التجديد في التفسير
مادة ومنهاجاً
إعداد
الدكتور جمال أبو حسان
إهداء لمكتبة شبكة التفسير والدراسات القرآنية
www.tafsir.net
أستاذ مساعد
كلية الشريعة – جامعة الزرقاء الأهلية
الأردن
ملخص
يعد التجديد بشكل عام مطلبا ملحا من متطلبات الحياة، وبابا من أبواب استمرارها ؛ ذلك أن التجديد يعني أن الحياة قائمة ومستمرة.
ومثلما هو التجديد في الحياة يكون التجديد في العلوم . وفي هذا البحث عالج الباحث قضية التجديد في علم تفسير القران ، وبين من خلال البحث أن التجديد في هذا العلم كان مطلبا ملحا عبر العصور الإسلامية .
وبين الباحث ضرورة التجديد في مادة التفسير وطريقته ومناهجه وعرض الباحث لخطط مادة التفسير في جامعة اليرموك وبين ضرورة التجديد فيها
ورفد الباحث بحثه باختيار بعض الآراء الجديدة في التفسير التي لم يسبق للمفسرين القدامى أن عرضوها تدليلا منه على صحة مطلب التجديد
Abstract
Modernisation is generally considered an urgent requirement of life and a way in its continuity, Hence modernistation means life is continuous .
... As Here is modernisation in life then it is there in seience .
... In this research, the researcher treated the issue of modernistation in the seience of the Holy Quran Interpretation, and showed through the research that modernisation in this seience was a recessary requirement through Islamic Ages .
... The researcher showed the necessity of modernisation in the Interpretation Course and its way and methudologies and presented the plans of Interpretation Course at Alyarmouk University and Showed the necessity of modernisation .
To Prove the necessity of modernisation, the researeher enclosed a selection of new viewpoints which were not presented by old interpreters .
تقديم(1/1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد :
فإنا أمة قد اختارها الله تعالى لتكون خاتمة الأمم والشاهدة لأنبيائها عليها، والشاهدة في هذا الكون على وحدانية الخالق ووحدة دينه ومنهاجه .
... وقد جعل الله تعالى هذه الأمة مميزة بمنهاجها وأسلوبها وفكرها وعملها وكل شيء فيها لما وضعه في شرعها من المرونة الدافعة إلى الإيجابية والتجديد والنهوض المستمر لإصلاح شؤون الدنيا والآخرة .
ولقد كانت سنة الله تعالى في مسار الأمم والحضارات هي سنةَ الدورات التي تتدوال فيها الأمم والحضارات فترات وحقب التقدم والتراجع ، والصعود والهبوط، والنهوض والركود ،والحياة والموت، وهي السنة التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين )(آل عمران :140)وقال تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) (محمد: 38) وقال سبحانه (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) (البقرة : 251).
... وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السنة التدافعية بمثال العدل والجور فقال عليه السلام (لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله ، حتى يولد في الجور من لم يعرف غيره ،ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل ،فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله ، حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره )(1).(1/2)
... وإذا كانت سنة الدورات هي التي تحكم مسارات الأمم والحضارات فإن هذه السنة تقتضي الصحوة و اليقظة والتجديد، خروجا من مراحل ودورات الغفلة ، والتراجع والجمود. فاليقظة والتجديد سنة من سنن الله تعالى في الاجتماع الإنساني ، وفي مسارات الحضارة الإنسانية ، وهذه حقيقة بارزة في تاريخ هذه الأمة بشكل واضح .فقد تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً بارزاً بقوله (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة
من يجدد لها دينها(1)وإذا كانت الحضارة الإنسانية هي مواضعات بشرية ،وإبداعات مدنية لا توصف بالخلود ، ولا بالإطلاق ، ومن ثم يجوز عليها الموت وإخلاء الطريق لحضارات أخرى وارثة لأممها وشعوبها وتاريخها، بمعنى أن سنة التجديد قد تأتي في صورة تداول الحضارات ، لا بعثها وتجددها . فإن الحضارة الإسلامية واللغة العربية مع أنهما مواضعات بشرية وإبداعات إنسانية ،هما استثناء من مصير موت وفناء الحضارات واللغات ، وذلك لارتباطهما بالمطلق الديني ، وهو الإسلام الخالد والخاتم، والقرآن المهيمن الذي تعهد الله بحفظه بلسان عربي مبين ، لأجل هذا كان التجديد سنة مطردة وقانوناً لازماً في مسار الحضارة الإسلامية يقودها إلى النهوض بعد كل ركود ، وهذا هو الذي جعل حضارتنا الإسلامية العربية أطول الحضارات المعاصرة عمراً وأرسخها قدماً على درب النهوض من العثرات ، وأكثرها استعصاءً على فقدان الهوية والخصوصية ، لارتباط ذلك بالمطلق الديني والخالد الإلهي ، فهي إبداع مدني بشري حفز إليه وصبغة وحدد معاييره الوضع الإلهي المتمثل في وحي الله تعالى . وتلك خصوصية لحضارتنا الإسلامية تفردت بها دون كل الحضارات(2) .
... هذا في مسار الحضارة الإسلامية بعامة .ولا شك أن العلوم الإنسانية والعلمية الإسلامية جزء من مسار هذه الحضارة سواء منها ما تعلق بالدين مباشرة أم ما كان متعلقاً بتأييد الدين وليس به مباشرة.(1/3)
وعلم التفسير واحد من هذه العلوم بل هو أهمها لأنه يتعلق مباشرة بمصدر هذا الدين شرحاً وتوضيحاً ، بياناً وإبرازاً . فهل يدخله التجديد كما يدخل غيره ؟
للإجابة عن هذا التساؤل لا بد أن نحدد بإيجاز ما معنى التفسير وما معنى التجديد .
المبحث الأول : في معنى التفسير والتجديد
التفسير :
تدور مادة التفسير حول معنى الكشف مطلقاً سواءً أكان هذا الكشف لغموض لفظ أم لغير ذلك .
وفي الاصطلاح :كشف معاني القرآن وبيان المراد منه ، وهو أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل ، وبحسب المعنى الظاهر وغيره(1)وهو بهذا المعنى يشتمل جميع ضروب البيان لمفردات القرآن وتراكيبه سواء أتعلق البيان بشرح لغة أم استنباط حكم أم بتحقيق مناسبة ، أم بيان سبب نزول ، أم بدفع إشكال ورد على النص ، أم بينه وبين نص آخر، أم بغير ذلك من كل ما يحتاج إلى بيان النص الكريم(2).
"التجديد "
من الجِدّة ، والكلمة تدور على إبراز ما لم يكن بارزاً أو إنشاء ما لم يكن منشأً أو من الإيجابية في العمل والاستمرار فيه(3).
وليس يعني هذا المصطلح الإتيان بالجديد ضرورة وهذا مالحظه في كل زمان المؤلفون والمبدعون والفاعلون في الأمة في كل أوقاتها .
وقد نقل حاجي خليفة عمن سبقه أن التأليف في العلم على سبعة أنحاء . إذ لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها وهي :
1. شيء لم يسبق إليه فيخترعه . مثل الرسالة للشافعي
2. شيء ناقص يتممه . كالمجموع للنووي حيث تعاقب على تتمته السبكي والمطيعي
3. شيء مغلق يشرحه . مثل شروح المتون الفقهية واللغوية
4. شيء مطول يختصره دون أن يخل بمعانيه . مثل مختصر تاريخ دمشق لابن منظور
5. شيء متفرق يجمعه . مثل القواعد الفقهية لابن رجب حيث جمعها من كتب الفقهاء
6. شيء مختلط يرتبه . مثل ترتيب المحدثين لبعض الأحاديث على حروف المعجم
7. شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه . مثل كتب التعقيبات والردود(1/4)
وهذه الأنواع السبعة من التأليف كلها(1)فيها إضافة نوعية أو شكلية أو مادية لما سبق ، ونلاحظ بوضوح أن الإتيان بجديد ليس إلا نوعاً من التجديد وليس هو .
وإذا كان الأمر على ذلك فلا ينبغي حصر التجديد في الإتيان بجديد والذي ربما قاد إلى الإنحاء باللائحة على المتقدمين الذين لم تبلغ عقولهم أن يصلوا إلى ما وصل إليه المجدد في موضوع التجديد وفي هذا ما فيه من غمط السابقين حقوقهم وفضائلهم.
المبحث الثاني : " تجديد التفسير "
ليس يقصد بهذا العنوان أن نأتي بتفسير لم يسبق إليه سابق مما يترتب عليه إلغاء التفسير السابق فإن هذا لا يعد من العلم في فتيل ولا قطمير ، وإنما هو من هدم ما بناه الأقدمون دون مناسبة داعية لذلك ولكن الذي أعنيه بهذا العنوان هو مواكبة التفسير لحاجات العصر وإصلاحها بحيث لا يغدو التفسير حبيس الأوراق والكتب وإنما ينطلق لاصلاح واقع الناس وتلبية حاجاتهم الدينية والنفسية . وهذا بيان مقتضب يستدعي النظر في بعض الأمور أهمها :
1- التفسير القديم طريقته ومنهجه ومصادره .
2- هل يقف التفسير عند عصر من العصور .
3- دواعي التجديد في التفسير .(1/5)
ففيما يتعلق بالأمر الأول من هذه الأمور المشار إليها ذكر المتقدمون أن التفسير القديم(1)كان قوامه على أمور لم تتخلف عند واحد من الذين تعاطوا علم التفسير وهي تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة(2)وتفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين هذا هو الإطار العام لما عرف قديما باسم التفسير بالمأثور(3)0)وفي داخل هذا الإطار العام يدخل التفسير باللغة وسياق الآيات المفسرة والأحوال المستتبعة لنزول الآيات الكريمة وما اوتيه المفسر مما فتح الله عليه من بركات القرآن الكريم(4)1)وقد جاء عن علي رضي الله عنه ما يوضح هذا المعنى الخاص بهذا الجانب عندما سئل هل عنده من خصوصية في علم القرآن. فقد اخرج البخاري عن أبي جحيفة قال : سألت عليا رضي الله عنه هل عندك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن فقال :لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن ، وما في هذه الصحيفة , قلت: وما في هذه الصحيفة ؟ قال: فكاك الأسير ولا يقتل مؤمن بكافر).(5)2)(1/6)
فالمفهوم بادي الرأي من هذا الحديث أن إفهام الناس تتفاوت في فهم القرآن وطريقة المتقدمين في التفسير هي أن يعمد المفسر إلى آية أو مجموعة من الآيات ذات الارتباط الموضعي أو النحوي فيعمد إلى القصد إلى جزئياتها من الحديث عن بيان معاني المفردات والكلمات وأصولها الاشتقاقية وصيغها الصرفية ثم الكلام على الاعاريب والقراءات ثم الحديث عن الأساليب البلاغية في الآية وربما انجر الكلام إلى التوسع في بعض ما له علاقة بالآية من قريب أو بعيد .هذه هي طريقة التفسير في القديم ، ويمكننا أن نلحظ هذا بوضوح فيما بين أيدينا من التفاسير فقد وقفت على أقدم تفسير مطبوع فيما أعلم وهو تفسير مقاتل بن سليمان المتوفى سنة 150 للهجرة ، وبأدنى تأمل ترى هذا الأمر واضحا فيه كل الوضوح، ثم تتابع الأمر على ذلك ، حتى وصل إلى عصرنا الحاضر فمثلا في التفاسير المعاصرة مع وجود التمايز بين هذه التفاسير قديما وحديثا باختلاف شخصيات المفسرين، فكل تفسير ينطبع فيه آثار شخصية مؤلفة , وتختلف المعرفة من شخص لآخر عبر القرون وهذا من الاختلافات التي هي من شأن البشر وضرورة تمايزهم . نجد هذه الطريقة عند المنار وعند القاسمي وعند إسماعيل حقي البرسوي .(1/7)
و أما ما يتعلق بالأمر الثاني من الأمور المشار إليها سابقا والمخصص للإجابة عن سؤال فحواه : هل يقف التفسير عند قرن معين ؟ أو بتعبير آخر هل يمكن إحداث قول جديد في التفسير ؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل لا بد من بيان أن التفسير برمته ينقسم قسمين : تفسير نقلي و تفسير عقلي , والتفسير النقلي لم يختلف الناس فيه، بمعنى إذا صح حديث أو نص في تفسير آية فان هذه الصحة تستلزم رفع الخلاف الذي يمكن تصوره حول إثبات التفسير ، و إنما اختلفوا في حيثيات لها علاقة بالتفسير النقلي ، وذلك يمكن تبينه إذا ما قدرنا أن المتصدي لهذا التفسير النقلي إنما يجمع حول الآية من المرويات ما يشعر أنها متجهة إليه متعلقة به , فيقصد إلى ما تبادر إلى ذهنه من معناها , وتدفعه الفكرة العامة فيها, فيصل بينها وبين ما يروى حولها في اطمئنان . وبهذا الاطمئنان يتأثر نفسيا وعقليا حيثما يقبل مرويا ويعني به , أو يرفض من ذلك مرويا – إن رفضه – ولم يرتح إليه(1)3) وضمن هذه الدائرة التي هي مما حول المنقول يدور الخلاف و أما التفسير العقلي فان الخلاف فيه أوضح و أجلى و أبين إذ يفرغ المفسر في الآية طاقته وجهده في الوصول إلى اكمل معانيها عنده ، وهذا هو ميدان الاختلاف والتنافس في إبراز القيم العليا لهذه الآيات الكريمة.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل المطروح لا بد من النظر أولا فيما يفضي إليه قول من يقول إن المتأخرين لا يمكن أن يأتوا بجديد معتبر في التفسير لم يقل به السابقون حيث انه بادي الرأي تظهر لهذا القول ثلاثة مفاسد كبرى وهي :(2)4)
أولا : إن التفسير توقف على ما قال به السلف فقط .
ثانيا : إنه لا يجوز القول في التفسير بغير ما قال به السلف .
ثالثا : إن أي تفسير يأتي بعد تفسير السلف فهو باطل مطلقا .
