التربية القرآنية
وأثرها على الفرد والمجتمع
إعداد
د. محب الدين بن عبد السبحان واعظ
الأستاذ المشارك بقسم الكتاب والسنة
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة أم القرى
مكة المكرمة
1427هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين هدى البشر إلى الصراط المستقيم ، والصلاة والسلام على رسوله المجتبى الذي تربّى على تعاليم القرآن الكريم، وتخلّق بما جاء فيه حتى وصفه ربه فقال ( وإنك لعلى خلق عظيم (1) ) ورضي الله عن آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فالقرآن الكريم كتاب الهداية الكبرى للعباد، يهدي كافة الناس إلى الرشاد، قال الله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (2) وقال في حق نبيه - صلى الله عليه وسلم – (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم (3)
فالقرآن الكريم هو الآمر الناهي الواعظ الزاجر ، وهو نور يكشف ظلمات الجهل ، فما أعظم هذا القرآن ، وما أروع تعاليمه ، وما أبلغ هديه وتوجيهاته؛ وصف للمسلمين الدواء وأن فيه الشفاء، وحدّ لهم حدودا لا يتعدونها، بالأوامر والنواهي، وبالترغيب والترهيب، والتمثيل, والقصص، وإبراز وقائع الآخرة، وعرض الآيات الكونية، وأوضح لهم طرق تحقيق الهدف عبادة ومعاملة ، والنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم – كل تعامله تخلّق بالقرآن الكريم حتى صار امتثال القرآن - أمرا ونهيا – سجية له وخُلقا تطبّعه، فما أمره القرآن فعله، وما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم؛ من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل.
__________
(1) سورة ن الآية رقم ( 4 )
(2) سورة الإسراء الآية رقم ( 9 )
(3) سورة الشورى آية رقم (52).(1/1)
ولقد قال أنس: (والله لقد خدمته تسع سنين، ما علمته قال لشيء صنعته، لم فعلت كذا وكذا، أو لشيء تركته هلا فعلت كذا وكذا (1) ) لأنه يطبق تعاليم القرآن الكريم وهديه التربوي.
هذا والمجتمع الإسلامي في شتى أقطار الأرض بحاجة إلى تعاليم هذا القرآن الكريم، ليتربوا ممتثلين لخالقهم مطبقين توجيهاته، لأن البشر – مهما نبغوا وتفوقوا– لا يدركون الحقائق التي فيها مصالحهم ومنافعهم، ولقد عُلِم أن كثيرا من القوانين الوضعية لا تصلح للبشر بعد تطبيقها، و ظهور عدم صلاحيتها، أو حدوث الضرر والمشاكل والفضائح التي لا يمكن الخلاص منها.
ومن ثم تبرز قيمة التعاليم التربوية التي يشتمل عليها هذا القرآن الكريم، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، ثم تأتي ضرورة إبراز محاسن التربية القرآنية، كما تظهر ضرورة إقامة مثل هذه الملتقيات أو المؤتمرات للتدارس فيما بين المختصين لإيجاد السبل الكفيلة لتوجيه الناس إلى هذه المعالم التربوية، وإقناعهم بشموليتها لكل نافع في الدنيا والآخرة.
ويظهر – والله أعلم – بأن الملتقيات أو المؤتمرات تدخل ضمن الشورى الذي دعا إليها هدي القرآن الكريم في قول تعالى (وأمرهم شورى بينهم(2) .
وأثر عن الحسن البصري قوله (والله ما استشار قوم قط إلا هدوا لأفضل ما بحضرتهم، ثم تلا (وأمرهم شورى بينهم) (3).
ومن هذا المنطلق أحببت المشاركة في الملتقى ببحث وعنوانه (التربية القرآنية وأثرها على الفرد والمجتمع) وجاءت الخطة حسب التالي:
مقدمة وتمهيد، ثم خمسة مباحث وخاتمة.
المقدمة: بينت فيها سبب المشاركة في هذا الملتقى بهذا البحث، وأن المجتمع بحاجة إلى اقتباس المبادئ التربوية من القرآن الكريم.
__________
(1) رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الفضائل، بَاب كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ الناس خُلُقًا 4/1805.
(2) سورة الشورى الآية رقم ( 38 )
(3) رواه البخاري في الأدب المفرد 1/100.(1/2)
التمهيد: فيه بيان المعنى المراد من كلمتي ( التربية ، والأثر ) الواردتين في العنوان.
المبحث الأول: القرآن الكريم كتاب التربية الإيمانية وتهذيب الأخلاق.
المبحث الثاني: تحديد القرآن الكريم لتوجّهات المسلم نحو ربه ووحدانيته، واتباع دينه ورسله، ونبذ الآلهة والمعتقدات الباطلة.
المبحث الثالث: تكوين القرآن الكريم لشخصية المسلم بالأخلاق الفاضلة، بعيدا عن العادات والقبائح والرذائل الضالة .
المبحث الرابع: تهذيب القرآن الكريم لتعامل المسلم مع الآخرين في المجتمع وتحته مطالب:
المطلب الأول: التربية القرآنية في التعامل مع ولي الأمر.
المطلب الثاني: تعامله مع الأقارب.
المطلب الثالث: تعامله مع الأباعد.
المطلب الرابع: تعامله مع غير المسلمين.
المبحث الخامس: تربية القرآن الكريم لنفسية المسلم على التأثر والتأثير، ويكون الحديث عنها من المطالب التالية:
المطلب الأول: التأثر بالأمثال القرآنية.
المطلب الثاني: الاعتبار بأحوال الآخرة من البعث والحشر والثواب والعقاب.
المطلب الثالث: الاتعاظ بالترغيب والترهيب.
المطلب الرابع: الاستفادة من العبر المستنبطة من القصص القرآني.
المطلب الخامس: التفكر في الآيات الكونية.
الخاتمة: فيها خلاصة البحث، ونتائجه، والتوصيات، والاقتراحات.
هذا وأسأل الله تعالى أن يكتب لي الإخلاص في القول والعمل، والقبول والنفع، والتوفيق والسداد للقائمين على الملتقى، وتيسير أمورهم فيما فيه مصلحة المجتمع والإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض، إنه سميع مجيب، رب اغفر لي ولوالدي وأهلي وذريتي والمسلمين أجمعين إنك سميع الدعاء.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبه وسلم.
د. محب الدين واعظ / مكة المكرمة ص ب 17162
1/5/1427هـ
التمهيد(1/3)
إن إقناع أي شخص بهدف ما، أو بنتيجة لقضية مهمة، بحاجة إلى تهيئة الجو الملائم أو المناسب لعرض الموضوع، حتى يسهل إبراز الغاية السامية، فيتقبلها المتلقي بصدر رحب وقلب واع ونفس رضية، لذا أرى لزاما توضيح المفهوم من عنوان بحثي هذا ليظهر المضمون، وينتقل القارئ إلى المباحث المعروضة على بينة ويستوعبها بسهولة وسرعة.
