سالم العيس
الترجمة في
خدمة الثقافة الجماهيرية
- دراسة -
من منشورات اتحاد الكتاب العرب
1999
البريد الالكتروني: E-mail : unecriv@net.sy
الانترنيت ... : Internet : : aru@net.sy
... ... ... تصميم الغلاف لللفنان : سائد سلوم.
((
ترجمة واعداد وتحقيق : سالم العيس
الترجمة في
خدمة الثقافة الجماهيرية
تاريخها - قواعدها - تطورها - آثارها، وأنواعها
المقدمة: للمترجم
إذا كانت الترجمة كعلم له قواعد ونظريات لم تنشط إلاّ مع بزوغ فجر القرن العشرين، فإن هذا النشاط في حد ذاته كان موجوداً منذ الأزل، إذ مارسه البشر، سواء عن طريق الإيماء أو الإشارة أو الكلام أو الكتابة، على مر العصور، فتبادلوا المعلومات فيما بينهم وتزاوجت الثقافات والحضارات فيما بينها أيضاً.
كانت الترجمة ولازالت بمثابة الجسر التي تعبر الثقافات من خلاله إلى باقي المجتمعات من حولها دون أي جواز فهي تلعب دوراً كبيراً في خلق الحوار بين الآداب المختلفة، وتضييق الفجوة بين مختلف الحضارات والثقافات وتهيء الظروف لإيجاد أدب عالمي مشترك، كما أن موضوع الترجمة يقودنا إلى مدى العلاقة بين المؤلف والمترجم، وإلى الحديث عن الترجمة كعملية إبداعية، وبعد التمعن في مقومات الترجمة وأساليبها نلمس عدم الفرق البعيد بين التأليف والترجمة فكلاهما عمل إبداعي، لأن المترجم عادة لاينتج نصه المترجم دفعة واحدة، بل عليه أن ينتقي الكلمة واللفظ كمصطلح، والأسلوب والمعنى كالتوأم، مرة بعد مرة قبل أن يصل نتاجه إلى يد القارئ.(1/1)
لابد للمترجم من أن يتمتّع بكفاءة عالية وحس أدبي وفني مرهف بالنسبة لنتاجه وبانسجام بليغ مع مؤلفه حتى يتمكن من نقل الكلمات والجمل والصور بدقة وبأقل ما يمكن من التفريط بالأمانة، وإذا كانت الترجمة في السابق تنال النصوص الأدبية بشكل موسع مع الاقتصار على القليل من النصوص التقنية، غير أن أهميتها تزداد يوماً بعد يوم، دون أن تخلو من التعقيدات، بالنظر إلى التقدم العلمي الهائل الذي يثري اللغة العربية كل يوم بمفردات ومصطلحات جديدة، وكل ذلك يتطلب الدقة والاتقان والإبداع من قبل المترجم.(1/2)
لقد كانت الترجمة وماتزال دعامة النهضات الفكرية والثقافية للشعوب وعن طريق الترجمة بدأت النهضة الثقافية في عصر الإسلام الأولى، إذ أدرك الخلفاء حاجة الأمة إلى استخدام غذائها الفكري، فتدفقت بواسطة الترجمة الوديان من مختلف الثقافات العالمية إلى النهر العربي. ولقد نهضت الترجمة لدى كل الشعوب بدور جوهري بالنسبة للتاريخ المعرفي وكانت أبرز ظاهرة لنا نحن العرب من حيث الاستقبال أو الإرسال، حيث كان العرب من السابقين في اعتماد الترجمة كمؤسسة رسمية من مؤسسات الدولة، وذلك في بداية الدولة الإسلامية، فما بالنا إذا لم نجزها حقها اليوم في هذا العصر الحديث، عصر التفجر العلمي والثورة العلمية والتقنية، لاسيما وقد اتسعت الفجوة بين الشعوب المصنعة وشعوب أخرى قعدت أو تهاونت عن العمل والسعي، وصار بينها وبين الأمم المتقدمة بون شاسع لابد من اجتيازه وخرق واسع لابد من رتقه، ولكي يصبح بالإمكان معاصرة الحضارة بمستوى فعّال ومبدع، وليس بمعاصرة مستهلكة منفعلة وتابعة، لابد من بذل الجهود المكثفة نحو نقل العلوم والتقنيات الحديثة إلى العربية على غرار ما تم خلال القرنين الثاني والثالث الهجري، وأيضاً على غرار ما تم في أوروبا في القرن الخامس عشر. أي في فجر النهضة الأوروبية حيث نشطت خلالها الترجمة من العربية إلى اللاتينية عن طريق مؤسسات ولجان وطنية أو أجنبية لهذا الغرض، سعت إلى التطعيم من شجرة العلم العربية عن طريق نقل وترجمة الكتب المناسبة من شعر وأدب وفلك ورياضيات.(1/3)
لقد كانت لغتنا العربية الأبية من أمضى الأسلحة في تاريخنا ومعاركنا الثقافية، وإن عجز الأمة العربية في هذه المواكبة، ينحصر في العلوم التقنية الحديثة فقط دون الأخرى من أدبية واجتماعية وغيرها، لذلك فإن هذا العجز لايعني قصور لغتنا بل يعني تقصيرنا نحن، لأن لغتنا أثبتت على مدى تاريخها العريق أنها لاتعوزها خصائص النماء والتطور ولاطاقات التوليد والتجدد. بل كانت وعاء المعرفة المتقدمة لعدة قرون في العصر الوسيط، كما بقيت مرجعاً لعالم ما حولها كان قد نقل عنها شعائر الدين الإسلامي، عقيدة وشريعة.
لذلك لابد من أجل الوصول إلى مستوى المواكبة لهذه التقنية المتدفقة بجديدها من مفردات ومصطلحات ومخترعات، من اتساع دائرة الترجمة والتعريب بمسعى حثيث، ومتكامل ومترابط مع بقية الفعاليات، فالترجمة هي الوسيلة المفضّلة للتعرف على مالدى الآخرين من تقنيات وأفكار مفيدة وغنية، وأيضاً بالمقابل لتعريف الآخرين على مالدينا، بكون الثقافة أخذ وعطاء وليست مسيرة وحيدة الاتجاه وهي بمجموعها مرحلة متتابعة باستمرار لابد من المرور بها لترجمة وتعريب كل مفيد من علوم وتعليم، ولإثراء اللغة العربية وجعلها في عداد اللغات العصرية بعلومها وآدابها وفنونها وتقنياتها المتعددة.
من هذه المنطلقات، تبدو الترجمة والتعريب شكلاً من أشكال الكفاح القومي، ومرابطة فعالة على الجبهة الأخطر من مجمل الجبهات وأعني بها الجبهة القومية، تلك الجبهة التي بقيت عصية على الاختراق حتى في أحلك سنوات الغزو الخارجي وأشدها ضراوة. مع العلم بأن الغزو الثقافي هو أخطر أشكال الغزو الذي تعرضت له الأمة العربية، غير أن لغتنا العربية الأبية كانت ولاتزال من أمضى الأسلحة في معاركنا الثقافية(1/4)
لقد قامت الترجمة، في تاريخ المعرفة، لدى كل الشعوب بدور أساسي وجوهري، وبالنسبة لنا نحن العرب كانت أبرز ظاهرة مستساغة من حيث الاستقبال والارسال، فإذا ما تفحصنا جملة السائرين في عمق البحر الخضم من جيش الكتاب بمختلف اختصاصاتهم، نجد العاملين بالترجمة بمثابة جنود المشاة. فمهمة الترجمة شاقة ومستمرة إلى حد ما على صعيد العمل اليومي، خاصة عندما يصل الجهد إلى المشقة عندما يندرج عملها ضمن مهمة عالمية مستحقة.
إن الأمة العربة بجميع أطرافها تنشد الوحدة، ولساننا العربي هو الدعاية الأولى والمرتكز الأهم والأرسخ لهذه الوحدة، ولا لساناً عربياً فعالاً ومتطوراً دون تملُكْ القدرة الكافية على التعريب والترجمة التي تُمكّن من معاصرة الحضارة الإنسانية، معاصرة منتجة فعالة ومبدعة، لا معاصرة مستهلكة، منفعلة، وتابعة.
لقد كانت الترجمة وستبقى رغم تعدد وسائل الاتصال من أهم جسور التواصل بين الأمم، خاصة، بعد أن دخل العالم الغربي عصر الذرة -الفضاء- الحاسبات الالكترونية والخ.. وبعد أن توسعت الترجمة بقدر يمكن من الاطلال على القرن الحادي والعشرين والمشاركة في صنعه.
وعلى تراث الأقدمين شاد المجدون صرح حضارتهم بما حصلوا من علوم الأوائل، ومن علوم ابتدعوها بتفكيرهم وبجهودهم، فربطوا الحاضر بالماضي للمستقبل.
وهذا الكتاب الذي بين الأيدي يتناول الترجمة (تاريخها- قواعدها- تطورها- وتفرعها إلى أنواع عديدة تلبيةً لحاجات المجتمع فقد تناول من حيث العلوم والتقنيات مثل: (المصطلح- التعريب- وترجمات: الشعر -القصة - المسرح- السينما -المؤتمرات -الكلاسيكية- الدبلجة- الفورية- التقنية- والعلمية، وغيره. كما تطرق إلى أثر الترجمة قديماً وحديثاً وإلى أسماء أساطين المترجمين في السابق، وفي عصر النهضة وأوائل القرن العشرين.(1/5)
نأمل أن نكون قد أضفنا إلى المكتبة العربية مرجعاً جديداً عن حركة الترجمة تاريخها- قواعدها- تطورها- آثارها- في خدمة الثقافة الجماهيرية، التي لابد من تصفحها والاطلاع عليها من قبل أي مهتم بأمور الترجمة وفائدتها في زيادة وعي الجماهير واقتباس كل جديد، والله الموفق.
سالم العيسى
تعريف الترجمة:-المدخل-
تعريف الترجمة: هي شرح وتفسير مايقوله ويكتبه الأخر، من لغة أخرى إلى لغة المتلقي أو المستمع. فهي بالنسبة للمترجم تفسير فكرة مصاغة من قبل غيره ضمن لغة أخرى، وليس عليه أن يفتش عن هذه الفكرة في أي مكان بل كل ما يترتب عليه أن ينقلها بلغة أخرى. وبعبارة أخرى فالفكرة لاتعود إلى المترجم بل إلى منشئ النص، وبهذا يمكن القول بأن الكلام في الترجمة يعود بنفس الوقت إلى المؤلف وإلى المترجم في آن واحد.
إن موضوع الترجمة قريب من تحليل علم المعاني ونظرياته الترابطية، وهذا القسم من الدراسات اللغوية يصعب معالجته بالتفصيل عن طريق مدخل ثانوي. ولكن وجود متكلم بلغتين لديه الكفاءة التامة في الترجمة يمكنه صياغة جميع المقولات المتوافقة مع اللغة الثانية المُترجم منها.
إن ظاهرة الترجمة، كانت ولازلت ملازمة لتاريخ الإنسان، لأن تعدد الشعوب والأقوام واختلاف اللغات التي برزت نتيجة المناخ -والبيئة- والغذاء والتناسل، أسهم في الحضارة الإنسانية وجعل ظاهرة الترجمة الأداة الوحيدة لسد حاجة التواصل بين البشر فرادى وجماعات وفي كل أنواع التبادل. وقبل القراءة والكتابة عن طريق الإيماء ثم استحضار مفرد الشيء أو مصغّره ومن ثم تصوير المطلوب إلى المخاطب من قبل المتكلم. وقد تدرج هذا التفاعل بين الشعوب البدائية حتى الوصول إلى الكتابة والقراءة. فالشعوب البدائية، مهما كانت منغلقة على نفسها لم تستطع إيقاف التواصل بأنواعه المختلفة، وخاصة على تخومها، وما يتولد عنه من اختلاط ناتج عن التجارة أو الحرب أو الاتصال الدبلوماسي أو الثقافي.(1/6)
وهذا التواصل غير المنظم، كان سائداً بين القبائل والشعوب المتجاورة ذات اللغات المختلفة بحكم الضرورة والمصلحة السائدة حينذاك، ويبدو الآن منطقياً أن يكون هذا النوع اللغوي في بدء التاريخ أكثر تعدداً منه في عصرنا، وذلك من جراء التقارب والتفاعل أو التوحيد اللغوي الناتج عن سيطرة بعض الشعوب أو الأقوام على غيرها، فتقوم الجماعات أو الأمم الكبيرة بحكم مصالحها بخلق أو إبداع صناعات أو وظائف ظرفية يؤديها بعض المبدعين أو الوسطاء الذين هم صلة التفاهم بين الوفود التجارية أو وفود الجيوش المتحاربة أو البعثات الدبلوماسية أو عمليات التجسس والاستعلام التي يقوم بها كل عنصر أو محارب للتعرف على أحوال قبيله أو عدوه.
وهذه الظاهرة غنية عن التفسير والتحليل، لأن اختلاف اللهجات بين عناصر الأمة نفسها يجعل التفاهم والتواصل بينها بحاجة إلى وسطاء يعرفون أكثر من لهجة أو تفسير فيؤدون دور المترجم أو المفسر في اللغة نفسها. ولعل مانجدهُ من كثرة المترادفات في بعض اللغات، ومنها العربية على سبيل المثال، مصدره تعددْ لغات ولهجات القبائل في إطار اللغة الواحدة، وهذا التعدد كما نراه قد أخفاه التوحيد المتدرج منذ القديم الناتج عن الاندماج الذي جاء بعده التوحيد العقائدي عند الفتح الإسلامي، بالنسبة إلى اللغة العربية. مع العلم بأن لهجات القبائل العربية لاتكاد تحصى حتى أن القرآن الكريم نفسه يحتوي على قراءات لها علاقة بهذه اللهجات، رغم غلبة لهجة قريش فيه على جميع اللهجات.
اختلاف اللغات:
يمكن تلخيص اختلاف اللغات إلى نوعين: اختلاف جذري واختلاف متتالٍ.(1/7)
-الاختلاف الجذري بين لغتين، ينشأ في ظروف وأصقاع مختلفة، وبسبب اختلاف الأجناس اللغوي، كما هو حصيلة تاريخية طويلة المدى ومرجعها الأساسي هو تكوّن هذه اللغات في عزلة عن لغات الجوار، ولعلّ بعد المسافات وبطء الانتقال وقلة القبائل أو الجماعات في بداية التاريخ هي السبب في هذا التعدد، غير أن العامل الأساسي في هذا التعدد هو الأصل والجنس والعامل السياسي، لأنها الأكثر تمثيلاً لسيطرة لغة الغالب.
-الاختلاف المتتالي أو التالي: إن أفضل تعريف يمكن أن ينطبق عليه، هو تباعد شعبين من أمة واحدة تباعداً مناخياً أو زمنياً أدى إلى تحول اختلاف اللهجة ثمّ إلى انفصال لغوي كامل، حيث يزول التفاهم لعدم انطباق كامل مفردات اللغة، خاصة إذا صاحب الانفصال ظاهرة جديدة ومترافقة تخلّلها امتزاج اللهجة بلغة مجاورة لها لهجة مختلفة ممّا يؤدي إلى موت اللغة الأم بعد انفصال هذا الشعب عن شعوب أمته مدة زمنية طويلة الأمد. ولعلّ أحسن مثال على ذلك هو موت اللغة اللاتينية في أواخر القرون الوسطى بفعل تولد اللغات اللاتينية المتفرعة عنها مثل (الفرنسية -الإسبانية- البرتغالية -الخ...) وذلك بعد تقهقر الامبراطورية الرومانية وأثر الهجمات البربرية في أوروبا.(1/8)
نظراً لمرور أجيال عديدة في تاريخ شعوب هذا الكون، يصعب علينا معرفة تكوّن اللغات الخالصة البريئة من كل تعدد في الأصل، لأن اللغات الصافية لايمكن اعتبارها الآن إلاّ مجرد فرضية نظرية يمكن وضعها لفهم وتحليل كنه اللغات المزيجة أو بالمقابل لدراسة وتعليل إرجاع اللغات المتوفرة لدينا إلى أصل ما من مجمل اللغات القديمة. ولعلها لغات مزيجة من لغات حية ومعمول بها حتى الآن أو قديمة نجهل عناصرها الأصلية. فإذا مااستعرضنا تكوّن اللغات يمكن التجرؤ بالزعم بأن اللغات الصافية لاوجود لها، بل هي لغات كانت تامة لشعوب أو أجناس محددة ثم أصبحت أجزاء لغوية لشعوب متجاورة لأزمنة محددة، ثم صارت لغة واحدة على المستوى الفونولوجي والمعجمي كمادة، وعلى المستوى التأليفي والإعرابي كصورة، وذلك بفعل سيطرة امبراطورية أو دولة قوية على مجتمعات أو شعوب أخرى.
الفرضية الثانية هذه تبدو أقرب إلى الحقيقة التاريخية البعيدة والقريبة ويمكن أن نقدم مثلاً على ذلك، ماحدث عند الفتح الإسلامي وما كان حادثاً في الشرق العربي القديم، وماهو حادث الآن بين لهجات شعوب الأمة العربية مما يفيد بأن الأصل كان متعدد اللهجات وأن ظاهرة الوحدة اللغوية هي التالية أي اللاحقة. بحيث أن اللغة الواحدة مع مرور الزمن، منها سيطرة الاقتصاد واللغة -الثقافة - أو التفاعلات المتنوعة الأخرى قد انصبّ عليها لهجات متعددة أو لغة وسيطة تحولت جميعها إلى مايشبه التنوعات في اللغة الأم. وهذا مايجعل ظاهرة الترجمة داخل كل لغة أساسية في دورها التكويني على المستوى اللغوي وهي في الوقت نفسه تحاكي الظاهرة الكونية التي تستدعي الترجمة بين اللغات المختلفة في دورها على المستوى الفكري.(1/9)
وبنتيجة ذلك يمكن القول إن ظاهرة الترجمة مترافقة دوماً مع التواصل اللغوي إما ضمن لهجات نفس اللغة أو بين لهجات لغات متباعدة. وهاتان الظاهرتان على المستوى اللغوي والفكري أصبحتا قابلتين للتوحيد ولو فرضياً. ومنه نصل إلى نتيجة مماثلة بأن نعتبر أصل جميع اللغات هي لهجات الشعوب المتقاربة التي خضعت لامبراطورية واحدة وحدّتها سياسياً قبل اكتمال لغاتها الخاصة، فأصبحت المنبع الذي تولدت منه اللغات التي نعتبرها الآن صافية.
ومن هنا نجد أن وحدة اللغة، مثل وحدة الجنس، هي حصيلة تاريخية وليست منطلقاً للتاريخ، أي ليست بداية، لأن اللغات الرسمية أو الواسعة الانتشار تسيطر بالتدريج حيث تصل مع طول الزمن إلى إزالة تعدد اللغات في أمتها، وهذا مانلاحظه خاصة في شعوب أفريقيا السوداء بحكم سيطرة لغة الاستعمار الافرنسي والانكليزي، التي تكاد أن تقتل اللغات القبلية. وكما يحدث أيضاً في الهند والاتحاد الروسي (بالنسبة إلى الانكليزية والروسية.
هناك بالمقابل حالات قليلة تبدو فيها وحدة اللغة والجنس حاصلة ومتعمقة كما هي الحال في الصين واليابان بفضل الكتابة التي كانت ولاتزال هي وحدة التواصل الفريدة التي حافظ الصينيون خاصة عليها رغم تخلفها.
ماهي الترجمة من حيث المضمون
الترجمة هي بنت الحضارة ورفيقتها الدائمة عبر الزمان والمكان، إنها النافذة التي تفتحها الشعوب المختلفة لتستنير بنور غيرها، ولقد عرفها العرب منذ القديم، كما عرفها سائر الشعوب. لقد عرف العرب التواصل في زمن الجاهلية، مع المحيط المجاور ومع اليونان والصين والهند، ولكن بشكل محدود، كما نقل الغرب بدوره عن العرب في الماضي وخاصة في زمن الصليبيين ثمار الحضارة العربية، كما نقل العباسيون بدورهم عن الفرس واليونان والهند وغيرهم.(1/10)
تعتبر الترجمة اليوم من أهم روافد الثقافة، وقد أحرزت انتشاراً واسعاً ومتنوعاً وأوجبت الضرورات القيام بها ومتابعتها، مما أفقدنا القدرة على التمييز بين مصادر الصور الغنية التي تضمنتها من صور: فكرية- أدبية -فنية -وعلمية قد اتسعت لها أذهاننا. إن حضور الترجمة المتواصل منذ القدم والمتعدد المراكز والجهات وأيضاً اللغات يفرض أن يكون له أسباب ومستلزمات ثابتة. أهمها:
1-باعث الترجمة 2-تاريخ وتطور الترجمة 3-الترجمة وتطور اللغات.
(
- الفصل الأول -
أولاً- بواعث الترجمة:
آ-المطلب والحاجة:
إنها من أهم هذه البواعث وأبلغها فعالية، وقد يكون هذا المطلب ديني أو علمي أو سياسي أو عمراني أو تجاري أو غير ذلك. فحركة النقل في الغرب كانت وليدة الحاجة لنقل علوم العرب المتطورة والتي كان يفتقدها. سواءً من علوم الفلك -الرياضيات- الهندسة المعمارية- الشعر -الأدب وغير ذلك، كما أن حركة النقل في العصر العباسي خاصة كانت أيضاً وليدة الحاجة فقد نقل العرب الفلسفة والطب وغيرها من العلوم التي كانوا يجهلونها. وهي التي دعت محمد علي إلى استقدام المترجمين من سورية ولبنان إلى مصر، وإرسال البعثات المصرية إلى فرنسا وأوروبا للتزود بالمعارف والعلوم الحديثة ونقلها إلى مصر واستقدام الخبراء والمعلمين لتطبيقها. وكان نتيجة ذلك صدور العدد الكبير من الكتب المترجمة إلى العربية والتركية كما سيأتي ذكرها فيما بعد. والحاجة أيضاً كانت وراء ماترجمه الموفدون من بلاد الشام وغيرها على تعدد مذاهبهم من كتب يونانية ولاتينية وإيطالية وفرنسية وانكليزية إلى العربية. فكانوا بحاجة إلى هذه الترجمات لنشر الدين المسيحي (كل حسب مفهومه) لإيصال تعاليمهم وأصواتهم إلى الناس، وهناك أمثلة كثيرة أخرى تبين لنا مدى تأثير الحاجة في قيام الترجمة وتنوعها وأسباب نموها.
ب- التواصل(1/11)
عرف الإنسان المتحضّر فضل الترجمة منذ زمان بعيد، فهي الجسر الذي تعبر عليه ثقافة الأمم بعضها إلى بعض فتزيد المعرفة وتعمق متعة الحياة في هذا العالم.
فهي عكاز التقدم والنهضة في كل بلد تخلف عن ركب الحضارة لسبب أو لآخر. إنها الرمز والطابع لحضارة العصر الذي تمثله كل أمة ناهضة. فقد ازداد هذا التواصل بشكل وفير وخاصة في العصر الحاضر بعد الترجمات الحديثة من علمية وسياسية وصناعية وأدبية التي تنطلق الآن قوية وعارمة مع صدور الجرائد والمجلات والقصص الرائجة المترجمة.
ج-خدمة المعرفة الإنسانية
إن الترجمة العلمية والأدبية هما اللذان يخدمان المعرفة الإنسانية، وفي حقيقة الأمر لا يستطيع المرء الفصل التام بين نوعي المعرفة (العلمي والأدبي) والسبب في ذلك هو أسلوب المؤلف أو المؤرخ الذي يحتل وزناً كبيراً، فالمؤرخ أو المؤلف الحق هو من استوفى الشروط التالية:
-الإحاطة بالعلوم الحياتية بدرجة حسنة.
-القدرة على نبش واستيعاب الحقائق العلمية، تدقيقها وتحليلها في كفاءة وطول أناة.
-الأمانة في النقل التاريخي بكل تجرد.
-المقدرة على إبراز وعرض الموضوع، تنسيقه وتبويبه.
-أسلوب الكتابة مع السهولة -الوضوح والبساطة بعدم ترك المجال للالتباس.
تلك هي الصفات التي يجب أن يتميز بها المؤرخ الحقيقي، أما إذا أريد إضافة بعض الصفات الأدبية، على المؤرخ أن يقدم القدرة على رواية الماضي في سرد مؤنس، يتطابق مع الحياة التي يعيشها أهل زمانه.(1/12)
أما المترجم الحق، هو من يلتزم بالحد المناسب على ضوء الشروط التي تقيد المؤلف الذي ينقل عنه، لتخرج ترجمته صادقة وصحيحة للنص الأجنبي، لايكاد أن يختلف مبناها عن فحواها. فلم ينقطع جهد الترجمة في أي زمن، فرغم أن الدول كانت في حاجة دائمة وماسة إليها، ورغم استحالة أقلام الترجمة في دور الحكومات من سد حاجتها في أعمال الترجمة، ورغم تأخر ظهور الهيئات والمؤسسات التي تعني بشؤون اللغة من ألفاظ ومصطلحات وتراكيب، فإن خدمة المعرفة الإنسانية لم تنقطع ولم يُعّطل دولاب العمل الفردي أو الجماعي في هذا المجال ومثال على ذلك صدور مؤسسات الطباعة المختلفة الخاصة التي أصدرت المجلات العديدة المتنوعة حملت قدراً كبيراً من عبء النهضة منذ أواخر القرن السابق وطيلة هذا القرن.
د- المواكبة والتغطية العلمية والأدبية والقانونية
... للمصطلحات الجديدة ولكل رافد حديث
إثراءً للمكتبة العربية ونشراً لمختلف فنون المعرفة الحديثة بين جمهور القراء، من العرب، ورغبة في نقل الإنتاج الحديث إلى المجال العالمي، لابد من مواكبة الإنتاج العلمي والفكري المُترجمْ من اللغات الأجنبية الحيّة، لقد كانت الترجمة وماتزال دعامة من دعائم النهضات الفكرية والثقافية للشعوب، وبواسطة الترجمة بدأت النهضة العلمية والثقافية في عصور الإسلام الأولى، حيث أدرك الخلفاء حاجة الأمة إلى الغذاء الفكري من أية جهة ومن كل سبيل، مما أفسح المجال لتدفق روافد ووديان من مختلف الثقافات العالمية إلى النهر العربي، وهكذا أيضاً عندما نهضت أوربا من سباتها، رأت أن أجدى وسيلة لنهضتها أن تنحو نحو الترجمة، فاندفع الناقلون منهم يترجمون حسب حاجتهم من أمهات الكتب اللاتينية واليونانية وأيضاً أصول الكتب العربية التي ساهمت بمقدار كبير على ازدهار الثقافة الأوربية الحديثة.(1/13)
لانخالف الحقيقة، عندما نؤكد بأن الترجمة هي متن المواكبة وشاهد عدل لعلاقة بريئة بين عقول أهل الأرض على اختلاف أممهم ومللهم ونحلهم. فعن طريقها تتناسق الأفكار والمعطيات العلمية والتيارات الأدبية والفلسفية والإيدولوجية بعضها إلى بعض لتكون فكر أو مصطلح متقارب أو واحد في نهاية الأمر. وعندئذ يمكن أن تنتفي مقولة الشاعر البريطاني راديارد كبلنج الذي كان يدعو للامبراطورية الانكليزية في القرن الماضي عندما قال: "الشرق شرق والغرب غرب لن يلتقيا. غير أن وسائل الاتصال الحالية على كوكبنا من مرئية ومسموعة ومنقولة تدحض هذه المقولة بنت زمانها.
كان لحركة الترجمة ومواكبتها للعلوم الحديثة أثر فعال في توجيه نشاط القراء، وتوجيه أسلوب الأدباء، يشهد بصحة ذلك الكتب التي ترجمها المترجمون من كتب وقصص وروايات وأدب وغير ذلك التي كانت تنقل أحياناً بتصرف وفق رؤية معيّنة، هذا بالإضافة إلى ترجمة ونقل أعمال كبار المفكرين بعد أن قدم لهم المترجمون مرات كثيرة، وعلى رأس هؤلاء: جان جاك روسو- والفيلسوف الانكليزي برتراندرسل- والكاتب الارلندي الساخر شو.
هـ- المتعة وصقل الذوق والخيال.(1/14)
إنها أحد بواعث الترجمة، لقد مثلت ذوق الجمهور في السابق وسيظل يمثل دوراً رئيسياً في توجيه حركة الترجمة، وأبرز الإثبات على ذلك هذه الأعداد الضخمة من القصص البوليسية والغرامية التي نقلت أو ترجمت على مدى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، لبّى خلالها الأدباء والمترجمون مطلب القراء الذين تمتعوا بشغف على هذا النوع من التأليف مما شجع الإنتاج ولكن حسب تغير ذوق القراء في تشجيع فن على حساب فن، أو علم على حساب علم آخر، فقد سادت في بادئ الأمر القصة المترجمة في أواخر القرن الماضي، ولكن مع تطور العصر وانتشار التعليم واتساع الثقافة ضعف اهتمام القراء بالقصص والروايات كما ضعف صدورها على صفحات المجلات والجرائد كما هو الحال اليوم. وتغيير الذوق الذي أوجب تغيير إنتاج المترجم ليتناول فقط القصة، لابل الشعر وغيره أيضاً، فشعر النصف الأول من القرن الماضي يختلف بموضوعاته وصوره وأساليبه عن شعر النصف الثاني من القرن نفسه. نعم لقد ساهمت الترجمة بتغيير الذوق والمفاهيم الشعرية لدى الجمهور وهو الباعث الأساسي لهذا التغيير، أما الذوق في هذا المجال فهو إحساس ذاتي يختلف باختلاف الأفراد ودرجات ثقافتهم، ولكن مهما اختلفت الأذواق فإن الذوق العام هو السائد لأنه يبقى الدافع الفاعل والمؤثر في كل حركة ترجمة.
و- الثقافة:
إن الثقافة هي من أهم البواعث إلى الترجمة، وتتميز بخصوصية تتعدى الحاجة والمتعة والبواعث الأخرى، بل هي خليط من كل منها. تتزايد أهمية الثقافة بتزايد انفتاح الشعوب بعضها على بعض، وهذا الانفتاح لايتم إلاّ بالترجمة، لأنه عن طريقها يتاح لكل فرد منا أن يقرأ بلغته علوم الغرب والشرق، واكتشافاته الحديثة، فأصبحت السبيل إلى الاطلاع على كل جديد في الفكر والعلم والفن والأدب.(1/15)
أما عامل ثقافة الترجمة جاء متأخراً لأنه وليد ظروف تفترض مستوىً متقدماً من النهضة المحلية التي تمكن من التواصل العلمي عبر البلاد الأخرى، بينما لا يفترض ذلك في عامل الحاجة أو الذوق مثلاً، غير أنه بالمقابل إذا حاولنا. ترتيب هذه الدوافع أو العوامل بالنسبة إلى الترجمة حسب ظهورها وفعالياتها تصدر أمامنا عامل الحاجة، من حيث ترتيب تطور الترجمة عبر تاريخها الطويل أي من أوائل عصر الانحطاط إلى أيامنا هذه وسنستعرض باختصار مراحل هذا التطور وصولاً إلى النهضة الفعلية.
ثانياً- تاريخ تطور الترجمة:
1- تطور الترجمة قبل القرن التاسع عشر.
كان للسريان دور عظيم في نقل وترجمة علوم اليونان والهند وغيرهم إلى اللغة العربية بالنسبة لمطلع الإسلام، ولقد كرّس بعض علماء السريان حياتهم لتحقيق هذا الغرض، ولا يخفى على أحد صعوبة عملية الترجمة، لوجوب تحقق المعاني المقصودة بصورة تامة، وإيجاد المصطلحات المناسبة للمبنى من اللغة العربية، لأن أي تحريف أو خروج عن النص المترجم، قد يؤدي إلى معاني مختلفة ومغايرة للمعنى الأصلي.(1/16)
عندما افتتح العرب الأندلس كان ينطبق على الغرب ماقاله -فولتي- من تفشي الجهل والأمية (1)(1) ولهذا مااستقر الأمر في الأندلس، حتى أقبل الأوروبيون على الأندلس يترجمون العلوم والفلسفة وعلم الفلك وعلم الجدل، والاجتماع، فنقلوا إلى اللاتينية أهم المصنفات العربية في هذه الفنون وفي المجالات الأخرى، وكانت مدينة طليطلة هي المركز العربي المهم الذي ارتاده الأوروبيون. واستمر تطور حركة الترجمة في التقدم خلال القرن الثالث عشر الميلادي، وحيث صادف خلاله نشوء الجامعات في أوروبا مما ساهم في زيادة الاقتبال على الانتهال من اللغة العربية، لاسيما بعد إنشاء الجامعات فيها، ويمكن أن نخص بالذكر جامعات باريس وأوكسفورد وبولونيا وسالونيكا. وقد استمرت هذه الحركة بين فتور ونشاط إلى منتصف القرن الثامن عشر، وكل ذلك كان يتم نقلاً من العربية إلى اللغة الأجنبية.
أما النقل والترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية فقد تم في إطار من شبه المعهد أو المجمع (اللبناني الماروني- الروماني) لترجمة الكتب الدينية المسيحية من اللاتينية واليونانية إلى العربية، مثل كتاب التعليم المسيحي- وقوانين المجمع التريدنتيني ودستور الأمانة الارثوذكسية الذي طبع أول مرة عام 1566م ثم أعيد طبع ترجمته.
__________
(1) انظر قول فولتي في تاريخ آداب اللغة العربية، لزيدان، الجزء الرابع ص370. وراجع أيضاً قول هوارتس في تاريخ العرب جـ2-ص157.(1/17)
لعل هذه هي أولى الترجمات بالنسبة للغات الأوروبية(1) لأن أحداً في لبنان على مايبدو، لم يكن يعرف لغة أوروبية بدليل أن أحد البطاركة الشرقيين ميشيل رزي لم يجد في محيطه من يلمّ باللغة اللاتينية ليترجم له رسالة من البابا غريغوريوس الثالث عشر، ورسائل أخرى تلقاها من الكردينال- "كرافا" في شهر آذار سنة 1577م(2) فكان عليه أن ينتظر إلى حين وصول الأب البانو عام 1578م لترجمتها.
إن أولى الترجمات إلى العربية كانت معظمها دينية وبقيت كذلك حتى عصر محمد علي في القرن التاسع عشر، (حيث سنأتي على ذكرها) ذلك أن مواضيع الترجمة والكتابة في كل عصر هي اهتمام وحاجات ذلك العصر. ولابد من الإشارة بأن معظم هذه الكتب منقولة من اللاتينية واليونانية وبعضها من الإيطالية.
من هذه الكتب نذكر:
- التعليم المسيحي للكاردينال بلارمين ترجمة يوحنا الحصروني، مطبعة سافري روما- 1613م.
- تاريخ المسيح، ترجمة بطرس مخلوف طبع في روما عام 1674م(3)
- السيف القاطع، وهو بمثابة جدل باليونانية لمكسيموس مرغونيوس المتوفى سنة1602م، ترجمة خريستو دولس- أسقف غزة، والمطران يواصاف بن سويدان العمراني طبع سنة 1696م.
- التعليم المسيحي ترجمه من اليونانية إلى العربية الشماس صفرانيوس، شماس كنيسة حلب طبع سنة 1740م.
- العشاء الرباني لافسترانيوس ارجنتس ترجمة مسعد نسو، طبع في بخارست عام 1747م(4).
- كتاب سفر المزامير ترجم إلى العربية سنة 1610م.
__________
(1) راحع: لويس شيخو، الطائفة المارونية والرهبانية اليسوعية في القرن 16-17- والأب يوسف نصر الله في مجلة المسرة، السنة34، عام (1948) الجزء السابع.
(2) المرجع نفسه.
(3) إن يوحنا الحصروني- وبطرس مخلوف- وجبرائيل الصهيوني- جميعهم من تلامذة المعهد الماروني الروماني.
(4) راجع الأب نصر الله، ومجلة المسرة الذي أورد عدداً آخر من الكتب المترجمة عن اليونانية.(1/18)
- مرشد الزمان وقسطاس أبدية الإنسان، من تأليف الأب نيرنبرغ اليسوعي وترجمة بطرس فروماج وتنقيح عبد الإله زاخر، صدور 1733م-1734م.
- كتاب المزامير طبقاً لترجمة عبد الإله بن الفضل الأنطاكي- طبع عام 1735م.
- المرشد المسيحي، تأليف يوسف دوتركان (1585-1652) طبع 1738م.
- المرشد الخاطئ في سري التوبة والاعتراف تأليف الأب بولس سنيري بالإسبانية (المتوفي عام 1691م وقد ترجم إلى العربية وطبع سنة 1747.
- مرشد الكاهن، تأليف الأب سنيري وترجمة بطرس فروماج، طبع عام 1760م.
- إيضاح التعليم المسيحي تأليف أحد كهنة باريس وترجمه الأب بطرس فروماج طبع 1768م. وهناك كتب أخرى ترجمت خلال هذه الحقبة لامجال لذكرها هنا.
أما المطابع التي طبعت تلك الترجمات في بادئ الأمر، كانت خارج لبنان، مثل (فانو بإيطاليا- أو في روما- أو الأستانة- أو بخارست- أوغيرها، لكنها كانت جميعها تصل إلى لبنان مع غيرها حسب الطلب والحاجة.
ثم ظهرت فيما بعد مطبعة الشوير- ومطبعة القديس جاورجيوش للروم الارثوذكس التي أنشئت عام 1753م بسعي من الشيخ نقولا يونس الجبيلي المعروف بابي عسكر(1).
إن أكثر مطبوعات هذه المطابع من كتب التعليم والجدل الديني والبعض منها في الأدب والتاريخ.
__________
(1) المرجع نفسه بالإضافة إلى مطابع الملكيين في المسرة- 34عام 1948م جـ7- ص437-462. وكتاب حركة الترجمة في عصر النهضة ل. زيتوني -13-20.(1/19)
أما الترجمة في غير الناحية الدينية: فأول ماظهرت في عصر النهضة (مصر ولبنان) في ظل ولاية -محمد علي-(1)، فبعد أن استتب له الحكم في مصر، وضع نصب عينيه بناء دولة قوية وعصرية فوجه عنايته إلى الجيش أولاً فعزز أوضاعه واستقدم له خبراء فرنسيين وإيطاليين وأنشأ له في بادئ الأمر المستشفيات العسكرية، وعندما وجد بحاجة إلى كفاءات تساعده على بناء الدولة الحديثة، أرسل إلى فرنسا العديد من البعثات لتعليم أفرادها العلوم والفنون التي تحتاجها الدولة. وكان في غضون ذلك قد استقدم عدداً من المترجمين جلّهم من بلاد الشام(1)، كما استقدم مع عودة البعثات بعض الخبراء الأجانب للتدريب والمراقبة لمدة محدّدة. وكان الجميع يشتركون في أداء الواجب، ونظراً لمتابعة إرسال البعثات مدة كافية فقد كان يعود أفرادها إلى مصر لمشاركة اسلافهم في العمل. ثم أنشأ محمد علي مدرسة الألسن في مصر، فخرجت عدداً من المترجمين الذين أدوا واجبهم في تنشيط حركة الترجمة والنقل التي أنتجت بكفاءة عدداً غير قليل من الكتب الأجنبية وخاصة الفرنسية منها. أما مواضيع هذه الكتب فكانت عسكرية- وطبية- وصناعية- وزراعية وغيرها مما له علاقة بعمل الدولة وحاجاتها.
ب- الترجمة في أثناء حملة نابليون بونابرت على مصر:
__________
(1) لقد بلغ مجموع ماترجم في لبنان 31 كتاباً، وماترجم أيام محمد علي 19913 كتاباً. انظر جمال الدين الشيال: تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي. وراجع أيضاً جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية جـ4-(1/20)
إن هذه الترجمة ولو سبقت عصر النهضة بمصر على عهد محمد علي، غير أنها لم تكن على درجة من الاتساع والشمولية كما أصبحت الحال خلال ولاية محمد علي، لأنها كانت في عهد الحملة الفرنسية ذات طابع رسمي، لسد حاجة أفراد الحملة، ولكن لايمكن نكران الأثر الذي خلفته تلك الحملة في نقل الترجمة، لأنها كانت بأشد الحاجة إلى مترجمين دائمين لنقل الأوامر عنها، ولترجمة المنشورات وتسجيل محاضر الدواوين، وليكونوا وسطاء في نقل الحديث المباشر بين الحكام والمحكومين، وقد استعانت الحملة في بادئ الأمر بأشخاص غرباء من مصر أحضرتهم معها حين قدومها، فكانت الغالبية من أسرى البحارة المسلمين الذين كانوا تحت أيادي فرسان القديس يوحنا بجزيرة مالطة. وقد ترجموا المنشور الذي أعده نابوليون بالفرنسية، وكان قد طبع على ظهر البارجة (الشرق) في مطبعة عربية ليكون معدّاً للتوزيع على المصريين عند نزول قائدها نابوليون، وبعد التغلب على المماليك وفرارهم، بدأ نابوليون بوضع أساس لجهاز الحكومة الجديد اشترك فيه زعماء مصريون للاستعانة بهم في إدارة شؤون البلاد، وبالإضافة إلى ذلك، فقد عين كاتم أسرار وكتبة وتراجمة ملميّن بالفرنسية والعربية. وقبل أن نعود إلى الإسهاب عن الترجمة لابد لنا من إعطاء نظرة متسلسلة وكافية عن تطور الترجمة منذ الفتح الإسلامي وحتى الآن. ويمكن أن نستعرض في هذا المجال: الترجمة في عهد الأمويين- الترجمة في العهد العباسي- في عصر النهضة- في زمننا الحالي.
الترجمة في عهد الأمويين:(1/21)
لم يغفل الأمويون عن الاهتمام بالترجمة، رغم انشغالهم بالفتوحات وبتوطيد أركان الدولة. ومع ذلك فقد خطت الترجمة خلال حكمهم الخطوات الأولى، فقد انصرفت إلى الطب والفلك والكيمياء وفن العمار للحاجة إليها في تلبية مستلزمات الحروب والفتوحات الوافدة التي تتطلبها الفتوحات والسكان في البلاد الجديدة- أما الذي دعا إلى ترجمة هذه الكتب هو الأمير الأموي- خالد بن يزيد بن معاوية الذي أخفق في نيل الخلافة فانصرف إلى العلم والاهتمام بالترجمة، وفي ذلك يقول ابن النديم: (وكان خالداً يُسّمى حكيم آل مروان وكان رجلاً فاضلاً وله ميل ونشاط نحو العلوم. ولتحقيق هذه الرغبة أمر جماعة من فلاسفة اليونان الذين كانوا يقيمون في مصر ويجيدون العربية. فأمرهم بترجمة العديد من الكتب من اللغة اليونانية والقبطية إلى العربية(1)، وكان هذا أول ترجمة في الإسلام من لغة إلى لغة.
كانت الكتب التي ترجمت لخالد بن يزيد المذكور تتعلق غالبيتها بالكيمياء. لأن خالداً كان يسعى لتحويل المعادن إلى ذهب.
يذكر الأستاذ محمد كرد علي(2) رئيس مجمع العلمي في دمشق سابقاً، إن خالداً استخدم أحد علماء مدرسة الاسكندرية -ايستوفن- في ترجمة بعض الكتب اليونانية الطبية إلى العربية أما المستشرق الإيطالي "نيلليننو" يروي أن أول كتاب ترجم من اليونانية إلى العربية كان كتاب "أحكام النجوم" المنسوب إلى الحكيم "هرمس".
ويذكر القفطي أنه في زمن مروان بن الحكم- 64-65- نقل أول كتاب طبي إلى العربية، من قبل كناش اهرن القس بن اعين، وقد احتوى على ثلاثين مقالة نقلها- ماسر جويه- الطبيب البصري من السريانية إلى العربية. وكان اهرن من الأطباء الذين عاشوا في الاسكندرية في زمن هرقل
(
__________
(1) راجع ابن النديم: الفهرست ص352.
(2) راجع الفهرست لابن النديم طبعة القاهرة ص338 ومابعد.(1/22)
610م-641م) وألّف كتاباً طبيباً باليونانية، ثم نقله إلى السريانية، حيث قام -ماسرجويه- بنقله إلى العربية.
ويروي ابن جلجل أن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز-99-101-هـ وجد هذا الكتاب في خزائن الكتب بالشام. فأمر بإخراجه ووضعه في مصلاّه.
استمر النقل والترجمة في زمن الخلفاء الأمويين ولكن بالقدر القليل كما ذكرنا، ويذكر أحمد أمين أن من أشهر المترجمين في العصر الأموي كان -يعقوب الرهاوي الذي ترجم الكثير من الكتب الالهيات اليونانية إلى العربية.
أما كتب الدواوين في زمن الدولة الأموية قد نقلت من اليونانية إلى العربية، أيام الخليفة عبد الملك بن مروان، في سورية. وفي العراق من الفارسية إلى العربية على يد الحجاج والي عبد الملك.
أما الكتب القبطية في مصر فقد تُرجمت إلى العربية على يد عبد العزيز بن عبد الملك والي مصر حينذاك، وقد كان لهذه الترجمة والدواوين أثر كبير في دعم أسس الدولة العربية وأصبحت أيضاً اللغة العربية لغة الإدارة الرسمية في أرجاء البلاد، كما أن هذه الترجمات عزّزت وأظهرت فوائد الترجمة فأبرزت فوائدها لنشاط الحركة هذه التي لم تضعف بل زادت نشاطاً في العصر العباسي.
وقد روى ابن النديم أنه في زمن بني أمية نُقل الديوان في العراق من الفارسية إلى العربية بأمر من الحجاج. والمترجم هو صالح بن عبد الرحمن مولّى بني تميم وأصله من سجستان. وقد بذلت له الفرس مائة ألف درهم مقابل أن يظهر العجز في ترجمته ولكنه أبى ذلك. وفي عهد عبد الملك نقل الديوان في الشام من الرومية إلى العربية عن يد أبو ثابت سليمان بن سعد.
ج-الترجمة في عهد العباسيين:(1/23)
ازدهرت الترجمة في العهد العباسي ازدهاراً عظيماً، كان العرب قبل العهد العباسي منشغلين بالفتوحات كما ذكرنا وبتوطيد دعائم الحكم، وما إن استقرت الأمور حتى جدّوا وراء العلم لبناء ونشر الحضارة العربية والإسلامية على المستوى الذي يتمشى مع اتساع البلدان المفتتحة ودائرة الخلافة. وهنا لابد من التوجه إلى تنشيط النقل والترجمة بالإضافة إلى العلوم الأخرى. فما أن انقضى عصر التابعين واستند المسلمون في ثبات ويقين إلى كتاب الله ورسوله، حتى جهدوا إلى تحصيل المعارف في شغف ونهم، فكان العصر الأموي يمثل المرحلة المبدئية، ثم انطلق المسلمون في العصر العباسي سعياً وراء العلم اعتباراً من ولاية الخليفة العباسي، أبو جعفر المنصور الذي كان بارعاً في الفقه متقدماً في علم الفلسفة والفلك وبما يتصل بمعرفة أحوال النجوم، ومشجعاً للعلم والعلماء ولاينكر فضل سابقه- خالد بن يزيد بن معاوية الذي كان يلقب (بحكيم آل مروان كما ذكر سابقاً.
لقد كثر الجدل في عصر بني العباس بين أصحاب الفرق من المسلمين وبين أصحاب الأديان الأخرى، وكان المسلمون في هذا الوقت على علم بالمنطق اليوناني الذي ابتكره أرسطو(1) ممّا حدا بهم إلى ترجمة الفلسفة اليونانية بعامة ومنطق أرسطو بخاصة، لإيجاد وسيلة راسخة لدعم الرأي، وإسناد الحجة. كما أن اتصال المسلمين خلال هذا الزمن بالمعارف اليونانية أدى إلى تطور أساليب الكلام بحيث توفر المسند على تفنيد حجج الخصم بالأدلة القياسية مما مكّن المسلمين من الرد على المعارضين ودحض ادعاءاتهم.
__________
(1) المجوس: كلمة إيرانية الأصل، كان فيها الكثير من المجوس وعددهم كثير غير أنها كادت تنقرض بعد استيلاء المسلمين على -فارس- وقد وردت في القرآن الكريم غير مرة وقد تركت بعض الآثار في الحركة الإسلامية حينذاك (راجع الموسوعة العربية ص1653. وتطلق عامة على اتباع الديانة الزرادشتية.(1/24)
ولهذا كانت الضرورة ملحة في استمرار نقل وترجمة علم الكلام عن أرسطو إضافة إلى اتقان الجدل والمحاورات لمجابهة فرق: 1-المجوس 2- والثنوية 3-والمجبرة 4- والحشوية 5-والسمنية 6-والمانوية.
كما لقيت حركة الترجمة في هذا العصر التشجيع المناسب من الخلفاء والوزراء وخاصة، في عهد الرشيد والمأمون- كما جرت الترجمة عن لغات عديدة تولاها لبنانيون ومصريون وسوريون ومسلمون أو غير مسلمين ممن كانوا يتقنون لغة أجنبية إلى جانب العربية وكانت الترجمات ركيكة خضعت لمدة غير قصيرة لكثير من التصحيح والتدقيق والمراجعة غير أن مالفت أنظار الخبراء الأجانب هو سرعة استيعاب الفلاسفة والعلماء العرب وحتى الأفراد المثقفين منهم جميع المعارف المترجمة، فقد تمكنوا من تصحيح مافيها من أخطاء عن طريق العقل السليم والمدارك الواسعة والتجربة العملية.
لقد تساءل بعض الباحثين والمثقفين فيما بعد عن مصادر اتصال المسلمين بالتراث اليوناني والجواب تضّمن الاحتمالات التالية:
1- عن طريق الفرق غير الإسلامية من مجوس- ومجبرة وغيرهم مما ذكر(1).
... ... حيث كان بعض رجال تلك الفرق على علم كامل بالفكر اليوناني وخاصة، المنطق والفلسفة، وقد ثبت تعمقهم بهذه العلوم فيما دار بينهم وبين رجال الإسلام من مناظرات، غير أن المسلمين استطاعوا التفوق عليهم بالاعتماد على (علم الكلام) بالإضافة إلى علم المنطق والفلسفة والإلهيات.
2-مادار من مناقشات شفوية بين رجال الكنيسة وأصحاب التوحيد، فقد كان رجال الكنيسة على اتصال بالمعارف الخارجية عن طريق المدارس التبشيرية التي كانت ملحقة بالكنائس والأديرة، وقد تبين أن أشخاصها كانوا على دراية بالفلسفة اليونانية وبالطقوس الدينية فيها.
__________
(1) الثنوية: معناها في اللاهوت الاعتقاد بعدم الخير والشر معاً، كالعقيدة الزرادشتية وبالنور والظلام كمبدأين للعالم (الموسوعة العربة والموسوعة الفلسفية).(1/25)
3- اتصال المسلمين بالحركة (الغنوصية) التي تحمل في أعماق فلسفتها الكثير من عناصر الفلسفة اليونانية.
هذا وقد انقسم عهد الترجمة في العهد العباسي إلى دورين رئيسين:
يمتد من قيام الدولة العباسية إلى بداية عهد المأمون
(132هـ،750م-198هـ،814م) والثاني يبدأ بتوالي المأمون الحكم ويمتد طيلة عهده. (198هـ،814م-هـ218،833م).
في عام 145هـ أسس أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء الدولة العباسية مدينة بغداد، وجعلها عاصمة الدولة الإسلامية بدلاً من دمشق. فسرعان ما ازدهرت وطغى نورها الفكري على نور البصرة والكوفة، كما تقدمت على دمشق. ولم يعد يباريها إلاّ القسطنطينية. فكانت قصور المنصور خلال الفترة 136-158- والرشيد 170-193- والمأمون 198هـ،814م-218هـ،833م وغيرهم في بغداد، ملتقى العلماء والشعراء بعناية الدولة، فكان للخليفة أبو جعفر المنصور شغف بالطب والهندسة والفلك والنجوم. وهو أول من راسل ملك الروم طالباً منه كتب- الحكمة- فبعث إليه كتاب أقليدس وبعض الكتب الأخرى(1) فجمع حوله صفوة من العلماء الذين يتقنون اللغات الأجنبية، وشجعهم على ترجمة الكتب العلمية المنتقاة، وفي سبيل ذلك أشاد ديواناً للترجمة. فنقل جورجيوس بن جبرائيل بن بختيشوع للخليفة المنصور كتباً كثيرة من كتب، اليونانية، وكان قد استقدمه من مدرسة جنديسابور حيث كان رئيساً للأطباء فيها، فجعله طبيبه الخاص.
__________
(1) الدكتور عمر التومي الشيباني: مساهمة الإسلام في تطور التعليم العالي -ص40-41.(1/26)
واهتم الخليفة هارون الرشيد (170-193)، بترجمة الكتب الأجنبية، ووسع ديوان الترجمة الذي أنشأه المنصور لنقل العلوم. وبعد احتلال عمورية طلب من البيزنطيين تسليمه المخطوطات اليونانية القديمة. ومن أشهر الكتب التي ترجمت في عهد الرشيد كان كتاب المجسطي لبطليموس الذي معناه "الترتيب الكبير في علم الفلك". كما أمر الرشيد بتعريب الكتب التي وجدها في أنقرة وعمورية أثناء غزواته (الصوائف) وعهد بها إلى يوحنا بن ماسويه، لأن هذا كان كبير المترجمين في عصره. ويقول صاحب الفهرست حول ذلك(1) كان يوحنا بن ماسويه مسيحّي المذهب سريانياً عيّنه الرشيد أميناً على الترجمة وعهد إليه ترجمة الكتب القديمة مما عثر عليها في بلاد الروم حين سباها المسلمون.
وحسب رأي محمد عاطف البرقوقي وأبي الفتوح محمد التوانسي أن يوحنا(2) هو الذي نصح الرشيد بإنشاء دار كبيرة ومتسعة للكتب وهي التي أنشئت فيما بعد وأصبحت تدعى (دار الحكمة).
ومن المترجمين الذين خدموا الرشيد وابنه من بعده الحجاج بن يوسف بن مطر الذي نقل كتاب- إقليدس (أصول الهندسة) على مرتين، المرة الأولى في زمن الرشيد وقد عرف بالنقل الهاروني، والمرة الثانية في زمن المأمون وعرف بالنقل المأموني، وكان عليه المعّول لأنه الأصح.
وكذلك عهد الرشيد إلى الفضل بن نوبخت الذي كان يتقن الفارسية بشؤون كتب دار الحكمة، كأمين لها، فكان ينقل ويترجم من الفارسية إلى العربية ما يتوفر له من هذه الكتب.
الدور الثاني ويشمل عهد المأمون ومابعده:
كان الخليفة عبد الله المأمون قد لبث في سدة الحكم عشرين سنة
(
__________
(1) حاجي خليفة: في كشف الظنون ص679- ابن أبي أصيبعة في عيون الأنبياء ج1- 123
(2) ابن النديم: كتاب الفهرست ص153-154. وص 124
... البرقوقي: الخوارزمي العالم الفلكي الرياضي. ط1964-ص9-78.
... - شحاده خوري: الترجمة قديماً وحديثاً ص36-37.(1/27)
198-218هـ) وكان رجلاً ذا أفق واسع مستنير حّر التفكير- محباً للعلم والحكمة، شغوفاً بالدرس والتدقيق والبحث والمناظرة، حيث كان يجمع العلماء ورجال الفكر المستنيرين ليتناظروا أمامه باشتراكه معهم.
تمثل الظاهرة القرآنية سبباً جوهرياً للتوجه نحو العلم، فقد دعا القرآن الكريم العرب، بوصفهم المنطلق في الدعوة الإسلامية إلى أمرين:
1- الأخذ بأسباب العلم والمعرفة وتيقظ العقل -2- تبليغ الدعوة الدينية فقد اعتمد المأمون هاتين الغايتين جاهداً لإنشاء بناء بشكل معرفي جديد ترتكز انطلاقته إلى المبادئ الدينية الإسلامية بعد أن وجد في المعارف الحاصلة في الأمم المحيطة بالجزيرة فائدة في توسيع الدعوة- فلابد لذلك من تعزيز النقل والترجمة التي برزت كعامل أساسي في العلاقة الجديدة، وكغاية عقدية تدعو إلى طلب العلم ولو كان في الصين. وأضحت الترجمة واجباً دينياً يخدم بها المسلم عقيدته.
مرت الترجمة في الفترة الإسلامية السابقة بمراحل أولية لا بأس بها فقد بدأت أولاها بعصر عمر بن الخطاب الخليفة الثاني محدودة، حيث حظر الترجمة في المستوى المعرفي والفكري التجريدي وأباح الترجمة في المستوى العملي، على مبدأ اجتهادي، أن القرآن والسنة هما أصلان جاهزان لا بديل لهما في تأسيس الأفكار والمواقف عند المسلمين. لذلك كان سبب المنظور من الترجمة أو أوجه التلاقح بين العرب والفرس أو الروم أو اليونان أو اليهود عقدياً محضاً.(1/28)
أما العامل الأساسي الذي أباح الترجمة فيما بعد هو الحاجة الجديدة للدولة الإسلامية للاضطلاع بوظيفتها كما تفرضه هذه الحاجة، وسط تلاقح حضاري مفروض مقابل جهاز حكومي متطور عند فارس أو عند الروم، فتوسعت الترجمة فيما يتعلق بالإدارة ومتطلباتها. حتى جاء دور الخلفاء (أبو جعفر المنصور وهارون الرشيد) اللذان بالتتابع فتحا باب التعامل مع سكان البلاد التي أسلمت أو أناس احتفظوا بدينهم. فأصبحت الجزيرة ثمّ الشام والعراق موطن الاحتكاك والتوالد الفكري، واحتفظت العواصم العربية بتقاليد معرفية موروثة ومختلفة من سريانية وهندية ويونانية وفارسية وحبشية وقبطية الخ... فأصبحت الترجمة حقيقة حضارية وواقعية، فقد بدأت فردية ثم أصبحت رسمية انطلاقاً من عهد خالد بن معاوية الأموي، ثمّ مزدهرة وموسعة في عهد المأمون.(1/29)
أما فيما يتعلق باستنارة عقل المأمون وحكمته فلنستمع إلى المؤرخ القاضي- "صاعد الأندلسي الذي يصف لنا المأمون في كتابه (طبقات الأمم) حيث يقول(1): لما أفضت الخلافة فيهم إلى الخليفة السابع منهم، عبد الله المأمون بن الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور تمّم ما بدأ به جده المنصور، فأقبل على طلب العلم في مواضعه واستخراجه، من معادنه بفضل همته الشريفة وقوة نفسه الفاضلة، فداخل ملوك الروم وأتحفهم بالهدايا الثمينة وسألهم بما لديهم من كتب الفلاسفة. فبعثوا إليه بما حضرهم من كتب- أفلاطون وأرسطوطاليس وأبوقراط وجالينوس وإقليدس وبطليموس وغيرهم من الفلاسفة. فاستحضر لها مهرة التراجمة وكلفهم بإحكام ترجمتها، ثمّ حض الناس على قراءتها ورغبّهم في تعلمها. فنفقت سوق العلم في زمانه وقامت دولة الحكمة في عصره وتنافس أولي النباهة في العلوم لما كانوا يرون من إعطائه لمنتحليها واختصاصه لمتقلديها. فكان يخلو بهم ويأنس بمناظرتهم ويلتذ بمذاكرتهم، فينالون عنده المنازل الرفيعة والمراتب السنية. وكذلك كانت سيرته مع سائر العلماء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين وأهل اللغة والإخبار والمعرفة بالشعر والنسب. فأتقن جماعة من ذوي الفنون والتعليم في زمانه كثيراً من أجزاء الفلسفة. وسنّوا لمن بعدهم مناهج الطلب ومهدوا أصول الأدب حتى كادت الدولة العباسية تضاهي الدولة الرومية أيام اكتمالها وزمان اجتماع شملها."
وأيضاً يقول ديورانت(2) إن أحد شروط الصلح يبن المأمون والامبراطور البيزنطي ميخائيل الثالث أن يتنازل هذا للمأمون عن إحدى المكتبات الشهيرة في القسطنطينية وكان من بين ذخائرها كتاب بطليموس في الفلك، فأمر المأمون بنقله فوراً إلى العربية.
__________
(1) صاعد الأندلسي: كتاب طبقات الأمم ص47- ابن النديم: كتاب الفهرست ص 352
(2) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص260-(1/30)
أنشأ المأمون في بغداد -بيت الحكمة- الذي كان يحوي المجمع العلمي ومرصد فلكي ومكتبة عامة أقام فيها طائفة من المترجمين الذين أغدق عليهم الأرزاق من بيت المال.
وكذلك أرسل المأمون البعثات إلى بلاد الروم للحصول على الكتب، وحسب قول صاحب الفهرست: أن المأمون كان بينه وبين ملك الروم مراسلات عديدة وقد كتب إليه حول إرسال من يختار من العلوم القديمة وغيرها المخزونة لديه، فأجابه ملك الروم بعد تردد، فأرسل المأمون لذلك جماعة، منهم الحجاج بن مطر وابن البطريق وسلمان صاحب بيت الحكمة فأخذوا مما وجدوا وما اختاروه، فلما حملوه إليه أمرهم بنقله فنقل..
وعلى مايبدو أن المأمون أرسل أكثر من بعثة إلى القسطنطينية وبلاد الروم للحصول على كتب بحاجة إليها حيث يستفاد من أخبار حنين بن اسحق أيضاً أن المأمون قد أرسله للبحث عن الكتب النادرة في بلاد الروم.
إن مايميز حركة الترجمة في عصر المأمون أن هذا الخليفة أحسن تنظيمها وجعلها مرجعاً ومنشطاً رسميين في الدولة، وأنفق من أجلها الأموال الطائلة. وقد ساهم في هذا النشاط حنين بن اسحق الذي نال ثقة وإعجاب المأمون وجعله يعطيه من الذهب، كما يروي، زنة ماينقله ويترجمه من هذه الكتب إلى العربية مثلاً بمثل. وقد بقي قسم كبير من هذه الكتب إلى زمن أبي أصيبعة (القرن السابع الهجري) التي رآها بنفسه وحدثنا عنها.
أما بيت الحكمة فكان بمثابة كلية علمية، قُسمتْ إلى أقسام متعددة منها:
- قسم الترجمة ويتألف من أقسام أصغر حسب اللغات الأجنبية السائدة حينذاك: اليونانية -والفارسية- والسريانية- والهندية.
-قسم التأليف.
-قسم للبحث الفلكي والمرصد.(1/31)
وقد وضع هذا البيت بجميع أقسامه وفعالياته تحت إشراف عالم أو عالمين مع معاونين لهم، وممن تولى الإشراف على أقسام هذا البيت سهل بن هارون، الذي كان بالوقت نفسه أميناً لخزانة كتب المأمون الخاصة. وسعيد بن هارون الكاتب. ومن المنجمين في أيام المأمون حبش الحاسب المرزوي الأصل البغدادي الإقامة وله ثلاثة أزياج أولها المؤلف على مذهب السند- الهند. والثاني الممتحن وهو أشهرها وقد ألفه بعد أن رجع إلى متابعة الرصد، والثالث الزيج الصغير المعروف بالشاة، وأيضاً كتب غيرها.
ومنهم أحمد بن كثير الفرغاني صاحب المدخل إلى علم هيئة الأفلاك يحتوي على جوامع كتاب بطليموس(1).
ومنهم عبد الله بن سهيل بن نوبخت بليغ القدرة في علم النجوم.
ومنهم محمد بن موسى الخوارزمي. ومنهم- اليهودي الذي كان في زمن المنصور وعاش إلى أيام المأمون وكان له خطٌ قويٌ في سهم الغيب.
ومنهم يحيى بن أبي المنصور الذي كان أيضاً رجلاً فاضلاً كبير القدر.
ومن الأطباء سهل بن سابور ويعرف بالكوسج وقد تقدم في الطب في أيام المأمون وأيضاً جبرائيل الكحال.
وقد رتب بيت الحكمة على مثال مكتبة الاسكندرية الشهيرة من حيث الوسائل وطرق العمل والغاية والهدف، وقد استمر هذا البيت في العمل بعد المأمون، وإن كان قد فقد الكثير من نشاطه حتى زمن ابن النديم صاحب الفهرست(2)، في منتصف القرن الرابع للهجرة، علماً بأن ابن النديم ألفّ كتابه الفهرست عام 377هـ وهذا يدل على أن عمل هذا البيت استمر طوال عهد العباسيين، غير أن هولاكو دمره سنة 656هـ عند احتلاله لبغداد.
__________
(1) الطبري تاريخ مختصر الدول ص 134-138.
(2) ابن النديم: كتاب الفهرست. ص355-357.(1/32)
وقد اقتدى بالمأمون في ذلك العهد وبعده كثيرون من رجال الدولة وأهلها الميسورون فازدهر سوق الترجمة وتوافد على بلاد العباسيين من كل حدب وصوب، من أنحاء الجزيرة والعراق وبلاد الشام وفارس وفيهم من السريان والصابئة(1) والنساطرة واليعاقبة والروم يترجمون الكتب من اليونانية والسريانية والفهلوية والسنسكريتية والنبطية إلى العربية.
وحسب قول أحد الرواة الثقات: ممن اهتم بإخراج الكتب من بلاد الروم مثل: محمد وأحمد والحسن بنوا موسى بن شاكر المنجم، حيث لبوا كل رغبة، وانفذوا حنين بن اسحق وغيره من المثقفين إلى بلاد الروم ليجيئوا بطرائف الكتب والمصنفات في الهندسة والفلسفة والطب والموسيقى والحساب وكانوا يمنحون جماعة الترجمة مثل حنين بن اسحق وحبيش بن الحسن وثابت بن قرة وغيرهم نحو خمسمائة دينار في الشهر للترجمة والّلازمة.
وجاء أيضاً في كتاب -شمس العرب تسطع على الغرب- لمؤلفته الألمانية سيغريد هونكه(2)، مايلي: (إن أبناء موسى بن شاكر قاموا بإيفاد الرسل على نفقتهم الخاصة إلى بلاد الروم بحثاً عن المخطوطات الفلسفية والفلكية والرياضية والطبية القديمة. وكانوا يدفعون المبالغ الطائلة لشراء الآثار العلمية اليونانية وحملها إلى دارهم قرب باب التاج وهي الدار التي قدمها لهم المتوكل على مقربة من قصره في سامراء. وقد اتخذ المتوكل فيما بعد نفس طريقة المأمون فيما يتعلق بتجميع المترجمين وإرسال البعثات لتحصيل الكتب الواجب نقلها.
__________
(1) الصائبة: قوم كان يسكنون حرّان بين النهرين وكانوا يعبدون الكواكب.
(2) سيغريد هونكه: (كتاب، شمس العرب تسطع على الغرب) منشورات دار الآفاق الجديدة في بيروت الطبعة الخامسة- 1981-ص124.(1/33)
لم ينفرد ولدا موسى بن شاكر لوحدهم في هذا العمل، بل أصبح اقتناء المخطوطات وترجمتها إلى العربية هواية الأمراء والوزراء وميسوري القوم، فكانوا أثناء الترحال أو التجارة لا يتوانون في جلب مايروق لهم من هذه الكتب. ومن أشهرهم، الفتح بن خاقان- وعبد الملك بن الزيات الزير في بلاط بني العباس.
ولا يمكن نسيان الأندلس التي كانت موطناً للنقل والترجمة العلمية أو الثقافية إلى العربية بعد بغداد قبل أن تصبح موطن الكشف والإبداع في ميادين الآداب والعلوم والفنون.
فقد رعى حكام الأندلس حركة الترجمة وشجعوا عليها وعملوا على اقتناء الكتب ونقلها إلى العربية.
يحدثنا ابن أبي أصيبعة في حديثه عن ابن جلجل، أن أرميانوس ملك القسطنطينية (293-348هـ، 905-959م) عندما أراد أن يرسل هدية إلى الناصر عبد الرحمن بن محمد في قرطبة جعل من ضمن هديته- كتاب أدسقوريدس الذي يحتوي على وصف العقاقير النباتية باللغة الإغريقية فقدر الناصر هذه الهدية حق قدرها. ولما لم يكن في دولته من يحسن ترجمة هذا الكتاب من اليونانية القديمة إلى العربية، فقط طلب من أرميانوس الامبراطور نفسه أن يبعث إليه بمن ينقلها، فأرسل هذا الأخير إليه الراهب نقولا الذي وصل قرطبة عام 340هـ وقام بترجمة هذا الكتاب إلى العربية ولاسيما ما فيه من أسماء العقاقير.
الدور الثالث لحركة الترجمة -أشهر المترجمين-
اشتمل هذا الدور على الطبقة الثالثة من المترجمين ويبدأ من نهاية عام ثلاثمائة للهجرة. ومن بين المترجمين فيه.
- ابن يونس: ويروي القفطي أنه كان ببغداد في خلافة الراضي بعد سنة 932م-320هـ. حسان بن ثابت بن قره المتوفي عام 932م-360هـ.
- يحيى بن عدي المتوفي عام 974م-364هـ.
- أبو علي بن زرعة المتوفي عام 1008م-398هـ.(1/34)
وكان أكثر ما يترجم من كتب هذا الدور، الكتب الطبيعية وكتب المنطق لأرسطو وأيضاً تفسير هذه الكتب التي قام بها الاسكندر الأفروديسي، بالإضافة إلى بعض الكتب الهندسية والعلمية.
وماهو جدير بالذكر، أن ما حصله العرب خلال تلك الأدوار من التراث اليوناني الثقافي وغيره، لم يصل إلى أوروبا إلا بعد حوالي أربعة قرون، أي بعد انحلال الدولة الإسلامية حيث بنى الغرب حضارته عليها وبعد أن أضاف العرب والمسلمون إلى هذا التراث ما ابتكروه ودققوه. ويثبت ذلك ما نجده حالياً مسجلاً للعرب والمسلمين في الكثير من دوائر المعارف العالمية كشاهد لفضلهم(1)
وقد برز في هذا العصر، ابن سيناء الفيلسوف والطبيب(2) والطبري الطبيب المشهور وأيضاً تلميذه محمد بن زكريا الرازي(3).
__________
(1) حسان بن ثابت بن قرّة: كان أديباً فاضلاً، عالماً بعلم الهيئة ماهراً بصناعة الطب -توفي ببغداد عام 653م-231هـ حسب الفهرست لابن النديم.
... -يحيى بن عدي: أبو زكريا يحيى بن عدي المنطقي التكريتي، مذهبه نصراني يعقوبي (طبقات الأطباء) توفي عام 974م.
... -أبو علي عيسى بن زرعة: نصراني يعقوبي وهو أحد المتقدمين في علم المنطق وعلم الفلسفة وهو من النقلة المحورية الأساسية ولد ببغداد عام 942م ونشأ فيها وتوفي عام 1007م.
... -مادة هذا البحث مستقاة من أماكن متفرقة من ضمن المصادر التالية: الفهرست لابن النديم تاريخ الحكماء للقفطي، كشف الظنون لحاجي خليفة، وعين الأنباء لابن أبي أصيبعة.
(2) ابن سيناء (980-1037) فارسي فيلسوف وطبيب وقد نقل اسمه إلى اللاتينية فكان Avicenna وهو أكثر الفلاسفة أصالة له كتابه المشهور (الشفاء).
(3) محمد بن زكريا الرازي: ألفّ كتباً كثيرة وقد اشتهر في علم الفلسفة والطب. وظل الرازي في أوروبا حجة في الطب غير منازع حتى القرن 17. ولقد ترجمت كتبه إلى اللاتينية.
... -دائرة المعارف الإسلامية.(1/35)
وفي تاريخ القفطي من الروايات ما يحقق شغف العرب والمسلمين بالعلم والمعرفة. منها:
حكى يحيى بن عدي قال: عرض عليّ شرح الاسكندر الافرودسي على كتاب: سمع البيان، وكتاب البرهان بمائة دينار وعشرين دينار فمضيت لإحضار الدنانير، ثم عدت، فأصبت القوم ووجدتهم قد باعوا الشرحين في جملة كتب على رجل خراساني بثلاثة آلاف دينار.
وحكى يحيى بن عدي أيضاً قال: ألتمست من إبراهيم بن عبد الله الناقد النصراني نصوص: -سوفسطيقا، والخطابة- والشعراء- بنقل حنين بخمسين دينار، فلم يبعها، فأحرقوها وقت مماته.
ويعلق القفطي على ذلك قائلاً: انظر مدى همة الناس في تحصيل العلوم، والاجتهاد في حفظها. وكان ذلك في منتصف القرن السابع الهجري، حيث كانت الحركة العلمية فتية ومزدهرة، رغم ما أصابها من تمزق وتدهور سياسي.
وعن ابن سيناء قيل: أنه لما قدم بخارى لعلاج السلطان نوح بن منصور قال: سألتُه الإذن في دخول دار كتبهم ومطالعتها وقراءة مافيها، فأذن لي، فدخلت داراً ذات بيوت كثيرة، وفي كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها على بعض.
وجدت في بيت: الكتب العربية وكتب الشعر، وفي بيت آخر وجدت كتب الفقه. وهكذا في كل بيت كانت الكتب المفردة. وبجانبها طالعت فهرست كتب الأوائل.
الترجمة في بدايات النهضة الحديثة
أولاً- الترجمة الرسمية في عهد الحملة الفرنسية:
كان لهذه الحملة أثر بارز في نقل الترجمة، لأنها كانت بأشد الحاجة إلى مترجمين دائمين لتلقي الأوامر ونقلها إلى المراجع المختصة، ولترجمة المنشورات وتسجيل المحاضر في الدواوين، هذا من جهة، وللترجمة المباشرة في نقل الحديث بين الحكام والمحكومين من جهة أخرى، وفي بادئ الأمر استقدمت الحملة أناساً غرباء عن مصر أحضرتهم معها حين قدومها، وهم كما ذكرنا سابقاً من البحارة المسلمين الذين كانوا في جزيرة مالطة.
المترجمون الرسميون في عهد الحملة.
يمكن تقسيم المترجمين في عهد هذه الحملة إلى التالي:(1/36)
1- الأسرى الذين كانوا في جزيرة مالطة(1) من عرب ومغاربة وأتراك، فقد أطلق رجال الحملة الفرنسية سراحهم بعد استيلائهم على مالطة ونقلوهم معهم إلى مصر.
2-المستشرقون الملمون باللغة العربية من رجال الحملة الفرنسية ومن أهمهم:
آ- ... جوبير (Pierre amébeé jauper) (1779-1847) وهو أحد المستشرقين من علماء الحملة الفرنسية إلى مصر، تخرج من مدرسة اللغات الشرقية في باريز، وكان تلميذاً لفانتور، ولدي ساس وقد خلف فانتور بعد وفاته.
ب-فانتور-Venture قضى أربعين سنة من حياته في الشرق في السفارة الفرنسية في تركيا، عُيّن مترجم لللغة الشرقية في باريز، ثم مدرّساً في مدرسة اللغات الشرقية فيها أيضاً، وبعد مصاحبته للحملة إلى مصر أصبح كبير المترجمين فيها، وكان حاظياً على ثقة نابليون وتقديره ومن تلاميذه -جوببير ومرسيل.
ج-براسرفيش: وكان أحد أعضاء لجنة الترجمة بالمجمع المصري، وكان الجبرتي يسميه (السيتوايان- أي المواطن) وعمل أيضاً في هذه الحملة ككاتم السر والترجمة للعسكريين وقد خلف جوبير في هذا المركز في عهد الجنرال -مينو-.
__________
(1) الجبرتي ج3- ص165-196 وأبو ديف كما يدعى بالعربية ( ) وهو تاجر فرنسي مقيم في القاهرة، كان يعرف اللغة العربية، فقد استعان به رجال الحملة في أعمال الترجمة: راجع :
Histoire Scintifique et Militaire De L’expédition Fr-en égypte.(1/37)
د- لوموكا (Lomoca) وهو آخر عضو في لجنة الترجمة بالمجمع فقد اشترك مع زميله براسرفيش بترجمة أقوال المتهمين بقتل الجنرال كليبر، نقلاً عن سليمان الحلبي وزملائه بترجمة أقوالهم أثناء التحقيق معهم، وكان له جهود أخرى في ترجمة الوثائق الرسمية(1).
هـ- جان روكيه: (Jean roket): اشترك مع براسرفيش ولوموكا في ترجمة بعض أعمال المهتمين بقتل الجنرال كليبر.
و- كليمان: (Kleiman) كان يقوم أحياناً بالترجمة في جلسات الديوان.
ز- بتروجيم (وهناك مترجم ثالث هو أبو ديف، كما ذكر ذلك الجبرتي، وهو الذي وصف بالترجمة المباشرة في الجلسات الأخيرة في الديوان بعد أن تم الصلح بين الفرنسيين من ناحية، والانكليز والأتراك من ناحية أخرى. كما نقل خطبة- ستوف- بالافرنسية(2). هذا هو أهم ماذكر من المترجمين المرافقين للحملة الفرنسية، وهناك مترجمون أخر ومنهم ثانويون عملوا بنقل الكتب والترجمة ضمن الدواوين.
الترجمة العلمية في عهد الحملة الفرنسية
كان المستشرقيون من علماء هذه الحملة هم الذين بدأوا في هذه الترجمة، يساعدهم مترجمون من السوريين، فقد أسس نابليون المجمع العلمي المصري أو ما كانت يُدعى أيضاً مدرسة العلماء في برّ مصر(3)،
__________
(1) ترجم جوبير جغرافية الشريف الإدريسي (نزهة المشتاق) إلى اللغة الفرنسية في مجلدين وطبعت في باريز عام 1836-1840 راجع لويس شيخو ج1- ص66. وانظر أيضاً الجبرتي ج3- ص123-125-130-134-139 وانظر أيضاً (مجمع التحريرات) فيما جرى من أعلام ومحاكمة لسليمان الحلبي ص13-47-57. راجع أيضاً مجمع التحريرات.
(2) راجع جرجي زيدان في التمدن الإسلامي ج3- ص147 وما بعد. وراجع أحمد أمين في فجر الإسلام ص 195-196 وضحى الإسلام ج1-ص 263-273. وراجع تراث الإسلام في مواضع كثيرة.
(3) الجبرتي: ج3-ص30، انظر مجمع التحريرات- وراجع الرافعي: تاريخ الحركة القومية
ج1-ص119-120.(1/38)
وكان هذا المجمع يضم علماء متخصصين في: الرياضيات الهندسة- الفلك- الميكانيك- طبقات الأرض- المعادن- الطب- الجغرافيا- الآثار- الآداب- الفنون الخ..... ولابد من ذكر المختصين منهم في الترجمة- الطباعة العربية والفرنسية. وكانت لجنة الترجمة تتكون من:
(فانتور- ماجيلان- لوماكا- جوبير- ده لابورت- ريج- براسرفيش- بيلتيت.
أما لجنة الطباعة فكانت تتكون من: مارسيل كمدير للمطبعة- وبونتيس Pontes وجالان Jallan وبودوان- وبسّون Besson. وأيضاً مكتبة المجمع فكانت عامرة بآلاف الكتب. وقد حددت أغراض المجمع في الأمر الصادر في 22/9/1798 بما يلي:
1- تقدم العلوم والمعارف بمصر.
2- دراسة المواضيع والأبحاث الطبيعية والصناعية والتاريخية المتعلقة بمصر، ونشر تلك الأبحاث.
3- إبداء رأي الحكومة.
وقد قسم المجمع إلى أربعة أقسام، وهي: الرياضيات- والطب- والاقتصاد السياسي- الآداب والفنون. وفي سبيل ذلك انتشر علماء فرنسيون في كل جهة من مصر للبحث والتنقيب، وكانت جهودهم مثمرة(1). ومن بين أعضاء لجنتي الترجمة والطباعة المشرقية والمذكورين أعلاه، وقع عبء الترجمة العلمية على عاتق عضوين من أعضاء المجمع، وهما، المستشرق الفرنسي جان مارسيل، والثاني هو الأب أنطون رافائيل زاخور راهبة، المخلصي وهو العضو الشرقي الوحيد بمجمع نابليون. ولكون هذين الاثنين من أساطين علماء الترجمة والطباعة في بدايات النهضة لابد من إعطاء لمحة وجيزة عن كل منهما.
__________
(1) راجع كانيفيه ص6، وانظر يوسف جبرا: تاريخ دراسة اللغة العربية بأوروبا ص 27-28 والرافعي ص140، المرجع السابق. وانظر الأب شيخو في: المخطوطات العربية ص 109.(1/39)
جان يوسف مارسيل: (1776-1854) كان على رأس المستشرقين من رجال حملة نابليون وأكثرهم نشاطاً، وكان جدّه المدعو مارسيل أحد القناصل القدامى من الشرق، ولد في باريز في عام 1776 فقد أباه وهو صغير، فكفلته والدته وألحقته بجامعة باريز حيث اختص بدراسة الرياضيات والعلوم وفي عمر 17 التحق بمعمل البارود وبعده أشرف على طبع مجلة مدارس المعلمين. واشترك مع سوارد Suard ولا كريتيل La cretelle في تحرير جريدة Jaurnal des nouvelles publiques وخلال حوادث الثورة الفرنسية ألغيت هذه الجريدة وفرّ محررها خوفاً من إلقاء القيض عليه. غير أنه عاد في عام 1790 لدراسة اللغات الشرقية، وقد تتلمذ على الأساتذة المستشرقين: لانغليس Langles وده ساسي
De sacy وفانتور Venture رُشح ليكون عضواً في اللجنة العلمية- ثم عيّن مديراً لمطبعة الحملة غير أنه فيما بعد قام ديزييه ومونج وهما أيطاليان باختياره دون الياس فتح الله كمدير للمطبعة وكعضو في لجنة العلوم والآداب. وأثناء وجوده في مصر أشرف على إخراج الصحيفتين الفرنستين Le courrier d’egypte la decade egyptienne وبعد عودته إلى فرنسا عيّن مديراً للمطبعة الأهلية التي سميت فيما بعد المطبعة الامبراطورية، كما صدر له كتاب وصف مصر(1).
- الأب انطون رافائيل زاخور راهبة
إنه العضو الشرقي في الحملة، وهو من طائفة الروم الكاثوليك- ولد رافائيل في 7/3/1759 وتلقى العلوم الدينية في القاهرة ودرس اللغة العربية على آبائه. وخاصة على يد الأب اغاييوس في مصر وفي سن الخامسة عشر سافر إلى ايطاليا مع استاذه الأبّ المذكور لإتمام علومه الدينية في روما.
- المترجمون السوريون
__________
(1) راجع الجبرتي: ج4- ص254 و ج3- ص145-149-88-189، وراجع أيضاً مراسلات نابوليون الأول (4-ت ص385_ وبشانلي ص 245-246-247.(1/40)
كان السوريون أكثر شعوب الشرق الأدنى اتصالاً واختلاطاً بشعوب أوروبا المطلة على البحر الأبيض المتوسط، في العصور الوسطى وبدء النهضة، حيث كانت في ربوع تلك البلاد ميادين الحروب الصليبية، على أثرها قامت بعض الإمارات اللاتينية على شواطئ سورية. وبعد انتهاء الحروب الصليبية، وجد في سورية من المسيحيين وغيرهم من يعرف اللغة الفرنسية، وخاصة رحلات رجال الدين الذين كانوا يذهبون إلى إيطاليا أو إلى روما لزيارة مقر البابوية لتلقي العلوم الدينية، إضافة إلى الرحلات الخاصة أو الهجرات أثناء الضائقات المعيشية أو غيرها(1).
وفي القرنين 17-18 اضطربت أمور الحكم العثماني وزادت سطوة الباشاوات الأتراك، على الأهالي في الشام، ونال في هذا الاضطهاد أيضاً الطوائف المسيحية فنزح الكثير إلى القطر المصري في أوائل القرن 18، وزادت هذه الهجرة عام 1725م- بعد نجاح هؤلاء المهاجرين، وتتابعت بسبب (قوة الجذب- وقوة الدفع- ولم يمض وقت طويل حتى ازداد نفوذ هؤلاء المهاجرين المالي والاقتصادي، وتفوقوا على طائفتي الأقباط واليهود اللتين كانتا تحتكران الوظائف المالية في مصر.
ولا عجب إذا عرفنا نابليون أثناء إعداده للحملة على مصر أرسل إلى العالِمْ (مونج والجنرال ديزييه في إيطاليا، بقصد التعاقد مع بعض المترجمين البارزين من الشرقيين المقيمين في إيطاليا، وكان منهم: (إلياس فتح الله) و
(يوسف مسابكي) و (الراهب انطون مشحرة) ومن السوريين أيضاً(2):
__________
(1) انظر الجبرتي: ج3-ص38 و 73، ونقولا الترك الذي ذكر عن الحملة الفرنسية، في مصر.
(2) تولى كثيرون من أسرة فخر مناصب الترجمة والقنصلية للدول الأوروبية في مصر، ومنهم يوسف باسيل فخر الذي كان قنصلاً للروسيا في مدينة دمياط في عهد محمد علي.(1/41)
يوسف فرحات- وميخائيل كحيل. وفي عهد الجنرال (مينو) عين له مترجمان سوريان هما القس رافائيل كترجمان كبير يساعده الياس فخر- وأيضاً يوسف باسيل فخر- والمترجم المدعو نصر الله الذي عين مترجماً للقائمقام (بيليرد). ثم المترجمان السوريان عبود الصباغ وميخائيل الصباغ، وهما تلميذا إبراهيم الصباغ الذي كان طبيباً لدى ظاهر العمر.
وهناك مترجمون أخر: مثل نقولا الترك وهو المؤرخ الثاني للحملة باللغة العربية بعد الجبرتي- وأيضاً القس جبرائيل الطويل. الذي غادر مع الحملة إلى فرنسا لعدة سنوات وعين فيها أستاذ لللغة العربية في مدرسة اللغات الشرقية في باريز خلفاً للأب رافائيل زاخور ويعقوب بن يوسف عزيز الترجمان الحلبي الماروني(1).
ولكن ما تم ذكره ليس ثبتاً كاملاً بأسماء المترجمين السوريين فهناك عدد كبير من القبط والمسلمين ومن بلاد الشام.
- الترجمة في عهد محمد علي:
آ- في مصر والشام:
__________
(1) الجبرتي: ج3-ص159- وميخائيل يزبك في تاريخ الشام ص1074- وقد ألف أيضاً ميخائيل الصباغ كتباً كثيرة في باريز، ترجمها إلى الفرنسية (ده ساسي) وأهمها (مسابقة البرق والغمام في سعادة الحمام، ونشره ده ساسي في عام 1805م وقد كان عنوانه بالافرنسية
La colombe messagere plus rapide que l'éclair plus pronpte que la nue
(texte arabe traduit par de -sacy-)(1/42)
بعد حالة من الظلام والركود العلمي والمعرفي، بزغت في الأفق العربي ومضات من نور في مطلع القرن 19 الماضي. فقد تحقق للعرب في كافة أمصارهم أن العلم هو مصدر القوة، وأن أوروبا بعد ضعفها بالأمس، قد امتلكت الآن القوة المادية والصناعية والعسكرية، بفضل تقدم العلوم فيها، وليس ممارستها للاستعمار والسيطرة والغزو، مستغلةً ضعف الشعوب والدول في القارتين الآسيوية والأفريقية، وبسط سلطانها على هذه الشعوب والدول بحجة تدريبهم وتثقيفهم وتنمية وعيهم للوصول إلى الاستقلال التام، ليس ذلك إلا لاستثمار مواردها الطبيعية واستغلال قواها البشرية، وجعلها سوقاً لمنتجاتها المصنعة، وانتشاراً لنفوذها السياسي وللسيطرة الكاملة.
