التحصيل الدراسي عند طلاب وطالبات حلقات التحفيظ
دراسة ميدانية لطلاب وطالبات تحفيظ القرآن الكريم
بحث مقدم إلى
الملتقى الثالث للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم
الذي تنظمه
الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض تحت عنوان:
الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم والمجتمع
المحور الثالث : إسهام جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في تنمية المجتمع ( الواقع والمأمول)
الفرع الأول : بناء الأجيال
في شوال 1427 هـ
مقدم من
الندوة العالمية للشباب الإسلامي
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، والصلاة والسلام على معلم البشرية الخير وبعد : لقد نشأ جيل الصحابة الكرام في مدرسة القرآن الكريم، فكانوا خير أمة أخرجت للناس. مصاحف تمشي على الأرض.
ولما كان لا يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها، فقد كانت للمسلمين عناية خاصة بكتاب الله تعالى تعليماً وتدبراً. وحرص خيار هذه الأمة جيلاً بعد جيل على هذا العمل الجليل. امتثالاً لقول الله تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29)، ورغبة في أن يشملهم حديث الرسول ز : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ).
لقد عاش خيار هذه الأمة بالقرآن وللقرآن وصدرت عنهم أقوال تترجم لنا شعورهم هذا...
هذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يقول : ( لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم)(1) .
وهذا ما ظهر جلياً في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقد كان يقول لأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - : ( يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يسمعون ويبكون) (2).
إن تعلم القرآن الكريم يترك آثاره الإيجابية في الدنيا والآخرة، ولعل هذا ما يفهم من كلام الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ حين يقول : ( من تعلم القرآن عظمت قيمته).
__________
(1) جامع العلوم والحكم ، ص 490
(2) المرجع السابق ، ص 490(1/1)
لعل عظم القيمة وعلو المنزلة تكون في الدنيا بصلاح الحال، والتوفيق فيما يسعى الإنسان من أجله، وهذا ما يشهد له واقع قطاع كبير ممن يتعلمون القرآن الكريم في حلقات التحفيظ من الناشئة حيث دلت النتائج والدراسات أن حفظة القرآن الكريم ورواد حلقات التحفيظ هم رواد التفوق العلمي في مراحل التعليم المختلفة.
لقد أدركت الندوة العالمية للشباب الإسلامي هذه الحقيقة، وعملت من أجل أن تصبح واقعاً في حياة الناشئة المسلمة لأن أطفال اليوم هم شباب الغد، والندوة التي تعنى بالشباب رعايةً وتربيةً لابد أن تبدأ معهم من سن الطفولة.
إن الأرقام تتحدث عن هذه العناية، فإن الندوة العالمية للشباب الإسلامي ترعى داخل المملكة وخارجها المئات من حلقات التحفيظ تحتضن فيها آلاف الطلاب من الجنسين.
والندوة العالمية للشباب الإسلامي تقدم هذا البحث لتؤكد حقيقة مهمة ربما شكك بها بعض الناس جهلاً أو تجاهلاً ألا وهي أن تعلم القرآن الكريم يسهم إلى حد كبير في التفوق العلمي لدى طلاب المدارس لأسباب دنيوية ودينية.
فقد أكدت الدراسات العلمية أن حفظ القرآن الكريم يسهم في تنمية عمل المخ ويسهم كذلك في زيادة ملكة الحفظ لدى الطلاب، إضافة إلى ما يورثه حفظ القرآن وتعلمه من تقوى الله والحصول على توفيقه وتسديده.
وهذا البحث يعد لبنة في هذا الموضوع، حرصت الندوة على أن تكون الأرقام هي اللغة السائدة فيه، ولهذا جاء مختصراً، لأن طبيعة الأرقام تختصر الكلام.
التحصيل الدراسي
عند طلاب وطالبات حلقات التحفيظ
(دراسة ميدانية لطلاب وطالبات حلقات تحفيظ القرآن الكريم)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد :(1/2)
فإن التفوق الدراسي والحصول على المراتب الأولى في الدراسة والتميز والتألق ثم الحصول على المقعد المناسب في الجامعة هو هاجس الكثير من الطلاب والطالبات والرغبة الجامحة التي تختلج صدور معظمهم، خصوصاً في ظل ارتفاع معدلات القبول في الجامعات واحتدام التنافس على المقاعد الجامعية.
