البيان والبرهان في العلاج بالقرآن
تأليف
الشيخ مصطفى بن محمد شخمال
أبو سعد
إهداء
إلى علماء الأمة الربانيين وطلاب العلم المخلصين
إلى كل مبتلى صبر على قضاء الله وقدره.
أسأل عزوجل أن يجعلني وإياهم من الناصحين المتمسكين بالوحيين الشريفين
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لااله الا الله وحده لاشريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله-صلى الله عليه وسلم-.
أما بعد:
فلقد توالت البحوث والكتابات والمقالات عن العلاج بالقرآن الكريم لكثير من الأمراض والبلايا التي يشكو منها المسلمون في زمن غفل الكثير منهم عن ذكر الله وطاعته والتزام شرعه ومنهج نبيه صلى الله عليه وسلم القويم.
ولقد أجاد وأفاد كثير من من كتب في هذا المجال وذكروا زبدة جهودهم وخلاصة اجتهاداتهم وعصارة تجاربهم العلمية والعملية وحصل للناس بها ولله الحمد خير كثير ونفع عظيم وكانت سببا في إصلاح الكثير منهم ورجوعهم الى المنهج القويم والصراط المستقيم .
فرأيت أن أدلي بدلوي كذلك لأضيف لبنة من خلال هذا البحث المتواضع لأبين الهدي النبوي في العلاج بالقرآن الكريم وتصحيح بعض المفاهيم والأخطاء الشائعة المنتشرة في أوساط المرضى والرقاة .
هذا والله أسأل أن يتقبل منا صالح الأعمال وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .
المبحث -1- تبيان أن القرآن هو الشفاء التام من جميع الأمراض القلبية والبدنية.
سؤال يعرض بين الناس عند الحديث عن الاستشفاء والعلاج بالقرآن الكريم، والسؤال هو : هل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة شفاء من الأمراض العضوية ؟؟؟
إن المتتبع لنصوص الوحيين يجد هذه الحقيقة واضحة جلية كوضوح الشمس في رائعة النهار ، ولا بد قبل الإجابة عن هذا التساؤل من استقراء النصوص القرآنية والحديثية للوقوف على حقيقة الأمر ، وهي على النحو التالي :(1/1)
* أولاً : النصوص القرآنية الدالة على أن القرآن شفاء :
-1- يقول تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ) ( سورة الإسراء – الآية 82 )
* قال ابن القيم - رحمه الله - : ( والأظهر أن " من " هنا لبيان الجنس فالقرآن جميعه شفاء ورحمة للمؤمنين ) ( إغاثة اللهفان – 1 / 24 ) 0
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي : ( فالشفاء : الذي تضمنه القرآن ، عام لشفاء القلوب ، ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها ) ( تيسير الكريم الرحمن – باختصار – 3 / 128 )
-2- وقال تعالى : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) ( سورة فصلت – الآية 44 )
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي : ( ولهذا قال : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) أي : يهديهم لطريق الرشد ، والصراط المستقيم ، ويعلمهم من العلوم النافعة ما به تحصل الهداية التامة وشفاء لهم من الأسقام البدنية ، والأسقام القلبية ، لأنه يزجر عن مساوئ الأخلاق ، وأقبح الأعمال ، ويحث على التوبة النصوح ، التي تغسل الذنوب ، وتُشفي القلب ) ( تيسير الكريم الرحمن – باختصار – 4 / 403 )
* أقوال أهلم العلم والباحثين على أن القرآن الكريم شفاء للأمراض على اختلاف أنواعها :
قال ابن القيم – رحمه الله - : ( وقد اشتملت الفاتحة على الشفاءين : شفاء القلوب ، وشفاء الأبدان
أما تضمنها لشفاء الأبدان : فنذكر منه ما جاءت فيه السنة،ثم ساق - رحمه الله – حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – الى أن قال : فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه ، فأغنته عن الدواء وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء
هذا مع كون المحل غير قابل ، إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين ، أو أهل بخل ولؤم ، فكيف إذا كان المحل قابلا ) ( تهذيب مدارج السالكين – باختصار – 53 ، 55 )(1/2)
وقال - رحمه الله - : ( ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه ، وفقدت الطبيب والدواء ، فكنت أتعالج بها ، آخذ شربة من ماء زمزم ، وأقرؤها عليها مرارا ( يعني فاتحة الكتاب ) ، ثم أشربه ، فوجدت بذلك البرء التام ، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع ، فأنتفع بها غاية الانتفاع ) ( الطب النبوي – ص 178 )
* قال النووي : ( وفي هذا الحديث استحباب الرقية بالقرآن وبالأذكار، وإنما رقى بالمعوذات لأنهن جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلا ، ففيها الاستعاذة من شر ما خلق ، فيدخل فيه كل شيء ، ومن شر النفاثات في العقد ، ومن السواحر ، ومن شر الحاسدين ، ومن شر الوسواس الخناس ، والله أعلم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 351 ، 352 )
قال المناوي : ( قال ابن حجر : وهذا لا يدل على المنع من التعوذ بغير هاتين السورتين بل يدل على الأولوية سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما ، وإنما اكتفى بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الكلم والاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا ) ( فيض القدير - 5 / 202 ) 0
