الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
حرية التعبير عن الرأي
الضوابط والأحكام
إعداد
د. سيف راشد الجابري
مدير إدارة البحوث
بدائرة الشؤون الإسلامية - دبي
محاور البحث
... - المقدمة.
... 1- التعريف اللغوي.
... 2- مشروعية التعبير .
... 3- حرية التعبير توجبها الضرورة ويحكمها الشرع والعقل.
... 4- فلسفة الإسلام في حرية التعبير.
حرية التعبير عن الرأي
الضوابط والأحكام
المقدمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالكلمة الطيبة تعم الخيرات، والصلاة والسلام على رسول الهدى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، الداعي إلى الكلمة الطيبة بين الناس.
أما بعد: فقد دخلت الأمة الإسلامية الألفية الثالثة المحملة بالتحديات والاتجاهات المختلفة مثل العولمة وما ماثلها من هجوم على الإسلام والمسلمين بحجة حرية التعبير عن الرأي دون قيد أو شرط، ومقابل هذا السيل المنهمل على الأمة وأتباعها نجد في المقابل أبناء الأمة تعصف بهم الأهواء التي ذهبت بريحهم، مع أن الله تعالى ينهاهم عن ذلك كما قال تعالى: { ? ? پ پ پپ ?? ? ? ? ?} ولعل ذلك هو نتيجة حرية الرأي غير المنضبط، وأن الإنسان يقول ويفعل ما يشاء وقت ما يشاء، مما فرق وحدة الأمة.
وأمام هذه التحديات العالمية من مختلف ألوانها وأشكالها سواء السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية والتربوية والثقافية وغيرها الكثير. نجد الأمة الإسلامية على وجه الخصوص والعالم كله على وجه العموم في حاجة لإعادة النظر في حرية التعبير لفهم الآخر من خلال ضوابط عامة تحكم الفرد والمجتمع.(1/1)
ولقد كفل الإسلام حرية الرأي والتعبير بمفهومها الإسلامي المنضبط الذي يمنع التعدي ويحفظ الحقوق، ولأهمية هذا الموضوع (حرية التعبير عن الرأي) نجد أن الحق سبحانه وتعالى لما أراد الخير للبشرية جمع لهم وحدة الفكر في طريق العبادة والوصول إلى المراد من أصل الخلقة، ألا وهي توحيده وعبادته سبحانه، ومن أجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب وختم الأديان بدين الإسلام وختم الرسل بسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، الذي أبان طريق الحق في فن الحوار وحرية التعبير وقبول الرأي من خلال ضوابط وأحكام شرعية حواها كتاب الله وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لأن دين الإسلام هو دين الهداية والقيم كما أخبر الله عنه بقوله تعالى: { ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ھ ے ے ?} (1) . ومن هذه القيم مبدأ الاختلاف في الرأي وهذا ما وضحه الحق سبحانه لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوله : { ? ? ? ? ? ? ? ? ? } (2) ، { ? ? ? ? ? پ پ پ } (3) .
من هنا بدأت مسألة الاختلاف في الرأي، وقد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه سوف يكون له مخالفون، إذن لا بد أن تكون هناك حرية تعبير، ولا بد من قبولها لقرع الحجة بالحجة، وإقامة الدليل، وبعدها تكون للإنسان الحرية في القبول أو الرفض، وهذا تعزيز لدور الإسلام الذي علَّم أتباعه أن خيار التعددية العقائدية والفكرية هي من مقومات البشر واختلافهم، لذلك توج كلمة المسلمين لغيرهم بقوله سبحانه وتعالى: {ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھھ ے ے ? ? } (4) . هذا من جهة، ومن جهة أخرى توضح أهمية الاختلاف والتعبير الذي هو أساس الغاية من الوجود البشري، وهو اختلافهم في التعبير عن حاجاتهم على مدى الزمن من أعمارهم لذلك يقول سبحانه عنهم: { ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? * ? ? ? ? } (5) .
__________
(1) ... سورة الأنعام: الآية 161 .
(2) ... سورة آل عمران: الآية 64 .
(3) ... سورة الكافرون: الآيتان 1، 2.
(4) ... سورة النحل: الآية 125 .
(5) ... سورة هود: الآيتان 118-119.(1/2)
إن الرأي الذي يحمله الآخر ينبغي أن يكون رافداً في تقوية التواصل ووسيلة للتقارب والتعارف والتجديد في الحوار الحضاري بين الشعوب تطبيقاً لقول الحق سبحانه وتعالى: {? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ?? ? ? ? ? ?} (1) .
ففي هذه الآية الكثير من الدلالات والإشارات الدالة على حسن الجوار والتواصل بين المسلمين وغيرهم وتدل أيضاً على أن البشر بطبيعتهم يختلفون مع بعضهم سواء في المعتقد أو التفكير أو الحديث، والإسلام منذ إعلان دعوته وبعثة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - انتشر بين الشعوب واختلط بطوائف تخالفه في العقيدة، وظل أمره كذلك على مختلف العصور بين البلدان المترامية، ومن الأمور الحتمية أن تكون هناك علاقة بين المسلمين وغيرهم، ولذلك فإن الإسلام هذب أفكار أتباعه وعلمهم الحكمة من خلال التعبير المتوازن المقيد بالضوابط والأحكام التي سوف نتناولها في هذ البحث المختصر من خلال محاوره الموصلة لغايته في فهم الآخر.
وقد جاء على الشكل الآتي:
1- معنى التعبير لغةً واصطلاحاً.
2- مشروعية التعبير.
3- المداراة سنة والمداهنة نفاق.
1- التعريف اللغوي:
العبارة في اللّغة : البيان والإيضاح ، يقال : عبّر عمّا في نفسه : أعرب وبيّن ، وعبّر عن فلان: تكلّم عنه ، واللّسان يعبّر عمّا في الضّمير : أي يبيّن ، وتعبير الرّؤيا تفسيرها : يقال : عبرت الرّؤيا عبراً وعبارةً : فسّرتها (2) ، وفي التّنزيل : { ? ? ? ? } (3) .
وفي الاصطلاح : العبارة هي الألفاظ الدّالّة على المعاني ، لأنّها تفسير ما في الضّمير الّذي هو مستور (4) .
الألفاظ ذات الصّلة:
« أ - القول »:
__________
(1) ... سورة الحجرات: الآية 13 .
(2) ... لسان العرب، والمصباح المنير، مادة ( عبر ).
(3) ... سورة يوسف، الآية 43 .
(4) ... كشف الأسرار (1/67)، وقواعد الفقه للبركتي (ص371).(1/3)
القول لغةً : الكلام أو كلّ لفظ ينطق به اللّسان تامّاً أو ناقصاً (1) ، وقد يطلق القول على الآراء والاعتقادات ، فيقال : هذا قول أبي حنيفة وقول الشّافعيّ ، يراد به رأيهما
وما ذهبا إليه.
ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذه الكلمة عن المعنى اللّغويّ .
والصّلة بين القول والعبارة هي أنّ القول أعمّ من العبارة لأنّ العبارة تكون دالّةً
على معنىً.
« ب - الصّيغة »:
الصّيغة لغةً : العمل والتّقدير ، يقال : هذا صوغ هذا إذا كان على قدره ، وصيغة القول كذا، أي مثاله وصورته على التّشبيه بالعمل والتّقدير (2) .
واصطلاحاً : هي الألفاظ الّتي تدلّ على مراد المتكلّم ونوع التّصرّف (3) .
2- مشروعية التعبير:
من المعلوم سلفاً أن التعبير عما في النفس والفكر مشروع، لكون ذلك من طبيعة الحياة المبنية على ما يدور عند الآخر الذي تتعامل معه من حولك أيّاً كان نوعه سواء كان إنساناً أو حيواناً، ولمعرفة مشروعية التعبير لا بد أولاً أن نتفهم مسألة المداراة التي يمكن أن تستوعب بها الآخر، وقد قيل فيها: أنها الصبر على طبائع الناس مهما اختلفت، ولا يعني ذلك المجاملة على حساب الحق والصواب، فالإنسان المداري يستطيع أن يتعايش مع كل الناس ويكسب محبتهم، وهي مشتقة من التصبر والتحمل، وهما خلقان نبيلان يدعوان إلى حسن التعامل وشفافية التعبير، ومعرفة الإنسان بقدر كبير من العلوم المختلفة تثبت أن لديه القدرات العقلية والذهنية والبدنية التي تؤهله للتعبير عن رأيه بحرية، ودليلنا في ذلك قول الحق سبحانه في سورة الكهف: { ? ? ? ? ? } (4) .
