الضراء : الأمراض والأسقام والآلام.
يتضرعون : يتذللون لله.
( فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) [ الأنعام : 43].
- زين لهم : الكفر والمعاصي والعياذ بالله.
فيا عبد الله .. متى ما أصابك بلاء أو هم فافزع إلى الله .. وتضرع إليه .. وانكسر بين يديه فإنه عز وجل قريب مجيب.
5- الاستغفار :(1/86)
قال عز وجل مبيناً أثر الاستغفار على الفرد والأمة ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ) [ هود : 52 ] .
فطوبى لمن لزم الاستغفار.. ونال الفضل الكبير من الواحد القهار.
6 -- كم رصيدك في بنك الأعمال الصالحة :
جاء عند الإمام الترمذي في سننه: قوله النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس ": يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك " .
وفي رواية أخرى صححها الألباني : " تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة ".
وقال أحد السلف كما ذكر ذلك ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " : تدبرت هذا الحديث ، فأدهشني وكدت أطيش ، فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه.
ومعنى الحديث : أن من حفظ أوامر الله وقام بما أوجب الله عليه وانتهى عما نهى عنه حفظه الله فإن الجزاء من جنس العمل .
قال تعالى : ( وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) [البقرة : 40 ] .
إذاً هي المعادلة الربانية.. كم رصيدك من الأعمال وكم حفظت الله في الرخاء.. تكون المحصلة واضحة وجلية.
- ولذلك قال الله عز وجل في حق يونس عليه السلام : ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [ الصافات : 144] .
- وقال عز من قائل : ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) [ الأنبياء : 90 ] .(1/87)
- والحبيب محمد صلى الله عليه وسلم كان يتحنث في الغار الليالي الطوال.. وفي بدر رفع يديه إلى مولاه فاستجاب الله له : " أبشر يا أبا بكر هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع " املأ رصيدك بالطاعات.. يأتيك الفرج من رب الأرض والسموات.
7 - غيِّر جو :
أيها الأخ المبتلى وفقه الله وشفاه :
احذر أن تكون أسيراً لمرضك أو أوهامك أو آلامك.
زر صديقاً إيجابياً.. يحول طاقتك السلبية إلى إيجابية ، اذهب إلى الشاطئ وتأمل أمواج البحر الهادئة في ساعة الغروب .. وإن لم تكن من عشاق البحر. فاذهب إلى البر. اطبخ تيساً، أو اشو لحماً أو هاموراً ثم احمد الله.
لقد كان الأوائل من الآباء والأجداد يهربون من الهموم والغموم.. وينشدون الأشعار ، ويطربون للحداء المباح علهم أن يدفنوا همومهم في أجواء مفعمة بالبهجة والأنس ، وقد قال أحدهم من البادية :
يا فريج أوسع ضيقة الصدر يا فريج "" مهوب من زود الطرب يوم أغني
لولا ي أوسع خاطري بالأهازيج "" كان انتحر يا فريج ولا أستجني
وقال أبو ذر رضي الله عنه : " إني لأستجم بشيء من اللهو حتى أتقوى على الحق".
وكان ابن سيرين يضحك بالنهار، فإذا جن عليه الليل فكأنما قتل أهل القرية.
8 - الصبر أفضل مضاد حيوي :
أيها الأخ الكريم ...
اصبر وما صبرك إلا بالله، اصبر صبر واثق بالفرج، عالم بحسن المصير ، طالب للأجر، راغب في تكفير السيئات ، اصبر مهما ادلهمت الخطوب، وأظلمت أمامك الدروب، فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا.
- اصبر : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [ الزمر:10] .
- اصبر. وانتظر الفرج .. فإن انتظار الفرج عبادة.
- اصبر.. وتيقن بالفرج وتذكر:
1- أن يعقوب عليه السلام فقد يوسف أعواماً عديدة حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ..(1/88)
ثم هبت رياحُ الفرج على ذلك الشيخ الكبير صاحب القلب الوجيع ليقول : ( إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ) [ يوسف : 94 ] .
لتكتمل الفرحة بعد رحلة العناء .. ولذة الصبر .. وبرد اليقين ..
ولتنتهي القصة وهي في أجمل صورها.. وأمام مشهد رائع وانتصار بهيج : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً ) [ يوسف : 100 ] .
2- تذكر أن أيوب أُوذي في جسده بأنواع من البلاء.. ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله عز وجل بهما.
لقد لبث به البلاء ثماني عشرة سنة وهو في ذلك كله صابر محتسب.
ثم جاء الفرج.
( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) [ الأنبياء : 83-84 ] .
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا "" من راقب الله في الأمور نجا
من صدق الله لم ينله أذى ""ومن رجاه يكون حيث رجا
وأخيراً .. يارب ارزقنا الإيمان الموصل إلى رضاك .