قال النسفي : ( قال ابن عباس : إذا اعتللت أو اشتكيت فعليكم بالأساس – أي فاتحة الكتاب - ) ( تفسير النسفي - 1 / 3 )
* قال الشوكاني : ( واختلف أهل العلم في معنى كونه شفاء على قولين :-
الأول : أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وذهاب الريب وكشف الغطاء عن الأمور الدالة على الله 0
والقول الثاني : أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقي والتعوذ ونحو ذلك 0 ولا مانع من حمل الشفاء على المعنيين من باب عموم المجاز ، أو من باب حمل المشترك على معنييه ) ( فتح القدير – 3 / 253 )
* قال السيوطي : ( وأخرج البيهقي عن طلحة بن مصرف قال : كان يقال : أن المريض إذا قرئ عنده القرآن وجد له خفة 0 فدخلت على خيثمة وهو مريض فقلت : إني أراك اليوم صالحا قال : إنه قرئ عندي القرآن ) ( الدر المنثور – 3 / 553 )(1/3)
* ثانيا : النصوص الحديثية الدالة على أن القرآن والسنة شفاء :
1)- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب ، فاستضافوهم ، فأبوا أن يضيفوهم ، فلدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شئ لا ينفعه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شيء ، فأتوهم ، فقالوا : يا أيها الرهط ! إن سيدنا لدغ ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه ، فهل عند أحد منكم من شيء ؟ فقال بعضهم : نعم والله إني لأرقي ، ولكن استضفناكم، فلم تضيفونا، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ : الحمد لله رب العالمين ، فكأنما أنشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبة ، قال : فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم : اقتسموا ، فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنذكر له الذي كان ، فننظر ما يأمرنا ، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك ، فقال وما يدريك أنها رقية ؟ ) ، ثم قال قد أصبتم ، اقسموا واضربوا لي معكم سهما ) ( متفق عليه )
ومن تتبع النص السابق يتبين بأن القرآن الكريم شفاء لأمراض الأبدان ، وقد يبلغ به حصول شفاء الأمراض البدنية ما لا يبلغه الدواء
وفي ذلك يقول ابن القيم - رحمه الله - : ( فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه فأغنته عن الدواء وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء ) ( مدارج السالكين - 1 / 67 )
قال ابن كثير – رحمه الله - : ( وقد ورد أن أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – كان يرقى ويحصن بالفاتحة وقد سمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم " بالرَّاقية والشَّافية" ) ( تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة الفاتحة )(1/4)
*قال الشيخ عطية محمد سالم – رحمه الله – معقباً على حديث عم خارجة بن الصلت التميمي – رضي الله عنه – بعد اسلامه ومروره على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد ورقيته بفاتحة الكتاب وشفاءه بإذن الله عز وجل :
فهذا معتوه فاقد الأهلية والتمييز ذاهب العقل ، سواء كان لخلل في المخ والعقل أو لمس من الجن ، فهو أمر معنوي ، وقد شفي بالفاتحة ، فتكون الفاتحة رقية للأمور المحسوسة كلدغ العقرب والأمور المعنوية كالمعتوه ، وهذا أيضا ليس عن علم مسبق ، ولا نص يعتمد عليه ، إنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وفي طريق عودته إلى دياره مر بهذا الحي ، وفيه هذا المعتوه ، ولما رجع الي النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك ، وسماها رقيا حق ، وأباح له الجعل من الغنم مائة شاة وعليه فإن استشفى بالفاتحة لكل مرض فعنده أصل من هاتين الصورتين اللديغ والمعتوه ) ( العين والرقية والاستشفاء من القرآن والسنة - ص 102- 103 ) 0
-2-عن ابن مسعود وعائشة ومحمد بن حاطب وجميلة بنت المجلل - رضوان الله تعالى عنهم أجمعين - : قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المريض فدعا له ، وفي رواية يعوذ بعضهم بمسحه بيمينه ويقول : ( أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ) ( متفق عليه
قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( قال ابن بطال في وضع اليد على المريض : تأنيس له وتعرف لشدة مرضه ليدعوا له بالعافية على حسب ما يبدوا له منه وربما رقاه بيده ومسح على ألمه بما ينتفع به العليل إذا كان العائد صالحا ) ( فتح الباري – 10 / 126 ) 0
قال النووي : ( قولها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ، ثم قال " أذهب الباس " إلى آخره فيه استحباب مسح المريض باليمين ، والدعاء له ، ومعنى " لا يغادر سقما " أي لا يترك ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 351 )(1/5)