فلفظة التربية مصدر كلمة (ربّى) بالتضعيف، فيقال: ربّاه تربية؛ أي: أحسن القيام عليه، ووَلِيه حتى يفارق الطفولية، كان ابنه أو لم يكن، وأما الربّ فعلى ثلاثة أقسام: يكون الرب بمعنى المالك، ويكون الرب بمعنى السيد المطاع، ويكون الرب بمعنى المصلح، ورَبّ الشيءَ: إذا أصلحه (1) .
وعلى هذا فأقصد بالتربية القرآنية ما يمتاز به القرآن الكريم من خصائص عالية موصلة لغايات سامية، إذ يأخذ بلبّ المرء فيجعله يرتقي من حال إلى أحسن وإلى أفضل بل وإلى أعلى وأسمى، في العمل والمعتقد ونحوهما، وكل هذا يدل عليه معنى التربية، إذ يقول الراغب الأصفهاني: التربيةُ إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام (2) ، بمعنى أن الفرد يتطور حالاته من مرحلة إلى أخرى حتى يصل إلى القمة مطبقا كل تعاليم القرآن الكريم الذي فيه سعادة المرء في دينه ودنياه، وكذا المجتمع إذا سار على الدرب نفسه.
__________
(1) ينظر لسان العرب لابن منظور مادة (ربب) 3/1547.
(2) المفردات للراغب الأصفهاني 1/184.(1/4)
وكون القرآن الكريم كتاب تربية حقيقة مسلّمة لا ينكرها إلا من ختم الله على قلبه، فهو كتاب تربية وتهذيب وتطوير وتجديد لكل أمور المرء في حياته إن أراد الدنيا أو أراد الآخرة، إذ قال الله تعالى عن النبي الأمي –صلى الله عليه وسلم- ( يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة (1) وهذا الكتاب يؤدي مهمتين اثنتين في وقت واحد، مهمة تعليمية تثقيفية، ومهمة أخلاقية تربوية، وهكذا كانت المدرسة المحمدية النبوية الأولى على هذا الأساس من التعليم وتهذيب النفس وتربية القلوب والعقول.
وفي حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم- (من تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ من كَسْبٍ طَيِّبٍ ولا يَقْبَلُ الله إلا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لصاحبها كما يُرَبِّي أحدكم فَلُوَّهُ (2) حتى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ (3) خير توضيح لمعنى التربية، إذ ينمى الله تعالى تمرة المتصدق – ذات الحجم الصغير - من كسب طيب، حتى تصير مثل جبل أحد، لا يستطيع أحد من البشر معرفة وزنها ولا حقيقة حجمها.
__________
(1) سورة الجمعة الآية رقم ( 2)
(2) الفلو: بفتح الفاء وضم اللام، وهو المهر (صغار الخيل) ينظر مشارق الأنوار 2/160..
(3) رواه البخاري في صحيحه، واللفظ له، في كتاب الزكاة، باب لا يقبل الله صدقة من غلول ولا يقبل إلا من كسب طيب، الصحيح 2/511، ومسلم في صحيحه، في كتاب الزكاة، بَاب قَبُولِ الصَّدَقَةِ من الْكَسْبِ الطَّيِّبِ وَتَرْبِيَتِهَا 2/702.(1/5)
قال ابن حجر: "وضرب به المثل لأنه يزيد زيادة بيّنة، ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيما فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال، وكذلك عمل بن آدم، لا سيما الصدقة، فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب، لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال، حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم، نسبة ما بين التمرة إلى الجبل" (1).
وفيما ذكرت غنية عن الإطالة في بيان مفهوم التربية ومدلول هذه الكلمة؛ فالمقصود بالتربية القرآنية: ما يحدثه تعاليم هذا القرآن الكريم في نفس المرء تحولا إلى أن يصل إلى أعلى القمة في الامتثال والاقتداء والتعايش والتعامل، و سيكون حديثي في المبحث الأول دعم لهذا المفهوم للتربية.
والأثر في اللغة: بالتحريك، ما بقي من رسم الشيء، والتأثير: إبقاء الأثر في الشيء، وأثّر في الشيء: ترك فيه أثرا (2).
وأقصد بأثر التربية القرآنية في عنوان بحثي: ما يحدث في ذات الشخص ونفسه وتصوره، تغيرا وتحولا، ونقلة وتطورا، وتحديثا وتجديدا، يظهر ذلك بالموازنة بين الماضي والحاضر، أي بين ما كان في السابق وما حدث في الواقع، سواء كان في الفرد أو المجتمع.
المبحث الأول
القرآن الكريم كتاب التربية الإيمانية وتهذيب الأخلاق
أنزل الله تعالى هذا القرآن الكريم على أمين الأرض – صلوات ربي وسلامه عليه – قال تعالى (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين (3) هدى البشرية النجدين، وهو يعلم كل ما يحتاجونه في شتى شؤونهم، حكيم بما يصلحهم في كل حين وآن .
__________
(1) فتح الباري 3 /279-280.
(2) ينظر لسان العرب مادة (أثر) 1/25.
(3) سورة الشعراء الآيات رقم ( 192-195 )(1/6)
لقد عاش الناس في مجتمع جاهلي تخبطوا في شتى أمور الحياة، والتاريخ يثبت تخبطهم في نظام الأسرة، في التعامل الاجتماعي، في النظام الاقتصادي، في السلوك والمعاملة، تخبطهم في العبادة ومن يعبدونه، يصنع البعض منهم إلهاً بيده من مأكولات ليعبده فيفعل ثم إذا جاع أكله، ونحو ذلك من المعاملات والتصرفات التي يرفضها العقل السليم.
جاء الإسلام بهديه وإرشاداته بوحيه المنزل من السماء بالقرآن المتلو المشتمل على ما يصلح البشر في عاجلهم وآجلهم، ربّاهم أحسن تربية، نمّى عقولهم، هذّب أخلاقهم، نظّم معاملاتهم، طوّر تصرفاتهم، جعل لهم نظاما عالميا يسيرون به في تعاملاتهم نحو الرقي وإلى الأمام على خطى ثابتة يسودون به العالم، (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا (1).
وإذا كانت التربية تحول وتطور وتنقل من حال إلى حال، ومن درجة إلى أعلى، فالقرآن هو الذي أحدث هذا التحول للبشرية بعد نزوله، وطبّقته الأمة المصاحبة لمن نزل عليه هذا القرآن النبي الرؤوف المربي – صلى الله عليه وسلم – فبعد أن كانوا في صراع ونزاع وتخبط في شتى نواحي الحياة، أصبحوا إخوة متحابين متآلفين، (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم (2) بتوفيقه ثم بتطبيق تعاليم التربية القرآنية، فبها ترقّوا في مراحل التربية حتى وصلوا إلى الذروة والكمال، فرضي الله عنهم ورضوا عنه.