وهذه مفاسد بادية للعيان ومعطلة عن الفهم وضاربة عرض الحائط بسنة اختلاف البشر وتنوع اجتهاداتهم وأفكارهم .(1/8)
وتفسير القرآن الكريم قوامه على عناية المفسرين بمعاني الجمل والتراكيب القرآنية وما ينشأ عن ذلك، وهذا المعنى لا شك في إمكانية تعدده . ذلك أنه لم يكن من شرط التفسير عند أي من المفسرين سواءً أكانوا متقدمين أم متأخرين – إن السابقين قد أتوا على جميع محتملات التفسير ، بل هناك احتمالات كثيرة صحيحة ذكرها المتأخرون ولم يذكرها السلف . ومن يطالع التفاسير لا تخفى عليه هذه القضية لكن لا بد من وضع الضوابط لهذا الاحتمال الجديد حتى يكون مقبولا :
أولا : أن يكون المعنى المذكور صحيحاً في نفسه .
ثانيا : أن لا يكون مبطلاً قول السلف .
ثالثا : أن تحتمله الآية .
رابعا : أن لا يقتصر في معنى الآية على هذا الاحتمال الجديد(1)15 ) وهذه الضوابط التي ذكرها الأستاذ الفاضل مع ما فيها مما يمكن أن يناقش أو يرد، إلا أنني أقول إن ما يذكره أستاذنا الدكتور فضل عباس باستمرار في مجالسه من ضوابط لهذا الأمر أعني قبول التفسير الجديد هي أقوى وأولى وهذه الضوابط هي : -
1) أن لا يخالف التفسير الجديد ما صح من المأثور .
2) أن لا يتناقض مع اللغة .
3) ألا يتعارض مع السياق .
وهو حفظة الله يردد هذه الضوابط كثير حتى حفظت عنه جزاه الله تعالى خيراً .
وبعد هذا وذاك لو كان التفسير لا يجوز فيه الاجتهاد عبر القرون لكان مما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتركه نهبا للأقاويل . ولا أدل على بطلان القول بمنع قبول التفسير الجديد من مخالفة جميع المفسرين في تفاسيرهم له . والله تعالى أعلم .
إذا تبين هذا تبين منه أن التجديد مطلب شرعي وعقلي دعت إليه دواع كثيرة وأنا هنا لست بصدد الحديث عن التجديد بعامة و إنما عن تجديد التفسير فهل لهذا النوع من التجديد دواع ؟
وفي الإجابة عن هذا التساؤل لا بد من بيان أن القرآن الكريم لو نظر الناظر إليه بعين التدبر لرأى بعين البصر والبصيرة أن الدواعي كثيرة منها :(1/9)
أولاً : إن القرآن الكريم إنما أنزله الله تعالى لهداية البشر في كل زمان وفي كل مكان ، ومشكلات الناس تختلف باختلاف عاداتهم وتقاليدهم وبيئاتهم التي يعيشون فيها ، فكل قوم وصلهم دين الإسلام وجب عليهم النظر في هذا القرآن الذي هو منهج حياتهم وسبيل رقيهم ، والنظر مختلف باختلاف الحاجات العائدة إلى سبيل الهداية ولا شك أن هذا سبيل من سبل الرقي في التفسير والتنوع في الإفادة من القرآن الكريم بما تقوم به حياة الناس المختلفة ولا شك أن هذا يمثل نوعا من التجديد
ثانياً:إن القرآن الكريم حض في ثناياه على السير في الأرض والنظر في آثار المهلكين من جهة وكذا النظر في آثار رحمة الله تعالى بعباده.ولا شك أن المهلكين متنوعين والنعم متنوعة ، والاعتبار بهذا وذاك يختلف باختلاف حال المعتبر المتدبر ، فكل يعتبر ويتدبر ويتذكر ويتفكر بحسب ما أوتي من الطاقات والقوى والقدر ولا شك أن في هذا اختلافا بينا بين الناس وفي هذا نمط من التجديد بين معتبر و آخر ، إذ لا يلزم عليه أن تكون العبرة واحدة والاتعاظ بها سبيل واحد كذلك .
ثالثاً : إن القرآن الكريم قد حث على التعقل والتدبر والتفكر في غير ما موضع من الآيات الكريمة وفي سور عديدة(1)فإذا كان المقصود هو الوقوف عند أقوال السابقين وعدم الزيادة عليها فلأي معنى يكون تنوع الحض على التدبر والتفكر والتعقل ؟(1/10)
رابعاً : قد ذكرت في كتابي " الدلالات المعنوية لفواصل الآيات القرآنية " ما يؤيد هذا الجانب في مبحث خاص تحت عنوان " صيغ عملية في فواصل القرآن الكريم " قلت فيه : أريد بالصيغ العملية ما هو مثل مادة التفكر والعمل والعلم ونحوها من الصيغ التي تدل على حركة الإنسان في هذه الحياة وهذا الكون إذ قد تكاثر ورود هذه الصيغ التي أشرت إليها في فواصل القرآن الكريم وفي سياقات مختلفة , فقد وقعت مادة (التذكر) مثلا بصياغاتها المختلفة في فواصل القرآن الكريم نحو من ثلاث وثلاثين مرة ، ومادة (عقل) في الفواصل وقعت على صيغة يعقلون بالياء وبالتاء في أربعة و أربعين موضعا ، ومادة (عمل ) وقعت في الفواصل على صيغة يعملون بالياء والتاء في ثلاثة وتسعين موضعا ومادة (فعل ) على ذلك النمط وقعت في ثمانية عشر موضعا , ومادة (فقه) وقعت على صورة (يفقهون) فقط في الفواصل في تسع مرات , ووقعت مادة (فكر) على صورة يتفكرون بالياء والتاء في اثني عشر موضعا , ووقعت مادة (علم ) في تصريفات مختلفة في الفواصل القرآنية في مائة وعشرين موضعا من القرآن الكريم .
وقد سبق أن بينت في المبحث الخاص بتركيب الفاصلة من الجمل الفعلية(1)إن القرآن الكريم يريد أمة حية متحركة واعية قادرة على النهوض بأعباء الدعوة إلى دين الإسلام . هذا الدين الذي يأبى على أهله أن يكونوا كسالى نائمين . فيحفزهم دائما إلى أن يكونوا إلى النهوض والعمل سباقين .(1/11)
وفي تركيز القرآن على هذه الصيغ والمواد التي ذكرتها ما يدل على أن القرآن لا يريد من الأمة أن تكون أمة عاملة فقط بل يريدها مع العمل أن تتميز بميزات فريدة , وحسبنا من تركيز القرآن الكريم في فواصله على مادة (العلم ) ومشتقاتها المختلفة , حسبنا منه ما يدل على أن الأمة العاملة العالمة شيء متميز في هذه الحياة , ولذلك لا بد من التركيز على العلم وبعث روحه في أرجاء الأمة الإسلامية لا سيما في هذا الوقت الذي يرى فيه كثيرون يحرمون أنفسهم و أبنائهم من العلم , ليركضوا وراء متع الدنيا ولذائذها , يحسبون أن المتع واللذائذ هي غاية التكليف , وهي مرماه وهدفه فإذا ما أصيب واحد في هذا الجانب بدأ عليه الهلع والجزع .
واحسب أن على حكومات المسلمين والقائمين على أمور الناس أن عليهم أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ويمنعوهم من العبث ببنيان الأمة , فليس للفرد حرية التصرف في نفسه بما يؤدي إلى زلزلة كيان أمته ويقوض بنيانها , ولا شك أن الضريبة الأولى المترتبة على التجافي عن العلم, هي فشو الجهل , وهل نزل القرآن الكريم في ضمن ما نزل إليه إلا لمحاربة الجهل والجاهلين ؟(1)8)
وبعد فإذا لم يقد العلم إلى الاجتهاد والتجديد فأي فرق بينه وبين الجهل ؟!
خامساً : إن ما في القرآن من الحوافز الدافعة إلى إعادة قراءته مرة تلو المرة لأكبر الأدلة على الدعوة إلى التجديد في الفهم لان القرآن دافع إلى الرقي فإذا كانت القراءة المتوالية لا تنتج منها راقيا عن الفهم السابق فكأنها لم تكن ! وهذا ولا ريب من حوافز التجديد والدعوة إليه في كتاب الله تعالى.(1/12)
وبعد فإن القرآن الكريم كمال إلهي مطلق وبحر لا ساحل له ، انزل إلى الناس ليتعرضوا له بالقراءة والفهم والمدارسة والتدبر جيلا بعد جيل ، فلا ريب إذن أن تعرض القرآن الكريم إلى قرآءات متلاحقة عبر العصور ، وهذا أمر بديهي جدا . فكل عصر يستطيع أن يستنبط قضايا ومسائل تعينه على اجتياز المأزق الحضاري الذي يجد نفسه فيه فعلى ذلك يمكننا أن نقول إن تفسير القرآن الكريم يمكن أن يتجدد بكل عصر في ضوء المستوى الحضاري الذي وصل إليه أهل ذلك العصر والزمان . ولا يمكن أن نوقف تفسير كلام الله تعالى عند عصر معين. لأننا إن زعمنا ذلك , طعنا في خلود القرآن وخاتمتيه وعالمتيه وهيمنته(1)9)والله اعلم .
سادساً : إن الاختلافات بين المفسرين ناشئة عن القراءة من جهة أو الاختلاف في معنى الكلمة وهي قليلة التي مردها إلى ذلك ، وجل الاختلافات بين المفسرين هي اختلافات في الرأي ولا شك أن هذا ناشئ عن الاجتهاد في التفسير ، والاجتهاد مدعاة للتجديد ولا شك . ولو أننا نظرنا إلى كتاب الطبري في التفسير وقرأنا فيه ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى ( وشاهد ومشهود ) من سورة البروج لوجدنا أنه يذكر آراء كثيرة مختلفة ومتباينة، وليس مردها لا الاختلاف في القراءة ولا في معنى لغوي، ولكنها اختلافات في الفهم والاجتهاد ، ولا شك أن هذا ليس له حد فهو – الطبري – بعد أن ذكر تلك الأقوال المتعددة والمختلفة قال : والصواب من ذلك عندنا أن يقال إن الله تعالى أقسم بشاهد ومشهود ، ولم يخبرنا مع إقسامه بذلك أي شاهد وأي مشهود أراد ، وكل الذي ذكرنا أن العلماء قالوا هو المعنيّ مما يستحق أن يقال له شاهد ومشهود(2)0)وهو رحمه الله يعني أن كل الأقوال التي ذكرها محتملة في الآية . وهذا القول منه لا يمنع من إحداث قول جديد يكون محتملاً للآية أيضاً ، إذ لم يذكر هو ولا غيره أن هذه الأقوال هي حصرياً التي تحتملها الآية !!(1/13)
المبحث الثالث : نظرة إلى التفسير بين الماضي والحاضر
أسلفت فيما مضى إلى أن التفسير القديم كان يتخذ شكلا واحداً عند جميع المفسرين السابقين وهو ما يسمى اليوم بالتفسير التحليلي . ويتفاوت المفسرون فيما بينهم أداءً لهذا النوع من التفسير الذي يصطبغ بصبغة مؤلفه فيه , ويمكننا أن نطالع أي تفسير في هذا الشأن لنرى كيف يتأثر بدراسة مؤلفه وثقافته . فلوا أخذنا مثالا تفسيري أبي حيان الأندلسي وتفسير القرطبي فانا نجد التفسير الأول وقد برزت فيه العناية الفائقة لدراسة الآيات القرآنية من جهة لغوية اكثر من غيرها من أية جهة أخرى .وما هذا إلا لان أبا حيان الأندلسي كان ضليعا في النحو واللغة . وإذا ما انتقلنا إلى تفسير القرطبي نجد الجهة الفقهية أو قل إن شئت الاتجاه الفقهي قد برز بروزا واضحا في هذا التفسير وما ذلك إلا لأن القرطبي من كبار فقهاء المذهب المالكي وهكذا .
بقي هذا الاتجاه سائدا إلى يومنا الحاضر وان اختلفت درجة حضوره في الكتب بين مفسر وآخر حتى وجدنا من يعيب هذا النمط من التفسير ويسميه التفسير التفكيكي أو التجزيئي ويقول ... لقد واكب ذلك(1)1)على حجب الهداية القرآنية عن النفوس هو أن المسلمين بالغوا في التفسير التجزيئي للآيات ولم ينتبهوا إلى التفسير الموضوعي(2)2)ولا شك عندي أن العيب ليس في هذا النوع من التفسير ، أو حتى المبالغة فيه ، فانا رأيناه ضروريا حتى عند نشوء اتجاهات جديدة في التفسير ولكن العيب هو في الوقوف عند هذه المبالغة ، أو الوقوف عند هذا النوع من التفسير، وما أحسب من فسر القرآن تفسيرا تحليليا قد دعا أو المح إلا أن هذا هو التفسير وفقط لا ينبغي تطلب غيره . وهذا الذي سماه الدكتور محسن تفسيرا موضوعيا يقوم في أساس بنائه على التفسير التحليلي أولاً .(1/14)
وإذا كان الحال هكذا فلم يبق التفسير جامدا كما هو لم يتغير بل برزت اتجاهات ومناهج جديدة في كتب التفسير تلتها كذلك موضوعات جديدة لم تطرق بعناية بينه في كتب التفسير القديم ومن أهم هذه الاتجاهات التي برزت في التفسير الحديث ما يلي :
أولاً : الاتجاه الأدبي .
ثانيا : الاتجاه الاجتماعي .
ثالثا : الاتجاه العلمي .
رابعا : الاتجاه الموضوعي وإن كان هذا الاتجاه يمكن أن يشتمل على بعض الاتجاهات الأخرى.
هذه الاتجاهات الأربع لها بصماتها الواضحة في التفسير المعاصر مما يعني حتما قبول المفسرين المعاصرين لفكرة التجديد في التفسير . مما لا ينبغي معه اليوم الخوض في المسألة بين القبول والرد بعد أن برزت آثار التجديد واضحة للعيان في هذا الشأن .
بقي أنه لا بد أن يشار إلى أمرين مهمين وهما الدراسات التي عنيت بالحديث عن التفسير المعاصر وما تولد فيه من تجديد وكذلك الإشارة إلى الموضوعات التي شغلت المفسر المعاصر في تفسيره .
فأما ما يخص الدراسات حول التفسير المعاصر بعامة . فثمة مجموعة من الدراسات نذكرها هنا لملء رغبة المستزيد في فهم التفسير المعاصر وما طرأ عليه من تجديد وهذه أهم هذه الدراسات(1)3)
1- مذاهب التفسير الإسلامي لاجنتس جولد تسهر .
2- التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي .
3- الفكر الديني في مواجهة العصر لعفت محمد الشرقاوي .
4- التفسير ورجاله للشيخ الفاضل بن عاشور .
5- اتجاهات التفسير في العصر الحديث في مصر وسوريا للدكتور فضل حسن عباس .
6- اتجاهات التجديد في تفسير القرآن في مصر للدكتور محمد إبراهيم شريف .
7- اتجاهات التفسير في العصر الحديث للدكتور عبد المجيد المحتسب .
8- اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر للدكتور فهد الرومي .(1/15)
وكلها كتب مطبوعة ما عدا كتاب الدكتور فضل عباس وقد توالت بعد ذلك كتب التفسير الموضوعي ومناهج المفسرين الخاصة بدراسة كتب التفسير الحديثة بما لا مجال لحصره في هذا البحث وإنما أكتفي بالإشارة إليه , وهي جميعا متفاوتة في الجودة والقبول والرفض ما بين ممتع غاية الإمتاع وبين الإغراب الشديد والتطرف السلبي في النظر إلى التفسير المعاصر
وأما ما يخص الموضوعات الجديدة التي طرأت على التفسير الحديث فأهمها ما يلي :
1- قضية الاجتهاد ونقض التقليد .
2- قضايا السياسة والوطن .
3- قضايا العلم والحرية .
4- قضايا الاقتصاد الإسلامي .
5- قضايا التشريعات الإسلامية وخصوصا المتعلقة بالأسرة وتعدد الزوجات والطلاق والميراث وحقوق المرأة .
6- وحدة الأمة وموقف المسلمين من غيرهم .
7- عرض قضايا الاعتقاد وبسهولة ، ومحاولة التركيز على أن الإسلام دين العقل والوقوف الحازم أمام تيارات الإلحاد وتزييف شبه المبطلين وافتراءاتهم
هذه هي الموضوعات التي غلب دورانها في الكتب وكان لها بصمات واضحة في ثنايا التفسير ويكفي لمستزيد أن يطلع على فهارس تفسير المنار ليجد كثيرا من الموضوعات المحدثة التي أدار المحدثون فلكها في ثنايا تفاسيرهم(1)4)
وقبل أن أغادر هذا الأمر لا بد من الوقوف أخيراً عند بعض الملاحظات حول كتب التفسير بشكل عام في سبيل محاولة للتقويم ورفدا للتجديد ببعض المعطيات الجديدة التي تتلاءم مع هذا العصر الذي نحن فيه فمن ذلك(2)5)
1- بقاء المفسرين على طريقتهم التقليدية القديمة في التعامل مع النص القرآني تثقيفا للمسلم واغناءا له بأنواع المعارف اللغوية والنحوية والبلاغية والفقهية والتاريخية وغيرها مما يختلف باختلاف شخصية المفسر .
2- الاستطراد الطويل المستتبع لثقافة المفسر ومحاولة حشوها كتب التفسير .
3- الأخطاء البارزة في تفسير الآيات الكونية والمتعلقة بالطبيعة وغيرها .(1/16)
4- ملء كتب التفسير بالخلافات المذهبية والعقدية وغيرها .
5- عدم الاستجابة لتحديات الواقع ، بحيث يفسر القرآن بعيدا عن حياة الناس ، كأنما هو قوالب جامدة لا علاقة لها بواقع الناس وحياتهم بل هي بحاجة إلى تفكيك ونشر.
6- الاحتفال بالنقل عن أهل الكتاب .
7- كثرة رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة في التفسير والاستنباط منها جنبا إلى جنب مع الأحاديث الصحيحة .
وإذا برزت هذه الملاحظات في كتب التفسير القديمة فإنها انتقلت مع شديد الأسف إلى بعض التفاسير الحديثة(1)إلا انه والحق يقال برزت في كتب التفسير الحديثة مبادئ وقيم واهتمامات حري بتسجيلها ولا نقول إن التفاسير الحديثة ليس لها سلبيات فكثير من سلبيات الكتب القديمة لا زال يتوارد إلى اليوم فمن هذه الاهتمامات التي شغلت المفسر المعاصر ما يلي :
1- لقد حاول المفسر المعاصر أن يعرض تفسيره بأسلوب منسجم مع روح العصر وظروف أهله مستمدا من القدامى الكثير الكثير .
2- ألقى ظل العصر تساؤلات ومشكلات إنسانية واجتماعية وعلمية فتصدى هؤلاء المفسرين جزاهم الله خيرا لحلها في ضوء هدي القرآن وتفسير آياته .
3- نقد كتب المتقدمين وتبيين ما ينبغي أن يؤخذ أو يترك .
4- تجلية الإعجاز القرآني في شتى نواحيه مهيبين بالأمة أن تعتصم به(2)7)
نماذج من التجديد عند المتقدمين :-
إذا كانت هذه الدراسة قد بينت أن المتأخرين قد أحدثوا في التفسير أشياء كثيرة جديدة فلا يعني هذا أن المتقدمين لم يكن لهم أي نوع من التجديد . بل الذي يطالع كتب التفسير يجد أن التجديد قد برز بروزاً واضحاً في ثنايا التفسير، وهاأنذا أتتبع أبرز كتب التفسير عبر القرون لأبين ما حدث فيها من تجديد منتقلاً من القرن الثاني وانتهاء بالألوسي رحمه الله .(1/17)
القرن الثاني : برز فيه مقاتل بن سليمان البلخي المتوفى سنة ( 150هـ ) إذ ألف تفسيراً شاملاً للقرآن وهو على ما يبدو أول كتاب تفسير كامل وصلنا . وبغض النظر عما في هذا التفسير من آراء إلا أنه يمثل حلقة جديدة في التفسير لم يكن لها سابق وهذا نوع من التجديد.
القرن الثالث : برز فيه من أعلام التفسير واللغة الفراء المتوفى سنة (207هـ )، وأبو عبيدة المتوفى سنة ( 209هـ )، وعبد الرزاق الصنعاني المتوفى سنة (211هـ ) الذي ذكر أقاويل السلف في التفسير دون أن يستوعبها واقتصر على ذلك ، والأخفش المتوفى سنة(215هـ ) ، وهؤلاء الثلاثة قد أحدثوا في التفسير نقلة جديدة لم يسبقوا إليها حيث بدأت بذور الدراسات النحوية في التفسير تنمو وبتسارع شديد على أيدي هؤلاء الثلاثة مما يعد نقلة جديدة في التفسير وهذا لا شك نوع من التجديد.
القرن الرابع : برز فيه من المفسرين الإمام الطبري المتوفى سنة (310هـ ) ، والزجاج المتوفى سنة (311هـ ) بما أبدع في جمع أقوال اللغويين والمفسرين في التفسير، والنحاس المتوفى سنة( 338هـ ) والجصاص الحنفي المتوفى سنة (370هـ ) ، والسمرقندي أبو الليث المتوفى سنة ( 373هـ )، وكل واحد من هؤلاء قد أحدث نقلة جديدة في التفسير فأما الطبري فقد جمع روايات التفسير بأسانيدها ووازن بينها وأخذ يرجح ما كان راجحاً ، ويضيف ما يراه لازماً، ويعد الطبري بحق صاحب فتح جديد في التفسير، وأما النحاس فأضاف إلى العصر الذي هو فيه ما ذكره من أقاويل النحاة في الإعراب والترجيح بينها ، وأما الجصاص فأحدث نقلة نوعية في هذا العصر إذ قصر التفسير على آيات الأحكام وحاول جاهداً إبراز مذهب الحنفية وتقوية أدلته وبراهينه من خلال التفسير ، وأما السمرقندي فكان من أسلوب نهجه نقل ما تقدمه من الأقاويل مع حذف أسانيدها على خلاف ما جرى عند الإمام الطبري رحمه الله تعالى .(1/18)
القرن الخامس : برز فيه الإمام القشيري الصوفي المتوفى سنة ( 465هـ ) الذي أحدث نقلة نوعية في التفسير ممثلاً ذلك بكتابه لطائف الإشارات حيث فسر القرآن الكريم كاملاً على منهاج الاعتدال الصوفي.
القرن السادس : برز فيه من المفسرين الكيا الهراسي الشافعي المتوفى سنة (504هـ ) والذي فسر آيات الأحكام على المذهب الشافعي ، والزمخشري المتوفى سنة ( 538هـ ) الذي أبدع في التفسير البلاغي للقرآن الكريم ، وابن عطية المتوفى سنة (542هـ ) والذي أعاد الاعتبار لأقاويل السلف في التفسير بعد أن كادت تتيه في أتون الأقاويل الأخرى، ثم جاء ابن العربي المالكي المتوفى سنة( 543هـ) والذي فسر آيات الأحكام على مذهب الإمام مالك .
القرن السابع : برز فيه الرازي المتوفى سنة (606هـ ) الذي أحدث نقلة نوعية في التفسير بما جمعه من مستحدثات العلوم في زمانه وبخاصة العلمية منها مما له علاقة بالتفسير ، وابن جزي المالكي المتوفى سنة ( 620هـ ) العالم الشهيد الذي قدم للناس تفسيراً مختصراً مفيداً ، والقرطبي المتوفى سنة (671هـ ) الذي فسر القرآن كله واهتم بإبراز آيات الأحكام والخلاف فيها، فكان بحق كتاباً موسوعياً مباركاً سهل العبارة .
القرن الثامن : برز فيه أبو حيان الأندلسي المتوفى سنة (745هـ ) والذي ملأ تفسيره للقرآن بالتفريقات اللغوية والنحوية ،حتى عُدّ الإمام الأوحد بين المفسرين في ذلك ،وكذا ما أضافه من ردود على الزمخشري في التفسير ثم جاء تلميذه السمين الحلبي المتوفى سنة ( 756هـ ) الذي أضاف إضافة نوعية إلى التفسير بوقوفه حكماً بين شيخه أبي حيان والذين كان يعترض عليهم في تفسيره وبخاصة الزمخشري وابن عطية .
القرن التاسع :- برز فيه الفيروز أبادي المتوفى سنة (817هـ ) بما أحدثه من نقله نوعية في التأليف في التفسير في كتابه بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز .(1/19)
القرن العاشر :- برز فيه السيوطي المتوفى سنة (911هـ) بكتابه الدر المنثور في التفسير بالمأثور حيث يعد هذا الكتاب أوسع كتاب ضم آراء المتقدمين من السلف في التفسير . وبهذا الكتاب حقق السيوطي نقلة نوعية في التفسير .
القرن الحادي عشر :- لم أطلع فيها على مبرزين في التفسير .
القرن الثاني عشر :- برز الألوسي المتوفى سنة ( 1270هـ ) بكتابه روح المعاني حيث يعد هذا التفسير آخر حلقة من حلقات التفسير القديم وصاحبه آخر من أدرك الخلافات الكلامية التي برزت في التفسير وآخذت منه حيزاً كبيراً .
وكل هؤلاء المفسرين أصحاب إضافات نوعية أو شكلية في التفسير سواء أكانت هذه الإضافة إيجابية أم سلبية . والحاصل أن هؤلاء من إعلام التجديد في التفسير في القرون السابقة .
المبحث الرابع : ما هو التجديد المطلوب ؟
إن التجديد المطلوب والمنظور المرغوب والمنهجية الإصلاحية لا يكفي فيها التطعيم أو الإضافة إلى بعض المقررات والبحوث المعاصرة قلت أو كثرت بل ، لا بد من إعادة النظر في محتوى مواد التفسير ومقرراته ومناهجه وكيفية أدائها لوظيفتها الاجتماعية والنفسية والفكرية وتفعيل هذا الأداء أو بث الروح فيه من جديد(1)8)
إننا للأسف بوجه عام لا نستجيب أو نرفض أن نستجيب لتحدي (الواقع) الذي نعيشه , وتعيشه معنا الأجيال التي أقامنا الله سبحانه وتعالى على تعليمها و إعدادها والتي كتب عليها أن نلقي عليها علوم الشريعة بكل ما يستلزمه هذا التحدي من ضرورة تجاوز بعض العلوم واختزال بعضها الآخر , واستحداث بعض العلوم الجديدة(2)9) .(1/20)
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى إحداث نقله هائلة في تدريس التفسير ذلك أن الأحداث المعاصرة كبيرة وكبيرة جدا ، يكفي منها ما نراه من تطرف في الآراء المستنبطة من دراسة القرآن الكريم عند بعض ممن يستشهد بالقرآن لتلبية حاجاته ورغباته ، أو نصرا لمذهبه ونحلته ، وحسبنا من هذا التطرف ما جنته الآراء السقيمة والعقيمة غير المتدبرة من بيان علاقة المسلمين بغيرهم من أهل الكتاب ، أو غيرهم، فغني عن البيان ما أحدثته هذه الآراء غير المدروسة وخصوصا تلك الآراء التي أنتجت العنف وسيلة للتعامل مع الآخرين حتى تعدى هذا إلى نشوء عقلية إقصاء الآخر ، حتى انتقلت هذه العقلية إلى أن تضيق بالمسلمين الذين يخالفون صاحبها الرأي ، وغني عن البيان النظر إلى ما أحدثته هذه الآراء وسط مجتمع المسلمين أولا قبل النظر فيما آل إليه أمر المعاملة مع غير المسلمين ، وإذا كانت داعية هذه الآراء في المقام الأول بسبب من النظر الخاطئ في القرآن الكريم أو الفهم الخاطئ للآيات أو حتى الفهم الخاطئ في التعامل مع أقوال المفسرين في التفسير وإسقاطها على الواقع الذي نعيشه فلا بد من تقويم ذلك وبيان خطئه والحث على الصواب وتسديده .
هذا غيض من فيض ولو نظر إليه وحده لكفانا حافزا إلى أن نعمد إلى أحداث مناهج جديدة في التعامل مع القرآن الكريم بل وفي النظر المعمق للاستشهاد بالآيات الكريمة على أمور تحدث في الواقع إن النظر إليها على أنها هي المقصودة بعينها من الآيات الكريمة .