-3- عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - أنه قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني ، فقال : ( امسح بيمينك سبع مرات وقل : أعوذ بعزة الله وقدرته وسلطانه ، من شر ما أجد قال : ففعلت فأذهب الله ما كان بي ، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 67 ) : باب استحباب وضع يده على موضع الألم ، مع الدعاء – برقم 2202 )
قال المباركفوري : ( وللترمذي في الدعوات وحسنه والحاكم وصححه عن محمد بن سالم قال : قال لي ثابت البناني : يا محمد إذا اشتكيت فضع يديك حيث تشتكي ثم قل بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترا ، قال فإن أنس بن مالك حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك " قال " أي عثمان " ففعلت " أي ما قال لي " فأذهب الله ما كان بي" أي من الوجع "فلم ازل آمر به أهلي وغيرهم" لأنه من الأدوية الإلهية والطب النبوي ، لما فيه من ذكر الله والتفويض إليه والاستعاذة بعزته وقدرته ، وتكراره يكون أنجع وأبلغ كتكرار الدواء الطبيعي لاستقصاء إخراج المادة ) ( تحفة الأحوذي - 6 / 212 )
قال النووي : ( ومقصوده أنه يستحب وضع يده على موضع الألم ، ويأتي بالدعاء المذكور والله أعلم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 357 ) 0
-4-عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات : أسأل الله العظيم ، رب العرش العظيم ، أن يشفيك ، إلا عوفي ) ( صحيح الجامع 5766 )(1/6)
-5-عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالشفاءين العسل والقرآن ) ( أنظر كتاب الأمراض والكفارات والطب والرقيات – للإمام أبي عبدالله ضياء الدين المقدسي – تحقيق الشيخ أبو اسحاق الحويني الأثري ، قال – حفظه الله – في هذا الحديث : " صحيح موقوفا " ، وقد ضعفه الألباني – ضعيف الجامع 3765 ) 0
قلت : ومع أن الحديث فيه كلام لبعض أهل العلم ، إلا أن معناه صحيح ، لما له من شواهد دالة على صحته سواء من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما ذكرته آنفا في أدلة كتاب الله على أن القرآن شفاء يغني عما سواه ، وقد دلت النصوص النقلية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن العسل شفاء بإذن الله انظر كتاب الطب النبوي و ما كتبه ابن القيم في هذا الباب .
قال ابن طولون : ( وقوله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالشفاءين العسل والقرآن " وجمع في هذا القرآن بين الطب البشري والطب الإلهي ، وبين الفاعل الطبيعي والفاعل الروحاني ، وبين طب الأجساد وطب الأنفس ، وبالسبب الأرضي والسبب السماوي وقوله صلى الله عليه وسلم " عليكم بالشفاءين " فيه سر لطيف أي لا يكتفى بالقرآن وحده ويبطل السعي ؛ بل يعمل بما أمر ويسعى في الرزق كما قدر ، ويسأله المعونة والتوفيق ) ( المنهل الروي في الطب النبوي - بتصرف - ص 250 – 252
-6- عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها ، فقال : ( عالجيها بكتاب الله ) ( أخرجه ابن حبان في صحيحه - برقم ( 1419 ) ، أنظر السلسلة الصحيحة 1931 )(1/7)
-7- عن جابر – رضي الله عنه – أنه دعي لامرأة بالمدينة لدغتها حية ليرقيها فأبى فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه ، فقال عمر : إنك تزجر عن الرقى !! فقال : اقرأها علي ، فقرأها عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا بأس ، إنما هي مواثيق فارق بها ) ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، وابن ماجة في سننه ، والسيوطي في " الكبير " ، وقال الألباني حديث حسن ، أنظر صحيح ابن ماجة 2833 – السلسلة الصحيحة 472 )
قال صاحب الفتح الرباني : ( وإنما قال صلى الله عليه وسلم " اقرأها علي " خشية أن يكون فيها شيء من شرك الجاهلية ، فلما لم يجد شيئا من ذلك قال :" لا بأس وأذن له بها " ) ( الفتح الرباني – 17 / 178 )
-8- عن عائشة بنت سعد أن أباها قال : ( تشكيت بمكة شكوى شديدة فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني قلت : يا نبي الله إني أترك مالا وإني لم أترك إلا بنتا واحدة فأوصي بثلث مالي وأترك الثلث ؟ فقال : لا قلت: فأوصي بالنصف وأترك النصف ؟ قال : لا قلت : فأوصي بالثلث وأترك الثلثين ؟ قال : الثلث والثلث كثير ثم وضع يده على جبهته ثم مسح يده على وجهي وبطني ثم قال : " اللهم اشف سعد وأتمم له هجرته " ) ( أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المرضى ( 13 ) - برقم ( 5659 ) – أنظر صحيح أبو داود 2661 )
-9-أخرج الامام مالك والبخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي –صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها.
إذن فأحاديث العلاج بالقرآن مخرجة في كتاب الموطأ للامام مالك ومسند الامام أحمد وصحيحي البخاري ومسلم وسنن ابي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم(1/8)
وسنن الدار قطني وغيرها من كتب السنة التي عن طريقها وصلنا الهدي النبوي صلى الله عليه وسلم ,فمن يستطيع بعد هذا أن ينكر العلاج بالقرآن الكريم ويجعله من قبيل الدجل والخرافات إلا أن يكون غريقا في الجهل منغمسا في الابتداع والانحراف عن السنة المطهرة ؟!