إن من ميزة هذا القرآن إحداث التحول والتبدل كما يقول الله عز وجل (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا (3) يقول ابن كثير: لوكان في الكتب الماضية كتاب تسيّر به الجبال عن أماكنها ، أو تقطع به الأرض وتنشق، أو تكلم به الموتى في قبورها، لكان هذا القرآن، هو المتصف بذلك دون غيره (4).
__________
(1) سورة سبأ الآية رقم ( 28 ) .
(2) سورة الأنفال الآية رقم ( 63 )
(3) سورة الرعد الآية رقم ( 31 )
(4) تفسير ابن كثير 2/516.(1/7)
فهذا القرآن هو الذي ربى الأمة على الإيمان، وحولها من الجاهلية إلى العلم والمعرفة والهداية، ومن الظلم إلى العدل ، ومن الأخلاق الذميمة والشنيعة إلى الأخلاق الفاضلة والمرضية، فهو كتاب يمتاز بخصيصة التغيير، وما الوقائع على مر العصور ببعيد قال تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله (1).
قال ابن عباس: يقول تعالى: لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حمّلته إيّاه، لتصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله، فأمر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع، ثم قال تعالى ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون (2) .
فما أروع تأثيرات هذا القرآن، إذ لو أنزل على جماد غير عاقل صلب قويّ لأحدث فيه تغييرا، من خشوع وتصدع وهو سبحانه وتعالى القادر على كل شيء، وليس غريبا حصول التخشع من غير العاقل، ففي الحديث أن الصحابة –ضوان الله عليهم - سمعوا خوار الجذع، حينما انتقل النبي – صلى الله عليه وسلم - إلى المنبر، حتى ارتج المسجد بخواره، حزنا عليه (3).
__________
(1) سورة الحشر الآية رقم (21)
(2) سورة الحشر آية رقم ( 21 ) وينظر قول ابن عباس في المصدر السابق لابن كثير.
(3) هذا معنى حديث رواه ابن خزيمة بطوله في صحيحه 3/140، ورواه البخاري مختصرا في صحيحه، في كتاب الجمعة ، باب الخطبة قائما 1/311.(1/8)
فكذا أحدث تحولا في الأمة التي نزل على نبيها هذا القرآن الكريم إلى أن أصبحوا - كما قيل - قرآن يمشى على الأرض، بعملهم وامتثالهم والتأسي بنبيهم وعدم مخالفتهم له، فقصة عمر بن الخطاب الذي كان قبل إسلامه من أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين، ما إن أسلم وامتثل بهدي القرآن الكريم إلا انقلب على عقب وترقى وتهذب حتى كان من أشدهم حبا لله تعالى ورسوله، وهكذا الخنساء (1) التي كانت قبل إسلامها تبكي بموت أخيها صخر وتولول، لكن بعد الإسلام واستشهاد أبنائها، تحمد الله تعالى وتصبر وتتمنى اللقاء بهم في الجنة.
والآية التالية فيها بيان لمهمة القرآن التربوية، إذ يقول تعالى ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (2) يمتن الله تعالى على المسلمين الأولين بأن أكرمهم برسالة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وأنزل عليه هذا القرآن ليكون دستور الإنسانية وقانونها العام، وأن هذا الكتاب يؤدي مهمتين اثنتين في وقت واحد، مهمة تعليمية تثقيفية، ومهمة أخلاقية تربوية، وهكذا كانت المدرسة المحمدية النبوية الأولى على أساس من التناسق والتكامل والانسجام.
__________
(1) هي: خنساء بنت عمرو بن الشريد بن ثعلبة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم، السلمية، الشاعرة المشهورة، اسمها: تماضر - بمثناة فوقانية أوله، وضاد معجمة. ينظر لقصتها وترجمتها، الإصابة 7/613-615.
(2) سورة الجمعة آية رقم ( 2 ) .(1/9)
وتضمن قوله تعالى (ويزكيهم ويعلمهم) حكمة راقية، إذ يفيد أن الإسلام يهتم بتربية النفس وتهذيب الأخلاق في الدرجة الأولى، إذ قدم (ويزكيهم) ويهتم بتثقيف العقل وتوسيع معلوماته في الدرجة الثانية في قوله (ويعلمهم) بحيث إذا خير الإنسان بين علم واسع مع خلق فاسد، وعلم محدود مع خلق فاضل، كانت الألوية لمكارم الأخلاق ولو مع قليل من العلم، لا لكثرة العلم مع فساد الأخلاق، إذ فساد الأخلاق يضيع ثمرة العلم، ويجعل صاحبه أخطر من الجاهل بالمرة (1).
هذا هو شأن القرآن الكريم يثقف البشر ويربيهم عبادة وتعاملا وسلوكا، وفي صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الأثر الأقوى لهذه التعاليم التربوية، إذ ضربوا أروع الأمثلة في الحب والفداء والإيثار والإتباع، والتخلي عن زخارف الحياة الدنيا الزائلة.
المبحث الثاني
تحديد القرآن الكريم لتوجّهات المسلم نحو ربه ووحدانيته،
واتباع دينه، ونبذ الآلهة والمعتقدات الباطلة
لقد عاشت البشرية في المجتمع الجاهلي باتجاهات متعددة، وسلكوا سبلا متنوعة في التوجه وصرف العبادة، بل كانوا لا يعرفون ما هو النافع من الضار، وكل اتجاهاتهم تفيد جهلهم، وتقديم ما يرونه نافعا عاجلا بدون النظر إلى العواقب والنتائج المرجوة، حتى جاء القرآن الكريم بتوضيحاته موجها لهم نحو المعتقد السليم الواجب على المرء السير في مساره، بل فيه جملة وافرة من الآيات في إثبات وحدانية الله تعالى، بأساليب مختلفة وطرق متنوعة، ونظرة سريعة إلى الآيات القرآنية التي نزلت في الفترة المكية تكشف بجلاء منهج القرآن الكريم في تأسيس الإيمان في قلب الإنسان، ثم نظرة أخرى إلى الواقع الذي كان يعيشه أولئك الخيرة الذين آمنوا بالله تعالى وبرسوله النبي الكريم – صلوات ربي وسلامه عليه – كيف أحدث فيهم تحولا عجيبا وميولا سريعا لهذا الدين بعيدا عن الوثنية وتوابعها.
