الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
حرية التعبير عن الرأي
مفهومها ، حدودها ، وضوابطها
في الشريعة الإسلامية
إعداد
د. محمود احمد غازي
كلية الدراسات الإسلامية
مؤسسة قطر- الدوحة
... إن الحديث عن الحرية بأنواعها المختلفة وشعبها المتنوعة ومجالاتها المتزايدة أصبح من أهم القضايا الفكرية التي يعتني بها أهل العلم والفكر في الشرق وفى الغرب منذ قرنين فائتين . وعلى الرغم من كون فكرة الحرية فكرة ً قديمة ، حيث عالجها الفلاسفة الإغريق منذ عهد ما قبل أفلاطون وأرسطوطاليس ، وبحث فيه فقهاء الرومان وتلاهم العلماء المسيحيون وفى مقدمتهم القديس توما الأكيني، ولكن الاهتمام بالموضوع أصبح كبيراً ومتزايداً منذ أن قرر العالم الغربي فصل الدين عن الدولة واتخذ العلمانية ديناً له وشريعة لحياته الاجتماعية والسياسية . عندئذ شعر العلماء الغربيون بحاجتهم الشديدة إلى مبررات فكرية وعلمية تمكنهم من التحرر الكامل من سيطرة الدين في حياتهم الفردية والجماعية. فواصلوا في البحث عن هذه المبررات، وفسروا مجموعة من المصطلحات والتصورات والنظريات القانونية والسياسية تفسيرا يتناغم مع الفكر العلماني، حتى أصبحت كلمة الحرية عند كثير من الكتاب الغربيين مترادفة للتحرر من سلطان الكنيسة على أمور الدولة وتأثير تعاليم الدين في تشريعات القضاء وأنظمة المجتمع.(1/1)
... ففي القرون التي تبعت ظهور فكرة القوميات الوطنية ( التي كانت عبارة عن ثورة أوربا ضد سلطان الكنيسة) انتشرت عقائد ونظريات وفلسفات تبرر كل أنواع الابتعاد عن المثل الدينية والقيم الروحية واعتبارها أنواعا من العوائق في سبيل تحقيق معاني الحرية. وتسرب هذا الفكر العلماني إلى النظريات القانونية والسياسية والأفكار الفلسفية ما يجعل الغربيين المعاصرين لا يفسرون مصطلح الحرية إلا إذا كان عبارة عن التحرر عن سلطان القيم الدينية والمثل الأخلاقية. فكان لتطور فكرة الحريات والحقوق دور كبير في تعميق النظرية العلمانية وترسيخها في قلوب الناس وعقلياتهم. وفى نفس الوقت أدى رسوخ الفكر العلماني إلى إصباغ مبدأ الحرية بصبغة التحرر عن الأخلاق والقواعد الدينية. ولذلك يجب علينا نحن المسلمين أن نأخذ كل ما في وسعنا من وسائل الحذر وأسباب الحيطة في استخدام مصطلح الحرية، لنضمن الاجتناب عن التأثر بالاتجاه الغربي الذي يعطي هذا المصطلح معنى لن يرضاه مسلم ملتزم بدينه وشريعته.
... لا شك إن لقضية الحريات والحقوق مكانة هامة في الفكر المعاصر. فما من علم من العلوم الاجتماعية والإنسانية إلا ويعنى بقضية الحقوق والحريات. بل ليس هناك مجال من مجالات المعرفة المعاصرة الذي لا يعتني بموضوع الحقوق والحريات. فالاقتصاد والحياة الاقتصادية تحتاج إلى اتخاذ موقف عن الحريات الإنسانية بصفة عامة وعن الحرية الاقتصادية بصفة خاصة. ويمكن أن نقول أنه لا يمكن وضع سياسة اقتصادية لدولة من الدول بدون تحديد موقفها عن مدى الحرية الاقتصادية وعن قواعدها وشروطها ومجالاتها المتاحة للمواطنين. وكذلك أصبحت قضية الحقوق والحريات من أكبر قضايا الفكر السياسي والقانون الدستوري وقانون العلاقات الدولية، كما أصبحت من أهم قضايا الفكر الفلسفي والإنساني في عالمنا المعاصر.(1/2)
... فلابد أن نفرق في بداية الحديث بين الحرية كمفهوم إسلامي وبين الحرية كمفهوم غربي المحتوى وفرنسي المولد، المفهوم الذي ظهر كنعرة ثورية خلال الثورة الفرنسية في العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر. وكانت هذه النعرة - كما أثبتت الأحداث التي تلت الثورة - وسيلة لتحشيد جماهير الناس تحت راية الثوريين ولاستغلال عواطف الشعوب الغربية للتحرر عن سلطان تعاليم الدين المسيحي . وانخدع بهذه النعرة كثير من الناس، بما فيهم عدد من المسلمين المثقفين بالثقافة الغربية. وانجذب إلى هذه النعرة الخلابة إخواننا من زعماء حزب الاتحاد والترقي في الدولة العثمانية الذين اختاروا هذه النعرات الثلاث – الحرية، الإخاء، المساواة – بمحتوياتها ومعانيها ونواياها الفرنسية. وقام عدد من الكتاب اليهود والأدباء الماسونيين والصحفيين من أعداء دولة الخلافة بنشر آراء ونظريات علمانية في دولة الخلافة. واستغلوا نعرة الحرية الدينية وحرية الاعتقاد لإضعاف العالم الإسلامى ولتشتيت الدولة العثمانية. وانخدع بها وبالدعاية الغربية الاستعمارية المغرضة عدد من قادة العرب والعجم من المسلمين الذي ساهموا في تحقيق مآرب الاستعمار.(1/3)
... إن قضية الحرية، كما أشرنا، قضية فكرية وفلسفية في أصلها، ولها جذور في تاريخ الغرب عامة، وفى الصراع الطويل بين القوى الوطنية وبين الكنيسة خاصة. ولا يمكن فهم تصوّر الحرية في الفكر الغربي إلا بدراسة هذا الصراع وأسبابه الدينية و أبعاده الفكرية. والجدير بالذكر هنا أن العالم الغربي، منذ بداية عصر الاستعمار، لم يعترف بحق العالم الإسلامى في ممارسة هذه الحرية التي يدعيها لنفسه. بل وضع نظرية الضرورة للتعامل مع الشرقيين. وأخذت هاتان الفكرتان- الحرية والضرورة- حيزا هاما في الفكر الفلسفي والاجتماعي والسياسي خلال التاريخ الفكري الغربي الطويل. وظهرت في العالم الغربي نظريات فلسفية تبرر التعامل مع أهل الشرق على أساس نظرة الضرورة. واستولت على الإغريق والرومان نظرية الضرورة في التعامل مع غير الإغريق وغير الرومان.
... ونرى حتى الآن آثار هذه النظرية تظهر من حين لآخر في سياسة العالم الغربي نحو العالم الإسلامى. فالحرية واعتباراتها والحقوق ومراعاتها توضع في جانب، ويؤخذ بنظرية الضرورة السياسية في المعاملات التي تقع بين العالم الغربي والعالم الإسلامى. ومازال الأباطرة والملوك يستغلون هذه النظرية منذ قرون طويلة.(1)
أنواع الحرية في الفكر الغربي ...
يقسم الفكر الغربي الحرية إلى قسمين كبيرين:
1- الحرية الايجابية
2- الحرية السلبية(1/4)
... أما الحرية السلبية فهي تعنى بالمجال الذي يجب أن يترك فيه الفرد حرّا طليقا يمارس حريته، ويفعل ما يريد دون أن يتدخل في ممارسة هذه الحرية أحد، كائنا من كان ومهما كانت صفته. وهى عبارة عن عدم تدخل الآخرين في ممارسة هذه الحرية من قبل الأفراد، سواء كان هذا التدخل باسم الدين، أو باسم القيم الأخلاقية، أو باسم المثل الحضارية. وهى لا تعنى في التصور الغربي إلا ان يتمتع الفرد باتخاذ كل قرار يراه مناسبا له ولمصلحته الخاصة وأن لا يكون للوالدين، أو للأساتذة أو للمجتمع أي دور في توجيه قراره وحجته مناسبة. وكلما اتسع مجال عدم التدخل اتسع مجال الحرية وكبر نطاقها.(2)
... ولكن اختلف دعاة هذه الحرية في مابينهم حول مدى وسعة المجال الذي يتمتع فيه الفرد بهذه الحرية – وذلك لان الغايات البشرية ونشاطات الإنسان لا ينسجم بعضها مع بعض انسجاماً تلقائياً. فلا بد أن تكون هناك قيود وحدود لا يتعداها الممارس لحريته. ثم اختلف أصحاب هذه النظرية اختلافاً كبيراً في نوعية هذه الحدود وأين توضع ومن الذي يضعها وعلى أي أساس يضعها.
... ثم هناك أهداف أخرى وقيم أخرى ليست بأقل أهمية من الحرية. فيجب أن لا تطغى الحرية على المثل الأخرى وأن لا تتدخل في حدودها. فالعدل له حدود يجب أن يحافظ عليها. والسعادة قيمة من القيم يجب تحقيقها والمحافظة على حدودها. وكذلك الثقافة والأمن والسلام كلها تعمل في حدودها. فإذا طغت هذه القيم بعضها على بعض ضاعت كل القيم وكل الحريات. هذا يدل على أن القائلين بالحرية لا يقولون بالحرية المطلقة بل يعترفون بأهمية وضع الحدود والقيود على ممارستها.(1/5)
... ثم أن هناك أمر آخر ذو أهمية بالغة. وهو أن الحرية بمعناها السلبي ليس لها مدلول موضوعي في الواقع. إذ أن حرية الحياة لا تحقق للإنسان ضرورات الحياة من مأكل وملبس وعلاج. بل تكتفي بمنع قتله إن كان حياً. وحرية الفكر لا توفر للإنسان أسباب العلم والمعرفة، ولكن تعني أن أحدا لا يمنعه من أن يفكر كما يشاء. وحرية العمل لا توفر له العمل الذي يريده ويتفق مع كفاءاته. ولكن تعني أن أحداً لا يسخره دون أجر. وكذلك الحرية السياسية، فإنها لا تعني إلا أن يعبر أحد عن رأيه ويمارس حريته في التصويت لمن يريده، وهذه الحرية بنفسها لا توفر لها مكانة سياسية أو منصباً حكومياً.(3)
... تنقسم هذه الحريات إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول تشتمل على الحريات التي تتعلق بالمصالح المادية للإنسان، وهي تحتوي على الحرية الشخصية وحرية المسكن وحرية التملك وحرية العمل وحرية النشاط الاقتصادي والمهني. والنوع الثاني عبارة عن الحريات التي تتعلق بالمصالح المعنوية للإنسان، وهي حرية العقيدة وحرية الفكر وحرية العلم والتعليم وحرية التعبير عن الرأي وحرية الاجتماع وحرية تكوين الجمعيات والمؤسسات. وأما النوع الثالث فهو عبارة عن الحريات السياسية، وهي حرية الترشيح وحرية التصويت وحرية الانتخاب وحرية تكوين الأحزاب السياسية وحرية النقد والمعارضة.(4) لاشك أن هذه الحريات التي ذكرت تحت هذه العناوين مضمونة للناس في الشريعة الإسلامية. وليس هناك نظام من النظم القديمة والحديثة عالج هذه الحريات (أو الحقوق والواجبات) بهذه الدقة والعمق والتوازن التي نراها في أحكام الشريعة الإسلامية.(1/6)
أما النوع الاخر من مفهوم الحرية – وهو المسمى بالنوع الايجابي- فهو عبارة عن تحديد السلطة التي تحدد حريات الفرد. ومصدر سيطرتها، ومدى حقها في التدخل في حرية الآخرين. والحق يقال ان الشريعة الإسلامية تفوق كل الأنظمة في تحديد هذه السلطة ومصدر صلاحيتها وحدود عملها في تقييد حرية الآخرين.