لذلك للحفاظ على السيادة القومية والكرامة الوطنية، ولصون الذات الشخصية والهوية الثقافية، استقرّ في أذهان الطلائع العربية الطامحة إلى الحرية والاستقلال، ضرورة استئناف ما انقطع من تاريخها والتسربل بما يجب من أسباب المنعة والقوة لمعاودة السير في طريق التقدم العلمي، بنشر التعليم وإقامة الصناعات المختلفة لبناء إنسان عربي جديد بعد طول الاستعمار والتعتيم.(1/43)
ولتبني وإبراز فائدة الترجمة نأتي بالإيضاح التالي: يقول علماء النبات أن النبات إذا طعم ولقح بنبات غيره، أنتج ثمراً أحلى من النباتين الأولين، فالتفاح إذا طعّم بالكمثرى جاء بفاكهة جديدة أطيب مذاقاً، ويقول علماء التاريخ والاجتماع والحضارة أن الشعب أو المجتمع أو الدولة التي تعيش وحدها، وتنطوي على نفسها ولا يصيبها أي تطعيم أو تلقيح من حضارة أخرى، يكون مصيرها الضعف والانحلال. وهكذا نجد توالي الحضارات القديمة التي كانت دائماً على اتصال ببعضها. فإذا ضعفت الحضارة القديمة قامت الحضارة اللاحقة، ولهذا لا نجد الحضارة في القديم وقفاً على شعب واحد دون غيره. بل تُشبه الحضارة دوماً الوديعة يتناولها الشعب القوى ليحميها وينميّها ويزيد فيها. وعند ضعفه وانحطاطه أو كلاله تتحول إلى الشعب الناهض حديثاً الذي تكمن فيه عناصر التجدد والقوة والإبداع، وهكذا دواليك.
إن طرق تطعيم الحضارات بين بعضها والبعض الآخر كثيرة ومختلفة، وأن اختلافها بحسب الزمن والعصر فقد يكون الاتصال بين الحضارات عن طريق، الرحلات أو الهجرة أو الحروب أحياناً، التجارة أو الزواج أيضاً، وغير ذلك من الطرق الحديثة. اليوم، و لكن نقل العلوم من حضارة إلى أخرى وترجمتها من لغة إلى لغة كانت ولا تزال هي الوسيلة المشتركة والناجحة. نعود إلى ذكر العرب كانت حضارتهم قبل ظهور الإسلام حيث كانت حضارة اليمن القديمة التي يمكن وصفها بالبدائية بالنسبة للحضارات التي كانت تجاورها كالحضارة المصرية أو الفارسية، ولكن ما انتشر الإسلام في سرعته المعهودة، حتى انشدَّ إليه العالم أجمع. وفي سنوات قليلة ورثت أملاك الدولتين المجاورتين المذكورتين، وسرعان ما تزاوج الشعب العربي مع شعب تلك المناطق الجديدة جنساً ولغة وحضارة.(1/44)
رغم مرور القرن الأول للدولة الإسلامية الجديدة التي كان اعتمادها في بادئ الأمر على توطيد دعائم الملك، فلم تألو جهداً في عهد بني أمية في نقل علوم الفرس والروم وغيرهم. وقد بدأ العصر الذهبي للحضارة الإسلامية في عصري الرشيد والمأمون في الدولة العباسية حيث أقبل العلماء مدفوعين بتشجيع هذين العظيمين على الترجمة بشغف عن اللغات الأجنبية، ولقد تُرجمت كتب كثيرة في الطب- الفلك- الرياضة- الفلسفة- والجغرافيا وغيرها(1). فانبعثت أشعة قوية ونفاّذة ملأت أوروبا بكاملها، وكانت مبعث النهضة الأوروبية الحديثة، أما السلاح القوي النافذ الذي ساعد على نقل الحضارة الإسلامية إلى أوروبا هي الترجمة وتكرار التواصل بواسطتها.
لقد حظيت الترجمة في مصر، خلال المرحلة الأولى من النهضة الحديثة، باهتمام كبير. فانطلقت في بادئ الأمر، على يد جماعة من السوريين واللبنانيين الذي بذلوا جهوداً عظيمة للتغلب على الصعوبات الناشئة من افتقار اللغة إلى المصطلحات والمدلولات الحضارية، واختلاف التراكيب بين العربية واللغات الأوروبية، بالإضافة إلى جهل المترجمين للعلوم التي ينقلونها، فلما عاد أعضاء البعثات المصرية من الخارج كان عملهم أسهل من عمل أسلافهم.
__________
(1) انتقلت الحضارة الإسلامية إلى أوروبا (بواسطة الترجمة) عن ثلاثة طرق مهمة وهي:
آ- اتصال الأوروبيين بالمسلمين في الأندلس ومملكة الصقليتين.
ب- بواسطة التجارة.
ج_ بواسطة الحروب الصليبية.(1/45)
يمكن أن نعتبر عام 797م،181هـ السنة الأولى التي قضى خلالها محمد علي على المماليك. حيث انطلق منها لتنفيذ السياسية الإصلاحية التي تبناها محمد علي. وفي نهايتها أنشأ المدرسة الحربية الأولى لتعليم أولاد المماليك وعلمائهم في القلعة، وكانت اللغة الإيطالية هي التي تدرس في هذه المدرسة. وكان المربون قد استقدمهم من الأجانب كما مر ذكره(1).
وفي عام 1809م إلى 1816م كان محمد علي يرسل البعثات إلى إيطاليا وفرنسا للتبحر في تعلم اللغات الإيطالية- الفرنسية- التركية للتمكن من ترجمة الكتب الأجنبية المطلوب ترجمتها، حتى ومن الحصول على ترجمات أمتن لغةً وأسلم تعبيراً، لم يتوان محمد علي من إلحاق بعثات من شيوخ الأزهر بالمترجمين لمساعدتهم على ضبط اللغة ووضع المصطلحات المناسبة. وصارت مشاركة الشيوخ في عملية النقل تقليداً خضع له جميع المترجمين، ولم يُعفى منه سوى خريجي الأزهر من أعضاء البعثات والخريجين.
لم يلاحظ في هذه المرحلة أي نوع من التخصص في الترجمة، فكان الطبيب يترجم في التاريخ والمتخصص في صناعة النسيج يترجم في الجغرافيا. والنصوص المترجمة لم تكن في جميع الحالات مأخوذة من كتاب واحد بل من عدة كتب، وقد تلحق بها فصول من كتب عربية الأصل.
بدأ محمد علي، في تشييد المدارس الواحدة بعد الأخرى، وكانت البعثات ترسل إلى أوروبا كمنهاج وسياسة لإحلال المصريين محل الأجانب. وهذا التشييد كان يرتكز على ركنين مهمين هما: البعثات والمدارس.
ب- المدارس:
1-1 مدرسة الطب البشري:
باشر محمد علي بإنشائها عندما بدأ بتكوين جيشه الجديد بعد عام
__________
(1) راحع أحمد أمين: فجر الإسلام ص195-196 وضحى الإسلام ج1- ص263-273 راجع تراث الإسلام في مواضع كثيرة. وراجع أيضاً جرجي زيدان : تاريخ التمدن الإسلامي ج3- ص147-162.
راجع فريديريك -ك2- في فصول كثيرة منه وخاصة المتعلقة بالجامعات الإيطالية.(1/46)
1815- وذلك اقتداء بالجيوش الأوروبية، وبدأ بنفس الوقت، بتعيين المترجين في المدرسة لترجمة الكتب الطبية أولاً، وكان أول كتاب ترجم في هذه المدرسة هو كتاب (القول الصريح في علم التشريح)، من تأليف بايل Bayle قدم له "كلوت بك" وترجمه يوحنا عنجوري، وطبع في مطبعة المدرسة بأبي زعبل سنة 1832 بعد أن استعان المترجمون بالمصححين من شيوخ الأزهر. وضعت مصطلحات جديدة تؤدي المعنى وصالحة لتكوين أكاديمية فيها، بعد تكفل أمانة الترجمة، وبعد خمس سنوات من ممارسة الترجمة في المدرسة وتوفر المصطلحات طبع فيها قاموس.
-ألحق بالمدرسة تلاميذ لتلقي العلوم الطبية وتعلم اللغة الفرنسية عن طريق المترجمين. وكان الشيخ "رفاعة رافع" هو المدرس بعد عودته من فرنسا بهذه المدرسة التي خصصت لتعليم اللغة الفرنسية بناء على رأي (كلوت بك)، الذي اختار بعد مرور خمس سنوات على فتح المدرسة، 12 تلميذاً من أوائل الخريجين لإرسالهم كبعثة طبية إلى فرنسا عام 1832. وبعد عودتهم كان لهؤلاء التلاميذ شأن كبير في التدريس وفي الترجمة والتأليف، غير أن إدارة المدرسة بقيت تحت مسؤولية الأطباء الأجانب حتى عام 1845، أي حتى أواخر عهد محمد علي، وقد تولى إدارتها بالتتابع: (الدكتور كلوت بك- الدكتور ديفنو- الدكتور بوّن- وأخيراً عهد بإدارتها إلى أحد أعضاء البعثة المصرية الدكتور (إبراهيم النيروي) ثم بعده الدكتور محمد الشافعي.
2- مدرسة الصيدلة:
انشئت عام 1245هـ،1830م بعد مدرسة الطب وكان مكانها القلعة، ألحقت فيما بعد بمدرسة الطب وكان المشرف عليها الدكتور لويس اليسّوندري-
3- مدرسة الولادة
وقد أنشئت عام 1246هـ-1831م. كان يرأس هذه المدرسة الدكتور كلوب بك ثم الدكتور برّون ومن المصريين فيما بعد (علي هيبة أفندي) ثم عيسى النحراوي ثم أحمد الرشيدي من أعضاء البعثة الطبية الأولى.
4- مدرسة الطب البيطري:
وقد أنشئت عام 1247هـ-1832 م.(1/47)
ترجم في هذه المدرسة كتب كثيرة فيما يخص الطب البيطري وكان مدير هذه المدرسة السيد هامون وخلفه السيد برانس Prince وبعد مغادرته عيّن بدلاً عنه (أمين بك) وخلفه بعد عامين (أحمد أفندي، ومنها أيضاً بعد عامين رقيَّ محمد أفندي العشماوي إلى وظيفة رئيس مدرسة الطب البيطري.
المدارس الفنيّة:
5-المدارس الزراعية: أولى هذه المدارس كانت مدرسة (الدرسخانة الملكية سنة 1245هـ ، ومدرسة شبرا الخيمة عام 1248- والثالثة مدرسة بتيرواه عام 1251هـ-1835م وكان ناظرها يوسف أفندي الأرمني، الذي تلقى علومه بفرنسا- أما ناظر مدرسة الدرسخانة كان محمد أفندي الأدرنة الذي كان ملماً بالعربية- والفارسية- والتركية، ثم ناظر مدرسة شبرا وكان يقوم بالتدريس فيها أعضاء البعثة الزراعية العائدين من أوروبا.. وقد ذكر أيضاً أن الشيخ (نصر أبو الوفاء الهوريني) كان مترجماً في هذه المدرسة.
6- المدارس الهندسية:
كان محمد علي يولّي هذه المدارس غاية التشجيع والتنظيم وقد بلغت خمسة في عهده، أُولاها مدرسة الهندسخانة بالقلعة التي أنشئت عام 1231-، وحسب قول الجبرتي، أن حسين الحلبي هو أول من ابتكر صورة الدائرة التي تدور بأسهل الطرق، ثم فيما بعد ابتكر دائرة أخرى، فراج أمره بسبب ذلك(1).
__________
(1) راجع الخطط التوفيقية ج15- ص5، عزة عبد الكريم: المرجع السابق ص360-361-362-368 عن وثائق عابدين.(1/48)
ومن النوابغ الذين تعلموا في هذه المدرسة المهندس الكبير (ثاقب باشا) الذي اشترك فيما بعد في إنشاء ترعة المحمودية وغيرها، ثم كان مفتشاً لعموم الوجه البحري، ومنهم أيضاً أحمد أفندي الأزهري الذي كان من كلية الأزهر حسبما ذكر لنا علي مبارك باشا، ثم دخل مدرسة المهندسخانة بالقلعة وتعلم اللغة الإيطالية وترقى إلى رتبة قائمقام واستمر في الخدمة حتى عام 1265هـ، وفي عام 1235هـ صدر أمر من محمد علي بتعيين الخواجه (قسطي مدرساً بمدرسة المنهدسخانة(1).
يرأس المدرسة الثالثة (أمين سامي باشا) من كلية الأزهر، وقد عيّن لها مدرسون من الذين كانوا يدرسون الحساب والهندسة باللغتين العربية والإيطالية في القصر العيني، على يد المدرس الأجنبي المدعو (الخواجة بسام التويدري).
والمدرسة الرابعة بدأت عام 1247- ودعى لها محمد علي باشا من انجلترا، وبعد سنتين من افتتاحها نقلها إلى القناطر الخيرية لسهولة العمل، وعين لها كمدرس (بيومي أفندي بعد عودته من فرنسا، وقد نبغ هذا الأخير في دراسة العلوم الهندية(2).
افتتحت المدرسة الخامسة عام 1834م-1250هـ في بولاق. وفي عام 1827م، 1242هـ تقرر الاستغناء عن المدرسين الأجانب وتعيين مدرسين مصريين بدلاً عنهم، فعيّن (محمد بيومي أفندي) ومظهر أفندي- وبهجت أفندي- ولحق بهم أربعة من أعضاء البعثة الذين عادوا من فرنسا. وكان السيد لامبير ناظراً للمدرسة، ثم تعين البكباشي محمد بيومي أفندي- واليوزباشية:
(
__________
(1) الخطط التوفيقية: ج9-ص41 عزة عبد الكريم: المرجع السابق ص369، عن وثائق عابدين
(2) انظر رفاعة مناهج الألباب ص251-260.(1/49)
أحمد طائل أفندي- وأحمد رمضان أفندي- وأحمد دوغلي أفندي- وأحمد قائد أفندي- يتولّون ترجمة الدروس التي أوكلت إليهم من قبل بركات الخديوي. وكان المصحح لهذه الكتب هو الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي يساعده مبيضون لنسخ الكتب. أما المُصحّحون لهذه الكتب ومن أبرز المدرسين أيضاً السيد صالح مجدي- وعبد الله أبو السعود وهم من أنجح تلاميذ رفاعة في ترجمة الكتب المتعلقة بالفنون والعلوم في عصر محمد علي. وقد تتابع على إدارة المدرسة كل من آرتين بك- جاكيان أفندي- مع اشتراك شارل لامبير في الإدارة، وبقي كذلك حتى نهاية عصر محمد علي.
وفي سنة 1266هـ أي في أوائل عهد عباس الأول عين (علي مبارك بك) ناظر للمدرسة التي ألحقت بها، فيما بعد، مدرستا التجهيزية والمبتدئان، غير أن المدرسة ألغيت بشكل نهائي في أيلول عام 1849م-1261هـ، أي بعد عشرين عاماً حافلة بالجهاد والعمل المتصل في سبيل النهضة العلمية في مصر.
2-المدارس الصناعية:
7-مدرسة الكيمياء: أنشئت عام 1831م-1247هـ بمصر القديمة لتعليم اللغة الفرنسية والصناعات الكيمائية وكان المدرس فيها: ايمو -وخلفه- روشيه.
8-مدرسة المعادن: أنشئت عام 1834م-1250هـ، وكان ناظرها الأول مصري يدعى يوسف كاشف وقد تولى إدارتها في وقت ما السيد لامبير.
9-مدرسة العمليات أو الفنون والصنائع: أنشئت عام 1836م-1252هـ، وكانت في بادئ الأمر، تعني بالناحية العلمية وفي عام 1844م-1260هـ حولت إلى ورشة صناعية وتولى إدارتها المهندس الانكليزي (تيلر) ثم خلفه مهندس انكليزي آخر (جون ماكنتون).
المدارس الحربية والبحرية(1/50)
10-مدرسة أسوان: لتعليم الضباط، وقد استعان محمد علي بمجهود ضابط من ضباط نابليون القدامى وهو الكولونيل (سيف) يعاونه عثمان نورالدين، وبعد قليل، انتقلت المدرسة إلى اسنا- وكان من بين موظفيها من يدعى (أحمد أفندي(1)) وقد نقلت هذه المدرسة إلى أخميم شمالاً ثم إلى النخيلة بمديرية أسيوط، وأخيراً نقلت إلى (الخانقان) بالقرب من القاهرة(2).
11-مدرسة أركان الحرب: أنشئت عام 1231هـ بقرية (جهاد اباد) بالقرب من القاهرة وكان يديرها الضابط الفرنسي بلانات Planat يشترك معه بعض المدرسين الشرقيين والغربيين وكان الطلاب يدرسون فيها اللغات الفرنسية والتركية والفارسية إلى جانب المواد الحربية والرياضية ورسم الخرائط.
12-مدرسة المشاة (البيادة): أنشئت عام 1832م-1248هـ، ثم نقلت في عام 1250 إلى دمياط وفي عام 1257- نقلت إلى زعبل واستمرت قائمة حتى نهاية عصر محمد علي. وكانت تدرس اللغات الثلاث المذكورة، فيما يقوم بتدريسها مصري من خريجي مدرسة الألسن ويديرها ضابط من جيش نابليون يدعى بولونيني Bolonini غير أن هذه المدرسة ألغيت في عهد عباس الأول.
13-مدرسة السواري: أنشئت في الجيزة عام 1830م-1246هـ ونظمت على غرار مدرسة سومور- الحربية بفرنسا، وكانت تدرس اللغات الثلاثة: العربية- الفرنسية والتركية- وكان مديرها يدعى قاران- الذي نظمها على غرار المدارس الحربية الأفرنسية، ثم خلفه فرنسي آخر يدعى (واسيل بك)، غير أن هذه المدرسة ألغيت في عهد عباس الأول(3).
__________
(1) لعله أحمد أفندي خليل الذي تولى نظارة مدرسة المدفعية وقد قام بترجمة الكثير من الكتب.
(2) عزت عبد الكريم: المرجع السابق ص388- عن وثائق عابدين.
(3) كتاب لامبير عمر طوسون- البعثات ص30/هامش1/ كانت هذه القرية تتكون من المدرسة ومن بيوت التلاميذ ومساكن منفردة لأركان الحرب وهي تبعد مسافة (400) متراً عن المعسكر العام وكانت مبنية على الطراز الأوروبي.(1/51)
14-مدرسة الطوبجية: أنشئت في طرّة عام 1247هـ، وكان يديرها ضابط إسباني يدعى (الدون انطونيو دي سوجوبرا) وكان معظم التلاميذ من المصريين والأتراك مع عدد قليل من جزيرة كريت وكانت المواد الحربية والرياضية تدرس بالانكليزية للذين هم معدون للخدمة في الأسطول وللجيش اللغة الفرنسية أو الإيطالية، أما تدريس اللغة التركية كان لجَميع الطلاب على السواء(1).
كان المترجم من الفرنسية فيها هو (رفاعة الطهطاوي) أما المدير فهو -سكويرا بك- الذي خلفه في إدارة المدرسة (مصطفى بهجت أفندي) الذي منح لقب -باشا- فيما بعد، يساعده مدرب فرنسي يدعى- برونو Brono ثم خلفه أحمد أفندي خليل، وأخيراً عاد برونو مديراً لهذه المدرسة حتى أواخر عصر محمد علي. وفيما بعد ألغيت هذه المدرسة في عهد عباس باشا.
15-المدارس البحرية: أنشئت المدارس البحرية في عصر محمد علي في الاسكندرية لإعداد الجيش في العمل بالأسطول البحري، ولكن ألغيت هذه المدرسة بعد عام 1252هـ-1836م، واتجه العمل والتدريب على ظهر بعض السفن (المنصورة -عكا- جناح البحر)، وقد حلّ أعضاء البعثات المصريون الذين درسوا الفنون البحرية في أوروبا، محل الأجانب، فتولوا مهمات الأسطول البحري بالكامل وترجموا اللوائح والقوانين البحرية الفرنسية والانكليزية.
__________
(1) راجع- تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسية وعهد محمد علي- جمال الدين الشيال ص24-28.(1/52)
16-مدرسة الألسن: أنشئت في أول عام 1255هـ باسم مدرسة الترجمة، ثم تغير اسمها فيما بعد، فأصبحت مدرسة الألسن، ومقرها (السراي) وهي المعروفة ببيت الدفتردار بحي الأزبكية قرب فندق شبرد، وقد أنشئت هذه المدرسة بناء على اقتراح قدمه (رفاعة) إلى محمد علي باشا، وكان عدد التلاميذ في بادئ الأمر 80 تلميذاً ثم زاد حتى أصبح 150 تلميذاً، وكانت مدة الدراسة خمس سنوات زيدت إلى ستة. وكان التدريس في (العربية -والتركية- والفرنسية مع الحساب والجغرافيا، والتاريخ)، وفي عام 1255هـ، 1839م اكتملت المدرسة وأصبح فيها خمس فرق، والمتخرجون من التلاميذ يترجمون كتب التاريخ والأدب. ويقوم على إدارة هذه المدرسة (رفاعة رافع) وقد ألحقت فيها تعليم اللغة الانكليزية مع مدرس لهذه اللغة أما مدير المدرسة فكان العالم الكبير- رفاعة المذكور- الذي له ترجمات واسعة نأتي على ذكرها فيما بعد أما مهام المدير رفاعة كانت تشمل:
1-الإشراف على المدرسة من الناحيتين الفنية والإدارية.
2-تدريس التلاميذ مواد الأدب والشرائع الإسلامية والغربية.
3-انتقاء الكتب التي يرى ضرورة ترجمتها، وتوزيعها على المترجمين.
4-في كل عام كان يرأس لجنة امتحان التلاميذ في مكاتب المبتدئين بالأقاليم، وبعد الفحص يلحق المتفوقين منهم بالمدرسة التجهيزية الملحقة بمدرسة الألسن.
أما مدرسو اللغة الفرنسية هم:
1-السيد كوت، وبعد وفاته خلفه السيد اسكندر دوره. 2- بنيير.
3- السيد ديزون. وهو الذي اختير لمساعدة رفاعة ولأمانة المكتبة.
17- قلم الترجمة:(1/53)
أنشئ لتعليم الطلبة اللغات الأجنبية في أوائل عام 1258هـ تنفيذاً لاقتراح لجنة تنظيم التعليم العامة، وتعليماتها بأن تكون التراجم دقيقة وصحيحة ومضبوطة، وسليمة من كل خطأ، مع التأكيد بأن ترجمة الكتب للعلوم والفنون ليست مقصورة على معرفة اللغة فقط، بل متوقعة على الإلمام الكافي بالعلم والفن الذي احتواه الكتاب المترجم. ولذلك أنشأت هذه اللجنة غرفة خاصة بالمترجمين وقسمت الغرفة إلى أربعة أقلام:
1-قلم ترجمة كتب العلوم والرياضيات ورئيسه البكباشي محمد بيومي أفندي. يعاونه ملازم متخرج من مدرسة الألسن، مع خمسة تلاميذ متخرجين من الأوائل.
2-قلم ترجمة كتب العلوم الطبية والطبيعية، ويشرف عليها اليوزباشي (مصطفى واطئ أفندي، يعاونه ملازم مع ثلاثة تلاميذ أول.
3-قلم ترجمة المواد الاجتماعية أو الأدبيات، كالتاريخ والجغرافيا والمنطق والأدب والقصص والفلسفة والقوانين الخ. وقد عيّن له ملازم أول وثلاثة تلاميذ أول.
4- قلم ترجمة اللغة التركية، ويشرف عليه (ميناس أفندي) وتحت أمرته أربعة تلاميذ.
عاشت هذه المدرسة (15) سنة، وفي زمنها الأخير بدأت تسيطر على شؤون الثقافة العامة في مصر، غير أنه صمّم على تصفيتها خلال عهد عباس، حيث نقلت عام 1265هـ إلى مكان مدرسة المبتدئان بالناصرة، فحرمت من مكانها كمدرسة للألسن.
-مما تقدم يتبين بأن الترجمة اتجهت في عصر محمد علي نحو خدمة المنشآت الحديثة من مصانع ومدارس وجيش- وأسطول- وإدارات، ولهذا نجد الكتب المترجمة في هذا العهد في تناولت:
1- الطب البشري والبيطري وما يتصل بها من علوم.
2-العلوم الرياضية من حساب وجبر وهندسة- وهندسة وصفية- وميكانيكا- وهيدروليكا- ومثلثات وهي نفس ما يدرس في مدارس الهندسة ومدارس الصناعة.
3-العلوم الاجتماعية والأدبية، كالتاريخ والجغرافيا، والاجتماع والجيولوجيا والفلسفة والمنطق الخ.. مما كان يدرس أو يترجم في مدارس الألسن.(1/54)
وإذا دققنا النظر بقائمة الكتب المترجمة في مصر بعهد محمد علي، تبين بأنها كانت تختار من قبل واحد من هيئآت التدريس بالمدارس المصرية، أو لواحد من كبار المؤلفين عن مدرسة الطب في مصر، تقرر الرجوع إلى مصنفات الأساتذة: كلوكيه- بروسيه- الالمان- ماجاندي -روش- سانسون- وغيرهم من أساطين الطب الفرنسيين. وهذا يثبت ترجمة كتب كثيرة لأشهر مشاهير علماء أوروبا ومؤلفيها في الطب والهندسة والتاريخ والجغرافيا والسياسة والمنطق الخ... سنأتي على ذكرها فيما بعد.
يتبين لنا بأن رواد تلك الحقبة في عهد محمد علي أن طريق التقدم العلمي يكمن في ترجمة العلوم الحديثة إلى اللغة العربية، لذلك عملوا على بعث الترجمة وتعزيزها للمساعدة على تحديث البلاد ورفع شأنها بنقل كل جديد من الغرب. لاسيما ما هو صالح لتحقيق نهضة مصر، فكان التدريس واجباً بالعربية، فتمّ تأسيس الكليات العلمية مثل كلية الطب في القصر العيني عام 1826م التي في بادئ الأمر اختصت بالترجمة، وألَّف مديرها كلوت بك الفرنسي كتباً طبية باللغة الفرنسية للتدريس وطلب ترجمتها إلى العربية. كما ألّف أيضاً الدكتور فيجري كتاباً في النبات وطلب نقله إلى العربية، وتتالت أعمال الترجمة والتأليف بغرض التعليم والتثقيف بالعربية.
وخلال هذه المدة كان ينبري أصحاب الاختصاص للترجمة والتأليف إلى العربية، ومن أشهر الأساتذة العرب الذين نقلوا إلى العربية أم ألفوا بها: محمد علي البقلي- محمد الشافعي- علي رياض- محمد الدري- رفاعة الطهطاوي في الطب. ومحمد ندى في النبات والحيوان - ومحمد الفلكي ومحمد البيومي في الفلك والهندسة والرياضيات، ومن المترجمين من جمع بين التأليف والترجمة والتصحيح ومراجعة المصطلحات العلمية وتدقيقها مثل محمد عمر التونسي وإبراهيم الدسوقي، ومن المترجمين أيضاً، يوحنا عنجوري ويوسف فرعون.(1/55)
ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء الرواد قد وضعوا في مجال الترجمة العلمية، مصطلحات جديدة استناداً إلى الكتب العلمية القديمة التي راجعوا إليها واستنبطوا منها ما فيها من مفردات أو ألفاظ صحيحة. وقد عدل عن بعضها فيما بعد في الترجمة والتأليف واستعيض عنها بمصطلحات أخرى أكثر انطباقاً، غير أن الجهد الذي بذلوه قد آتى ثماره، لأنهم أوجدوا النواة الحسنة للغة علمية عربية الحرف والنطق. كما سهلوا الطريق إلى من جاء بعدهم لمتابعة المسيرة العلمية.
بدأت الترجمة هادفة القصد منها تحقيق وإنجاز مهمة، فقد صدرت ترجمة لكتب جمعت أجزاؤها من كتب كثيرة مختلفة، أو تُرجم جزء منها دون الباقي. ثم تابعت الترجمة بعيدة عن التخصص فكان المترجم الواحد يترجم كتباً لها موضوعات مختلفة، أو يترجم كتاباً في التاريخ أو الجغرافيا، وبعدها ينتقل إلى ترجمة كتاب في الكيمياء أو الهندسة أو النبات وكان تعليل ذلك إلى قلة المترجمين وإلحاح الطلبات في إنجاز المادة المترجمة لضرورة المصلحة. ولكن عندما قويت هذه الحركة وازداد عدد المترجمين، اتجهت الترجمة إلى التخصص، وعُيّن لكل قسم من العلوم في المدرسة مترجمٌ متخصص أو أكثر حسب الحاجة.
أما المشاركة في ترجمة الكتاب فكانت تتم حرصاً على سرعة إنجاز العمل في أقصر مدة، للكتب الكبيرة الحجم أو الأجزاء.
وبالنسبة للمستوى اللغوي فقد بذلت فيه العناية الفائقة عندما لوحظ الاضطراب في صياغة الجمل واختيار اللفظ، فعهد بالصياغة إلى علماء متمكنين في اللغة العربية كشيوخ الأزهر الذي سبق لهم أن أوفدوا مع البعثات لتعليم اللغة الأجنبية المراد النقل منها، والذين ساهموا إلى حد بعيد في إبعاد الترجمة عن القيود اللفظية البديعية التي بقيت قروناً طويلة تكبل النثر العربي ويعني بذلك السجع.(1/56)
لاينكر أن الترجمة أغنت الثقافة العربية بشيء جديد بعد زمن طويل من الركود الفكري، خاصة وأنها ترافقت مع نهضة اقتصادية واجتماعية وعلمية، غير أن هذه الحركة لم يقيض لها الاستمرار بعد موت محمد علي، وإلغاء مدرسة الألسن وتشتت خريجيها وتحول المترجمين والموظفين إلى المصالح والدواوين المختلفة، واستمرت هذه النكسة مدة عهدي عباس وسعيد. ولكن هذه النهضة وإن ركدت مدة من الزمن بفعل التتريك، فإنها لم تمت، بل استؤنفت في عهد اسماعيل، حيث عاود التلاميذ نشاطهم في الترجمة وتأليف الكتب وإذا بالشجرة التي غرست في أيام محمد علي تعود لتكملة المسيرة الثقافية خلال عهد اسماعيل. ولكنها عادت إلى الركود والشرذمة بسبب الاحتلال البريطاني عام 1882.
ج- النهضة في بلاد الشام:
1- سورية: جاءت كلية الطب في دمشق التي تأسست في عام 1919م، لتخلف الومضات التي انبثقت على المستوى الجامعي في القصر العيني وفي الكلية الأميركية ببيروت حينذاك، فبدأت التدريس بالعربية منذ افتتاحها واستمرت بنشاط حتى اليوم، بعد أن تبعتها بقية الكليات العلمية باطراد ولاسيما كلية الحقوق. ولقد قامت كلية الطب بدمشق قبل الانتداب وبأمر من الملك فيصل الأول على أنقاض كلية الطب التركية بدمشق المنشئة بأمر سلطاني تركي عام 1901- والتزم أساتذتها منذ افتتاحها، بالتدريس بالعربية وبالترجمة والتأليف لرفدها وخاصة لإيجاد المصطلحات الطبية الملائمة، ويمكن القول بأنهم وفوا بالعهد ووضعوا مؤلفات قيمة بالعربية في مختلف الفروع العلمية.(1/57)
لقد ركز هؤلاء العلماء بحثهم على إيجاد المصطلحات العلمية القديمة والحديثة لمواكبة التطور العلمي وإغناء اللغة العربية بالمفردات المعبرة حق التعبير. فبالنسبة للقديم استنبطت المصطلحات من الكتب الطبية القديمة مثل قانون بن سيناء- وكامل الصناعة- ومفردات ابن البيطار- وتذكرة ابن داود، وغيره، وبالنسبة للكتب الطبية الحديثة، فقد رجعوا إلى الكتب التي وضعت من قبل سواء في مصر أو لبنان أو في الدولة العثمانية، فأصدروا وترجموا الكتب العديدة، وجعلوا في نهاية كل كتاب جدولاً لمصطلحاته باللغة الأجنبية والعربية. وقد اشتهر منهم الدكاترة- حسني سبح- ومرشد خاطر- وأحمد حمدي الخياط- ومحمد صلاح الدين الكواكبي- وميشيل الخوري-، وقام كل من مرشد خاطر والخياط والكواكبي بإصدار النسخة العربية لمعجم (كلارفيل) الطبي المتعدد اللغات الذي طبع بالفرنسية والعربية عام 1955. وبعد الانطلاقة الأولى لكلية الطب في أعمال الترجمة والنقل تتابعت دون هوادة حركة الترجمة في سائر الكليات والمؤسسات العلمية للدولة والخاصة فأغنت خزانة المكتبة العربية بالكتب الكثيرة المتنوعة مما أتاح للمواطنين وطلاب المدارس والجامعات الاتصال ومواكبة تطور العلم والمعرفة، خاصة بعد أن زخرت بطون هذه الكتب بالمصطلحات والمفردات المبثوثة أو المبتكرة أو المشتقة أو المعربة أو الحديثة.(1/58)
ولابد من ذكر هذه الكليات التي تتابعت بنجاح في تدريس اختصاصاتها العلمية باللغة العربية، مثل: كليات الطب الأخرى- كلية طب الأسنان- كلية الصيدلة- كلية البيطرة- مدارس التمريض- وكليات الهندسة بأنواعها: المدنية والمعمارية والميكانيكية والكهربائية والنفطية والزراعية. وكليات العلوم بأقسامها: الرياضيات والفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والنبات والحيوان بالإضافة إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية كالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم السكان والاقتصاد والحقوق والتجارة والمحاسبة التي تدرس في كليات الآداب والحقوق والاقتصاد والتجارة. هذا بالإضافة إلى المعاهد الفنية أو الحرفية العديدة.
النهضة في لبنان:
فيما كانت مصر تنعم بالاستقرار السياسي والنشاط العلمي، وكان لبنان في ظل حكم الأمير بشير الثاني، الذي امتد من عام 1789م-1840م- يترنح بسبب الفتن والاضطرابات، وكان هذا الأمير في صراع مستمر مع مناوئيه في الداخل والولاة العثمانيين في الأطراف، وفي ظل ذلك الاضطراب لم يكن للحركة الثقافية أن تنشأ أو تزدهر، حيث لابد لازدهار الثقافة من الاستقرار. السياسي والأمني، وهذا لم يكن متوفراً في ذلك الوقت.
غير أنه في غمرة ذلك الاضطراب كانت الإرساليات الأجنبية في لبنان ساعية في إنشاء المدارس، وقد أحدث وصول المرسلين الأميركيين البروتستانت(1)
__________
(1) أول من قدم منهم إلى لبنان القس اسحق برد والقس وليم غودل عام 1823- ولكنهما اضطرا إلى مغادرة لبنان نحو سبع سنوات ثم عادوا إليها واستعادوا نشاطهما، راجع حقي بك ج1-
ص354-472.(1/59)
إلى لبنان ومباشرتهم بتأسيس المدارس والدعوة لمذهبهم هزّة لدى الإرساليات الكاثوليكية، واحتدمت المنافسة بين الجهتين وتميزت بطابعها العملي وبتوخي الغلبة في مجال العلم من جهة وإثبات الطرق العلمية الخاصة بكل منهما. إن أول مدرسة أقامها الأميركيون كانت في بيروت عام 1835م، وبعد خمس سنوات تنبهوا إلى ضرورة فتح مدارس إرسالية في الجبل، فأسسوا في قرية عبيّة وسوق الغرب وأخيراً في بيروت. وبالمثل أقام اليسوعيون، بعد عودتهم إلى لبنان عام 1831م ، المدارس والأديرة في عين تراز وبكفيا وزحلة وبيروت وغيرها. غير أن الحوادث الطائفية عام 1860م أدت إلى هجرة الكثيرين إلى الخارج وخاصة إلى مصر وأميركا وإلى الساحل وبيروت.
كما أن الترجمة وإن ركدت خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر بسبب الاضطرابات فإنها شهدت تحولاً كبيراً خلال النصف الثاني منه، سواء في الإنتاج العلمي أو النقل، وكان العامل الفاعل لهذا التحول هو: انتشار المدارس والصحف والمجلات، التي اعتمدت على الترجمة فتعاظم دور الترجمة في إصدار الصحف والمجلات خاصة لنقل الأخبار السياسية والحوادث والنزاعات المستقاة من جرائد الغرب أو من المحيط. فأصبحت هذه الجرائد والمجلات أكثر صلة بمجلات الغرب، فنقلت الكتب والمقالات الأدبية والطبية والفلكية والاجتماعية، وأخبار المخترعات والمكتشفات الآثارية والنوادر الطبيعية والقصص القصيرة والطويلة المتسلسلة.
إنه ضيق رقعة لبنان وقلة عدد سكانه وضعف مواردهم وسياسة القهر الذي مارسها المستعمر العثماني حال دون إمكان استغلال هذه الانطلاقة الواسعة في لبنان، فقد هاجرت منه الصفوة المثقفة إلى مصر وشاركت المصريين في بناء نهضتهم الثقافية والحضارية.
ولابد من ذكر كبار المترجمين في هذه الحقبة الزمنية مثل:(1/60)
أحمد فارس شدياق في -الجوانب (الآستانة)، وفرح أنطون في- اتالا-(نيويورك) ويعقوب صروف وجرجي زيدان في المقتطف والهلال (القاهرة)، وإبراهيم يازجي، ونجيب الحداد وطانيوس عبدو بطرس البستاني في الجنان- وعزيز علي في جمعية العهد- ونجيب عازوري في (عصبة الوطن العربي وفي مجلة الاستقلال العربي، وغيرهم الكثيرون الذين تنقلوا بين بيروت ودمشق والقاهرة، حيث كان يتمركز فيها غيرهم من الأعلام البارزين.
د- النهضة في الأقطار العربية الأخرى:
في الوقت الذي به كان الجهد منصرفاً في الشام ومصر إلى تعريب الكتب والتعليم وتعريب علم الدوائر والمؤسسات والترجمة إلى اللغة العربية عن اللغات الأجنبية، كان السعي في أقطار عربية أخرى إلى التمسك باللغة العربية والحفاظ على وجودها ومناوئة سيطرة اللغة الأجنبية عليها مثل تونس والجزائر والمغرب وبعد أن أخذ المستعمر الفرنسي بسياسة الادماج والفرنسة.
غير أن التمسك باللغة العربية كان جزءاً لا يتجزأ من التمسك بالأرض والحرية والاستقلال، وكان هذا الشعور المتوقد هو العامل الذي أذكى جذوة الكفاح الوطني لإحباط محاولات الاستعمار في إضعاف منطلقات اللغة العربية وإضعاف الشخصية الوطنية والذات العربية.(1/61)
ففي تونس تصدى أساتذة الجامعة وطلابها لحماية التراث العربي والعمل على تقليص التبعية الثقافية بشكل متدرج يتوافق مع التخطيط التعليمي وحركة الترجمة، ومع تواكب النهضة العلمية المعاصرة، سواء عن طريق إنشاء جمعيات ثقافية قومية مثل الجمعية الخلدونية وجمعية قدماء الصادقية وغيرها التي توخت نشر مبادئ العلوم الحديثة بين الشباب بلغة عربية. أو عن طريق فتح مدارس حرة تدرس باللغة العربية. مما اضطر سلطات الاستعمار إلى تعميم برامج المدرسة الصادقية بفتح أقسام موازية لها بالعربي في عدة معاهد ثانوية حتى في المدرسة التي هي معقل التعليم الفرنسي. غير أن حركة التعريب كانت تفتقر إلى منهاج أكثر تنظيماً ودقة، ولربما كان يشفع بذلك ظرف النضال الوطني من أجل التحرر. وبالتالي ومع بداية الاستقلال اعتبرت اللغة العربية بنص الدستور لغة التعليم الرسمية.
أما في المغرب، الذي قضى أربعين سنة تحت الحماية الفرنسية، أمكن الحفاظ على اللغة العربية رغم جهود السلطات الفرنسية بفرض لغتها في الإدارات والمعاهد التعليمية، فثابرت جامعة القرويين على نشر العلم. وتدريس برامجها باللغة العربية في جميع معاهدها ومدارسها الابتدائية والثانوية. أما بعد الاستقلال فقد وضعت المغرب خطة لإصلاح التعليم بتعميمه خاصة في مجال الآداب والحقوق والعلوم الاجتماعية وغيرها باللغة العربية.
النهضة في الجزائر:(1/62)
تعرضت الجزائر إلى استعمار شرس دام مائة وثلاثين سنة مارس خلالها سياسة تقوم على نشر الفقر والجهل وطمس الهوية الجزائرية، ولكن باءت هذه السياسة بالفشل، لأنها لم تكن واقعية بل إملائية تعارضت مع الجذور الوطنية للشعب الذي لم يخمد أواره في مقاومتها منذ أن تفتح وعيه، ولأن المثقفين المتمسكين بعروبتهم وأصالتهم وكذلك مختلف الجمعيات الوطنية التي تكونت مع الزمن في الجزائر لم تخمد في مقاومة خطط المستعمر، وبث الروح النضالية والوطنية في نفوس الشعب إلى أن انتصرت الثورة. وتحقق نيل الاستقلال عام 1962م وأصبح المجال واسعاً لنشر التعليم وتعريبه. فمنذ ذلك التاريخ والجزائر تسير قدماً وبدون هوادة في تعريب التعليم بمختلف مراحله وتسعى جاهدة لتأمين جميع احتياطات الدولة والشعب من مدرسين وكتب عربية مؤلفة أو مترجمة.
النهضة في العراق:
لم تصل خطة تعريب التعليم في العراق إلى نفس المستوى الذي وصلت إليه كل من مصر وسوريا ولبنان رغم الجهود المبذولة، ويعود ذلك إلى الاحتلال البريطاني. غير أن الجمهورية العراقية اتخذت عام 1976م قراراً بتعريب التعليم العالي بشكل كامل، ورسمت خطة متكاملة بأحداث الهيئات التعليمية الاختصاصية التالية:
الهيئة العليا للتعريب- مركز التعريب بوزارة التعليم العالي- والبحث العلمي- اللجان الجامعية للتعريب- الهيئات العلمية في الأقسام- لجنة المناهج العلمية(1)، كما أحدثت وزارة الإعلام دائرتين إحداهما للتعريب والثانية للتعجيم، كما أصدرت عام 1977م قانون المحافظة على التدريس باللغة العربية.
__________
(1) الترجمة قديماً وحديثاً- شحادة خوري- دار المعارف- تونس ص85-87.(1/63)
وفي الأقطار العربية الأخرى كليبيا- والسودان والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت وسائر دول الخليج العربي تبذل الجهود الصادقة لاستكمال تعريب التعليم بكل اختصاصاته ودرجاته، لأن كل خطوة يخطوه كل بلد عربي في تعريب التعليم ولاسيما التعليم الجامعي، تستدعي العناية الكاملة بترجمة الكتب المنهجية وامهات المراجع العلمية والثقافية وكذلك أهم البحوث والدراسات التي تحتوي على آخر ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا لتكون بين أيدي المدرسين والدارسين والطلاب.
إن التأليف المستند على التعريب والترجمة يسيران جبناً إلى جنب، فالأول تأصيل والثاني تحديث، وكلاهما مكمل للآخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــ
ـــــــ
الفصل الثاني
قواعد الترجمة
عام: بقيت الترجمة إلى عهد قريب قطاعاً مجهولاً، ولكونها ثابتة على تقاطع العديد من علوم اللغات (الألسنية)، من منطق وفلسفة وتربية وعلوم وثقافة الـ.... لذلك توزعت مشكلاتها على عدة اتجاهات، ولم تدرس ككل وبصورة مستقلة، وأهملتها هذه العلوم لضعف التواصل والاتصالات فانطوت في زوايا النسيان، حقبة مديدة من الزمن رغم أهميتها. فإذا عدنا بذاكرتنا إلى الوراء نجد أن التاريخ شهد حركات ترجمة قديمة وحديثة، كما شهد نشوء بعض المدارس للترجمة منذ زمن بعيد، غير أنه لم يترك لنا أية نظرية معمقة ومفصلة في فن الترجمة أو حتى دراسة شاملة لقواعدها ومشكلاتها. ومع ذلك لإنعدام أفكاراً وملاحظات عابرة ومقتضبة وإشارات صدرت عن بعض الكتاب الذين ولجوا هذا الفن والذين أشاروا على ما صادفوه من صعاب وإلى ما ابتكروه من أساليب. نذكر منهم على سبيل المثال Ferdinand de saussure, هيرودوث- لوكريس- رينان- Sauvager- francois thurot مارتينيه- Weinreich-الخ.
كما أن قواعد كل لغة لها صلة وطيدة بعلم اللغات الذي يعتبر حديث العهد، والذي تولد في أوائل القرن الثامن عشر، حتى أن مصطلح هذه الكلمة
((1/64)
الدراسة العلمية لللغة) Languistique انبثق في عام 1833م(1)، وقد جاءت كلمة Linguiste أي عالم اللغة في مؤلف راينوارد Raynouarde عام 1816م في مؤلفه (الشعراء الجوالون)، على أساس أن كتاب قواعد اللغة العام المُرمَّزْ باسم (بورت رويال Porte- royal) كان يحد من محاولة التفتيش عن قواعد أو قوانين قابلة للتكيف مع لغات أخرى، ولترجمتها ضمن مضامين تخرج عن اللغة المترجمة، بل كانت محاولات شبه يائسة، لم تصل إلى التجاوب المناسب مع الكنه العام لعلم اللغة، الذي يمكن الترجمة الدقيقة، غير أن ماقام به ميّيه Meillet عام 1906م من انفتاح باللغة، خلال قيامه بمناظرة مقارنة في كوليج دوفرانس، لم يكن أكثر من محاولة إيجابية حول إيجاد القواسم المشتركة مع اللغات الأخرى. ولابد من التنويه بأن محاولته كانت إيجابية في مجال تطور اللغات وليس في مجال وظائفها الأساسية. كما أنه أعلن عن ضرورة إعطاء الأفضلية أثناء البحث، لشرح الصلة المتبادلة بين البنية الأساسية لعلم اللغة وبين البنية الاجتماعية لإغناء منابع الترجمة وتقارب المعنى في اللغتين المترجم منها وإليها.
ولابد من ذكر أهم القواعد التي ترتكز عليها الترجمة:
1-الاستيعاب الكامل لمضمون النص.
2- أهلية المترجم.
3- التخطيط والتنسيق.
4-الأسلوب.
5- الإبداع والدقة.
6- تعادل زمن الأفعال في اللغتين.
7- اللفظ والتراكيب.
8- المصطلح وحسن اختياره.
9-مواكبة مستوى اللغة المترجم منها في الإنشاء وانتقاء المفردات.
10-حرفية الالتزام بالترجمة مع التمكين دون الخروج عن الأصل.
11- أثر الترجمة.
أولاً- آ- الاستيعاب الكامل لمضمون النص:
__________
(1) راجع مونين G. Mounin كتاب الترجمة - دراسة اللغات ص 5-6.(1/65)
إن العامل الأول والضروري في كل ترجمة هو قراءة النص بكل انتباه ودقة حتى النهاية، ومثل هذا الأداء يمكن من الوقوف على تدرج فكرة المؤلف وعلى كنه أسلوبه ومفرداته فإذا صادفت الغموض في بعض الكلمات، راجع القراءة مجدداً وبعمق لتفهم المفردات الغامضة وللتمكن من ربطها مع باقي الجملة أو النص المطلوب ترجمته.
استخدام القاموس بكل انتباه، هو يحوي مقابل الكلمة المطلوب ترجمتها أكثر من مرادف واحد، لذلك ينبغي انتقاء الكلمة المنسابة بالمبنى والمعنى للكلمة المطلوب ترجمتها.
إن أفضل ترجمة هي التي تمكن من الوصول إلى معنى النص الحقيقي المترجم من حيث الجوهر والمبنى وضمن الحدود التي تسمح بها مهارة اللغة المطلوب ترجمتها، وإن مراعاة الأفضلية في الترجمة تستدعي نقل الفكرة الصحيحة الكاملة، والرجوع إلى الصيغة الأقرب إلى اللغة الأساسية، وفي الوقت الأكثر تطابقاً مع اللغة الأخرى.
إن الكثير من الكلمات تغير المعنى في النص المطلوب ترجمته، لذلك يجب ترجمتها حسبما توحي إليه، مثال على ذلك:
(1) il lui a fait mal (2) il lui a fait du mal
فهاتان الجملتان لهما معنيان مختلفان، ففي الجملة الأولى فإن كلمة Mal تعني الألم وترجمتها هي (آلمه)، بينما في الجملة الثانية Du mal تعني (الضرر) وترجمتها (أضره).
وأيضاً في تقابل المهارات والخصائص بين لغتين نأتي بمثل بين العربية والفرنسية: -فاللغة الفرنسية باعتبارها لغة منطقية وعقلية، هي مجردة -بينما اللغة العربية مثل جميع اللغات السامية، هي واقعية ملموسة، عندما يقول الفرنسي Quantite` des gens sont venues يترجمها العربي Adjectif بجملة واحدة: واقعية: (أناس كثيرون قدموا) -فهنا الاسم الموصوف المجرد لكلمة Quantite بالافرنسي، قابله بالعربي صفة واقعية وهي كلمة (كثيرون).(1/66)
مثال آخر في سياق الأفكار: تستخدم اللغة الفرنسية الظرف Adverbe بينما يفضل في اللغة العربي استخدام (الحال) Objectif modal والمفعول المطلق، Complement absolu أو أي عبارة مناسبة تعود غالباً إلى فعل Verbe من نفس مصدر الظرف أو تبديله بنعت أو اسم يدل على حال: مثال
-كان يأكل متمهلاً (حال)Il mangeait lentement .
-لقد أكل كثيراً (المفعول المطلق il a baucoup mangé).
هنا نجد الكلمة المجردة مثل الظرف فقد عُوضّت بعبارة ملموسة.
لذلك بالعربي يفضل غالباً استعمال الصيغة المعرفّة بينما في الافرنسي يفضل المبهمة مثال: خصص لهذا البناء الأموال الطائلة:
Il consacra cette constructian des sommes considerables .
-ترنو الفرنسية إلى الوضوح، خلافاً للصيغة بحد ذاتها، ولهذا فهي تكتسب الصفة التحليلية الإعرابية Analytique وهذا ما ميزها كلغة ديبلوماسية، بينما العربية تصلح للتأليف والتركيب.
-إن الفرنسية هي Parcimoniene أي شحيحة ومقتّرة، وغير متسعة، بينما العربية هي رحبة ومتسعة، تتقن الأزمان في النحو والصرف، وتفخم الكلام.
-غير أن تلك الطريقة ليست مضطردة ففي الكثير من الأوقات تستعمل الفرنسية الجمع بالوقت الذي تستعمل العربية المفردة مثل- فرن مقابل Boulangerie التي قد تشمل أكثر من فرن- ثم (رياح الإصلاح وأجواء العمل مقابل L’atmosphere du travail le vent de la reforme أي ريح الإصلاح وجوّ العمل.
-فالعربي يميل إلى التكرار في كلمة صيغة، ويستعمل الكلمات والعبارات المرادفة تقريباً، والعبارات المتماثلة الصوت Homophone لتعزيز الفكرة وتقويتها، بينما في الفرنسية تبرز الصيغة مرفقة بظرف أو صفة مثال:(1/67)
-الانضباط التزام واع تماماً La discipline est un engagement -إنها وهاجه ملتظية Pleinement conscient, elle est brulante d’ardeur في الفرنسية حسب المفهوم الديكارتي، يتصرف غالباً حسب سلسلة أحرف جر تابعة ومرتبطة ببعضها الديكارتي وبحرف جر رئيسي، بينما يفضل بالعربية استخدام الجمل المعطوفة التي تسبق الشكل المتتبع مثال: سئم نقاشهم بعد أن
حل المساء فتركهم () وكان حلول المساء
Il les quitta et le soir étant tombé ennyé par leur discussion participale- proposé plus tard
-في الفرنسية فإن الجملة مع DوE مثل Plus tard و Proposé هي مشتركة Participale بينما في العربية بين الثلاث جمل C-b-a هي علاقة تضامن.
-في الفرنسية تستخدم علامات الترقيم لغاية الوضوح أو كشف الموضوع، ولكن في العربية الكلاسيكية لاتعرف مثل تلك الشارات، وتعوّض باستخدام حاذق لأدوات الوصل أو الدعم أو الظرف .
-مثال: -النشيط ينجح أما الكسول فيخفق
Le travailleur reussit le paresseux échoue
-لا تكلمه فهو نائم ne lui parle pas, il dort.
هذه بعض الخصائص الأكثر صلاحاً في خطوطها الوجيزة، قد يكون البعض منها أكثر تأثيراً أو موافقة لدى مقارنتها بين العربي والفرنسي. أما الخصائص الأخرى ستأتي مع رابطتها.
أما مثل هذا الفرق في بعض الخصائص بالنسبة لللغة الانكليزية نأتي على ذكر البعض منها.
في اللغة الانكليزية لا تسير الفكرة في الترجمة على نفس المسار الذي تسير بموجبه اللغة الفرنسية. مثلاً بالانكليزية تبتدي الفكرة بحركة (He swam) وهي بحد ذاتها مفهوم ملموس يفسره الفعل، كما أن مركز هذه الحركة تابع لجار ومجرور (Across)، أما في اللغة الفرنسية فإنها تسبق الحركة إلى مفعول زمني Comp. Circonstanciel فتنتقل بشكل مجرد.(1/68)
ولكن عندما تعني الكلمة (الغرض) فإنها تبقى غير موصوفة ودون مفهوم، مثلاً في الانكليزية تشمل كلمة River معنى (نهر وساقية) بآن واحد، ولهذا يعتمد السيد (جوردان) في ترجماته على التفصيل، حيث يعتقد أن كل جدل يتعلق بالترجمة يجب أن يعوّض أو يعالج بالتفاصيل، ومنه يمر إلى الكل، ومن العملي إلى النظري.
التقيد بنص الأمثال.
إن الأمثال هي وسيلة تعبيرية مفضلة تتخللها الحكمة وتمكن من غور النفسية ومن الإجابة المتقضبة على فكرة ما، بشكل متطابق ومؤثر ومفسر بأن واحداً، ولكن التقيد بالنص، فهي تنقل نفس الفكرة من لغة إلى أخرى، كما أنها على جانب عظيم من الفائدة والذوق وفي جميع اللغات تستخدم الأمثال بأكبر عدد منها، غير أنه ما يتميز في الترجمة هو النقل المقيد والدقيق والمتكامل للفكرة من اللغة المترجم منها، ولكن في ترجمة ونقل الأمثال لابد من توافر التطبيق كقاعدة خاصة. بالحقيقة يصعب في الأمثال بأشكالها تحويل النص أي ترجمته كما هو إلى اللغة الثانية بنفس الاقتضاب -أو الصورة- أوالإيقاع الخ....
وأفضل طريقة لترجمة (مثل ما) إلى اللغة الأخرى هو أن تترجمه بمثل آخر متواز تماماً وإذا تعذر ذلك، يلجأ إلى ترجمته كسائر النصوص، شريطة التقيد بعمق المعنى وبقدر الإمكان في الصياغة.
ثانياً- ب-أهلية المترجم:
إن المترجم صوت لا يخرس صداه، ولكنّ صاحبه لا يبرز كالمؤلف، كونه الواسطة أوالوسيط بين طرفين، يحمل إلى الواحد أو الجمهور رسالة الآخر، ولكن هل يمكن للمترجم أن يكون مبدعاً، وهي صفة يتوجب توفرها لدى المؤلف والشاعر والأديب، والجواب نعم يمكن للمترجم أن يكون مبدعاً في اختصاصه عندما يكون متمكناً من اللغتين أو أكثر ومتعمقاً في المعنى والمبنى، وقادراً على تطابق المعنيين بدقة وتصور مبدع ولغة فصيحة ومتقدمة.(1/69)
يقول الشاعر الفرنسي الكبير "الفونس دي لامرتين" في قصيدته (الشاعر المحتضر) "يمكن تشبيه الشاعر بالطيور العوابر، لا تعشش على الضفاف ولا تحط على أغصان الغابة؟ وإنما تهدهد نفسها على متون الموج، ثم هي مغردة على بعد من الشاطئ، فلا يعرف الناس من أمرها غير ما يسمعون من صوتها(1).
وهكذا الترجم الذي يخرس صدى صوته. فهو وإن كان قادراً على الإبداع فهو لا يستوي مع المؤلف لكونه ينقل خيال وتصور وبداهة وإبداع غيره، ولا يتعدى إبداعه مضمون اختصاصه. فإن وجب له اعتراف، أو حق له تقدير فهو شكر على واجب مشمول بإطار اختصاصه.
غير أن اتساع نطاق حركة الترجمة في الوقت الحاضر، بفضل حاجة البلاد إلى الأخذ بأسباب النهضة في شتى الميادين العلمية والثقافية، دعا إلى ظهور الكثرة من المترجمين، فوفر شيئاً غير قليل من التقدير للمترجم القادر في هذا الفن قد يرضى صاحبه.
ولذلك من شروط أهلية المترجم:
1- أن يكون متعمقاً في جميع خصائص اللغة العربية من صرف ونحو واشتقاق ومفردات وغيره، ومتقناً ومتعمقاً لللغة الأجنبية المراد الترجمة منها من أفعال وأزمان وصور وغيره.
2- الأمانة في الترجمة والنقل.
3- الإحاطة بعلوم الحياة الأخرى إلى درجة حسنة.
4-القدرة على نبش حقيقة المعنى المطلوب وإيجاد المصطلح الموافق، والتمحيص والتدقيق في صبر وطول أناة.
5-القدرة على التنسيق والربط بين المعاني والجمل.
6-القدرة على التعبير عن معنى الكلمة الأعجمية بكلمة عربية مطابقة نصاً وروحاً.
والمترجم الحق هو من يلزم حدود الشروط التي تقيد المؤلف الذي يترجم منه. فتخرج ترجمته صورة صحيحة وصادقة للنص الأجنبي(2).
__________
(1) ترجمة الأستاذ زيات.
(2) مجلة المقتطف عدد شباط 1918(1/70)
وإذا كان الوطن العربي يحتاج حالياً إلى حركة ترجمة نشيطة وفعالة، مثل الترجمة العلمية والأدبية، وليس سواها، فهذا النوع من الترجمة يتطلب من المترجم أن يكون متقناً اللغة العربية: صرفها ونحوها واملاءها وملماً ببلاغتها وبيانها، وأن يكون متقناً اللغة الأجنبية التي يترجم منها، بل من الأفضل أن يكون متقناً أكثر من لغة كيما تكون خبراته أوسع ومقارنته أفضل، أما الميزة الإضافية الأخرى للمترجم هي أن يكون مختصاً في موضوع الكتاب الذي يترجمه.
يتصدى كثيرون للترجمة، فمنهم من أحسن وأجاد ومنهم من فشل وقد لا يزيد ذوو الكفاءة العالية والمقبولة أكثر من 50%. وإن الرغبة الشخصية للمترجم في ممارسة الترجمة والانصراف إليها والمثابرة عليها هي سر النجاح فيها، كونها إنتاجاً فكرياً يداني التأليف والإبداع، خاصة عندما تكون رغبته صادقة وجموحة ليس فيها إكراه أو طمع أوخجل.
إن المترجم المثقف الذي لايعيش عصره الثقافي، لا يؤمن بالتواصل بين الناس ولا يتمتع بفكر نير متفتح ومبدع فهو ليس مثقفاً ولا يستطيع أن يكون مترجماً، أومؤلفاً حتى ولا قارئاً مكتسباً، لذلك مع المعطيات المعلوماتية المتزايدة في هذا العصر، ومع سرعة الاتصال والمواصلات بين الشعوب لابد من إعطاء العناية اللازمة لتدريس اللغات في البدء من الرحلة الابتدائية ومن ثم المتابعة حتى نهاية المرحلة الجامعية لتوفر الشروط للمواطنين ولمواكبة العصر، وللنّابغه منهم اتباع أي ميدان من ميادين المعرفة. وهذا لعمري ما أدركته الحكومات في وطننا العربي وباشرت بتنفيذه منذ زمن غير بعيد.
ثالثاً- ج- التخطيط والتنسيق:(1/71)
إن التنسيق والتخطيط في الترجمة يرتكز على (المنطق اللغوي للمترجم، فاللغة ليست سوى للتعبير عن المعاني، ومظهراً من مظاهر العقلية للشخص، فإذا كان التفكير صحيحاً وسليماً كان التعبير عنه كذلك، مادام صاحبه يجيد التعبير ويتقن اللغة. أما إذا كان التفكير فاسداً كان التعبير عنه فاسداً أيضاً. ولكن يبدو أن منطق اللغة هو أكثر عمقاً من ذلك، لوجود تفاعل ومعادلة بين اللغة والتفكير، فاللغة المنظمة تعمل في تنظيم الفكر والفكر المنظم يعمل في تنظيم اللغة، كما أن المتكلم إذا تحدث باللغة الفرنسية أو الانكليزية خضع لمنطقها وطرق تفكيرها، كما يخضع لاختبار كلماتها وأساليبها وكيفية التنسيق لموضوعه، مع روح المعنى والنص المطلوب ترجمته. وإجمالاً على المترجم أن يحاول بأن يكون فرنسياً أو انكليزياً أو غيره مثلاً في تفكيره كما هو في لغته.
أما القاعدة التي يمكن استخلاصها من مسار التنسيق والتخطيط هي عدم وجود طرق وقواعد محددة بصورة مطلقة وذات مرتكز في جميع حالات الترجمة. فالترجمة ليست مطلقة تسري ضمن قاعدة واحدة على جميع أنواعها، لأن حركة الترجمة هي عالمية وفي أوسع الحدود ولها أنواع كثيرة، ولذلك لا يترجم بنفس الطريقة أو المفهوم: الشعر- الرّواية- الفيلم- الترجمة الارتجالية- الترجمة الكتابية- النثر- القصة الخ....
ولكن مايجب ذكره هو أن سوسير Saussure صاغ بكل وضوح وبشكل تخطيطي للجمل والبيانات اللغوية والعلاقات الثابتة التي تشترك فيها الإمارات اللفظية سواء على الصعيد التركيبي أو المثالي. ومثل ذلك استحق (أدمون كاري) أحد الاعتبارات السامية، عندما بحكم مهنته، لاحظ عن طريق مطالعاته الكثيرة، أنه لابد من التمييز بين اللغة الشفهية واللغة المكتوبة وصيغة كل منهما فوجد في الحالتين أن الصيغة الشفهية هي المتقدمة على الصيغة المكتوبة، كما أنها تخضع أيضاً إلى قواعد فيها بعض الاختلاف عن المكتوبة.(1/72)
وبما أن الترجمة تتعلق بخواص انتقال المعنى من لغة إلى أخرى، فلا يجوز للمترجم التصرف الخاص، أو التحديد غير المطابق عندما تعترضه الصعوبة في إيجاد المصطلح المناسب. بل عليه تخطيط الموضوع وتنسيقه ثم ترتيبه إلى أفكار متسلسلة ومترابطة، كما عليه أن يعرف الخطوط البنيوية التي تربط اللغتين ببعضهما، أي كيف أن يقطع المرء الساقية أو النهر من شاطئ إلى آخر سباحة.
أما في حقل الخبرات قد نجد أن الخبرة واحدة، ولكن بخلاف التحليل اللغوي الذي يكون فيه الأمر مختلفاً. فعلى المترجم أن يعرف كيف ينسق ويوصف الفكرة بشكل صحيح بين محيط يختلف عن محيط آخر قد استوطنت فيه تلك الفكرة، وكيف يجب أن ينقل أو يوصف كلاماً دينياً مثل القرآن أو الإنجيل بنقله من لغة إلى أخرى، وكيف يمكن وصف الصحراء بين السهول والجبال أو في غابة الأمازون أو جنوب خط الاستواء، وكيف يمكن الترجمة إلى الإنكليزية كل من أنواع الخبز (باكيت- فلوت- كورون- فوغاز- الـ... سبق إلى السيد "مونين" أن جعل منها لائحة مربكة.
مما سبق ذكره حول التخطيط والتنسيق تناول المترجم نفسه، أما بالنسبة للتخطيط والتنسيق بين الأقطار العربية في موضوع الترجمة لم يتوصل إلى نتائج أكثر فاعلية، فلا بد من تعبيدالطريق للانتقال إلى طريق أفضل، لأن المعوقات لاتزال كثيرة بين الأقطار العربية، ومنها الأمية، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومات والمنظمات العربية، في سبيل رفع المستوى الثقافي والتعليمي، في المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية، ومن ضمنها تعليم اللغات الأجنبية.(1/73)
وعلى أية حال، فإن التفاوت بين البلاد العربية فيما يتعلق بمستوى الثقافة لا يمنع من القيام بمحاولة إعادة التخطيط والتنسيق لمضاعفة النشاط الثقافي في مجمل الوطن العربي ككل وكوحدة متكاملة تعبّد الطريق للانتقال بتدرّج إلى مستوى يواكب الأمم الأخرى ويعيد للحضارة العربية مجدها، خاصة وأن آثارنا ومآثرنا وتاريخنا ولغتنا بمجموعها تؤهلنا لاسترجاع مكانتنا العلمية والثقافية بالسرعة المناسبة إذا أحسنا التدبير والتقدير.
ولا يمكن إغفال الحكومات العربية فيما تبذله من الجهود لرفع مستوى الثقافة العلمية والأدبية وحركة الترجمة، فقد أنشأت الكثير من المراكز والمؤسسات والمعاهد والأقسام وغيرها وأصدرت التشريعات والتعليمات لتلبية حاجة رفع مستوى توسع دائرة الترجمة لنقل العلوم والابتكارات المستحدثة، فهناك في كل دولة:
- مجمع علمي..
- في كل وزارة دائرة أو قسم للترجمة بشكل متفاوت بين اختصاص كل وزارة ومهامها مثل: وزارات: التعليم العالي- الثقافة- التربية.
-الجامعات.
- الهيئات العامة أو العليا.
- المجالس العليا: للعلوم- للآداب والفنون بأنواعها.
- لجان التأليف والترجمة، والنشر.
- اتحادات الكتاب.
-وغيرها..
غير أنها حتى الآن لم تستطع أن توسع نشاطها بالنسبة للترجمة إلى أكثر من دائرتها، وفقاً لملاكها ومهامها الأساسية والميزانية المخصصة لها.
بينما الحاجة تستدعي النهوض بالمستوى الثقافي لتلبية حاجات جميع فئات الشعب خارج أوقات الدوام الرسمي وأوقات الدراسة، والعمل، وذلك بتبني الدولة:
1 - خطة قومية تشترك فيها جميع الأقطار العربية تتناول باختصار الأمور التالية:
آ - إحداث مؤسسات للترجمة والنشر في كل قطر وخاصة في القطر العربي الذي لا يتوفر فيه مثل هذه المؤسسة.
ب- إصدار التشريعات اللازمة لتنظيم حركة الترجمة وزيادة الوعي الثقافي.
ج - رصد المبالغ اللازمة لتنفيذ هذه الخطة على مراحل مدة كل مرحلة 4 - 5 سنوات.(1/74)
د - تجديد المراكز الثقافية في القرى والمدن وإنشاء مراكز جديدة في أحياء المدن لاستقبال المستمعين أو الدارسين، تحتوي على قاعة للمطالعة وقاعة للدراسة كحدٍ أدنى.
هـ - يُعين دورياً مدرسون مأجورون لهذه المراكز بعد الدوام الرسمي، كما "يعين قيم خاصة" لكل مركز.
و - تطبع جميع الكتب والنشرات على نفقة الدولة وتعار إلى المواطنين بشكل مجاني.
ز - إنشاء هيئة عامة في الدولة للنهوض بجميع الواجبات التي تتطلبها هذه الخطة(1).
رابعاً: - د- أسلوب الترجمة:
لم يكن أسلوب الترجمة قديماً بالأمر اليسير، فقد كان المترجمون آنذاك يرتادون أرضاً غير ممهدة، فكان عليهم أن يستوعبوا معارف جديدة كل الجدة عليهم لم يألفوها سابقاً، بل كان عليهم أن ينقلوها بعبارات وألفاظ مناسبة تمكن القارئ من فهمها ثم تلاوتها دون صعوبة. فكانت الموضوعات بين يديهم لم تستقم ترجمتها منذ المرة الأولى، ولكن أقدامهم وقدراتهم الذهنية على إدراك المعاني التي يتفحصونها، بالإضافة إلى إيمانهم بقدرة اللغة العربية على التعبير، كانت تتغلب على الصعوبات العارضة. وما أثبت ذلك هو نقل المترجمين كتباً في الفلك والرياضيات وعودتهم إلى إصلاح لغتها ثانية، ومن هذه الكتب نذكر: كتاب "الأصول" لأقليدس في علم الهندسة، حيث نقله الحجاج بن مطر نقلين، الاول: في عصر هارون الرشيد، والثاني: في زمن المأمون، وحسب قول ابن النديم، كان النقل الثاني أصح وعليه المعّول، أما الكتاب الثاني للمجسطي، فقد نقله اسحق بن حنين وراجعه ثابت بن قرة.
__________
(1) - شحادة الخوري: الترجمة قديماً وحديثاً، دار المعارف سوسثر تونس/ص 185-186.
... - المؤلف/ يقصد بذلك دعم وتطوير المؤسسات الموجودة في الدولة/ راجع ص 129-130-131/ من هذا المخطوط.(1/75)
ولكن اليوم بعد تقديم سائر الفنون من: شعر وقصة ومسرح وكتابة ورواية وغيرها تطور أيضاً معها أسلوب وفن الترجمة بمقدار محيطها العلمي والثقافي، غير أنه لا بد لها من أن ترتكز على أسس ومبادئ أهمها:
آ - أن يكون المترجم متقناً اللغتين المنقول عنها والمنقول منها، وإذا زادت معرفة المترجم بأكثر من لغة يسهل عليه الترجمة بحسن انطباق المعنى وإيجاد المصطلح.
ب - أن يكون المترجم عارفاً بالموضوع الذي يترجمه.
ج - أن يكون عارفاً بأسلوب المؤلف وإنشائه وألفاظه وتصوراته وغايته.
د - أن يكون مستوى أسلوبه في وزن مستوى الموضوع الذي يترجمه.
هـ - أن يتقيد بالأصل ولا يعمل في أسلوبه حذفاً واختصاراً فيبتعد عن روح كامل المعنى وعمقه الذي يتبعه المؤلف.
ونظراً لأهمية الأسلوب في الترجمة وفي الحياة الثقافية العربية، لذلك استدعت أن تكون موضع تقدير ونظر الأدباء والمفكرين العرب، فتعمقوا الغوص في حيثياتها، وأهدافها؟ وشروطها وسعة أدائها منذ القديم. ولعل من أبرز من تطرق إلى مثل ذلك هو: أبو عثمان الجاحظ، في كتابه الحيوان، حيث قال: "ولابد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها، حتى يكون فيها سواء وغاية الخ.... وهكذا نرى الجاحظ يشترط في المترجم أن يكون ذا قدرة على البيان والتعبير لا تقل عن علمه ومعرفته وأن يكون متقناً اللغتين المنقول منها والمنقول إليها على السواء. غير أنه استبعد أن يكون المترجم كذلك، لأنه يصعب عليه جمع سوية واحدة بين لغتين(1).
__________
(1) الجاحظ: كتاب الحيوان، ج1 ص 75-76- - سيغريد هونكة: شمس العرب تسطع على الغرب، ص 184.
... - لطيف زيتون: حركة الترجمة في عصر النهضة- دار النهار ص121، ومابعد.
... - أحمد عصام الدين- حركة الترجمة في مصر، ص 26-27- شحادة الخوري: الترجمة قديماً وحديثاً، ص49، ومابعد.(1/76)
ومن المجيدين الذين أحسنوا أسلوب الترجمة هم:
- حنين بن اسحق العبادي - يوحنا بن ماساويه- يختيشوع بن جرجيس- جبرائيل بن يختيشوع- قسطا بن لوقا- محي بن هرون- يوحنا بن البطريق- ثابت بن قرة الحراني- عبد المسيح بن ناعمة الحمصي- الحجاج بن مطر- يحيى بن عدي- عيسى بن زرعة- جبرائيل الكحال- ماسويه بن يوحنا- حبيب بن بهريز- حبيش بن الأعسر الدمشقي- عيسى بن يحيى بن إبراهيم. - عيسى بن علي- اصطفان بن باسيل- أبو بشر متى بن يونس -موسى بن خالد.
ومن المترجمين: آل نوبخت وابن المقفع من الفارسية - ومنكه من الهندية- وابن وحشية من النبطية.
أما يعقوب بن اسحق الكندي الفيلسوف العربي، فقد اشتهر بسعة علمه، وتبحره في مختلف فنون الحكمة، فاختاره الخليفة المأمون لترجمة أرسطو، فكان بالوقت نفسه يترجم، ويُراجع ترجمات غيره وينقحها.
خامساً: هـ - الدقة والإبداع:
إن هذا المنحى، الدقة والإبداع، يدعو إلى الانفتاح على كل جديد والأخذ بكل مفيد وصالح بالتواصل مع الثقافات الأخرى من غربية وشرقية، دون التنكر للثقافة العربية السالفة، تاريخاً وفكراً وأدباً وقيماً، لهذا تتطلب الترجمة وحركة النقل والدقة والإبداع والأمانة في كل نقل واقتباس أو تفسير.
تتطلب الدقة التمسك بأصالة اللغة العربية كمرتكز أساسي في كل ما يتعلق بالنقل والترجمة، وفي كل إنتاج ثقافي لأنها ليست فقط مفخرتنا بتراث الماضي وتفتح بتراث الحاضر، بل لأنها أداة التفكير والإبداع والتطور اليوم وغداً، ولأنها بالأخص هي الرابطة القوية بين أبناء الأمة العربية، على اختلاف أقطارهم ومعتقداتهم ومذاهبهم الاجتماعية والسياسية، والنهضة الحقيقية هي التي ترتكز على المجتمع السوي المبرمج بدقة وأناة في كل الاتجاهات، سواء كانت سياسية أو فكرية أو ثقافية أو مجتمعية وغيرها، وهذا يتطلب الدقة والإبداع، وخاصة في حال النقل من ثقافات الغير.(1/77)
للثقافة شأن خاص في الإبداع ودقة الترجمة، فهي تتعدى خاصة الذوق أو المتعة أو الحاجة بل يمكن القول بأنه يمكن أن ينتج منها خليطاً من كل منها نصيب.
ولا سبيل إلى حسن الترجمة إلا بالدقة والإبداع لأنها تتيح لنا أن نقرأ بلغتنا بشكل مفيد الجديد النافع من اكتشافات وعلوم الغرب وحتى من علوم الشرق المستحدثة.
ومعنى ذلك، أن عملية الترجمة في بعدها الفني تتطلب الدقة التامة والإبداع فهي مزدوجة الفعالية:
1 - كونها عملية توسع أي وعاء لتلقي وترتيب الخبرات المنقولة عن طريق الترجمة والنقل، وخاصة عند غياب المفردات في اللغة المترجم إليها، وتخلفها عن مفردات اللغة المنقول منها. وهذه المفردات أو المحددات ليست بالسهل اليسير، لا بل هي ضرورية كنظام كتابة وفكرة مطابقة بالمعنى والمبنى ونظام توثيق وتعليم.
2 - كونها عملية نقل علمي فعلي لا لفظي لهذه المفردات التي يتم صياغتها وإنشائها كونها مهارات صدرت عن مخترعيها أو عن القائمين بها ليس بمجرد رمزي أو لفظي أو شكلي، بل لأنها مهارات أوجدها أصحابها عن علم وكفاءة وتبصر فلابد من أن تقابل بدقة وكفاءة وإبداع أيضاً كمساهمة فعلية في إنارة الفكر المتلقي الذي بدوره سيقوم بنفس المهمة تجاه من حوله.
وفي مجال الدقة والإبداع، لا عجب أن نروي ما اشتكى منه فرح أنطون(1) وما سبق للكتاب والمترجمين قبله أن شكوه، فقد تكلم عن صعوبة الترجمة الأمينة اللائقة والدقيقة المضنية التي هي أصعب من التأليف وأضنى للقلب وأتعب للدماغ، جاء في كلامه على ترجمته (اتالا) يقول الشاعر:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها
__________
(1) انظر: أنطون فرح - مقدمة (اتالا) -.(1/78)
حيث عانى الصعوبات في تعريب رواية "اتالا" لأنه سبك معانيها بقالب عربي يليق بها، لتأدية المبتغى منها، مع حفظ سلسلة أغراضها ومعايبها الأدبية والعاطفية وضبط أخلاق أشخاصها ضبطاً يصون الصورةالتي رسمها لهم المؤلف، ويجعلها جميعاً مطابقة لبسيكولوجيتها، ووضع مايلزم من استعارات ومجاز أجنبي في لفظ عربي، ومبنى متسلسل ومطابق، وهذا وغيره مما يتحطم له قلب المترجم الناقل.
وضرب هذا المثال، لا يعني ، الإقلال من صعوبة الترجمة لنوع دون آخر من أنواع الكتابة، ولا أن نشير إلى تقصير اللغة العربية في أي فن من فنون التأليف، بل لإثبات أن حسن سبك الترجمة يؤدي إلى جمال اللغة.
وهذا المثل ينطبق على الترجمة العلمية والأدبية، ناهيك عن ترجمة المواد الصحفية مثلاً، التي تتطلب سرعة في النقل وتفرض على المترجم أن يضع فوراً المصطلح المناسب للمعنى الجديد دون أن يتوفر له الوقت الكافي للتفكير ومراجعة مانقله. فإن كثرة المعاني والمفردات التي لا عهد للغة العربية بها، وضرورة المترجم نقلها بالمصطلح حيناً، وبالشرح والتفسير حيناً آخر، جعلت النص المترجم يحتاج إلى الدقة والعمق حتى لا يصبح عسيراً على فهم القراء. وإذا كان للمترجم الحرية في اعتماد الطريقة التي يراها مناسبة. فإن الصحفي المترجم يجد نفسه مقيداً حول تقييم ماينقله إلى العامة.
- وفي مجال الدقة والإبداع، لابد من التطرق إلى (الترجمة) عن طريق التماس بين اللغات:
في حال التماس في اللغات علينا أن نلاحظ التصرف الذي يجري ضمن مجال التدخل وعلينا أن نرصد التأثيرات على ضوابط كلّ من اللغتين، اللغة المصدر واللغة الهدف، وفي سبيل ذلك مثلاً نستعرض مادة أساسية لدراسة بنية الكلام،وذلك لأجل التحقق من الأساليب: الصوتية- اللفظية- الصرفية والنحوية هل هي متينة وصحيحة.(1/79)
فعندما يستخدم الشخص لغتين حسب (أورييل وينريش Uriel weinreich) يدعى ذلك (ازدواجية اللغة)، أما الانزياح في اللغة Ecart فهو تشابك لغتين الواحدة عن الأخرى، فيما يخص طريقة الإنشاء والتكلم بالنسبة للشخص المؤلف أو المترجم عنه. مثال على ذلك: العبارة في اللغة الفرنسية Un simple soldat فالمترجم ينقل ويحول هذه العبارة إلى نفس المفهوم في اللغة الإنكليزية كما يلي a simple soldier بدلاً من كلمة a private فالسيد وينريش Weinreich علّق على هذا المفهوم:
بان مطرح التماس في اللغات وهو المحط الذي به يتحقق "التداخل في الكلمتين ضمن تردد واحد"؟ وذلك في اللغتين الناقلة والمنقول إليها، وسواء ضعف أو اختفى هذا التداخل لأنه يعتبر دوماً كلام فردي(1). لماذا يجب دراسة "التماس في اللغات" في علم الترجمة؟ لأن في الترجمة من لغة إلى أخرى يكمن توحيد المعنى، وأيضاً في سبيل التحقق من أن أحد تلك المناهج يصعب الغور فيه ونقله من لغة إلى أخرى. وبدون جدل، فإن مدى تأثير اللغة المترجم منها على اللغة المترجم إليها يكشف الكثير من التداخلات الخاصة التي قد تأتي أحياناً من خطأ الترجمة، أو من التصرفات اللغوية المكررة التي يتصف بها كل مترجم تذوق التعبير الجديد في اللغة المترجمة، سواء في الميل نحو الاستعارة -أو الترجمة الحرفية- أو إيراد تعابير غير قابلة للترجمة في اللغة الأجنبية- أو التمسك بالنص عن طريق ترجمة المفردات- أو بعبارات استعراضية غير مترجمة.
__________
(1) إن ماييه وسوفاجيه Meillet, h. Sauvageat قد شعرا مسبقاً بمقدار هذه الحاجة إلى تمييز استعمال اللغتين العاديتين، بالنسبة إلى الرجال المثقفين. اقرأ المادة التي تخص ذلك في مؤتمر معهد اللغات عام 1934- ص7-9 -10-13- ثم مارتينيه في Diffusion of language ص7.(2-3).(1/80)
فالترجمة إذاً هي التماس مع اللغات وهي ثنائية ولكن لها فعالية خاصة، بين اللغتين ومع ذلك توصف وكأنها حالة محدّدة في كل لغة يصعب النقاش فيها عند تعدد الألسن.
وقد أشار "مارتينيه" حول ثنائية اللغة التي يمكن تسميتها بالثنائية المهنية بقوله:(إن الموضوع اللغوي الأساسي الأول أمامنا يجب أن يراعى فيه ثنائية اللغة وذلك بمعرفة المدى الذي يمكن أن تصل إليه بنيتان في حال /حدوث تماس بينهما، وهل يمكنهما البقاء سليمتين، وماهو معيار نفوذ الواحدة على الأخرى(1) غير أنه يمكن القول بأن هناك الكثير من نقاط التأثير والنفوذ المتبادلة بينهما، وإن حالة عدم الوجود تأتي بصورة استثنائية، وهذا الاستثناء فرض على متكلم اللغتين أن يكون حذراً(2) أما مارتينيه فيعارض تلك الفكرة، ويعتبرها مضللّة لثنائية اللغة المهنية، لأنها تأتي بألفاظ؟ يتكلمها العامة، بل يرى وجوب إدخال المترجمين في ثنائية اللغة المنفصلة عن الكلام الدارج ليتحقق تكامل بنيتي اللغة، ويصبح الحظ أوفر عند تساوي اللغتين بالتماس وبالآثار وهو ما يمكن تسميته بثنائية اللغة غير أن مارتينيه عاد إلى نفس فكرته الواردة في كتاب واينريش حيث أهمل ووضع جانباً كل ما يتعلق ببعض المهارات اللغوية التي رغم صعوبة التمرن عليها، تبقى متميزة بخواصها اللغوية.
وهذا يعزز رأي هانس فوغت Hans vogt الاخصائي أيضاً في العلوم الخاصة بتنازع الألسن، وهنا يمكن التساؤل فيما إذا يوجد (ثنائي لغة كامل)
__________
(1) واينريش: مؤلف ....ص1-"3" كل اغناء أواقفار بنظام معين يقود إلى إعادة تنظيم جميع المعارضات القديمة المميزة في هذا النظام، وعند قبول أي عنصر أو معنى سبق عرضه يضاف إلى إعادة التنظيم إلى النظام الذي استقبله (راجع Vagh - في أي شروط ص 35). وقد أشار (Bre`al-يربال) إلىهذه النقطة أيضاً.راجع: (Semantique.)
... - انظر راجع مونين ص 5و6 في (المسائل النظرية في الترجمة).
(2) راجع الهامش 51.(1/81)
مئة في المئة؟
فهذا يعني إذا توفر بذلك إمكانية استعمال أية لغة من اللغتين في أي موضوع كان، بكل سهولة، بنفس الضبط وبنفس قدرة التكلم مثل مواطني اللغة أنفسهم، غير أنه يصعب ملائمة هذا الثنائي في اللغتين لأن مظاهر التدخل هنا تصبح معدومة.
سادساً: تعادل زمن الأفعال في اللغتين:
لهذه القاعدة أهميتها في الترجمة، غير أنها تدرس بالتفصيل في المدارس الرسمية والجامعات غير أنه في هذا المجال لابد من التذكير حول القاعدة الرئيسية في هذا التعادل:
- فالترجمة هي شرح وتفسير، ما يقوله الآخر من لغة أخرى إلى لغة السامع أو المتلقي.
بالنسبة للمترجم فالفكرة مصاغة لا تعود إليه، وليس له أن يفتش عنها بل وأن ينقلها بلغة أخرى، وحيث أنها تعود إلى منشئ النص لذلك يمكن القول إن الكلام في الترجمة يعود إلى المؤلف والمترجم بآن واحد، كما لابد من الاهتمام بعنصرين هامين في الترجمة هما: الفكرة وهي الموضوع والأساس والكلمة التي تساوي الشكل والصيغة ولا يمكن فصلهما لأنهما مندمجان بدقة. فالأفضلية في الترجمة هي للجوهر أي الأساس، وقد لا تعطي ترجمة نصٍ ما نفس المعنى الأصلي الوارد في لغة الأساس، وأيضاً قد نجد في فكرة ما إنها لم تُتَرجمْ بجميع كلماتها، لماذا، ولأن دلالة الكلمات ليست واحدة في جميع اللغات ولأن بنية الجملة -وتركيبها- ونحوها، ليس واحداً في جميع اللغات:(1)
هنا تعني طبقات La nauvelle lois s'applique a` toutes les classes de la societé وهنا صفوف Le directeur a felicité toutes les classe de l`école classe.
هنا في المثال الأول تعني كلمة طبقات، وفي المثال الثاني تعني صفوف.
وهناك أيضاً، كلمات مفردة بالافرنسي لها عدة معاني بالعربي مثل كلمة Traitement يمكن أن تعني: علاج-راتب- معاملة- وكلمة رسالة بالعربي، قد تعني: Mission envoi-lettre بالافرنسي.
__________
(1) انطون مطر في Traduction pratique ص 93-16.(1/82)
إن أفضل طريقة للترجمة أن لا ترتكز على المشابهة Similitude الكلية بين اللغتين أو على محاولة إخراج عناصر كل منهما في قالب مشترك، لأن لكل لغة خصائصها ومنطقها.
بعد استيعاب الفكرة وصياغة الكلمة لابد من إيجاد التعادل الزمني في اللغتين وخاصة في الأفعال، ففي كل لغات العالم، يوجد ثلاثة أزمان:الماضي والحاضر والمستقبل. ولشرح هذه الأزمان الثلاثة ومشتقاتها، رتبت اللغة الفرنسية ستة صيغ تتضمن عشرين زمناً صرفياً، ولكن في اللغة العربية لا يوجد سوى زمانين صرفيين وهما: الماضي والمضارع. ولكن هذا لا يعني أنه يوجد أزمنة في اللغة الفرنسية يتعذر ترجمتها إلى العربية، بل يمكن الوصول إلى المعادلة المطلوبة بعد تركيب الزمن العربي الموافق. ولكن على المترجم قبل القيام بصياغة الزمن العربي أن يراعي أهمية فعل الكون Verbe: etre فإذا كانت جملة فعل الكون Etre تدل على الحالة الحاضرة، تترجم إلى العربية بجملة اسمية، دون الجوء إلى الفعل المقابل، ولهذا يمكن استعمال فعل (كان ويكون) في العربي للزمن الحاضر وهما الذان يستخدمان كفعل مساعد ووحيد في تركيب وتسمية الأزمان العربية دون التعرض إلى الجملة الإسمية.ومثال على ذلك:
- يسير القطار في السهل (عمل يقع زمن التكلم)
Le train marche dans la pleine .