__________
(1) ينظر التيسير في أحاديث التفسير للشيخ محمد المكي الناصري 6/230 –231 .(1/10)
لقد حددت الآيات القرآنية للمرء الوجهة والاتجاه وأن لا معبود بحق إلا الله (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم(1) وعرفته بتوحيد الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(2) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة (3) فهو تعريف وتوجيه ونصح وإرشاد نحو المعالي في المعتقد، ليتربى المرء على الصراط المستقيم، وقال تعالى (وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون (4) وقال ( إن الدين عند الله الإسلام (5)
ثم وجه الأمة بطاعة الرسول المبلغ عن الله تعالى والمبين لما نزل عليه من تعاليم التربية القرآنية، فقال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله (6) ) وقال ( من يطع الرسول فقد أطاع الله (7)
__________
(1) سورة البقرة الآية رقم ( 163 )
(2) سورة الشورى الآية رقم (11) .
(3) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، الصحيح مع الفتح 5/354، ومسلم في صحيحه في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها 4/2063 .
(4) سورة الأنعام الآية رقم ( 126 ) .
(5) سورة آل عمران الآية رقم ( 19 ) .
(6) سورة النساء الآية رقم ( 64 ) .
(7) سورة النساء الآية رقم ( 80 ) .(1/11)
كما ذكر الموازنة بين الصراط المستقيم والسبل المنحرفة تحذيرا من الوقوع في الفرق الضالة، فقال تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله (1) وكشف حقائق الآلهة المضلة، قال الله تعالى (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله (2) وقال الله تعالى (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون(3)
كما وضّح تصرفات بعضهم التي فيها بيان غفلتهم، إذ صرحوا بأنهم ما عبدوها إلا بنية حسنة تقربا إلى الله تعالى (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى (4) )
فهذه هي التخلية والتحلية (5) وهما مهمان في التربية، وبحاجة إلى بحث مستقل لإبرازهما بجمع أفرادهما من القرآن الكريم وضم أطرافهما وتوضيح منهجهما وأهدافهما وغاياتهما.
المبحث الثالث
تكوين القرآن الكريم لشخصية المسلم بالأخلاق الفاضلة
بعيدا عن العادات والقبائح والرذائل الضالة
المسلم المستقيم له مكونات شخصيته، لأنه قوي النفس والقلب والجسم، فالقرآن الكريم يضم في هداه كل الخصال المهذبة للفرد والمجتمع، وإذا تربى عليها أفراده سار إلى بر الأمان بكل محبة وتوادّ وتعاطف وتراحم.
__________
(1) سورة الأنعام الآية رقم ( 153 ) .
(2) سورة الجاثية الآية رقم ( 23 ) .
(3) سورة العنكبوت الآية رقم ( 41 ) .
(4) سورة الزمر الآية رقم ( 3 ) .
(5) هاتان كلمتان تستعملان في تخلية الوعاء وتنظيفه من الكدر ثم وضع المفيد فيه وتحليته به، وكذا تخلية القلب: إخراج ما فيه من الباطل، وتحليته يكون بالحق والصواب.(1/12)
والفضائل كثيرة بجملتها الواسعة ومعانيها الشاملة– وكل خصلة منها بحاجة إلى بحث- فمنها ما يختص بالفرد كالثبات على الحق والجهر به، وطيب القول والصدق والإخلاص والحلم والصفح والسماحة واللين والأمانة والعدل ونحو ذلك مما يقوي السلوك بين الأفراد.
ومنها ما يختص بالمجتمع: كالتعاون والإحسان والوفاء والإيثار والبذل والسخاء والصبر والعفو والتراحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك من الآداب الاجتماعية.
وكلها أخلاق مربية للنفس نحو القمة في التعامل بين الأفراد، والتعايش في المجتمع، وهي نماذج مما اشتمل عليه هذا القرآن من الفضائل والآداب التي تُربِّي الفرد والمجتمع على التسامح والسلم، قال تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى (1) وقال (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر (2) وقال (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود (3) وقال (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا(4) وقال ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى (5) وقال (وقولوا للناس حسنا (6) وقال ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين (7) وغير ذلك من الآيات.
__________
(1) سورة المائدة الآية رقم ( 2 ) .
(2) سورة آل عمران الآية رقم ( 110 ) .
(3) سورة المائدة الآية رقم ( 1 ) .
(4) سورة الإسراء الآية رقم ( 34 ) .
(5) سورة النحل الآية رقم ( 90 ) .
(6) سورة البقرة الآية رقم ( 83 ) .
(7) سورة البقرة الآية رقم ( 195 ) .(1/13)
ومقابلها تحذيرات من القبائح، وتقنين للحدود الزاجرة المنجية من الانزلاق إلى المهاوي والوقوع في المخاطر، والأشياء تتميز بالأضداد: فمنها ما يختص بالفرد: كالكذب و الإسراف والكبر والغرور والخداع و البخل والغلظة والفحش والصخب والفخر والبطر والرياء ونحو ذلك, ومنها ما يختص بالمجتمع: كالخيانة والغدر والظلم وشهادة الزور والتنابز والحسد والنفاق والخداع والغيبة والنميمة والسخرية ونكث العهد والهمز واللمز وظن السوء ونحو ذلك (1).
قال تعال ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين (2) وقال (إنه لا يحب المسرفين (3) وقال (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين (4) وقال (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا(5) وقال (ويل لكل همزة لمزة (6) وغيرها من الآيات.
فكل توجيهات القرآن الكريم من حث على امثتال وتحذير من قبائح وفضائح، فصّلت لتتربى النفس البشرية على الجادة، وتسير على الاستقامة، والعدل والاستقرار، مستشعرا بطمأنينة الحال، وراحة البال.
المبحث الرابع
تهذيب القرآن الكريم لتعامل المسلم مع الآخرين
إذا امتثل المسلم وتخلق بأخلاق القرآن الكريم وتربى عليها وطور نفسه إلى المعالي حَسُن له التعامل مع كل أفراد المجتمع بكل احترام وتقدير ومودة مراعيا شعورهم بعيدا عن الغل والحسد ، وهي جوانب تربوية، ويكون الحديث عنها في المطالب التالية:
المطلب الأول: التربية القرآنية في التعامل مع ولي الأمر.
__________
(1) انظر المنهاج القرآني للدكتور عبد الستار فتح الله سعيد 417.
(2) سورة آل عمران الآية رقم ( 61 ) .
(3) سورة الأنعام الآية رقم ( 141 ) .
(4) سورة الإسراء الآية رقم ( 27 ) .
(5) سورة الحجرات الآية رقم ( 12 ) .
(6) سورة الهمزة الآية رقم ( 1 ) .(1/14)
يربى القرآن الكريم المسلم موجبا عليه طاعة ولي الأمر بعد طاعة الله تعالى وطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم - قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (1)
وفي الصحيح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (اسمعوا وأطيعوا ، وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة (2) .