لأجل هذا ولغيره لا بد من التغيير الذي هو بداية التجديد في التفسير وعلوم القرآن الكريم على نحو يخدم به كتاب الله تعالى ولا تذهب هيبة علماء التفسير المتقدمين لأننا لا نريد من التغيير أن نهدم ما بنته القرون بل نهذبه ونضيف إليه ما يفتح الله تعالى على من يشاء من عباده الصالحين.(1/21)
ولهذا لا بد من التوضيح لهذا التجديد المرغوب في التفسير وعلوم القرآن على نحو مفيد ولهذا فان التجديد المنشود يدخل فيما اعتقد المجالات التالية :-
أولاً : ما حول مادة التفسير
ثانياً : مادة التفسير نفسها
ثالثاً : مناهج وطرق تدريس هذه المادة
أولا : التجديد فيما حول التفسير .
اقصد به العلوم أو المباحث التي تدرس قبل الدخول إلى مادة التفسير وهي ما يعطى عادة ضمن مسميات متعددة منها مثلا : مدخل إلى التفسير ،علوم القرآن ، وغير ذلك من العناوين التي لا تدخل إلى التفسير مباشرة وهي موضوعات تكثر أو تقل بحسب ثقافة الكاتب وسعة اطلاعه ولو أننا القينا نظرة عجلى على القوالب الشكلية لبعض فهارس بعض الكتب لوجدنا شيئاً عجيباً . ولنأخذ مثلاً كتاب السيوطي المسمى بالإتقان في علوم القرآن الذي يعد من خير ما ألّف في علوم القرآن الكريم فإنك تجده وقد جعل علوم القرآن في ثمانين علماً ولو ألقيت النظر على هذه العلوم لوجدتها على قسمين اثنين :
القسم الأول : علوم ليس لها دخل مباشر في تفسير القرآن بمعنى يمكن تفسير الآية أو الآيات بدون معرفة هذا العلم ، أو يمكن أن يقال إن معرفته لا تؤثر إيجابا أو سلباً على تفسير القرآن الكريم من حيث هو تفسير لكلام الله تعالى .
القسم الثاني : قسم له دخل مباشر في التفسير ويؤثر إيجابا أو سلباً على فهم الآية الكريمة .
والتأثير السلبي ناشئ عن الخطأ في إدراك هذا العلم مثل المكي والمدني وأسباب النزول وغيرها مما يهم المفسر إدراكه قبل أن يدخل إلى تفسير الآية ، وهذه الأقسام نفسها ترى تحتها من العناوين ما لا ينبغي أن يسمى علماً قائما برأسه ، فهل هناك علم قائم برأسه وله أسس وأركان يقوم على معرفة الأشياء التي منها مثلاً : ما نزل في القرآن في السفر وما نزل في الحضر ، وما نزل في الليل وما نزل في النهار ، وما نزل بين السماء والأرض ؟! فهل هذه علوم ؟!(1/22)
فإذا تأملت ما ذكره السيوطي في فهرس العلوم ترى كثيرا من العلوم ليس لها علاقة مباشرة في التفسير وبنظرة سريعة يمكن حصر التالي منها :
1-الحضري والسفري ... ... ... ... 2-النهاري والليلي
3- الصيفي والشتائي ... ... ... ... 4-الفراشي والنومي
5-الأرضي والسمائي ... ... ... ... 6-ما نزل على لسان بعض الصحابة
7-ما تكرر نزوله ... ... ... ... 8- ما نزل مفرقاً وما نزل جمعاً ...
9- ما نزل مشيعاً وما نزل مفرداً ...
10-ما نزل على بعض الأنبياء ولم ينزل على أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم
11- كيفية إنزاله ... ... ... ... 12- معرفة أسمائه وأسماء سوره
13- جمعه وترتيبه ... ... ...
14- عدد سوره وعدد آياته وكلماته وحروفه .
15- معرفة حفاظه ورواته . ... ... ... 16- معرفة العالي والنازل .
17- معرفة المتواتر . ... ... ... ... 18- معرفة المشهور .
19- معرفة الآحاد . ... ... ... ... 20- معرفة الشاذ .
21- معرفة الموضوع . ... ... ... ... 22- معرفة المدرج .
23- معرفة الإمالة والفتح وما بينها . ... ...
24- معرفة الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب .
25- معرفة المد والقصر . ... ... ... ... 26- تخفيف الهمزة .
27- كيفية تحمله . ... ... ... ... ... 28- آداب التلاوة .
29- الأدوات التي يحتاج إليها المفسر . ... ... ... 30- معرفة مقدمه ومؤخره .
31- بدائع القرآن . ... ... ... ... ... 32- إعجاز القرآن .
33- العلوم المستنبطة من القرآن . ... ... ... 34- أمثال القرآن .
35- أقسام القرآن . ... ... ... ... ... 36- جدل القرآن .
37- الأسماء والألقاب والكنى . ... ... ... ... 38- مبهمات القرآن .
39- أسماء من نزل فيهم . ... ... ... ... 40- فضائل القرآن .
41- أفضل القرآن وفضائله . ... ... ... ... 42- خواص القرآن .
43- رسوم الخط وآداب كتابته . 44- معرفة تأويله وتفسيره وبيان شرفه والحاجة إليه
45- شروط المفسر وآدابه . ... ... ... ... 46- طبقات المفسرين .(1/23)
فها هي ستة وأربعون علماً أدرجها السيوطي ضمن ثمانين علماً من علوم القرآن الكريم يمكن للباحث المحقق أن يرى أنها ليس لها علاقة مباشرة بالتفسير وإنما لها علاقة في تنمية مهارة المفسر وإطلاعه قبل أن يفسر ، فأين هذا من ذاك ؟ فهذا في ظني أول ما يحتاج إلى التجديد فيه وخلاصته حصر العلوم التي لها علاقة مباشرة بالتفسير والتي ليس لها تلك العلاقة . ولا يعني هذا إلغاؤها من المعرفة وإنما جعل ارتباطها بمقدمات التفسير وليست من ضمن علوم التفسير نفسه .
وأما ما نحتاج إليه بعد فرز ما يتعلق بعلم التفسير من هذه العلوم – إذ لا يعقل أن تبقى هذه الأمور مقدمات ضرورية لا بد منها لمن يتعاطى علم التفسير – ما نحتاج إليه هو تنقية تلك العلوم مما علق بها من آراء ضعيفة أو موضوعة أو أحاديث موضوعة وضعيفة بعد دراسة أسانيدها ودراسة رواتها . فإنه لا يعقل أن تبقى هذه الأحاديث تدور في الكتب ينقلها المتأخر عن المتقدم وكأنها حتم مقضي لا يجوز تركه ولا التخلي عنه ولا بأس هنا من ضرب بعض الأمثلة لما نريد .
1- في مبحث أو علم المكي والمدني يذكر الكاتبون في علوم القرآن الكريم أن سور القرآن مقسومة إلى قسمين ما نزل منها قبل الهجرة وما نزل بعد الهجرة .
وأن هذين القسمين يتداخلان بحيث يكون ضمن السور المكية آيات مدنية والعكس . فإذا سلمنا وهو سليم بالقسم الأول فكيف يتم التسليم بالقسم الثاني وهو وقوع آيات مكية في سور مدنية على أنني لا أعلم أن أحداً جاء لهذا الاستثناء في هذا القسم بدليل واحد صحيح وقد محص ابن عاشور كل ما قيل في هذا الباب في مقدمات تفسيره للسور القرآنية فلم يذكر لقول واحد حديثاً صحيحاً وهي محاولة جيدة .(1/24)
وهذا الأستاذ الدكتور فضل عباس يذكر في كتابه إتقان البرهان في علوم القرآن في فصل المكي والمدني كل ما ادعي فيه هذا التقسيم فلا يجد دليلاً واحداً صحيحاً يسند قول القائلين بهذا الرأي . ومع هذا لا تزال هذه الآراء تدور عندنا في كتب المعاهد والمدارس والجامعات على أنها من المسلمات بل لا تزال بعض دور النشر تكتب في مقدمات السور من بعض طبعات المصاحف مثل هذا الأمر الشائع الذي لا دليل عليه . فنحن مطالبون في تجديدنا لما حول التفسير بتنقية هذه الأشياء وأمثالها .
2- فيما يخص الحديث عن تفسير الرسول الكريم للقرآن الكريم صلى الله عليه وسلم لا تزال هناك أشياء تتردد على أنها من المسلمات أو أننا لا زلنا ندير الخلاف فيها كما أداره المتقدمون مع أن المسألة قد حسمت عملياً وأقف هنا عند قضيتين : -
القضية الأولى : هل فسر النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم كله أم لا ؟ هذا سؤال يتناوله كل من يدرس التفسير عندما يتحدث عن مراحل التفسير ونشأته ويذكر في المسألة رأيين الأول يقول نعم فسره كله والثاني يقول إنه لم يفسر إلا ما دعت الحاجة إليه ويذكرون أدلة هذا القول وذاك وردود أصحاب كل من القولين بعضهما على بعض . مع أن المذكور المتداول في كتب السنة يشهد لكل ذي عينين أن هناك آيات كثيرة جداً لم يفسرها الرسول الكريم مما يعني بوضوح رجحان القول الثاني فما هي الدواعي إذن لتكثير القول حول الخلاف في النظر في هذه المسألة وهي من المسائل المحسومة عملياً .
القضية الثانية : تفسير الرسول الكريم نفسه ما هو :(1/25)
لا زلنا إلى اليوم لم نميز بين ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً مباشراً لآية أو سئل عن آية ففسرها هو ، وبين ما يذكره علماء التفسير من الاستشهاد بالحديث النبوي أثناء تفاسيرهم لأدنى ملابسة بين الحديث والتفسير ومن هذا ما يذكره بعض المفسرين في تفاسيرهم عند قوله تعالى ( ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب ) الآية 34من سورة ص . فهم يذكرون في هذا المقام ما أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال سليمان عليه السلام لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، تحمل كل امرأة فارساً يجاهد في سبيل الله ، فقال له صاحبة : إن شاء الله ، فلم يقل ، فلم تأت امرأة منهن بولد إلا واحدة بشق غلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو قالها : لجاهدوا في سبيل الله(1)0) . ففي تفسير الرازي وأبي السعود والألوسي وغيرهم في هذا المحل من التفاسير كلهم يذكرون هذا الحديث تفسيراً لهذه الآية مع أن الحديث لم يروه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه ، وليس هو تفسيرا للآية فالحديث في مسألة والآية في مسألة أخرى فمن أين جيء لهؤلاء الأعلام ولغيرهم أنه تفسير للآية . لا نجد تفسيراً لهذا سوى أن الحديث مروي في البخاري وهذا لا يمكن اعتماده سبباً للتفسير . وهنا ينبغي الانتباه إلى كون الحديث تفسيراً للآية أم لا. هذا نظر يحتاج إلى عناية وقد نبه على هذا الدكتور فضل عباس في كتابه القصص والدكتور الطيار في كتابه مقالات في علوم القرآن(2)1)(1/26)
ومما يدخل في هذا الباب الذي أرى من الضرورة التنبيه عليه ما وقع في كتاب التفسير الصحيح المسمى الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور فقد قال عند تفسير قوله تعالى ( قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ) قال المؤلف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (( إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه ، فأخذته ، فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان ( رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي ) فرددته خاسئاً )(1)2).
فكيف يقال إن هذا الحديث هو تفسير لهذه الآية ومن أين سرى الوهم إلى المؤلف وغيره حتى عد الحديث تفسيراً للآية وهو ليس كذلك ، إنما ذكرت هذين المثالين وهناك أمثلة كثيرة لأصل منها إلى ضرورة تحرير ما يسمى بالتفسير النبوي أو التفسير بالسنة فهناك تفاسير مفردة مباشرة للنبي صلى الله عليه وسلم وهناك استشهادات للمتقدمين والمتأخرين من الحديث في التفسير فهل يلحق هذا بالتفسير المأثور ؟ لم أر من نبه على هذا إلا الدكتور فضل عباس في كتابه القصص والدكتور مساعد الطيار في كتابه مقالات في التفسير وعلوم القرآن فجزاهما الله خيراً(2)33).
3- فيما يخص نسخ القرآن بالسنة
وهذا من الأمور التي لا تزال تتردد في مباحث علوم القرآن وكتب الأصول على نحو سواء عند الحديث عن مبحث النسخ وأقسامه مع أن هذه المسألة ليس فيها دليل واحد على الإطلاق فعلام الاستمرار بتكثير هذه التعريفات التي لا طائل تحتها ، وإنهاك الطلاب في البحث عما ليس له وجود فعلي في القرآن الكريم ، أو وقع فيه خلاف ولكنه كما قال القائل :
وليس كل خلاف جاء معتبرا ... ... إلا خلاف له حظ من النظر
4- روايات أسباب النزول(1/27)
تكاثرت الكتب في الحديث عن أسباب النزول حتى غدا عدد كبير من الآيات الكريمة نازلاً على سبب، ولقد كان من نتيجة هذا الاستكثار أن اختلط الحابل بالنابل فمن رواية ضعيفة أو موضوعة تشتهر في الكتب فتبقى تدور كأنها وحي منزل(1)4)ومن أقاويل مسندة إلى السلف في هذا الباب ، ونسبة كبيرة منها لا علاقة له بأسباب النزول ، واختلط في هذا الباب أقوال كثيرة في التفسير بأسباب النزول ، وإن الدارس الممحص لهذه المرويات لن يعجزه أن يجد نسبة كبيرة مما يطرح على أنه من أسباب النزول هو من قبيل الرأي في التفسير ولا علاقة له بأسباب النزول في فتيل ولا قطمير ومن العجب أن تجد حوادث وقعت في المدينة عدت سبباً لآيات نزلت قبل الهجرة !!(2)5)
5- ما يخص القصص القرآني : حيث يمثل القصص القرآني ما لا يكاد يقل في مجموعة عن ربع آيات الكتاب الكريم وفي كتب التوراة والإنجيل ما يفيض زوراً عن الأنبياء والمرسلين خاصة ومع هذا نجد كثيرا من المفسرين لا يهدأ لهم بال ولا يقر لهم قرار إلا وينقلوا عن بني إسرائيل في الحديث عن جوانب من القصة القرآنية ما يملأ صفحات عديدة لا يثبت منها شيء وما ثبت بالنقل الصحيح فلا فائدة فيه . إن من المؤسف حقاً أن نرى كتابا معاصرين يلجأون إلى كتب التوراة والإنجيل فينقلوا منها ما يعدونه تفسيراً لنبوءات قرآنية أو نبوية . مما يترتب عليه من النتائج الخطيرة ما لا تحمد عقباه(3)6)
ومن العجب أن يصر كثير من المؤلفين على أن من مصادر التفسير القرآني في العهد الأول اعني عهد الصحابة الراوية عن الإسرائيليات ، وللأسف تكاد تكون هذه القضية من المسلمات عند هؤلاء الكتاب المعاصرين.