- يتألم المريض منذ أربعة أيام Le malade souffre depuis quatre jours. فهذا فعل يستمر في زمن الحديث.
- يذهب الكامل إلى المصنع كل يوم l’ٍuvrier va a l’usiue ehaque jour.
- اعمل صباح غد:Je travaillerais demain matin.
فهذا يعني المستقبل القريب والبعيد.(1/83)
لذلك فالمضارع بالعربية يشمل زمناً مضاعفاً يدل على الحاضر أو المستقبل، فإذا أضفنا إلى ذلك الماضي، نجد في اللغة العربية ثلاثة أزمان حقيقية. ومن جهة أخرى، تتوقف دلالة فعل المضارع عن الزمن الحاضر، عندما تسبقه إحدى الأدوات (س(1) أوسوف). فعندها يدل على المستقبل.
إن هذا الإدغام في الأزمان الصرفية العربية هو الأكثر بروزاً في صيغة النفي بالحقيقة وفي اللغة العربية يمكنالحصول على الأزمنة الثلاثة الحقيقية إذا ما استخدمنا المضارع بصيغة النفي Forme négatve باستعمال (Ne) كأداة نفي معها. ولهذا يمكن استعمال (لن-لم-لا في المضارع بصيغة النفي فخلال الأزمان الثلاثة الحقيقية، أي، الحاضر والماضي والمستقبل، وبالاختصار أيضاً، من قاعدة التعادل:
- إن الفعل العربي الذي يسبق الفاعل يتفق معه من حيث العدد. ومن حيث الجنس.
- أما الفعل الفرنسي في المصدر يترجم إلى العربي: سواء بـ
(إن+ المضارع أو بالمصدر). مثال: يجب (أن يتنزه) ويجب التنزه.
في الافرنسي- عندما يسبق النعت الإشاري (Ce, cet, cette , ces) اسماً له مفعول يوضح نظيره باللغة العربية (هذا، هذه ، هذان، هؤلاء...الخ). في نهاية الجملة.
- يوجد في اللغة العربية كما في الفرنسية كلمات لا تحقق المعادلة تماماً في حال ترجمتها بتجاوز الحد، مثال: ذهب إلى أبعد من ذلك
Il a eté plus loim (que cela) تجاوز الحد، خطأ..(الصحيح)
Il a ete` plus loin.
- يجب الانتباه إلى الأداة (avec) (مع) أو أي برفقة En compagnie de أو Avec (بِ) بمساعدة A` l’aide de .
- يوجد أفعال بالعربي لها دلالة مزدوجة ومتنوعة، مثل الفعل: (قام بـ).
قام بواجبه/ قام بمظاهرة
Il a fait (accompli) son (devoir) il a organisé une manifestation
- عند وصف الاسماء العربية لا يجوز بقاء اسم الشخص المفرد المؤنث مهما كان الجنس في الاسم الموصوف الكتب الجديدة Les nouveaux livres
__________
(1) راجع أنطون مطر، كالسابق، ص 77-38.(1/84)
- يجب التمييز في الماضي الناقص L’imparfait بين الأفعال المتعدية والأفعال المبنية للمجهول مثال:L’enfant était endormi , l’enfant dormait
- أما اسم الفاعل Poarticipe present بالافرنسي يترجم:
بفعل مضارع مسبوق بالضمير المناسب Les uns les autres . بالحال ماكان + المضارع، لم يكن + المضارع.
- أما الطرف الافرنسي في الشكل المنتهي بـ (أي Adverbe de maniere ment) يترجم إلى العربية بالمفعول المطلق (Il a protesté energiquenent). أو بمصدر: لقد احتج احتجاجاً شديداً- لقد احتج احتج بشدة.
- ترتكز الترجمة على الجوهر أي الفكرة والكلمة، وليس على المعادلة الرياضية.
- قبل كل اعتبار، إن الترجمة هي عملية تفكير وتدريب على النقل والقياس لذلك لابد من تحقيق المعادلة على مستوى الجوهر أو على مستوى اللفظ أو الشكل عندما يتوجب ذلك.
سابعاً: اللفظ والتراكيب
كان اللفظ ولا يزال هو محور الحديث عن الترجمة والأصل فيها. فلابد له من أن يكون مناسباً للمعنى، وما هو جدير بالذكر أن العرب لم يعربوا تقريباً، لفظاً أجنبياً واحداً واستخدموه كقاعدة في لغتهم، فقد استعملوا كلمات وعبارات عربية خالصة لا تشوبها أية شائبة أعجمية، في الوقت الذي اتكأ فيه الغرب بعمق عند نقل المعارف من أصولها اليونانية واللاتينية، حيث أخذوا حاجتهم سواء كان لفظاً أو معنى أو مبنى،(1/85)
اذا لم يواكب الأسلوب اللفظ والتركيب يصبح لفظاً، ولابدمن الباس المعنى في الترجمة حلة من لفظ يفي بالغاية، فكان يكفي أن يقول المتنبي لفظة، دهشت بدلاً من "شدهت، كما يذكر ذلك السيد أحمد حسن الزيات، ومما يعيب المترجم أن يستخدم ألفاظاً تجلب عليه صفة "التقعر"، حين يغرق لفظه في الإغراب، ويمكن للفظ أن يضفي جواً مناسباً ومقبولاً، وإن صح التعبير، حين يبقي المترجم الكلمة الأجنبية على لفظها، أو يترجم لفظها بما يرادفه بعد أن يبقي الملحقات والزوائد الدالة على المعنى العلمي المطلوب وليس في ذلك مايشين اللغة بل هو مايزيد في غناها وتطويرها، وفي بعض حالات الترجمة يجده الناقل أن لا مناص منه إذا أريد مجاراة العلم والعلماء وهذا كله ليس بمنهج جديد، بل هو متنح منذ القديم من قبلنا ومن قبل أوروبا وغيرها أيضاً، فقد سار عليها الرازي وابن سينا والبيطار، من قبل، فقد نقلوا عن اليونان والفرس وأبقوا على اللفظ الأصلي مع وجود المرادفات اللازمة في العربية.
لابد لحركة الترجمة من تحقيق الاكتمال الفني ومراعاة الدقة في حسن الأداء واللفظ والتركيب ودقة المصطلح حتى لا تأتي الجملة أو بقية المواضيع ركيكة العبارة مضطربة التركيب.
خلال القرن التاسع عشر وبالأخص منذ زمن محمد علي حدثت تطورات فكرية في المشرق العربي ومصر أدت إلى زيادة الاحتكاك بالغرب كما سبق ذكره، مما أدى إلى تطور واسع في ميدان الترجمة، فأثقل على اللغة العربية وجود مرادفات ومسميات ومعان حضارية مستحدثة، لا يوجد في اللغة العربية مايقابلها، فوعرت المسالك دون المترجمين، وزادت عليهم عبئاً جديداً بضرورة تطويع اللغة العربية بالأسلوب واللفظ والتركيب الدقيق، المناسب كي تستوعب هذه المعاني والمستحدثات الجديدة، بعد أن وأدها التتريك العثماني لمدة طويلة.(1/86)
لقد عانى المترجمون الصعوبات المرة في الترجمة ولاسيما أولئك الرواد الذين نهضوا وتفانوا في العمل، لتوسيع اتجاهات اللغة لاستيعاب وهضم كل جديد، وملاءمة كل مستحدث في سبيل مسايرة ركب الحضارة أو اللحاق بكل ماهو مفيد. ولم تكن الصعوبة وليدة ضعف ملكة المترجم، وإلا ما اشتكى منها "أحمد فارس الشدياق" وهو من أعلام اللغة علماً واطلاعاً لأوابدها وشواردها. فقد قال يصف عناء الترجمة.
ومن فاته التعريب لم يدر ما العنا ... ولم يصل نار الحرب إلا المحاربا
أرى ألف معنى ما له من مجانس ... لدينا والفا ماله ما يناسب
والفا من الألفاظ دون مرادف ... وفصلاً مكان الوصل والوصل واجب
وأسلوب إيجاز إذا الحال تقتضي ... أساليب أطناب لتوعي المطالب
وعكس الذي مر أكثر فاتئد ... إلا ايهاذا اللائمي والمعاتب
فيا ليت قومي يعلمون بأنني ... على نكد التعريب جدي ذاهب(1)
فلاعجب، أيضاً، أن نسمع الشيخ إبراهيم اليازجي، وهو من كبار لغويي عصره يشكو من حالة الالفاظ والتراكيب الواجب تداركها لمواجهة هذا السيل المتدفق من المصطلحات المستجدة الواجب ترجمتها أو تعريبها، فهذا الإحساس لدى كل كاتب أو مترجم أصبح، حينذاك عاماً، خاصة قبل وفرة القواميس والمراجع الأخرى.
ولا عجب كذلك أن نسمع فرح أنطون في مطلع القرن العشرين يشكو ما شكى منه الكتاب والمترجمون قبله، حيث تكلم حول صعوبة الترجمة الأمينة اللائقة التي هي أصعب من التأليف وأضنى للقلب وللدماغ، وذلك بكلامه علي ترجمة (أتالا) بقول الشاعر:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها.
__________
(1) كنز الرغائب في منتخبات الجوانب، الجزء الثالث ص 23-24. لأحمد فارس الشدياق.
... -راجع لطيف ريتوكي حركة الترجمة في عصر النهضة دار النهار، على 1992 ص 24-25.
... - راجع أحمد عصام الدين/ حركة الترجمة في مصر ص 23-25، وشحادة الخوري، الترجمة قديماً وحديثاً، ص 187-190.(1/87)
وهذا القول ينطبق على مدى المعاناة التي تصادف المترجم في إيجاد اللفظ العربي اللائق المراد من المعنى تماماً.
ومن مكونات اللفظ والتراكيب والأسلوب، العبارة والحديث عن العبارة في موضوع الترجمة يقتضي الدقة، لأن اللغة كما هو معروف كائن حي فهي في نمو مستمر، تتطلب أن يجمع إليها ماهو نافع ومفيد، ونفض أو إهمال مايمكن الاستغناء عنه، مثل بعض العبارات المجازية التي أكل عليها الدهر وشرب، كعبارة (لايملك شرو نقير) وعبارة (خاوي الوفاض) وغيرها.
ففي أوائل العقد الثالث من هذا القرن بدأت مجامع اللغة العربية تضطلع بدور كبير في الأخذ بيد الترجمة على الطريق الصحيح فمكنت اللغة عن طريق ضبط مصطلحاتها وتنقيح عباراتها من خلع ماكانت تتدثر به في القديم من سجع ومجاز وغيره، مما سهل عليها مواكبة حركة العلوم الحديثة، وجعلها تصل الماضي بالحاضر تعلقاً بالمستقبل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ
ـــــــــ
الفصل الثالث:
ثامناً: المصطلح:
يمكن تعريف المصطلح أو الاصطلاحات بكونها المفردات التي تنقلها لغة ما عن لغة أخرى تكون غالباً ألفاظاً لمعان أو أسماء لمسميات اشتهرت بها هذه اللغة المنقول عنها أو انفردت بها أو امتازت بإنتاجها أو خلقها على ضوء تقنيتها وحضارتها، ويختلف ما تأخذه لغة عن أخرى باختلاف فرص وزمن الاحتكاك المادي والثقافي(1) هذا الاحتكاك الذي يُمكن تصنيفه إلى نوعين فيما يتعلق بعلاقات العرب مع الغرب:
1 - علاقات رسمية وأخصها مع مصر حيث ا نحصرت أوجه الاحتكاك ضمن إطار الحاجات الثابتة التي اقتضاها بناء الدولة على أسس عصرية مدعاة للتطور.
__________
(1) راجع (مونين Mounin ) - الفصل الثالث (La structure Du lexciqae) ص 94-71.(1/88)
2 - وعلاقات شعبية متعددة الوجوه من تجاريه ودينية وسياسية وثقافية مثل لبنان، بلغت أوجهاً بانتشار مدارس الإرساليات التي عنيت بتعليم اللغات والآداب الأجنبية، ومكنت أبناء البلاد من الاطلاع على الثقافات الحديثة التي لا غنى عن تذوقها واقتباس المفيد منها.
هانحن اليوم في أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين نجدّ بثبات وقوة في طلب العلم والمعرفة ومواكبة التطور التقني، والترجمة هي الوسيلة الثابتة والناجعة لنقل هذه العلوم المستحدثة إلى لساننا من لغات العالم، أو الأمم بشكل خاص، التي أحرزت سبقاً في تقنيتها، في ميدان المعرفة والعلوم التي يحتاجها العصر. ولكن هل تسعف لغتنا ميدان الترجمة في أداء هذه المهمة حسب المستوى المطلوب؟ هذا سؤال لابد من طرحه رغم إيماننا بالإيجاب، مع أن الإجابة الصحيحة تتعلق بالمصطلح الذي هو بنية الترجمة.
لم تقصر اللغة العربية في استيعاب العلم في الماضي، كما لم تقصر اليوم في استيعاب جميع أنواع المعرفة، لما تحتضن من خصوبة وغنى وقدرة على التوليد والاشتقاق والأسلوب، ولكن التقصير يعود إلينا عند عدم التعمق فيها والكشف عن كنوزها ومفرداتها وحسن انتقاء المصطلحات المناسبة للاستفادة مما يمكن أن تقدمه من عون على التعبير.
إن الترجمة تحث على وضع المصطلح المناسب، بل تبحث عنه كمصطلح صحيح لحاجتها إليه، ولدى وجوده يكون لها تدبير معين وسند. ولقد اتسعت اللغة العربية في القديم للعديد من المصطلحات، كما اتسعت اليوم، بسبب التطور التقني، إلى المزيد منها أيضاً، وهذا كله دليل قدرة وغنى، ولم يعد المصطلح الجديد شأناً خاصاً بالعربية وحدها، بل أصبح شأن اللغات الأخرى جميعاً، ذلك أن كل لغة في العالم مدعوة للدلالة على المصطلح المستحدث في كل علم وفن، وللتعبير عن المعاني المستجدة، من أجل ذلك تستنبط الألفاظ الجديدة كمستولدة أو محدثة! معربة بلفظها من اللغات الأخرى.(1/89)
ولشرح أهمية تطور المصطلح لابد من تقسيم المصطلح إلى قديم وحديث:
لقد استدعت ترجمة علوم القدماء إلى العربية إيجاد مصطلحات علمية كثيرة وبأعداد وافرة، للدلالة على المعاني والأعيان والألفاظ، كالطب والفلسفة، والرياضيات، والفلك والكيمياء والطبيعيات وغيرها، وحسب مقولة الأمير مصطفى الشهابي:(1)
إن المصطلحات العلمية التي أدمجت في لساننا في تلك الأيام تعد بآلالاف المؤلفة من الألفاظ العربية وبالمئات من الألفاظ المعربة. ففي مجال الفلسفة Phylosophie وضع لها مصطلح (معرب) مثل (فلسفة) اشتق العرب منها فعلاً الكلمات: تفلسف- وفيلسوف- وغيره، كما استخدمت الألفاظ العربية التالية للدلالة على معان محددة مثل: الأبد-القديم- الحديث- العلة والمعلول- الوجود والعدم- الصورة والجوهر- الكلي والجزئي- والقياس والاستنتاج وماشابه من الألفاظ الكثيرة التي أصبح لها معان اصطلاحية ودلالات محددة.
وهكذا أيضاً في مجال الطب حيث وضعوا أسماء عربية عديدة، كالجراحة والتشريح، كما سموا بعض الأمراض مثل: السرطان- والربو- والاستسقاء- وذات الجنب- والذبحة وسواها... والكثير من الألفاظ في أنواع الأمراض وأعراضها ومداواتها، وأيضاً عمدوا إلى تعريب مثل: الترياق والقولنج وغير ذلك.
كما ترجموا بعض الأسماء الأعجمية مثل: لسان الثور- وآذان الفأر- وأنف العجل- وعربوا على سبيل المثال: -الخيار- والباذنجان- والبابونج- والليمون- والأترج- والأفاقيا- واللوبيا- والسوسن.
وفي علوم الرياضيات فقد اتسعت العربية لمثل تلك المصطلحات، فقيل: بالدائرة والمثلث والقطر والمربع والمخروط والجيب والمماس.
أما في الفلك: فقد أجادوا في تعريب أسماء العديد من النجوم فنقلها علماء الفلك الغربيون إلى لغتهم.
__________
(1) مصطفى الشهابي: المصطلحات العلمية، ص 24-و27.
... - راجع شحادة الخوري: الترجمة قديماً وحديثاً، ص 148-149-167. ولطيف زيتوني
ص 28-29.(1/90)
إن هذه المصطلحات التي أوجدتها ترجمة المعارف إلى العربية قد اندمجت مع ألفاظها باللغة العربية واشتملت عليها معجماتنا القديمة وكانت ولا تزال صالحة للتعبير عن علوم القدماء لا بل عن بعض موضوعات العلوم الحديثة.
ولعل القسط الأكبر في وضع هذه المصطلحات حينذاك يعود إلى حنين بن اسحق، إذ كان المترجمون قبله يستأثرون بالمصطلح اليوناني بلفظه في حين من يقرأ لحنين (العشر مقالات في العين) يشعر أنه يقرأ كتاباً عربياً واضحاً، ويرجح أن يكون هو أول من استعمل مصطلح السرطان، وبقية أسماء الأمراض مثل: الشبكية- والعنبية- والزجاجية- والقرنية والملحتمة وغيرها، مع أنّه لم تكن في تلك الأيام مجامع لغوية أو مكاتب تعريب- أو دور معاجم.
ولكن كيف استطاع النقلة في ذلك الزمن إيجاد المصطلح؟ يجيب على ذلك الأمير مصطفى الشهابي(1) بقوله: إن الطرائق التي اتبعوها يومئذ في إيجاد المصطلح هي:
1 - تحوير المعنى اللغوي الاصلي للكلمة العربية وتضمينها المعنى الجديد.
2 - اشتقاق ألفاظ جديدة من أصول عربية أو معربة للدلالة على المعاني الجديدة.
3 - ترجمة كلمات أعجمية بمعانيها.
4 - تعريب كلمات أعجمية واعتبارها صحيحة.(1/91)
والمعروف أن هذه الطرائق التي اتبعت آنذاك ماتزال صالحة في يومنا هذا لوضع المصطلحات للعلوم الحديثة. وعلى تراث الأقدمين شاد المحدثون صرح حضارتهم بما حصلوا من علوم الأوائل وهذه هي سنة الكون، فقد بنى الرومان على الإغريق، وبنت أوروبا على كليهما، وبنى الشرق على ثلاثتها، لذلك علينا أن نواجه الحقائق ونعمل على الأخذ والتبادل من ومع الغير حتى يعود لنا الشأن المرتجى لتبوء المكانة المرجوة ثقافياً وتقنياً، وللوصول إلى هذه الغاية السامية لابد من مزاولة الترجمة. فهناك الألوف من الألفاظ المهجورة تنام في بطون القواميس العربية، بعضها لها مكانة الصدر والمحراب، وفي مقابلها الألوف الأخرى من ألفاظ دخيلة محرومة من دخولها أو دمجها، رغم اضطرار المترجم لاستعمالها، وكذلك كانت الحال في الأمم المتقدمة التي تتكلم لغة حية، فلا نزال نصادف الكثير من الكلمات الدخيلة المندمجة منذ القديم مثل: "سيروب Sirop وأصلها "شراب"، و"ماراباط" Marabatt وأصلها مرابط في العربية التي هي مفرد مرابطين، وهو اسم لمن كان يسكن الأندلس العربية. وهناك الكثير من غيرها يحتويها المعجم الفرنسي جنباً إلى جنب مع الألفاظ الفرنسية المحضة. وقد استمرت الأمور زمناً طويلاً بالأخذ بهذه المصطلحات القديمة حتى جاءت المجامع العربية الحديثة فعالجتها بالترجمة وفقاً للنص واللفظ والمعنى والتطور العلمي والتقني المعاصر.
المصطلحات الحديثة:(1/92)
أما وقد اتسعت دائرة المعارف العلمية، ودائرة الاستعمال اللغوي، فشملت جميع أنواع العلوم، وتسنى للمجامع العلمية في البلاد العربية وللأفراد المثقفين في كل دائرة أو اختصاص بذل الجهود المضنية لمواكبة التطور العلمي والتقني، واستقبال تدفق مفردات المصطلحات العديدة المتنوعة والحديثة لترجمتها وتعريبها بسهولة ميسرة عن طريق النحت والتمحيص والتدقيق مساهمة منهم في إغناء اللغة العربية وفي اتساع مدلولاتها وآفاقها لمواكبة اللغات الحية في هذا العالم.
هناك ثلاثة مواضيع أساسية بينها ترابط وثيق واتصال مستمر ومتكامل، وهي
1 - الترجمة، 2 - وضع المصطلح المناسب، 3- التعريب.
1 - الترجمة:
إنها السبيل الوحيد بأنواعها (الكتابية الآنية- التقنية) إلى تعريب العلم والتعليم، غير أنها لا تتم إلا بتوافر المصطلح العلمي والأدبي والفني، الذي بدوره لا يعم إلا بالترجمة.
وإذا كنا قد أشرنا إلى الترجمة في القديم التي استقطبها العديد من المترجمين الأوائل وفي مقدمتهم حنين بن اسحاق وقسطا بن لوقا ويوحنا بن ماسويه، ومن ثمّ بيت الحكمة في بغداد. فلابد من ذكر جهودهم حول إيجاد المصطلح الذي قام عليه الكشف والقاعدة والتأليف الذي قام عليه إبداعهم في حقول المعرفة والعلوم. لكن هذه الترجمة القديمة بمصطلحاتها لم تصل إلى درجة اتساع مصطلحات العصر الحديث، حيث تطلب إيجادها السعي الحثيث والمتواصل نظراً لتدفق المفردات اللغوية العديدة والمبتكرة ضمن اللغات الأجنبية، بسبب التطور العلمي والتقني، والتي تحتاج إلى مصطلحات متنوعة في النقل والترجمة أو التعريب.(1/93)
لابد من الاعتراف بأن النهضة العربية في الميدان اللغوي والثقافي أصيبت ببعض الإخفاق من هنا أو هناك، فذلك كان يعود إلى الأحوال الاجتماعية والسياسية، التي كانت تكتنف المجتمع العربي، غير أنه مما لاشك فيه أوجد ضموراً في اللغة العربية فيما يتعلق بالتأليف والترجمة والتعليم، كما أوجد مظهراً من مظاهر التخلف ولكن ماعرف من أصالة اللغة العربية من حيث المبنى والمعنى والتراكيب والصرف والنحو، فقد: أدت حركة الترجمة والتأليف وتعريب التعليم الواسعة جداً بالنسبة للقديم، مظهراً ونمواً وتطوراً من مظاهر التقدم والتحرر الفكري والمعنوي.
لذلك نلمس اليوم في عصرنا الحديث، الجهد الكبير الذي يبذل في سبيل إيجاد المصطلحات ووضع المسوغات والمعاجم والترجمات المتنوعة لجعل اللغة العربية تستوعب العلوم والمعارف والتقنيات الحديثة.
لقد ظهر من المعاجم التي بذل فيها الجهد الكبير لإيجاد مصطلحاته مثل:
معجم دوزي بالفرنسية والعربية- والمورد بالإنكليزية والعربية- ومعجم لين+ معجم بارجر بالإنكليزية والعربية- ومعجم بيلو والمنهل بالفرنسية والعربية. ومن المعاجم المتخصصة معجم العلوم الطبية والطبيعية للدكتور محمد شرف- ومعجم أسماء النبات للدكتور أحمد عيسى ومعجم الكلمات الزراعية للأمير مصطفى الشهابي- والمعاجم العسكرية التي تشتمل على الكثير من المصطلحات. ومعاجم أخرى أصدرتها الدوائر الرسمية والمؤسسات الخاصة.(1/94)
كما ظهر علماء أعلام تميزوا بنتاج مصطلحاتهم، منهم على سبيل الذكر، بطرس البستاني صاحب: "محيط المحيط" و"دائرة المعارف" والشيخ إبراهيم اليازجي الذي ينسب إليه الألفاظ:- الدارجة والمجلة والمقصف واللولب والخوذ...- وأيضاً- سليمان البستاني مترجم الياذة هوميروس- والشدياق- وبشارة زلزل- ويعقوب صروف صاحب "المقتطف" الذي تنسب إليه ألفاظ: الغواصة- والدبابة- والرشاش- والنواة- والكهرب-. فهؤلاء جميعاً أسهموا بكفاءة في إغناء اللغة العربية بالمصطلحات الجديدة.
وفي سبيل وضع معاجم أوموسوعات متخصصة بمصطلحات دقيقة تحوز القبول الإجماعي لابد من قيام مؤسسات الدولة من الاهتمام بوضعها وإصدارها بالإضافة إلى نشاط الأفراد والدوائر الخاصة.
ولابد في هذا المضمار من الإشادة بجهود مجامع اللغة العربية في جميع المخطوطات النفسية وتدقيق المصطلحات وتحقيق الكتب والمؤلفات ونشر البحوث اللغوية التي تتناول تسمية وتثبيت المصطلحات وتعميمها على المراجع المختصة ومراقبة استخدامها. لأنها تعتبر المرجع الأساسي المسؤول عن المصطلح في بلده. وعن سلامة اللغة العربية وجعلها وافية بمطالب العصر من علوم وفنون وتقنيات، مع العلم بأن مجمع اللغة العربية بدمشق تأسس عام 1919- والمجمع العلمي العراقي تأسس عام 1947- ومجمع اللغة العربية في الأردن أُنشِئ عام 1976. أما مجمع اللغة العربية بالقاهرة فقد أُنشِئَ عام 1932- وقد أقامت هذه المجامع اللغوية والعلمية فيما بينها اتحاداً يجمع مابين نشاطاتها المختلفة وينسق جهودها. ومايساعد على هذا التنسيق والتوحيد كون اللغة العربية هي واحدة لدى هذه المجامع، يرجع إليها كل تنسيق وتخطيط وعمل.(1/95)
إن دعاة الترجمة والتعريب وكذلك أنصار اللغة العربية ينتظرون الكثير من اتحاد مجامع اللغة العربية، ويأملون النشاطات التي تبرز أعمالهم مفيدة ومنجزة بشكل نهائي في مجال اللغة العربية ونقل المصطلحات إليها وإغنائها مع تيسير تعليمها وجعلها تتسع لمفاهيم العصر الحديث وعلومه وتقنياته الوافدة باستمرار والمتنوعة بخصائصها.
ماهي الأسس التي يُمكن أن يلجأ إليها المترجم لإيجاد المصطلح والمعاني الأخرى في عملية الترجمة؟!
هل هي الترجمة عن طريق التماس مع اللغات المنقول منها؟، حسب (اوريل وينريخ) الذي يقول: عندما يستخدم الشخص لغتين يسمى ذلك بازدواجية اللغة، أما إذا تشابكت لغتان الواحدة مع الأخرى يدعى ذلك (الأبعاد في اللغة)، وهذا فيما يتعلق بطريقة الإنشاء والتكلم بالنسبة للشخص المؤلف، أو المترجم عنه، مثال على ذلك: العبارة التالية في اللغة الفرنسية: "مجرد جندي"
Un simple soldat فالمترجم ينقل ويحول هذه العبارة بنفس المفهوم في اللغة الإنكليزية a simple soldiar بدلاً من كلمة a prvat وهنا يصر السيد "وينريخ" على أن مطرح التماس في اللغة - هو المحط الذي به يتحقق التداخل في الكلمتين ضمن تردد واحد، "في اللغتين الناقلة والمنقول إليها، وسواء ضعف أو اختفى هذا التداخل فهو دوماً كلام فردي.
في حال التماس في اللغات، علينا أن نلاحظ التصرف الذي يجري ضمن مجال هذا التداخل وأن نرصد تأثيراتها على ضوابط كل من اللغتين قيد الترجمة(1)وفي سبيل ذلك تستعرض المادة الأساسية لدراسة بنية الكلام، للتحقق من الأساليب الصوتية- اللفظية- الصرفية والنحوية هل هي متينة وصحيحة.
__________
(1) وينريخ - مؤلف سيتا تور Citateur ص 7و8. راجع مونين ص 5-6.(1/96)
إن السبب في وجوب دراسة علم الترجمة كتماس في اللغات هو أنه في الترجمة من لغة إلى أخرى يكمن "توحيد المعنى كما يوجب التحقق من أن أحد تلك المناهج أو الطرق يصعب الغور بها أو نقلها من لغة إلى أخرى. وبدون جدل، فإن مدى ومقدار تأثير ونفوذ اللغة المترجم منها على اللغة المترجم إليها يكشف الكثير من التداخلات الخاصة التي قد نأتي أحياناً به من خطأ الترجمة(1) أو من التصرفات اللغوية المكررة التي يتصف بها كل مترجم منها مثلاً: تذوق التعبير الجديد في اللغة المترجمة- الميل نحو الاستعارة- الترجمة الحرفية- أو إيراد تعابير غير قابلة للترجمة في اللغة الأجنبية- أو التمسك بالنص عن طريق الترجمة الفردية للكلمات- أو وجود استعراضات غير مترجمة.
فالترجمة إذاً هي التماس مع اللغات، كما هي ثنائية ولها فعالية خاصة بين لغتين وغير قابلة للنقاش بين الألسن بل يمكن وصفها بأنها "حالة محددة
Cas -limité"
__________
(1) هانس فوكت Contact of langage راجع ص 369، وهذه الطريقة هي من صنع المستشهد Citateur .(1/97)
وقد أشار مارتينيه Martinet إلى ثنائية اللغة بما يمكن تسميتها (بالثنائية المهنية) بقوله:(إن الموضوع اللغوي الأساسي الماثل أمامنا، يجب أن يراعى فيه "ثنائية اللغة وذلك بمعرفة المدى الذي يمكن أن تصل إليه بنيتان في حال التماس مع بعضهما وهل يمكنهما البقاء سليمين؟ وماهو نفوذ الواحدة على الأخرى، وهذا يعني وجود الكثير من نقاط التأثير والنفوذ المتبادلة بينهما.(1) أما الاستثناء هو في عدم وجوده ويعني الانفصال التام كما يفرض على متكلم اللغتين أن يكون حذراً ولكن مارتينيه يُعارض تلك الفكرة التي يعتبرها مضللة لثنائية اللغة المبنية، ولأنها تأتي بألفاظ عامة يتكلمها السكان، فهو يرى وجوب ادخال المترجمين في ثنانئية اللغة المنفصلة كلياً عن الكلام الدارج. كما يرى في تكامل بنيتي اللغة الحظ الأوفر، خاصة عند تساوي اللغتين، بالتماس وبالآثار، ولذلك فيما يتعلق بوضع المصطلح يعود مارتينيه ويثبت فكرته الواردة في مقدمة كتاب "وينريخ" الذي وضع جانباً كل مايتعلق ببعض المهارات اللغوية التي رغم صعوبة التمرن عليها تبقى متميزة بخواصها اللغوية. كما تعزز هذه الفكرة رأي السيد هانس فوكت Hans vogt الإحصائي أيضاً في العلوم الخاصة بتنازع الألسن.(2)
المصطلح في الترجمة على ضوء النظريات التي تتناول المباني اللغوية:
__________
(1) راجع مارتينيه Diffusion of langage فيما يتعلق بالجدل حول تنازع الألسن.
(2) راجع فوكت في مؤلفه ص 369- ومن خلال المكالمة قال "وينريخ" لقد لمسنا التشابك الذي تكرر استخدامه في اللغتين حتى أصبح عادياً وثابتاً/ وراجع مونين ص 7-8/.(1/98)
يشير داربلنيه فيناي Darbelnet , vinay إلى أن المترجم ينطلق من المعنى، ويطبق جميع عملياته في النقل ضمن علم الدلالة، وهذا يولد الرأي الذي يقول بأن الدحض الأقوى سواء ضد شرعية النقل أو ضد أي ترجمة، يأتي من النقد، الذي أخضع كل علماء اللغة مثل: (سوسير)- (بلوومفيلد)- (هارّيي) -(هجالمسلو) Saussure, bloam field harris hjelmsleo فيما يتعلق بالمفهوم الكلاسيكي للمعنى إلى المنطوق اللغوي.
فقد هز تحليل "سوسير" المفهوم التقليدي المبني على الاختيار أو الانتقاء الضمني عندما تعاد اللغة إلى أصولها الأساسية فهذا مايمكن تسميته "المصطلح" كما يقوله البعض أيضاً، وهذا المصطلح بحد ذاته يجب أن يكون متوافقاً بعباراته مع معان مماثلة.
وقد ذكر أيضاً فيما يتعلق بالترجمة، أنه إذا كانت الكلمات قابلة لأن تتمثل بمفاهيم معطاة مسبقاً سينتج لكل كلمة مترجمة من لغة إلى أخرى مفهوماً متوافقاً مع المعنى أو العكس(1).
غير أنّه بعد ذلك بأربعين سنة من صدور مؤلف "سوسير" ذكر "مارتينيه" أنه من المفيد مناهضة النص أو الرأي المتعلق باللغة المفهرسة Langue repertoire كما دعاها، التي تحتوي على مفهوم بسيط جداً، ولكنه مع ذلك منتشر بما فيه الكفاية. وعندما تكون اللغة كناية عن فهرسة من الكلمات فقط، أي كناية عن نتاج صوتي ونقشي وكل كلمة فيها تدل على شيء أو حيوان، فيصبح الفهرس الخاص، كما تسميه اللغة الفرنسية، متوافقاً مع نتاج صوتي محدد يشير إلينا بأن الخط يمثل شكل الحصان، أي أن الاختلاف بين اللغات يقود إلى الاختلاف في التحديد، (في كلمة الحصان: في الإنكليزية يقال Horse وفي الألماني Pferd ولذلك عندما نتعلم لغة ثانية فهذا يعني أنه قد أصبح لدينا مصطلحاً جديداً موازياً للغة الثانية.(2)
__________
(1) راجع مارتينيه Elemeut ص 14-15.
(2) راجع سوسير مؤلف Id وص 97-98.(1/99)
ولكن "سوسير" لا يصل بنقده لهذا المفهوم التقليدي وإلى جعله يتمثل العناوين المطابقة لأشياء مميزة (كالجناس Homonyme) أو كالمرادفات. ورغم قلة العدد في كل لغة، فهناك الإمكانية المتاحة في مقابلة الأعداد أو العناوين مع الأشياء التي توافقها ثم شرح وإلقاء الضوء على الفهارس ومن ثم توافق البيانات مع الأصول.
إن القسم التصويري في مفهوم النص، يتألف من ارتباطات وأيضاً من اختلافات مع النصوص الأخرى في اللغة. فعندما نجد بعض الكلمات من تركيب
1ً- خاص مثل: redouter مقابل craindre
2- N’être pas tranquille- peur- Craindre -avois peur, étre effrayé- trembler que
نجد كل مساحة فيها تغطي ماتعنيها كونها قريبة بعضها من بعض في المعنى، وقد أوضح "سوسير" هذا المبنى المهم بنظر علم اللغة بالشكل التالي:(في مثل تلك الحالات جميعها، نتمسك بأخذ القيم النابعة من النص ذاته، عوضاً عن التمسك بالأفكار المعطاة سلفاً. لأننا عندما نقول بأن تلك الكلمات متفقة تماماً مع المعاني المجردة، نؤمن بالوقت نفسه إنها مختلفة كونها موصوفة إيجابياً ليس فقط بمحتواها، ولكن سلبياً بعلاقتها مع النصوص الأخرى الواردة في النص، ولاسيما وإن الخصائص الصحيحة فيها ليست موجودة لدى الآخر(1).
ومثال على ذلك: (العشب) الذي يطلق على جميع أنواع العشب، عوضاً من أن يلفظ كل نوع من هذه الأعشاب بتسميته الخاصة (مثل القمح- الشعير- الزيوان- الـ.....)، ومثل: "الطفل الصغير في المدينة". وهذا ناتج طبعاً عن محدودية الحاجة الحقيقية لعلاقته اللغوية.
__________
(1) راجع سوسير أيضاً ص: المؤلف Cit ص 162-163.
- راجع مونين ص 8-9، 21-22-23-24، الفصل الثالث: كتاب /Les problemes theoriques de la tradu cton/.(1/100)
غير أن هناك هوة كبيرة تفصل بين النص الذي أورده "سوسير" وبين التسمية المنظومة Syste`me مع النص التقليدي في اللغة "كمصطلح أو فهرس"، الذي هو نص تقليدي يعود إلى الكتّاب المقدس الذي وصف الأشياء بتسميات اسم العلم مثل (وقد سمى الله النور نهاراً والظلمة ليلاً ....الخ..) كما سمى الفضاء سماء واليابسة أرضاً والمياه بحاراً.
وقد هز نقد "سوسير" بعمق الاستسلام للقديم الذي اطمئن إليه الناس بكون خواص اللغة هو "مصطلح- وفهرسة- وبيانات، مع أنّه لم يصل تحليل "سوسير" في كل مرة تخص مفهوم المعنى إلى حسن تقدير قيمة عمليات الترجمة التي ترتكز على علم النفس الكلاسيكي، كما لا يكون أي جزء محل شك تجاه طبيعة ومسار المفاهيم العالمية مهما كان النص ذات قيمة.
في الدليل اللغوي فإن العلاقة بين الصورة السمعية وبين المفهوم هي سهلة جداً، وكما قال "هاريس Hairris" الذي عالج بدوره نفس النص خلال عام 1956 وهو أن اللغة ليست (A bay of words) كلمة إنكليزية، كيساً مملوءاً بالكلمات، حيث يمكن غرف الكلمات الواحدة تلو الأخرى مثلما تنقل أحرف الطباعة واحد تلو الآخر في صندوقه الطبع، كلا، بل هي سلسلة من القواعد النظامية التي من خلالها يجب، في كل حالة على حدة، إعادة حساب التواصل.أما النقد الذي أتى به "سوسير" (للمعنى) فقد تناول الشرح العلمي بحيث أن الترجمة كلمة لم تمكّن الوصول إلى تفعيل مرضٍ، لأن الكلمات بالضرورة ليست لها نفس المساحة التصورية في مختلف اللغات.(1/101)
ولكن بلوومفيلد Bloomfield بدا راديكالياً عندما أراد أن يقدم (لكُنه المعنى) قاعدة هادفة ففي بادئ الأمر حذف كل استجارة للكلمات: فكرة- ضمير- مفهوم- صورة- شعور- إحساس- وكأنها تشابه النصوص غير المحققة علمياً. وبذلك أراد الابتعاد عن كل وصف ذهني، وعن كنه أو ماهية المعنى بعودته إلى تعريف "أل" (بيها فياريست) Behaviouriste السلوكية الذي تقول:(إن معنى البيان اللغوي هو الحالة التي فيها يدلي المتكلم بهذا البيان، وبأن التصرف الذي تضمنه البيان يعتبر استجابة لما يفهمه المستمع).
ولنتمكن من وضع المصطلح المناسب وعندما لا تتوفر لدينا الوسائل اللازمة لوصف العديد من المباني وإظهار صحة قوامها، علينا أن نتقبل كمسلمة لكل موضوع لغوي، ميزة التحصص والثبات لكل صيغة لغوية، تماماً كما نتقبله مع الأشخاص الأخر في جميع علاقاتنا اليومية، وفي بعض المجتمعات اللغوية يوجد بيانات لغوية متشابهة من حيث الصيغة والشكل والمعنى(1). وفي مجالات أخرى، هذا يعني أن كل صيغة لغوية لها معنى وقوام خاص بها. فقد وصل بلومفيلد إلى تقّنين كافة الوسائل التي يستخدمها المعيار الاجتماعي لضمان الاستقرار الحقيقي لكل صيغة لغوية: مثل:"تحديد الأشياء- تحديد العبارة أو الشكل أو ترجمتها. ومن خلال اقتفاء آثار "بلومفيلد" نحاول الابتعاد قليلاً عن فرضياته، نجد أن هناك مدرسة أخرى تحاول تركيز تحاليلها في اللغة، بالقيام بتجريد المعنى ضمن مفهوم علم اللغة التوزيعي والترتيبي، كما أن الحكم بالرجوع إلى المعنى بشكل دائم، يوجب إعطاء المزيد من الحيوية العلمية، في وصف البنى التي تتألف منها اللغة. وكما جاء بفرضية بلومفيلد فإننا هنا نطعن في الدلالة ليس لأسباب أولية، ولكن لأسباب واقعية، لأنه في الأقسام اللغوية نصادف في المكتسبات الأقل صلابة والأقل عدداً(2)
__________
(1) راجع بلومفيلد Bloomfeeld ص 139.
(2) راجع أيضاً مؤلف بلومفيلد هامش 3-3، ص ص - ص ص - 30-140-144-145.
راجع مونيني Mounin ص (25-27-28-30-35) الفصل 3.(1/102)
ومن خلال تلك الملطفات في النص التي وردت في انتقادات "هاريس" فقد صرح فراي Frei بقوله: حتى الآن وبعد أربعين سنة من صدور تعليمات سوسور لم ينجح علماء اللغة باكتشاف أي مادة تمكن من تحديد الـ Monemes الكليمة دون الأخذ بالاعتبار (للمعنى المدلول) وأيضاً هناك (كانتينو) الذي يقرر (كون اللغة هي نظام لإشارات صوتية مستخدمة للتفاهم بين المجتمعات البشرية فلابدمن المساهمة في معرفة معنى تلك الإشارات لمعرفة وانتقاء الملائم منها).
أما هجلمسلو Hjelmsleu فقد وصل إلى تعريفات حول المعنى وهي كثيرة الشبه مع تصورات"بلومفيلد" وهاريس، وفي مواضع أخرى وصل إلى المطالبة بإثبات نظريته في علم اللغة والمصطلح رافضاً أي استخدام للشروحات. وحسب رأيه تقدم اللغة مادتين:
الأولى: مادة التعبير Expression التي تعتبر طبيعية ومادية وقابلة للتحليل سواء بطبيعتها أو بروحها، ولكنها حسب وجهة نظره أيضاً، أشبعت درساً بموجب قيمتها الذهنية. الثانية- إنها المضمون.
غير أن التحليل لدى (هجلمسيلف) لا يلغي ما يؤول إليه المعنى اللغوي، وتنويهاته بل لأسباب منهجية يفضل العودة إلى المعنى (كمادة للمضمون) لرغبته بتجنب الحلقة المفرغة) التي يرتكز عليها تحليل البنى:(الصوتية- الصرفية- النحوية- المعجمية) في أية لغة بالاستناد على المسلمة الاستدلالية التي يعرف فيها المعنى الحقيقي للبيانات اللغوية قيد التحليل. ثم فيما بعد، القيام بوضع معان لهذه البيانات استناداً إلى البنى المستخرجة منها.
هناك أيضاً نظريات لغوية حديثة ذات شأن أمكن بواسطتها تعميق التحليل لمعرفة العلاقات الصحيحة بين البيانات اللغوية النظامية وبين معنى تلك البيانات. ولأسباب منهجية فقد حاول القائمون على تلك النظريات الوصول إلى تعريف لنظام هذه العلاقات التي تمس الألسن دون التطرق إلى كنه المعاني، فهي لا تحذف الدلالات العامة في اللغة بل فقط الوصف اللغوي لها.(1/103)
تنسيق المصطلح وتوحيده في كافة البلدان العربية
انبثق مكتب تنسيق التعريب عن مؤتمر التعريب الأول الذي عقد في الرباط عام 1961 وشكّل هيئة مستقلة إدارياً ومالياً. وفي عام 1969. احتضنت جامعة الدول العربية هذا المكتب ووضعت له نظاماً أساسياً وميزانية عامة، وفي عام 1972 أصبح جهازاً من أجهزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وقد وافق مجلسها التنفيذي على نظامه الداخلي ولائحته الإدارية والمالية اللذين حددا منهاجه وهيكله التنظيمي.
وتتلخص برامج وأهداف هذا المكتب بجمع الدراسات والمؤلفات المتعلقة بحركة التعريب وتطوير اللغة العلمية وبمواكبة استيعاب التقنيات الحديثة وتطورها في الوطن العربي وخارجه، وتنسيق الجهود التي تبذل مجتمعة لإغناء اللغة العربية بالمصطلحات الحديثة، ولتوحيد كل نوع من المصطلحات العلمية المتعددة، والإعداد للمؤتمرات الدورية للتعريب.
وقد قام المكتب في سبيل تحقيق أهدافه بإعداد المعاجم وإصدار مجلة "اللسان العربي" وعقد الندوات المتخصصة والاشتراك مع المكاتب العربية الأخرى في إعداد مؤتمرات التعريب.
يمكن استعراض ما أنجزته هذه المكاتب كحصائل لمؤتمرات التعريب:
ومن المقترحات التي أقرتها هذه المكاتب:
1- وضع مصطلح واحد لكل مفهوم علمي أو تقني.
2- الرجوع إلى التراث العربي واستقرائه، وخلاصة ما أغفل منه وما استقر وما استعمل من مصطلحات علمية صالحة، وما ورد من ألفاظ معربة.
3- تجنب تعدد الدلالات في المعنى الواحد للمصطلح الواحد وتفضيل اللفظ المعني والمختص على اللفظ المشترك.
4- وجود مشاركة أو مشابهة بين مدلول المصطلح اللغوي، وبين مدلوله الاصطلاحي.
5- مسايرة الأسلوب الدولي في اختيار المصطلحات العلمية وذلك:
أ- بمحاولة التقريب بين المصطلحات العربية والعالمية لتسهيل المقابلة من قبل المكلفين أو المشتغلين بالعلم أو الدارسين.
ب - اعتماد التصنيف العشري الدولي لتصنيف المصطلحات حسب فروعها وحقولها.(1/104)
جـ - تقسيم المفاهيم اللغوية، تعريفها وتحديدها، وترتيبها حسب كل حقل.
د - اشتراك كل مختص ذي علاقة وأيضاً المستهلكين في وضع المصطلحات.
هـ- التواصل ومتابعة البحث والدراسة بين واضعي المصطلحات وبين مستعمليها وتيسير الاتصال بينهم.
6- التفتيش عن كل وسيلة لغوية مناسبة واستخدامها في توليد وضع المصطلحات العلمية الجديدة حسب الأفضلية والترتيب التالي: "التراث ثم التوليد"بما فيه من مجاز واشتقاق ونحت وتعريب.
7- تفضيل الكلمات العربية الفصحى على الكلمات المعربة.
8- تجنب الكلمات العامية إلا عند الضرورة شرط أن يشار إلى عاميتها.
9- تفضيل الصيغة الواضحة - الجزلة- وتجنب المحظور من الألفاظ.
10- تفضيل الكلمة الشائعة والمطروقة على الكلمة النادرة أو الغريبة عما قبلها أو بعدها، إلا إذا التبس معنى المصطلح العلمي بالمعنى الشائع المتداول لهذه الكلمة.
11- تفضيل الكلمة التي تسمح بالاشتقاق على الكلمة التي لا تسمح به.
12- تفضيل الكلمة التي هي مفردة لأنها تساعد على تسهيل الاشتقاق وعلى النسبة والإضافة والتثنية والجمع.
13- مراعاة اتفاق المصطلح العربي مع المدلول العلمي للمصطلح الأجنبي دون التقيد بالدلالة اللفظية للمصطلح الأجنبي.
14- في حال الترادفات أو القريبة منها تفضل اللفظة التي يوحي جذرها بالمفهوم الأصلي.
15- قبول ما اتفق المختصون على استعماله من مصطلحات ودلالات علمية خاصة باختصاصهم معربة كانت أو مترجمة.
16- التعريب عند الحاجة وخاصة المصطلحات ذات الصبغة العالمية، كالألفاظ ذات الاصل اليوناني أو اللاتيني أو أسماء العلماء المستعملة كمصطلح أو العناصر والمركبات الكيميائية.(1/105)
17- عند وجود ألفاظ مترادفة أو متقاربة في مدلولها، ينبغي تحديد الدلالة العلمية لكل واحد منها. وانتقاء اللفظ الذي يقابلها، كما يجب عند خيار المصطلح انتقاء الألفاظ ذات المعاني المتشابهة والقريبة والمتناسقة باللفظ والمعنى مع كامل معنى الجملة والنص(1).
18- أما عند تعريب الألفاظ الأجنبية يجب أن تراعى الأمور التالية:
أ - اعتبار المصطلح الذي تم الاجماع على اصطلاحه عربياً، يخضع لقواعد اللفظ واللغة ويجوز فيه الاشتقاق والنحت بصورة متوافقة مع الصيغة العربية.
ب- مراعاة تغيير شكله ليصبح موافقاً للصيغة والمفهوم ومستساغ النبرة واللفظ.
ج - أفضلية المصطلح الذي سهل نطقه عند تباين نطقه في اللغة الأجنبية.
د - اعتماد الأصل الصحيح للكلمات العربية التي دخلت في اللغات الأجنبية وحرفتها.
هـ - ضبط المصطلحات جميعها وبأنواعها المعربة والمترجمة بكتب وجداول خاصة مع شرح وقائع ومعالجة كل مصطلح كمعلومة صحيحة وموثقة للتراث ولعلماء اللغة اللاحقين.
قبل أن نأتي على ذكر طرائق وضع الترجمة لابد من ذكر القواعد التي يرتكز عليها المصطلح الحديث ألا وهي باختصار: الترجمة- المصطلح- التعريب.
1 - الترجمة: وهي شمولية وهي تمهد الطريق للتعريب.
2 - المصطلح: فهو يشمل بآن واحد المبنى والمعنى وليس فقط المفردات الأجنبية التي تتطلب إيجاد حل للنص بكامله وليس لكلمات محددة.
3 - التعريب: ويشمل كامل التعريب التعليمي في المجتمع العربي.
فالترجمة هي السبيل إلى التعريب، ولكن التعريب لا يتوفر إلا بتوافر المصطلح العلمي والأدبي والفني، فإذا تناول المصطلح كل ما يرد للتعريب، يكون إذاً هو الاساس في الترجمة التي يجب اعتبارها كمفسر للمصطلح الشامل، أما إذا تناول المصطلح بدوره المفردات الأعجمية الواجب تعريبها فقط، فهو فرع من أسس التعريب.
الأسس التي تتناول وضع المصطلح:
إنها أربعة: الاشتقاق- المجاز- النحت- والتعريب:
__________
(1) شحادة، خوري- ص 158-161.(1/106)
فهذه الأسس أو الطرائق هي قواعد اتبعت قديماً ولاتزال حتى اليوم، لابد من عرضها باختصار:
- الاشتقاق:
هو أن تنتزع كلمة من كلمة أخرى على أن يتوفر التناسب بين هاتين الكلمتين في اللفظ والمعنى، فمن المصدر الذي هو (اسم المعنى) يؤخذ الفعل المجرد، ثم الأفعال المزيدة، ومن المجرد والمزيد تصاغ المشتقات الثمانية وهي (اسم الفاعل، جلس جالس)، واسم المفعول علم- معلوم)- (وصفة مشبهة- سعد- أسعد) (واسم التفضيل، فضل مفضال)، (وزن مبالغة مثل اجتمع، مجتمع)، (اسم مكان مثل رمى مرمى)، (واسم: زمان مثل فتح مفتاح)، (واسم آلة-.......).
وتتضمن المشتقات الحروف الأصلية عدداً، وترتيباً، وهذا هو الاشتقاق الصغير. وإذا وجد بقية الكلمة الأصلية والكلمة المشتقة تناسب اللفظ والمعنى دون ترتيب في الأحرف، فيكون الاشتقاق الكبير، أو القلب. مثل جذب وجبذ- وطفا وطاف- الاّ إذا انتزع لفظ من لفظ مع التناسب فيما بينهما في المعنى والمخرج، ولكن في اختلاف ببعض الأحرف، كان الاشتقاق الأكبر أو الإبدال، مثل عنوان وعلوان. وأيضاً في الاشتقاق مايزيد فيه على الحرفين الثنائيين، حرف ثالث في أوله أو صدره مثل: شرم وهرم وخرم- أو في حشوة مثل: رقم ورجم وردم- أو آخره مثل نب ونبس ونبت ونبر.
لا يتم الاشتقاق فقط من المصادر أي من أسماء المعاني كما قال البصريون، بل كان يتم من الأسماء الأعيان العربية لقد جاء على لسان العرب: أفلس من الفلس- وأذهب من الذهب. وأبحر من البحر. وحتى إنه كان يتم من أسماء المعاني المعربة، فقد قيل: هندس من الهندسة ودرهم من الدرهم وفهرس من الفهرسة.
وتمشياً مع هذه القواعد يشتق اليوم من أسماء المعاني في المصدر، مثل المبذر من البذر، والمتحف من الاتحاف- ومن أسماء الأعيان: بستنة من البستان، ونحالة من النحل، وأكسد من الأكسيد.(1/107)
ومن الاشتقاق فيما يتعلق بالأمراض: صداع- على وزن فعال- وعابرة على وزن فاعلة- ونحات على وزن فعال. ومفتاح على وزن مفعال، وقلابة على وزن فعالة- ومقود على وزن مفعل، ومدجنة على وزن مفعلة.
لذلك فإن باب الاشتقاق واسع جداً، فهو يساعد على تنمية اللغة، ويعتمد عليه في سد النقص في المفردات. وهكذا يمكن اشتقاق الكثير من الألفاظ من كل مصدر.
-المجاز:
إن المجاز لفظ يستخدم في غير ما وضع له، مع قرينة تمنع من ما يعنيه المعنى الأصلي. فيذكر: (أسد) إذا قصد به الرجل الشجاع، وقد استخدم السلف ألفاظاً عديدة.
على سبيل المجاز: مثل :الصلاة والزكاة والحج والتقوى، والنحو والإعراب والصرف، وأسماء الحركات وبحور الشعر، فقالوا: العلة والمعلول الأزل والابد، أما في هذا العصر فقد وضعت مصطلحات مجازية كثيرة لها في الاصل مدلول مختلف مثل: سيارة وشاحنة ودراجة وغواصة وباخرة ومدمرة. غير أن الكثير من هذه المصطلحات تستعاض بأفضل منها فتهمل ومنها ما يبقى صالحاً موفياً الغرض فيندمج في كنه اللغة.
النحت:
وهنا يعني البرْي والنشر، أي بمثابة انتزاع كلمة من كلمتين أو أكثر على أن يكون هناك تناسباً في اللفظ والمعنى بين المنحوت والمنحوت عنه، وهو قريب من مفهوم الاشتقاق أو ضرباً من ضروبه.
وقديماً استعمل النحت بشكل محدود، فقيل: البسملة والحوقلة والحمدلة، أما حديثاً فقيل: برمائي لاسلكي، ويوغسلافي ووافرو آسيوي....... والمغالاة عند البعض مثل خلمهة (خل - ماهة) فيها تعقيد وإغراب إذ بدل استعمال كلمتين واضحتين يصبح الواضع في كلمة أعقد وأعسر منهما. لذلك يجب أخذ الحذر في النحت فلا يُلجأ إليه إلا عند الضرورة مثل كلمة "كهرطيسي" بدلاً من كهربائي مغناطيسي، وكهر حراري عوضاً عن كهربائي حراري ومثل هذه المصطلحات تستدعي الدقة والذوق السليم.
- التعريب-(1/108)
والتعريب هو أن تلفظ الكلمة الأعجمية في اللغة العربية بذاتها دون ترجمة والتعريب سائد منذ القديم، ولا يزال إذ أن جميع اللغات يقتبس بعضها من بعض عند الضرورة ففي الجاهلية على سبيل المثال أخذ العرب ألفاظاً مثل:الإبريق، والديباج، والسندس، والنرجس، عن الفارسية- وعن الهندية: الفلفل، والقرنفل، والكافور... وعن اليونانية: الفردوس والترياق والقنطار... والقسطاس... وعن السريانية: الكنيسة والمسيح والكهنوت والناقوس والنورج والناطور والبلوط... وعن العبرية: التوراة والأسباط... وجهنم... وعن الحبشية النجاشي والمنبر والتابوت(1).
ونجد في القرآن الكريم نفسه ألفاظاً من أصل أعجمي مثل: الفردوس- قسطاس، قرطاس، وقد أتى عليها المفسرون وردوا كل كلمة إلى أصلها، وفيما بعد جمعها جلال الدين السيوطي في كتابه:"المهذب فيما في القرآن من المعرّب".
__________
(1) الدكتور ممدوح حقي في دراسة منشورة في مجلة "شؤون عربية" العدد 11 - كانون الثاني 1982 مصطلحات كلية العلوم في جامعة دمشق.(1/109)
فقد أجاز علماء العرب ما كان قد عرّب في زمن الجاهلية وفي صدر الإسلام واعتبروا ما عُرّب بعد ذلك مُولّداً عامياً. ومع أن التعريب يحقق التواصل بين اللغات وله أحياناً من الضرورة، ولكن يجب أن لا يُلجأ إليه إلا عندما تعجز الطرائق الأخرى من تلبية الغرض المطلوب وبعد أن تعطى الكلمة المعربة صيغة عربية تسهل عليها الاندماج والانضمام إلى الكلمات العربية، وأن يراعى في اقتباسها صحة بناء اللفظة المعربة على وزن مألوف لدى الأوزان العربية منقحة بذوق سليم. وفي العصر الحديث أصطلح على قاعدة التعريب الكثير من الكلمات ضمن أوزان عربية مختلفة، مثل:إماهة على وزن فعالة Hydrolysel ونوسان على وزن فعلا Oscillation وكبرته على وزن فعلله- وهكذا على وزن فعول- وفعالة- والخ الكثير من الامثال من الكلمات المعربة على وزن التفعيلات العربية، وقد سبق ذكر البعض منها(1).
ومثل ذلك قيل. في المجاز: فيما يتّعلق بمركبات البنزين ثنائية التبادل: الرديف والرفيف- وفي النحت صاغ الكواكبي بحذر بعض الألفاظ منها شبغري Colloide وحمضيد Acide -amide وفي التعريب أيضاً قيل في البسمرة: مثيل واثيل ودبكسترين وغليسرين وغلوكوز، سكروز وفي التفريق اللوني قيل: الكروموتوغرافيا- وفي الرحلان الكهربائي قيل: الكتروفوريز.
التعريب:
__________
(1) من قرارات مجمع اللغة العربية في مصر ترجمة الكلمات الأعجمية المنتهية بالكاسعة والكاسعةـ بالفعل المضارع للمجهول فيقال eau potable يشرب وفي Digestible طعام يهضم- وأيضاً في - الترجمة قديماً وحديثاً شحادة خوري. ص.ص 164-165-166.(1/110)
إن التعريب والإعراب هما بمعنى واحد، وما يدلان عليه ملابسةً هوعربي كالتكلم بالعربية وتعلمها والانتساب إلى العرب واتخاذ الخيول العربية(1) أما المعاني الأخرى لهذه المادة يصعب رد معظمها إلى هذا الاصل، بشيء من الإجازة أو التأويل.
وما ذهب إليه بعض القدماء والمحدثين من اعتبار (التعريب) بمعنى (الترجمة) لا يبتعد كثيراً عن معنى الإبانة والإفصاح. وقد سبق للأصمعي أن قال:(الخندوق) كلمة نبطية لا أدري كيف أعربه، إلا أنّني أقول (الذّرَقْ) وكثيراً ما قُرئ إلى جانب بعض النصوص أو عليه أغلفة بعض الكتب عبارات مثل: (عرب هذه الرواية زيد من الناس، أو هي من تعريب عمرو). وبذلك تكون كلمة (التعريب) هنا مرادفة لكلمة (ترجمة).
__________
(1) - ابن فارس- مقاييس اللغة: 4: 299 وابن منظور- لسان العرب: عرب. الجواليقي- وبذلك ندعم المعرب من الكلام الأعجمي: 168- (راجع ابن منظور- لسان العرب: عرب- والزبيدي، تاج العروس: عرب.).(1/111)
أما المعنى الاصطلاحي لكلمة -تعريب- فهو "أن تتفوه العرب بالكلمة الأعجمية على منهاجها(1)وبموجب هذا المعنى أطبقت معظم كتب اللغة. فقد وفدت على العرب قديماً كلمات أعجمية مثل:(دين آر) أو (دنياريوس) فعربوها إلى (دينار)، وأيضاً اسم العلم (آشمائيل) فعربوه إلى (اسماعيل) وكلمة (بنكان) فعربوها إلى (فنجان) وفي العصر الحديث كلمة Baurgeois فعربوها إلى(بورجوازي) و(Television) فعربوها إلى (تلفزيون). وقد أطلق على هذا النوع من التعريب اسم (التعريب اللفظي)، تمييزاً له من بقية أنواع التعريب الأخرى. ويمكن تعريف (التعريب اللفظي) بكونه وسيلة اللغة العربية في احتواء الكلمة الأعجمية عندما تعجز رسائل التوليد اللغوي أو محترفوها عن إيجاد المعادل اللغوي العربي للكلمة الأعجمية. ومقابل هذا المفهوم كلمة (التعجيم) التي يراد بها إدخال الكلمات العربية إلى اللغات الأجنبية، مع العلم أن اللغات الأخرى أخذت عن لغتنا العربية الكثير من ألفاظها وأدخلتها ضمن ثروتها اللغوية.
__________
(1) استخدمت كلمة (أعجمية) دون تحديد أصل الكلمة أو جنسيتها- فارسية أو رومية أو غيرها....). (السيوطي- المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب:89-)-(السيوطي- المزهر في اللغة: 272-273-) الجواليقي: المعرب من الكلام الأعجمي: 297.(1/112)
وقد استعملت كلمة (التعريب) بمعنى جعل لغة التعليم والإدارة في الدولة هي العربية دون غيرها، بعد أن كانت اللغة غير عربية، ومن المعروف أن التحرير العربي خلال زمن الفتح الإسلامي في الشام والعراق اصطدم بإدارات تتعامل بلغة فارسية في العراق ورومية في الشام، فكان لابد من أن تتخذ الخلافة العربية حينذاك القرارات الصعبة والملائمة بتعريب الدواوين في ذينك القطرين، وفي العصر الحديث حدث ماهو قريب من ذلك، حيث ورثت الحكومات الوطنية بعد استقلالها إدارات ومؤسسات شاملة تتعامل بالفرنسية في سورية، ولبنان والمغرب العربي، وبالإنكليزية في العراق ومصر والسودان واليمن، وبالإيطالية في ليبيا، فكان لابد من أن تتخذ تلك الحكومات القرارات والإجراءات الضرورية بتعريب لغة تلك المؤسسات تعبيراً عن نيل الاستقلال الوطني الناجز. وهذا يقتضي التدريس -الإدارة- الترجمة إلى العربية- وتأليف الكتب بالعربية(1) وعملاً بهذا المفهوم سارت جميع الأقطار العربية ضمن هذا الإطار ولو أنه يتم ذلك على تفاوت في سرعة الإنجاز، فبعضها كان رائداً مضى إلى نهاية الشوط في التعريب الكامل، في حين البعض الآخر وهو قليل جداً أو شك أن يصل إلى الهدف المنشود.
لذلك فإن التوسع بحركة الترجمة وفق خطة مدروسة ومحكمة وجعلها ناشطة جداً في ترجمة أنواع الكتب المفيدة، وخاصة منها الكتب العلمية والتقنية التي تصلح كمراجع مفيدة للتوسع والتعمق ولزيادة الوعي العام وتوفير قدرته على مواكبة علوم وتقنيات العصر.
__________
(1) د.أحمد مطلوب: حركة التعريب في العراق:18-19-.
راجع: التعريب والتنمية اللغوية ص ص 14-15-16 ممدوح خسارة- كتاب التعريب والتنمية اللغوية، دمشق الأهالي 1994- ص 61-إلى 78-.(1/113)
وبذلك يمكن مساندة دعاة التعريب وتقوية حججهم، فتضعف بالمقابل حجة خصوم التعريب الذين يتخذون من عدم توفر الكتاب بالعربية ولاسيما العلمي أو التقني، ذريعة لإبقاء التعليم باللغة الأجنبية، ولا يمكن اعتبار هذا الزعم أو التصرف عقوقاً أو تنكراً للغة الآباء والأجداد إلا إذ بهرهم التقدم العلمي والتكنولوجي في البلدان المتقدمة وخيل إليهم أن اللغة والعلم توأمان وتحكمهما صفة التلازم، وإن ثمة لغات تصلح أن تكون لغة علم وتعليم ولغات لا تصح لذلك.
غير أن اللغة العربية بشهادة العارفين من أبنائها ومن غير أبنائها، تتميز بخصائص فريدة تتجلى في فصاحة كلماتها وعذوبة ألفاظها ورقة عباراتها وجزالة تراكيبها، وفي قدرتها على التوالد والاشتقاق والاتساع والاستيعاب.
إن العمل من أجل التعريب لابد من أن يرافقه عمل جدي وموسع في حركة الترجمة لتوفير الكتب والمراجع والبحوث بالعربية. وعمل آخر في ميدان المصطلح لتنسيقه وتوحيده ليكون أداة للترجمة والتعريب للتعبير عن المعاني والدلالة على كل مسمى.
والملاحظ أن الدعوة إلى الترجمة والتعريب ليسا بدعة جديدة، بل هو عودة إلى المنهاج الصحيح، فهناك شعوباً أقل منا عدداً وأصغرمساحة أرض وأفقر حالاً، وليس لهم مشاركة مثل مشاركتنا في صنع الحضارة الإنسانية في سالف العصور، ومع ذلك فإنّها تتلمس دوماً وباستمرار سبل التطور بالبحث والترجمة والسعي وراء استيعاب كل علم أومعرفة جديدة. فالتعريب يقتضي الترجمة لتوفر له المادة بالعربية، والترجمة تساعد التعريب وتعبد له الطريق.(1)
__________
(1) الترجمة قديماً وحديثاً- شحادة الخوري ص ص 169- 173.(1/114)
غير أنه حسب واقع الحال، فإن كلمة (التعريب) عندما تطلق في المشرق العربي يقصد بها وضع المصطلح العلمي العربي يتناول المفردات بشكل أعمّ، المفردات والمختصرات الوافدة من اللغات الأجنبية الواجب تعريبها وتعميمها لاستخدامها نطقاً وكتابة باللغة العربية إذا تعذر إيجاد أو اشتقاق كلمة بالعربية مطابقة تماماً بالمعنى للكلمة الأجنبية، أما خارج تعريب المفردات والاختصارات، يطرح قضية التعريب في الشرق العربي على أنّها قضية لغوية فنية تكاد تنحصر في تطوير اللغة العربية لجعلها قادرة على مواكبة التقدم العلمي في الغرب وفي أية جهة يستشم الفائدة منها. أما في المغرب فإن التعريب هو قضية وطنية.
التعريب هو الطريق إلى المعاصرة:
إن المعاصرة التي يجب السعي إليها هي الفاعلة المنتجة المستقلة، ليست المعاصرة المنفصلة المستهلكة التابعة، وهذه المعاصرة لا يمكن تحققها إلا بإبراز معطيات هذا العصر وخصائصه بالعلم والتقانة. فبالعلم وتطبيقاته التقنية تفاضلت وتمايزت الأمم وبه بلغت الشأو المرتفع من التقدم الحضاري. فكان غياب هذا النوع من العلوم من أهم العوامل التي أدت بوطننا إلى الوقوع كضحية للاحتلالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.
ولابد لنا نحن العرب سعياً وراء هذه المعاصرة من الأخذ بهذا العلم الذي هو علم كتب بلغات أهله وصانعيه وللفائدة يجب الاستمرار والتوسع في نقله إلى لغتنا لزيادة الوعي لدى الجماهير وإغناء اللغة العربية(1).
تاسعاً: مواكبة مستوى اللغة المترجم منها في الإنشاء وفي انتقاء المفردات:
__________
(1) - التعريب والتنمية اللغوية. د.ممدوح خسارة- ص ص 28-29-30.(1/115)
إن المبدأ في مواكبة مستوى اللغة المترجم منها هو أخلاقي بالدرجة الأولى، ثم اتقان المترجم للغة التي يترجم منها-كفاءة المترجم في سائر قواعد اللغة العربية من صرف ونحو وإنشاء واستخدام المفردات، فذلك أساس الترجمة وجوهرها، وتقتضي الأمانة من المترجم بذل الجهد والعرق والتحري الدقيق في كنه ما أورده المؤلف من أفكار واتجاهات ومن تورية وكنايات، يذهب البعض بالقول بأن الترجمة ليست في الأصل إلا مهارة من المهارات التي يمكن اكتسابها وصقلها وتطويرها، والفارس في هذه المهارة هو المترجم الذي هو بالفعل القناة الموصلة لأفكار المؤلف، فرغم الصفات الخلاقة التي يجب على المترجم امتلاكها، إلا أنّه ليس سوى وسيط بين الفنان (المؤلف) والمتلقي، فهو يتحدث نيابة عن هذا الفنان لذلك عليه أن يكون كفأ بنقل تلك الأمانة بجدارة وأسلوب مميزين وتتلخص هذه الواجبات:
1 - إن أولى المهام التي على المترجم أن ينجزها، عند تناوله النص للترجمة عليه أن يفهم النص بصورة جيدة بعد مراجعته أولى ومثنى وثلاث، فإذا تعذر عليه ذلك، لن يكون بوسعه نقله من لغة المصدر إلى اللغة الثانية، بشكل يستطيع القارئ أن يفهمه، وبهذا التقصير لا يمكن اعتباره مواكباً لمستوى مفهوم النص الذي ينقله، إن ممارسة الترجمة هو عمل تقني بالإضافة إلى الإبداع الواجب بذله في وضع المصطلح المناسب وللمفردات المنحوتة، والسلسلة. فالترجمة الخلاقة هي للمعنى ولا للكلمات والحرف. كما هي تتصف بوصف المعادلة اللازمة بالنسبة للكلمة والفكرة والجملة.
ومعنى ذلك(1) أن عملية الترجمة والمترجم في بعديهما الفني والتقني يكونان عملية مزدوجة هي:
__________
(1) كتاب حركة الترجمة في القرن العشرين ص 34-35-86. أحمد عصام الدين.(1/116)
1 - عملية إنشاء المحددات الشكلية وعاء للخبرات المنقولة وخاصة عند غياب هذه المحددات أو تلفها عن مجددات اللغة المنقول عنه. وهذه المحددات الشكلية ليست لغة فقط، بل هي نظام كتابة ونظام توثيق وتعليم ونظام تنظير وتقصي.
2 - عملية نقل فعلي لا لفظي للمحددات المضمونية المظروفة مع المحددات الشكلية التي تم إنشاءها، وهذه المحددات التي يمكن تسميتها مضمونية، هي خبرات آلية فعلية (ليس في الرموز فحسب) ومهارات آلية وحرفية عند القائمين بها (لا مجرد رمزية فقط) وهذا يعني أن حصول الخبرة لا يكون في الفاظ اللغة القومية فقط، بل في مهارات أصحابها وفي نظام ترميز قومي له أهميته ومستواه المبدع.
ب - للوصول إلى كنه الأفكار في اللغة الثانية وحسن التعبير عن فحواها، لابد من بذل الدقة في انقاء المصطلحات الواجب اعتمادها بحيث يكون معناها مساوياً تماماً أو قريباً من المصطلحات المقابلة دون التصنع ومخالفة المنطق أو الخصائص الموجودة في اللغة الثانية المترجم منها. ثم لابد من إعادة التحقق من المعادلة على مستوى الكلمة ثم الجملة للتأكد من صحة الإنشاء والترجمة ومن مستوى الألفاظ والأفكار.
وحتى يصبح بالإمكان ترجمة النصوص التي ينشئها الآخرون، لابد من الوقوف على طرق الإبداع في إتقان القراءة والكتابة فهماً ولغة ودلالة إضافية إلى معرفة بنية الجملة.
ولذلك على المترجم أن يخلق العبارة ضمن معادلتها الصحيحة، بعد وضع العلاقة والتكافؤ اللتان تبرران تلك المعادلة(1).
- أما تعادل زمن الأفعال في اللغتين:
__________
(1) الترجمة- انطوان مطر- ص 13-16.(1/117)
- المعروف أنه يوجد في كل لغات العالم ثلاثة أزمان: الماضي والحاضر والمستقبل. ولشرح هذه الأزمان الثلاثة ومشتقاتها، فقد رتبت اللغة الفرنسية ستة صيغ تتضمن عشرين زمناً صرفياً غير أنه في اللغة العربية لا يوجد سوى زمانين صرفيين. هما: الماضي والمضارع، ولكن هذا لا يعني أنه يوجد في اللغة الفرنسية أزمنة يتعذر ترجمتها إلى العربية. بل بكل سهولة يحتاج الأمر إلى تركيب الزمن العربي للوصول إلى المعادلة المطلوبة. وقبل القيام بصياغة الزمن العربي على المترجم أن يراعي النقاط الرئيسية التالية:
- إذا كانت جملة فعل الكون (Etre) تدل على الحالة الحاضرة، تترجم إلى العربية بجملة إسمية دون اللجوء إلى الفعل المقابل، وبهذا يمكن استخدام فعل الكون (كان ويكون) في العربي للزمن الحاضر، فهما يستعملان كفعل مساعد ووحيد في تركيب وتسمية الأزمان العربية دون التعرض إلى الجملة الإسمية.
مثال على ذلك يسير القطار في السهل Le train marche dans la pleine.
- يتألم المريض منذ أربعة أيام Le malade sauffre depuis quatre jours
وهذا عمل يستمر في زمن الحديث.
- اعمل صباح غد: Je travaillerais demain.
وهذا يعني المستقبل القريب أو البعيد. لذلك فالمضارع بالعربي يشتمل زمناً مضاعفاً يدل على الحاضر أو المستقبل، فإذا أضفنا إلى الماضي نجد في اللغة العربية ثلاثة أزمان حقيقية، هذا ومن جهة أخرى تتوقف دلالة فعل المضارع عن الزمن الحاضر عندما تسبقه إحدى الأدوات (س أو سوف) عندها تدل على المستقبل.
إن هذا الإدغام في الأزمان الصرفية العربية هو الأكثر بروزاً في صيغة النفي وفي العربية يمكن الحصول على الأزمنة الثلاث الحقيقية إذا استعملنا المضارع بصيغة النفي- Forme négative أي باستعمال أداة النفي معها. مثال:
في الحاضر لا أكتب Je n’ecris pas
في الماضي لم أكتب Je n’ai, pas écrit
في المستقبل لن أكتب Je n’ecrirais pas(1/118)
وبذلك كما أسلفنا يمكن استعمال (لا-لم-ولن-) في المضارع بصيغة النفي وخلال الأزمان الثلاثة الحقيقية، أي الحاضر والماضي والمستقبل.
وكقاعدة عامة: إن الفعل العربي الذي يسبق الفاعل لا يتفق من حيث العدد مع هذا الفعل. ولكن يتفق معه من حيث الجنس مثال: يلعب الأولاد- تلعب الفتيات- أما الفعل الفرنسي في المصدر يترجم إلى العربية: سواء بـ (إن+ المضارع) أو سواء (بالمصدر) مثال:
(يجب أن يتنزه) أو(يجب التنزه) Il aime se promener
في الافرنسي: عندما يسبق النعت الإشاري CE - cet - cette ces اسم له مفعول، يوضع نظيره باللغة العربية (هذا-هذه- هذان-) في نهاية الجملة مثال كتاب الحساب هذا Ce livre de caleul.
وأيضاً يوجد في اللغة العربية وفي الفرنسية كلمات لا تحقق المعادلة تماماً في حال ترجمتها مثال:
ذهب إلى أبعد من ذلك "خطأ" Il a été plus loin que cela
قبل كل شيء.......... "خطأ" Il a accepte tous ces choses
الصحيح والأفضل Il a ete` plus loin
الصحيح والأفضل Il a tout accepte
كما يجب الانتباه إلى الأداة
Avec مع أي برفقة En compagnie de
Avec بِ بمساعدة A`l`aide de
وأيضاً هناك أفعال بالعربي لها دلالة مزدوجة ومتنوعة مثل فعل"قام ب". مثال:
قام بواجبه Jl a fait (accampli) son devois
قام بهذه الدراسة Il a entrepris (effectue`) cette`étude
نظّم أو قام بمظاهرة Il a orgsnisé une manifestation
قام بالقبض على المجرم Il a procede`a l’arrestation du criminel.
ويعطى انتباه خاص لهذا الفعل عند الترجمة من الفرنسية إلى العربية(1).
- عند وصف الأسماء العربية، يبقى اسم الشخص بالمفرد المؤنث مهما كان جنس الأسم الموصوف مثال:
الكتب الجديدة. Les nowveaux livres
الطيور البيضاء. Les oiseaux blanes
الأولاد المجتهدون Les enfanis appliques .
__________
(1) الترجمة العملية: أنطون مطر 1971 ص ص 16-77-38. وكتاب قواعد الترجمة.(1/119)
وهنا لم يقع التطابق إلا في المثال الثالث لأن الصفة هنا هي (ولد Enfant).
- في الماضي الناقص L`imparfait تترجم جملة (كان الولد نائماً Lenfant était endormi وليس l’enfant dormai.
في حالة النفي للماضي الناقص L’imparfait يستخدم ماكان +المضارع- لم يكن+ المضارع.
أما اسم الفاعل Le particie present بالفرنسي يترجم.
بفعل مضارع مسبوق بالضمير المناسب ب: بالحال.
مثال: 1 - Elle chantait en marchant كانت تغني وهي تسير.
2 - Elle chantait en marchant كانت تسير مغنية.
أما الظرف الإفرنسي في الشكل المنتهي بـ ment أي (De maniére) L`adverbe francais
يترجم إلى العربية: بالمفعول المطلق مثال: لقد احتج احتجاجاً شديداً
Il a pretesté energiquement والمنتهي بـ الفعل+ مصدر مثال: لقد احتج بشدة
Il a protesté energiquement.
- بفضل البدء بالترجمة الحرفية شريطة تلازم المبنى والمعنى مع النص المترجم. وإن لم تحصل على النتيجة المرجوة يمكن اللجوء إلى الترجمة الحرّة إذا تطابق المفهومين في اللغتين.
-ولو أقيمت الترجمة على مفهوم المعادلة الرياضية، فهي ليست بالعلم الرياضي بل على مستوى الجوهر والفكرة، ولذلك تعطي الأولية (للجوهر على الشكل) أي للفكرة على اللفظ.
- يمكن ترجمة النص الواحد بموجب طريقتين مختلفتين وصحيحتين أو أكثر.
- إن الترجمة، قبل أي اعتبار آخر، هي عملية تفكير بعد التدريب على التعقل والقياس.
- أما فيما يتعلق بمنطق اللغة:
- ليست اللغة في مجال الترجمة إلا وسيلة للتعبير عن المعاني، ومظهراً من المظاهر العقلية للشخص. فإذا كان التفكير سليماً وصحيحاً كان التعبير عنه كذلك، مادام صاحبه يجيد التعبير ويتقن اللغة، وإذا كان التفكير فاسداً كان التعبير بدوره فاسداً أيضاً.
والمسألة هي من العمق حيث يوجد تفاعل بين اللغة والتفكير.
- إن اللغة المنظمة تعمل على تنظيم الفكر، والفكر المنظم يعمل على تنظيم اللغة، والعكس صحيح.(1/120)
- إن المتكلم إذا تحدث باللّغة الفرنسية أوالإنكليزية خضع لمنطقها ولطرق تفكيرها كما خضع لكلماتها واختبار أساليبها التي إذا قام بجميعها أمكنه معالجة الموضوع؟ المطروق أمامه، وفي جملة القول، عليه أن يحاول أن يكون إفرنسياً أو إنكليزياً في تفكيره كما هو افرنسي أوإنكليزي عند استخدام أي لغة منهما.(1)
- إذاً فالترجمة اللغوية تستند إلى المعادلة بين مستوى المترجم ومستوى المادة المترجمة حتى يصبح الأمر ممكناً لتحقيق الانسجام والقدرة والمهارة بين اللغتين. ولهذا لا يتيسر للمترجم الوصول إلى مفهوم مرض فيما ترجمه، إلا بعد أن يتوفر لديه عمق معنى العبارة المترجمة مثال:
(هذا الرجل من هواة جوارب الصوف لذلك فهو غني Cet homme est un amateur des bas en laine et c’est pouiqooi`il est riche هنا المعادلة هي على مستوى الكلمة.
مثال آخر: على مستوى الجملة: نفس العبارة العربية الواردة آنفاً:
Cet homme aime `a porter des bas en laine et c`est pousquoi il est riche
مثال آخر، إذا وضعنا المعادلة على أساس مجمل الفكرة وبمعنى حقيقي:
Tout ce qui brille n`est pas or وبين المعنى المجازي ne vous laisser point tromper par les apparences وفي هذا المثال، يفضل اختيار (ليس كل مايلمع ذهباً) إلا إذا كانت القرينة العامة من موسيقا ونغم- ونفحة- تتطلب الأخذ بالعبارة التالية. ويستخلص مما سبق: أن أمر الترجمة يعود إلى عبقرية اللغتين وخصائصهما المطابقة والمختلفة.
التقيد بأغراض النص:
هناك شروط كثيرة توجب المترجم التقيد بأغراض النص وأهمها:
- أن يكون المترجم ملماً بعلوم الحياة الأخرى.
- أن يكون قادراً على نبش الحقائق وعلى التدقيق بروية.
- إن لا يحيد عن روح النص والمعنى الذي يقوم بترجمته.
__________
(1) راجع الترجمة العملية - انطون مطر ص ص 83-88-89-159.(1/121)
- يجب أن تكون الترجمة مهتمة من قريب أو بعيد بجميع معاني ووظائف المعنى الأساسي المطلوب ترجمته.
- إن موضوع الترجمة بكنهه قريب من تحليل المعاني ومن النظرية الترابطية التي ترتكز على النص والمعنى والمدلول، لذلك يجب صياغة مقولات النص بشكل يتوافق تماماً مع النص الموجود في اللغة الثانية.
ما من شك في أن الترجمة هي تمرين صعب، وقد سبق "لمونين" Mounin أن أجاب على هذا السؤال المطروح حول صعوبة الترجمة: بقوله:"إن صعوبة الترجمة ناتجة عن كون اللغات ليست جداول كلمات تقابل حقائق هي دوماً وموجودة سلفاً، ومن هنا يتبين أن الترجمة ليست عملاً سهلاً فكل ترجمة لا تنقل المعنى المقصود بأمانة وجدارة تؤدي إلى التباين وسوء فهم لاسيما في مجال السياسة والعلاقات الدولية، الذي قد يؤدي إلى كارثة. وأبلغ مثال على ذلك، كلمة الفعل الياباني."موكي ساتسو" التي ترجمت أو فسرت خطأ باللغة الإنكليزية أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي جعلت أميركا تلقي قنابلها الذرية على هيروشيما وناغازاكي، حيث في ذلك الوقت طالب الأمريكان اليابان بالاستسلام الفوري، دون قيد أو شرط، فكان رد رئيس الوزراء الياباني "سوزوكي بالكلمة" "موكي ساتسو" التي فسرت بمعنيين:-لا تعليق- القتل بالصمت". فسارعت أمريكا إلى الأخذ بالمعنى الثاني لفهمها وكأن رئيس وزراء اليابان قد رفض الإنذار. غير أن وكالات الأنباء فيما بعد، قالت، إنّما كان يعني أن حكومة اليابان عنت (عدم اتخاذ أي قرار أو إجراء أو عدم التعليق بانتظار توضيح الأمر كجواب لجملة "دون قيد أو شرط")(1).
ليس للمترجم حق ملكية أفكار الكاتب أو الأديب الذي يقوم بترجمة نصه، وفي أحسن الأحوال، ماهو إلا قناة إيصال لهذه الأفكار ولكن بمستوى اختصاصي وفني وإبداعي لا يقل عن مستوى وزن ما يقوم بترجمته.
__________
(1) راجع: حركة الترجمة في مصر في القرن العشرين ص 24-25 لأحمد عصام الدين 1986ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب.(1/122)
بعد أن حلت اللسانيات حلولاً مكثفاً في الدراسات اللغوية آل الأمر إلى التفكير في الاهتمام بمادة الترجمة، حيث لم تبقَ نقلا من لغة إلى أخرى. بل تفطن الدارسون إلى عناصر أخرى تحف بها، منها ما اصطبغ بالتداخل اللغوي، ومنها ما هو مبطن في اللغة الواحدة، لأن كل لغة تعرف نمواً داخلياً يحظى بالمراعاة عند الترجمة، ومنها ثنائي الحقول والمؤشرات الدلالية بين اللغات، ليست الترجمة في حقيقتها سوى ترجمات لها مستويات مختلفة، منها ماهو ضمني في اللغة الواحدة، ومنها مايجري تجاوزه إلى اللغة المترجم منها وإليها. ومنها ماهو خاضع للنظم الدلالية.
على المترجم أن يحافظ خلال قيامه بالترجمة على مفهوم المعنى ومفهوم القيمة بآن واحد حتى لا تفقد جدواها في التصور اللساني، أوتتكيّف عوامل عسر الترجمة إزاء تراكم العراقيل سواء كانت حضارية محضة أو لغوية لها فروق عديدة ومختلفة بين اللغتين المترجم إليه ومنها. وحتى لا يتيه النص بين الفروق اللغوية وتنتقل إلى المعاني الركيكة لتنتهي إلى ترجمة مكيفة.
إن التقيد بأغراض النص يقضي بخضوع الترجمة للانتظام وتحقق الغائية المعرفية كما تفضي إلى التواصل بين الناس. فهي تستمد ماهيتها من المادة التي تتعامل معها، ويكون مهمتها نقل العلوم بأنواعها فإنها بالوقت نفسه تولد منهجاً ملكياً مفيداً وناجعاً.
ترتبط الترجمة في حال دقتها بآليات تجمع بين اللغة والكيان الاجتماعي والحضاري فينتج عن تلك الآليات معطيات ذات قيمة، وهي الكتابة- والتعليم- والتنظير التي تمثل البنية الفوقية لهذه الآليات، ومعطيات مضمونية هي الخبرة الآلية اللتان يجسدان البنية العميقة المتصلة بالنهضة المنشودة.
- عاشراً- الطريقة والتيار.(1/123)
ليست الترجمة بالأمر السهل بل هي صعبة وقد تكون أصعب من التأليف لأن المؤلف طليق في اختيار معانيه وألفاظه وتراكيبه، وليس المترجم كذلك لأنه حينما يشرع في عمله يكون أسير معاني غيره، فهو مقيد ومضطر إلى إيرادها كما هي طاقتها وحتى على علاتها إذا لزم الأمانة في الترجمة.
يقول الصفدي، للترجمة طريقين:
الطريق الأول:
طريق يوحنا بن البطريق وابن الناعي الحمصي ونحوهما، ويتلخص بأن المترجم ينظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات الأجنبية (اليونانية حينذاك) وما تدل عليه من المعنى فيأتي بلفظة مفردة من الكلمات العربية مرادفها في الدلالة على ذلك المعنى، فيثبتها، وينتقل إلى الأخرى كذلك حتى يأتي على جملة مايريد تعريبه، غير أن هذه الطريقة ركيكة لسببين. أولهما، أنه خلال التعريب بقي الكثير من الألفاظ اليونانية على حالها، لعدم وجود كلمات عربية تقابل الكلمات اليونانية، أمّا السبب الثاني في أن خواص التركيب والنسب لا تطابق نظيرها في لغة أخرى دائماً، بالإضافة إلى وقوع الكثير من الخلل عند استعمال المجازات، ويحصل ذلك في جميع اللغات.