وفي لفظ (أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْمَعُوا له وَأَطِيعُوا (3) فعلى المسلم أن يتربى على هذا التوجيه الرباني، وعليه طاعة ولي الأمر مهما كانت صفاته، ولو لم يرض بعضها، أو شيئا من أوصافه، ما كان مطيعا لأوامر الله وأوامر رسوله، وفي الحديث عن ابن عمر–رضي الله عنه- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم– ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ، ما لم يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع عليه ولا طاعة (4).
المطلب الثاني: تعامله مع الأقارب.
حياته مع أسرته
__________
(1) سورة النساء الآية رقم (59)
(2) رواه البخاري في كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى. الصحيح مع الفتح 2/184.
(3) رواه مسلم في صحيحه، في كتاب الحج، بَاب اسْتِحْبَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يوم النَّحْرِ رَاكِبًا 2/944.
(4) رواه الترمذي في سننه، في أبواب الجهاد ،باب ما جاء لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقال: وفي الباب عن علي وعمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري وهذا حديث حسن صحيح . سنن الترمذي 3/325.(1/15)
الإنسان بحاجة إلى الراحة النفسية والطمأنينة الذاتية، إذ تأتي آيات القرآن الكريم ليربيه على الحياة المستقيمة وليسود الود بين أفراد الأسرة، قال الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة (1) وبسبب عصمة النكاح يعطف به بعضهم على بعض من غير أن يكون بينهم قبل ذلك معرفة، فضلا عن مودة ورحمة (2) قال تعالى (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات (3).
وهو الكريم المتفضل الرحيم بعبده، جعل بينه وبين زوجه ما يسكن ويطمئن ويرتاح أحدهما إلى الآخر، ومهما بذل المرء من جهد فهباء دون قدرة البارئ (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم (4) ).
الإحسان إلى الوالدين:
يربط القرآن الكريم المرء مع والديه بتوجيهه للإحسان إليهما، لعظم حقهما، ولاحتياجهما إلى من يقوم برعايتهما والاهتمام بشئونهما، قال الله تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا (5) وقال (وبالوالدين إحسانا وبذي القربى (6).
وأنهما بحاجة إلى رعاية وإحسان أكثر في حالة الكبر ففي آيات القرآن الكريم تأكيد لهذه المرحلة (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (7) .
__________
(1) سورة الروم الآية رقم (21)
(2) انظر فتح القدير 4/219.
(3) سورة النحل الآية رقم (72)
(4) سورة الأنفال الآية رقم (63)
(5) سورة الأحقاف الآية رقم (15) وفي سورة العنكبوت الآية رقم 8 (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ).
(6) سورة النساء الآية رقم (36)
(7) سورة الإسراء الآية رقم (23)(1/16)
فتأتي الآيات القرآنية بعد العبادة والنهي عن الشرك به، بالوصية بالإحسان للوالدين، فقال تعالى (وبالوالدين إحسانا) وهذا يعم كل إحسان قولي وفعلي مما هو إحسان إليهما، لعظم حقهما وفضلهما على الابن من حسن رعاية وكرم تربية، وفيه النهي عن الإساءة إلى الوالدين، أو عدم الإحسان والإساءة (1) .
الإحسان إلى ذي القربى:
من التربية القرآنية لترابط المجتمع الوصية بالإحسان إلى ذي القربى، فقال (وبذي القربى) أي وأمرناهم بالإحسان إلى القرابات بصلة أرحامهم ، أو بصاحب القرابة من أخ أو عم أو خال أو نحو ذلك (2).
وقال ابن كثير: هم قرابات الرجل وهم أولى من أعطى من الصدقة، كما ثبت في الحديث: (الصدقة على المساكين صدقة وعلى ذوي الرحم اثنتان صدقة وصلة (3).
ويتبع هذا التوجيه تكميلا للتربية نهي عن الإفساد في الأرض عموما، وعن قطع الأرحام خصوصا، بل وقد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض، وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الاموال (4) قال تعالى (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم (5) ).
__________
(1) انظر تفسير السعدي 57 –58.
(2) تفسير أبي السعود 2/176، و تفسير القرطبي 2/14.
(3) رواه ابن حبان في صحيحه، في كتاب الزكاة، باب صدقة التطوع، ذكر البيان بأن الصدقة على ذي الرحم مشتمل على الصلة والصدقة. انظر الإحسان 5/143.
(4) ينظر تفسير ابن كثير 4 /179 –180.
(5) سورة محمد الآية رقم (22)(1/17)
وفي الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (خلق الله تعالى الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن (1) - عز وجل - فقال مه ؟ فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال تعالى: ألا ترضين أن أصل من وصلك ؟ وأقطع من قطعك ؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك) قال أبو هريرة - رضي الله عنه - اقرؤوا إن شئتم (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) (2).
فالوصايا الربانية برعاية أقرب الناس إلى المرء فيها تربية لصلاح الفرد والمجتمع، وليسود السكينة والأمان والهدوء والاطمئنان.
المطلب الثالث: تعامله مع الأباعد.
من شمول التربية القرآنية لترابط المجتمع التوجيه بالاهتمام بالجيران والإحسان إليهم على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم، كما فصّل الرسول - صلى الله عليه وسلم – أحوالهم ومقادير حقوقهم، والثواب المترتب على ذلك، فقال: (مَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ (3) وقال تعالى (والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب (4) فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل (5) .
__________
(1) قال ابن الأثير: الأصل في الحقو معقد الإزار. النهاية 1/417.
(2) رواه البخاري (واللفظ له) في صحيحه في كتاب التفسير، باب وتقطعوا أرحامكم، الصحيح مع الفتح 8 /579-580. ومسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطعها 4/1980-1981.
(3) هذا جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، بَاب الْحَثِّ على إِكْرَامِ الْجَارِ وَالضَّيْفِ صحيح مسلم 1/68.
(4) سورة النساء الآية رقم (36)
(5) انظر تفسير السعدي 178.(1/18)
فمن حسن التربية إثبات الحقوق لهم، وإزالة كل الفروق البشرية بينهم من نسب أو أي اتصال بسبب، كما اهتم بأفراد آخرين في المجتمع وهم (اليتامى والمساكين وابن السبيل والمملوك والسائلين) قال الله تعالى ( وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم (1)
وأما المماليك الذين يملكهم الإنسان من الأرقاء لم يجعلهم بمعزل عن الناس، بل على المالك أن يحسن معاملتهم ويهتم بكل شئون حياتهم، بل أمر المسلم في جملة من الكفارات أن يكفر بعتق العبيد، مثل كفارة القتل والظهار والأيمان، كما وجهه بالقيام بمساعدة المكاتبين منهم، إذ قال تعالى حينما عدد بعض الأفراد الذين يستحقون العطيات من الصدقات وغيرها (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب(2) والقرآن الكريم يهتم ببعض المذكورين وغيرهم في بيان قسمة الصدقات، كما أشاد ببعضهم في تقسيم الفيء والغنائم لأنهم لا ينفصلون عن المجتمع بحال من الأحوال.