__________
(1) ... القاموس المحيط، مادة ( قول ).
(2) ... لسان العرب، والمصباح المنير، مادة ( لفظ )
(3) ... لسان العرب، والمصباح المنير، مادة ( صوغ ).
(4) ... سورة الكهف: الآية 54 .(1/4)
أي : كثير الخصومة والتنازع في الرأي ، والجدل: هو المحاورة ومحاولة كل طرف أن يثبت صِدْق مذهبه وكلامه ، والجدل إما أن يكون بالباطل لتثبيت حجة الأهواء وتراوغ لتبرر مذهبك ولو خطأً ، وهذا هو الجَدل المعيب القائم على الأهواء . وإما أن يكون الجدل بالحق وهو الجدل البنّاء الذي يستهدف الوصول إلى الحقيقة ، وهذا بعيد كل البعد عن التحيّز للهوى أو الأغراض .
ولما تحدَّث القرآن الكريم عن الجدل قال تعالى : { وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ . . } (1) ، وقال : { وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ . . } (2) ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما مرَّ على عليٍّ وفاطمة رضي الله عنهما ليوقظهما لصلاة الفجر ، وطرق عليهما الباب مرة بعد أخرى ، ويبدو أنهما كانا مستغرقيْن في نوم عميق ، فنادى عليهما صلى الله عليه وسلم « ألا تصلون؟ » فردَّ الإمام علي قائلاً : يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله ، إن شاء أطلقها وإن شاء أمسكها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال : { وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} » [ الكهف : 54 ]
ولأهمية الموضوع لا بد من معرفة ضوابط الحوار وأحكامه من خلال مشروعية التعبير عمَّا يجول في النفس لدى الآخر، ليتسع فن الحوار بمقاصده الإيمانية والعقلية المنضبطة مع الشرع أو ضده من خلال الضوابط الشرعية التي تراعي الآخر وتحاوره دون إخلال بالمعايير الشرعية الهادفة إلى توحيد الأمة من خلال الالتزام بهذه الضوابط والأحكام التي تدين بها، مثال ذلك في قول الحق سبحانه: { ? ? ? } (3) ، وقوله سبحانه: { ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? } (4) ، وقوله سبحانه: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? } (5) .
__________
(1) ... سورة العنكبوت: الآية 46 .
(2) ... سورة النحل: الآية 125 .
(3) ... سورة البقرة: الآية 83 .
(4) ... سورة العنكبوت: الآية 46 .
(5) ... سورة الحجرات: الآية 3 .(1/5)
لقد وضع الحق سبحانه منهجية الحوار في ذكر الآية الأولى إذ بدأها بالناس كافة دون تمييز بين جنس ونوع ودين، بل قال سبحانه وتعالى: { ? ? ? }.
ثم ذكر في الآية الأخرى النهي عن المجادلة والحوار غير الهادف مع أهل الكتاب، وفي هذا إشارة بأن أهل الكتاب لا يرون محاورة أهل الإسلام، وهذا يعطي مدلولاً واضحاً بأن الجدال غير مفيد، ولكن المفيد هو الحوار الهادف، لذلك نوَّه الحق سبحانه بذلك في قوله: { ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? }.
أما عندما جاء الحديث عن المسلمين فقد طلب منهم ضابطاً آخر في الحوار، وذلك يعود إلى سعة الإسلام وكثرة مدلولاته وحجية أقواله وأفعاله، لذلك طلب من أهل الإيمان إذا تحاوروا أن يخفضوا حدة الصوت، لأن علو الصوت يفسد الحوار، فيقول الحق سبحانه: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? }.
ونتيجة لعدم فهم ضوابط الحوار وطبيعته بين الأطراف نتجت عن ذلك أمور خطيرة جداً، كما يقول الدكتور عبد الحميد الأنصاري هي: « الخلافات الطائفية تحولت إلى مواجهات دموية، والخلافات المذهبية انقلبت إلى تعصبات مذهبية، والخلافات السياسية إلى اتهامات تخوينية وتكفيرية، والاختلافات الثقافية والحضارية مع الآخر الحضاري المتفوق أصبحت عداوات تصطبغ بالصبغة العقائدية » (1) .
__________
(1) ... د. عبد الحميد الأنصاري (كاتب قطري)، جريدة البيان عدد 10120 ص 28 (سنة 2008) .(1/6)
وعليه فإن من الضروري إعادة صياغة الحوار وفهم وسائله من خلال منظور شرعي متخذين من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - منهجاً قويماً في حرية التعبير، وعلى من يتصدى لتبليغ الدعوة إلى غير المسلمين أن يقبل منهم الحوار ليخضع ذلك إلى مقاييس الرضا بالقبول أو الرفض، ولنتعلم كيف خاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير المسلمين، وكيف بلغ دعوته، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: « مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً » (1) ، وقال علي كرم الله وجهه: « حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ » (2) ، ويروى : « أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم » (3) .
وللشعر حكمة وموروث كبير في مسألة حرية ومشروعية التعبير:
قال أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي:
... ما دُمْتَ حياً فدارِ النَّاسَ كُلّهُمُ فإنما أنتَ في دارِ المُدَاراةِ (4)
وقال آخر:
... إني أُحيي عدوي عِنْد رؤيته لأدفعَ الشَّرَّ عني بالتحياتِ
... وأُظهرُ البِشْرَ للإنسانِ أُبغضه كأنه قَدْ ملا قلبي مسراتِ (5)
وقال زهير بن أبي سلمى:
... ومَنْ لم يُصَانعْ في أمورٍ كثيرةٍ يُضَرَّسْ بأنيابٍ ويُوطَأْ بِمنْسَمِ (6)
__________
(1) ... أخرجه مسلم في صحيحه ( 1 / 9 ) .
(2) ... أخرجه البخاري في صحيحه (1/59 ، رقم 127).
(3) ... أخرجه الديلمي (1/398 ، رقم 1611) . وقال العجلوني في كشف الخفا (1/225) : رواه الديلمي بسند ضعيف .
(4) ... انظر: معجم الأدباء (1/447).
(5) ... انظر: ديوان الشافعي (1/21)، ونسبه في البصائر والذخائر لهلال بن العلاء الرقي (1/472).
(6) ... انظر: ديوان زهير (1/5).(1/7)
والتعبير هنا هو نفسه توجه النفوس التواقة إلى الحرية التي تعبر بها عن ماضي نفسها، ولكن بضوابط محكمة تؤدي إلى رؤية واضحة، من خلال الحوار المنضبط بالدين والقيم والأعراف والمواثيق الدولية، التي أشارت إليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة وحكم الشعراء، لأن هذه المراجع هي التي يعتمد عليها في فن الخطاب وضوابط التعبير.
3- حرية التعبير توجبها الضرورة ويحكمها الشرع والعقل:
إن الناظر في حرية التعبير يجدها مسألة اختلاف أصلاً، لذلك نجد أن الإسلام قد استخدم فيه العقل وحكم الشرع، ولهذا لا بد من فهم فكرة من تريد الحوار معه حسب الظروف المحيطة والبيئة المؤهلة لمثل هذا الحوار الذي هو ضرورة حتمية بين أبناء البشر الذين يتطلعون دائماً إلى حرية التعبير، لذلك كان لا بد من استخدام العقل المنضبط بالشرع في آلية الحوار، ويتضمن القرآن الكريم والسنة المطهرة الكثير من النصوص التي تؤكد بوضوح حرية التعبير، وتأكيد أمرين لا ينفصلان هما: أن القرآن يقر بتعددية الآراء وكثرة تنويعها، حيث يقول جل شأنه : { ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? } (1) ، أي أن الاختلاف بين البشر هو أمر إيجابي وهو يحدث بمشيئة الله تعالى، فإذا ما حدث الاختلاف في الآراء والأفكار يجب أن يُرد ذلك كله إلى كتاب الله تعالى، فيقول الله تعالى: { ? ? ? ? ? ? ? ?} (2) ، أي إذا ما وجد اختلاف أو نزاع سياسي أو ديني أو اجتماعي فيجب العودة إلى القرآن والسنة المطهرة لحل هذا الاختلاف. ولكن في كل الأحوال يجب أن تكون هناك آراء متعددة في المجتمع الإسلامي تعكس تنوعه وتياراته الفكرية، { ہ ھ ھ ھ ھے ے ? ? ?? ? ? ? ?} (3) .