الطريق الثاني:
إن الطريق الثاني في التعريب هو طريق حنين بن اسحق- والجوهري وغيرهما، وهو أن يكتمل معنى الجملة في ذهن المترجم وعبر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء تساوت مع الألفاظ أم خالفتها. وهذا الطريق هو الأفضل(1) ولهذا لم تجنح كتب حنين بن إسحق إلى أي تهذيب، أولاً في العلوم الرياضية لأنه لم يكن قيماً فيها، بخلاف كتب الطبيعة والمنطق الطبيعي، والإلهي، لأن الذي عربه منها لم يحتاج إلى إصلاح.
__________
(1) من آراء الصفدي في الترجمة والمترجمين- مجلة المقتطف عدد تشرين الثاني عام 1915- ص 496.(1/124)
وفي وصف الصفدي للطريقة الأولى من أنّها ترجمة حرفية، يحتاج الأمر إلى تحري وتعمق أكثر، لأنّ الترجمة (كلمة مقابل كلمة) لم يأخذ بها أي عالم مترجم، خاصة بمستوى يوحنا بن البطريق، لأنها تأتي سقيمة وغير معبرة أصلاً، أما الترجمة الحرفية بمعناها ومضمونها الحالي لم تزل مقبولة حيث تذكر من ضمن قواعد الترجمة ولكنها مقيدة بشروط قد سبق ذكرها وأهمها توافق المبنى والمعنى والجوهر بين اللغتين.(1)
أما القاعدة الأساسية التي يمكن استخلاصها من هذا المسار، ضمن قراءة مواد الترجمة هي عدم وجود قواعد مطلقة أو طرق واضحة وذات قيمة أو مقننة بشكل ثابت، في جميع حالات الترجمة. فلا يوجد ما يدعى الترجمة المطلقة، ولكن يوجد أنواع من الترجمة لها ضرورات ونصوص خاصة، ومايدل على ذلك عدم إمكانية الترجمة بنفس الطريقة (للشعر- الرواية- الفيلم- الندوة- أوالمؤتمر العالمي- الـ......)، ولكن مايجب ذكره في هذا المجال، هوأن سوسور Saussure صاغ بكل وضوح الشكل الخطي Lincarite الملفوظ للجمل enoncée اللغوية ولطبيعة العلاقات التي تشترك فيها الإمارات اللفظية سواء على صعيد المثالي أو التركيبي.
إن أحد الاعتبارات السامية التي استحقها (ادمون كاري) هو أنه بحكم خبرته ومهنته تمكن من إيجاد ملاحظة هامة آلت إليه عن طريق مطالعاته الكثيرة وهي أن لابد من التمييز بين اللغة الشفهية واللغة المكتوبة وبين صيفة ونموذج الترجمة الشفهية وصيغة الترجمة المكتوبة وبأنه في الحالتين تبقى الصيغة الشفهية هي المتقدمة على الصيغة المكتوبة كما أنّها تخضع لقواعد مختلفة.(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــ
ــــــــ
الفصل الرابع:
الفاعلية والأثرالعام للترجمة
في إحياء اللغة العربية:
__________
(1) المترجم) Edmond carry ص 31-37 كتابة الإفرنسي كيف يجب أن تترجم 1986.
(2) مونين Les problemes theorique de la traduction الفصل -9-(1/125)
لا يعني هذا أن اللغة العربية كانت ميتة والفضل في إحيائها يعود إلى الترجمة والاقتباس من غيرها، كلا ثم كلا، فقد كانت اللغة العربية مشعل اللغات في القديم سواء في عصر الجاهلية، أو في عصر الإسلام وخاصة أنها لغة القرآن الكريم. ومايثبت ذلك تغلبها على جميع اللغات التي من حولها، رغم القاعدة والبنى المشتركة الموجودة فيما بينها مثل الآرامية والسريانية والكلدانية وغيرها.
قد اضمحل شأن اللغة العربية في العصر العثماني المملوكي، ولم يعد يهتم بها إلا نفر قليل من علماء الأزهر والمساجد، وحتى هؤلاء العلماء اهتموا بالأمور السطحية دون الألباب لعدم إفساح المجال لهم في تطوير الحركة العلمية حينذاك، فغدت الكتب التي يقرأونها شروحاً أو هوامش أو تعليقات. أما المتون فقد أهملت وهكذا الأصول، وحتى أن أساليب الشروح والهوامش والتعليقات، وما صدر من كتب ورسائل ضعفت وانحطت انحطاطاً بالغاً، لما دخل فيها من ألفاظ عامية، وما أصابها من ركاكة في التعبير، أما السبب المباشر كان انتشار اللغة التركية بين العرب في كافة أقطارهم وفي جميع دواوين الحكومة، مما أضعف استخدام اللغة العربية لذلك كان المجال واسعاً لانتشار اللغة التركية في مصر وسائر البلاد العربية، وأصبحت هي اللغة الأولى يتقنها ويكتب بها رجال الحكومة والجيش والصفوة من سكان البلاد العربية.
وإلى جانب اللغتين العربية والتركية كانت اللغة الفارسية، غير أنّه لم يكن هناك مبرر لانتشارها بل كانت مقصورة على بعض المثقفين الذين كانوا يتعلمونها لإشباع شغفهم الأدبي فحسب.(1/126)
ورغم تعميم اللغة التركية في سائر البلاد غير أن تأثيرها لدى العرب كان ضئيلاً، فلم تتأثر اللغة العربية بمفردات ومصطلحات ونماذج اللغة التركية، تأثيراً أمكن الاعتداد به إلا في باب الرسائل، لأن المثقفين والكتاب العرب استمروا على اتصالاتهم القديمة حسب النماذج العربية الأصلية، ولدى انحطاط الحكم التركي وتوسع الثقافة الأوروبية باتجاه الشرق اتجه العرب إلى اللغة الفرنسية والإنكليزية حينذاك، وخاصة اللغة الفرنسية التي وجهها إليهم بقوة محمد علي رئيس مصر الذي استطاع النهوض بحركة الترجمة بمصر وجعلها محور اهتمامه مع جملة مساعيه الاصلاحية التي قام بها أثناء حكمه(1).
إن كلمات اللغة تحيا بالاستعمال وتموت بالإهمال، ولذلك ضعفت اللغة العربية نتيجة (وأيضاً ضعف حركة التأليف والنشر التي كادت تقتصر على بعض الشروح والتعاليق على المتون)، وأيضاً توالت على اللغة العديد من المحن خلال مدة طويلة، من حملات التتريك إلى غياب التعليم حيث تفشى الجهل والأمية في صفوف الأمة العربية، إلى أن ازداد التأثير العلمي الغربي بازدياد حركة الاتصال مع الغرب فبدأت حركة الترجمة ونشطت فيما بعد على التوالي بمراجعة معجمات اللغة كالقاموس المحيط للفيروز آبادي، ولسان العرب لابن منظور، ومترجمي اللغات في بدء عصر النهضة. وأيضاً بالعودة إلى الكتب القديمة كزيج البتاني، ومفردات ابن بيطار، وغيرهم.
أما ما حمل المترجمون على هذه الترجمة ما وجدوه من ضعف اللغة، ولمسوا الحاجة إلى توليد الكثير من المفردات والمصطلحات لتضمينها المعاني الجديدة، التي لم تألفها العربية وهذه الأمور ومثلكها دفعت الكثير من الكتاب والعلماء إلى الاهتمام باللغة والتبحر في أصولها ومفرداتها، فتسابقوا إلى الترجمة والتأليف والإبداع، وتباهوا بسعة الحفظ والاطلاع والنقد والشرح مما ظهر نتاجهم في الكثير من آثارها.
__________
(1) ر. تاريخ الترجمة جمال الدين الشبال، ص ص 215-224.(1/127)
ولا عجب في ذلك، إذا رأينا الآن أن معظم علماء اللغة كانوا في ذلك العصر، من المشتغلين والمهتمين بالترجمة مثل (أحمد فارس الشدياق الذي سعى إلى إحياء اللغة بشوق وإبراز الكثير من المفردات والمترادفات ووضع الألفاظ الجديدة في مجمل كتاباته.
وأيضاً(إبراهيم اليازجي الذي فضلاً عن عنايته، بالمصطلحات اللغوية الجديدة سعى إلى إحياء اللغة والتجديد فيها عن طريق نقد الأخطاء الشائعة في عصره، والعودة بالكتابة إلى طريقة العرب الفصحى(1).
كما جهد بطرس البستاني فأصدر معجم (محيط المحيط) في جزئين، ثم اختصره في قطر المحيط ضمن جزئين أيضاً، وقد اعتمد في تأليفه على قاموس الفيروزبادي، ولكنه أكد فيه من ناحيتين، الأولى: استخدام ماهو مألوف من الألفاظ في شرح المفردات، والثانية:
تصنيفه على الحرف الأول من الثلاثي بدلاً من الحرف الأخير. كما أصدر (سعيد الشرتوني) كتاب (أقرب الموارد إلى فصح العرب والشوارد)، في جزئين ألحق بهما ذيلاً، مستدركاً ما فاته فيها، وقد نسق معجمه هذا على طريقه "محيط المحيط".
وأيضاً أصدر جرجس همام "معجم الطالب" وأصدر الأب لويس المعلوف المنجد، وهما معجمان مدرسيان مختصران.
وجهد بعض الكتاب في تسهيل الكثير من الكتب والقواعد مما جعلها سهلة المراجعة والحفظ وعمل آخرون منهم على نشر المخطوطات اللغوية والتعليق عليها وتصحيح مافيها من أخطاء فقد ازدادت الاحتكاك بالغرب كما ذكرنا سابقاً، وتفتحت أعين العرب في المنطقة على الحضارة الجديدة بعد سبات، فكانت الترجمة إلى العربية جسراً عبرت فوقه حضارة أوروبا إلى العالم العربي وكانت الكتب والجرائد والمجلات سجلا ورسولا في هذا الاحتكاك ووعاء لنقل ما استجد في تلك الحضارة(2).
__________
(1) حركة الترجمة في عصر النهضة -ل. زيتوني.
(2) ر: حركة الترجمة في عصر النهضة، ل. زيتوني. ص ص 156-157-159-160.(1/128)
أما الشعراء فقد ابتعدوا في قصائدهم عن طريقة الأقدمين في تضمين وحشو القصيدة الواحدة أغراضاً عدة، فجعلوا القصيدة مقصورة على موضوع واحد، ولأبيات متتابعة وفقاً لتتابع المعنى ومبانيه.
ومن آثار تأثير الترجمة على اللغة أنها جددت ملكة الكتاب والمثقفين بأن تغلبوا على ركود اللغة، وتفشي الجهل ودخول اللغة الكثير من الألفاظ العامية والأجنبية حيث شاع فيها السجع البارد أو المتكلف مع ضروب من الصنعة البديعية، كما شاعت نعوت التقديم والتبجيل التي أطلقوها على كل فرد وعلى سبيل المجاملة.
وما إن أقبل القرن التاسع عشر حتى شهد كل من لبنان ومصر جملة من التطور العلمي والثقافي انتهت إلى تحول بيروت ثم مصر إلى مراكز للنشاط الثقافي والتجاري والاجتماعي.
كان أثر الترجمة في مطلع النهضة سريعاً وجارفاً، فالعربية قبل النهضة كانت مجمدة حتى ومكبلة، فلما تدنت السطوة الثقافية لدى الأتراك وازداد اتصال المنطقة العربية مع الغرب أخذ الشرق بمجموعه ينهل من آثار الغرب فاستوت روحه واستعاد دفئه وتمكن من النهوض بعد الانحطاط ولبّى نداء أبنائه لتلقي ثمار الحضارة المجلوبة، وتهيأت مادته اللغوية والثقافية لاستيعاب المعاني والمصطلحات الجديدة وبأساليبها وتعابيرها.
ومن آثار حركة الترجمة:
- إن الباعث والمحرك للترجمة هو الحاجة سواء كان قديماً- حاضراً- أو مستقبلاً. وهذه الحاجة بازدياد دائم بسبب التطور السريع الواسع الذي تشهده مختلف المعارف والثقافات العلمية والتقنية، وبسبب انفتاح الناس على كافة الحضارات بعد أن تيسرت واتسعت وسائل الاتصال المرئية والمسموعة والمكتوبة.(1/129)
كان المترجمون حريصون على اللغة، فتجنبوا تعريب الألفاظ باشتقاق ما يناسبها ويقابلها، رغم أن تعريب المصطلحات العلمية الحديثة (أي نقلها بلفظها إلى العربية هو الأسهل)، ولكن ليس الأسلم. فسلامة اللغة تكون بالحفاظ على صرفها وصيغها وأصولها. وكان حرصهم بدافع من شعورهم بأن اللغة العربية هي جامعتهم وحاملة هويتهم.
إن حركة الترجمة غيرت نظرة العرب التقليدية، إلىتراثهم وخاصة منه (الشعر) لقد كانوا شديدي الإعجاب بشعرهم ويرونه متفوقاً على شعر سائر الأمم. غير أنّم بعد نقل شعر الغرب وعلومه وثقافاته بدأوا يتذوقون الشعر الأجنبي المتطور وسائر نتاجه العلمي الحضاري.
إن العرب عرفوا القصة عن طريق مجتمع القبائل ووقائعها وأخبارها، فقد حفظوا القرآن الكريم، وترجموا كليلة ودمنة، وتسامروا في ألف ليلة وليلة وأخبار المعارك البطولية، غيرأن تلك القصص كانت تتناول بالأكثر عامة الناس. أما المثقفين كانوا منصرفين إلى الشعر كمنزلة راقية، لذلك لم ينتجوا في القصة، ولم يطوروا ما أجادوا منها فلما دخلت القصة المترجمة في عصرنا الحالي استقبلها جميع الناس باهتمام كبير واختص المثقفون بقراءة الراقي والمفيد منها بكتابته ونشره.
- وأيضاً المسرحية في اللغة العربية فهي آثار الترجمة كونها فن دخيل، وأغرب مافي دخول هذا الفن، استقبال الجمهور له واعتباره في مقدمة الفنون بدليل تعدد الفرق المسرحية في سائر البلاد العربية وخاصة في مصر وسورية ولبنان.
- لم يقتصر أثر الترجمة على القصة والشعر والمسرحية فقط بل تناول كافة الفنون العلمية والثقافية وغيرها.
- كان أثر الترجمة بليغاً ومفيداً في كل ما يتعلق بالحداثة أي في تناول ونقل كل ماهو جديد من اختراعات ومصنوعات ومؤلفات وخبرات وفي كل مايتصل بالعلوم الفنية والتقنية والرياضية وغيرها من الكثير الذي لا مجال لتعداده هنا وهي التي ساعدت سكان المنطقة على مواكبة حضارة العصر.(1/130)
آ- الفاعلية في الترجمة على ضوء نظرية
(هامبولا Humbolat)الألماني البروسي. حسب مونين Mounin.
تعتبر البنى اللغوية ناتجة مباشرة من البنى العالمية الشخصية، هذا من جهة، ومن البنى العالمية الفكرية من الجهة الثانية.
- يوجد أسماء وضمائر في اللغات لأنه يوجد كائنات حية في العالم.
- يوجد أفعال في اللغات لأنه يوجد أمور ومشاكل في العالم.
- يوجد أوصاف في اللغات لأنه يوجد كائنات قابلة للوصف في العالم.
- يوجد ظروف مكانية وزمانية في اللغات لأنه يوجد صفات معينة للمشاكل والأمور بالإضافة إلى وجود وصف للصفات ذاتها في العالم.
- ويوجد أحرف جر وعطف في اللغات، لأنّه يوجد علاقات منطقية ومأثورة ومستقلة كما يوجد -أزمان- أمكنة وظروف- تعاطف- تعاون- وتبادل معونات، سواء بعض الشعوب والكائنات الأخرى ومشاكلها في العالم.
ليست الترجمة شرح وتفسير لمحتوى برميل لكمية من الليترات بل هي أعمق من ذلك، لأنّ جميع الألسن مشتركة بعضها مع بعض مادامت تتكلم.
إن صعوبة الترجمة تنحدر من الوقائع الطارئة التي خلالها لا يقف المترجم على مضمون المحتوى للغة المترجمة فيعيبها بشكل كامل أو بجوانب منها، أوأن المترجم تنقصه المعرفة التامة لمصادر الصيغ والأشكال في المحتوى، أو النقص في مدى إعطاء التعبير اللازم في اللغة المقصودة، فسيء التعبير في مثل تلك الحالات. لأن غلطة الترجمة تعود إلى غلطة المترجم التي يتوجب عليه تجنب مثل هذه الأخطاء التي تتناول (صيغة المحتوى-صيغة التعبير)، أما الصعوبات الأخرى في الترجمة يمكن إصلاحها من الناحية الجمالية فقط، وليس من الناحية اللغوية، فإذا لم توفق الترجمة في موضوعها الأساسي، فلأن المترجم لا تتوفر فيه الموهبة اللازمة.(1/131)
لذلك فقد أمكن تحقيق فاعلية الترجمة منذ صدور النظريات الفلسفية حول علم اللغة التي وصفها ويلهم Wilhem وفون هامبولت Fon hamboldt وأتباعهما، الذين أطلق عليهم اسم الكانتيون الجدد Ne`o -kantiens أوالهامبولديون الجدد
Neo -humboldienst لأن تلك الفلسفة كانت ترفض أن ترى في اللغة آلة سلبية للتفسير، بل كانت تنظر إليها كمبدأ فعال يلقي حول الفكرة مجموعة من الأفكار المتبصرة المشبعة بالقيم. ويمكن تلخيص هذه النظرية بالقول:(تتجسد فاعلية الترجمة في كل نظام لغوي يحتوي على تحليل للعالم الخارجي الذي هو ملك له والذي يختلف عن عالم اللغات الأخرى أو عن مواقف أخرى لهذا العالم نفسه.(1/132)
علماً أنّه منذ مئة سنة قد تلاشت الطريقة الخاصة بتفهم العلاقات التي تتناول خبرة الإنسان عن العالم المحيط به من جهة، وبين اللغات من جهة أخرى، فقد سبق (لكاسير بتناول Cassirer "إن قال" ليس العالم هو (الفكر والمفهوم) من قبل الإنسان الذّان يتمّان بواسطة اللغة فقط، بل عن طريق العيش تتمثل نظرة الإنسان لهذا العالم، باللغة واللسان(1). ومع أن تلك النظريات قد أهملت من قديم، غير أنّها تحددت الآن عن طريق علماء اللغة البنيويون Linguistique structuraliste لأن الكثير منهم في العالم اعتمد النظرية الهامبولدتية Humboldtenne المعاد صياغتها وبنائها بموجب ترجمات وتحاليل مرضية. وقد اعتمدها أيضاً أولمان Ullmann في العديد من المواضيع، كما قد نوه عنها فون وارثبورغ Warthburg بنفس العبارة "ترييه Jost-trier" الذي بدوره عاد بها إلى المفهوم الذي دعمه هامبولت Humboldt القائل (بأن المحتوى والصيغة اللغوية للحياة الروحية لدى الرجل يتكيفان تلقائياً وبالتبادل مع بعضهما، ولا يمكن اعتبارهما منفصلين، ولأن اللغة هي برهان الصيغة التي من تحتها يرى الإنسان العالم كما يرى الباب في داخل نفسه.
وهذا ماقاله بنفسه أيضاً(بأن) فاعلية اللغة هي النظام والأساس الذي يبتدع التيار المناسب تجاه ماهو مستهدف.
ب - أقسام الترجمة:
كانت الترجمة ولا تزال في خدمة الإنسان المتحضر، كونها الجسر الذي يعبر إليه ثقافة الأمم بعضها إلى بعض فتزيد من نصيبها من المعرفة وتعمق متعتها في الحياة، فقد أدرك الإنسان فضل الترجمة منذ زمن بعيد كما أدرك حقائق وجوده الثقافي.
وقبل أن ندخل في تفصيلات هذه الحركة، لابد لنا من أن نبرز القسمات الرئيسة لها والتي يمكن أن تتألف من الأقسام الرئيسة التالية:
1 - الترجمة الأدبية.
__________
(1) كاسيرر: في علم الضمائر المثالية - جريدة علم النفس 1929- ص92.ثم (مونين Mounin) /أنظر المسائل النظرية في الترجمة ص 39-43- المصدر نفسه.(1/133)
2 - الترجمة العلمية.
3 - أشتات الترجمة، التي تجمع ماهو ليس أدبياً خالصاً ولا عملياً بحتاً.
أولاً: الترجمة الأدبية:
ويقصد بها ترجمة الآثار والمؤلفات الأدبية مثل الرواية والقصة والمسرحية والشعر والمقالات والدراسات ذات الطابع الفني الأدبي. أما كتب النقد الأدبي فهي تقع موقعاً وسط بين الآداب من جهة والعلوم الاجتماعية والإنسانية من جهة أخرى، سواء من حيث الأسلوب أو الموضوع فالحقيقة، أن الترجمة الأدبية تجمع تحت سقفها كل مايكتب بأسلوب أدبي أو يحمل طابع الأدب على أي نحو من الأنحاء، فالتاريخ علّم مثلاً حتى يأتي به القلم في هيئة أدب. ومن ذلك، تاريخ الطبري المعروف، فهو تاريخ (علم). من ناحية بحكم مادته وهو (أدب) من ناحية أخرى بحكم أسلوبه. وقد ينطبق ذلك على النص المترجم والنص المترجم عنه أداء وأسلوباً وتناولاً. ويعتقد أكثر الملمين بمشكلات الترجمة أن الترجمة الأدبية أصعب من الترجمة العلمية، ذلك أن النص الأدبي ليس فكرة أو جملة أفكار فقط بل هو ينطوي على إحساسات المؤلف الأديب وعواطفه وتخيلاته، كونه نصاً حاكه شاعر أو مثقف موهوب قصد أن يكون مثيراً للأحاسيس حاوياً على مجمل من الصورالبديعة الأخّاذة، فمن أجل هذا يتوجب على المترجم أن يأتي بنص مقابل يتوفر فيه، إلى جانب الأمانة في النقل، مايبرز النص الأصلي ولا يضعف أثره أو ينتقص من روعته(1).
هل يمكن تحقيق ذلك إلا إذا ترجم الأدب أديب، وترجم الشعر شاعر. ومما قاله الدكتور محمد عوض محمد:
(
__________
(1) ر.الترجمة قديماً وحديثاً: شحادة خوري ص 95-97.(1/134)
إن أول شرط يخطر إلى أذهاننا أن المترجم الذي يعمل بإنتاج ذات أثر أدبي، أن يحاكي الأثر المترجم وأن يكون هو نفسه أديباً متمكناً وراسخ القدم في التأليف الأدبي. ولا يكفي أن يكون ملمّاً أفضل إلمام باللغتين، لأن الأدب استعداد وسليقة تستند إلى تأصل في النفس، ولا تكتسب بالدراسة والحفظ فقط، وبهذا يتطلب ممن يترجم كتاباً في الطب أن يكون طبيباً، وممن يترجم الأدب والشعر أن يكون شاعراً، وهذا مما لا يمكن اشتراطه أو أن تجعله دستوراً علمياً ثابتاً نظراً لتشابك المصالح والأفكار بين الناس. ولكن لا يصح أن تجرد الأثر الأدبي من صفته الأدبية وتحوله إلى كلام عادي بعيداً عن كنه تسميته، بل ينبغي أن تبقى عليه رونقه وجماله وسحره وتأثيره، وذلك لتكسب اللغة العربية المنقول إليها أثراً أدبياً مدوناً يزيد في ثراء اللغة، زيادة تستحق التقدير.
وفي مسرحية (ماكبث) تأليف وليم شكسبير: يقول محمد فريد أبو حديد في المقدمة: إني أرى أن ترجمات الآثار الأدبية الكبرى إلى اللغة العربية ينبغي أن تضيف إلى التراث الأدبي العربي نبذة أدبية جديدة جديرة بأن تبقى لذاتها وأن تقرأ لذاتها كإنتاج أدبي عربي، فإذا لم تحقق الترجمة هذه الإضافة فهي لا تتعدى من أن تكون فقط تعريفاً بالأثر الأدبي الأجنبي، أو تسجيلاً له، وهنا نجد الفرق عظيماً بين أن تكون الترجمة قطعة من الأدب العربي وبين كونها تعريفاً بالأثر الأدبي مع بقائه بالوقت نفسه أجنبياً(1).
والذي يقطع به عن يقين، إن الترجمة الأدبية عندما تخطت البلاد إلى نقل العلوم المختلفة في سبيل توطيد كيانها، أمنت سبل انتشارها حتى أصبحت هي الغالبة على كل ما عداها من أنواع الترجمة المعروفة، ولا يعتقد أنه سينحسر مداها يوماً.
__________
(1) وحركة الترجمة في مصر أحمد عصام الدين - ص 70-71.(1/135)
ولكن هذه الحقيقة لا تلبث أن تطرح أمامنا علامة استفهام، وهي كيف يحدث ذلك والنقل من أدب إلى أدب أصعب كثيراً من النقل من علم إلى علم، والسبب في ذلك أن المشقة التي يتجشمها مترجم العلم هي البحث عن المقابل اللفظي، غير أن ذلك، بعد صدور المعاجم، تسهل معه الأمر إلى حد كبير وهانت مهمته غير أن الأمر يختلف مع مترجم الأدب لأن تركيب الإنسان المزاجي والعاطفي وخاصة تركيبه العقلي تختلف من بلد إلى بلد، وهناك أيضاً حقيقة أخرى وهي أنّه في أغلب الأحيان يصادف المترجم بعض المتاعب التي لا يدركها إلا من يعانيها وعلى رأسها ظلال المعاني عند إيجاد اللفظ، ودقة العبارة، واكتشاف ماخفي من فن صاحب النص الأصلي، ويجهد المترجم دوماً في نقل نص عبارة على غاية الرقة والإحساس بالذوق لقاء عبارة عربية أو غيرها، وبنفس المستوى الأدبي أو العلمي أو الفني، ومثال على ذلك:
- ترجمة عنوان قصة للقصاص الفرنسي بلزاك:
Le coeur d`une femme est une labyrinthe
بعبارة: "قلب المرأة تيه" فلا يخرج عن معنى ولا يبتعد عن قصد.
فإذا كان الحال هكذا بالنسبة إلى النثر، فكيف يكون بالنسبة للشعر الذي تطل ترجمته الرقيقة الوافية على المستحيل، أولاّ إذا كان المترجم شاعراً متمكناً من اللغة التي ينقل منها، وما أقل أن يكون(1) وكل مايمكن أن يصبو إليه الناقل هو أن يحتفظ بالمعنى، أما الوزن أو الموسيقى أو جمال اللفظ فكل أولئك غاية قد يجيدها المترجم أو ينقلها بحالة وسطى ويفشل بها. وعلى سبيل المثال لابد لنا من أن نذكر بعض الترجمات منها:
ينقل لنا الدكتور أحمد مكي بعضاً من الأدب الإسباني فيقول في ترجمة لأغنية شعبية:
"لا شيء يبقى في هذه الحياة القاسية،
صالحاً كان أم شريراً
وقبر موحش
ولكنه يسوي بيننا جميعاً".
فهذا الإسباني يرى في الموت طريقاً كلنا سنرده، فليس الغريب أن تموت ولكن الغريب أن تبقى.
__________
(1) طه حسين من أناتول فرنس.(1/136)
وهذه أيضاً ترجمات ثلاث، لثلاثة من شعراء الإنكليز الكبار في القرن التاسع عشر نقلها لنا الدكتور سيد نوفل، لنسمع معاً إلى "ورد زورث" من ترجمة الدكتورة انجيل بطرس:
يخاطب وردزورث طائر الوقواق الصغير المغرد، ويرمز إليه الإنكليز "ببشير الربيع" فيقول:
(أيها الوقواق هل أسميك طائراً
أو مجرد صوت ضارب في الأرض
بينما أرقد على الحشائش
أسمع وقوقتك الثنائية
تبدو كأنها تنتقل من تل إلىتل
في ذات الوقت عن بعد وعن قرب
مع أنك تغمغم فقط للوادي
عن ضوء الشمس والأزهار
فإنك تأتيني بقصة
عن ساعات حالمة).(1)
ومن الأدب الإيطالي تنقل الدكتورة "سوزان اسكندر طرفا" من قصيدة شاعر إيطاليا "بترارك" وهو (يتحدث عن الربيع، ويحيي في نفسه ذكرى حبيبته، حيث يقول:
"تعود رياح الغرب ونسماتها ... ... الحلوة
وصحبتها العذبة من عشب ومن ... ... زهر
تنشد السنونوة وينوح البلبل ...
إنه الربيع الناصع والقرمزي
تضحك المراعي ويعود للسماء ... ... صفاؤها
-يبتهج "جوبيتر" لرؤية ابنته
-الهواء والماء والأرض ملأى بالحب
-كل حي لحبيبة يأنس
-أما أنا ويحي تعاوني أقسى الزفرات
من التبصر في هذه المقتطفات نجد أن الشعر يمكنه أن يتحول إلى قول يريد أن يطل على الشعر المنثور ليعوض ما فاته من وزن موسيقي وجمال لفظ، فقد تعرض للشعر الغربي شعراء من الشرق (سوريون ومصريون) ومكنت لهم موهبتهم البارزة نقل بعض الروائع من عيون الشعر الغربي إلى شعر عربي أخاذ وجميل. وفي هذا المجال نأتي على ذكر قصيدة لوردزورث بعنوان: (صورة) ترجمها الشاعر المصري محمد الهمشري قال:
هي وهلة الدهر مسرعة الفنا ... وافيتها ببنانك المترفق
فجلوتها لبني الممات جديدة ... وكسوتها ثوب الخلود المطلق
__________
(1) عدد مجلة الهلال نيسان عام 1976 ص12.، (حركة الترجمة في مصر في القرن 20- أحمد عصام).(1/137)
في كل ما مر من هذه الترجمة نجده بارعاً والفكرة فيها أصيلة، وفيها دلالة تمكن المترجم المتقن استخدام الأسلوب والوزن والقريض واللفظ الموسيقي المناسب.
على أن الأدب بشطريه من نظم ونثر ليس شعراً كله، بل هناك المقالة، والرواية، والقصة القصيرة وفنون أخرى من النثر يفوق عددها عدد فنون الشعر يضيق هنا المقام التعرض لها(1).
وثمة قول لا بد من الإشارة إليه، وهو أن بعض الباحثين يرون أن ترجمة الآثار الأدبية هي أهم أنواع الترجمة جميعاً، لأنها تتبوأ أعلى مرتب في ثقافة الأمة وتراثها.
غير أن هذا القول مدعاة للجدل، ذلك لأن العلم والأدب كليهما غصن في شجرة المعرفة الإنسانية، ولكل منهما منزلته وقيمته ونفعه، ومن المجازفة أو لا يصح تفضيل أحدهما على الآخر أو تقديمه عليه.
وما يوجب التساؤل هنا، هل نفخر نحن العرب بما يضم تراثنا من المؤلفات العلمية، زمن رياضيات وفلك وطب وكيمياء وغيره بأقل مما نفخر بما يضم من أدب سواء كان شعراً أم نثراً، وهل نحن اليوم، أحوج إلى الأدب منا إلى العلم. فالجواب أن عناصر النفس البشرية جميعها من مقومات الإنسان، يصعب ترجيح عنصر على آخر.
ولكن لنترك التفضيل والترجيح جانباً، ونعتبر أن لكل من العلم والأدب دوره وخصائصه وميدانه، ولا بد لنا من أن نتلمس بين النصوص الأدبية والعلمية وترجمتها فروقاً نذكر منها:
__________
(1) حركة الترجمة في مصر أحمد عصام الدين ص78-79(1/138)
إن النص الأدبي يكاد لا يتغير على مضي الزمن، فهو يحتفظ بقيمته الأدبية على الرغم من ارتباطه بمكان وزمان معين، فإننا نقرأ اليوم لزوميات المعري وأيضاً مسرحيات شكسبير وغيرها من عيون الأدب الشرقي والغربي، لا كما نقرأ نصاً يخاطب أشخاصاً مضوا، بل نقرأ هذه الروائع الأدبية بوصفها تخاطب الفكر والعاطفة والخيال وتثير فينا من الأفكار والتخيلات ما تثيره نصوص أدبية مستمرة لم يجف مدادها. وأما النصوص العلمية فإنها بتطور العلم، ضمن معطيات ونتائج تخسر من علميتها وتحتفظ بقيمتها التاريخية، فهي تمثل ما أنتجه العقل البشري في حقل العلم.
ثانياً- إن النص العلمي يعتبر عند ترجمته مصطلح دقيق وعبارة واضحة تؤدي المعنى المقصود أما النص الأدبي يحتاج إلى اللفظ المختار والعبارة الجميلة، وهذا ما يفيد بأن المعرفة ليست كافية في الترجمة الأدبية بل لا بد من توافر الذوق الأدبي والموهبة الصادقة ولكن هل تبلغ الترجمة مستوى الأصل المترجم، ربما، ولكن ذلك صعب، ولكن قد يتيسر الأمر مع المترجم المختص ذي الخبرة والثقافة العالية ولهذا قال المثل الإيطالي:
الترجمة خيانة لأنها لا يمكنها أن ترقى بالنص إلى مستواه الأصلي مهما بذل من جهد وعناية وفي جميع الأحوال لا مندوحة عن ترجمة الآثار الأدبية، لأنها الوحيدة دون سواها من الفنون التي وعاؤها اللغة. فبقية الفنون مثل الموسيقا والتصوير والنحت مثلاً هي لغة جميع الناس، ولكن الأدب يتعذر فهمه إلا عن طريق اللغة، ولهذا نرى روائعه منتشرة في جميع اللغات.(1)
إن أقصى ما يتطلع إليه المثقف أن يكون النص المترجم مضاهياً للنص الأصلي روعة وجمالاً واتقاناً، لينقل إلى العربية أثراً أدبياً مؤثراً وممتعاً بحد ذاته وليس باهتاً للنص المنقول، ونأتي بمثل على ذلك قول حافظ إبراهيم عندما وصف أثراً أدبياً مترجماً:
__________
(1) الترجمة قديماً وحديثاً -شحاده خوري ص98-99(1/139)
"فجاء الأصل والترجمة كالحسناء وخيالها في المرآة "ويقصد بذلك الشبه والتطابق، فالأدب بداهة وفطرة ومراس معاً، فمن رغب أن يترجم الأدب وجب أن يكون هو نفسه أديباً أو أن تكون ثقافته مؤهلة لترجمة النصوص الأدبية، وأن تكون الأمانة رائدة، والذوق السليم مرشده.
وإن صح القول بمثل ذلك في الأدب عامة، لا يصح في الشعر لأنه يعلو على الأدب بصورة عامة، بفنونه المختلفة سواء من حيث النغم أو الإيحاء أو الرمز أو القاعدة.. إذ قال الحافظ حول ذلك: (والشعر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل، ومتى حوّل تقطّع نظمه وبطل وزنه وذهب حسنه وسقط موضع العجب فيه) ومنه أن ترجمة الشعر تحدٍ لا يفوز في حلبته إلا المهرة المبدعون.(1).
ثانياً -الترجمة العلمية:
يقصد بالترجمة العلمية ترجمة كتب العلوم الأساسية التي لها طابع علمي بحت، مثل كتب الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم الأرض (الجيولوجيا) وعلم الحياة (البيولوجيا) وعلم النبات وعلم الحيوان، كتب العلوم التطبيقية: مثل: الطب وطب الأسنان والصيدلة والتمريض والعلوم الهندسية بجميع تفرعاتها والعلوم التقنية بكل أنواعها.. الـ.
كما هو شأن المترجم بصورة عامة يشترط في مترجم المؤلفات العلمية أن يكون متقناً اللغة العربية واللغة الأجنبية المترجم منها، ويفضل أن يكون مختصاً في المادة العلمية التي هو مزمع على ترجمتها، بمعنى لا يترجم الطب إلا طبيب ولا يترجم كتاباً في الفيزياء إلا متخصص في علم الفيزياء. بالإضافة إلى ذلك يشترط أن يكون المترجم المختص ملما ومتقناً للغة المنقولة منها وأن يكون حسن التعبير والأداء ومتمكناً في موضوعه.
__________
(1) شحادة خوري -المرجع نفسه ص99(1/140)
فلا بد من توفر التكوين الفني لدى المترجم إلى جانب التكوين اللغوي، ولا بد أيضاً من تضافرهما لبلوغ الهدف وتحقيق الغاية المنشودة، قال الدكتور محمد عوض محمد: إن الترجمة الفنية، أي الثقافية والعلمية، لكي تكون عملاً ناجحاً مثمراً ونشاطاً ثقافياً مجدياً، لا بد لها من مترجم له الصلاحية والقدرة التامة من الناحية اللغوية والفنية، علماً بأن المقدرة اللغوية تتنوع بتنوع اللغات، كما تتنوع بتنوع المادة العلمية التي تتناولها الكتب أو تعالجها البحوث والمقالات.
إن المترجم الحق، هو من يلتزم الحد ويحسن سبك المعنى على ضوء الشروط التي تقيد المؤلف الذي ينقل عنه، فتخرج ترجمته صورة صحيحة ومطابقة للنص الأجنبي، لا يفرقه عنه أو يكاد غير رداءة اللغة.
لم ينقطع جهد واستمرار الترجمة العلمية عن صدر الزمن، فقد كانت الدولة في حاجة دائمة إليها في مختلف نواحي عملها، فالعمل الفردي قد سبقها وأتقن مبادئها وسار بها شوطاً بعيداً قبل ظهور الهيئات والمؤسسات التي تعني بشؤون الترجمة إلى العربية وسنأتي في نهاية هذا المؤلف على ذكر العديد من الترجمات العلمية والأدبية مع ذكر المترجمين وذكر عناوين الكتب التي قاموا بترجمتها. ونقتطف هنا طرفاً من مقال في هذا الشأن كتبه محرر مجلة المقتطف الدكتور يعقوب صروف في العشرين من هذا القرن حيث يقول:
"الخطط التي جرى عليها المترجمون والمعربون الأولون الذين نقلوا علوم اليونان والهند إلى العربية مثل: حنين اسحق العبادي ويوحنا ما سوية السرياني، والذين أيضاً كتبوا في هذه العلوم من أبناء العربية أمثال ابن سيناء وابن رشد والرازي والفارابي(1).
__________
(1) مجلة المقتطف عدد شباط عام 1918 ص72(1/141)
يبدو للعيان أن الترجمة العلمية هي أيسر أنواع الترجمة إذا قام بها شخص خبير بالمادة المنقولة وبالمصطلحات المتصلة بها. ليس من العسير أن يترجم كتاباً في التشريح مثلاً من كان عالماً باللغتين المنقول منها والمنقول إليها، وكان مختصاً في علم التشريح ولا بد أن يضع نصب عينيه حسن تأدية المعاني بوضوح بعيداً عن كل لبس، وأن يتدبر الألفاظ المناسبة والقادرة على الأداء الواضح، وإن يصوغ كلامه صياغة مقبولة، بلغة عربية سليمة ميسورة، بدون تعقيد أو صنعة أو تكلفة وليس المطلوب البتة الافتتان في صوغ العبارة أو زارفة الكلام أو اختيار اللفظ المناسب، لأن قارئ الكتاب العلمي المترجم إنما يهمه أن يفهم المعنى بأدق لفظ وأوجز عبارة. ولأن المعرفة العلمية تخاطب العقل ولا تخاطب الشعور أو الخيال.(1).
إن الكتاب العلمي بكل محتواه يشتمل على أرقام وجداول وصور وأشكال ورسوم مختلفة ينبغي تعريبها بأسلوب يتجانس مع النص المترجم إلى العربية، ورغم تنوع الألوان والصور في النصوص العلمية، فإن تعريبها لا يقتضي من الجهد ما تقتضيه ترجمة النصوص الأدبية.
أما الذي يبرز أهمية الترجمة العلمية، كونها تتناول بالدرجة الأولى ترجمة أمهات الكتب في كل علم. وأبرز مثال على صحة هذا المسعى هو قيام الوزارات والمؤسسات في الدولة بترجمة المؤلفات الجمة التي تحتوي على المناهج العلمية، من رياضية وطبية وتقنية، وعلى البرامج التعليمية لاستيعابها وتعميمها على الجهات المعنية للعمل بموجبها.
__________
(1) الترجمة قديماً وحديثاً ص92-93(1/142)
أما ترجمة العلوم الاجتماعية والإنسانية، فإنها إلى جانب لزومها إلى الشروط السابقة الواجب توفرها في ترجمة الكتب العلمية والتقنية، تحتاج إلى صياغة جيدة وإلى أسلوب متكافئ يشد القارئ ويشبع ذوقه اللغوي ويحببه قراءة الكتاب المترجم. ومن هنا يجدر بمترجم كتب العلوم الاجتماعية والإنسانية أن يجمع إلى إتقان اللغتية والاختصاص في المادة المترجمة، حسن انتقاء الألفاظ وحسن سبك المعاني والشرح.
يجب أن يكون عمل الترجمة متصلاً مع كل علم لمسايرة ما ينكشف فيه من جديد سواء من الناحية النظرية أو العملية. ذاك أن ما يجد في مراكز البحوث والمختبرات من كشوف وإختراعات تجعل المعلومات العلمية متجددة باستمرار. ومن مقتضيات الترجمة العلمية أن تترجم البحوث والدراسات العلمية والأطروحات المميزة وليس فقط الكتب والمؤلفات، لأن مثل هذه البحوث والدراسات تمثل كل مستحدث في ميدان العلم وتحمل الأفكار والنظريات الجديدة والمبتكرة للعلماء، وآرائهم وتجاربهم، وخاصة العلماء الذين يعملون في الجامعات ومراكز البحوث والمختبرات العلمية في الدول المتقدمة.
غير أن هناك جانب في الترجمة العلمية لم ينهض به أحد ويحتاج إلى زيادة الاهتمام رغم وقوعه في حالات خاصة، ذلك هو ترجمة الأطروحات أو الرسائل العلمية التي يعدها الدارسون العرب في الجامعات الأجنبية والتي يمنحون على أساسها الشهادات العليا، كشهادة الماجستير أو الدكتوراه. وما أكثر الدارسين العرب الذين نالوا الشهادات العليا بامتياز وشرف في أكبر وأعرق جامعات العالم، ولا تزال تقبع طروحاتهم في الزوايا، باللغات التي كتبت فيها من انكليزية أو فرنسية أو المانية أو روسية، لا يقرأها طالب أو مدرس، ورغم أن بعض المؤسسات الثقافية تنبهت إلى أهمية هذا الموضوع، فوضعت لها المؤسسة الوطنية للترجمة والتأليف والتحقيق، غير أنها تحتاج إلى اهتمام أكثر(1).
__________
(1) الترجمة قديماً وحديثاً ص94-95(1/143)
يراد بالترجمة العلمية هنا، التعبير عن معنى الكلمة الإعجمية بكلمة عربية موجودة أصلاً في معاجم اللغة مثل (كتاب وقلم) أو غير موجودة ولكن ممكنة الاشتقاق مثل (السفينة المدرعة في لباس من صفائح من حديد تقيها قنابل العدو، فهي بمثابة درع لها.
وفي مجال التعريب فإن أقرب تعريف له، هو: نقل الكلمة الأعجمية إلى العربية أما على لفظها دون تغيير- مثل -تلفون- أو بتغيير قليل ليسهل النطق بها من قبل الناطق العربي مثل تليفيزيون.
أما في مجال الترجمة العلمية، لا بد من ذكر الكلمة التي تقسم إلى حرف واسم أو فعل.
فبالنسبة للحرف لا يوجد صعوبة في ترجمته، إلا ثلاثا بقيت على حالها، فهي حروف إضافة عندما تكون جزءاً من علم مثل: دي الفرنسية وفون الألمانية وأف الانكليزية.
والمثل لثلاثتها هو: فردينالد دي ليسبس - وفون كرام، والبرنس أف ويلز.
أما الأسماء الأعجمية تقسم إلى ثلاثة أنواع: إعلام وأسماء معان وأسماء ذرات. فالإعلام تعرب كما هي ويحتفظ بأصلها قدر الإمكان وإن أجرى بعضها على الأوزان العربية مثل: اسكندرية- قسطنطينية- وديموستينوس.
وأسماء المعاني الأعجمية تترجم بمرادفاتها إلا حيث لا يوجد مرادف عربي لها فتعرب كلها كما فعل القدماء السلف حيث قالوا سفسطائية نسبة للسفسطة.
وأسماء الذوات تترجم بما لها من مرادفات عربية، سواء كانت حديثة الوضع كأسماء العناصر التي اكتشفت حديثاً مثل: الاوكسجين، والصوديوم، والفسفور الخ.. او آلات مثل التلفون والطوربيد- أو علوم حديثة كالجيولوجيا والبيولوجيا فإذا لم يسبق أن عربت يستحسن العدول عن ذلك اسوة بالسلف، مثل جغرافيا وموسيقي الخ..
والأسماء العلمية الجارية على نظام مخصوص لا بد من أن يذكر به نوع المسمى أو جنسه أو تركيبه الخ.. فيجعل تعريبها كما هي، اسوة بالأوربيين، فيقال: الكبريت وهو حامض ويقال المتر والكيلو وهما قياس ووزن.(1)
__________
(1) مجلة المقتطف -عدد شباط 1918- ص73 ولا حاجة إلى ترجمتها(1/144)
لأن عددها اليوم بالآلاف، كما أن لها مفهوم مقابل فيصح استعمالها كما هي.
وفيما يتعلق بالأفعال فإنها تترجم بأفعال عربية تؤدي المعنى، ولا داعي للتعريب إلا عند الاشتقاق من اسم أعجمي مثل "كهرب" من الكهرباء واكسد "من أوكسيد، وعلى هذا المسار سار القدماء فقالوا هندسي من هندسة -وجوهر من جوهرة- وقرطس من قرطاس وكلها أفعال مشتقة من أسماء أعجمية معربة.
وفيما يتعلق بالترجمة العلمية لا يجوز أن ننسى دور الاستشراق في نهضة الترجمة في جميع البلاد، وإن كان له "نزعة مؤذية" حسب رأي البعض، فقد تضاءل كل أثر له غير صالح تجاه أثره العلمي، لأن العلم بطبيعته يأبى إلا أن يكون مثمراً ومفيداً.
وسبق أن قال الغزالي: (طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله).
لم بعد يمكن للمرء أن يغض النظر عن مآثر الاستشراق التي تتضح بشكل واضح وجلي في الميدان العلمي، وهي "المعاجم" التي أصبحت الموآزر والمفيد في ترجمات العلوم والأدب العربية، وتلك هي إحدى الوسائل المشكورة في تمهيد السبل لهذه النهضة.
فالحديث عن الترجمة العلمية "يفيض متعة ومعرفة" ولا مناط لصاحبه من أن يغوص للفظ والعبارة والتركيب والأسلوب. وبقدر ما يكون اللفظ مناسباً والعبارة سليمة والتركيب صحيحاً والأسلوب سلساً، بقدر ما يستطيع النقد أن يحكم بالتقدم أو التأخر بالازدهار أو الانحطاط، بالامتياز أو القصور للعمل المترجم بين يديه.
أما اللفظ فهو عبد عصره يكيفه هذا وفق مناخه الفكري، وما احرز من تقدم على طريق الحضارة. ونضرب مثالاً علمياً حول ذلك، لفظ Quantum اللاتيني ومعناه مقدار والذي يجمع على Quants أي مقادير، وفي هذا المعنى أصبح مستعمل في الانكليزية وكان اللفظ الانكليزي Quantity بمعنى كمية، وجمعه Quantities بمعنى كميات، والتفتيت كما يعلم من نتائج النظرية النسبية لانشتين.(1/145)
العبارة تصبح سليمة على أساس من اللغة والذوق وموآلفة العادة، على حين قد لا يتأثر التركيب بغير الأولين. ويقصد بذلك الاعتبار اللغوي نحوا وصرفا ثم الذوق بعد ذلك.
إن الوجه الأخير من سلاسة الأسلوب، هو الحديث عن عناصر الترجمة العلمية، ولفهم الكلام يجب أن يكون اللفظ محدداً والعبارة مألوفة والتركيب سهلا.
ونسوق فيما يلي ترجمات أو مقتطفات من مترجمات علمية من القديم ومن أيامنا هذه. حيث من خلالها يتضح مدى تقدم الترجمة في هذا القرن.
(من ترجمة محمود سامي البارودي لرسالة "السحر الأبيض والأسود" عن الانكليزية، نأتي على قطع منها:
(إنه مهما نسبه الجهل قديماً وحديثاً إلى كلمة السحر من غلط التأويل، فإن معناها الحقيقي هو العلم الأعلى أو الحكمة المؤسسة على قواعد الدراية والتجارب الرياضية، ففن السحر هو في استخدام المرئيات أو القوى الروحانية لإدراك بعض الأغراض المقصودة.
ويترجم اسماعيل مظهر قول الأستاذ "بنيامين" كدّ صاحب الكتاب المعروف في التطور الاجتماعي إن الروح الحربية التي تملكت زمام المدينة في عصور الوثنية هي التي شكلت تاريخ الغرب برمته، فخرجت الشعوب الغربية من تلك الحروب، حروب التدمير والتخريب، بمدنية هي أغرب ما وصل إليه الإنسان في تاريخ الدنيا. وما من ثمرة من ثمار هذه المدنية وما من نظام من نظاماتها الاجتماعية أو شكل من أشكالها. إلا وجدت للروح القديم أثراً كبيراً فيه(1).
من كلمات العالم الألماني الكيماوي النابغة فرديريك برجيوس صاحب جائزة نوبل لعام 1931 والذي حول خشب الغابات إلى سكر، والفحم الحجري إلى زيت معدني، يقول العالم الفذ، بترجمة الأستاذ عوض جندي(2).
__________
(1) حركة الترجمة في مصر -أحمد عصام الدين ص90-93.
(2) حركة الترجمة في مصر -أحمد عصام الدين ص90-93.(1/146)
الخشب مادة أولية قديمة العهد، يستخرج منها الآن بالكيمياء الصناعية مواد تقوم مقام الكثير من الأشياء الطبيعية، ومنها وقود المحركات الميكانيكية وطعام الإنسان والحيوان، ثم الثياب وأجزاء الطائرات. ويقضي العلم العصري بأن العناصر الأصلية الموجودة في كل نبات حي، يشبه بعضها بعضاً، بدت لنا ذات أشكال مختلفة كل الاختلاف.
ونقل الدكتور عثمان أمين كلام فيلسوف انجلترا القرن الثامن عشر "جون لوك" وهو يقر بما للفيلسوف الفرنسي "ديكارت" من فضل على الفلسفة، قال:
بعد أن عكف الناس على تعلم الفلسفة وتعليمها طبقاً لمختلف المبادئ طوال هذه المئات من السنين، نهض في ركن من أركان العالم شخص غير وجه الأمور، وشرع يبين أن جميع من سبقوه لم يفهموا من مبادئ الطبيعة شيئاً، ولم يكن ذلك ادعاء ولا غرور بل يلزمنا أن نقر أن هذا الفيلسوف الجديد قد منحنا، للنظر في الأشياء الطبيعية، نوراً أكثر مما منحنا الفلاسفة الآخرون عن بكرة أبيهم.
ومن مترجمات علم التاريخ، ينقل الدكتور محمد غلاب نص وصية الملكة ماري أنطوانيت ملكة فرنسا إبان الثورة الفرنسية، وهي وصية وضعتها صاحبتها في صورة رسالة إلى أخت زوجها اليزابيت، كتبت تقول:
"إنما إليك أيتها العزيزة أكتب للمرة الأخيرة، فلقد حكم عليّ منذ هنيهة، ولكن بالموت المخجل، لأن ذلك مقصور على المجرمين، بل بالرحيل للالتقاء بشقيقك.. نعم إنني أشعر بأسف عميق لفراق ولدى البائسين، ولا سيما أني علمت في أثناء نظر القضية أن ابنتي قد انتزعت منك، فوا أسفاه على هذه الطفلة المسكينة.. الخ.
وتقصد الملكة بعبارة "بالرحيل إلى الالتقاء بشقيقك الإشارة إلى مصيرها المحتوم، فهو قد اعدم قبلها.
ولفتّة أخرى إلى قادة الرأي القائل بعجز العربية عن أداء رسالتها العلمية في العصر الحاضر أن يعدلوا عن تشويه وجه حقيقة أقر بها الغريب قبل القريب، فهذا جورج سارتون يقول:(1/147)
"إن بعض العلماء يجربون أن يستخفوا بتقدمة الشرق للعمران، ويصرحون بأن العرب والمسلمين نقلوا العلوم القديمة ولم يضيفوا لها شيئاً ما.." إن هذا الرأي وأنه لعمل عظيم جداً أن ينقل العرب إلينا كنوز الحكمة اليونانية ويحافظوا عليها، ولولا ذلك لتأخر سبر المدنية بضعة قرون".
ولم يكن سارتون وحده الذي غمره فيض هذه الحقيقة اللؤلؤى فغسلت فؤاده من العصبية العمياء، فهذا دي فو يقول:
"إن الميراث العلمي الذي تركته اليونان لم يحسن الرومان القيام عليه، أما العرب فقد اتقنوه وحفظوه، وعملوا على تحسينه وإنمائه، حتى سلموه للعصور الحديثة".
ويقول سيدلو:
.. وإن إنتاج أفكار العرب والمسلمين يشهد بأنهم أساتذة أوربا في جميع فروع المعرفة".
وما هي إلا مقتطفات ثلاثة من الأفلام النزيهة، انبثقت انبثاق الزهر من الاكمام ولئن زاد اليوم الاعتراف بفضل العرب في هذه الناحية، فلأن للحقيقة العارية اليوم نصيباً أكبر من اهتمام الناس. (1).
ثالثاً- اشتات الترجمة
إن الترجمات المشتتة التي ظهرت خلال القرن العشرين كثيرة جداً ومتنوعة تجمع ما هو ليس أدبياً بحتاً ولا علمياً خالصاً، نأتي على ذكر بعضها ضمن جدول الترجمات في نهاية هذا المؤلف: حيث حفلت هذه الحقبة بأعمال كبار في الترجمة، سواء في نطاق العلوم الإنسانية أو مجال الفنون- الحضارات- التاريخ- الاجتماع- والمعارف العامة وغيرها.. الخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــ
الفصل الخامس
أنواع الترجمة الأخرى
1-ترجمة الشعر
2-ترجمة القصة
3-ترجمة المسرحية
4-الترجمة الكلاسيكية أي المنهجية
5-ترجمة الدوبلاج السينمائي
6-ترجمة المؤتمرات
7-الترجمة الآلية ومدى بعد المترجم من حقوق المؤلف
8-الترجمة الحرفية -بالمعنى وبالصيغة
9-ترجمة المختصرات وترجمة النصوص التقنية
10-كيف نترجم
أولاً ترجمة الشعر
__________
(1) المرجع السابق ص94-95-96-97(1/148)
أغفل العرب منذ القديم ترجمة الشعر إلى لغتهم، وقد علل المؤرخون هذا الأغفال بأقوال مختلفة، لكنها مجمعة على الاعتراف بأن هذا الاحجام ترك الشعر العربي مقتصراً على ما نشأ عليه. غير أن تطور الثقافة والعلوم ووسائل التنقل وتبادل الثقافات قد أثرت في الجيل الصاعد فانصرف عن ترجمة الشعر إلى غيره وبخلاف المسرحية الشعرية التي لاقت من المترجمين كل عناية، وخاصة الكلاسيكية منها، حتى أن نقل بعضها أكثر من مرة.
غير أن انصراف مترجمينا عن الشعر لا يعني غياب نقل الشعر كلياً، فقد عرفت اللغة العربية نقل بعض الآثار الشعرية الأجنبية. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
-كتاب كلستان السعدي الذي ترجمه جبرائيل مخلع الدمشقي عن الفارسية، مزاوجاً فيه بين الشعر والنثر وطبعه في مصر عام 1864م(1).
-كتاب العيون اليقظة في الأمثال والمواعظ، وهو ترجمة حكايات لافونتين، قام بها محمد عثمان جلال المصري وطبعها في مصر 1857م.(2)
-وفي عام 1864 نشر جبرائيل عبد الله دلال، الحلبي الأصل، قصيدة من مئة وواحد وخمسين بيتاً لخص موضوعها عن فولتير وسماها "العرش والهيكل" وفيها طعن برجال الدين المسيحي وأصحاب السلطة الاستبدادية(3) وقد ظهرت القصيدة في باريس(4) وفي عام 1904 قام سليمان البستاني بترجمته الشهيرة لالياذة هوميروس، وقد نقلها عن اليونانية رأساً وصدّرها بمقدمة طويلة بلغت نحو مئتي صفحة.
وفي عام 1912م(5) قام وديع بستاني بنقل "رباعيات الخيام" إلى العربية ونشرها في مصر.
__________
(1) زيدان تاريخ آداب اللغة العربية ص572-576
(2) حسن، محمد عبد العيّ: فن الترجمة في الأدب العربي ص101
(3) سيكس يوسف اليان معجم المطبوعات العربية والمعربة ص878.
(4) المرجع نفسه، وراجع أيضاً مجلة الجامعة (لفرح انطون) م4 ص211
(5) المقدسي، أنيس الاتجاهات الأدبية، ص371، ومجلة الزهور، م3 (1912)، ص43.(1/149)
لقد نشطت ترجمة الشعر مع حلول هذا القرن وتحولت إلى حركة مهمة بعد الحرب العالمية الأولى، وما زالت هذه الحركة تزداد نشاطاً يوماً بعد يوم.
هذا الازدهار الذي عرفته ترجمة الشعر بعد الحرب العالمية الأولى يكفي كدليل على إن الأسباب التي حالت دون ترجمة الشعر عند العرب كانت ظرفية. لقد انصرف العرب عن ترجمة المسرحيات والقصة وعدم الاهتمام بهما فلم يصلنا من آثارهم ما يتعدى عدد الأصابع، غير أنهم عادوا وأقبلوا عليها في نهضتهم فترجموا منها المئات بل الآلاف.(1)
ولكن لماذا تأخرت ترجمة الشعر عن ترجمة أكثر الفنون، وجواباً على هذا التساؤل نشير إلى أربعة عوامل:
1-إن الدافع إلى الترجمة هو الحاجة، غير أن القراء العرب لم يبدون رغبتهم إلى ترجمة ونقل الشعر الأجنبي لقلة إقبالهم على مثل هذا الفن، لاعتزازهم بالشعر العربي ولإحساسهم بعدم تفوق أي شعر عليه. وربما كان لهذا الأثر في أحجام النقل عن الشعر الأجنبي. فقد أقبل الجمهور على اقتناء القصص وحضور المسرحيات مما شجع المترجمين على ترجمة العدد الكبير من الكتب في هذين الفنين.
__________
(1) راجع الفصل الخاص بترجمة القصة.
... (حركة الترجمة في عصر النهضة -لطيف زيتوني ص59-60
... راجع لطيف زيتون /حركة الترجمة في عصر النهضة ص59/60(1/150)
2-إن الشعر يختلف عن القصة والمسرحية كونه متداول ومعروف لدى العرب منذ القديم، بل إن انهم كانوا يفخرون به على سائر الأمم. وفي بدء النهضة، بعد مرور زمن على ركود الشعر توجه رواده بعنايتهم إلى إعادة الروح إليه، وصادفت هذه العناية قيام المستشرقين بنشر المخطوطات القديمة(1)، حيث توافق ذلك مع نهوض رواد افذاذ سهلوا الطريق نحو إحياء اللغة العربية، فأيقظت هذه الحركات من جديد حاسة السير والاهتمام بالشعر متوغلين به نحو الصحراء ومما شجع على هذا التجديد الشعري أن بعض الرواد أيضاً كانوا في الوقت نفسه من هواة أحياء اللغة وإغنائها بتقنيات جديدة، مثل اليازجي الأب والشدياق وسليم نجار وغيرهم.. غير أن استمرار الشعر على قيد الحياة، عبر عصور الانحطاط، أدى إلى استمرار سيادة المفاهيم الشعرية، فكان أقصى منية الشاعر في القرن الماضي أن ينهج بشعره طريق فحول الشعراء الأقدمين.(2).
3-إن العامل الثالث الدافع إلى الترجمة هو الذوق والمتعة في تأليفه وأدائه ولعل عامل الذوق هو في الشعر افعل منه في سائر الفنون وخاصة لدى الجمهور، وقد كان هذا الذوق تقليدياً ليس في الشعر فقط، بل في المعاني والتشابيه وفي هيكل القصيدة عامة، ولا يقتصر هذا الذوق على الشعراء ذوي الثقافة الواحدة بل يشترك فيه شعراء يهتمون جيداً بالأدب الأجنبي "مثل نجيب حداد" الذي عقد مقابلة بين الشعر العربي والشعر الأجنبي انتهى به إلى القول: "بتفوق الشعر العربي على شعر سائر الامم، مما يذكر بقول الجاحظ (إن الشعر مزية تمتاز بها اللغة العربية على سائر اللغات).
__________
(1) راجع الاتجاهات الأدبية، أنيس المقدسي، ص371- ومجلة الزهور م3 (1912) ص43.
(2) راجع الهامش 107.(1/151)
إن الشعر هو أكثر الفنون الأدبية التصاقاً بمحيطه، والأعمق تعبيراً عن روح كاتبه وذوقه وبيئته، وبالنسبة للشعر الجديد وطريقة نظمه لا بد من تلقي الكثير من المنقول الشعري كي يعتاد الذوق العربي على كنهه وصوره ومساره وكل ما يتصل بقواعده، مع أنه منذ بدء النصف الثاني درج الكثير من شعراء العرب على الأخذ بمبادئه، من حيث (تلوين المعاني ورقة الأسلوب وتجميل الصورة واستيحاء الفكر والموضوع، ونسج ذلك في قصائد لا تختلف عن القديم إلا بمثل هذا اللون العصري.
4-أما العامل الرابع في ترجمة الشعر هو الجهد والوقت اللذان يجولان دون الإقبال عليه، والترجمة تستدعي تبديل العبارة بألفاظها ربما يؤدي الأمر بالناقل إلى تغيير الأصل بجملته أو بقسم منه إلى معنى يقاربه لعدم اتفاق المعاني بين اللغتين، ولتباين الأذواق والأساليب في المجاز والاستعارة وغيره من حيث المعنى والمبنى، ومن الجهة الأخرى يفوح من القصيدة جو عطري يستحيل تصويره ونقله إلى مثله، وقد سبق للجاحظ أن قال: (إن الشعر لا يترجم ولا يجوز عليه النقل).(1).
-تطور ترجمة الشعر:
رغم العوامل التي ذكرت أعلاه، التي أعاقت التبادل، والاستفادة من النتاج الشعري الغربي فقد أصابت الترجمة حظاً كبيراً من العناية بعد الحرب العالمية الأولى فمع مرور وزيادة الإطلاع على الأثار الشعرية الغربية، وازدياد الاحتكاك بين منطقة البلاد العربية والغرب، حصل تطور كبير على الذوق الشعري العام، وشهدت هذه الفترة ظهور طبقة واسعة من المثقفين ثقافة غربية عميقة، فكان إقبالهم على النتاج الشعري الغربي نشيطاً وكان على أيديهم نقل الكثير من الآثار الشعرية المتنوعة لمختلف اللغات.
فأثمرت هذه الترجمة غذاء للعقول وأضافت إلى روعة الشعر العربي خصائص ومناخات ومفاهيم جديدة أغنت الشعر العربي.
__________
(1) راجع تاريخ أداب اللغة العربية، الجزء الرابع ص507-527.(1/152)
وعلى سبيل المثال، إذا ما عدنا إلى القصائد المترجمة في أواخر القرن 19 ومطلع القرن العشرين نذكر مقطعاً من قصيدة لامارتين: موجهة إلى صبية عربية كانت تشرب بالنارجيلة في إحدى جنائن حلب a une jeune arabe qui fumait le narguil dans un jardin d’alep(1)التي ترجمها الشاعر خليل الخوري، صاحب "حديقة الآبار" ونشرها في كتابه (نعم، لست بإفرنجي"(2) ولكن هذا لا يعني أن تاريخ هذه القصيدة هو بداية لحركة ترجمة الشعر، لأن قصيدة أو بضع قصائد لا تشكل حركة ترجمة خاصة وحتى الآن نفتقد إلى مجلات وصحف ذلك الزمان.
تعتبر هذه الترجمة من أقدم الترجمات في النهضة الحديثة، فقد حاول المترجم التقيد بالأصل ما أمكن دون أن ينقص شيئاً ولكنه لاستقامة الوزن أضاف بعض الكلمات فإلى أي حد عكست الترجمة فحوى الأصل في المعنى والمبنى والجو الشعري، يقول لامارتين في المقطع الأول:
1-oui? Toi? Me demander l’encens de poesie
2-toi fille d,orient nee aux vents du desert
3-fleur des jardins d’alep , que bulbul eut choisie
__________
(1) إذا أردت راجع الترجمات التالية:
... -إنما المنفى وحيد: تأليف -ترجمت عن الفرنسية من قبل عيسى معلوف 80 ص ص274-276
-الاسكاف، الصراف: تأليف لافونتين ترجمة جبران النحاس 80، 335-337
-عند الغروب: تأليف لامارتين ترجمة توفيق نعمة الله مارون (ترجمة نثرية) 10 ع13- ص2
المرأة: المظلومة:ترجمة بشاره الدوري عن قصيدة La delassee م1 ع6، ص2
(ماذا عليّ) قصيدة فرنسية الأصل ترجمها إلى العربية عادل عسيران م1، ص221
(عبود مارون، رواد النهضة الحديثة، ص511
(اذكريني) تأليف الفريدده موسيه، ترجمة إبراهيم سليم النحاس، م2- ص61
(الوطنية في الشعراء: قصيدتان لبيكر وموسيه، ترجمة ميشلل ذكور م5- ص324
(أغاني مينرفا على قيثارة قينوس: تأليف فيكتور هيغو ترجمة سلوى الصايغ 10 ص329-343
راجع كل حركة الترجمة/ لطيف زيتون ص66-67(1/153)
4-pour languir et chanter sur son calice ouvert
فقد نقلها الشاعر خليل الخوري بهذه الأبيات:
من يا ترى هل أنت جئت لتبتغي ... مني المدائح في شذا الأشعار
أنت ابنة الشرق التي ولدت على ... ريح القفار "بأنزه الأمصار
يا زهرة بجناين الشهبا غدت ... مختارة من بلبل "الأشجار
حتى يطيب النحيب مع الغنى ... في كمها التفتح "الإزهار"
من مقابلة هذين المقطعين يتبين أن المترجم حافظ على المعنى كشكل اجمالي، لكنه أفسد في موضعين، الأول: حين تجاهل صيغة الفعل الفرنسي Eut choisie إن هذه الصيغة في زمن ال Subjonctif تفيد التمني والاحتمال وليس التوكيد، وتبعد المعنى عن الخبرية البسيطة والدلالية الثابتة، فقد ترجم هذا الفعل بعبارة (غدت مختارة) التي لا تخلو من توكيد وتبسيط مادي للمعنى بقربه، من الخبر البسيط، هذا فضلاً عما في كلمة (عدت) من دلالة زمنية وصرف ذهن لا يلاحظ في النص الأصلي أصلاً لها.
الثاني: عندما تترجم عبارة (Pour languir) بعبارة (حتى يطيب له النحيب) فمثل هذا النقل لا يفيد الفعل الافرنسي بأنه البكاء والنحيب بل الوهن والاسترخاء.
إضافة إلى ذلك، حشر المترجم في أبياته كلمات كثيرة لا يستفاد منها غير الوزن مثال: (Qui) الاستفامية بعبارة (من يا ترى) مع أن حرف الاستفهام هنا يكفي، لأن كلمة (Qui) تأتي بمعنى الذي -ومن. وحشر (جئت) حشرا إذ لم يقصد به معنى الاتيان بل استعمل كفعل مساعد (Verbe auxiliare) على غرار اللغة الافرنسية، وأيضاً جاء بكلمة (شدا) ناقلاً إياها من الزهر إلى الشعر، وترجم عبارة (Née au vent du desert ) ولدت على ريح القفار) مع أن الولادة لا تكون على الريح، وربما كان القصد، أنها تشققت هذه الريح منذ ولادتها كما أن استعمال لفظ (القفار) بصيغة الجمع إيغال ل "حلب "في الصحراء فعلامة الجمع في النص الأصلي مقرونة بالريح وليس بالقفر، وفي البيت وما يليه حشو كثير: مثل: بأنزه الأمصار- "الأشجار "الازهار".(1).(1/154)
فقصيدة لامرتين- (البحيرة Le lac).
لا تعرف قصيدة من الشعر الغربي اهتم بها المترجمون مثل قصيدة "البحيرة" للشاعر الفرنسي الفونس ده لامارتين. فقد أقبلوا على نقلها شعراً ونثراً، ومن هؤلاء -نقولا فياض، وشبلي ملاّط من اللبنانيين، وعلي محمود طه والدكتور إبراهيم ناجي واحمد حسن الزنات من المصريين، والقصيدة طويلة، تضم أربعة وستين بيتاً وهي مقسمة إلى رباعيات.
يقول لامرتين في مطلع القصيدة:
Ainsi, toujours poussés vers de nouveaux rivges
أهكذا دوماً مدفوعون نحو شواطئ جديدة
في الليل الأبدي مخطوفون بلا رجعة
Dans la nuit éternelle emportee sans retour
ألا يمكننا أبداً، على محيط الاعمار
Ne pourrons -nous jamais sur l,ocean ds ages
أن نلقي المرساة يوما واحداً(1)
Jeter l,ancre uN seul jour
ليس من شك في أن الترجمة الحرفية تذهب بحسن الشعر وتزيل موضع التعجب منه، وقد قال الجاحظ -(إذا لم ينقل المترجم المعنى وظلاله ويسكبها في قالب خليق بهما، بما يحفظ جو القصيدة وروحها العامة، فالشاعر تذكر حبيبته. لقد وافته إلى هذه البحيرة يوماً فجلسا ينهلان من فيض الحب ما حبب إليهما العودة.. الخ.
وقد كان "نقولا فياض" موفقاً في التعبير عن هذه المعاني وما حوتها.
يقول الفريد ده موسيه في قصيدته "اذكريني" (Roppelle- toi).
1-rappel toi quand l,aurore craintiue
2-ouvre au soleil son palais enchante
3-rappel -toi lorsque la nuit pensive
4-passe en rêvant sous son voile argente
5-al, appel du plaisir lorsque ton sein palpite
6-aux doux songes du soir lorsque l,ombre t,invite
7-ecoute au fond des bois
8-murmurer une voix
9-rappel -toi
-اذكريني ترجمة الياس فياض:
اذكريني كلما الفجر بدا ... فاتحا للشمس قصر العجب
اذكريني كلما الليل مضى ... هائما محتجبا بالشهب
وإذا ما صدرك ارتج لدى ... دعوة اللذات وقت الطرب
__________
(1) ديوان فياض الجزء الأول ص34(1/155)
او دعاك الظل يا مى إلى ... طيب الأحلام عند المغرب
فاسمعي من داخل الغاب صدى ... هاتف فيها يناديك اذكريني
اذكريني ترجمة إبراهيم سليم النجار
اذكريني عندما يبدو الأفق ... فاتحا للشمس قصر الذهب
اذكريني عندما يسري الغسق ... فاكرا تحت ستار الشهب
وإذا ناداك داعي الطرب قليلا ... واسمعي صوتا ضئيلا
واذا قلبك لبّى وخفق ... أصفى للغاب قليلاً
بدأ فياض ومثله النجار من كلمة العنوان فترجماه بلفظ "اذكريني" كما لو كان الأصل Souviens -toi de moi ويتردد هذا اللفظ مراراً في القصيدة الأصلية، وبه يتم ختم مقاطعها ينقله فياض بصورتين: الأولى "اذكريني" وهي التي يبدأ بها، أما التي يختم بها فهي كلمة "تذكري" وهي الأصح، أما النجار فاستمر على غرار ما بدا به وهو طول القصيدة، ففي البيتين الأول والثاني من الترجمة
(التي تمثل الأبيات الأربعة الأولى من الأصل) يحذف فياض النعت الأول Pensive craintive من كل بيت ويجعل الثاني Argenté, enchanté اسما مضافاً إلى ما قبله، ثم ينقل الفعل (Ouvre) إلى الحال بكلمة (فاتحا) بعدما يزيد -فعلا- ليس في الأصل (بدا) مفوتا على البيت قيمة جمالية أكسبه إياها التشخيص
(La pcrsonnification) الذي لجأ إليه المؤلف عندما جعل الفجر إنساناً يفتح بيديه أبواب قصره، كما يحذف المترجم ضمير الملكية (Son) الذي أثبته المؤلف امعاناً في التشخيص، أما ترجمة عبارة (Palais enchanté) بـ (قصر العجب) فلا تفيد المعنى المطلوب تماماً لأن النعت الفرنسي يقابل اسم المفعول في العربية، فالمأخوذ بالعجب هو القصر نفسه حسب النص لا الناظر إليه كما تدلّ ترجمته.(1/156)
ويضعف المترجم المعنى في البيت الثاني عندما ينقل الفعل الحاضر (Passe) الى الماضي (مضى) ففي الحاضر حياة، وفي الماضي جمود، أما ترجمة الحال (En rêvant) بالحال (هائما) فليست صادقة لأن الهيمان في اللغة هو (خروج "الإنسان") على وجهه في الأرض لا يدري أين يتوجه، ففيه كما يرى معنى الضياع والحيرة والاضطراب لا معنى الحلم الذي يفيده الأصل. وبعد أن يحذف ضمير الملكية مرة أخرى، يُكنّي عن السماء بالشهب نظير كناية المؤلف عنها بالحجاب المفضفض. وبيّن أن كناية المترجم لا تذوب في روح النص ذوبان كناية الأصل. فالشهب في اللغة هي "النجوم المضيئة اللامعة" ومن شأن شدة الضوء أن تجذب إليه النظر فينقطع الحلم ويفسد المعنى.
أما في البيتين الثالث والرابع يزيد المترجم عبارتين (وقت الطرب) والنداء (يا ميّ) ليستقيم له الوزن، ويترجم لفظ (ombre) بالظل، وهو صحيح، ولكن اللفظ الفرنسي مرتبط بالسياق، وبالتالي فإن معناه هو (L ,ombre du soir) أي العتمة لا الظل وهو "ضوء شعاع الشمس إذا استترت عنك بحاجز".
وينهي الناقل المقطع الأول من المنظومة بترجمة عبارة (Murmurer une voix) بـ (صدى هاتف.. ينادي) ولفظ هتف في اللغة يعني (صاح مادّاً صوته)، ففيه، كما ترى، معنى لا يوافق الأصل الذي يفيد الهمس وخفوت الصوت ومما يزيد في بعد الترجمة عن دقائق الأصل استخدام لفظ (الصدى) الذي لا يرافق سوى الأصوات المرتفعة التي تبلغ، بفضل قوتها، التلال المقابلة فتنعكس فيها كما تنعكس الصورة في المرآة. مع ذلك، ففي كلمة هاتف التي تعني أيضاً (الصوت يسمع دون أن يرى شخص الصائح) دلالة من دلالات الأصل، قد لا تتضمنها سائر الكلمات.(1/157)
أما نجّار، فلا يتقيد بحرفية النص بمثل فيّاض، ولكنه يبدو متأثراً بقصيدته: فالراوي واحد هو الباء (في المقطع الأول) وكثير من ألفاظ فياض(1)، حتى التي جاء بها أصل، أو ابتعد بها عن دقائق المعنى، ماثل في ترجمة فياض. فمثل فياض يحذف نجار من البيتين الأول والثاني من الأصل (النعت الأول
Pensive craintive) ويجعل النعت الثاني (Argenté, enchanté) اسماً مضافاً إلى ما قبله. ومثله ينقل الفعل الافرنسي (Son) إلى الحال (فاتحا) بعد أن يزيد فعلاً هو (يبدو) ومثله بحذف ضمير الملكية ( son ) حيث وجده، ومثله يكنّى عن السماء بالشهب، ومثله أخيراً، ينقل ظرف الزمان (Lorsque) إلى أداة الشرط (إذا) في البيتين الخامس والسادس من الأصل.
أما فيما عدا ذلك، فيبتعد عن فيّاض وعن الأصل في آن واحد، فيترجم اللفظ الفرنسي (Aurore)، وهو الفجر الذي يسبق الشروق، بالشفق وهو، "حمرة تظهر في الأفق حيث تغرب الشمس والتناقض ظاهر(2). ويترجم
(Palais enchanté) بعبارة (قصر الذهب) ولا يلمح الذهب في شيء من معنى الأصل، ولا تستدعي القافية هذا اللفظ ما دام المترجم لم يتجاوز البيت الأول من منظومته. أما في سائر أبيات المقطع الأول يتصرف المترجم مبتعداً عن حرفية النص حاذفاً القسمين الأولين من البيتين الخامس والسادس من الأصل.
__________
(1) راجع ديوان الياس فياض
(2) راجع حركة الترجمة في عصر النهضة لطيف زيتوني ص73-74(1/158)
وحكمنا أن فيّاضا وُفّق في ترجمة القصيدة، فقد تقيد بالنص إلى حد بعيد، وإن حذف كلمة أو زاد لفظا فللضرورة الشعرية، وحافظ على ترتيب الأبيات، وحرص على تأدية المعنى وظلاله وعبر عن روح النص وجوّ القصيدة معتمداً على موهبته الشعرية وذوقه الأدبي وقدرته على فهم الأصل، فهماً كاملاً، وفيّاض من الشعراء الذين اتحفوا العربية بالعديد من المنظومات الراقية مختاراً لها من البيان إصفاه ومن الألفاظ أرقها وانفذها إلى الأذن والقلب. أما ترجمة إبراهيم نجار ضعيفة بالمقارنة بزميلتها. ابتعد بها صاحبها عن الأصل حين اختصر وحذف فلم يؤد المعاني كاملة، وهبط بها إلى النثر في بعض المواضع فانحط أسلوبها وتنكر للمعاني الدقيقة وظلال المعاني فتنكر له الجو الشعري وروح القصيدة. فبدا وكأن الشاعرية قد خانته.
الخلاصة: إن المقابلة بين قصيدتي خليل الخوري والياس فياض المترجمين، تكشف لنا بوضوح التطور الكبير الذي سجلته ترجمة الشعر سواء من حيث اللغة الشعرية أو استيعاب اللغة لظلال المعاني الأجنبية.(1/159)
فمع أن خليل الخوري شاعر مجدد ولغته العشرية كما تظهر في دواوينه الكثيرة المطبوعة سلسة ورقيقة، إلا أن ترجمته قصرت عن التعبير عن روح النص كما قصرت عن ترجيع صدى الإيقاع الهادئ المتردد في كل أبياته. فترجمة الشعر تختلف عن الوضع بأن المترجم لا يستوحي إلهامهُ ولا تأتيه الألفاظ مهتدية بالمعاني التي يوجه الشاعر أحاسيسه إليها. فهو ينظر إلى النص فيرى كل شيء ماثلاً أمامه، وما عليه سوى اختيار اللفظ المناسب. هذا على صعيد الترجمة الآلية للشعر أما ترجمة الشاعر للشعر فهو خلق جديد. إنه يستوعب القصيدة الأجنبية بجملتها ثم يعود إلى كل بيت أو كل جزء فيقلب معناه في جوانحه ويصرف إليه ذهنه وإحساسه ويتبناه وكأنه من إنتاج الهامه، ثم يستنزله في قالب وصياغة كقالب أشعاره الموضوعة وصياغتها. فإذا كانت قوالبه وصياغته تتسع لهذه المعاني، سُميت ترجمته صحيحة فسمت إلى مستوى الأصل أو قريب منه أما إذا كانت قاصرة عن استيعابها، كأن تكون لغة عصره الشعرية مادية والمعاني وجدانية كثيرة الظلال، فلا بد أن تقصر ترجمته بمقدار تقصير لغته الشعرية.
بهذا القياس يمكن الحكم بأن لغة الشعر العربية قد ارتقت كثيراً خلال أقل من نصف قرن، فترجمات الأخوين، الياس ونقولا، فياض كثيراً ما ضارعت لغة الأصل أو قاربتها وكانت بالفعل، خلقاً جديداً بدليل من يقرأ أكثر ترجمات فياض لا يشك لحظة باحتمال كونها مترجمة. ومع ذلك، نراها أمينة للنص، متقيدة بمعانيه وظلال معانيه. فمن يقرأ "النسيم العاشق" أو، النجوم(1)
__________
(1) نقلها عن سولي برودوم Sully prudhomme سنة 1913، وعنوانها في الأصل Voie lactee انظر ديوانه ص62 وقد ترجم أمين الريحاني هذه القصيدة إلى الانكليزية نقلاً عن النص العربي سنة 1927.
... راجع بشأن هذه الترجمة الثانية الريحاني، البرت، الريحاني: تأليفه، حياته ومختارات من آراءه ص54-55- والريحاني، أمين: أدب وفن من 20-22.(1/160)
نجد شعراً عربياً رقيقاً طلّقا لا أثر فيه إلاّ للالهام والموهبة ومع ذلك فالقصيدتان مترجمتان.
وصفوة القول في ترجمة الشعر أنها تأثرت بنظرة العرب إلى شعرهم واعجابهم بموروثهم منه، كما تأثرت بعوامل أخرى منها صعوبة ترجمة الشعر فنياً وقلة اهتمام عموم القراء بالكتابات الشعرية، فلم تلق من المترجمين ما لاقته سائر الفنون الأدبية، كالمسرحية والقصة، لكنها بعد اشتداد حركة الترجمة عامة بدأت تشهد بعض الاقبال والعناية، فأقبلت المجلات الأدبية على نشرها منثورة ومنظومة. وخصص لها بعض المجلات بابا ثابتاً يختار مادته من رياض الشعر الأجنبي الفسيحة ثم يدعو الشعراء إلى معارضة هذه الترجمات ونظم معانيها ولئن تأخرت ترجمة الشعر في الانطلاق بقوة وعزم فإنها ما لبثت، بعد الحرب العالمية الأولى، أن تحولت إلى حركة نشيطة ما زالت تشتد الي اليوم.
في مجال الترجمة نورد فيما يلي ما يعرضه أدمون كاري (Edmond carry) في كتابه (كيف تتم الترجمة) ص39-48 حول بعض الترجمات.
في مناقشتنا السابقة لا يسعنا إلا القيام بمقارنة ولو متأخرة لبعض الترجمات لكتاب (الف ليلة وليلة).
فإذا تصفحنا ترجمة الدكتور ماردروس نجد ما يشد نظرتنا فعلاً هو الأسطر المدونة بالإيطالية التي تتضمن أقوال الشعر التي يُستشف منها الطابع العربي. فإن وجود مثل هذا الحضور الشعري في الرواية له طعم خاصا وجادا نتذوقه عند قراءة كتاب ماردروس يتيح لنا استشفاف أصالة نقية تمثل الأصالة الشعرية العربية، كيف يمكن التصرف تجاه هذا الموضوع الخاص والمتعلق بمختلف المترجمين الذين تفحصناهم جنباً إلى جنب.(1/161)
غالان Galland هذا الشاعر المحبوب هو أول من أحسن تعريف أوروبا بفن الشعر كما هو الذي حذّق بنقاء هذه الاستشهادات، وعند تلاوة الكلمات شعراً نجدها ضرورية لحسن سبك الرواية، فقد أدمجها في النص نثراً سالكاً سبل الاختصار قدر الإمكان دون أن يترك المجال للتحقق من وجود "كسر في النغم" في اللغة العربية يعود إلى تلميح أو إستشهاد أو سبب آخر، فإذا ما استعرضنا الثلاث روايات التالية: (المدخل- الصياد- تاريخ الأمير الفاتن)(1) نجد أنه من بين السبعة عشر رواية شعرية في النص العربي، لا يوجد منها أية واحدة لدى غالاّن Galland حتى ولا على أية معالجة حتى ولو كانت استثنائية، أمكن وصفها.
أما ريشار بورتون Richard rurton صاحب الألفاظ الفظة والشاردة لم يجد نفسه مرتبكاً من هذيانه الشعري الوارد في النص، حيث لم يتقيد إلا بخمسة منها ثلاثة ليست سوى مراجعة لتكامل بيتين شعريين ترجمهما دون أية إجادة.
كما يوجد لدى ماردروس ثمانية استشهادات كانت باللغة الإيطالية، بالإضافة إلى وجود جملة قصيرة مندمجة في النص بصيغة نثرية، يعود نصفها إلى المصدر. ومجمل كلماتها لا ينقصها حسن الإبداع، كما هي مثيرة لذكريات الشعر الشرقي. غير أنه ما يمكن لوم ماردروس فيه إنه جهد إلى القيام بترجمة حرفية وأمينة بقصد إبراز النغمة الشرقية أكثر مما ورد في المصدر الأصل أما مسألة الخروج عن الموضوع الشعري كانت مدعاة لتلون محلي فجاءت الترجمة ناجحة أفرغ المترجم كل جهد وطاقة موجات من العبق المحبب في المعاني الشعرية ومسحة من الصفات التي لم نلمسها في أساس القصة. وقد اهتم هذا السلوك بعدم تجاوز السمات المقبولة عادة لدى العامة.
__________
(1) راجع (ادمون كاري- كيف تترجم ص39-41 المطبعة المركزية صنع عام 1986.(1/162)
وقد شعر ماردروس أن بعض العادات والتقاليد التي يمارسها القانون في الشرق قد تغيظ وتدخل السأم في نفس القارئ الفرنسي، أما العمل بتكامل البيتين الشعريين اللذين سبق ذكرهما بأن الأسماك الصغيرة في البحيرة الفاتنة تكرر على ثلاث مرات للظروف المختلفة التي تعتريها قبل قفزها من وراء المدخنة، وهذا ما يطرح واحداً من جملة المعايير في المسائل المصادفة. فحسن صياغة الجملة هي ضرورية لحسن السير بتعقل لمعالجة الوقائع وهذا ما وصفه غالاّن Galland دون أن يفكر بما تضمنته الأشعار التي تقول:
(بآن واحد، رفعت الأسماك رؤوسها لتقول بشكل واضح ومميّز (نعم، نعم) إذا قمت أنت بالحساب نحن أيضاً نفعل ذلك، وإذا أنت دفعت ديونك نحن أيضاً ندفع ديوننا، وإذا هربتم نحن نكون الغالبون وسنكون فرحون.
في المرحلة الثانية، حذف ماردروس الاستشهاد بفضل التورية، كان إن عادت الأسماك برفع رؤسها مع الإجابة نفسها ولكنه من جديد زاد هذا النص قليلاً من الاكتمال بالنسبة للمرة السابقة في مرحلته الثالثة والأخيرة.
أما بورتون، كما سبق ذكره، الذي يكدر سامعيه باستمرار، تبنى هذين البيتين المتكاملين بإعادتهما بعناية ثلاث مرات، مكرساً دون أي عناء جميع الاستشهادات الشعرية الأخرى مثل هذين البيتين:
Come back and so wille i! Keep faith and so wille but if he fain forsa ke,i ill requite till quits we cry
يحمل هذان الخطان بصمات، نجدها متمتعة بالحيوية والاستقامة وبمختلف الصور، كما هي مثقلة بالتعابير القديمة الفائضة.