إن الأنظمة الغربية تمنح هذا الحق لجماعة المشرعين أو المقننين من أصحاب النفوذ والسلطة. وإن هم إلا بشر مثل عامة الناس. ولهم مصالح مثل مصالح الآخرين. ولهم أهواء وشهوات مثل الآخرين. فلا يمكن أن يضعوا قيوداً عادلة وحدوداً موضوعية بكل معنى الكلمة. وتدل أنظمة الحكم قديماً وحديثاً على أن هذه الحدود والقيود خدمت مصالح الحكام وأصحاب النفوذ بدل أن تنظم حقوق الناس وحريات تخدم الأفراد. وليست حالة الدساتير المعاصرة مختلفة عن ما سبق. كل هذه الدساتير من وضع طائفة محدودة من البشر. مهما طابت أنفسهم وصفت نواياهم وخلصت مقاصدهم. ولكنهم بشر ومتصفون بكل ما يتصف به البشر من حب الخير والمال والسعي وراء المصالح الفردية والشهوات المادية والشهرة والبخل وحب الاستيلاء.
أما الشريعة الإسلامية فهي نظام إلهي المصدر، ديني المبدأ، أخلاقي النزعة، إنساني الاتجاه، عالمي الهدف، شمولي الطبع. وليس من وضع مجموعة من البشر. بل هو وحي من الله العلي القدير المدون في الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ولم تسمح هذه الشريعة لأي انسان أن يعدّل قواعدها ويغير أسسها ويضيف إليها ما ليس منها، ويخرج منها ما كان منها. هذا النظام هو الذي يقدر على أن يضمن التوازن والاعتدال وعدم اعتداء مجموعة من البشر على المجموعات الأخرى وعدم طغيان مصلحة على أخرى.(5)(1/7)
إن علماء الإسلام قديما وحديثا عالجوا قضية الحرية البشرية وحقوق العباد منذ بداية ظهور العلوم والمعارف الإسلامية وتدوين العلوم الشرعية والفقهية والاجتماعية في المجتمع الإسلامى. ولكن كان منطلق المتقدمين من علماء الإسلام في مباحثهم عن قضية الحقوق والحريات هي تعاليم الشريعة الغراء. فبحثوا فيها في ضوء ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام واجتهادات صحابته والذين اتبعوهم بالإحسان. فقسموا الحقوق إلى قسمين: قسم غلب فيه حق الخالق وحق المجتمع، فسمي بحقوق الله، وقسم من الحقوق غلب فيها حق الأفراد فسميت بحقوق العباد، وبحثوا في تفاصيلها ودونوا أحكامها باجتهاداتهم المستمدة من نصوص الشريعة الغراء. وترك لنا أسلافنا المتقدمون ثروة علمية لا يوجد لها نظير في سعة آفاقها وعمق أبعادها وتشعب مسائلها وكثرة فروعها وجزئياتها. ولكن هذه المباحث والمناقشات كلها بدأت ودونت في بيئة علمية وخلفية فكرية تختلف تماما عن البيئة العلمية والخلفية الفكرية التي نشئت في العالم الغربي من جراء ثورة الملوك والحكام الغربيين على سيطرة الكنيسة وقيامهم ضد الحكومة الكاثوليكية.(1/8)
... وسرعان ما جاء الاستعمار الغربي واكتسح العالم الإسلامى من أقصاه إلى أقصاه. فسيطرت القوى الغربية المختلفة على مناطق واسعة من بلاد الإسلام العريقة. وتأثر عدد كبير من أهل العلم والفكر من العلوم والمعارف الغربية. وكان من بين المسلمين مجموعات من أهل العلم نهلت من منابع الغرب الفكرية وعلّت، وتأثرت بتطور الغرب الحضاري واندهشت بقوته العسكرية ومظاهر التفوق المادي وثمرات النهضة الاقتصادية. فنادى هؤلاء المندهشون أبناء ملتهم إلى اتخاذ الثقافة الغربية والتصبغ بالصبغة الأوربية في مظاهر الحياة. ولكن العجب كل العجب أن الذين تأثروا بالثقافة الغربية واندهشوا بتطوره المادي في الغرب لم يحاولوا ان يدرسوا أسباب هذا التطور المادي ، أو أن يطلعوا على وسائل النهضة الاقتصادية في بلاد أوربا، أو أن يتعلموا من الغرب شيئا من هذه الفنون والصنائع المادية. ولكنهم تهافتوا على الفكر الغربي والآداب الغربية التي ظهرت في هذه البيئة العلمانية، وتشربت بروح الثورة على الديانة والأخلاق. فبدأ كثير منهم يرددون ما كتبه الغربيون من نظريات فلسفية ومباحث فكرية ومبادئ قانونية وتشريعية دون أن يدركوا مدى معارضتها للفكر الإسلامي وتناقضها مع أحكام الشريعة الإسلامية(6). فبدأ كثير منهم يستخدمون المصطلحات القانونية والدستورية والتشريعية في المعاني التي تحملها أمثال هذه المصطلحات في العالم الغربي. وبما أنهم كانوا في كثير من الأحوال من أصحاب النفوذ والسلطة في البلاد الإسلامية فكان لآرائهم الشخصية وفهمهم الخاص دويّ في العالم الإسلامي وتأثير في البلاد الإسلامية وبين الأجيال المسلمة من الشباب وغيرهم.(1/9)
من هنا نرى في العالم الإسلامى المعاصر أن كلمات الحرية وحرية العقيدة وحرية التعبير، وحقوق الإنسان وغيرها من المصطلحات يستخدمها كثير من المسلمين في معان ومفاهيم تختلف عن المعاني والمفاهيم التي كانت هذه المصطلحات تحمل في العصور الإسلامية القديمة. فمنا من يستخدم مصطلح حرية التعبير ويفهم منه ما يفهمه الصحفي الدنمركي الذي لم ير بأسا في وضع رسوم النبي عليه الصلاة والسلام، وأصر على أن محاولته الخبيثة ليست إلا ممارسة لحرية التعبير. ومنا من يستخدم هذا المصطلح في معان ومفاهيم مأخوذة ومستمدة من نصوص الشريعة واجتهادات الفقهاء والمفكرين المسلمين. ومنا من يردد هذه المصطلحات دون أن يكون أمامه تصور واضح للمفاهيم التي يريد أن يحّملها المصطلح.
فينبغي أن نقرر من البداية أننا في هذا الحديث لا نستخدم مصطلح حرية التعبير في مفهومه الغربي. بل نستخدمه في مفهومه الإسلامى وفى معانيه وأبعاده الشرعية والفكرية المستمدة من كتابات فقهاء الإسلام والمفكرين المسلمين. وسوف نشير إلى جوانب مشتركة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي في ما يتعلق بشرح هذا المصطلح وحدود ممارسته في ضوء الشريعة الإسلامية وضوابطه كما فهمها ودونها علمائنا المتقدمون.
فكرة الحقوق والحريات عند علماء المسلمين(1/10)
... ان علماء الإسلام عالجوا قضية الحريات وحقوق المواطنين في سياق الكلام عن الإمامة ومباحث السياسة الشرعية، ولكن ليس معنى ذلك أن قضية حقوق الناس لا صلة لها بالأبواب الفقهية الأخرى. كلا، بل الأمر على العكس من ذلك، فنرى مباحث حقوق الإنسان – أو حقوق العباد على حد مصطلح العلماء المسلمين- في أبواب العبادات في سياق أي تعارض ممكن بين حق الله وحق العبد، وفى أبواب المناكحات والأحوال الشخصية التي شرعت أحكامها للحفاظ على حقوق الزوجين وحقوق أفراد العائلة، وفى الأبواب المتعلقة بالمعاملات المدنية والاجتماعية التي ليست إلا عبارة عن ضبط حقوق الأفراد والتنسيق بينها والمحافظة عليها من الضياع، وفى أبواب الجنايات والعقوبات التي شرعت لأجل المحافظة على حقوق الذين تعرضت حقوقهم ومصالحهم للضياع. وفى أبواب أدب القاضي التي تتضمن أحكاما لإيفاء حقوق الجناة والمجني عليهم والمدعين والمدعى عليهم. وفى أبواب الجهاد والسير التي تشتمل على مبادئ الإسلام التي وضعت للحفاظ على حقوق أصحاب الملل والنحل من المحاربين وغير المحاربين.
... ولكن أهم أبواب الفقه من حيث الاعتناء بقضية الحقوق والحريات هو باب الإمامة والسياسة الشرعية، الباب التي اعتنى به المفسرون، وشراح الحديث، والفقهاء، والمتكلمون، والأدباء والحكماء والصوفية جميعا. ولا نجد كتابات من الكتب الهامة الرئيسية في هذه المجالات إلا وفيها مباحث واهتمام بمسئوليات الإمام وواجبات أولياء الأمور نحو عامة الناس، وواجبات عامة الناس نحو أولياء الأمور. فلا بد إذن أن نبدأ بإشارات عامة إلى مبادئ السياسة الشرعية ذات الصلة بقضية الحقوق والواجبات. والحريات والتقييدات الواردة عليها في دولة إسلامية تسودها قواعد الشرع الحكيم ويحكمها حكم الشارع العليم.(1/11)
... إن ما يجدر بالذكر في بداية كل حديث عن الإمامة والخلافة وولاية الأمور في الشريعة الإسلامية هو أن الدولة الإسلامية دولة نظرية قامت على أساس نظام الإسلام، فهي في حقيقتها وماهيتها دولة دينية تحتكم إلى تعاليم الدين الحنيف، ولا يمكن في حال من الأحوال أن تكون دولة علمانية تعمل بمبدأ فصل الدين عن الدولة. وليس أدل على ذلك من تعاريف الإمامة كما ذكرها كبار الفقهاء والمتكلمين. فيعرفها الماوردي: ان الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا(7). ويعرّفها العلامة سعد الدين التفتازانى بقوله: إن الإمامة رياسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم(8). ولا يختلف تعريف الإمام المتكلم المفسر فخر الدين الرازي عن تعريف التفتازاني، بل من الممكن أن يكون تعريف العلامة التفتازانى مأخوذا من الإمام الرازي الذي يقول: إن الإمامة رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا: خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم لشخص واحد من الأشخاص(9).