وربما يسبب هذا الهاجس وهذه الرغبة حاجزاً بين الطلاب والطالبات وبين البرامج الأخرى الثقافية أو الاجتماعية أو الرياضية أو غيرها من البرامج الموجودة في المجتمع، والتي تستهدف هذه الفئة. فتجدهم بسبب الدراسة منعزلين عن الأندية والملتقيات، بل أحياناً والجلسات العائلية، أما في وقت الامتحانات فهم محبوسون في بيوتهم بين أيديهم كتبهم يذاكرون فيها آناء الليل وأطراف النهار.
ومن الشبهات التي تثار حول هذا الموضوع تعارض حفظ كتاب الله مع التفوق الدراسي. وهذا ما يشكل حاجزاً بين الطلاب والطالبات والراغبين بالتفوق الدراسي وبين الالتزام ببرامج ومراكز التحفيظ. فتجدهم باختيارهم أو بإجبار أهلهم مترددين في الإقبال عليها بهذه الحجة المذكورة.
لهذا كانت هذه الدراسة الميدانية كي تثبت من خلال الواقع العملي خطأ هذه النظرية، فواقع الحال في حلقات التحفيظ يدل على أن حفظة القرآن الكريم هم الفئة الأكثر تفوقاً في مدارسهم، وهم الذين يحصلون على الدرجات العليا سواءً في مدارسهم أو في الثانوية العامة أو في الجامعات.(1/3)
ولم تقتصر هذه الحقيقة ـ نعم أقول أنها حقيقة وليست نظرية ـ على هذه الدراسة فقط، فقد ذكرت صحيفة الجمهورية المصرية في عددها الصادر في تاريخ (25/7/2003م) أنه لما أعلنت مديريات التربية والتعليم نتائج الثانوية العامة ، وأعلنت أسماء الأوائل فيها ، حرصت الصحيفة على التقائهم لمعرفة أسباب تفوقهم، فكانت إجاباتهم أن تحديد الهدف والإصرار ومواصلة التميز ، وحفظ القرآن الكريم ، والمواظبة على الصلوات ، وطاعة الوالدين ، أهم مقومات تحقيقهم للتفوق. وبالإضافة إلى ذلك أيضاً ذكرت إحدى الدراسات التي أجريت على عيِّنة من تلميذات الصف السادس الابتدائي في مكة المكرمة تفوق طالبات حلقات التحفيظ على غيرهن من الطالبات في مهارتي الاستماع والقراءة بنسبة تتراوح ما بين (97% - 99%)(1).
واقع الدراسة بالأرقام
تبين من خلال الدراسة التي أجريت على مجموعة عشوائية من طلاب وطالبات حلقات تحفيظ القرآن الكريم التي ترعاها الندوة العالمية للشباب الإسلامي ما يلي :
(31%) من الطلاب الذكور في هذه الحلقات هم من الحاصلين على معدلات دراسية ما بين (95%-100%).
(26%) من الطلاب الذكور في هذه الحلقات هم من الحاصلين على معدلات دراسية ما بين (90%-95%).
(30%) من الطلاب الذكور في هذه الحلقات هم من الحاصلين على معدلات دراسية ما بين (80%-90%).
وبالتالي فإن ما نسبته (86%) من هذه العيِّنة العشوائية من الطلاب الذين شملتهم الدراسة هم من المتفوقين دراسياً حسب ما هو متعارف عليه لعلامات التفوق. مع العلم أن (70%) من طلاب الثانوية العامة الذين كانوا ضمن هذه الدراسة هم من الحاصلين على (85%) فما فوق في الثانوية العامة.
أما بالنسبة للإناث فقد تبين من خلال الدراسة ما يلي:
__________
(1) يراجع في هذا الموضوع كتاب العبر فيمن حفظ القرآن ولم يبلغ العشر ، للباحث محمد الرنتاوي، الصادر عن جمعية المحافظة على القرآن الكريم ، عام 2004هـ، ص 41 وما بعدها فهو مفيد جداً .(1/4)
(33%) من الطالبات في هذه الحلقات هم من الحاصلات على معدلات دراسية ما بين (95%-100%).
(22%) من الطالبات في هذه الحلقات هم من الحاصلات على معدلات دراسية ما بين (90%-95%).
(25%) من الطالبات في هذه الحلقات هم من الحاصلات على معدلات دراسية ما بين (80%-90%).