والاحسانُ إلى كل من ذكر بما يليق به طاعةٌ عظيمة، ويخص القرآن الكريم بعضهم بمزيد عنايةٍ رفعةً لانكسار قلوبهم وتقديرا لمعاناتهم الاجتماعية لقلة ذات يدهم، وفي هذه التوجيهات الربانية تربية للمسلم وترقية له نحو سموّ النفس بالتعايش السلمي مع كل فئات المجتمع، فكان فيه الاهتمام بجميعهم، لأن المسلم لا يعيش بعيدا عنهم بل واقع بينهم، فهم من إخوانه أو أبناء عمومته، أو أبناء أخواله أو نحوهم، ولا يخلو مجتمع أو بلدة من هؤلاء الأصناف، فالمسلم فرد منهم، فيربيه القرآن الكريم مهتما بهم راعيا شئونهم وشعورهم، والوضع الاجتماعي من اليسر والعسر.
المطلب الرابع: تعامله مع غير المسلمين.
__________
(1) سورة النساء الآية رقم (36)
(2) سورة البقرة الآية رقم (177)(1/19)
أفراد في المجتمع يعيشون مع المسلم بل يسكنون بجوارهم، وقد يتعامل معهم في شئء من أمور الحياة، فيوصي بهم القرآن الكريم مراعيا حالتهم ومبرزا هدي الإسلام في عدم معاداتهم، ففي قوله تعالى (والجار ذي القربى) أى الذي قرب جواره، وقيل: الذي له مع الجوار قرب واتصال بنسب أودين ، (والجار الجنب) أى البعيد، أو الذى لا قرابة له ، وذكر في الجار الجنب أقوال :
أحدها: أنه الغريب الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: الرفيق في أمر حسن؛ كتعلم وتصرف وصناعة وسفر، فإنه صحبك وحصل بجانبك، ومنهم من قعد بجنبك في مسجد أو مجلس، أو غير ذلك من أدنى صحبة الْتأمت بينك وبينه(1).
وقال أبو إسحاق عن نوف الشامي في قوله ( والجار ذي القربى ) يعني الجار المسلم، (والجار الجنب ) يعني اليهودي والنصراني (2).
قال الطبري: والأولى في ذلك بالصواب قول من قال: معنى الجنب في هذا الموضع الغريب البعيد مسلما كان أو مشركا يهوديا كان أو نصرانيا لما بيّنا قبلُ، أن الجار ذي القربى هو الجار ذو القرابة والرحم، والواجب أن يكون الجارُ ذُو الجنَابةِ الجارُ البعيدُ ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران قريبهم وبعيدهم (3) .
المبحث الخامس
تربية القرآن الكريم لنفسية المسلم على التأثر والتأثير
__________
(1) ينظر تفسير ابن كثير1 /495 – 496.
(2) ينظر المصدر السابق .
(3) تفسير الطبري 5/80.(1/20)
في القرآن الكريم ما يربي النفس البشرية وينمي مداركها للاستقامة على الطريق السوي، ففيه تنمية مدارك النفس بالاعتبار بالأمثال، وكشف لحقائق الآخرة وبيان لمصير الفريقين ليختار المرء ما يكون فيه تربية نفسه على التقوى والصلاح والهدى والرشاد، وتهذيب النفس بالترغيب والترهيب، وفيه تقوية للكثير من جوانبها بالاعتبار بالقصص، كما فسح المجال لعقله ليجول بفكره في مخلوقات الله تعالى ومجالات أخرى، أحرى بالمرء أن يسير على خطى واضحة نحو الاستفادة من الدروس والعبر، وحينما تتربى الأمة على معاني القرآن الكريم وهديه بالمفهوم الشامل يكون المجتمع أكثر هدوءا. ويكون الحديث عن هذه الجوانب في المطالب التالية:
المطلب الأول: التأثر بالأمثال القرآنية.
ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة؛ التذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير وتقريب المراد للعقل وتصويره بصورة المحسوس، فإن الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص، لأنها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس، ومن ثم كان الغرض من المثل: تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد(1) ففي آيات القرآن الكريم توجيه أصحاب العقول للاعتبار فقال تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار (2).
__________
(1) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2 /364-365 .
(2) سورة الحشر الآية رقم (2)(1/21)
وحقيقة المثل: إخراج الأغمض إلى الأظهر، وهو قسمان؛ ظاهر وهو المصرح به، وكامن وهو الذي لا ذكر للمثل فيه، وحكمه حكم الأمثال (1)، فالقرآن الكريم يشتمل على أمثال متعددة عرضت بأساليب مختلفة روعيت فيها اختلاف تصورات البشر ومداركهم الحسية والمعنوية، فمنها أمثال ضربها الله تعالى لعباده، إذ بين الله تعالى حال الذين ظلموا أنفسهم فقال تعالى (وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال (2) وقال أيضا (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (3) وهي كثيرة وفيها دروس وعبر وحِكم وتبيين للوقائع وإظهار للخبايا والمكمون؛ ففيها تربية وتنقّل بالنفس البشرية إلى ما هو أنفع وأجدى، وفيها تأثير ليبتعد عن الشر والرذائل.
وقد جاء القرآن الكريم بتوجيه النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم - بأن يعرض لأمته الأمثال تقريبا للأفهام وتوجيها لها نحو الغاية والعاقبة المحمودة، فقال تعالى: (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا (4) وقال أيضا ( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا (5) )
__________
(1) البرهان في علوم القرآن للزركشي 1/571.
(2) سورة إبراهيم الآيتان رقم (34-35)
(3) سورة العنكبوت الآية رقم (43)
(4) سورة الكهف الآية رقم (32)
(5) سورة الكهف الآية رقم (45)(1/22)
ولضرب المثل شأن لا يخفى ونور لا يطفى، يرفع الأستار عن وجوه الحقائق، ويميط اللثام عن محيا الدقائق، ويبرز المتخيل في معرض اليقين، ويجعل الغائب كأنه شاهد، وربما تكون المعاني التي يراد تفيهمها معقولة صرفة، فالوهم ينازع العقل في إدراكها حتى يحجبها عن اللحوق بما في العقل، فبضرب الأمثال تبرز في معرض المحسوس، فيساعد الوهم العقل في إدراكها، وهناك تنجلي غياهب الأوهام، ويرتفع شغب الخصام قال تعالى (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) (1) وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله قال تعالى (وضربنا لكم الأمثال) فامتن علينا بذلك لما تضمنته من الفوائد (2).