... ويعرّف الفقيه المالكي العلامة ابن فرحون الإمامة بقوله: الإمامة عبارة عن خلافة شخص لرسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامة قوانين الشرع وحفظ الملة على وجه يجب اتباعه على كافة الأمة. ولا يختلف تعريف العلامة عضد الدين الأيجى عن هذا التعريف الأخير اختلافا كبيرا. فيقول إنها خلافة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة(10). ويعرّفها الفقيه المالكي والعالم الاجتماعي والمفكر المعروف عالميا العلامة ابن خلدون قائلا ان هذا المنصب نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا به(11).(1/12)
... وإنما ذكرنا جلّ هذه التعريفات لنؤكد أن نظام الحكم والدولة في الإسلام لا يسمح في حال من الأحوال أن يتخذ الأسلوب العلماني في إدارة الأمور السياسية، فان حراسة الدين، وإقامة صرحه، وتنفيذ أحكامه ونيابة النبي عليه السلام كلها داخلة في حقيقة الدولة الإسلامية ومن عناصرها التي تتركب منها الدولة الإسلامية. ثم الواجبات الكبيرة والوظائف الرئيسية للدولة الإسلامية التي بينها القرآن الكريم كلها واجبات دينية بحتة ووظائف أخلاقية، لان الواجبات الإدارية والمسئوليات الأخرى التي يتولاها الحكام والملوك في كل الدول هي معروفة للجميع ولا حاجة إلى ذكرها في الكتاب الإلهي(12)، وإنما ذكرت في النصوص الشرعية الواجبات الدينية والمسئوليات الأخلاقية دون غيرها لان كثيرا من الناس قد يحيدون فيها عن الصراط القويم ويتجهون يمينا وشمالا، تأثرا بالحكومات الإلحادية وتقليدا للملوك والحكام الذين لا يؤمنون بالشرع الإلهي .(1/13)
... ومما ينصّ على كون الدولة الإسلامية دولة دينية بمعنى أنها مسئولة لنشر تعاليم دين الإسلام وتنفيذ أحكامه وإقامة شعائره قوله تعالى في سورة الحج: الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر(13). وتحقيقا لهذه الأهداف وامتثالا لهذه الأحكام قامت في دول الإسلام أنظمة الحسبة وهيئات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وكانت هذه الأنظمة مسئولة ومكلفة بتحقيق الأهداف الأخلاقية للشريعة والدفاع عن التكوين الأخلاقي للمجتمع الإسلامى، وهذا أمر يعتبر الآن خارجا عن نطاق أجهزة الدولة. والمؤسف أن كثيرا من المثقفين في البلاد الإسلامية الذين تأثروا بالفكر العلماني الغربي يزعمون أن الدولة وأجهزتها، بما فيها القوانين والتشريعات الحكومية، لا صلة لها بالعقائد والأخلاق، ولا دور لها في تنفيذ أحكام العبادات. ولا شك أنه زعم خطئ. فان الدولة الإسلامية مكلفة بموجب النص القرآني القطعي الدلالة بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ولا يمكن القيام بهذه المهمة مادامت الدولة الإسلامية محايدة في الأمور الدينية والقضايا الأخلاقية. فلا بد للدولة الإسلامية أن تتخذ سياسة فعّالة وتستبق في أخذ خطوات جادة للدفاع عن الحدود الفكرية والثغور الأخلاقية للمجتمع الإسلامى.
ويجب أن تتجلى هذا الالتزام والاستباق في جميع سياسات الدولة، بما فيها سياسة التعليم والإعلام. فالقول بالعدل أو العدل في القول والقول السديد لابد ان يكون الحجر الأساس للسياسة الإعلامية للدولة الإسلامية. لان الخطاب في قوله تعالى: اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، وفى قوله تعالى: وإذا قلتم فاعدلوا، ولو كان ذا قربى، لأهل الإيمان جميعا، فالكل مطلوبون بوضع نظام وسياسة حسب مقتضيات هذه النصوص المباركة، وينوب عنهم أولياء أمورهم في هذه الأمور(14).(1/14)
... وتتجلى هذه الميزة الأخلاقية للدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامى في كل التشريعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدولية التي جاءت بها الشريعة الغراء . فالحقوق التي تجب على أولياء الأمور لرعاياهم والحقوق التي تجب على عامة الناس نحو أئمتهم تضمن تحقيق جميع الأبعاد الأخلاقية للنظام الإسلامى في واقع حياة المسلمين.
... ونذكر فيما يلي ملخص ما ورد في كتاب تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام للإمام بدر الدين بن جماعة(15) فيما يتعلق بحقوق الأمة على السلطان. وتضم هذه القائمة عناوين رئيسه لحقوق المواطنين في دولة الإسلام، وهى بالإضافة إلى حقوق الناس عامة من مواطنين وغير مواطنين.
أولا: حقوق الأمة على السلطان:
1- حماية بيضة الإسلام والذب عنها. (ولاشك ان هذا الحق يشمل جميع الخطوات الممكنة باتخاذ جميع الوسائل المتاحة للدفاع عن الإسلام وعن الشريعة والحفاظ على تعاليمها وأصالتها.)
2- حفظ الدين على أصوله المقررة.
3- إقامة شعائر الإسلام
4- فصل القضايا والاحكام
5- إقامة فرض الجهاد بنفسه وبجيوشه
6- إقامة الحدود الشرعية.
7- جباية الزكوات والجزية من أهلها
8- النظر في الأوقاف
9- النظر في قسم الغنائم
10- العدل في سلطانه(17)
ثانيا: حقوق السلطان على الأمة:
1- بذل الطاعة له ظاهرا وباطنا
2- بذل النصيحة له سرا وعلانية
3- القيام بنصرته ظاهرا وباطنا
4- أن يعرف له عظيم حقه وما يجب من تعظيم قدره
5- إيقاظه عند غفلته
6- تحذيره من عدو يقصده بسوء وحاسد يرومه بأذى
7- إعلامه بسيرة عماله
8- إعانته على ما تحمله من أعباء الأمة
9- ردّ القلوب النافرة عنه إليه
10- الذب عنه بالقول والفعل وبالمال والنفس والأهل في الظاهر والباطن(17).(1/15)
هذه الحقوق والواجبات تنبعث من مبدأ النصيحة لأولياء الأمور، وذلك لان الدين النصيحة. فلما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن: قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم(18). والنصيحة مصطلح عام شامل يتضمن كل خير وحسن نية، وحسن مشورة والتعاون في كل خير بين عامة المسلمين وأولياء أمورهم، ومن أهم أنواع النصيحة وأبوابها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ولا شك أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من أهم مزايا وواجبات المجتمع الإسلامى والدولة الإسلامية. بل واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من أوسع الواجبات الفردية والجماعية. فيجب على الفرد بموجب النصوص الشرعية أن يكون دائما آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر. وكذلك الدولة والمجتمع. وقد ورد الأمر بالقيام بهذا الواجب بصيغة التأكيد في حديث نبوي رواه الإمام أبو داود. وهو قوله عليه السلام: والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم(19). وتدل هذه النصوص الصريحة على أن التعبير عن الرأي الحق يعتبر واجبا شرعيا في بعض الحالات، بدل أن تكون حرية محضة يمارسها من شاء ولا يمارسها من لم يشأ.
... ومن أبواب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مسئولية عامة الناس وفريضتهم في مراقبة أولياء الأمور والتعاون معهم واطاعتهم في كل معروف، ونصيحتهم وتقويمهم إن زاغوا عن سواء السبيل. ومن هنا قول الصديق رضى الله عنه: إن أحسنت فأعينونى وإن زغت فقومونى(20). ولا شك أن تقويم سلطان زائغ لا يمكن إلا إذا توفرت الفرص للحرية عن التعبير. ولابد للقيام بهذه الوظيفة أن تكون هناك حريات متوفرة وفرص متاحة لهذه المهمة الاصلاحية والتصحيحية التي تقوم بها الامة لتقويم أولياء الأمور وتسديدهم في حالة زيغهم. ومن هذه الوسائل حرية التعبير وحرية الاعلام، وحرية الكلمة، وكل ذلك في حدود الشريعة والنظام العام.(1/16)
... هذا المجهود الفردى والجماعى لابد منه للحفاظ على إسلامية المجتمع وعلى قواعده الاخلاقية وأسسه الدينية. لان الناس إذا تساهلوا في أداء هذا الواجب فهم يشاركون في عملية تقويض دعائم المجتمع الإسلامى، الذي يقوم على اسس من المبادئ الاخلاقية والقواعد الدينية. والتساهل في اداء هذا الواجب والتكاسل في القيام بهذه المهمة لا يعنى الا التغافل عن اداء فريضة التواصى بالحق والتواصى بالصبر.والذين يتغافلون عن اداء هذا الواجب فهم في خسران دائم بصريح النص القرآنى(21). ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك ان يعمهم الله بعقاب منه(22). وذلك لان المعصية إذا اخفيت لم تضر الا صاحبها، ولكن إذا ظهرت فلم تنكر أضرت العامة. وجاء بهذا المعنى قول الصديق رضى الله عنه: ان الناس إذا رأوا الظالم فلم ياخذوا على يديه اوشك أن يعمهم الله بعقاب(23).
... ويجدر هنا أن نشير أن الأمر بالمعروف أسهل من النهى عن المنكر، وذلك لأن المعروف معروف عادة بين المسلمين. ولا تتفاوت مداركهم ولا تختلف آراءهم اختلافا كبيرا في تحديد المعروف. ولكن تدلّ التجربة التاريخية للفرق الإسلامية وانحرافاتها الفكرية أن هناك تفاوتا كبيرا في مدارك الناس لمعاني المنكر. ويعتبر كثير من المتحمسين أدنى اختلاف من رأيهم منكرا. ويظنون أن كل رأى ارتآه قادتهم، وكل قول أخذ بهم علماءهم، هو الحق الحقيق بالأخذ. وما سواه باطل منكر يجب أن يحارب.(1/17)
وهذا الخطأ الفادح سبب كثيرا من المشاكل للأمة الإسلامية في ماضيها وحاضرها. فثار غلاة الخوارج على كبار الصحابة وخطّأوهم وكفّروهم بسبب هذا الخطأ ، وكذلك نرى أن غلاة المتسلفين وغلاة الثوريين في عصرنا الحاضر لا يبالون بتكفير كل من خالفهم في رأيهم، ولا يتردد شبابهم في تخطئة أكابر هذه الأمة بناء على اجتهادات كبراءهم. وهذا كله بسبب جهلهم أو عدم مبالاتهم بمعنى المنكر والإنكار وشروط المنكر والاستنكار. فمن شروط المنكر، كما أشار حجة الإسلام الإمام الغزالي، أن يكون كونه منكرا معلوما بغير اجتهاد. فكل ما هو محل اجتهاد فلا حسبة فيه، أي لا إنكار فيه بناء على قواعد الحسبة، فليس للحنفي أن ينكر على الشافعي أكل الضب والضبع ومتروك التسمية، ولا للشافعي أن ينكر على الحنفي شربة النبيذ الذي ليس بمسكر، وتناوله ميراث ذوى الأرحام، وجلوسه في دار أخذها بشفعه الجوار، إلى غير ذلك من مجارى الاجتهاد(24).
هذه هي الخلفية الفكرية والأرضية الفقهية التي تضمن فيها الحقوق وتمارس فيها الحريات التي هي عبارة عن واجبات الفرد المسلم في كثير من الحالات. مع أن الشريعة الإسلامية قسمت الحقوق إلى حقوق العباد وحقوق الله تعالى، ولكن الحقوق كلها حقوق الله تعالى بمعنى أنها عطاءه ومنحه ، فالإضرار بهذه الحقوق كفر بنعمته ومعصية لأمره. وفى نفس الوقت الحقوق كلها للعباد – أفرادا ومجتمعات – لان المستفيد من كل الحقوق هو العبد لا غير، فان الله سبحانه وتعالى منزه من كل حاجة، وغنى عن كل منفعة. ولذلك قال الإمام القرافي(25): ما من حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى، وهو أمره بإيصال هذا الحق إلى مستحق. وعلى هذا فيوجد حق الله تعالى دون حق العبد، ولا يوجد حق للعبد إلا وفيه حق الله تعالى(26).(1/18)
إن ما يسمى اليوم بالحريات الأساسية في المصطلح الغربي يعبر عنها بحقوق العباد في المصطلح الشرعي. وحتى في المباحث الغربية في موضوعات الحقوق والحرية هناك تداخلات في معاني هذه الاصطلاحات ومدلولاتها ومجالاتها. ولكن يمكن أن نفرق بين هذين الاصطلاحين في ضوء المدلول الرئيس والدلالة الأساس لكل منهما. فالحرية في أصلها وأساسها- كما يبدو من كتابات الغربيين- قضية فكرية وفلسفية. وأما قضية الحقوق في أصلها وأساسها فقضية قانونية ودستورية وسياسية. فالقضية الأولى يعنى بها الفلاسفة والمفكرون والقضية الثانية يهتم بها القانونيون والزعماء السياسيون.