واليقين المؤدي إلى فضلك ورحماك.
واجعل مجتمعنا ذاكراً لك .. شاكراً لنعمك وأسبغ علينا من كريم جودك ومننك ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
خالد ثامر السبيعي
السبت 24/10/1426هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://www.ruqya.net/forum/showthread.php?t=331
ما هو حكم أخذ الأجرة على الرقية الشرعية ؟؟؟
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،(1/89)
لقد اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء على جواز أخذ الأجرة على الرقية ( أنظر فتح الباري - 4 / 457 ) 0
واستدلوا بالأحاديث النبوية التالية :
1)- عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال :
أ)- ( انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب ، فاستضافوهم ، فأبوا أن يضيفوهم ، فلدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شئ لا ينفعه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شيء ، فأتوهم ، فقالوا : يا أيها الرهط ! إن سيدنا لدغ ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه ، فهل عند أحد منكم من شيء ؟ فقال بعضهم : نعم والله إني لأرقي ، ولكن استضفناكم ، فلم تضيفونا ، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا ، فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فانطلق يتفل عليه ، ويقرأ : الحمد لله رب العالمين ، فكأنما أنشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبة ، قال : فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم : اقتسموا ، فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنذكر له الذي كان ، فننظر ما يأمرنا ، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له ذلك ، فقال : ( وما يدريك أنها رقية ؟ ) ، ثم قال : ( قد أصبتم ، اقسموا واضربوا لي معكم سهما ) ( متفق عليه ) 0
قال النووي - رحمه الله - تعقيبا على شرح الحديث : ( وهذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة وأنها حلال لا كراهة فيها وكذا الأجرة على تعليم القرآن 0 وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد واسحاق وأبي ثور وآخرين ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 356 ) 0(1/90)
ب)- ( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فنزلنا بقوم فسألناهم القرى فلم يقرونا ، فلدغ سيدهم فأتونا فقالوا : هل فيكم من يرقى من العقرب ؟ قلت : نعم أنا ، ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما ، قالوا : فإنا نعطيكم ثلاثين شاة ، فقبلنا ، فقرأت عليه الحمد سبع مرات فبرأ وقبضنا الغنم 0 قال : فعرض في أنفسنا منها شيء ، فقلنا : لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم 0 قال : فلما قدمنا عليه ذكرت له الذي صنعت ، قال : ( وما علمت أنها رقية ؟ اقبضوا الغنم ، واضربوا لي معكم بسهم ) ( صحيح الجامع 1685 ) 0
2)- عن ابن عباس – رضي الله عنه – : ( أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ – أو سليم – فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال : هل فيكم راق ؟ إن في الماء رجلا لديغا – أو سليما – فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء ، فبرأ 0 فجاء بالشاء إلى أصحابه ، فكرهوا ذلك وقالوا : أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا : يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا ، فقال الرجل : يا رسول الله إنا مررنا بحي من أحياء العرب فيهم لديغ – أو سليم – فانطلقت فرقيته بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله عز وجل ) ( صحيح الجامع 1548 ) 0(1/91)
3)- عن عم خارجة بن الصلت التميمي - رضي الله عنه - : أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، ثم أقبل راجعا من عنده ، فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد ، فقال أهله : إنا حدثنا أن صاحبكم هذا ، قد جاء بخير ، فهل عندك شيء تداويه ؟ فرقيته بفاتحة الكتاب ، فبرأ ، فأعطوني مائة شاة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : " هل إلا هذا " وقال مسدد في موضع آخر : ( هل قلت غير هذا ) ؟ قلت : لا ! قال : ( خذها ، فلعمري لمن أكل برقية باطل ، لقد أكلت برقية حق ) ( السلسلة الصحيحة 2027 ) 0
والأدلة من الأحاديث آنفة الذكر ظاهرة في جواز أخذ الأجرة على الرقية وشاهد ذلك ما يلي :
* قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد : ( قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما ) 0
* وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ( عز وجل ) ) 0
* وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث خارجة : ( كل فلعمري من أكل برقية باطل ، لقد أكلت برقية حق ) 0
حيث أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على ما أخذوه من الأجر مقابل رقيتهم 0
مسألة : هل المعطى من الأجرة على الرقية من باب الإجارة أم الجعالة ؟
يقول الدكتور فهد بن ضويان السحيمي عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، في منظومته العلمية لنيل درجة الماجستير :
( قلت : قد يكون المعطى من الأجر على الرقية من باب الإجارة وقد يكون من باب الجعالة وتفصيل ذلك كما يلي :
لو قال المريض للراقي ارقني بمبلغ كذا والاتفاق بينهما على القراءة فقط سواء شفي المريض أم لم يشف فهذا من باب الإجارة ، لأن الإجارة لا بد فيها من مدة أو عمل معلوم ، وهذا الاتفاق على عمل معلوم ألا وهو القراءة فقط 0(1/92)
أما إن اشترط المريض الشفاء فقال للراقي لك مبلغ وقدره كذا إن شفيت ، فهذا من باب الجعالة لأنها تجوز على عمل مجهول والشفاء أمر مجهول ) ( أحكام الرقى والتمائم – ص 79 ) 0
قال ابن قدامة : ( قال ابن أبي موسى : لا بأس بمشارطة الطبيب على البرء لأن أبا سعيد حين رقى الرجل شارطه على البرء ) ( المغني - 5 / 541 ) 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إذا جعل الطبيب جعلا على شفاء المريض جاز ، كما أخذ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين جعل لهم قطيع على شفاء سيد الحي ، فرقاه بعضهم حتى برأ ، فأخذوا القطيع ، فإن الجعل على الشفاء لا على القراءة ، ولو استأجر طبيبا إجارة لازمة على الشفاء لم يجز لأن الشفاء غير مقدور له فقد يشفيه الله وقد لا يشفيه فهذا ونحوه مما تجوز فيه الجعالة دون الإجارة اللازمة ) ( مجموع الفتاوى - 20 / 507 ) 0
وقد خالف ابن أبي زيد القيرواني المالكي في هذه المسألة حيث قال : ( لا يجوز الجعل على إخراج الجان من الإنسان لأنه لا يعرف حقيقته ولا يوقف عليه وكذا الجعل على حل المربوط والمسحور ) ( نقلا عن كتاب الشرك ومظاهره للميلي – ص 169 ) 0
وقد أجاب على ذلك الميلي حيث قال : ( إخراج الجن من الإنسان وحل المربوط والمسحور إن كان بما هو مشروع فالجهل بحقيقة الإصابة وعدم الوقوف عليها لا يضر لأن الجعل على الشفاء وذلك يوقف على حقيقته ويعرف هل شفي المريض أو لا والجعالة جائزة على ذلك 0
إلا إذا أراد ابن أبي زيد شفاء مطلقا بحيث لا يعود الجن للمريض ولا العقد إلى المربوط ، ولا السحر إلى المسحور فهذا نعم لا يوقف على حقيقته ، ولا يمكن القول به ، ولا يستطيع أحد أن يضمن ذلك مطلقا والمتعارف عليه في حصول الشفاء الذي يستحق به الجعل هو حصوله في ذلك الوقت ) ( الشرك ومظاهره – ص 170 ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن جواز أخذ الأجرة على الرقية الشرعية من الكتاب والسنة دون طلب أجر أو اشتراط ؟(1/93)
فأجاب – حفظه الله - : ( لا مانع من أخذ الأجرة على الرقية الشرعية بشرط البراءة من المرض وزوال أثره ، والدليل على ذلك حديث أبي سعيد أن بعض الصحابة نزلوا بقوم فلم يقروهم ، فلدغ سيد القوم فسعوا له بكل شيء ولا يغني عنه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء النازلين فأتوهم ، فقال بعضهم : والله إني لأرقي ولكن قد نزلنا بكم فلم تقرونا ، فما أنا بقارئ إلا بشيء ، فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فجعل يتفل عليه ويقرأ " الحمد لله رب العالمين " فقام وكأنما نشط من عقال ، فأوفوا لهم جعلهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اقسموا واضربوا لي معكم سهماً " 0 فأقرهم على الاشتراط وأسهموا له ليدل على إباحته ، ولكن بشرط أن يرقي رقية شرعية ، فإن كانت غير شرعية فلا تجوز ، ولا يشترط إلا بعد السلامة من المرض وزواله ، والأولى بالقراء عدم الاشتراط ، وأن تكون الرقية لتنفع المسلمين وإزالة الضرر والمرض ، فإن دفعوا له شيئاً بدون اشتراط أخذه دون أن يكون هو قصده ، وإن دفعوا له شيئاً أكثر مما يستحق رد الزائد إليهم ، وإن اشترط فلا يشدد في الاشتراط بل بقدر الحاجة الضرورية ، والله أعلم ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ) 0
قلت : والظاهر من الأحاديث النبوية الشريفة وأقوال أهل العلم هو جواز أخذ الأجرة على الرقية ، وأن ذلك قد يكون من باب الإجارة إن لم يشترط الشفاء ومن باب الجعالة إذا اشترط الشفاء لأن ذلك مجهول وهو مما تجوز فيه الجعالة لا الإجارة 0
أما التوسع في هذا المجال على نحو ما نراه أو نسمعه اليوم فهو عين الظلم وأكل مال بغير حق وهو من السحت الذي حرمه الله ، والله تعالى أعلم 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0(1/94)