فيتربى المرء بفهم أمثال القرآن الكريم والتعمق فيها، سالكا الجادة الصحيحة والسبيل الأقوم الذي يوصله إلى النور والصفاء، بعيدا عن الشقاء .
المطلب الثاني: الاعتبار بأحوال الآخرة من البعث والحشر والثواب والعقاب.
__________
(1) روح المعاني 1/163، والآية من سورة الحشر رقم (21)
(2) المصدر السابق للسيوطي.(1/23)
من تربية القرآن الكريم وترقية لوجهة نظر المرء، وسمو بأعماله وأقواله نحو اختيار الطريق الأمثل والسبل الأجدى للابتعاد عن خطوات الشيطان، كشف النقاب عن حقائق اليوم الآخر من البعث والحشر، وتطاير الصحف، وأن هناك حسابا وجزاءً وثوابا وعقابا وجنة ونارا، وأن الميزان سينصب لا محالة قال تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (1) وآيات كثيرة تدل على كل مرحلة من مراحل اليوم الآخر وحالاته، وكل هذا أثره على الفرد والمجتمع فيتربى على الإيمان بالغيب متأثرا بما دلت عليه الآيات القرآنية من حقائق ودقائق، ويقوم المربي بالتأثير على أفراد المجتمع بالبيان وكشف اللثام عن كل ما في اليوم الآخر من أحوال وأهول فيستقيم أفراد المجتمع على المحجة البيضاء (2) .
المطلب الثالث: الاتعاظ بالترغيب والترهيب
__________
(1) سورة الأنبياء الآية رقم (47)
(2) كل هذه المراحل بحاجة إلى بحث مستقل بجمع آياته، وبيان العظات والعبر المستنبطة منها، وللباحث كتاب في التفسير الموضوعي بعنوان (الكتاب المنشور يوم القيامة) بحث محكم منشور.(1/24)
قاعدة مهمة في تثبيت القلب المتقلب، هي الترغيب والترهيب، ففي الأولى دفع للأمام والامتثال والاتباع والرضى والقناعة، وفي الثانية حاجز عن الانحراف والوقوع في المناهي والتردي في المخاطر والمهاوي، وهما أسلوبان من الأساليب الناجحة في التربية والتفهيم والقناعة، والأخذ بالمرء وترقيته إلى الأعلى والسموّ في كل مجال، تعلما كان أو تعليما، توجيها أو إرشادا، تأثرا أو تأثيرا، والقرآن الكريم يعرض الآيات الكثيرة في الترغيب والترهيب بأساليب متنوعة كالمقابلة والطباق(1)، وقد يعرض بالموازنة بين الضدين(2)، وكلها من أرقى أساليب اللغة العربية في البيان والعرض وجلاء الأمور، وفي الترغيب والترهيب مبدأ التخلية والتحلية وهو جانب مهم في التأثر والتأثير حسب المجال والموضوع والغاية والنتيجة، وللقرآن الكريم منهجه الخاص في عرض آيات الترغيب والترهيب، فتصنيفها بعد جمعها بحاجة إلى بحث مستقل يبرز فيه محاسن هذه القاعدة الناجحة.
__________
(1) الطباق: في اصطلاح البديع، هو الجمع بين معنيين متقابلين بأيّ تقابل كان، والمقابلة: هي المساواة بين شيئين كمقابلة الكتاب بالكتاب، وفي علم البديع: أن يؤتى بمعنيين أو أكثر، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب، كما في التنزيل العزيز (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) ينظر الفرق 1/54، و المعجم الوسيط 2/ 550 و 713.
(2) ينظر بحثنا بعنوان (الموازتة بين الضدين في القرآن الكريم مناهجها أهدافها) منشور في مجلة.(1/25)
ففي القرآن الكريم ترغيب في الإيمان ودار القرار، وترهيب من الكفر والنار، قال الله تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون(1) وقال (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون (2) ليأخذ بالنفس البشرية إلى الاستقامة، والعدل والاستقرار، والشعور بالطمأنينة والراحة، ويشيّن عليه الظلم و الاعتداء .
المطلب الرابع: الاستفادة من العبر المستنبطة من القصص القرآني (3).
للقرآن الكريم منهج واضح - في عرض قصص الأنبياء والمرسلين أو عرض حالات بعض الأفراد من الأمم السابقة – والقصص هي الأخبار المتتبعة (4) وفيها أهداف تربوية سامية، لأنها تعرض بكل واقعية وصدق، وفي وقائعها تربية للبشرية التي تهتدي بتعاليم القرآن الكريم، وفيها عبرة للملوك في بسط العدل، كما فعل يوسف - عليه السلام- ولأهل التقوى في ترك ما تراودهم النفس الشهوانية عليه، وللمماليك في حفظ حرم السادة، - ولا أحد أغير من الله تعالى، ولذلك حرم الفواحش - وللقادرين في العفو عمن أساء إليهم، ولغيرهم في غير ذلك (5) , قال الله تعالى (لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الأبصار ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (6).
__________
(1) سورة السجدة الآية رقم (18)
(2) سورة القصص الآيتان رقم (89-90 )
(3) هناك رسالة مسجلة بعنوان (العظات والعبر من قصص الأنبياء في القرآن الكريم) في كلية التربية للبنات بمكة المكرمة، في مرحلة الدكتوراه، بإشراف الباحث د. محب الدين واعظ.
(4) انظر المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني 404 .
(5) روح المعاني 13/83.
(6) سورة يوسف الآية رقم (111)(1/26)
والأنبياء كثيرون منذ بدء الخليقة ختما بخاتمهم وسيدهم نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - وقصصهم متفاوتة ذات مناحٍ مختلفة، فللقرآن الكريم منحاه الخاص في عرض قصص الأنبياء، الذين ورد ذكرهم دون الباقين، وقد قال الله تعالى (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك (1)
فالجوانب التربوية في القصص القرآنية كثيرة، تأثر بالنواحي الإيمانية المنصوص فيها، وبالجوانب الأخرى التي تستنبط منها، وفيها دلالات واسعة يزداد المسلم إيمانا ويقينا ومعرفة للرب - جل شأنه – ويقف على حقيقة النصر من الله وأنه للمؤمنين، والخذلان لغيرهم، بحكمة لايدركها العقل البشري، إلا بوحي من رب العالمين.
المطلب الخامس : التفكر في الآيات الكونية.