* ثالثا : أقوال أهل العلم في العلاج بالقرآن والسنة :
* قال النووي -رحمه الله تعالى- في شرح " وما أدراك أنها رقية " : ( فيه التصريح بأنها رقية فيستحب أن يقرأ بها على اللديغ والمريض وسائر أصحاب الأسقام – أي الأمراض - والعاهات – أي البلايا والآفات - ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 356 )
* قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( قال الإمام القرطبي معلقا على حديث عائشة " بسم الله ، تربة أرضنا ، بريقة بعضنا ، يشفي سقيمنا ، بإذن ربنا " : فيه دلالة على جواز الرقى من كل الآلام ) ( فتح الباري – 10 / 208 )
* وقال أيضا : ( قال البغوي - رحمه الله - : " تجوز الرقية بذكر الله سبحانه وتعالى في جميع الأوجاع " ) ( فتح الباري - 12 / 162 )(1/9)
* قال ابن القيم - رحمه الله - : ( فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة ، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به ، وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان ، وقبول تام ، واعتقاد جازم ، واستيفاء شروطه ، لم يقاومه الداء أبدا ، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها ، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه ، قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( سورة العنكبوت - الآية 51 ) فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ، ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله ) ( الطب النبوي - 352 ) 0
* وقال في موضع آخر : ( وقد علم أن الأرواح متى قويت ، وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره ، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه ، وفرحت بقربها من بارئها ، وأنسها به ، وحبها له ، وتنعمها بذكره ، وانصراف قواها كلها إليه ، وجمعها عليه ، واستعانتها به ، وتوكلها عليه ، أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية ، وأن توجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية ، ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس ، وأغلظهم حجابا ، وأكثفهم نفسا ، وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية ) ( الطب النبوي – ص 12 ) 0(1/10)
* وقال أيضا : ( ومن المعلوم أن بعض الكلام له خواص ومنافع مجربة ، فما الظن بكلام رب العالمين ، الذي فضله على كل كرم كفضل الله على خلقه ، الذي هو الشفاء التام ، والعصمة النافعة ، والنور الهادي ، والرحمة العامة ، الذي لو أنزل على جبل لتصدع من عظمته وجلاله ، قال تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( سورة الإسراء – الآية 82 ) و " من " هنا بيان الجنس ، لا للتبعيض 0 هذا أصح القولين ) ( زاد المعاد – 4 / 177 ) 0
* وقال : ( واعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله ، وتمنع من وقوعه ، وإن وقع لم يقع وقوعا مضرا وإن كان مؤذيا ، والأدوية الطبيعية إنما تنفع بعد حصول الداء ، فالتعوذات والأذكار إما أن تمنع وقوع هذه الأسباب ، وإما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه، فالرقى والعوذ تستعمل لحفظ الصحة، ولإزالة المرض ) ( زاد المعاد - 4 / 182 )
* قال الشبلي : ( وفي التطبب والاستشفاء بكتاب الله عز وجل غنى تام ، ومنفع عام ، وهو النور ، والشفاء لما في الصدور ، والوقاء الدافع لكل محذور ، والرحمة للمؤمنين من الأحياء وأهل القبور وفقنا الله لإدراك معانيه ، وأوقفنا عند أوامره ونواهيه ومن تدبر من آيات الكتاب ، من ذوي الألباب ، وقف على الدواء الشافي لكل داء مواف، سوى الموت الذي هو غاية كل حي ، فإن الله تعالى يقول : ( مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِنْ شِىْءٍ ) ( سورة الأنعام – الآية 38 ) وخواص الآيات والأذكار لا ينكرها إلا من عقيدته واهية ، ولكن لا يعقلها إلا العالمون لأنها تذكرة وتعيها أذن واعية والله الهادي للحق ) ( أحكام الجان – ص 140 )
* سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز عن التداوي والعلاج بالقرآن والاستشفاء به من الأمراض العضوية كالسرطان ونحوه ، وكذلك الاستشفاء به من الأمراض الروحية كالعين والمس وغيرهما ؟(1/11)
فأجاب – رحمه الله - : ( القرآن والدعاء فيهما شفاء من كل سوء – بإذن الله - والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) ( سورة فصلت – الآية 44 ) وقوله سبحانه : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( سورة الإسراء – الآية 82 ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم " إذا اشتكى شيئا قرأ في كفيه عند النوم سورة " قل هو الله أحد " و " المعوذتين " ثلاث مرات ثم يمسح في كل مرة على ما استطاع من جسده فيبدأ برأسه ووجهه وصدره في كل مرة عند النوم ، كما صح الحديث بذلك عن عائشة – رضي الله عنها – " " أخرجه الإمام البخاري في صحيحه – كتاب فضائل القرآن – باب فضل المعوذات ( 14 ) - برقم 5017 ) ( مجلة الدعوة - العدد 1497 - 1 صفر 1416 هـ )
* سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان عن علاج الأمراض العضوية بالقرآن فأجاب – حفظه الله - : ( قد جعل الله القرآن شفاء للأمراض الحسية والمعنوية من أمراض القلوب وأمراض الأبدان ، لكن بشرط إخلاص النية من الراقي والمرقي ، وأن يعتقد كل منهما أن الشفاء من عند الله ، وأن الرقية بكلام الله سبب من الأسباب النافعة
ولا بأس بالذهاب إلى الذين يعالجون بالقرآن إذا عرفوا بالاستقامة وسلامة العقيدة ، وعرف عنهم أنهم لا يعملون الرقى الشركية ، ولا يستعينون بالجن والشياطين ، وإنما يعالجون بالرقية الشرعية
والعلاج بالرقية القرآنية من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل السلف ، فقد كانوا يعالجون بها المصاب بالعين والصرع والسحر وسائر الأمراض ، ويعتقدون أنها من الأسباب النافعة المباحة، وأن الشافي هو الله وحده ) ( السحر والشعوذة – باختصار – ص 94 ، 95
*، ذكر العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- ذلك في شرحه لكتاب المرضى والطب من صحيح البخاري .(1/12)
قال تعالى( فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) سورة البقرة الآية266 هذه الآية تكتب على مرض جلدي يسمى بالعامية الحزاز او الحزازة) قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- انه جرب ذلك بنفسه فوجد نفعه بإذن الله تعالى
الحزازة، تسمى القوباء وهو مرض يتقشر منه الجلد.