أو ليس عجباً أن يظهر في المسلمين مفسر كبير مثل الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ينقل في تفسيره مئات الصفحات عن التوراة والإنجيل في مواضع متعددة. فما حاجتنا إلى مثل هذا في تفسير القرآن الكريم ؟!(1/28)
6- وأخيراً هناك اثر يروى عن ابن عباس رضي الله عنه يقول : التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها . وتفسيره لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله)(1)7)
ويتناقل الناس هذا الأثر حتى اصبح من المسلمات في مقدمات الدراسة التفسيرية وبات الناقلون يتنافسون في تحديد أمثلة على القسم الأخير من هذا القول حتى عدوا من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله: الحروف المقطعة أوائل السور وما في القرآن من حديث عن أوصاف الله تعالى. والعجب أن أحداً ممن استشهد بهذا الأثر لم يذكر لابن عباس مثالا على هذا القول الذي هو أولا مصدره وثانيا : معروف أن التفسير في الأصل قائم على بيان معاني الكلمات القرآنية فهل هناك كلمة واحدة في القرآن لا يعلمها إلا الله ؟!
حتى أولئك الذين أقحموا الحروف المقطعة في هذا الباب جوبهوا برفض عنيف لهذا الفعل لأن العلماء اتفقوا على أن الحروف البنائية في أنفسها ليس لها معنى فكيف تدرج ضمن ما لا يعلم معناه إلا الله . وها نحن عبر العصور نرى المفسرين يقفون عند الآيات في جملها ومفرداتها وحروفها فلم نسمع أو نقرأ لواحد منهم عبر العصور أنه قال : إن هذه الجملة أو هذا اللفظ لا يعلم معناه إلا الله ؟!
ثانياً : ما يتعلق بمادة التفسير
من المعلوم أن المفسر القديم كان يقف عند كل كلمة في الآية الكريمة يحلل معناها ويبين اشتقاقها وإعرابها وكل ما يتعلق بها من هذه الحيثيات وغيرها .(1/29)
هذا الجانب من التفسير مما يكاد يتفق عليه في جميع التفاسير القديمة ولكنها تتفاوت في هذا الجانب بحسب ثقافة المفسر . وقد كانت هذه العملية تكتب في الكتب أو تلقى في دروس في المساجد أو البيوت واليوم اختلف الحال كثيراً فلدى الأمم نظام الجامعات والمعاهد الحديث الذي يجعل الإنسان مقيداً شديداً في ما يخص العلم الذي يريد أن يدرسه لأنه مرتبط بساعات نظرية محددة . والشكوى من هذا النظام متعددة ولكن الأحسن من الشكوى هو معرفة كيف يتكيف الإنسان مع نظام ضيق محاولاً أخذ أكبر قدر من الفائدة. مما يترتب عليه اختيار مواد التفسير بعناية فائقة حتى يتمكن الإنسان من الإبداع فيما يرغب
وسأقف الآن عند نموذج من نماذج الخطط الدراسية في إحدى الجامعات الأردنية والتي يسير الطالب فيها من مرحلة الليسانس إلى مرحلة الدكتوراه وهي جامعة اليرموك وسأقتصر النظر على مواد التفسير لأنها الغاية من هذا البحث وهي موضوع مبحث التجديد .
أ- مواد التفسير في خطة البكالوريوس في جامعة اليرموك .
1- علوم القرآن الكريم .
2- تفسير ( 1 ) .
3- تفسير ( 2 ) .
4- أساليب البيان في القرآن .
5- إعجاز القرآن .
6- مناهج المفسرين .
7- تفسير آيات الأحكام ( اختياري ) .
8- دراسة نصية من كتب التفسير ( اختياري ) .
9- تفسير تحليلي ( اختياري ) .
ب- مواد التفسير في خطة الماجستير في جامعة اليرموك .
1- دراسات في علوم القرآن .
2- دراسات في التفسير المقارن .
3- التفسير بالمنقول والمعقول .
4- إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ( اختيارية ) .
3- مواد التفسير في خطة الدكتوراه في جامعة اليرموك .
1- دراسات لغوية وبيانية في القرآن والسنة .
2- دراسات متقدمة في علوم القرآن .
3- اتجاهات التفسير ومناهج المفسرين .
4- دراسات متقدمة في إعجاز القرآن .
5- دراسات معاصرة في التفسير وعلوم القرآن .
6- دراسات في التفسير الموضوعي ( اختياري )(1/30)
7- دراسات في القراءات القرآنية ( اختياري ) .
8- دراسات نصية متقدمة في كتب التفسير ( اختياري ) .
9- دراسات في مشكل القرآن الكريم ( اختياري ) .
10- دراسة متقدمة في آيات الأحكام ( اختياري ) .
ملاحظات على هذه الخطة
أولاً : فيما يخص المرحلة الجامعية الأولى :
أ- في المواد الإجبارية نصف المواد هو من صنف التي لها ارتباط خارجي بالتفسير .
ب- في المواد الاختيارية تفسير تحليلي وتفسير آيات الأحكام هل يتبدل الموضوع وتبقى المادة كما هي؟
ج- وفي المواد الإجبارية تفسير 1+2 في الحقيقة مادة واحدة والذي يختلف هو الموضوع فحسب أو السورة .
ثانياً : فيما يخص المرحلة الثانية :
أ- نلاحظ بوضوح أن المواد بَعُدَت كثيراً عن مادة التفسير وأصبحت المواد كلها تدور فيما حول التفسير ويمكن أن يكون علاقتها بمادة التفسير نفسه علاقة قليلة .
ب- ألا يمكن إدراج مادة التفسير بالمنقول والمعقول ضمن التفسير المقارن .
الملاحظة أن بقاء الخطة بهذه الكيفية يحدث خللا بينا في دراسة تفسير القرآن .
ثالثاً : فيما يخص خطة الدكتوراه – المرحلة الثالثة :
1- نلاحظ أن المواد الإجبارية أيضاً قد ابتعدت عن مواد التفسير نفسه وأصبحت تدور فيما حول التفسير .
2- الغريب أن المواد التي لها علاقة مباشرة بالتفسير في الخطة وضعت ضمن المواد الاختيارية فهل يعتقد بعد ذلك أن طالباً غير مؤسس في علم التفسير في المرحلة الأولى وتبتعد مواده في المرحلة الثانية والثالثة عن التفسير نفسه هل يمكن أن يكون معداً لأن يكون مفسراً .
لا شك أن هذه الطريقة غير جادة في إيجاد من يقوم بعبء التفسير في الجامعة فلابد من إعادة النظر في عدد المواد وتوصيفها بحيث لا تتفق مادتان مادة وأسلوباً؛ لأن التكرار يضيع الفائدة ونحن أحوج ما نكون إلى استثمار كل مادة .(1/31)
وأتذكر أننا حينما كنا ندرس في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية كانت عندنا ثلاثة مواد تفسير ( 1+2+3 ) وكلها تدرس بنفس الطريقة اللهم إلا أن يختلف المدرس والموضوع لكن نتيجتها صورة مشوهة – تقريباً – من صور التفسير التحليلي .
ثم لما دارت الأيام وأصبحت مدرساً في جامعة الزرقاء رأيت أنه لا ينبغي بقاء هذا الخلل فجعلت مواد التفسير الثلاثة على النحو الآتي :-
الأولى : مدخل وتفسير إجمالي .
الثانية : تفسير تحليلي .
الثالثة : دراسة نصية من كتب التفسير ( يجمع فيها بين تفسير الآية ودراسة المفسر )
وجعلنا الطالب يأخذ هذه المواد في ثلاث مستويات متلاحقة
ولأجل هذا فإنني أعتقد ضرورة إعادة النظر في مواد التفسير في خطط الدراسة الجامعية كذلك موضوعات التفسير يجب أن تختار بعناية حتى لا يضيق فهم الطالب حول هذا الجانب .
ثالثاً : ما يتعلق بمناهج وطرق التدريس لمادة التفسير .(1/32)
1- لا ريب أولاً أننا اطلعنا على أسماء بعض المواد التي تدرس في جامعة اليرموك وفي ظني أن أغلب مواد التفسير تدور كلها في فلك التفسير التحليلي . ولكن المؤسف أن هذا التفسير لم يرتق إلى الطموح فيما نرغب ونريد ، إذ نرى المسألة لا تعدو أن تكون نقلاً للمادة من الكتب الصفراء إلى الكتب البيضاء دون أي تغيير ، والإغراق في البحث عن الجزيئات اللغوية والفقهية المعمقة في الآيات . وهذا جانب ضروري لكنه لا ينبغي الوقوف عنده والقول هذا هو التفسير ، فقد جدت دراسات نفسية وبيانية تعنى بمشكلات الإنسان لا بد للمفسر من أن يكون ملماً بها لأن مادة التفسير يجب أن تعالج قضايا الإنسان من خلال القرآن ولهذا برز الشيخ أمين الخولي في دعوته للتفسير الموضوعي علاجاً لما نحن فيه فهو يرى ضرورة هذا النوع من التفسير بأن يفسر القرآن موضوعاً موضوعاً وأن تجمع آيه الخاصة بالموضوع الواحد ، جمعاً إحصائياً مستقصياً ويعرف ترتيبها الزمني ومناسباتها وملابساتها الحاقة بها ثم ينظر فيها لتفسر وتفهم ، فيكون ذلك التفسير أهدى إلى المعنى وأوثق في تحديده(1)8) على أنني أرى أن هذه الطريقة لا بد فيها من إدماج التفسير التحليلي بالتفسير الموضوعي بحيث لا يكون تفسير الموضوع إلا بعد دراسة جادة للمفردات والتراكيب التي حملت ذلك الموضوع
2 - التفسير الإنساني : واعني به ذلك التفسير الذي يلامس حاجات النفس الإنسانية بما فيها من التفكير والشعور والأحاسيس وغيرها مما تشتمله طبيعة الإنسان . فلا ينبغي أن يكون التفسير سائقا للإنسان إلى ما كان عليه أصحاب القرون الأولى بل لا بد أن يكون قائدا له ليكون رياديا في زمانه ، فليست غاية التفسير عندنا الائتساء بالسلف والوقوف هناك فحسب ، وإنما غايته أن يتقدم بالإنسان ويعالج مشكلاته الحاضرة وهذا لا يتيسر إلا إذا أحس الإنسان أن قضاياه فاعلة في نفس التفسير وشاغله له عن أي موضوع .(1/33)
إن خير من يعرف المصنوع هو صانعه بدهي أن الله تعالى الذي خلق الإنسان ووهب خصائصه،هو خير من يعرف بحاجاته كلها والمشاهد أن للإنسان حاجات لا تعد و لا تحصى ومطالب تمتد إلى ما لا نهاية ، ما دامت حياة الإنسان قائمة ، ومعضلات تبدو مستعصية على الحل فأنعم الله تعالى عليه بالقرآن الكريم هادياًًً إلى سعادة الدارين وبابا إلى الاطمئنان . فما حالنا لولا القرآن الكريم الذي يأخذ بأيدينا ويحل العقد في كل معضلة تحير العقول ؟ إن القرآن الكريم نور يهدي المؤمنين إلى الحرية والعدل والأخوة والتضحية والإيثار والسمو إلى درجة الملائكية ، وكل أسباب سعادة الدنيا والآخرة . لقد أرشد القرآن إلى كل ما يسمو به في الدنيا حتى يبلغ مرتبة الإنسان الكامل .(1/34)
فهو يعلمه كيف يعيش ، ويتعامل مع نفسه ومع عائلته ومجتمعه بأحسن وجه ، ليحيا حياة طيبة في الدنيا والآخرة . فالمؤمن يمتلك بذلك مفاتيح تفتح أبواب الخزائن القرآنية لمعالجة كل حال ومعضلة تواجهه في حياته اليومية ، لتأخذ بيده إلى الخير العميم . ولما كان القرآن الكريم رسالة عالمية للبشر كافة في كل عصر وزمان ، فيلزم أن تتجدد دراسته وبيانه حسب حاجات الإنسان فلم يترك القرآن حاجة من حاجات الإنسان العظيمة أو اليسيرة إلا وعالجها بلا نقص ، وفي أتم الكمال . ولا نبالغ إذا قلنا إن في القرآن الكريم غاية مطلوب العاقل والمدرك والفاهم ، فمثلا الإيمان وما يتعلق به ضرورة لا يستغني عنها البشر . فنجد في القرآن الكريم تفصيل الإيمان ، وأسماء الخالق الجليل ، وصفاته واستحقاقه وحده بلا شريك للعبادة ، والإرشاد إلى تصديق الرسل والملائكة والكتب المنزلة ، والبعث بعد الموت ، والحشر والحساب والجزاء ، والعبادات مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج وما ينفع الإنسان في حياته من حلال وحرام ، وبيع وشراء ومعاملات ، وأحكام اليتامى والوصية ، والنكاح والصداق والنفقة والعدة والرضاع ، وكذلك وضع الحدود والقصاص والعقوبات على الجرائم مثل القتل خطأ والقتل العمد وقطع الطريق ، والسرقة ، والزنا ، والقذف ، وبين سبل فض النزاع والقتال . ورأب صدع الشقاق في العائلة ، والتعامل مع غير المسلمين ، والصلح والحرب والاستعداد لها والجرأة على الأعداء والنهي عن الفرار من الزحف ، وحال المستأمنين ، ومعاملة أسرى الحرب ، والعهود ، وعلاقات ذوي القربى ، ورد الشر بالخير ، وفضل الصفح والعفو ، والحث على الاستقامة والصدق ، وأداء الأمانة ، ولزوم العدل ، وفضل التواضع وذم الكبر ، والنهي عن السخرية والتنابز بالألقاب ، وسوء الظن والغيبة والتجسس ، ورعاية حرمة البيوت وآداب دخولها ، وعفة النساء ، وآداب الضيافة ...(1/35)
وخلاصة القول أن القرآن يحوي أمورا متنوعة في مساحة واسعة جدا . وفيه مطلوب كل قاصد ، فلا غناء عنه في حل كل معضلة وتلبية كل حاجة(1)39)
فليس من المعقول أن يغفل المفسر عن هذه الحاجات الإنسانية ولا يبينها بما يتلاءم مع الإنسان في عصر ومصر ، فإن لم تكن هذه هي الحاجة للتجديد والدافع إليها فماذا تكون ؟
3- لا بد أن يتطور الدرس التفسيري اليوم فيستعمل فيه الحاسوب ( الكمبيوتر ) حتى نتمكن أولا من عرض نتائج وإحصاءات دقيقة أثناء التفسير . كما لا بد أن يدعم التفسير بالصور الحية الشاهدة الدالة على المراد دلالة بصرية كأن يستعمل الفيديو والإنترنت في عرض ما توصل إلى العلم من نتائج باهرة في علم الإنسان والحيوان والكون بما يعد شاهدا على صدق القرآن الكريم . وأن لا تبقى القضية أستاذ يلقي وطلبة يستمعون !!
