بسم الله الرحمن الرحيم
التفاتة إلى أذية الجار
بأنها كبيرة من الكبائر
الأمة الفقيرة لعفو ربها
أم الليث
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
الحمد لله الذي أمرنا بالبرّ و الإحسان ، و جعل الإحسان إلى الجار من الإيمان ، أحمده سبحانه الذي جعل القيام بحق الجار من كمال الإيمان ، و أشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله ، أما بعد :
فإنّ أذيّة الجار كبيرة من الكبائر لا يلتفت إليها أكثر أهل زماننا و لا يرون الإحسان إلى الجار وصلته لازمة لزوم الدين يؤذون جيرانهم بشتى الأذيات و كأنهم لا يعتقدون أنّ الإحسان إليهم من الواجبات ،ولقد وصى جبريل عليه السلام بعدم أذيته ، و نسوا أنّ للجار حقوقا عليهم ، و لقد توعّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤذي جاره بالوعيد الشديد فرأيت أن أجمع بعض النصوص الدّالة على تحريم و تبيين شناعة أذية الجار لينتبه الغافل و يتذكر الحازم
و الله الموفّق لما يكون صوابا
الأمة الفقيرة لعفو ربها
أم الليث
بسم الله الرحمن الرحيم
1- حد الجوار :
قال الشيخ العثيمين (1): "الجار هو الملاصق لك في بيتك و القريب من ذلك و قد وردت بعض الآثار بما يدل على أن الجار أربعون دارا من كل جانب –(كما ذكر ابن حجر في "الفتح" عن عائشة و الأوزاعي و كما أخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن الحسن و ذكر ابن رجب (2) أنه قيل مستدار أربعين دارا من كل جانب")- و لا شكّ أن الملاصق للبيت جار و أما ما وراء ذلك فإن صحّت الأخبار بذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -فالحق ما جاءت به و إلا فإنه يرجع في ذلك إلى العرف فما عدّه الناس جوارا فهو جوار"
2-الوصايا بالجار :
__________
(1) في شرح رياض الصالحين
(2) جامع العلوم و الحكم(1/1)
لقد قرن الله تبارك و تعالى بين حقه و بين حقوق العباد التي منها حق الجار و هذا فيه بيان أهميته و عظم حق الجار: قال تبارك و تعالى :{واعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا و بذي القربى و اليتامى و المساكين و الجار ذي القربى و الجار الجنب و الصاحب بالجنب}(1)
-الجار ذي القربى : قال ابن عباس : الذي بينك و بينه قرابة ، و إلى هذا مال الحافظ ابن حجر ...
-الجار الجنب :قال ابن عباس : الذي ليس بينك و بينه قرابة
-الصاحب بالجنب: قال ابن مسعود: هي المرأة و قال ابن عباس: رفيق السفر
و عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" (2) أي : سينزل الوحي بتوريثه
3-مراتب الجيران :
1) الجار المسلم ذو الرحم : فهذا له حق الجوار و الإسلام و القرابة
2) الجار المسلم : فهذا له حق الجوار و الإسلام
3)الجار الغير مسلم : و هذا له حق الجوار و ذلك لعموم النصوص بحيث يشمل الجار المسلم و غيره ، و لقد ثبت عن عبد الله بن عمر أنه ذبح شاة فأمر أن يرسل إلى جاره اليهودي
4-حق الجار :
حقوق الجار في الإسلام ترجع إلى أربعة أصول :(3)
1) كف الأذى عنه
2) حمايته
3) الإحسان إليه
4) مقابلة جفاءه(أي : خشونته) بالحلم و الصفح
5-حسن الجوار و مفهوم الإحسان إلى الجار :
قال أبو البركات بدر الدين محمد الغزي (4) :"من آداب العشرة حسن الجوار و أن يأمنك جارك في أسبابه في نفسه و دينه و ماله وولده و لا تؤذيه بلسانك أيضا و لا تحسده في شيء من أحواله و أشفق عليه و على أهله وولده كشفقتك على نفسك و أهلك واحفظ ماله كحفظك مالك"
__________
(1) سورة النساء
(2) البخاري و مسلم
(3) تربية الأولاد في الإسلام
(4) آداب العشرة و ذكر الصحبة و الأخوة(1/2)