طريقتها :تكتب الآية مباشرة على الجلد وبعد ذلك يبدأ التحسن واضمحلال ذلك المرض حتى يتلاشى ويختفي بإذن الله .
* رابعا : أقوال الدعاة والباحثون والكتاب والمتخصصون في العلاج بالقرآن :
* قال الدكتور الحسيني أبو فرحة - رئيس قسم التفسير - جامعة الأزهر : ( إن العلاج بالقرآن الكريم من مختلف الأمراض أمر صحيح يحتاج إلى رجل صالح يمتلئ قلبه إيمانا بالله عز وجل ويقينا في قدرته سبحانه وتعالى ، فقد ثبت في الصحيح أن بعض الصحابة عالجوا سيد أحد أحياء العرب من لدغة العقرب بقراءة سورة الفاتحة على موضع اللدغ مقابل قطيع من الغنم كأجر ، وعندما عرضوا الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرهم على العلاج بالقرآن وعلى أخذهم الأجر على ذلك
وكان صلى الله عليه وسلم يؤتى إليه بالمريض فيأخذ في علاجه بالدعاء وقراءة القرآن فيبرأ المريض ، وقد اختلف العلماء هل هذا العلاج لكل من اتبعه صلى الله عليه وسلم من كبار الربانيين أي العلماء العاملين أهل الصدق والولاية ، فذهب إلى هذا قوم ، وذهب إلى ذاك قوم آخرون ، والذي أرجحه أن كل ولي في المسلمين في أي زمان ومكان يمكنه أن يعالج بهذا العلاج النبوي الشريف ) ( العلاج بالقرآن من أمراض الجان - 151 ، 152 )(1/13)
* يقول الدكتور عبدالمنعم القصاص، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية وعضو لجنة الفتوى بالأزهر : ( أنه يجوز علاج جميع الأمراض حين قال سبحانه وتعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( سورة الإسراء – الآية 82 ) ولكن مع العلاج بالقرآن لا بد أن نذهب إلى الأطباء ولا ننسى دورهم في هذا الشأن ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتداوي ، فهذه الأمراض الفتاكة بجسم الإنسان يجب أن يتداوى الناس منها بالقرآن وعند الأطباء المتخصصين ) ( العلاج بالقرآن من أمراض الجان – ص 152 )
* وقال الشيخ سعد البريك في تقديمه لكتاب " الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية " : ( لقد باتت الحاجة ماسة إلى توسيع دائرة الانتفاع والعلاج بالرقى الشرعية ، لما ثبت لها من أثر جلي في شفاء كثير من الأمراض النفسية وغيرها تلك التي استعصت على الطب الحديث كالصرع والمس والعين والسحر ) ( الفتاوى الذهبية – ص 7 )
* قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين : ( فإن من أعظم العلاجات وأنفعها بإذن الله الرقى الشرعية بالكتاب والسنة
ففي الرقية المشروعة خير كثير بإذن الله تعالى ، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على ذلك ) ( فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين - ص 92 )
وقالا في موضع آخر : ( فلقد جاءت السنة المطهرة بعلاج جميع الأدواء لكن الناس يفرطون في ذلك ، ولو أن المسلم اعتنى بالتحصينات الشرعية وندب إليها أهله ومن تحت يده لسلموا بإذن الله تعالى من كل شر ومكروه
فكل أمر ثبت في السنة أنه نافع لمرض من الأمراض فهو نافع لا محالة حتى لو ظن من أتى به أنه غير نافع بناء على عدم استفادته ، ذلك أنه قد يكون عدم استفادته من جهة المصاب نفسه أو من جهة المعالج وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( صدق الله وكذب بطن أخيك ) ( متفق عليه(1/14)
ومن واقع تجربتنا ثبت لنا أن أكثر المصابين قد فرطوا في هذه الأدعية والأذكار التي هي حصن حصين بإذن الله من كل شر ظاهر أو خفي ) ( فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين – باختصار – ص 38 ، 39 )
*
قال الدكتور ابراهيم كمال أدهم في كتابه (العلاقة بين الجن والإنس من منظار القرآن والسنة) ص31 :
ولقد ثبت للعديد من أطباء الأجساد ,وأطباء علم النفس أن هنالك حالات مرضية عديدة وقف العلم أمامها حائرا عاجزا وتم شفاؤها عن طريق بعض الأتقياء ,ومن أشهر هذه الحالات المرضية المس الروحي الناتج عن إيذاء الجن للإنس ,والأمراض التي تتأتى عن السحر والحسد وأشباه ذلك من الأعراض.اهـ
وكل ما سبق ذكره لا يعني مطلقا الامتناع عن اتخاذ الأسباب الحسية في العلاج كالذهاب إلى الطبيب والمصحات والمستشفيات ، فالأصل في ذلك اتباع الأسباب الحسية المؤدية للشفاء بإذن الله سبحانه وتعالى فالمسلم يجمع في سلوكياته وتصرفاته بين اتخاذ الأسباب الشرعية والحسية المباحة ، وهذا ما أكدته النصوص القرآنية والحديثية في أكثر من موضع
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصجبه وسلم.