تساءل ماردروس، هل المراجعة المطابقة لسطري الشعر، ستقطع كل تمثيل، علماً بأن الشعر العام الشرقي معتاد على مثل هذا الموضوع ولكن كاد القارئ الفرنسي أن يعبس بفرك حاجبيه أمام إعادة الجملة الصغيرة التي بدت وكأنها آلية، خلال ثلاث مرات وعلى صفحتين فهو لم يحذف شيئاً، ولكن الصعوبات كانت تدور لتغير النص قليلاً (قالت السمكات):(1/163)
إذا عدت ماشياً نحن نقلدك، إذا وفيت بوعدك نحن نفعل بالثل، أما إذا حاولت التهرب، فنحن نكرر ونلح حتى يصبح الأمر خاضعاً للتنفيذ، وفي المرة الثانية، إذا تممت قسمك وأوفيت وعدك، وفي المرة الثانية، إذا تنكرت أو قاومت.
أما الترجمة الروسية للسيد سالييه Salié التي سبق ذكرها، فقد ترجم بأمانة ودقة السبعة عشر قصيدة شعرية، منها ثلاثة بصيغة شعرية متطابقة أعيد انتاجها دون أي تبديل وضمن ثلاث مرات، ولا بد من الإشارة، إلى أن هذه الترجمة وحدها التي كانت تتطلع إلى أن تكون قريبة جداً من الأصل، محققة دور الجهد المبذول لاحترام إيقاعات وزن العروض العربية، التي تعتبر قريبة جداً من الترجمة الروسية.
إن هذه اللمحة السريعة تقودنا إلى بعض الأجوبة حول التساؤلات الأولى التي تدور في نفوسنا مفادها: "كيف يترجم الشعر" يبدو أن غالاّن جاد في هذا الموضوع، وبغض النظر عن التفتيش عن موقع المفارقة، يمكن القول إنه يوجد طريقة تتضمن عدم ترجمته بصورة كاملة، إن ترجمة غالاّن هي من النموذج "الجيد المنحرف" ومع ذلك ليست هي الأفضل ولكنه اعتمد هذا النوع من الترجمة كحالة خاصة.(1/164)
في الآداب الفرنسية، خاصة، ونظراً للصعوبة التقنية لا يمكن ابتكار نوعاً من العروض الفرنسية من الأشعار الأجنبية، وتعتبر المحاولة مربكة سواء كانت من نوع الشعر أو النثر كونها تتشابك لشرذمة أو قطع الأقسام الشعرية بيسر وسهولة، أو بإخفائها عن طريق إدماجها في كلام نثري، فتبدو عندئذ مموهة وغامضة وغير مكشوفة. بينما بالنسبة لمؤلف مثل رواية "ألف ليلة وليلة" تشكل الأشعار فيها بنية أساسية يصعب تجاوزها، كما أن الثقافة، والتناوب والتضاد في النص النثري أو الشعري المتراخي غالباً، أو المألوف، أو الساحر، وأيضاً الإشعار الراقية والقيمة، والمفعمة بالعواطف والإحساسات السامية، جميعها، تعتبر جزء من الهيكل الأساسي ووسيلة للتعبير، فمثل هذا التأليف نجده قد أصابه النزيف بأكبر معيار. وعلى كل حال، فمثل تلك الطريقة الأولية في تحليل مثل هذا الموضوع، لا يمثل سوى حالة واحدة محددة واستثنائية.
هناك حالتان أساسيتان يمكن التفكير بهما، وذلك إمّا بترجمة القطعة على طريقة الشعر أو على طريقة النثر، فعلينا الانتباه، ليس المقصود الآن سبك الشعر، لندعه جانبً الآن، ففي الفرضية الأولى يمكن القول، إنه لأجل ترجمة قطعة نثرية ينفذ تماماً كما لو كانت ستتلى شعراً. وذلك بالبدء بترجمة معنى الكلمات ومن ثم الجمل. وبعد تحقيق ذلك، يعتبر أن الجانب الرئيسي قد أنجز، ثم ننتقل إلى التفاصيل التي ليست سوى تفاصيل لغوية لتفردات دلالية من جهة ولرقة الأسلوب والعواطف من جهة أخرى. إذا ما هو الباقي لعمله، على الذين يطلبون أكثر من ذلك أن يتقدوا بخطوة أخرى، فهم ينزعجون من الرنانة والجهورية، والوزن حتى الشروع بالترجمة بموجب الشعر وأحياناً بموجب الشعر المقفى.(1/165)
هناك مؤلف استرالي أوكل إلينا، بكل براءة لترجمة مؤلف كاردوسي، يبتدي الكتاب بالإشارة إلى نوع من الترجمة الموازية للأصل والموصوفة بأقصى المترادفات في كل كلمة، فهو قد جسّ القوافي مستخدماً بكثافة المعاجم، التي يوجد منها ثلاثة، وبعد ساعتين ونصف من العمل في ترجمة من أربعة عشر بيتاً أنجز نوعاً من مخطوط يحتوي على مقطوعتين شعريتين متصاعدتان بالمعنى والشفافية، وبعد أربع ساعات تناول أيضاً المقاطع الشعرية الثلاثية، ولم يحتاج إلاّ لساعة واحدة فقط لصقل إنتاجه. فكان المجموع خمس ساعات،(1)والمدهش حقاً، الذي يجب أن نعترف به هو أن النتيجة كانت ناجحة لا يمكن إهمالها لأن المترجم لا تنقصه الشهرة ولا رقة الحس.
لم يخفى على المترجم عند شروعه بالترجمة شعراً، وحسب القواعد الشعرية أنه تصدى للنص الشعري كما لو كان نصا نثرياً.
ولدى ترجمة قصيدة نثرية، هل يجب أن تجري محاولة للتنقل دفعة واحدة نحو منحى آخر وليكن منحى مؤلف القصيدة الأصل، ومن ثم الاقتراب من هذا النص كما لو هو حقيقة نص شعري. لا شك في ذلك نجيب ولكن ما هي الحقيقة.
(هنا يرقد الأرنب، ومن أجل ذلك يقطن فرنسا في عصرنا وبشكل خاص، هذه هي الحقيقة والصعوبة معاً. وصعوبة الأمر هي عدم وجود وفاق حول ما يجب الاستماع إليه في محتوى هذه الكلمة.
في بعض العصور، قد يتحقق مثل هذا الوفاق، في بعض البلاد دون تعب، سواء كان حول خصائص شكلية أو حول قواعد العروض أو خصائص موسيقية، أو صور الاستحضارات الحادة النظر، حتى ولو على عبء انفعالي في النص كثير الحساسية.
__________
(1) راجع أدمون كاري- كيف تترجم - ص42-43 الكتاب نفسه.(1/166)
أما المترجم حتى يجعل شعر الشاعر بمثابة الغريب يرتب بعض وسائل اللغوية المعقدة التي يمكن امتزاجها بلغة شعرية مقبولة من قبل العموم الذي يعمل لأجله، وليرتكز مشروعه لا بل هدفه على تحرير نص على الطريقة الأصلية في الشعر العائد لبلد الأساس وزمنه. ومن المؤكد أن هذين الطرازين في النظم هما قريبان الواحد من الآخر، وإن الصعوبة التقنية الملازمة لعملية الترجمة تكون مبسطة إلى حد ما. وقد يصبح بالإمكان إعادة نظم بعض الأشعار ضمن قصيدة مشابهة، وإذا كانت لغة كل من الشعرين متقاربتين ومفعمتين بالحيوية من كل جانب، وبذلك تصبح الغاية محققة كما سبق أن خطط لها كحقيقة مقررة الشاعر البولوني "(أدام وازيك") فكل قصيدة شعرية مترجمة لن تصبح ذات قيمة مقدرة إلا إذا شعر بها القارئ بأنها غير مترجمة وإليك هذا المثل الواضح:
Uber allen gpfeln
Ist ruh
In ollin wp feeln
Spiirest du
Kaum einen hauch
Die vogelein schiveigen in w,alde
Warte nur balde
Ruhest du auch
Gorn yie verchiny
Spiaf vo t,mie notchnoi
Ti khie doliny
Polny sviejei mgloi
Nie pylit aoroga
Nie drojat listy
Podajdi niem nogo
Dt do khniech i ty
والملاحظ أن محتوى هذين النصين قد طرأ عليه بعض التبديلات، فالشاعر الروسي أوضح أن المشهد حدث أثناء الليل، فقد أدخل بيتا من الشعر يقول (الطريق لا يثير الغبار) (وهناك غيمة رطبة في الوادي، على هذا لوحظ أيضاً أن النغمة والأسلوب، المحرران من نموذج الأصل، افسحا المكان لصيغة شعر أكثر استقامة. فلا يلزمنا إلاّ القليل، حتى نجد أنفسنا أمام عمل رائع للترجمة وليس اقتباس فحسب، لأن الزبدة في التأليف أن يكون الشعر حسن الأداء وإن يصاغ بأمانة ودقة، وهذا لا يتحقق إلاّ بانتقاء المصطلحات والمفردات المناسبة حتى لا تأخذ الترجمة حيّزاً بعيداً عن مضمون الأصل.(1/167)
فإذا مررنا بفرنسا حيث فقد التوافق الجماعي فيما يجب سماعه حول الشعر حيث تمتلك الأشعار الكلاسيكية، والحرة، والحركة الأدبية في الفن (البرناسي) والسريالية وأيضاً الصيغ الأخرى، حدودها القاسية التي يتعذر انقاصها، والتي تحد من أي فعالية جديدة في مثل تلك الحالات.
في زمن "غوته" ودي هين Goeth et Heine (1) انتج "جيرار دي نرفال Gerard de nerval بعد إطلاعه على معطيات عصره، ترجمات موفقة وجميلة للشعراء الألمان وعندما تصفحناها في أيامنا هذه، شعرنا بأنها نصوص افرنسية ذات تاريخ، نجدها اليوم قد بدت أكثر؟ من الأصل الألماني، ليس بسبب خطأ جيرارد Gyrard ولكن لأن مفهوم الشعر بفرنسا قد طرأ عليه التطور.
Il etait un roi de thule
A qui son amante fidele
بقي قطعة جميلة من المختارات الأدبية، ليست بنظرنا من الشعر الحي، ففي زمننا الحالي ساد التردد حول ترجمة مثل هذه الأفلام.
وعلى ضوء المحاضرة السابقة يمكن الإشارة إلى حالة نجاح مميزة ومعاصرة ألا وهي محاضرة "مقبرة مارتان" Gimetiere marin لفاليري، المترجمة إلى الانكليزية من قبل سيسيل دي ليفيس Lécilday lew is نذكر هنا مقطعاً منها:
تستحق الترجمة الانكليزية الانتباه المستمر:
Ici venu l,avenir est paresse
L,insecte net gratte la secheresse
Tout est brute, defait recu dans,l’air
A je ne sais quellc severe essence
La vie est vaste etant ivre d’absence
Et l,amertume est douce, et l,esprit clair
Now present hese the future takes its time
The brittle inseat acrapes at the dray loam
All is burnt ap used up drawion up in air
To some ineffably sare fied solution
Life is enlarged Drunk with an ni hilation
And bitterness, is sweet, and the spirt clear
__________
(1) نفس المرجع السابق لادمون كاري ص44-45.(1/168)
إن الأمر المؤكد الذي لا ريب فيه هو أن الأشعار الأصلية كانت مستهواة ومكررة، حيث تناولت نقاطاً تفصيلية من الواجب مناقشتها، وهنا نلمس أن الظاهرة البادية أمامنا هي عكس لما كنا قد استنتجناه من مؤلف غوته Goethe المترجم من قبل ليرمونتو Lermontow.
كان الشعر العربي أكثر دقة وحيوية فيما يتعلق (ببحر الشعر والقافية) كالتي نجد منها في الشعر الأصلي، وهذا بلا شك مبرر أيضاً في التقاليد المعمول بها في الشعر الألماني والروسي خلال ذلك العصر، كما أن (دي ليفيس Day lewis) تحول قليلاً عن الأسلوب الدقيق جداً لفاليري (Valery) في مادة العروض في الشعر، وفي مجمل القصائد الشعرية كان يلجأ إلى القافية، دون اعتقاده بأنه مرتبط فعلاً بهذا الواجب، وقد سبق أن ذكرنا، عمداً مقطعاً شعرياً غير مقفى أو كلمات سجع بالكاد كانت تفي بالمقام مثل: (Time et loam -air- clear- solution- annihilation
وقد يتطرق إلى أذهاننا بأن الشعر الانكليزي في أيامنا هذه هو، بالنسبة للشعر الفرنسي، أكثر تقبلاً للشعر النظامي والأكثر نهجية للقوافي المتوافقة وليس هناك خطأ جسيم، متوافق مع الصرامة الفاليرية.
وبمعنى أدق وأوضح، فإن مجموع تلك الحريات أي الصلاحيات تمر دون أن يراها القارئ الفرنسي، المتقن للغة الانكليزية، ولكنه بالوقت نفسه معتاد على المناخ والنغمة الشعرية الفرنسية، ويعتبر ترجمة (دي ليفس Day levois على غاية من الدقة والأمانة ولكنها لم تلفح الانكليزي عندما تقدم له عن طريق ترجمة "فاليري" صورة غنية ومثيرة.
إن مثل تلك المسائل تحتاج دوماً إلى مراجعة، فلا تخطر على بال إلا عندما نجد أنفسنا أمام ترجمة شعرية رسمية تتناول قطعة نثرية مترجمة بدقة تمكنها من الفوز بمرتبة راقية في عالم الشعر ضمن الثقافات الوافدة. وفي كل الأزمان سبق للترجمة أن أغنت الشعر في كل اللغات، ولكن ضمن المعايير التي توطدت في البلاد التي استقبلت بترحاب الفن الشعري الممتع.(1/169)
وفي مجال الشعر، هل هناك من صعوبة عند الزعم بنشر وإطلاق أية قواعد تتناول أية ثقافة مثل الثقافة السائدة في فرنسا بعمق كبير ولكنها ممزوجة بالعديد من الأذواق والمفاهيم.
أما ما هو واضح جداً، أن الترجمة في الشعر بجميع أنواعها تتمتع بقوانين صحيحة مؤهلة لأن ترفع من مكانة الشعر، فإذا ما ترجمت شهادة اختراع لمسألة جديدة في مسائل التكثيف الذي يثير الاهتمام بما يتعلق "بموسيقة الجمل وبتفصيل وإيضاح العبارات التقنية التي توصل إلى ترجمات سيئة، أما عندما تترجم الرواية الشعرية عن مغامرة مثمرة للعاطفة من خلال ترجمة أمينة ولكن ضمن صيغة إنشائية بليدة غير مقرؤة، وإذا ما عدنا إلى نثر (بروست Proust) المعروض ستكون الترجمة سيئة، أو أيضاً، إذا استعيد المعنى الحرفي أو الصيغة العروضية بعد ترجمة قصيدة شعرية تتوفر فيها القيمة الشعرية فعلاً وإذا اختلت موازين الترجمة وفقدت معاييرها ستكون الترجمة غير موفقة.
بالتأكيد، ليس من السهل أن يتوفر الشعور والمعرفة لجعل هذا الكنه الشعري للشعراء الأكثر تنوعاً، بالحقيقة وللنجاح يجب أن يتوفر الشعور بأهمية الإشعاع النفسي المنبثق من الشعلة المقدسة التي تذيب المؤلف الناجح. ولكن هذا لا يتم إلا على ضوء تلك الشعلة التي يجب أن تستمر في نورها، لأن اتباع طريق الأمانة في إنشاء الكلمات والرنانة غالباً ما تصدر من الفضالة والمزيد. فهي لا تعرف كيف تقدم نقطة انطلاق أكيدة وأمينة(1).
ثانياً- ترجمة القصة:
__________
(1) راجع المرجع نفسه ادمون كاري ص48.(1/170)
دخلت ترجمة القصة تراث النهضة العربية كفنّ أدبي جديد طاريء، ولا يمكن اعتبارها استمراراً للقصة العربية القديمة لاختلافها عنها في الأسلوب والشكل، فقد كان تداولها في باديء الأمر، نتيجة لمبادرات الأفراد الذين تعلموا اللغات الأجنبية، ثم تلقتها الجرائد والمجلات بعد أن حضنتها وأشاعتها. غير أن إقبال الجمهور على القصة باعتبارها لوناً جذاباً من أنواع الفن الأدبي زادها رواجاً وانتشاراً، فظهرت المجلات الروائية التي قصرت محتواها على مثل هذا الفن الجديد، فكانت هذه الجرائد والمجلات تنشر القصة القصيرة إلى جانب الرواية المتسلسلة.
ونظراً لاهتمام القراء الشديد بهذا الفن الجديد تنبه بعض الجماعات إلى شدة تأثيره، فعكفوا على ترجمة ما وافق ذوق الجمهور، فكثرت القصص المترجمة وتنوعت موضوعاتها وأساليب ترجمتها من الناحيتين الفنية واللغوية.
وبعد المراجعة والإطلاع على مسيرة انتشار القصص، تبين أنه يمكن تصنيفها ضمن أربع فئات: (القصة الأدبية- القصة الدينية- القصة الشعبية- القصة التي يمكن تسميتها بالإصلاحية الاجتماعية، وفيما يخرج عن هذا التصنيف لا يخلو من المزالق، خاصة دراسة ترجمة القصة على الأساس الزمني، لأن كثرة المشتغلين بها جعلها متعددة الاتجاهات إضافة إلى ما يعتريها من حيث سلامة اللغة أو من حيث التقيد بأصول الترجمة أو الموضوعات التي تتناولها.(1/171)
لقد دخل ميدان الترجمة محترفون وهواة ولم تكن دراسة أصول النقل والترجمة قد تحددت وحظيت بالاجماع بعد. لا سيما وقد اختلف الكتاب في أساليب النقل بين (ملخص) يرى عمله أجدى وأدفع لملل القارئ، وبين (متوسع) يرى الفائدة زيادة بعض الفصول أو التقاطع هنا وهناك يطلق فيها قلمه من قيد التحديد وبين (متحفظ) لا يرى لنفسه غاية سوى إخراج معاني القصة من ظلمات اللسان الأجنبي إلى وضوح العربية لما فيها من أفكار توافق أفكاره وتدعم دعوته، ومن (متسرع) لا هم له سوى بلوغ النهاية ليدفع بروايته إلى المطبعة ويكسب أجره ويؤمن معاشه.
ولكن هذه الأساليب لم تكن وليدة فترة بعينها من عصر النهضة. بل نشأت نشأة متفاوتة، ولكنها عاشت معاً وما زالت حية إلى يومنا هذا. وقد نتج عن ذلك تداخلات جمة في الترجمات الصادرة عن كتابنا، التي جمع بعضها التلخيص أو الزيادة أو الحذف، وجمع البعض الآخر تحفظه مع بعض التصرف وفقاً لما يراه مناسباً.
لهذا وجد الأساس النوعي أكثر ثباتاً وأصالة، ففي القصة الأدبية لا يجد المترجم مبرّراً للتصرف غير المقبول، ما دام مدار النوع المبتغى يتجه نحو المغزى والعرض/ أكثر منه نحو الوقائع.
أما في القصة الدينية فكانت الزيادة تأتي للتفسير والوعظ على الغالب، ولا يوجد للمترجم مبرر للحذف، ولهذا تشكلت نوعية القصة، أو الموضوع كعامل مهم في تحديد التصرف كما في تحديد مقصد المترجم. فمن أراد الكسب اتجه إلى القصص الشعبية ومن أراد الإصلاح الاجتماعي أو الديني اتجه إلى الأنواع التي توافق نزعته.(1/172)
سبق لعدد من الدارسين أن حملوا على ترجمات القصص الشعبية، وقد خصوا بنقدهم واحدا من كبار المترجمين في هذا التيار، طانيوس عبدو، متّهمينه مع مناصريه في هذا الباب بإفساد الأدب والأخلاق، لسبب ما ترجموه من القصص السخيفة، وما ترجموه من الأساليب الركيكة التي لم تصن حرمة اللغة سواء في بيانها أو في نحوها. وكان هذا النوع من القصص الشعبية ثابتاً في اتجاهه ومطلوباً من قبل طبقة واسعة جداً من القراء الذين كانوا يبللون شدة عطشهم للقراءة، نظراً لتعذر إمكانية حصولهم على الكتب الأكثر فائدة، أو لأنها كانت تتوافق مع مستواهم ووعيهم الثقافي، ومن حقهم أن نعترف لهم بذوقهم وبمطلبهم(1) ولكن فريقاً من الدارسين انطلق من خارج هذه المبادئ، بل من خارج مبادئ الفن والأدب، وكان منطلقه أخلاقياً في جوهره فاعتمد التزمت الديني، الأخلاقي، بينما اكتفى فريق آخر بدعوة هؤلاء المترجمين إلى الاعراض عمّا من شأنه أن يفتح نوافذ الفساد ويغلق نوافذ الإصلاح، ويختاروا طلب الرزق سبيلاً غير مضر. بعد أن وصفوا هذه القصص بالأدب الموبوء الذي يزلزل العقيدة ويجرح الحياء، وبان مترجمي هذه القصص أساؤوا إلى قومهم ومجتمعاتهم.
__________
(1) راجع: انطون فرح: اتالا، ص7، وراجع عمر الدسوقي في الأدب الحديث، الجزء الأول الطبعة الثامنة، بيروت، سنة 1973- ص465-466 راجع أنور الجندي: معالم الأدب العربي المعاصر الطبعة الأولى، دار النشر للجامعيين، بيروت سنة 1964- ص85-89. والدوري مارون غصن: بستان السلوى، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1911- المقدمة-أيضاً راجع حركة الترجمة في عصر النهضة لطيف زيتوني ص140-142.(1/173)
غير أنه حسب مفهومنا اليوم للعلم والثقافة، فإن مترجمي هذا التيار ترجموا ما ألّفه الكتّاب الأجانب لقومهم وكان عملهم بدافع الكسب وليس بتوجيه خارجي، بل كانت لغتهم سليمة اسمى مما وصفت به، وهذا ما لوحظ في أثناء دراسة رواية باردليان التي ترجمها "طانيوس عبدو عن ميشيل زيفاكو أن لغته كانت سليمة وتعبيره كان سهلاً وبسيطاً كان قريباً من لغة الصحافة، ومن لغة الأصل، فلا يطلب منه الإنشاء والترجمة بأسلوب المقامات بل بلغة يفهمها البسطاء، لأن الرواية الشعبية تسجل الحوادث العامة والصور والخيال في قالب من التشويق والمبالغة، فهي تنقل حوار العوام وليس مناقشات الأدباء والفلاسفة.
وعلى كل حال، فإن ترجمة القصة كانت فاتحة جزيلة الأهمية في أدبنا الحديث فقد أعادت للقارئ تصورات القصص العربية القديمة، مثل: سيرة عنتر، وسيف بن ذي يزن، وأبي زيد الهلالي، كما وعرّفته بالجديد من الأنماط الاجتماعية في الحياة الغربية، ووفرت للقارئ المثقف زاداً جديداً ومتنوعاً من الألوان القصصية الأدبية، كما مهدت السبيل إلى وضع وتطور قصص عربية، محلية الطابع، موضوعاتها مستمدة من واقعنا، فكانت تحل مشاكلنا وتزيد تراثنا الأدبي ثراء وتنوعاً. وما كان جديراً بالثقة، أن المترجمين في جميع ترجماتهم اعتمدوا اللغة العربية الفصحى، فكانت مساهمة لا تنكر في بعث هذه اللغة وتحديثها لاستيعاب المصطلحات الجديدة، وخاصة تعميم رسالتها بين الطبقات الدنيا الضعيفة الثقافة(1)
تطور ترجمة القصة:
سبق كل من لبنان ومصر سائر البلاد العربية إلى الاهتمام بالقصة وترجمتها وذلك لسببين:
__________
(1) راجع :
Peres henri “le romain, le conte et la nouvelle dans la litteratuse arabe moderne” annales de l’institut d,etude orientale alger(1/174)
الأول: اتصال اللبنانيين المبكر بالأداب الغربية نتيجة انتشار مدارس الإرساليات فيه، فقد كانت هذه المدارس تعلم اللغات الأجنبية، كالفرنسية والإيطالية، والانكليزية تثقف تلامذتها بالثقافة الأجنبية، وكانت القصة من جملة ما طالعوه نظراً إلى النهضة الموفقة التي شهدها هذا النوع من الفن، والذي لا يزال على أشده في أوروبا.
الثاني: كانت مصر تشكل إلى جانب لبنان، طليعة البلاد العربية المنفتحة على الحضارة الأوروبية بالغرب منذ عصر محمد علي، فكان اتصال مصر بأوروبا وخاصة فرنسا و... وشبه رسمياً، حيث كانت الترجمة فيها خلال النصف الثاني من القرن 19- عملاً وسعياً تشرف عليه الدولة وتغذيه وفق حاجاتها وخططها، وكان المترجمون فيها كموظفين في "قلم الترجمة" ينقلون ما يؤمرون به، غير أن هذا التطور كان بطيئاً بدليل أنه إذا صادفت أحدهم رغبة بترجمة قصة غربية لم يجد طبعها ميسّراً. فقد نقل رفاعة رافع الطهطاوي، وهو شيخ مترجمي مصر ورئيس "قلم الترجمة" فيها، كتاب تّليماك "للكاتب الفرنسي (فنلون) وسمّاه "مواقع الأفلاك في وقائع تليماك" وذلك عام 1849. ولكنه لم يتمكن من طبعه إلا عام 1867، في بيروت لا في مصر، غير أن النظرة المتحفظة للمثقفين المصريين إلى هذا الفن ساهمت في خلو الترجمات من القصة، في ظل حكم محمد علي وأبنائه. فقد إزدروا بها واعتبروها عملاً تافهاً، واعتبروا كاتبها متطفلاً على الأدب، حتى إلى عهد قريب بقي بعضهم على هذه النظرة.(1) .
__________
(1) الترجمة: بيريز هنري (جوليات) للدراسات الشرقية في الجزائر ت/3/1937 راجع أيضاً لطيف زيتوني في حركة الترجمة في عصر النهضة ص119-120(1/175)
والواقع أن ترجمة القصة ومثلها ترجمة سائر الفنون الأدبية تتطلب قدراً معيناً من الانفتاح الاجتماعي والثقافي على أنماط الحياة التي تصورها هذه القصص، وتعبر عنها هذه الفنون، لخلق نخبة من القراء مهيأة لتذوق ما في الترجمات من معان وصور غير مألوفة وتأمين رواج مناسب للترجمات يكفل نموها واستمرارها.
عن طريق الإرساليات تعلم اللبنانيون اللغات الأجنبية واطلعوا على النتاج الأجنبي في مصادره، وكانت القصة على رأس ما طالعوه من هذا النتاج حيث كان المعلمون يوجهون تلامذتهم إليها تقوية ملكاتهم اللغوية في اللسان الأجنبي، ويترجمون لهم منها ما يصقل أخلاقهم.
وبعد أن تأثرت نسبة كبيرة من اللبنانيين بالمناخ العام الذي تولد من جزاء التهافت على مطالعة القصة، بعد أن أصبحت مهيأة إلى حد ما لتذوق ما يقصه عليها بعض من حالفهم الحظ من حكايات وروايات مترجمة، ولهذا عندما اصدر خليل خوري جريدته "حديقة الأخبار" عام 1858 لم يجد مشقة بنشر قصص مترجمة بقلمه وبقلم بعض أصدقائه، مثل سليم بترس وغيره، وكان إقبال الناس على هذه القصص حافزاً على نقل القصص والروايات الكاملة ونشرها بين الناس ومن أقدم هذه القصص المترجمة والمطبوعة في لبنان (رواية مداموزيل مالابيار) للكاتبة الفرنسية مدام كارلوس التي ترجمها سليم بسترس وطبعتها المطبعة السورية في بيروت سنة 1862- وتأتي بعد ذلك (رواية بولس وفرجيني للفرنسي برناردين دي سان بيير التي ترجمها سليم صعب وطبعتها المطبعة العمومية ببيروت سنة 1864. وهذه الترجمة هي الأولى حيث فيما بعد تعددت ترجمات هذه الرواية، فنقلها محمد عثمان جلال تحت عنوان: (الأماني والمنة في حديث قبول ورود الجنة). وطبعها في القاهرة سنة 1872. كما ترجمها فرح أنطون باسم "بولس وفرجيني" وطبعها في الاسكندرية سنة 1902.(1/176)
لقد رافقت ترجمة القصة نشوء الصحف والمجلات قبل أن تزدهر وتنقل حيث كانت هذ الأخيرة وسيلة فعالة لنشرها وكانت القصص المترجمة بالمقابل عوناً فعالاً لهذه الصحف على الانتشار وقد تصدرت القصص المترجمة صفحات اقدم الصحف مثل (حديقة الأخبار) و(الجوانب) لأحمد فارس شدياق عام 1860) (والشبكة الشرقية) ليوسف الشلفون سنة 1866 وغيرها، ثم زاد انتشارها حتى قلّ أن خلت جريدة أو مجلة منها. ولم تلبث أن تطورت إلى حد إصدار مجلات متخصصة بها أشرف عليها مترجمون محترفون كطانيوس عبدو صاحب مجلة (الراوي) الصادرة عام 1909- ونقولاً رزق الله صاحب (الروايات الجديدة) سنة 1910. وكانت هذه المجلات تنشر القصص القصيرة أو الروايات المتسلسلة التي يعاد جمعها وطبعها من جديد، حتى أن بعض المجلات كانت تترجم الرواية بشكل كامل وتقدمها هدية إلى القراء في نهاية السنة.
الأساليب التي تناولت ترجمة القصة:(1/177)
لم يهتم مترجموا القصة بما هو مشهور من الروايات كما لم يتقيدوا بأي نوع منها بل ترجموا ما شاؤوا واختاروا ما لاءم أذواقهم، وما شجعهم على ذلك غياب النقد والرقابة فأباحوا لأنفسهم التصرف دون حرج، فأساء بعضهم إلى القصة شكلاً وموضوعاً وأسلوباً، ومن هذه الإساءة مثلاً، إغفال الناقل عنوان القصة التي نقلها واسم كاتبها واللغة التي نقل منها، أو إلى تبديل العنوان، ومن شأن هذا كله أن يضيع على المحقق كل أمل بمعرفة الأصل. ومنهم من أغفل -سهواً أو عمداً- غير أسماء شخصياتها أو اقتباسها وكأنه يريد بذلك تنسيبها لنفسه. وقد شمل هذا التصرف ليس فقط القصة بل أيضاً الرواية والأقصوصة، وتم هذا في الكثير من المجموعات مثل (الضياء وفتاة الشرق مثلاً وغيرها. وهناك من المترجمين من كان يقرأ القصة كاملة ويستوعب مضمونها في ذاكرته ثم يعيد كتابتها كأقصوصة عربية من تأليفه، فالكثير من أقاصيص (لبيبة الهاشم من هذا اللون)(1).
__________
(1) كتب توفيق الحكيم في مجلة أخبار اليوم الصادر في 7/3/1948 يقول (إن الفرق بين الأدب وبين القصة كالفرق بين المناطق العليا في الإنسان والمناطق الأخرى، فإذا كانت القصة تصور الإنسان في حياته فإن الأديب يصور الفكر في حياة الإنسان لـ..
انظر مجلة الرسالة -للزيات- مجلد 1945 للإطلاع على الجدل الذي دار بين العقاد ونجيب محفوظ حول هذا الموضوع على أثر صدور كتاب (في بيتي) للعقاد.
راجع أيضاً: نجم محمد يوسف: القصة في الأدب العربي الحديث ص35. وراجع حركة الترجمة في عصر النهضة، لطيف زيتوني ص120-121-122(1/178)
وهناك طريقة أخرى لجأ إليها المترجمون وأحياناً الناشرون، إذ كانوا يأخذون الرواية الواحدة وينشرها الناشر على دفعات متعددة جاعلين لكل دفعة عنواناً يُوهم باستقلال الرواية عن غيرها، ومثال على ذلك، أن (مجلة النفائس) نشرت رواية (الورود البرية) فجعلتها ست روايات هي: رواية الوردة البرية -رواية الحب والكبرياء- رواية السر- رواية حب أكيد- رواية انتقام وردة- رواية حنو اب- وهكذا أيضاً رواية ابنة المركيز التي تحولت إلى خمس روايات هي: رواية ابنة المركيز - رواية الجناية -رواية الاختطاف- رواية الغريقة- رواية الاخلاص الإيطالية -وإذا ما تتبعنا التراث القصصي المترجم، نجد أنه في الإمكان ترتيبه ضمن أربعة (تيارات) تختلف من حيث زمن النشوء ولكنها مترافقة ضمن إطار عصر النهضة.
التيار الأول:(1/179)
يركز المترجمون فيه على القصص الأدبية وقد بدأ هذا التيار مع ظهور ترجمة القصص، فقد تأثر بمنهاج مدارس الإرساليات التي سلكت هذا الأسلوب لتسلية القارئ بما يقوي ملكته في اللسان الأجنبي، ويحبب إليه أعمال الخير والفضيلة، ويُمثّل هذا التيار في البدء سليم بترس -وسليم صعب، غير أن ترجمات هذه الحقبة الزمنية كانت ضعيفة اللغة ركيكة التعبير نظراً لبداية النهضة، لم تدم ترجمات هذا التيار طويلاً حتى تقدمت وترقت بترقي اللغة، بعد أن شارك فيها مترجمون بارعون مثل نجيب حداد الذي اجتهد في ترجمة رواية "الفرسان الثلاثة" لألكساندر دوماس الأب، فقد بدأ بها، حسب قول "طانيوس عبدو" وهو في سحرة الشباب وفرغ منها وهو في شرخه. أما نظرة هذا التيار إلى القصة قامت على دعامتين وهما "التسلية والتهذيب الأخلاقي" غير أنه لم يسلموا من التعرض للصعوبات والعقبات التي وقفوا أمامها حائرين قبل أن يتغلبوا عليها، منها ما هو لغوي متعلق بالمفردات والسبيل إلى دقة التعبير، ومنها ما يتصل بالمضمون، خاصة وكان مجتمع القرن التاسع عشر يتميز بالتزمت والتخلف، وإن الكاتب بطبيعة الحال أثناء تعبيره يلجأ إلى لغة أدبية خاصة نابضة بالحياة وغنية بالصور غير المألوفة، كما أنه في تصوير المترجم والكاتب لحوادث روايته يأتي بالكثير من الوقائع التي لا تأتلف مع عادات شعوبنا وتقاليدنا، خاصة وأن المترجم إزاء بعض المظاهر السلبية، مطالب بالأمانة في كل ما يتعلق بعمله كما هو مطالب بعدم الترويج لما يخالف مطامح أمته، ويتنكر لتقاليدها وأهدافها، قد يمكن القول، إن هذا هو المأزق اللغوي والمعنوي، الذي وقع فيه مترجموا الروايات الأدبية المنتمون إلى هذا التيار.(1/180)
غير أنه لا بد للمترجمين وهم ينقلون إلى العربية، من مجاراة هذه اللغة ومراعاة طرق التعبير فيها ولو أدى هذا إلى بعض التصرف ومنها الحذف، كما كان لا بد لهم من مجاراة مصلحة مجتمعهم وقومهم ولو على حساب النص والتصرف فيه حذفاً واختصاراً.
التيار الثاني:
ركز التيار الثاني على القصص الشعبية دون أن يقتصر عليها. وقد برز في هذا المجال (طانيوس عبدو ونقولا رزق الله) وتميزت ترجمات هذا التيار بكثرة ما لحقها من تشويه سواء على الصعيد الشكل أو المضمون أو الأسلوب وبحاصلها العددي الذي ساوى ترجمات التيارات الأخرى، وإلى هذا التيار كان يتوجه معظم الانتقادات في حقل ترجمة القصة بعدما اجتمع في ترجمات هذا التيار الكثير من مساوئ الترجمة. فبالإضافة إلى ما ذكر سابقاً حول تشويه الشكل، كان المترجم في هذا الجانب ينظر إلى ما يترجم وكأنه سلعة تجارية غايتها كسب الرزق. ولهذا أجاز طانيوس عبدو لنفسه تبديل عناوين القصة ليتسنى له بيعها على متعدد الدفعات، وما لفت النظر، هو ترجمة رواية "البائسين" Les miserablos لفيكتور هيغو "فإذا نحن أمام نصّ متراكم لا يبلغ من المتن الأصلي ربعه(1) مع أن هذه الرواية من أمهات الأدب الفرنسي، كما لا بد من أن نأتي على ذكر (أسعد داغر) في ترجمة رواية (أميرة انكلترة) فأعمل فيها قلمه حذفاً واختصاراً لتأتي على قدر ما يحتمله المقام ولا تزيد على الفراغ المعين لها في المقتطف.
__________
(1) راجع: محمد يوسف: القصة في الأدب العربي الحديث ص34- أصدر مجلة النفائس أنيس عبد الخوري في بيروت سنة 1910 وهي تقتصر على الروايات وكانت تلون أحياناً صفحتها الأخيرة ببعض الحكم والفكاهات- ترجم الوردة البرية طانيوس عبدو وفيما تتعلق برواية جنوب -راجع النفائس السنة الثالثة عام 1913 الإعداد 194-99
-راجع لطيف زيتوني -حركة الترجمة في عصر النهضة دار النهار مصر ص122- وما بعدها.(1/181)
راعي مترجمو هذا التيار ذوق الجمهور فلم يتورعوا عن التصرف -زيادة وحذفاً لتأتي رواياتهم منسجمة مع هذا الذوق العابر، فاهملوا قواعد اللغة والبيان بحجة تمكين ذوي الثقافة المتواضعة من القراء من فهم للنص. وكما هو الحال في ترجمة المسرحية أيضاً، استعاروا أشعار غيرهم وأدخلوا منها في النص ما وافق المعنى.
زيادة على ذلك، قام مترجموا هذا التيار بترجمة الرواية أحياناً عن ترجمة أخرى لا عن الأصل، فقد ترجم أسعد داغر رواية "أميرة انكلترا" عن الانكليزية واصل هذه الرواية بالفرنسية، فتساوى في هذا مترجموا القصة بمترجمي المسرحية. فقد نقل نقولا فياض ونجيب سليم طراد مسرحية "الخداع والحب" للألماني شيلر من الفرنسية".
ويعتقد أن ما حمل محترفوا هذا التيار على اعتماد هذا الأسلوب هو اضطرارهم إلى الوفاء بالتزاماتهم تجاه الصحف والمجلات المقيدة بأوقات صدورها والتي كان أصحابها يعتاشون منها، كما يعتاش هؤلاء المترجمون مما ينشروه من القصص والروايات. وعلى سبيل المثال، بلغ مجموع ما ترجمه طانيوس عبدو خلال حياته نحوا من ست مئة أقصوصة وقصة ورواية ومثل هذا العدد المنجز يثبت النزوع إلى الكسب على حساب التقيد بالشروط الواجبة في الترجمة الأصولية.
غير أن علينا أن لا ننسى تشجيع القراء عمل هؤلاء المترجمين بإقبالهم الشديد على هذا النوع من القصص الذي كان يستهويهم بألوانه المثيرة وحكاياته السهلة والبسيطة، وبما كان يصوره من إمارات البطولة والشهامة التي احبوها وعشقوا من أجلها قصص العرب وتراثهم، فحين كان أحمد فتحي زغلول يشكو من انصراف الناس عن مطالعة المؤلفات المفيدة كان طانيوس عبدو، كما ذكرنا سابقاً، يستنفد الاف الناس من قصصه أو رواياته خلال مدة قياسية وجيزة ومثل هذا الإقبال كان يكفي للمترجم اغتنام الفرصة لاختيار ما هو مفيد له.
التيار الثالث:(1/182)
كان هذا التيار هادفاً- ملتزما- وصريحاً- وكان رائد هذا التيار هو فرح أنطون الذي وعى مع أصحابه حالة الشرق فلم يقبلوا أن يبقوا خانعين، فأرشدتهم بصيرتهم إلى أن خير وسيلة لانقاذ أهلهم من غفلتهم ولتثقيف عقولهم بنتاج العلم وتطوره، فكانت القصة إحدى مسائل هذا التثقيف، ومن خلال هذه النظرية الإصلاحية الاجتماعية تعرض أصحاب هذا التيار وفي مقدمتهم فرح أنطون للروايات المنشورة باللغة العربية فوجدها ثلاثة أنواع: (1)
__________
(1) انظر مقدمة المترجم سليم صعب بولس وفرجيني -راجع ما أوجزه قيصر زينية نظرة هذا التيار إلى القصة في المقدمة التي كتبها لرواية "الكونت دي مونتغوميري التي نقلها عن الكسندر دوماس- انظر مقدمة المترجم أسعد داغر لكتاب هنري بمردو (عمر وجميلة أو في ربى لبنان مطبعة العرب الفجالة، مصر لات - انظر مختارات من كرم ملحم كرم- مناهل الأدب العربي رقم 17 مكتبة صادر -بيروت لا-ت- ص66. راجع أيضاً مقدمة "بستان السلوى" للدوري مارون غصن حين يناشد مترجمي القصص إن يختاروا لطلب الرزق سبيلاً غير ملوم ولا مضر. - راجع تأليف مدام صوفيا كوتين وعنوانها بالفرنسية Mathilde ou memoire tirée de l,histoire des groisades انظر مقدمة المترجم لرواية "السر في الصدر الوفي -تأليف الكونتس داش، ترجمة شكري ارقش بيروت 1889- راجع ترجمة رواية "النفح العاطر في قصة الفتى المهاجر المطبوعة في بيروت سنة 1890- انظر نقد ميخائيل نعيمة لمسرحية تاجر البندقية لشكسبير، ترجمة خليل مطران، في كتاب الغربال، الطبعة السابعة ص196-0- راجع "مختارات من كرم ملحم كرم" مناهل الأدب العربي، مكتبة صادر، بيروت، لا-ت ص67-68 راجع بدر عبد المحسن: تطور الرواية العربية الحديثة، دار المعارف بمصر سنة 1963- ص123
راجع -شوكت محمود: الفن القصصي في الأدب المصري الحديث والطليعة الأولى، دار الفكر العربي لا-ت- راجع: زغلول أحمد فتحي: سر تقدم الانكليز السكونيين القاهرة، 1899 المقدمة
-لطيف زيتوني المصدر نفسه.(1/183)
الأول: وهي القصص الشعبية وموضوعها الفكاهة والخلاعة وهذا لا يستحق النظر فيها.
الثاني: وهي القصص الأدبية لأجود الروايات الأجنبية وهي نادرة جداً وقلما تكون مستوفية الشروط للروايات الغربية في ترجمتها.
الثالث: الروايات التاريخية وهي قسمان:
أ-قسم موضوعه تاريخ أوروبا ونحن في غنى عنه لأن الغاية منه الفكاهة بصفة خاصة.
ب-وقسم موضوعه تاريخ بعض أمم الشرق ويعترض على ذلك فرح أنطون بأربعة نقاط:
1-إن الروايات التاريخية أمر كمالي بالنسبة إلينا إذ ليست سوى ذكريات.
2-إن الروايات التاريخية مفسدة للتاريخ لأنها مزيج من الحوادث الصحيحة والمختلقة .
3-إن الروايات التاريخية تعتمد في رواجها على العوام والسذج، بخلاف كتب التاريخ التي تكتب للخاصة وتمتاز بصراحتها العلمية. لهذا يضطر المؤلف إلى مجاراة قرائه ومراعاتهم على حساب الحقائق التاريخية ترويجاً لبضاعته.
4-إن كتب التاريخ نفسها لا يركن إليها لأنها لا تقوم على حقائق ثابتة بل تعتمد على الاستنتاج والرواية.(1/184)
وحسب رأي فرح أنطون واستناداً إلى ما ورد أعلاه ليس للروايات التاريخية "وظيفة سامية من الروايات" وإن هذه الوظيفة معقودة للروايات الاجتماعية الفلسفية(1)ويتبين بأن الروايات في هذا التيار هي الروايات الاجتماعية التي لها مغزى إصلاحي. فهو لم ينظر إلى الكسب المادي، ولم يصدر عن هواية أو رغبة في امتاع القراء بما هو غريب وطريف بل حدد لنفسه الهدف والوسيلة، لذا كانت غايته الإصلاح الاجتماعي والوسيلة هي نشر القصة التي اعتبرها إحدى الوسائط الفعالة في نشر بذور هذا الإصلاح لا سيما بين الطبقات الوسطى والدنيا التي لا تتأثر بالكتابات العلمية والفكرية.
أما الأسلوب الذي ساد ترجمته من وجهة النظر الإنشائية، فكان سليم اللغة، قليل التصرف، وعندما كان يضطر المترجم إلى أي تعليق، أو حذف دونه في أسفل الصفحة.
أما التيار الرابع:
__________
(1) راجع أنطون، فرح الكوخ الهندي، تأليف برناردين دو سان بيير، ترجمة مطبعة الجامعة نيويورك 1906 (مقدمة الطبعة الثانية). نذكر من هذه القصص: رحلة الأذهان في ترجمة القديسين لويس غونزاغا، استانسلاس كوستا اليسوعيين، والزنبقة البهية في سيرة منشيء الرهبانية اليسوعية وكلاهما من تأليف الأب (دي كوبييه اليسوعي وترجمة رشيد الخوري الشرتوني، مطبعة الأباء اليسوعيين- بيروت سنة 1885 وثم رواية (جان وماري أو النجاة بواسطة التوراة، ترجمها عن الافرنسية جرجي باز- مطبعة الأميركية سنة 1901- وجاء في تلك الروايات الأدبية ما يفيد بأنها خير ذريعة لتعميم بين أفراد الهيئة الاجتماعية ولا سيما إذا كانت ممتزجة بأدعية دينية تطرب التقي وتمجد الخالق. انظر رواية جرجي نقولا باز- المطبعة الأميركية بيروت 1901(1/185)
تميز هذا التيار باهتمامه بالموضوعات الدينية كوسيلة لتهذيب النشيء وتعميم الروح الديني بين أفراد المجتمع. وكان يدور معظم هذه القصص على الحض باتباع الفضائل الدينية والروحية، لقد شجعت الهيئات الدينية على ترجمة القصص التي تحتوي على فضائل التضحية والأخوة وعمل الخير والسلوك المستقيم، وتولت طبعها ونشرها، وعلى صفحات "جريدة البشير" ثم في المشرق "ظهرت روايات وأقاصيص كثيرة من هذا اللون بعضها ترجم بقلم بعض الهيئات الدينية المسيحية بحكم اتقان أفرادها اللغات الأجنبية والبعض الآخر من تأليفهم بالإضافة إلى ترجمة بعض أساتذة الكلية وتلاميذها. غير أن القصص الدينية لم تنج من التشويه، فقد لجأ بعض المترجمين إلى التصرف في نقلها بزيادة بعض الفصول في متنها، وما حدا بهذه الهيئات مضاعفة جهودها واهتماماتها حول ترجمة هذا النوع من الروايات مشددين على ما فيها من منفعة أدبية وأخلاقية، محذرين إلى ما في الروايات الشعبية التجارية من ضرر وفساد"(1)
ولزيادة الإيضاح حول القصة وتطورها نأتي بثلاثة نماذج مترجمة:
النموذج الأول: هو ترجمة قصة "بولس وفرجيني" لمؤلفها برناردين دوسان بيير" بقلم سليم صعب، هو وقد اختير لقدمه (طبع سنة 1864) ولركاكة لغته، ولأن المترجم لا هدف له سوى تفكهة القارئ فقط. وهو يمثل التيار الأول.
النموذج الثاني: فهو ترجمة "رواية باردليان "لمؤلفها ميشيل زيفاكو (ترجمة طانيوس عبدو الذي امتاز بترجمته بعد أن اكتسب شهرة، حيث مثل تمثيلاً جيداً التيار الثاني.
النموذج الثالث: هو ترجمة قصة "اتالا" لمؤلفها (شاتوبريان) ترجمة أنطون فرح وقد اختير لوقوع ترجمته في عصر اكتمال انبعاث اللغة (طبع سنة 1908 وهو يمثل التيار الثالث
__________
(1) انظر مقدمة بستان السلوى، وهو مجموعة أقاصيص مترجمة وموضوعة للخوري مارون غصن والمطبعة -لطيف زيتوني المصدر نفسه.(1/186)
النموذج الرابع: وهو الذي عني بالمؤلفات الدينية فهي لا تتميز إلا بموضوعها وغايتها أما أسلوبها فقد ماثل أسلوب التيار الأول وترافق معه.
للإطلاع على مسيرة القصة وتطورها وعلى مختلف الألوان الأدبية -الفكرية- الاجتماعية وغيرها التي رافقت تلك المسيرة، لا بد من بعض النصوص القصصية منها باختصار، غير متجاوزين حدود التيارات التي سبق ذكرها:
النص القصصي:
التيار الأول: سليم صعب
القصة: بولس وفرجيني
ترجم سليم صعب هذه القصة عن الكاتب الفرنسي برناردين دي سان بيير وتعتبر هذه الترجمة من أقدم الترجمات القصصية إلى اللغة العربية ويعود طبعها إلى عام 1864.
مهد المترجم لهذه القصة بمقدمة قصيرة شرح فيها سبب اختياره لها، وختمها بالاعتذار للقراء عن تقصيره، حسب عادة المترجمين والكتاب في ذلك العصر.
وتتلخص الرواية حول سرد سيرة عائلتين قديمتين كانتا ساكنتين في إحدى الجزر الفرنسية المسماة (بور لويس)، وتحتوي على سلسلة من الأخبار المشوقة والمستعجبة عن هاتين العائلتين وسبب سكناها في هذه الجزيرة، وما حدث لهما فيها من الأمور الغريبة، وما آل إليه أمرهما بعد ذلك.
تقدم المترجم إلى المتن مباشرة فنقله في تسعين صفحة وزعها على اثني عشر فصلاً. مع أنه ليس في الأصل فصول. ثم بدأ بالنقل، فحذف واختصر وأضاف وغير، ولكنه لم يبالغ في التصرف حيث بقي في الحدود المقبولة. أما لغته فقد كانت ركيكة الإنشاء وكثيرة الأخطاء وتكاد أن تصل إلى درجة العامية.
ويظهر من مقارنة الترجمة بالأصل أن المترجم كان يبتعد عن الأصل لا رغبة في الاختصار ولا في تشويق القارئ بل لتقصيره في فهم النص الفرنسي، الذي نأتي على بعض أسطر منه:(1/187)
Leur histoire est touchante mais dans cette le située sur la route des indes quel europeen peut s’interesser au sort de quelqcues particuliers obscurs? Qui voudrait même y vivre heureux mais pauvre et ignoré? Les hommes ne veulent connaitre que l’histoire des grands et des rois qui ne sert a personnes
هذا المقطع تضمن ما أجاب به العجوز الذي يمثل في القصة دور الراوي -عن سؤال الكاتب حول خربتين قديمتين قائمتين قباله. وقد جعل المؤلف هذا الحوار مدخلاً للقصة ومادة للغمز من قناة خصومه الذين انتقدوا كتاباته الداعية إلى الفطرة والطبيعة، لكن المترجم لم يدرك شيئاً من هذا الأمر فترجم النص ترجمة بعيدة عن معناه وروحه وغرضه. لنري الترجمة:
(لهما حكاية غريبة يتعجبونها كل من سمعها وتمعن بها، ولكنني رأيت من سؤالك عجباً لأن الأوروبيين القاطنين في هذه الجزيرة يرغبون الترفه في المعيشة ولو كانوا في حالة فقر ويتركون البحث عن الأشياء المجهولة لكن البعض منهم يحب المداخلة في أخبار الممالك التي لا تجدي لأحد نفعاً.
-النقد- ليس القصد أن يرد كل تصرف إلى ضعف ثقافة المترجم وضعف استيعابه للغة الفرنسية ولكن بتصرف المترجم الناقل بأوصاف شخصيات الرواية، وعدم تقيده بالنص الأصلي، وبما رسمه المؤلف الذي تخيل شخصياته بوضوح، فصوّر أوصافهم الجسدية خاصة، بدقة وعناية (1)بحيث يغدو الحل واضح الهيئة، بين الملامح، متميزاً عن سائر أبطال الرواية وعن باقي البشر، بينما يخلع عليه المترجم أوصافاً عامة تجعل من الصعب تخيله، بل من المستحيل تمييزه عن أبطال سائر القصص والروايات.
نعود لنتعرف على صورة البطل في النص الأصلي:
__________
(1) B,se saint - pierre paul et virgimie
... ص200 راجع أيضاً حركة الترجمة في عصر النهضة لـ .زيتوني ص129-130-131(1/188)
Sa taille etait plus élevée que ceLle de virginie son teint plus rembruni son nez plus aquilin, et ses yeux, qui etaient noir, auraient eu un peu de fierte si les longs cils qui rayonnaient autour comme des pineeaux ne leur avaient donné la plus grande douceur”.
أما الترجمة العربية
.. قامته أطول منها ذو وجه بديع تتكلل بأنواع المحاسن والجمال بثغر ضحوك وحلاوة مبسم في غاية اللطافة..
هذا ما حوت هذه الترجمة من حيث المعاني، أما من حيث الأسلوب فكان اسمى قليلاً من العامية. كما حاول المترجم نقل بعض العبارات شعراً فأتى شعره ركيكاً كنثره ومع ذلك أجاد النظم في مواضع خاصة. وعندما استعار المؤلف "بعض أبيات هوارس وفرجيل" ليسطر بعضها على عماد صيوان، كان ما جاء إليه بوليس وفرجيني، وليخط أبياتاً أخرى على جذع شجرة كانا يستظلان بها، وليحفر أخرى فوق باب السيدة (دولاتور) والدة فرجيني. لم تأت الأبيات التي جاء بها المترجم معبرة عن المعاني في الأبيات اللاتينية، بل ترك المترجم لنفسه الحرية تأتي بما ناسب الظرف.
وعندما استعار المؤلف هذين البيتين الفرجيليين:
Que les frères d, hélene, astres charmants comme vous, et que le pere des vents vous dirigent, et ne fassent souffer que le zephyr
قابلها المترجم بهذين البيتين:
كواكب حسن مذ علوتم لطافة ... أبى الدهر إلاّ أن يكون لكم عبدا
رفعتم إشارات الوداد إلى العلى ... فكان لها ريح الصبا حافظاً عهدا"
ما يتبين، أن هذين البيتين لا يعبران عن الأصل، ولكن المترجم وجد فيهما ما يعبر عن المناسبة المستعار لها. ومثل هذا ما وقع معه في البيتين أدناه المأخوذين عن فرجيل. فالأول:
Heureux mon fils, de ne connaitre que les divinités champetres
ما قابله:
ليس السعادةة في المال الكثير ولا ... في الفخر لكنها في راحة البال
والثاني:(1/189)
"Ici est une bonne conscience, et une vie qui ne soit pas tromper"
ما قابله:
كهف به نزل العيش الرطيب لذا ... حوى الهناء فلم تقر به ضراء
أما الأخطاء اللغوية فهي كثيرة يوجد منها في كل صفحة، وهذه بعض الأمثلة:
1-فصار فرجيني يومياً تبدر لها الحب فألفت عليها وأخيراً لم تعد تفر من بين أرجلها
2-وكان الامرأتين لا تفترا قط عن إرشاد ولديهما في كل ما يلزم من أمور التربية الحسنة
3-ثم التفت إلى هذا الاختيار
4-فكانت قلة معارفهما تزيدهما هناء ورفاهية في المعيشة
5-وأني لا أرى لون السماء الأزرق بأحسن منظر من زرقة أعينك الجرّاحة
6-ومن ثم أرسلتا خلفي واحكتا لي عن فكرهما.(1)
التيار الثاني: طانيوس عبدو:
رواية باردليان:
لقد ترجم طانيوس هذه الرواية عن ميشيل زيفاكو الروائي الشعبي الفرنسي ونشرها متسلسلة في مجلة (الراوي) قبل أن يجمعها ويطبعها على حدة. وقد نالت هذه الرواية من النجاح ما كانت تناله سائر روايات طانيوس عبدو الذي كان أغزر المترجمين انتاجاً وأبعدهم شهرة، وقد أعيد طبع هذه الرواية عدة مرات.
عرض المترجم في هذه الرواية كمقدمة، موقف قراءء منها بعد صدور الطبعة الأولى، مشيراً إلى ذوقهم ومعترفاً بتأثير هذه الأذواق مجتمعة في توجيه عمله في الترجمة وفي اختباره لمواده. ومما نذكره أدناه تسلط الضوء على مدى إقبال الجمهور على قراءة الروايات والقصص وبذل الجهد والنشاط الذي كان يبذله المترجم طانيوس للاستجابة لرغبة والحاح القراء:
__________
(1) نفس المرجع بالنسبة لكتاب حركة الترجمة في عصر النهضة ص132-133(1/190)
قال: اذكر أنني حين بدأت أنشر في مجلتي الراوي سنة 1907 رواية باردليان "كنت أنشر منها قسماً واحداً كل نصف شهر. فكان كثيرون من المشتركين لا يطيقون الصبر إلى موعد العدد القادم، فيكتبون إليّ يساءلونني عن مصير أبطال الرواية حينما يكون آخر الموقف في الرواية في خطر، حتى إن غيرواحد منهم كان يسأل بالتلفون. وأذكر أنني طبعت منها يومئذ عشرة آلاف نسخة، وهذا كان أبعد حد لطبع الروايات في ذلك العهد، فنفذت بحملتها قبل أن يمضي ثلاثة أشهر على الانتهاء من طبعها، وقد كان لي هذا أعظم مشجع، وعلمت على أثرها أن مرد هذا الاقبال من قبل القراء، إنما كان لما تتضمنه من الحوادث التاريخية وحوادث البطولة والمرؤات في أجمل عهد من عهود فرنسا. وعلى أثر ذلك خطر لي أن أنشر سلسلة من تاريخ فرنسا المجيد، فنشرت بعد بردليان الأميرة فوستا، وكابيتان، والساحر العظيم، وفلمبرج، وعشاق فينيسيا، والملكة إيزابو، وروكامبول ثم الوصية الحمراء، وبائعة الخبز وشهداء الإخلاص، وأم روكامبول، التي وصفت فيها الثورة الفرنسية الكبرى أصدق وصف وأبدعه فكانت خاتمة السلسلة.
عندما نفدت الطبعة الأولى من السلسلة عاد كثيرون من القراء ومن المكاتب يطلبون إعادة طبعها.
أثبتت هذه المقدمة الطويلة ما تضمنته من وقائع مهمة توضح الكثير مما ذكر في هذا المتن.
1- إن الرواية كانت تنشر مجزأة في المجلات قبل أن تجمع وتطبع في كتاب مستقل.
2- إن إقبال القراء على الروايات الشعبية كان شديداً لهذا حظيت باهتمام المطابع ودور النشر ونفذت نسخها على تعدد الطبعات بينما بقيت المؤلفات العلمية، والأدبية الرفيعة مخطوطة أو مطبوعة كاسدة.
3- كانت علاقة قائمة بين المترجم والقراء فهو يختار ما يوافق ذوقهم وهم يفرضون عليه الاستمرار الذي يرغبونه.
4- كان ذوق القراء يميل إلى القصص البطولية التاريخية، لأنه أقرب الأنواع إلى ما هو مألوف لديهم، وأهم ما فيها القصص البطولية التاريخية.(1/191)
النقد: ترجم طانيوس عبدو هذه الرواية فتصرف فيها بزيادة بعض المقاطع وباختصار عدد آخر منها، لم يتوخى في عمله الدقة التامة، فقد تحول الحوار على يده إلى سرد في الكثير من الأحيان، فلم يتقيد كثيراً بالتفاصيل البسيطة، كما استخدم التفسير والتأثير العاطفي على حساب النوعية القصصية، غير أنه راعى حيناً، الجانب الأخلاقي، واعتمد الجمال المطلق في ترجمة أوصافه بما يفيد المعنى دون البذاءة كما في ترجمته نزوع إلى العلو أحياناً متأثراً بأسلوب القصص القديمة.
لا بد من تفصيل القول في السمات التي تميز بها هذا التيار خارجاً عن السمات المشتركة التي اتسمت بها جميع التيارات والتي تناولت ترجمة القصة:
1-مراعات الجانب الأخلاقي:
حاول المترجم مراعاة الجانب الأخلاقي، بتغيير عبارات النص التي وجدها تجرح إحساس قرائه المتزمتين، مثال على ذلك، (حنة، إحدى بطلات الرواية، كانت تنتظر حبيبها فرانسو داخل غابة الكستناء وهي تحدث نفسها وتجشعها على البوح له بالسر، وبينما هي غارقة في تفكيرها" إذ بساعدين قويتين ناعمتين يطوقانها وفم يرتجف تبحث عن فمها.
Soudain, deux bras robustes Et tendres l,enlacerent une bouche fremissante chercha sa bouche(1)
قابلها: هذه الصورة الشهوانية لم يقبلها طانيوس عبدو ولكنه لم يحذفها بل خفف من حدتها بالتصرف في نقلها فجاءت: .. شعرت فجأة بيد جذبتها بلطف بفم لثم يدها..
2-نقل الأوصاف:
__________
(1) Zevaeo miche bs pardaullon -ص9- طانوس عيدو/ رواية - باردليان ص5
... Zevaeo mIchel les pardaillan ص9.
... راجع أيضاً المرجع نفسه: حركة الترجمة في عصر النهضة: لطيف زيتوني ص134-135(1/192)
كما ذكرنا في تعليقنا على ترجمة كتاب "بولس وفرجيني" "يتصرف طانيوس عبدو في نقل الأوصاف الجسدية بحيث يغدو البطل ذا جمال مثالي مع بقاء صورته مبهمة مظلمة ومع أن ميشيل زيفاكو لا يدقق في وصف أبطاله بل استخدم في ذلك الكلمات العامة التي تترك على الصورة ظلالاً تمنع رؤيتها بوضوح كقوله:
Jeanne avait seize ans mince frêle, fiére d,une exquise éléganee elle semblait une créature faite pour le ravissement des yeux une emanation de ce radieux printemps pareille en sa grace un peu savivage a une aubepine qui tremble sous la rosee au sobil levant.
مع ذلك يلجأ المترجم لتحويل الصورة إلى هيئة مجردة (كانت حنة ابنة الشيخ دي بيانس في السادسة عشر من عمرها وهي غراء الطلعة هيفاء القد حوراء العينين كأنهما خلقتا للسحر بل كأنما هي الحسن مجسماً، والجمال ممثلاً فلا تفتح للعين على أتم منها حسناً.
3-التأثر بأسلوب القصص العربية القديمة
يمكن تلمس هذا التأثير في كثير من صفحات الترجمة، كأن يصف قوة البطل باردليان الابن فلا يكتفي بما يطلقه المؤلف عليه من صفات بل يسترسل في تعظيمه وفي تكرار الصفات البطولية التي ينعته بها، كما نلمس هذا التأثر في وصف قصور العظماء فلا يكتفي بما يخلعه المؤلف عليها بل يتمادى في تفخيمها ويصورها بما يقرب من تصوير ألف ليلة وليلة، فمجلس مونتمرانسى أمير الجيوش مهيب، فهوذا "الأمير يجلس على كرسي يرتقي اليه بثلاث درجات وحوله خمسون ضابطاً جامدين ينتظرون بصمت.
Lorsque François entra daus la salle des armes, il vit le connetable anne de montmorency assis dans un somptueux fauteuil surélevé de trois marches cinquante capitaines immobiles a ses cotes attendaient en silenee
ولكن هذا المجلس على مهابته وبساطته لم يرض المترجم فلجأ إلى إثارة خيال القارئ بتقديم الأوصاف عندما استعار رسما تخيله:(1/193)
"فلما دخل فرانسو إلى قاعة السلاح الكبرى وجد أباه أمير الجيوش جالساً على عرش عظيم يرقى إليه بثلاث درجات مفروشاً بالمخمل، والعرش محلى بالذهب، ومرصع بالأحجار الكريمة، وكان النور شديد التألق في هذه القاعة، إذ كان فيها إثنا عشر عموداً من النحاس وفوق كل عمود يتشعب اثنا عشر مصباحاً، والجدران مغطاة بالسجاد الثمين وعليه الأسلحة المختلفة من جميع أنواعها. وكان يوجد على هذه الجدران اثنا عشر صورة من صور أجداد أمير الجيوش، وتحت صورة كل منهم ما كان يستعمل في عصره من أنواع السلاح.
وكان أمير الجيوش جالساً على عرشه وهو مقطب الجبين، وقد وقف حوله خمسون رجلاً من خيار قواده سكوتاً لا يتكلمون..(1).
الزيادات ذات الهدف التوجيهي:
لجأ المترجم إلى زيادة بعض المقاطع الكبيرة فجاء أحدها موافقاً لروح النص لكنه غير ذي تأثير في سير الأحداث، كتصوير عودة فرانسو من الحرب وعودة فرانسو من ندمه بعد مبارزته أخاه هنري، لأن هذه العودة لا تتوافق مع الشعور الذي أملى على فرنسوا مغادرة قصر أبيه نهائياً إلى باريس. وإلى جانب ذلك، لجأ المترجم إلى الزيادة لغاية توجيهية عندما بلغت الرواية أحداث الصراع بين الكاثوليك والبروتستنت في فرنسا، أضاف المترجم مقطعاً طويلاً تحدث فيه عن هذا الصراع، الديني وبين أضراره وحلل الأسباب مشيراً إلى دور الجهل والتعصب في اذكائها. وذلك لحمل القارئ على استنكاره.
أما أسلوب طانيوس عبدو فهو أسلوب بسيط تسيطر به المواد الصحفية والتاريخية، وجمع إلى سلامة اللغة فصاحة الكلمات، لا تعقيد ولا صنعة في جمله، ولكنها، في أغلب الأحيان تبدو مشبعة بالأسلوب القديم الموروث.
كما ضمن المترجم أسلوبه بعض الآيات القرآنية والأشعار المنثورة.
__________
(1) راجع طانيوس عبدو رواية باردليان ص5 Zevaco michel les pardaillan ص91
... راجع لطيف زيتون ص90-92-135-137- دار النهار عام 1994.(1/194)
فمن استعارته القرآنية هذه العبارة: "إن بدا الله فوق كل ظالم" وأيضاً:
"ما هذا بشرا إن هذا إلا شيطان رجيم.
ومن الأبيات الشعرية المنثورة بقوله: إن الحكمة تقترن بالشجاعة وهي في المحل الأول.
واصل هذا القول بيت المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
ومن الأبيات المنثورة أيضاً قوله: "وأود تقبيل السيوف لأنها تلمع كبارق ثغرها(1) وهو مأخوذ من قول عنترة العبسي:
ووددت تقبيل السيوف لأنها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
-التيار الثالث: فرح أنطون:
"أتالا"
مهد المترجم لهذه القصة بيان السبب الذي حمله إلى ترجمتها فقال: كان بعض أخواننا الأدباء في هذه البلاد يسألوننا من حين إلى حين (متى تضعون لنا رواية كبولس وفرجيني: والكوخ الهندي "وأورشليم الجديدة" فلما شرع المترجم في نشر رواية (مريم قبل التوبة) في ذيل المجلة، فارتاحوا إليها، ثم أضاف المترجم قائلاً: ( أما نحن فقد عقدنا النية منذ ذلك الحين على ابراز رواية أخرى لقراء الجامعة تعتبر في عالم الأدب قرينة لرواية بولس وفرجيني والكوخ الهندي، وهذه الرواية هي (اتالا) لمؤلفها (شاتوبريان، أحد مشاهير فرنسا).
وانتقل الكاتب بعد هذا التمهيد إلى عرض أغراض هذه القصة من الوجهتين الأدبية الاجتماعية، واتبع هذا العرض بمقابلة عقدها بين عصر شاتوبريان وعصره، انتهى بها إلى إبراز قيمة القصة في إظهار كنه الدين وحقيقة وظيفة رجاله. وكأنه خشي من القراء عدم تصديقهم حكمه، فاثبت في هذه المقدمة شهادة الناقد الفرنسي "سانت بوف" قصة "اتالا" ثم ختم المقدمة بذكر الصعوبات التي صادفها أثناء ترجمة الكتاب.
في النقد والتحليل:
__________
(1) طانيوس عبدو حمص: 13 (26-28( -41- (142-143) -5-97-127-133-(1/195)
بدأ فرح أنطون ترجمة الكتاب بنقل التمهيد الذي وضعه المؤلف، ولكنه لم ينقله بحذافيره بل لجأ إلى الاختصار كلما وجد لدى المؤلف اسهاباً. فيجتز الثلث الأخير من هذا التمهيد ويجعله فصلا مستقلا يعتبره الفصل الأول من هذه الترجمة.
بعد ذلك، انتقل المترجم إلى المتن فحذف منه مقاطع، في الفصلين الأول والأخير ثم استمر في الحذف فالغى من الأصل فصلاً كاملاً، لم ينقل منه سوى بضعة أسطر، فيعتبر هذا الفصل هو المتعلق بدفن "اتالا".
فإذا ما استعرضنا المقاطع والجمل التي حذفها المترجم نجدها تنتمي إلى نوعين من الأدب: التصويري والتأملي فكثيراً ما كان المؤلف يمعن في الوصف امعاناً فيه كل الدقة والتفصيل والتصوير والشاعرية، أو يغرق في التأمل فتنطوي الصفحات الكثيرة قبل أن يفيق.
فقد جاء المترجم بمقاطع فاتنة، رفيعة الأسلوب، شاعرية التعبير، بديعة الألوان ودقيقة الوصف، ولكنها تنفر القارئ المتوسط الثقافة الذي يبحث في القصة عن الحوادث.(1)
فالناقل كان بالاجمال أميناً في ترجمته، دقيقاً في التعبير عن أغراض المؤلف ومعانيه، فلم يبدل ولم يتصرف، فإذا خطر له أن يعلق على عبارة، أورد هذا التعبير أو التعليق في الحاشية، وردت في الأصل زواية على لسان الهنود شبيهة بقصة الخلق بالتورات، فأشار المترجم إلى هذا التشابه في الحاشية. ووردت في النص إشارة إلى الزراعة وأشاد بمنافعها، فذكر المترجم المهاجرين السوريين في الولايات المتحدة بدعوته إلى الزراعة. وقد أورد أيضاً أمثلة أخرى.
__________
(1) رواية "بولس وفرجيني، طبعت في الاسكندرية 1902- وهي مترجمة عن برناردين ده سان بيير عنوان الكوخ الهندي الكامل: الكوخ الهندي أو أين نجد الحقيقة وكيف نجدها- نشرت وقد ذكر سابقاً مكان وسنة نشرها ومؤلفها.
قدم المترجم رواية "اتالا" هدية من الجامعة المجلة والجريدة التي قرأها بعدما جعلها ملحقاً بالسنة الخامسة للمجلة- راجع أيضاً المصدر السابق لطيف زيتوني -137-139(1/196)
أما الهفوات التي وقع فيها المترجم فهي بسيطة نذكر منها:
نقلها فرح أنطون بهذه العبارة: (فيا فتاة هي الذّ في النفس من أحلام الزوج الأول.(1)
فلفظ (الأول) متعلق بحلم لا بالزواج، وهذه الهفوة وغيرها لا يسلم منها مترجم ولا تعبر عن ضعف أو قصور. أما الأسلوب فهو سهل وسلس بعيد عن الكليشيات أي الرواسم ولا يخلو من نفحة أدبية.
ثالثاً - ترجمة المسرحية:
عرفت مصر المسرح منذ مطلع القرن التاسع عشر الماضي، فبلا شك في أن التأثير الفرنسي والإيطالي في مصر أدى إلى تعريف سكان المدن بالمسرح، ولكنه لم يكن كافياً لخلق مسرح محلي باللغة العربية، فقد أنشأ نابليون بونابرت في مصر، خلال حملته عليها، مسرحاً دعاه (مسرح الجمهورية والفنون) لتسلية ضباط جيشه، فقد قدمت على هذا المسرح، روايتان، باللغة الفرنسية، ثم انطوى مع رحيل الفرنسيين عن مصر ودون أن يؤثر في الحياة الفكرية المصرية. وقد أشار -الجبرتي- إليه بقوله "الكومدي Comedie وهو عبارة عن مكان يجتمعون فيه كل عشر ليالي، ليلة واحدة، يتفرجون به على ملاعب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلية، وذلك لمدة أربع ساعات في الليل، و(لا يدخل أحد إليه إلا بورقة خاصة بمعرفة هيئة مخصصة باسم ندوة (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) وقد قال عنه جرجي زيدان "أن تمثيله على كل حال ليس تمثيلاً عربياً".
غير أن هذا المسرح أو الندوة لم يكن كافياً لخلق مسرح عربي محلي باللغة العربية لأن قيام هذا المسرح يتطلب مستوى ثقافياً لم يتوافر لمصر التي كانت -حينذاك- تغرق في الأمية، وكان مثقفوها، المتحلقون حول بلاط محمد علي، يكتبون بالتركية لا بالعربية.
__________
(1) عنوان الفصل المتعلق بدفن (تالا) Les funeraille ص131-136 ثم راجع تالا ص83/ شاتوبرال/ لطيف زيتوني ص138-139(1/197)
أما في لبنان فكانت الحال على خلاف ذلك، فقد أدى التسابق بين الإرساليات في تعليم الناشئة، إلى نشوء عدد كبير من المدارس، وبالنتيجة إلى ظهور طبقة واسعة من المتعلمين المطلعين على الثقافات الأجنبية والمهيئين لتذوق الفنون الجديدة. وهذا ما يسر قيام مسرح باللغة العربية الفصحى.(1).
مسرح مارون النقاش
تكاد تجمع آراء الباحثين على أن مارون النقاش هو صاحب أول محاولة جدية في الفن المسرحي في عصر النهضة. فقد قدم في بيروت آخر عام 1847 مسرحية دعاها "البخيل" كانت أول مسرحية بالمفهوم الحديث في العربية الفصحى، وما يعنينا هنا ما تأثر به، هو وتلاميذه، من النصوص المسرحية المترجمة، أدى فيما بعد إلى خلق الأساس لقيام حركة ترجمة مسرحية، يمكن إيجاز تأثيرها بثلاثة: هي:
آ-مراعاة مستوى الجمهور وميوله وتقاليده- ب والاهتمام بالأخلاق _(ج) والتطلع إلى الغرب ومحاكاته في التأليف والإخراج.
__________
(1) راجع- نجم محمد يوسف: المسرحية في الأدب العربي الحديث ص17-28 وداغر يوسف أسعد: الأصول العربية للدراسات اللبنانية ص383 وجرجي زيدان: تاريخ أداب اللغة العربية، الجزء الرابع ص502 وعمر طالب "نشأة المسرحية العربية، مجلة أداب الرافدين (بغداد) العدد الثاني 1971، وLandau, jacab: etude sur le theotre et la cinema arabes ص ص60/61(1/198)
راعت مدرسة مارون النقاش جمهور المسرح في اختيار النوع المسرحي وفي تخفيف قيود الصنعة الفنية. فقد استعرض مارون النقاش الأنواع المسرحية المختلفة، النثرية والشعرية، كالمأساة والملهاة والدراما والأوبرا بأنواعها، فوجد أن الثلاثة الأولى أهم وأدعى للأخذ بها، لأنها أسهل وأقرب، وفي البداية أوجب، ولكن الأوبرا أكثر ملائمة للذوق العام "وأحب من الأولى عند قومي وعشيرتي، فلذلك صوبت أخيراً قصدي "ولذلك أيضاً جعل في الرواية الواحدة شعراً ونثراً وانغاماً، عالماً أن الشعر يروق للخاصة، والنثر تفهمه العامة، والانغام تطرب(1).
__________
(1) يقصد بقيود الصنعة الفنية مجموعة القواعد والشروط التي يتوجب على الكاتب المسرحي التقيد بها. أما قواعد اللغة العربية من نحو وبيان وعروض شعر فلا تعنيها مع أنه لا يؤخذ بالعذر الذي قدمه نقولا نقاش، جامع مسرحيات مارون. غير أن مارون ربما تحلل من مراعاة ضوابط اللغة والعروض عمداً، لتشجيع الآخرين على التأليف في هذا الفن (ارزة لبنان ص34- راجع أيضاً: النقاش سليم (فوائد الروايات والتيترات مجلة الجنان- .... 60- ص521 راجع أيضاً حركة الترجمة لطيف زيتوني ص87-89(1/199)
على غرار كتاب المسرح الكلاسيكي اعتبرت مدرسة مارون النقاش أن للمسرح رسالة اجتماعية تقوم على كشف العيوب واظهار مساوئها، وكثيراً ما شدد على الناحية الأخلاقية، سواء في المقاطع التي أدخلها في متون مسرحياته لشرح وفهمه للمسرح، أو في الخطب التي افتتح فيها حفلاته, ففي أول خطة له حول فن المسرح شدّد مارون النقاش على أن رسالة المسرح هي ركيزة المتعة الفنية للعبر والقواعد المهذبة للأخلاق، وأن في الفن نصائح لاشتماله في قالب الفكاهة على كشف العيوب، تهذيباً للعاقل وتأديباً للجاهل. كما أن هذه النظرة الأخلاقية تبينت واضحة لدى تلميذه سليم النقاش الذي يقول(أما ما يشترط في الروايات، هو أن تتجلى فيها بهاء الفضيلة فتميل الناس إليها وتبدو الرذيلة تحت برقع الأدب مع عواقبها الوخيمة ليرى الناظر شناعتها فيتجنبها، ويأنف الأتيان بها. أما العشق الشديد فيظهر أيضاً بعواقب حسنة أو قبيحة(....) وهذا هو المطلوب من كل مؤلف رواية تشخص رواياته لدى الجمهور).
أما تأثر مارون النقاش بالغرب ومحاكاته المسرح الغربي في التأليف والإخراج يمكن الاستدلال عليه: مثال: في مسرحية"الحسود السليط" ذكر أنه أخذ بعض معانيها من الروايات الأجنبية، ومع أنه لا يعترف بمثل هذه في الرواية"البخيل" إلا أنه مع الإقرار بأن هذه المسرحية مؤلفة لا مترجمة وكثيراً ما نلمح صدى مسرحية"موليير" التي تحمل الاسم نفسه، كما يلمح شيئاً من هذا الصدى في مسرحية"أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد" وفضلاً عن اقتباسه من النصوص الأجنبية، استعار النقاش بعض الألحان الفرنسية لمسرحيته"البخيل" كما قلد المسرح الغربي في طريقة بنائه وتجهيزه.(1/200)
فقد وصف الرحالة الإنكليزي"دافيد اركيوهارت" حفلة تمثيل مسرحية"أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد" فذكر أن ماروناً جعل للمسرح أنواراً أمامية وأقام(كوشه) للملقن متأثراً بما شاهده في أوروبا. كما وضع مرايا كبيرة للسيدات مع أنه بين الحضور لم يوجد سيدة واحدة، وليس ذلك إلا تقليداً للمسرح.
اعتمد المسرح اعتماداً أساسياً على المسرحيات المترجمة والمقتبسة والتصرف في النقل مراعات لذوق الجمهور، كما سنجد عند بسط الكلام حول أساليب ترجمة المسرحية(1).
تطور ترجمة المسرحية:
استمر المسرح في لبنان بعد مارون النقاش على يد جماعتين: "فرقته المسرحية وعلى رأسها أخوه ثم ابن أخيه سليم خليل النقاش، -والهيئات الثقافية كالمدارس والجمعيات.
__________
(1) راجع: النقاش: أرزة لبنان ص18- وأيضاً للنقاش"الحسود السليط(سلسلة المسرح العربي) ص275- وأيضاً رواية"البخيل" ص1.
راجع مجلة الجنان، مجلد سنة 1875 ص517-، راجع أيضاً(أرزة لبنان ص15-66 وقارن بما ذكره سليم النقاش في مجلة"الجنان" مجلد سنة 1875- ص521.
-انظر مارون النقاش: "المسرح العربي"دراسات ونصوص ص275.
-أيضاً النقاش أرزة لبنان ص106، أو مارون النقاش المسرح العربي، دراسات ونصوص
ص67-68.
- راجع: نجم المسرحية في الأدب العربي الحديث ص35- 38.(1/201)
وقد سلك النشاط المسرحي طريق الترجمة والاقتباس بسرعة، فضلاً عن التأليف، فنقل سليم النقاش عدداً من المسرحيات واقتبس عدداً آخر، منها المسرحية الغنائية(أوبرا) "عايدة" للإيطالي غيسلنزوي Ghislanzoni "ومي" (Horace) لكورنيي و"ميتريدات Mithridate لراسين. ولعل المدارس كانت أسبق في ترجمة المسرحيات كونها اعتنت باكراً بفن المسرح واتخذته أداة للترفيه والعظة وأول ما قدمته منها مسرحية"تليماك" التي اقتبسها سعد الله البستاني عن قصة"تليماك (Telemaque) لفنلون(1). ثم مسرحية"أدنا مرسى" التي نقلها السوري يوسف معمارباشي عن الإيطالية. ومسرحية أثاليا(Athalie) التي ترجمها نجيب جهشان الراسين. ثم تطور النشاط المسرحي في لبنان وكثر عدد المهتمين به فكانت المسرحيات تترجم وتمثل على المسارح العامة المحلية أو في دور القناصل والوجهاء.
ومن هذه المسرحيات مسرحية"اندروماك" التي ترجمها أديب اسحق عن راسين استجابة لقنصل فرنسا، ومسرحية"الخداع والحب" لشلّر الألماني، التي نقلها نقولا فياض ونجيب طراد عن نسخة فرنسية ومثلت في القنصلية الروسية في بيروت.
غير أن هذه المسرحيات تفاوتت في دقتها وأسلوبها لكنها اجتمعت لتشكل زاد المسرح في مصر طول عصر النهضة. وأبرز من ترجم للمسرح العربي في أواخر القرن الماضي ومطلع هذا القرن. ويأتي بعد الياس"فياض" الذي ترجم خمس عشرة مسرحية ثم طانيوس عبدو وفرح أنطون وشبلي ملاّط ونقولا حداد ونقولا رزق الله وغيرهم.
الأساليب المتدرجة في ترجمة المسرحية:
__________
(1) دغمان سعد الدين: الأصول التاريخية لنشأة الدراما في الأدب العربي ص267- راجع: نجم محمد: المسرحية في الأدب العربي، الحديث، ص95-
-إن قصة لفنلون، مثلت على مسرح المدرسة الوطنية(للمعلم بطرس البستاني) تموز 1869.
انظر المرجع نفسه ص52- 0 وانظر أيضاً حركة الترجمة في عصر النهضة زيتوني ص 89- 90- 91 .(1/202)
اتجهت جهود المترجمين في بادئ الأمر، إلى اللغة الفرنسية، ثم شملت ترجماتهم إلى بعض نتاج المسرح الإنكليزي، ولا سيما مؤلفات شكسبير. ويمكن القول أنهم لم ينقلوا نوعاً واحداً من الأنواع المسرحية، بل نقلوا بعض المسرحيات الإيطالية والتركية والألمانية. كما لم يقتصروا على مدرسة واحدة محددة، بل انتقوا ما لائم ذوقهم وذوق جمهورهم. وكثيراً ما كان يتبع المترجمون شهرة الكاتب أو شهرة المسرحية. ومع ذلك في المرحلة الأولى من نتاج المسرح، العربي، سلكوا خلف النتاج الكلاسيكي، فترجموا مسرحيات(كورنيي وراسين وموليير)، وأغلب الظن أن السبب يعود إلى محاكاة الذوق العربي في إكبار البطولة وايثار الواجب وتمجيد الفضيلة والشرف، وهو الذوق المشبع بالمثل الدينية وتقديس البطولات.
لكن المترجمين ما لبثوا أن تطلعوا إلى المسرح الرومنسي ولا سيما منه مسرحيات"فيكتور هيغو"، وقد رافق هذا التحول، تأثر الشعر العربي الحديث بالاتجاهات الرومنسية، ومن الشعراء الذين تأثروا بهذا المبدأ هم: نجيب الحداد والياس فياض.
وقد أدى النضج الفني لدى جمهور المسرح بشكل عام إلى تطوير أساليب المترجمين في الترجمة، فبعدت إلى حد ما، المسرحيات المترجمة عن الأصل، وتعرضت للحذف والزيادة والتعديل والتلخيص، وكان هذا التعديل يرنو إلى إقحام أدوار الغناء والمواقف العاطفية لأن الجمهور كان يطلب تضمين الرواية المسرحية مواضيع غرامية من أحاديث وقصائد غزلية، غير أن هذا التصرف أدى إلى تخلي المترجم عن عقدة المسرحية الأصلية، كما فعل سليم النقاش في ترجمته لـ"هوراس" فشوه البناء المسرحي كل تشويه. وكثيراً ما عدل المترجم نهاية المسرحية لتأتي مفرحة خِلافاً للتي تفرض أن تكون نهاية المأساة محزنة دائماً.(1/203)
لقد كان الجمهور شغوفاً بالروايات العاطفية لأنها تصور جانباً مكبوتاً من حياته، وكان يتقمص شخصيات أبطالها فيتحمس لهم تحمسه لنفسه وتقف من مآسيهم كمثل موقفه منها، فكان على المترجم أن يراعي هذا في عمله وأن يعدل في متن مسرحيته وفي خاتمتها بغية الاستجابة لرغبة الجمهور وإلا تحول هذا عنه أو اثار عليه محتجاً كما ثار على"يعقوب صنوع".(1)
__________
(1) مثلت مسرحية"أدنا مرسي" على مسرح دير الشرفة سنة 1884 راجع داغر يوسف أسعد فن التمثيل خلال قرن، المشرق، م 42، ص494. ومثلت مسرحية"عثليا" على مسرح مدرسة زهرة الإنسان في شهرك1 1898 راجع مقدمة المسرحية. ومثلت مسرحية"اندروماك" عام 1875 انظر نجم محمد: المسرحية في الأدب العربي الحديث ص58. ومثلت مسرحية"الخداع والحب"سنة 1900- راجع فياض نقولا(رفيف الأقحوان) ص189- وأيضاً مسرحيته الثانية"ذكريات أدبية محاضرات الندوة اللبنانية 18 أيار 1952م 63. مثل مارون النقاش مسرحية الحسود السليط: المسرح العربي دراسات ونصوص 275. ومثل نجيب الحداد مسرحيته"الهناء" م1، 9/ 378.
... ... وفيما يتعلق بإقحام أدوار الغناء والمواقف العاطفية ، راجع: مسرحيات سليم نقاش، وأيضاً أنشودة الهوى التي اقتبسها حليم فارس عن إحدى القصص الفرنسية، وراجع أندروماك ترجمة أديب اسحق. وراجع أيضاً جورج طنوس في مقدمة مسرحية"الشعب والقيصر" التي ترجمها عن فولتير"انظر النص في الأصول التاريخية لنشأة الدراما في الأدب العربي ص211- 212 لدغمان سعد الدين.