فالإحسان إلى الجار هو أن يقوم الإنسان بإيصال ضروب الإحسان إلى جاره بحسب الطاقة كالهدية و السلام و طلاقة الوجه عند اللقاء و تفقد حاله و معاونته فيما يحتاج إليه … إلى غير ذلك و كف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية ، و من الإحسان إلى الجار بذل ما يطلبه من نحو النار و الملح و إعارة ما اعتاد الناس استعارته من أمتعته البيت و حاجات المنزل … إلخ
و لقد حثّ نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -على الإحسان إلى الجار و حسن الجوار ، فعن عبد الرحمن بن أبي قراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم -توضأ يوما فجعل أصحابه يتمسحون بوضوئه فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -:"ما يحملكم على هذا؟" قالوا : حب الله و رسوله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" من سرّه أن يحبّ الله و رسوله أو يحبه الله و رسوله فليصدق حديثه إذا حدث و ليؤد أمانته إذا ائتمن و ليحسن جوار من يجاوره" (1)
6-أولى الناس بالإحسان الأقرب فالأقرب:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله ، إنّ لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال :"إلى أقربهما منك بابا" (2) و قوله "أقربهما" أي : أشدهما قربا
قال الصنعاني(3):" والحكمة فيه أن الأقرب بابا يرى ما يدخل بيت جاره من هدية و غيرهما و لذلك بوّب البخاري رحمه الله في "صحيحه" قال :" باب حق الجوار في قرب الأبواب و هذا من عمق فهمه للنصوص"
7- خير الجيران عند الله:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال :" خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه و خير الجيران عند الله خيرهم لجاره"(4)
8-تزكية الجيران و ذمهم يعتد بهما :
__________
(1) حسنه الألباني في المشكاة
(2) البخاري و الصحيحة 103
(3) سبل السلام
(4) صححه الألباني في المشكاة(1/3)
عن ابن مسعود قال : قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله ، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو إذا أسأت ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"جيرانك يقولون قد أحسنت فقد أحسنت و إذا سمعتهم يقولون أسأت فقد أسأت"(1)
9-سنة أعرض عنها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال :"لا يمنعنّ أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره(2) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه :"ما لي أراكم عنها معرضين و الله لأرمينّ بها بين أكتافكم"
قال النووي (3) : و قوله :"ما لي أراكم عنها معرضين " يعني : عن هذه السنة … و إلى هنا يتبيّن إلى أيّ مدى يكون حق الجار علينا فإذا أراد الجار أن يغرز خشبة في جدار جاره له ذلك لأننا نهينا عن منعه لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"و ما نهيتم عنه فانتهوا" ، و نهينا أيضا عن بيع بيوتنا حتى نعرضها على الجار ، فعن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" من كان له جار في حائط أو شريك فلا يبعه حتى يعرضه عليه"(4)
10-الأمر بتعهّد الجيران :
عن أبي ذر قال:" أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم -إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه ثم أنظر إلى أهل بيت جيرانك فأصبهم منها بمعروف(5) وفي رواية:"يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر مائها و تعاهد جيرانك (6)
11- تخاصم الجيران يوم القيامة :
عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال :" أول خصمين يوم القيامة جاران" (7) ، و عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال :" كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة فيقول: يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه (8)" و في رواية :"كم من جار متعلق بجاره يقول : يا رب سل هذا لم أغلق بابه و منعني فضله"(9)
__________
(1) صححه الألباني في المشكاة
(2) رواه الشيخان
(3) رياض الصالحين
(4) صححه الحاكم
(5) رواه مسلم
(6) رواه مسلم
(7) المشكاة
(8) حسن لغيره
(9) السلسلة الصحيحة 2646(1/4)
و منه أن الجيران يتخاصمون يوم القيامة ليأخذ كل ذي حق حقه
12- أذية الجار من أعظم الذنوب :
فالأذى بغير حق محرّم لكل أحد و لكن في حق الجار أشدّ تحريما ، فعن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل أي الذنب أعظم ؟ قال :"أن تجعل لله ندا و هو خلقك " قيل : ثم أي؟ قال :"أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قيل : ثم أي؟ قال :" أن تزاني حليلة جارك " (1) و عن المقداد بن الأسود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما تقولون في الزنا:" قالوا : حرام حرمه الله و رسوله فهو إلى القيامة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره" قال :"فما تقولون في السرقة؟" قالوا : حرام حرمها الله و رسوله فهي حرام ، قال :"لأن يسرق الرجل من عشرة بيوت أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره" ((2)
و من هنا يتبيّن غلظة حرمة أذى الجار ، فالزنا من الفواحش التي حرمها ربنا تبارك و تعالى ووضع التشريعات الرادعة لمرتكبيها و لكن الزنا بحليلة الجار أشد حرمة و فحشا و جرما و كذلك السرقة … فذنب الاعتداء على الجار مضاعف
13- الترهيب من الدخول إلى النار :
عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله إن فلانة تصلي بالليل و تصوم بالنهار و في لسانها شيء ، تؤذي جيرانها ، سليطة اللسان ، قال :"لا خير فيها ، هي في النار" ، و قيل له : إن فلانة تصلي المكتوبة و تصوم رمضان و تتصدق بالأثوار من الإقط (أي: اللبن المجفف) و ليس لها شيء غيره و لا تؤذي أحدا قال :" هي في الجنة ..(3)
ففيه أن أذى الجار محبط للعمل و أنه لا خير في المؤذي لجيرانه و فيه أنه اقتصاد في العمل مع عدم الأذية أفضل بكثير من الإكثار بالنوافل مع أذية الجيران
14- لعنة الله على المؤذي لجاره:
__________
(1) الشيخان
(2) صحيح الجامع
(3) سنده صحيح رواه أحمد وابن حبان(1/5)
عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -فشكا إليه جارا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - –ثلاث مرات- "اصبر" ثم قال في الرابعة أو –الثالثة- :"اطرح متاعك في الطريق" ففعل ، فجعل الناس يمرون به و يقولون : ما لك؟ فيقول: آذاه جاره فجعلوا يقولون : لعنه الله ، فجاءه جاره فقال : ردّ متاعك لا و الله لا أؤذيك أبدا (1) و في رواية أبي جحيفة "فجعل الناس يمرون به فيلعنونه فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ما لقيت من الناس ، قال":و ما لقيت منهم ؟" قال : يلعنونني ، قال": فقد لعنك الله قبل الناس " قال : يا رسول الله فإني لا أعود (2) ……
ففيه أن الله يلعن المؤذي لجيرانه
15- نفي الإيمان عمّن يؤذي جاره و لا يحسن إليه :
عن أبي شريح أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال :"و الله لا يؤمن ، و الله لا يؤمن ،و الله لا يؤمن " قيل : ...
من يا رسول الله ؟ قال :"الذي لا يأمن جاره بوائقه" (3) ، (البوائق : الغوائل و الشرور) ...