وبالتالي فإن ما نسبته (80%) من هذه العيِّنة العشوائية من الطالبات اللواتي شملتهن الدراسة هن من المتفوقات دراسياً حسب ما هو متعارف عليه لعلامات التفوق. مع العلم أن (68%) من طالبات الثانوية العامة اللاتي كن ضمن هذه الدراسة هن من الحاصلات على (85%) فما فوق في الثانوية العامة.
ويضاف إلى هذا وذاك أن معظم الطلاب والطالبات الذين تخرجوا من الثانوية العامة والذين كانوا ولا يزالون ملتزمين بالحلقات القرآنية من أصحاب التخصصات المميزة في الجامعات مثل الصيدلة والطب والهندسة وطب الأسنان.
هل هناك تعارض بين حفظ القرآن الكريم وتحصيل التفوق الدراسي؟
لنأخذ الإجابة عن هذا السؤال من تجارب الحفظة المتفوقين الذين وجهنا إليهم هذا السؤال، فكانت إجاباتهم بلا استثناء أو تحفظ أنه لا يوجد تعارض بين الحفظ وبين التفوق الدراسي، بل هناك تكامل واتصال ـ كما سنبين لاحقاً ـ وقد أجاب واحد فقط من هذه العيِّنة بوجود تعارض ولكنه قيد هذا التعارض بعدم القدرة على تنظيم الوقت ليس أكثر، أي أن العلة الرئيسية إذا وجد التعارض هي عدم التنسيق وعدم تنظيم الوقت. وهذه ليست مشكلة فقط في مجال الحفظ والدراسة بل هي مشكلة في الحياة بشكل عام.
الفوائد والمهارات التي يمكن أن يتحصل عليها حافظ القرآن الكريم والتي تنعكس على تحصيله الدراسي إيجابيا :
وهذه الفوائد أيضاً نأخذها من إجابات المشاركين في هذه الدراسة من الطلبة والطالبات:(1/5)
اكتساب وصقل وزيادة مهارة الحفظ وسرعته . وهي من المهارات الأساسية في حفظ القرآن الكريم. وممارستها في الحفظ والتدرب عليها يصقلها ويكسبها سرعة تُفيد الراغبين بالتفوق الدراسي، إذ لاغنى عنها في هذا المجال. ويتبع هذه النقطة أن الراغب بالتفوق الدراسي يكتسب بعض السلوكيات الإيجابية في حفظ مادته ودروسه يأخذها من حفظ القرآن الكريم وهي :
حسن اختيار الوقت الأمثل للدراسة.
حسن اختيار المكان الأمثل للدراسة.
حسن اختيار الوسيلة المناسبة المساعدة على الدراسة
( مواد، أجهزة، مأكولات، ...).
اكتساب مهارة تنظيم الوقت . وتلك مهارة لا يستغني عنها راغب بالتفوق والتقدم، وهي من المهارات التي ذكر حفاظ وحافظات كتاب الله أنهم اكتسبوها من حفظهم لكتاب الله. حيث تعلموا كيفية توزيع أوقاتهم، وكيفية الاستفادة من أوقات النشاط الذهني، وتحديد الأولويات، وكان لهذه المهارة الأثر الواضح في تحصيلهم الدراسي.
اكتساب الجلَد والصبر والإصرار وعدم اليأس.
