التبيين
لمخاطر التطبيع على المسلمين
كتبه /
ناصر بن حمد الفهد
1423
قال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله :
" إذا أردت أن تنظر إلى محل الإسلام من أهل الزمان ، فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب المساجد ، ولا إلى ضجيجهم بلبيك ، ولكن انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة "
وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله :
وملة إبراهيم غودر نهجها
وقد عفيت فينا وكيف وقد سفت
وما الدين إلا الحب ، والبغض ، والولا ... عفاءً فأضحت طامسات المعالمِ
عليها السوافي في جميع الأقالمِ
كذاك البرا من كل غاوٍ وظالمِ
أخي المسلم :
(مقاطعتك المنتجات الأمريكية واليهودية مساهمة منك في نصرة المستضعفين من المسلمين !!) .
خلاصة التبيين لمخاطر التطبيع على المسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، و بعد :
اعلم – وفقك الله – أن قاعدة الدين وملة إبراهيم وأصل دين الإسلام و مقتضى شهادة التوحيد : موالاة الإسلام وأهله ، ومحبتهم ، والبراءة من الكفر وأهله ، ومعاداتهم ، كما قال تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) .
واعلم أن اليهود من أعظم أعداء الإسلام وأهله ؛ قال الله سبحانه عنهم (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) ، وقد وصفهم الله سبحانه في كتابه بأنهم يقتلون الأنبياء ، والذين يأمرون بالقسط من الناس ، وأنهم سماعون للكذب ، أكالون للسحت ، يأخذون الربا وقد نهوا عنه ، ينقضون المواثيق ، ويحكمون بالطواغيت ، ويصفون الله تعالى بالنقائص ، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ، وغير هذا مما هو مشهور عنهم .(1/1)
وتاريخ اليهود مليء بالمؤمرات والدسائس ، فقد أرادوا قتل المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فشبه لهم ورفعه الله ، و أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم مراراً فأنجاه الله منهم ، وأرادوا أن يوقعوا الفتنة بين الصحابة فسلمهم الله ، وأول فتنة فرّقت بين المسلمين كانت فتنة ابن سبأ اليهودي ، واستمر كيدهم طوال التاريخ ، فأثاروا فتناً ، وأسقطوا دولاً ، حتى تمكنوا أخيراً من اغتصاب أراضي المسلمين .
ومطامع اليهود ليس لها حد ، فهم لا يقيمون وزناً لعهد ولا لميثاق ، فقد قال الله تعالى عنهم إنهم يقولون (ليس علينا في الأميين سبيل) ، وقال تعالى (أوكلما عاهدواً عهداً نبذه فريق منهم) ، وقال (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) ، وأرض (إسرائيل الكبرى) التي يحلمون بها – والتي وضعوا رايتهم على أساسها – من النيل غرباً حتى الفرات شرقاً ، ومن شمال الجزيرة العربية جنوباً حتى جنوب تركيا شمالاً .
وقد علموا جيداً أنه لا بقاء لهم ما دام للعقيدة الإسلامية – القائمة على الولاء والبراء والجهاد في سبيل الله – وجود بين الشعوب ، حتى لو طال مقامهم ، وأنه سيأتي اليوم الذي يطردون فيه كما طرد المسلمون سلفهم من الصليبين .
من أجل هذا اخترعوا مصطلح (التطبيع) و (السلام الدائم) و (الشامل) والذي يريدون من خلاله اختراق صفوف الشعوب المسلمة ومحاولة كسر الحاجز النفسي بين المسلمين واليهود وإذابة عقيدة (البراء) و (معاداة الكافرين) من خلال (التطبيع الثقافي والتعليمي والإعلامي) ونشر ما يسمى بـ(حوار الحضارات) و (حوار الأديان في سبيل السلام) ونحوها ، بالإضافة إلى إفساد أخلاقيات المسلمين .(1/2)
ويهدف اليهود من خلال هذه العملية - بالإضافة إلى تغيير عقلية المسلمين – إلى تأمين بلادهم من ضربات المجاهدين ، وتعزيز اقتصادهم المنهار ، وتهجير بقية اليهود إلى فلسطين ، وإكمال بناء المستوطنات ؛ تمهيداً لإكمال الهيمنة على المنطقة بأسرها.
لذلك فالتصور الصحيح لهذا السلام المزعوم كافٍ في معرفة حكمه الشرعي ، إذ هو مشتمل على منكرات كثيرة محرمة بإجماع المسلمين منها : التحاكم إلى الطواغيت ، وهدم أصل البراء في الإسلام ، وإلغاء شريعة الجهاد في سبيل الله ، وتسليط اليهود على المسلمين ، وغيرها من العظائم.
واعلم أن مدار شبهات من أجاز هذا السلام المزعوم إنما هي قائمة على جواز (الهدنة) و (الصلح) مع (الكافرين) ، وهذا الأمر لا نزاع فيه ، فالهدنة جائزة بشروطها ، والأمر هنا ليس هدنة ، فالهدنة قائمة أصلاً منذ القدم بين هذه الأطراف ؛ إذ لا قتال بينهم ، وإنما المراد من هذا أمر آخر وراء الهدنة وهو : موالاة اليهود ، والركون إليهم ، وتطبيع العلاقات معهم ، ونبذ معاداتهم وبغضهم ، فهذا شيء ، والصلح الشرعي شيء آخر .
واعلم أن أرض فلسطين وما حولها أرض مباركة ، وصفها الله سبحانه بذلك في خمسة مواضع من كتابه ، وفيها المسجد الأقصى : أولى القبلتين ، وثالث المسجدين ، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ، افتتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وحرّرها صلاح الدين رحمه الله ، فهي مملوكة للمسلمين ، وأرضها وقف عليهم ، والحق فيها لله عز وجل ، ليست حقاً شخصياً لأحد كائناً من كان حتى يتنازل عن شيء منها ، وهناك فرق كبير بين ترك قتال اليهود لعدم القدرة ، وبين إعطائهم صكاً بملكية الأرض وإضفاء شرعية مزعومة عليهم ، فالأول من باب العجز المسقط للتكليف ، والثاني من باب الخيانة الموجبة للعقوبة !.(1/3)
وأخيراً : اعلم أن ما يسمى بمساعي السلام ومؤتمراته ستفشل ، ولو نجحت فنجاحها سيكون مؤقتاً ، وأن المسلمين سيقاتلون اليهود فيقتلونهم حتى يختبئ اليهودي خلف الشجر والحجر ، فيقول الشجر والحجر : يا مسلم ، يا عبد الله ، هذا يهودي خلفي ، تعال فاقتله ، كما ثبت هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء .
فاحرص أخي المسلم على تحقيق التوحيد ، والتمسك بالسنة ، والاعتصام بالله عز وجل ، وإياك وسماع الدعوات التي تقول إنه لا عداء بيننا وبين اليهود ، أو غيرهم من الكفار ، أو أننا لا نبغضهم من أجل دينهم ؛ فإن أصل الأصول : البراءة من الكفر وأهله ، ومعاداتهم ، وبغضهم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فالمراقب للساحة في السنوات الأخيرة يلحظ تتابع المصائب والنكبات التي تحل بالأمة الإسلامية في الشرق والغرب ، حتى إنه ليصدق قول الشاعر :
إذا لهب من جانب باخ شره ذكى لهب من جانب فتضرما
فالصليبيون أعلنوها حرباً صليبية ، فدمروا بلاد الأفغان ، ويريدون تدمير بلدان أخرى ، علاوة على تدميرهم لأخلاقيات المسلمين من خلال إعلامهم وخبثهم . وعباد البقر ألفوا قتل المسلمين بالهند حيث لا بواكي لهم ، وهكذا حال بقية المسلمين في الشيشان ومقدونيا والفلبين وإندونيسيا وغيرها من البلدان .
ولاشك أن ما يحل بالأمة الإسلامية هو من العقوبات الإلهية العاجلة ؛ فإن كثيراً من المسلمين قد ابتعدوا عن الدين ، ووالوا الكافرين ، و عدلوا عن الحكم بما أنزل الله إلى الحكم بزبالات أذهان البشر من القوانين الوضعية والأحكام الجاهلية ، فحصل البلاء على الأمة ، ولن يرفع هذا البلاء إلا بتوبة صادقة ، نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يعجل بنصر الإسلام وأهله .(1/4)
وإن من أعظم هذه المصائب : استيلاء أحفاد القردة والخنازير من المغضوب عليهم من أنجاس (يهود) على البلاد المباركة : بلاد المسجد الأقصى ، أولى القبلتين ، وثالث المسجدين ، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبلاد الأنبياء ، وسومهم للمسلمين هناك سوء العذاب ؛ فيقتلونهم ، ويأسرونهم ، ويخرجون فريقاً منهم من ديارهم .
وقد زادت وطأة اليهود على المسلمين في فلسطين مؤخراً ، فقتلوا منهم المئات في أيام معدودة ، وجرحوا وأسروا الآلاف(1) ، و عاثوا في الأرض فساداً ، على مرأى من العالم ، ولا عجب ، فهذه حلقة من سلسلة طويلة ؛ لها ما قبلها ، ولها ما بعدها ، و يخطيء من يظن أن ضرب المجاهدين في فلسطين لا علاقة له بضرب المجاهدين في أفغانستان ، أو الفلبين ، أو كشمير ، ونحوها من بلاد الإسلام ، والتي زادت في الشهور الأخيرة ، بل هذه كلها سلسلة متصلة ، تدار بإحكام من الكافرين لضرب ما يسمونه بالإرهاب الإسلامي ، وإن من يكون اليوم في موقع المتفرج سيكون غداً هو المضروب ، وقد صدق الله سبحانه حيث يقول : (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) .
__________
(1) مع العلم أن أكثر المعاهدات التي عقدها اليهود تقريباً كانت بينهم وبين منظمة التحرير الفلسطينية ، ومع ذلك فإنهم لم يقيموا لها وزناً ، وما نراه هذه الأيام (محرم 1423) خير شاهد!! .(1/5)
وحيث بدأت الأصوات ترتفع هنا وهناك داعية للتطبيع مع اليهود ، وعقد ما يسمى بـ(السلام الشامل ) أو (الدائم) معهم(1) ، كان لا بد من بيان الحكم الشرعي في مثل هذا الأمر ؛ براءة للذمة ، ونصحاً للأمة ، وإعذاراً إلى الله تعالى ، (ولعلهم يتقون) !! .
ولعل قائلاً يقول :
وهل هذا الأمر هو التجاوز الوحيد في الأمة حتى يخصص ببيان أو رسالة ، فالأمة الإسلامية قد غُيبّت الشريعة فيها عن كثير من أمورها ؟! .
والجواب :
أن انتشار المصائب والمخالفات الشرعية لا يبرر السكوت عليها ، وما لا يدرك كله لا يترك كله . وتبيين هذا الأمر لا يعني تسويغ غيره مما لا تجيزه الشريعة مما سكت عنه، والسكوت عن منكر لا يعني السكوت عن الآخر ، والمنكر إذا عمّ ضرره وطال المسلمين تشتد حرمة السكوت عنه كضرر (التطبيع) هذا .
وقد استعنت بالله تعالى في تبيين أضرار هذا التطبيع على المسلمين ، فكتبت هذه الرسالة ، و جعلتها في ثلاثة فصول :
الفصل الأول : خطر اليهود ؛
وتحته مبحثان :
المبحث الأول : دورهم في إثارة الفتن وإسقاط الدول :
المبحث الثاني : مطامع اليهود في جزيرة العرب :
الفصل الثاني : التطبيع وآثاره ؛
وتحته مبحثان :
المبحث الأول : المراد بالتطبيع :
المبحث الثاني : آثار التطبيع :
الفصل الثالث : حكم التطبيع ؛
وتحته أربعة مباحث :
المبحث الأول : فضل المسجد الأقصى وفلسطين :
المبحث الثاني : حكم التطبيع :
المبحث الثالث : شبهات وردود :
المبحث الرابع : حتمية الصراع وانتصار المسلمين :
ثم ختمت الرسالة بنصيحة لعموم المسلمين ، وللمجاهدين في فلسطين .
__________
(1) الطريف في هذا الأمر أن بعض زعماء اليهود يذكرون على سبيل السخرية : إن وزير الدفاع اليهودي الأسبق موشي دايان كان يقول بعد معركة 67م : إن إسرائيل كانت منذ قيامها تشعر بضرورة اعتراف العرب بها ، أما الآن فإن العرب هم الذين يحتاجون إلى أن تعترف بهم إسرائيل !!! (إسرائيل ركيزة الاستعمار) لحسن ظاظا ص 46.(1/6)
وقدمت بين يديها ملخصاً لمحتواها بعنوان (خلاصة التبيين) لمن فترت همته عن قراءة هذه الفصول .
ووضعت في آخرها ملحقين :
الأول : بيان في حكم التطبيع مع اليهود – لمجموعة من أهل العلم – .
والثاني : نصوص اتفاقات (كامب ديفد) و (أوسلو) و (وادي عربة) (1)
__________
(1) رحم الله الشيخ عبد الرحمن الدوسري وأسكنه فسيح جناته ؛ فقد تنبأ منذ أكثر من عشرين سنة بكثيرٍ مما يجري على الساحة الآن ، فقد قال في كتابه (اليهودية والماسونية) ص 129-130 بعد كلامه على السلام مع اليهود :
" وسينشأ عنها الأخطار التالية :
الاتفاق الدبلوماسي والثقافي والتجاري وفتح الحدود .
إذابة الروح الدينية لدى المسلمين ، وإماتة الحمية والشهامة ضد العدو .
يربح العدو وعملاؤه إلغاء المقاطعة ، بحيث تصبح هذه المقاطعة معاملة حرة تزداد بها مكاسبه وصادراته زيادة هائلة .
ستصبح بلاد العدو مصيفاً يرتاده كل فساق العرب ينعمون بجوار اليهوديات المتدربات على كسب الرجال وابتزاز الأموال ، وسيكون نتيجة ذلك أن تسيل الأموال العربية باتجاه إسرائيل ، وأن يسيل الفساد اليهودي باتجاه العرب .
حصول الألفة التامة بين العرب واليهود من كل الطبقات بدلاً من الوحشة والنفرة ، وسيغزونهم بالحشيش والمخدرات والمسكرات – زيادة على ما هم عليه – وقد يجعل التزاوج والاستخدام ، وستحل الميوعة في جميع الطبقات ، وتموت الروح العسكرية في مواضع ، وتضعف في مواضع أخرى.
سيبتلى بعض العرب بحكامهم ، فيرهقون بالظلم والسجون والضرائب ، حتى يتمنوا الخلاص من حكامهم ولو بإسرائيل .
إذا قامت دولة فلسطينية على أي جزءٍ من أرض فلسطين فستكون شيوعية علمانية ، تلتقي مع إسرائيل في بعض المواقف ، وسيكون بينها وبين الأردن عداوات سياسية تشطر العرب إلى شطرين ، فتقوم الخلافات والمهاترات ، وإسرائيل تشر وتنمي ذلك " .
ثم قال رحمه الله بعد ذلك : " وأدعو الله أن يخيب ظني فلا يحصل شيء من هذا كله ، وإنما يحصل الخير والفلاح والسداد لكل العرب والمسلمين" اهـ .(1/7)
.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به من قرأه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه /ناصر بن حمد الفهد
الرياض
شهر الله المحرم - 1423
الفصل الأول
خطر اليهود
تمهيد :
قد اتفقت ملل الكفر – من غير اليهود – مع المسلمين على فساد اليهود وإفسادهم في الأرض ، و كثرت الكتب التي تبين ذلك ، حتى كان هذا من أشهر الأمور .
وقد ذكرهم الله سبحانه وتعالى في كتابه وذكر صفاتهم ، فقال تعالى عنهم (سماعون للكذب أكالون للسحت) ، وقال تعالى (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) ، وقال تعالى (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل) ، وقال تعالى (ويقتلون النبيين بغير الحق) ، وقال تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) ، وقال تعالى (وقالت اليهود عزير ابن الله ) ، وقال تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) ، وقال تعالى (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ) ، وقال تعالى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) ، وقال تعالى (وأشربوا في قلوبهم العجل) ، والآيات في هذا كثيرة جداً .
ولن أذكر في هذا الفصل تفصيلاً لمؤمرات اليهود ، وسعيهم للإفساد في الأرض ؛ فإن هذا يطول ، وقد أَلَّفَ فيه كثير ، ولكني سأقتصر على أمرين :
الأمر الأول : دورهم في إثارة الفتن وإسقاط الدول .
والأمر الثاني : مطامعهم في جزيرة العرب .
فأقول مستعيناً بالله :
المبحث الأول :
دورهم في إثارة الفتن وإسقاط الدول(1/8)
إن الناظر في تاريخ العالم في ما يتعلق بإثارة الفتن وسقوط الدول يرى أثر اليهود في كثير من أحداثه ، ولا عجب في ذلك ؛ فإنهم لم يتورعوا عن خيار عباد الله من الأنبياء والصالحين كما ذكر الله تعالى عنهم (ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس) ، فقد قتلوا مجموعة من الأنبياء عليهم السلام ، وحاولوا قتل المسيح عيسى بن مريم ولكن الله سبحانه رفعه إليه ، وتكررت محاولات قتلهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مرة (1).
وإذا كان هذا حالهم مع الأنبياء فكيف بمن دونهم ؟.
وسوف أذكر نماذج تكفي العاقل لمعرفة ما يسببه اليهود من الفتن :
فمن ذلك أن اليهود وراء أعظم فتنة في صدر الإسلام ، وأعظم فتنة في العصر الحديث:
أما في صدر الإسلام :
__________
(1) حاول اليهود قتل النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربع عن طريق إلقاء حجرٍ عليه لما جاء إلى بني النظير فأخبره الله سبحانه فرجع ، ثم قام كعب بن الأشرف اليهودي بجمع أحزاب المشركين لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نقض بنو قريظة الميثاق سنة خمس وأعانوا عليه الأحزاب ، ثم حاولت امرأة يهودية أن تسمه في شاة سنة سبع في خيبر حتى أثر ذلك فيه صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه : " يا عائشة ، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم" .(1/9)
فكانت الفتنة التي أحدثها (عبد الله بن سبأ اليهودي) الذي دخل الإسلام ثم سعى في الأرض فساداً في وقت عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فجمع حوله كثيراً من الأعراب والدهماء ، وأحدثوا فتنة عظيمة ، انتهت بحصار الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ثم قتله ، وكان ذلك من أسباب حدوث الاقتتال بين الأمة ، وخروج الفرق وأهل البدع والزندقة مما تعاني منه الأمة إلى هذا الوقت(1).
وأما في العصر الحديث :
فمن أعظم الفتن فيها استيلاء اليهود على المسجد الأقصى وأرض فلسطين مع قتلهم المسلمين واستباحتهم الأعراض ، وما يفعلونه من مخازي هناك منذ أكثر من خمسين عاماً .
وبين هاتين الفتنتين - وقبلها وبعدها - فتن كثيرة في العالم الإسلامي كان اليهود وراءها ؛ ومنها:
1- فتنة شاس بن قيس اليهودي بين الأنصار : قال ابن إسحاق : وكان شيخاً عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ، فمر على نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية ، فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة(2) بهذه البلاد ، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار .
فأمر فتى شاباً كان معهم فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بعاث ، وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه الأشعار .
وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج .
__________
(1) انظر كتب التاريخ التي تتكلم عن عثمان رضي الله عنه .
(2) أبناء قيلة هم الأنصار : الأوس والخزرج.(1/10)
قال ابن إسحاق : ففعل ، فتكلم القوم في ذلك ، وتنازعوا ، وتفاخروا ، حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب ، فتقاولا ، ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم رددناها الآن جذعة ، فغضب الفريقان جميعاً ، وقالوا : قد فعلنا ، موعدكم الظاهرة - والظاهرة : الحرة - السلاح ، السلاح . فخرجوا إليها ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم :
فقال : يا معشر المسلمين ، الله ، الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ بعد أن هداكم الله للإسلام ، وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر ، وألف به من قلوبكم .
فعرف أنها نزغة من الشيطان ، وكيد من عدوهم ، فبكوا ، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس ؛ فأنزل الله تعالى في شاس بن قيس وما صنع : (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعلمون ، قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون ) . (1)
2- وفي أواخر القرن الأول الهجري : ظهر داعية يهودي اسمه أبو عيسى الأصفهاني في وقت الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، فادعى أنه المسيح المنتظر ، وأحدث فتنة حملها بعده أحد تلاميذه حتى قبض عليه الخليفة يزيد بن عبد الملك (2).
2-وفي عام 422 : صارت فتنة عظيمة في بغداد بين السنة والرافضة ، وقد كان اليهود – الذين قربهم البويهيون آنذاك - من أسباب هذه الفتنة ومن أعوان الرافضة .(3)
__________
(1) سيرة ابن هشام : 3/ 93 ، 94 .
(2) انظر (إسرائيل ركيزة الاستعمار والعدوان بين المسلمين) لحسن ظاظا ص 52 ، 53 .
(3) انظر (البداية والنهاية) 12/31 ، (صراعنا مع اليهود) 31 .(1/11)
3- وبعد عام 430 تقريباً : استوزر حاكم غرناطة (باديس بن حبوس) من (بني زيري) يهودياً اسمه (ابن النغريلة)(1) ، فعظم شأن اليهود ، وزادت سطوتهم على المسلمين ، وأفسدوا في الأرض ، وتمكنوا ، حتى أن (ابن النغريلة) نفسه تكلم على القرآن الكريم(2) ، فاشتد غضب المسلمين .
فقال زاهد إلبيرة الشيخ الصالح : إبراهيم بن مسعود رحمه الله (ت 480) القصيدة المشهورة ؛ التي كان بها الخلاص بإذن الله ، يستنهض بها همم المسلمين على اليهود ، ومنها قوله :
ألا قل لصنهاجةٍ أجمعين
لقد زل صاحبكم زلة
__________
(1) انظر ترجمة مفصلة له في مقدمة الجزء الثالث من رسائل ابن حزم (3/8-17).
(2) وقد رد عليه ابن حزم رحمه الله تعالى كما في رسائله (3/ 41 وما بعدها) ومما قال في أول رده :
" اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم ، وبعمارة قصور يتركونها عما قريب عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم في معادهم ودار قرارهم ، وبجمع أموال ربما كانت سبباً إلى انقراض أعمارهم وعوناً لأعدائهم عليهم ، وعن حياطة ملتهم التي بها عزوا في عاجلتهم وبها يرجون الفوز في آجلتهم ، حتى استشرف لذلك ألسنة القلة والذمة ، وانطلقت ألسنة أهل الكفر والشرك بما لو حقق النظر أرباب الدنيا لاهتموا بذلك ضعف همنا ، لأنهم مشاركون لنا فيما يلزم من الامتعاض للديانة الزهراء ، والحمية للملة الغراء ، ثم هم متردون بما يؤول إليه إهمال سياستهم والقدح في رياستهم ، فللأسباب أسباب ، وللمداخل إلى البلاء أبواب ، والله أعلم بالصواب ،...، لا سيما إن كان العدو من عصابةٍ لا تحسن إلا الخبث مع مهانة الظاهر ، فيأنس المغترّ إلى الضعف البادي ، وتحت ذلك الختل والختر والكيد والمكر ؛ كاليهود الذين لا يحسنون شيئاً من الحيل ، ولا آتاهم الله شيئاً من أسباب القوة ، وإنما شأنهم الغش والتخابث والسرقة ، على التطاول والخضوع ، مع شدة العداوة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم" .(1/12)
تخيّر كاتبه كافراً
فعزّ اليهود به وانتخوا
فكم مسلمٍ فاضلٍ قانتٍ
وما كان ذلك من سعيهم
فهلا اقتدى فيهم بالألى
وأنزلهم حيث يستاهلون
إلى أن يقول :
فبادر إلى ذبحه قربة
و لا ترفع الضغط عن رهطه
وفرّق عراهم ، وخذ مالهم
ولاتحسبنْ قتلهم غدرةً
وقد نكثوا عهدنا عندهم
وكيف تكون لهم ذمة ... بدور الندي وأُسْد العرين
تقرّ لها أعين الشامتين
ولو شاء كان من المسلمين
وتاهوا وكانوا من الأرذلين
لأرذل قردٍ من المشركين
ولكن منا يقوم المعين
من القادة الخيرة الفاتحين
وردهم أسفل السافلين
وضحّ به فهو كبش سمين
فقد كنزوا كل علقٍ ثمين
فأنت أحق بما يجمعون
بل الغدر في تركهم يعبثون
فكيف نلام على الناكثين
ونحن خمول ،وهم ظاهرون؟
فثارت (صنهاجة) بعد هذه القصيدة على اليهود وقتلوا منهم مقتلة عظمية ومنهم (ابن النغريلة) هذا.(1)
4- وفي عام 558 تقريباً : ومع اشتداد الحروب الصليبية ظهر يهودي في كردستان ادعى أنه المسيح المنتظر اسمه (داود الرائي) ، وقام بنشر الانحلال والزندقة ، وقام بالتجسس لأعداء المسلمين ، فأثار القلاقل على الدولة العباسية والسلجوقية ، ثم نجح في تجنيد جيش من المتطوعين اليهود في أذربيجان ، واستمر في ذلك حتى قضى عليه المسلمون في شمال العراق (2).
5-وفي عام 573 : أحدث اليهود أيضاً فتنة عظيمة في بغداد .(3)
6-وفي عام 716 : تولى حكم العراق أبو سعيد بن درخان – من التتر – واعتنق مذهب أهل السنة ، وكان أبوه رافضياً مقرباً لليهود ، فما كان من اليهود إلا أن تآمروا عليه حتى قتلوه .(4)
__________
(1) انظر (نفح الطيب) 4/322 ، (ديوان الإلبيري) 10 ، 89 ، (المغرب) 2/ 132 .
(2) انظر (إسرائيل ركيزة الاستعمار) ص 53.
(3) البداية والنهاية) 12/298 .
(4) صراعنا مع اليهود) 32 .(1/13)
7- وفي سنة 930 : ظهر يهودي اسمه داود الرأوبيني وبدأ يدعو لعرش اليهود في خيبر التي احتلها المسلمون !! ، وحاول أن يتعاون مع النصارى في هذا السبيل ، فاستقبله بابا النصارى كليمنت السابع في الفاتيكان ، ثم استقبله بعده ملك البرتغال ، إلا أنه أحدث فتنة بين النصارى أيضاً فكرهوه وقبضوا عليه وسجنوه ، ثم قتلوه مسموماً.(1)
8- وفي عام 1275 تقريباً : قام الروس بقيادة الجنرال باريتنسكي بأسر القائد القوقازي المعروف (الشيخ شامل) بعد خمسٍ وعشرين سنة من جهاده لهم ، وكان السبب في ذلك جاسوسية يهود الجبال وخيانتهم .(2)
9- ومن المشهور جداً في كتب التاريخ المعاصر دور (يهود الدونمة) في إسقاط السلطنة العثمانية .(3)
وما ذكرته سابقاً من الحوادث هو بعض أعمالهم ، والموضع هنا ليس للتقصي ، وكيدهم وخبثهم ليس على المسلمين وبلاد الإسلام فقط ، بل لكل من ليس على دينهم ، وهذا يتبين بمعرفة تاريخهم ووقائعهم مع غير المسلمين :
__________
(1) إسرائيل ركيزة الاستعمار) ص 54 .
(2) الإسلام وبنو إسرائيل) 330.
(3) وقد بدأ تاريخ اليهود مع العثمانيين مبكراً قبل ثلاثة قرون تقريباً من سقوطهم ، حيث تمكنوا من الدخول إلى قصورهم والتقرب إلى سلاطينهم ، فحدث بسببهم عدداً من الفتن ، انظرها بالتفصيل في (إسرائيل ركيزة الاستعمار) 55-67 ، وأما دور يهود الدونمة في إسقاط السلطنة العثمانية فيعود إلى وقت مؤسسهم (سباتاي زيفي) (1626-1675م) وهو يهودي إسباني الأصل أعلن أنه مسيح بني إسرائيل فاستفحل أمره فاعتقلته السلطات العثمانية فأعلن دخوله الإسلام ثم اتضح بعد عشر سنوات أنه كان يخدعهم فنفي إلى ألبانيا ومات فيها ، ثم إنهم ما زالوا في كيدهم حتى أداروا الجزء الأعظم من انقلاب (حزب تركيا الفتاة) على السلطان عبد الحميد الثاني ، وأسقطوا دولتهم ، انظر (الموسوعة الميسرة في الأديان) 1 / 510-512 ، (اليهودية والماسونية) للشيخ عبدالرحمن الدوسري ص 70 وما بعدها.(1/14)
ففي بريطانيا في عام 1272م ساءت أحوالها الاقتصادية بسبب الربا والمداينات التي يمارسها اليهود ، فأصدر ملك بريطانيا إدوارد الأول قراراً بمنع الربا و رهن الأرض لليهود ، ثم اكتشف سرقة اليهود لجزء من ذهب العملة البريطانية فأصدر أمراً بمحاكمتهم ، وحكم بالقتل على 200 من اليهود سنة 1280م ، ومع ذلك استمر فسادهم فأصدر أمراً يقضي بطرد اليهود من بريطانيا في غضون ثلاثة أشهر في سنة 1290 م ، فهجم الشعب على اليهود في تجمعاتهم فقتلوا قسماً منهم ، وطردوا البقية من بريطانيا لمدة ثلاثة قرون .(1)
وفي فرنسا فعل اليهود كفعلهم في بريطانيا ، فأصدر ملك فرنسا لويس أغسطس قراراً بطردهم ، فطردوا ثم رجعوا بعد عشرين عاماً ، فطردوا مرة أخرى في عهد فيليب ، ثم عادوا ، وفي عام 1341 م هاج الشعب الفرنسي عليهم فقتلوهم وطردوهم(2) .
وكانوا وراء الثورة الفرنسية عام 1789م والتي قضت على الملكية في فرنسا(3) .
وكان أكثر قادة الثورة البلشيفة التي قضت على القيصرية في روسيا من اليهود (4).
__________
(1) انظر (حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى) لأحمد زايد ص 149 ، 150 .
(2) نفس المرجع ، وهذا مصداق لقوله تعالى (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب).
(3) انظر (الماسونية) لمحمود الشاذلي ص 226 ، (المخططات الماسونية العالمية) لمحمد دياب ص 64 ، (حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى) ص 145، (اليهودية والماسونية) للشيخ عبد الرحمن الدوسري ص 46.
(4) في المكتب السياسي الأول للحزب الشيوعي كان فيه سبعة أعضاء : أربعة منهم من اليهود ، واثنان آخران متزوجان من يهوديات ، وفي مجلس الحرب كان عدد الأعضاء أربعة عشر : نصفهم من اليهود ، وأول حكومة بعد الثورة كان عدد أعضائها : اثنين وعشرين ؛ منهم سبعة عشر يهودياً ، وانظر باقي الإحصاءات بالتفصيل في كتاب الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله (اليهودية والماسونية) 29-36 .(1/15)
بل إن الكاتب الروسي (سرجي نيلوس) لما تسربت إليه (بروتوكولات حكماء صهيون) قام بنشرها في كتاب سماه (خطر اليهود) عام 1905م تنبأ فيه – في ذلك الوقت – بناء على دراسة تلك البروتوكولات بأشياء كثيرة منها : تحطيم القيصرية وظهور الشيوعية في روسيا ، وسقوط العثمانيين في تركيا ، وعودة اليهود إلى فلسطين ، وسقوط (الملكيات) في عدة دول أوربية كألمانيا والنمسا وغيرها ، وقد تحقق كثير من هذه الأمور ، وبعد أن أمسك الشيوعيون زمام الأمور في روسيا قاموا بنفي نيلوس هذا إلى فلاديمير حتى مات سنة 1929م (1).
وبلغ الحال باليهود حتى قال بعض الغربيين : " إن كل الثورات والفوضى العالمية نظمتها وستنظمها الحكومة اليهودية السرية العالمية ذاتها " (2).
بل إن اليهود اعترفوا بذلك فقالت مجلة الجامعة الإسرائيلية : " نصادف في كل التغييرات الفكرية الكبرى تقريباً عملاً يهودياً ، سواء كان ظاهراً واضحاً ، أو خفياً سرياً ، وعلى هذا فإن التاريخ اليهودي يمتد بامتداد التاريخ العالمي بجميع مجالاته ، حيث تغلغل فيه بآلاف الدسائس"(3).
وبالغ الكاتب التركي الجنرال / جواد رفعت آتلخان حيث قال : " يستحيل أن يسجل التاريخ خلو أي ثورة حدثت في سائر أقطار البشرية من العهد السحيق القديم إلى ساعتنا هذه عن الأيدي المحركة اليهودية بدون استثناء".(4)
__________
(1) انظر (القوى الخفية لليهودية العالمية الماسونية) لداود سنقرط ص 175 وما بعدها .
(2) القائل هو روبيسبير ، كما في (حكومة العالم الخفية) لسبيروفيتش ص 89، نقلاً عن (المخططات الماسونية العالمية) ص 64.
(3) مجلة الجامعة الإسرائيلية : 26 يوليو سنة 1907 م ص 585 ، نقلاً عن (اليهودية) لأحمد شلبي ص 309 .