... وراجع أيضاً محمد نجم"المسرحية في الأدب العربي الحديث ص-7-
... راجع أيضاً، حركة الترجمة في عصر النهضة- لطيف زيتوني صص 91- 93.(1/204)
كان نجيب جهشان أكثر جرأة وصراحة في شرح طريقته في ترجمة(عثليا) Athalie راسين، واللجوء إلى الزيادة والحذف إذ قال: (عمدت إلى تعريب هذه الرواية لما حوته من الآداب وحب الفضيلة والتقوى حتى غدت في حال يليق معها أن تمثلها تلميذات مدرسة اتخذن العفاف والآداب شعاراً لهن. فعربتها بتضرف حاذفاً منها ما يصح الاستغناء عنه ومراعياً فيها جانبي اللغة والذوق العربي، ولكني حافظت على كل محاسنها التي ألبسها إياها المؤلف، وقد جعلتها ثلاث فصول عوضاً عن خمسة، وزدت على الفصل الأول منها المشاهد الثلاثة، في أوله توطئه للحلم الذي تراه الملكة، وتذكره في الفصل الثاني من الرواية وبياناً للقلق الذي داخلها منه وإظهاراً لما اتصفت به هذه الملكة من قساوة القلب وحب سفك الدماء، وقد خالفت التاريخ والمؤلف الذي يجعل موت"عثليا" خارج الهيكل من أيدي اللاويين بأن جعلت موتها من يدها من خاتم مسموم كانت تلبسه بأصبعها، إذ رأيت أنه أليق بخدمة هيكل الرب أن لا يغمسوا أيديهم بالدم ويتم الشبه بين قساوة"عثلّيا: وقدّرتها على الانتحار...(1)
__________
(1) في مسرحية"صفصف" ليعقوب صنوع تقوم البطلة بدور فتاة لعوب تغازل أكثر من خاطب واحد في وقت واحد وقد حملها المؤلف مغبة تصرفها فتركها في آخر المسرحية وحيدة لا زوج لهاولا خاطب لكن الجمهور رفض هذه الخاتمة المنطقية التي يقتضيها السياق، فثار على صنوع وطالبه بأن بضيف مشهداً ختامياً إلى المسرحية يزوج فيها البطلة، وألا يقاطع مسرحه. اضطر صنوع إلى النزول عند طلبه. (راجع الحوار كاملاً في كتاب علي الراعي: الكوميديا المرتجلة في المسرح المصري، ص22- 23. حول الحذف والزيادة راجع المقدمة: في رواية تنازع الشرف والغرام عازار- شاكر وزلزل- نجيب-.(1/205)
نقل هذا المقطع من المقدمة خصيصاً، لأنه يعتبر كشهادة نموذجية، وكإقرار صريح من مترجم يعترف بأنه يشوه عن وعي منه، رائعة عالمية لمراعات ذوقه الشخصي وإذعاناً لطلب رئيسة مدرسة زهرة الإحسان للطالبات ولم يكن يبغي تشجيع الجمهور واجتذابه، فقد احتوت هذه الترجمة معظم عيوب الترجمة المسرحية، من حذف، وعدم مراعات الذوق نحو الجمهور، مع الإخلال بالتنسيق الخارجي للفصول والمشاهد، والزيادة، وتغيير الخاتمة.(1)
من عيوب ترجمة المسرحيات:
الاستعارة بأشعار سواهم:
مثال: استعارة أديب اسحق على لسان"أورست" في مسرحية اندروماك:
أورست: ...
ما كل ما يتمناه المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ومثله على لسان بيروس في المسرحية نفسها.
بيروس:..
كالعيش في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول
بيروس: ...
وها أنا في ذا الحب رهن احتكامه ... (وحيد وما قولي كذا ومعي الصبر)
ويقابل الهوان باستعمال الاستعارة والحذف والزيادة، الفضل باعتماد اللغة الفصحى:
إن اعتماد الفصحى في المسرحيات الموجهة إلى عامة الشعب، خلال تلك الفترة، كان عملاً جريئاً بدون شك، إذ كانت نسبة المتعلمين ضئيلة جداً ومع أن الفصحى كانت في بدايتها، وهذا الفضل يعود إلى"مارون نقاش" ومدرسته، الذي تعمد كتابة مسرحياته باللغة الفصحى متوخياً تثقيف الشعب وزيادة محصوله اللغوي، بدون أن ننسى أن النقاش كان شاعراً، وقد أثرت هذه القاعدة في تلاميذه ومحيطه منهم:
تلميذه سليم النقاش الذي ترجم مسرحيتي(مجلة الجنان وفوائد الروايات)" إلى الفصحى.واقتيس- مواطنه سعد الله البستاني مسرحية"تليماك" بالفصحى
-وعلى هذا المسار سار المسرح في مصر ولبنان وبعد النقاش. رغم ظهور بعض المسرحيات باللغة العامية ولكن كان عددها قليلاً.
__________
(1) راجع نجيب جهشان(عثليا) المقدمة في الاستعارة وأيضاً مسرحية اندروماك، ترجمة أديب اسحق ص53- وراجع مسرحية الشعب والقيصر، ترجمة جورج طنوس المقدمة-.(1/206)
- كما احتوت ترجمة المسرحية على حسنات أخرى، منها، خرجت على العرب بفن جديد، وأدت إلى ظهور حركة تأليف مسرحي أغنى الأدب العربي، وساهمت في إحياء الفصحى وتقريبها من فهم الجمهور، وأوجدت باباً جديداً للتسلية والثقافة، وشجعت الناس عامة على التطلع إلى واقعهم الاجتماعي والسياسي، وعكست أجواءً وصوراً متحضرة من الحياة الاجتماعية الغربية.(1)
لقد تفاوتت المسرحيات في سلامتها ودقتها وأمانتها للنص الأصلي، كما وأن خصائص الترجمة المسرحية في عصر النهضة لا تنطبق بمقدار واحد على كل مسرحية بمفردها. ولكونها كانت قريبة من النص يمكن أن يستخلص منها ثلاث تيارات:
الأول: يتميز بعلاقته البعيدة بالنص الأجنبي وباقتصار هذه العلاقة على بعض الملامح الجزئية كرسم الشخصيات ونقل بعض الصور، ويمثل هذا التيار مارون النقاش.
الثاني: يتميز باعتماده صراحة على الترجمة مع ميل كبير إلى التصرف. ويمثله سليم النقاش: أديب اسحق.
الثالث: يتميز بشدة اقترابه من النص والتقيد بتقسيماته الخارجية، مع اللجوء إلى شيء من التصرف أحياناً- ومن أعلامه نجيب الحداد.
التيار الأول: في النص المسرحي مارون النقاش
مسرحية البخيل:
__________
(1) وحول استخدام اللغة الفصحى راجع يعوقب صنوع في مسرحيته(موليير مصر وما يقاسيه ص12- وراجع أيضاً لطيف زيتون/ حركة الترجمة/ ص92- 93.(1/207)
زعم بعض الباحثين(1) إن هذه المسرحية مترجمة أو مقتبسة من مسرحية الفرنسي"موليير" ولكن من المراجعة الدقيقة من قبل بعض النقاد، لنص المسرحيتين، تأكد أنهما مسرحيتان مستلقتان متباعدتان مختلفتان في الموضوع وفي التنسيق الفني للفصول والمشاهد. وربما قرأ مارون النقاش مسرحية موليير بدليل تشابه بعض المقاطع في المسرحيتين.
ومن تتبع آثار"بخيل موليير" هذه وحد هذا الأثر المولييري في أربعة مواضيع من المسرحية العربية، ثلاثة منها في الفصل الأول، والرابع في الفصل الثالث.
1- في الجزء الخامس من الفصل الأول يدخل قراد وهو يحدث نفسه مادحاً الحرص، وذاماً صرف المال، ثم يفتش عن كيس دراهمه فلا يجده، فيتهم خادم مالكاً بسرقته ويخيل إليه أن في يد الخادم اليمنى شيئاً ما فيأمره قائلاً:
"قراد": ..... أرني كفيك
مالك: الأمر إليك
قراد: أين اليد الأخرى
مالك: هاكها وأعلم أني متهم.
(مالك يرفع رجله مشيراً عنها ويكاد يرفس قراد).
هذا الجزء يقابل عند موليير المشهد الثالث من الفصل الأول ولا تشابه في مقدمتي المشهدين إلا في محاولة المؤلفين تعريف الجمهور بقراد أوبأرباغون وإظهار شدة بخلهما.
أما في النص الفرنسي يحاول أرباغون طرد خادمه"لافليش" من الغرفة خوفاً من أن يتنبه إلى ما خبأ فيها من مال مسروق، وبمجرد أن خطرت هذه الصورة لأرباغون، ردأ يميل إلى الاقتناع بها. فحاول أولاً أن يقنع خادمه بالإيحاء، أنه لا يملك شيئاً من المال ثم زاد من شكه وعدم ثقته بخادمه. فلما همّ هذا بالخروج خشي البخيل أن يكون قد سرق له شيئاً فأمره قائلاً:(2)
Harpagon: ... Montre mai tes mains
La fleehe: les voilà
__________
(1) راجع مقدمة ديوان الياس فياض.. ومن الباحثين: الياس أبو شبكة، في روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة ص89- 90- وأيضاً أنيس المقدسي، وفي الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث ص377.
(2) Moliere: auures completes 111 p- 329.(1/208)
Harpagon: les autres
La fleche: les autres?
Harpagon :oui
La fleche: les voila”
هذا التشابه(1) لا يكفي دليلاً على أن مارون النقاش قد نقل هذه الصورة عن موليير. فما ورد عند مارون هو أقرب إلى بلوتس منه إلى موليير. يقول بلوتس:
"أرني يديك
- ها هما
- أرى، أرني اليد الأخرى...
2- ونبقى مع مارون النقاش في الجزء الخامس من الفصل الأول، نجد قرادا يعود إلى امتداح الحرص وذوي الإنفاق والصرف، ثم يطلع إلى ثيابه فيزيده هذا تأسفاً على المال فالقماش يفنى ويفنى معه ثمنه، ثم يطلب من خادمه مالك أن يمسح له السراويل.
"قراد" امسح لي السروال(مالك يمسحه بشدة فينفر منه قراد"آه بالتأني، هذا يسوي مال، رح هيك عني، (يدفعه).(2)
نجد شبيهاً لهذه الصورة عند موليير ولكن في سياق مختلف. فقد كان أرباغون يستعد لزيارة ماريان التي وعدته فروسين بتزويجه بها، وفي إطار هذا الاستعداد وزع المهام على الخدم بادئاً بالخادمة، مدام كلود، التي كلفها أمر تنظيف المنزل.(3).
Harpagon: ...je voux commets au soin de nettoyer portout, et surtout prener, garde, de ne point frotter les meubles trop fort, de peur de les user.
3- في الجزء السادس من الفصل الأول يخلو قراد إلى دراهمه فتسُّرهُ كثرتها ويحدث نفسه عز فائدة جمع المال ووجوب الحرص عليه دون أن يزول خوفه من تعرض ماله للسرقة، وبينما هو في هذه الحال ينتبه إلى وجود غالي فيسأله إن كان سمع شيئاً مما كان يحدث به نفسه.
__________
(1) ذكر محمد نجم في كتابه(المسرحية في الأدب العربي الحديث و417 أن هذا المشهد هو الوحيد الذي يمكن اعتباره مقتبساً عن موليير)- (وراجع أيضاً Moliere l`avare classiques larousse p-18)-
... (وراجع أيضاً لطيف زيتون- حركة الترجمة ص 96- 98.
(2) مارون النقاش، المسرح العربي: دراسات ونصوص- مسرحية البخيل ص7 .
(3) P Moliere oeuvres completes 111 ص351.(1/209)
فلما رد غالى بالإيجاب، اجتهد ليقنعه بأنه إنما كان يتحدث عن سواه لا عن نفسه وأنه مفلس لا مال لديه ولا جاه.
فإذا ما انتقلنا إلى المشهد الرابع من الفصل الأول من مسرحية موليير، نجد أرباغون يحدث نفسه أيضاً عن ماله، وعن صعوبة إخفائه وحفظه، مسروراً بكثرته، ومشغولاً بصيانته.. إذ يتنبه إلى وجود ولديه، ينسى الفضيحة ويبدأ باستجوابهما على غرار استجواب قراد لغالي كما انتهى قراد إلى ادعاء الفقر والشقاء.
4- وأخيراً نصل إلى الموقف الرابع والأخير من مواقف التشابه بين بخيل موليير وبخيل النقاش. ففي الجزء التاسع من الفصل الثالث من المسرحية العربية، وبعد أن يطرد ثعلبي قراداً البخيل والذي سبق له أن خطب ابنته هند، يتقدم عيسى طالباً يدها، ويعرف ثعلبي من فم ابنته أنها تحب عيسى وتريده، فيثور"طارداً" عيسى وموجهاً إلى هند التوبيخ واللوم وفي المشهد الثالث ومطلع المشهد الرابع من الفصل الخامس من مسرحية موليير، يكشف أرباغون بعد حديث طويل مع"فالير" حافل باللبس، إن هذا الأخير يحب ابنته"اليز" وإنها تبادله الحب فيثور ثورة ثعلبى ويهدد"فالير" بالسجن والشنق ويوجه إلى ابنته التأنيب والتوبيخ.(1/210)
لا حاجة إلى درس جميع مسرحيات مارون النقاش في ضوء مسرحيات موليير، لنعرف مقدار الصلة التي تربط هذين المسرحين. فما ذكر يكفي، ولكن لابد من القول بأن هذا التيار حمل في تضاعيفه بذور حركة التأليف والترجمة معاً. وأن تتبع تاريخ المسرح بعد مارون النقاش يكشف لنا أن هاتين الحركتين انطلقتا معاً، جنباً إلى جنب بل يداً بيد. فكثيراً ما اقتربت الترجمة من التأليف بسبب كثرة التصرف، وكثيراً ما اقترب التأليف من الترجمة بسبب كثرة تقليده للمسرح الأجنبي وتأثره به في اختيار موضوعاتها، ومعالجاتها، وفي رسم الشخصيات وفي الصور والأسلوب. ولقد درسنا هذا التيار مع أنه ليس من صلب حركة ترجمة المسرحية، لكنه كان بدايتها والدافع إليها، وكانت الدراسة له كشفاً بمساهمة الترجمة في تكوينه.
رابعاً- الترجمة الكلاسيكية أي النهجية.
لكل نوع من الترجمة قوانينه الخاصة، فمثلاً أن تترجم نفس الترجمة وبقلم واحد"لتاسيت- أو ترزان- أو لابيش Tacite, tarzan, labiche فهذا يدعو إلى عدم اليقين فالجواب الواضح هو العمل بموجب المبدأ الذي ذكر أعلاه والذي بموجبه لا يجوز تحويل الترجمة إلى عملية لغوية فقط دون الأخذ بمفهوم عناصرها الأخرى، وإذا كانت المعايير اللغوية تسيطر على المعايير الأخرى، وإذا كانت الترجمة في حد ذاتها لا تشكل سوى احتمالاً ثانوياً تابعاً ولا ترقى إلى الطبيعة الكاملة للنص المترجم، فإنها بتحويل النص من لغة إلى أخرى تبرز علاقات حقيقية موجودة أصلاً في اللغتين.(1/211)
لنأخذ مثلاً نص المسرحية الهزلية"لبلوت" Plaute نصل من خلاله وبدون عناء إلى أن المترجم قد سلك إزاء كل تساؤل ورد في إجزائها تعبيراً مغايراً لما يتوجب القيام به لإبراز مفهوم النص بشكل واضح دون التباس، فقد عمل وكأنه يهيئ أفكاراً تصلح لنصوص تعود إلى مؤلف انتقادي ضخم، أو نشرات ذات قيمة تتعلق بالشبيه، أو مسرحية يجب أن تلقى في مسرح باريزي، لذلك علينا أن نسلك ضمن الحدود الطبيعية في كل حالة ترجمة لأي نوع منها حتى لا نقع في دغل الاقتباس. والفرق بين الترجمة الحقيقية وبين الاقتباس مهم جداً، وجدير بالاهتمام، إنه خط فاصل يصعب التنسيق فيما بينهما، كما هو متبدل ومتنوع يقع تحت وطأة وتأثير اختلاف الشعوب والعصور، وبالحقيقة، حتى زمن قريب، لم تحدد الفروقات بين عمليتي الترجمة والاقتباس بشكل صريح. فقد استنارت أفكارنا بعد أن عودنا العصر الحديث على القسوة المتزايدة ولكن الخطر هو في كيفية إصدار الحكم على وضع التوصيفات الواقعية على سبيل الاستدلال وبمبدأ المنطق القاطع، حيث نجد أنفسنا غير معارضين عند حقيقة الأمر.
وعلى ضوء المثال الذي مرّ ذكره، ما هو التقدير الذي تستحقه كوميدية"بلوت" بأن يطلق عليها الترجمة"الموثوقة" إنها بالحقيقة ترجمة ذات قيمة. إذ على الترجمة أن تتيح معرفة علم القواعد الأصولية، التي تمكن من التمثيل على المسرح، وعلى أمانة الترجمة بمفهومها الدقيق أن تطبق على الشكل الدلالي للنص القواعد الأصولية في كل نوع من أنواع الترجمة، فلابد هنا من تدخل الفكر وتصوراته لتحقيق توازن النص.(1/212)
في أيامنا هذه، تبدو ترجمة المؤلفات الكلاسيكية محفوظة حصراً في المواسم السنوية وتظهر الناس بالكاد تعيشها. أما التعليم فهو على العموم يتطلب استخدام الترجمة أو النقل على نطاق واسع. وعن طريق تلك التمارين كان التعليم يرنو إلى تعريف اللغة والثقافة، والهدف الأول ليس تعليم فن الترجمة، بل لنقل أن التعليم يمكن الوصول عليه بواسطة الترجمة ولكنه لم يزعم أبداً أنه استخدمها.
فقد أشار المؤلف"تيودور سافورى" بكل شفافية إلى أن الأساتذة ينطلقون على العموم. من البداهة بمعنى أن بعض النصوص تتوافق مع الترجمة الخيالية والوحيدة وأن تدرج الأدلة يمكنه قياس البعد بين نسخة التلميذ الذي يتعلم وبين الترجمة الكاملة بالنسبة للمطلق.
لن يكون الأمر عبثاً إذا كان التعلم على الترجمة قد تضمنت تمرينات تعطى بنفس الأسلوب والمبادئ عشر ترجمات مختلفة ذات فائدة. أما الترجمة التصورية المنتقاة بصورة تعسفية من قبل المدرب(المعلم) والمؤلفة من قبله كنموذج موضوعي، فمردها حسن معلوماته واهتماماته، وما إن وجد هذا المبدأ في الترجمة مقبولاً حتى امتد دون تردد في ممارسة مثل هذا النوع من الترجمة بشكل عام. فقد اضطر هذا المعلم أمام تلاميذه إلى نقد جميع البنى المتعلقة بقواعد الصرف، وبان برصد قيمة كل كلمة وكل معنى للنص، فهذه التفاصيل هي التي ترتبط بإيقاظ الشعور. وبمنتهى الإرادة والمحبة تجاه كل مبدأ أصيل، فإن الرجل الجامعي هو دوماً معرض لخطر العرقلة وإثقال ما هو خفيف غير متزن.يمكن أن تؤدي إلى فقد نواة الإلهام الشعرية لدى المؤلف.
وفي كتابه الحديث الذي عنوانه"الجميلات غير المؤمنات(1)"
__________
(1) راجع أدمون كاري كيف تترجم(ص: 49- 50- 51) المصدر نفسه(1/213)
Les belles infidèles يشير"جورج مونين" الأستاذ الجامعي المتفوق ويضيف أيضاً السيد تيودور سافوري، الذين برهنوا على أن المترجمين قد فقدوا الحس مثل باقي المخالفين. كما/بول مازون..../ Paul mazan المفكر الكبير والمترجم اللامع"للألياد" ترجمة فرنسية في غاية الغزارة والغنى للقى عذبة وطيبة مثل رواية Sac, a, vin (كيس الخمر أو ذبابة على ظهر كلب التي تدخل في جدالات مع أبطالها. ورواية"ضعها بثبات فوق رأسك Mets- le toi bien en, tête أو المجنونة الفقيرة Pauvre folle أو نبأ السوء Prophete de malheur .
ولكن بموازاة هذه اللغة الحية الغزيرة والمكتنزة يطل فجأة سور منتظم قديم يعود إلى القرن الثامن عشر"الطاعون" الذي سبب موت الرجال، وإليك أيضاً هذه القطعة النثرية الرقيقة للإسكندراني العرقي وعنوانها"تجدني يا سيدي باكياً أمام ركبتيك". وأيضاً هناك مناداة جديرة بالغناء لرولان"ياله من حزن وحداد كبير نزل بالديار الآشية ..?.., Le grand deuiL qui vient a la terre achèenne.
وإذا ما انتقلنا من"جيرودو إلى فيلون Giraudoux a`villon ومن لافونتين إلى ليكونت ده ليسل Fontaine a` leconte de lisle ألا نرى أنها أجمل الترجمات بمجموعها، فإن اللحاق والمطاردة وراء التفصيل لغاية التفصيل فقط يقود إلى انقطاع النغمة التي لا تتحمل أية مسودة مكثفة مهملة. غير أن مثل هذه الطريقة في الترجمة حسب الميكروسكوب الذي استخدم بمنهجية كمثل للطلاب والتي تستخدم على العموم لتوطيد معايير الترجمة، وأي خرق لمثل هذه الهواية في التحليل تنتعش وتثار بسخط كما أظهرتها الحرب الكلامية التي انبرت حول ترجمة حديثة تتعلق بمؤلفات لشكسبير.(1/214)
وفي نظر البعض، إن التفسير الذي يقود إلى الخطأ المميت، كما أن العيب الموجب للفسخ يمتقع بجانبها لون جميع الإساءات والثقالات لذلك علينا أن نتمتع ببعد النظر وأن نلتزم الحذر من القيم المعكوسة التي قد تصادفنا. أما فيما يتعلق بترجمة القطع المسرحية على المترجم الذي ينتظر النجاح الباهر في ترجمته، أن لا يقدم على خيانة مضمون نص المؤلف في كل ما يتعلق بالأعمال التي لها علاقة بالعموم، لأن كل تفسير معكوس يساعد على تمرير كل صواب، وكل إشارة خاطئة توشك أن تعمل من قطعة الخبز فرناً.
أما بالنسبة للترجمان المسرحي قد يلاقي الصعوبة ليس من الناحية اللغوية، بل من الناحية الثقافية والأدبية، ومثل تلك الروايات الغريبة التي تتوافق مع اهتمامات العامة يمكن أن تصادف آراء أو لقاءات مخيفة في فرنسا مثلاً، وبعد مرور بعض السنوات يعود تكشفها كما كانت الحال فيما قبل في رواية جوغول وميريميه Revizor de gogol mérimée (1): "إن الانطباع والحس ليسا واحداً في باريز وفي موسكو"، وعلينا أن نترجم جيداً اللغة وليس القطعة".
فلا يتعلق الأمر بالنجاح الباهر، صدفة، بل يتعلق بالتفهم الحقيقي وبالقدرة الفعلية على الترجمة الصحيحة، ومن خلال تتابع العصور، تبين بأن بعض قدماء المؤلفين قد افتتنوا بلغة(البيبي أو الاريسوفان Pepy, ou, arisophane ليس لأن اللغتين متقاربتين يمكنان من الترجمة القيمة والحسنة، ولكن لأن تقاربهما يوحي بتقارب الأجيال والحدود.
__________
(1) راجع أدمون كاري/كيف تترجم/ ص51- 53 المصدر نفسه.(1/215)
إن الترجمة المسرحية هي أكثر حساسية من الترجمة العادية في هذا المضمار لأنها بالضرورة تستهدف مناظر في المشهد الواقعي باتجاه أناس من لحم ودم. كما تستهدف أن تنال التمثيل عن بعض الوقائع في تاريخ ما أو في مكان ما، وقد يأتي هذا التمثيل ناجحاً أو لا لذلك يفضل أن يطلق على هذه الترجمة صفة"التكيف" ورغم الاعتقاد بضرورة القيام بالترجمة الشريفة جداً تحترم النصوص الواردة في المصدر الأصل، إلا أن المترجم، بالغريزة"يتبنى مسلكاً معاكساً إلى حد ما لترجمة المترجم الجامعي للنصوص الكلاسيكية. ويمكن أن يمثل هذا التكيف الذي سبق ذكره طابعاً جديداً يستخدم في ترجمة المسرحية، خاصة، عندما توفرت المصطلحات في اللغة وتوالدت الاشتقاقات الناتجة عن مختلف النصوص الكلاسيكية وغيرها.
كما يمثل الإنتاج المسرحي بالنسبة للمترجمين تطلعات خاصة ومميزة يجب جمعها مع المعايير المنبثقة من ترجمة الأشعار، مقارنتها، دراستها، تحديدها، ومن ثم الأخذ بها.
لإغناء اللغة، وكل لغة، وبهذا يمكن إضافة مفهوم لغوي جديد يضيف آفاقاً جديدة لحركة الترجمة الفنية والتقنية، هذا المقسم الجديد الذي يعد جائر لأنه ينال من الترجمة الدقيقة الأمينة. للأصل. لنأخذ مثلاً على ذلك:
يحمل النص الإنكليزي الكلمتين Traffic jam التي تعني(تجارة المرئي) باللغة الإنكليزية. Jam وبالإفرنسية التي تحمل معنيين(تعبئة أو ملء القناني- وعرقلة السير)، كما أن كلمة Jam بمفردها تعني(مربى) بينما في كلمة Embouteillage خضع للمترجم معنيان لا مندوحة له من أن يأخذ بأحديهما الذي يتناسب مع مفهوم النص، مع علمه بأن الصورة الماثلة أمامه من معنى الكلمة الإفرنسية هي: السيارات المكدسة بسبب عرقلة السير- والإناء الأنيق للمربى.(1/216)
بهذا يمكن القول بأننا أمام جملة غير دقيقة، يصادف المترجم الكثير من أمثالها عندما يتوخى الترجمة الحرفية الدقيقة. وقد سبق أن دُرس هذا المفهوم العابر الذي كثيراً ما يعترض المترجمين، ولكن الحلول التي توصلوا إليها لم تساعد على إيجاد مفهوم موحد لجوهر الترجمة، التي تسير قدماً بإطراد بكل فاعلية واستبشار متخطية جميع الصعوبات التي تنال حركة الترجمة، لأن العامل الضار الذي يبطئ حركة الترجمة هو حصرها ضمن نطاق الممارسة اللغوية الجافة والمتحجرة، التي تنتهي بها إلى الركود وعدم مواكبة التقنيات الحديثة المتدفقة.
خامساً - ترجمة الدوبلاج السينمائي
المقصود بالدوبلاج القيام بعمل يسمح بترجمة من لغة ما إلى لغة أخرى بواسطة الأفلام الناطقة، وبذلك فالكلام المحكى بلغة الأصل يحل محله كلام آخر في لغة أخرى بالوقت الذي خلاله تبقى صورة الفيلم على حالها دون تغيير.
"على العموم ودون أي تدقيق"يجد الإنسان نفسه أمام نوع من الترجمة التي لها علاقة بالترجمة المسرحية، والتي تخضع إلى معايير وصيغ حتمية في منتهى الدقة، ضمن نطاق مسرحي، وإلى تكهنات تحمل رد فعل الجمهور .... الخ..
يتمثل الدوبلاج بلفظ كلامي سريع يتم دون التأثير على تحرك ومسيرة الصورة في الفيلم، فلدى سماع المتفرج إلى المترجم يشاهد بالوقت نفسه حركات نطق لكلمات بلغة مختلفة يجب القيام بها بالطريقة والسرعة المناسبة. وفي الوقت الذي يكون فيه مؤلف الحوار في الفيلم المسرحي غير مقيد، عليه أن يلقن لفظته بوقت متزامن فعلاً بين نصه المحكي والمترجم،وبين النص الأجنبي والمحكي أيضاً، فإن هذه الطريقة في التلقين تبقى دوماً في الفيلم المدبلج مكبوحة ومقيدة بضرورات يمكن تسويتها(بالتزامن).
وفي الوقت الذي فيه يستوجب على مؤلف الحوار القيام بعمله بكل دقة وإتقان عليه أيضاً أن يتقيد بمعنى الكلمات وبحركات الشفاف التي دوماً تشاهد على الشاشة.(1/217)
ونظراً لثقل وطأة التزامن المطلوب يرى الملقن أحياناً نفسه مضطراً إلى تحريف نصه مبتعداً إلى حد ما عن النص الأصلي حتى يحقق التوازن والتزامن المطلوب والكافي بين نطق ونبرات أشخاص الفيلم، وبين قوله حتى يظهر دوبلاجه مستساغاً.
وإذا كان الأمر في النصوص المسرحية يتطلب عدم ترجمة العبارة بالمعنى الحرفي الصحيح، في بعض الحالات هكذا لا يختلف الأمر بالنسبة للدوبلاج، كما لا يجب التسليم بأن تبديل اللغة(الدوبلاج) ليس بترجمة بل هو اقتباس حر وطليق، لا يحترم أمانة الترجمة إلا بالصدف. وفي مضمار الترجمة في الدوبلاج تعتبر ترجمة كتب الأطفال خاضعة لطغيان الشهرة أو نظم الشعر التي تلفها قواعد صارمة وعديدة بالوقت الذي فيه تجمع كل هذه التناقضات في الدوبلاج، أليس هو الذي يعتمد على الاقتباس بدرجة غير محدودة. كما هو الحال في تحكم الصور، وفي ألبوم مجموعة الصور، أو في الأطر المحكمة في حساب مقاطع الأشعار الكلاسيكية أو أثناء تذمر العامة في المسرح، كل ذلك يمكن تواجده، لذلك هل تمكن نسبة كل هذا إلى الترجمة؟(1)
علينا أن نجرب العودة بالشكوى حول هذا النوع من الدوبلاج لنقف على ما يمكن أن نتعرضه من الملاحظات. فإذا زعمنا بضرورة التركيز على المفهوم الموضوعي للترجمة وفقاً للمعايير اللغوية مع قبول أو رفض الأشخاص المعنيين حسب درجة أمانتها في الترجمة تجاه الأصل، لن تستطيع الدبلجة على ما يعتقد الاضطلاع بالمعايير التي توجب الأمانة الدقيقة في الترجمة، ومع كل هذا علينا أن نعترف بأن الدبلجة من حيث المظهر هي ترجمة في غاية الجودة.
__________
(1) راجع أدمون كاري: كيف يجب أن تترجم (ص 65- 66- 67) المصدر نفسه.(1/218)
بالحقيقة لدى تفحص غالبية الناس وُجد أن التنقيل Transposition لم يراعي سوى اللغة المكتوبة، وعند اللجوء إلى الدوبلاج تتطلب الأمانة أن تطال اللغة المحكية أيضاً الحس لحقيقة وطبيعة العبارة، ولكن للمعنى الدقيق في احترام اللفظ والتوازن الصوتي أيضاً.
في الشعر يستطيع المترجم، خلال بعض المقاييس، أن يجهد نفسه في احترام بعض أنواع الرنين(الصدى) سواء في القافية أو الجناس أو التحكم بالأصوات الساكنة أو الصوتية فبمثل هذا الدوبلاج يجب أن تكون المراعاة دقيقة، مستمرة وصارمة جداً، حيث لا مجال لتبديل فتح وإغلاق الفم والقول(A) آ- هناك بينما الشاشة تقول(B) ب. وإذا تمسكنا ببعض المعايير اللغوية، فالأنواع اللغوية الأخرى لا تشكل إلا نصف مقدار الترجمة المطلوبة بينما تعتبر الدبلجة بمثابة ترجمة كاملة.
وعلينا أن نقتنع بأننا في هذا الوضع قد نصل إلى وضع خطر، لأن نظريات الترجمة المكدسة بكميات كبيرة منذ عهد النهضة، أعيبتْ جميعها بسبب تأليه اللغة المكتوبة، فنحن منذ أربعة أجيال نعيش ضمن مدنية الكتاب ويصعب علينا هضم مدنية أخرى مختلفة. غير أنه في أيامنا هذه نعيش اللغة المحكية التي أحدثت بعثاً جديداً، بفضل الراديو والتلفزيون والسينما والمؤتمرات العالمية، وبفضل الانطلاق نحو الترجمة.
وإذا شرع في تفحص الترجمة في مختلف أشكالها، وإذا استوجب الاهتمام باستخلاص الأسس للقيام بدراسة إيجابية محققة، فلا يمكن إغفال الأشكال الشفهية في الترجمة خاصة عند اختيار القيمة الاصطلاحية في عمل الدوبلاج. فهناك تحفظات جديرة بالاهتمام يمكن طرحها حول مسألة الدوبلاج السينمائي، حيث لا يمكن تجاهل المظاهر الأساسية لهذا النوع من الألسنيات.(1/219)
في الواقع يتذبذب الدوبلاج بثبات بين الترجمة العادية وبين الاقتباس، فهو يستلزم المرونة القصوى في التعبير سواء من حيث تواتر التزامن أو للأسباب الأخرى. ولكن تبقى مع ذلك عويصة ومتعبة إذا فصلنا الترجمة عن الاقتباس، إذا أردنا الاحتفاظ بالتعاريف الاعتباطية، خاصة وهناك استنتاج يفرض نفسه، وهو الذي أضيف إلى المناقشات والأحاديث السابقة بمختلف أنواعها، مما يعرقل الوصول إلى ترجمة مجردة من لغة إلى لغة عن طريق تواصل متوازن ووحيد قابل لحلٍّ نظري كامل ومستقر. وهناك أيضاً ألف احتمال يمكن استخدامه في ساحة هذا المجال يمكن بواسطته إملاء شروط الأصالة لكل نوع من أنواع الترجمة.
يمكننا نسخ عشرة أفلام مماثلة عن فلم واحد لها ذات القيمة وتحتوي على نفس مقومات ومعنى النسخة الأصلية، ولكن هذا التوافق ليس إلا نقطة انطلاق فحسب. لأن احترام التزامن في الدبلجة له ضرورات أكثر مطلباً للحصول على المعيار المتكامل المطلوب. ولابد للمدبلج من أن يعرف كيف يتفوق سواء بالتوافق الزمني أو بأداء المعنى الدقيق ليصل إلى ترجمة صحيحة وحيدة، فهناك المثل الإنكليزي الذي يقول See naples, and die التي تعني"شاهد أولاً(نابولي) ثم مت" وهنا نلاحظ الكلمة الأخيرة في الإنكليزية التي هي(die مت) تلفظ بعد فتح الفم بشكل واسع بينما بالإفرنسية تلفظ بالعكس أي بانطباق الشفاف. وهنا المحاولة تكون أكبر من قبل مؤلف الحوار(Dialoguiste) الذي عليه أن يعكس الأمر تجاه هذه الصعوبة بإيجاد كلمة تطابق وتحترم(المعنى والتزامن في آن واحد) بالنسبة للجملة السابقة(انظر نابل Naples (1) ومت) وبهذا يمكن المطابقة بالوصول إلى الحد الأدنى في الترجمة.
__________
(1) راجع أدمون كاري: كيف يجب أن تترجم (ص 68- 69- المصدر نفسه.(1/220)
بالإضافة، إذا أردنا التحدث عن التوافق الزمني يجب أن لا نفكر في الحركة الواحدة للشفاف فقط، لأن المشاهد الذي يتطلع إلى الشاشة يتبع حركة الإيماء والتوئمة إلى أن تظهر الفروق الدقيقة في مضامين النص لأنها في حال رصده، ترقمه، وتزيد من قيمته. وأي جملة متكاملة يجب نطقها بصورة صحيحة لأنها تتشوش عند أول خطأ وأي لفظة في غير مكانها وتوقيتها. لذلك يجب التصرف على أساس مفهوم(التحول الحاسم Tournant, de`cisif )، فيجب أن تتطابق حركة اليد مع الظرف المناسب لحركة الشفا ومعنى الكلمة وإلا اعتبر ذلك إهمال جسيم يساوي خطأ التزامن.
لذا ما العمل الواجب القيام به لدى ترجمة الفيلم حتى تأتي الدبلجة جيدة وجديرة بالاحترام، هنا يتوجب الإلمام باللغتين بشكل ظاهر وسوي، للتمتع بمقدرة تكون نقطة انطلاق باتجاه جميع أنواع الترجمة المدبلجة.، ولا يمكن التغاضي عن هذا المستوى ليتسنى الولوج إلى مضامين لغة الأصل. فالدبلجة هي مزيّة فريدة على مؤلف الحوار أن يحسن التصرف خلالها، وأن يكون تحت تصرفه أيضاً الأشخاص الموثوقون القادرون تماماً على ترجمة لغة الأصل، وأن يكونوا دوماً مستعدين للقيام بأي دور في المشهد، وأن يحسنوا النطق بأي كلام وأن يجتروا أية نبرة. كما على المنتجين إعطاءه الفرصة المناسبة ليتمكن من التدقيق وإعادة التدقيق على آلة التصوير في الستيديو بغية التأكد من صحة تنفيذ الخيارات التي انتقاها، وليتفحص جميع الترددات أو التسارعات، أو الآثار والألوان الفاعلة في الزمن الصوتي حتى لو كان مؤلف حوار هذا لا يتقن لغة الأصل، ولكن ليتمكن من الإمساك بزمام الأمور لابد له من أن يحسن الترجمة الأدبية وأن يجتذب الأنظار.
وفي جميع الأحوال، يمكن للمؤلف إعادة إنتاجه المُتَرجَمْ ضمن بعض الشروط، ولكن شريطة أن يحترم(المعنى والتزامن والإشارات وأيضاً مآزق المشهد وتعبير الوجه وفي كلمة واحدة، أن يتصدر الوجهة أثناء الحوار.(1/221)
سبق وأن شاهدنا فيلم(هاملت) مدبلجاً الذي تكرس الجانب المهم فيه"للتزامن" وخلال عشرة ثوان تكيف المشهد مع كل الاتفاقات الإضافية المعقودة حول هذا المسرح المصور ولقد لوحظت بدقة المهارات الدلالية المدهشة التي لا تضر البتة في صفات الدبلجة.
كما نعترف بأننا شاهدنا جملة من الأفلام أسيء دبلجتها، وخاصة عدم احترامها للمعاني ولمبادئ التزامن، وهذا لا يتنافى مع التقليد(النفاخ) الذي لا يعترف إلا لنص النسخة الأصلية سواء كانت يابانية أو بنغالية، لأننا شاهدنا دبلجة على غاية الدقة، ونصوصاً اكتسبت حيوية مجددة في مجال الترجمة، وأدوار أحسن تمثيلها بشكل فاق النسخة الأصلية.
إن تحضير الحوار تستدعي الشهور لا بل السنين حتى الوصول إلى تحقيق الفيلم، غير أنه من جهة أخرى، نجد أن ما يتطلبه عادة إنجاز حوار مترجم هو بضعة أيام وحتى العديد من الساعات، وترافق هذا الحوار عادة، الخدمات المادية التي لاترد في التص الأصلي لهذا لا عجب في أن الدبلجة الحسنة أصبحت نادرة فعلاً، وإذا صدف تحقيقها يعتبر ذلك معجزة بدأ اللعب بها وبمجمل مستلزمات الدبلجة الأخرى المترجمة والمؤلفة من قبل مؤلف الحوار وهذا يكفي للإقناع بأن عمل الدبلجة في السينما يمكنه أن يكون ترجمة نانجحة وذات قيمة.
وهذا النوع جدير بأن تتمثل صورته فيما بين أشكال الترجمة الراقية والأكثر براعة، نظراً للشروط الواضحة التي تكفلها دون ضعف أو عجز. للتقدم في حقل الفن خاصة الذي يتعلق بالفن السينمائي.
لذلك نجد أنفسنا قد جُذبنا إلى هذه المفارقة التي هي الحقيقة الأولى في مادة الترجمة، ولا يمكن التحقيق في الترجمة إلا بعد التعمق في الحقول الفنية المتنوعة والخاصة، فإن الترجمة الشعرية هي قبل كل شيء مشكلة الشعر، وأيضاً الترجمة الأدبية هي مشكلة الأدب، والدبلجة للأفلام هي مشكلة السينما.
سادساً - كيف تتم ترجمة المؤتمرات:(1/222)
منذ أكثر من ألف سنة استقبل العالم الكيميائي العربي"الرازي" الذي ترجم(غاليان، Galian) الكاتب الصيني الذي قدم لتعليم العربية:
- اقرأ لي من فضلك ترجمة"غاليان" هذا ما قاله الزائر، كوني أرغب إفادة مواطنيي في الصين.
أعجب هذا العرض الرازي كثيراً، فبدأ بإلقاء الأسئلة على الزائر، على سبيل الامتحان بقراءة بعض الصفحات من الكتاب الذي صرف السنين في سبيل ترجمته. أما الزائر فقد استجاب بسرعة تسجيل ما قرئ عليه أولاً بأول. وبعد برهة، دعى الرازي الزائر إلى إعادة ما سمعه بالعربي، طبعاً، فكانت دهشته عظيمة عندما وجد النص الذي أملاه على الصيني مطابق لما قاله تماماً. وإذا ما استمع المترجم إلى الحوار والمناقشات أثناء المحاضرة، يبتسم ويملأ قلبه السرور عندما يتأكد بأن المندوبين خلال المشهد كانوا جداً مسرورون لسماعهم إعادة حديثهم بلغة أخرى أو لغتين ضمن ترجمة أمينة ودقيقة في اللحظة التي خلالها تماماً قد انتهوا من الحديث.
هذه هي الترجمة "المتعاقبة"((1) التي ما اتفق على تسميتها Jnterpre`tation conse`cutive حتى تكون قد اكتملت في جميع حيثياتها التي يقوم الصيني باختزالها، بقدر الإمكان. وليتمكن الصيني من تدوين نص عربي سمعه، يلجأ إلى الخط(Es,ao - hsie) الذي هو كناية عن كتابة صينية سريعة وموجزة ومغلوطة توصل إلى درجة من الاختزال.
علماً بأن الخط الصيني له بحد ذاته مظهر الكتابة الرمزية، مما يكسبه طرافة ذات قيمة.
__________
(1) تعني المتعاقبة: أنك ما أن تنتهي حتى يبدأ المترجم بترجمتها وهي قريبة من مفهوم الترجمة الفورية ولكن هذه تفترض أن تنطق ترجمته في الوقت نفسه الذي فيه المتحدث.(1/223)
أما بعض التدوينات المبعثرة بشح على الورق من قبل مترجم المؤتمرات، في حال كلام المندوب لا تمثل الأصوات بل الأفكار التي يجب اعتبارها مبدأً أساسياً بدونه لا يمكن الوصول إلى ترجمة حقيقية، وفي حال اتباع نفس الطريقة، يمكن أيضاً ترجمة النص إلى عدة لغات، مثلما قام به الصيني عند قراءة الخط العربي على مسامعه.
وفي أيامنا هذه، أصبحت حركة الترجمة في المؤتمرات مهنة سائدة ومتدرجة، فقد ابتكر لها مهمة تدريب جديدة وتألفت بشأنها الكتب النظرية الخاصة التي اهتمت بهذا النوع من الترجمة.
وما يستوجب على مترجم المؤتمرات أن يدونه هي الأفكار الرئيسية، ثم الاهتمام بنطق الكلام، وتسلسل الأفكار، والعرقلة المحتملة وبالترابط الذي له أهمية كبرى خاصة عندما تكون مقاطع كلمات الجملة طويلة. لأن الاختصارات وعلائمها هي جديرة بتقصير الأنغام الصوتية مع الاحتفاظ برمزية المعاني. مثل: مفهوم الشدة في الصوت، النقص، التفسير والشرح، المكالمة وغيرها....(1)
عندما يجد المترجم نفسه بعيداً عن الاختزال، عليه أن يتمتع بالرياضة الفكرية التي تساعده على النقد الصحيح، وأن يبتكر الكلام الذي قد يدوم نصف ساعة أو ساعة أو ساعتين بحيث يمكن تكراره أدبياً ولغوياً بلغة أخرى، لأن مثل تلك المبادرات تشبه الإقلاع من مقفز.
ومن هذا المنطلق أن يظهر نفسه أهلاً لتصويب وتصحيح ما هو واجب. فمثلاً: عليه أن يتحدث بطلاقة وأن يحسن الخطابة، أن يظهر بعض المواقف الكوميدية، وبنفس المعنى، أن يكون له حضور ذو مطلع حسن مع قابلية استقبال جذابة، وفوق كل ذلك أن يكون قابلاً للاقتداء بالشخص الذي يتحدث عنه.
__________
(1) راجع أدمون كاري- كيف يجب أن تترجم(ص70-71) المصدر نفسه.(1/224)
وفي المؤتمر التقني تتابع الندوات، وفي كل اجتماع ندوة يتتابع المندوبون لإلقاء المحاضرات، للسؤال والجواب، وللنقاش، فالموضوع إذاً لا يقتصر على طرح واحد ولا على شخص واحد، لذلك والخاصة الأولى التي يجب أن يتميز بها المترجم هي جاهزية الفكر والفاعلية في إمكانية السيطرة على لب الموضوع وأهليته.
ليس نادراً أن نشاهد بعض المترجمين يرددون أقوالهم أو خطاباتهم دون إلقاء نظرة جدية على فحواها، حتى أننا نلمس لدى البعض من فحوى تلك الخطب المواربة والظلال والتفرد بجميع الانثناءات الصوتية حتى مختلف التلعثمات التي تؤثر على صياغة الفكرة والضرب على الوتر، أما كل خطوة خاطئة ومغلوطة يسلكها المترجم تنافي الأثر الأدبي تعتبر مميتة وتضر بالمسار الكوميدي وفي الموضوع القصصي.
وإذا أردنا الحديث عن تقنية الترجمة وعن البحوث المتوازنة فيها نلمس واحدة من الخصائص التي يتمتع فيها هذا الفن، ألا وهي الانتقال من لغة إلى أخرى، الذي يجب أن يكون هو الانتقال طبيعياً وقد لا يكون ذلك سهلاً عندما تكون الترجمة سريعة التبدل وهي التي تدعى(الترجمة الفورية) والتي انتشرت في أيامنا هذه أكثر فأكثر، بينما نجد الخطيب يتحدث في الصالة أمام المذياع، والمترجم يتواجد في غرفة(كابين) تخميد رنين اللاقط Micro وقد استقبل الكلام عن طريق السماعة فيترجمه آنياً ويتلوه أمام الميكرو المتصل مع المستمعين الذين حسب رغبتهم ينكبون على السماعة المتصلة بالخطيب أو على عدة سماعات تقوم بالترجمة الفرنسية أو الإنكليزية أو الألمانية أو الإسبانية، أو الروسية التي جميعها بالأساس مرتبطة مع المنصة.(1/225)
وهنا أيضاً يتوقف المنهك عند اصطدامه بالعديد من الصعوبات التي يفكر بها والتي هي من الترتيب اللغوي. إن اللغة الإنكليزية تضع الصفة واسم الموصوف في ترتيب يختلف عما هو في اللغة الفرنسية، أما الألمانية فإنها تقذف بالأفعال إلى آخر الكلمات التابعة ولكن هل يمكن التغيير في مثل هذه التراكيب بالسرعة الآنية.
بالحقيقة تنتهي هذه الصعوبات إلى المتاعب والمضايقات، ولكن لا شيء يبدو مستحيلاً، لأنه من لغة إلى أخرى تصبح المسافة كبيرة، وتكون المحاولة متكررة، فلا يوجد أي تحليل لغوي مستثنى من الخطأ وعرضة للتوقف.
من جهة أخرى، يصعب الوصول إلى التزامن الآلي، ولا يمكن اغتنام أية فرصة لتداركه، لأنه سيكون حينئذ من الحماقة تتبع الكلام كلمة كلمة بين جمل مختلف اللغات. فبين الخطيب والمترجم يحدث بعض الخلافات التي أحياناً قد تتعرض للتأخر أو السبق.
وغالباً، لسبب أو لآخر يفصل المترجم انتظار جملة أو إعلان للبدء بالترجمة، ولكن هل هذا الانتظار يسهل مهمته، لأنه عندما يعيد ما قاله الخطيب مترجماً، يكون هذا الأخير في حالة استمرار الكلام، عندها يصبح المترجم في موقف يضطر خلاله سماع الكلام اللاحق الذي يتحدث به الخطيب.
كذلك التفاوت المعاكس سائداً أيضاً، لأن العادة أن يصادف المترجم الذي أنهى جملته المترجمة قبل صمت الخطيب، قد وجد أمامه من جديد الكلمة اللاحقة التي تصل إليه ببطء حتى يقوم بترجمتها. هل في هذا نوع من الحدس والعرافة؟ بلا شك في أننا قد أدخلنا هذه الكلمة دون تناقض أو تهكم.(1/226)
تقضي الفطنة أن نتذوق في كل كلام جزءاً من التنبؤ أو العرافة، فعندما نقرأ صفحة مطبوعة، من المفهوم السائد أن العيون قد لا تقرأ بدقة كل حرف في الكلمة، وهذا أمر عادي لكل فكر، لأنه لا يستطيع التركيز على المجموع عندما تتوارد عليه بسرعة معطيات مجزأة. والشيء نفسه يحصل عندما تجرى متابعة لكلام محكى، حيث يصعب تسجيل كل مقطع لإمكان سماعه وفهمه في بعض العبارات مثل: (الأمم المتخلفة) أو(البرنامج الموسع تحت الإشراف التقني للأمم المتحدة) فإن( /10 العشر أو العشرين جزء من الشروحات تعطي(الكلمة الجوهرية) دون احتمال الوقوع بالخطأ.
وبموجب حساب تقريبي، يمكن أن نستدل على باقي القيم العددية بعد قياس ما وصفناه من التخمين والكهانة: ففي المثل المذكور، نجد بوضوح أن مقاطع آخر الجملة(الأمم المتحدة Nations unies قد تجدد 100/100 من قبل ما سبقه، وفي الجملة(البرنامج الموسع تحت الإشراف التقني Pragramme elargi d`assistance teçhnique) فإن المقاطع الثلاثة الأولى تجر بالضرورة السبعة مقاطع التي تتبعها، وهذا الاستنتاج ظاهر في صيغ بسيطة في مثل هذا النوع، الذي يفسر مفهوماً وحيداً يتكرر باستمراره ولكن في غضون المناقشة أو الجدل نجدها ذيولاً وأهداباً من الاستدلالات الكاملة التي يتكرر ظهورها بشكل متواتر، لأن المترجم يعرفها بسهولة ولو بالقليل، خلال وجوده في معمعة الحديث أو المناقشة.(1)
أما نحن عندما نسمع المبادئ الأولى لتلاوة معروفة علينا أن نقرها بعد أن نستكملها بذهننا لأنه يتوجب على المترجم أن يتمتع بحيوية وبمعرفة متقدمة واعتداد نفسي كفيلة بعدم إمكان تشويش هذه الخصائص من لدن بنات الأفكار العديدة التي تتدفق عليه.
__________
(1) راجع أدمون كاري- كيف يجب أن تترجم(76- 77) المصدر نفسه.(1/227)
والملاحظ هنا، وجود عملية مميزة يمكن تسميتها(بالميسر) تتناول(التخمين Guess word حسب الكلام الإنكليزي المأثور، وهو إذا وجد مقطع يمكن تماثله مع المقاطع التسعة اللاحقة يكفي غالبا انتقاص الكلمة الجوهرية(المفتاح Cle`) حتى يستطيع أن يرسخ في فكره معنى الجملة الطويلة التي تتبخر كلماتها في الهواء لدى سماعها. وهذا كله يعود إلى نوع من العرافة التي يجب أن يتمتع بها مترجم المؤتمرات ضمن انطلاقة دقيقة ومنظمة ومعقولة.
إن جملة Assisance technique التي تعني الحضور التقني للمترجم، والتي يكفي أن يسمع جزء من مقتطفاتها حتى يمكن إعادة تركيب العبارة بكاملها، أما إذا أضاف المحاضر كلمة أخرى على الجملة بقوله بالإنكليزية The technical assistance programe أي(برنامج الحضور التقني) فإن صمتاً مباغتاً يمكن أن يمنع المترجم من التمسك مبكراً في برنامج الحضور التقني، فلا بد إذاً من إضافة الكلمة أسس Funds تبعاً لذلك عندما تصبح الجملة بالإفرنسي Les fonds du programme d`assistanee techmiqe (أي أسس برنامج الحضور التقني). لنتصور مقدار الخطأ إذا لفظ المحاضر الجملة هكذا: (الحضور التقني(صمت) ثم، برنامج(صمت) ثم، أسس، فليس أمام المترجم إلا التلعثم لوجوب تصحيح الخطأ المستقرأ بسبب هذين الصمتين(الوقفتين) الخاطئين.
هل هناك صعوبة في التسلسل اللغوي، نعم يمكن الاعتراف بوجود قسم منه، ولكن الحقيقة، لم تأت هذه الصعوبة لم تأت من الترجمة للكلمات الإنكليزية ولكن من المحاضر الذي أوجد قطعاً أو صمتاً في تلاوة عبارته وترددا في تسلسل فكرته الأم الذي اضطر المترجم إلى تصحيح الخطأ والإفاضة.(1/228)
حتى في هذه الحالة، على المترجم أن لا يفقد الأمل أو أن ينكمش لمجرد عارض مفاجئ، فإن التردد والتلعثم في الصوت بعد نطق كلمات(الحضور التقني) ثم الصمت ثم سماع كلمة(منهاج) وأخيراً الصمت الأخير قبل التفوه بكلمة(أسس) التي سبق ذكرها كل ذلك لم يؤثر بالمترجم الجيد كما لم يُغيّب حدة الذهن.
إن الاعتبارات اللغوية الحقة نجدها هنا تمر بالترتيب الثاني، وفي سبيل إتقان الشرح والتفسير قبل الترجمة، يجب إتقان اللغة المطلوب الترجمة منها، ولكن تلك المعرفة وذلك التبحّر المنشود في اللغة لا تشكل سوى معطية أساسية واحدة في الموضوع فالمقفز العالي والقفز منه يصعب تنفيذه إلا إذا لدينا القوة في النجاة.
سابعاً - الترجمة الآلية-
لا تلغي دور المترجم بل تضاعف إنتاجيته.
في لندن أثار(المترجم العربي) الذي عرض في معرض الترجمة الدولي الاهتمام بقدرة الآلة على الترجمة بين لغتين مختلفتين تماماً كالإنكليزية والعربية وسرعة ألف كلمة في الدقيقة يمكن أن ترتفع إلى الألف كلمة باستخدام أجهزة مثل"بنتيوم" 90 (Pentum 90).
والترجمة الآلية لا تزال غير صحيحة مئة في المئة حتى بين لغات من أصول واحدة، ولكن هذا لم يمنع انتشار استخدامها على نطاق واسع، والإمكانات التي توفرها الترجمة الآلية كبيرة في مجال العلوم ولاتكنولوجيا والأعمال.(1/229)
يعتبر(المترجم العربي) الذي طورته شركة ا. ت. ا A. T. A في لندن أول نظام احترافي للترجمة من الإنكليزية إلى العربية يستخدم الحاسوب الشخصي، وقد سبق للسيد مختار هاشمي مدير التسويق في شركة"ترانسكو التي تسوق النظام إن ذكر ذلك. وقد قال هاشمي إلى"الحياة" أن الترجمة الآلية أداة، وهي خلافاً للرأي الشائع لا تلغي دور المترجم بل تساعده في عمله. وتبقى الترجمة فناً لا يخضع لمعايير محددة ويضفي كل مترجم على النص المترجم لمساته الشخصية. مع ذلك فإن الآلة تقدم ترجمة قياسية تمكن المترجم مراجعتها وتحسينها وإعادة صياغتها وتوفر له قاموساً آلياً سهل الاسترجاع. وتتوقف نسبة صحة الترجمة على النص وعلى ما إذا كان المستخدم سيستعمل القاموس المتخصص والقاموس العام المتوفرين في نظام"المترجم الآلي" كما تتوقف دقة الترجمة العربية على دقة النص الإنكليزي الذي تجري ترجمته.
وجواباً على سؤال جريدة الحياة عن قدرة المترجم العربي على الترجمة الأدبية، قال مختار هاشمي أنه لا يستطيع أن يترجم الشعر الذي يواجه حتى المترجمين أنفسهم في صعوبة ترجمته، لأن الآلات تترجم الجمل وليس المعاني، ولكنها قد تفعل ذلك في المستقبل مع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ولا تستخدم أنظمة الترجمة الآلية حالياً على نطاق واسع في العالم العربي.
والسبب في ذلك أنها طرحت في الأسواق أخيراً، وهي تواجه انطباعات مسبقة عنها تتراوح ما بين الاعتقاد بأنها قادرة على ترجمة كل شيء أفضل من المترجمين البشر أو اعتبارها لعبة غير جدية. فكلا وجهتي النظر غير صحيح في تقدير"مختار هاشمي" الذي أعاد إلى الأذهان الموقف المتردد للجمهور في أول طرح معالجات النصوص العربية، لم يكن معظم الناس آنذاك يتصور أنها ستحل محل الآلة الكاتبة. وفي رأيه شيء مماثل، بمرور الوقت، ستلاقي التكنولوجيا الجديدة الانتشار الواسع. فالمسألة تتصل بتقبل الجمهور.(1/230)
ويعتقد الخبراء أن أنظمة"الترجمة الآلية" من الإنكليزية إلى العربية إنجاز تقني كبير حتى في حال تحقيق نسبة من الدقة تقل عن(70) بالمئة، فالترجمة تجري بين لغتين مختلفتين كلية، حيث تتكون العربية من تراكيب لغوية حرة مثل الجملة الإسمية والجملة الفعلية. وفيها يمكن أن يأتي الاسم بعد الفعل أو قبله، بينما تتكون الإنكليزية في الغالب من جمل إسمية. وينبغي أن يكون نظام الترجمة بين لغتين بهذا الاختلاف عالي الكفاءة تماماً وقادراً على التطور باستمرار.
يستخدم"المترجم العربي برنامجين في الترجمة، يدعى أحدهما"الطريقة المباشرة" Direet mode. وفيها يقوم ملف الترجمة بترجمة النص وعرض عدد الكلمات المترجمة في الثانية الواحدة لأن سعة ملف الترجمة بشكل غير محدود ومتوقف على جهاز الحاسوب الذي يستخدمه، ويُمكن للمستخدم حفظ النص المترجم واستخدامه في أية معالجة للنصوص. ثم يترجم البرنامج الثاني الذي يدعى باسم"مستخدم النص" User . Texte إلى حد(20) ألف حرف.(1)
يمكن في هذا البرنامج ترجمة نص بكامله أو كلمات مفردة. كما تحتوي على قاموس"الوافي Al-wafi" وهو أصغر حجماً من القاموس العام"المترجم" الذي يضمه البرنامج الأول وفيه أكثر من(330) ألف مدخل إنكليزي وتحتوي على أكثر من مليوني كلمة إنكليزية/ عربية.
__________
(1) راجع: النشرة الإخبارية رقم -14- كانون أول المرفقة مع جريدة النهار.(1/231)
ويناسب المترجم"حاجات المترجمين المحترفين، في حين يصلح"الوافي" للاستخدامات المنزلية من قبل الطلاب مثلاً. ولكن يبقى نطاق الترجمة متماثلاً في الإثنين، على الرغم من أن"الوافي" يحتوي على(100) ألف مدخل إنكليزي ونصف مليون كلمة، ويحتوي"المترجم" على مليوني كلمة إضافية إلى قاموس متخصص، وسيضم الإصدار القادم من"المترجم العربي" الذي سيعرض في معرض(جيتكس Gitex) المقبل في"دبي" خمسة قواميس متخصصة للتجارة والشؤون العسكرية والعلوم والهندسة والطب. كما يضم الإصدار الجديد قاموساً خاصاً يمكن للمستخدم إنشاءه وتطويره وفق الحجم والمواصفات التي يرغب فيها. ويتيح القاموس الخاص للمستخدمين اختيار الكلمات المفضلة والأكثر شيوعاً في البلدان العربية المختلفة.
ويعمل"المترجم العربي" على الحاسبات P- c الشخصية أو"باور ماكنتوش" وتحت نظام وندوز العربي. لكن النص الإنكليزي يمكن أن يُعد في أي معالج للنصوص. وتتم عملة الترجمة فورياً بعد إدخال النص الإنكليزي المطلوب ترجمته إلى الكومبيوتر بالوسيلة التي يستخدمها المستعمل، سواء عن طريق تنضيد الكلمات على لوح المفاتيح أو عبر جهاز المسح أو أجهزة اتصالات"المودم" أو الصوت المباشر باستخدام تقنيات التعرف الصوتي. وبعرض النص الإنكليزي وترجمته العربية في نصفي الشاشة العلوي والسفلي.
والميزة الأساسية للبرنامج هي قدرته على الترجمة بين لغتين مختلفتين كلية حيث يساعده ذكاؤه على سبيل المثال، في الإدراك أن Bbc ببس تعني"بي بي سي" وليس حروف الأبجدية وأن كلمة"كتاب" مذكر في اللغة العربية، وفي حال الخطأ في تهجئة الكلمة الإنكليزية يمتنع البرنامج عن الترجمة ويخبر المستخدم بوجود الخطأ. ونجح"المترجم العربي" عند اختباره في ترجمة العبارة الإنكليزية الحزورة: Mr, Bookd his book فترجمها إلى العربية السيد"بوكس" بحجز كتبه".
مدى بعد المترجم من حقوق المؤلف.(1/232)
نظراً لما تلعبه الترجمة من دور كبير في خلق الحوار بين الآداب المختلفة وتضييق الفجوة بين مختلف الحضارات والثقافات، وتهيء الظروف لتوسع انتشار الأدب العالمي، فإنها أصبحت بمثابة القنطرة من خلالها إلى باقي المجتمعات الغربية دون أي جواز. وهذا الموضوع يجرنا إلى التساؤل عن العلاقة بين المؤلف والمترجم، ومن ثم إلى الحديث عن الترجمة كعملية إبداعية. ومما لا شك فيه، أنه لا فرق بين الكتابة والترجمة فكلاهما عمل إبداعي، لأن المترجم حسب العادة لا ينتج نصه دفعة واحدة وإنما يعيد صياغته مرات ومرات قبل أن يصل إلى يد القارئ.
إن إبداعه ومهارته يظهران خاصة على مستوى النص الأدبي الذي يكتب عادة بلغة بعيدة عن مستوى اللغة العادية وأشكال الصياغة المألوفة. بالوقت الذي فيه يكون المترجم بحاجة إلى كفاءة عالية وحس أدبي وفني مرهف، وإلى انسجام كبير مع مؤلفه حتى يتمكن من نقل الأصوات والكلمات والجمل والصور بأقل ما يمكن من الأخطاء أو عدم الوفاء، وفي هذا الصدد يقول كوانتريو Contreau: (إن الترجمة الأدبية عملية تعاون عاطفي) وهذا يعني أنه لا يكفي أن يكون المترجم مترجماً ممتازاً حتى يوفق في ترجمة الأعمال الأدبية وغيرها إلى لغة أخرى على أحسن صورة.، بل لابد من أن يكون في أعماقه فناناً مبدعاً في مجال اختصاصه، ومن هنا ذهب الكثيرون إلى اعتبار الترجمة فناً صعباً بل هو أصعب من فن الكتابة ذاتها وإبداعاً حقيقياً يفترض أن يتمتع صاحبه بخيال خصب وواسع.
وإذا كنا قد ركزنا على مترجم النصوص الأدبية ووضعناه على قدم المساواة مع المؤلف فهذا لا يعني أننا نهمل أو نضع كل من المترجم التقني والفوري على الهامش، بل بالعكس، فإن أهمية هؤلاء تزداد يوماً بعد يوم وتتصاعب مهمتهم أكثر مما كانت عليه في السابق وذلك بالنظر إلى التقدم العلمي الهائل الذي يثري اللغة كل يوم بمفردات ومصطلحات جديدة، وكل ذلك يتطلب الدقة والإتقان والإبداع.(1/233)
انطلاقاً من هذه النظرية وبالنظر أيضاً إلى اتفاقية(بيرن) التي تعتبر المترجم مؤلفاً في الأصل، فإن أية إشارة لحقوق المؤلف هي بدون منازع، إشارة لحقوق المترجم. ومن أهم تلك الحقوق ما يعرف بالحق الأدبي الذي يحمي أعمال المترجم من كتابات وتسجيلات ومن الاستغلال من طرف أي شخص آخر دون موافقة أو إذن من صاحبها وذلك عن طريق التوقيع. علماً بأن هذا الحق سبق أن استعمله مترجمون وكتاب منذ عدة سنوات، ومن أبرز أولئك الذين وقعوا ترجماتهم بإمضاءاتهم"إبراهيم ناجي مترجم ديوان "بودلير Beaudelaire" "زهور الشر" والدكتور طه حسين مترجم مسرحية"جذور".
وبصدد حقوق التأليف لابد من ذكر فكرة"الملكية الفكرية" والعمل على حمايتها، وهي المهمة التي جعلتها على عاتقها المنظمة العالمية للملكية الفكرية التي مقرها"بجنيف" والتي تعتبر كل عمل أدبي أو فني أو اختراع تقني ملكية خاصة بصاحبها وبالتالي من واجبها المحافظة عليها وحمايتها حتى لا تنتقل إلى حيازة شخص آخر دون موافقة صاحبها الأصلي.(1)
ومع غزو الإنترنيت للساحة الإعلامية كان على المدافعين حماية الملكية الفكرية للمؤلف والمترجم وغيرهما أن يقوموا بمجهودات أكبر ومن ثم عملت دول الاتحاد الأوروبي على نشر كتاب أخضر حول حقوق المؤلف وكافة الحقوق المتعلقة بالمجتمع الإعلامي، كما نشرت الولايات المتحدة الأميركية كتاباً أبيض بخصوص الملكية الفكرية والبنية التحتية للإعلام الوطني، كل هذا لكي لا تضيع حقوق المترجم باعتباره مؤلفاً أولاً ثم مترجماً ثانياً.
لذلك يبقى على المترجمين أن يوقعوا بأسمائهم في كل عمل ينجزونه وأن تتضمن العقود بنوداً تتعلق بحقوق المؤلف، وحقه في الحصول على نسخ من أعماله حتى يصبح صاحب حق في التعويض إذا ما تم استغلال عمل من أعماله لغرض لم يتم ذكره في العقد.
ثامناً - الترجمة الحرفية-:
__________
(1) راجع جريدة العلم، العدد بتاريخ 30/12/1996.(1/234)
تقوم الترجمة على نقل الألفاظ والأفكار في نص ما، بلغة إلى إلى لغة أخرى. والمرحلة الأولى فيها هي تفسير المفردات والعبارات(1) وترجمتها إلى مقابلاتها. ومع أن المصطلح يرتكز على المفردات فيتوجب فهم الكلمة من السياق الذي وردت فيه، والذي يحدده موضوع النص، كنهه وأفكاره العامة، ذلك أن لكل كلمة معنى معجمياً لغوياً واحداً، وعده معان اصطلاحية صالحة للاستعمال، فعلى سبيل المثال: كلمة(عامل) التي لها معنى معجمياً محدداً لا يصح ترجمتها بالمعنى نفسه سواء في نص نحوي أو قانوني أو فيزيائي أو تاريخي، لذلك لدى ترجمة الكلمة بمعناها اللغوي المعجمي هو ما تعني(الترجمة الحرفية، أما ترجمتها بمعناها الاستعمالي الاصطلاحي هو ما نسميه(الترجمة بالمعنى).
وقد دارت خلافات من وقت إلى آخر بين المربين حول أي الطريقتين أجدى وأحكم في ترجمة هذا المصطلح أو ذاك، هل هي الترجمة الحرفية أم الترجمة بالمعنى. والمثال على ذلك ترجمة مصطلح(Pneumonique) بـ(رئوية)، وهي هنا ترجمة حرفية للكلمة حسب الرد المعجمي من قبل الدكتور مصطفى نظيف الذي يبين أن جميع استعمالات المصطلحات المشتقة من لفظ(Peneuma) في العلوم الطبيعية حيث يلاحظ فيها معنى النسبة إلى الهواء وليس معنى النسبة إلى الرئة. أما إذا أريد(المعنى) فالترجمة تقتضي كلمة(الهوائية) وليس(الرئوية)(2).
__________
(1) فوزي عطية محمد- علم الترجمة-21-.
(2) د. مصطفى نظيف- مناقشة رأي الدكتور ليفورك ميناجيان- مجلة مجمع القاهرة ج26: 108 .(1/235)
كما أن الترجمة الحرفية لمصطلح(Conference) هي: المقارنة أو الموازنة، ولكن الترجمة بالمعنى هي(مؤتمر). والترجمة الحرفية لمصطلح(Sumposion) هي مأدبة أو حفلة شراب بعد المأدبة، ولكن الترجمة بالمعنى هي(ندوة) كما ذهب إلى ذلك مجمع القاهرة(1) والترجمة الحرفية لمصطلح(Radium fomb) هو قنبلة راديوم، ولكنه حسب المعنى(مصدر إشعاع راديومي)(2).
لكن هل تصح الترجمة الحرفية للمصطلح إذا طابق معناه اللغوي لمدلوله الاصطلاحي(3) عندما تمثل كلمة(Resistance) المقاومة تطابق المعنيين، وهل مقاومة المحتلين هي مقاومة الكهرباء نفسها ومقاومة الهواء، فلا يمكن الأخذ بهذه الترجمة الحرفية في ميدان المصطلحات لأنه يبعد تطابق المعنيين اللغوي الاصطلاحي في كلمة واحدة. فكل ما وصل إليه المصطلح أنه لفظ خرج عن مدلوله اللغوي إلى مدلول آخر متدفق عليه ولولا خروجه هذا لبقي في عداد المفردات العامة، ولما عد مصطلحاً. لنأخذ مثلاً كلمة(باب) مع أنها من الكلمات المفردة العامة، عندما نقلت إلى لغة الاصطلاح مثل(الباب العالي) أصبحت تعني مقر رئيس الوزراء- ثم عنت رئيس الوزراء نفسه لدى مؤرخي الدولة العثمانية(4)- وأيضاً(الباب) التي تعني رتبة محددة عند بعض الفرق الصوفية.
وفي أقرب مثال، فإن الترجمة الحرفية تصح في النعوت وفي الصفات كطويل وغني ومثله، كما تصح في ترجمة المفردات العامة التي لم تدخل نطاق الاصطلاح بعد على ندرتها.
__________
(1) د. عبد الكريم اليافي- دراسة بعض المصطلحات في مجال الاجتماعات العلمية- مجلة مجمع دمقش 56/ 1: 156 .
(2) د. محمود مختار- مجمع اللغة والمصطلح- مجلة مجمع القاهرة- ج53: 50
(3) د. جميل الملائكة- المصطلح العلمي ووحدة الفكر- مجلة المجتمع العراقي- ج- 34/3/91
(4) د. عبد الكريم رافق- دراسات في تاريخ العرب الحديث- 179- 180(1/236)
أما ترجمة العبارات فكثيراً ما تثير الجدل، فقد اعترض الدكتور حسني سبح على ترجمة عبارة(Tout a l’egout) بعبارة(الكل إلى الكثيف) وهي هنا ترجمة حرفية، فاقترح عبارة(نظام المجاري) التي هي ترجمة بالمعنى(1). وأيضاً ترجمة المبدأ الاقتصادي المعروف Laissez faire فقد ترجم حرفياً بـ
(دعه يعمل) وترجم، بسياسة عدم التدخل، وسياسة الترك، "الاقتصاد المرسل وحرية العمل(2) والحرية الاقتصادية. كما منهم من سماه تسمية شاعرية فقال: "سياسة دع المقادير تجري في أعناقها".
ومن المعربين من جعل الترجمة الحرفية قاعدة نتاجه، فوقع في بعض الأخطاء، من ذلك ترجمة المصطلح الفرنسي(Vaisseau) بـ(وعاء) في عبارة(الأوعية الدوموية) التي يعتبرها خطأ الدكتور محمد جميل الخاني، ومنشأ الخطأ برأيه، أنه عندما ترجمت الكتب الإفرنسية المنتقاة فتش عن مقابل لكلمة(Vaisseau) وجدت كلمة(وعاء(3)، فأخذت بحرفيتها في حين أن كلمة(عرق) العربية هي التي تؤدي المعنى المقصود، وأيضاً كلمة(Cadre) حرفياً إلى(إطارات)، في حين أن المعنى المناسب لها هو(الملاك)(4).
__________
(1) د. حسني سبح- نظرة في معاجم(كيلرفيل 995 )
(2) أيضاً راجع التعريب/ ممدوج خسارة ص111- 112- 0
(3) د. محمد جميل الخاني-المصطلحات العلمية- :77. ومجلة مجمع القاهرة ج-6: 172
(4) د. إبراهيم السامرائي- العربية التونسية- مجلة مجمع دمشق- 39/ 1- :93(1/237)
لكن أسوأ أشكال الترجمة الحرفية ما اقترب من الدلالة العربية للمصطلح، كعبارة الصحافيين المتداولة: (تغطية الأحداث)، كونها ترجمة حرفية تعطى عكس المراد، الذي هو نشر الأخبار، لأن المراسل الصحفي لا يغطي أخبار جهة ما، بل يكشفها وينشرها. وعلى كل حال، ولتحديد معنى الترجمة الحرفية لابد لها من أن تتفق مع السياق أي سياق الحديث، ولا يصح غير ذلك، إن عبارة مثل(Sang froid) التي يجب ترجمتها(برباطة جأش، أو ثبات جنان) في سياق أدبي(1) لا يجوز ترجمتها حرفياً وهي(الدم البارد) في سياق علمي، فلا يصح القول عن(الحيوانات ذوات الدم البارد)- وهي التي تتغير درجة حرارتها وفق المحيط الذي تكون فيه- بأنها حيوانات رابطة الجأش أو ثابتة الجنان، وكلمة(Shop) الإنكليزية التي يجب ترجمتها حرفياً في سياق تجاري بـ(دكان أو حانوت) يجب ترجمتها في سياق هندسي بـ(مشغل)(2).
غير أنه قد تتوافق الترجمة الحرفية والترجمة بالمعنى، وذلك إذا كان وضع المصطلح في لغته الأصلية تسمية بالمعنى، فالمصطلح اليوناني(Knikos) الذي وضع له العرب القدماء المصطلح الفلسفي: (الكلبيون)(3)، اتفقت فيه الترجمتان الحرفية والمعنوية، لأن أصحاب تلك الفلسفة كانوا يعيشون حياة قريبة من حياة الكلاب فنسبهم اليونانيون إليها.
مع كثرة النعوت المعطاة للترجمة ومع كثرة أنواعها، لابد من التركيز توافقاً على القول(الترجمة السياقية) باعبتارها أكثر دقة من: الترجمة بالمعنى، أو استعلامية أو اصطلاحية ولأن"من أصعب الأمور اقتراح كلمة عربية محددة لكلمة انتزعت من سياقها(4).
ترجمة المعنى
__________
(1) ادوار مرقص-نظرة في الكلام المجازي- مجلة مجمع دمشق- ج 16/3- 4: 183
(2) د. جميل الملائكة-الكلام الحجازي- مجلة مجمع دمشق- ج 16/3/- 4: 183
(3) الخفاجي: شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل: 230
(4) د. عبد الكريم اليافي-دراسة بعض المصطلحات الفنية- مجلة مجمع دمشق- ح: 56/1: 166(1/238)
ترتكز الترجمة بالمعنى بأغلبية وقائعها، على كل تركيب إضافي يلتصق بكلمة الأصل سواء في سابقها أو لاحقها، حيث يصبح تركيباً إضافياً أو وصفياً يؤدي المعنى المقصود.
فالمصطلح(Hypersensibilité) مؤلف من السابقة(Hyper) التي ترجمت
(بفرط أو زيادة) ومن الكلمة الأصل(Sensibilite) ومعناها الحساسية، فتكون ترجمة هذا المصطلح(فرط الحساسية)(1) وقد جاءت تركيباً إضافياً. والمصطلح(Colloide) مؤلف من الجذر colle الذي يعني(غراء) ومن اللاحقة(Oide) التي ترجمت إلى(شبه)، فصارت ترجمة المصطلح(شبه غرائي)(2). والمصطلح(Geotropisme) تُرجم بتأود أرضي، تركيباً وصفياً، لأن السابقة(Geo) تدل على الأرض، والكلمة الأصل Trapisme معناها التأود أو الانحناء. مع أن هذه الكلمة الأصل استعملت لاحقة في مثل theotropisme بمعنى: تأود جدولي Phototropisme بمعنى تأود ضوئي(3).
ومن ترجمة اللواصق بالمعنى ما ذكره المهندس المجمعي- وجيه السمان فيما يتعلق بترجمة اللاصقة(Graphe) بـ(راسم أو مرسام)، واللاصقة(Metre) بمقياس، واللاحقة Scop بكاشف أو مكشاف.(4).
__________
(1) د. محمد رشاد الحمزاوي- أعمال مجمع القاهرة- 333
(2) مصطفى الشهابي-المصطلحات العلمية - 76-
(3) د. محمد صادق الهلالي- السوابق واللواحق.... مجلة المجمع ج 32: 195
(4) راجع مجلة مجمع دمشق ج1- 50/1 -:191-(1/239)
أثارت ترجمة اللواصق بمعانيها بعض الإشكالات، لأن هذا يقتضي ترجمة المصطلح اللّصقي.(1) بكلمتين تشكلان تركيبان وصفياً أو إضافياً قد لا تأتلفان دائماً، لأن كلمة ما، قد يصلح تركيبها إضافة أو وصفاً مع كلمة معينة، ولا يصلح مع غيرها، من ذلك أن مجمع القاهرة كان(قرر ترجمة اليوناني An) أمام الأحرف الصوتية بكلمة(لا) النافية مركبة مع الكلمة العربية المطلوبة، فيقال مثلاً(اللاجفن) مقابل المصطلح (Ablépharie) وهو فقد الأجفان خلقياً أو مرضياً، ولكن المجمع رأى بعد ذلك أنه لا يمكن اتخاذ ذلك كقاعدة، فوافق على أن لا يتخذ قرار بنعم دوماً، أو بلا دوماً، والاكتفاء بالقول"يجوز لنا استعمال(لا) مركبة مع الإسم المفرد إذا وافق هذا الاستعمال الذوق ولم ينفر منه السمع(2) فإذا كان مصطلح(لا سلكي) قد قبل وانتشر، فإن مصطلح(لا جفن)، اسماً لمرض، لم يلاقِ القبول، وهذا ما دعي إلى تعدد ترجمات اللواصق ليمكن اختيار الترجمة الأكثر ملاءمة، فعلية فقد ترجمت السابقة(A) بعدة كلمات: (لا ، بلا، بدون، غير، عديم،)(3). والسابقة(Extra) بـ(إضافي، فوقي، خارجي)(4). واللاحقة(Forme) بـ(شبه، هيئة، رتبة)(5)- واللاحقة(nomie) بـ(قانون، تقليد، قاعدة)(6)- وأحياناً بـ(علم) كما في Astranomie): علم(الفلك والجدير بالذكر أن معظم اللواحق قد ترجمت بالمعنى.
الترجمة بالصيغة:
استخدمت صيغ التصغير وأيضاً النسب والمصدر الصناعي وجمع المؤنث السالم، لترجمة بعض اللواصق بها.
__________
(1) راجع(التعريب/ ممدوج خسارة ص113-114-116-117 والتنمية اللغوية.
(2) مصطفى الشهابي-المصطلحات العلمية: 77- ومجلة مجمع القاهرة ج6: 172-
(3) د. محمد رشاد الحمزاوي- المنهجية العامة لترجمة المصطلحات وتوحيدها وتنميطها: 101-
(4) المصدر السابق أعلاه نفسه هامش 2
(5) المصدر السابق نفسه هامش 2
(6) د. محمد صادق الهلالي- السوابق واللواحق- مجلة المجمع الأردني ج:32: 179(1/240)
أولاً من جملة صيغ التصغير، السابقة(Sub) وقد قيل في(Sub- genus) جُنيَسْ، لأن هذه السابقة تعني في مدلول المصطلح- التصغير أو دونه(1) وترجمت أيضاً بصيغة التصغير بـ، السابقة الفرنسية(Sous). وقد جاء في مجلة مجمع دمشق: (ومن المعروف عن النباتيين أن بين كل حلقة وأخرى من تلك الحلقات حلقة صغيرة بدل عليها الفرنسيون بإضافة(الصدر- Sous) والإنكليز بإضافة الصدر(Sub)، فهذه الأسماء جميعاً تنقل إلى لغتنا بتصغير الأسماء العربية. وهذا ما أقره المجمع، فيقال: عويلم- وشعيبة- وطويئفة- ورتيبة(2) مع أن بعضهم ترجم هاتين السابقتين بمعناهما وهو: (تحت أو دون).
ثانياً- ترجم بصيغ(النسبة) ثماني لاحقات:
أ- ما ترجم بصيغة النسبة المنتهية بألف ونون، اللاحقة(Forme) بمعنى شكل وهيئة، فقالوا في(Ensifarme): سيفاني(3) وبهذه الصيغة ترجمة اللاحقة(Oide) فقالوا في (Odémoide) غدائي. ومما ترجم بهذه ألسنة اللاحقة(Like) فقالوا في(Glu , like): غرواني.(4)
ب- وترجمت بصيغة النسبة المنتهية بياء مشددة وكسر ما قبلها، اللواحق(Ine`e aceae, ees , Acées في الفضائل النباتية، فقالوا في(Jasminees) الفصيلة الياسمينية وبهذه الصيغة ترجمة غالباً اللاحقة(Lique) التي تفيد معنى النسبة في الفرنسية، فقالوا(Alcoolique) كحولي(5) أو غولي. وأيضاً بهذه الصيغة ترجم بعضهم اللاحقة(Forme) فقالوا في(Gribrifarme): غربالي.
__________
(1) د. عبد العظيم حفني صابر- المصطلح العلمي في التعريب- مجلة مجمع القاهرة ج:51-177
(2) مصطفى الشهابي- أخطاء شائعة- مجلة مجمع دمشق- ج38/ 3-: 364
(3) د. محمد رشاد الحمزاوي- أعمال مجمع القاهرة- 467-0
(4) د. محمد رشاد الحمزاوي- أعمال مجمع القاهرة- 369-0
(5) المصدر أعلاه نفسه - أعمال مجمع القاهرة-472-(1/241)
ج- أما صيغة المصدر الصناعي فقد ترجمت بها اللاحقة(Isme)، فقيل في (Socialisme): اشتراكية. وبهذه الصيغة ترجمت اللاحقة(Ite`) الفرنسية، فقيل في (Nationalite): جنسية.
د- ثم صيغة جمع مؤنث السالم فقد اقترح أن تترجم عليها أسماء العلوم المنتهية باللاحقة(Ies) فقيل في(Nucleonnies) نوويات، وفي(Statistics): أحصائيات.(1)
إن الترجمة بالصيغ التي سبق ذكرها، كالتصغير والنسبة والمصدر الصناعي، إذا صحت في مواضيع كثيرة، لا يصح في مواضيع أخرى، فلو ترجمت كلمة(Emetique) بصيغة النسبة، لقلنا(قيئي) وهي ليست أصح من كلمة(مقيأة) التي ترجمت بها للدلالة على ما يسبب القيء. وأيضاً ترجمة(Politique) بسياسة، دون اعتبار للاحقة(Ique) التي تترجم أحياناً بصيغة النسبة، وهناك أيضاً من الصيغ، (صيغة النسبة المنتهية بـ(أني) لم تجعلها العرب لمعنى المشابهة التي أرادها لها، فقد قيل أيضاً(جسماني) ومُيّزت معناها من(جسمي)، كما فرق العرب بين النسبتين(رقبي ورقباني)(2) - ثم أيضاً صيغة المصدر الصناعي على كثرة استعمالها، لا تفي بترجمة جميع المصطلحات المنتهية باللاحقة(Isme) التي خصها بعضهم بالمصدر الصناعي، فلم يقال في Colonialisme باستعمارية بل: استعمار. أما الترجمة بصيغة التصغير للسابقة(Sous)، فلعلها لا تصلح إلا في موضوعات محددة كالتصنيف النباتي، مثال: لو ترجم مصطلح(الأشعة تحت الحمراء) بصيغة التصغير: (الحميراء لما قبل دلالياً، ولو ترجم مصطلح(الغدة تحت الفكية) بمصطلح(الغدة الفكيكية) لضاع مفهوم المصطلح كليةً.
تاسعاً - ترجمة المختصرات:
__________
(1) د. أنور الخطيب- منهجية بناء المصطلح- مجلة اللسان العربي- ع20/1 : 99-100/ راجع أيضاً كتاب التعريب والتنمية اللغوية د. ممدوح خساة ص117-121-122-123-0/
(2) راجع- الزبيدي، تاج العروس جسم ورقب، وفيه أن الجسماني عظيم الجسم.(1/242)
لقد ظهرت المختصرات في بعض اللغات الأجنبية لا يجاز أسماء أجنبية أصلية طويلة ومؤلفة من عدة كلمات بمدلول مختصر يلفظ بكلمة واحدة. حيث يصعب استعمال هذه الكلمات مجتمعة للتعبير عن مسمّى واحد أو مصطلح واحد، لذلك اختصار لترداد جملة طويلة مؤلفة من عدة كلمات في الكتاب الذي يقرأ أو حتى في الصفحة الواحدة، لجأ المختصون إلى التعبير عن تلك باصطلاح كلمة جديدة مركبة من أوائل الكلمات التي تشكل الجملة التفصيلية لذلك المدلول، فبدلاً من القول جهاز: (Radio detection and rangig) الكشف وقياس الأبعاد بالراديو أي: (الرادار المأخوذ من أوائل كلماته الأجنبية. ومن هذا القبيل وبحكم التقنيات المكتشفات الجديدة التي ظهرت في عصرنا الحالي ازدادت هذه المختصرات مما استدعت الضرورة إلى جمعها في قاموس واحد يدعى بالنسبة للمختصرات الإفرنسية(Sigle des mots) وعلى هذا المبدأ، أطلقت بعض المؤسسات العربية على نفسها إسماً مختصراً من أوائل حروف اسمها مع تغيير في مواقع بعض الحروف، مثل كلمة(سانا) اختصاراً لعبارة(وكالة الأنباء السورية) و(كونا) وكالة الأنباء الكويتية.
قد تابعنا من سمي هذا الترتيب(بالمختصِرات)، مع أن آخرين آثروا تسميتها(بالمصطلحات الاختزالية أو الاختصارية أو بمنحوتات البدء.
حاول البعض ربط هذه الظاهرة اللغوية المعاصرة بطريقة النساخ العرب القدماء باختصار حروف يكثر تكرارها في الكتابة والاكتفاء ببعض منها مثل: الاستعاضة بـ(نا) باخبرنا وبـ(ثنا) بحدثنا وبـ(ص) أو(صلعم) بـ(صلى الله عليه وسلم)، غير أنه لا وجه للربط بينهما، لأن المختصرات العربية القديمة، على قلتها، هي قضية كتابية لا علاقة لها باللغة، لأنها تكتب مختصرة، وتلفظ كاملة. أما المختصرات الحديثة الأجنبية فهي تكتب مخيّصرة، وتنطق كذلك وكأنها كلمة مستقلة، فهم يلفظون(أيدز) أو(سيدا) كما تكتب مع أنها مختصرة من عدة كلمات أساساً.(1/243)
ومن المختصرات في تراثنا إن صحت الرواية، لقب(كشاجم) للشاعر محمود بن حسين الرملي)(360هـ) الذي قيل أنه لقب به لعلوم كان يجيدها منحوتة من(كاتب وشاعر، إنشائي، جدلي، منطقي) وقيل في هذا اللقب أيضاً أنه منحوت من(كاتب، شاعر، أديب، جميل، مغن) غير أن ضعف الرواية وعدم تكرارها ومثلها تدل على أنه منحوت مصنوع، وأن الغرب لم يستسغ مثل هذه الطريقة، وقد يكون لفظاً مرتجلاً برّبه هذا الشاعر قبل نبوغه بالشعر، حيث كان يعمل طباخاً لدى سيف الدولة على ما روي.(1)
ولكن من ربطها بظاهرة النحت عند العرب مشبهاً إياها بالحوقلة(2) والبسملة فهي أقرب إلى الصواب. من جهة أن المنحوت يكتب ويلفظ ككلمة مستقلة وتامة.