دعائم المجتمع الإسلامى
يقوم نظام الدولة والمجتمع في الشريعة الإسلامية على أساس الشريعة، فالدولة الإسلامية هي الدلوة التي تطبق شرع الله وتعمل لحراسة الدين وسياسة الدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وتقوم هذه الدولة، التي سماها علماء الإسلام بالإمامة أو الخلافة، على خمس دعائم:
1- العدل
2- كرامة بنى آدم
3- الشورى
4- المساواة إمام القانون الإلهي
5- سيادة شرع الله
ومن مقتضيات العدل والمساواة وكرامة بنى آدم أن يتمتع المواطن في الدولة الإسلامية بجميع الحقوق أو الحريات الممنوحة له من قبل شريعة الله. وأهم هذه الحريات في رأى الأستاذ الفقيه عبد الوهاب خلاف كالآتي:
1- الحرية الشخصية
2- الحرية الفردية
3- حرية العقيدة
4- حرية المأوى
5- حرية الرأي
6- حرية الملكية(27)(1/19)
إن حرية العقيدة تقتضى أن تدعمها وتساندها حرية القول وحرية الكلمة، بما فيها حرية التعبير، وحرية الإعلام، وحرية الكتابة، وحرية البحث العلمي البناء. فلا معنى لحرية العقيدة بدون هذه الحريات المساعدة. ثم لا بد أن تكون حرية القول وحرية التعبير مدعومة بحرية الاجتماع وحرية التنظيم. لان مسئولية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا تؤدى إلا بهذه الحريات. ثم إن واجبات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومسئوليات التواصي بالحق والتواصي بالصبر كلها واجبات جماعية لا يمكن القيام بها والإنصاف إليها بجهود فردية. خاصة عندما نرى ونشاهد ان قوى الشر تكالبت على الأمة الإسلامية بجهود جماعية وتساندها في ذلك منظمات عالمية دولية.
... ثم لحرية التعبير عن الرأي جانبان – جانب داخلي فيما بين المسلمين، وجانب خارجي فيما يتعلق بعلاقة المسلمين مع غيرهم. ففي الساحة الداخلية اعترفت الشريعة بحق التنازع والاختلاف مع الأئمة و ولاة الأمور. فعندما تأمر الشريعة أتباعها بإطاعة أولى الأمر منهم بعد طاعة الله ورسوله تسمح لهم حق المنازعة في أمور اجتهادية وفى أمور مباحة وفى مصالح مرسلة. فيقول جل وعلا: وان تنازعتم في شيء، يعنى مع أولى الأمر منكم، فردوه إلى الله والرسول(28). وذلك لرفع النزاع وحل الخلاف في ضوء القرآن والسنة. ويدل على هذه الحرية قوله تعالى: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله(29). وتشير هذه الآيات المباركة إلى أن طاعة أولياء الأمور ليست طاعة مطلقة مثل طاعة الله ورسوله. بل الطاعة المأمور بها نحو أولياء الأمور هي الطاعة في المعروف، كما صرحت بذلك أحاديث معروفة بلغت إلى حد التواتر المعنوي(30).(1/20)
... فالطاعة لأولياء الأمور مشروطة بالتزام أولياء الأمور بشرع الله. فتجب طاعتهم في كل ما يأمرون به في حدود سلطتهم وأداء واجبهم نحو الأمة. والى هذا المعنى أشار سيدنا على بن أبى طالب رضي الله عند ما قال: حق على الإمام أن يحكم بالعدل ويؤدى الأمانة، فإذا فعل ذلك وجب على المسلمين أن يطيعوه، لان الله تعالى أمر بأداء الأمانة والعدل، ثم أمر بطاعته(31).
... وهذا التنازع يشمل تنازع ولاة الأمور بعضهم مع بعض، وتنازع الرعية مع ولاة أمورهم، وتنازع العلماء بعضهم مع بعض في شئون العلم. وتصدق كلمة الشيء على كل تنازع في أي أمر يتعلق بأفراد المسلمين أو جماعتهم أو بمصالح الدولة التي يمكن فيها اختلاف الآراء ووجهات النظر. ونجد في سيرة الخلفاء الراشدين وفى سير كثير من الملوك الصالحين في القرون المتأخرة أمثلة كثيرة لاختلاف الآراء وتنازع وجهات النظر بين أولياء الأمور وبين عامة الناس. وفى هذه الوقائع أمثلة رائعة لحرية الكلمة وحرية التعبير عن الرأي. وكان الخلفاء الراشدون والملوك الصالحون يخضعون لشريعة الله ويستسلمون لحكمه بالتنازل عن رأيهم.(1/21)
... نكتفي هنا مثالاً بذكر ما جرى بين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبين سيدة كبيرة السن من عامة الناس ردّت على الخليفة الجليل رأيه على ملأ من الناس، وأقنعته بضعف موقفه حتى بادر إلى سحب قراره فوراً بدون أي تأخير. فقد روى عدد من المحدثين وكثير من المؤرخين أن سيدنا عمر بن الخطاب عندما شاهد أن الناس يغالون في المهور أراد أن يضع لأكثر المهر حدا، ولا يسمح للناس بإعطاء أكثر من ذلك في المهور، فأعلن قراره عن ذلك، ولم يعترض عليه أحد من الصحابة ( فكان بمثابة إجماع سكوتي على حد مصطلح الفقهاء الأحناف). فلما خرج من المسجد لقيته امرأة عجوزة، وكلمته في ذلك، وقالت: كيف تحد أمرا لم يحده الله، بل الله سبحانه وتعالى يقول: وان آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا. فان كان القنطار من المال مسموحا به مهرا للنساء فكيف تحده إلى حد أدنى من ذلك. فلما سمع هذا الكلام من المرأة قال: أصابت امرأة وأخطأ عمر، وألغى قراره(23).
... ولم يكن الصحابة والتابعون يمارسون هذه الحرية في أمور تشريعية، وفى قضايا فقهية هامة فقط،بل كانوا يعبرون عن رأيهم في الخلفاء والحكام تعبيرا صريحا صارما، حتى النساء لم يكن وراء الرجال في ممارسة حرية الكلمة. فيروى، مثلا، عن سيدنا معاوية رضي الله عنه، أنه لما حج في خلافته لقي بدار مية الحجونية، التي كانت في مقدمة المؤيدين لسيدنا على بن أبى طالب في خلافه ومحاربته ضد معاوية. فسألها: علام أحببت عليا، وأبغضتني ؟ وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني. قال: لا أعفيك! قالت: أما إذا أبيت، فإني أحببت عليا على عدله في الرعية وقسمه بالسوية. وأبغضتك على قتال من هو أولى بالأمر منك... وعاديتك على سفك الدماء، وجودك في القضاء، وحكمك بالهوى(33).(1/22)
... لاشك ان هذه الحرية بأنواعها حق من الحقوق التي جاءت بها الشريعة. ولكن ممارسة هذه الحرية لها أحكام ودرجات. فتكون ممارسة هذه الحرية مباحة في بعض الحالات العادية. ولكن الشريعة الإسلامية تقرر أن التعبير عن الرأي قد يكون مندوبا، وقد يكون واجبا على أهل الإيمان. فقد ذكرنا في ما سبق ما رواه سيدنا عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلا والله! لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرن على الحق أطرا، أي تردعون وتحملونه(34). ويتحتم هذا الواجب في حالات ترتكب فيها مخالفات الشريعة، واقتراف المعاصي علنا وجهرا. فإن السكوت في هذه الحالات يدل على رضي الساكت أو على مسامحته لمرتكبي هذه الكبائر والمعاصي. فالله سبحانه وتعالى يخبرنا بأن الكفار من بنى إسرائيل لعنوا على لسان داود وعيسى بن مريم: ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه(35).
... وذلك لأن في مثل هذه الأحوال لا معنى للسكوت إلا الرضا بالمعاصي والتسامح في أمور تمس بأسس المجتمع وقواعد الدولة. وإن لم يتقدم إناس للإنكار على هذه الجرائم ولم يأخذوا بيد الظالم والفاسق المجاهر يؤدى هذا السكوت إلى زعزعة كيان المجتمع الإسلامى القائم على مبادئ و أسس من الأخلاق وتعاليم الدين. فالمساس بهذه الأسس والنيل من هذه المبادئ هدم لقواعد المجتمع وأسس الدولة. وهذا ما لا تسمح به دولة، وما لا يتحمله نظام. وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالا رائعا بليغا للدور الذي يقوم به الساكتون الذين لا يمارسون هذه الحرية الممنوحة لهم من قبل الخالق الحكيم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(1/23)
... مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها. وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم. فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا. فان تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا. وان أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا(36).
... نظرا لهذه الأهمية البالغة لممارسة واجب التعبير عن الرأي الحق كان النبي عليه السلام يبايع أصحابه على ذلك. فروى سيدنا عبادة بن الصامت يقول: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.... وعلى أن نقول بالحق أينما كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم(37). ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لمقام أحدكم في الدنيا يتكلم بحق يرد به باطلا أو ينصر به حقا أفضل من هجرة معي(38). وقال أيضا: لا يحقرن أحدكم نفسه. قالوا: يا رسول الله ! كيف يحتقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أن عليه مقالا، ثم لا يقول فيه. فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس ! فيقول: إياي كنت أحق أن تخشى(39). وهذا يدل على أن خشية الناس في الدنيا لا يعتبر عذرا لعدم قول الحق. فالحق أحق أن يتبع. ولهذه الأهمية اعتبرت كلمة حق عند سلطان جائر أفضل الجهاد(40).
... ثم العدل يحتل مكانة هامة رفيعة في صرح الشريعة كلها. وتحقيق العدل بكامله في كل نواحي الحياة وعلى جميع المستويات المطلوبة هو الهدف الحقيقي الأساس لإرسال الرسل وإنزال الكتب، كما قال سبحانه وتعالى: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط(41). فالأحكام الشرعية كلها، جاءت لتحقيق العدل والاعتدال والوسطية والاتزان في جوانب الحياة المختلفة. وكذلك جاءت جميع المنهيات الشرعية و الظلم والاعتداء، منعا لأنواع الفساد والفحشاء.(1/24)
... فكان في ممارسة حرية التعبير تحقيق للعدل. فالقيام بالشهادة والقول الحق خطوة أولى في سبيل تحقيق العدل. ولذلك أمر به المسلمون. فعليهم أن يكونوا دائما شهداء لله قوامين بالقسط، وقوامين لله شهداء بالقسط(42). وأمروا بأن لا يجرمنهم شنئان قوم على ان لا يعدلوا(43)، مثلا بعدم قول الحق أو بكتمان الحق. ولا شك ان كتمان الحق عند الحاجة إليه ظلم: ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون(44). ولذلك يعتبر إقامة العدل من أهم وظائف الدولة الإسلامية. فالحكم بين الناس مشروط بالعدل، وإلا فيكون حكما جائرا ونوعا من الطاغوت الذي يجب الكفر به. فلا عدل بدون التعبير عن الرأي الصحيح وكلمة الحق. ولا شرعية لحكم وحاكم بدون تحقيق العدل.