(4) في كتابه (الإسلام وبنو إسرائيل) ص 346 ، ولا شك أن هذا الكلام مبالغ فيه ، إلا أن المقصود أن هؤلاء لم يذكروا ما سبق إلا لما تواتر عندهم من دسائس اليهود ومؤامراتهم .(1/16)
وقد علم عقلاء الكفار خطر اليهود فحذروا قومهم منهم ، ومن هؤلاء أول رئيس أمريكي (جورج واشنطن) ، والرئيس الآخر (بنجامين فرانكلين) حيث قال في خطاب له عام 1789م – عند وضع دستور أمريكا – يحذر فيه الشعب الأمريكي من اليهود(1):
"في كل أرض حل فيها اليهود أطاحوا بالمستوى الخلقي ، وأفسدوا الذمة التجارية فيها ، ولم يزالوا منعزلين لا يندمجون بغيرهم " ثم قال : " إذا لم يبعد هؤلاء من الولايات المتحدة بنص الدستور فإن سيلهم سيتدفق إلى أمريكا في غضون مائة سنة إلى حد يقدرون معه على أن يحكموا شعبنا ، ويدمروه ، ...حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في الحقول لإطعام الشعب اليهودي ".(2)
المبحث الثاني :
__________
(1) نشر هذا الخطاب كاملاً – وهو مليء بالتحذير من اليهود ولم أنقل إلا مقتطفات– كتاب (حكومة العالم الخفية) لسبيروفيتش 29 وما بعدها ، نقلاً عن (المخططات الماسونية العالمية) ص 67 ، وانظر أيضاً (اليهودية والماسونية) للشيخ الدوسري ص 19 ، 20 .
(2) بلغت سلطة اليهود في أمريكا إلى درجة صار معها الرئيس لا يجرؤ على إظهار امتعاضه منهم ، فقد كشفت هيئة المحفوظات الوطنية الأمريكية مؤخراً عن شرائط كاسيت مدتها 500 ساعة مسجلة للرئيس نيكسون أثناء حكمه في النصف الأول من عام 1972م ، والشاهد فيها ورود مكالمة بينه وبين القس بيلي جراهام ، قال جراهام في المحادثة المسجلة إن "الاحتكار اليهودي لوسائل الإعلام يجب أن يكسر ، وإلا فإن تلك البلد سوف تنحدر" . ورد نيكسون "هل تعتقد ذلك؟" ، فقال جراهام : "نعم يا سيدي " . وقال نيكسون : "وأنا كذلك ، أنا لا أستطيع أبدا أن أقول ذلك لكنني أعتقده" ، وقال جراهام : "إذا انتخبتَ مرة ثانية ، فقد نستطيع عندئذ أن نفعل شيئا" ، ثم بعد أن كشف عن هذه المكالمة قام هذا القس بالاعتذار لليهود !!! انظر هذا في موقع (البي بي سي أون لاين) : http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_1851000/1851684.stm(1/17)
مطامع اليهود في جزيرة العرب :
إن لليهود مطامع قديمة في (جزيرة العرب) ، وتعود هذه المطامع إلى ثلاثة أمور :
عقدي ، وأمني ، واقتصادي .
أما الأمر الأول :
وهو العقدي :
فيرجع إلى عقيدة اليهود في أرض الميعاد و (إسرائيل الكبرى) ، فالصهاينة يعتقدون – ديانة أو سياسة – أن أرض (فلسطين) هي أرضهم التي أورثها الله لهم ، وهي قاعدة ملكهم ، ويجعلون حدود مملكتهم الكبرى من نهر (النيل) غرباً إلى نهر (الفرات) شرقاً وما بين ذلك(1) ، ويدخل في هذا شمال جزيرة العرب ؛ وذلك أنهم زعموا وجود نصوص في (التوراة) تدل على هذه الحدود ، وأن رجوعهم إليها تحقيق لوعد إلهي ومن هذه النصوص:
ما جاء في سفر التكوين (15/18) : " وفي ذلك اليوم قطع مع إبرام (إبراهيم) ميثاقاً قائلاً : لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير " .
وفيه أيضاً (17/7 ، 8) : " وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً" .(2)
__________
(1) وعلى هذا وضعوا رايتهم اليهودية ، وهي عبارة عن خرقة بيضاء في وسطها نجمة اليهود التي يسمونها (نجمة داود) بين خطين أزرقين ، فأحد الخطين يرمز للنيل ، والآخر يرمز للفرات ، ونجمة داود ترمز لبلاد إسرائيل ، يعني الممتدة بين هذين النهرين !! .
(2) انظر (حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى) ص 311 ، (قضية إسرائيل) لجارودي ص 75.(1/18)
لذلك فقد وضع مؤسس الصهيونية الحديثة هرتزل (ت 1904م) خريطة لبلاد إسرائيل الكبرى وجعلها المنطقة الواقعة بين (النيل) و (الفرات) وتشمل : شرق مصر وفلسطين ولبنان وسوريا والأردن وغرب العراق وشمال الجزيرة (1).
و نشرت مجلة (التبشير اليهودي) وصحف غربية أيضاً في عام 1923 م خريطة تبين حدود الدولة التي يريدها الصهاينة – وهي مشابهة لخريطة (هرتزل) - (2).
وسك الصهاينة عام 1989 م قطعة نقدية يهودية نحاسية اللون من فئة 10 أغورات متداولة إلى الآن ، على وجهها الأول النقش، وعلى وجهها الثاني "الصورة" مع اسم دولة إسرائيل بثلاث لغات : العربية والعبرية والإنجليزية ، والصورة عبارة عن خريطة تغطي المساحة الممتدة من النيل مروراً : بسيناء وفلسطين ، ولبنان ، وسوريا ، والعراق ، والخليج ، وتمتد حتى جنوب الجزيرة العربية ، ورسم على هذه الخريطة الشمعدان اليهودي (3).
__________
(1) انظر هذه الخريطة كما رسمها (هرتزل) في كتاب (الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء شبه الجزيرة العربية) ص 100 ، وقد كتب هرتزل في مذكراته (15 تشرين الأول 1898) أن مطالب الصهيونية التي ستتقدم بها إلى الباب العالي : المساحة الواقعة بين النيل والفرات (المرجع السابق) 13 . كما وجد في خزانة لأحد أقطاب عائلة روتشيلد اليهودية في (فرانكفورت) خريطة تبين أن دولة اليهود المتصورة تشمل منطقة من جزيرة العرب تمتد بمحاذاة شاطيء البحر الأحمر إلى جنوب المدينة النبوية وإلى الشرق من خيبر ، ثم تعود إلى ما قبل الحدود الجنوبية الشرقية لتصل بعد ذلك بخط مستقيم إلى حدود الكويت الشمالية (المرجع السابق) 14، وانظر الخريطة في نفس المرجع ص 101.
(2) الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء شبه الجزيرة العربية) ص 15 .
(3) المرجع السابق ص 20 ، وانظر صورة العملة في نفس المرجع ص 103.(1/19)
وعلى هذا المعتقد زعماء اليهود ؛ فقد جاء في خطابٍ ألقاه مناحيم بيجن رئيس وزراء اليهود السابق : " لن يكون سلام لشعب إسرائيل ، ولا لأرض إسرائيل ، حتى ولا للعرب ، ما دمنا لم نحرر وطننا بأجمعه بعد ، حتى ولو وقعنا معاهدة صلح" (1).
وجاء في كلام لوزير الأديان اليهودي بتاريخ 8 آب 1951 م : " ما زال أمام مؤتمركم أعمال عظيمة ، إن دولة إسرائيل كلها أمامكم ، وإن حدود تلك الدولة من الفرات إلى النيل" .
وقال بن جوريون بعد حرب عام 1948 م : " أما السيف الذي أعدناه إلى غمده فإنه لم يعد إلا مؤقتاً...فالشعب اليهودي بأسره سيعود إلى الاستيطان في أرض الآباء والأجداد الممتدة من النيل إلى الفرات".(2)
وقال بن جوريون أيضاً في خطابه لطلبة مدرسة الجليل اليهودية مشيراً إلى خريطة إسرائيل الحالية : " لا تمثل هذه الخريطة جغرافية دولتنا ، بل هناك خريطة أخرى يقع عبء تحقيق أمرها على كواهلكم ، وهي تشمل مملكة إسرائيل التي تمتد من النيل إلى الفرات".(3)
ولا يزال قادة اليهود يذكرون مدينة خيبر ، فقد قال موشي دايان بعد حرب 1967 م : " هذا يوم بيوم خيبر ، يالثارات خيبر" .(4) وقال أيضاً يوم احتلوا القدس : " لقد استولينا على أورشليم ، ونحن في طريقنا إلى يثرب و إلى بابل" (5).
ووقفت جولدا مائير – رئيسة وزراء اليهود السابقة – على شاطيء خليج العقبة وأخذت تستنشق الهواء وتقول (6): " إني أشم رائحة أجدادي في خيبر"(7)
__________
(1) انظر (صراعنا مع اليهود بين الماضي والمستقبل ) لمحمد ماضي ص 60.
(2) المرجع السابق ص 60 .
(3) الإسلام وبنو إسرائيل) للجنرال التركي جواد رفعت ص 335 .
(4) انظر (صراعنا مع اليهود في ضوء السياسة الشرعية) لشبير ص 103.
(5) المرجع نفسه ص 131 ، وقال أيضاً : الآن أصبح الطريق مفتوحاً أمامنا إلى المدينة ومكة .
(6) المرجع السابق ص 104 .
(7) والسؤال هو :
هل تخلى اليهود عن مشروع إسرائيل الكبرى بعد مشروعات ما يسمى بالسلام مع العرب ، أو لا ؟! .
الحقيقة أن اليهود تيارات كثيرة ، مختلفة ، متضادة ، قد توحدهم ظاهرياً بعض الحقائق الكبرى لديهم ، ولكن الاختلاف الشديد موجود ؛ وهذا مصداق لقوله تعالى (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى) ؛ لذلك من الخطأ الإجابة هنا بـ (نعم) أو (لا) .
وأحزاب اليهود تقع بين طرفين حول دولة اليهود :
الطرف الأول :
وهم أقصى اليسار : وهم الذين رفضوا فكرة جمع اليهود في دولة فلسطين ، لأنهم يعتقدون أنهم يجتمعون لحتفهم ونهايتهم .
الطرف الثاني :
وهم أقصى اليمين : وهم الصهاينة الغلاة الذين يطالبون بأرض إسرائيل الكبرى كما حددتها التوراة ورسمها (هرتزل).
وبين هذين الطرفين أحزاب أهمها حزبان :
الحزب الأول :
وهم تيار (ما بعد الصهيونية) – وأشهر من يمثلهم (حزب العمل) – : وهم الذين لديهم – نظرياً – الاستعداد للتفاوض من أجل الانسحاب من أراضي 67 مقابل السلام ؛ لأن (تهويد الأرض) وبناء الاقتصاد أهم من التوسع في الأراضي على حساب السكان .
والحزب الثاني :
وهم تيار اليمين أو (التيار الصهيوني) – وأشهر من يمثلهم (حزب الليكود) – : و لا يرون الانسحاب عن أراضي 67 مطلقاً .
والكلام على الحزبين الأخيرين لأنهما المؤثران على السياسة الإسرائيلية :
فاليهود قد احتلوا أرض فلسطين وأعلنوا دولتهم منذ عام 1948 م ، ثم أضافوا إليها (الضفة الغربية) و (غزة) و (الجولان) و (سيناء) عام 1967م ، ثم أضافوا إليها (جنوب لبنان) عام 1982م ، ولكن وبعد أكثر من خمسين سنة على قيام دولتهم لم يستقر لهم قرار ، ولم يهنأوا بالأمن ، بل طردوا من جنوب لبنان ، وأذاقهم الفلسطينيون الأمرين ، هذا وهم لم يستولوا إلا على أراضٍ يسيرة من – أرض إسرائيل الكبرى المزعومة – . ولم يستطيعوا تهجير اليهود إلى بلادهم ، بل بقي أكثر من ثلثي اليهود خارج أرض فلسطين ، بل وزاد على ذلك بداية الهجرة المضادة من اليهود من فلسطين إلى بلادهم الأصلية ، علاوة على زيادة الإنفاق العسكري واستهلاكه ما يوازي ثلث الميزانية تقريبا ، والإرهاق الاقتصادي ، بالإضافة إلى القلق والتوتر العام في أراضيهم ؛ لذلك كله لا بد لهم من الانتقال إلى سياسة أخرى غير السياسة الحربية ليضمنوا استقرار (قاعدة ملكهم) أولاً وتقويتها ، ويتجهوا إلى تعمير المستوطنات وتهجير اليهود – بعد أن يأمنوا على أنفسهم من جيرانهم -.
فاتجهت سياسة (التيار ما بعد الصهيوني) إلى نظرية (الاقتصاد أولاً) أو (الأرض مقابل السلام) بدعوى أن وضع الحرب وبناء العلاقات مع العرب تجعل اليهود يتفرغون للبناء والهيمنة الاقتصادية بالإضافة إلى هيمنتهم العسكرية الحالية ، ويدعون إلى بناء (شرق أوسطي جديد) تهيمن عليه (إسرائيل) كهيمنة (أمريكا) على النظام العالمي الجديد ، وأما (التيار الصهيوني) فاتجه إلى نظرية (الأمن أولاً) وهو (أمن إسرائيل) ولا يكون إلا بوجود العمق الاسترتيجي لدولتهم واتساع المساحة بإبقاء أراضي 67 م – ولا مانع من وجود حكم ذاتي قاصر للفلسطينين تحت المظلة الإسرائيلية – ، والفريقان متفقان على وجوب هيمنة (إسرائيل) على جميع دول المنطقة ، ولكن يختلفون في الوسيلة التي تحقق هذه الهيمنة ، كما أن تركهم التحدث عن مشروع (إسرائيل الكبرى) إنما هو بسبب عدم استقرار قاعدة ملكهم حتى الآن ، فهي نظرة مرحلية أملتها عليهم الأحداث ، وهذا لا يعني مطلقاً أنهم أهملوا هذه النظرة ، بل لو استطاعوا تحقيق السلم الذي يصبون إليه لأحكموا بناء قاعدة ملكهم وهجّروا باقي اليهود في العالم إليهم ونشروا المستوطنات في بلاد فلسطين، ثم اتجهوا بعد ذلك إلى تحقيق حلمهم في بناء (إسرائيل الكبرى) ، ويكفي في ذلك النظر إلى (راية اليهود) التي تحمل حدودهم الحقيقة بزعمهم .
وقد كتب اللواء حسام سويلم في جريدة البيان الإماراتية - الاثنين 29 ربيع الاول 1420- مقالاً بعنوان (استراتيجية إسرائيل لتحقيق غاياتها وأهدافها المستقبلية) ، وكتب أمين اسكندر في نفس الجريدة أيضاً (الاثنين 2 ربيع الاخر 1421 ) مقالاً بعنوان (أهداف إسرائيل لم تتغير في ظل التسوية) ، وقد ذكر الكاتبان أن لليهود استراتيجية ذات مقامين : الخطة الكبرى ، ومشاكل الأمن الجاري ، فالخطة الكبرى هي : المخطط الموضوع للوصول إلى الأهداف القومية اليهودية (إسرائيل الكبرى) على المدى الطويل ، وأما مشاكل الأمن الجاري : فهي ترسم أسلوب التعامل لتأمين الدولة اليهودية في وضعها الحالي ومواجهة مشاكلها الآنية ، كما تقوم استراتيجية الردع عندهم على إجبار الخصوم على التخلي عن (خطتهم الكبرى) الرامية إلى إزالة دولة اليهود نهائياً . اهـ وهذا الكلام يدل على أن سياسات اليهود واتفاقاتهم الحالية هي أمور مرحلية اقتضاها الوضع أو (مشاكل الأمن الجاري).(1/20)
.
لذلك فاليهود لم يضعوا حدوداً رسمية لدولتهم هذه ، ولما طلب رئيس وزراء إسرائيل ليفي أشكول عام 1968م من الرئيس الأمريكي ليندون جونسون أن تضمن أمريكا حدود اليهود قال له : ولكن ما هي الحدود التي تريدني أن أضمنها؟!(1).
وقد صرح موشي دايان بذلك فقال : " الحدود في منطقتنا ليست شيئاً مقدساً ، بل هي دائمة التغيير والتبديل "(2).
وأما الأمر الثاني :
وهو متعلق بأمن إسرائيل :
فأرض الجزيرة معروفة بأنها بلاد الحرمين ، ومهد دعوة الإسلام ، وفيها خرج نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ، وفيها غزواته وسراياه ، وفيها مات ، ومنها انتشر الإسلام في أرجاء المعمورة ، ثم منّ الله عليها في القرون الأخيرة بدعوة شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ( ت 1206) وكانت لدعوته الأثر الكبير في نشر الإسلام السلفي – أو كما يسميه أعداء الدعوة (الوهابي) – ، ولا يزال كثير من العلماء وطلبة العلم وأهل الخير في الجزيرة متأثرين بدعوته ، وهذا أخطر ما يخشاه الكفار ؛ لأنه إسلام قائم على أصل ملة إبراهيم في تحقيق التوحيد والولاء والبراء وجهاد الأعداء ، وهذا الأمر هو ما يقلق اليهود ويخشون من انتشاره بين المسلمين .
وقد كثر الحديث عند أعوان اليهود من الأمريكان عن الحركة الوهابية بعد أحداث أمريكا الأخيرة ، ففي صحيفة (صنداي تلغراف) 23 سبتمبر 2001 كتب الصحفي (ستيفن سكوارت) مقالاً بعنوان (المسألة كلها بدأت من العربية السعودية) ، وكان مما قاله فيه:
"وعليه فإننا يجب أن نسأل أنفسنا ما الذي جعل من هؤلاء الأفراد وحوشا؟ ما الذي يُحفّز نزعات العنف في ثاني أكبر أديان العالم (وأسرع الأديان نمواً في أمريكا) ؟" .
ثم قال :
__________
(1) انظر (أمن إسرائيل – الجوهر والأبعاد) لمصطفى الولي ص 11.
(2) انظر (الاستراتيجية الإسرائيلية) لمحسن عوض ص 26 ، (مخاطر الوجود اليهودي) لشبير ص 64.(1/21)
" إن الكثير منهم سوف يجيبونك بكلمة واحدة: إنها "الوهابية". إنه صنف متوتر من الإسلام ، انبثق أو ظهر ، ليس خلال الحملات الصليبية ، ولا حتى خلال حروب مقاومة الأتراك في القرن السابع عشر ، وإنما منذ أقل من قرنين فقط . إنها حركة عينفة ، إنها قليلة الاحتمال ، إنها شديدة التعصب للنموذج . لقد ظهرت في العربية السعودية ، كما أنها النظام الديني الرسمي لدول الخليج ، ثم إن الوهابية هي الاتجاه الأكثر تطرفاً في الحركة الأصولية الإسلامية ".
ونشرت صحيفة (نيويورك تايمز) مقالاً في عددها الصادر يوم الجمعة 3/8/1422 الموافق 19/10/2001 اتهمت فيه مدارس السعودية بأنها تصنع الإرهاب من خلال بثّ الأفكار المتطرفة والمعادية للغرب في عقول أبنائها ، وزعمت تلك الصحيفة الأمريكية أن كتب الدين الدراسية في مدارس السعودية تحتوي على تحذيرات للمسلمين من تكوين أي صداقات مع اليهود والمسيحيين ؛ لأنهم كفرة وأعداء لهم .
ونشرت صحيفة (شيكاغو تريبيون) في يوم الأربعاء 15/7/1422هـ الموافق 3/10/2001م مقالاً تكلمت فيه على (الوهابية) في الجزيرة العربية ، وأنها منبع الأصولية الإسلامية الحديثة ، ومما جاء في المقال : "أن الوهابية لا تتسامح مع الديانات الأخرى، وتفرض نظاماً اجتماعياً متزمتاً ".
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية يوم الأربعاء 24/10/2001 عن "جوزيف بيدن" رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي قوله :
" إنه يجب إبلاغ السعودية بضرورة التوقف عن دعم المدارس الدينية التابعة لها وإلا ستكون هناك عواقب وخيمة لها ولغيرها " .
وموقف اليهود من الحركات الإسلامية عموماً أعظم من موقف النصارى لأنهم يعيشون بين ظهراني المسلمين ، ولا شك أن وجود أفكار وهابية متطرفة – بزعمهم - تخشى منها على أمنها وكيانها عاجلاً أو آجلاً .
يقول مناحيم بيجن رئيس وزراء اليهود السابق(1):
__________
(1) مخاطر الوجود اليهودي على الأمة الإسلامية) لمحمد شبير ص 31.(1/22)
" إن المشاعر الإسلامية المتنامية هي الخطر الأكبر الذي يتهدد إسرائيل".
ويقول رابين الهالك(1):
" إن مشكلة الشعب اليهودي هي إن الدين الإسلامي ما زال في دور العدوان والتوسع ، وليس مستعداً لقبول أية حلول مع إسرائيل ، إنه عدونا اللدود الذي يهدد مستقبل إسرائيل وشعبها"(2).
وأما الأمر الثالث :
وهو ما يتعلق بالاقتصاد :
فالأرض التي احتلها اليهود في (فلسطين) تفتقر إلى الثروات الطبيعية والتي يقوم عليها اقتصاد الدولة ، فدولة اليهود تستورد 99 بالمائة من النفط والغاز من الخارج ، ومن المعروف أن أرض الجزيرة تحوي حوالي ثلث مخزون العالم من النفط . من أجل هذا سال لعاب اليهود ، حتى صرح أحدهم وهو شلومو أفنيري (بروفيسور في الفلسفة اليهودية في الجامعة العبرية ، ومدير عام وزير الخارجية سابقاً) بوجوب إقامة هيكل دولي يعمل على إخراج مصادر النفط من يد الحكام المسيطرين على هذه المصادر في الشرق الأوسط وتقسيمها حسباً للحاجات الاقتصادية الإنسانية !!(3).
ويقول بيريز :
" النفط السعودي والسوق المصرية والمياه التركية والمعرفة الإسرائيلية هي إقليمية أكثر منها وطنية"(4) .
وقالت عجوزهم الهالكة غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل لما زارهم المستشار الألماني فيلي برانت عام 1973 م :
__________
(1) المرجع نفسه .
(2) ومن أجل هذا الأمر أراد اليهود أن يجعلوا البحر الأحمر بحيرة يهودية ، فأقاموا قواعد لها في بعض الجزر القريبة من مضيق باب المندب عن طريق التعاون بينهم وبين أثيوبيا ثم أرتيريا ، وانظر مخططاتها بالتفصيل في هذا الجانب في (الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء شبه الجزيرة العربية) ص32-46 ، و (الاختراق الإسرائيلي للعالم العربي) لأحمد منصور 20-25 .
(3) انظر (الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء شبه الجزيرة العربية) لإبراهيم عبد الكريم ، ص 63.
(4) انظر (المشروع الشرق أوسطي – أبعاده – مرتكزاته – تناقضاته ) لماجد كيالي ص 97.(1/23)
" إننا إن غفرنا لموسى النبي كل شيء ، فلن نغفر له أنه شاء أن يقودنا في منطقة غزيرة بالنفط ليستقر بنا في البقعة الوحيدة من هذه المنطقة التي لا نفط فيها !!" (1).
ويقول بوعز عفرون – أستاذ في جامعة تل أبيب – :
" إن المبالغ الضخمة التي يدرها النفط العربي والتي تبحث عن مجالات للاستثمار ستبدأ بالتدفق إلينا ، وإن المقاولين ورجال الأعمال والفنيين الإسرائيليين سيذهبون للعمل في السعودية والكويت ومصر والسودان والأردن ، ومع اختفاء خوف الحرب ، والتخفيف من الضغط الاقتصادي ، ستتدفق الاستثمارات اليهودية وغيرها من أوربا وأمريكا ، وعندها ستبدأ الهجرة الحقيقية إلى إسرائيل"(2).
وفي مؤتمر القاهرة الاقتصادي عرض اليهود كتاباً بعنوان (برنامج للتعاون الإقليمي) تضمن 139 مشروعاً ، وضعوا فيها السعودية في صدارة الدول التي يتطلع إلى التعاون معها اقتصادياً .(3)
هذا فيما يتعلق بأطماعهم في جزيرة العرب ، أما عن كيفية تحقيقهم لهذه الأطماع ، فالمعروف أن اليهود لهم في ذلك طريقان :
الطريق الأول :
__________
(1) انظر (الاستراتيجية الإسرائيلية) ص 17،18 . وأنبه إلى أمرين :
الأول : سوء أدب هؤلاء مع الأنبياء ، فانظر إلى كلام عجوزهم عن موسى عليه السلام !! .
الثاني : ادعاؤهم أنهم من نسل (إسرائيل) ، وهم في الحقيقة لا يمتون إلى إسرائيل بصلة ، فأغلبيتهم الساحقة ينحدرون من (الخزر) الذين دخلوا في اليهودية في القرن السابع الميلادي بعد أن اعتنق ملكهم اليهودية ، وهم من التتر ، فالاسرائيليون لو سلمنا بوجودهم فإنهم طائفة محدودة جداً من هؤلاء ، انظر (الماسونية) للشاذلي 208 وما بعدها ، و(قضية إسرائيل) لجارودي ص 48 وما بعدها .
(2) انظر (الاستراتيجية الإسرائيلية) ص 61 ،62.
(3) المرجع السابق ص 68 .(1/24)
وهو طريق الاحتلال المباشر إن استطاعوا ، وهو الحل المفضل لديهم ، كفعلهم في فلسطين والجولان وجنوب لبنان – قبل أن يجبروا على الانسحاب منها – ونحو ذلك ، إلا أن قلتهم تحول دون تحقيق ذلك دائماً.
والطريق الثاني :
وهو احتلال غير مباشر ، وأعني به سيطرتهم من خلال الاختراق للدولة ، و من خلال عملائهم من المنافقين والانتهازيين ، ومن الأمثلة على ذلك سيطرة اللوبي اليهودي على كثير من السياسات الخارجية لأمريكا(1) ، وسيطرتهم على الأمم المتحدة (2) .
الفصل الثاني
التطبيع وآثاره
المبحث الأول :
__________
(1) حتى تذمر من هذه السيطرة بعض رؤساء أمريكا مثل (نيكسون) – كما نقلناه عه سابقاً – .
(2) انظر إحصائيات للمناصب التي في هيئة الأمم والتي يحتلها اليود في كتاب (اليهود والماسونية) للشيخ الدوسري ص 50-55 ، وهنا لا بد من الإشارة إلى قضية ؛ وهي أن الاتفاقات والمعاهدات التي يبرمها اليهود مع غيرهم لا حرمة لها عندهم ، وهذه عقيدة يهودية ، فقد جاء في توراتهم "فلا تقطعوا عهداً مع سكان هذه الأرض" ، وفي تلمودهم " على اليهودي أن يؤدي عشرين يميناً كاذبة ، ولا يعرض اليهود لضررٍ ما" ، انظر (صراعنا مع اليهود) لشبير ص102 ، وقد بين القرآن هذا عنهم فقال تعالى : (أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) قال الحسن : ليس في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه ؛ يعاهدون اليوم ، وينقضون غداً .اهـ وإن ما نراه هذه الأيام – محرم 1423- من قتل اليهود للفلسطينيين – لا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة – مما يؤكد هذا الأمر ، فإن بينهم وبين السلطة الفلسطينية اتفاقات ومعاهدات ، ومع هذا ضربوا بها عرض الحائط ، وهذا منطق القوة ، كحليفتهم حاملة الراية الصليبية أمريكا ؛ فقد تقاسموا ضرب المسلمين وإذلالهم في بقاع الأرض ، وأما المسلمون فيصدق فيهم قول الشاعر :
من يهن يسهل الهوان عليه ما لا جرحٍ بميّتٍ إيلام(1/25)
المراد بالتطبيع (1):
بدأت الحملات الصليبية على بلاد الإسلام منذ عام 490 (1097م) ، واستولى الصليبيون خلالها على عدد من المناطق والبلاد الإسلامية ، فكونوا مملكة بيت المقدس ، وإمارة أنطاكية ، وإمارة الرها ، وغيرها ، واستمرت سيطرتهم على بيت المقدس حتى عام 583 (1187م) حين هزمهم المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وطهروا بيت المقدس منهم ، ثم استمر أمراء الإسلام في مكافحتهم لهذه الحملات حتى أنهوا الحملة السابعة عام 649 تقريباً (1251م) .
فالناظر لمدة بقائهم في بيت المقدس منذ دخولهم له وحتى هزيمتهم وإخراجهم منه يدرك أنهم لم يكملوا قرناً من الزمان ، وما كان هذا الشيء ليتم لولا وجود روح الجهاد في الأمة الإسلامية ، وعقيدة البراء من الكفار .
__________
(1) قد ألفت في مسألة التطبيع مؤلفات كثيرة جداً ، من مختلف الوجهات – إسلامية أو قومية وغيرها – ، وتكلم فيها المؤلفون على المقصود بالتطبيع وآثاره ، ومن هذه الكتب : (الاستراتيجية الإسرائيلية لتطبيع العلاقات مع البلاد العربية) لمحسن عوض ، و (المؤامرة الإسرائيلية على العقل المصري – أسرار ووثائق) لحازم هاشم ، و (التطبيع) لعادل حسين ، و (التطبيع – استراتيجية الاختراق الصهيوني) لسلمان الصالحي ، و (الاختراق الإسرائيلي للعالم العربي) لأحمد منصور ، وغيرها. وكذلك عرضت كثير من الصحف والمجلات التطبيع وأبعاده خصوصاً بعد مؤتمر مدريد منها : مجلة البيان عدد 47-رجب1412 ، ومجلة مستقبل العالم الإسلامي عدد14-شتاء 1995م ، ومجلة المنطلق عدد112-صيف1416 ، ومجلة شؤون الأوسط عدد55-سبتمبر1996م ، وغيرها ، كما يوجد عدد من المواقع على شبكة الإنترنت تتكلم على التطبيع كموقع : قاوم نت (http://www.qawem.net).(1/26)
من أجل هذا أدرك الصهاينة أنهم ما لم يقضوا على هذين الأمرين عند المسلمين (الجهاد ، والبراء) فإن مصيرهم سيكون كمصير أسلافهم من الصليبيين ، فاخترعوا مصطلح التطبيع بينهم وبين جيرانهم لتحقيق القضاء على مكمن الخطر الذي يهددهم.
والصهاينة يعلمون جيداً أنه لا خطر عليهم من الحكومات العربية ، فقد سالموهم منذ زمن طويل ؛ فالقبول بدولة اليهود من قبل هذه الحكومات لا تحقق لها الأمن الذي تريده ، ولا يكفي هذا لضمان استقرارها ؛ لأن الخطر عليها إنما يأتي من الشعوب المسلمة ، وما يسمونها بالحركات الأصولية ، ولا طريق للوصول إلى هؤلاء إلا عن طريق ما يسمونه بـ(التطبيع)(1) .
__________
(1) قام الباحث اليهودي (ألوف هارايفن) في مؤسسة (فان لير) في القدس بدراسة عن سبب انعدام الثقة بين اليهود والبلدان العربية ، وقرر في بحثه أن هناك أربع عقبات صعبة تعمل على ذلك ، وذكر منها : الموقف الثقافي والعقائدي للعرب والمسلمين تجاه اليهود ، ثم وضع حلولاً لهذه العقبات ، وكان الحل للعقبة العقائدية: ضرورة وجود برامج مركبة في المجال التعليمي والثقافي تهدف إلى تفتيت الملامح السلبية للجانب الآخر ، وأحد الأسس الحيوية لبرنامج كهذا هو الفحص ، والتغيير الشامل للبرامج التعليمية في كل ما هو متعلق بما يلقنه العرب والإسرائيليون في المدارس عن بعضهم البعض . وفي كتاب أعده تسعة من المتخصصين لدراسة آفاق التعاون الثقافي مع مصر بعنوان (إذا جاء السلام – أخطار واحتمالات) جاء في مقدمته : "ضرورة مراجعة البرامج التعليمية بشكل مباشر في الدول العربية ، وحذف المواد التي تعمق روح العداء بين الكيان الصهيوني والعربي" . انظر (خطر الوجود اليهودي) لشبير ص 32 ، 33 .(1/27)
فالتطبيع : مصطلح يهودي(1) يراد منه أن تُقبل (إسرائيل) في المنطقة بكيان مستقل معترف به ، وأن يكون لها الحق في العيش بسلام وأمن ، مع إزالة روح العداء لهم من جيرانهم ، ولا يكون هذا إلا عن طريق إحداث تغيير نفسي وعقلي جذري عند المسلمين ، عن طريق القضاء على عقيدة الولاء والبراء وروح الجهاد ، أو إضعاف تأثير ذلك عليهم.
ومعاهدات السلام والاعتراف السياسي هو بوابة هذا التطبيع(2) ، وأما اتفاقيات النشاطات الاقتصادية والثقافية والإعلامية والسياحية ونحوها بين إسرائيل وغيرها من الدول المجاورة لها فهي من وسائل تنفيذ مخطط (التطبيع).
وأهم صور التطبيع :
التطبيع السياسي ، والاقتصادي ، والثقافي :
1- التطبيع السياسي :
__________
(1) قال المعارض الأردني عبد الله حمودة (جريدة البيان الإماراتية : 5/شعبان/1421 ) : "إن كلمة التطبيع ليست كلمة عربية بمفهومها ومعناها ، فهي كلمة إسرائيلية ، فهي لم تأت من طبع يطبع ، فأساس الفكرة هي أنه في عام 1967 أرادت إسرائيل أن توفر شريحة من العرب يتعاملون معهم كعملاء وجواسيس ، ولأنه من الصعب أن تشير بشكل مباشر إلى مسألة العملاء أو الجواسيس قالوا : إن هؤلاء هم مطبعين ، وبهذا الفهم يصبح معنى التطبيع : الخيانة من خلال القبول بالعدو . ويجب التأكيد على هذه المسألة بكلمة التطبيع كمصطلح يهودي مثله مثل الشرق الأوسط وغيره من المصطلحات".
(2) يقول بوش في خطابه الافتتاحي لمؤتمر مدريد : " إن السلام الحقيقي يتضمن : المعاهدات ، الأمن ، العلاقات الدبلوماسية ، العلاقات الاقتصادية ، التجارة ، الاستثمار ، التبادل الثقافي ، وحتى السياحة " . انظر (المشروع الشرق أوسطي) لكيالي ص 40.(1/28)
من المعلوم للجميع كما سبق بيانه أن الحكومات العربية لا تشكل أي خطرٍ يخافه اليهود ، فقد أمنتهم منذ زمن ، فهم لا يقاتلون عن دين ، ولا يدافعون عن عرض ، وقد أبعدوا الإسلام عن صراعهم مع اليهود ، واجتنبوا الشريعة في محاكماتهم واتفاقاتهم معها ، وعلم اليهود ذلك عنهم جيداً ، فهم لا يخشونهم ، وإنما يخشون الإسلام فقط ، وهو ما يريدون ضربه بمثل هذا التطبيع.