__________
(1) ... سورة هود، الآية 118 .
(2) ... سورة النساء، الآية 59 .
(3) ... سورة الزمر، الآية 18 .(1/8)
ومن هذا المنطلق نجد أن المجتمع ( رجالاً ونساءً ) متمتع بالحرية في التعبير عن آرائهم ومواقفهم حيث يقول تعالى: {ک گ گ گ گ? ? ? ? ? ? } (1) ، أي أن المجتمع الإسلامي بشقيه الرجولي والنسوي يتمتع بحرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يقتصر على الأمور الدينية والعبادات والعقائد بل كل النشاطات.
وإن المتتبع لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كيفية استخدام حرية التعبير يجد الكثير من الأمثلة في ذلك لأن المقصد من الحوار هو إيصال المعلومة للآخر بأحسن الطرق وأيسرها، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحاور نصارى نجران في مسجده ويعرض عليهم المباهلة دون قيد أو حجر على فهم ولكن ليتسع عقلهم للدين الجديد، وهذا الحوار استند فيه - صلى الله عليه وسلم - إلى قول الحق سبحانه: { ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (2) .
يقول ابن عاشور: « وهذه المباهلة لعلّها من طرق التناصف عند النصارى فدعاهم إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - لإقامة الحجة عليهم ... وهذه دعوة إنصاف لا يدعو لها إلاّ واثق بأنه على الحق . وهذه المباهلة لم تقع لأنّ نصارى نجران لم يستجيبوا إليها » (3) .
فلو نظرنا في هذه الحادثة لوجدنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخدم العقل في حرية التعبير المقيد بالشرع وقال لوفد النصارى هذا البرهان، ولعلمهم السابق بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - على حق لم يأتوا لهذه المباهلة حتى لا يقع عليهم العذاب، ويكون سيئه عند النصارى من بعدهم، فأخذوا جانب العقل وابتعدوا عن هذه المباهلة ولم يحضروا.
__________
(1) ... سورة التوبة، الآية 71 .
(2) ... سورة آل عمران: الآية 61 .
(3) ... التحرير والتنوير لابن عاشور، في تفسير سورة آل عمران، الآية 161 .(1/9)
فدلت مسألة المباهلة مع وفد النصارى على أن الحوار مع غير المسلمين، « تحكمه ثوابت الإسلام وأصوله وقيمه، فكل موضوع أو مقصد يتعارض مع قيم الإسلام فهو مرفوض ابتداءً، ومحظور شرعاً ولا ينبغي لأي مسلم أن يخوض فيه إلا من اضطر وقلبه مطمئن بالإيمان، والقرآن وضع لنا - نحن المسلمين - آداباً وقيماً للتعامل مع أهل الكتاب والتحاور والتعايش معهم » (1) ، ودعوتهم بحكمة فيها نور الحقيقة وصدق الإيمان، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحاور مع غيره بالحوار المباشر أو بالمكاتبة.
فأما بالحوار المباشر فكما فعل - صلى الله عليه وسلم - مع عدي بن حاتم، قال عدي : لما قدمت المدينة ، وقد كان يبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي قال: فانطلق بي إلى رحله، وألقت لنا الجارية وسادةً - أو قال : بساطاً - فجلسنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتنكر أن يقال : لا إله إلا الله ، فهل من إله غير الله ؟! قال : قلت : لا . قال: فتنكر أن يقال : الله أكبر ، فهل شيء أكبر من الله ؟! فقلت : لا . قال: فإن اليهود مغضوب عليهم ، والنصارى ضلال، قلت: فإني مسلم ، قال : فرأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استبشر لذلك واستنار لذلك (2) .
و عن أبي عبيدة بن حذيفة قال : كنت أسأل عن حديث عدي بن حاتم وهو إلى جنبي
لا آتيه فأسأله، فأتيته فسألته فقال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث بعث فكرهته أكثر ما كرهت شيئاً قط، فانطلقت حتى كنت في أقصى الأرض مما يلي الروم فقلتُ: لو أتيت هذا الرجل فإن كان كاذباً لم يخف علي، وإن كان صادقاً اتبعته، فأقبلتُ فلما قدمت المدينة استشرف لي الناس وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم .
__________
(1) ... الحوار مع الآخر، للشيخ عمر الديب وكيل الأزهر الشريف سابقاً .
(2) ... رواه الطيالسي في مسنده (1040)، ورواه ابن ماجه في سننه (1/34) مختصراً .(1/10)
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لي: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم.
قال: قلت: إن لي ديناً .
قال: أنا أعلم بدينك منك - مرتين أو ثلاثاً - ألست ترأس قومك ؟
قال: قلت : بلى .
قال: ألست تأكل المرباع ؟
قال: قلتُ: بلى.
قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك .
قال: فتضعضعت لذلك .
ثم قال: يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم فإني قد أظن - أو قد أرى، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ما يمنعك أن تسلم خصاصة تراها من حولي، وتوشك الظعينة أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز، وليفيضن المال - أو ليفيض - حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة .
قال عدي بن حاتم : فقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن على كنوز كسرى بن هرمز، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة إنه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لي (1) .
وأما بالمكاتبة فكتابه - صلى الله عليه وسلم - إلى ( هرقل ) ملك الروم: «بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى: أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يؤتك الله أجرك مَرَّتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأرِيْسِيِّن { ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? }».
وكذلك كتاب أمير بصرى: حيث أرسل عليه الصلاة والسلام الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى أمير بُصرى، فلما بلغ مؤتة - وهي قرية من عمل البلقاء بالشام - تعرَّض له شرحبيل بن عمرو الغساني، فقال له: أين تريد؟ قال: الشام، قال: لعلك من رُسُل محمد؟ قال: نعم، فأمر به فضُرِبَتْ عنقه، ولم يُقْتَل لرسول الله عليه الصلاة والسلام رسول غيره، وقد وَجَد (2) لذلك وجداً شديداً.
__________
(1) ... رواه أحمد في مسنده (4/258)، وابن حبان في صحيحه (6679) .
(2) ... الوَجْد: شدة الحزن.(1/11)
على ضوء ما تقدم يتضح لنا أن الإسلام أوجد هذه الحرية الفكرية في التعبير حسب الضرورة النازلة فيتعامل معها بعقل منضبط بضوابط الشرع؛ لأن الإسلام له فلسفة خاصة في حرية التعبير بصفته ديناً يحافظ على القيم التي يحتاجها كل عاقل ويرجع إليها كل زائغ، ولو نظر غير المسلم نظرة فاحصة لدين الإسلام لوجد فيه مطالبه في حرية التعبير وفن الخطاب، لأنه دين الكمال الذي حفظ أموال مخالفيه وأنفسهم، وكفل لهم حق الانتصاف ممن أرادهم بسوء ولو كان هذا المعتدي مسلماً. وهذه العدالة لا توجد في أي دين أو قانون وضعي اليوم، أما الإسلام فجاء بهذا القانون الرباني الذي كفل حرية الاعتقاد وحرية القول والعمل لكل إنسان، وهذا كتاب الله يشير إلى ذلك يقول سبحانه: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (1) ، هذه الآية هي الموجه للمسلمين في كيفية الحوار والضابط الشرعي له، وكيف يتعاملون في تبليغ الرسالة إلى غيرهم من خلال حفظ حقوقهم وأن يؤمن لهم السلامة سواء قبلوا الدين أم لم يقبلوه؛ لأن من المسائل الأدبية المعروفة أن الحوار هو محرك الأحداث على مقتضى الحال وداعية المقام ليفتح الحوار بين البشر لمصلحتهم العامة في التعايش الفطري دون منازعات مهلكة فجاءت الآية دالة عليه.
وهذا الضابط الشرعي هو الذي أمَّن غير المسلم وضَمِنَ حرية التعبير للآخر في احترام الفكرة المعروضة عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل حرية الاختيار مبنيةً على سعة الفكر وعزيمة الانقياد وحرية العبارة، لذلك قال سبحانه مخاطباً رسوله - صلى الله عليه وسلم - في جانب آخر في الضابط الشرعي في حرية الإيمان بالقبول أو الرفض، أوضح ذلك في سورة الكافرون : { ? ? ? * ? پ پ پ * ? ? ? ? ? * ? ? ? ? ? * ٹ ٹ ٹ ٹ ? * ? ? ? ? } (2) .