... ويجب ان تكون أبواب العدل مفتوحة لكل مواطن، بل ولكل ابن آدم دخل بلاد الإسلام ولو مؤقتا دخولا سلميا او حربيا. فالعدل والمعاملة العادلة مع الصديق والعدو سواء. ولذلك لم يتردد الصحابة والخلفاء من بعدهم في توفير كل هذه الحريات والحقوق بجميع ضماناتها لغير المسلمين الذين دخلوا في ذمة الإسلام بمسئولية المسلمين. وتدل على توفير هذه الحريات لهم معاهدات الصلح والذمة التي عملها الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون لهم بإحسان. فهذا كتاب عمر مع أهل إيليا- وهو المعروف بالعهدة العمرية – وما إدراك ما هي العهدة العمرية، أعطاهم أمانا كاملا على أنفسهم وعلى أموالهم وعلى مناصبهم وعلى دينهم. وهذا على بن أبى طالب يعلن أن لأهل الذمة مالنا وعليهم ما علينا.(1/25)
... ووفاء لهذه العهود والمواثيق كان أئمة الإسلام في مقدمة المدافعين عن حرية أهل الذمة والمعاهدين المقيمين في دار الإسلام. فهذا الإمام الأوزاعى، إمام أهل الشام، يدافع عن حرية نصارى بنى تغلب ويمنع خلفاء بنى العباس عن التعرض لهم بسوء، ولو كان ذلك التعرض لأسباب وبواعث دينية(45). وهذا الليث بن سعد، فقيه مصر، يدافع عن حقوق غير المسلمين(46)، وأمثالهم كثيرة. حتى في القرون المتأخرة نقرأ عن الشيخ تقي الدين السبكي والشيخ جمال الدين التركي الذين وقفوا للدفاع عن حقوق المسلمين في وجه الأمراء والملوك المسلمين(47).
... من أهم ما يضمن تحقيق الحريات المتاحة والحقوق الممنوحة في أي دولة أو مجتمع هو تحقيق المساواة الكاملة أمام القانون وفى الحقوق المدنية بين جميع المواطنين. وان لم تتوفر هذه المساواة في نظام من النظم لا يمكن فيه ممارسة حرية التعبير، أو بالأحرى القيام بواجب كلمة الحق. إن الشريعة الإسلامية ضمنت هذه المساواة الكاملة أمام القانون وفى الحقوق الإنسانية والمدنية بأسلوب يمتاز وبوضوح وتعميق وترسيخ. فأعلنت أن الناس كلهم سواء، لأنهم كلهم أخوة، وكلهم من آدم وآدم من تراب(48). ولا فضل في ظل نظام الشريعة لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى(49). ولا فرق في الحقوق الممنوحة بين الحاكم والمحكوم، وبين المؤمن والكافر. فان القاعدة التي وضعها الفقهاء هي ان المسلم والكافر في مصاب الدنيا سواء(50). وان لغير المسلمين في دار الإسلام للمسلمين وعليهم ما على المسلمين(51).(1/26)
... ومما يجدر بالذكر ان كثيرا من الأنظمة القديمة والحديثة فشلت في تحقيق هذه المساواة. لأنها أخذت بالاعتبارات غير الحقيقية وغير الإنسانية أساسا لنظامها وقاعدة لتشريعاتها. وهى إما تأسست على اعتبار اللون أو العرق أو الجيوغرافية أو القبلية أو اللغة، أو تأسست على مصالح مادية لمجموعة من أصحاب المصالح، أو قامت على بواعث استعمارية او تجارية ومنافع اقتصادية. فلم تتمكن من تحقيق هذه المساواة المنشودة، على الرغم من محاولات مخلصة - في بعض الأحوال – قام بها المفكرون والمصلحون. ومن العوائق التي تسبب مشاكل كبيرة وعراقيل جبارة في سبيل تحقيق المساواة وممارسة الحريات ما يسمى بالامتيازات التي يدعيها أصحاب السلطة والنفوذ لأنفسهم ولشركاءهم في المصالح.(1/27)
أما الشريعة الإسلامية فأغلقت كل هذه الأبواب، وقررت أن الحاكم والمحكوم سواء في التزامهما بشرع الله، والحاكم بمثابة نائب ووكيل للأمة التي هي صاحبة السلطة التي يمارسها نيابة عنها أهل الحل والعقد في حدود الشريعة الإسلامية. فالإمامة لا تنعقد إلا ببيعة أهل الحل والعقد. "والإمام في جميع ما يتولاه وكيل للأمة ونائب عنها وهى من ورائه في تسديده وتقويمه وإذكاره وتنبيهه وأخذ الحق منه إذا وجب عليه وخلعه والاستبدال به متى اقترف ما يوجب خلعه".(52) هذا ما كتبه الفقيه المالكي والمتكلم الجليل القاضي أبو بكر الباقلانى في القرن الرابع. ولم يختلف رأيه عن رأى فقيه شافعي جليل ومتكلم من كبار متكلمي الإسلام، وهو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني الذي قال: ان الإمام إذا جاء وظهر ظلمه وغشه فلأهل والعقد التواطؤ على ردعه ولو بشهر السلاح ونصب الحروب(53). وذلك لأن أهل الحل والعقد ينوبون عن الأمة في اختيار أولياء الأمور، ملوكاّ وخلفاء ورؤساء. وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء المذاهب وفقهاء الأمصار. فيقول مثلا الشيخ عبد القاهر البغدادي : وقال الجمهور الأعظم من أصحابنا ( أي من أهل السنة والجماعة) ومن المعتزلة والخوارج والنجارية أن طريق ثبوتها – أي الإمامة – الاختيار من الأمة باجتهاد أهل الاجتهاد منهم(54). ويؤيده ما قاله الفقيه الحنبلي الجليل، العلامة ابن قدامة الذي يقول: من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت بيعته(55). وصرّح بهذه القاعدة شيخ الإسلام والمسلمين العلامة ابن تيمية: الذي قال: الإمامة تثبت بمبايعة الناس لا بعهد السابق له(56). والذين صرّحوا بهذا المبدأ من العلماء والفقهاء المعاصرين فلا يمكن إحصاءهم.(1/28)
فكون أولياء الأمور نوابا عن الأمة – صاحبة القول الفصل في اختيار أولياء الأمور – أمر اتفقت عليه الأمة من عصر الصحابة إلى يومنا هذا. ولذلك لا يتميزون على عامة الناس بحقوق عالية وامتيازات خاصة. يقول الإمام بدر الدين بن جماعة بعد أن ذكر حقوق السلطان على الأمة: وما سوى ذلك فالسلطان فيه واحد من المسلمين، له مالهم عليه ما عليهم: من فرض وسنة، وطاعة ومعصية، وحلال وحرام، وغير ذلك من الكلام(57).
واعتبرت الشريعة الإسلامية هذه الامتيازات القائمة والفوارق المصطنعة بين طبقة الحكام والمحكومين من أكبر أسباب الهلاك الجماعي والانحطاط الحضاري والتدهور المعيشي بين الأمم. فقال عليه السلام: إنما هلك من قبلكم انه إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق الشريف درؤوا عنه الحد، والذي نفسي بيده لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"(58) هذا هو مبدأ المساواة الكاملة أمام القانون، ويمتاز التاريخ الإسلامى بوقائع لا تعد ولا تحصى بتحقيق هذه المساواة القانونية والقضائية، التي لا توجد نظائرها عند الأمم.
تطورات في فكرة الحرية
إن فكرة الحرية تطورت تطورا كبيرا مع التطورات الفكرية والدستورية، خاصة في العالم الغربي. فتشعبت فروعها وتنوعت أنواعها. وأدت إلى هذا التوسع والتنوع الوثائق العالمية المختصة بحريات الناس وحقوق الإنسان. وأهم هذه الحريات كما مرت الإشارة إليه تتضمن حرية العقيدة والعبادة، وحرية الفكر والرأي، وحرية الكتابة والنشر، وحرية العمل والتجارة. ولاشك أن أهم هذه الحريات هي حرية العقيدة التي تمثل عنصراً أساسيا في الحياة الإنسانية الحرة.(1/29)
وتعنى حرية العقيدة في مفهومها الغربي حق الفرد في أن يعتنق ما يطيب له من المبادئ والعقائد دون تدخل من أي جهة من المجتمع أو الدولة أو الأسرة. فيجوز للإنسان أن يختار الدين الذي يشاء، ومن حقه أن يتخلى عن جميع الأديان ويختار ألا يؤمن بأحد من الأديان. وبموجب هذا التعريف تقتضي حرية العقيدة أن يتمتع الإنسان بحرية الإلحاد، وحرية الزندقة والدهرية، فإنها تعتبر عند أهل الغرب أنواع للحريات الدينية. ولاشك أن هذا المفهوم للحرية العقيدية نتيجة مباشرة ومنطقية لنظرية العلمانية التي قطعت كل أنواع الصلة بين الدين والدولة، وتصر على عدم تدخل الدولة في أمور الدين. وينادون بما نسبوا إلى السيد المسيح أنه قال: " أعط قيصر ما لقيصر وأعط لله ما لله". بناء على هذه النظرية يعتبرون الدين ومبادئ الأخلاق والمثل الروحانية كلها رأيا شخصيا لكل واحد. فكما يجوز للإنسان أن يختار أي لون يحبه من بين الألوان، أو يأكل أي طعام يشتهيه من بين الأطعمة، أو يكتسي أي ملبس يعجبه من بين الملابس، ولا حق لأحد أن يعترض عليه أو يفرض عليه مالا يحبه ولا يشتهيه، فكذلك عندهم شأن الدين والمبادئ الأخلاقية. فالقضية لا تعدو أكثر من ذلك.
ولكن المفهوم الإسلامي لحرية العقيدة يختلف عن ذلك تماماً. أولا: لأن العقيدة للمسلم فوق كل شيء آخر وفوق كل اعتبار آخر، فهي تشكل القاعدة الأساسية التي يبتني عليها صرح الشريعة وبناء الحضارة. ومنها تستمد الدولة مشروعيتها، وفيها يحصل المسلم على شخصيته وهويته. فالعقيدة جزء أساسي للشريعة. فلا شريعة بدون العقيدة ولا مظهر للعقيدة بدون الشريعة.(1/30)
ثانيا: إن الشريعة تفرق بين من لم يقبل العقيدة الإسلامية ولم يشهد بالشهادتين، فله الحرية في أن يقبل هذه العقيدة أو لا يقبلها. فلا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي(59). أما من قبل هذه العقيدة واعتنق الإسلام ودخل في إخاء الإسلام فقد أصبح عضواً في المجتمع الإسلامى، فيتمتع بالإخاء والمساواة في الأخوة الإسلامية ويلتزم بكل الواجبات والمسؤوليات التي طرأت عليه بعد قبوله العقيدة. فتختلف حالة من حالته الخارج من العقيدة. فلا يسمح لمن دخل أن يرفض هذه العقيدة ويثور على نظامها . فان الثورة على عقيدة الإسلام ثورة على أساس المجتمع. والحفاظ على العقيدة حفاظ على أسس الحضارة والشريعة. والدفاع عن العقيدة دفاع عن البنية التحتية لصرح الدولة والمجتمع. فالثورة ضد هذه العقيدة والأساس مما لا تسمح به الشريعة الإسلامية باسم الحرية أو الحقوق الإنسانية.