ومع ذلك لجأ بعض المعربين إلى ترجمة هذه المختصرات بمعانيها فقالوا في(Dc): التيار المتواصل، وفي(Ac) التيار المتناول(3) ولكن الأغلبية نزعت إلى تعريبها لفظياً فقالوا: نظام(بال) ونظام(سيكام) وأشعة(ليزر)(4).
__________
(1) الزركلي- الأعلام ج-7- 67 وابن العماد الحنبلي- شذرات الذهب ج3-: 37/
(2) محمد كامل حسين- اللغة والعلوم- مجلة مجمع القاهرة- ج12- 25/
(3) وجيه السمان-..؟.- مجمع دمشق- ج- 57/3- 357/ راجع ممدوح خسارة التعريب
ص 124- 125- 126
... - راجع ممدوح خساره التعريب ص 124-125-126.
(4) نظام(بال) يعني خط تغيير الطول- وليزر تعني تضخيم الضوء بإصدار الإشعاعات ..؟.. وجيه السمان- النحت- مجلة مجمع دمشق ج57/3 357/ راجع ممدوح خسارة التعريب
ص 124- 125- 126(1/244)
غير أنه لم يعثر على من دعا إلى ترجمتها بمختصرات عربية منحوتة ولعل مرد ذلك إلى الغموض الذي قد يتصف بمثل هذه الكلمة لأنها ليست معتمدة على جذر عربي، كما لا توافق البنية الصوتية العربية، ولنأخذ مثلاً(وكالة الفضاء الأوروبية) فإذا اعتمد نحت مختصر عربي لها لقيل(وفاء) غير أنه قد يوجد رأي آخر يرجح ترجمتها بمعانيها أو توليد مصطلح جديد لها. ولكن يمكن الأخذ بالمختصرات النحتية إذا كانت مما تسيغه الأذن العربية والذوق العربي ككلمة(حماس) مختصر عبارة(حركة المقاومة الإسلامية)، أو كلمة(فتح) مختصر(حركة التحرير الفلسطينية) مع تقديم وتأخير في الحروف.
وفي كل ما يتعلق بالمختصرات، وبالرموز المستعملة في الرياضيات والفيزياء والكيمياء وإشكالاتها دعي اتحاد المجامع العربية اللغوية إلى عقد ندوات متتابعة لإقرار الصيغ النهائية لها.
وعلى أية حال فقضية المختصرات والرموز هي مسألة تعليمية اقتصادية أكثر مما هي مسألة لغوية.
ترجمة النصوص التقنية.
تحتل الترجمة التقنية في أيامنا هذه حيزاً متنامياً في حقل الترجمة الواسع، ماذا يتضمن عمل المترجم بالنسبة للنصوص التقنية، وما هي أنواع تلك النصوص التي يفضل المترجم أن تقع بين يديه. لذلك يمكن الإشارة إلى نموذج من هذا الاختصاص.
يمكن للمادة الدبقة ذات القدرة الشديدة اللزوجة في إطارات السيارات ذات المحرك وفي الأوائل الزراعية والنقل، أن تستخدم سلك متماسك مستمر تحتضنه فتلة بسيطة، كما يمكن لهذا السلك الفحمي أن يمتد ضمن النسيج أو السلاسل، حيث يسمح بتجزئة الثقل على كل خيط من الإطار. وقد نتج عن ذلك وفرة في الخيط وتماسك بين الألياف قوي جداً، مكن من صد الصدمات التي تحصل أثناء الطريق.
إن الليف الاصطناعي ذات القدرة العالية اللزوجة والتماسك تستخدم لأجل عقب إطارات الآليات ذات المحرك.(1/245)
إن إدراج مثل هذا النص يعتبر عملة دارجة في الحقل موضوع اهتمامنا هنا، حيث لا ينتج عنه أية صعوبات، أما الدراسة السريعة التي أنجزت في هذا المضمار تكشفت عن بعض خصائص العمل الذي يقع على عاتق المترجم الواقع وجهاً لوجه تجاه ما يعترضه.
وما يتبادر إلى الذهن هو أن هذا المترجم يجد نفسه ملتزماً بمراعاة الأصل ضمن فكرة أو طريقة هي بالأساس مختلفة عن المبدأ الذي يحرك المترجم في النصوص الأدبية. وفي هذا المجال يجد مترجم النصوص التقنية نفسه طليقاً ومحرراً في كل ما يتعلق بالأمور العملية من كل خلل في الشكل الذي يترفع عنه زميله المترجم للنصوص الأدبية. فهو لم ينحت أو يسلك عظمة النص ولا الإيقاعات والأوزان الرنانة التي يسلكها مترجم الشعر، كما هو بعيد عن تنوع التفسيرات، حتى أنه يغتاظ إذا لم يسلك مؤلف آخر نفس الطريقة ولكن بعبارات مطابقة.
وينحصر قلقه الدائم حول صعوبة تطبيق قواعد الصرف والنحو وتفعيلاتها بالنسبة لمترجم الشعر.
ومع ذلك فهو يسعى دون تردد لمعرفة كنه مثل تلك العبارات: عقب الإطار- السلك المبروم البسيط- Talon de pneumatique ou fil de, retors simple وكيف تنقل إلى اللغة المترجم إليها، ولأجل ممارسة عمله يحيط نفسه بالقواميس المعنية وبالعديد من الكتب التي تحتوي على المراجع العديدة، وحتى هو نفسه يسرع إلى التخصص في الفرع الضيق والصعب الذي هو جزء من مملكة التقنية الواسعة.
إن الجمل: عقب الإطارات- السلك المبروم البسيط- مقاومة الصدمات- كلها عبارات بسيطة يمكن معرفتها بواسطة أي قاموس، ولكن هناك صعوبات جمة تتعلق بقواعد اللغة التي هي بالحقيقة ثاقبة تستحق البراعة والحذاقة.
ضمن النص الذي قرئ يوجد كلمة(بشعّ Rayonne) ففي جميع القواميس تكتب بالإنكليزي Rayon وبالألماني Reyon أو Kunsteide ولكن في الكلام المحكي تحمل هذه الكلمات معان مغايرة سواء بالإنكليزية أو بالألمانية.(1/246)
أما الرايون أي حرير السلّيلور La rayonue يتمثل تحت شكل خيوط متصلة بخلاف خيط الليف الاصطناعي المؤلف من ألياف متقطعة، ولأجل التمييز بين هذين المظهرين لنفس هذه المادة يستعمل بالإفرنسية كلمتان مختلفتان: رابون وفيبران Rayonne, et, fibranne بينما في الإنكليزية(Rayan yarn) أي رايون يارن، مقابل Rayan staple, rayanne مقابل فيبران Fibranne. لذلك فإن الكلمة الإنكليزية Rayon تحمل معنى أوسع بكثير من مثيلتها الإفرنسية، علماً بأن كلا الكلمتين هما ثابتتان لا تتبدلان.
أما في اللغة الألمانية، من جهة ثانية، فإن هذه الكلمة تتضمن عبارتين مميزتين حسب طول الأسلاك وهما Kunstseid, zellolle الموافقتان لكلمة رايان Rayonne وكلمة فيبران Fibranne ولكن لا يستعملهما بوضعهما الراهن إلاّ في الأسلاك الفحمية الدبقة.(1)
أما إذا كانت الألياف مصنوعة على قاعدة(الاسيتات) فتلفظ بالألمانية(آزيتات) Azetat دون الاهتمام بحجم الألياف، جامعاً تحت هذا الإسم(رايان الاسيتات مثل فيبران الاسيتات).
أما اختلال المعاني هنا، فهي تختلف عن التي سبق ذكرها بالنسبة للإنكليز لأن ترجمة الكلمات Kunstaeide, zellwoll, und, azetate مقابل كلمات Rayanne, fibranne et acétate ليس ذلك بالصحيح، لا بل الأصح أن يقال Rayonne et fibrane de vicose ou d’acetate.
__________
(1) راجع: أدمون كاري، كيف يجب أن تترجم. ص: 57- 58- 59 المصدر نفسه(1/247)
إن هذا التعداد يتوافق مع ما نسمعه في الإفرنسية بالعبارة النوعية التي تطلق على الألياف الاصطناعية، وتجاه ذلك يعطي القاموس الإنكليزي هذه الكلمة معنى ما ماند Manmade febres ولكن لابد من الحذر فإن المعنى الإنكليزي لا يزال أوسع من ذلك، فهو يغطي ليس فقط الألياف التي يقال عنها اصطناعية مثل(الرايون- والألياف من مختلف الأنواع، ولكن Le nylon l'orlon, le dacron, le perlon, et toutes, ces fibres النايلون- الأورلون- الداكرون- الفيبران البرلون وجميع الألياف هذه التي يطلق عليها اسم(الاصطناعية) ولكن لإعطاء الترجمة الصحيحة لكلمتي: (ما نماد فيبر) بشكلها الصحيح Manmad fibres يقال الألياف المصنعة والمركبة.
أما في الألمانية تمتلك الترجمة الكلمة الموازية وهي إلى حد قريب جداً من العبارة الإنكليزية التي هي:Man- made fibres ما (ماند فيبر)، فهي حسب شيميفاسيرن Fibres chimiqees ضمن كلمتين(الألياف الكيميائية) وإذا فسر ذلك بما لا يتعدى: الألياف الاصطناعية فإن المترجم عندها يجيب: Die klassichen chemiefasern وأيضاً لكي يتحدث ذاكراً النايلون والبرلون الخ............. عليه أن يضيف، إنها ألياف مائة بالمائة اصطناعية تتوافق حسب المفهوم الإفرنسي مع الألياف الصنعية دون تحديد أية نسبة مئوية. وإذاً، من خلال ترجمة فرنسية، تمت المقابلة بين أنسجة وأخرى قوامها الصنعي مئة في المئة، يعتقد القارئ بأن المقصود هو من جهة نسيج النايلون الصافي، ومن جهة أخرى، خليط من النايلون والقطن أو النايلون والفيبران مثلاً غير أنه قد يعتقد ذلك مخادعة، لأن الألماني يؤمن فعلاً بالألياف الصنعية الصحيحة من ناحية، وبالألياف الاصطناعية تحتوي على أقل نسبة من النايلون.(1/248)
لا يوجد أي قاموس له صفة مؤهلة لإيضاح هذه الملابسات، غير أنه، يجب معرفة النص الذي يمكن من تغيير كل شيء أو البعض من هذا الشيء إذا اقتصر الأمر على التسجيل الآلي لبعض الكلمات لها متوازيات أخرى في القاموس، أو إعادة النظر بهذه المتوازيات عندما تكون خارج دائرة الحيطة في دائرة القرينة.
على المترجم للمواد التقنية أن يتمتع بذكاء حاد يمكنه التأكد من سير الموضوع الذي يعالجه، وباتباع هذا الخط السليم يمكن للاختصاص والحرفية أن تتجدد وتتوضع وتنظم كامل الجيل كما أن البعض يرى من البداهة أن الاختصاصي بما لديه من التعمق في التقنية يعرف كيف يترجم ما هو الأفضل بالقدر المتاح له وبحسب نوع التقنية التي يتميز بها.
وفي جميع الحالات، فإن إتقان اللغتين ليس بالأساس، والمعرفة اللغوية لا تكفي وحدها فلابد من التقنية، ولكن سواء كان المترجم محترفاً أو مهندساً سبق له أن قام بالعديد من الأعمال لابد للمتلقي من أن يحصل على عطاء فكري مثمر، وعند انعدام تلك الفائدة المرجوة فليس أمامه سوى الاستئناس بعطاء الترجمة الشامل الموجه للجميع، بغض النظر عن فحوى التضاد الذي قد يحصل بين المترجم والمهندس الذي قد يلمسه القارئ بعد التمحيص.
والذي لابد من ملاحظته، هو أن المقدار القليل المتواضع من المعارف المكتسبة في الحقل التقني لا تمكن المترجم-الهاوي- أو المحترف من اقتحام جميع النصوص حتى لو كانت خاضعة لمعارفه. غير أن بعض النصوص الأدنى قيمة يمكنها بعد التقصي أن تكون حاملة لنوع من الابتكار كان سبباً لاستمرارها، وذلك على قاعدة الحكمة القائلة: إذا أبقينا معارفنا المكتسبة مغلقة ضمن المحفظة الجلدية أثناء السفر، لن نصل بالتأكيد إلى الاستفادة من ومضة الحياة الراقية الحاملة لكل مفيد، والمفروض اكتشافها خلال هذا الترحال.(1)
__________
(1) راجع: أدمون كاري، كيف يجب أن تترجم. ص: 60- 61- 62 المصدر نفسه(1/249)
لذلك فإن شرط النجاح، يستند قبل كل شيء، أن تتوفر لدى المترجم التقني قابلية الاعتماد على المراجع والوثائق بالإضافة إلى معارفه المكتسبة التي تمكنه من السيطرة والقبض عليها برؤية ثابتة على كل تجدد- أو غموض- أو فوارق مستحدثة بالنسبة للماضي، وفي هذه الحالة ينتظر من المترجم أن يكون متفهماً لكامل موضوع النص ومتمتعاً بالثقافة المؤهلة للترجمة.
ولا بد من ذكر مغامرة هذا المترجم الذي باهتمامه بخواص معادن الفحم قد أفسد التعبير بخلطه جهاز مستعمل في الآبار يعمل بعمق وبشكل عامودي مع جهاز آخر تحمل ألمانيا مماثلاً ولكنه يستخدم في الإنفاق بتنقل أفقي وليس بعامودي، وقد نتج عن ذلك تحول من(90) درجة تناولت جميع الوقائع الواردة في النص، ولكونه انطلق بمقدمة خاطئة استعان من جهة أخرى بمعارفه المكتسبة لإصلاح ما بدا له مخالفاً، غير أن النتيجة كانت فاشلة ولكن هل تعزى إلى نقص المعلومات أو إلى رداءة تفهم واستيعاب المعلومات التقنية أو ما هو أعمّ من ذلك.
يطلق الإفرنسي كلمة(الحديد) بجميع أنواعه حتى لو كان من الفولاذ، بينما في الإنكليزية يطلق عليه اسم(Steel ستيل) ولا غيره، وعندما يتبادر إلى الذهن بعدم ضرورة ترجمة هذه الكلمة بغض النظر عن الكفاءة العالية في علم اللغة وعن استيعاب كامل الموضوع بشكل جيد فلابد من الشعور بالحساسية تجاه كل ما يتعلق بصوابية النص.
لذلك علينا أن نتفحص كل ما يقودنا إلى كنه الفن الذي سبق أن اعتقدنا أننا اجتزناه باستيعاب مقوماته، غير أنه بلا شك، في موضوع الترجمات التقنية فإن ماهية الفن تأخذ صورة مغايرة، لأنها تصادف نقاط اجتهادية ارتكازية تختلف في بعض مناحيها عن ترجمة الأشعار. كونها دقيقة جداً ومدركة الحواس. وعلى سبيل المثال يمكن الرجوع إلى مثل هذه النبذة الشعرية.
(ما نضمره ونتفحصه جيداً ... يمكن عرض فكرته بسهولة)(1/250)
Et les motes pour le dire arrive aisement ... Ce que lon concoit bien s'enonce clairement
إن مثل هذا الفن الشعري يُروج بدون أدنى تهذيب في مساطر بيع الماكينات والأدوات وشهادات الاختراع وفي دعايات الحفر والتنقيب. وبلا شك فإن الكلمات التي يتوجب على المترجم التقني أن يستخدمها لا تخترع ولا ترتجل ولكن بفضل الاستزادة بالثقافة المكتسبة، يظهر حينئذ أهلاً لوصايا(بوالو Boileau) ضمن الحدود والتفسيرات في مهنته التقنية. كما سيجد بكل سهولة كل ما هو طبيعي في عمله وكل رفعة ورقة في الأسلوب يحسد عليها من قبل عدد وافر من الزملاء المكرسين لترجمة النصوص الأدبية.(1)
أما الإلمام باللغات وخاصة منها إتقان اللغتين وإدراك فوارقها ودقائقها، يبقى شرطاً أساسياً وواجباً في كل ترجمة سواء كانت تقنية أو أدبية فلا يجب التفكير إلا في المظهر اللغوي الذي لا يدعنا نخطو خطوة واحدة حذقة وماهرة في عملية الترجمة حتى ولا في اللمسات القانونية المستحقة خلال كافة الحالات النوعية، وفي حال النقد الدقيق للمسات الخاصة لكل من هذه الأنواع التى يتعذر الحد منها، ومن جهة أخرى فإن الاعتبارات اللغوية توجب التمسك بعض الشيء بوحدة الترجمة بصورة عامة.
وضمن هذا الاحتمال تم فحص الترجمة الأدبية، والترجمة الشعرية، وترجمة أعمال المسرح وكتب الأطفال، وفي أيامنا هذه الترجمة التقنية. ومستقبلاً سنخاطر بأنفسنا بعيداً وعبر الأراضي لاستقبال ترجمة المؤتمرات والدوبلاج السينمائي للوصول من خلال المفارقات والتنوعات إلى نتائج تخدم النظام العام.
عاشراً - كيف تترجم (حسب ادمون كاري-(2))
__________
(1) راجع: أدمون كاري، كيف يجب أن تترجم. ص: 62- 63-0 المصدر نفسه.
(2) راجع: أدمون كاري، كيف يجب أن تترجم. ص: 81-82- 83 المصدر نفسه.(1/251)
بعد الإطلاع على ما جاء في المقالات التي أبرزت أنواع الترجمة، نجد أنفسنا قد احتزنا بعض القطاعات المكونة لمملكة الترجمة الواسعة، وفي الوقت نفسه قد استنتجنا بنتيجة ذلك الاختلافات والتنوعات والأصالة المعقدة. أما في حقل الترجمة التقنية الجاف فقد اتبعت التعرجات الجذابة لترجمة الشعر وشرح وتفسير المؤتمرات بخصائصها الأخاذة ودوبلاج السينما والمسرح والتلفاز وكل ما يتعلق بالترجمة.
هل اكتسبنا الحق بجمع شمل هذه التنوعات الكبيرة لتسمية واصطلاح موّحد، وهل مملكة الترجمة هذه موجودة فعلاً، وهل يمكن تلمس الحدود التي تؤمن وحدتها بقوة وفي كل مرة؟ لا سيما والجميع يعلم أن كل نوع كائن هو بحكم الطبيعة مختلف عما يجاوره.
ولأجل إعطاء هذا الموضوع حق قدره، يجب علينا قبل كل شيء أن نتذكر مقدار شمول ماهية الترجمة، ليس لأنها في زمننا هذا اكتسبت تلك التنوعية المذهلة، بل لأنها باستمرار تتبدل وتتطور مع طول الزمن. وقد يكون ذلك هو الذي عتم على تفكير العديد من المؤلفين الذي جادلوا وناقشوا أفكار سلفائهم لم يلحظوا أنهم كانوا يسبحون في دائرة مفرغة يتكلمون ويناقشون عن بعد مع بعضهم البعض حول وضمن إطار واحد من موضوع واحد لم يستطيعوا حينذاك إلى تحديد أهميته ومداه، وأننا نشير بذلك إلى الترجمة الشفهية التي شغلت هذا المكان منذ مئات السنين.
بالواقع فقد سيطرة الترجمة الشفهية بمفهومها الغريزي والواقعي حتى عصر النهضة حيث منذ(400 سنة) فقط بدأ يظهر الهوس والميل المتنامي للكتابة فتركز في أفكارنا وأعمالنا حتى أوصلنا إلى قناعة شبه تامة بأن كلمة(المترجم) هي خلق جديد استنبطت خلال القرن السادس عشر من قبل(أتيين دوليه Etienne dolet) الذي أراد بها تثبيت واقع جديد.(1/252)
ومن جهة أخرى، وخلال قرون عديدة، كانت(الترجمة- الاستيعاب والتبني- التشبيه- شرح النصوص- الإبداع الشخصي) مستجرة، دون بروز أية جهة أو جماعة أو شخص أمكنها وضع الخطوط الفاصلة بين مفاهمها المتنوعة. وحتى في أيامنا هذه، في بعض بلاد الشرق، ليس بالسهل إقناع أي مترجم بالتقصي الدقيق في معنى ودقة الكلام المترجم حتى لو كان بمنزلة أرسطو، وأن يتوخى إصلاحه عندما يجد ذلك ضرورياً وملاءماً.
بلا شك، أليست العادة لدينا احترام فحوى كل الأمور المحررة المكتوبة وبالمقابل أليست هي التي قادتنا أيضاً إلى المزيد من الحيوية وإلى الدافع لإعادة دراسة النصوص وتقييم الترجمة.
إن انتشار معارف اللغات يوجب علينا أن نكون أكثر تشدداً من الماضي تجاه المترجمين. وفي العصور التي اتسمت خلالها ندرة الرجال الذين كانوا يملكون المعرفة التامة باللغتين، أما اللذين كانوا لا يتقنون سوى لغة واحدة، وأيضاً الرجال القابلين للرطين بلسان قوم آخر، لا يمكن اعتبارهم من عداد المترجمين أو المفسرين، وفي أيامنا هذه، يحدث وجود من هم بلسان قوم لدى الآخرين على ندرتهم، فقد لوحظ بوضوح وجود معتنقي(دين التناسخ المتتابعين الواردة أسمائهم في روايات ألف ليلة وليلة منذ قرن مضى، كما شوهد بأم العين، كيف تشكلت ترجمة حية من الصينيين لم تكن موجودة قبلاً، فإن انتشار الخط والطباعة وتعميم الثقافة وتطور تعليم اللغات، والآداب يجعل من الممكن تكوين وتأسيس الدروس الأدبية واللغوية يمكن أن يذكر منها الآداب المقارنة، وفي بعض البلاد انتظام الدراسة العلمية للترجمة في أيامنا هذه.(1/253)
يمكن أن يضاف إلى ذلك، ذكر ما ظهر في العالم مؤخراً من تضاعف في شؤون الترجمة فعلاً وفي-فرنسا- وخلال عشرين عاماً تضاعفت إعداد الترجمات المنشورة في المؤسسات المكتبية، كما تضاعفت إلى أربع مرات في تشيكوسلوفاكيا أو ألمانيا، أما الفهرس الذي نظم من قبل اليونسكو والذي يحصي أكثر من(27000) في خسمين دولة، أتاح خلق اتحاد فيدرالياً للمترجمين الذي تجمع عشرين رابطة وطنية دولية تتأهب لمؤتمرها الثالث.
إذاً لابد من تشجيع الدراسة العلمية وبذل الجهود الثابتة لإحياء وعصرنة جميع المؤسسات العلمية والأدبية لتصبح ركيزة لكل انطلاقة صالحة لكل تطور في المستقبل. أما الذي أنكره النظريون في الغالب، هو أن اللسانيات والمواضيع اللغوية لا تمتزج أو تتوافق دائماً مع عطاء الترجمة لأنها تقف حائلاً ضد كل محاولة تجهد لأن تكون الحارس الأمين للوقوف بجانب الترجمة ومساندتها على تحقيق الفعالية في نتاج الأسس الإيجابية المكونة لعمل الترجمة.
ولندعها تفرض نفسها في كل مكان، كما أنها بالمقابل تلتزم بكل شيء، تنقسم وتتجزأ على العديد من الأمثلة كما مرّ سابقاً. وقد توضح مفهوم الترجمة في أفكار البشر بالتدريج خلال القرون السابقة حيث امتزجت وانصهرت ضمن معارف قيمة وواضحة ومبسطة. أما الأضرار التي حصلت كانت سبب ترافق الكثير من الأفكار الواضحة التي كانت مدعاة للاختلاف والتعارض بين بعض الفئات من الرجال وبين تلك المفاهيم.
بعد مناقشة مختلف أحوال الترجمة، اتجه المؤلفون والمفكرون باهتمام نحو كل نوع خاص منها للتعمق في دراسته بعد أن جهزوه بجملة من المبادئ آمنوا بإخلاص بقيمتها المطلقة.(1/254)
ففي عهد النهضة كانت الترجمة غير شاملة، بل تنحصر على التوالي بوضع مؤلفات عالم قديم(لاتيني أو يوناني مثلاً) تحت المجهر وبلسان محكي،- وفي الأزمنة الحديثة حول بعض المترجمين اهتمامهم نحو الترجمة الأدبية، والبعض الآخر حصر اهتمامه بالترجمة العلمية والتقنية باعتبارهم هي الأجدى. أما المحاولات لدى البعض التي كانت تجهد الوصول إلى وحدة هادفة بالمفهوم، قد سقطت وخيبت الآمال، لأن المفكرين لم يعقدوا العزم على احتواء كل خلاف ووجهة نظر بين جماعات الترجمة، بل بالعكس كانوا يحصرون جهودهم على تسجيل مقرراتهم الخاصة نتيجة وضمن حقل أبحاثهم. مع أن بداهاتهم في مضمار بحوثهم كانت تخطئ أحياناً بشكل أو بآخر.
غير أن الترجمة لم تصل إلى فرض وجودها على الأفكار، إلا في القرن العشرين، حيث تمكنت من إثبات وجودها بشكل قانوني وبأنها ليست مستبعدة عن كل ما يمارس فعلاً، فتابعت البحث عن كل تنوع مبتكر يتعلق بكل دراسة مفيدة لتطوير الأسس العامة للنهضة العلمية.
فالعالم اليوم هو عالم متحرك، والترجمة التي بحد ذاتها هي واقع مروري من وإلى، فإنها بالحقيقة إحدى المكونات المهمة والأساسية في مدنيتنا، فنحن نعيش عصر الترجمة، وقد أصبحنا بوضع لا غنى عنها لاستكمال جميع الفعاليات الإنسانية. وخلال بعض العصور التي كانت أكثر قوة وتوازناً تمكن العالم تسمير أو تجميد حركة الترجمة وإنقاصها، ساعياً بالمقابل إلى إتقان أدواتها بشكل أفضل، وإلى تحديدها وحصرها ضمن إطار معين، أما اليوم فإن الدراسة فيما يتعلق بالترجمة أصبحت هادفة، يجب أن تشمل العالم أجمع وممارستها دون أي استثناء أو حصر.(1/255)
كما تمتلك الترجمة أيضاً منظراً آخر أساسياً، علينا أن لا نهمله لأنه موجود في كافة الأنواع التي تفحصناها، فإذا ما اعتبرنا أن الترجمة فناً، زادت لدينا الفكرة الناضجة والواعية جداً عن رسالتها وعن المتطلبات التي يجب مواجهتها والأخذ بها، يتطلب الإثبات بأن الترجمة لم تكن أبداً-مخلوق معدوم- لا يتوفر فيه القيم الأخلاقية، كما أنها لا تستطيع أن تكون تمرينات مجانية، فهي لا تستنبط أية ماهية من ذاتها، كما أنها لا تشكل نهاية لنفسها.
في عام(1370) سبق أن كتب"نقولا أورسيم Nicolas oresmes" الذي كان أحد آباء الترجمة في فرنسا، عن أعمال ومؤلفات"أرسطو"، مشيراً إلى أن الملك في ذلك الزمن أراد في سبيل الصالح المشترك، تحويل وجعل مركز الترجمة في فرنسا، غير أن الترجمة بالعكس كانت ولا تزال في خدمة الإنسان ككل، لأن مهمتها تنحصر أبداً في خدمة المجتمع، وهذه الخدمة قد تكون بكل دقة نفعية، كما هو الحال في الترجمة التقنية، أما الدبلجة فتستخدم على مدى ألوف المرات في السينما، وأيضاً على مدى خطوط النص الأصلي. والترجمة المسرحية بدورها مرتبطة دوماً بالمردود العكسي لجمهورين مختلفين. ومهما كانت الصيغة المنتقاة فإن الاستقلال هو احد الخواص لطبيعتها البليغة؛(1)
لنجرب أن نعطي لأنفسنا دور التعريف بالترجمة، كونها مشروع خطير إذا تمعنا في اختلاف الناس الذين نحن مضطرون لتلمسه واحتضانه بقوة، فعندما يمكن القول بأن الترجمة هي عملية تجهد إلى تركيز التوازن المطلق بين نصين واضحين مصوغان بلغتين مختلفتين شريطة أن يكون هذا التكافؤ حصيلة طبيعية للنصين، وحصيلة المصائر والعلاقات الموجودة بين كل من ثقافة الشعبين المعنيين، ومناخهما الأدبي- والثقافي- العاطفي المؤثر. كما هي عرضة لجميع الاحتمالات الحقيقية في العصر من ترحال وقدوم.
__________
(1) راجع المرجع السابق نفسه، ص84- 85 .(1/256)
يجب أن لا نحتفظ من سلسلة هذه المعادلات إلا بالعلاقة المناسبة بين اللغتين وهذا يعني تحديد الموضوع بشكل ملزم مع علاقة جازمة، ومع الامتناع عن إدخال أية عمليات ذات حساسية، لأن الترجمة ستظهر في خضم الحقيقة.
يمكن لنفس النص أن يترجم بالضرورة إلى نهايات مختلفة، ومثال على ذلك، علينا أن نتصور ترجمة شعر ما، وأن يقوم إنسان بإطلاق جملة محشوة بنصوص وجمل تقنية، فعلينا ترجمة هذه الخطوط بشكل مخالف، إذا كان الأمر يتعلق بكتابة موثوقة من مؤلف مخصص للمهندسين، بالاضافة إلى ذلك، إذا كانت هذه المناهج متوجبة الاندماج في شعر، أو مناقشة في فيلم، وفيما إذا تحقق بأن هناك مؤلفاً كلاسيكياً كان قد ألف هذا النص. وبأن المنشور الناقد لأعماله عولج بشكل مخالف.
إن الصفحة الفرنسية نفسها، لا تترجم في كل الأحوال إلى الإنكليزية وإلى البانتوية والمسافة الموجودة بين ثقافتين تترك طابعاً يتعذر تجنبه وذلك حول طريقة الترجمة، وخاصة بالنسبة للتقارير اللغوية الخالصة.
إن النص نفسه المترجم في نفس اللغة منذ مرور قرنين أو ثلاثة، يُغيّر المظهر كلياً، حتى لو كانت اللغة نفسها لم تتغير، وكمثال على ذلك، لننظر الشعر: فلا نتمكن من ترجمته كما هو الحال على أيام(السيدة داسييه) حتى لو كانت نفس اللغة المترجمة قد تطورت. وبمقدار ما تتطور وتتعمق معارفنا اللغوية التي قادتنا إلى العمل بضمير ووجدان وفق تلك الحقائق، وإلى إعطاء الأهمية المتزائدة إلى ما سيظهر مستقبلاً كسلسلة من الاحتمالات المفاجئة، بمقدار ما تترسخ مفاهيم حركة الترجمة. ففي الأيام التي كان خلالها يتحدث الرجل بلغة أجنبية، كان يعتبر لدى من حوله، كنصف إله وكان يمكن الزعم إمكانية القيام بشروحات وتفسيرات لمفاهيم وأفكار لغوية، ولكن ما يلاحظ اليوم هو أن تلك العوامل لا يمكن أن توصل إلى ما هو مهم.(1/257)
إن الترجمة الأدبية تنبثق من الأدب، والترجمة الشعرية من الشعر، والدبلجة من السينما وهكذا...... دون أن يستطيع المترجم اللغوي إهمال أي نوع من هذه الأنواع لذلك تبقى الدراسة اللغوية الشاملة هي المفضلة، ولا يمكن لأي شرح سطحي ومستنفد أن يتغلغل في أعماق أية عملية. لذلك:
- هل الوحدة هي قابلة الإدراك؟ نعم باتباع قاعدة دراسة التنوع، الشيء ونقيضه.
- هل الدراسة العلمية ممكنة؟ نعم في المجال الذي فيه تبقى أصالة كل نوع معروفة لديك تماماً.
وهكذا فإن العالم المتمدن يستند على تنسيق كل تضاد. كما أن وحدته واستمراره يستندان على التبذل والتنوع.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــ
(الفصل السادس)
- أثر الترجمة:
كان أثر الترجمة في تراث عصر النهضة كبيراً، بلا شك، وهو مازال فاعلاً ومتزايداً لاستمرار الأدب ابتغاء الإفادة منه في ضمان تجدده. ولم يقتصر أثر الترجمة على فنون الأدب بل هو ظاهر في كل إنتاج فكري سواء كان أدبياً أو فلسفياً أو علمياً أو اجتماعياً.
ومن يقابل كتاباً صدر في منتصف القرن الماضي بآخر صدر في منتصف هذا القرن يلمس الفرق الكبير في الأسلوب والموضوع والمعالج والشكل.
لقد انقضت حركة الترجمة العرب وحركتهم نحو إحياء وإغناء ثقافتهم بالاطلاع على ما عند الشعوب الأخرى من مقيد، وعلى إحياء التراث العربي القديم بجميع مقوماته، كما أنها أسهمت في إحياء الثقافة العربية وترقيتها فقد أسهمت أيضاً في إغناء اللغة العربية بالمصطلحات الحديثة وتحديد أساليبها وتطويع مفرداتها.
- أثر الترجمة في إحياء اللغة العربية.
__________
(1) راجع: أدمون كاري، كيف يجب أن تترجم. ص: 86- 87 المصدر نفسه.(1/258)
لقد ضعفت اللغة العربية، في زمن محدد، نتيجة ضعف حركة التأليف التي كادت تقتصر على بعض الشروح والتعليق على المتون القديمة. وتوالت على اللغة المحن من حملات التتريك، إلى غياب التعليم وتفشي الجهل. ثم بدأت حركة الترجمة، فكانت التوجهات تدعو إلى مراجعة معجمات اللغة كالقاموس المحيط للفيروز بادي، ولسان العرب لابن منظور، وأيضاً العودة إلى الكتب القديمة كمفردات ابن البيطار، وشمسية ابن الهيثم، وزيج البتاني وبنتيجة هذه المراجعة وجد المترجمون أنهم بأمس الحاجة إلى توليد الكثير من المفردات لتضمينها المعاني الجديدة نتيجة التطور التقني في الدول المتقدمة صناعياً والتي لم تألفها اللغة العربية بعده مما دفعت الحاجة إلى زيادة اهتمام الكتاب باللغة، كما استقطب ذلك أنظار الجمهور(1) ولضمان الوصول إلى النتيجة المرجوة، توجه معظم علماء اللغة إلى الترجمة نذكر منهم أحمد فارس شدياق، وإبراهيم اليازجي، فالتزم الشدياق بسوق الكثير من المفردات والترافدات في كتاباته(2)، أما اليازجي فضلاً عن اهتمامه بالأوضاع اللغوية الجيدة، جهد إلى إحياء اللغة عن طريق نقد الأخطاء الشائعة في عصره(3)، والعودة بالكتابة إلى الأساليب الفصحى.
__________
(1) انظر الشدياق، أحمد الفارس: الساق على الساق فيما هو الفارق وخصوصاً الفصل ذا العنوان"في سلام وكلام".
(2) راجع أيضاً"الساق على الساق" لكثرة ما فيه من الألفاظ.
(3) انظر اليازجي، إبراهيم: لغة الجرائد، الضياء، 1، ص257- و7 2193.
... أصدر الشيخ إبراهيم اليازجي كتاباً سماه: نجمة الرائد وشرعة الوارد في الترادف والمتوارد"جمع فيه نماذج في الأسلوب فصيحة اختارها من أمهات الكتب القديمة، ورتبها على أساس المعاني التي تجمع لتسديد أٌلام المنشئين والطلاب وتمكينها من الجري على طريقة أساليب العرب.
... - راجع جمال الدين شبال/ تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسية ص213- 214.(1/259)
هذه العناية باللغة ومفرداتها ساعدت على تخطي المباحث القصيرة المتناثرة في المجلات والجرائد إلى المعاجم والمؤلفات القيمة، فأصدر المعلم بطرس البستاني معجم"محيط المحيط" في جزئين ثم اختصره إلى"قطر المحيط" في جزئين أيضاً. وقد اعتمد في تأليفه على قاموس"الفيروز بادي، ولكنه جدد فيه من ناحيتين: الأولى: استخدام المألوف من الألفاظ في شرح مفرداته، الثانية: تصنيفه على الحرف الأول من الثلاثي المجرد بدلاً من الحرف الأخير. ثم تبع ذلك إصدارات أخرى من المعاجم: فأصدر"سعيد الشرتوني معجم"أقرب الموارد إلى فصح العرب والشوارد" في جزئين، الحق بهما ذيلا استدرك فيه ما فاته فيهما وقد نسق معجمه على طريقة"محيط المحيط" أما"جرجس همّام" أصدر(معجم الطالب). كما أخرج الأب لويس المعلوف(المنجد) وكلا المعجمين هما مدرسيان مختصران.
أما من ناحية تعليم العربية في المدارس، فقد اهتم الكتاب في تسهيل وتبسيط قواعد اللغة في الكتب المدرسية وجعلها سهلة المراجعة والحفظ، كما عمل آخرون على نشوء المخطوطات اللغوية والتعليق عليها وتصحيح ما هو محرف.
فقد تفتحت أعين كتاب العرب وشعوبه على الحضارة الجديدة فكانت الترجمة إلى العربية جسراً عبرت فوقه حضارة أوروبا إلى دنيا العرب.
- أثر الترجمة في اللغة العربية وعودة النشاط اللغوي
... ... من وجهة نظر جمال الدين الشيال.(1/260)
يقول اضمحل شأن اللغة العربية في العصر العثماني المملوكي، ولم يعد يهتم بها إلا نفر قليل من علماء الأزهر، وحتى هؤلاء العلماء اعتنوا بالقشور دون الألباب. فغدت الكتب التي يقرأونها شروحاً أو هوامش أو تعليقات، أما المتون والأصول فقد أهملوها، وحتى انحطت أساليب الشروح في الكتب والرسائل لما دخل فيها من ألفاظ عامية وما أصابها من ركاكة في التعبير لأن انتشار اللغة التركية بين العرب، والناس وفي دواوين الحكومة أضعف استخدام اللغة العربية. وبالمقابل انتشرت اللغة التركية في مصر وسائر البلاد العربية أصبحت اللغة الأولى يتقنها ويكتب بها رجال الحكومة التركية والجيش والصفوة من سكان البلاد العربية. وإلى جانب اللغتين العربية والتركية كانت اللغة الفارسية، غير أنه لم يكن هناك ما يبرر توسع انتشارها، فبقيت لغة إضافية خاصة بالمثقفين، خصوصاً في مصر، يتعلمونها لإشباع شغفهم الأدبي فحسب.
أما اللغة التركية رغم فرضها بقي تأثيرها ضئيلاً لأن اللغة العربية لم تتأثر بالمفردات والقاعدة اللغوية التركية تأثيراً يمكن الاعتداد به، إلا في باب الرسائل، لأن المثقفين العرب وأيضاً الكتاب استمروا على نهجهم القديم متمسكين بالنماذج العربية الأصيلة، وعند امتداد وتوسع الثقافة الأوروبية باتجاه الشرق لم يتطلع العرب إلا إلى الفرنسية والإنكليزية في ذلك العهد، وخاصة اللغة الفرنسية التي وجهه إليها وباندفاع"محمد علي" الذي استطاع النهوض بحركة الترجمة بمصر وجعلها محور اهتمامه في برنامجه الإصلاحي.(1/261)
وبفضل جهود محمد علي زودت المكتبة العربية عن طريق الترجمة بعشرات الكتب الجديدة، ونقلت إليها ألوف المصطلحات والألفاظ التي لم تكن تعرفها سابقاً، خاصة وقد تبع حركة الترجمة العناية الكبيرة بالقواميس في مختلف اللغات الشرقية والغربية، حيث ترجم إلى اللغة العربية قواميس فرنسية وإيطالية وفارسية وتركية، وكانت محاولة قيمة جداً ظهرت أهميتها في تعريب العلوم الأوروبية الحديثة، وتسهيل الصعاب أمام القائمين في الترجمة، وتزويد اللغة العربية بثروة عظيمة من المصطلحات والألفاظ، ومن حركة ترجمة القواميس الأجنبية انتقلت العناية بالقواميس العربية القديمة، فقد بدء بالتفكير في طبع قاموس المحيط، ولأجل استكمال طبعه بشكل دقيق روجعت عدة مرات نسخ مخطوطاته الكثيرة، سواء النسخ المطبوعة في كلكوتا أو في القاهرة، فقد ترجم السيد(لين) هذا القاموس إلى اللغة الإنكليزية بعد أن اضطر إلى مراجعة الكثير من القواميس والمعاجم العربية القديمة مثل(الجمهرة لابن دريد والتهذيب للأزهري والصحاح للجوهري- والمحكم لابن سيده- والأساس للزمخشري- ولسان العرب لابن منظور- وتهذيب التهذيب للتنوخي- والمصباح للفيومي- وتاج العروس للزبيدي. الخ.........(1).
- أثر الترجمة في الشعر:
لقد ظل الشعر مقتصراً في أسلوبه عن أشعار المتقدمين من أعلام العصر العباسي، وكان تضلع بعض شعرائنا من اللغة، دافعاً إلى إحياء بعض وأنواع من النظم تقوم على التنسيب بالألفاظ والإتيان بالغريب والنادر منها حيث نجد هذا في"مجمع البحرين"أباصيف اليازجي" في التواريخ الشعرية التي كانت درجة في القرن الماضي.
__________
(1) تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسية، جمال الدين شيال ص215- 224.(1/262)
ثم ترقى النتاج الشعري وزاد انتشاره مع ظهور المطابع ونشوء المدارس والصحف ومع الرجوع إلى التراث الشعري الأصيل بقواعده وصوره، والاطلاع على الآداب الأجنبية، وبنتيجة ذلك ظهرت بعض ملامح التجديد التي لم تكن عامة، بل استمر معظم الشعر يجري وفق الأساليب القديمة.
ولكن ما عتم أن تأثر الشعر بالترجمة وميراثها بعدما أخذ الكتاب والشعراء يترجمون الشعر الغربي أو يتذوقونه، وكان معظم هذه الترجمات منصباً على أشعار المدرسة الرومنسية الفرنسية وأعلامها البارزين أمثال: لإمارتين- هيغو- موسيّه- الفرد دو فينيي- ومن لم يتأثر بالشعر الرومنسي تأثر بالشعر الكلاسيكي مترجماً من خلال المسرحيات الشعرية الكثيرة المنقولة مثل: مسرحيات كورناي- راسين- وغيرها، أو تأثر بالقصائد العربية المتأثرة بالشعر العربي.
فقد أدى هذا التأثر المباشر إلى تطور ظاهر في الموصوفات والأساليب والأوزان لتغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية، وقلت عناية الشعراء بالرثاء إلا ما كان في صديق أو قريب، واحتلَّ الوصف مكاناً بارزاً مع الابتعاد عن الأغراض التقليدية. والتفت الشعراء إلى واقعهم وإلى زمنهم فأفادوا من الثقافة الجديدة ومن نسيم الحضارة الآتية من الغرب، فأكثروا من النظم في الشؤون الوطنية والاجتماعية وأولوا الموضوعات المجردة بعض اهتمامهم. كما ابتعد الشعراء في قصائدهم عن طريقة الأقدمين في تضمين القصيدة الواحدة أغراضاً عدة، بل جعلوا القصيدة مقصورة على موضوع واحد، والأبيات متتابعة وفق تتابع المعنى وتسلسله(1).
__________
(1) راجع قصيدته"الجنين الشهيد" في الهلال، م13، ص468- 481- وديوانه م1 ص82/ وم2 ص61-(خليل مطران)
- راجع قصيدته"الجمال والتواضع" في مجالي الغرر، ليوسف صغير م1، ص219- (أمين تقي الدين)
- راجع قصيدته"الجمال والكبرياء" في ديوانه ص259، راجع الديوان ص283- 329- (شبلي ملاط)
- انظر قصيدته الفواء في الديوان ص66- 69(الياس فياض)/ راجع بشارة الخوري وقصيدته"عروة وعفراء" في شعر الأخطل الصغير، ص287 وراجع قصيدة ضاهر خير الله"حريق سان فرنسيسكو" التي نظمها على أسلوب النشيد السادس من ترجمة"الياذة هوميروس" (انظر كراتشقوفسكي، اغناطيوس: دراسات في الأدب العربي، نتخبات ص30-(1/263)
كما أدت الترجمة إلى دخول أنواع جديدة من النظم تندرج كلها في باب القصة الشعرية مثل: الشعر القصصي- المسرحية- الملحمة- فقد ظهر الشعر القصصي في الكثير من نتاج وتناول فيه مريديه المسائل السياسية والاجتماعية كما استغله بعضهم لوصف المخترعات الحديثة.
وممن اشتهر في هذا الباب، خليل مطران- شبلي ملاط- أمين تقي الدين- الياس فياض- بشارة الخوري- أمين ظاهر خير الله وغيرهم. أما أسبقهم فهو بدون شك، خليل الخوري أما المسرحية الشعرية فأول من نظمها في العربية خليل اليازجي، وسبق لمارون النقاش أن وضع مسرحيات زاوج فيها بين الشعر والنثر، ثم ظهرت مسرحيات شعرية عديدة استمدت موضوعها من التاريخ والأساطير أو من الشؤون العصرية.
وما ظهر من محاولات لوضع ملحمة عربية ظل قاصراً عن استيعاب مقومات هذا الفن الوافد، إلى أن جاء"بولس سلامه بملحمته"عيد الغدير" فكانت أول محاولة ناجحة في فن الشعر العربي. وبعد أن ابتعد شعراؤنا عن التكلف اللفظي، فقد دفعتهم اهتماماتهم إلى استخدام المألوف من الألفاظ السلسة الواضحة وإلى الدقة في أساليب التعبير وخاصة ما يتعلق بالمعنى، كما تميز بدقة الوصف والتبسط في شرح العواطف، بحيث يلجأ الشاعر إلى التحليل النفسي خلافاً للشعر القديم الذي كان يتناول وصف الجوانب المادية والخارجية في الموصوف دون الولوج إلى الداخل، وإلى الجوانب الروحية والوجدانية.(1/264)
أما بالنسبة للأوزان الشعرية: فقد تصرف بعض الشعراء بأوزان الشعر وأحيوا أوزاناً أخرى لكنهم واجهوا صعوبات جدية أجبرتهم على استخدام أوزان جديدة، وقدرت أوسع تعبيراً وأوفى دلالة عن معاني النص الأجنبي وروحه، ومن الذين لجأوا إلى هذا التصرف سليمان البستاني في ترجمة لإلياذة هوميروس(1)- وخليل مطران في قصيدة"الزهرات الثلاث" التي سار فيها على بحر جديد وزنه- فاعلاتن- أربع مرات في الشطر الأول- وفاعلاتن واحدة في الشطر الثاني وهذا مطلعها:
صبّح الأزهار طيف ملكي يبهر ... بالزهور
يا لها كحور الخلد هبت تخطر ... في البكور.
ونظم بشر فارس قصيدة سار فيها على بحر جديد سماه"بحر المنطق" وإلى جانب هذه البحور الجديدة جاء أكثر الشعراء بالعديد من النظم على أوزان الموشحات ومع بعض التعديل. ولكن هذا التجديد في الأسلوب والإخراج لم يقبل أن يأخذ به جميع الشعراء بل اختلفوا بحسب نظرتهم إلى التجديد أو حسب الثقافة، فقد وصف أحدهم بعض المخترعات الحديثة مستخدماً في شعره ألفاظاً أبقاها على عجميتها مثل:
أي المعوا ببساط ريح شاهدا ... وأتى بعفريت لهم تمثيل
وبمثل ذاك وذا وخاتم مارد ... منطادنا وشمن دفر والتيل.(2)
ووصف آخر الباخرة، فجاء بالألفاظ الغربية والتشابيه الصحراوية فكأنه بدوي يخرج من خيمته.
أبدا تنطح السحاب بخيشو ... م وتفري به عباب الماء.
ولها حافز يقوم جنبيـ ... ها وينزو في ضلعها العوجاء.
__________
(1) انظر الياذة هوميروس ص102- 106 استنبط سليمان البستاني ضروباً غير مطروقة في النظم دون أن يخرج بها كما قال عن أصول الشعر واللغة وهذه الضروب: هي المثني- المربع- المثمن أو المربع المسمّط- الموشح المسبع- الموشح المثمن- الموشح الرديف- المستطرد- مصرع المتقارب- مصرع الرحز ومقفاه....... المثمن. راجع أيضاً-حركة الترجمة- لطيف زيتونة ص148- 149 .
(2) حركة الترجمة- لطيف زيتونة ص 148- 149.(1/265)
هذا الالتصاق بالقديم كان سمة المحافظين من الشعراء الذين تشربوا مياه التقليد الراكده ولم يستعذبوا النقي منها. ولكن رياح التجديد كانت شديدة ومتواترة لم تقف عند حد. بل تواصلت الهبوب حتى اقتلعت الأوزان العروضية لتترك في مكانها شعراً لاتقيده الأوزان ولا القوافي، بل الموسيقى والفكر والخيال. وأول من فتح هذا الباب هو أمين الريحاني في الجزء الثاني من كتابه الريحانيات.(1). غير أن هذا الصراع حول الأسلوب لم يدم طويلا بعد أن أخذ القديم بروح العصر واحترم الواقع وانحصر الخلاف في قضية الشكل ومايتفرغ عنه .
- أثر الترجمة في النثر:
مرت على اللغة العربية، خلال عهد التتريك، محن وأحوال قضت بانحطاطها فضعضعت ملكة أصحابها لتغلب الأعاجم عليها. فشاع السجع البارد المتكلف وضروب الصنعة البديعية، ودخل في اللغة العربية الكثير من الألفاظ العامية والأجنبية وشاعت في كتابات الرسائل نعوت التفخيم والتبجيل، واستمر الوضع هكذا حتى أوائل القرن التاسع عشر حيث شهدت لبنان ومصر جملة من المتغيرات ساعدت على بدء نهضة علمية ولغوية دفعت الكتاب الموسوعيين والمثقفين الذين خزنوا في ذاكرتها الكثير من المعارف القديمة فحفظوا قواعد اللغة وكنزوا ألفاظها في صدورهم، فنقلوا لنا هذه الآثار المدهشة بغزارة مادتها "كمجمع البحرين- والساق على الساق وغيرها. كما توفر لبعضهم مجال الإطلاع على الأداب الأجنبية، فعكسوا هذا الإطلاع في شعرهم، ونخص منهم بالذكر "خليل الخوري- سليم بطرس البستاني- نجيب حداد وغيرهم الذين كانوا من اولى المجددين، ويمتاز نثر هذا الفريق اجمالا بقوة سبكه، وصحة عبارته ووفرة ألفاظه، كما يمتاز ببعده عن الخيال والتلوين.(2)
__________
(1) راجع هذه المقطوعة وهي للكاظمي في مجلة سركيس، م2،(1906) ص334- راجع القدسي، أنيس، الإتجاهات الأدبية، ص420
(2) قال الشيخ عبد الغني النابلسي في الرحلة الطرابلسية وهو يصف دعوة دعي اليها:
... (ثم إنه قد دعانا إلى منزله المعمور من أشرقت بطلعته البدور ذو الأجلاق السنية والكمالات البهية عبد اللطيف أفندي الشهير بابن سيرين فذهبنا إلى داره مابين الصلاتين فاجتمعنا عنده بجمع من الأعيان الكرام وأهل الفضل والاحتشام وكان هناك أيضا حضرة فخر الموالي وصدر المعالي، القاضي يحيي الخ...وانظر جرجي زيدان "تاريخ النهضة العلمية الأخيرة في مصر والشام "الهلال، م9،- (1900-1901) ص434
(أ.س.5.)" الأدب العربي في سبعين عاماً "البرق ، السنة 22/9 أيار 1930ص3.
راجع حركة الترجمة في عصر النهضة -لطيف زيتوني- ص149-151.(1/266)
غير أن تطور المدارس وتكاثر الصحف أدت إلى خلق جيل جديد من الكتاب وفرت لهم المدارس وسائل الإطلاع على الآداب الأجنبية، ومكنتهم الصحف والمجلات من نشر كتاباتهم على صفحاتها. وكانت الجرائد والمجلات بشكل خاص، تعتمد اعتمادا يكاد يكون كليا، على الترجمة.
وكان المترجمون ينقلون النصوص الأجنبية نقلا حرفيا غالبا، فتأتي ترجماتهم مطابقة للأصل في أسلوبها وتراكيبها وصورها البيانية، وكذلك أيضا تأثر المترجمون بأسلوب منقولاتهم فاعتمدوه ولم يبخلوا في ما ألّفوه بالعربية، كما تأثر به القراء على اختلاف طبقاتهم.
كان فن المقالة في العربية يعاني من سيره وفقا لنظام مخصوص يعرض الكتاب للنقد والتجريح إذا حاول التبديل أو التعديل، وكانت المقالة تصدر بمقدمة طويلة يعتذر فيها الكاتب عن قلة مخزونة في الميدان الذي يخوضه، ثم يتصدى للموضوع فيتأنق في عبارته ويتأنى في اختيار ألفاظه حتى تأتي المقالة كالصورة الملونة. أما المقالات المترجمة فلا مقدمة ولاخاتمة بل تتصدى رأسا للموضوع، فتطول أو تقصر على قدر المعاني التي تتضمنها. وليس فيها تأنق في العبارة أو للألفاظ، بل بساطة في التعبير وسهولة في الألفاظ مع المحافظة على سلامة اللغة. وقد حملت المجلات الرصينة رسالة التثقيف الشعبي فنشرت المقالات العلمية والإجتماعية المترجمة أو الملخصة عن كتابات الغربيين. ولابد في تبسيط العلوم المعارف الحضارية من لغة مبسطة قريبة التناول واضحة المعنى مختزلة التركيب تؤثر المعنى على المبنى لأن المعنى هو الباعث الوحيد على ترجمتها ونشرها.(1/267)
انطلاقا من أهمية المعنى يمكن دراسة تطور النثر العربي في القرن الماضي وهذا القرن، ففي مطلع القرن الماضي كان الكتاب يكررون أساليب القدماء بتراكيبها وألفاظها لافتقادهم إلى الأفكار والمعاني الجديدة. فقد عاش هؤلاء كالسابقون فقلدوهم في موضوعاتهم وأساليبهم كما قلدوهم في أفكارهم وطرق معيشتهم، فلما بدأت نسائم عصر النهضة تطل على الشرق، باشر الكتاب يستنبطون أفكاراً جديدة فعكسوا ماعرفوه في نثرهم وكان لابد لهذه الأساليب من أن تتكيف مع هذه الأفكار لتستوعبها وتؤديها(1)
غير أن تأثير الترجمة في النثر لم يقتصر على الإنشاء وحده بل امتد إلى الأغراض النثرية. فقد عرف الأدب العربي فنونا لم يتطرق إليها العرب ولم يألفوها، كفنيي القصة والمسرحية. وبعد أن نضجت حركة الترجمة، ظهرت محاولات لخلق أدب قصصي في العربية، وكانت موضوعاتها تاريخية أو اجتماعية. وأول من حاول هذا الفن في أدبنا الحديث هو سليم بن بطرس البستاني الذي نشر طائفة من القصص في مجلة الجنان. وقد نشر سليم المذكور الذي احترف ترجمة القصة، قسما من ترجماته في مجلدي 1875و1876- من المجلة المذكورة، وكتب القصة بعد سليم البستاني عدد غير قليل من كتابنا، منهم نجيب الحداد الذي وضع قصة "صلاح الدين الأيوبي" سالكا فيها منحى "وولتر سكوت" في كتابه الطلسم. ثم جاء جرجي زيدان فنفح العربية بأثنتين وعشرين رواية معظمها يدور حول تاريخ الإسلام، وقد نحا فيها منحى وولتر سكوت والكسندر دوماس من كتاب القصة الغربيين.
- أما المحاولات المسرحية فقد مر ذكرها.
__________
(1) أول كتاب في نقد العربية العصرية هو لسان غصن لبنان في انتقاد العربية المصرية لشاكر شقير (1819) ثم "لغة الجرائد للشيخ إبراهيم اليازجي وهو مجموعة من مقالات نشرت متفرقة في الضياء، ثم جمعت في كتاب مستقل سنة 1901، ثم نشر سعيد الخوري الشرتوني "الفصاحة وكتاب العصر" في المقتطف، م36، (1910)و37 (1910) ، و38، (1911).(1/268)
- الإنشاء:
كان لنشؤ الصحف والمجلات وتكاثرها أثر كبير في الترجمة تحلّى في تضخم نتاجها وتنوع موضوعاتها- وقد تميزت ترجمة اللغويين بمحافظتها على التراكيب اللغوية العربية مع نزوعها إلى البساطة والسهولة. أما بالنسبة للمترجمين فقد اختلفت عباراتهم باختلاف المراحل التي ينتمون إليها من عمر النهضة. فمترجموا المرحلة الأولى (بطرس وليم صعب وغيرهما، تميزت ترجماتهم بالركاكة وكثرة الأخطاء اللغوية، ولم يكن ذلك مرده إلى تأثير الترجمة في انشائهم بل إلى ضعف اللغة عموما، ولكن مع نشاط حركة الترجمة التي رافقت عودة النشاط اللغوي ازداد عدد المتعلمين فبرز تأثير الترجمة في الإنشاء وصار يزداد عمقا ووضوحا لسببين:
الأول: إن المدارس الحديثة نشأت على يد الإرساليات الأجنبية، وكانت الدارس فيها باللغات الأجنبية أغنى وأفعل لقلة الكتب المدرسية العربية وقلة المعلمين أيضا.
الثاني: أن العدد الأكبر من المترجمين لجأ إلى الترجمة الحرفية فجاءت عبارتهم بعيدة عن مألوف العرب. وصادف هؤلاء المترجمون تعابير خاصة يجري بعضها مجرى المثل أو (1) ينحو منحى المجاز فلم ينقلوها إلى مايناسبها بل نقلوها نقلا حرفيا فجاءت عربية اللباس والألفاظ، أجنبية الروح والجو والمعنى.
__________
(1) راجع مثلا حفني ناصيف في المقتطف م33 (1908) ص408.- راجع لطيف زيتوني، نفس المرجع ص 152-153(1/269)
لقد نبه بعض الكتاب إلى ما في هذا الاتجاه الأسلوبي من الشطط ودعوا إلى التقيد بأساليب اللغة العربية (القواعد) وبتراكيبها، ولكن الغالبية كانت مع التجديد والتطعيم والحقيقة أن المد الجديد كان أقوى من كل معارضة، مستغنياً عن كل تأييد، لهذا سار لايلوي على شيء حتى بلغ اليوم أشده خاصة بعد توارد هذا الكم الضخم من المصطلحات العلمية والأدبية والتقنية والفنية وغيرها التي تنشط اليوم كافة المجامع اللغوية في البلاد العربية في ادخالها اطار اللغة العربية بتسميات اشتقاقية لغوية تتفق مع جوهر كنه وقواعد هذه اللغة.
لقد سارت العبارة العربية الحاصلة من الترجمة تترقى بترقي مفردات اللغة العربية التي تخلصت من ركاكتها التي منيت بها قسرا خلال حقبة من ا لزمن. لذلك فإن كثرة الاعتماد على الترجمة وممارسة كثير من كتابنا لهذا الفن، جعلا الإنشاء لموضوع أصبح قريبا كل القرب من الإنشاء المترجم، بل وجدا هذا الإنشاء لدى الكثير من الكتاب والمترجمين حيث يسهل توافق أو رد معظم الأساليب المعاصرة إلى أصولها الغربية. وبالمقابل هناك دراسات في اللغة الفرنسية قابلت أساليب المعاصرة في الصحافة والخطابة والفنون الأدبية المختلفة بالأساليب الشيقة في الغرب، وخرجت من هذه المقابلة بنتائج مذهلة(1). وإذا على سبيل المثال، حاولنا ترجمة مايسطره كتابنا ومترجمونا بحيث نضع أمام كل كلمة ما يقابلها في الفرنسية، وجدنا هذه الألفاظ مرتبة وفق التراكيب الفرنسية الصحيحة:
فمن الكتابة الأدبية، نستعرض هذا النموذج المختار من كتاب "أخلاق ومشاهد" ليوسف غصوب الصادر عام 1924 ص 104
السيد لبنان يلبس القبعة الافرنجية من آخر
__________
(1) رواية مدا موازيل مالا بمار، تأليف مدام كارولوس ريو، ترجمة سليم بسترس، ص2، راجع أيضا: مجلة الشرق م1، (1898) ص72 وأيضا مجلة لغة العرب، بغداد ، م2، (1913) ص495 راجع أيضاً monteil vincent l’arabe moderne(1/270)
Derriesr la ... à ... europeèn chapeau un porte ... liban monsieur
طرا ... آتية ... ... رأسا ... ... من ... ... باريز
paris ... de ... directtement ... venue ... mode
ومن الكتابة الصحفية هذا النموذج العائد إلى ماقبل عامن 1897.
لندن أرسلت انكلترا انذرا نهائيا إلى ملك كوماسي
Koumacsay de ... roi ou ultematum un ... a adressè L’Angleterre london
وهي ... تطلب فيه نشر الحمامة الإنكليزية
ètendu soit ... anglais ... protectorat le que cet dans èxige elle(1)
أن هذا الأسلوب، الذي نجده اليوم في الكتابات الصحفية وغير الصحفية، يتبع العبارة الأجنبية، ولايحيد عنها الا مضطرا، لتقديم الفعل على الفاعل والمضاف على المضاف اليه. أما الأساليب العربية القديمة، أساليب العصر العباسي في عصوره الأولى، فقد انحصرت في كتابات بعض المتحمسين، وقد بدت بنظر بعض المستجدين، وبالمقابل، متعارضة مع السرعة المطلوبة في التحرير والنثر. وكمثال على هذا الرأي نورد هذين النموذجين:
(( قال اسماعيل: وسمعته يقول: تساءل كيف يجد الناس الذين قل مالهم سبيلا الى النوم، ولكن ثمة فرقا بين الأرق الذي يسببه الفرح والأرق الناجم عن الهم.)
(( قال اسماعيل: وسمعت1ه يقول: عجبت من قلت دراهمه كيف ينام، ولكن لايستوي من لم ينم غما(2).
فاذا نقلنا هذه العبارة، إلى الفرنسية نعرف أن النموذج الأول يبتعد عن النموذج الثاني بمقدار مايقترب من الأسلوب الأجنبي.
__________
(1) ismail disait je l’entendis dire “je me demande commentt les gens qui ont peu d’argent peuvent dormir mais il y a une difflérnce entre l’insomnie de la joie et.
... celle que provoguent les soucis (130)
... Gahiz: le livre des avares traductian de charles pellat (130)
... serrus washington l arabe moderne etudie dans les journaux et les pieces officielles P - 3
(2) الجاحظ: النبلاء، دار المعارف، مصر، 1981 ص92 نفس المراجع لطيف زيتوني
ص154-155(1/271)
ولكن بعض الباحثين الغربيين بالغوا في تقدير التطور الذي طرأ على العربية بتأثير اللغات الأجنبية، فاعتبروا أن الترجمة جعلت اللغات العصرية مربوطة بصلات وثيقة بلغات الثقافة الغربية، حيث يمكن عدها، في المستقبل، فرعا من دوحة اللغات الأوروبية "حسب مفهوم تروبتزكوي troubetzkoy وربما استندوا في ذلك الإعتبار إلى ماأصاب أساليب الكتابة العربية من تغيير قربها من أساليب هذه اللغات. غير أن النظر الدقيق إلى اتجاهات التطور التي سلكتها اللغة العربية، والموازنة بين لغة هذا العصر ولغة العصر العباسي و يثبتان ضعف هذا الرأي، لأن ميزان اللغة العربية قواعدها، والعربية لم تفرط بأي خاصة منها، فهي اليوم كالأمس البعيد والقريب لاتزال محافظة على قواعدها كما استنبطها العلماء في القديم. أما الألفاظ فلا شك أنها ازدادت عددا وتبدل معنى الكثير منها، وهذا يوجد منه في سائر لغات العالم الحية، وكثير من المستعربين الذين يحسنون بسهولة قراءة جريدة أو مجلة من جرائدنا ومجلاتنا الحالية، يجدون صعوبة ومشقة في قراءة اللغة القديمة وحتى من تراث العصرين الأموي والعباسي. وهذا يثبت أن المفردات والألفاظ على كثرتها، جاءت من قلب اللغة، من تراثها واشتقاقاتها ومن تحميل مفرداتها معاني جديدة. أما الدخيل على قلته، فقد دخل عبر قوالب اللغة ومشتقاتها، ولم يخرج عن حدود استيعابها، وقد تمكنت اللغة العربية، بدون أي عناء، هضم مادخلها من جديد في هذا العصر. وماغنيت به من تطور بقى ضمن قابليتها للتطور والتكيف. وحتى أساليبها لاتزال منطبقة على قواعد العربية(1).
__________
(1) serruys washington l’arabe moderne المقدمة ص9)-.
... من أمثلة هذا المدح، مانقرأه على خلاف كتاب لأحمد فارس الشدياق مطبوع في تونس سنة 1283،: كتاب الرحلة الموسومة بالواسطة إلى معرفة مالطة،وكشف المخبأ عن فنون أوروبا تأليف العالم العلامة والشهم الفهامة الناجع البارع والحائز حصل السباق بلا منازع، فارس ميادين البيان، مجلي مخدرات المعاني على مصان العرفان، من لم تزل صحائف أفادته تجوب الأفاق، وينعقد على الإقبال عليها نطاق الاتفاق، أبي العباس الشيخ أحمد فارس أفندي الشدياق دام بحفظ الباري الرزاق.(1/272)
...
أثر الترجمة في الشكل والاخراج
اضافة إلى ماذكر ماللترجمة من تأثير في الكتابة العربية العصرية، تجدر الاشارة إلى ماهو تأثيرها في "الشكل والاخراج" فلو القينا نظرة على الكتب المصنفة قبل عصر النهضة لوجدناها تتسم، من حيث الشكل، بسمات عدة، أهمها: غياب التبويب- كثرة الاستطراد - اهمال الفواصل في الجمل- تسمية الكتاب بما لايدل على مضمونه- اعتماد العناوين المسجوعة- عدم رد الشواهد الى مصادرها ردا تسهل معه مراجعتها- مدح المؤلف على غلاف الكتاب- غياب الفهارس المختلفة- تشابه اشكال الحروف في المتن والحواشي. (1) ...
ولما ظهرت الكتب المترجمة، سار الكتاب والمطابع على طريقة جديدة في الادراج والفهرسة والتبويب وها هو يتبعها الآن الحاسوب والوسائل التقنية الأخرى، فاعتمدت واستقر العمل بما هو متوفر من قبل وماهو وافد اليوم.
الدولة والترجمة
من مهام الدولة الرئيسية والاجمالية، إنها تقوم على مصالح شعبها، تدير أموره وتوفر سبل راحته، وترقى بمستواه ماديا وأدبيا في مدارج التقدم البشري، فلا يألو في ذلك جهدا مهما بلغ مداه، لذلك فمن الطبيعي أن تعني بغذاء عقله عنايتها بغذاء بدنه، فذلك وحده السبيل إلى نيل درجات التقدم والتطور في ميادين الحياة.
ومن أبرز ملامح اهتمام الدولة في سورية بالترجمة هذا النشاط الفكري الذي له أهميته وقيمته وخطره في حاضر الأمة ومستقبلها مااقامت من مؤسسات تلتقي في غاية واحدة، وأن اختلفت أغراضها كل على حدة. يدل على ذلك الهيئات المتتالية التي خرجت إلى حيز الوجود واحدة بعد أخرى حينا، وواحدة في عهد اخرى التزم قيامها.
نعرض فيما يلي لأبرز المؤسسات والهيئات الثقافية التي بعثت بها الدولة إلى الوجود، فأظلت بجناحها الترجمة الى ما اظلت من ألوان النشاط الفكري المختلفة.
__________
(1) جرجي زيدان، تاريخ أداب اللغة العربية 4-ص607.
... راجع لطيف زيتوني نفس المرجع ص156- 157(1/273)
ومن الطبيعي أن يبدأ الحديث بالدولة ذاتها، فهي وإن لم تكن آنذاك مؤسسة ثقافية بالمعنى المفهوم فيما يتعلق بالترجمة خاصة، إلا أنها كانت حجر الأساس في بناء نهضة الترجمة الحديثة التي بدأت مع أوائل هذا القرن.
اسوة بمصر ولبنان، وإن كانت متأخرة عنهما قليلاً، فقد سلكت الدولة في أنها بيد الترجمة سلوك المؤمن الحصيف، فعملت في البداية وفقاً للحديث الشريف: (خير الصدقة ماكان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول) وثانيا وفقا لما كانت يتطلبه عصر النهضة العربية وعصر امتيازات بعض الدول الأوروبية المفروضة على الدولة العثمانية في نهاية حكمها على البلاد العربية التي بفضل يقظتها ووعيها القومي جهدت للتخلص من ظلم واستبداد الحكم العثماني. لذلك فقد بدأت بنفسها كما تابعت لاستكمال وعيها القومي وللتماس مع المعطيات الوافدة المحيطة بها الاهتمام الزائد بالترجمة.
أما العامل الثالث الذي زاد من أهمية الترجمة في الدولة هو فترة الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان التي تتطلب الوصول إلى كيفية ممارسة الحكم والإدارة والتوافق بين الحقوق المدنية الوطنية والحقوق المقارنة وغيرها من الفعاليات الثقافية والعلمية والتجاربية وأخرى من عسكرية واجتماعية.
لم تركن الدولة إلى أقلام الترجمة الفردية في وزاراتها، بل راحت تنشيء اللجان استهدفت اصلاح لغة الدواوين والمكاتب من المفردات التركية اللكينة التي كانت سائدة في اللغة العربية، والتي كانت تتنافى مع أصول اللغة العربية الفصحى وحتى الدراجة مثل الكلمات : (الليمانات - الفنارات- رسوم تماكين- نوتى- باسبورت- البوستة) ومقابلها الأصح هو فالتسلسل: (المنفى- الميناء- الأذن بالسفر- ملاح- جواز سفر- البريد-) وهكذا غيره في كثير من الكلمات) يؤيد ذلك ماجاء بحديث للصحفي الأديب الكبير الأستاذ انطون الجميل (باشا) في مقالة نشرها في عدد من نيسان 1916 من مجلة المقتطف، وكان يومها موظفا في الحكومة حيث كتب يقول:
((1/274)
ولقد احسوا الحاجة لتصحيح اللغة، وليس اصلاحها بأمر عسير أو متطلب كثير عناء) ويختم انطون الجميل مقاله الجيد بفقرة بعيدة الدلالة فيقول
(واصلاحها اللغوي"لغة الدواوين" ليس بالأمر الممكن دفعة واحدة، بل هي غاية تدرك شيئا فشيئا. كلما ازداد عدد المتعلمين في خدمة الحكومة. وقد سار الاصلاح شوطا يذكر من هذا القبيل بفضل طائفة من الأدباء والكتاب المعروفين الذين ضمتهم الحكومة الينا في السنوات الأخيرة، وهم دائبين علي ترقية لغة المصالح تدريجيا ولعلهم مفلحون.)
كان هذا ماكتبه انطون في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين، فقد بذلت وتبذل الدولة جهودا طيبة في خدمة اللغة العربية ومايتصل بها من أنشطة وفعاليات من أهمها الترجمة، وقد تجسدت جهودها بانشاء الهيئات والمؤسسات والمديريات والشعب والمكاتب التي أنشأتها الحكومة وتنشئها في هذا المضمار.
وباختصار نعرض فيما يلي أهم مراكز الترجمة في وزارات ومؤسسات القطر العربي السوري:
تتمثل الترجمة في:
1- رئاسة مجلس الوزراء: باللجنة الثقافية العليا، التي تدرس وتعالج كل مايتعلق بالترجمة في جميع دوائر رئاسة مجلس الوزراء، يعاونها في ذلك مكتب العلاقات الخارجية فيما يخصه.
2- مجلس الشعب: مترجم واحد لكل من اللغة الفرنسية والإنكليزية، وبالنسبة لترجمة اللغات الأخرى إذا وجدت تتم بالتكليف من خارج المجلس.
3- وزارة الثقافة.....: مديرية التأليف والترجمة والنشر.
... من الطبيعي أن يفرد للثقافة وزارة خاصة، لتعبر عن العلاقة المتينة بين الدولة والمجتمع، لتحقيق التطور الفكري والوجداني للشعب. فقد اسهمت هذه المديرية في ترجمة وتحقيق الكتب العلمية والأدبية والفنية، وتأليف وطبع القصص والروايات وغيرها، كما عملت على إحياء التراث العربي القديم. وتشرف على ترجمة ونشر المسرحيات العالمية والوطنية والكتب الفنية ذات المستوى الجيد الذي يتناول فنون المسرح والتصوير والموسيقىالـ ......(1/275)
4- وزارة الإعلام....... مديرية العلاقات العامة والإعلام الخارجي- شعبة الرقابة للكتب والمجلات والجرائد الأجنبية، مديرية الصحافة والنشر.
5- وزارة التعليم العالي: مديرية الترجمة والتأليف والنشر:
أحدثت بموجب القرار رقم 72 لعام 1971- المعدل بموجب القرار رقم 25/ وتاريخ 19/2/1995، ومن أبرز مهامها:
1- تعريب المراجع العلمية الأجنبية.
2- توحيد المصطلحات العلمية الإسهام في المحافظة على اللغة العربية
3- اصدار الكتب والدوريات والنشرات العلمية، وفي هذا المجال صدر عن المديرية حتى عام 1977 (106) عنوان، وبلغ مجموع النسخ المطبوعة في عام 1997 (17500نسخة)
6- وزارة الاقتصاد والتجارة: شعبة الترجمة وهي تابعة للشؤون الإدارية تهتم بكل ما يتعلق بالشؤون الإقتصادية والتجارية والنقدية والعروض وغيره
... - مكتب العلاقات العامة.
7- وزارة المالية..... مكتب السيد الوزير- قسم الصحافة- مكتب العلاقات الخارجية
8- وزارة الخارجية: مكتب ترجمة في ادارة المكاتب الخاصة يقوم بترجمة ما يرد إلى الوزارة الكتب والوثائق والمنشورات الواردة باللغات الرئيسية
... الكتب والوثائق المصاغة باللغات الأجنبية والموجهة إلى الوزارة ع/ط السفارات يجب أن تصل إلى الوزارة مترجمة بالعربية
9- بقية الوزارات: مكتب العلاقات العامة- أو مكتب للترجمة أو مكتب الوزير
10- المصرف المركزي: من قبل كل موظف مختص في الدائرة أو القسم- مكتب العلاقات العامة.
11- المتحف الوطني للآثار: من قبل كل موظف مختص في المتحف.
12- الجامعات.......: في كل جامعة دائرة أو قسم أو مكتب للترجمة.
13- المحافظات في القطر...: في كل محافظة مكتب للعلاقات العامة يتولى الترجمة عند الاقتضاء
14- المجلس الأعلى للعلوم: تتم الترجمة عن طريق مكاتب لجانه التي تشمل:
1- اللجنة الاجتماعية والفلسفية والعلوم الأساسية
2- اللجنة الطبية.
3- لجنة الكيمياء.
4- لجنة الرياضة والهندسة والأجهزة العلمية(1/276)
5- لجنة الجيولوجيا.
6- لجنة الإحصاء.
7- لجنة المعلوماتية التعاون والنشر.
8- لجنة الزراعة والطب البيطري.
15- المعهد العالي للفنون: 1- لجنة قراءة النصوص في كل مايتعلق بالمسرح.المسرحية والموسيقا
2- لجنة قراءة النصوص في كل مايتعلق بالموسيقا.
... تتم ترجمة الكتاب أوالمنشور بموجب اقتراح الأستاذ الذي يطلب ترجمته لتدريسه للطلبة يرسل إلى لجنة القراءة والنصوص المختصة، وفي حال الموافقة يرفع إلى وزارة الثقافة للنشر.
16- الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون: دائرة الترجمة التابعة لمديرية الشؤون الإدارية والمالية لهيئة الإذاعة والتلفزيون. وتتناول:
1- أعمال التلفزيون: ترجمة الأخبار سماعيا وترجمة النصوص
2- للأفلام: ترجمة مقرؤوة- وترجمة مسموعة للدوبلاج- ترجمة النصوص- الأرشيف- البرامج الآلية- الترجمات الأخرى تتم عن طريق الموظف المختص.
17- المؤسسة العامة للسينما: تتم الترجمة عن طريق هيئة تحرير مجلة الحياة السينمائية الفن السابع.
18- الأوبرا: قيد استكمال الإنشاء: مكتب الفاكس والترجمة.
19- اتحاد العمال: تتم الترجمة عن طريق أمانة العلاقات العربية والدولية
20- اتحاد الفلاحين: تتم الترجمة عن طريق مكتب العلاقات الخارجية.
بعد استعراض واقع "الترجمة والدولة" في القطر العربيي السوري وفي القطر العربي المصري، تبين أن الدولتين كلاهما قامتا منذ عصر النهضة العربية، ويقومان الآن بجهد كبيرة بحركة الترجمة والاستفادة من روافذ العلوم التقنية والعلمية الحديثة بنفس المستوى، غير أن حركة الترجمة الحرة في مصر وجدت مجالا أوسع من سورية، حسبما ورد في الجدول السابق، فيما يتعلق بالنقل والترجمة التي أرسى قواعدها محمد علي.(1/277)
غير أن زيادة الوعي العلمي والتقني لدى الجماهير في الوطن العربي تحتاج إلى تكثيف حركة نقل علوم المستحدثة من تقنية وعلمية عن طريق تشجيع وتكثيف حركة الترجمة للوصول إلى مردود "ثقافي جماهيري" يحقق فعلا زيادة وعي المواطن وذلك إضافة إلى تعزيز مستوى ثقافة الدولة في أعمال النقل والترجمة.
لذلك، لابد من هذا المضمار، من تدخل الدولة لدراسة أفضل الوسائل المجدية، ولايجاد الاعتمادات اللازمة ولترسيخ المكونات الأساسية "للثقافة الجماهيرية" للوصول إلى توسيع دائرة الترجمة للعلوم التقنية والعلمية وتحقيق الفائدة المرجوة، ومساعدة المواطن على تمكنه من مواكبة العصر التقني الحالي.
نعرض فيمايلي أهم مراكز الترجمة في مصر الشقيقة.
1- رئاسة مجلس الوزراء.
2- وزارة التربية والتعليم ... ... ادارة الثقافة- قسم الترجمة
3- وزارة التعليم العالي ... ... ... ...
4- وزارة الثقافة ... ... ... ... ...
5- وزارة الاعلام ... ... ز ... ...
6- وزارة الإقتصاد ... ... ... ...
7- وزارة الصناعة ... ... ... ...
8- وزارة السياحة ... ... ... ...
9- وزارة التخطيط ... ... ... ...
10- وزارة الصحة ... ... ... ...
11- بقية الوزارات ... ... ... ... أو شعبة أو مكتب.
12- الهيئة العامة للكتاب: في نطاق: القصة والرواية- التاريخ- الإجتماع- الفلسفة وعلم النفس- الآثار- الحضارات- العلوم- الفنون الأخرى.
13- مجمع اللغة العربية: ... ... ... ... أو شعبة أو مكتب.
14- الجامعات المصرية: ... ... ... ... ...
15 دائرة المعاجم ... ... ... ... ... ... ...
16- لجنة المصطلحات ... ... ... ... ... ...
... العلمية وألفاظ الحضارة ... ... ... ... ...
17- هيئة الألف كتاب: وتشمل- الأدب- العلوم- الفنون- العلوم الانسانية
18- المجلس الأعلى للآداب والفنون: وتشمل: لجان الآداب- لجان الفنون- لجنة الترجمة والتبادل الثقافي- لجنة المكافئات
19- المجلس الأعلى للعلوم:
20- مركز الأهرام للترجمة العلمية: ويشمل: الأعمال الأساسية- الخبرات المنجزة- الخدمات المتكاملة.
21- هيئة الإذاعة والتلفزيون ودار الأوبرا:
22- السينما والمسرح
23- التلفزيون.(1/278)
هذا بالإضافة إلى هيئات الترجمات الحرة ندرجها باعتصار:
هيئة الترجمة الحرة وتشمل:
1- لجنة التأليف والترجمة والنثر
2- لجنة النشر للجامعيين
3- دار الفكر العربي ومثيلاتها....
4- مكاتب الترجمة الحرة.......
5- لجنة البيات العربي.
6- مكتبة الأنجلو
7- مكتبة النهضة العربية.
8- دار الفكر العربي.
9- شركة التوزيع المصرية.
10- دار الهلال.
11- مجلة الروايات العالمية.
12- دار الكرنك.
13- دار كتابي.
الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية:
انبثقت الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية عن بعد نظر، فقد أدرك من خلاله ماللثقافة من أهمية في علاقات الأمم. فهناك حقيقة متناقلة تقول ( المعرفة قوة)، وقد كان نصيب الترجمة من نشاط هذه الإدارة كبيرا، وكيف لا والجميع يدرك أن الترجمة كوسيلة فعلية لتبادل المعلومات وتلمس كل معرفة جديدة، تعتبر الخطوة الأولى علىطريق النهضة.
وقد اشترك في هذه الترجمة عدد غير قليل من السوريين والمصريين وغيرهم نأتي على ذكر البعض منهم:
من السوريين:
1- مصطفى الشهابي- ألفاظ زراعية حضارية- مجلة مجمع دمشق 35/3:355.
2- أحمد شفيق الخطيب- معجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية: 746.
3- د. قاسم السارة- تعريب المصطلنح العلمي- مجلة عالم الفكر ج19/4: 111-112.
4- د. حسني سبح- نظرة في معجم كليوفيل: 4.
5- اللواء محمود شيت خطاب- تاريخ المعجم العسكري الموحد- مجلة مجمع دمشق ج45/2: 292.
6- د. شاكر الفحام قضية المصطلح العلمي- مجلة مجمع دمشق- ج59/4: 708و708-705.
7- ساطع الحصري- في اللغة والآداب:75.
8-عبد الرزاق محي الدين- ندوة المصطلح القانوني- مجلة مجمع دمشق 48/4: 965.
9- شحادة الخوري- دراسات في الترجمة والتعريب والمصطلح: 176-178.
10- نسيب نشاوي- ندوة توحيد منهجيات وضع المصطلحات العلمية- مجلة مجمع دمشق 56/4: 887.
11- محمد المعلم- تقنية المؤتمرات عن بعد.... مجلة التعريب: ج6: 81.(1/279)
12- مصطفى الشهابي- نظرة في مجلة مجمع فؤاد الأول- مجلة مجمع دمشق 17/5-6:202.
13- وديع فلسطين- استقرار المصطلح العلمي. مجلة مجمع دمشق 51/1: 112. و 108-109.
14- وجيه السمان- الدقة والغموض في المصطلح- مجلة مجمع دمشق 49/1: 91.
15- د. عبد الكريم اليافي- تجربتي في تعريب المصطلحات- مجلة، مجمع دمشق 53/4: 799و807
16- وجيه السمان نظرة في المعجم الهندسي الموحد- مجلة مجمع دمشق 56/4-867.
17- مصطفى الشهابي- بعض المؤلفات الحديثة في المصطلحات 37/2: 187.
18- محمد كامل عياد- المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا- مجلة مجمع دمشق 50/1: 182.
19- محمد هيثم الخياط- نظرة في المعجم الهندسي الموحد م.مجمع دمشق 56/4: 870.
20- كارم السيد غنيم- اللغة العربية والنهضة العلمية- مجلة عالم الفكر 19: 98
21- د. ظاهر لبيب- البعد السياسي للتعريب- مجلة المستقبل العربي ع36/84
ومن العصريين:
1- محمد بدران- قصة الحضارة- الجزء الثاني. والثالث. للكاتب الإميركي ول دورانت
2- محمد بكير خليل- السلطة والفرد. للفيلسوف الإنجليزي المعاصر برتراند راسل.
3- محمود إبراهيم الدسوقي- الدراسة المثلى لنوع الإنسان، لستيورات تشير.
4- د. سليمان حزين: ترجم العلم والموارد في الشرق الأوسط.
5- د. عبد الحليم منتصر- مشكلة المصطلحات العلمية- مجلة مجمع القاهرة. ج13: 204
6- محمد رضا الشبيبي- توحيد المصطلحات- مجلة مجمع القاهرة 8: 136-132
7- كيفورك ميناحيان- الرئويات والرئوي- مجلة مجمع القاهرة ج26: 94.
8-د. محمود فهمي حجازي- علم المصطلح- مجلة مجمع القاهرة
59/59: 60.
9- عبد الله كنون- لغة العلوم في التدريس الجامعي- مجلة مجمع القاهرة 56: 194.
10- د. ابراهيم مذكور- مدى حق العلماء في وضع المصطلح مجلة مجمع القاهرة 11: 155.
11- د. محمد رشاذ الحمزاوي- أعمال مجمع القاهرة- : 405.
12د. ابراهيم مذكور- المصطلحات العلمية- مجلة مجمع القاهرة- 18: 8.(1/280)
13- د. حامد جوهر- تقرير عن معجم الكيمياء العامة- مجلة مجمع القاهرة- 52 : 159.
ولقد كان جانب من نشاط الإدارة القيام بترجمة أعمال الكاتب المسرحي العالمي وليم شكسبير حيث تتبعه فيما بعد أعمال خالدة أخرى وهو مشروع أشرف عليه الدكتور طه حسين لولا أن داهمته المنية.
فقد لعبت هذه الهيئة دورا بارزا في الأخذ بأسباب النهضة الثقافية في جميع البلاد العريبة. وهي لم تأل جهدا في سبيل نشر نور المعرفة الحديثة، ولاأدل على صحة ذلك من موقف عملي وصادق هو اختيارها عدداً من الكتب المفيدة للعالم العربي، وأخذت على عاتقها أمر الإشراف على ترجمتها، باتصالها حينذاك بالمتخصصين في هذا المضمار، وفي كبار المترجمين لنقل هذه الكتب القيمة إلى العربية، ولأهميتها نورد المهم منها فيما يلي:
1- "كتاب تاريخ الأدب العربي" تأليف بروكلمان.
2- "كتاب فن العمارة الإسلامية" تأليف ديورانت.
3- "كتاب تطور الشرق الأوسط" تأليف كان.
5- "كتاب أراضي الخلافة الشرقية" تأليف ليه ترايخ.
6- "كتاب الحجاز الشمالي" تأليف موزيل.
7- "كتاب تاريخ الفنون الإسلامية "تأليف منيون.
8- "كتاب الحضارة العربية" تأليف نيلسون.
9- "كتاب تاريخ الأدب العربي الإسباني" تأليف بالنسيا.
10- "كتاب المدخل إلى تاريخ العلوم" تأليف سارتون.
11- "كتاب علم الشرق الأوسط" تأليف وارذينجتون.
12- "كتاب علم الأنساب" تأليف: أنبور.
13- "كتاب علم اجتماع القرن العشرين " تأليف جرويتش مان.