__________
(1) ... سورة التوبة: الآية 6 .
(2) ... سورة الكافرون، الآية 54 .(1/12)
نزلت هذه الآية في رهط من قريش منهم الحارث بن قيس السّهمي ، والعاص بن وائل السهمي ، والوليد بن المغيرة ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد ،
وأمية بن خلف، قالوا: يا محمد هلم اتبع ديننا ونتبع دينك ، ونشركك في ديننا كله تعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة فإن كان الذي جئت به خيراً كنا قد شركناك فيه ، وأخذنا حظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيراً كنت قد شركتنا في أمرنا ، وأخذت بحظك منه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « معاذ الله أن أشرك به غيره » قالوا : فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ، ونعبد إلهك، قال: « حتى أنظر ما يأتي من ربي » فأنزل الله { ? ? ?} إلى آخر السورة فغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الحرام وفيه أولئك الملأ من قريش ، فقام على رؤوسهم ثم قرأها عليهم حتى فرغ من السّورة فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وأصحابه ، وقيل: إنهم لقوا العباس ، فقالوا: يا أبا الفضل لو أن ابن أخيك استلم بعض آلهتنا لصدقناه فيما يقول ، ولآمنّا بإلهه ، فأتاه العباس ، فأخبره بقولهم ، فنزلت هذه السّورة . وقيل: نزلت في أبي جهل والمستهزئين ومَنْ لم يؤمن منهم (1) .
ومن جهة أخرى نجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضح قضية مهمة في طريق دعوته لمن اختلف معهم من أهل الكتاب والمشركين، وخاصة عندما ظهر الإسلام وانتشر، وكان له الغلبة فسن - صلى الله عليه وسلم - الطريق الضابط لحرية التعبير بأن وضع أساساً عظيماً في هذا الموضوع عندما قال - صلى الله عليه وسلم - : « لهم ما لنا، وعليهم ما علينا ».
هذه طريقة من طرق حرية التعبير التي تكفل العقل في قبول الأمر أو رفضه.
__________
(1) ... انظر: تفسير الخازن، سورة الكافرون .(1/13)
وبعد طرح قضية هذا الحوار الذي أوجبته الظروف على أهل الإسلام وأن الحوار مقيَّد بالضابط الشرعي، لذلك فإنهم أمام خطر عظيم، فعليهم بداية أن يتسلحوا بالإيمان قبل المناظرة والحوار، حتى لا يقعوا في دعوة أصحاب الشر والكفر من خلال تشكيكهم في دينهم، وحتى لا يفسدوا عليهم دينهم، فقال سبحانه: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? } (1) . قال الطبري في تفسيرها: كان جِماعُ قبائل الأنصار بَطْنَيْن؛ الأوسَ والخزرجَ، وكان بينهما في الجاهلية حرب ودماء وشَنآن، حتى منَّ الله عليهم بالإسلام وبالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم، وألَّف بينهم بالإسلام. قال: فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحدثان، ومعهما يهودي جالس، فلم يزل يذكرهما أيامهما، والعداوة التي كانت بينهم، حتى اسْتَبّا، ثم اقتتلا. قال: فنادى هذا قومه، وهذا قومه، فخرجوا بالسلاح، وصفَّ بعضهم لبعض. قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاهد يومئذ بالمدينة، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وإلى هؤلاء؛ ليُسَكِّنَهم، حتى رَجَعوا ووضَعوا السلاحَ (2) .
مجالات إبداء الرأي:
كل أمر جاء الشرع بحكمه بدليل من الأدلة، سواء كان متعلقاً بالعبادات أو المعاملات أو العقوبات أو العلاقات الشخصية، فهذا ليس للإنسان فيه إلا أن يعمل بمقتضى الدليل ويتفقه فيه { ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ?} (3) .وهذا أظهر من أن يُستدل له، إذ العبودية لله تقتضي الامتثال لأمره.
__________
(1) ... سورة آل عمران: الآية 100 .
(2) ... تفسير الطبري 5/632 ، ط1، 1424هـ - 2003م، دار عالم الكتب، المملكة العربية السعودية.
(3) ... سورة الأحزاب، الآية 36.(1/14)
ومعنى الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً؛ هو التحاكم إلى منهاج الله تعالى ورد الأمر إليه، ولذا نفى الله تعالى الإيمان عمن لم يستكمل هذا فقال: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (1) .
وهذا أصل عظيم من أصول الإيمان، وهو معنى الإسلام، فإن حقيقة الإسلام هي الاستسلام لله والانقياد له، ومن لم يرد إليه الأمر لم ينْقَد له.
ودين الإسلام مبني على اتباع كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الأمة، وهي الأصول المعصومة التي لا يجوز تجاوزها أو الخروج عنها (2) .
وإذا أعمل الإنسان رأية وقرر نتائج بناها على مقتضى المصالح أو غيرها وهي معارضة لكتاب الله وسنة رسوله ، فقد خالف الشرع ولم يقابله بالرضى والتسليم.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم، فقام حَمَل بن النابغة الهذلي فقال: يا رسول الله! كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل؛ فمثل ذلك يُطل (3) ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنما هو من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع» (4) .
قال العلماء: إنما ذم سجعه لأنه عارض حكم الشرع ورام إبطاله، ولذا شبهه بالكهان الذين يروجون أقاويلهم الباطلة بأسجاع تروق السامعين (5) .
__________
(1) ... سورة النساء، الآية 65.
(2) ... مجموع فتاوى ابن تيمية (20/164).
(3) ... يُطل: يعني يلغى ويُهدر.
(4) ... صحيح البخاري، رقم (5758)، وصحيح مسلم، رقم (1618).
(5) ... إحكام الأحكام، لابن دقيق العيد، مع حاشيته العدة، (4/332).(1/15)
وقد قرر أهل العلم أدلة يُبنى عليها الحكم الشرعي، وطرقاً للاستدلال والترجيح فيها توصل للمطلوب، وإذا راعى أهل العلم ذلك في الأحكام الشرعية؛ فهو تنبيه على اعتبار المنهج نفسه في سائر معمولات الذهن، فلا بد أن يُبنى على دليل معتبر، ولا بد من مراعاة طرق الترجيح بين الآراء .
وكما يشترط لإبداء الرأي: القدرة على ذلك، والتأهل له، واستناده على ما يعضده؛ فإنه يشترط فيه أيضاً: إرادة الحق والخير، وهذا من معنى الإخلاص وحسن الإرادة التي هي مناط خيرية العمل وصلاحه وقبوله.
4- فلسفة الإسلام في حرية التعبير:
الإسلام هو دين الحوار الذي أدت فلسفة حرية التعبير فيه إلى الانتشار؛ لأن المسلمين انفتحوا على الآخر بما يحملونه من علم بعيد عن التعصب والتطرف وتجاهل حقوق الآخرين، وإن الناظر إلى التاريخ يجد حقيقة ذلك في انتشار هذا الدين دون سيف ورمح أو دبابة وصاروخ، إنما انتشر بفلسفته الخاصة في حماية حقوق الفكر وحرية التعبير؛ لأن من شروط النجاح إخلاص النية، و « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (1) كما قال - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه بدون الفهم والإخلاص في الحوار للوصول إلى الحقيقة فلن نصل لذلك إلا بالنيَّة الخالصة التي هي أرضية الحوار الناجح وهذا هو سبيل المؤمنين وفلسفتهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ونشر دين الإسلام.
ولقد أكد الإسلام مشروعية هذه الفلسفة العقائدية واقتنع بها المسلمون لأنها حقيقة الأمر الذي جُبِل عليه البشر واختلاف أذواقهم الفكرية.
لذلك أوجد الحق سبحانه هذه الرؤى للمسلمين في معرفة الآخر عند قوله تعالى:
{ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? } (2) .
__________
(1) ... رواه البخاري (6553)، ومسلم (1907).
(2) ... سورة يونس: الآية 99 .(1/16)
فهذه الآية تشير إلى تعدد الأديان وعلى المؤمنين أن يؤمنوا بذلك ولا يُحمِّلوا الناس العنت والتعصب لاتباع دين الإسلام، بل الحرية موجودة وحق الاختلاف مقدر، ومسألة الإسلام والكفر، مسألة مشيئة ربانية مقدرة يطالب من خلالها المؤمنون بالحوار الهادف إلى فلسفة القناعة بقبول الدين ورفضه، ويكون ناتج الحوار هو بيان حقيقة الإسلام وعظمته وأنه دين عالمي ليس لأحد دون أحد، وعلى المسلمين أن يحملوا لواء الدعوة كما أُمروا من خلال قول الحق سبحانه وتعالى: {ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھھ ے ے ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? } (1) .