4- لا بد من تشجيع النظرات التفسيرية الجديدة الجادة التي تدل على نظر ثاقب وتأمل عميق في الآيات الكريمة تشجيعا للمفسر المعاصر وأخذا بيده نحو الرقي في مادة التفسير وهذا مؤداه أن تخضع الآراء الجديدة إلى المعمل الفكري لإبداء الرأي فيها ، وأن لا يكون حظها من القبول هو رفضها لأنها جديدة استمساكا منا ببعض ما يقال عند بعض المذاهب الفكرية المتطاحنة في ساحة الحوار اليوم إذ يقولون لا يفهم القرآن إلا بفهم السلف !؟! مما يعني وقوف التفسير عند حد معين . لم يلزمنا به أهل ذلك العصر أنفسهم ولا ألزموا أنفسهم به أليس هذه معضلات المسائل(2)40) .
وإذا كان هذا هو شأن التجديد في التفسير فلا بد من الدعوة إلى بيان من هو المفسر الذي يحمل هذا العلم فينشره للناس كما أراد الله تعالى ، وأحسب أن هناك ضوابط وضعها علماء التفسير وعلماء علوم القرآن في كتبهم لا ينبغي إغفالها .ولكنني سأركز النظر حول بعض هذه المطالب.(1/36)
1- إخلاص النية لله تعالى وهذا هو رأس الأمر كله لأن المفسر يجب أن يكون متوجه الإرادة لله تعالى يعلم أنه لا يفسر بيتا من الشعر وإنما يفسر كلام الله تعالى والخطأ فيه ليس كالخطأ في غيره(1)1).
2- التخلص من آفات النفس وحظوظها فلا يكون من هم المفسر تخطئة السابقين أو سرقة نتاجهم والانتفاع المادي بما كانوا يقولون
3- اعتقاد المفسر هيمنة القرآن ، وإني اعتقد أن اكبر مشكلة يعاني منها المسلمون اليوم هي غياب هيمنة القرآن الكريم في كل أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم . إن المفسر الذي يكون من همه أن يذهب إلى القرآن الكريم ليبحث فيه عن دليل يعزز مذهبة أو فكرته هذا لم يحقق هيمنة القرآن الكريم .وقد عانينا في تاريخنا الطويل من اتخاذ القرآن الكريم وسيلة لتأييد المذاهب والأفكار لننحو بعيدا بالقرآن عن مكانه الذي جعله الله تعالى فيه إذ قال سبحانه ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه )(المائدة 48) فأين تذهب هيمنة القرآن إذا جعل وسيلة لنصرة مذهب أو تأييد فكرة . لابد أن يرجع الأمر إلى نصابه وترجع هيمنة القرآن له ، بحيث تصبح الآراء والأفكار والأعمال مستنبطة من القرآن لا أن القرآن يؤيدها !! فتكون الهيمنة ، لها وهذه قضية قل من تنبه لها في الكتابة والدرس(2)2)لأننا تربينا أو تربت فينا أجيال على عكس ذلك وإنني أعد أكبر مصيبة حلت بالفكر الإسلامي هي إزاحة القرآن الكريم عن هيمنة . ومن هناك توالت علينا المحن والمصائب .
4- الإطلاع على العلوم العصرية بما يمكن المفسر من إبلاغ رسالة الله تعالى إلى الناس إذ لا يعقل أن تجري أحداث وتستحدث علوم ربما يرتبط بعضها بكتاب الله تعالى والمفسر آخر من يعلم .(1/37)
5- لابد أن يختار للتفسير من هو أهله فلا يترك الباب مفتوحا لمن هب ودب ، فإنا نجد اليوم كثيرا من الوعاظ والمدرسين في المساجد يأخذون بعض الآيات فيطوفون حولها ويتكلمون في كل شيء إلا التفسير ، ويسمون ذلك تفسيرا كمن يأتي إلى قوله تعالى (وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) فيأخذ في شرح معنى البر والحض علية في الأحاديث وفوائده ، وحقوق الوالدين، وأوزار العقوق ، ثم ينتهي من هذا إلى القول انتهينا من تفسير الآية الكريمة دون أن ينبس ببنت شفة في تفسيرها . فلا بد من الأخذ على أيدي هؤلاء ومنعهم من الافتراء على كتاب الله تعالى إذ ليس كل مجلس للوعظ هو مجلس تفسير .
هذا ما وددت الاقتصار عليه في البحث ورأيت انه يتلاءم مع حجمه وطبيعته راجيا من الله تعالى التوفيق والعون .
المبحث الخامس : نماذج لآراء جديدة في التفسير
إذا كنا ندعو للتجديد ونحث علية ونرى أن الحاجة ماسة إلية فلا بد أن نقدم نماذج لآراء جديدة في التفسير حفزا للقارئين على المضي قدما في تدبر القرآن الكريم وإبرازا لنتاج الحض على التجديد ، وأن في مقدور المفسر المعاصر إذا بذل جهدا وافيا وفتح الله تعالى عليه أن يأتي بالجديد النافع في التفسير .
وهذه نماذج لتفاسير جديدة لأستاذ الجيل وشيخ الشيوخ في بلادنا الأستاذ الدكتور فضل عباس أحببت أن أوردها في ختام هذا البحث تدليلا مني على أن الذي أنادى به وينادي به غيري من الممكن المقدور .(1)3)(1/38)
الأستاذ العلامة حفظه الله تعالى مهتم بالتفسير القرآني , وبالقرآن عموما اهتماما بالغا أخذ عليه حياته كلها , ولهذا الاهتمام آثاره حيث إننا لم نعهد في الأستاذ إلا متدبرا خاشعا أمام عظمة القرآن الكريم وجلاله , ولسنا نراه واقفا عند ما قاله السابقون، يشيد ببنيانه ويتحولق حوله , ولم نجده كذلك آخذا معوله يهدم ما بناه السابقون , ولكنا وجدناه أخذ وأعطى ، استفاد وأفاد ، وأبدع نظرات جديدة في التفسير لم يسبق إليها فيما أ علم، ولا يتسع مثل هذا البحث لبيان هذه الإبداعات التفسيرية كلها، وحسبي هنا أن أطلع السادة القراء على بعض هذه النظرات تنبيها على وجودها في جهود الشيخ واكتفاءا بها عما سواها لعل الله تعالى يهيئ عملا آخر يكون فيه مجال الاستيعاب أرحب وأوسع، وهذه بعض الأمثلة على هذا النظر الجديد .
أولاً : في التفريق بين (الإغراء) و(الإلقاء) في الاستعمال القرآني(1)4):-
قال العلامة الأستاذ : ومما هو جدير بالتدبر , حري بأن تخشع له القلوب , هاتان الكلمتان من كتاب الله , وهما كلمتا الإلقاء والإغراء , ولنستمع :
في سياق الحديث عن أهل الكتاب قال تعالى : ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) (المائدة :14) وفي آية أخرى : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) (المائدة 64) .(1/39)
وقفت طويلا عند هاتين الآيتين : أتساءل عن سر استعمال (أغرينا ) في آية و(القينا )في أخرى وكنت على يقين من أن وجود كل من الكلمتين في موضعها , لا بد له من حكمه . والحقيقة أن الإعجاز البياني للقران الكريم لا يختص بالعرب وحدهم – كما بينته لك من قبل – إنما كل من فقه العربية من غير العرب , أو ترجمت له معاني الكتاب الكريم فانه سيقف على هذا الإعجاز , كما يقف عنده العربي ذو الطبيعة المسترسلة , والسليقة المتأصلة .
جاءت كلمة الإغراء حديثا عن النصارى , أما كلمة الإلقاء فجاءت في سياق الحديث عن اليهود , وإن كان كثير من المفسرين ذهب إلى أن قوله تعالى (وألقينا بينهم العداوة ) أي بين اليهود والنصارى , وإذا أردنا تفسيرا قريبا للإغراء والإلقاء ببساطة هو الإلصاق بحيث إذا ألصقت شيئين معا يصعب فصلهما , فهو مّأخوذ من الغراء (بكسرها ) وهي المادة المعروفة عند كثير من الحرفيين , أما الإلقاء فهو مجرد الطرح .
وبعد هذه المعرفة اللغوية , إذا أردت أن تتذوق البيان في الآيتين الكريمتين فلا بد لك من التاريخ والواقع, فلقد حدثنا التاريخ أن العداء بين الأمم النصرانية مستحكم ملصق بهم , وعليك أن تقرأ التاريخ ليحدثك عن تلك الحروب العالمية الطاحنة , بين الشعوب الأوروبية والطوائف النصرانية , ولقد كان آخرها شمولا الحرب العالمية الثانية , وإنما قلنا آخرها شمولا , لان هناك عدوات إقليمية بين الكنائس النصرانية كما يحدث في ايرلندا وغيرها ولا زال على اشده .(1/40)
... أما الإلقاء : فهو مجرد الطرح كما علمت ، فإذا كان الضمير في قوله تعالى : ( بينهم ) راجعاً لليهود ، فنحن نعلم أن ما بين اليهود من عداوة لم تصل إلى ما هي عليه عند النصارى وإذا كان راجعاً لليهود والنصارى – كما ذهب بعض المفسرين – فالأمر فيه ظاهر كذلك ، فأمر العداوة لا يصل إلى ما هو عليه عند النصارى بعضهم مع بعض ، وأن خير دليل على ذلك ما حدثنا عنه التاريخ مما كان بين النصارى واليهود ، وبخاصة في أوروبا ، ولكنه تحول اليوم إلى مودة ومعونة ومساعدة لما كان المسلمون طرفاً ثالثاً .
ثانياً : حذف الحرف وذكره في الاستعمال القرآني(1)5) :
أ- قال تعالى في سورة الشعراء يحكي لنا ما قاله المعاندون لأنبيائهم ، وبالتحديد ما قالته ثمود التي استحبت العمى على الهدى لنبيهم صالح عليه وعلى نبينا وأنبياء الله الصلاة والسلام ، وقد أمرهم بعبادة الله وحده وحذرهم (قالوا إنما أنت من المسحرين ، ما أنت إلا بشرٌ مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) ( الشعراء : 153-155) أما قوم شعيب عليه الصلاة والسلام فهذه مقالتهم كما جاءت في كتاب الله : ( قالوا إنما أنت من المسحرين ، وما أنت إلا بشرٌ مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين ) ( الشعراء : 185- 186) فنحن أمام آيتين متحدتين في الجواب : ذكر حرف العطف في إحداهما ولم يذكر في الأخرى ، فما هو السر البياني يا ترى ؟
من المفيد أن نستمع إلى ما قاله العلماء أولاً ، ثم نحدثك بما يفتح الله به ، وهو الفتاح العليم . فالشهاب الألوسي(2)6) ، وهو خاتمة المحققين في عصره ، يرى أن سبب زيادة الواو يرجع إلى أن شعيباً عليه السلام كان خطيب الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – فأحب القوم أن يجاروه فيما وهب من قول فزادوه هذه الواو .(1/41)
ومن قبل الشهاب الألوسي – رحمه الله – يقول الكرماني صاحب متشابه القرآن ما هو قريب من هذا: أن شعيباً زاد في الحديث ، فزادوا له في القول ، وأن صالحاً قلل فقللوا له(1)7) .
وما أظن ذلك مقنعاً ، ولا منسجماً مع بيان القرآن الكريم وروعته وإيجازه وإعجازه ، فهل كان شعيب خطيب الأنبياء حقاً ، وهل كان كلام صالح أقل من كلامه عليهما الصلاة والسلام ؟ لعل واقع الآيات التي جاءت كل من الجملتين بعدها لا يشهد لذلك ولا يقره .
وعلى التسليم بأن كلام صالح كان أقل ، فهل وجود الواو من شأنه أن يكون زيادة في الحديث تتفق مع بلاغة شعيب وخطابه ؟ والعجب من الكرماني وغيره حيث عد الجملة الأولى ( ما أنت إلا بشر مثلنا ) بدلاً ، والجملة الثانية ( وما أنت إلا بشر ) : عطفاً مع اتحاد المعنى ، مع أننا نعرف أن البدل والعطف متغايران تماماً ، فإذا قلنا ( قام زيد وأخوك ) و ( قام زيد أخوك ) ففي الجملة الأولى ينبغي أن يكون زيد ليس هو الأخ ، أما الجملة الثانية : فإن زيداً فيها هو الأخ نفسه ، وإذن لا يمكن أن تكون إحدى الجملتين عطفاً ، والأخرى بدلاً ، ويكون المعنى واحداً .
والذي ظهر لي – ولله الحمد والمنة ، والله أعلم – أن هنا شفافية من الإعجاز التاريخي والبياني معاً وإليكم بيان ذلك ، وحاولوا أن تعدوا أنفسكم لتلقيه وفهمه فهو بحق بديعة من بدائع إعجاز القرآن .