ولابد من التذكير بأن تسمية هذه الإدارة صارت إلى "منظمة التربية والثقافة والعلوم"
مجمع اللغة العربية في سورية
لعل أكبر فائدة للدولة ولللغة العربية وللثقافة العامة هو انشاء "مجمع اللغة العربية وإن لم يكن وحده من بديع صنع الدولة في خدمة اللغة العربية،(1/281)
من أبرز ماقدمته في هذا المضمار. حرص مرسوم انشائه على تحديد أغراضه بوضوح من حيث سبل تنفيذها، وكيفية العمل فيه، فقد رسم معالم شخصيته وتكوين أعضائه في كل ناحية من مهامه التي تتلخص في :
- أن يحافظ على سلامة اللغة وإن يجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون وفي تقدمها
- أن يجعل اللغة ملائمة لحاجات الحياة في العصر الحاضر ووسيلة لبيان ماينبغي استعماله أو تجنبه من ألفاظ وتراكيب مشوهة أو غير سديدة.
- أن يبحث في تقدم اللغة واغنائها وأن تحقق في النصوص القديمة المتصلة باللغة وفقهها
- أن يضع معجما تاريخيا ويصدر المجلة لنشر أبحاثه مع إفساح المجال لمناقشات الجمهور.
- كما نص المرسوم على أن يصدر المجمع مجلة خاصة به تنشر أبحاث المجمع اللغوية والتاريخية وقوائم الألفاظ والتراكيب التي يرى استعمالها أو تجنبها.
- كما نص المرسوم على أن يتكون المجمع من أعضاء عاملين متبحرين في اللغة، من بنية وقواعد وأصول، فلا صلة للمجمع بالسياسة فهو من هذه الناحية عالمي الطبع،
- وقد نص مرسومه أيضاً على تقبل مناقشات الجمهور واقتراحاته وأن يدون كل مايدور من أبحاثه ومؤتمرات ومن درس ونقد وتمحيص ومناقشة بموجب محاضر تشرح بتفصيل جميع قراراته.
إنتاج المجمع
يمكن تلخيص إنتاج المجمع بخمسة أبواب رئيسية:
1- تيسير اللغة متنا وقواعد وكتابة ورسم حروف.
2- توفير المصطلحات العلمية والألفاظ الحضارية بحيث تصبح اللغة وافية بمطالب العلوم والفنون، وملائمة لحاجات الحياة في العصر الحاضر.
3- تهذيب جميع المعجمات اللغوية، ووضع معجم تاريخي شامل، يستعرض تطور اللغة العربية في عصورها المختلفة.
4- تشجيع الإنتاج الأدبي والعلمي في مختلف صوره.
5- إحياء التراث القديم في اللغة والأدب.
لجنة المصطلحات العلمية في المجمع:(1/282)
يعتبر المصطلح أداة البحث والتفاهم بين العلماء (وذلك على قاعدة أن ليس هناك علم بدون قوالب لفظية تؤديه)، وحركة العلم تتطلب توفير وانتقاء المصطلحات له، وهذا بدوره يتطلب نهضة لغوية واصطلاحية معاً، وقديماً قيل: (العلم لغة أحكم وضعها) لذلك فالدقة في انتقاء المصطلح أساسية وواجبة، وعنصر ثالث أساسي لابد لللفظ من أن يستحضر المعنى معه بكل يسر وتوازن، وكلما كان المصطلح دقيقا ضاق الجدل والتصحيح بين الحلف من أهل العلم الواحد، والمصطلح في حقيقته لايعدو أن يكون ثمرة من ثمار العلم يسير معه ويتوقف لوقوفه، وما تاريخ العلوم في الكثير من اتجاهاته إلاّ في اتقان مصطلحاته. فهو وثيق الصلة بتاريخ الأدب واللغة، فيوم ازدهرت العلوم اليونانية ازدهرت معها اللغة والأدب، وبعد قرون الم يصل الأدب الفرنسي القمة في القرنين 16-17م عندما اتسعت لديه أفاق البحث والدراسة العلمية.
ولاجدال أنه يحق لأية لغة أن تضع لنفسها المصطلح الذي ترضى عنه لأداء واجبها العلمي، وأن قصرت في قديمها وحديثها بأن تمده بطلباته لجأت الدولة أو الجهة العلمية المختصة إلى اصطلاح الرموز كما هوالحال في علم الكيمياء والرياضيات.
يروى لنا التاريخ أن العلم حظي من العرب الأوائل في القرنين (4-5هـ) بالإهتمام والعطاء، فقد تدارس المسلمون في هذين القرنين علوم الطب والكيمياء والفلك والطبيعة وما هو بهذا المجرى.
كانت اللغة لدى هؤلاء الأقدمين علمية متنوعة ومتجددة، فإذا ماصادفوا مصطلحاً لايُؤدي معناه إداء كاملا عدلوا عنه إلى ماهو أدق وأضبط، ولم يبالوا في هذا المضمار أن يكون المصطلح عربياً أصلاً أو معربا دخيلا، بل ربما في بعض الحالات اللفظ الأجنبي إذا كان قد شمل المعنى المطلوب، ولهذا نرى ألفاظا فارسية في مستحدثات الإدارة ومالم يكن لها عهد أو صلة من قبل. كما نرى ألفاظاً يونانية وسريانية في علوم الفلسفة والطب لنفس السبب.(1/283)
ولما ركد البحث العلمي التقني في الإسلام ركدت المصطلحات إلى حين جاءت النهضة الحديثة في هذا القرن لتجمع الشتيت من تراثنا اللغوي ولتبذل الجهود المتتابعة في سبيل ازاحة ركام إهمال وجمود السنين السابقة وإعادة إشراق اللغة على رجاء استمرار الأصالة والتطور اليقين في مضمار كل ماهو حديث وقديم.
وعلى سبيل المثال نذكر باختصار عدد واختصاص لجان المصطلحات في مجمع اللغة العربية في سورية:
1- لجنة المصطلح وألفاظ الحضارة.
2- لجنة المعجمات.
3- لجنة النشاط الثقافي.
4- لجنة المطبوعات واحياء التراث.
5- لجنة الأصول.
6- لجنة المكتبة.
المعاجم:
تعتبر اللغة العربية من أغنى اللغات في الكتب اللغوية والمعجمات، والأغنى من حيث الكتب هو: (كتاب العين) الذي وضعه "الخليل بن أحمد الفراهيدي " في القرن الثاني الهجري، رسم فيه منهج المعجم كما يراه. فكان القرن الرابع بحق العصر الذهبي للمعجم العربي.
ففيه ظهر:0 الجمهرة لابن دريد سنة 321هـ (ديوان الأديب للفارابي سنة 350هـ (والتهذيب) للأزهري سنة 370هـ ) و" المحيط" للصاحب بن عباد سنة 385هـ) و "الصحاح" للجوهري سنة 397هـ) حفظت هذه المعاجم اللغة وكان لها قيمة تاريخية كبيرة، ولكن وقوفها عند حدود من الزمان والمكان افقدها عنصر الفائدة وسلبها القدرة على التطور، فانبثقت حركة دعت اليها الضرورة لتتدارك النقص، وكانت أيضاً انتفاضة حضارية تمثلت في "الحاسوب على القاموس" من وضع "فارس الشدياق- ومحيط المحيط للبستاني- ثم ظهر ماهو أقرب إلى المعاجم الغربية، يقصد به (المنجد) الذي وضعه رجل الكنيسة "لويس معلوف" فهو يحاكى محاكاة صادقة معجم (لاروس الفرنسي)، ولكن هذه المعاجم المنشئة أنكرت جميعها لغة القرن العشرين الذي نعيش فيه ولم يسجل منها شيئاً. غير أن الإستشراق حاول محاولات غير متواضعة، فكان "مععجم لين" و "معجم دوزي" "وعّول” هانس فير الألماني على اللغة المعاصرة في معجمه العربي.(1/284)
ولما كان قرار انشاء لجنة المعاجم في المجمع ينص على أن أهم واجباتها هو:
وضع معجم تاريخي للْلّغة العربية، فقد أخذت هذه اللجنة بذلك منذ البداية، غير أن اللغة العربية لاتقتصر علىماجاء في المعجمات وحدها بل لها مظان أخرى يجب الأخذ عنها وفي مقدمة هذه كتب الأدب والعلم ومايجري على الألسنة العربية من حوار ومناقشة.
أما الأبرز في وضع المعاجم هو ذكر أسماء ومواصفات ثلاث معاجم لأهميتها من حيث الشرح وضبط التصاريف وذكر الأصول السامية. وحيثيات اللغة المقارنة فيها. إلا وهي :
الأول: المعجم الوسيط: إنه معجم مصور أخرجه المجمع تلبية لرغبة وزارة المعارف حينذاك وكان كثير الشبه بالمعجم الفرنسي المعروف باسم "لاروس الصغير” خرج هذا المعجم 1600 صفحة من ثلاثة أعمدة، أوردت فيه الكلمات حسب نطقها وليس حسب تصريفها، وروعي فيها تقديم الأفعال على الأسماء كما روعي فيها ضبط التعاريف ويسر الشرح.
الثاني : المعجم الكبير: وكانت الفكرة تتجه نحو الإقتباس من معجم فيشر كأساس له، ولكن عاد المجمع إلى قرار وضع المعجم بشكل شامل يستوعب اللغة في جميع عصورها.
... وسماه "المعجم الكبير" وقد ظهر جزء منه في عام 1956- وقد تميّز هذا المعجم عن سواه من أمثاله بحرصه على ذكر الأصول السامية، متوخيا ربط اللغات السامية بعضها ببعض ومما يساعد على فائدة الدراسة في قواعد اللغة المقارنة.
الثالث: "المعجم لفيشر" لم يرى النور لعدم اكتماله لأن ظروف الحرب العالمية الثانية باعدت بين صاحبه الألماني وبين مركز معالجته ونشره في مصر. ولعل أهم ماكان يميز هذا المعجم اهتمامه بغير الفصحى كمصدر لللغة ولأن صاحبه كان يرى أن العبرة بحسن أداء اللفظ والمعنى.
الترجمة في خدمة الثقافة الجماهيرية(1/285)
يبدو لكل باحث متتبع للدراسات التي تتناول (الثقافة الجماهيرية "عن طريق الترجمة، إن هذه الدراسة أصبحت تستأثر بقسط وافر من جهود الباحثين، والمربين، والمثقفين، لأن هذا الموضوع تجاوز نطاق البحث الإعلامي الصرف، ليطل على الخطاب التقني والعلمي برمته، وحتى على الشأن التربوي والوظيفي والفكري، والتنشئة الوطنية بشكل عام.
فالثقافة الجماهيرية ليست مجرد قشرة سطحية تضاف اعتباطيا وكيفيا في الواقع المعاشي، بل هي في عصرنا الحاضر، من المقومات الأساسية المكونة للتنظيم المعرفي ولمعايير الناس وقيمهم وتوجهاتهم.
ولابد من طرح التساؤلات حول واقع الثقافة الجماهيرية في وطننا العربي الآن، وذلك سعياً وراء فهم واقع السلوكية الجديدة، والفرص القيمة المغتنمة، والمخاطر التي ينطوي عليه هذا الواقع، وذلك للدراسة في سبيل وضع الوسائل الجدية للإتصال الجماهيري، ولتقف بجدارة أمام التحديات الحضارية والتكيف الإبداعي المنحرف ذات المصالح الخاصة ولتستطيع مواكبة مستجدات العصر ومعطياته.
كما لابد من أن تتناول هذه التساؤلات الوظيفية الحالية (للثقافة الجماهيرية) مع العوامل والأهداف المحركة لها، ومن ثم أثرها العميق في نفوس الشعب، ومدى مقدار الكسب من هذه الثقافة علىطريق زيادة الوعي العلمي والتقني الذي لابد من توفره لمواكبة الركب الحضاري للقرن القادم التي يجهد الجميع فيها لتوفر الحظ في تحقيقها.
ومن هذه التساؤلات:
1- ماهي الفعاليات التي تؤدي إلى نشر الشعور بضرورة تكوين الذات إلى درجة تسمح بهضم التقنيات والعلوم الوافدة الينا من حولنا.
2- ماهو العمل لخلق انسان حر ومبدع.
3- هل نحن بحاجة الى توطيد وترسيخ الأمن الثقافي وأن يوجه بإرادة واعدة من قبل السلطة المختصة.(1/286)
4- ماهي الطريقة التي تمكن من التغلب علي الصعوبات التي تواجه خطة توسيع دائرة الترجمة خدمة لنشر الثقافة الجماهيرية مما يتوجب من الفعاليات التقنية والعلمية المفيدة والمطلوبة في حينها.
لذلك لابد أولاً من تعريف الثقافة هي ذلك الحشد للفعاليات والرسالات والتصورات والبرامج التي تنتج من قبل الدولة، حيث تنشر وتراقب وفقاً لتقنية مصاغة تتخذ الثقافة الجماهيرية في بعض الأحيان، بعدا محليا وخارجيا معا، عندما يتحقق التطور التقني والعلمي بفعل انخفاض كلفة الأدوات السمعية والبصرية التي ستسهم حقا في انتشار هذه الثقافة، شريطة أن توجه باتجاهها الصحيح الذي يزيد من وعي الشعب. فلقد أدخل التلفزيون الثقافة إلى كل بيت ومكتب ومدرسة، وأصبح الكثير من أنماط التعبير الثقافي في متناول الجميع.
ولكن هل على الثقافة الجماهيرية أن تتناول نمطا أو نمطين فقط دون الأنماط الأخرى.
وهل وسائل الإعلام فقط هي الوحيدة التي تحقق الثقافة الجماهيرية. مع أن البيت والمدرسة والجامعة هما أيضاً من الوسائل الفعالة التي تساعد على تنمية الثقافة الجماهيرية، ولكنها ليست كافية، حيث لابد من أن تنال الحياة العامة في المجتمع قسطها الوافي من هذه الثقافة يتمركز في أهدابها الكثير من بؤر التخلف.
ولايمكن أن ننسى أو نتجاهل أهمية وفائدة الإعلام في انتشار الثقافة شريطة أن أن لايحصر نشاطه بفعاليات محددة دون الأخرى تصل بالجمهور إلى وعي ناقص كتغليب الفن والمسلسلات على العلوم التقنية والعلمية أو العكس خاصة وأن الأحداث والشبان يقضون الساعات الطويلة أمام البث التلفزيوني الذي وصل بهم إلى نوع من التأثير الأبوي.
هل يمكن السيطرة على أوقات الفراغ بالثقافة التقنية والعلمية للجمهور:(1/287)
لابد من وضع استراتيجية لصناعة الثقافة الجماهيرية لتحقيق الزيادة في الإنتاجية الإعلامية ولإعطاء المستهلك الوقت الكافي ليستوعب هذه الإنتاجية ويهضمها، لذلك يمكن الإستفادة من ميزة الثقافة الجماهيرية في غزو كل أوقات الجمهور المخصصة للترفيه لأن الإنصراف إلى سماع البرامج الإذاعية أو المشاهدة التلفزيونية أبعد حتى افراد العائلة بعضهم عن بعض. وبعد أن أصبحت هذه الثقافة واقعاً لامفر منه، وبما أنها تحتفظ بالكثير من العوامل الإيجابية لابد من تسخيرها نحو الإستفادة من معطيات العلوم التقنية الوافدة عن طريق النقل أو الترجمة.
أما المخاطر التي تهدد الأمن الثقافي يمكن تلخيصها بمايلي:
1- السطحية والإضطراب والتمويه:
أصابت السطحية معظم وسائل الإتصال الجماهيري حتى أصبحت إلى حد غير مقبول لدى البعض من هذه المؤسسات، أداة رخيصة للتسلية بحصر نشاطها الترفيهي على عروض أو مسلسلات أو أفلام سطحية ومن الأنواع الرديئة تضمنت فصول رخيصة أو إثارات جسدية خلافاً للواجب التوجيهي المطلوب لتنمية الوعي لدى الجماهير.
2- الحشو بالجملة بالمعلومات والمعرفة:
تحشو وسائل الإتصال الجماهيري العقول حشوا بالمعلومات والمشاهد والمؤثرات وتلقيها بالجملة، موجات أثر موجات، ويوماً بعد يوم، ومما لاشك فيه أن الحضور يلاقي صعوبة في استيعابها وخاصة لدى عالم الصغار إذا كانت غير مبرمجة وفقاً لمعايير الطفولة ومستلزمات النمو العقلي والإجتماعي ودورة الحياة لديهم. لذلك ولتعميم الفائدة المرجوة لابد من التدقيق من قبل الإخصائيين المختصين لتأتي البرمجة وفقاً لمعايير الشبيبة وتطلبات النمو العقلي والإجتماعي. وفقاً لتدرج أعمار الصغار.
3- مخاطر الثقافة التخديرية المسكنة:(1/288)
فقد أثبتت الدراسات، بأن انتقال الأجيال المعاصرة (من كبار وصغار) من عادة القراءة والمطالعة والتأليف وشراء الكتب المفيدة، إلى مشاهدة التلفزيون، سببها هي الصورة والكلمة التي تبث بوسائل الإتصال الجماهيري (السمعي أو البصري) التي أصبحت تهدد الثقافة التقليدية الممثلة بالكلمة المطبوعة والمكتوبة، والتي ثبت إنها الإجدى على اتساع المدارك وصواب التحليل والمحاكمة وبنية الشخصية.
تعتبر المطالعة مصدر مهم وأساسي لخلق المعرفة وديمومة الثقافة كونها تضع العقل والخيال في وضعية المحاكمة والبحث والنقد، التي تحيي وتغذي النشاط الخلاق. إن التخلف عن الكلمة المكتوبة يقود في نظر علماء النفس والمجتمع إلى التخلف في القدرات والتخلف على التصور والتخيل والإبتكار، لذلك تقترح بعض المؤسسات في العالم، وخاصة في الغرب، الأخذ بأنماط جديدة من التربية المتكاملة القائمة على المشاركة الفعالة للطفل والمراهق مع كل اللغات الحية، ذلك لتفتح الباب على ثقافة الغد إلى هذه الأجيال.
4- الطابع التجاري الإستهلاكي والثقافة الجماهيرية:
أصبحت وسائل الإتصال الجماهيري أسيرة النمو الإقتصادي الأعمى والتوسع الإستهلاكي، وأسيرة لوضعية الإرتهان لأصحاب المال والنفوذ، لذلك تحت تأثير الإغراءات المتتابعة قد تدخل الثقافة الجماهيرية في محور الدعاية لتنقل إلى الجمهور رسالة يغلب عليها الطابع التجاري والإٍستهلاكي، ولابد من القول بأن الثقافة الجماهيرية المرتبطة بأوضاع المجتمع الصناعي الحديث تشجع الجمهور كما يقول (أسفروم) على أسلوب العيش التملكي، على حساب أساليب الكينونة، فتدعم المظهر على حساب الجوهر ، كما تدعم طريقة الحياة المرتكزة على الإقتناء المادي وعلى القوة والسيطرة والجشع، مستبعدة الطرق الصحيحة التي ترتكز على قواعد ديمومة الإنسان الأصيل، وعلى اتاحة الفرصة للناس لإبراز أفضل ماإليهم من مواهب وملكات وأخلاق.(1/289)
لاتنحصر نشاطاته بفعاليات محدودة في المجتمع الواحد، فإذا ماانحرفت عن وظيفتها الأساسية العامة المنشودة حول تنمية الثقافة، فتبدو يوما بعد يوم ذات سطوة معنوية تستعمر العقل بتأثيرها على الرأي العام وتصبح كالمخدر الخفيف الذي يقولب الجمهور ويرمي به إلى وعي ناقص أو إلى وعي متخصص، مثال على ذلك: الإهتمام بالفنون على مستوى واحد من اهتمامها بالعلوم التقنية والعلمية وبالعلوم الأخرى ومثال آخر إذا استخدمت بدون دراسة وتدقيق أساليب ومعطيات مستوردة من الخارج يمكنها مع التكرار تغيير اتجاهات الناس وسلوكهم وأذواقهم وعواطفهم إلى نواح تنحرف عن الإتجاه الصحيح المطلوب، فتؤدي إلى تكوين جمهور قائم على الإمتثال لكل شيء يعرض له، فيصبح غير قادر على تنمية قدراته وعلى التساؤل الحر، وتطوير نضوجه الفكري بشكل مستقل.
ففي الكثير من المجالات نجد أن التلفزيون مثلا، بالنسبة إلى الأحداث وإلى الشبان الذين يقضون ساعات طويلة أمامه، يمثل مايصل بهم إلى نوع من السلطة الأبوية التي تقوم مقام الوالدين أو المربين في توجهاتهم، وقد يصل بهم الأمر إلى أن الفرد منذ وعيه يقع تحت تأثير وسائل الإعلام في التلفزيون لزمن طويل فيتأثر بما يقدم ويذاع أكثر مما يتلقاه من آراء وارشادات والديه ومدرسيه، فيتملك الطفل الناشيء القناعة في قراره بأن معدي البرامج في التلفزيون والمسلسلات والأفلام هي أكثر ارشادا من والديه ومدرسيه.
فائدة خضوع الفرد للتنظيم العلمي والتقني في زمننا الحالي:
يجب أن تخصع الثقافة الجماهيرية لتنظيم تقني صارم، إلى درجة يمكن القول معها (بمستوى العبادة التقنية التبسيطية ذات الفعالية)، وإن لاتبقى حرية الفرد مُقيدة أو أن تصطدم باستمرار بمستلزمات الإنتاج الخاضع للمنطق الغوغائي، حتى لاتجد هذه الثقافة نفسها مغلوبة على أمرها أمام أي مؤثر سلطوي.(1/290)
يمكن القول بأن"الثقافة الجماهيرية" تتفق مع مبدأ المتعة العلمية الفردية ومع الأشباع المباشر الذي تحتضنه النفس، فلا بد لها من أن تعتمد وتستوعب التنظيم التقني والعلمي متمثلا بتوسيع دائرة الترجمة للوقوف وفهم أحدث المعطيات التقنية والعلمية الوافدة من مختلف المراجع المتقدمة، ومن ثم تمحيص مدراسة ونطق وسلوكية الجمهور الواسع الأكثر وعياً الذي يتصف بالتعددية والتطور واستقلال الرأي. فالتكنولوجيا بما لها من تأثير في هذه الأيام أوهنت صلة الناس بعضهم بالبعض الآخر فأصبحت الروابط الإنسانية في المجتمع الحديث مائعة، والمشاركات الوجدانية غير متكاملة، والعلاقات الفردية قائمة على الحذر والمنفعة الخاصة، فضعف التجالس بين الأفراد بالنسبة للثقافة الفردية وانحصر بغالبيته بوسائل الإعلام وبالكتاب. يؤيد ذلك المجتمع الصناعي الذي أصبح أداة من أدوات الإنتاج وترسا صغيراً في دولاب العمل الدائر.
هل تأثرت الثقافة الجماهيرية بالطابع الإستهلاكي:
قد تتأثر هذه الثقافة بالطابع الإستهلاكي عندما تخضع لمنطق السوق فالتصنيع يجعلها تتحول إلى ثقافة استهلاكية بحته، كما هو الحال بالنمط الأميركي "فتبتعد عن المستوى الجيد الذي يتوق إليه المفكرون والمبدعون وجماهير الشعب الواعية، لأنها في هذا الإتجاه تدعم المألوف وتبتعد عن الإبداع وخلق الأذواق الفاعلة، وتنشر البرامج الإعلامية المفروضة من قبل شخصيات غير مسؤولة. ومن وسائل الطابع الإستهلاكي للثقافة الجماهيرية اللجوء إلى ماهو محبب لنفوس الأفراد، لأن الأشياء التي تتم بخاصة الجذب تلفت الانتباه فتفضي إلى اللحاق بها أو إلى تفجيرات عاطفية أو نزوات نفعية، بينما الوقائع الإعتيادية والمسالمة لاتثير اكتراث الفرد، وكلما اتسع نطاق استخدام هذه الوسائل المغرية أصبح من السهل إثارة نفسية الجماهير.
الكتب المترجمة من كافة الإختصاصات في عصر محمد علي(1/291)
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... من اللغة ... إلى اللغة ... سنة ... الفن ... مكان الطبع ... ملاحظات
الطبع
1 ... غاية المرام في الأدوية والإسقام ... غير معروف ... فرعون ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... بيطري ... بولاق
1847م
2 ... ثمرة الاكتساب في علم الحساب ... " ... بيومي ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... حساب ... بولاق
1847
3 ... تعريب الأمثال في تهذيب الأطفال ... " ... عبد اللطيف ... الفرنسية ... العربيية ... م ... تربية ... بولاق
1847م
4 ... ترجمة كلستان سعدي ... سعدي ... جبرائيل يوسف ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... أدب ... بولاق
1874م
5 ... التنوير في قواعد التحضير ... سعدي ... محمد الشبابي ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... طب ... بولاق
1848م
6 ... مجمع الغرر في سياسة البقر ... روبتينيه ... عطيه أفندي ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... بيطري ... بولاق
7 ... علم تحرك السوائل ... بيلانجيه ... أحمد فايد ... الفرنسية ... العربية ... م ... هيدروليك ... بولاق
1848م
8 ... جامع الثمرات في حساب المثلثات ... غير معروف ... بيومي ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... مثلثات ... بولاق
1848م
9 ... تاريخ أول ملوك فرنسا إلى الملك لويس فيليب ... مونيقورس ... حسن قاسم ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... تاريخ ... بولاق
1848م
10 ... قاموس إيطالي وعربي ... الأب انطون راهبه ... رفائيل زاخور ... الإيطالية ... العربية ... هـ ... قاموس ... بولاق
1822م
11 ... كتاب في صناعة صباغة الحرير ... ماكير ... رافائيل زاخور ... فرنسي ... العربية ... هـ ... كيمياء ... بولاق
1823م
12 ... الأمير في علم التاريخ والسياسة والتدبير ... ماكيا فيلي ... الأب رافائيل ... ايطالي ... العربية ... هـ ... سياسة وحكم ... دار الكتب المصرية رقم
1824م ... 435
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... من اللغة ... إلى اللغة ... سنة الطبع ... الفن ... مكان الطبع ... ملاحظات
14 ... كتاب في قاعد الأصول الطبية المحررة من التجارب لمعرفة كيفية علاج الأمراض الخاصة ببدن الإنسان ... فرانشكو ... الأرجح أنه من ترجمة رافائيل + زاخور ... ايطالي ... العربية ... هـ ... طب ... بولاق
فاقا ... 1826م
الأستاذ
بجامعة بابل
15 ... القول الصريح في علم التشريح ... بابل ... يوحنا عننحوري ... فرنسي ... " ... هـ ... طب ... مطبعة مدرسة الطب
1833م
16 ... قانون الصحة ... الدكتور برنار ... جرجي فيدال ... " ... " ... هـ ... طب ... بولاق(1/292)
des régles de lhygiene et de la medecine appliqué au corps humain ... 1833م
17 ... المعالجة الطبية فيما لابد منه لحكماء الجهادية ... كلوت بك ... أوغسطين سكاكيني ... " ... " ... هـ ... طب ... مدرسة الطب أبى زعبل
1833م
18 ... المعادن النافعة ... فيرارد ... رفاعة الطهطاوي ... " ... " ... هـ 833م ... معادن كيمياء ... بولاق
19 ... قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر ... ديبنج ... رفاعة ... فرنسي ... " ... هـ ... اجتماع ... بولاق
1833م
20 ... رسالة في علم البيطرة ... مجهول ... يوسف فرعون ... " ... " ... هـ ... بيطرة ... "
1833م
21 ... التوضيح لألفاظ التشريح ... جبرار ... يوسف فرعون ... " ... " ... هـ ... " ... "
1833م
22 ... المننحة في سياسة حفظ الصحة ... د. برنار ... فيدال جورج ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1833م
23 ... مبادئ الهندسة ... مجهول ... رفاعة طهطاوي ... " ... " ... هـ ... هندسة ... "
1834م
24 ... منتهى الأغراض في علم شفاء الأمراض ... بروسيه وسانسون ... يوحنا عنجوري ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1835م
25 ... رسالة في الطب البشري باتولوجي ... بايل ... " ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1835م
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... من اللغة ... إلى اللغة ... سنة الطبع ... الفن ... مكان الطبع ... ملاحظات
26 ... رسالة الطاعون ... كلوت بك ... مجهول ... مجهول ... " ... هـ ... طب ... "
1835م
27 ... رسالة في علاج الطاعون ... كلوت بك ... مجهول ... مجهول ... " ... هـ ... طب ... مطبعة الجهادية
1835م
28 ... رسالة في علم الطب البيطري ... مجهول ... يوسف فرعون ... " ... " ... هـ ... طب بيطري ... بولاق
1835م
29 ... التعريبات الشافية لمريد الجغرافيا ... مجهول ... رقاعة ... " ... " ... هـ ... جغرافيا ... "
1835م
30 ... الجغرافيا العمومية ... ملطيرون ... رقاعة ... " ... " ... مجهول ... " ... "
31 ... كتاب التشريح العام ... كلار ... عيسوي النحراوي ... " ... " ... 1835م ... طب ... "
23 ... رسالة في مايجب اتخاذه لمنع الجرب والداء الإفرنجي عن عساكر الجهاد ونسائهم.... ... كلوت بك ... مجهول ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... طب ... المطبعة الجهادية
1835م
33 ... مبلغ البراح في علم الجراح ... كلوت بك ... عنجوري ... الفرنسية ... العربية ... م ... طب ... بولاق
1251هـ
34 ... التحفة الفاخرة في هيئة الأعضاء الظاهرة. ... مجهول ... يوسف فرعون ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1836م
35 ... الهندسة الوصفية ... دوشين ... بيومي أفندي ... افرنسية ... عربية ... هـ ... هندسة وصفية ... "
1836م(1/293)
36 ... نبذة في تطعيم الجدري ... كلوت بك ... أحمد حسين الرشيدي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1836م
37 ... دستور الأعمال الأقربا ذينية لحكماء الديا ر المصرية ... كلوت ديباجي ... يعقوب ... " ... " ... هـ ... صيدلة ... "
1836م
38 ... اسعاف المرضى من علم منافع الأعضاء ... سوسون ... علي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
هيبة ... 1863م
39 ... تحفة القلم في أمراض القدم ... جان جيرار ... محمد عبد الفتاح ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1836م
40 ... تاريخ الفلاسفة اليونانيين ... مجهول ... عبد الله حسين ... " ... " ... هـ ... فلسفة ... بولاق
1863
41 ... كتاب الأقراباذين ... مجهول ... يعقوب ... " ... " ... هـ ... صيدلة ... بولاق
1837م
42 ... نبذه في الفلسفة الطبيعية نبذه في التشريح العام نبذه في التشريح المرضي ... كلوتبك ... دكتور ابراهيم النبراوي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1837م
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... من اللغة ... إلى اللغة ... سنة الطبع ... الفن ... مكان الطبع ... ملاحظات
43 ... الدراسة الأولية في الجغرافيا الطبيعية ... فيلكس لامروس ... أحمد الرشيدي ... " ... " ... هـ ... جغرافيا ... "
1838م
44 ... بداية القدماء وهداية الحكماء ... مجهول ... مصطفى الزرابي ... " ... " ... هـ ... تاريخ ... "
1838م
45 ... تنوير المشرق بعلم المنطق ... دي مرسيه ... خليفة محمود ... " ... " ... هـ ... منطق ... "
1733م
46 ... الأزهار البديعة في علم الطبيعة ... برون ... عنجوري+المؤلف ... " ... " ... 1838 ... طبيعة
47 ... الأربطة الجراحية ... مجهول ... ابراهيم النبراوي ... افرنسية ... عربية ... هـ ... طب ... "
1838م
48 ... كنز البراعة في مبادئ فن الزراعة ... مجهول ... خليل محمود ... " ... " ... هـ ... زراعة ... "
1838م
49 ... تحفة الرياض في كليات الأمراض ... مجهول ... يوسف فرعون ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1839م
50 ... نزهة الأنام في التشريح العام ... لا فارج ... فرعون ... " ... " ... هـ ... بيطرة ... "
1840م
51 ... المادة الطبية البيطرية ... مجهول ... فرعون ... " ... " ... هـ ... بيطرة ... "
1840م
52 ... غاية المرام ... جريجوار ولابتو ... فرعون ... " ... " ... هـ ... ط. بيطري ... "
في أدوية الأسقام ... 1840م
53 ... ضياء النيرين في مداواة العينين ... د. لورنس ... أحمد الرشيدي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1840م
54 ... منتهي البراح في علم الجراح ... برانس ... يوسف فرعون ... " ... " ... هـ ... ط.بيطري ... "
1840م
55 ... الأمراض الظاهرة في الطب ... مجهول ... يوسف فرعون ... " ... " ... هـ ... ط. بيطري ... "
1840م(1/294)
56 ... روضة الأذكياء ... لا فارج ... يوسف فرعون ... " ... " ... هـ ... ط. بيطري ... "
في علم الفيسيولوجيا ... 1840م
57 ... كتاب الجبر والمقابلة ... ماير ... محمد بيومي ... " ... " ... هـ ... أدب ... "
1840م
58 ... نزهة المحافل في معرفة المفاصل ... ريجو ... محمد عبد الفتاح ... " ... " ... هـ ... ط. بيطري ... "
1841م
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... من اللغة ... إلى اللغة ... سنة الطبع ... الفن ... مكان الطبع ... ملاحظات
59 ... الدر اللامع في النبات ومافيه من الخواص والمنافع.. ... الدكتور انطوان فيجري ... حسين غانم ارشيدي ... " ... " ... هـ ... نبات ... "
1841م
60 ... جيوديزي أي فن أعمال الخرائط ... مجهول ... إبراهيم رمضان ... " ... " ... هـ ... رسم خرائط ... "
1841م
61 ... ميكانيكية أي علم جر الأثقال ... تركم ... محمد بيومي ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... ميكانيكا ... "
أحمد طائل ... 1841م
62 ... تركيب آلات ... مجهول ... احمد طائل ... " ... " ... هـ ... ميكانيكا ... "
1841م
63 ... مثلثات المستوية والكروية ... مجهول ... أحمد دقلة ... " ... " ... هـ ... هندسة ... "
1841م
64 ... الهيدروليك أي ... دوبويسون ... أحمد دقله ... " ... " ... هـ ... هيدروليكا ... "
علم حركة وموازنة المياه.. ... 1840م
65 ... الأقوال المرضية ... مجهول ... عبد الله أبو مسعود ... " ... " ... هـ ... جيولوجيا ... "
في علم بنية الكرة الأرضية ... 1841م
66 ... نظم اللآلي في السلوك في من حكم فرنسا من الملوك ... مجهول ... عبد الله أبو السعود ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... تاريخ ... بولاق
1841م
67 ... مطالع شموس السير في وقائع كرلوس ... فولتير ... محمد مصطفى البياع ... " ... " ... هـ ... تاريخ ... بولاق
1841م
68 ... طالع السعادة والإقبال في علم الولادة وأمراض النساء والأطفال ... مجهول ... علي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
هيبة ... 1842م
69 ... نزهة الرياض في علم الأمراض ... مجهول ... يوسف فرعون ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1842م
70 ... الجواهر السنية في الأعمال الكيماوية ... دكتور برون ... الهراوي والتونسي ... " ... " ... هـ ... كيمياء ... "
1842م
71 ... اتحاف الملوك الألبان بتتقدم الجمعيات في بلاد أوربا وهي مقدمة تاريخ شارل الخامس ... روبرتستن ... خليفة محمود ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... تاريخ ... "
1842م
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... من اللغة ... إلى اللغة ... سنة الطبع ... الفن ... مكان الطبع ... ملاحظات(1/295)
72 ... روضة النجاح الكبرى في العمليات الجراحية الصغرى ... من كتب مختلفة ... محمد علي البقلي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1843م
73 ... رسالة في مرض الحمى... ... كلوت بك ... مجهول ... " ... " ... هـ ... " ... "
1843م
74 ... أحسن الأغراض في التشخيص ومعالجة الأمراض ... مجهول ... د.محمد ... " ... " ... هـ ... " ... "
الشافعي ... 1843هـ
75 ... الطب العملي... ... واتيل ... محمد عبد ... " ... " ... هـ ... بيطري ... "
الفتاح ... 1843م
76 ... افاضة الأذهان في رياضة الصبيان ... مجهول ... محمد الشيمي ... " ... " ... هـ ... حساب ... "
1843م
77 ... رضاب الغانيات في حساب المثلثات ... مجهول ... أحمد دقلة ... " ... " ... هـ ... مثلثات ... "
1843م
78 ... أحل الأسباب في احل الاكتساب... ... طابوا لإنجستاني ... فرعون ... " ... " ... هـ ... زراعة ... مخطوط
1843م
79 ... قرة النفوس والعيون بسبر ما توسط من القرون ... مجهول ... مصطفى سيد ... " ... " ... هـ ... تاريخ ... بولاق
1844م
80 ... بهجة الرؤساء في أمراض النساء... ... مجهول ... أحمد الرشيدي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1844م
81 ... مشكلة اللائذين في علم الأقرباذين ... لابتوت ... محمد عبد الفتاح ... الفرنسية" ... العربية ... هـ ... طب ... "
1844م
82 ... كنوز الصحة ومواقيت المنحة ... كلوت بك ... محمد الشافعي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1844م
83 ... الدور الفوال في معالجة أمراض الأطفال ... كلوت بك ... محمد الشافعي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1844م
85 ... رسالة في الطب البيطري ... مجهول ... فرعون ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1844م ... بيطري
86 ... البهجة السنية في أعمار الحيوانات الأهلية ... دكتور جيرار ... محمد عبد ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1844م ... بيطري
87 ... مختصر علم الميكانيكا.... ... مجهول ... أحمد فايد ... " ... " ... هـ ... ميكانيكا
1844م
88 ... القانون الرياضي في فن تخطيط الأراضي ... مجهول ... إبراهيم رمضان ... " ... " ... هـ ... مساحة
1844م
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... من اللغة ... إلى اللغة ... سنة الطبع ... الفن ... مكان الطبع ... ملاحظات
89 ... تهذيب العبارات في فن أخذ المساحات ... لوكوه ... السيد عماره ... " ... " ... هـ ... مساحة ... "
1844م
90 ... اتحاف ملوك ... روبرتسون ... خليفة محمود ... " ... " ... هـ ... تاريخ ... "
الزمان بتاريخ الإمبراطور شرلكان ... 1844م
91 ... كشف رموز السر المصون في تطبيق الهندسة على الفنون ... مجهول ... عيسى زهر صالح مجدي ... " ... " ... هـ ... هندسة ... بولاق
محمد الحلواني ... 1268هـ
1854م(1/296)
92 ... نزهة الإقبال ... مجهول ... أحمد الرشيدي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
في مداواة الأطفال ... 1844م
93 ... اللآلئ البهية ... مجهول ... ابراهيم رمضان ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... هندسة ... "
في الهندسة الوصفية ... 1844م
94 ... الروضة البهية ... مجهول ... أحمد الرشيدي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
في مداواة الأمراض الجلدية ... 1845م
95 ... نخبة الأمائل في علاج تشوهات المفاصل ... مجهول ... أحمد الرشيدي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1263هـ
1845م
96 ... قانون الصحة البيطرية.. ... لويس غرونيه ... محمد عبد الفتاح ... " ... " ... هـ ... ط.بيطري ... "
1846م
97 ... المنحة لطالب قانون الصحة... ... غرونيه ... محمد عبد الفتاح ... " ... " ... هـ ... ط. بيطري ... "
1846م
98 ... سياحة في أميركا... ... هنري مركام ... سعد نعام ... " ... " ... هـ ... رحلات ... "
1845م
99 ... سياحة الهند..... ... أوبير ثرولد ... إبراهيم البياع ... " ... " ... هـ ... رحلات ... "
1849م
100 ... التنقيح الوحيد في التشريح الخاص الجديد ... كرووليه ... محمد الشباسي ... " ... " ... هـ ... طب ... "
1850م
101 ... الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر ... فولتير ... أحمد عبيد الطهطاوي ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... تاريخ ... بولاق
102 ... الروضة الزهرية في الهندسة الوصفية ... مجهول ... ابراهيم رمضان ... " ... " ... هـ ... هندسة وصفية ... الهند
1852م ... سخانة
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... من اللغة ... إلى اللغة ... سنة الطبع ... الفن ... مكان الطبع ... ملاحظات
103 ... المنحة اللدنية في الهندسة الوصفية ... " ... ابراهيم رمضان منصور عزمي ... " ... " ... هـ ... " ... الهند
1853م ... سخانة
104 ... النخبة الحسابية للمدارس العسكرية ... " ... صالح مجدي ... " ... " ... هـ ... حساب ... الهند سخانة
1853م
105 ... الدرة السنية في الحسابات الهندسية ... " ... مجهول ... الفرنسية ... العربية ... هـ ... هندسة ... الهند سخانة
1835م
106 ... الدر المنثور في الظل والمنظور ... اختيار ابراهيم ... صالح مهدي رمضان ... " ... " ... هـ ... هندسة ... الهند سخانة
1835م
107 ... حساب التمام والتفاضل... ... مجهول ... محمود أحمد ... " ... " ... مجهول ... حساب ... مجهول
108 ... القانون الثاني في درس العسكري ... مجهول ... مجهول ... " ... " ... هـ ... مجهول ... بولاق
المؤلف ... : بنيت هذه التطبيقات الإحصائية على ماأمكن الوصول إليه من بيانات عن الكتب التي ترجمت خلال ذلك العهد، يمكن الإضافة حسب الرغبة.(1/297)
جدول آخر بعناوين عدد من الكتب المترجمة في عصر النهضة ومابعدها، فهو يتناول بعض الترجمات الأدبية والفلسفية والإجتماعية والسياسية لعائديتها إلى دائرة الآداب والعلوم، ولم يتعرض للترجمات الزراعية والإقتصادية والعسكرية والهندسية وغيرها، كما قد اقتصر هذا الجدول على الترجمات التي عرف أسماء مؤلفيها ومترجميها ومكان نشرها وتاريخه.
وفي اعداد هذا الجدول اعتمد على (معجم المطبوعات العربية والمعربة، ليوسف اليان سركيس الصادر في مصر عام 1928. وعلى فهارس المكتبة الشرقية في جامعة القديس يوسف وعلى مجلات عصر النهضة وكتب أخرى، وهو منسق وفق الترتيب الزمني للتاريخ والنشر.
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع
1 ... قصة روبنسون كروزي.. ... دانيال ... بطرس البستاني ... فرنسي ... م ... أدب ... مالطة
ديفو
2 ... المنطق.... ... الكردينال ... ر.الطهطاوي ... فرنسي ... م ... أدب ... بولاق مصر
دومرسيه
3 ... تنوير المشرق بعلم المنطق ... الكردينال ... خليفة محمود ... " ... م ... " ... "
دومرسيه
4 ... مطالع شموس السير في وقائع كارلس الثاني عشر ... فولتير ... محمد مصطفى ... " ... م ... تاريخ ... "
5 ... سياحة إفريقيا... ... هنري ماركام ... سعد نعام ... الفرنسية ... م ... سياحة ... "
6 ... سياحة الهند.... ... " ... " ... " ... م ... " ... "
7 ... المصابيح المنترة في توزيع القرون الأخيرة ... فيلكس راكون ... حنفي هند بن اسماعيل ... " ... م ... تاريخ ... "
8 ... العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ ... ايشوب ... عثمان جلال ... فرنسي ... م ... أدب ... مصر
9 ... بيان حسن حال فرنسا... ... نابليون ... رشيد الدحداح ... " ... تاريخ ... باريس
10 ... رواية دموازيل، مالابيار..... ... مدام كارلس ريو ... سليم بسترس ... " ... م ... قصة ... بيروت
11 ... التمثال السياسي لحضرة نابليون 3 ... ديلاكرونير ... الدحداح ... " ... سياسة ... بيروت
12 ... بولس وفرجيني ... هنري برناردينه سان بيار ... سليم الصعب ... " ... م ... قصة ... "
13 ... العرش والهيكل ... فولتير ... جبرائيل ... " ... قصة تاريخية ... باريس
عبد الله دلال
14 ... تاريخ الحروب الصليبية..... ... مكسيموس مونرو ... البطرك مكسيموس مظلوم ... افرنسي ... م ... تاريخ ... القدس(1/298)
15 ... قصة الهزار... ... كريستوف شميدت ... الأمير داود ... فرنسي ... م ... قصة ... بيروت
قيد بيه
16 ... مواقع الأفلاك في وقائع تليماك ... فنيلون ... الطهطاوي ... " ... م ... تاريخ ... بيروت
رفاعه
17 ... رواية معدن الذهب..... ... ايلبابرته ... يوحنا أبي حمد الحلياني ... " ... م ... رواية ... "
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع
18 ... كنيسة الروم الشرقية ازاء المجمع المسكوني ... كوتر له ... جرجي زوبن ... " ... م ... اثار ... "
19 ... قصة الكونت دو مونتو كريستو ... الكسندر ... بشاره شديد ... " ... م ... قصة ... وادي النيل
20 ... تاريخ حرب الإنكليز والحبشة.... ... تيوفيل مواليمير ... خليل شماس ... " ... م ... تاريخ ... بيروت
21 ... العقد النظيم في مأخذ جميع الحروف المصرية من اللسان القديم ... هنري بركس ... مطبعة المدارس ... " ... م ... علوم ... مصر
22 ... الأماني والمنة في حديث قبول ورود جنة ... هنري ... عثمان جلال ... " ... / ... " ... مصر
23 ... خلاصة تاريخ الكنيسة.... ... لومند ... يوسف البستاني ... " ... م ... تاريخ ... بيروت
24 ... الرحلة الجوية في المركبة الهوائية ... جول فيرن ... يوسف سركيس ... " ... م ... رواية ... بيروت
25 ... قانون التجارة العثمانية... ... المحامي بيت اسكندر ... الدحداح ... " ... م ... تاريخ ... بيروت
26 ... تاريخ اليونان... ... دوروي ... جرجي ديمتري سرسق ... م ... " ... بيروت
27 ... المغرب المطرب..... ... هنس كريستيان ... اندرسون ... " ... م ... سياحة ... بيروت
38 ... رواية جنفياف... ... كريستوف شميدت ... ميخائيل حهشان ... فرنسية ... م ... أدب ... بيروت
39 ... تاريخ الإصلاح في القرن السادس عشر ... ميرل دوبينياه ... كرنيليوس ... " ... م ... تاريخ ... "
40 ... الإنتقام... ... بيار زاكون ... سليم نقاش وأديب اسحق ... " ... م ... قصة ... مصر
41 ... سر النجاح... ... صموئيل سميلز ... يعقوب صروف ... " ... م ... " ... بيروت
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع
42 ... الكونت ده مونتغوميري... ... الكسندر دوماس ... قيصر زيتية ... " ... م ... تاريخ ... مصر
43 ... اتالا..... ... شاتوبريان ... جميل نخلة ... " ... م ... قصة ... بيروت
44 ... كتاب الفلسفة..... ... القس بوتييه ... جرجس صعب ... " ... م ... فلسفة ... "
45 ... الباريسية الحسناء... ... الكونتيس داش ... أديب اسحق ... " ... م ... قصة ... بيروت(1/299)
46 ... الرحلة العلمية في قلب الكرة الأرضية ... جول فيرن ... اسكندر عمون ... " ... م ... سياحة ... الإسكندرية مصر
47 ... وقائع تليماك..... ... فنيلون ... جرجس شاهين عطيه ... " ... م ... تاريخ ... بيروت
48 ... ماتيلدا....... ... أوجين سو ... سامي القصيري ... " ... م ... قصة ... بيروت
49 ... قصة بيت شونمبرغ وكوتا....... ... مدام تشارلس ... كرنبليوس ... " ... م ... " ... "
فنديك
50 ... ذات النقاب..... ... أميل ريشيور ... يوسف أصاف ... " ... م ... " ... مصر
51 ... روح الشرائع.... ... بنثام الفيلسوف ... أحمد فتحي زغلول ... " ... م ... قوانين ... "
52 ... الفرسان الثلاثة..... ... الكسندر توماس ... نجيب حداد ... " ... م ... قصة ... "
53 ... منيرة أو صاحبة معمل الحديد ... جورج أوهنة ... نجيب غرغور ... " ... م ... " ... "
54 ... الطواف حول الأرض في ثمانين يوماً ... جول فيرن ... يوسف أصاف ... " ... م ... جغرافيا ... "
55 ... بريطانيكوس....... ... راسين ... جرجي بليط ... " ... م ... " ... بيروت
56 ... السر الخفي في الصدر الوفي.... ... الكونتس داش ... شكري ... " ... م ... قصة ... "
بشاره أرقش
57 ... الأربع روايات من نخب التيارات ... موليير ... عثمان حلال ... م ... رواية ... مصر
1- الشيخ متلوف 2- النساء العالمات 3-مدرسة الأزواج 4-مدرسة النساء
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع
58 ... كشف المكتوم عن آخر سلاطين الروم ... الأب ده كوبيه اليسوعي ... خليل بدوي ... " ... م ... تاريخ ... بيروت
59 ... أصول الشرائع...... ... بنثام الفيلسوف ... أحمد فتحي زغلول ... " ... م ... قوانين ... مصر
60 ... غصن البان في رياض الحنان.... ... لامارتين ... نجيب الحداد ... " ... م ... قصة ... مصر
61 ... الرحلة الكاليفورنية.... ... الكسندر دوماس ... عفيفة أظن الدمشقية ... " ... م ... " ... "
62 ... في الزوايا خبايا (أو) كشف أسرار اليهود ... جورج كورنيليان ... نجيب الحاج ... " ... م ... تاريخ ... "
64 ... التربية الاستقلالية.ط2.. ... الفونسى اسكيروس ... محمد عبد ... " ... م ... تربية ... "
65 ... اصول النواميس والشرائع.... ... مونتبسكيو ... يوسف اصاف ... " ... م ... قوانين ... "
66 ... تحفة المغارب في سيدة لورد أم العجائب ... ربيبة دانيال ... القس ... " ... م ... ديني ... بيروت
أفرام الديراني
67 ... الرحلة السورية في اميركا المتوسطة الجنوبية ... هنري لامنس ... رشيد الخوري ... " ... م ... سياحة ... بيروت(1/300)
68 ... رواية الشاعر روبير.... ... هنري ده بورنييه ... نجيب فارس باخوس ... " ... م ... رواية ... بعبدا لبنان
69 ... غرام الأخوين.... ... بونسون ده تيراي ... نجيب حداد ... " ... م ... قصة ... الإسكندرية مصر
70 ... غرام واحتيال.... ... بولين كمال ... " ... " ... م ... " ... "
71 ... الرحلة الشتوية في الجهات الثلجية ... جول فرن ... توفيق دوبارية ... " ... م ... قصة سياحية ... مصر
72 ... مائة مثل من أمثال العالم ايزوب ... ازوب ... القس أفرام الديراني ... " ... م ... رواية ... بيروت
73 ... المعاهدات الدولية التي عقدتها الدولة العليّة مع الدول الأوروبية ... " ... يوسف أصاف ... " ... م ... سياسة ... مصر
74 ... آخر بني سراج... ... شاتوبريان ... شكيب ارسلان ... الفرنسية ... م ... تاريخ وقصة ... مصر
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع
75 ... العقيدة الإسلامية.... ... عبد الله كويليام الانكليزي ... محمد ضياء ... الإنكليزية ... م ... ديانة ... مصر
76 ... الشقيقان.... ... هنري لامنس ... إدار ة المشرق وانطون شحبير ... الفرنسية ... م ... قصه ... بيروت
77 ... اندروماك.... ... جان راسين ... أديب اسحق ... " ... م ... رواية ... مصر
78 ... تنازع الشرف والغرام..... ... بيار كورني ... شاكر عازار نجيب زلزل ... " ... م ... قصة ... لبنان
79 ... عثاليا.... ... جان راسين ... نجيب جهشان ... " ... م ... رواية ... بيروت
80 ... التعليم والتربية عند نساء أسمير ... سرفانتس ... محمد ضياء ... الإنكليزية ... م ... تربية ... مصر
81 ... سر تقدم الإنكليز السكسونيين ... ادمون دومولان ... أحمد فتحي ... " ... م ... سياسة ... مصر
82 ... ثمرة الحياة.... ... لسرجون ليبوك ... حسن رياض ... " ... م ... سياسة ... مصر
83 ... تاريخ لبنان.... ... مارتين اليسوعي ... رشيد الخوري ... الفرنسية ... م ... تاريخ ... بيروت
84 ... تهذيب الأخلاق أو القواعد الأدبية التهذيبية ... يوحنا دولاسال ... يوسف الشرتوني ... " ... م ... اداب ... بعبدا لبنان
85 ... الفارس الأسود.... ... الأب كامل اليسوعي ... نجيب حبيقة ... " ... م ... قصة ... " "
86 ... حياة سيدنا يسوع المسيح... ... لاكامي ... بطرس مبابك ... " ... م ... تاريخ ... بيروت
87 ... باريس الخفية ورجال السيف. ... بونسون ده تيرال ... زكي مابرو ... " ... م ... " ... مصر
88 ... كيف تفوز في معترك الحياة ... مكس نوردو ... حسن رياض ... " ... م ... رواية ... مصر
89 ... كلمة عن النساء... ... شوبنهور ... حسن رياض ... " ... م ... تربية ... مصر(1/301)
90 ... التربية الحديثة.... ... أدمون دومولات ... حسن توفيق ... " ... م ... تربية ... مصر
91 ... تاريخ الأمة القبطية وكنيستها ... الآنسة ا.ل. بنشر ... تادروس شنودة ... الإنكليزية ... م ... تاريخ ... مصر
92 ... الأمومة عند العرب...... ... دبلن الهولندي ... بندلي صليبا ... م ... اداب ... مصر
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع
93 ... بولس وفرجيني ... هنري برناردين ده سان بيار ... فرح انطون ... الفرنسية ... م ... قصة ... مصر
94 ... حبيس بحيرة قدس........ ... هنري لامنس ... رشيد الخوري الشرتوني ... " ... م ... " ... بيروت
95 ... القائدان...... ... الكسندر دوماس ... نسيب مشعلاني ... " ... م ... " ... مصر
96 ... البؤساء...... ... فيكتور هيغو ... حافظ ابراهيم ... فرنسي ... م ... اداب ... مصر
97 ... بليزار...... ... جان فرنسوا مرمونتيل ... عباس أبي نحول ... إسباني ... م ... قصة ... البرازيل
98 ... تاريخ الرسل.... ... ارنست رينان ... فرح انطون ... الفرنسية ... م ... تاريخ ... مصر
99 ... السماء ومافيها من الأجرام ... كميل فلاماريون ... " ... " ... م ... قلك ... مصر
100 ... لويس غونزاغا.... ... الأب دولابورت اليسوعي ... يوسف شبلي أبو سليمان ... " ... م ... ديني ... بيروت
101 ... تاريخ المسيح... ... أرنست رينان ... فرح انطون ... فرنسي ... م ... تاريخ ... مصر
102 ... ثارات العرب..... ... فيكتر هيغو ... نجيب حداد ... " ... م ... " ... مصر
103 ... الطبيب المغضوب.... ... موليير ... " ... " ... م ... قصة ... مصر
104 ... حديث ليلة.... ... اسكندر دوماس الأب ... " ... " ... " ... مصر
105 ... حلم الملوك سنا أو عدل قيصر ... بيار كورنيي ... " ... " ... م ... " ... مصر
106 ... الرجاء بعد اليأس... ... جان راسين ... " ... " ... م ... " ... مصر
107 ... السيد أو غرام وانتقام.... ... بيار كورنيبي ... " ... م ... " ... مصر
108 ... مسرات الحياة.... ... اللورد افبري ... خليل ثابت ... انكليزي ... م ... أدب قصة ... الخرطوم
109 ... اوديب-أو- السرالهائل... ... فولتير ... نجيب حداد ... م ... قصة ... مصر
110 ... حقوق المرأة في الإسلام... ... أحمد أجاييف ... سليم قبعين ... التركية ... م ... تشريع ... مصر
111 ... هانيا........ ... هنريك سنكيفتش ... عبدالقادر حمزة ... م ... قصة ... مصر
112 ... سر الإعتراف... ... الكسندر دوماس الأب ... صالح جودت ... الفرنسية ... م ... مصر
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع(1/302)
113 ... أصحاب المليون.... ... كزافيه ده مونتيبان ... طانيوس عبدو ... " ... م ... قصة ... "
114 ... ام روكامبول... ... بونسون دوتيراي ... " ... " ... م ... " ... "
115 ... حوريات البان..... ... كزافيه دي مونتيان ... " ... " ... م ... " ... "
116 ... الذخيرة.... ... اسطفان دوبوا ... شبلي ملاط ... م ... بيروت
117 ... القواعد المنطقية...... ... تونجورجي اليسوعي ... جرجس صغير ... مصر
118 ... ضحية العفاف.... ... الكسندر دوماس الأب ... صالح جودت ... م ... مصر
119 ... اليد الأثيمة والسلاح الخفي ... الكسندر دوماس ... صالح جودت ... م ... مصر
120 ... روكامبول..... ... يونسون دو تيراي ... طانيوس عبده ... م ... مصر
121 ... الكوخ الهندي أو أين نجد الحقيقة وكيف نجدها.... ... هنري برناردين ... فرح انطون ... انكليزي ... م ... قصة ... نيويورك
دوسان بيار
122 ... الوصية الحمراء..... ... كزافيه ده مونتيبيان ... طانيوس عبدو ... م ... " ... مصر
123 ... الفضيلة والرذيلة.... ... جورج أوهنه ... محمد كرد علي ... فرنسي ... م ... أداب ... مصر
124 ... حب في ثورة أوشيفاليه البيت الأحمر ... الكسندر دوماس ... الأب نقولا حداد ... انكليزي ... م ... قصة ... نيويورك
125 ... حداثة هنري الرابع..... ... الكسندر دوماس ... نجيب ابراهيم طراد ... فرنسي ... م ... تاريخ ... مصر
126 ... الطفل المفقود...... ... مكسيم فيلمر ... نقولا رزق ... انكليزي ... م ... قصة ... مصر
127 ... الطفل المفقود.... ... " ... " ... " ... " ... " ... "
128 ... أميرة انكلتره.... ... مدام كونان ... أسعد داغر ... " ... " ... " ... "
129 ... اعترافات ارسين لوبين... ... موريس لوبلان ... ترجمة-ع- ... " ... " ... "
130 ... قاطع الحبل...... ... جول ماري ... نقولا رزقلله ... " ... " ... "
131 ... المجرم البريء.... ... " ... محمد كر د علي ... " ... "
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع
132 ... استير....... ... جان راسين ... الياس طنوس الخويك ... " ... لبنان
133 ... الأبيض والأسود ... فيكتور هيغو ... نقولا رزقلله ... فرنسي ... " ... مصر
134 ... حياتنا الأدبية والواجبات ... شيسرون ... صالح حماد ... " ... أدب ... مصر
135 ... القانون الطبيعي..... ... فولني ... صالح حماد ... " ... تشريح ... مصر
136 ... محمد علي.... ... موهل بك الألماني ... نسيب المشعلاني ... الألمانية ... " ... سياسة ... مصر
137 ... تاريخ الحضارة..... ... شارل سينبوبوس ... محمد كرد علي ... فرنسي ... م ... تاريخ ... مصر(1/303)
138 ... التربية..... ... سنبسر الإنكليزي ... محمد السباعي ... انكليزي ... " ... فلسفة ... مصر
193 ... أتالا أو الحب والجهل والدين في ظلمات أميركا الأولى ... شاتوبريان ... فرح انطون ... " ... " ... قصة ... نيويورك
140 ... ضحايا الأقدار..... ... ألين فورنييه ... عبد القادر حمزة ... م ... " ... مصر
141 ... خاتم عقد بني سراج ... شاتوبريان ... محمد المشيرفي ... فرنسي ... " ... " ... تونس
142 ... تاريخ التمدن الحديث... ... شارل سينيوبس ... جرجي يني ... " ... " ... تاريخ ... مصر
143 ... الشهيدة ... الكاتبين الفرنسيين دانري وتاربي ... الياس فياض ... " ... " ... قصة ... مصر
144 ... الذمم في أحوال الأمم... ... د.ف كرفتس ... بشاره البارودي ... " ... قوانين ... بيروت
145 ... ثمرة الحياة..... ... اللورد أفبري ... حسن رياض ... انكليزي ... " ... قصة ... مصر
146 ... تربية البنات ... فينيلون ... صالح حماد ... " ... تربية ... مصر
147 ... رحلات جلّفر.... ... جونثان سويفت ... صبري ... " ... سياحة ... مصر
عبد الفتاح
148 ... روح الاجتماع.... ... جوستاف لوبون ... أحمد فتحي زغلول ... فرنسي ... " ... اجتماع ... مصر
149 ... ألف خيال وخيال..... ... الكسندر دوماس ... الأب نقولا رزق ... " ... م ... قصة ... مصر
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع
150 ... الثورة الفرنسية... ... " ... فرح انطون ... " ... " ... سياسة ... مصر
باختصار
151 ... ميتة الأحياء...... ... " ... ترجمة س ... " ... " ... قصة ... مصر
152 ... أتالا ورينه.... ... شاتوبريان ... مارون عبود ... الفرنسية ... " ... " ... لبنان
153 ... غريم شرلوك هرمز...... ... موريس ليبلان ... نقولا رزفلله ... " ... " ... " ... مصر
154 ... أرسين لوبين اللص الشريف ... موريس ليبلان ... عبد القادر حمزة ... " ... " ... " ... "
155 ... غادة الربيع.... ... جول ماري ... نقولارزق الله ... " ... " ... " ... "
156 ... الفلسفة النظرية والحكمة البشرية ... الكاردينال مرسييه ... نعمة الله أبو كرم ... " ... -1913 ... فلسفة ... بيروت
157 ... درة العفاف.... ... الفريد ده موسيه ... استير مويال ... الفرنسية ... م ... قصة ... بيروت
أدبية
158 ... ثمرة الحياة... ... اللورد افبري ... وديع البستاني ... الفرنسية ... م ... أدب ... مصر
159 ... السعادة والسلام.... ... " ... " ... " ... " ... " ... "
160 ... قصيدة الفارس..... ... آدم متكيفتشي ... د. جمالي ... " ... شعر ... "
161 ... تاريخ الكتاب المقدس ... شوستر ... وسطاكيوس سركيس ... " ... تاريخ ... بيروت(1/304)
162 ... النخبة من أمثال فنيلون ... فنيلون ... جرجس شلحت ... " ... حلب
163 ... كتاب الأخلاق... ... صموئيل سميلز ... محمد صادق حسين ... " ... أدب ... مصر
164 ... عقد الملكة.. ... الكسندر دوماس الأب ... نقولا حداد ... م ... قصة ... مصر
165 ... غرازيلا..... ... لامارتين ... اسكندر كرباج ... فرنسية ... م ... قصة ... البرازيل
166 ... من أين جئنا... ... الأب مورو ... الخوري لويس دريان ... " ... بيروت
167 ... وصية المسيح الأخيرة على الصليب ... بلامينوس ... باسيليوس حجار ... فرنسية ... " ... ديني ... بيروت
168 ... الأبطال.... ... توماس كارليل ... محمد السباعي ... " ... تاريخ ... مصر
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع
169 ... تاريخ الفنون الجميلة اليونانية ... هـ.ب ... شكري صادق ... " ... تاريخ ... مصر
ولتز
170 ... كتاب البنين... ... بول دومير ... عبد الغني العريسي ... " ... قصة ... مصر
171 ... رواية البائسين... ... فيكتور هيغو ... جرجي وصموئيل يني ... " ... رواية ... لبنان
172 ... رواية تليماك... ... فينيلون ... وديع الخوري ... م ... " ... بيروت
173 ... تاريخ الجريمة... ... فكتور هيغو ... أحمد رفعت ... فرنسي ... " ... تاريخ ... مصر
174 ... قدوة الحسان في ابنة رولان ... هنري دهـ فورنبيه ... الخوري ... " ... " ... رواية ... بيروت
بولس البستاني
175 ... وصايا الوطن العشر ... أمين فاكه ... إبراهيم سليم نجار ... م ... " ... مصر
176 ... فلسفة العمر.... ... الكونت ده سيغور ... صالح حماد ... "1912م ... " ... مصر
177 ... طبقات الأمم او السلائل البشرية ... المستر بثاني ... جرجي زيدان ... انكليزي ... م ... " ... مصر
178 ... سر تطور الأمم.... ... غوستاف لوبون ... أحمد فتحي زغلول ... م ... " ... مصر
179 ... كتاب الأمير...... ... مكيافيلي ... محمد لطفي جمعة ... م ... " ... "
180 ... دستور الرؤساء في سياسة مرؤسيهم ... الأب فالوي اليسوعي ... القس مارك المتيني ... فرنسي ... م ... لبنان
181 ... المركيز خان... ... هنري ده فورنييه ... الخوري أسطفان فريحة البشعلاني ... " ... بيروت
182 ... ملك العالم.... ... كزا فيه ده مونتيبان ... نقولا رزق الله ... " ... " ... " ... مصر
183 ... السلطان والحرية... ... ليون تولستوي ... يباوي غالي الدويري ... " ... مصر
184 ... محاسن الطبيعة وعجائب الكون ... اللورد افبري ... وديع البستاني ... " ... " ... مصر
185 ... نشوء فكرة الله...... ... غرانت الن ... سلامة موسى ... م ... مصر(1/305)
186 ... الواجب..... ... جول سيمون ... طه حسين بمساعدة محمد رمضان جزآن ... مصر
م ... اسم الكتاب ... المؤلف ... المترجم ... إلى العربية/عن ... سنة الطبع ... الإختصاص ... مكان الطبع
187 ... مقالة في الإسلام.... ... جورج سال ... هاشم العربي ... انكليزي ... م ... رواية ... مصر
188 ... جوامع الكلم... ... غوستاف لوبون ... أحمد فتحي زغلول ... م ... أدب ... مصر
189 ... واجبات الرجل..... ... يوسف مازيني ... محمد فتحي بشير ... م ... تشريع ... مصر
190 ... السر في خطاء القضاء... ... ف غيلرميه ... محمودضيف بمساعدة أحمد رشيدي ومحمد مسعود ... م ... مصر
191 ... ابن مونتز كريستو..... ... الكسندر دوماس ... الأب خليل الخوري كسيبه ... بيروت
192 ... حلم فيقظة... ... أوماونيOmany ... تلامذة الحكمة باشراف السوري نعمة الله باخوص. ... م ... بيروت
193 ... فيليب أوكيست في معركة بوفين ... الأب لونجي الدوري ... الياس الحايك ... الفرنسية ... م ... بيروت
(
( مراجع الكتاب.
1- الدكتور عمر التومي: مساهمة الإسلام في تطور التعليم العالي.
2- ابن النديم في كتاب الفهرست
3- البرقوقي في الخوارزمي العالم الفلكي الرياضي.
4- الأندلسي كتاب طبقات الأمم.
5- الطبري مختصر الدول.
6- ابن أبي أصيبعة عيون الأنباء في طبقات الأطباء.
7- سيفريد هونكه: كتاب شمس العرب تسطع على الغرب) منشورات دار الآفاق الجديدة-بيروت.
8- أبو علي عيسى بن زرعة وهو أحد المتقدمين في علم المنطق، والفلسفة، من النقلة الموثوقين.
9- محمد بن زكريا الرازي: ألف كتبا كثيرة واشتهر في علم الفلسفة والطب.
10- الجبرتي وأبو ديف التاريخ العلمي للحملة العسكرية الفرنسية والطب.
11- حوبير: وترجمته لجغرافية الشريف الإدريسي (نزهة المشتاق) الى اللغة الفرنسية.
12- جرجي زيدان: في التمدن الإسلامي.
13- كانيفه: ليوسف حبرا تاريخ دراسة اللغة العربية باوروبا.
14- الأب لويس شيخو: في المخطوطات العربية.
15- أحمد أمين: في فجر الإسلام.
16- عزة عبد الكريم: كتاب الخطط التوفيقية.
17- د. رفاعة: في مناهج الألباب.(1/306)
18- جمال الدين الشيال: في تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسية وعهد محمد علي.
19- فيليب حتي: في ماترجمه القس اسحق برد والقس وليم غودل عام 1833.
20- شحاده خوري: في كتاب الترجمة قديماً وحديثاً.
21- مونين: في كتاب الترجمة ودراسة اللغات.
22- جوزيف حجار: في كتاب دراسة في أصول الترجمة وفي معالجتها.
23- انطون مطر: في الترجمة العملية- بيروت.
24- كميل هشايمة: في كتاب ترجمة النصوص.
25- الأستاذ الزيات: في مجلة المقتطف.
26- الجاحظ: في كتاب الحيوان.
27- انطون فرح: في مقدمة (اتالا).
28- مايية وسوفاجيه MAYE SOUVAGER : في مؤتمر معهد اللغات عام 1934ئز
29- أحمد فارس الشدياق: في كنز الرغائب في منتخبات الجوانب الجزء 3.
30- مصطفى الشهابي: في المصطلحات العلمية.
31- وينريخ: في مؤلف القاص ... ...
32- مارتينيه: في كتابه الجدل حول تنازع الألسن. وهانس فوكت: في تشابك اللغات.
33- سوسير SAUSSURE في مؤلفه قواعد اللغة وتفرعاتها.
34- لطيف زيتون: في كتابه حركة الترجمة في عصر النهضة.
35- د. ممدوح حقي: دراسة منشورة في مجلة (شؤون عربية العدد11.
36- ممدوح خسارة: في كتاب التعريب والتنمية اللغوية.
37-أحمد عصام الدين: في كتاب حركة الترجمة في القرن العشرين.
38- الصفدي: أراء في الترجمة والمترجمين. مجلة المقتطف ت2- عام 1915.
39-كاسيرر KASSERER: في علم الضمائر المثالية، جريدة علم النفس عام 1929.
40- د. طه حسين في اناتول فرنس.
41- أنيس المقدسي: في الإتجاهات الأدبية مجلة الزهور 1912 جـ3.
42- الياس فياض: في ديوانه.
43-سولي برودوم SOLY BRODOM: ترجمة أمين الريحاني من العربية إلى الإنكليزية عام 1927.
44- أدمون كاري: في كتابه كيف تترجم.
45- بيريز هنري: في (الحوليات) للدراسات الشرقية في الجزائر لعام 1937.
46- نجم محمد يوسف: في القصة في الأدب العربي الحديث- مجلة النفائس عام 1913 السنة3.(1/307)
47- الخوري مارون غصن: في مجموعة أقاصيص مترجمة - بيروت 1911.
48- طانيوس عبدو: في رواية باردليان- ورواية بول وفرجيني عام 1902 الإسكندرية.
49- داغر يوسف أسعد: في الأصول العربية للدراسات اللبنانية.
50- جرجي زيدان: في تاريخ أداب اللغة العربية الجزء الرابع.
51- عمر طالب: في نشأة المسرحية العربية- مجلة أداب الرافدين بغداد 19710.
52- سليم النقاش: في التراث وفوائد الروايات. مجلة الجنان.
53- دغمان سعد الدين: في الأصول التاريخية لنشأة الدراما في الأدب العربي ...
54- جورج طنوس: في مقدمة مسرحية (الشعب والقصير).
55- يعقوب صنوع في مسرحية "صفصف"
56- نجيب جهشان: في مقدمة (عتليا).
57- أديب اسحق: في مسرحية اندروماك.
58- مارون النقاش: في مسرحية البخيل.
59- خليل مطران: الجنين الشهيد في مجلة الهلال- وفي ديوانه.
60- يوسف صغير: في الجمال والتواضع- وشبلي ملاط في ديوانه (الجمال والكبرياء)
61- شاكر شقير: في انتقاد اللهجة العربية المصرية.
62- سعيد الخوري الشرتوني: في "الفصاحة وكتاب العصر. في المقتطف عام 1900
63- ابراهيم يازجي- مجموعة مقالات نشرت متفرقة في مجلة الضياء. ثم جمعت في كتاب190.
64- ممدوح خسارة: فيما يتعلق بالترجمة الحرفية راجع ص:111- 123 والترجمة بالمعنى
65- الزركلي- الإعلام
66- ابن العماد الحنبلي- في شذرات الذهب فيما يتعلق بالمختصرات.
67- محمد كامل حسين: في اللغة والعلوم مجلة مجمع اللغة القاهرة ح-12-25 فيما يتعلق بالمختصرات.
68- عبدالكريم رافق- دراسات في تاريخ العرب الحديث- في المختصرات أيضاً
69- حسني سبح: نظرة في معجم (كليرفيل) 1995.
70- د. عصام الدين محمد علي: بواكير الثقافة الإسلامية وحركة النقل والترجمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــ
( المصادر الإفرنسية:
1: CDMOND CARRY: COMMENT FAUT IL TRADUIRE, 1986 ,UMIU DE LIBLE FRONEE 94 PAGE.(1/308)
2: MOUNIN Z LES PROBLEMES THEORIQUES DE LA TRADUCTION, 1963, GALLIMARD, DEPOT LEGAL ...
3: LOUIS J PRIETO; PRINCIPES DE NOOLOGIE 1964, MOUTON ET CIEس PARIS ...
4; SAUSSUR: COURS DE LINGUISTIQUE GENERALE 1973
5: ADMIRAL: LA CRISE DE LA PHYSIOLOGIE 1971- PARIS ...
6: ETIEMBLE COMMENT FAUT IL TRADUIRE
7: ANTOIN MATTAR: LA TRADUCTION PRATIQUE افرنسي - عربي 1971, L ER EDITION
8: GENEVIEVE CANTAMINE: 1986 TRADUCTION ET TRADUCTEUR EDITION CNRS PARIS
9: BULLETIN D’INFORMATION “TURJUMAN “NO 15 JUIN 1997 :FAUT- IL TOUT RETRADUIRE
تتناول الترجمة الأدبية /افرنسي - عربي/ والمصطلح
10- مقتطفات من كتب أخرى تحوي أفكار عن الترجمة.
( المصادر العربية:
1- جمال الدين الشيال- تاريخ الترجمة في عصر محمد علي وفي عصر الحملة الإفرنسية1950دار الفكر بمصر
2- أحمد عصام الدين: حركة الترجمة في مصر في القرن العشرين 1986مركز وثائق مصرالمعاصر.
3- لطيف زيتوني: حركة الترجمة في عصر النهضة 1994.
4- شحادة الخوري : الترجمة قديماً وحديثاً 1988
دار المعارف للطباعة والنشر سوسة تونس.
5- دراسة في أصول الترجمة: جوزيف حجار افرنسي عربي
دار المشرق- بيروت- لبنان 1970.
6- د. عصام الدين محمد علي بواكير الثقافة الإسلاميةوحركة النقف والترجمة منشأةالمعارف بالإسكندرية
7- اللسان العربي المجلد7 جزء1 - 1970 المكتب الدائم لتنسيق التعريب في العالم العربي.
8- اللسان العربي 1983.
9- ممدوح خسارة: التعريب والتنمية اللغوية: 1994.
دار الأهالي دمشق.
10- نشر اخبارية في جريدة النهار 1996 العدد 14
العنوان أنظمة الترجمة/ أين المترجم من حقوق المؤلف/ الترجمة وحقوق المؤلف.
م ... المطلوب ... الصفحة في المخطوط ... الإجابة(1/309)
2 ... من أين جاء تعريف الترجمة ... 1 ... ذكرت مصادر التعريف للترجمة في نهاية ص1 من المخطوط. بعد التنسيق بين الأفكار أو الصيغ المترجمة من الكتب الأجنبية المذكورة وبين ماورد في المصادر العربية.
مع العرض بأن المقدار التقريبي المترجم من الكتب الأجنبية هو (40/45%) والذي ناله التأليف
(10-25%) والإعداد والتحقيق 040-45%). وذلك جواباً لما جاء بالسؤال الوارد في مقدمة المخطوط.
3 ... وجوب الإشارة إلى مصدر هذا الإستنتاج هذا انشاء وليس أين قامت هذه الترجمات للروايات البوليسية ... 2 ... الإجابة : وردت في المسلسل أعلاه.
4 ... 3 ... أضيف جملة من حيث المضمون، بعد ورود التعريف في ص1
5 ... 5 ... أجيب على ذلك بموجب هامش في الفحة5
6 ... هل هذا طريق اتصال باليونان ... 9 ... راجع د. عصام الدين محمد علي ص-10-11 كتابه (بواكير الثقافة الإسلامية وحركة النقل والترجمة منشأة المعارف بالإسكندرية لم يذكر التاريخ للطبع.
7 ... هل كانت المدارس تعود إلى تلك المرحلة أو كانت المسيحية قد نشرها السوريون ... - راجع ص10-11-12 في كتاب د. عصام الدين محمد علي، المذكورة أعلاه. علماً بأن الدارس التبشيرية وجدت بلبنان وسورية منذ عام (1860) بموافقة الدولة العثمانية حينذاك.
8 ... هناك انتقال من مرحلة إلى مرحلة دون مبرر طالما أن هناك مراحل تحدث عنها الكتاب. ... 11 ... - شحادة الخوري (الترجمة قديما- وحديثاً-ص-37- سوسة- تونس.
- جمال الدين الشيال: تاريخ الترجمة في عصر محمد علي وفي عصر الحملة الإفرنسية- 1950- دار الفكر العربي.
9 ... من أين هم هؤلاء الرهبان ... 17 ... - راجع: جمال الدين الشيال، فس المصدر أعلاه ص- (70-78).
حيث ورد فيه، أن الرحالة "بروكي" مرّ بمصر في 5/12/1822 وزار مدرسة بولاق وروى أنه رأى بين هيئة المدرسين ثلاثة من الرهبان هم -فون- كارلو- بيلوت- والأب سكاليوتي- ودون رارفئيل- الذي كان يقوم بتدريس اللغة العربية.
11 ... متى أنشئت مدرسة الولادة ومدرسة الطب البيطري ... 20 ... -نفذ المطلوب
21(1/310)
12 ... - نفذ المطلوب بإعادة تدقيقق التواريخ الواردة في المخطوط.
وتطابقها مع بعضها (أي تطابق التاريخ الهجري مع الميلادي.
14 ... ذكر المصادر بشكل كامل ... بعد ذكر أغلبية الكتب المترجم منها من اللغة الإفرنسية وبعض الكتب العربية أُستكمل تدوين المصادر في صفحات المخطوط.
15 ... المطلوب تصويبه بحسب الملاحظات الواردة نتيجة التدقيق. ... كامل المخطوط ... - أجيب عليها بنفس الصفحة أو بالإجابة المنفصلة المرفقة.
16 ... اختصار الحديث عن تاريخ الترجمة في مقدمة قصيرة ... - إن المخطوط بكامله يتناول موضوع الترجمة، ولايوجد أي عنوان في المخطوط باسم "تاريخ الترجمة" سوى عنوان الغلاف وقد حرص المخطوط على أبرازها الترجمة خلال عصر النهضة، مستلهما عودة هذا الإهتمام خصة للترجمات التقنية في/ / / 1998 سالم سليمان العيسى.
((
( المصادر:
-انطون مصر- ما هي الترجمة- وكيف تترجم- كتاب LA TRADUTION PRATIGUE ص13-14
-LOUIS (في كتابه: PRINCIPE DE NEOOLOGIE ) ص11-26 عام 1964.
-R.H- ROBIN (في كتابه LINGUISTIGUE GENERALE) ص (40-41)
-J.MOUNIN (في كتابه 1963 :
LES PROBLEMES THEORIQUES DE LA LEN TRODUCTION
-/أحمد عصام الدين (حركة الترجمة في مصر في القرن العشرين/ مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصرة ص8-11
-/ شحادة الحوري- كتاب الترجمة قديماً وحديثاً- دار المعارف سوسة تونس ص15-19) قواعد اللغة وتفرعاتها 185-186
-FERDMAND DE SOUSSURE في كتابهCOUR DE LMGUISTIQUE GENRAL قواعد اللغة وتفرعاتها 185-186.
-المراجع نفسها.
-: الترجمة قديماً وحديثاً تأليف شحادة الخوري- دار المعارف سوسة- تونس ص27-30.
-حركة الترجمة في عصر النهضة: لطيف زيتوني- دار النهار ص11 ومابعده.
-لطيف زيتوني كتاب حركة الترجمة النهضة -دار النهار طبع 1994.
-شحادة الخوري في كتاب الترجمة قديماً وحديثاص 1988- دار المعارف/ سوسة
-جمال الدين شيال (تاريخ الترجمة في عصر الحملة الفرنسية- دار الفكر العربي 1950(1/311)
-أيضاً جمال الدين شيال/ تاريخ الترجمة في عصر الحملة الافرنسية/ -راجع شحادة الخوري في كتابة الترجمة قديماً وحديثاً ص11، ص35 وما بعده.
-د. عصام الدين محمد علي في كتابه (بواكير الثقافة الإسلامية وحركة النقل والترجمة( ص10-11-12).
-شحادة خوري: الترجمة قديماً وحديثاً ص36-37
-جمال الدين الشيال في كتابه تاريخ الترجمة في عصر محمد علي وعصر الحملة الفرنسية 1950.
-شحادة خوري (الترجمة قديماً وحديثاً ص 37- سنة 1988 /سوسة-تونس.
-شحادة خوري: المصدر نفسه ص40.
-:شحادة خوري: المصدر نفسه/ ص41.
- عصام الدين محمد علي في بواكير الثقافة الإسلامية وحرس النقل والترجمة (منشأة المعارف بالاسكندرية ص62).
- محمد جمال الدين شعال: تاريخ الترجمة في عصر الحملة الفرنسية- دار الفكر العربي.
-شحادة الخوري الترجمة قديماً وحديثاً -دار المعارف في سوسة-تونس
-جمال الدين الشيال المصدر نفسه- وشحادة الخوري المصدر نفسه.
-جمال الدين الشيال المصدر نفسه ص (70-78).
-جمال الدين الشيال المصدر نفسه.
-جمال الدين الشيال المصدر نفسه.
-جمال الدين الشيال المصدر نفسه.
-جمال الدين الشيال المصدر نفسه.
-كتاب جوزيف حجار (معالجة الترجمة) ص14-15.
-انطون مطر: LA TRADUCTION PRATIQUE بيروت المشرق عام 1971. (ص3).
-أدمون كاريّ COMMENT FAUT-IL TRADWRE ص15-16 عام 1986- ليل-فرنسا.
(1) زيتون لطيف ص 28-29- في حركة الترجمة في عصر النهضة.
(2) شحادة خوري في الترجمة قديماً وحديثاً ص ص 162-163.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــ
فهرس الكتاب
المقدمة: للمترجم ...
تعريف الترجمة:-المدخل- ...
اختلاف اللغات: ...
ماهي الترجمة من حيث المضمون ...
- الفصل الأول - ...
أولاً- بواعث الترجمة: ...
آ-المطلب والحاجة: ...
ب- التواصل ...
ج-خدمة المعرفة الإنسانية ...(1/312)
د- المواكبة والتغطية العلمية والأدبية والقانونية للمصطلحات الجديدة ولكل رافد حديث ...
هـ- المتعة وصقل الذوق والخيال. ...
و- الثقافة: ...
ثانياً- تاريخ تطور الترجمة: ...
1- تطور الترجمة قبل القرن التاسع عشر. ...
ب- الترجمة في أثناء حملة نابليون بونابرت على مصر: ...
الترجمة في عهد الأمويين: ...
ج-الترجمة في عهد العباسيين: ...
الدور الثاني ويشمل عهد المأمون ومابعده: ...
الدور الثالث لحركة الترجمة -أشهر المترجمين- ...
الترجمة في بدايات النهضة الحديثة ...
أولاً- الترجمة الرسمية في عهد الحملة الفرنسية: ...
المترجمون الرسميون في عهد الحملة. ...
الترجمة العلمية في عهد الحملة الفرنسية ...
- الترجمة في عهد محمد علي: ...
آ- في مصر والشام: ...
ب- المدارس: ...
المدارس الفنيّة: ...
2-المدارس الصناعية: ...
المدارس الحربية والبحرية ...
ج- النهضة في بلاد الشام: ...
د- النهضة في الأقطار العربية الأخرى: ...
الفصل الثاني ...
قواعد الترجمة ...
أولاً- آ- الاستيعاب الكامل لمضمون النص: ...
التقيد بنص الأمثال. ...
ثانياً- ب-أهلية المترجم: ...
ثالثاً- ج- التخطيط والتنسيق: ...
رابعاً: - د- أسلوب الترجمة: ...
خامساً: هـ - الدقة والإبداع: ...
سادساً: تعادل زمن الأفعال في اللغتين: ...
سابعاً: اللفظ والتراكيب ...
الفصل الثالث: ...
ثامناً: المصطلح: ...
المصطلحات الحديثة: ...
1 - الترجمة: ...
تنسيق المصطلح وتوحيده في كافة البلدان العربية ...
الأسس التي تتناول وضع المصطلح: ...
- الاشتقاق ...
-المجاز ...
النحت: ...
- التعريب- ...
التعريب هو الطريق إلى المعاصرة: ...
التقيد بأغراض النص: ...
- عاشراً- الطريقة والتيار. ...
الطريق الأول ...
الطريق الثاني ...
الفصل الرابع: ...
الفاعلية والأثرالعام للترجمة في إحياء اللغة العربية: ...
ومن آثار حركة الترجمة: ...
آ- الفاعلية في الترجمة على ضوء نظرية (هامبولا Humbolat)الألماني البروسي. حسب مونين Mounin. ...
ب - أقسام الترجمة: ...
أولاً: الترجمة الأدبية: ...
- ترجمة عنوان قصة للقصاص الفرنسي بلزاك: ...
ثانياً -الترجمة العلمية: ...(1/313)
ثالثاً- اشتات الترجمة ...
الفصل الخامس ...
أنواع الترجمة الأخرى ...
أولاً ترجمة الشعر ...
-تطور ترجمة الشعر ...
ثانياً- ترجمة القصة ...
ثالثاً - ترجمة المسرحية: ...
رابعاً- الترجمة الكلاسيكية أي النهجية. ...
خامساً - ترجمة الدوبلاج السينمائي ...
سادساً - كيف تتم ترجمة المؤتمرات: ...
سابعاً - الترجمة الآلية- ...
مدى بعد المترجم من حقوق المؤلف. ...
ثامناً - الترجمة الحرفية-: ...
ترجمة المعنى ...
الترجمة بالصيغة: ...
تاسعاً - ترجمة المختصرات: ...
ترجمة النصوص التقنية. ...
عاشراً - كيف تترجم (حسب ادمون كاري-()) ...
(الفصل السادس) ...
- أثر الترجمة: ...
- أثر الترجمة في الشعر: ...
- أثر الترجمة في النثر: ...
مجمع اللغة العربية في سورية ...
إنتاج المجمع ...
لجنة المصطلحات العلمية في المجمع: ...
المعاجم: ...
الترجمة في الثقافة الجماهيرية ...
جداول الكنى المترجمة.......................................................240
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــ
رقم الايداع في مكتبة الأسد - الوطنية
الترجمة في خدمة الثقافة الجماهيرية: دراسة/ سالم العيسى- دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 1999-270ص؛ 24سم .
1- 418.02 ع ي س ت ... ... ... ... 2- العنوان
3 - العيسى
ع -1234/7/1999 ... ... ... ... مكتبة الأسد
(
هذا الكتاب
لقد كانت الترجمة دعامة النهضات الفكرية والثقافية للشعوب.
فهي تبدو من ذلك المنظور شكلاً من أشكال الكفاح القومي، ومرابطة فعالة على الجهة الأخطر من مجمل الجبهات وأعني بها الجبهة القومية.
يتناول هذا الكتاب الترجمة (تاريخها -قواعدها- تطورها) وتفرعها إلى أنواع عديدة تلبية لحاجات المجتمع. وهو في ذلك يرقى أو يحاول أن يكون مرجعاً جديداً عن حركة الترجمة التي لا بد من تصفحها والإطلاع عليها.
(((1/314)