من التربية القرآنية لنفسية المسلم التي تهتدي بهدي القرآن الكريم، أسلوب جديد فيه أسرار، إذ به يعرف كيف يتطور الإنسان بنفسه حتى يصل إلى الهدى والاقتناع، ألا وهو: التفكر في خلق الله تعالى وفي الآيات المبثوثة في الكون، والكامنة في الأنفس، وقد أثنى الله تعالى على الذين يتفكرون فيها، لأنهم بالتفكر يصلون إلى بعض الحقائق عن الخالق والمخلوق، حتى يتطور فيلهج لسانه بالاعتراف بوحدانيته وربوبيته، ثم يرتقي فكره فيعلم أنه عاجز عن أداء حق الله تعالى على الوجه المطلوب فيخاف المؤاخذة ويطلب النجاة والأمن قال الله تعالى ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا (2) .
__________
(1) سورة المؤمن الآية رقم (87)
(2) سورة آل عمران الآيتان رقم (190-191)(1/27)
وآيات الكون كثيرة لا حصر لها يقول الله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق (1) أى سنريهم دلالات صدق القرآن وعلامات كونه من عند الله فى الآفاق وفي أنفسهم (حتى يتبين لهم أنه الحق) الضمير راجع إلى القرآن، وقيل إلى الإسلام الذى جاءهم به رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وقيل إلى ما يريهم الله ويفعل من ذلك، وقيل إلى محمد – صلى الله عليه وسلم - أنه الرسول الحق من عند الله (2).
وقد رأى الناس صدق ذلك، وسوف يرى المجتمع آيات في الكون على مر الأزمان، حتى يعرفوا بأن القرآن الكريم حق، وأن الإسلام أيضا حق، والذي جاء به وهو محمد – صلى الله عليه وسلم – حق، قال تعالى ( وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون (3)
أي أن الله تعالى يأخذ بقلوبهم فيريهم الآيات تلو الآيات، والدلالة واضحة على أن التفكر في الآيات يؤدي بالإنسان إلى تحول وتنقل حتى يتبين له حقيقة الآيات كما يتبين له أن الله تعالى حق، وكل ذلك تربية حقيقية للنفس نحو حقيقة الدين وحقيقة من أُنزل عليه وحقيقة من أنزله سبحانه .
(الخاتمة)
بعد الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه أشرف المرسين، ففي نهاية هذا البحث الذي كان الحديث فيه بإيجاز حسب طبيعة الملتقى، وإلا فالموضوع بحاجة إلى توسع، فقد أشرت إلى أن المجتمع الإسلامي في شتى أقطار الأرض بحاجة إلى تعاليم هذا القرآن الكريم، لأنه كتاب التربية الإيمانية، كما تم بيان تحديد القرآن الكريم لتوجّهات المسلم نحو ربه ووحدانيته، ثم لمحت إلى تكوين القرآن الكريم لشخصية المسلم بالأخلاق الفاضلة، وفيه بيان تعامل المسلم مع كل أفراد المجتمع ، وأشرت إلى جوانب فيها تربية القرآن الكريم لنفسية المسلم على التأثر والتأثير.
__________
(1) سورة فصلت الآية رقم (53)
(2) فتح القدير 4 /523.
(3) سورة النمل الآية رقم (93)(1/28)
ثم في الخاتمة: خلاصة البحث ، وأوصي بضرورة حضور مندوبين من كل جمعيات مناطق المملكة لتعم الفائدة، كما أقترح أن يتم التنسيق بين جميع الجمعيات والخروج بتوصيات موحدة لتهيئة مدرس القرآن مؤهلا لبيان المبادئ التربوية التي يشتمل عليها القرآن الكريم للطلاب والدارسين. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فهرس المراجع
القرآن الكريم.
الإتقان في علوم القرآن للحافظ السيوطي، ط: الأولى 1407هـ دار إحياء العلوم، بيروت.
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان لابن بلبان تحقيق:كمال يوسف الحوت، ط(1) 1407هـ
الأدب المفرد للإمام البخاري، دار البشائر بيروت، 1409هـ.
الإصابة لابن حجر، ط الأولى 1328 دار السعادة بمصر.
البرهان في علوم القرآن للزركشي، ط الأول، 1408 دار الكتب العلمية ، بيروت.
تفسير ابن كثير لأبي الفداء ابن كثير، ط: دار الفكر 1402هـ.
تفسير السعدي، لعبد الرحمن بن ناصرالسعدي، ط: مؤسسة الرسالة 1421هـ.
التيسير في أحاديث التفسير للشيخ محمد المكي الناصري، ط الأولى 1405هـ دار الغرب الإسلامي، بيروت .
روح المعاني للعلامة الألوسي، شهاب الدين بن محمود، ط: دار إحياء التراث.
سنن ابن ماجة، تعليق محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار الفكر، بيروت.
سنن الترمذي، تحقيق بشار عواد، ط الأولى 1996م دار الغرب.
صحيح ابن خزيمة، المكتب الإسلامي، بيروت 1390.
صحيح الإمام مسلم ، ط: الثانية 1972م دار إحياء التراث العربي.
صحيح البخاري مع فتح الباري. ونسخة ت د مصطفى البغا، ط 3.
فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر، ترتيب محمدعبد الباقي، المكتبة السلفية.
فتح القدير للشوكاني محمد بن علي بن محمد، ط: دار الفكر، بيروت.
لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار المعارف، القاهرة.
مسند الإمام أحمد بن حنبل، ط: دار صادر، بيروت.
المعجم الوسيط، تحقيق مجمع اللغة العربية، دار النشر، دار الدعوة.(1/29)
المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، ط: دار المعرفة، بيروت.
المنهاج القرآني في التشريع للدكتور عبد الستار فتح الله سعيد، ط: الأولى 1413هـ القاهرة .
الفهرس العام
المقدمة………… ………… 1…التمهيد ………………… … 5 المبحث الأول: القرآن الكريم كتاب التربية الإيمانية وتهذيب الأخلاق 7
المبحث الثاني: تحديد القرآن الكريم لتوجّهات المسلم 11
المبحث الثالث: تكوين القرآن الكريم لشخصية المسلم بالأخلاق الفاضلة 14
المبحث الرابع: تهذيب القرآن الكريم لتعامل المسلم مع الآخرين في المجتمع 16
المطلب الأول: التربية القرآنية في التعامل مع ولي الأمر. 16
المطلب الثاني: تعامله مع الأقربين. 17
المطلب الثالث: تعامله مع الأباعد. 20
المطلب الرابع: تعامله مع غير المسلمين. 22
المبحث الخامس: تربية القرآن الكريم لنفسية المسلم على التأثر والتأثير 23
المطلب الأول: التأثر بالأمثال القرآنية. 23
المطلب الثاني: الاعتبار بأحوال الآخرة من البعث... 25
المطلب الثالث: الاتعاظ بالترغيب والترهيب. 26
المطلب الرابع: الاستفادة من العبر المستنبطة من القصص. 27
المطلب الخامس: التفكر في الآيات الكونية. 28
الخاتمة ………………… 30
فهرس المراجع………………… 31…الفهرس العام……………… 32(1/30)