إن كلمة مسحرين لها معنيان : يمكن أن تفسر بالمسحورين الذين أصيبوا بمس واختلط الأمر عليهم ، ويمكن أن تفسر بمن لهم معدة ورئة يأكلون ويشربون ، ومن هذا القبيل ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين سحري ونحري ))(2)8)وقد ذكر المفسرون ابن جرير والزمخشري والرازي هذين القولين ، أما الزمخشري والرازي فلم يرجحا قولاً دون آخر وأما ابن جرير فقد رجح أن كلمة مسحرين في الآيتين ، تعني أنهم بشر يأكلون ويشربون .(1/42)
والذي نراه هنا التفصيل فما قاله قوم صالح عليه الصلاة والسلام قصد به هذا المعنى الأخير وهو ما رجحه ابن جرير ،وما قاله قوم شعيب عليه الصلاة والسلام قصد به المعنى الأول أي من المسحورين ، وحجة ذلك :(1)9).
أن كلمة مسحر : حينما تفسر بصاحب المعدة والرئة ، الذي يأكل ويشرب فإنها مساوية للبشرية ، أما إذا فسرت بالمسحور ، فإنها لن تكون كذلك ، بل كل منهما فيها معنى غير الذي في الأخرى ، وقد قال قوم صالح ( إنما أنت من المسحرين ، ما أنت إلا بشرٌ مثلنا ) فلم توسط الواو بين الجملتين ، لأن معناهما واحد ، إذ معنى المسحرين الذي قصده قوم صالح هو أنك ذو رئة تأكل وتشرب ، ثم جاءت الجملة الثانية تؤكد هذا المعنى ( ما أنت إلا بشرٌ مثلنا ) ، فإن كونه يأكل ويشرب ، معناه أنه بشر ، فالجملة الثانية إذن ليست أجنبية عن الأولى ، بل هي تأكيد لها ، فبين الجملتين كمال اتصال كما يقول علماء البلاغة ، لذا لا يجوز أن تتوسط الواو بينهما ، لأن العطف يقتضي التغاير ولو وسطت الواو لكان لكل من الجملتين معنى يختلف عن معنى الأخرى .
وعلى العكس من هذا ما قاله قوم شعيب : ( إنما أنت من المسحرين ، ما أنت إلا بشرٌ مثلنا ) فكلمة ( مسحرين ) يجب أن تفسر بالمسحورين الذين مسهم الشيطان واختلط عليهم الأمر ، وهذا يختلف عن كونهم بشراً ، فقوم شعيب ألصقوا بنبيهم تهمتين : كونه مسحوراً أولاً ، وكونه بشراً ثانياً ، ولا شك أن كلاً من التهمتين تختلف عن أختها لذا وسطت واو العطف ، لأن العطف يقتضي التغاير كما قلنا ، ذلكم هو الإعجاز البياني في الآية .
بقي نوع آخر من الإعجاز ، وهو إعجاز تاريخي ، لكنه متفرع كما رأينا عن الإعجاز البياني فالإعجاز البياني هو الأصل والأساس ، فما هو هذا الإعجاز التاريخي ؟(1/43)
إننا ونحن نقرأ كتاب الله تعالى ، يحدثنا عما كان يدور بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وأقوامهم ، نجد أن التهمة بفرية السحر ، لم تكن معروفة عند الأنبياء الأول ، وإنما كانت متأخرة ، وكأن قضية السحر لم تكن مشتهرة عند القبائل الأولى : عاد وثمود ، وكل الذي يجيبون به أنبياءهم أنهم بشر يأكلون ويشربون ، وأنهم اتبعهم الأرذلون ؛ لذا لا نستطيع أن نفسر كلمة ( مسحرين ) التي قالها قوم صالح بمن أصابه السحر ؛ لأن السحر لم يكن معلوماً لهم ولا معروفاً عندهم ، إن السحر ظهر متأخراً وقد حدثنا القرآن عن السحر عند المصريين القدماء ، ونحن نعلم قرب المسافة بين مصر ومدين منزل شعيب عليه الصلاة والسلام ؛ لذا كان السحر معلوماً لهم معروفاً عندهم .
وهكذا ندرك نوعي الإعجاز في الآيتين – أعني البياني والتاريخي(1)0) كما قرر من قبل ، والله أعلم فلله در هذا التنزيل وما أعظم وأجمل رسالة الحرف ، ونسأله أن يلهمنا الصواب ، وأن يفتح علينا في فهم كتابه .
ثانياً : حذف الحرف وذكره في الاستعمال القرآني(2)1) :
ب- قال تعالى : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ( آل عمران : 139 ) وقال سبحانه : ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ) ( محمد : 35) .
قال الأستاذ العلامة : وقفت كثيراً مع الآيتين الكريمتين ، أتأمل النظم راجياً من الله أن يكرمني بنور الفهم ، والفرق بين الآيتين من حيث النظم ظاهر لك ، ففي الآية الأولى ذكرت ( لا ) مرتين ( ولا تهنوا ولا تحزنوا ) ، ولكنها في الآية الثانية لم تذكر إلا مرة واحدة ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ) ، ويعلم الله أن هذا القرآن يحمل حجته على أنه تنزيل رب العالمين ، في كل آية من آياته ، وأرجو أن تتدبر الآيتين جيداً ، وما أظنك إلا أنك سيرقص قلبك ، وتتيه نفسك ، ويخشع فؤادك ، ولقد وجدت ذلك كله – يعلم الله صدق ما أقول - .(1/44)
ولعله قد بلغ الشوق مبلغاً ، لتدرك سر النظم في الآيتين الكريمتين ، فالآية الأولى جاءت تحذر المؤمنين من أمرين اثنين من الوهن والحزن ، والوهن والحزن أمران ليسا من الفضيلة ولا من الخير في شيء ، فلا يجوز للمؤمنين أبداً أن يركنوا إلى واحدة من هاتين الصفتين أو من هذين المرضين الاجتماعيين ، اللذين ينخران جسم الأمة ، فيحولان بينها وبين نعمة الأمن، وحلاوة الاستقرار ، والقدرة على التحفز ، ولذة المقاومة ، مقاومة الشر .
أما الآية الثانية : فكان النهي فيها عن أمرين اثنين كذلك : الوهن ، وهو ما تشترك فيه مع الآية الأولى، وهو الأمر الأول ، أما الأمر الثاني فهو الدعوة إلى السلم ، ولكنه لم يقترن بحرف النهي ( لا ) الذي اقترن به الحزن ! وما ذلك – والله أعلم بما ينزل – إلا لأن الحزن شر في كل وقت ، أما الدعوة إلى السلم فليس كذلك ، إنما هو شر حيناً ، ولكنه قد يكون خيراً حيناً آخر ألا ترى إلى قوله تعالى : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ) ( الأنفال : 61) ولكنه شر حينما يكون استسلاماً وحينما يقترن بالضعف والوهن ، كما هو الشأن في أيامنا هذه ، فلو أنه قيل ( فلا تهنوا ولا تدعو إلى السلم ) لكان محرماً على المسلمين في كل حين وعصر ، وليس هذا من شأن الإسلام ، لكن نظم الآية على ما هو عليه ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ) جاء يحرم على المسلمين الدعوة إلى السلم الناشئة عن الضعف ، والتي هي خضوع وخنوع وذل لا يرتضيه الإسلام ولا يليق بالمسلمين .
أرأيت إلى بديع النظم ، أرأيت إلى رسالة الحرف القرآني التي يحملها للمسلمين ، هذا الحرف ( إنا أنزلناه قرءانا عربياً لعلكم تعقلون ) ( يوسف : 2 ) ( قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً ) ( الفرقان : 6 ) .
ثالثاً : سر استعمال لفظ ( لا يحل )(1)2) :(1/45)
يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ) ( النساء : 19) مع أن أكثر المنهيات كانت تلي حرف النهي مباشرة ( ولا تقتلوا أولادكم ) ( الإسراء :31) ( ولا تقربوا الزنى ) ( الإسراء : 32) ، ( ولا تقربوا مال اليتيم ) ( الإسراء : 34) ( لا يسخر قومٌ من قوم ) ( الحجرات : 11) ( ولا يغتب بعضكم بعضاً ) ( الحجرات : 12) .
ولكن آية النساء جاء نسقها غير هذا كله ، فلم يقل فيها (( لا ترثوا النساء كرهاً )) .
قال الأستاذ العلامة : ولقد وقفت عند هذا النص الكريم أبحث عن سر التغاير ، وبضم الآيات التي تشبه هذه الآية بعضها إلى بعض مثل قوله تعالى : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ) ( البقرة : 229 ) ، ظهر لي – والله أعلم ، ولله الحمد والمنة – أن هذه الكلمة إنما تجيء بجانب الأمور ، أو بجانب القضايا التي كان الناس يزاولونها دون أن يروا بها بأساً أو حرجاً ، أما غيرها من المنهيات فهي أمور تنفر منها الطباع أو ينكرها العرف ، فالقتل والزنا وأكل مال اليتيم ، وأكل أموال الناس بالباطل لا يقرها عقل ولا يحلها شرع ، أما التحكم في النساء ووراثتهن كرهاً فإنها تختلف عن الأمور السابقة حيث رأينا أن بعض التشريعات والقوانين عند الأمم المتمدنة المتحضرة ، كانت تجيز هذه إلى عهد قريب ، وهنا تبرز دقة التعبير في كتاب الله في مخاطبة النفس الإنسانية فالأمور المتفق على تحريمها تلي حرف النهي (( لا تقربوا )) ، (( لا تأكلوا )) ، (( ولا تقتلوا النفس )) أما ما يظنه بعض الناس حقاً لا مرية فيه ولا غبار عليه ، فإننا نجد القرآن يعبر عنه بأسلوب آخر حيث يلي حرف النهي هذه الجملة (( يحل )) .(1/46)
رابعاً : الحكمة في إفراد العم والخال وجمع العمة والخالة في قوله تعالى : ( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك ) ( الأحزاب : 50) .
قد ذكر الألوسي(1)3) آراء المفسرين الذين تقدموا بما لا مزيد عليه وأحسب أن لا حاجة لذكره هنا؛ لأن تفريعاته كثيرة ، ولكن الذي يهمنا هو بيان رأي الأستاذ سلمه الله تعالى حيث يقول :
... إن هذه الآية جارية على سنن العرب في تقدير الأنساب وتحقيقها فالمرء إذا كان له عم أو خال ولهذا أو ذاك بنات ، فإن درجتهن واحدة وهي بنت عم أو خال ، مهما تعددت الشخوص ، فلا تزلّ عن ذلك ، ولكن بنت الخالة تختلف منزلتها باختلاف أبيها ، وكذلك بنت العمة ؛ ذلك أنه قد تكون للإنسان ثلاث خالات أو عمات إحداهن متزوجة من ابن عم له والأخرى من قبيلتين مختلفتين ، فإن هؤلاء البنات لهؤلاء العمات والخالات مختلفات في درجة النسب والقرب والمصاهرة ، ولما اختلف ناسب أن يكون ذكر العمة والخالة على الجمع لتحقيق هذا الاختلاف ، ولأنه حقيقة ، واقعة ولما لم يكن الأمر على ذلك في العم والخال ، ناسب أن يكون بالإفراد لاتحاد الجهة في كل . وهذا رأي جديد بل هو فتح جديد . أكرم الله تعالى أستاذنا العلامة ونفعنا بعلمه آمين .
الخاتمة(1/47)
قد مضى من البحث ما ظهر منه أن الحاجة ماسة وضرورية للتجديد في التفسير , مواكبة لمتطلبات الحياة الجديدة , لا ركضا ورائها , وانسياقاً خلفها , ولكن إصلاحاً لها وتمييزا لصحيحها وسقيمها , وبثا لمادة الصواب في ثنايا هذه الحياة وقد بان أيضا أن بواعث هذا التجديد متعددة ومتنوعة , وكذلك اطر هذا التجديد ومحاله متعددة ومتنوعة أن في مادة التفسير أو في شخصية المفسر أو في الكتب التي هي طريق الوصول الى مادة التفسير , ولذا فإنه من الضروري أن يعطى الموضوع حقه من الدرس و التمحيص خروجا من دائرة التحولق حول الذات والنظر الى الخارج نظرة ضيقة تؤدي الى تضييق المعاملة مع من هم خارج دائرة الدين والأمة .
ان العيش في هذا العالم يستدعي نظرا وسطا يتمثل في وسطية هذه الأمة المباركة حتى تستطيع أن توصل رسالتها الحميدة الى الناس . وان ما يطرأ بين الفينه والأخرى من اجتهادات لا تملك حق الحياة تنبعث فيها روح الحياة لتحدث ضجيجا وسط امة الإسلام و المسلمين لمن ادعى الدواعي الى ضرورة الاجتهاد المنضبط الذي غايته الخروج لنتائج في غاية الايجابية في هذه الحياة ولذلك يرى الباحث بعض التوصيات التي هي من أحوج ما يكون الى النظر .
النتائج والتوصيات
1- أن التجديد مطلب ملح جدا لكن بضوابط محددة حتى لا يخرج عن الإطار المرسوم
2- من الضروري النهوض بمجموعات علمية تتشكل لإعادة تقويم معوجه من التراث وتنقيته من شوائب البحث العالقة به
3- من الضروري أن يختار مدرس التفسير بعناية حتى يؤدي الدور المطلوب منه على أكمل وجه
4- من الضروري التشمير عن ساعد الجد لتنقية كتب التفسير من الأحاديث الموضوعة ومن الإسرائيليات التي ملئت بها صفحات بعض الكتب
5- لا بد من إعادة النظر في الخطط الدراسية الموضوعة في مواد التفسير في الجامعات والمعاهد حتى تكون جادة ومفيدة
الهوامش
((1/48)
1) الشيباني، أحمد بن حنبل (ت ك 2هـ-855م) المسند 5/26 عن معقل بن يسار، دار الفكر، بيروت
(2) النيسابوري، أبو عبد الله الحاكم، المستدرك 4/567 طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1990 ، تحقيق عبد القادر عطا، ورواه أبو داود،سليمان بن أشعث (ت:275هـ-883م) السنن برقم 4291 كتاب الملاحم ، طبعة دار الفكر بيروت ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ورواه الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط برقم ( 6527 ) طبعة دار الحرمين ، القاهرة ، 1415هـ ، بتحقيق طارق عوض الله وعبد المحسن إبراهيم ، وذكره الحافظ ابن حجر، أحمد بن علي ، فتح الباري، 13/295 طبعة دار المعرفة ، بيروت ، 1379هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، وذكره العجلوني، إسماعيل بن محمد، (ت 1162هـ-1749م) كشف الخفاء ، 1/282 برقم 740 طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط4 ، 1405هـ تحقيق أحمد القلاس، وقال : رواه أبو داود في السنن عن أبي هريرة مرفوعاً وأخرجه الطبراني = في الأوسط عنه بسند رجاله ثقاتي ، وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث ابن وهب وصححه وقد اعتمد الأئمة هذا الحديث
(3) مجموعة مؤلفين، موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة الإصدار الأول ص (331- 332) إشراف أ.د . محمود زقزوق وزير الأوقاف المصري- القاهرة 2000م .