فقد قال بن غوريون اليهودي (1):
"نحن لا نخشى الاشتراكيات ، ولا الثوريات ، ولا الديمقراطيات في المنطقة ، نحن فقط نخشى الإسلام ، هذا المارد الذي نام طويلاً ثم بدأ يتململ ".
ويقول أيضاً (2):
" لا أمل لإسرائيل في الصلح مع العرب إلا بالقضاء على الرجعيين ، وإقامة دول اشتراكية محل الأنظمة الرجعية في المنطقة" .
وقال شارون (3):
" ما من قوة في العالم تضاهي الإسلام من حيث قدرته على اجتذاب الجماهير ، فهو يشكل القاعدة الوحيدة للحركة الوطنية الإسلامية " .
والمقصود بهذا التطبيع:
الاعتراف المتبادل ، وفتح السفارات ، وإرسال البعثات الدبلوماسية ، والتعاون السياسي ، ونحو ذلك ، وتكمن أهمية هذا بالنسبة لليهود من ناحيتين :
الناحية الأولى : أنه بوابتهم للوصول المباشر(4) إلى الشعب المسلم ، ومحاولة تغيير عقيدته وأخلاقياته – وسيأتي تفصيله في التطبيع الثقافي – .
الناحية الثانية : أنه طريق للضغط على الحكومات العربية للقضاء على ما يسمونه بالإسلاميين أو المتطرفين أو الإرهابيين .
__________
(1) قادة الغرب يقولون : دمروا الإسلام أبيدوا أهله) لجلال العالم ص 61 ، عن (صراعنا مع اليهود في ضوء السياسة الشرعية) لمحمد شبير ص105 .
(2) صراعنا مع اليهود في ضوء السياسة الشرعية) لمحمد شبير ص 112 .
(3) صراعنا مع اليهود في ضوء السياسة الشرعية) لمحمد شبير ص105.
(4) وذلك لأن اختراق اليهود للعالم الإسلامي غير المباشر عن طريق الإعلام والاقتصاد والثقافة ونحوها أمره معلوم مشهور .(1/29)
ففي صحيفة (يديعوت أحرنوت) اليهودية بتاريخ 18/3/1978 م نشر تحليل جاء فيه (1):
" إن على وسائل إعلامنا ألا تنسى حقيقة هامة ، هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب ، هذه الحقيقة هي أننا قد نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً ، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد ، ولهذا يجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل ، وبأي أسلوب ، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أي بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا".
ونقلت وكالات الأنباء العالمية تصريحاً لمناحيم بيغن أدلى به في مؤتمر صحفي في اختتام زيارته التي قام بها لأمريكا في أب 1981م ، والتي انتهت بالاتفاق بعقد معاهدة تعاون استراتيجي بينهما ، وقد ورد في تصريح بيغن قوله :
" إنني لن أطمئن على مستقبل معاهدة كامب ديفد وملحقاتها مع مصر إلا بعد أن يتم القضاء نهائياً على الحركة الإسلامية في مصر بشكل خاص ، وعلى الحركة الإسلامية في كل المنطقة العربية بشكل عام " .
__________
(1) صراعنا مع اليهود في ضوء السياسة الشرعية) لمحمد شبير ص 106 .(1/30)
وقال أيضاً : " لقد حملت معي أثناء زيارتي إلى مصر في الأسبوع الأول من شهر أيلول الماضي حقيبة مليئة بالمنشورات والمطبوعات التي تصدر في مصر ضد اليهود بشكل عام ، وإسرائيل بشكل خاص ، وقلت لصديقي السادات : كيف تريدني أن أصدق أنك ترغب فعلاً في تطبيع العلاقات مع إسرائيل بينما تسمح للمسلمين المتعصبين بنشر الدعايات المعادية لليهود وإسرائيل ؟ إن صديقي الرئيس السادات أبدى اهتماماً شديداً بما قدمته له من وثائق تدين المتطرفين المسلمين بالعمل ضد اتفاقيات كامب ديفد ، وتدينهم بعرقلة عمليات تطبيع العلاقات مع إسرائيل ، وأكدت له بدوري أن إسرائيل لا تريد أن تكتفي بسماع تصريحات مطمئنة ، ولكنها تريد إجراءات حازمة وعنيفة لتأديب قادة الحركة الإسلامية ، وإيقافهم عند حدهم ، وبخلاف ذلك فإن إسرائيل ستظل تنظر بريبةٍ وشكٍ إلى مستقبل اتفاقيات السلام مع مصر ، ولقد كان صديقي السادات عند حسن ظننا به ؛ إذ لم أكد أغادر مصر عائداً إلى إسرائيل حتى بدأ حملة عنيفة للقضاء على الحركة الإسلامية ، وإنني أتمنى له النجاح من كل قلبي للقضاء على هؤلاء المسلمين المتعصبين".(1)
وقال هذا اليهودي أيضاً (2):
" إن المشاعر الإسلامية المتنامية هي الخطر الأكبر الذي يتهدد إسرائيل".
وقد صرح اليهودي الآخر بيريز في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) أن قيام السلام الشامل يقضي على الحركات المتطرفة ، فقال :
__________
(1) صراعنا مع اليهود ) ص 113 ، 114.
(2) مخاطر الوجود اليهودي على الأمة الإسلامية) لمحمد شبير ص 31.(1/31)
" إن الأصولية تنسق طريقها سريعاً وعميقاً في كل بلدٍ عربي في الشرق الأوسط ، مهددة بذلك السلام الأقليمي ، ناهيك عن استقرار حكومات بعينها ، ثم قال : إن قيام هيكل إقليمي منظم سيخلق أطراً جديدة للمنطقة ، ويوفر القدرة على النمو الاقتصادي والاجتماعي ، وإطفاء نيران التطرف الديني ، وتبريد رياح الثورة الساخنة"(1).
ويقول : " لا يمكن للأمن ولا للسلام أن يضمنا دولة إسرائيل من دون تغيير في نموذج الشرق الأوسط"(2).
وهذا الهم الذي يساور اليهود وهو هم وجود حركات المقاومة الإسلامية أو الداعمة للمقاومة يعد اليوم أهم مطالب الصهاينة مقابل السلام مع العرب ، وكان من أهم بنود إعطاء السلطة الفلسطينية حق حكم بعض الأراضي كقطاع غزة وغيرها ، القضاء بكل جدية وسرعة على المقاومة الإسلامية واعتقال رموز الجهاد في فلسطين ،
__________
(1) في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) ترجمة / محمد عبد الحافظ : 62 ، 63 ، نقلاً عن مجلة (المنطلق) عدد112 – صيف 1416 ، ص34 .
(2) في مقال له في (جيروزاليم بوست) ، نقلاً عن (المشرع الشرق أوسطي) ص 41 .(1/32)
وقد قامت السلطة باعتقال المئات من المجاهدين ، بل وزادت على ذلك فسلمت بعضهم لليهود ، وبينهم عدد كبير من القيادات وبعض القيادات المميزة– وهذا مذكور في وسائل الإعلام – ، وهذه القضية – تصفية الحركات الجهادية – تعد أهم القضايا التي يضعها اليهود على طاولة المفاوضات مع جميع الدول مقابل السلام(1) .
2- التطبيع الاقتصادي :
__________
(1) لذلك ورد في رسالة عرفات إلى اليهودي رابين بعد اتفاقية أوسلو بين اليهود ومنظمة التحرير ما نصه : " إن منظمة التحرير الفلسطينية تنبذ استخدام الإرهاب وغيره من أعمال العنف ، وستتحمل المسؤولية عن كل عناصر منظمة التحرير الفلسطينية وأفرادها كي تضمن امتثالهم ، وتمنع العنف ، وتؤدب المخالفين" – انظر كتاب الحوت- وهو من أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة - (الحل المرفوض) ص 55 ، وقال الحوت تعليقاً على ذلك ص 28: إن مهمة الشرطة الفلسطينية ستكون مقصورة على تأمين ما سمي (نبذ الإرهاب وتأديب المخالفين) !!وقال في موضع آخر ص 22: أي في قمع الانتفاضة والمقاومة الوطنية !!.(1/33)
والمقصود به إقامة العلاقات الاقتصادية مع دولة اليهود ، وتسهيل التبادلات التجارية ، ورفع كافة أشكال المقاطعة عن اليهود وشركاتهم ، وإقامة مشاريع مشتركة ، وقد طرح كثير من ساسة اليهود مشروع (النظام الاقتصادي الشرق أوسطي) والذي يقوم على ربط القوة الاقتصادية العربية بالاقتصاد اليهودي ، ويهدف هذا المشروع إلى رفع مستوى اقتصاد اليهود الذي يعاني من أزمات حادة ؛ حيث إنهم يعانون من نقص في الموارد الطبيعية من النفط والغاز ، مع زيادة في النفقات العسكرية والأمنية ، ومشكلة في المياه ، وتكاليف الهجرة اليهودية ، وبناء المستوطنات . ودولتهم الصهيونية قائمة أساساً على الدعم الخارجي ، ففتح هذا التطبيع يساهم في التخفيف من هذا الاعتماد ، ويخفف من أزماتهم الاقتصادية.(1)
ويحاول اليهود في هذه المشاريع الاقتصادية إلى تنمية شبكة واسعة ومتنامية من التشابكات الاقتصادية بين اقتصادهم واقتصاد الدول العربية من شأنها أن تجعل كلفة الانفصال عالية جداً بالنسبة لأي طرف عربي يريد الانسحاب من هذه المشاريع .(2)
3- التطبيع الثقافي :
__________
(1) ومن اقتراحاتهم أيضاً إقامة بنك للشرق الأوسط يدعمه الخليجيون – بدولار عن كل برميل نفط منتج – ويستفيد منه اليهود !!! ، وانظر أطماعهم في (المياه) و (النفط) و ثروات المسلمين بالوثائق في (حقيقة اليهود والنصارى) 397- 426 .
(2) انظر في تفاصيل المشروع الشرق أوسطي هذا : كتاب (المشروع الشرق أوسطي : أبعاده – مرتكزاته – تناقضاته) لماجد كيالي ، وانظر مجلة (شؤون الأوسط) عدد 55 سبتمبر 1996 ص 99-108.(1/34)
وهو بيت القصيد ومربط الفرس ، فعن طريق هذا التطبيع يحاول أعداء الله من أحفاد القردة والخنازير أن يفسدوا عقائد المسلمين ، بسعيهم لإزالة حواجز البراء عنهم ، عن طريق إنشاء الأكاديميات (العلمية ) اليهودية في بلاد الإسلام ، ونشر كتبهم ، وإقامة المؤتمرات ، وبث دعاة اليهود والمنافقين بين الصفوف ، والسعي لتغيير مناهج التعليم ، ونحو ذلك مما شأنه زلزلة ثوابت المسلمين ؛ وقد صرح بذلك (موشيه ساسون ) ثاني سفير يهودي في مصر في محاضرة له في جامعة (تل أبيب) حيث قال ضمن كلامٍ له عن تلقين الجماهير في مصر مفاهيم السلام:
" فالسلام الذي نحن بصدده يحتاج إلى سنوات عديدة من الرعاية الخاصة والحرص الشديد والمواظبة المتصلة بهدف تقوية عوده عن طريق اقتلاع واستئصال المفاهيم السلبية ، والأفكار المسبقة التي عفا عليها الزمن "(1).
وسأذكر نماذج من التطبيع الثقافي وآثاره في بلاد مصر ليقاس عليها :
1- سعى اليهود لإفساد الدين من خلال مؤتمرات (توحيد الأديان) أو (تقارب الأديان) أو (حوار الحضارات) :
ففي 12 / 10 / 1979م بعد كامب ديفد عقد مؤتمر (التوحيد في الأديان) في مدينة القدس – أعادها الله – وشارك فيه مصريون .
وفي عام 1982م عقدت ندوة التقارب بين الشريعتين (اليهودية والإسلامية) في المركز الأكاديمي اليهودي بالقاهرة – المؤسس عام 1982م – .
وفي عام 1984م عقد مؤتمر (وحدة الأديان) في دير (سانت كاترين) في سينا ضم يهوداً ونصارى ومنتسبين للإسلام لأداء صلاة مشتركة من كل الأديان ! .
وظهر بعد كامب ديفد مشروع (مجمع الأديان) الذي حاول السادات تأسيسه في سينا ويهدف إلى إقامة مجمع يضم مسجداً وكنيسة ومعبداً يهودياً ، واشترك في تصميمه ثلاثة مهندسين : مصري ، وفرنسي نصراني ، ويهودي ! .
__________
(1) انظر (مخاطر الوجود اليهودي) ص 38 .(1/35)
وسعوا أيضاً إلى خلط المفاهيم لتحريف عقيدة المسلمين من ناحية نشر أن الإسلام هو الإيمان بالله فقط ، واليهود يؤمنون بالله ؛ فهم مسلمون .(1)
2- مراجعة مناهج التعليم لإزالة المواد التي تعمق – حسب قولهم – روح العداء بين اليهود والعرب :
__________
(1) انظر فيما سبق : (الاستراتيجية لتطبيع العلاقات مع البلاد العربية) لمحسن عوض ص 51 ، 52 ، (مخاطر الوجود اليهودي ) ص 24 ، 25 ، بل وبلغ الاختراق والتطبيع حتى وصل الأزهر ، فقد نشرت مجلة السنة في عددها 111-رمضان1422 مقالاً بعنوان (الاختراق الصهيوني للأزهر) جاء فيه : " الصهاينة لا يعملون عشوائياً، بل هناك مُخطط مُنظم لتنفيذ هذا الغرض بدأ في النصف الأول من شهر ديسمبر عام 1997 م عندما استقبل شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي حاخام (إسرائيل) الأكبر "لاو" في خطوة اعتبرها كثيرون بداية موجة التطبيع الديني للأزهر مع (إسرائيل) ورغم ظهور شيخ الأزهر يقبل الحاخام "لاو" بكل مودة ، مع ما أثاره فينا من مواجع ، إذ أن هذا يحدث والمسجد الأقصى أسير يستصرخ فينا النخوة الإسلامية ، إلا أن هذه المحاولات واللقاءات استمرت بل وتعددت أوجه التطبيع مع (إسرائيل) واليهود بصفة عامة ، حيث استقبل شيخ الأزهر حاخام فرنسا ورئيس المجلس اليهودي بها ، ثم باستقباله لوفد جمعية السلام اليهودية الأمريكية الذي ضم وفدها وقتذاك أعضاء في الموساد الإسرائيلي مثل الياهو بن اليسار أول سفير لـ (إسرائيل) في مصر وكذلك سفير (إسرائيل) الحالي في الدانمارك ... ولعل صورة الزفزاف وكيل الأزهر حينذاك وهو يُقبل ويحتضن الحاخام اليهودي أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن اختراقًا صهيونياً كبيرا قد تم للمؤسسة الإسلامية الأولى، أضف إلى ذلك أن نجاح الزفزاف في مُخططه قد سحب البِساط نهائيًا من تحت قدمي الدكتور/ محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الذي كان مُشاركاً دائمًا ومُمثلاً لمصر في الأنشطة الفاتيكانية للجان حوار الأديان ".(1/36)
فتم تعديل مناهج التعليم في مصر وفقاً للتصورات اليهودية ، فحذف ما يشير إلى الصراع العربي اليهودي ، والآيات القرآنية التي تحض على القتال ، وتم محو اسم فلسطين من جميع الخرائط ، وكل المواد التي تشير إلى عداء اليهود وخبثهم (1).
3- توقيع اتفاقات التعاون الثقافي :
فقد تم توقيع اتفاق ثقافي بين مصر واليهود في 8/5/1980م ينص على تدعيم التعاون في العلاقات الثقافية والعلمية عن طريق الاتصالات وتبادل المطبوعات الثقافية والعلمية والتعليمية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والأشرطة والأفلام العلمية والثقافية ، وقد حصل هذا التبادل الثقافي المذكور فزار مصر كثير من اليهود المتخصصين (2).
__________
(1) انظر هذه التعديلات بالتفصيل في (حقيقة اليهود والنصارى) لأحمد زايد : 454-462، وتعديلات مناهج التعليم صار الآن مطلباً يهودياً و صليبياً ، فقد نشرت مجلة السنة في عددها 114 – محرم 1423 مقالاً جاء فيه : " في تقرير نشرته مجلة المصور المصرية كتبه رئيس تحريرها وثيق الصلة بالرئيس ذكر أن التعليم في الأزهر مرضي عنه من أمريكا .. وحتى لا نكون مبالغين فسوف ننقل نص ما قاله : "تأكدت واشنطن من المرجعية المعقولة للأزهر الشريف كجامعة إسلامية قاومت التطرف والإرهاب .. ولم يتخرج من بين معاهدها شخص واحد ينتمي للجماعات"، ولا ندري ماذا يقصد رئيس تحرير المصور "بالمرجعية المعقولة" .. معقولة وفق من؟ وما هي حدود حكاية المعقولية هذه!! وهل حكاية المرجعية المعقولة .. تعني المرجعية الأمريكية؟ .. ونحن نتعجب أن يكون الأزهر والتعليم فيه جزءًا من أجندة زيارة مبارك لواشنطن .. وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها الحوار حول الأزهر في زيارة الرئيس المصري لأمريكا .. ولسنا نستبعد أن يكون عزل المفتي السابق مطلباً أمريكياً لجرأة فتاويه" .
(2) انظر (خطر الوجود اليهودي) ص 34 ، 35 .(1/37)
4- إنشاء المراكز الأكاديمية لتسهيل مهمة اليهود وإقامة الندوات والمحاضرات اليهودية:
فقد تم إنشاء (المركز الأكاديمي اليهودي) في القاهرة بحي الدقي في مايو 1982 م ، وتديره الجامعة الشرقية التابعة للأكاديمية اليهودية للعلوم والإنسانيات ، ويقوم هذا المركز بتسهيل مهمة الباحثين اليهود ، بالإضافة إلى إقامة الندوات والمحاضرات ، وتنظيم الرحلات إلى المعابد اليهودية في مصر ، وتقديم الخدمات المكتبية للمصريين ، بالإضافة إلى إصدار نشرة باسم (نشرة المركز الأكاديمي الإسرائيلي) كل ثلاثة شهور وتوزع مجاناً ، كما يصدر مجلة ضخمة بعنوان (لقاء الثقافتين : العربية واليهودية) وتصدر باللغتين العربية والعبرية (1).
ومن أراد التوسع في هذا الباب ، وطرق اليهود في اختراق صفوف المسلمين عن طريق هذا التطبيع فليرجع إلى المراجع المذكورة في أول المبحث ، والله المستعان .
المبحث الثاني :
آثار التطبيع:
إذا علمنا حقيقة المراد بـ(التطبيع) كما سبق بيانه ظهر لنا جلياً أن ثمراته وفوائده لليهود ، وتبعاته ومفاسده على المسلمين ؛ وسوف أذكر فيما يلي مكاسب اليهود من ورائه ، ثم مفاسده على المسلمين :
أولاً : ثمرات التطبيع لليهود :
1 : اكتساب ما يسمونه بالشرعية ، والاعتراف بسيادة هذا الكيان على الأراضي الإسلامية التي اغتصبوها .
2 : تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي المتأزم عن طريق النشاطات الاقتصادية والتبادل التجاري ، واختصار طريق الوصول إلى النفط والطاقة ، والحصول على الأيدي العاملة الرخيصة(2) ، وتسويق منتجاتهم في أسواق المسلمين .
__________
(1) وسيأتي الكلام على هذا في المبحث الثاني ، وانظر باقي نشاطات المركز في (مخاطر الوجود اليهودي) 35 ، 36.
(2) ذكر موقع (قاوم نت) أن عدد العمال الأردنيين الذين يعملون عند اليهود يقرب من خمسين ألفاً !! .(1/38)
3 : تعزيز ميزانية بناء الكيان الصهيوني عن طريق التقليل من الميزانية العسكرية ، وفتح الأسواق للمنتجات اليهودية ، ورفع المقاطعة عنهم.
4 : القضاء على الجهاد الإسلامي والمجاهدين عن طريق التعاون الإقليمي في مكافحة ما يسمونه بـ(الإرهاب) .
5 : القدرة على تهجير اليهود – البالغ عددهم أكثر من عشرة ملايين خارج إسرائيل – إلى الأراضي الفلسطينية بسبب قدرتهم على تأمين أراضيهم .
6 : التفرغ لبناء المستوطنات الإسرائيلية الجديدة لتسكين المهاجرين الجدد وتهويد الأرض .
7 : القدرة على التغلغل في الأراضي العربية وامتلاكها عن طريق شرائها لعمل مشروعات تجارية أو سياحية ، أو الاشتراك في ذلك (1).
8 : عندما تكتمل هذه المقومات (الاقتصاد القوي ، والهيمنة العسكرية ، وكثرة السكان ) تبدأ المرحلة التالية لتحقيق حلم (إسرائيل الكبرى) .
ثانياً : آثار التطبيع على المسلمين :
أما آثار التطبيع على المسلمين فعلى العكس تماماً ؛ فإنه سيقضي على عقيدة (الولاء والبراء) عند المسلمين ، أو على الأقل يضعفها عن طريق شعارات : (حوار الحضارات) و (الإسلام دين السلام) و (نبذ التطرف وكراهية الآخر) ، وسيقضي على روح الجهاد بينهم ، وسيُضرَب المجاهدون بسلاح (السلام) ، كما سيحصل تغيير أو تشويه للتاريخ الإسلامي ، وستستنزف ثروات المسلمين ، وتبنى عندهم أوكار الجاسوسية ، وتصدر لهم الآفات والأمراض ، وغير ذلك .
وسأذكر بعض آثار (السلام) بين مصر واليهود ليكون تنبيهاً على غيره فأقول:
بعد سنوات عجاف من السلام والتطبيع بين مصر واليهود ، ظهرت بعض الآثار اليهودية على أرض مصر ، ومن ذلك :
1- إفساد الدين :
__________
(1) ذكر موقع قاوم نت أن الدستور الأردني يسمح لليهود أن يشتروا الأراضي في الأردن ، ومن المعروف أن بداية استيلاء اليهود على فلسطين كان من هذا الطريق .(1/39)
فقد أنشيء المركز الأكاديمي اليهودي في مصر (1)، وهو يقوم بدور رائد في مجال إفساد الدين ، وقتل روح الولاء والبراء عند المسلمين ، ويقوم بالتعاون مع الكثير من المراكز الأميركية المنتشرة في مصر بأسماء ووظائف مختلفة. وركّز المركز في أبحاثه على : ضرورة فتح الأبواب أمام حركة الناس وتبادل المعلومات والثقافة والعلوم ، و ضرورة مراجعة البرامج الدراسية من الجانبين ، وفحص ما يُدرَس وتحديد ما يجب حذفه ،
__________
(1) نشرت جريدة البيان الإماراتية بتاريخ 19 جماد أول 1422 مقالاً لأمين اسكندر بعنوان (استراتيجية التطبيع الإسرائيلية ..النموذج المصري) جاء فيه عن هذا المركز : "يأتي إنشاء هذا المركز الإسرائيلي في قلب القاهرة تطبيقا لنصوص معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية في 26 مارس 1979، وكذا الاتفاق الثقافي الموقع في 8 مايو 1980، وقد بدأ المركز الأكاديمي الإسرائيلي نشاطه في مطلع عام 1982، وعين البروفيسور الإسرائيلي (شيمون شامير) مديراً له ومشرفاً عليه ، ...، ويكشف د. رفعت سيد أحمد في كتاب (وكر الجواسيس في مصر المحروسة) بالوثائق الملفات السرية للمركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة إن من أبرز استراتيجياته في مجال التطبيع الثقافي استراتيجية تهويد التاريخ المصري ، حيث يتم نسبة كل الإنجازات الفكرية والسياسية والاجتماعية في مصر للأقلية اليهودية التي قدر لها أن تعيش في مصر آنذاك ، ففي عام 1988 وتحت إشراف (اشير عودفيا) مدير المركز حينذاك أجرى المركز ستة أبحاث موسعة محاولا تأكيد وإبراز الدور اليهودي حينذاك ، وفي عام 1989 عرض المركز بحثاً بعنوان (دراسة مقارنة بين الحكمة التوراتية والحكمة المصرية القديمة) وكان من إعداد (نيلي شوباك) وبحثاً آخر عن (يهود مصر في الفترة الهيلينية والرومانية) وهو من إعداد (روفائيل بنكلفيتش)، وفي عام 1989 عمل المركز بحثاً بعنوان (تأثير الفلسفة الإسلامية على الفلسفة اليهودية) " اهـ .(1/40)
ودراسة البرامج المتبادلة في وسائل الإعلام ، وأن يسمح كل طرف للآخر بإذاعة برامج ثقافية عن وثائقه وتاريخه ، و ضرورة إزالة المفاهيم السلبية في الأيديولوجية العربية والإسلامية تجاه اليهود. وقد تحقق لهم الكثير مما أرادوا فبرامج التعليم تمّت مراجعتها ، وحُذف منها كل ما يتعلق باليهود من آيات قرآنية وأحاديث نبوية ووقائع تاريخية (1).
2- التجسس :
ففي أوائل أيلول 1985م كشفت المخابرات المصرية عن شبكة تجسس "إسرائيلية" في القاهرة يقودها المستشار العسكري بالسفارة ، واكتشفت السلطات المصرية أن المركز الأكاديمي "الإسرائيلي" تحوّل منذ تأسيسه عام 1402 ( 1982م ) في القاهرة إلى واحد من أخطر بؤر التجسس وأبرز مظاهر الاختراق الثقافي في مصر، ثم كشف بعد ذلك عن عصابات التجسس "الإسرائيلي" الواحدة تلو الأخرى (2).
3- إفساد الاقتصاد :
__________
(1) وانظر (التطبيع الثقافي) في المبحث الأول .
(2) في فترة كتابة هذه الرسالة (محرم 1423) ذكرت وكالات الأنباء أن هناك محاكمة لجواسيس لليهود في مصر!!!.(1/41)
فقد تبيّن أن هناك خطة لإغراق السوق المصرية بملايين الدولارات المزيفة ، وقد ضُبطت ـ على سبيل المثال فقط ـ 80 قضية لتهريب وترويج عملات مزيفة من فئة المائة دولار مهربة من تل أبيب إلى القاهرة ، وفي عام 1410 (1989م) ضبطت شبكة مكونة من 11 يهودياً كان بحوزتهم مليونا دولار مزيفة ، وفي التحقيقات اعترف الجميع أنهم يعملون ضمن شبكة دولية مركزها تل أبيب. علماً أن عدد قضايا العملات المزيفة عام 1404 (1984م) كان 34 قضية ، ارتفع بين عامي (89 ـ 90) ليصل إلى 145 قضية ، صادرت السلطات خلالها 28 مليون دولاراً مزيفاً. ويكون تقرير مصلحة الأمن العام أكثر تحديداً عندما يؤكد أن 76% من جرائم التهريب عام 1409 (1989م) قام بها الصهاينة (1).
4- ترويج المخدرات :
ففي عام 1409 (1989م) تم القبض على 5 أشخاص من العاملين في المركز الأكاديمي "الإسرائيلي" بالقاهرة خلال تهريب الهيرويين في معجون أسنان ، وقبلها بعامين ضُبط الصهيوني "ساسون فريد" وهو يقوم بترويج الهيرويين في مدينة العريش ، وقبل ذلك بعام 1406(1986م) أكدت تقارير وزارة الداخلية المصرية أن مجموع القضايا التي ضُبط فيها الصهاينة بلغ (4457 ) قضية ، هُرّب فيها 5.30 طن من الحشيش ، و 30 كيلو أفيون(2).
__________
(1) نشرت جريدة الشعب المصرية بتاريخ 16/3/1993م موضوعاً بعنوان (اتفاق إسرائيلي أمريكي للتجسس الاقتصادي على المنطقة العربية) انظر تفصيل ما ورد فيه في (حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى) ص 398-399.
(2) نشرت جريدة القبس – العدد 5238-سنة15-11/12/1986م خبراً مفاده أن ثلاثة من كبار تجار المخدرات المصريين اعترفوا بعد القبض عليهم بأن اثنين من الدبلوماسيين اليهود كانا وراء تهريب عشرين طناً من المخدرات إلى مصر عبر منفذ طابا ، وتبين أن أحدهما يعمل بالملحقية الإدارية لسفارة اليهود في القاهرة ، والثاني في المركز الأكاديمي اليهودي . انظر (مخاطر الوجود اليهودي) لشبير ص 44 .(1/42)
5- إفساد المزورعات :
فقد اتفقت مصر مع اليهود على التطبيع الزراعي ، والتعاون في هذا المجال ، ولأهمية هذا المجال دخلت أميركا طرفاً ثالثاً لرعاية هذا التعاون وكان ما يسمى "المشروع الثلاثي" يكون فيه التمويل أميركياً والخبراء صهاينة بالاشتراك مع بعض المصريين أحياناً أما أرض البحث فهي مصرية ، وبعد سنوات قليلة من بداية التوسع في التطبيع الزراعي بدأت نتائجه تظهر في زراعات مصر التي أصابها الهلاك مثل الخضروات والقطن والقمح والذُّرة ، بل إن الأرض نطقت هي الأخرى بما أصابها من التطبيع وذلك بعد إصابة تربتها بالجدب نتيجة البذور الملوّثة عمداً ، وكذلك الأسمدة والمبيدات الفاسدة ،
والخطير أن البذور الملوّثة والتي تؤدي إلى تدمير الزراعات هي مثل قنابل موقوتة تُحدث آثارها بعد سنوات من استخدامها ؛ وهذا ما حصل عندما فوجئ المزارعون بتدهور الإنتاج عاماً بعد عام إلى أن تأكد أن الجميع جلبوا الدمار لأنفسهم ؛ لأنه بتحليل البذور كانت المفاجأة أنها تحمل نسبة كبيرة من أمراض تصيب الإنسان بالفشل الكلوي وأنها مصابة بفيروسات تصيب التربة بأمراض تصيبها بالبوار لعدة سنوات ، وتم ضبط 446 حالة من هذا النوع عام 1409( 1989م) (1).
6- إفساد الثروة الحيوانية :
فالثروة الداجنة تعرضت لكارثة بفضل طرود "الكتاكيت" المصابة بمرض "الجابوري" - وهو طاعون الدواجن - والقادمة من "إسرائيل" ، وقد تم ضبط 300 طرد "كتاكيت" قادمة من هناك مصابة بهذا المرض .
__________
(1) نشرت جريدة القبس عدد 5324 بتاريخ 9/3/1987م خبراً مفاده أن السلطات المصرية اكتشفت شحنات من الأغذية الملوثة بالإشعاع النووي داخل مصر ، وكانت السفارة اليهودية في القاهرة لعبت دور الوسيط بين المصدر والمستهلك المصري !!.(1/43)
وفي نفس الوقت جاءت الضربة لإنتاج العسل بعد اكتشاف أكثر من 100 طرد لمَلِكات النحل مصابة بمرض "الفاروان" ومستوردة من إسرائيل ، وذلك أدى في عام 1410 (1990م) إلى تدمير 80% من خلايا النحل في مصر بعد أن ماتت مليون خلية نحل بالكامل .
7- تلويث الشواطيء :
فقد ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على القبطان الصهيوني "جوزف تزمن" في 3-10-1989م متهماً بتسريب البترول من باخرته التي يقودها في البحر الأحمر مما أدى إلى تلويث مياه المنطقة ، وتكررت حوادث تدمير الشعاب المِرْجانية النادرة وتلويث الشواطئ المصرية بصورة ملحوظة ممّا أدى إلى تلويث 40% من الشاطئ ! (1).
8- نشر مرض الإيدز :
اكتشفت السلطات المصرية شبكة يهودية تضم العشرات من بائعات الهوى الإسرائيليات المصابات بمرض الإيدز يعملن بتوجيه من المخابرات الإسرائيلية (الموساد) لنشر هذا المرض في صفوف الشعب المصري عن طريق استدراج الشباب المنحرف لممارسة الرذيلة معهن في أماكن اللهو والشقق المفروشة ، وذكرت الصحف المصرية أن رجال الموساد أقنعوهن بأن ما يقمن به هو لصالح إسرائيل الكبرى !(2).
الفصل الثالث :
حكم التطبيع
المبحث الأول :
بلاد فلسطين والمسجد الأقصى :
إن بلاد فلسطين والشام بلاد مباركة ، ورد في فضلها نصوص كثيرة ، وفيها أولى القبلتين ، وثالث المسجدين ، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد افتتحها الفاروق عمر رضي الله عنه ، وحررها صلاح الدين رحمه الله ، وسترجع رغم أنوف الكفار والمنافقين إلى المسلمين .
وسأذكر في هذا المبحث بعض النصوص الدالة على فضل بيت المقدس و فلسطين والشام :
__________
(1) جميع ما ورد في المتن من إحصاءات – دون الحاشية – من (1) إلى (7) منقول عن مجلة (المجتمع) عدد : 1052 ، ونشرة الأندلس للجنة الطلابية لجمعية الاتحاد الإسلامي عدد 21.
(2) القبس – عدد 5602 – سنة 16 – 17/2/1987 م ، نقلاً عن (مخاطر الوجود اليهودي) لشبير ص 46 ، 47 .(1/44)
فقد ورد في القرآن خمس آيات تدل على أن بلاد فلسطين والشام بلاد مباركة وهي:
1- قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعيده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) .
2- وقوله تعالى بعد إهلاك فرعون وقومه وإنجاء المسلمين من بني إسرائيل : (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) ، وقد أورثوا بيت المقدس وفلسطين وما حولها .
3- و قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) ، وقد نجي من أرض العراق إلى أرض الشام.
4- و قوله تعالى : (ولسليمان الريح عاصفة تجرى بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شىء عالمين ) وكانت مملكة سليمان عليه السلام في فلسطين والشام.