__________
(1) ... سورة النحل: الآية 125 .(1/17)
فالدعوة فريضة وضرورة لتعريف الآخر ما في الإسلام من خير عظيم للبشرية جمعاء، وأن يكون ذلك بفلسفة الإسلام العظيمة في حرية التعبير بالحوار العقلاني الذي يعلو به صوت العقل والحكمة والمنطق والعرض الجيد الذي يجذب المستمع أو الناظر إلى عظمة هذا الكون عن عظمة خالقه سبحانه الذي دعا إلى التفكيرِ والتبصرِ الداعي للإيمان بالله وحده، وتوضيح مسألة مهمةٍ يجب الاهتمام بها، حيث يوجه الإسلام نظر أتباعه إليها وهي أن الإسلام جاء ليصلح ما بين البشر فيما تنازعوا واختلفوا فيه، وأنه يُنشئ رابطة إنسانية بين البشر تقوم على ارتباطهم بالله الخالق سبحانه، وأن الإسلام يعمر الحياة، ويحافظ على موروثات الشعوب ويحمي الحضارات ويُذكُّر بها للعبرة لتستمر الحياة في العطاء تحت غطاء شرعي يكون مقصوده التعارف والتآخي بين الشعوب والقبائل لا فوارق بينها إلا بالدين والتقوى، « لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى » (1) ، وليعلم العالم أن هذا الإسلام بفلسفته الفريدة كوَّن حضارة عظيمة ممتدة عبر (14) قرناً من الزمان، وأنه يركِّز على أهمية الحوار بين الحضارات المختلفة من خلال اتباعها، وأن دين الإسلام لا يصطدم مع غيره من الأديان، لأنه الدين المهيمن والخاتم للأديان، فهو يؤثر ولا يتأثر، فمن أراد الإسلام، فهذه سفينته التي تنجي مَنْ ركب فيها من الغرق في بحر الظلمات وشتات الفكر العقدي الذي يؤدي إلى تصادم المصالح والقضاء على الحياة السعيدة التي توفر للبشر جميعاً الأمن والأمان من خلال التعايش السلمي والأمن النفسي والاجتماعي.
__________
(1) ... أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (5/86 ، رقم 4749) قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (8/84) : « رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه، ورجال البزار رجال الصحيح » .(1/18)
بهذه الفلسفة دخل الإسلام قلوب الذين اتبعوه واعتنقوه، وإذا دخل الإسلام قلب إنسان فإنه لا يخرج منه، لأنه ذاق لذته، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، ومن المعلوم أنه من جهل شيئاً عاداه، فأعداء الدين الإسلامي اليوم يجهلون فلسفته العظيمة، ولو عرفوها ما وسعهم إلا الدخول في هذا الدين الذي يرحب بمخالفيه ليدخلوا فيه، ويحرمهم جهلُهم ومعاداتهم لأهله من الدخول فيه، وإن الباب لمفتوح لمن تاب وأناب ورجع، هذا هو الإسلام وفلسفته في التعبير.
وهذه طريقة رسول الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - في حياته العملية التي اتسمت بالشفافية المطلقة والإنسانية الفائقة في الحوار حتى مع خصومه وأعدائه، وضرب بذلك أروع الأمثلة في التسامح والحوار الهادف الذي يؤدي إلى حفظ كرامة الفرد والمجتمع والدين والقيم، وما غزوة خيبر إلا دليل واضح في حسن المعاملة، وذلك أنه لما غنم المسلمون الغنائم من خيبر كان من بين الغنائم صحائف متعددة من التوراة، فطلبها اليهود، فأمر النبي ? بردها وتسليمها لهم.
هذا الحوار العظيم جاء من خلال فلسفة الإسلام الداعية لحرية التعبير، فيطبقها
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يتريث في مسألة حقهم واحترام شعورهم الديني في الاحتفاظ بصحفهم المقدسة، فدل ذلك على أن الإسلام لا يكره الناسَ على دخوله ولكن يدعوهم بالحسنى ليفهموا هذا الدين الذي جاء لصالح البشرية جمعاء.
وهناك واقعة أخرى تدل على مسار حرية التعبير، واعطاء الآخر فرصة للسماع والدفاع عن نفسه، أو الاقتراح للمصلحة العامة ..(1/19)
ففي فتح مكة ظهر الإسلام وانتصر على خصومه وأعدائه، فجاء رسول الرحمة - صلى الله عليه وسلم - بالحوار الهادف ليفتح قلوب الأعداء للإسلام من خلال قيمه العظيمة..، فقال: « يا معشر قريش: ما ترون أني فاعل بكم اليوم؟! »، فردوا بالإجابة الموجبة لعلمهم بأخلاقه - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم .. قال - صلى الله عليه وسلم - : « فإني أقول لكم ما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء » (1) .
هذه المبادرة بالسؤال تعطي إشارة لنا أنه علينا أن نسأل الآخر عن مدى فهمه للإسلام، وما هي اعتراضاته، حتى يفرغ ما في فكره وقلبه ليكون لديه طاقة الاستماع وحُسن الفهم بعد أن أُعطي حرية التعبير عما يرد عليه في فكره.
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/118) .(1/20)
وهناك حوار آخر في فتح مكة لما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمان، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر الظهران قال العباس قلت: والله لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش فجلست على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت: لعلي أجد ذا حاجة يأتي أهل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوا إليه فيستأمنوه، فإني لأسير إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي فقال: أبو الفضل، قلت: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمي، قلت: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، قال: فما الحيلة؟ قال: فركب خلفي ورجع صاحبه، فلما أصبح غدوت به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم، قلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئاً. قال: « نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن » قال: فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد (1) .
وهناك نماذج كثيرة في الحوار ذكرها القرآن الكريم يتعلم المسلمون منها فن الحوار مع الآخر وتقوية الإيمان بالله وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذه بعض شواهد الحوارمنها: هذا الحوار هو بين أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام مع النمرود، قال تعالى: { ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گگ گ ? ? ? ? } (2) .
هذا الحوار أخذ عدة نقاط بين قدرة ربانية وقدرة بشرية قيست بمقياس البشر، ولكن لم تلبث حتى زالت، وما وسع صاحبها إلا التسليم.
__________
(1) ... رواه أحمد 2/538، ومسلم 1780 ، وأبو داود 3022، واللفظ له .
(2) ... سورة البقرة: الآية 258 .(1/21)
وكذلك ضرب الأمثلة في الحوار مع نبي الله عزير عليه السلام، في حوار عظيم مع ربه سبحانه وتعالى نقله إلى اليقين على ذات الله تعالى سبحانه وتعالى: { ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ? ?? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? } (1) .
ثم حوار إيماني بين نبي الله إبراهيم عليه السلام مع ربه سبحانه وتعالى، وطلب إبراهيم عليه السلام زيادة التصديق بالإيمان الغيبي بقدرة الله سبحانه وتعالى، وذلك لاطمئنان القلب، قال تعالى: { ? ? ? ? ? پ پ پپ ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? چ چ } (2) .
المقصود من الحوار هو تعليم البشر على منهج الأنبياء في الحوار، وأن هناك قاسماً مشتركاً في هذا الحوار المؤدي إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والتعايش السلمي بين كافة الشعوب الذي هو مقصد الحياة الكريمة ليتفرغ العبد للتفكر في آلاء الله ومخلوقاته وملكوت الله ليسلم لرب العالمين، لأنه متى صفا ذهن الإنسان انقاد للإيمان، ومتى شغل بعراقيل الحياة أخذته الدنيا واللهو حتى ينتهي أجله دون الوصول إلى الإيمان بالله تعالى وبرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - .
يتضح مما سبق ذكره أن الإسلام حمل لواء الحرية، وبما أن هذه الحرية هي ملك كل شخص وهو حر مختار لما يفعله ويقوله وعنده ما يعبر عنه بجوارحه المختلفة، ولعلم الخالق سبحانه بحال هذا الإنسان الذي خلقه ووضع فيه هذه الخصال التي يعبر بها عن حاله، وبما أن الإنسان تغلب عليه العواطف والأهواء ومشاغل الحياة اليومية، ولكي يبقى في سيرة عطرة له ولمن حوله جعل الله له ضوابط تقيد حركاته وتضبط مسيرة تواصله مع الآخرين ويمكن من خلالها أن يعبر بها عن ما في نفسه من خلال فلسفة دينية مبنية على الشرع والعقل، وشواهد التاريخ كثيرة في فلسفة حرية التعبير.
__________
(1) ... سورة البقرة: الآية 259 .
(2) ... سورة البقرة: الآية 260 .(1/22)
ضوابط وسائل التعبير عن الرأي:
للمسلم أن يتخذ ما شاء من الوسائل للتعبير عن الرأي، إلا أن استخدام هذه الوسائل وممارسة هذا الحق مقيد بضوابط تجنبها معارضة مقاصد الشريعة الإسلامية، جاء في كتاب حقوق الإنسان في الإسلام: «ومع اهتمام الإسلام بحرية الرأي والتعبير إلا أنه حرص على عدم تحريرها من القيود والضوابط الكفيلة بحسن استخدامها، وتوجيهها إلى ما ينفع الناس ويرضي الخالق جل وعلا، فهناك حدود لا ينبغي الاقتراب منها وإلا كان الأمر خلاف ما قصده الشرع، أو يلحق الضرر بالفرد والمجتمع على السواء، ويُخل بالنظام العام وحسن الآداب» (1) .
وأهم هذه الضوابط والأحكام:
1- ... ألا تخالف الشرع في نفسها فإذا كانت الوسيلة مخالفة للأدلة الشرعية أو القواعد الكلية فإنها تكون ممنوعة.
2- ... أن يكون المقصود من الوسيلة مشروعاً ، فإن كانت الغاية منها الوصول لما هو ممنوع في الشرع فإنه لا يجوز استخدام أية وسيلة - فمتى كان المراد من الوسيلة المعيَّنة الدعوة إلى باطل، أو نشر فكر منحرف أو الوصول إلى غرض فاسد كانت الوسيلة محرمة. قال ابن القيم رحمه الله: «إذا حرم الربُّ تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تقضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه وتثبيتاً له» (2) .
3- ... ألا يترتب على الأخذ بها مفسدة أكبر من المصلحة المقصودة إذ درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح. وقد نهى الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين عن سب آلهة المشركين وإن كان فيه مصلحة إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، قال تعالى: {ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ?} (3) .
5- الخطاب ودوره في فن الحوار:
__________
(1) ... كتاب حقوق الإنسان في الإسلام، د. سليمان الحقيل، ص54.
(2) ... إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/135).
(3) ... سورة الأنعام، الآية 108.(1/23)
لقد تحدثنا فيما سبق عن حرية التعبير، ولزيادة الوعي لا بد من الوقوف على مسألة مهمة أخرى، وهي: ( فن الخطاب )، الذي هو أساس الحوار لأن الحوار لا يكون إلا بناء أفكار ومفاهيم تصاغ في صورة مختلفة ذات مقدمات ونتائج تعكس مدى فهم وقدرة الآخر على الانسجام مع تلك المقدمات وتقديم وجهة نظره، لأن الخطاب مصدر من فعل خاطب يخاطب يقضي بوجود طرفين مخاطِب ومخَاطب أو مخاطَبين يتم بينهم اتصال وتواصل في رسالة محددة المعالم يطلق عليها الخطاب الذي يرسله الأول في اتجاه الثاني. لذلك اكتسب الخطاب أهمية كبرى، لما له من دور في تشكيل الأفكار الذهنية بين بني البشر ودوره العظيم المؤثر في النفوس لذلك عدّ الخطاب من الوسائل الخطيرة في توجيه الأفراد والمجتمعات على الضوابط والأحكام التي يريدها المخاطب للمخاطَب حتى يحظى بصياغة الأمور والتواصي المراد تمريرها وإقناع الطرف الآخر بها للعمل والتطبيق مما ينعكس على وحدة التوجيه في الخطاب.
- ما هو الخطاب ؟
لقد وردت كلمة « الخطاب » في القرآن الكريم بصيغ متعددة ومنها قوله تعالى:
{ ? ? ? ? ? ? } (1) .
يقول الزمخشري في معنى قوله تعالى (فصل الخطاب) هو: الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد ، والحق والباطل ، والصواب والخطأ ، وهو كلامه في القضايا والحكومات، وتدابير الملك والمشورات ... ويجوز أن يراد الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخلّ ولا إشباع مملّ (2) .
وجاء في علم الكلام أن الخطاب والبيان والكلام والتكلم والتخاطب والنطق واحد في حقيقة اللغة، وهو ما يصير به الحي متكلماً (3) .
ولا يختلف علماء الأصول عن علماء اللغة والنحو في تحديد مفهوم الخطاب / الكلام. حيث إن الخطاب في الكلام اللفظي عندهم يطلق بإطلاقين:
أحدهما: أنه الكلام، وهو ما يتضمن نسبة إسنادية .
__________
(1) ... سورة ص: الآية 20 .
(2) ... الزمخشري، الكشاف عن حقائق التنزيل ووجوه التأويل .
(3) ... لسان العرب لابن منظور(1/24)
والثاني: أنه أخص منه، وهو ما وجه من الكلام نحو الغير لإفادته (1) .
أصبح الخطاب في العصر الحديث موضوعاً للبحث في الفكر الغربي على وجه العموم، وخصه اللسانيون والفلاسفة وعلماء التأويل بعناية واهتمام بالغين (2) .
هذا الاهتمام يعود إلى أصل الحوار الذي يبني العلاقات بين بني البشر على مستويات مختلفة بين الشرق والغرب ونحن هنا في هذه العجالة إذ نحاول تقديم بعض الضوابط من خلال الخطاب الديني ودوره في حرية التعبير؛ لأن الدين هو المعول عليه في نزع الاحتقان الداخلي بين الشعوب التي يحكمها الأهواء والاطماع الاستعمارية الفكرية والثقافية التي ليس لها إلا ضابط المنفعة التي تعود عليهم بالنفع دون النظر إلى الضرر الذي يلحق بالآخر حيث إن الرجوع إلى الدين هو منقذ الشعوب المتهالكة على حب الدنيا إذ إنه جمع بين سعادة الدارين، يقول الدكتور الجراري: الخطاب الديني هو فن من فنون القول، ووسيلة من وسائل التأثير، إنه فن من فنون تلقين المعرفة الدينية، وطريقة من طرائق تحريك الوعي لدى المتلقي، وهو كذلك عملية تربوية توجيهية أساسها القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو أيضاً كل تعبير عن رسالة الإسلام الأخلاقية والحضارية، وكل تعبير عن حقيقة الدين الإسلامي، كما أن الخطاب الديني هو الوسيلة التي يخاطب بها المسلمون العالم، والمنهاج الذي يصوغون من خلاله أفكارهم ومواقفهم التي يريدون إيصالها إلى الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين (3) .
إن الناس سواء في حب الحياة، وعلى الجميع أن يفهم شعور الآخر، وأن كل إنسان له مهمة يؤديها لأخيه من بني البشر، وأهل الإسلام هم أكثر الشعوب عطاءً للإنسانية لأنهم يعملون برقابة ذاتية ويعلمون أن الله يجزل لهم المثوبة في خدمة الآخرين.
__________
(1) ... ابن السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج .
(2) ... عبد الله إبراهيم، الثقافة العربية والمرجعيات: ص 103 .
(3) ... الخطاب الديني عند الدكتور عباس الجراري: 25(1/25)
الخطاب الديني خصائصه ومكوناته:
الخطاب الديني هو مادة الكلام المقول أو المكتوب بين المتكلم أو السامع، وبين الخطيب والمخاطب، وبين الكاتب والقارئ.
جاء في لسان العرب، الخطاب لغة: هو مراجعة الكلام (1) ، وهو الكلام والرسالة (2) ، وهو المواجهة بالكلام، أو ما يخاطب به الرجل صاحبه، ونقيضه الجواب (3) ، وهو مقطع كلامي يحمل معلومات يريد المرسل ( المتكلم أو الكاتب ) أن ينقلها إلى المرسل إليه (السامع أو القارئ )، ويكتب الأول رسالة ويفهمها الآخر بناء على نظام لغوي مشترك بينهما (4) . والخطاب كما ورد في كتاب الكليات، هو الكلام الذي يُقصد به الإفهام، إفهام من هو أهلٌ للفهم، والكلام الذي لا يقصد به إفهام المستمع، فإنه لا يسمى خطاباً (5) .