(4) السابق ص (154) وانظر: الخولي ، أمين، (معاصر) مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير ص 272 وما بعدها ، طبع القاهرة .
(5)انظر : موسوعة المفاهيم الإسلامية ص (154 - 155) وانظر:الزرقاني، محمد عبد العظيم، (ت: 1367هـ-1948م) مناهل العرفان (1/472) طبع عيسى البابي الحلبي ، وانظر: الطيار، د. مساعد،(معاصر) مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير ص (233) .
(6) انظر :ابن منظور، محمد جمال الدين،(ت: 711هـ-1311م) لسان العرب لابن منظور ، الجِدّة ، طبع دار صادر . مصطفى بن عبد الله،(ت: 1067هـ-1657م)
((1/49)
7) حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 1/35 دار الفكر 1983م والأمثلة التي ذكرتها على هذه الأنواع من التصنيف من عندي وليست في كشف الظنون .
(8) الذي ينبغي أن يكون مرادا بالقديم هو ما كان في القرون الثلاثة الأولى , ولكن توسعت دائرة القديم حتى شملت معظم التفاسير التي سبقت ما يسمى بقرن النهضة اعني القرن التاسع عشر .
(9) يفرق الدكتور الفاضل مساعد الطيار بين التفسير بالسنة والتفسير النبوي وهو نظر صحيح لم أر من سبقه إليه إلا أستاذنا الدكتور فضل عباس . انظر : مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير ص138 وما بعدها .
(10) هذا هو الشائع وفيه نظر ليس هذا محله .
(11) انظر ما كتبه الدكتور الطيار في مقالات في علوم القرآن في الصفحات ما بين 120-167 ففيه خير كثير .
(12) البخاري، محمد بن إسماعيل،(ت: 256هـ-870م) صحيح البخاري،في عدة مواضع انظر مثلا 6/2662 طبع دار ابن كثير بيروت سنة 1987 تحقيق د. مصطفى البغا وانظر فتح الباري شرح صحيح البخاري 9/65 طبع دار المعرفة بيروت سنة 1379 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب .
(13) الخولي، مناهج تجديد ص 297 .
(14) الطيار، مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير ص230.
(15) انظر هذه الشروط في: الطيار، مقالات في علوم القرآن والتفسير ص231 على أن الشرط لثاني ليس على إطلاقه.
(16) أنظر :أبو حسان،جمال محمود، الدلالات المعنوية لفواصل الآيات القرآنية ص142 وما بعدها رسالة دكتوراه في التفسير ،غير منشورة.
(17) أنظر السابق ص142 وما بعدها.
(18) المصدر السابق ص427 .
(19) انظر :عبد الحميد، د. محسن، تطور تفسير القرآن – قراءة جديدة ص231 وما بعدها , طبع وزارة التعليم العالي – جامعة بغداد 1408هـ .
(20) الطبري ، محمد بن جرير،(ت:310هـ-1923م) تفسير الطبري، 30/84 طبعة دار الريان للتراث – القاهرة 1987 .
(21) كان قد تحدث عن بعض العوارض والمعيقات التي حدثت في المسلمين .
((1/50)
22) عبد الحميد، د. محسن، العلوم الإسلامية في حياتنا المعاصرة , بحث طبع ضمن كتاب مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات ص240 , من منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي – عمان سنة 1995م .
(23) ينظر في هذا أبو حسان، جمال، ( تفسير ابن عاشور دراسة منهجية ونقدية ) ص : 41-46 ، رسالة ماجستير، غير منشورة ومعدة لكلية الشريعة بالجامعة الأردنية.
(24) انظر: أبو حسان، تفسير ابن عاشور دراسة منهجية ونقدية ص52-53.
(25) انظر: زرزور، د.عدنان منهجية التعامل مع علوم الشريعة بحث مقدم لمؤتمر علوم الشريعة في الجامعة ص113وما بعدها طبع المعهد العالمي للفكر الإسلامي عام 1995م .
(26) انظر على سبيل المثال تفسير ابن عاشور وما يتعلق به من ملاحظات في : أبو حسان، تفسير ابن عاشور دراسة منهجية ونقدية ص535 وما بعدها في الفصل الخاص بتقويم التفسير .
(27) عباس، د. فضل حسن، اتجاهات التفسير في مصر وسوريا 2/707 رسالة غير منشورة .
(28) زرزور، منهجية التعامل في علوم الشريعة في ضوء التحديات المعاصرة ص 116.
(29) السابق ص 119 ضمن أبحاث مؤتمر علوم الشريعة .
(30) البخاري ، صحيح البخاري، كتاب الأنبياء حديث رقم 3424 طبعة دار القلم – بيروت 1981م .
(31) عباس، قصص القرآن الكريم ص 644 وما بعدها طبعة دار الفرقان – عمان سنة 2000 وانظر : الطيار،مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير ص 130 وما بعدها طبعة دار المحدث ، الرياض ، 1425هجرية
(32) ياسين، د. حكمت بشير، التفسير الصحيح 4/224 طبعة المدينة المنورة 1999م وعزاه المؤلف إلى البخاري في كتاب الأنبياء 6 / حديث رقم 3423 ومسلم 1/384 .
(33) انظر إلى عباس، قصص القرآن ص 644 وانظر ص138 وما بعدها من كتاب الطيار فإنه فصل مهم .
(34) ينظر على الخصوص الروايات التالفة في قصة ثعلبة بن حاطب ولينظر في هذا في كتاب الدكتور عداب الحمش المسمى ثعلبة بن حاطب الصحابي المفترى عليه !! .
((1/51)
35) ينظر الفصل الماتع الذي كتبه الدكتور فضل عباس في كتابه إتقان البرهان في علوم القرآن فيما يتعلق بأسباب النزول .
(36) يمكن إلقاء نظرة على الكتب التي تحدثت عن الفتن والملاحم والدجال وأخبار الساعة مما فيه كثير من هذه الروايات التي أخرجت للناس استنباطات في غاية العجب حتى عدنا نسمع من يقول إن المسيح الدجال هو الحضارة الغربية !!! مما يضفي نوعاً من العدائية بين العالم الإسلامي والغرب لمثل هذه النظرات .
(37)أخرجه الطبري ، تفسير الطبري، 1/34 طبعة الحلبي .
(38) الخولي، مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير ص306 .
(39) أق كل، د. محيي الدين،حلول قرآنية لمشكلات الإنسان ص 54 وما بعدها / ضمن أبحاث المؤتمر العالمي الرابع لبديع الزمان سعيد النورسي – طبع في مصر سنة 2000 .
(40) انظر للجواب عن هذا الرأي العجيب كتاب : المالكي، حسن بن فرحان،قراءة في كتب العقائد المذهب الحنبلي نموذجا ص 178 وما بعدها طبعه مركز الدراسات التاريخية عمان سنة 2000 .
(41) ينظر: البيومي، د.محمد رجب، التفسير القرآني 2/13 هدية مجلة الأزهر عام 1425 هـ
(42) يراجع السابق 2/15 .
(43) انظر: أبو حسان، دراسات إسلامية وعربية مهداة إلى العلامة الأستاذ الدكتور فضل عباس ص 27 وما بعدها نشر دار الرازي عمان – الأردن.
(44) عباس، د.فضل حسن، إعجاز القرآن الكريم،191-192 دار الفرقان ، عمان 1995.
(45) المصدر السابق ص 199- 203 .
(46) انظر : الالوسي، محمود،(1270هـ-1852م) تفسير الألوسي المسمى روح المعاني ، ج19 ، ص119 طبع دار إحياء التراث العربي.
(47) الكرماني، محمود بن حمزة ( ت نحو 505هـ - 1110م ) متشابه القرآن ، الذي غير محققه اسمه فسماه : أسرار التكرار ، دراسة وتحقيق عبد القادر أحمد عطا ، طبعة دار الاعتصام طبعة ثانية 1396هـ - 1976م ، ص155
((1/52)
48) النيسابوري، مسلم بن الحجاج،(ت:261هـ-875م) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة باب في فضل عائشة رضي الله عنها بلفظ ( قالت : لما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري ) حديث رقم ( 2443) (1893:4) .
(49) وليس في ذلك محظور أن تكون اللفظة الواحدة لها أكثر من معنى ، وهذا هو أحد علماء اللغة وهو المبرد ( ت 285هـ ) يكتب كتاباً في هذا ، وهو : (( ما ائتلف لفظه واختلف معناه في كتاب الله )) .
(50) فكلمة ( مسحرين ) التي قيلت لنبي الله لصالح تعني أنه يأكل ويشرب ، وهذه هي البشرية بعينها ، فليس هناك مكان للواو ، أما ما قاله قوم شعيب عليه السلام ، فهو من السحر ، وهو زائد عن البشرية ، لذا جاءت الواو .
(51) عباس،د.فضل،( إعجاز القرآن الكريم ) ص204-206 .
(52) عباس، د.فضل، إعجاز القرآن الكريم ص212-213 .
(53) الالوسي، محمود، روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني 22/65-66 . بيروت، دار إحياء التراث العربي.
المراجع
1- آق كل ، محيي الدين، حلول قرآنية لمشكلات الإنسان، ضمن أبحاث المؤتمر العالمي الرابع لبديع الزمان النورسي ، طبع مصر،2000م
2- الالوسي، محمود، روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني، دار إحياء التراث العربي ، بيروت
3- البخاري ، محمد بن إسماعيل ،صحيح البخاري ، دار القلم ، بيروت، 1981م
4- البخاري ، محمد بن إسماعيل ، صحيح البخاري ، دار ابن كثير بيروت، 1987م، تحقيق د مصطفى البغا
5- البيومي ، محمد رجب ، التفسير القرآني ، القاهرة،1425هـ ، هدية مجلة الأزهر
6- أبو حسان ، جمال محمود ، دراسات إسلامية وعربية مهداة إلى العلامة الأستاذ الدكتور فضل عباس ، دار الرازي ، عمان ،2000م
7- أبو حسان ، جمال محمود ، الدلالات المعنوية لفواصل الآيات القرآنية ، رسالة دكتوراه ، غير منشورة
8- أبوحسان، جمال محمود ، تفسير ابن عاشور دراسة منهجية ونقدية ، رسالة ماجستير ، غير منشورة(1/53)
9- خليفة ، حاجي ، كشف الظنون عن اسامي الكتب والفنون، دار الفكر ، بيروت ، 1983م
10- الخولي ، أمين ، مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير ، القاهرة
11- زرزور ، د عدنان ، منهجية التعامل مع علوم الشريعة في ضوء التحديات المعاصرة، ضمن كتاب مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، عمان ،1995م
12- الزرقاني ، محمد عبد العظيم ، مناهل العرفان في علوم القرآن ، عيسى البابي الحلبي ، القاهرة
13- السجستاني ، أبو داوود ، السنن ، دار الفكر ، بيروت ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد
14- الشيباني ، أحمد بن حنبل ، المسند ، دار الفكر ، بيروت
15- الطبراني سليمان بن أحمد ، المعجم الأوسط ، دار الحرمين ، القاهرة،1415هـ ، تحقيق طارق عوض الله وعبد المحسن إبراهيم
16- الطبري ، محمد بن جرير ، تفسير الطبري ، دار الريان للتراث ، القاهرة ،1987م
17- الطيار ، د مساعد ، مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير ، دار المحدث ، السعودية ، ط1، 1425هـ
18- عباس ، د فضل حسن ، قصص القرآن الكريم ، دار الفرقان ، عمان ،2000م
19- عباس ، د فضل حسن ، اتجاهات التفسير في مصر وسوريا ، رسالة دكتوراه ، غير منشورة
20- عباس ، د فضل حسن ، إعجاز القرآن الكريم ، دار الفرقان ، عمان ، 1991م
21- عبد الحميد ، د محسن ، تطور تفسير القرآن ، جامعة بغداد ، 1408هـ
22- عبد الحميد ، د محسن ، العلوم الإسلامية في حياتنا المعاصرة ، ضمن كتاب علوم الشريعة في الجامعات ، المعهد العلمي للفكر الإسلامي ، عمان ، 1995م
23- العجلوني ، إسماعيل بن محمد ، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس ، مؤسسة الرسالة ، بيروت، ط4، 1405هـ ، تحقيق أحمد القلاس
24- العسقلاني ، احمد بن علي ين حجر ، فتح الباري شرح صحيح البخاري ، دار المعرفة بيروت ، 1397هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي(1/54)
25- المالكي ، حسن بن فرحان ، قراءة في كتب العقائد ، مركز الدراسات التاريخية ،عمان ، 2000م
26- مجموعة باحثين ، موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة ، القاهرة ، 2000م إشراف د حمدي زقزوق
27- ابن منظور ، محمد جمال الدين ، لسان العرب ، دار صادر بيروت
28- النيسابوري ، أبو عبد الله الحاكم ، المستدرك على الصحيحين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1990م ، تحقيق عبد القادر عطا
30- ياسين ، د حكمت بشير ، التفسير الصحيح ، المدينة المنورة ، 1999م
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
ملخص ... ....................................................................................... ... 1
تقديم ... ....................................................................................... ... 2
المبحث الأول ... في معنى التفسير والتجديد...................................................... ... 3
المبحث الثاني ... تجديد التفسير..................................................................... ... 4
المبحث الثالث ... نظرة الى التفسير بين الماضي و الحاضر................................... ... 8
المبحث الرابع ... ما هو التجديد المطلوب.......................................................... ... 12
المبحث الخامس ... نماذج لآراء جديدة في التفسير................................................ ... 23
الخاتمة ... ....................................................................................... ... 28
الهوامش ... ....................................................................................... ... 29
المراجع ... ....................................................................................... ... 32(1/55)