5- و قوله تعالى عن سبأ : (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة) وهي قرى الشام ، وذكر ابن عباس أنه بيت المقدس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذه النصوص (1):
" فهذه خمس آيات نصوص ، و البركة : تتناول البركة في الدين ، والبركة في الدنيا ، وكلاهما معلوم لا ريب فيه"اهـ .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا" .
وفيهما أيضاً عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع أولا ؟ قال : المسجد الحرام . قلت : ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى . قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون سنة ، ثم حيث ما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد ".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله معدداً فضائل الشام(2) بعد أن ذكر الآيات التي قدمنا:
__________
(1) مجموع الفتاوى) 27 / 47 .
(2) مجموع الفتاوى) 27 /505 وما بعدها .(1/45)
" فهذه خمسة نصوص حيث ذكر الله أرض الشام في هجرة إبراهيم إليها ، ومسرى الرسول إليها ، وانتقال بني إسرائيل إليها ، ومملكة سليمان بها ، ومسير سبأ إليها ، وصفها بأنها الأرض التي باركنا فيها ... وفيها المسجد الأقصى ، وفيها مبعث أنبياء بني إسرائيل ، وإليها هجرة إبراهيم ، وإليها مسرى نبينا ، ومنها معراجه ، وبها ملكه ، وعمود دينه وكتابه ، والطائفة المنصورة من أمته ، وإليها المحشر والمعاد ... ومن ذلك أن بها طائفة منصورة إلى قيام الساعة وهي التي ثبت فيها الحديث في الصحاح من حديث معاوية وغيره : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة ".
وفيهما عن معاذ بن جبل قال : " وهم في الشام " ، وفي تاريخ البخاري مرفوعاً قال : " وهم بدمشق " ، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا يزال أهل المغرب ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة " ، قال أحمد بن حنبل : أهل المغرب هم أهل الشام . وهم كما قال...
ومن ذلك(1) أنها خيرة الله من الأرض أو أن أهلها خيرة الله وخيار أهل الأرض ، واستدل أبو داود في سننه على ذلك بحديثين :
حديث عبد الله بن حوالة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ستجندون أجناداً : جنداً بالشام وجنداً باليمن وجنداً بالعراق . فقال الحوالي : يا رسول الله ، اختر لي . قال : عليك بالشام ; فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده . فمن أبى فليلحق بيمنه وليتق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله ". وكان الحوالي يقول : ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه . . .
__________
(1) أي من فضائل الشام .(1/46)
وحديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم تقذرهم نفس الرحمن تحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم حيثما باتوا وتقيل معهم حيثما قالوا " ، فقد أخبر أن خير أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ; بخلاف من يأتي إليه أو يذهب عنه ، ومهاجر إبراهيم هي الشام ...
ومن ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها في حديث الترمذي .
ومن ذلك أن الله قد تكفل بالشام وأهله كما في حديث الحوالي .
ومن ذلك : " أن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام " كما في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر(1) .
ومن ذلك أن عمود الكتاب والإسلام بالشام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "رأيت كأن عمود الكتاب أخذ من تحت رأسي فأتبعته بصري فذهب به إلى الشام ". ومن ذلك : أنها عقر دار المؤمنين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " وعقر دار المؤمنين الشام " .
ومن ذلك أن منافقيها لا يغلبوا أمر مؤمنيها كما رواه أحمد في المسند في حديث".اهـ .
والمقصود من هذا:
بيان أن فضل الشام وبيت المقدس أمر ثابت في الشرع ، ووجوب استرجاع المسلمين لها ؛ عقيدة إسلامية ، ليست قومية ، ولا إقليمية ، و ليس لزعيم ولا حاكم سواء كان فلسطينياً أو عربياً أو يهودياً أو نصرانياً أن يغير هذا الاعتقاد بمعاهدة ، أو بمقايضة ، فهي ليست ملكاً لهم ، ولا لآبائهم ، و لئن ضعفوا ، أو جبنوا ، فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه ، أذلة على المؤمنين ، أعزة على الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله ، ولا يخافون لومة لائم ، يقتلون اليهود ، ويحررون المسجد الأقصى ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء .
المبحث الثاني :
حكم التطبيع :
تمهيد :
__________
(1) الحديث هذا ليس في أحد الصحيحين ، ولكن رواه أحمد و الترمذي وصححه وغيرهما .(1/47)
مصطلح (التطبيع) – كما سبق – مصطلح حادث ، لم يرد ذكره في الكتاب ولا في السنة ؛ فلا بد من معرفة حقيقة هذا المصطلح ومعرفة ما يقابله من المصطلحات الشرعية لترتيب الحكم الشرعي بناء على ذلك ؛ لأن العبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني .
والمتأمل في اتفاقيات ما يسمى بالسلام التي عقدها اليهود مع غيرهم(1) ، وفي تصريحات المسئولين اليهود ، وما ورد من ذكر حقيقة المراد من (التطبيع) من أهل الاختصاص ، على ما سبق تفصيله في الفصل الثاني ، يعلم جيداً أن (التطبيع) هو في الاصطلاح الشرعي (موالاة اليهود) ، فهذه هي التسمية الشرعية لهذا الأمر إذا أتي الأمر من بابه .
والكلام على حكم هذا الأمر سأعرضه على وجهين : إجمالي ، وتفصيلي :
الوجه الأول :
الحكم الإجمالي :
إن اتفاقيات السلام والتطبيع مع اليهود هي أمر زائد على الصلح المشروع ، فهي إقامة للعلاقات الدائمة معهم ، وإقرار لهم في ديار الإسلام ، وتمكينهم من الدخول والعبث بعقول المسلمين ، وإمدادهم بما يزيد من قوتهم وجبروتهم – على ما سبق تفصيله – ، وهذا كله في الشرع من باب الموالاة لليهود ، وإلقاء المودة لهم ، والركون إليهم ، ونحو ذلك من المحرمات ، وقد دلت نصوص كثيرة على النهي عن ذلك ، ومنها :
1- قوله تعالى : (لا تجَِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَ بِاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّوْنَ مَنْ حَادّ اللهَ وَرَسُوْلَه وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيْرَتَهُمْ) .
2- قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) .
__________
(1) انظر هذه الاتفاقات في ملاحق هذه الرسالة .(1/48)
3- قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) .
4- قوله تعالى )لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) .
5- قوله تعالى (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) .
6- قوله تعالى )إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ) .
7- قوله تعالى (َلَا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) .
8- قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) .
9- قوله تعالى (لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) .
10- قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .(1/49)
11- قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) .
12-قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ) .
والنصوص في النهي عن موالاة الكفار والركون إليهم ومودتهم ووجوب بغضهم ومعاداتهم كثيرة جداً .
الوجه الثاني :
الحكم التفصيلي :
فإن معاهدات السلام والتطبيع مع اليهود فيها من الموبقات والعظائم الشيء الكثير (1)، ولو أردنا أن نستقصي ما في هذه الاتفاقات من المنكرات والعظائم لطال بنا المقام ، فإنها اتفاقات لم يراع فيها من قام بها حق الله سبحانه ، ولم يلتفت إلى الدين أصلاً ، فلا عجب أن كانت مليئة بالطوام .
لذلك سوف أذكر هنا بعض أصول المنكرات الموجودة في هذه الاتفاقات ، وفي ذكرها كفاية لمن أراد الحق ، فمن ذلك :
المنكر الأول : أن التحاكم في هذه الاتفاقات إلى الطاغوت :
المنكر الثاني : أن هذه الاتفاقات تملك اليهود أرض الإسلام :
المنكر الثالث : أن هذه الاتفاقات تلغي الجهاد في سبيل الله :
المنكر الرابع : أن هذه الاتفاقات تولٍ لأعداء الله ومظاهرة لهم على المجاهدين :
المنكر الخامس : أن هذه الاتفاقات تهدم أصل البراء من الكفار :
المنكر السادس: أن في هذه الاتفاقات تسليطاً لليهود على المسلمين :
وفيما يلي تفصيل ذلك ، فأقول مستعيناً بالله سبحانه :
المنكر الأول :
أن التحاكم في هذه الاتفاقات إلى الطاغوت :
__________
(1) والكلام هذا بناء على الاتفاقيات التي وقعت مع اليهود من العرب وهي : كامب ديفد ، وأوسلو ، ووادي عربة ، وعلى ما جاء من التصريحات المصاحبة لمؤتمر مدريد ونحوه .(1/50)
وذلك أن الاستناد فيها على مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها ، وليس فيها رجوع إلى الشرع مطلقاً ، وهذا من التحاكم إلى الطاغوت (1).
وهيئة الأمم المتحدة قد جمعت بين أمرين :
الأول : أنها هيئة طاغوتية تحكم بآراء الكفار وقوانينهم الجاهلية.
والثاني : أنها هيئة ظالمة باغية ، فإنها تقوم على قاعدة : إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وإذا سرق فيهم القوي تركوه .
فأي خيرٍ يرتجى من مثل هذه المنظمة ؟! .
وإيمان المسلم لا يتم إلا بالكفر بالطاغوت بجميع أشكاله ، كما قال تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) ، وقال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن ابعدوا الله واجتنبوا الطاغوت) .
ومن الطواغيت : طاغوت الحكم بغير ما أنزل الله كما قال الله سبحانه (أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) .
__________
(1) كما ورد هذا في الفقرة الأولى من المادة الثالثة من معاهدة (كامب ديفيد) الموقعة بين مصر وإسرائيل في 27 ربيع ثاني سنة 1399 (26مارس 1979م) ، وكما ورد في المادة الأولى من اتفاقية أوسلو بين فلسطين إسرائيل (13 أيلول 1993م) ، وكما ورد في المادة الثانية من اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل (26 أكتوبر 1994م) .
وكلنا يعلم أن أصحاب هذه الاتفاقات وغيرهم ممن يهرولون لاسترضاء أمريكا وربيبتها إسرائيل لم يلتفتوا إلى الشرع أصلاً في اتفاقاتهم ، ولم يسألوا عن إباحة أو تحريم ، ولا عن كفر أو إيمان ، وإنما كان مرجعهم في اتفاقاتهم ما تمليه عليه أهواؤهم ومصالحهم الآنية ، ولكن هذا كله لا يعفينا من بيان الحكم ، والله المستعان .(1/51)
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى على هذه الآية (1):
"فمن خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله ، أو طلب ذلك اتباعاً لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه ، وإن زعم أنه مؤمن ؛ فإن الله تعالى أنكر على من أراد ذلك وأكذبهم في زعمهم الإيمان لما في ضمن قوله (يزعمون) من نفي إيمانهم ؛ فإن (يزعمون) إنما يقال غالباً لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب لمخالفته لموجبها وعمله بما ينافيها ، يحقق هذا قوله (وقد أمروا أن يكفروا به) ؛ لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد - كما في آية البقرة - فإن لم يحصل هذا الركن لم يكن موحداً ، والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسد بعدمه، كما أن ذلك بين في قوله تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به".
وقال ابن القيم رحمه الله في بيان معنى الطاغوت (2):
"طاغوت كل قوم : من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله ، أو يعبدونه من دون الله ، أو يتبعونه على غير بصيرة" .
وقال الشيخ عبد الله أبا بطين (3):
"إن اسم الطاغوت : يشمل كل معبود من دون الله ، وكل رأس في الضلال ، يدعو إلى الباطل ، ويحسنه ؛ ويشمل أيضاً : كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية ، المضادة لحكم الله ورسوله".
وقال الشيخ محمد حامد الفقي -رحمه الله-(4):
__________
(1) فتح المجيد : ص 345 .
(2) إعلام الموقعين) / .
(3) الدرر السنية) 2/301 .
(4) في تعليقه على كتاب فتح المجيد : ص 243 .(1/52)
"ويدخل في ذلك بلا شك الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال ، وليبطل بها شرائع الله من إقامة الحدود، وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك ، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحرمها بنفوذها ومنفذيها، والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروجوها طواغيت ، وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصداً أو عن غير قصد من واضعه فهو طاغوت".
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في قوله تعالى (ولا يشرك في حكمه أحداً) بعد أن ذكر مجموعة من الآيات التي تدل على كفر المتحاكمين إلى الطواغيت (1):
"وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا ؛ يظهر غاية الظهور : أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه ، مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم ، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله على بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم" .
وقال الشيخ أحمد شاكر(2):
"إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها، أو الخضوع لها، أو إقرارها، فليحذر امرؤ نفسه وكل امرئ حسيب نفسه".
وقال الكتاني (3): " قال الرازي : المقصود أن بعض الناس أراد أن يتحاكم إلى بعض أهل الطغيان ، ولم يرد التحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، قال القاضي : ويجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر ، وعدم الرضى بحكم محمد عليه السلام كفر ، ويدل عليه وجوه :
__________
(1) أضواء البيان : 4/92 .
(2) عمدة التفسير4/174 .
(3) الدواهي المدهية للفرق المحمية : ص 188 ، 189.(1/53)
الأول : أنه تعالى قال (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيماناً به ، ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر بالله ، كما أن الكفر بالطاغوت إيمان بالله .
الثاني : قوله (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم .
الثالث : قوله (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة .
وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئاً من أوامر الله أو أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو خارج عن الإسلام ، سواء من جهة الشاك ، أو من جهة التمرد ، وذلك يوجب صحة ما ذهب الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانع الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم"اهـ .
وقد نقل ابن كثير رحمه الله تعالى الإجماع على هذا حيث قال (1):
"فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟، من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين" .
والنقول عن أهل العلم في هذا الباب كثيرة جداً ، وليس هذا موضع استقصائها.
المنكر الثاني :
أن هذه الاتفاقات تملك اليهود أرض الإسلام :
__________
(1) البداية والنهاية : 13/109 .(1/54)
ففيها الاعتراف الصريح بملكية اليهود لأراضي المسلمين في فلسطين وإعطائهم لها ، وإقرارهم عليها ، وهذا من أعظم الخيانات للأمة ، وفرق كبير بين ترك قتالهم والهدنة معهم لوجود الضعف للإعداد لهم ، وبين الاعتراف بهم ، وإقرارهم على أراضي الإسلام ، فالأول جائز بالإجماع ، والثاني محرم بالإجماع.(1)
__________
(1) ومسألة التنازل للأعداء عن أراضي المسلمين من أجل الدنيا والرئاسة مسألة قديمة ، ففي سنة 636 قام سلطان دمشق الصالح إسماعيل بتسليم الفرنج (صيدا) – وقيل : صفد ، و(الشقيف) وغير ذلك من حصون المسلمين على أن ينجدوه على الملك الصالح نجم الدين أيوب سلطان مصر ، ودخل الفرنج دمشق لشراء السلاح ليقاتلوا به المسلمين ، فشق ذلك على المسلمين مشقة عظيمة ، فاستفتوا الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله وكان خطيب دمشق وفقيهها في مبايعة الفرنج السلاح ، فقال : يحرم عليكم مبايعتهم ؛ لأنكم تتحققون أنهم يشترونه ليقاتلوا به إخوانكم المسلمين .
وقام يدعو في خطبته على الكفار ، ويقول قبل نزوله من المنبر دعاءه المشهور: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً ، تعز فيه وليك ، وتذل فيه عدوك ، ويعمل فيه بطاعتك ، وينهى فيه عن معصيتك" والناس يبتهلون بالتأمين والدعاء للمسلمين والنصر على أعداء الله ، فكاتبت (مباحث دمشق) في ذلك الوقت السلطان بهذه الخطبة، فجاء كتابه باعتقال الشيخ فبقي مدة معتقلاً ، ثم أفرج عنه ، وذهب الشيخ عز الدين إلى بيت المقدس ، واستمر في موقفه من إعانة النصارى ، ثم جاء الصالح إسماعيل والملك المنصور صاحب حمص ومعهم ملوك الفرنج بعساكرهم وجيوشهم إلى بيت المقدس يقصدون الديار المصرية ، فسير الصالح إسماعيل بعض خواصه إلى الشيخ بمنديله ، وقال له : تدفع منديلي إلى الشيخ ، وتتلطف به غاية التلطف ، وتستنزله ، وتعده بالعود إلى مناصبه على أحسن حال ، فإن وافقك فتدخل به عليّ ، وإن خالفك فاعتقله في خيمة إلى جانب خيمتي .
فلما اجتمع الرسول بالشيخ شرع في مسايسته وملاينته ، ثم قال له : بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير ! .
فقال له : والله – يا مسكين – ما أرضاه أن يقبل يدي فضلاً أن أقبل يده ، يا قوم : أنتم في واد ، وأنا في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به .
فقال له : قد رسم لي إن لم توافق على ما يطلب منك وإلا اعتقلتك .
فقال : افعلوا ما بدا لكم .
فأخذه واعتقله في خيمة إلى جانب خيمة السلطان ، وكان الشيخ يقرأ القرآن ، والسلطان يسمعه ، فقال يوماً لملوك الفرنج : تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن ؟.
قالوا : نعم .
قال : هذا أكبر قسوس المسلمين ، وقد حبسته لإنكاره عليّ تسليمي لكم حصون المسلمين ، وعزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه ، ثم أخرجته فجاء إلى القدس ، وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم .
فقالت له ملوك الفرنج : لو كان هذا قسيسنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها .
ثم جاءت العساكر المصرية ، ونصر الله تعالى المسلمين وقتلوا عساكر الفرنج ، ونجى الله سبحانه وتعالى الشيخ عز الدين . انظر هذه القصة بالتفصيل في (طبقات الشافعية الكبرى)8/243 ، 244 .(1/55)
وقد أفتى العلماء في منتصف القرن الرابع عشر بأن بيع شيء من أراضي فلسطين خيانة لله ولرسوله وللإسلام ، فكيف بمن يبيع فلسطين كلها ؟.
بل ويزيد على البيع : حماية الحدود ، والتعهد بترك قتاله ، واعتبار من يقاتله إرهابياً خارجاً على دولة شرعية ، ويعمل على تقوية اقتصاده ، ويدعو إلى تطبيع العلاقات معه ؟!.
ومن هذه الفتاوى السابق ذكرها :
1- فتوى علماء فلسطين بتاريخ 20 شوال 1353 ( 26 كانون ثاني 1935م ) : وأولها (1):
(الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإننا نحن المفتين ، والقضاة ، والمدرسين ، والخطباء ، والأئمة ، والوعاظ ، وسائر علماء المسلمين ، ورجال الدين ، في فلسطين ، المجتمعين اليوم في الاجتماع الديني المنعقد في بيت المقدس بالمسجد الأقصى المبارك حوله ، بعد البحث والنظر فيما ينشأ عن بيع الأراضي في فلسطين لليهود من تحقيق المقاصد الصهيونية في تهويد هذه البلاد الإسلامية المقدسة ...وبعد النظر في الفتاوى التي أصدرها المفتون وعلماء الإسلام في العراق ومصر والهند والمغرب وسوريا وفلسطين والأقطار الإسلامية الأخرى والتي أجمعت على تحريم بيع الأرض في فلسطين لليهود ، وتحريم السمسرة على هذا البيع ، والتوسط فيه ، وتسهيل أمره بأي شكل أو صورة ، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه ، وأن ذلك كله أصبح بالنسبة لكل فلسطيني صادراً من عالم بنتيجته راض بها ولذلك فهو يستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام باعتقاد حله ...بعد النظر والبحث في ذلك كله ، وتأييد ما جاء في تلك الفتاوى الشرعية ، والاتفاق على أن البائع والسمسار والمتوسط في الأراضي بفلسطين لليهود ، والمسهل له ، هو :
أولاً : عامل ومظاهر على إخراج المسلمين من ديارهم .
__________
(1) انظر الفتوى كاملة في (صراعنا مع اليهود) 105 – 110 .(1/56)
ثانياً : مانع لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، وساع في خرابها .
ثالثاً : متخذ اليهود أولياء ؛ لأن عمله يعد مساعدة ونصراً لهم على المسلمين .
رابعاً : مؤذ لله ولرسوله وللمؤمنين .
خامساً : خائن لله ولرسوله وللأمانة .
إلى أن قالوا :
فيعلم من جميع ما قدمناه من الأسباب والنتائج والأقوال والأحكام والفتاوى :
أن بائع الأرض لليهود في فلسطين سواء كان ذلك مباشرة أو بالواسطة ، وأن السمسار والمتوسط في البيع والمسهل له والمساعد عليه بأي شكل مع علمهم بالنتائج المذكورة ، كل أولئك ينبغي أن :
لا يصلى عليهم ، ولا يدفنوا في مقابر المسلمين ، ويجب نبذهم ، ومقاطعتهم ، واحتقار شأنهم ، وعدم التودد إليهم والتقرب منهم ، ولو كانوا آباء ، أو أبناء ، أو إخواناً ، أزواجاً ...هذا وإن السكوت على أعمال هؤلاء والرضا به مما يحرم قطعاً ) .
2- فتوى علماء نجد في (يوليو 1937م) وفيها : إن ولاية اليهود في بلاد الإسلام باطلة ومحرمة ، ونحوها عن علماء العراق (1).
3- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا :
(إن من يبيع شيئاً من أرض فلسطين وما حولها لليهود أو للإنجليز فهو كمن يبيعهم المسجد الأقصى ، وكمن يبيع الوطن كله ؛ لأن ما يشترونه وسيلة إلى ذلك ، وإلى جعل الحجاز على خطر ، فرتبة الأرض من هذه البلاد هي كرقبة الإنسان من جسده ، وهي بهذا تعد شرعاً من المنافع الإسلامية العامة ، لا من الأملاك الشخصية الخاصة ، وتمليك الحربي لدار الإسلام باطل ، وخيانة لله ولرسوله ولأمانة الإسلام ، ولا أذكر هنا كل ما يستحقه مرتكب هذه الخيانة ، وإنما أقترح على كل من يؤمن بالله وبكتابه وبرسوله خاتم النبيين : أن يبث هذا الحكم الشرعي في البلاد مع الدعوة إلى :
مقاطعة هؤلاء الخونة الذين يصرون على خيانتهم في كل شيء : المعاشرة ، والمعاملة ، والزواج ، والكلام ، حتى رد السلام) (2).
__________
(1) نفس المرجع : 110 ، 111.
(2) نفس المرجع : 112 .(1/57)
4-فتوى رئيس جمعية العلماء المركزية في الهند محمد سليمان القادري:
إن المسلمين الذين يبيعون أراضي فلسطين المقدسة لليهود في أيامنا هذه أو يتوسطون بهذا الفعل القبيح مع أنهم علموا بأن اليهود لا يشترونها إلا لجلاء المسلمين عن تلك الأرض المقدسة وتبديل الهيكل مكان المسجد الأقصى وتشكيل دولة يهودية فإنهم عند الله ممن حاربوا الإسلام وسالموا الكفر وظاهروا أعداء الإسلام: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما رحبت تجارتهم وما كانوا مهتدين( ولا يكون جزاؤهم إلا نار جهنم وأظن العلماء الذي أفتوا بكفرهم منعوا المسلمين من الصلاة عليهم ودفنهم في مقابر المسلمين زجراً عليهم وعبرة لغيرهم قد أصابوا في فتياهم ولهم أجران.(1)
4- فتوى علماء الأزهر في إقامة الصلح والسلام مع اليهود والاعتراف بدولتهم عام (1956م):
(إن الصلح مع إسرائيل لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار للغاصب على الاستمرار في غصب ما اعتصبه وتمكينه ، والاعتراف بحقية يده على المعتدي من البقاء على عدوانه ، فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم ، بل يجب على المسلمين أن يتعاونوا جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها ، ومن قصر في ذلك أو فرط فيه ، أو خذل المسلمين عن الجهاد أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار من تنفيذ مخططهم ضد العرب والإسلام وضد فلسطين فهو في حكم الإسلام : مفارق جماعة المسلمين ، ومقترف أعظم الآثام )(2) .
5- وفتوى أخرى للجنة علماء الأزهر برئاسة الشيخ عبد المجيد سليم في 14 شعبان 1366 عن مساعدة اليهود وإعانتهم في تحقيق مآربهم في فلسطين ، فأجابت اللجنة إجابة طويلة ، ومما جاء فيها (3):
__________
(1) نقلاً عن موقع : قاوم نت .
(2) نفس المرجع : 113 .
(3) فتاوى خطيرة في وجوب الجهاد الديني المقدس ص 17 –25) .(1/58)
"فالرجل الذي يحسب نفسه من جماعة المسلمين إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المنكرة وساعد عليها مباشرة أو بواسطة لا يعد من أهل الإيمان ، ولا ينتظم في سلكهم ، بل هو بصنيعه حرب عليهم ، منخلع من دينهم ، وهو بفعله الآثم اشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين" .
إلى أن قال :
"ولا يشك مسلم أيضاً أن من يفعل شيئاً من ذلك فليس من الله ولا رسوله ولا المسلمين في شيء ، والإسلام والمسلمون براء منه ، وهو بفعله قد دل على أن قلبه لم يمسه شيء من الإيمان ولا محبة الأوطان ، والذي يستبيح شيئاً من هذا بعد أن استبان له حكم الله فيه يكون مرتداً عن دين الإسلام ، فيفرق بينه وبين زوجه ، ويحرم عليها الاتصال به ، ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ، وعلى المسلمين أن يقاطعوه ، فلا يسلموا عليه ، ولا يعودوه إذا مرض ، ولا يشيعوا جنازته إذا مات حتى يفيء إلى أمر الله ، ويتوب توبة يظهر أثرها في نفسه وأحواله وأقواله وأفعاله ".(1)
__________
(1) اعلم أنه لا يصح قياس التنازل عن أرض فلسطين أو ما يسمى (الأرض مقابل السلام) على تنازل المظلوم عن بعض حقه ، وذلك أن بعض من أجاز هذا العمل قال لو أن ظالماً اغتصب بيت آخر ، فرضي هذا المظلوم ببعض بيته مقابل الصلح ، فإن هذا جائز ، وعدم صحة هذا القياس من وجوه :
الأول : أن البيت ونحوه حق شخصي محض ، أما أرض فلسطين فالحق فيها لله ، فهي وقف إسلامي ، و النظر فيها لصالح المسلمين ، فهي ملك لهم ، وليست حقاً شخصياً لأحد يتنازل عن ما يشاء !.
الثاني : أن لصاحب البيت أن يتنازل عن بعض حقه أو كله حتى لو كان قادراً على استرجاع حقه ، وتعد هذه من مكارم الأخلاق ، أما في مسألتنا فالجميع يتفق على أنه لو قدر على استرجاع حقه فتنازل عنه فإنه يوصف بالخيانة!!.
الثالث : أن المسألة ليست تنازلاً فقط ، بل هو دخول في دوامة من المعاهدات والاتفاقات بغية التطبيع وإزالة حواجز البراء ، وضرب المجاهدين ، وغير ذلك ، مما لا وجود له في مثل اغتصاب الحقوق الشخصية .(1/59)
المنكر الثالث :
أن هذه الاتفاقات تلغي الجهاد في سبيل الله :
ففيها اشتراط (السلام الدائم) و (الاحترام المتبادل) وترك القتال إلى الأبد ، ولا شك أن هذا يؤدي إلى إلغاء لشريعة الجهاد في سبيل الله ، بل وزادوا على ذلك المعاقبة عليه ، وتسمية أهله بالإرهابيين !.
وإبطال شريعة الجهاد مطلقاً ، والسعي إلى إلغائه كفر (1).
فالجهاد ذروة سنام الإسلام ، شرعه الله سبحانه في كتابه ، وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، وجاهد بنفسه ، وجاهد الصحابة وأئمة الدين من بعده ، فلا يبطله حكم حاكم ، ولا عقد جائر .
وهنا لا بد من الكلام على مسألتين باختصار : حكم الجهاد ، وحكم الهدنة ، فأقول وبالله التوفيق :
المسألة الأولى :
حكم الجهاد :
اعلم أن الجهاد نوعان :
النوع الأول : جهاد طلب :
وهو الأصل في الجهاد إذا أطلق ؛ والمراد به : قتال الكفار ابتداء بغزوهم في بلادهم لدعوتهم إلى الإسلام ، ككثير من مغازي النبي صلى الله عليه وسلم ، وكفتوحات الصحابة للشام ومصر والعراق وخراسان ، وفتوحات من بعدهم للأندلس والسند والهند وغيرها ، وهذا الجهاد فرض كفاية ، فلو تركه الجميع أثموا ، وهذا باتفاق أهل العلم ، قال الشوكاني رحمه الله (2):
__________
(1) انظر كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الطائفة الممتنعة عن شيء من شرائع الإسلام الظاهرة – ومنها الجهاد في سبيل الله – في (الفتاوى) 28/503 ، 554 .
(2) السيل الجرار : 4/518 ، 519 ، وانظر : المحلى 5/341 ، المغني 9/165 ، وجميع كتب الفقه في أول باب الجهاد أو السير ؛ فإن هذا متفق عليه.(1/60)
"أما غزو الكفار ، ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام ، أو تسليم الجزية ، أو القتل ، فهو معلوم من الضرورة الدينية ، ولأجله بعث الله رسله ، وأنزل كتبه ، وما زال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ بعثه الله سبحانه إلى أن قبضه إليه جاعلاً لهذا الأمر من أعظم مقاصده ، ومن أهم شئونه ، وأدلة الكتاب والسنة في هذا لا يتسع لها المقام ، ولا لبعضها ، وما ورد في موادعتهم أو تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ بإجماع المسلمين".
وقال الجصاص رحمه الله تعالى (1):
" ولا نعلم أحداً من الفقهاء يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين ، وإنما الخلاف في جواز ترك قتالهم لا في حظره " .
وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جداً .
والنوع الثاني : جهاد دفع :
والمراد به أن يغزو الكفار بلاد المسلمين ، فمجاهدتهم وقتالهم حينئذٍ فرض عين بالاتفاق ؛ قال ابن حزم رحمه الله تعالى (2):
"واتفقوا – يعني العلماء – أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام وقراهم وحصونهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (3):
" وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً ، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم".
والمقصود من ذكر النوعين :
__________
(1) أحكام القرآن : 2/315 .
(2) مرتب الإجماع : ص 138.
(3) الفتاوى الكبرى 4/520 ) ، وكلام أهل العلم في هذا كثير ، فهم يذكرون من حالات تعين الجهاد على المسلمين أن يدخل الكفار بلادهم ، انظر مثلاً : (المحلى) 5/342 ، (المغني) 9/163 ، (التاج والإكليل) 4/541 ، (مغني المحتاج) 6/23 ، وغيرها .(1/61)
أن النوع الأول – وهو الأصل في الجهاد – لا يجوز تركه مطلقاً إلا في حال العجز وعدم القدرة ، وفي هذه الحالة يجب الإعداد لقوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) ، قال شيخ الإسلام رحمه الله (1):
"يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
وقد صار في وقتنا هذا عند حكام المسلمين (تاريخاً) ، بل وشرعت الشرائع لإبطاله وتحريمه (دولياً) ، وهناك فرق عظيم بين تركه للعجز ، وبين تركه تكاسلاً وحباً للدنيا ، وبين تركه تشريعاً أو اتباعاً للتشريعات الجاهلية ، فالأول جائز ، والثاني محرم ، والثالث كفر.
وأما النوع الثاني : وهو المسمى في وقتنا هذا (المقاومة المشروعة) ، وهو – كما سبق – من أعظم فروض الأعيان ، وبهذه الاتفاقات ستنتقل هذه (المقاومة المشروعة) إلى (الإرهاب ضد الدولة) لأن دولة اليهود صارت معترفاً بها ، فيصبح جهادها إرهاباً ، والله المستعان .
المسألة الثانية :
وهي مسألة الهدنة :
فالهدنة هي : ترك القتال بين المسلمين والكفار إلى أجلٍ ، لمصلحةٍ راجحة (2):
وتوقيت الهدنة تكون على أحد وجهين :
الوجه الأول : أن تكون مقيدة بمدة ، وهذا هو الأصل الذي يذكره الفقهاء – على اختلاف بينهم في تقدير المدة – .
الوجه الثاني : أن تكون مطلقة غير مقيدة بمدة ، فهذه على صورتين :
__________
(1) الفتاوى 28 / 259 .
(2) يقسم الفقهاء عقد الصلح مع الكفار إلى قسمين : عقد مؤبد ، وعقد مؤقت ، ويجعلون العقد الأول هو عقد أهل الذمة ، والعقد الثاني هو عقد الهدنة والأمان ، ولم أر أحداً من الفقهاء أجاز أن يكون عقد الهدنة مؤبداً .(1/62)
الصورة الأولى : أن يكون العقد جائزاً – يجوز فسخه من المسلمين – فجمهور العلماء على عدم الجواز ، بل يوجبون تحديد المدة ، وبعض العلماء كشيخ الإسلام وابن القيم يجيزونه ، وهو الراجح إن شاء الله (1).
والصورة الثانية : أن يكون العقد لازماً – لا يجوز فسخه – فهذا ممنوع بالاتفاق(2) .
وهذه الصورة الأخيرة – وهي ترك جهادهم دائماً – هي الموجودة في هذه الاتفاقات مع اليهود وهو ما يسمى بـ(السلام الدائم) أو (الشامل).
ومجرد ترك الجهاد بعد تعينه بدخول الكفار ديار الإسلام – كاليهود في فلسطين – كبيرة من أعظم الكبائر :
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله (3) :
" الكبيرة التسعون ، والحادية والتسعون ، والثانية والستعون بعد الثلاثمائة :
" تركُ الجهاد عند تعيُّنه بأن دخل الحربيون دار الإسلام(4) أو أخَذَ مسلماً وأمكن تخليصه منهم ، ترْك الناس الجهاد من أصله ، ترك أهل الإقليم تحصينَ ثغورهم بحيث يُخاف عليها من استيلاء الكفار بسبب ترك ذلك التحصين " .