تحديد الهدف . سواءً أكان هذا الهدف مرحلياً أم بعيد المدى، فهذه الأهداف كلها موجودة في حفظ كتاب الله، فيتعلم الطالب الحافظ تحديد ماذا يريد من الدراسة حالاً ومستقبلاً، لأن تحديد الهدف هو الأساس الأول للوصول إليه، ومعظم مشاكل الطلبة الدراسية تنشأ من عدم تحديدهم لأهدافهم، ولو سألت مجموعة من الطلاب في بداية العام الدراسي: ما هدفكم في هذا العام؟ فكم هي يا ترى نسبة من يحدد هدفه بأن يقول : أريد التفوق، أو أريد علامة كذا. ولنذهب بعيداً ونسأل : كم هي نسبة الطلاب الذين يحددون رغبتهم للدراسة الجامعية بعد الثانوية العامة؟ فالجميع يرمي هذا الحمل على مقدار العلامة التي يتحصل عليها، في حين تبين أن حفظ القرآن الكريم وممارسته يعين الطالب في المدرسة على كيفية تحديد الهدف وكيفية الوصول إليه بكل يسر وسهولة.(1/6)
الثقة بالنفس . وأي ثقة أكبر من ثقة حافظ القرآن الكريم بنفسه، ثقة مستمدة من حفظه للقرآن الكريم، وجمعه في صدره للمتشابهات والمحكمات والأحكام والأخلاق والقصص المختلفة. وقبل هذا كله ثقة مستمدة من معيَّة الله وحفظه وحفظ الملائكة لحافظ القرآن الكريم، فلسان حال الحافظ والحافظة : هل أعجز بعد أن حفظت كتاب الله أن أحقق التفوق في هذه المادة أو تلك؟ وهل أعجز عن فك رموز هذه المسألة أو تلك؟
اكتساب مهارة التعاون مع الآخرين. والاستفادة من قدراتهم وطاقاتهم. وهي من المهارات الواضحة التي يتم اكتسابها من حفظ القرآن الكريم. فمهما كانت القدرات الفردية للحافظ فلن يستطيع حفظ كتاب الله من غير مُعين ومُساعد. ومن هذه النقطة أيضاً نأخذ ما يلي : أن حفظ القرآن الكريم يدل صاحبه ـ كما يقول الحفظة ـ على الصحبة الصالحة الطيبة التي هي من ضروريات التفوق الدراسي. وكما يقول المثل: من رافق السعيد سعد ومن رافق التعيس تعس.
اكتساب مهارة القراءة السريعة مع التركيز. وهي من المهارات التي يوصي التربويون الراغبين بالتفوق الدراسي في حفظ القرآن الكريم باكتسابها وتنميتها لما لها من أهمية وخصوصاً في أوقات الامتحانات حيث ضيق الوقت وكبر حجم المادة المطلوبة.
اكتساب مهارة ربط الأفكار ببعضها البعض والقراءة والحفظ الموضوعي.
اكتساب مهارة التفاؤل والإيجابية وحسن الظن بالله. وهو رأس الأمر كله والأساس لحصول أي مقصود ومطلوب، وحفظ القرآن الكريم هو المزود الحقيقي لمثل هذه المعاني لأنه:
يشعر صاحبه بالإنجاز.
تحل عليه البركة من كل الجهات.
تتحصل له معية الله ومعية الملائكة.
يشكل له الدافعية المطلوبة نحو الانطلاق والتقدم والعمل.
الدعاء. من الفوائد الأساسية التي يتعلمها حافظ القرآن الكريم ويداوم عليها ويعلم أثرها ليطبقها في دراسته وفي طريق تفوقه الدراسي.(1/7)
هذه عشر فوائد ونصائح ومهارات اكتسبها حفاظ وحافظات كتاب الله من خلال حفظهم والتزامهم في حلقات التحفيظ ولم نحصل عليها من خلال الكتب والنظريات التربوية، ولكن من أفواه أصحاب وصاحبات التجربة الذين ملأ نور القرآن قلوبهم فأنار لهم درب التقدم والنجاح.
الخاتمة
التوصيات :
توسيع دائرة البحوث والدراسات القائمة على الاستبانات والإحصاءات، والتي يكون من نتائجها بيان أهمية حلقات تحفيظ القرآن الكريم.
العمل على نشر مثل هذه البحوث والدراسات بين أولياء الأمور بغية تشجيعهم على إرسال أولادهم إلى حلقات التحفيظ.
تسجيل تجارب الحفاظ من الطلاب المتفوقين في دراستهم حتى تكون أنموذجاً يحتذى ، ويستفاد من هذه النماذج لترغيب الطلاب بالالتحاق بحلقات التحفيظ.
الوقوف على طرائق هؤلاء الحافظين التي سلكوها في حفظهم، رغبة في إعداد أفضل الوسائل المعينة على حفظ القرآن الكريم.
التوسع في عقد الندوات والمؤتمرات الخاصة بهذا الموضوع، واستضافة بعض الحفاظ للحديث فيها عن تجربتهم ورحلتهم مع القرآن الكريم.
التوسع في تكريم النابغين في حفظ كتاب الله مادياً ومعنوياً، لما في ذلك من إبراز المكانة الرفيعة للقرآن لدى المسلمين، وتحفيزاً للطلاب والطالبات ( في الحلق) على الجد ، وتحفيزاً لغيرهم على اللحاق بركبهم.
دعم القطاع ( المؤسسي الخيري ) ليقوم بمسؤولياته في هذا الشأن ، بوصفه أكثر مرونة وأطول يداً في هذا المضمار.
م/الأسطل/ د. ص(1/8)