ثالثا: فإن الإسلام نوع من العهد والالتزام. وهذا العهد والالتزام ذو نواح متعددة وأبعاد متنوعة وجهات كثيرة. فهو عقد بين المسلم وربه، لأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة(60). وهو عقد بين الفرد والمجتمع ينشأ على أساسه كثير من الحقوق والواجبات. وهو عقد بين المواطن والدولة. وهو عقد بينه وبين أفراد أسرته. ثم كل فرد بسلوكه ومعاملته وخلقه يجب أن يمثل الأمة الإسلامية كلها. فالمسلمون تتكافأ دماؤهم وأموالهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم(61).(1/31)
ومن القواعد المعترفة في جميع الأنظمة ومن العادات المتبعة في كل المجتمعات أن الإنسان حر في قراره في الدخول في العقد أو عدم الدخول. فمن شاء أن يدخل في عقد والتزام مع غيره فله الحرية الكاملة في ذلك. ومن قرر أن لا يدخل في عقد فلا يكره في الدخول فيه. ولكن إذا دخل في التزام عقدي وتعهد بذلك بمسؤوليات وواجبات إزاءها حقوق وامتيازات فلا يسمح له أن يتخلى عن مسؤولياته من جانب واحد. فالعقد ليس أحادي الجانب، ولا يجوز التنصل من العقد من جانب واحد.
رابعاً: إن الحرية عبارة عن القدرة على التصرف بما لا يضر الآخرين. فكيف تعتبر ممارسة الحرية ممارسة مشروعة إذا أضرت هذه الممارسة أسس المجتمع وقواعد الدولة وأصل التشريعات والقوانين . فالحرية دائمة مقيدة بما يمنع اعتداء الأفراد على بعضهم ولذلك أجازت جميع الوثائق والدساتير المعروفة تنظيمها بقانون وضبطها بتنظيمات ولوائح.
مفهوم الحرية في الشريعة الإسلامية:
ويتبين من هذه المباحث أن تصور الحرية في الشريعة الإسلامية يختلف عن تصورها في الفكر العلماني الغربي. فالحرية عند العرب من سمات الأمم الكريمة، والحرية عبارة عن الشعور بالمسؤولية. فكلاهما أمران متلازمان. واستخدم العرب الأقحاح الذين نزل القرآن بلسانهم العربي المبين كلمة الحر والحرية بمعنى أعلى وأرفع بكثير من معاني الحرية المادية التي توجد في الصحافة الغربية. فالحر من الناس خيارهم وأفاضلهم. والحر من كل شيء أعتقه وأكرمه. والحرة من النساء الكريمة(62). ومن معاني الحر الأصيل والطيب. فالحر من كل أرض وسطها وأطيبها. وحر الدار وسطها وخيرها. والحر من الفعال أحسنها. والحرة من السحاب الكثيرة المطر. والحرية من العرب أشرافهم. ويقال من حرية قومه أي من خالصهم(63).(1/32)
هذه هي مفاهيم الحرية عند العرب ومن هذه المعاني والمفاهيم أضفت الشريعة معانيها وسماتها على الحرية. فمفهوم الشريعة للحرية أسمى وأعلى وأزكى من حرية أهل الغرب. فالحرية الإسلامية هي حرية من رق الماديات والشهوات، حرية من عبودية الشياطين والطواغيت قبل ان تكون حرية بالمعاني السياسية. والجدير بالذكر أن بعض علماء الإسلام قسموا الحرية إلى نوعين:
1- حرية البهائم
2- حرية الإنسان
... فحرية البهائم هي الحرية المطلقة لنيل الشهوات الحيوانية وحرية لتكميل النزعات البهيمية. كما قال العلامة المفسر السيد رشيد رضا نقلا عن أستاذه وشيخه محمد عبده: "وليست سعادة الإنسان في حرية البهائم بل في الحرية التي تكون في دائرة الشرع ومحيطه. فمن اتبع هداية الله فلاشك أنه يتمتع تمتعاً حسناً، ويتلقى بالصبر كلما أصابه"(64).
... هذه هي الحرية الحقيقية ذات الأبعاد المتعددة التي دعت إليها الشريعة الإسلامية، فالحرية كل الحرية في الالتزام بأوامر الخالق. والحرية الحقيقية في التقيد بقيود الأخلاق. والحرية الدائمة في البقاء داخل حدود العدل و الروحانية التي جاءت بها الشرائع وأصول الدين. أما الحرية المزعومة التي تطغى على كل هذه الاعتبارات هي من الابتكارات الإبليسية والإبداعات الشيطانية التي ظهرت في الحضارة الغربية، على حد تعبير الشاعر الإسلامي والمفكر الكبير محمد إقبال(65).
... والجدير بالذكر أن الحضارة الغربية تدعي وتزعم بأنها تهتم اهتماما كبيراً بكرامة الناس وسمعتهم وأعراضهم، ووضعت لذلك قواعد، وشرعت للحفاظ على هذه الكرامة والسمعة مؤيدات تشريعية وغير تشريعية. والغربيون لا يعتبرون هذه المؤيدات أو القيود والحدود نفياً للحرية. ولكن عندما تأمر الشريعة الإسلامية بوضع حدود وقيود للحرية فهي تعتبر نافية للحرية وقاضية عليها.(1/33)
... واتفقت كلمة القوانين والأنظمة والنظريات القديمة والحديثة والمعاصرة على أنه لا وجود للحرية المطلقة غير المقيدة التي يمارسها الفرد كما يريد دون أن يتقيد بقيود معقولة، ودون أن يراعي الممارس باستثناءات تنظم حريته وتضبط ممارستها فما من حق إلا وهو محدود بحدود، وما من حرية إلا وهي مقيدة بقيود. فليس في العالم حق مطلق لأي فرد من الأفراد. وليست هناك حرية مطلقة لأي شخص من الأشخاص. ويعترف بمشروعية هذه القيود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في المادة التاسعة والعشرين على ما يلي :"على أن الحقوق الواردة فيه تخضع للقيود التي يقررها القانون فقط، وذلك لتحقيق المصلحة العامة والنظام العام والأخلاق في مجتمع ديموقراطي"(66). ونصت المادة الرابعة والعشرون من الإعلان الإسلامى العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1989م والمتضمن خمساً وعشرين مادة ووافقت عليه الدول الإسلامية بعد بحث ونقاش استمر عشرة سنوات على أن الحقوق الواردة في هذا الإعلان مقيدة بالشريعة الإسلامية.(1/34)
... والقيود المتفق عليها في الأنظمة العالمية تشتمل على عدم الإضرار بالآخرين، وممارسة الحقوق بدون إسراف، وممارستها بدون الإساءة في استعمالها، وألا تخل بالنظام العام والأخلاق والعادات . وتعترف الوثائق والدساتير المعروفة بحق الدولة في ضبط هذه الحرية وتنظيم ممارستها بقانون. ولا شك أن تصور الإخلال بالنظام العام والأخلاق يختلف من حضارة إلى حضارة، وبيئة إلى بيئة. ويختلف تصور الإضرار بالآخرين من نظام إلى نظام. فالإساءة إلى الشخصيات الإسلامية المقدسة تعتبر إضراراً كبيراً في الشريعة الإسلامية، والبعض الآخر من الشرائع. ولا تعتبر ضرراً كبيراً في المجتمعات الإلحادية البعيدة عن الأخلاق والديانات. واعترف الإعلان العالمي الإسلامي لحقوق الإنسان بضرورة وضع حدود مختلفة عن نظائرها في العالم الغربي. فنصت المادة الخامسة والعشرون من هذا الإعلان على أن الإعلام ضرورة حيوية للمجتمع، ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات وكرامة الأنبياء فيه، وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم أو إصابة المجتمع بالتفكك أو الانحلال أو الضرر أو زعزعة الاعتقاد.
... فتعد حرية الرأي والتعبير حقاً لكل شخص على ألا يتعارض رأيه مع قواعد الشريعة الثابتة ومع المبادئ الإسلامية المتفق عليها، وإلا يؤدي إلى إنكار ما ثبت من الدين بالضرورة. ونصت على ذلك المادة الرابعة والعشرون من الإعلان الإسلامى لحقوق الإنسان:
1. ان لكل انسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية.
2. لكل انسان الحق في الدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر وفقا لضوابط الشريعة الإسلامية.(1/35)
... ولا يردن ببال أحد أن الالتزام بقيود محددة في النظام خاص بشريعة الإسلام، فالغرب المعاصر، على الرغم من كل دعاويه لحرية التعبير، وعلى الرغم من كل مزاعمة في الدفاع عن هذه الحرية، فإنه لا يسمح بكثير من الأمور البسيطة لأنها تمس أسس نظامها وقواعد دساتيرها. ومن ذا الذي لا يعلم القوانين الصادرة في بعض البلاد الغربية التي تمنع قول الحق فيما يسمى بهولو كوست أي المحرقة أو الإبادة الكاملة التي يدعيها اليهود ويزعمها الصهاينة أنها ارتكبت ضدهم من قبل النازيين من الألمان. هذه القوانين تنطق بصراحة عن مدى حرية القول في العالم الغربي الذي لا يسمح الكلام في الحقائق التاريخية، ولا يعترف بحرية التعبير ضد العلمانية وضد الديموقراطية الغربية. ومن ذا الذي لا يذكر الهزة الكبيرة التي اهتز بها العالم الغربي عندما أصرت بعض الفتيات المسلمات على الارتداء بالحجاب والجلباب تنفيذا لحكم الله سبحانه وتعالى: أن يدنين عليهن من جلابيبهن. فقامت دنيا العلمانية وقعدت، ولم يسمح الغرب بممارسة هذا الحق الشخصي الطبيعي. فالحضارة الغربية والعقلية الغربية العلمانية والطبيعة الغربية اللاأخلاقية تدافع عن حرية العري والخلاعة، وتضمن كل التسهيلات للعراة، وتتسامح بأشباه العراة الذين لا يترددون في الخروج إلى الشوارع والتجمعات العامة. ولا يعتبر الغرب هذه الظاهرة خطرا على أي شيء، ولا يرى فيها ما يسئ إلى الحياة ويمس بالأخلاق والنظام العام. ولكن يتضامن الغربيون في الهجوم على الاحتشام والأخلاق في الملبس والمظهر، ويتساند بعضهم بعضا في الدفاع عن السب والشتم. ولا يسعنا إلا أن نقول : إذا فاتك الحياء فافعل ما شئت.
القيود الشرعية على ممارسة حرية التعبير:
... إن النصوص الشرعية وضعت قيوداً معقولة وحدوداً أخلاقية لممارسة الحريات كلها، بما فيها حرية التعبير عن الرأي. وتتلخص هذه الحدود والقيود في العناوين التالية:(1/36)
1- لا يسمح أحد من الناس في حال من الأحوال أن يسب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن ينسب إلى دين الله ما ليس منه. فإن الحفاظ على الدين والدفاع عن تعاليم الإسلام من مقاصد الشارع الأساسية والأولية. والشريعة الإسلامية تأمر أتباعها بأن يعتبروا قول الحق عند حاجة الناس إليه واجباً دينياً، وأن يقوم به كل من عنده علم بالحق. ويجب للحفاظ على أصالة تعاليم الإسلام وعلى نقاء مصادره وعلى تواصل معارفه أن تتخذ دولة الإسلام كل ما في وسعها من تدابير وترتيبات من نشر التعليم الإسلامي الصحيح وضبط عملية التعليم الصحيح، وأن تضمن أن تتوفر لعامة الناس وسائل وتسهيلات الاطلاع على حكم الشريعة كلما سنحت لهم الحاجة إلى ذلك. فقال الفقهاء أنه يجب على الدولة الإسلامية أن تعين عدداً كافياً من المفتين بحيث يوجد في كل مسافة عدوى مفتٍ يرجع إليه الناس(67).