و قال :
" عدُّ هذه الثلاثة ظاهرٌ ؛ لأن كل واحد منها يحصل به من الفساد العائد على الإسلام وأهله ما لا يُتَدارك خَرْقُهُ، وعليها يُحمل ما في هذه الآية والأحاديث من الوعيد الشديد فتأمَّلْ ذلك فإني لم أر أحداً تَعرّض لعد ذلك مع ظهوره".
__________
(1) وإنما منعه الجمهور لخوفهم أن يؤدي الإطلاق إلى تعطيل الجهاد في سبيل الله .
(2) انظر (أحكام أهل الذمة) لابن القيم 2/476 وما بعدها ، وانظر (الأم) 4/179 ، تفسير القرطبي 8/40 ، فتح الباري 5/343 ، سبل السلام 4/69 ، وقال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار 4/565 : " وأما كون المدة معلومة فوجهه أنه لو كان الصلح مطلقاً أو مؤبداً لكان ذلك مبطلاً للجهاد الذي هو من أعظم فرائض الإسلام ، فلا بد أن يكون مدة معلومة على ما يرى الإمام من الصلاح"اهـ.
(3) الزواجر 2/163 ) .
(4) وهذا الحال في فلسطين .(1/63)
بل قال الكتاني – بعد أن ساق بعض أحاديث الوعيد على ترك الجهاد – : " وذكر الدمياطي وابن النحاس وغيرهما أن ترك الجهاد في جميع السنين ، والركون إلى الدنيا : خروج من الدين ، واحتجوا له بالأحاديث المتقدمة " (1).
وسيأتي مزيد بيانٍ إن شاء الله تعالى لهذه المسألة في الرد على الشبهة الثانية من المبحث الثالث .
والسعي لتعطيل الجهاد مضاد لشرع الله سبحانه ، ولقدره :
أما الشرع :
فقد وردت أدلة كثيرة جداً في الكتاب والسنة على الحث على الجهاد والأمر به والترغيب فيه والترهيب من تركه ، وأجمع على ذلك أهل العلم ، ومن الأدلة :
قوله تعالى (وقاتلوا المشركين كافَّة كما يُقاتلُونكم كافَّة ) ( التوبة 36) ، وقوله تعالى: (فقاتلوا أئمةَ الكفرِ إنهم لا أيمانَ لهم لعلَّهم ينتهون ) (التوبة 12) ، وقوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قُوَّةٍ ومن رِباطِ الخيلِ تُرهِبون به عدُوَّ الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يُوَفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون ) (الأنفال 60) ، وقوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).
__________
(1) أحكام أهل الذمة) للكتاني ص 132 ، والصحيح بالنسبة لترك الجهاد أنه على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : إذا كان معذوراً بترك الجهاد كأن يكون فرض كفاية ، أو كان فرض عين ولا يقدر عليه ، ونحو ذلك ، فلا إثم عليه.
القسم الثاني : إذا كان الجهاد واجباً وتركه تكاسلاً وركوناً إلى الدنيا فهو مرتكب كبيرة كترك باقي الواجبات والمأمورات التي لا يكفر تاركها .
القسم الثالث : إذا كان ترك الجهاد مبنياً على تشريع وضعي يجرم من يفعله فهذا كفر .(1/64)
وفي المسند وغيره : قال صلى الله عليه وسلم : " جاهدوا المشركين بأموالِكم ، وأنفسِكم ، وألْسِنتِكم" . وفي المسند أيضاً أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ الهجرة أفضل؟ قال : الجهاد ؛ قال: وما الجهاد؟ قال صلى الله عليه وسلم : "أن تقاتل الكفار إذا لقِيْتَهم ، قال : فأي الجهاد أفضل ؟ قال صلى الله عليه وسلم : مَن عُقِر جواده ، وأُريق دمه".
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم (من مات ولم يَغْزُ ، ولم ُيحَدِّث نفسه بالغزو ، مات على شُعبة من النفاق).
وفي المسند وسنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً (بُعِثْتُ بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي) .
وأما القدر :
فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم – وخبره الحق – أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة ، ومن ذلك : ما في الصحيح عن عروة البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم " .
وروى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الغزو ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال ؛ لا يبطله جور جائر ، ولا عدل عادل " وفيه مقال.
وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم في الصحاح وغيرها أنه قال : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة" .
وروى النسائي من حديث سلمة بن نفيل رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : "يا رسول الله ، أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح ، وقالوا: لا جهاد ، قد وضعَت الحرب أوزارها ، فأقبلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال : كذَبوا ، الآن جاء دور القتال ، ولا تزال من أمتي أُمَّة يقاتلون على الحق ويُزيغ الله لهم قلوب أقوامٍ ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعْدُ الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " .
المنكر الرابع :(1/65)
أن هذه الاتفاقات تولٍ لأعداء الله ومظاهرة لهم على المجاهدين :
ففي هذه الاتفاقات التعاون بين الطرفين في مجال مكافحة الجريمة(1) ، ومن الجرائم الجهاد ضد اليهود (2)؛ لأن دولة اليهود أصبحت – بهذه الاتفاقات – دولة شرعية معترفاً بها ، فيصبح من يجاهدها من (الخوارج والإرهابيين) ، لذلك يتعاون جميع المتفقين في هذه المعاهدات على ضرب هؤلاء ، والاتفاق على مثل هذا الأمر كفر من وجهين :
الوجه الأول :
أن هذا إعانة لليهود ومظاهرة لهم على المجاهدين ، وهي ردة معروفة ، كما قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) ، وهذا هو الناقض الثامن من نواقض الإسلام :
__________
(1) كما ورد هذا في الفقرة الثانية من المادة الثالثة من معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ، وفي المادة الثامنة من اتفاقية أوسلو بين المنظمة الفلسطينية وإسرائيل ، وورد في الملحق الثالث من اتفاقية وادي عربة بين إسرائيل والأردن .
(2) ورد في رسالة عرفات إلى اليهودي رابين بعد اتفاقية أوسلو بين اليهود ومنظمة التحرير ما نصه : " إن منظمة التحرير الفلسطينية تنبذ استخدام الإرهاب وغيره من أعمال العنف ، وستتحمل المسؤولية عن كل عناصر منظمة التحرير الفلسطينية وأفرادها كي تضمن امتثالهم ، وتمنع العنف ، وتؤدب المخالفين" – انظر كتاب الحوت- وهو من أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة - (الحل المرفوض) ص 55 ، وقال الحوت تعليقاً على ذلك ص 28: إن مهمة الشرطة الفلسطينية ستكون مقصورة على تأمين ما سمي (نبذ الإرهاب وتأديب المخالفين) !! وقال في موضع آخر ص 22: أي في قمع الانتفاضة والمقاومة الوطنية !!.(1/66)
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الإسلام(1):
(الناقض الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ، والدليل : قوله تعالى ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (2):
"وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم ، كما قال الله سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) ".(3)
الوجه الثاني :
أن هذا تشريع عام يحرم ما أحل الله ، بل يجرم ما أوجبه الله من الجهاد ضد أعداء الله تعالى ويعاقب عليه ، وهذه كفر آخر .
قال الله سبحانه (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (4):
" والإيجاب والتحريم ليس إلا لله ولرسوله ، فمن عاقب على فعل أو ترك بغير أمر الله ورسوله وشرع ذلك ديناً(5) فقد جعل لله نداً ولرسوله نظيراً ، بمنزلة المشركين الذين جعلوا لله نداً ، أو بمنزلة المرتدين الذين آمنوا بمسيلمة الكذاب وهو ممن قيل فيه ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)" .
وقال أيضاً (6):
__________
(1) الدرر السنية) 10 / 92 .
(2) الفتاوى : (1/274) .
(3) انظر – إن شئت – تفصيل الأدلة والنقول عن أهل العلم في هذه المسألة في كتاب (التبيان في كفر من أعان الأمريكان).
(4) الفتاوى الكبرى) 6/339.
(5) الحكم دين ، كما قال تعالى في قصة يوسف (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) أي في حكمه كما ذكره المفسرون .
(6) فتاوى شيخ الإسلام : 35/365 .(1/67)
" من بدّل شرع الأنبياء ، وابتدع شرعاً ، فشرعه باطل لا يجوز اتباعه ، كما قال تعالى فيه ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ؛ ولهذا كان كفر اليهود والنصارى لأنهم تمسكوا بشرع منسوخ ".
وقال أيضاً (1):
" والإنسان متى حلّل الحرام المجمع على تحريمه ، أو حرّم الحلال المجمع عليه ، أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً باتفاق الفقهاء " .
المنكر الخامس :
أن هذه الاتفاقات تهدم أصل البراء من الكفار :
وذلك أن هذه الاتفاقات إنما تهدف إلى ما يسمى بالتطبيع مع اليهود ، وقد سبق في الفصل الثاني ذكر معنى التطبيع بالتفصيل(2) ، وأن المراد به هو إحداث تغيير عقلي ونفسي جذري في المجتمع الإسلامي يهدف من خلاله إزالة العداوة بين المسلمين واليهود(3) .
قال الرئيس الأمريكي (بوش) في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م (4): " إن غرض المؤتمر ليس إنهاء الحرب بين الطرفين وإنما إنهاء العداوة " .
وقال شامير في نفس المؤتمر (5): " لا بد من تغيير ثقافتكم العدائية نحو اليهود ، فعلى مراحل تنتهي كل شعارات العداء لليهود ؟ بل ينتهي حتى كل ما يثير العداء دينيًّا ".
ولا شك أن هذا من أعظم الأخطار على المسلمين ، فأصل ملة إبراهيم قائم على موالاة المؤمنين ، وحبتهم ، ومعاداة الكافرين ، وبغضهم :
__________
(1) المرجع السابق : 3/267 .
(2) انظر ما ذكر عن التطبيع الثقافي هناك .
(3) وقد صرح كثير من القادة في مناسبات مختلفة أنهم يريدون أن يثبتوا لليهود أنهم لا يكنون لهم عداوة !! .
(4) انظر (القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى) للشيخ سفر الحوالي ص 73 .
(5) المرجع نفسه ص 79 .(1/68)
كما قال تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على هذه الآية (1):
" أمر المؤمنين أن يتأسوا بإبراهيم ومن معه حيث أبدوا العداوة والبغضاء لمن أشرك حتى يؤمنوا بالله وحده " .
وأصل الدين وقاعدته أمران – كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (2)– :
الأول : الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، والتحريض على ذلك ، والموالاة فيه ، وتكفير من تركه .
الثاني : النهي عن الشرك في عبادة الله ، والتغليظ في ذلك ، والمعاداة فيه ، وتكفير من فعله.
وقال أيضاً (3):
"إن الإنسان لا يستقيم له دين – ولو وحد الله وترك الشرك – إلا بعداوة المشركين ، والتصريح لهم بالعداوة والبغض " .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله (4):
" وأجمع العلماء سلفاً وخلفاً ، من الصحابة ، والتابعين ، والأئمة ، وجميع أهل السنة :
أن المرء لا يكون مسلماً إلا بالتجرد من الشرك الأكبر ، والبراءة منه ، وممن فعله ، وبغضهم ، ومعاداتهم ، بحسب الطاقة والقدرة ، وإخلاص الأعمال كلها لله ".
وقال أيضاً رحمه الله (5):
__________
(1) الفتاوى) 8 / 262 .
(2) الدرر السنية) 2 / 22 .
(3) الدرر السنية) 8/338.
(4) الدرر السنية) 11/545.
(5) الدرر السنية) 2/266 ، 267 .(1/69)
" ولهذا الأصل العظيم ، الذي هو ملة إبراهيم : شرع الله جهاد المشركين ، فقال : (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) (التوبة: 36) ، وفي الحديث : " بعثت بالسيف ، بين يدي الساعة ، حتى يعبد الله وحده لاشريك له " ومع هذا حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين من الركون إليهم ، فقال : (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً) (الإسراء: 74-75) ، وقال تعالى : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) الآية (هود 113) ... ولا ريب أن الله تعالى أوجب على عباده المؤمنين ، البراءة من كل مشرك ، وإظهار العداوة لهم ، والبغضاء ، وحرم على المؤمنين موالاتهم ، والركون إليهم".
وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله(1) :
" أن الإسلام لا يستقيم إلا بمعاداة أهل هذا الشرك ؛ فإن لم يعادهم ، فهو منهم ، وإن لم يفعله " .
وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله :
وما الدين إلا الحب والبغض والولا كذاك البرا من كل غاوٍ وآثمِ
وكلام أهل العلم في هذا الباب كثير جداً ، وفيما سبق كفاية إن شاء الله تعالى (2).
المنكر السادس :
أن في هذه الاتفاقات تسليطاً لليهود على المسلمين :
__________
(1) الدرر السنية) 1/432 .
(2) انظر في هذا (سبيل النجاة والفكاك) للشيخ حمد بن عتيق ، وكتاب (تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعادة والهجران) للشيخ حمود التويجري ، وكتاب (الولاء والبراء في الإسلام) للشيخ محمد القحطاني ، وكتاب (الموالاة والمعاداة) للشيخ محماس الجلعود ، وكتاب (حقيقة الولاء والبراء في معتقد أهل السنة والجماعة) للشيخ سيد عبد الغني ، و (نصيحة أهل الإسلام) للكتاني ، وغيرها من الكتب .(1/70)
حيث فتحت هذه الاتفاقات بلاد المسلمين لليهود ليدخلوها ، فوضعت لهم السفارات ، ورفعت رايتهم اليهودية ، واستقبلت وفودهم السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والسياحية وغيرها ، ومكّنوا من ديار الإسلام ، وصارت لهم حصانة ، وهذا فيه من البلاء العظيم ما يعرفه كل من يعرف اليهود وخبثهم ، ومن النظر في أفعالهم في (مصر) رائدة التطبيع يتبين الحال (1) فقد سعوا لإفساد العقائد ، وهدم البراء من نفوس المسلمين ، وأقاموا مراكز للتجسس ، وأكاديميات لمسخ العقول ، كما أهلكوا الحرث والنسل بتدمير المزروعات وتصدير الأمراض وغير ذلك من البلاء العاجل .
وقد علم خبثهم عقلاء الكفار ، فخشوا منهم على شعوبهم ، وقد سبق أن ذكرنا في الفصل الأول كلام الرئيس الأمريكي (بنجامين فرانكلين) حيث قال:
"في كل أرض حل فيها اليهود أطاحوا بالمستوى الخلقي ، وأفسدوا الذمة التجارية فيها ، ولم يزالوا منعزلين لا يندمجون بغيرهم " ثم قال : " إذا لم يبعد هؤلاء من الولايات المتحدة بنص الدستور فإن سيلهم سيتدفق إلى أمريكا في غضون مائة سنة إلى حد يقدرون معه على أن يحكموا شعبنا ، ويدمروه ، ...حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في الحقول لإطعام الشعب اليهودي ".
ولاشك أن تسليط هؤلاء على الشعوب المسلمة من أعظم الغش لهم :
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" ، وفي رواية : " فلم يحطهما بنصحه لم يرح رائحة الجنة " .
وروى مسلم مرفوعاً : " ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة" .(2)
__________
(1) انظر المبحث الثاني من الفصل الأول حيث ذكرت بعض آثار السلام على مصر .
(2) ذكر هذه الأمور الستة ليست من باب حصر المنكرات الموجودة في هذه الاتفاقات ، بل لعلك لا تجد مادة تخلو من محظور شرعي ، ومن لم يقنعه ما سبق فلا حيلة فيه .(1/71)
المبحث الثالث :
شبهات وردود :
تمهيد:
اعلم أن أصحاب هذه الاتفاقات لم يثيروا شبهات يجيزون بها عملهم ؛ لسببٍ واحد وهو: أنهم لا يلتفتون إلى الشرع أصلاً ، ولا ينظرون في عملهم إذا كانوا موافقين للحق أو مخالفين له!!.
ولكن هناك من يثير – على سبيل التبرع منه – شبهات يحاول من خلالها إجازة مثل هذا العمل ، ومن أجازه على قسمين :
الأول : من لم يتصور الأمر من كل جوانبه ، بل ظن أن الأمر لا يتجاوز (الصلح) و(الهدنة) ونحو ذلك ، فأفتى بناء على هذا ، ولم يعرف حقيقة هذا (الصلح المزعوم) وتبعاته .
والثاني : متزلفون لا همّ لهم سوى تسويغ ما يفعله الحكام ، والبحث لهم عن مخارج وتأويلات شرعية !!.
والمقصود أن عدداً من الشبه قد أثيرت في هذا الباب ، وهي متشابهة ، وأهمها شبهات ست هي :
الشبهة الأولى : الاستدلال بقوله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) :
الشبهة الثانية : الاستدلال بصلح الحديبية :
الشبهة الثالثة : الاستدلال بمصالحة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود في المدينة:
الشبهة الرابعة : الاستدلال بقاعدة المصلحة :
الشبهة الخامسة : الاستدلال بجواز معاملة الحربيين :
الشبهة السادسة : الاستدلال بفتوى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى :
وسنجيب على جميع هذه الشبه بحول الله وقوته :
الشبهة الأولى :
الاستدلال بقوله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)
قالوا :
إن الله سبحانه قال (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) ، وهذه صورة السلام الموجود اليوم، حيث جنح اليهود للسلام وأرادوه ، وقد ضعف المسلمون عن مقاومتهم ، فيجوز لهم ذلك بنص هذه الآية .
والجواب عن الشبهة من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول :(1/72)
إن الصلح والهدنة مع الحربيين – بشروطها – جائزة بإجماع الفقهاء ، وليس هذا محل نزاعٍ أصلاً ، ومن الأدلة على الجواز هذه الآية ، وإنما الكلام في تحقيق مناط هذه الاتفاقيات ، وهل يسوغ تسميتها (سلماً) كما في الآية ؟.فلو أن المجاهدين– مثلاً – ضعفوا عن مقاومة أعدائهم ورأوا أن يهادنوهم ويصالحوهم – بشروط الصلح المعروفة – لجاز هذا الأمر ، ولم يقل أحد بتحريمه ومنعه .
أما الناظر في حال الحكومات العربية الآن فيعلم أنها في (سلم) و (هدنة) مع اليهود منذ زمن ؛ فإنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة عليهم ، ولم يجمعوا جيشاً ضدهم ، ولم يقوموا بتسليح المجاهدين في فلسطين ، ولم يفتحوا الحدود للمتطوعين من المسلمين .
فهم ليسوا في حالة حربٍ مع اليهود أصلاً حتى يجنحوا بعدها إلى السلم !!.
بل هم في (سلمٍ) معهم جنحوا بعده إلى زيادةٍ في (توليهم)!!.
فالمقصود بهذه الاتفاقات شيء آخر وراء (السلم) أو (الصلح) أو (الهدنة) :
والمسألة كلها لعب بالمصطلحات ، وخلط لها !! .
إن المقصود بهذا السلام (موالاة) اليهود والركون إليهم ، عن طريق تطبيع العلاقات معهم ، والاعتراف بهم ، وإقرارهم في ديار الإسلام ، وإعانتهم ، وتقوية اقتصادياتهم ، ومحاولة مسخ عقائد الولاء والبراء عند المسلمين في سبيل إرضائهم ، وتغيير مفهوم الجهاد ليأمنوا في بلاد فلسطين، وغير ذلك – مما سبق بيان بعضه – .
فهذا شيء ، والصلح الشرعي شيء آخر.
الوجه الثاني :(1/73)
لو سلمنا أن هؤلاء الحكام في حالة حربٍ مع اليهود ، وأن هذه الاتفاقات الجائرة هي من باب (السلم) المذكور في الآية ، فإن للسلم والصلح مع الأعداء شروطاً معروفة ، من أهمها شرطان (1):
أحدهما : أن يكون هذا الصلح لمصلحة المسلمين الشرعية ، كضعفٍ يسعى لتقويته بمهادنة الأعداء ، أو طمع في إسلامهم ، ونحو ذلك .
والثاني : أن يكون العقد مؤقتاً بمدة معينة ، أو مطلقاً غير محدد المدة ولكنه غير لازم .
وإذا نظرت إلى هذين الشرطين وجدت أنهما غير موجودين في هذا الصلح :
__________
(1) انظر في ذلك : (المبسوط) للسرخسي الحنفي 10/87 ، (تبيين الحقائق) للزيلعي الحنفي 3/246 ، (شرح مختصر خليل) للخرشي المالكي 3/151 ، (فتح العلي المالك) للشيخ عليش المالكي 1/393 ، (الأم) للشافعي 4/200 ، (مغني المحتاج) للشربيني الشافعي 6/88 ، (الإنصاف) للمردواي الحنلي 4/212 ، (كشاف القناع) للبهوتي الحنبلي 3/112 ، (سبل السلام) للصنعاني 2/500 ، (نيل الأوطار) 8/38 ، (الموسوعة الفهية) 25/238 .(1/74)
فهو لم يعقد لمصلحة المسلمين (الشرعية) ، بل لم يعقد إلا لمصلحة اليهود و مصلحة دنيوية لطائفة محدودة من الناس ، وأعظم دليل على ذلك أنهم لم يلتفتوا إلى أهل العلم الشرعي في اتفاقاتهم(1) .
وكذلك فإنهم لم يجعلوا هذا العقد مؤقتاً بمدة محدودة ، بل جعلوه لـ(السلام الدائم) وهذا تعطيل صريح للجهاد .
فلو سلمنا أنه صلح ، فشروط الصلح لم تحقق ، فهو صلح باطل.
الوجه الثالث :
لو سلمنا – من باب التنزل – أنه صلح شرعي ، وأن الشرطين السابقين متحققان ، فإنه قد ثبت في الصحيح مرفوعاً : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" .
__________
(1) قال الكتاني المالكي في (نصيحة أهل الإسلام) ص 148 : " قال علماؤنا وغيرهم : ولا تجوز للإمام والناس أن يهادنوا العدو ويصالحوه من غير ضرورة ولا مصلحة إجماعاً ؛ لأنه ترك للجهاد صورة ومعنى ، فإن فعلوا : كانوا غاشين لأنفسهم ولله تعالى ، آثمين عاصين ، فإن صالحوه لضرورة شرعية من : استعداد ، أو إقامة جيش ، أو طلب خديعة ، أو حيلة ، أو ما أشبه ذلك من المصالح التي يعود نفعها على المسلمين جاز ذلك ، قال ابن عبد البر عن سحنون : ولا يبعدوا في المدة ...فإن طولوها لغير ضرورة ولا مصلحة لم يجز أيضاً ، وكانوا غاشين لأنفسهم ولله تعالى ، آثمين عاصين ، وكيف يطول فيها سكوناً إلى الدعة والراحة ؟ واشتغالاً بما لا يجدي نفعاً ، بل ربما ضر من تأمل الوعيد السابق في ترك الجهاد والاستعداد .
وما وقع لكثير من أهل الأقطار ، من قبل عدوهم حتى صار يقطع لهم البحار ، ويتبعهم في الفيافي والقفار ، والمسلمون أمامه كأولاد الجراد ، هذا يتقدم أمام الآخر سالكين نهج الفرار ، إلا من طول المهادنة في تلك الأوطان ، وعدم ممارسة القتال وشدة الامتحان ، فسكنوا إلى الراحة ، واشتغلوا بالتكسب وأمور الزراعة ، وصار عدوهم يتحيل عليهم بأدنى التحيلات " اهـ.(1/75)
وبالنظر إلى الشروط الموجودة في هذا العقد(1) نجد أنه مليء بالشروط الباطلة ، كالاعتراف باليهود ، وحمايتهم ، وإدخالهم بلاد المسلمين ، وتطبيع العلاقات معهم ، على ما سبق بيانه في المباحث السابقة . فهو صلح فاسد .
فظهر لك في هذه الأوجه الثلاثة أن هذا (السلم) باطل على كل الأحوال ، والله المستعان.
واعلم أن هذه الأوجه المتقدمة تصلح جواباً لكل الشبه القادمة أيضاً .
الشبهة الثانية :
الاستدلال بصلح الحديبية :
قالوا :
قد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم هادن كفار مكة وصالحهم على ترك القتال في الصلح المشهور بـ(صلح الحديبية) ، وهذا الصلح مع اليهود من هذا الجنس .
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه :
الوجه الأول : أن الرسول صلى الله عليه وسلم صالح قوماً كفاراً كان يقاتلهم ويغزوهم ، أما هذه الاتفاقات فليست بين قومٍ متقاتلين أصلاً ، بل بين متسالمين ، وإنما يريدون أمراً آخر فوق (السلم) و (الصلح) كما سبق بيانه في الجواب على الشبهة الأولى.
الوجه الثاني : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقاتل أولئك تحت راية إسلامية ، لنشر الإسلام .
أما هؤلاء فيقاتلون – إن صح تسميتهم بالمقاتلين – تحت رايات قومية وعلمانية وعمية جاهلية .
الوجه الثالث : أن الرسول صلى الله عليه وسلم صالح كفار قريش بناء على تأييد الوحي له من السماء ، لذلك قال لمن أنكر الصلح ابتداء : " إني رسول الله ، ولست أعصيه ، ولن يضيعني " . ونزل قوله تعالى (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) بعد هذا الصلح ، فسماه الله فتحاً .
أما هذه الاتفاقات فإنها تمت استناداً إلى طواغيت هيئة الأمم المتحدة وأحكامها الجاهلية.
__________
(1) في هذا الوجه الكلام : على (الشروط في صلب العقد) ، والوجه الذي قبله : على (شروط العقد نفسه).(1/76)
الوجه الرابع : أن صلح الحديبية كان مؤقتاً بعشر سنوات ، أما هؤلاء فيتفقون على (السلام الدائم) ، وهو المؤدي إلى إلغاء الجهاد بالكلية (1).
الوجه الخامس : أن صلح الحديبية ليس فيه تطبيع للعلاقات مع كفار مكة ، أو فتح للسفارات ، أو تبادل ثقافي ، أو إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة ، أو سعي لإزالة العداء من نفوس المسلمين ضد المشركين ، أو إلغاء للجهاد ، كما هو حال هذه الاتفاقات .
الوجه السادس : أن صلح الحديبية إنما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لمصلحة الإسلام والمسلمين ، حيث تفرغ للجهاد ونشر الإسلام وإرسال الرسل للدعوة ، ففتح خيبر ، وغزا عدداً من الغزوات ، وراسل ملوك الأرض ، فجعل الله في هذا الصلح خيراً كثيراً ، كما قال الزهري رحمه الله عن صلح الحديبية : " فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس ، فلما كانت الهدنة ، ووضعت الحرب ، وآمن الناس بعضهم بعضاً ، والتقوا ، فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه ، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر " (2).
أما هذه الاتفاقات فليس فيها شيء من هذا مطلقاً ، بل العكس هو الصحيح ، إذ ستكون في صالح اليهود : ينشرون دعوتهم ، ويستقدمون بقيتهم ، ويبنون مستوطناتهم ، ويعززون اقتصادهم ، ويحفظون أمنهم ، ويتجاوزون أزماتهم ، ويطورون أسلحتهم ، ويمسخون عقائد المسلمين ، إلى غير هذا مما هو معروف عنهم ، فأي قياس بين الصلحين؟!.
الوجه السابع : أن الجهاد نوعان – كما سبق – :
جهاد طلب : وهو أن يغزو المسلمون الكفار في بلادهم .
وجهاد دفع : وهو أن يغزو الكفار بلاد المسلمين فيدافعونهم .
__________
(1) ذكرت ص 62 تفصيلاً عن مسألة الصلح المؤقت والمطلق فراجعه إن شئت .
(2) سيرة ابن هشام) 3 / 322 .(1/77)
فإذا تبين هذا ؛ فاعلم أن صلح الحديبية كان لوقف (جهاد الطلب) عن مشركي مكة خاصة ، فهو وقف مقيد من وجهين :
الأول : قيد زماني : وهو عشر سنوات .
الثاني : قيد مكاني : وهو ترك غزو كفار مكة فقط – ومن معهم – دون غيرهم .
لذلك لم يتوقف الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغزوات ، بل اتجه إلى الشمال بعد مهادنة مكة وفتح خيبر وغيرها .
وأما في حالتنا : فإن الجهاد الواجب على المسلمين اليوم هو جهاد الدفع ، فالعدو دخل ديار المسلمين وعاث فيها فساداً ، وجهاد الدفع من أعظم أنواع الجهاد لأنه بالسكوت عليه سيفسد دين الأمة(1) .
قال ابن حزم رحمه الله تعالى (2):
"واتفقوا – يعني العلماء – أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام وقراهم وحصونهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (3):
" وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً ، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم".
وقال : " وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة ، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا ".
__________
(1) كالحال بالنسبة للأندلسيين لما تركوا جهاد الكفار الذين أخذوا بلادهم الواحدة تلو الأخرى ، فإن الحال انتهى بهم إلى الارتداد عن الدين والدخول في النصرانية مما هو مشهور في كتب التاريخ .
(2) مرتب الإجماع : ص 138.
(3) الفتاوى الكبرى 4/520 ) .(1/78)
وقال الكتاني (1): " وأما إذا كان الجهاد فرض عين ؛ بأن كان العدو طالباً للمسلمين غير مطلوبٍ لهم – كما هو الحال اليوم – وكانوا نصفه عدداً أو اثني عشر ألفاً فأكثر ، فذكر في (المعيار) في كتاب (الجهاد) من جوابٍ لبعض فقهاء تلمسان : إنه لا يجوز الصلح والهدنة بحال ، وإن وقع وجب نقضه ، قال : لا سيما إن طالت مدته ، فقد عادت على العدو – أهلكه الله – مصلحته ، وعلى المسلمين مفسدته ، وإن تخيلت فيه مصلحة ، فهي للعدو أعظم من وجوه مكملة ؛ فإنه يتحصن في تلك المدة ، ويكثر من آلات الحرب والعدة ، فيتعذر على المسلمين الاستنقاذ ، ويصعب عليهم تحصيل المراد ، بعد تيسره لو ساعد التوفيق " .
وقال أيضاً (2): " قال بعضهم : وكيف يصح الصلح والهدنة من العدو الطالب للمسلمين ، النازل بأرضهم. والله سبحانه يقول : (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ) الآية ؟!. فهو استفهام بمعنى الإنكار والاستبعاد لأن يكون لهم عهد ولا ينكثون مع وغرة صدورهم ، يعني محال أن يثبت لهؤلاء عهد ، فلا تطمعوا في ذلك ...والصلح الوارد عنه صلى الله عليه وسلم إنما هو منه إليهم ؛ لأنهم مطلوبون وقتئذٍ ، لا منهم إليه ، بحيث ظهر عليهم – عليه الصلاة والسلام – وطالبهم في أرضهم ، جاز صلحه لمصلحة . ولا شك أن العدو الكافر النازل بأرض الإسلام والذي أخذ لهم الثغور والأمصار قد ظهر عليهم ، فكيف يرتقب عهده ، وتسكن النفس إليه ؟ وكيف يكون للمغلوب على غالبه الكافر عهد وميثاق ؟ " .
الشبهة الثالثة :
الاستدلال بمصالحة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود:
قالوا :
إن الرسول صلى الله عليه وسلم صالح اليهود في المدينة ، فصالح بني قريظة ، وبني قينقاع ، وبني النظير ، وهؤلاء اليهود في فلسطين من جنس أولئك اليهود ، فتجوز مصالحتهم .
والجواب من وجوه :
__________
(1) نصيحة المسلمين) ص 149 .
(2) المرجع نفسه ص 150 .(1/79)
الوجه الأول : أن اليهود الذين صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا موجودين قبل مجيئه إلى يثرب ، فهم لم يغتصبوا أرضاً للمسلمين ، ولم يقتلوا أحداً منهم آنذاك أو يخرجوه من دياره .
أما هؤلاء اليهود فقد اغتصبوا أراضي المسلمين ، وأخذوا المسجد الأقصى ، وشردوا أمماً ، وقتلوا آخرين ، وفعلوا الأعاجيب .
الوجه الثاني : أن أولئك كانوا رعايا تحت قيادة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما ذكر في عقده معهم : " وإنه لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم "(1) .
أما هؤلاء فالعكس هو الأقرب ، فهم الذين يشترطون ويأمرون وينهون .
الوجه الثالث : أن احتكام أولئك اليهود كان إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في العقد : " وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدثٍ أو اشتجارٍ يخاف فساده ، فإن مرده إلى الله عز وجل ، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم "(2) .
أما هؤلاء فالتحاكم بينهم إلى طواغيت الأمم المتحدة وأحكامها الجاهلية .
الوجه الرابع : أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في كتابه لهم : " وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره"(3) . فالله سبحانه راضٍ عنها وعن عقدها .
أما هذه الاتفاقات فلم يرض بها إلا طواغيت الأمم المتحدة من صليبيين ويهود .
الوجه الخامس : أن عقد معاهدات على نحو تلك التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم ليست هي محل نقاشنا هنا ، بل الكلام في تمكين اليهود من اغتصاب أرض المسلمين ، وحماية حدودهم ، وإعانتهم على المجاهدين ، ومسخ الولاء والبراء في سبيل التودد إليهم ، وإلغاء شريعة الجهاد ، وفتح بلاد المسلمين لخبثهم ، ونحو ذلك مما سبق بيانه ، فحاشا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل شيئاً من ذلك أو يقره ، والله المستعان .
الوجه السادس : أن اليهود الذين صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم نقضوا عهودهم الواحد تلو الآخر :
__________
(1) سيرة ابن هشام 2 / 503 .
(2) سيرة ابن هشام 2 / 504 .
(3) المرجع نفسه : 2/504 .(1/80)
فلو أن أحداً استدل بهذا على عدم جوازه معهم لكان له وجاهة ؛ وذلك أنهم نقضوا العهود تباعاً : فأول من نقضها : بنو قينقاع ، ثم بنو النظير ، ثم بنو قريظة ، وقد قال تعالى عنهم (أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم) ، وقال (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) .
الشبهة الرابعة :
الاستدلال بقاعدة المصلحة :
قالوا :
إن مصلحة المسلمين تقتضي مصالحة اليهود في الوقت الحاضر ، لأنهم لا يقدرون على قتالهم ، وقد جاء الشرع باعتبار المصالح.