و لقد بوّب البخاري لهذا الحديث "باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه"(قال ابن بطال : في الحديث تأكيد حق الجار لقسمه - صلى الله عليه وسلم -على ذلك و تكريره اليمين ثلاث مرات
و فيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل و مراده الإيمان الكامل لا شك أن العاصي غير كامل الإيمان (4)
و عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذ جاره و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم ضيفه ، و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"(5): و في رواية :"فليحسن إلى جاره" (6)
و منه من كان حقا يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذ جاره و ليحسن إليه و ليكرمه
__________
(1) أبو داود و البخاري في "الأدب المفرد"
(2) الحاكم
(3) الشيخان
(4) فتح الباري كتاب الأدب
(5) الشيخان
(6) السلسلة الصحيحة 149(1/6)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المؤمن الذي يشبع و جاره جائع إلى جنبه" (1) و في رواية :"ما آمن من بات شبعان و جاره طاويا"(2)
قال الشيخ الألباني ": و في الحديث دليل واضح على أنه يحرم على الجار الغني أن يدع جيرانه جائعين فيجب عليه أن يقدم إليهم ما يدفعون به الجوع و كذلك ما يكتسون به إن كانوا عراة و نحو ذلك من الضروريات ففي الحديث إشارة إلى أن في المال حقا سوى الزكاة" (3)
و عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه قال :" و الذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه"(4) قال الصنعاني : " و الحديث دليل على عظم حق الجار و الأخ و فيه نفي الإيمان عمن لا يحب لجاره ما يحب لنفسه و تأوله العلماء بأن المراد منه نفي الإيمان و أطلق المحبوب و لم يعين و رواية الجارعامة للمسلم و الكافر والفاسق و الصديق و العدو و القريب و الأجنبي و الأقرب جوارا و الأبعد … فإن كان الجار أخا أحب له ما يحب لنفسه و إن كان كافرا أحب له الدخول في الإيمان مع ما يحب لنفسه من المنافع بشرط الإيمان "
و منه أقول :
من الكبائر أذى الجيران اعلم هذا مع التبيان
فالآية المذكورة في القرآن و الأحاديث زادت في البيان
فاحذر أخي أذى الجيران فمؤذي الجار في لعنة الرحمن
وأوجب حقا غضب الديان فاستحق بذلك العذاب بالنيران
ويخشى أن لا يدخل الجنان و يقال عنه أنه عديم الإيمان
خاب حقا فيا له من خسران أن كان في سخط الديان
اللهم يا حنان يا منان يسّر لنا العمل بالوصية يا رحمن
في عدم أذية الجيران وتأدية حقوقهم بالإكرام والإحسان
الخاتمة :
و ختاما ، لقد انقلبت الموازين.....
وأصبح أذى الجار هو المألوف....
يؤذى الجار بشتى الأنواع .....
فلا تعهد للجيران......
ولا إحسان إليهم إلا ما ندر …
__________
(1) السلسلة الصحيحة149
(2) مسلم
(3) الصحيحة 149
(4) سبل السلام الجزء 4 – الحديث 5-1374(1/7)
فنصيحتي أن نرجع لديننا الحنيف
فإنه يأمرنا بإكرام الجار و الإحسان إليه ،
وعلينا أن نكوّن مجتمعا ربانيا ..
فما زال جبريل يوصي بالجار حتى ظنّ نبينا - صلى الله عليه وسلم -أنه سيورّثه
...فهل نحن عاملون بالوصية؟؟؟؟؟
المراجع :
1- آداب العشرة و ذكر الصحبة و الأخوة لأبي البركات محمد الغزي بتحقيق مشهور حسن محمود سلمان
2- تربية الأولاد في الإسلام لعبد الله ناصح علوان
3- جامع العلوم و الحكم لابن رجب
4- حقوق الجار في صحيح السنة و الآثار لعلي حسن عبد الحميد
5-خطب القرعاوي للقرعاوي
6-رياض الصالحين للنووي تحقيق الألباني
7-سبل السلام للصنعاني
8- سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني
9- شرح رياض الصالحين للعثيمين
10- فتح الباري المجلد 10 باب الأدب
11- قواعد و فوائد من الأربعين النووية لناظم محمد سلطان
12- مشكاة المصابيح للتبريزي بتحقيق الألباني
13-منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري
أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم
الأمة الفقيرة لعفو ربها
أم الليث(1/8)