... ولكن لا يجوز التعبير عن آراء شخصية غير مستندة إلى نص أو إجماع أو قياس صحيح راجع إلى نصوص الشريعة، ويجب على الدولة أن تضع الحجر على المفتي الماجن ولا يسمح له بالفساد أو إشاعة شبهات واهية عن الإسلام في دار الإسلام ومحاولة افتنان الناس عن دينهم تحت لواء حرية التعبير(68). فهذا كله يعتبر فساداً في الأرض ونوعاً من الزندقة. وقال الفقهاء إن الزنديق له حكم المرتد بل أشد منه(69).
2- إن مبدأ كرامة الإنسان من أهم مبادئ الإسلام. فلا تسمح الشريعة الإسلامية بالنيل من كرامة البشر باسم الحرية. وذلك لأن مبدأ كرامة بني آدم الذي نادى به القرآن الكريم(69) هو أساس كل الحقوق والحريات. فلا كرامة بدون حق الحياة ولا حياة بدون الحرية. ولا حرية بدون المساواة. ولا مساواة بدون التساوي في الحقوق.(1/37)
... فالحرية صنف المساواة ومبدأ كرامة الإنسان منبع الحقوق كلها ومنهلها، وهو مصدر جميع الحريات ومنطلقها. والحفاظ على كرامة الإنسان وعرضه ونفسه ودمه من مقاصد الشارع. وجاءت أحكام كثيرة في الشريعة تحقيقاً لهذا المقصد. فالشريعة الإسلامية تعترف بحرمة دماء الناس وأعراضهم كحرمة أقدس أيام السنة وحرمة أقدس بقاع الأرض. فقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:" ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا"(70)
... فحرمة أعراض الناس شرط لازم لممارسة حرية التعبير. وجاءت الشريعة الإسلامية بمجموعة من الأحكام في مجالات مختلفة للحفاظ على حرمة أعراض الناس وكرامتهم. ولا تنحصر هذه الأحكام في باب أو بابين من أبواب الفقه الإسلامى. فما من باب إلا ويحتوي على الأحكام التي تهدف إلى الحفاظ على الأعراض والحرمات.(71)
3- لا يسمح لأحد أن يقوم بإشاعة الفاحشة في المجتمع الإسلامي باسم حرية التعبير. والذين يحبون أن يقوموا بإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة(72). فليست إشاعة الفاحشة معصية دينية فحسب أو خطيئة أخلاقية فقط، بل هي جريمة قانونية يعاقب عليها مرتكبها بعقوبة تكون نكالاً للآخرين.
4-لا يسمح لأحد أن يتتبع عورات الناس باسم حرية الصحافة وحرية التعبير. فإن الشارع الحكيم منع من ذلك وقال لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم. فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عثرته. ومن تتبع الله عثرته يفضحه ولو في قعر بيته (73).(1/38)
5- لا يجوز لأحد باسم حرية الاعتقاد و حرية التعبير أن يسيء إلى مشاعر الآخرين بالسب أو الشتم أو السخرية من الآخرين. فسباب المسلم فسوق و قتاله كفر(74). وحرمة ماله كحرمة دمه. و يجب على أولياء أمور المسلمين أن يتخذوا ما في وسعهم من ترتيبات لمنع انتشار الفسوق في حدود دولة الإسلام. ومن أسوأ أنواع المساس بمشاعر الآخرين ارتكاب السب و الشتم و توجيه التهم إلى الشخصيات المحترمة و المقدسة عند الناس . إن شريعة الله نهت المسلمين أن يسبوا الآلهة الذين يعبدهم المشركون من دون الله(75).
6- لا تسمح الشريعة الإسلامية بزعزعة قواعد النظام في الإسلام وأمن الدولة و وحدة الأمة و التضامن الفكري بين أعضاء الأمة. لأن كل محاولة تسيء إلى التضامن الفكري و الحضاري بين أعضاء الأمة تسيء إلى وحدة الأمة. و الضعف في وحدة الأمة و الانحلال في تضامنها يؤثر تأثيرا سلبيا في أمن الدولة. فلا يجوز لأحد أن يقول شيئا ينشئ فتنة بين المسلمين أو يدعو إلى عصبية جاهلية. وكل ما يضعف كيان الأمة و يزعزع وحدتها يعتبر إساءة إلى النظام و المس بأمن الدولة. وكل ذلك يؤدي إلى الفوضى الفكرية والانحلال الخلقي والاجتماعي. وحرية التعبير لا تعني في حال من الأحوال أن تتحول إلى حرية الفوضى والانحلال و توجيه التهم و السب و الشتم و الإساءة إلى النظام و المس بالأمن والسلام وأن يتعرض أحد باسم الحرية للأعراض و الدماء.(1/39)
7- إن من مقاصد الشريعة الحفاظ على العقل. وجاءت الشريعة الإسلامية بكثير من الأحكام تهدف إلى الحفاظ على العقل الذي هو مناط التكليف الشرعي كله. و حرم الشارع الحكيم كل شيء يؤثر في العقل تأثيرا سلبيا. منها منع الخمور و المخدرات. ومنها منع الجبت و الطاغوت و السحر وكل ما أثر في العقل البشري وأخل بالملكة الفكرية. فلا يجوز نشر الخرافات و السفاهات و الضلال و الكفر و الطاغوت باسم حرية التعبير. فحرية التعبير لا تعني الهذيان.لأن الهذيان يؤدي إلى الفرية و الفرية تستوجب عقوبة الحد. قال سيدنا علي بن أبي طالب في شارب الخمر: " نرى أنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى وإذا هذى، افترى ،وعلى المفتري ثمانون جلدة"(76) . هذا القياس العلوي يدل على أن كل شيء يؤدي إلى الفرية و الهذيان يجب أن يمنع و يعاقب عليه في الدولة الإسلامية.
... ثم، كما سبقت الإشارة إليه، أن قول الحق و التعبير عن الرأي السديد من الواجبات الشرعية الهامة التي أمرت بها الشريعة الإسلامية. فالأمر بالمعروف لا تنحصر مسؤولياته وواجباته في شؤون الدولة و مؤسسات القضاء . بل له مستويات. فيجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على كل فرد من أفراد المسلمين رجالاً و نساء، شيوخا و شبابا، كل حسب مؤهلاته و سعة نفوذه. و هذا الواجب على المستوى الفردي أشار إليه قوله تعالى ناقلا نصيحة لقمان لابنه وهو يعظه:" يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك"(77). فكما أن الصلاة فريضة على كل مسلم عاقل بالغ ومسؤوليته فردية فكذلك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وعليه أن يصبر على ما أصابه خلال أداء هذه الفريضة.
... ثم تأتي مرحلة المجتمع كله و جماعة المسلمين بأسرها . وهذه المرحلة هي أشارت إليها نصوص كثيرة من الكتاب و السنة وهو ما ثبت من الدين بالضرورة. فإن النصوص تضافرت و الأحاديث تواترت بهذا المعنى.(1/40)
... ومن هذا الباب القيام بواجب التواصي بالحق و التواصي بالصبر، الواجب الذي نزلت به سورة العصر وهي من السور المكية. وهذه دلالة واضحة و صريحة على أن التواصي بالحق و الصبر فريضة محكمة على أهل الإيمان ولا تحتاج في القيام بها إلى وجود دولة أو مؤسسة سياسية. ولا يمكن التواصي بالحق و التواصي بالصبر – وهما فريضتان جماعيتان و مسؤوليتان اجتماعيتان، كما تدل عليه صيغة التواصي التي هي من باب التفاعل – إلا بممارسة حرية التعبير و حرية كلمة الحق.
... من المعلوم أن الشريعة الإسلامية أمرت المسلمين بالنصيحة لكل واحد . ومن أهم أنواع النصيحة النصيحة لأئمة المسلمين و عامتهم، كما ورد في الحديث المعروف(78) وهذه النصيحة هي التي أشار إليها الخلفاء الراشدون عندما طلبوا من المسلمين أن يسددوهم ويقوموهم كلما زاغوا عن الطريق. ولا شك أن القيام بهذا الواجب يتطلب وجود بيئة تسودها الحرية و مشاعر النصيحة و عواطف الإخاء. ولا يمكن نصيحة أولياء الأمور وأصحاب النفوذ في بيئة استبدادية يسودها الخوف و العدوان. فإن الجو المثالي في الدولة الإسلامية هو الذي تتجلى فيه روح من الإخاء و الرحمة و الحب و الإخلاص بين أئمة المسلمين وعامتهم. فروى سيدنا عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :" خيار أئمتكم الذين تحبونهم و يحبونكم و يصلون عليكم و تصلون عليهم وأشرار أئمتكم الذين تبغضونهم و يبغضونكم و الذين يلعنوكم وتلعنوهم"(79).
... ولا يمكن تحقيق هذا الهدف وإيجاد هذا الجو إلا بوجود علماء مخلصين وأئمة عادلين يساعدون الأمة في اتباع حكم الشريعة . بسبب أهمية هذه الشروط الثلاثة كان النبي صلى الله عليه و سلم يهتم بها اهتماما خاصا. فيقول سيدنا عوف بن مالك : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إني أخاف على أمتي من أعمال ثلاثة " قالوا : وما هي يا رسول الله؟ قال:
- ذلة عالم
- حكم جائر
- و هوى متبع(1/41)
... هذا هو الجو الذي كان سائدا في قرون السلف الصالح. فالصحابة كانوا يتواصون بينهم بالحق و الصبر. و كانوا يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر . و كان أحدهم لا يجامل أحدا في الحق. و كانوا لا يخافون في الله لومة لائم. و كان دأبهم حرية القول وكلمة الحق. وكان النبي صلى الله عليه وسلم رباهم على ذلك. فكانوا يختلفون معه في أمور سمحت الشريعة الإسلامية فيها أن يكون للرأي مجالاً . فهذا الصحابي الجليل حباب بن المنذر يسأل النبي صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر عن قراره في اختيار مكان مناسب للمعسكر الإسلامي و يقول: هل هذا وحي أوحى الله إليك أم هو الرأي و الحرب و المكيدة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي و الحرب و المكيدة. فأبدى حباب بن المنذر عن رأيه في موقع المعسكر و الذي وافقه عليه النبي صلى الله عليه وسلم(80) . وهذا الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا هريرة أن يبشر من رآه من المسلمين بالجنة. فضرب في صدره ومنعه من ذلك و قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أخشى ان يتكلوا. فوافقه النبي صلى الله عليه وسلم على رأيه وقال: فلا إذا(81).
... ولم تكن هذه الروح و هذه الحرية محدودة بين كبار الصحابة و قادة المهاجرين و الأنصار ، بل تحلى بها جميع أعضاء المجتمع عبيدا وإماء صغاراً و كباراً فقيرا و غنيا. فهذه بريرة ترفض البقاء مع زوجها المغيث بعد أن عتقت من الرق. فلما كلمها النبي صلى الله عليه وسلم في شأن مغيث، قالت: هل هذا أمر أم مشورة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم" لا بل مشورة. فلم تقبل مشورة النبي صلى الله عليه وسلم و أصرت على قرارها السابق. لا شك أن هذه القضية كانت قضية شخصية و فردية لبعض آحاد المسلمين، و لكنها تدل على الجو السائد و البيئة القائمة، بيئة تمتاز بحرية الاختلاف و التنازع جو تسوده حرية النقد وحرية التعبير.(1/42)
... وهذه الحرية – حرية التعبير و النقد- هي التي مكنت أئمة الحديث و قادة الجرح والتعديل من نخل الرواة نخلا و تمييز الثقات من الضعفاء و الفرق بين المقبولين والمرفوضين. وقد بلغ مستوى الحرية و الشعور بالمسؤولية نحو الحق و الصدق أن احدهم لم يتردد من جرح أبيه و الآخر من جرح أخيه .