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه :
الوجه الأول : أن باب مصالحة أعداء الله من الكفار والحربيين – بشروطها – جائز بالإجماع كما سبق ، وليس هذا موضع حديثنا ، بل الكلام على هذا (الصلح المزعوم) :
هل يصح أن يسمى صلحاً شرعياً تنزل عليه أحكامه أو لا ؟ .
وقد تقدم بيان البون الشاسع بين الصلح الشرعي وبين هذا الصلح المزعوم في أجوبة الشبهة الأولى فانظرها هناك .
الوجه الثاني : لو سلمنا أن المصلحة تقتضي مصالحة هؤلاء ؛ فهذا يعني الهدنة فقط وترك القتال لفترةٍ كما هو المشروع في حال ضعف المسلمين ، فالمصلحة مهما عظمت لا تبيح إلغاء شريعة الجهاد ، ومسخ الولاء والبراء ، وتسليط اليهود على المسلمين ، ونحوها من مفاسد هذه الاتفاقات السابقة ، بل إن قتل جميع المسلمين عن بكرة أبيهم أفضل من وقوعهم في هذه المصائب التي لا تبقي ديناً ولا دنيا ، والله المستعان .(1/81)
الوجه الثالث : أن المصلحة المعتبرة في الشرع ليست مصلحة فئات محدودة من الناس ، ولا مصلحة الحفاظ على الحكم والرياسات من الزوال ، بل هي المصلحة الشرعية التي تحفظ للمسلمين دينهم ودنياهم(1) ، فإن خيف على دينهم فيحفظ ولو كان هذا بزوال دنياهم ، والحاصل هنا هو العكس ، فإنهم يريدون أن يحفظوا دنيا فئة محدودة ولو كان هذا بزوال دين أكثر المسلمين .
قال الشاطبي رحمه الله (2):
" إن المنافع الحاصلة للمكلف مشوبة بالمضار عادة ، كما أن المضار محفوفة ببعض المنافع ، كما نقول : إن النفوس محترمة محفوظة ومطلوبة الإحياء ، بحيث إذا دار الأمر بين إحيائها وإتلاف المال عليها ، أو إتلافها وإحياء المال ؛ كان إحياؤها أولى ، فإن عارض إحياؤها إماتة الدين ؛ كان إحياء الدين أولى وإن أدى إلى إماتتها ، كما جاء في جهاد الكفار ، وقتل المرتد ، وغير ذلك " .
وهنا – في قاعدة المصالح – لا بد التنبيه على ثلاثة أمور :
الأمر الأول :
أن المصالح الشرعية المعتبرة ليست منوطة بأهواء الناس وشهواتهم ، بل مبنية على النظر الشرعي الصحيح القائم على الأدلة ، والنظر إلى اليوم الآخر ، وإلا لاضطرب الناس في تقدير المصالح لاختلاف أهوائهم .
قال الشاطبي رحمه الله (3): " إن المصالح إنما اعتبرت من حيث وضعها الشارع كذلك ، لا من حيث إدراك المكلف ؛ إذ المصالح تختلف عند ذلك بالنسب والإضافات ".
__________
(1) كما قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله في مسألة مشابهة (الدرر) 8/374 : "غلط صاحب الرسالة في معرفة الضرورة ، فظنها عائدة إلى ولي الأمر في رياسته وسلطانه ، وليس الأمر كما زعم ظنه ، بل هي ضرورة الدين ، وحاجته إلى ما يعين عليه وتحصل به مصلحته ، كما صرح به من قال بالجواز ".
(2) الموافقات) 2/64.
(3) الموافقات) 5/42 .(1/82)
وقال أيضاً (1): " المصالح المجتلبة شرعاً والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى ، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ، أو درء مفاسدها العادية " .
وقال أيضاً (2): " والمصالح والمفاسد الأخروية مقدمة في الاعتبار على المصالح والمفاسد الدنيوية باتفاق ؛ إذ لا يصح اعتبار مصلحة دنيوية تخل بمصالح الآخرة ، فمعلوم أن ما يخل بمصالح الآخرة غير موافق لمقصود الشارع ؛ فكان باطلاً " .
الأمر الثاني :
أن مثل هذه القواعد لا يستدل بمجردها على النوازل والفروع لأحد سببين :
الأول : أن تكون هذه القواعد أغلبية ليست كلية ، فلا يصح أن تكون دليلاً للمستجد من النوازل ، كما قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله : "لا يجوز الفتوى بما تقتضيه القواعد والضوابط ؛ لأنها ليست كلية ، بل أغلبية " (3).
وجاء في شرح مجلة الأحكام العدلية (4): " فحكام الشرع ما لم يقفوا على نقل صريح لا يحكمون بمجرد الاستناد إلى واحدة من هذه القواعد " .
الثاني : أن تكون هذه القواعد كلية تعم جميع فروعها ، وقائمة على الاستقراء التام ؛ إلا أن التحقق من اندراج هذا الفرع بعينه تحت هذه القاعدة يحتاج إلى دليل مستقل ، كقاعدة المصالح ؛ فإن الشرع أتى لتحقيق المصالح وتكميلها ، وإبطال المفاسد وتقليلها ، وهذه قاعدة كلية لا يشذ عنها فرع ، إلا أن التحقق من المصلحة الشرعية في الفرع تحتاج إلى دليل يثبت وجودها ؛ لأن العقل قد يتخيل ويتوهم وجود المصلحة وهي في حقيقتها مفسدة ، أو تكون مصلحة إلا أنها يحصل بسببها مفسدة أعظم منها .
الأمر الثالث :
أن الدليل الشرعي حيث وجد فهناك المصلحة ، وحيث وجدت المصلحة فقد دل عليها الدليل ، ولا يمكن أن توجد مصلحة لا يدل عليها دليل ، أو دليل لا مصلحة فيه ، وحيث توهم أحد وجود ذلك فلأحد سببين :
__________
(1) الموافقات) 2/63 .
(2) الموافقات) 3/124 .
(3) انظر (القواعد الفقهية) للندوي ص 293 .
(4) نفس المرجع .(1/83)
الأول : أن تكون المصلحة موهومة لا حقيقية (1).
الثاني : أن يكون الدليل غير صحيح ؛ إما في ثبوته أو في دلالته .
ولما كان عقل الإنسان قاصراً لا يستقل بمعرفة المصالح ، شرع الله سبحانه وتعالى له الشرائع التي توصله إلى مصالحه الدنيوية والأخروية ؛ وبيّن له الأدلة التي تدله على ذلك ؛ لذلك كان لا بد من الرجوع إلى الكتاب والسنة للاستدلال على النوازل ، والله تعالى أعلم.
الشبهة الخامسة
جواز معاملة الكفار :
قالوا :
قد دلت الأدلة على جواز معاملة الكفار بالتجارة ، وإرسال الرسل إليهم ، ونحو هذا ، والسلام مع اليهود من هذا الجنس المشروع .
والجواب على هذه الشبهة من ثلاثة وجوه :
الوجه الأول :
أن الله سبحانه وتعالى قال (إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) ، فقد نهانا الله سبحانه عن هؤلاء ، وهذه الصفات تنطبق على اليهود تماماً ؛ فإنهم قاتلونا في الدين ، وأخرجوا المسلمين من ديارهم ، وظاهروا على إخراجهم .
الوجه الثاني :
__________
(1) ويدخل في المصلحة الموهومة ما إذا كانت معارضة بمصلحة أرجح ، أو متضمنة لمفسدة أعظم .(1/84)
أن معاملة الكافر الحربي من بيع وشراء ونحوها تجوز ، إلا أنه لا يجوز معاملته بما فيه تقويته على حرب المسلمين ، ويتأكد هذا في مثل هذا العدو الجاثم على أراضي الإسلام ، و الفقهاء رحمهم الله تعالى نصوا على منع معاملة الحربيين بما فيه تقويتهم على المسلمين(1) ، وهذه الاتفاقات تزيد من قوة اليهود وتجعلهم يتجاوزون أزمات اقتصادية كثيرة .
الوجه الثالث :
لو سلمنا جدلاً جواز معاملة الكافر بالتجارة ونحوها مطلقاً ؛ فالمسألة أعظم من هذا بكثير :
فالمسألة اعتراف بهم ، وحماية لحدودهم ، وإعانة لهم على المجاهدين ، وتمكين لهم من بلاد الإسلام ، ومسخ لعقيدة البراء من الكفار ، وإلغاء لشريعة الجهاد ، وغيرها من العظائم ، فأين هذه الأمور من مجرد المعاملات المباحة التي ذكرها الفقهاء ؟!!.
الشبهة السادسة
الاستدلال بفتوى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى
قالوا :
قد أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في عام 1415 بجواز السلام مع اليهود ، ونشرت هذه الفتوى في حينها ، والشيخ رحمه الله معروف بعلمه وورعه ، وهذا دليل على جوازه .
والجواب عن هذه الشبهة أن يقال :
__________
(1) انظر على سبيل المثال : (شرح السير الكبير) 1243 ، (حاشية ابن عابدين) 3/226 ، (تبصرة الحكام) 2/366 ، (جواهر الإكليل) 2/3 ، وفي (الدواهي المحمية) للكتاني ص 118 قال : " وكما تمنع الاستعانة بهم ، يمنع أن يباع لهم آلة الحرب من سلاح أوكراع أو سرج ، وجميع ما يتقوون به على الحرب من نحاس أو خباء أو آلة سفر وماعونه ، ويجبرون على بيع ذلك إن وقع ، وتحريمها يتفاوت إثمه ، قال سحنون : من أهدى للمشركين سلاحاً فقد أعان واشترك في دماء المسلمين ، وكذلك في بيعه منهم . وقال الحسن : من حمل إليهم الطعام فهو فاسق ، ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن . وكلام الشاطبي في المعيار يقتضي أن المذهب المنع من بيع الطعام لهم مطلقاً – في الهدنة وغيرها ، والدة وغيرها – "اهـ .(1/85)
إن فتوى الشيخ رحمه الله تعالى كانت مقصورة على الكلام حول الهدنة والصلح المشروع ، ولم تتطرق أبداً إلى تطبيع العلاقات ، أو التحاكم إلى الطواغيت ، أو ضرب المجاهدين ، أو إلغاء الجهاد في سبيل الله ، أو محاربة عقيدة الولاء والبراء بين المسلمين ، أو الكلام على مواد هذه المعاهدات ، ونحو ذلك من المخالفات الشرعية الواردة فيها ، والذي يعلم بطلانه بالإجماع بمجرد النظر إلى تلك المواد ، وقد أوردت نموذجاً منها في آخر الكتاب .
ولكنّ الصحفيين حرفوا المقصود من هذه الفتوى ، ونقلوها من جواز الهدنة والصلح ، فجعلوها نصاً في جواز التطبيع والسلام الدائم ، وحمّلوا كلامه ما لا يحتمل ، فلبّسوا بذلك ودلسوا على المسلمين .
و سأسوق من فتاوى الشيخ رحمه الله ورسائله ما يدل دلالة قاطعة على أنه يحرم هذا التطبيع ، أو السلام مع اليهود بصورته المذكورة في اتفاقاتهم ، ومن هذه الفتاوى:
حكم التحاكم إلى قوانين الأمم المتحدة في هذا السلام .
حكم إعانة اليهود ضد المجاهدين .
حكم الدعوة إلى إزالة العداء بين المسلمين واليهود .
حكم من يقول : ليس بيننا وبين اليهود عداء .
حكم من يقول : أن علاقة الإسلام بغيره من الأديان والشعوب الأخرى هو السلام العام والمحبة.
حكم سفر المسلمين للسياحة في بلاد اليهود.
حكم تمكين اليهود من الدخول إلى جزيرة العرب.
حكم الدعاء إلى حوار الحضارات أو التقارب بين الأديان أو وحدة الأديان.
حكم الدعوة إلى إقامة دولة علمانية .
حكم التطبيع الثقافي مع اليهود .
أولاً : التحاكم إلى قوانين الأمم المتحدة في هذا السلام :
وقد ذكرنا في المنكر الأول أن هذه المعاهدات إنما يكون التحاكم فيها إلى طواغيت الأمم المتحدة ، وللشيخ ابن باز رحمه الله تعالى فتاوى ومقالات ومؤلفات كثيرة في تحريم هذا الأمر ، ووجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة ، ومن ذلك :
قوله رحمه الله (1):
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) 5/143 .(1/86)
"يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء لا إلى القوانين الوضعية والعادات والأعراف القبلية.
قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا ) وقال تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .
فيجب على كل مسلم أن لا يقدم حكم غير الله ورسوله كائنا من كان ، فكما أن العبادة لله وحده فكذلك الحكم له وحده كما قال سبحانه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ) ، فالتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المنكرات ، وأقبح السيئات ، وفي كفر صاحبه تفصيل ، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
فلا إيمان لمن لم يحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أصول الدين وفروعه وفي كل الحقوق ، فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله فقد تحاكم إلى الطاغوت ."اهـ.
وقال أيضاً رحمه الله (1):
__________
(1) في كتاب (وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه) وهو في الفتاوى : 1/ 72- 81.(1/87)
"فلا يتم إيمان العبد إلا إذا آمن بالله ، ورضي حكمه في القليل والكثير ، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن من شئونه ، في الأنفس والأموال والأعراض ، وإلا كان عابداً لغيره ، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) فمن خضع لله سبحانه ، وأطاعه ، وتحاكم إلى وحيه ، فهو العابد له ، ومن خضع لغيره ، وتحاكم إلى غير شرعه ، فقد عبد الطاغوت ، وانقاد له ، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا ) .(1/88)
والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه ، من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، فالله سبحانه هو رب الناس وإلههم ، وهو الذي خلقهم ، وهو الذي يأمرهم وينهاهم ، ويحييهم ويميتهم ، ويحاسبهم ويجازيهم ، وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه ، قال تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) فكما أنه الخالق وحده ، فهو الآمر سبحانه ، والواجب طاعة أمره ... إذا علم أن التحاكم إلى شرع الله من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، فإن التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والعرافين ونحوهم ينافي الإيمان بالله عز وجل ، وهو كفر وظلم وفسق ، يقول الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )ويقول: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ويقول: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ... ومما تقدم يتبين لك أيها المسلم أن تحكيم شرع الله والتحاكم إليه مما أوجبه الله ورسوله ، وأنه مقتضى العبودية لله ، والشهادة بالرسالة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن الإعراض عن ذلك أو شيء منه موجب لعذاب الله وعقابه ، وهذا الأمر سواء بالنسبة لما تعامل به الدولة رعيتها ، أو ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كل مكان وزمان ، وفي حال الاختلاف والتنازع الخاص والعام، سواء كان بين دولة وأخرى ، أو بين جماعة وجماعة ، أو بين مسلم وآخر ، الحكم في ذلك كله سواء(1/89)
، فالله سبحانه له الخلق والأمر ، وهو أحكم الحاكمين"اهـ.
وقال أيضاً رحمه الله (1):
" وكل دولة لا تحكم بشرع الله ، ولا تنصاع لحكم الله ، ولا ترضاه ، فهي دولة جاهلية كافرة ، ظالمة ، فاسقة ، بنص هذه الآيات المحكمات ، يجب على أهل الإسلام بغضها ، ومعاداتها في الله ، وتحرم عليهم مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده ، وتحكم شريعته ، وترضى بذلك لها وعليها "(2).
ثانياً : حكم إعانة اليهود ضد المجاهدين :
وقد ذكرنا فيما تقدم في المنكر الرابع : أن هذه المعاهدات تولٍ لأعداء الله ومظاهرة لهم على المجاهدين ، وكلام الشيخ ابن باز رحمه الله في هذه المسألة ظاهر جداً ، فقد قال رحمه الله (3):
"وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم ، كما قال الله سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) " . اهـ .
ثالثاً : حكم الدعوة إلى إزالة العداء بين المسلمين والكفار:
وقد ذكرنا فيما تقدم في المنكر الخامس : أن هذه المعاهدات تهدم أصل البراء من الكفار ، وللشيخ رحمه الله كلام كثير حول هذه المسألة ، منها :
__________
(1) من كتابه تقد القومية العربية ، وهو في الفتاوى : 1/305 .
(2) وكلام الشيخ رحمه الله تعالى في هذه المسألة كثير جداً ، ونكتفي بهذه النقول ، وانظر فتاوى اللجنة 1/ 779-794، وليعلم أن مسألتنا هنا في تحريم هذا التحاكم إلى الطاغوت ؛ سواء كان التحاكم كفراً أكبر ، أو كفراً أصغر ، فعلى الحالين : لا يجوز ، وكلام الشيخ واضح في تحريم مثل هذا الأمر والتشديد فيه ، وهذا أول رد على من يقول أن الشيخ رحمه الله تعالى يجيز مثل هذه المعاهدات.
(3) الفتاوى : (1/274) .(1/90)
أن صحيفة عكاظ نشرت مقالاً يتعلق بإقامة احتفال بمناسبة صلاة الجمعة في مسجد قرطبة وأنه يؤكد على علاقات الإخوة والمحبة بين الديانتين الإسلام والمسيحية ، وفي نفس الوقت نشرت جريدة أخرى هذا الخبر وقالت : إنه يؤكد سماحة الإسلام وأن الدين واحد ، فقام رحمه الله بالرد على الجريدتين في مقال من خمس صفحات ، بدأه بقوله(1) :
" ونظراً إلى ما في هذا الكلام من مصادمة الأدلة الشرعية الدالة على أنه لا أخوة ولا محبة بين المسلمين والكافرين ، وإنما ذلك بين المسلمين أنفسهم ، وأنه لا اتحاد بين الدينين الإسلامي والنصراني ، لأن الدين الإسلامي هو الحق الذي يجب على جميع أهل الأرض المكلفين اتباعه ، أما النصرانية فكفر وضلال بنص القرآن الكريم ، ...أما الكفار : فيجب بغضهم في الله ، ومعاداتهم فيه سبحانه ، وتحرم موالاتهم ، وتوليهم ، حتى يؤمنوا بالله وحده ، ويدعوا ما هم عليه من الكفر والضلال "اهـ .
والكلام المذكور في (رابعاً وخامساً) أيضاً من هذا الباب .
رابعاً : حكم من يقول : ليس بيننا وبين اليهود عداء :
ونشرت بعض الصحف تصريحاً لأحدهم قال فيه ما نصه : " إننا لا نكن العداء لليهود واليهودية " .
فرد عليه رحمه الله في أكثر من عشر صفحات وكان مما قاله (2):
" ولما كان هذا الكلام في شأن اليهود واليهودية يخالف صريح الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة ، ويخالف العقيدة الإسلامية ، وهو تصريح قد يغتر به بعض الناس ، رأيت التنبيه على ما جاء فيه من الخطأ نصحاً لله ولعباده فأقول :
__________
(1) الفتاوى : 2/173-177 .
(2) الفتاوى : 2/ 178 – 189 .(1/91)
قد دل : الكتاب ، والسنة ، وإجماع المسلمين ، على أنه يجب على المسلمين أن يعادوا الكافرين من اليهود والنصارى وسائر المشركين ، وأن يحذروا مودتهم واتخاذهم أولياء – ثم ذكر مجموعة من الآيات وقال – و الآيات في هذا المعنى كثيرة ، وهي تدل دلالة صريحة على وجوب بغض الكفار من اليهود والنصارى وسائر المشركين ، وعلى وجوب معاداتهم حتى يؤمنوا بالله وحده ، وتدل أيضاً على تحريم مودتهم وموالاتهم ، وذلك يعني بغضهم والحذر من مكائدهم ، وما ذاك إلا لكفرهم بالله ، وعدائهم لدينه ، ومعاداتهم لأوليائه ، وكيدهم للإسلام وأهله... ومواقف اليهود من الإسلام ورسول الإسلام وأهل الإسلام كلها تشهد لما دلت عليه الآيات الكريمات من شدة عداوتهم للمسلمين ، والواقع من اليهود في عصرنا هذا وفي عصر النبوة وما بينهما من أكبر الشواهد على ذلك ، ... فالواجب على أهل الإسلام أن ينتبهوا لهذه الأمور العظيمة ، وأن يعادوا ويبغضوا من أمرهم الله بمعاداته وبغضه من : اليهود والنصارى وسائر المشركين حتى يؤمنوا بالله وحده...إلى أن يقول : وفي قوله تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) دلالة ظاهرة على أن جميع الكفار كلهم أعداء للمؤمنين بالله سبحانه وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن اليهود والمشركين عباد الأوثان أشدهم عداوة للمؤمنين ، وفي ذلك إغراء من الله سبحانه للمؤمنين على معاداة الكفار والمشركين عموماً ، وعلى تخصيص اليهود والمشركين بمزيد من العداوة في مقابل شدة عداوتهم لنا ".
خامساً : حكم من يقول : أن علاقة الإسلام بغيره من الأديان والشعوب الأخرى هو السلام العام والمحبة :(1/92)
وهذا ما يدندن عليه أهل هذا السلام المزعوم ، ومقولتهم هذه يرددونها دائماً ، وقد نشرت جريدة الجزيرة السعودية بتاريخ 16/5/1415 مقالاً لأحد المنتسبين للعلم بعنوان (علاقة الإسلام بالأديان الأخرى) وجاء فيه : " الإسلام يحرص على أن يكون أساس علاقاته مع الأديان والشعوب الأخرى هو السلام العام والود والتعاون " .
فرد الشيخ رحمه الله تعالى على هذه المقولة في ست صفحات ، ومما قاله (1):
" ولقد كدرني كثيراً ما تضمنته هذه الجمل من المعاني المخالفة للآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، ورأيت من النصح لسماحتكم التنبيه على ذلك : فإنه لا يخفى على سماحتكم أن الله سبحانه قد أوجب على المؤمنين بغض الكفار ، ومعاداتهم ، وعدم مودتهم وموالاتهم ، كما قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) – ثم ذكر مجموعة من الآيات وقال – فهذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها من الآيات الأخرى كلها تدل على وجوب بغض الكفار ، ومعاداتهم ، وقطع المودة بينهم وبين المؤمنين حتى يؤمنوا بالله وحده " اهـ.
سادساً : حكم سفر المسلمين للسياحة في بلاد اليهود :
__________
(1) الفتاوى : 8/190 – 195 .(1/93)
وهو من أهداف هذا السلام المزعوم ، وللشيخ رحمه الله تعالى رسائل كثيرة وفتاوى يحذر فيها من السفر إلى بلاد الكفار ، وله رسالة منشورة بعنوان (التحذير من السفر إلى بلاد الكفرة وخطره على العقدية والأخلاق)(1) ، وكتب مقالاً من ثلاث صفحات رداً على شركة سياحية تدعو إلى السياحة في بلاد الكفار (2) .
وقد سئل عن السياحة البريئة !! في اليونان والنمسا فأجاب (3):
" لا يجوز السفر لبلاد أهل الشرك إلا لمسوغ شرعي ، وليس قصد الفسحة مسوغاً للسفر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" رواه أبو داود ؛ لذلك ننصحك بعدم الذهاب لتلك البلاد ونحوها للغرض المذكور لما في ذلك من التعرض للفتن ، والإقامة بين أظهر الكفار ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين" ، وجاء في هذا المعنى أحاديث أخرى" .
سابعاً : حكم تمكين اليهود من دخول جزيرة العرب :
للشيخ رحمه الله فتاوى كثيرة ورسائل في وجوب إخراج الكفار من جزيرة العرب وعدم تمكينهم فيها ، خصوصاً من يخشى خطره منهم على العقيدة والأخلاق ، وله رسالة في (وجوب الحذر من استقدام غير المسلمين)(4) ، ومن كلامه في خطر وجود الكفار في جزيرة العرب (5):
" فوجود غير المسلمين في هذه الجزيرة العربية فيه خطر عظيم على المسلمين في عقائدهم وأخلاقهم ومحارمهم ، وقد يفضي إلى موالاة الكفار والتزيي بزيهم " .
__________
(1) وهي في المجلد الرابع من الفتاوى : ص 192 ، وله في نفس المجلد فتاوى في التحذير من ذلك : ص 129 ، ص 195.
(2) الفتاوى : 4/197-199. وانظر 9/299، وله فتاوى كثيرة في هذا المجلد السابع والتاسع ، وله فتاوى أيضاً في ذلك في فتاوى اللجنة الدائمة وغيرها .
(3) فتاوى اللجنة الدائمة 2/108 .
(4) في الفتاوى 8/ 353 – 356 ، وانظر 4/392.
(5) الفناوى : 4/393.(1/94)
وعقدت إحدى المجلات لقاء معه ، وكان عنوان اللقاء (يجب ألا يبقى في جزيرة العرب إلا المساجد والمسلمون) ومما جاء فيه (1):
"لقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لا يجتمع في جزيرة العرب دينان" ، وصح عنه أيضاً أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة ، وأمر ألا يبقى فيها إلا مسلم ، وأوصى عند موته عليه الصلاة والسلام بإخراج المشركين من الجزيرة ، فهذا أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه شك ، والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية كما نفذها خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم ، فعلى الحكام في السعودية والخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة ، عليهم جميعاً أن يجتهدوا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة ، وألا يستقدموا إلا المسلمين ، هذا هو الواجب ، وهو مبين بياناً جلياً في قواعد الشرع ، فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة ، وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله " .
ثامناً : حكم الدعاء إلى حوار الحضارات أو التقارب بين الأديان أو وحدة الأديان :
__________
(1) الفتاوى : 3/282-287 ، والكلام هذا في 3/285 ، 286 .(1/95)
سبق أن ذكرنا أن من أهداف التطبيع التقريب بين الأديان(1) ، وقد يسمون هذا حوار الأديان ، أو حوار الحضارات ، ونحوها من العبارات ، وأصل هذه الدعوة إزالة حاجز الولاء والبراء من نفوس المسلمين ، وكلام الشيخ رحمه الله السابق في وجوب معاداة الكفار ظاهر جداً في التحذير من هذه الدعوة ، إلا أن له فتوى خاصة طويلة – هي من أواخر ما أفتى بها قبل موته رحمه الله – وهي عن الدعوة إلى وحدة أو تقارب الأديان ، و مما جاء فيها (2):
__________
(1) ليس المراد من الدعاء إلى (حوار الحضارات) أو (التقريب بين الأديان) أن تتحد هذه الأديان في دين واحدٍ يتفق عليه الجميع ، هذا يندر من يدعو إليه ، وإنما المشهور في هذه الدعوة الخبيثة هو : إزالة الحواجز النفسية والعقدية عن المسلمين والتي تحول بينهم وبين محبة أتباع الأديان الأخرى ، و بمعنى أوضح : فهي إزالة عقيدة الولاء والبراء من نفوسهم ، حتى لا يكون ولاؤهم للمسلمين فقط ، وحتى لا يعادون الكفار ، بل يكون النظر في الانتساب للدين بين الناس ، كالنظر في الانتساب للمذاهب الفقهية بين المسلمين ، ويكون الولاء في هذه العقيدة لأهل السلام في الأرض (الذين يبحثون عن التعايش السلمي) بغض النظر عن دينهم ، وتكون المعاداة للإرهابيين الذين يحاربون عملية (التعايش السلمي) بغض النظر عن دينهم!! .
(2) وهي فتوى طويلة انظرها كاملة في (فتاوى اللجنة) 12/274 – 284.(1/96)
" ومن أصول الإسلام : أنه يجب اعتقاد كفر من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته كافراً ، وانه عدو لله ورسوله والمؤمنين ، وأنه من أهل النار كما قال تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ) [ البينة : 1 ] ، وقال جل وعلا : (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية )[ البينة : 6 ] ، وغيرها من الآيات ، وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " 0
ولهذا : فمن لم يكفر اليهود والنصارى فهو كافر ، طرداً لقاعدة الشريعة : ( من لم يكفر الكافر فهو كافر )" .
وقال :
" وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية فإن الدعوة إلى ( وحدة الأديان( والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد دعوة خبيثة ماكرة ، والغرض منها خلط الحق بالباطل ، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه ، وجر أهله إلى ردة شاملة ، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه : ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) [البقرة : 217] ، وقوله جل وعلا : ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) [النساء : 89 ].
وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر ، والحق والباطل ، والمعروف والمنكر ، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين ، فلا ولاء ولا براء ، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله ، والله جل وتقدس يقول : (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) [ التوبة : 29 ] ، ويقول جل وعلا : (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ) [التوبة : 36 ]".(1/97)
وقال : " إن الدعوة إلى ( وحدة الأديان ) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام ؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد ، فترضى بالكفر بالله عز وجل ، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب ، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان ، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً ، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع .
وتأسيساً على ما تقدم :
فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة ، والتشجيع عليها ، وتسليكها بين المسلمين ، فضلاً عن الاستجابة لها ، والدخول في مؤتمراتها وندواتها والانتماء إلى محافلها "اهـ .
تاسعاً : حكم الدعوة إلى إقامة دولة علمانية :
ومن المعلوم أن الدعوة في الدولة الفلسطينية التي يدعو إليها السلام المزعوم دولة علمانية صرفة ، وقد قال الشيخ رحمه الله تعالى في مثل هذا(1) :
__________
(1) الفتاوى : 1 / 274 .(1/98)
" لا ريب أن الواجب على أئمة المسلمين وقادتهم : أن يحكموا الشريعة الإسلامية في جميع شئونهم ، وأن يحاربوا ما خالفها ، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء الإسلام ، ليس فيه نزاع بحمد الله ، والأدلة عليه من الكتاب والسنة كثيرة معلومة عند أهل العلم ، منها قوله سبحانه : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ، وقوله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) ، وقوله سبحانه (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) وقوله سبحانه : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) ، وقوله سبحانه : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة وقد أجمع العلماء على أن من زعم أن حكم غير الله أحسن من حكم الله ، أو أن هدي غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر ، كما أجمعوا على أن من زعم أنه يجوز لأحد من الناس الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أو تحكيم غيرها فهو كافر ضال ، وبما ذكرناه من الأدلة القرآنية ، وإجماع أهل العلم يعلم السائل وغيره ، أن الذين يدعون إلى الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرهما من المذاهب الهدامة(1/99)
المناقضة لحكم الإسلام ، كفار ضلال ، أكفر من اليهود والنصارى لأنهم ملاحدة لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يجوز أن يجعل أحد منهم خطيباً وإماماً في مسجد من مساجد المسلمين ، ولا تصح الصلاة خلفهم ، وكل من ساعدهم على ضلالهم ، وحسن ما يدعون إليه ، وذم دعاة الإسلام ولمزهم ، فهو كافر ضال ، حكمه حكم الطائفة الملحدة، التي سار في ركابها وأيدها في طلبها".
عاشراً : حكم التطبيع الثقافي والإعلامي مع اليهود :
قد تكلم الشيخ رحمه الله كثيراً عن الغزو الثقافي الذي يعاني منه المسلمون وحذر منه ، وأمر بمجابهته ، ومن ذلك قوله(1):
"يتعرض المسلمون عامة ومنهم العرب وغيرهم ، والمملكة وغيرها لغزو فكري عظيم تداعت به عليهم أمم الكفر من الشرق والغرب ومن أشد ذلك وأخطره : الغزو النصراني الصليبي - الغزو الصهيوني - الغزو الشيوعي الإلحادي .
__________
(1) انظر كلامه كاملاً في الفتاوى : 3/438وما بعدها .(1/100)
أما الغزو النصراني الصليبي فهو اليوم قائم على أشده ومنذ أن انتصر صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين الغازين لبلاد المسلمين بالقوة والسلاح أدرك النصارى أن حربهم هذه وإن حققت انتصارات فهى وقتية لا تدوم ، ولذا فكروا في البديل الأنكى وتوصلوا بعد دراسات واجتماعات إلى ما هو أخطر من الحروب العسكرية وهو أن تقوم الأمم النصرانية فرادى وجماعات بالغزو الفكري لناشئة المسلمين . لأن الاستيلاء على الفكر والقلب أمكن من الاستيلاء على الأرض ، فالمسلم الذي لم يلوث فكره لا يطيق أن يرى الكافر له الأمر والنهي في بلده ، ولهذا يعمل بكل قوته على إخراجه وإبعاده ولو دفع في سبيل ذلك حياته وأغلى ثمن لديه ، وهذا ما حصل بعد الانتصارات الكبيرة للجيوش الصليبية الغازية . أما المسلم الذي تعرض . لذلك الغزو الخبيث فصار مريض الفكر عديم الإحساس فإنه لا يرى خطرا في وجود النصارى أو غيرهم في أرضه ، بل قد يرى أن ذلك من علامات الخير ومما يعين على الرقي والحضارة ، وقد استغنى النصارى بالغزو الفكري عن الغزو المادي لأنه أقوى وأثبت ، وأي حاجة لهم في بعث الجيوش وإنفاق الأموال مع وجود من يقوم بما يريدون من أبناء الإسلام عن قصد أو عن غير قصد وبثمن أو بلا ثمن ، ولذلك لا يلجأون إلى محاربة المسلمين علانية بالسلاح والقوة إلا في الحالات النادرة الضرورية التي تستدعي العجل كما حصل في غزوة أوغندة أو الباكستان ، أو عندما تدعو الحاجة إليها لتثبيت المنطلقات وإقامة الركائز وإيجاد المؤسسات التي تقوم بالحرب الفكرية الضروس كما حصل في مصر وسوريا والعراق وغيرها قبل الجلاء .(1/101)
أما الغزو الصهيوني فهو كذلك لأن اليهود لا يألون جهدا في إفساد المسلمين في أخلاقهم وعقائدهم ، ولليهود مطامع في بلاد المسلمين وغيرها ، ولهم مخططات أدركوا بعضها ، ولا زالوا يعملون جاهدين لتحقيق ما تبقى ، وهم وإن حاربوا المسلمين بالقوة والسلاح واستولوا على بعض أرضهم فإنهم كذلك يحاربونهم في أفكارهم ومعتقداتهم ، ولذلك ينشرون فيهم مبادئ ومذاهب ونحلا باطلة . كالماسونية والقاديانية والبهائية والتيجانية وغيرها ، ويستعينون بالنصارى وغيرهم في تحقيق مآربهم وأغراضهم " .