*مبحث : التحذيرات الجلية في الكشف عن علامات الساحر والكاهن الشركية
وكلامنا حول العلاج بالقرآن يدفعنا حتما أن نحذر من ابتلي بالسحر والعين والمس الشيطاني من خداع ومكر وخبث السحرة والكهنةالأشرار.
قال صلى الله عليه وسلم:( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاته أربعين ليلة) .رواه الامام احمد في المسند
عن بعض أمهات المؤمنين (أخرجه مسلم في صحيحه كتاب السلام باب تحريم إتيان الكهان رقم (125 و 2230)
-وقال صلى الله عليه وسلم:( من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد.)
رواه الامام احمد في المسند والحاكم عن أبي هريرة.
((1/15)
من أتى عرّافاً) بالتشديد وهو من يخبر بالأمور الماضية أو بما أخفي وزعم أنه هو الكاهن يردّه جمعه بينهما في الخبر الآتي قال النووي: والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكوائن المستقبلة ويزعم معرفة الأسرار والعراف يتعاطى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك ومن الكهنة من يزعم أن جنياً يلقي إليه الأخبار ومنهم من يدعي إدراك الغيب بفهم أعطيه وأمارات يستدلّ بها عليه وقال ابن حجر: الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الأمور المغيبة وكانوا في الجاهلية كثيراً فمعظمهم كان يعتمد على من تابعه من الجن وبعضهم كان يدعي معرفة ذلك بمقدمات أسباب يستدلّ على مواقعها من كلام من يسأله وهذا الأخير يسمى العراف بمهملتين اهـ (فسأله عن شيء) أي من المغيبات ونحوها (لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) خص العدد بالأربعين على عادة العرب في [ص 23] ذكر الأربعين والسبعين ونحوهما للتكثير أو لأنها المدة التي ينتهي إليها تأثير تلك المعصية في قلب فاعلها وجوارحه وعند انتهائها ينتهي ذلك التأثير، ذكره القرطبي، وخص الليلة لأن من عاداتهم ابتداء الحساب بالليالي. وخص الصلاة لكونها عماد الدين فصومه كذلك، كذا قيل، ثم اعلم أن ذا وما أشبهه كمن شرب الخمر يلزمه الصلاة وإن لم تقبل.(1/16)
إذ معنى عدم القبول عدم الثواب لاستحقاق العقاب فالصلاة مع القبول لفاعلها الثواب بلا عقاب ومع نفيه لا ثواب ولا عقاب، هذا ما عليه النووي لكن اعترض بأنه سبحانه لا يضيع أجر المحسنين فكيف يسقط ثواب صلاة صحيحة بمعصية لاحقة؟ فالوجه أن يقال المراد من عدم القبول عدم تضعيف الأجر لكنه إذا فعلها بشروطها برئت ذمته من المطالبة بها ويفوته قبول الرضا عنه وإكرامه ويتضح باعتبار ملوك الأرض {وللّه المثل الأعلى} وذلك أن المهدي إما مردود عليه أو مقبول منه والمقبول إما مقرب مكرم وإما ليس كذلك فالأول البعيد المطرود والثاني المقبول التام الكامل والثالث لا يصدق عليه أنه كالأول فإنه لم يرد هديته بل التفت إليه وقبل منه لكن لم يثب صار كأنه غير مقبول منه فصدق عليه أنه لم يقبل منه.
إذن من خلال هذا العرض القيم لأئمة أعلام حول عقاب من أتى السحرة والكهان أقول لابد لهذا الصنف من المخلوقات الشريرة من علامات التي بينها أهل العلم حتى لايقع المسلم الموحد في شباك أو حبال كفرهم والعياذ بالله .
*أقول أيها الاخوة الكرام ولخطورة هذا الأمر أضع بين أيديكم هذه العلامات الواضحة الجلية التي نميز بها بين الراقي السني على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم وبين الساحر والكاهن والعراف الكافر الخبيث النجس :
1- أحيانا يطلب منك المشعوذ والساحر والكاهن اسمك أو اسم أمك وتاريخ مولدك فهؤلاءلاتلتفت إليهم .
2- قد يطلب حيوانا أو طائرا بصفات وألوان معينة ويطلب منك ذبحهم دون ذكر اسم الله عليه وربما لطخ بدمه مكان الألم عندك أو يرمي به في مكان خرب وماأشبه ذلك.
3- يتمتم بكلام مبهم وغير مفهوم سرا أو ينادي بأسماء يزعم أنها تجلب الخير والبركة والشفاء .