... وقبل أن نختم هذا الحديث ينبغي أن نشير إلى أن حرية التعبير عن الرأي لها صلة قوية عميقة بالعلم و المعرفة. فلا رأي إلا ما صدر عن علم و حكمة. فلا يسمح في دولة الإسلام و مجتمعه أن يعبر أحد عن رأي لا يستند إلى علم و حكمة. فكل رأي يؤدي إلى كفر و إلحاد وشرك أو يستند إلى جبت و طاغوت فنشره ليس من باب ممارسة الحرية، بل من باب نشر الفساد و الإخلال بالنظام و الإساءة إلى المثل و القيم. فكما لا تسمح الحكومات المعاصرة بنشر أدوية ضارة في المجتمع و بيع مخدرات تسيء إلى صحة الناس و نشر آراء إرهابية تخل بالنظام و الأمن، فكذلك لا تسمح الدولة الإسلامية بنشر آراء إلحادية و بنشر زندقة تضر بمجتمع الإسلام، بل ضرره على المجتمع الإسلامي أكثر من ضرر المخدرات و الأدوية الضارة و الآراء الإرهابية على المجتمعات الغربية.
... هذه هي بعض الحدود و القيود التي تضعها الشريعة الإسلامية على حرية التعبير. وهي تنطبق على حرية النشر و الصحافة. فالمسلمون كلهم مأمورون بالقول الحسن و الكلمة الطيبة و الجدال بالتي هي أحسن و الإعراض عن اللغو. و ينبغي أن نذكر أن الرأي في الشريعة الإسلامية أمانة و المستشار مؤتمن. و الرأي الصحيح ينبغي أن ينطلق من العلم والإخلاص و النصيحة و يراعى في ذلك مبدأ الذريعة و الحكمة و الموعظة الحسنة.
الهوامش
(1) راجع الموسوعة العربية، طبع دمشق،2003، المجلد الثامن،ص231
(2) المصدر السابق، ص 231-234
(3) نفس المصدر،ص 232
(4) نفس المصدر،ص233(1/43)
(5) أشار المفكر الكبير والشاعر الإسلامى محمد إقبال إلى هذه المعاني والمزايا بالتفصيل في ديوانه: في السماء، حيث قام برحلة خيالية للأفلاك. وقابل خلالها عدداً من الشخصيات التاريخية. فقابل السيد جمال الدين الأفغاني ، وذكر على لسانه معاني شعرية لطيفة حول ما يسميه بالعالم القرآني، وأشار إلى بركاته وثمراته، وذكر محكماته التي يقوم عليها، راجع جاويد نامه ، طبع لاهور.
(6) راجع للبسط في الموضوع كتاب الدكتور محمد البهي: الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، وكتاب المفكر والداعية الإسلامى الأستاذ أبو الحسن الندوي: الصراع بين الفكرة الغربية والفكرة الإسلامية.
(7) راجع الأحكام السلطانية، للماوردي، مبحث الإمامة
(8) شرح السيد شريف الجرجاني على المواقف، لعضد الدين الأيجي، مجلد ثامن، ص345
(9) نفس المصدر
(10) تبصرة الحكام، لابن فرحون، طبع الباب الحلبى، القاهرة، ص 291
(11) المقدمة، لابن خلدون، المكتبة العصرية، بيروت،2007-ص178
(12) إن كثيرا من العلماء الذين ألفوا في الأحكام السلطانية ذكروا واجبات الحكومة الإدارية والمسئوليات الأخرى غير المنصوصة في الشريعة منهم بدر الدين بن جماعة والماوردى وأبو يعلى وغيرهم
(13) سورة الحجر:41
(14) إن الأحكام الجماعية الموجهة إلى جماعة المؤمنين يقوم بتنفيذها أولياء الأمور نيابة عنهم، لان "إقامة مراسيم الدين واجبة على المسلمين ثم الإمام ينوب عنهم". الجامع لأحكام القرآن للقرطبى،(بداية سورة النور)
(15) هو الإمام الفقيه بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الحموي ( المتوفى في 733 هـ / 1333 م ) ، مؤلف كتاب تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام. من كبار علماء الشافعية. كان من قضاة مصر والشام، وله عديد من المؤلفات في علوم القرآن والحديث والتاريخ والسياسة الشرعية
(16) تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، لابن جماعة، ص 65-69 (ملخصاً)(1/44)
(17) نفس المصدر، ص 61- 64 ( ملخصا)
(18) رواه البخاري في كتاب الإيمان: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة لله ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم.
(19) رواه أبى داود والترمذي عن ابن مسعود
(20) نقله ابن هشام في السيرة النبوية، المجلد الرابع ص 1075، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية، المجلد السادس، ص 301
(21) سورة العصر: إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
(22) نقله ابن تيمية في السياسة الشرعية، ص 68
(23) نفس المصدر
(24) إحياء علوم للدين للإمام الغزالي، المجلد الثاني، ص 352، 254
(25) الإمام الفقيه، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي ( المتوفى 684 هـ / 1285 م ) له مؤلفات كثيرة وقيمة، من أئمة الإسلام و من كبار الفقهاء المالكية في عصره، مؤلف كتاب الفروق وغيرها من المؤلفات
(26) كتاب الفروق للإمام القرافي، المجلد الأول، ص 141
(27) السياسة الشرعية، للأستاذ عبد الوهاب خلاف، ص 37-47
(28) سورة النساء: 59
(29) سورة الشورى: 10
(30) روى الإمامان الجليلان البخاري ومسلم وغيرهما من كبار المحدثين أحاديث كثيرة في هذا المعنى
(31) نقله الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية، القاهرة، 21937/ 1356 هـ، المجلد الخامس، ص 259
(32) نقله الإمام القرطبي، مصدر سابق، المجلد الخامس ص 99
(33) حكاه الأستاذ ظافر القاسمي في كتابه: نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامى، طبع دار النفائس، بيروت، 1985، ص 60
(34) رواه أبو داود والترمذي
(35) سورة المائدة:78
(36) رواه البخاري عن النعمان بن بشير، ورواه احمد في المسند، المجلد الرابع، ص 269
(37) رواه البخاري ومسلم
(38) أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان، المجلد الأول، ص 358(1/45)
(39) رواه الإمام احمد في المسند، المجلد الثالث، ص 30، 47، 91. ورواه ابن ماجه في السنن: كتاب الفتن: باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
(40) رواه أبو داود في كتاب الملاحم، والترمذي في أبواب الفتن، وابن ماجه في كتاب الفتن
(41) سورة الحديد: 25
(42) سورة النساء:135، سورة المائدة: 8
(43) قوله تعالى: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ان لاتعدلوا. سورة المائدة:8
(44) سورة البقرة:42
(45) راجع: حرية الاعتقاد في ظل الإسلام، للدكتور تيسير خميس العمر، ص 223-224
(46) نفس المصدر
(47) نفس المصدر
(48) راجع خطبته عليه السلام في حجة الوداع، كما نقل فقرات منها الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1985، المجلد 16، ص 341-342
(49) نفس المصدر
(50) ذكرها الإمام أبو يوسف
(51) راجع كتاب الهداية، للإمام برهان الدين المرغيناني : كتاب السير، باب كيفية القتال.
(52) الإمام الباقلاني : كتاب التمهيد، طبع القاهرة 1947- ص 184
(53) راجع شرح المقاصد، المجلد الثاني، ص 272
(54) أصول الدين للبغدادي، ص 279
(55) المغنى لابن قدامة، المجلد الثامن، ص 106
(56) منهاج السنة النبوية، المجلد الأول، ص 142
(57) تحرير الأحكام لتدبير أهل الإسلام، ابن جماعة، ص 71
(58) روى هذا الحديث عديد من أئمة الحديث . منهم البخاري في الحدود وفضائل أصحاب النبي، ومسلم في الحدود، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
(59) سورة البقرة: 256
(60) سورة التوبة:111
(61) رواه الأئمة أبو داود في الجهاد والديات، والنسائي في القسامة وابن ماجه في الديات، واحمد بن حنبل في المسند: المجلد الأول، ص 119، 112، المجلد الثاني، ص 180، 192
(62) تاج العروس من جواهر القاموس للإمام اللغوي مرتضى الزبيدي
(63) تاج العروس من جواهر القاموس،
(64) نقله العلامة سيد رشيد رضا عن أستاذه الشيخ محمد عبده، تفسير المنار، المجلد الأول، ص 236(1/46)
(65) كان محمد إقبال من أشد الناقدين على الحرية المطلقة للفكر والتعبير وغير المقيدة بقواعد الدين والأخلاق. وله أبيات بليغة كثيرة في هذه المعنى. يقول في بيت شعر ما ترجمته: مع أن العصر عصر التنور بالفكر الذي وهبه الله، ولكن حرية الفكر من إبداعات إبليس.
(66) راجع المادة التاسعة والعشرين من الإعلان العالمي للحقوق الإنسانية: نص الإعلان في كتاب الوسيط في القانون الدولي العام، للدكتور عبد الكريم عليان خضير ، طبع عمان – الأردن، 1997، المجلد الثالث ،ص266
(67) انظر مغنى المحتاج، للخطيب الشربيني، دار المعرفة، بيروت 2004- المجلد الرابع، ص499
(68) راجع للبسط في ما كتبه الفقهاء في الحجر على المفتى الماجن كتاب المبسوط للسرخسي 157:24، شرح مجلة الأحكام العدلية: درر الحكام لعلي حيدر:603:2 بدائع الصنائع للكاساني: 172:6. رد المحتار، لابن عابدين: المجلد السادس: 147، الفتاوى الهندية: المجلد الخامس: 54.
(69) سورة الإسراء: 70 قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم
(70) ذكر هذه الخطبة مع الآخرين ابن هشام السيرة النبوية، طبع دار المعرفة، بيروت 2006 المجلد الثاني، ص509
(71) سورة البقرة:194 قوله تعالى: والحرمات قصاص
(72) سورة النور: 19 قوله تعالى: ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة.. الآية.
(73) ذكره السيوطي في الدر المنثور، نقلا عن موسوعة أصول الفكر الإسلامي للدكتورة خديجة النبراوي، طبع دار السلام، القاهرة، المجلد الأول ص 388
(74) رواه البخاري ومسلم في كتاب الإيمان،والترمذي والنسائي
(75) سورة الأنعام: 108
(76) رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الأشربة، ( المجلد الثامن، ص 320)
(77) سورة لقمان: 17
(78) رواه البخاري في كتاب الإيمان ومسلم في كتاب الإيمان، وروى بمعناه ابن ماجه والدرامي وأحمد
(79) رواه مسلم في كتاب الإمارة: باب خيار الأئمة وشرارهم
(80) ابن هشام: السيرة النبوية طبع دار المعرفة بيروت 2006 ص 548(1/47)
(81) رواه البخاري في كتاب الإيمان، ومسلم في كتاب الإيمان، وهناك أحاديث في هذا المعنى رواها الأئمة المحدثون أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم.(1/48)