وقال أيضاً رحمه الله في التصدي للغزو الثقافي والإعلامي (1):
"أما عن مجابهة الغزو المتمثل في الإذاعات والكتب والصحف والمجلات والأقلام التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية في هذا العصر ، وأخذت تشغل أكثر أوقات المرء المسلم والمرأة المسلمة رغم ما تشتمل عليه في أكثر الأحيان من السم الزعاف ، والدعاية المضللة فهي من أهم المهمات لحماية الإسلام والثقافة الإسلامية من مكائده وشره مع التأكيد على دعاة الإسلام وحماته للتفرغ لكتابة البحوث والنشرات والمقالات النافعة ، والدعوة إلى الإسلام، والرد على أصناف الغزو الثقافي، وكشف عواره ، وتبيين زيفه حيث إن الأعداء قد جندوا كافة إمكاناتهم وقدراتهم ، وأوجدوا المنظمات المختلفة والوسائل المتنوعة للدس على المسلمين والتلبيس عليهم، فلا بد من تفنيد هذه الشبهات وكشفها".
وأخيراً :
وبعد هذه الفتاوى والنقول : الواضحة ، الصريحة ، الصحيحة ، عن الشيخ رحمه الله والمتعلقة بعملية التطبيع وملحقاته ، فإنه يتبين رأي الشيخ جلياً في هذه العملية كلها .
وعلى من يرى أن فتوى الشيخ السابقة - والتي حمّلت مالا تحتمل - ملزمة في جواز السلام - لو كان حقاً ما قيل عنه فيها - ، فليلتزم أيضاً بموجب هذه الفتاوى والنقول السابقة ، والتي بالالتزام بها تبطل العملية برمتها.
__________
(1) انظر الكلام كاملاً في الفتاوى : 1/385 وما بعده .(1/102)
وإن رأى بينها تعارضاً – ولا تعارض مطلقاً – فليرد المتشابه إلى المحكم من كلامه وتقريراته ورسائله التي نقلنا جزءاً يسيراً منها .
فلماذا يؤخذ من كلام الشيخ رحمه الله ما يعجبهم ، ويترك مالا يعجبهم ؟.
وهذا الوصف هو من أوصاف اليهود الذين قال الله تعالى فيهم ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) .
المبحث الرابع :
حتمية الصراع وانتصار المسلمين :
وبعد هذا كله ؛ فاعلم أن مساعي ما يسمى بـ(السلام) ستفشل ، وأنّ تحقق ما يسمى بالأمن الدائم في ما يسمونه بالشرق الأوسط لن يحصل مطلقاً ، ولو حصل فهو وقتي سيفشل سريعاً ، وهذا الأمر دلت عليه الأدلة الشرعية ، بل ويؤمن به اليهود والنصارى أيضاً .
وسنذكر هنا الأدلة على استمرار الجهاد في سبيل الله وانتصار المسلمين ، ثم أعقبه بذكر مختصر لعقيدة اليهود والنصارى في هذا الموضوع :
أولاً : الأدلة على استمرار الجهاد في سبيل الله ومقاتلة اليهود وغيرهم والانتصار عليهم(1)
__________
(1) من العجائب أن أحدهم أنكر الدعاء على (اليهود والنصارى بالهلاك) لأنه مضاد لقدر الله بزعمه لأن النصوص دلت على بقائهم حتى نزول المسيح بن مريم عليه السلام ، وهذا القول - مع ما فيه من التكلف - لا يصح لأمور :
1-أنه قد ثبت عن الأنبياء كنوح عليه السلام الدعاء على جميع الكافرين بالهلاك ، وقد قال تعالى (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) ، فهذا من الدعاء المشروع الثابت في القرآن.
2-أن هذه المسألة من جنس مسألة الدعاء للمسلمين بالمغفرة كما قال تعالى عن نوح (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات) وقال عن إبراهيم (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) ونحوها من الآيات ، قال ابن كثير رحمه الله " وقوله تعالى (وللمؤمنين والمؤمنات) دعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات ، وذلك يعم الأحياء منهم والأموات ؛ ولهذا يستحب مثل هذا الدعاء اقتداء بنوح عليه السلام وبما جاء في الآثار والأدعية المشهورة المشروعة " ، ومن المعلوم أن هناك من لا يغفر الله لهم يوم القيامة كما دلت عليه النصوص المتواترة ، بل لا بد أن يمسهم عذاب قبل أن يدخلوا الجنة ، وهؤلاء شملهم هذا الدعاء ، ومع هذا شرع ، فليس علمنا بالقدر مانعاً من الدعاء للجميع !!.
3- أن دعاء المسلمين بهذا إنما مقصوده – كما هو معلوم – إبطال كيدهم وخبثهم الذي تضرر منه المسلمون، والذي يزول بهلاكهم ، وليس هناك ما يمنع أن يستجيب الله سبحانه وتعالى دعاء المسلمين بتحقيق مقصد هذا الدعاء ولو لم يهلكهم كلهم .
4- أنه لا يوجد ما يمنع أن يكون ابتداء إجابة هذا الدعاء عاجلة ، فيبدأ الله سبحانه وتعالى بإهلاك اليهود والنصارى عاجلاً ، و يكتمل هلاكهم بنزول المسيح بن مريم عليه السلام ، فيكون دعاء المسلمين هذا من الأسباب التي قدرها الله سبحانه لإنزال الهلاك باليهود والنصارى بنزول المسيح عليه السلام.
والمقصود أن هذه مسألة متكلفة .
ولكن الأعجب : أن هذا نفسه قرّر في مكان آخر أن هذا العصر ليس عصر (صراع الحضارات) أو (عصر التصادمية) بل هو عصر (حوار الحضارات) !!!. وكلامه هذا هو المضاد لشرع الله وقدره :
أما مضادته لشرع الله :
فجميع النصوص الدالة وجوب الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار والبراءة منهم ترد عليه .
وأما مضادته لقدر الله :
فالنصوص التي ذكرتها في هذا المبحث والتي تدل على بقاء الجهاد في سبيل الله وقتال اليهود وغير ذلك ، مع الآيات الدالة على أن سنة الله سبحانه وتعالى هي المدافعة كقوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) وغيرها من النصوص ، والله المستعان.(1/103)
:
1- فقد جاءت نصوص صريحة في قتال المسلمين لليهود والنصارى وانتصارهم عليهم ومنها:
ما في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم ، يا عبد الله ، هذا يهودي خلفي ؛ فتعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ".
وفي الصحيح أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم ، فيقول المسلمون : لا والله ، لا نخلي بينكم وبين إخواننا ، فيقاتلونهم ، فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً ، فيفتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهليكم ، فيخرجون وذلك باطل ، فإذا جاءوا الشام خرج ، فبينما هم يعدون للقتال : يسوون الصفوف ، إذ أقيمت الصلاة ، فينزل عيسى ابن مريم فأمهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لذاب حتى يهلك ، ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته".
2- وجاءت نصوص أخرى تدل على أن الإسلام سينتشر في جميع الأرض وإن رغمت أنوف الكفار والمنافقين:
ففي مسند الإمام أحمد وغيره عن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز يعز به الإسلام ، أو ذل ذليل يذل به الكفر" .(1/104)
وفيه عن المقداد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا دخلته كلمة الإسلام بعز عزيز ، أو بذل ذليل " .
3- وجاءت نصوص أخرى تدل على استمرار الجهاد إلى آخر الزمان :
فمن ذلك ما في الصحيح عن عروة البارقي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم " .
قال القرطبي رحمه الله (1):
" فلما فتح الله مكة كان القتال لمن يلي ممن كان يؤذي حتى تعم الدعوة وتبلغ الكلمة جميع الآفاق ولا يبقى أحد من الكفرة وذلك باق متماد إلى يوم القيامة ممتد إلى غايةٍ هي قوله عليه السلام : "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم " ، وقيل : غايته نزول عيسى بن مريم عليه السلام " .
وقال ابن حجر رحمه الله عن هذا الحديث (2):
" وفيه أيضا بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة ؛ لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين - وهم المسلمون - وهو مثل الحديث الآخر : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق الحديث "اهـ .
وروى أبو داود في سننه بسندٍ فيه مقال عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الغزو ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال ؛ لا يبطله جور جائر ، ولا عدل عادل ".
قال الشوكاني رحمه الله (3):
" فيه دليل على أن الجهاد لا يزال ما دام الإسلام والمسلمون إلى ظهور الدجال "اهـ.
وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم في الصحاح وغيرها أنه قال " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة" ووردت روايات صحيحة تصف هذه الطائفة بالجهاد.
قال النووي رحمه الله (4):
__________
(1) تفسير القرطبي) 2/350.
(2) فتح الباري) 6 / 56 .
(3) نيل الأوطار) 8/31.
(4) شرح مسلم) 13/67 .(1/105)
" وفى هذا الحديث معجزة ظاهرة فان هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث ".
وروى أحمد و النسائي أن سلمة بن نفيل رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل : "يا رسول الله ، أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح ، وقالوا: لا جهاد ، قد وضعَت الحرب أوزارها ، فأقبلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال : كذَبوا ، الآن جاء دور القتال ، ولا تزال من أمتي أُمَّة يقاتلون على الحق ويُزيغ الله لهم قلوب أقوامٍ ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعْدُ الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " .
والمقصود من هذا كله ؛ بيان أن ما يسمى بـ (السلام الدائم) أو (الشامل) لن يتحقق ، وسيقاتل المجاهدون اليهود ويهزمونهم بحول الله وقوته ، وهذا وعد الله سبحانه لنا ، ولكن الله سبحانه أعلم بمن يستحق أن يكون هذا الفتح على يديه.
ثانياً : معتقدات اليهود والنصارى في هذه المسألة :
فهم يعتقدون أن هناك حرباً قادمة بينهم وبين المسلمين يسمونها (هرمجدون) ، فاليهود ينتظرون مسيحهم المخلص لهم ، والنصارى كذلك :
وقد نشرت مجلة (سان رييجو مجازين) في آب من عام 1985م مقالاً لِ (جيمس ملز) الذي كان رئيساً لمجلس شيوخ ولاية كاليفورنيا قال فيه: إن ريجان قال له أثناء مأدبة عشاء حضرها: "إن كل النبوءات التي يتعين تحقيقها قبل معركة مجدو قد حدثت، والفصل 38 من سفر حزقيال يقول : إن الله سيأخذ إسرائيل من وسط الكفار بعد أن يكونوا مشتتين ، ثم يلم شملهم مرة أخرى في أرض الميعاد ، وقد حدث هذا بعد قرابة ألفي سنة، ولأول مرة في التاريخ فإن كل شيء مهيأ لمعركة مجدو والمجيء الثاني للمسيح"(1).
__________
(1) انظر (حمى عام 2000) لعبد العزيز كامل ص 54.(1/106)
لذلك تنشط الحركة الأصولية النصرانية (الإنجيلية) في (أمريكا) فقد نشرت صحيفة لوس انجلوس تايمز في 12/3/1999م ، أن القس الأمريكي (بات روبتسون) تعهد بإطلاق حملة ميزانيتها (21) مليون دولار لتوجيه الناخبين الأصوليين ودفعهم إلى مراكز الاقتراع في انتخابات عام 2000 للرئاسة ومجلس الكونجرس ، و ذكر القس الأمريكي أن الحركيين التابعين لتحالفه سيُكلَّفون بتوزيع (75) مليون دليل انتخابي خلال الحملة المقبلة، وسيتحركون سياسياً في (100 ألف) كنيسة ، وهذا القس الأمريكي يؤمن إِيماناً مطلقاً بإسرائيل، وبأنها المحور الذي تدور حوله أحداث (الأيام الأخيرة) يقول: "إِن إِعادة ميلاد إسرائيل، هو الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية العالم قد بدأ، كما أنه مع مولدها؛ فإن بقية التنبؤات ستتحقق بسرعة" (1).
وألقى (جيمي سواجارت) القس الأمريكي الإنجيلي الشهير موعظة في 22/9/1985م فقال : "كنت أتمنى أن أستطيع القول بأننا سنحصل على السلام ، ولكني أؤمن بأن هرمجدون مقبلة ، إِن هرمجدون مقبلة ، وسيخاض غمارها في وادي مجيدو، إِنها قادمة ، إنهم يستطيعون إن يوقعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون ، ولكن ذلك لن يحقق شيئاً. هناك أيام سوداء قادمهّ ... إنني لا أخطط لدخول جهنم القادمة، ولكن الإِله سوف يهبط من عليائه ... يا إِلهي!! إنني سعيد من اْجل ذلك ... إِنه قادم ثانية، إن هرمجدون تنعش روحي"!(2).
فالحاصل:
__________
(1) المرجع السابق 56 .
(2) المرجع السابق 58 ، وقد ذكر فيه نصوصاً كثيرة عن النصارى رؤساء ومرؤوسين تبين معتقداتهم بهذه الحرب ، وانظر أيضاً كتاب الشيخ سفر الحوالي (القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى) فقد تكلم على وعدهم المفترى وذكر معتقداتهم في ذلك.(1/107)
أن الجميع يؤمن بأن هناك معركة ستكون ، وأن هذه المعركة عظيمة ؛ لذلك فما يسمى بمساعي السلام لن تحقق شيئاً يذكر ، اللهم إلا إن استطاع اليهود وأعوانهم التخفيف من ضرب المجاهدين لهم مؤقتاً بسلم موهوم ليتسنى لهم نقل باقي اليهود إلى مدافنهم في فلسطين ، والله المستعان .
خاتمة
وأختم كتابي هذا بنصيحتين :
فالنصيحة الأولى : لكل مسلمٍ يقرأ هذه الرسالة فأقول :
احرص وفقك الله على التمسك بالتوحيد ، عض عليه بالنواجذ ، فهو رأس الأمر ، وأصل الدين ، ودعوة المرسلين ، وهو المنجي يوم القيامة من عذاب الله ، و أعظم التوحيد : عبادة الله وحده لا شريك له ، والموالاة فيه ، ومحبته ، ومحبة رسوله والمسلمين ، والحذر من الشرك وأسبابه ، ومعاداة الكافرين ، وبغضهم ، والبراءة منهم ، ومن دينهم ، وإياك أن تنخدع بشعارات السلام والمحبة مع الكفار ، أو التطبيع مع اليهود ، فإنها السم الزعاف التي ستجعلك تخسر دنياك قبل آخرتك ؛ "فاللجا ، اللجا ، إلى حصن الدين ، والاعتصام بحبل الله المتين ، فإن من أعظم القربات إلى الله سبحانه : معاداة من حادّ الله ورسوله ، وجهاده : باليد ، والسنان ، واللسان ، بقدر الإمكان" (1).
والنصيحة الثانية : إلى إخواننا المجاهدين في فلسطين – وفقهم الله وحفظهم ونصرهم – فأقول:
أوصيكم بتقوى الله سبحانه ، والإخلاص له ، وأن يكون جهادكم في سبيل الله وحده ، مع ترك الشعارات القومية والرايات العمّية الجاهلية ، وبتقواه سبحانه ينكشف البلاء بإذنه كما قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) .
والمسلم المجاهد بين خيرين : إما نصر وعزة ، وإما قتل وشهادة : (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) ؟ .
__________
(1) الكلام الأخير لبعض أئمة الدعوة النجدية ، وأظنه الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن .(1/108)
كما أوصيكم بمواصلة الجهاد وضرب هامات العدو ، وعدم الالتفات إلى المخذلين والمرجفين ، فلا طريق إلا الجهاد في سبيل الله ، ولا عزة إلا به ، وهي اللغة التي يفهمها اليهود.
وأوصيكم بالالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة ، والتمسك بالتوحيد ، وتعلمه ، وتعليمه ؛ فإنه العاصم بإذن الله لكم ، والابتعاد عن البدع والمعاصي ، وتربية أبنائكم على ذلك ، لتنشأ الأجيال على كتاب الله سبحانه وسنة رسول صلى الله عليه وسلم .
أخي الكريم :
قم يا مجاهدُ ، قد كفاك خمولُ
قم يا مجاهدُ ، إنّ وقتَ السلمِ قدْ
جرّد حسامَك ، وانبذنّ إلى الملا
لا تركنَنّ إلى الطغاةِ وقولِهم
يعطونَ من طرَفِ اللسانِ حلاوةً
قم يا مجاهدُ ، لا عدمتك ، إنني
سالت شعابُ المسلمين بظلمهم
حتى تنال بنصل سيفك عزة ... قمْ ، فالطغاة سلاحهم مسلولُ
ولّى ، وليس لغير سيفك قيلُ
كلَّ العهودِ ، فسيفُك المقبولُ
إن الطغاةَ كلامهم معسولُ
ليكبلوكَ عن القنا ويحولوا
راءٍ سحابَ الكافرين يخيلُ
فاجعل دماء الكافرين تسيلُ
فإذا أمرتَ ؛ سُمِعْتَ حين تقولُ
أسأل الله سبحانه أن ينصركم ، وأن يخذل أعداءكم ، وأن يتقبل شهداءكم ، وأن يشفي مرضاكم ، وأن يعافي مبتلاكم ، وأن يهدي ضالكم ، وأن يغفر لنا ولكم ، وأن يوفقكم لخيري الدنيا والآخرة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أخوكم /
ناصر بن حمد الفهد
الرياض
شهر الله المحرم من عام 1423 .
ملاحق
بيان في حكم التطبيع مع اليهود
معاهدة كامب ديفيد بين مصر واليهود
معاهدة أوسلو بين المنظمة الفلسطينية واليهود
معاهدة وادي عربة بين الأردن واليهود
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان في حكم التطبيع مع اليهود
نحن إخوانكم من أرض فلسطين المباركة نسأل المشايخ الكرام عن حكم التطبيع مع اليهود حيث كثر اليوم من ينادي بذلك ، أفتونا مأجورين ؟ .
إخوانكم من أبناء فلسطين
1422هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :(1/109)
أولا : مقدمة في بيان معنى الصلح الشرعي ، والفرق بينه وبين التطبيع العصري :
لا بد للمسلم أن يعتني بمعرفة حقائق الأمور ، وإدراك ذلك يساعد على معرفة حكم الله على الحقيقة ويساعد في مسألة تحقيق المناط ، وحسن تنزيل الوقائع على الأعيان والمعاني تنزيلا صحيحا . وأن لا يغتر المسلم بالألفاظ البراقة الخادعة التي هي بخلاف حقيقتها ، فكم سُمي الشرك تعظيما للأولياء ، وسمى الربا بغير اسمه ، وسمي الخمر بمشروبات روحية وهكذا ، ويجب أن لا ننظر للأسماء فقط مع مخالفة الحقيقة ونحكم بمجرد ذلك . قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله في منهاج التأسيس ص12 ( وكم هلك بسبب قصور العلم وعدم معرفة الحدود والحقائق من أمة وكم وقع بذلك من غلط وريب وغمة اهـ ) .
ومن ذلك ما يجري اليوم مع اليهود حيث يُسمي صلحا ، ومصالحة ، وفي حقيقة الأمر هو استسلام وتبديل وإلغاء لبعض الأحكام الشرعية وموالاة الكافرين، والاتفاق على شروط باطلة . على ما سوف نوضحه إن شاء الله , لأن مصطلح الصلح اليوم تغيّر عن المعنى القديم الموجود في القرون المفضلة وفي عرف العلماء والفقهاء ، وأصبح يعني اليوم أمورا أخرى ، وعليه يجب أن نفهم الصلح حسب عرف من يتكلم به وحسب المفهوم المعاصر لكي نعرف الحكم الشرعي الصحيح ولكي نصل إلى تحقيق المناط الصحيح وأيضا لكي نفهم اللعبة .(1/110)
وبعد ذلك نقول ماذا يعني التطبيع في عرف اليهود والأمريكان والساسة العرب , وهل هو منطبق على معنى الصلح الشرعي ؟ وما معناه من خلال واقع ثلاث معاهدات تمت مع اليهود ( مع السلطة الفلسطينية و مصر و الأردن ) إذا عرفنا ذلك أمكن تصور معالم هذا التطبيع الجديد , والصلح العصري والتطبيع يعني تمكين اليهود من أرض إسلامية ، وعلى رقاب شعب مسلم ، ووجود سفارات وبعثات دبلوماسية ــ ولا يخفى أن هذه تتحول إلى أوكار للجاسوسية ــ ، ووجود شركات اقتصادية وملاحق عسكرية وثقافية وفنانين ، وتعني تطبيعا سياحيا لاستجلاب اليهود يؤدي إلى إنشاء فنادق ومطاعم وبنوك ومراقص ومسارح و فن. وزيارة اليهود للمدينة لإقامة مهرجانات أعيادهم وزيارتهم لآثار أجدادهم وهذا هو الذي ينادون به وهو الذي حصل في الدول التي قبلت التطبيع المزعوم مع اليهود ، فاسأل به خبيرا ، واسأل شعوبها ماذا حصل ؟ ففيهم لنا عبرة فاعتبروا يا أولى الأبصار .
ويؤدي إلى ضياع المناهج التعليمية مع التطبيع ، و ضياع عقيدة البراءة في تلك المناهج من الكفار عموما و من اليهود خصوصا .
ويقصدون بالتطبيع الكامل إقامة علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسية وثقافية وتاريخية طبق قرارات هيئة الأمم المتحدة ، وليس طبق قرارات القرآن والسنة . هذا هو معنى الصلح عندهم . وبذلك نعرف أنه يعني الاستسلام للكفار وعلو شأنهم وإضاعة للدين وللأراضي الإسلامية .(1/111)
أما معنى الصلح الشرعي المجمع عليه فهو : الصلح مع الكفار إن دعت المصلحة على وضع الحرب مدة معلومة إن كان عقدا لازما ، أو مدة مطلقة إن كان عقدا جائزا ممكن الفسخ وقت الحاجة , هذا هو حدود الصلح الشرعي بالإجماع , أما المصالحة المتضمنة تنازلات عقدية وإلغاء لأحكام شرعية فهذا صلح باطل شرعا بالإجماع ولا يجوز ، و ليس هو صلحا مسموحا به شرعا بل حقيقته استسلام ونكوص عن الشريعة وتخل عن بعض أحكامها وشرائعها ، وهذا لم يحصل من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اعتقد أن ذلك حدث من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد .
ثانيا : أدلة التحريم والمنع من الكتاب والسنة والإجماع وباعتبار المفاسد والمآل .
إذا عرفنا ذلك فإن التطبيع مع اليهود محرم شرعا ، ولا يجوز لأحد كائنا من كان أن يعقده بتلك الصورة ، وإذا وقع كذلك فإنه يقع صلحا باطلا . أما الأدلة على ذلك :
1 ـ قال تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) وهذا التطبيع يعطل هذه الآية .
2 ـ ويضاد قوله تعالى ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) وإذا كان الله أوجب القتال لإنقاذ المستضعفين فكيف نصالحهم صلحا يمكنهم من المستضعفين من المسلمين وهذا مما يتضمنه التطبيع .
3 ـ قال تعالى ( فإن نقضوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ) فأمر بمقاتلة الناقض والطاعن في الدين ، فكيف نعقد معهم ما يسمونه صلحا في الوقت الذي يحرم عقده كما في الآيات السابقة .
4 ـ قال تعالى ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) .(1/112)
5 ـ ويضاد مقاصد الجهاد الشرعي الثابت في الكتاب والسنة والإجماع .
6 ـ وهو صلح باطل لما فيه من الشروط الباطلة المضادة للإسلام ، وقد جاء في حديث عائشة مرفوعا ( ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ) متفق عليه . ففيه من الشروط الاعتراف بالكيان اليهودي ، وإلغاء الجهاد وأمثال ذلك .
7 ـ ويضاد الأحاديث الصحيحة التي تأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وبالصلح المزعوم اليوم أدخلوا اليهود والنصارى إلى جزيرة العرب .
8 ـ ويضاد حديث ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه الشيخان من حديث عائشة واللفظ لمسلم ، وهذا الصلح المذموم ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو مضاد له .
9 ـ ويضاد الأصول المجمع عليها في الجهاد والولاء والبراء وأصل عدم تمكين اليهود من جزيرة العرب .
ثالثا : مناقشة من أجاز التطبيع العصري بناء على صلح الحديبية ونحوه :
وقبل مناقشة هؤلاء يُقال لهم وهل الحكام أصلا عند قراراتهم السياسية يبحثون عن الدليل الشرعي حتى نحاول التطوع بالتسويغ الشرعي لهم ، أم أن آخر ما يفكرون به الناحية الشرعية , هذا إذا فكروا .
ويتضح الكلام في مسألة التطبيع المحرم لو أننا فرضنا أمورا تمت في صلح الرسول صلى الله عليه وسلم ( وحاشاه ) مع الكفار لأنه بضدها تتبين الأشياء كما قال الشاعر :
الضد يظهر حسنه الضد ............ وبضدها تتبين الأشياء
صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم صالح الكفار سواء مع قريش أو يهود المدينة أو بعض قبائل العرب ولكن : ليس بتنازلات عقدية وشروط تضاد الإسلام . وهنا نسأل من استدل بذلك :(1/113)
هل صالح الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار على إبقائهم في بلادهم دائما ومطلقا ؟ وهل صالحهم على إلغاء الجهاد ؟ وهل صالحهم على إنهاء حالة البغضاء و العداوة معهم . وهل صالحهم على تمكينهم من أراض إسلامية اغتصبوها ؟ وهل صالحهم على سيطرتهم على رقاب المسلمين ؟ .
وهل صالحهم على عدم تعرضه لديانة الكفار وآلهتهم ، وإذا كان لم يقبل ذلك منهم والدعوة في بدايتها في مكة ( كما صح ذلك في السيرة ) لما عرضت عليه قريش أن يترك سب دينها وآلهتها مقابل أن يعطوه السيادة أو الملك أو المال ومع ذلك لم يقبل وهو في أمس الحاجة لمهادنتهم ، فكيف يقبل ذلك وهو في دولة ذات شوكة وقوة ! . وهل صالحهم على أن لهم حق حكم المسلمين المستضعفين في مكة بشريعة الكفار ، أو أن تبقى زمام الكعبة بأيديهم كيف شاؤا ، ولو كانت قريش تخطط لقتل المسلمين هل كان يصالحهم ؟ وهو الذي بايع الصحابة في الحديبية تحت الشجرة لما قيل إن عثمان رضي الله عنه قُتل ، فأصبح القتل مانعا من المصالحة . ولو كانت قريش تنتهك أعراض المسلمين ، وتخطط لهدم الكعبة وبناء أصنام العزى وهبل ومناة الثالثة الأخرى هل كان يصالحهم ؟ .
وهل يصح صلح يمكّن اليهود من المقام في جزيرة العرب باسم السياحة أو إدارة اقتصادهم وأموالهم وشركاتهم وتمكينهم من إقامة معابد لهم ؟ .
إن من تأمل الإجابة على هذه الأسئلة يدرك بعين البصيرة شناعة ما يُسمى بالصلح والتطبيع مع اليهود ومضادته المضادة الصريحة للإسلام .
ونناقشهم أيضا في أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل قريشا قتال طلب فقد ذهب إليهم في أرضهم ثم صالحهم ، فصلحه معهم في حكم جهاد الطلب فهو صلح طلب ، بخلاف قتال اليهود اليوم فهو جهاد دفع ، وأحكام جهاد وصلح الطلب يختلف عن جهاد وصلح الدفع فكيف يُقاس هذا على هذا ؟ .(1/114)
ونناقشهم أيضا ونقول هاتوا دليلا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين صالحوا كفارا على التنازل لهم عن أرض إسلامية ؟ .
وهاتوا دليلا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين صالحوا كفارا سيطروا على أرض إسلامية فصالحوهم على أن يأخذ المسلمون جزءا من هذه الأرض التي سيطر عليها الكفار ليقيموا عليها حكما علمانيا ديمقراطيا لا دينيا ؟ .
ويقال لهم هل تجوز المصالحة بهدف إقناع الشعب اليهودي أن العرب لا يرفضونهم ولا يكرهونهم كما جاء في حيثيات إحدى المبادرات . وهل هدف المصالحة الإثبات لليهود أننا نحبهم ، أليس هذا يصادم القرآن والسنة والإجماع لأنه صلح يريد إزالة العداوة والبغضاء بين المسلمين واليهود .
ثم ما حكم الصلح لو كان ركونا للدنيا وكراهية لجهاد الدفع ؟ وما حكم الصلح لو كان ينتج عنه دولة علمانية لا دينية في الأراضي التي سوف ينسحب منها يهود إن صدقوا في الانسحاب ؟
وهل من المناسب أن يُفرض التطبيع الآن بعد أن اشتد رعبهم وهلعهم وبعد أن قويت شوكة إخواننا المجاهدين وفقهم الله في فلسطين ؟
وما حكم الصلح إذا كان فيه شروط باطلة تخالف أصول العقيدة .
ثم يقولون إن الضرورة أباحت الصلح ! فنقول وهل تبيح الضرورة الكفر والشرك المتعدي وهل تبيح إلغاء أصول الشريعة .
ثم إن مكة وقت صلح الرسول صلى الله عليه وسلم لهم دار كفر أصلي لم تدخل بعد وتتحول إلى دار إسلامية ، وفلسطين دار إسلام في الأصل فتحها المسلمون فكيف يُقاس هذا بهذا ؟(1/115)
فإن احتجوا بقوله تعالى ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) قلنا أكملوا الآيات ! تجدوا أن المخادع الخائن في العهد لا يصالح ، بل يُحرّض المسلمون على قتاله ، والله ناصرنا عليه وهو حسبنا ( وإن يريدوا أن يخدعوك ــ أي اليهود ــ فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ) الآية ، ثم قال بعدها ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ) الآيات . فكيف نستدل بأول الآيات ونترك آخرها ؟ . ويدل على هذا المعنى مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شأن المعاهدين ( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) فإن لم يستقيموا لنا كما هو حال اليهود الخائنين ، فكيف نصالحهم ؟ مع أن القضية في حقيقتها تطبيع وليست صلحاً.
رابعا : موقف العلماء المعنيين ( في فلسطين ) والعلماء الآخرين من هذا التطبيع .
لقد أوجب أهل العلم في العصر الحديث منذ بدأت قضية فلسطين قبل أكثر من خمسين عاما أوجبوا القتال ضد اليهود الغاصبين ، ومنعوا الصلح معهم ، الصلح الذي بمعنى الاستسلام ويعنى مضادة الشريعة وإلغاء بعض أحكامها ، وان سُمي صلحا .
وحسب علمنا فإنه منذ نشأت المشكلة الفلسطينية إلى قبل سنوات قليلة ما كان العلماء يختلفون في حرمة التطبيع مع اليهود ، ووجوب قتالهم .
فمن الفتاوى في ذلك :
1 ـ فتوى علماء وقضاة وخطباء فلسطين الذي انعقد في القدس عام 1355هـ الموافق 1935م وأصدروا فتوى بحرمة بيع الأراضي الفلسطينية على اليهود، لأنه يحقق المقاصد الصهيونية في تهويد أرض فلسطين ، وأن من باع الأرض عالما بنتيجة ذلك راضيا به فهذا يستلزم الكفر والردة ، وأشاروا إلى فتاوى علماء المسلمين في العراق ومصر والهند والمغرب وسوريا والأقطار الأخرى بأنها أيضا تحرم بيع الأرض في فلسطين لليهود ، ثم ذكروا الأدلة في ذلك .
2 ـ وكذلك فتوى علماء الأزهر عام 1366 هـ وأيضا عام 1367 هـ بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين .(1/116)
3 ـ وفتوى علماء المؤتمر الدولي الإسلامي المنعقد في باكستان عام1388هـ ، 1968 م .
4 ـ وكذلك فتوى لجنة الفتوى في الأزهر الصادرة عام 1375 هـ بتحريم التطبيع مع اليهود .
5 ـ أيضا أصدر مجموعة من العلماء عام1409 هـ ، 1989 م ، بلغ عددهم ( 63 ) عالما من ثماني عشرة دولة فتوى بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين .
6 ـ وأصدر مجموعة كبيرة جدا من علماء اليمن فتوى في تحريم التطبيع مع اليهود .
7 ـ وفتوى مؤتمر علماء فلسطين المنعقد في 1412 هـ أفتوا بحرمة المشاركة في مؤتمر مدريد وأفتوا أيضا بحرمة التطبيع مع اليهود ثم ذكروا الأدلة الشرعية في ذلك .
8 ـ ثم إن علماء وأهل الجهاد والشوكة من أهل الحل والعقد من أهل فلسطين لم يرتضوا هذه المبادرات القديم منها والحديث ، وحتى الشعب الفلسطيني ، فلماذا يُفتات عليهم ولهم ذمة مستقلة تتيح لهم أن يكونوا أولى الناس بأمورهم ، وقد عارضت حركة حماس الجهادية بقيادة رئيسها الشيخ أحمد ياسين وفقه الله في بيان أعلن فيه رفضه لتلك المبادرات ، وقال : نحن نرفض أي اقتراح يتنازل عن أراضي فلسطين وأعلن أنهم سوف يواصلون الجهاد ضد اليهود اهـ .
وأخيرا :
يقال أيهما أولى التطبيع مع اليهود الخائنين والملحدين والغاصبين ، أم التطبيع ونفع إخواننا المجاهدين المضطهدين في أفغانستان وفلسطين والشيشان وكشمير والفلبين أو أهل السنة في العراق وغيرهم , أم نبذهم والتخلي عنهم ، بل وأعانوا أعداءهم عليهم .
فان قالوا الحكومات ضعيفة ولا تستطيع بجيوشها قتال اليهود قلنا إذا كانوا لا يستطيعون فليسلّحوا الشعوب المسلمة ويتركوها تقاتل عنهم ، بل ليفتحوا حدودهم فقط للمجاهدين وهذا يكفي ، بل ليسلّحوا الشعب الفلسطيني الشهم المجاهد ويدعموه ليقوم بأعباء الجهاد عنهم ، وما ضاع حق وراءه مطالب ، قال تعالى ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) .(1/117)
ونقول لإخواننا المجاهدين في فلسطين المباركة إلى مزيد من العمليات الاستشهادية الجهادية ، فإنها اليوم من أعظم الجهاد ومن أقوى النكاية في اليهود .