4- يكتب جداول وطلاسم وحروفا وأرقاما ورموزا وأشكالامبهمة على جسد المريض أو في أحجبة ويأمره بشربها أو تبخيرها أوتعليقها أو دفنها أووضعها تحت وسادته.(1/17)
5- يكتب كلمات وحروفا وأرقاما على أواني خزفية ويمحوها بالماءليشربها المريض.
6- يأمر المريض بأن يعتزل الناس مدة معينة في غرفة مظلمة لاتدخلها الشمس وتسمى عندهم بالحجبة.
7- يطلب من المريض ألا يلمس الماء وألا يأكل شيئا فيه روح مدة معينة.
8- يطلب وضع وتبييت الماء على ضوء القمر ثم شربه والاغتسال
به.
9- يمرر على جسدك قطعا من أعضاء طير ميت أو قطع معدنية أو أحجبة.
10- يأمرك بالاغتسال باللبن أو الحليب أو المبيت على ضوء الشموع مع تكرار اسم ما.
11- يأمرك بخط دائرة حولك والجلوس في وسطها مدة من الزمن.
12- يأمرك بشرب دماء الخرفان والطيور.
13- لا يتورع عن ستر سحره بتلاوة القرآن جهرا حتى يموه به على الناس ثم يسر في نفسه بتمتمات وكلمات الكفر البواح.
14- يأمرك بتقديم حيوان ما إلى الولي الفلاني أو الضريح الفلاني وذبحه عنده.
15- لا يهمه اختلاط الرجال بالنساء أودخولهن عليه بدون محرم .
16- قد ينطق أمامك بكلام مبهم لا يفهم معناه ويخبرك أنه يدعو الله باسمه الأعظم بالجلجوتيةأو البرهمية أو السريانية وكل هذا محرم وإلحادفي أسمائه واستغاثة شركية بغير الله بلغة الجن
17- قد يكتب القرآن الكريم بدم الحيض أو بمني الزنا والعياذ بالله.
والله نسأل أن يحفظنا من شرهم وأن يجعل كيدهم في نحرهم وأن يطهر الأرض من أمثالهم.
المبحث الثاني : تبيان الاخطاء الشائعة وشبهات العلاج .(أو الرد الواضح المبين على بعض أخطاء المعالجين .)
لقد كثر المعالجون بالقرآن الكريم (1)، وكثرت معهم الأخطاء الشرعية في العلاج، وإذا كانت كثرة المعالجين أمرا محمودا في نفسه وأمرا مرغوبا فيه بل هو واجب -، إذ يتعين وجود من يقف على هذا الثغر من ثغور الإسلام وعدم تركه لأهل الزيغ والضلال من الدجالين والمشعوذين والسحرة ونحوهم. وقد اعتبره الامام ابن تيمية رحمه الله من الجهاد الأكبر.(1/18)
أقول فإنه بالمقابل وجب على الرقاة الانتباه إلى عدم السقوط في فخ الإساءة إلى ميدان العلاج بالقرآن الكريم، أو الإفساد فيه من حيث أرادوا الإصلاح ، وسأتطرق هنا إن شاء الله تعالى إلى ذكر أهم وأكثر الأخطاء انتشارا وشيوعا عند بعض المعالجين بالقرآن الكريم. (1)" دخل النبي (ص) على السيدة عائشة رضي الله عنها وعندها إمرأة ترقيها فقال : عالجيها بكتاب الله"رواه ابن حبان وقال الشيخ الألباني صحيح. صحيح الجامع (3969)
-وكثرة أخطاء المعالجين جاءت بسبب ضعف تكوينهم العلمي والشرعي مما نتج عنه، السقوط في حبائل الشيطان ومداخله وتلبيساته .
*من الأخطاء الشائعة الاعتقادية والممارسات الخاطئة عند بعض المعالجين (استعمال الضرب والكهرباء والخنق والكي وبعض المواد الكيماوية أثناء العلاج ).
-أقول : مهلا ايها الراقي ولاتتعجل فالعجلة من الشيطان والتأني من الرحمان واسلك سبيل سلف الامة في العلاج بالقرآن وخذ بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعك من البدع والمحدثات في إخراج الجان من بدن الانسان.
فتعذيب الجن بالضرب أو الكهرباء أو الخنق أو الكي وما أشبه ذلك لإماتته أو الضغط عليه من أجل الخروج فهذه الطرق خطيرة جدا ولا ينصح بها لأنها قد توقع الضرر بالمريض والمعالج معا ومما لايخفى على أهل التخصص وذوي التجربة أن الجن فيهم كذب ومكر وخداع وأن الله أعطاه خاصية التشكل والجريان في الدم او قد يكون من الجن الطيار فعندما يستعمل المعالج مثل هذه المحظورات والممنوعات حتما يتضرر المريض وقد يموت نتيجة استخدامها وقد سئل فضيلة الشيخ ابن باز- رحمه الله- :
عن استخدام الكهرباء في علاج المس الشيطاني فقال رحمه الله :لااعلم له أصلا.
.- ومن الممارسات الخاطئة :العلاج بالشاشة وهي العصابة التي توضع على عيني المصاب مما يفتح باب تلبيسات الشيطان على المعالج والمريض معا وهذا يدخل في الاستعانة بالجن .(1/19)
*كثرة المحاورة و الكلام مع الجن فيما لا يفيد مثل الحديث عن شكلهم وقدراتهم مما يبعث الراحة في نفسه ويَأنس ويُصعَِب خروجه.وكذلك سؤال شيطان المصروع عن أشياء غيبية مما يفتح أمامه الفرصة لخلق الفتن والتلاعب بالحاضرين .