__________
(1) ... لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت، مادة ( خطب ).
(2) ... المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، أخرجه إبراهيم مصطفى وأخرون، المكتبة العلمية، طهران، ج2، مادة ( خطب ).
(3) ... معجم الأخطاء الشائعة، لمحمد العدناني، مكتبة لبنان، بيروت، ط2، 1980م، مادة ( خطب ).
(4) ... قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية، ليعقوب إميل، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1987م، مادة ( خطب ).
(5) ... الكليات، لأبو البقاء الكفوي، طبعة مؤسسة الرسالة، بعناية: د. عدنان درويش ومحمد المصري، بيروت، 1992م ص:419.(1/26)
وفي القرآن الكريم مواقع كثيرة عرضت للخطاب من جوانب مختلفة؛ إذ تعدد لفظ خاطب في القرآن الكريم تسع مرات، وورد بصيغة خطاب ثلاث مرات؛ ففي الآية: 63 من سورة الفرقان قال عز وجل: { ? ? ? ? ? }،أي إذا خاطبهم السفهاء بالقول السيئ. وفي الآية: 37 من سورة هود يقول سبحانه وتعالى: { ? ? ? ? ? }، أي لا تشفع للذين كفروا. وفي الآية: 20 من سورة ص قال عز وجل: {? ? ? ? ? ? }، أي آتيناه البيان المحكم الذي يميز بين الحق والباطل. وفي الآية: 23 من سورة ص قال تعالى: { ? ? ? ? ? }، أي غلبني في المكالمة والمناقشة والحوار. وفي الآية: 37 من سورة النبأ يقول سبحانه وتعالى: { ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? }، أي لا يملكون كلاماً. وفي معجم ألفاظ القرآن الكريم: خاطبه مخاطبة وخطاباً: تكلم معه، والخطب: الشأن الذي تقع فيه المخاطبة (1) .
إن الحوار الجيد واللغة الهادئة ضرورة يفرضها علينا ديننا وتفرضها علينا إملاءات العصر وشروط الواقع يقول المؤرخ والمفكر التونسي محمد الطالبي: إننا بحاجة إلى خطاب ديني حضاري مقنع، إلى خطاب بديل صادق صدوق، غير موظف يقبض على طرفي الحبل: الوفاء للإرث ومواكبة التجديد والتغيير اللذان توجبهما وتفرضهما حركة الزمن. يجب أن نستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها. وفي نفس الوقت نعلم أبناءنا غير ما تعلمنا لأنهم خلقوا لزمان غير زماننا، بل يجب أن نحمد ونبارك ثورة أبنائنا علينا، ثورة البناء طبعا، لأنها تسلك مسلك سنة الله الذي لو شاء لجعل الكون قاراً مستقراً لا حركة به أصلاً {? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? } (2) .
__________
(1) ... معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية، المجلد 2، الهيئة العامة لشؤةن المطابع الأميرية، القاهرة، 1996م.
(2) ... سورة الفرقان، الآية 45 . ...(1/27)
الكون كله من أصغره إلى أكبره حركة، ومن قال حركة قال تطوراً، كذلك أراده بارؤه وخالقه ومسيره، يجب أن نعيش عصرنا أي الحركة عيشاً تاما بل يجب أن نحركه تحريكاً موجباً في نور الله ونور شمسه، حتى لا يكون الظل ساكناً، وألَّا نركن أبداً إلى سكونه، يجب أن نعيش المعاصرة بإيمان وإخلاص لا أن نكون مجرد متفرجين متحسرين ومعاصرين كارهين للمعاصرة. مشلولين، معاصرين لمعاصرة تهمشنا، ولا نسهم فيها بسوى الحسرات والآهات والدموع (1) .
وبهذا نجد أنه يوجه بصدق إلى أهمية الحوار الذي يقوم على حسن العرض من الخطيب إلى المخاطب وإن على الأمة اليوم أن تغير من منهج الخطاب حتى تواكب تطور المعلومات التي أصبحت اليوم في متناول الجميع في لمح البصر من خلال التقنيات المعلوماتية الحديثة، فهو يشير إلى أهمية الحركة الحوارية بين الناس لتسهم في حل المشكلات القائمة وأن تحل بالحوار بدل النار، وبالمحبة بدل الكراهية.
__________
(1) ... محمد الطالبي، أمة الوسط الإسلام وتحديات المعاصرة ص 8 .(1/28)
ومما لا شك فيه أن الخطاب الديني يشمل كل خطاب يدور مضمونه حول الدين بياناً وعرضاً واستلهاماً، أو تحليلاً لقضاياه أو دعوة لتبنيه في مناحي الحياة المختلفة، أو نقداً لنصوصه وصدا ونبذاً لأقواله وأحكامه وحقائقه، سواء تعلق ذلك بمجال العقيدة أو الفقه أو الفلسفة أو العلم أو الأدب أو الفن وما إلى ذلك من أنواع التعبير القديمة أو المستحدثة. كما أن المراد بالخطاب الديني هو كل بيان باسم الدين يوجه للناس كافة، وسواء أكان هذا الخطاب في صورة خطبة أو محاضرة أو رسالة أو مقال أو كتاب أو مسرحية أو عمل درامي على اختلاف أنواعه وأشكاله الفنية لأن الخطاب الديني لا ينبغي أن نحصره في جنس تعبيري دون غيره، إن التوسع في مفهوم الخطاب الديني ينسحب أيضاً على خطابنا الإسلامي المعاصر، كما يتيح من جهة أخرى للباحث المحلل إمكان مقاربة خطاب مختلف الجماعات والتيارات التي لها علاقة قريبة أو بعيدة بالإسلام، دون النظر في خلفياتها المرجعية، وبغض النظر عن دعاوى بعضها (1) .
__________
(1) ... مظاهر التجديد ص 71، 72 .(1/29)
لقد عانى المسلمون الكثير وما زالت حملات التشويه والتضليل والإساءة للإسلام مستمرة حاملة في ثناياها الحقد والكراهية والفتنة مستهدفة الآخر من خلال التشهير والتضليل والتشويه والصور النمطية لزرع الصراع والصدام بين شعوب العالم. فمن الأخبار والدراسات والتحليلات إلى الرسوم الكاريكاتورية إلى الأفلام إلى غير ذلك من المنتجات الإعلامية والثقافية التي تتخذ من وسائل الاتصال المختلفة والانترنت وغيرها من الوسائط الإعلامية قنوات للتلاعب بالعقول والتأثير في الرأي العام. الموضوع هذه المرة يتعلق بفيلم (فتنة) لمخرجه المتطرف النائب اليميني الهولندي غيرت فيلدرز الذي أصر على عرض الفيلم رغم تحفظات مقربيه ومسؤولين كبار في الحكومة الهولندية ورغم تحذيرات المنظمات الإسلامية عبر العالم. الفيلم يقدم القرآن الكريم كمحرض على العنف وإقصاء الآخر، كما يحذر من أن المهاجرين المسلمين يعرضون الغرب للخطر، الفيلم الذي جاء في 15 دقيقة يعكس الحقد والكراهية التي يكنها غيرت فيلدرز للإسلام والمسلمين، كما يكشف حقائق الجهل وعدم الإلمام بموضوع لا يعرف عنه النائب الهولندي سوى الحقد والكراهية ويجهله تماماً.
ولما كان الخطاب له تأثير في إدارة الحوار وقد أشار القرآن إلى أهميته فإننا نبحث عن آلية جديدة متجددة عن دور الحوار وحرية التعبير من خلال ضوابط وأحكام شرعية وعقلية ونقلية تؤكد أن الإسلام وأتباعه من العلماء وضحوا أهمية الخطاب ودوره الخطير في توجيه مستمعيه وتأثيره على المهتمين وبقائه على مر الزمن السلاح الذي يجب أن نحمله بحكمة وعقل كما قال تعالى: { ے ے ? ? }، وقد بين الشيخ أبو الأعلى المودودي في بحثه الذي عنونه بـ «موجز تجديد الدين وإحيائه» العناصر والأسس التي ينبغي أن يتخذها من يتصدى للدعوة والحوار في تجديد الدين وإحيائه في النقاط الآتية:(1/30)
أولاً: ضرورة تحديد أمراض البيئة التي يعيش فيها المجدد وتشخيصها تشخيصاً عميقاً وتدقيق النظر في أوضاع العصر من أجل الوقوف على الأمور التي حاد فيها المجتمع عن حدود الشريعة الإسلامية.