وندعوا إلى المقاطعة الاقتصادية لليهود والأمريكان وللدول والشركات التي تساعدهم ، وكذلك ننصح إخواننا العلماء وطلبة العلم والدعاة والمعلمين والأغنياء والخطباء والأئمة أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من تبيين قضية البراء من الكافرين وتبيين حكم هذا الاستسلام لليهود ، وأن يساعدوا إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله من الفلسطينيين كل بما يستطيع ، قال صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وأيديكم وألسنتكم ) رواه أحمد وأهل السنن من حديث أنس , ولابد من الدعاء والقنوت لهم في هذه النازلة التي ألمت بهم .
وننصح الحكام العرب أن يتقوا الله ، ويراجعوا دينهم ، ويبتعدوا عن هذا التطبيع المحرم مع اليهود قبل أن يحل عليهم غضب الله ونقمته .
ولا يعني حديثنا عن اليهود قاتلهم الله أننا نهوّن الأمر مع غيرهم من الكفار من نصارى وغيرهم فإن الكفر ملة واحدة , وحكمنا في هؤلاء مثل حكمنا في أولئك .
نقول هذا إبراء للذمة ونصحا للأمة وبيانا للحق ودفعا للالتباس والتضليل والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الموقعون :
محمد بن فهد العلي الرشودي علي بن خضير الخضير حمد بن ريس الريس
صالح العبد الله الرشودي أحمد بن صالح السناني ناصر بن حمد الفهد
حمد بن عبد الله بن إبراهيم الحميدي
عبد الله بن عبد الرحمن آل سعد
معاهدات ما يسمى بالسلام مع اليهود
(كامب ديفيد – أوسلو – وادي عربة)(1/118)
في الصفحات التالية سأنقل نصوص بعض المعاهدات التي تمت بين اليهود وبعض الأطراف العربية في سبيل ما أسموه بـ(السلام) ، ومن خلال مطالعة مواد هذه المعاهدات ، يتبين لكل مسلم حرمتها ، ومخالفتها لأصول الشريعة ، بل ونقضها لقواعد الإسلام وثوابته ، وبإمكان أي مسلم عرض مواد هذه المعاهدات على من يثق به من أهل العلم حتى يخبره بحكمها ، والله المستعان .
معاهدة كامب ديفيد بين مصر واليهود(1):
__________
(1) هذه الاتفاقات مأخوذة من موقع قاوم نت التابع للحركة الطلابية لمقاومة التطبيع في الأردن (http://www.qawem.net) .(1/119)
"إن حكومتي جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط وفقا لقراري مجلس الأمن 242 و338 إذ تؤكدان من جديد التزامهما "بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفد" المؤرخ في 17 سبتمبر (أيلول) 1978، وإذ تلاحظان أن الإطار المشار إليه إنما قصد به أن يكون أساسا للسلام ليس بين مصر وإسرائيل فحسب، بل أيضا بين إسرائيل وأي من جيرانها العرب -كل فيما يخصه- ممن يكون على استعداد للتفاوض من أجل السلام معها على هذا الأساس، ورغبة منهما في إنهاء حالة الحرب بينهما وإقامة سلام تستطيع فيه كل دولة في المنطقة أن تعيش في أمن، واقتناعا منهما بأن عقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل يعتبر خطوة هامة في طريق السلام الشامل في المنطقة والتوصل إلى تسوية للنزاع العربي الإسرائيلي بكافة نواحيه، وإذ تدعوان الأطراف العربية الأخرى في النزاع إلى الاشتراك في عملية السلام مع إسرائيل على أساس مبادئ إطار السلام المشار إليها آنفا واسترشادا بها، وإذ ترغبان أيضا في إنماء العلاقات الودية والتعاون بينهما وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات الدولية في وقت السلم.. قد اتفقتا على الأحكام التالية بمقتضى ممارستهما الحرة لسيادتهما من تنفيذ الإطار الخاص بعقد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل:
المادة الأولى:
1- تنتهي حالة الحرب بين الطرفين ويقام السلام بينهما عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.
2- تسحب إسرائيل كافة قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، كما هو وارد بالبروتوكول الملحق بهذه المعاهدة (الملحق الأول) وتستأنف مصر ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء.(1/120)
3- عند إتمام الانسحاب المرحلي المنصوص عليه في الملحق الأول، يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية بينهما طبقا للمادة الثالثة (فقرة 3).
المادة الثانية:
إن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب كما هو واضح بالخريطة في الملحق الثاني، وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة. ويقر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لا تمس، ويتعهد كل منهما باحترام سلامة أراضي الطرف الآخر بما في ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوي.
المادة الثالثة:
1- يطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول في وقت السلم، وبصفة خاصة:
- يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي.
- يقر الطرفان ويحترم كل منهما حق الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الآمنة والمعترف بها.
- يتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها أحدهما ضد الآخر على نحو مباشر أو غير مباشر، وبحل كافة المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية.
2- يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر. كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان. كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة.(1/121)
3- يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع المتميز المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد والسلع. كما يتعهد كل طرف بأن يكفل تمتع مواطني الطرف الآخر الخاضعين للاختصاص القضائي بكافة الضمانات القانونية وبوضع البروتوكول الملحق بهذه المعاهدة (الملحق الثالث) الطريقة التي يتعهد الطرفان بمقتضاها بالتوصيل إلى إقامة هذه العلاقات، وذلك بالتوازي مع تنفيذ الأحكام الأخرى لهذه المعاهدة.
المادة الرابعة:
1- بغية توفير الحد الأقصى للأمن لكلا الطرفين وذلك على أساس التبادل، تقام ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبين من الأمم المتحدة، وهذه الترتيبات موضحة تفصيلا من حيث الطبيعة والتوقيت في الملحق الأول، وكذلك أية ترتيبات أمن أخرى قد يوقع عليها الطرفان.
2- يتفق الطرفان على تمركز أفراد الأمم المتحدة في المناطق الموضحة بالملحق الأول، ويتفق الطرفان على ألا يطلبا سحب هؤلاء الأفراد، وعلى أن سحب هؤلاء الأفراد لن يتم إلا بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بما في ذلك التصويت الإيجابي للأعضاء الخمسة الدائمين بالمجلس، وذلك ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.
3- تنشأ لجنة مشتركة لتسهيل تنفيذ هذه المعاهدة وفقا لما هو منصوص عليه في الملحق الأول.
4- يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين 1 و2 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين.
المادة الخامسة:(1/122)
1- تتمتع السفن الإسرائيلية والشحنات المتجهة من إسرائيل وإليها بحق المرور الحر في قناة السويس ومداخلها في كل من خليج السويس والبحر الأبيض المتوسط وفقا لأحكام اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 المنطبقة على جميع الدول. كما يعامل رعايا إسرائيل وسفنها وشحناتها وكذلك الأشخاص والسفن والشحنات المتجهة من إسرائيل وإليها معاملة لا تتسم بالتمييز في كافة الشؤون المتعلقة باستخدام القناة.
2- يعتبر الطرفان أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوي. كما يحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة والعبور الجوي من وإلى أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة.
المادة السادسة:
1- لا تمس هذه المعاهدة ولا يجوز تفسيرها على نحو يمس بحقوق والتزامات الطرفين وفقا لميثاق الأمم المتحدة.
2- يتعهد الطرفان بأن ينفذا بحسن نية التزاماتهما الناشئة عن هذه المعاهدة بصرف النظر عن أي فعل أو امتناع عن فعل من جانب طرف آخر وبشكل مستقل عن أية وثيقة خارج هذه المعاهدة.
3- كما يتعهدان بأن يتخذا كافة التدابير اللازمة لكي تنطبق في علاقاتهما أحكام الاتفاقيات المتعددة الأطراف التي يكونان من أطرافها، بما في ذلك تقديم الأخطار المناسب للأمن العام للأمم المتحدة وجهات الإيداع الأخرى لمثل هذه الاتفاقيات.
4- يتعهد الطرفان بعدم الدخول في أي التزامات تتعارض مع هذه المعاهدة.
5- مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة يقر الطرفان بأنه في حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأي من التزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة.
المادة السابعة:
1- تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق التفاوض.
2- إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق التفاوض فتحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم.
المادة الثامنة:(1/123)
يتفق الطرفان على إنشاء لجنة مطالبات للتسوية المتبادلة لكافة المطالبات المالية.
المادة التاسعة:
1- تصبح هذه المعاهدة نافذة المفعول عند تبادل وثائق التصديق عليها.
2- تحل هذه المعاهدة محل الاتفاق المعقود بين مصر وإسرائيل في سبتمبر (أيلول) 1975.
3- تعد كافة البروتوكولات والملاحق والخرائط الملحقة بهذه المعاهدة جزءا لا يتجزأ منها.
4- يتم إخطار الأمين العام للأمم المتحدة بهذه المعاهدة لتسجيلها وفقا لأحكام المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة."
الموقعون :
- عن الجانب المصري: محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية.
- عن الجانب الإسرائيلي: مناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي.
- شهد التوقيع: جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأميركية.
- تاريخ التوقيع: 26 مارس (آذار) 1979 - 27 ربيع الثاني سنة 1399هـ
اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية واليهود(1)
ملخص الاتفاق:(2)
تنص اتفاقية إعلان المبادئ على إجراء مفاوضات للانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية وغزة على مرحلتين:
المرحلة الأولى/ الإعدادية :
تبدأ في 13/10/1993 وتنتهي بعد ستة أشهر، وفيها تجرى مفاوضات تفصيلية على محورين:
المحور الأول:
__________
(1) ذكر شفيق الحوت – وهو من أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة وسفيرها سابقاً في لبنان – أن هذه الاتفاقية وقعت بمعزل عن المجلس الوطني الفلسطيني – وهو صاحب القرار في المنظمة – وذكر أن القرار كان فردياً بحتاً من ياسر عرفات (الحل المرفوض) ص 31.
(2) هذا الملخص مذكور من موقع قاوم نت ، أما الاتفاق كاملاَ فمنشور في مواضع ، ومنها كتاب شفيق الحوت المتقدم (اتفاقية غزة – أريحا أولاً – الحل المرفوض) في عشرين صفحة من ص 39 – 59 .(1/124)
- الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا، وينتهي هذا الانسحاب في غضون شهرين، ويجري انتقال سلمي للسلطة من الحكم العسكري والإدارة المدنية الإسرائيلية إلى ممثلين فلسطينيين تتم تسميتهم لحين إجراء انتخابات المجلس الفلسطيني.
- لن يكون الأمن الخارجي والعلاقات الخارجية والمستوطنات من مهام السلطة الفلسطينية في المناطق التي سينسحب الجيش الإسرائيلي منها.
- أما بالنسبة للأمن الداخلي فسيكون من مهام قوة شرطة فلسطينية يتم تشكيلها من فلسطينيي الداخل والخارج مع وجود لجنة للتعاون الأمني المشترك.
- كذلك يشكل صندوق طوارئ مهمته تلقي الدعم الاقتصادي الخارجي بطريقة مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ويحق للطرف الفلسطيني أن يسعى للحصول على هذا الدعم بطريقة منفصلة كذلك. ولا يمانع الاتفاق في وجود دولي مؤقت للإشراف على المناطق التي سيتم الانسحاب منها.
- بعد التوقيع على هذه الاتفاقية تنسحب إسرائيل تدريجياً وينتهي في غضون أربعة أشهر (13/4/1994).
المحور الثاني:
- تنص الوثيقة فيه على تشكيل سلطة حكم فلسطيني انتقالي تتمثل في مجلس فلسطيني منتخب يمارس سلطات وصلاحيات في مجالات محددة ومتفق عليها لمدة خمس سنوات انتقالية.
- تنص الوثيقة كذلك على أن لهذا المجلس حق الولاية على كل الضفة وغزة في مجالات الصحة والتربية والثقافة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة إضافة إلى الإشراف على القوة الفلسطينية الجديدة، ما عدا القضايا المتروكة لمفاوضات الحل النهائي مثل: القدس، والمستوطنات، والمواقع العسكرية، والإسرائيليين المتواجدين في الأرض المحتلة.(1/125)
- بالنسبة لانتخابات المجلس التشريعي فتدعو وثيقة إعلان المبادئ إلى أن تتم تلك الانتخابات تحت إشراف دولي يتفق الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي عليه، وتتم هذه العملية في موعد أقصاه تسعة أشهر من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ الفعلي أي في 13/7/1994، وتفصل الاتفاقية فيمن يحق لهم المشاركة في تلك الانتخابات خاصة من القدس. أما نظام الانتخاب وقواعد الحملة الانتخابية وتنظيمها إعلامياً وتركيبة المجلس وعدد أعضائه وحدود سلطاته التنفيذية والتشريعية فكلها أمور متروكة للمفاوضات الجانبية بين الطرفين.
- تنص الوثيقة أن المجلس الفلسطيني بعد تسلمه صلاحياته يشكل بعض المؤسسات التي تخدم التنمية مثل سلطة كهرباء فلسطينية، وسلطة ميناء غزة، وبنك تنمية فلسطيني، ومجلس تصدير، وسلطة بيئة فلسطينية، وسلطة أراض فلسطينية، وسلطة إدارة المياه الفلسطينية.
المرحلة الثانية/ الانتقالية :
وتبدأ بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا، وتستمر لمدة خمس سنوات تجرى خلالها انتخابات عامة حرة مباشرة لاختيار أعضاء المجلس الفلسطيني الذي سيشرف على السلطة الفلسطينية الانتقالية، وعندما يتم ذلك تكون الشرطة الفلسطينية قد استلمت مسؤولياتها في المناطق التي تخرج منها القوات الإسرائيلية خاصة تلك المأهولة بالسكان.
كما تنص الوثيقة على تكوين لجنة فلسطينية إسرائيلية مشتركة للتنسيق وفض الخلافات، وأخرى للتحكيم في حال عجز اللجنة الأولى عن التوصل إلى حل الخلافات. وتحث الوثيقة على ضرورة التعاون الإقليمي في المجال الاقتصادي من خلال مجموعات العمل في المفاوضات متعددة الأطراف.(1/126)
وبالنسبة لمفاوضات الوضع النهائي فقد نصت الوثيقة على البدء في تلك المرحلة بعد انقضاء ما لا يزيد عن ثلاث سنوات والتي تهدف بحث القضايا العالقة مثل: القدس، والمستوطنات، واللاجئين، والترتيبات الأمنية، والحدود، إضافة إلى التعاون مع الجيران وما يجده الطرفان من قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، كل ذلك سيتم بحثه استناداً إلى قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.
اتفاقية وادي عربة بين الأردن واليهود
نصت المعاهدة على أن الهدف منها هو تحقيق سلام عادل وشامل بين البلدين استناداً إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 ضمن حدود آمنة ومعترف بها، ولتحقيق السلام المنشود ينبغي –كما جاء في الديباجة– تخطي الحواجز النفسية بين الشعبين الأردني والإسرائيلي.
أهم بنود المعاهدة:
المادة الأولى - إقامة السلام:
يعتبر السلام قائماً بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة إسرائيل (الطرفين) اعتباراً من تاريخ تبادل وثائق التصديق على المعاهدة.
المادة الثانية - المبادئ العامة:
سيطبق الطرفان في ما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول وقت السلام، وبشكل خاص:
1- يعترفان بسيادة كل منهما وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي وسوف يحترمانها.
2- يعترفان بحق كل منهما بالعيش بسلام ضمن حدود آمنة.
3- سينميان علاقات حسن الجوار والتعاون بينهما لضمان أمن دائم، وسيمتنعان عن التهديد بالقوة وعن استعمالها، وسيحلان كل النزاعات بينهما بالوسائل السلمية.
4- يحترمان ويعترفان بسيادة كل دولة في المنطقة وبسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي.
5- يحترمان ويعترفان بالدور الأساسي للتنمية والكرامة الإنسانية في العلاقات الإقليمية الدولية.
6- ويعتقدان أيضاً أن تحركات السكان القسرية ضمن مناطق نفوذهما بشكل قد يؤثر سلباً على الطرف الآخر ينبغي ألا يسمح بها.
المادة الثالثة - الحدود الدولية:(1/127)
1- تحدد الحدود الدولية بين الأردن وإسرائيل على أساس تعريف الحدود زمن الانتداب البريطاني.
2- تعتبر الحدود (كما هي محددة في الملحق 1/1) الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها دولياً بين الأردن وإسرائيل، دون المساس بوضع الأراضي التي دخلت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي عام 1967.
3- يعتبر الطرفان أن الحدود الدولية بما فيها المياه الإقليمية والمجال الجوي حدود لا يجوز اختراقها وسوف يحترمانها.
4- سيتم ترسيم الحدود حسب ما هو منصوص عليه في الملحق 1 من الملحق 1/1 وسيتم الانتهاء منه في فترة لا تزيد عن تسعة شهور.
5- من المتفق عليه أنه حيثما تبع الحدود مجرى نهر فإنه إذا تغير مسيل مجرى النهر تغييراً طبيعياً كما هو موضح في الملحق 1/1 فإن الحدود لن تتأثر إلا إذا اتفق على خلاف ذلك.
6- مباشرة عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة سيعيد كل طرف الانتشار إلى جهته من الحدود الدولية حسبما هو معروف في الملحق 1/1.
7- مباشرة عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة سيدخل الطرفان في مفاوضات للوصول إلى اتفاقية خلال تسعة شهور حول تحديد حدودهما البحرية في خليج العقبة.
8- آخذين بعين الاعتبار الأوضاع الخاصة بمنطقة الباقورة -نهاريم التي هي تحت السيادة الأردنية- حقوق امتلاك خاصة إسرائيلية يقرر الطرفان تطبيق المواد المنصوص عليها في الملحق 1/1.
9- فيما يتعلق بمنطقة تسوفار تطبق المواد المنصوص عليها في الملحق 1/1/ج.
المادة الرابعة - الأمن:
يتعهد الطرفان بمقتضى هذه المادة على ما يلي:
1- الامتناع عن التهديد بالقوة واستعمالها أو استعمال الأسلحة التقليدية أو غير التقليدية أو من أي نوع ضد بعضهما، وعن الأعمال والأنشطة الأخرى التي تضر بأمن الطرف الآخر.(1/128)
2- الامتناع عن تنظيم الأعمال والتهديدات العدائية أو المعادية أو ذات الطبيعة التخريبية أو العنيفة وعن التحريض عليها والمساهمة أو المشاركة فيها ضد الطرف الآخر.
3- اتخاذ الإجراءات الضرورية والفعالة للتأكد من أن الأعمال أو التهديدات بالعداء أو المعاداة أو التخريب أو العنف لا ترتكب من أراضيهما -وحيثما وردت كلمة أراض بعد هذه الفقرة فإنها تعني المجال الجوي والمياه الإقليمية- أو من خلال أو فوق أراضيها.
4- بما يتماشى مع حقبة السلام ومع الجهود لبناء أمن إقليمي وما يمنع ويحول دون العدوان والعنف.. يتفق الطرفان أيضاً على الامتناع عما يلي:
- الدخول في أي ائتلاف أو تنظيم أو حلف ذي صفة عسكرية أو أمنية مع طرف ثالث أو مساعدته بأي طريقة من الطرق أو الترويج له أو التعاون معه إذا كانت أهدافه أو نشاطاته تتضمن شن العدوان أو أية أعمال أخرى من العداء العسكري ضد الطرف الآخر، بما يتناقض مع مواد هذه المعاهدة.
5- يتخذ الطرفان إجراءات ضرورية وفعالة وسيتعاونان في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله. ويتعهد الطرفان:
- باتخاذ إجراءات ضرورية وفعالة لمنع أعمال الإرهاب والتخريب والعنف من أن تشن من أراضيهما أو من خلال أراضيهما، وباتخاذ إجراءات ضرورية وفعالة لمكافحة هذه النشاطات ومرتكبيها.
- دون المساس بالحريات الأساسية بالتعبير عن الرأي وبالتنظيم، اتخاذ إجراءات ضرورية وفعالة لمنع دخول ووجود وعمل أي منظمة أو مجموعة أو بنيتها الأساسية في أراضيها إذا كانت تهدد أمن الطرف الآخر باستعمال وسائل العنف أو التحريض على استعمال وسائله.
- التعاون بمنع ومكافحة التسلل عبر الحدود.(1/129)
6- أي مسألة تتعلق بتنفيذ هذه المادة تتم معالجتها ضمن آلية للتشاور والتي ستضم جهاز الارتباط والتحقق والإشراف، وحيثما كان ذلك ضرورياً تتم مشاورات على مستوى أعلى. وستضم اتفاقية سيجري الانتهاء منها ضمن مدة ثلاثة شهور من تبادل وثائق التصديق على هذه الاتفاقية بالتفاصيل المتعلقة بالمشاورات.
7- العمل على أساس الأولوية وبالسرعة الممكنة ضمن المجموعة المتعددة الأطراف المتعلقة بضبط التسلح والأمن الإقليمي، وبشكل مشترك لما يلي:
- إيجاد منطقة خالية من التحالفات العدائية في الشرق الأوسط.
- إيجاد منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، سواء منها التقليدية وغير التقليدية في الشرق الأوسط ضمن سلام شامل ودائم ومستقر يتصف بالامتناع عن استعمال القوة، والتوفيق والنوايا الحسنة.
المادة الخامسة - الدبلوماسية والعلاقات الثنائية الأخرى:
1- يتفق الطرفان على إقامة علاقات دبلوماسية وقنصلية كاملة وتبادل السفراء المقيمين وذلك في خلال مدة شهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.
2- يتفق الطرفان على أن العلاقة الطبيعية بينهما تشمل أيضاً العلاقات الاقتصادية والثقافية.
المادة السادسة - المياه:
بهدف تحقيق تسوية شاملة ودائمة لكافة مشكلات المياه القائمة بين الطرفين، يتفق الطرفان على الاعتراف بتخصيصات عادلة لكل منهما وذلك من مياه نهري الأردن واليرموك ومن المياه الجوفية لوادي عربة، وذلك بموجب المبادئ المقبولة والمتفق عليها وحسب الكميات والنوعية المتفق عليها.
المادة السابعة - العلاقات الاقتصادية:(1/130)
1- انطلاقاً من النظر إلى التنمية الاقتصادية والرفاهية باعتبارهما دعامتين للسلام والأمن والعلاقات المنسجمة في ما بين الدول والشعوب والأفراد من بني البشر، فإن الطرفين -في ضوء أوجه التفاهم التي تم التوصل إليها- يؤكدان على رغبتيهما المتبادلتين في ترويج التعاون الاقتصادي ليس بينهما وحسب، وفي ضمن الإطار الأوسع للتعاون الاقتصادي الإقليمي كذلك.
لتحقيق هذا الهدف يتفق الطرفان على ما يلي:
- إزالة كافة أوجه التمييز التي تعتبر حواجز ضد تحقيق علاقات اقتصادية طبيعية، وإنهاء المقاطعات الاقتصادية الموجهة ضد الطرف الآخر، والتعاون في مجال إنهاء المقاطعات الاقتصادية المقامة ضد أحدهما من قبل أطراف ثالثة.
المادة الثامنة - اللاجئون والنازحون:
1- اعترافاً من الطرفين بالمشكلات الإنسانية الكبيرة التي يسببها النزاع في الشرق الأوسط بالنسبة للطرفين، وبما لهما من إسهام في التخفيف من شدة المعاناة الإنسانية، فإنهما يسعيان إلى تحقيق مزيد من التخفيف من حدة المشكلات الناجمة على صعيد ثنائي.
2- اعترافاً من الطرفين بأن المشاكل البشرية المشار إليها أعلاه التي يسببها النزاع في الشرق الأوسط لا يمكن تسويتها بشكل كامل على الصعيد الثنائي، يسعى الطرفان إلى تسويتها في المحافل والمنابر المناسبة، وبمقتضى أحكام القانون الدولي بما في ذلك ما يلي:
- بقدر تعلق الأمر بالنازحين، في ضمن إطار لجنة رباعية بالاشتراك مع مصر والفلسطينيين.
- في ما يتعلق باللاجئين:
1- من ضمن إطار عمل المجموعة متعددة الأطراف حول اللاجئين.
2 - من خلال إجراء حوار ثنائي أو غير ذلك، يتم ضمن إطار يتفق عليه ويأتي مقترناً بالمفاوضات الخاصة بالوضع القانوني الدائم أو متزامناً معها، وذلك في ما يتعلق بالمناطق المشار إليها في المادة الثالثة من هذه المعاهدة.
3 - من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها، بما في ذلك المساعدة في مضمار العمل على توطينهم.(1/131)
المادة التاسعة - الأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية:
1- سيمنح كل طرف للطرف الآخر حرية الدخول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية.
2- وبهذا الخصوص وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.
3- سيقوم الطرفان بالعمل معاً لتعزيز حوار الأديان بين الأديان التوحيدية الثلاثة بهدف العمل باتجاه تفاهم ديني والتزام أخلاقي وحرية العبادة والتسامح والسلام.
المادة العاشرة - أوجه التبادل الثقافي والعلمي:
انطلاقاً من رغبة الطرفين في إزالة كافة حالات التمييز التي تراكمت عبر فترات الصراع، فإنهما يعترفان بضرورة التبادل الثقافي والعلمي في كافة الحقول، ويتفقان على إقامة علاقات ثقافية طبيعية بينهما، وعليه فإنهما يقومان -بأسرع وقت ممكن على أن لا يتجاوز ذلك فترة تسعة شهور من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة- باختتام المفاوضات حول الاتفاقات الثقافية والعلمية.
المادة الحادية عشرة - التفاهم المتبادل وعلاقات حسن الجوار:
1- يسعى الطرفان إلى تعزيز التفاهم المتبادل في ما بينهما، والتسامح القائم على ما لديهما من القيم التاريخية المشتركة.
وبموجب ذلك فإنهما يتعهدان بما يلي:
أ - الامتناع عن القيام ببث الدعايات المعادية القائمة على التعصب والتمييز، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية الممكنة التي من شأنها منع انتشار مثل هذه الدعايات، وذلك من قبل أي تنظيم أو فرد موجود في المناطق التابعة لأي منهما.(1/132)
ب - القيام بأسرع وقت ممكن وبفترة لا تتجاوز ثلاثة شهور من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة، بإلغاء كافة ما من شأنه الإشارة إلى الجوانب المعادية وتلك التي تعكس التعصب والتمييز، والعبارات العدائية في نصوص التشريعات الخاصة بكل منهما.
ج - أن يمتنعا عن مثل هذه الإشارات أو التعبيرات في كافة المطبوعات الحكومية.
د - التأكيد على تمتع مواطني كل طرف بالمعاملة القانونية الأصولية في الأنظمة القانونية للطرف الآخر وأمام محاكم ذلك الطرف.
2 - تطبق الفقرة 1/1 بما لا يتعارض مع الحق في حرية التعبير والمنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
المادة الثانية عشرة - محاربة الجريمة والمخدرات:
سيتعاون الطرفان في محاربة الجريمة وبخاصة التهريب، وسيتخذان كافة الإجراءات الضرورية لمحاربة ومنع نشاطات إنتاج المخدرات المحظورة والاتجار بها، وسيقومان بتقديم مرتكبي مثل هذه النشاطات إلى المحاكمة، وفي هذا الخصوص سيأخذ بعين الاعتبار مجالات التفاهم التي توصلا إليها مثل ملحق 3 من هذه الاتفاقية. كما يلتزم الطرفان بإتمام الاتفاقات المرتبطة بهذا المجال في فترة لا تزيد عن تسعة شهور من تاريخ تبادل وثائق تصديق هذه المعاهدة.
المادة الثالثة عشرة - النقل والطرق:
يأخذ الطرفان بعين الاعتبار التقدم المحرز في مجال النقل، ولهذا يعترف الطرفان بالاهتمام المتبادل في إقامة علاقات جوار طبيعية في مجال النقل. ولتعزيز العلاقات في هذا المجال يتفق الطرفان على ما يلي:
أ - سيسمح كل طرف لمواطني الطرف الآخر ووسائل نقلهم بحرية الحركة في أراضيه وفقاً للقواعد المطبقة على مواطني الدول الأخرى ووسائل نقلهم، ولن يفرض أي طرف ضرائب إضافية أو قيود على حرية الحركة على الأشخاص ووسائل النقل من أراضيه إلى أراضي الطرف الآخر.(1/133)
ب - سيقوم الطرفان بفتح وإقامة طرق ونقاط عبور بين بلديهما، وسيأخذان بالاعتبار إقامة اتصالات برية والاتصالات بالسكك الحديدية بينهما.
ج - سيستمر الطرفان بالتفاوض بشأن اتفاقات النقل المتبادل في المجالات السابقة والأخرى مثل: المشاريع المشتركة، والأمان على الطرق، ومعايير النقل، وترخيص المركبات، وممرات برية، وشحن البضائع والحمولات، والقضايا المتعلقة بالأرصاد الجوية، على أن تتم هذه الاتفاقات في ما لا يزيد عن ستة شهور من تاريخ تبادل الطرفين وثائق تصديق هذه المعاهدة.
د - سيستمر الطرفان بالتفاوض لإقامة طريق سريع يربط الأردن ومصر وإسرائيل بالقرب من إيلات.
المادة الرابعة عشرة - حرية الملاحة والوصول إلى الموانئ:
1 - بما لا يتعارض مع الفقرة 3، يعترف كل طرف بحق سفن الطرف الآخر بالمرور البحري في مياهه الإقليمية وفقاً لقواعد القانون الدولي.
2 - سيمنح كل طرف لسفن الطرف الآخر وحمولاتها منفذاً عادياً إلى موانئه، وكذلك إلى السفن والبضائع المتجهة إلى الطرف الآخر أو التي تأتي منها. وسيمنح هذا المنفذ وفقاً لنفس الشروط المطبقة عادة على سفن وبضائع الدول الأخرى.
3 - يعتبر الطرفان مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية مفتوحة لكل الأمم للملاحة فيها والطيران فوقها بدون إعاقة أو توقف، وسيحترم كل طرف الآخر بالملاحة والمرور الجوي للوصول إلى إقليم أي من الطرفين من خلال مضيق تيران وخليج العقبة.
الموقعون :
- عن الجانب الأردني: عبد السلام المجالي رئيس الوزراء الأردني.
- عن الجانب الإسرائيلي: إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي.
- الشاهد على التوقيع: بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأميركية.
- تاريخ التوقيع: 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1994.
- مكان التوقيع: وادي عربة على الحدود الأردنية الإسرائيلية.
الفهرس
خلاصة التبيين لمخاطر التطبيع على المسلمين ... 3
المقدمة ... 5
الفصل الأول : خطر اليهود : ... 9(1/134)
المبحث الأول : دورهم في إثارة الفتن وإسقاط الدول : ... 10
المبحث الثاني : مطامع اليهود في جزيرة العرب : ... 18
الأمر الأول : العقدي : ... 18
الأمر الثاني : الأمني : ... 22
الأمر الثالث : الاقتصادي : ... 24
الفصل الثاني : التطبيع وآثاره : ... 27
المبحث الأول : المراد بالتطبيع : ... 27
1-التطبيع السياسي : ... 29
2- التطبيع الاقتصادي : ... 32
3- التطبيع الثقافي : ... 33
المبحث الثاني : آثار التطبيع : ... 37
أولاً : ثمرات التطبيع لليهود : ... 37
ثانياً : آثار التطبيع على المسلمين : ... 38
1- إفساد الدين : ... 38
2- التجسس : ... 39
3- إفساد الاقتصاد : ... 39
4-ترويج المخدرات : ... 40
5-إفساد المزروعات : ... 40
6-إفساد الثروة الحيوانية : ... 41
7- تلويث الشواطيء : ... 41
8- نشر مرض الإيدز : ... 42
الفصل الثالث : حكم التطبيع : ... 43
المبحث الأول : فضل المسجد الأقصى وفلسطين : ... 43
المبحث الثاني : حكم التطبيع : ... 47
الوجه الأول : الحكم الإجمالي : ... 48
الوجه الثاني : الحكم التفصيلي : ... 50
المنكر الأول : أن التحاكم في هذه الاتفاقات إلى الطاغوت : ... 51
المنكر الثاني : أن هذه الاتفاقات تملك اليهود أرض الإسلام : ... 55
المنكر الثالث : أن هذه الاتفاقات تلغي الجهاد في سبيل الله : ... 60
المنكر الرابع : أن هذه الاتفاقات تولٍ لأعداء الله ومظاهرة لهم على المجاهدين: ... 66
المنكر الخامس : أن هذه الاتفاقات تهدم أصل البراء من الكفار : ... 69
المنكر السادس: أن في هذه الاتفاقات تسليطاً لليهود على المسلمين : ... 72
المبحث الثالث : شبهات وردود : ... 73
الشبهة الأولى : الاستدلال بقوله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ... 74
الشبهة الثانية : الاستدلال بصلح الحديبية : ... 77
الشبهة الثالثة : الاستدلال بمصالحة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود : ... 81(1/135)
الشبهة الرابعة: الاستدلال بقاعدة المصلحة : ... 83
الشبهة الخامسة : الاستدلال بجواز معاملة الكفار : ... 86
الشبهة السادسة : الاستدلال بفتوى الشيخ ابن باز رحمه الله : ... 88
المبحث الرابع : حتمية الصراع وانتصار المسلمين : ... 103
الخاتمة : ... 109
الملاحق : ... 111
1- بيان في حكم التطبيع مع اليهود : ... 112
2- معاهدة كامب ديفيد : ... 119
3- معاهدة أوسلو : ... 124
3- معاهدة وادي عربة : ... 127
الفهرس ... 135(1/136)