ثانياً: ضرورة تمكين الإسلام في الحياة الاجتماعية حتى يسهل علاج الفساد في المجتمع.
ثالثاً: ضرورة تعيين المجدد لحدود عمله وقدرته، كما أن عليه اختيار الناحية التي يرى نفسه قادراً على إصلاح الفاسد فيها.
رابعاً: ضرورة إحياء العقلية الإسلامية الصحيحة من جديد، وتجديد أفكار الناس بطبع عقائدهم ومشاعرهم وأخلاقهم بطابع الإسلام النقي الصافي.
خامساً: ضرورة العمل على الغاء ومحاربة الأعراف الفاسدة التي انتشرت في المجتمع الإسلامي، والعمل على اعلاء شأن الأخلاق ودفع النفوس لحب الشريعة المحمدية واتباعها من جديد، وتهيئة رجالٍ قوامين صالحين لهذه المهام يمثلون زعماء هذه الأمة ومحركيها نحو الطريق القويم.
سادساً: ضرورة فتح باب الاجتهاد في الدين، ولا بد للمجدد في هذا الإطار أن يدرك كليات الدين، ويعرف اتجاه الأوضاع المدنية ومدارج الرقي فيها، ويرسم طريقاً لإدخال التغيير والتعديل وفق المنهج الإسلامي القويم، الذي يضمن للشريعة سلامة روحها
وتحقيق مقاصدها.
سابعاً: ضرورة مواجهة القوة الناهضة التي تسعى لاستئصال الإسلام والعمل على إفشال مخططاتها لتمهيد سبل نهضة الإسلام والمسلمين.
ثامناً: ضرورة إحياء النظام الإسلامي وإقامته في الأقطار التي يعيش فيها المسلمون ونشر الدعوة الإسلامية الإصلاحية في كافة أرجاء المعمورة (1) .
__________
(1) ... مظاهر التجديد ص 123 .(1/31)
إن الأديان عموماً أشكال مختلفة من الدين، عند النظر إليه في صورة مجردة عن الجزئيات المرتبطة أساساً بالمحيط والظروف الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية لنشأتها. وليس هناك من خلاف على أن الدين خصيصة من الخصائص التي تتفرد بها الإنسانية وتلازم الطبيعة البشرية أينما حلت وارتحلت. ويتأكد ذلك من خلال الواقع التاريخي الذي عاشه البشر على وجه الأرض منذ القدم، حيث آمنوا ببعض المعتقدات وكفروا ببعض، كما ملأوا مشاعرهم ببعض الأمور الروحية الماورائية التي تفاعلوا معها بإيمان صادق وثقة عمياء . وبالرغم من أن مفهوم الدين في ثقافة المجتمع البشري برمته مفهوم يتميز بالبساطة والتلقائية، إلا أن المشاكل الحقيقية لكن يبقى المشكل المطروح هو درجة الوعي بالدين ومدى الإيمان بحقيقته المجردة (1) .
ومما تقدم نستخلص أن: للمسلم أن يسلك ما شاء من وسائل التعبير التي تعينه على إبداء رأيه فيما يحتاج إليه.
إلا أن سلوك هذه الوسائل اجتهادية - ليست توقيفية - وممارسة هذا الحق مقيدة بضوابط تمنعها من معارضة مقاصد الشريعة الإسلامية.
وأهم هذه الضوابط:
- ألا تخالف هذه الوسيلة الشرع في نفسها فإذا كانت مخالفة للأدلة الشرعية أو القواعد الكلية فإنها تكون ممنوعة. وهذا الضابط يميز أهل السنة من غيرهم، فقلد كره النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمال الناقوس للإعلام بدخول الوقت ( وقت الصلاة ) - قبل الأمر بالأذان - لما فيه من مشابهة النصارى مع كون الهدف هو الدعوة إلى العبادة والاجتماع لها.
- أن يكون المقصود من الوسيلة مشروعاً؛ فإن كان الغاية منها الوصول لما هو ممنوع في الشرع فإنه لا يجوز التوسل لها بأية وسيلة. فمتى كان المراد من الوسيلة المعيَّنة الدعوة إلى باطل، أو نشر فكر منحرف أو الوصول إلى غرض فاسد كانت الوسيلة محرمة.
__________
(1) ... مظاهر التجديد ص 60 .(1/32)
- ألا يباشرها معتقداً أن نفس مباشرتها قربة يتقرب بها إلى الله إلا إذا كانت عبادة نص عليها الشارع أما لو فعل الفعل المباح المؤدي للمصلحة مثلاً وهو يعتقد أنه قربة وطاعة فهو مخطئ.
- ألا يترتب على الأخذ بها مفسدة أكثر من المصلحة المقصودة منها إذ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
هذه بعض الضوابط والأحكام التي تساند قضية حرية التعبير، وتسهم في توجيه الفكر لما فيه خير البلاد والعباد .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
مقدمه الفقير لعفو ربه
الباحث
د. سيف راشد الجابري
* * *
أهم المصادر
? الإبهاج في شرح المنهاج، لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي وولده تاج الدين، تحقيق د. أحمد جمال الزمزمي، د.نور الدين عبد الجبار صغيري، ط دار البحوث الإسلامية، دبي.
? إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لتقي الدين ابن دقيق العيد، تحقيق محمد عبده، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000 م.
? إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، تحقيق أحمد الزعبي، ط دار الأرقم، بيروت.
? البصائر والذخائر، أبو حيّان التوحيدي تحقيق وتعليق د. ... شعيب أرناؤوط وعلي أبو زيد، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، الطبعة الأولى 1983 م
? التحرير والتنوير، لمحمد الطاهر ابن عاشور. الدار التونسية للنشر –الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1984م.
? تفسير الخازن) لعلاء الدين بن إبراهيم الخازن 725هـ
? تفسير الطبري (جامع البيان)، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية، 1999م .
? الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة، عبد الله إبراهيم، ط المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004 هـ
? حقوق الإنسان في الإسلام، للدكتور سليمان الحقيل.
? الحوار مع الآخر، للشيخ عمر الديب.
? الخطاب الديني عند الدكتور عباس الجراري: المرجع والبنية للباحثة إلهام المتمسك، أطروحة دكتوراه بإشراف الدكتور عبد المجيد بن الجلالي، كلية الآداب بالرباط (2008).(1/33)
? د. عبد الحميد الأنصاري (كاتب قطري)، جريدة البيان عدد 10120 ص 28 (سنة 2008)
? ديوان الشافعي، محمد بن ادريس الشافعي، ط عالم الكتب، بيروت 1990م .
? ديوان زهير بن أبي سلمى، تحقيق كرم البستاني، بيروت.
? القاموس المحيط
? قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية، ليعقوب إميل، دار العلم للملايين، بيروت
? قواعد الفقه، محمد عميم الإحسان المجددي البركتي، دار الصدف، ببلشرز،
? كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، لعلاء الدين البخاري، تحقيق عبد الله محمود محمد عمر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ - 1997م.
? كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، لإسماعيل بن محمد بن عبدالهادي بن عبدالغني العجلوني، طبعة مؤسسة الرسالة لعام 1405هـ.
? الكليات، لأبي البقاء الكفوي، طبعة مؤسسة الرسالة، بعناية: د. عدنان درويش ومحمد المصري، بيروت، 1992م
? لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت
? مجموع فتاوى ابن تيمية، بتحقيق الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي بمساعدة ابنه محمد، ط مكتبة الوفاء، مصر.
? محمد الطالبي، أمة الوسط الإسلام وتحديات المعاصرة، طبعة دار سراس للنشر 1996.
? المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» لأحمدبن محمد بن علي المقري الفيّومي ـ تصحيح محمد محيي الدين عبدالحميد. المطبعة الأميرية بالقاهرة 1925م
? مظاهر التجديد.
? معجم الأخطاء الشائعة، لمحمد العدناني، مكتبة لبنان، بيروت
? معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية، المجلد 2، الهيئة العامة لشؤةن المطابع الأميرية، القاهرة، 1996م.
? المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، أخرجه إبراهيم مصطفى وآخرون، المكتبة العلمية، طهران.(1/34)