*ومن الممارسات الخاطئة :أخذ العهد على الجن عند الخروج من بدن المصروع وقد أصبح من ضروريات
المعالجة عندهم وقد اصدرت اللجنة الدائمة فتوى في هذا الأمر بعدم الجواز (مجلة البحوث عدد28رقم الفتوى 7804)وأنصح بالتقيد بما ورد عن رسول - صلى الله عليه وسلم-من امره الجني بالخروج فقط .
*ومن هذه الممارسات الخاطئة كذلك :استعمال المعالج لجلد الذئب ليشمه المريض بدعوى أن الجن تخاف منه
وهذا اعتقاد فاسد ,وخرافة واضحة .
* ومن الممارسات الخاطئة تخيل المريض المعيون للعائن أثناء القراءة عليه ,وأمر المعالج له بذلك وهذا الفعل لا يجوز لأنه من الاستعانة بالشياطين وهي التي تقوم بدور الوساطة حتى تنشر الحقد والفتن بين الناس قال الله عزوجل( وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا
-الاعتماد على حرز ابي دجانة في العلاج :
من الاخطاء الشائعة و التي انشرت كانتشار الجراد عند بعض المعالجين والرقاة كذلك هو الاعتماد على حرز ابي دجانة في العلاج بالقرآن ظنا منهم أن الخبر ثابت على النبي المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وإنما هو أوهى من بيت العنكبوث.
*قال الذهبي- رحمه الله- في ترجمة يزيد بن صالح هو الذي روى عنه غلام خليل حرز ابي دجانة وهو حرز مكذوب كأنه من صنعة غلام خليل يرويه عنه شعبة بقلة حياء بسند الصحيح .(1/20)
ذكر السيوطي في اللآلي المصنوعة عن موسى الأنصاري "شكى أبو دجانة الأنصاري فقال يا رسول الله بينما أنا البارحة نائم إذ فتحت عيني فإذا عند رأسي شيطان فجعل يعلو ويطول فضربت بيدي إليه فإذا جلده كجلد القنفذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثلك يؤذى يا أبا دجانة عامرك عامر سوء ورب الكعبة ادع لي علي بن أبي طالب فدعاه فقال يا أبا الحسن اكتب لأبي دجانة كتابا لا شيء يؤذيه من بعده فقال وما أكتب قال اكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد النبي العربي الأمي التهامي الأبطحي المكي المدني القرشي الهاشمي صاحب التاج والهراوة والقضيب والناقة والقرآن والقبلة صاحب قول لا إله إلا الله إلى من طرق الدار من الزوار والعمار إلا طارقا يطرق بخير أما بعد فإن لنا ولكم في الحق سعة فإن يكن عاشقا مولعا أو مؤذيا مقتحما أو فاجرا يجهر أو مدعيا محقا أو مبطلا فهذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق ورسلنا لدينا يكتبون ما تمكرون اتركوا حملة القرآن وانطلقوا إلى عبدة الأوثان إلى من اتخذ مع الله إلها آخر لا إله إلا هو رب العرش العظيم يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان .
ثم طوى الكتاب فقال ضعه عند رأسك فوضعه فإذا هم ينادون النار النار احرقتنا بالنار والله ما أردناك ولا طلبنا أذاك ولكن زائر زارنا وطرق فارفع عنا الكتاب فقال والذي نفس محمد بيده لا أرفعه عنكم حتى استأذنه صلى الله عليه وسلم فلما أصبح أخبره صلى الله عليه وسلم فقال ارفع عنهم فإن عادوا بالسيئة فعد إليهم بالعذاب فوالذي نفس محمد بيده ما دخلت هذه الأسماء دارا ولا موضعا ولا منزلا إلا هرب إبليس وجنوده وذريته والغاوون"
الحديث موضوع وإسناده مقطوع وأكثر رجاله مجهولون وليس في الصحابة من يسمى بموسى أصلا.(1/21)
وأخرج البيهقي عن أبي دجانة قال : شكوت إلى رسول الله انى ا فقلت . يا رسول الله ، بينما أنا مضطجع في فراشي إذ سمعت في داري صريرا كصرير الرحى ، ودويا كدوي النحل ، ولمعا كلمع البرق ! فرفعت رأسي فزعا مرعوبا ، فإذا أنا بظل أسود مولي ، يعلو ويطول في صحن داري ، فأهويت إليه ، فمسست جلده ، فإذا جلده كجلد القنفذ، فرمى في وجهي مثل شرر النار، فظننت أنه قد أحرقني ( وأحرق داري) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرك عامر سوء يا أبا دجانة ، ورب الكعبة! ومثلك يؤذي يا أبا دجانة! ثم قال : ائتوني بدواة وقرطاس. فأتى بهما فناوله علي بن أبي طالب ، وقال : أكتب يا أبا الحسن ، فقال : وما أكتب ؟ قال : أكتب
.بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد رسول رب العالمين ، إلى من طرق الباب من العمار، والزوار ، أما بعد : فإن لنا ولكم في الحق منعة، فإن تك عاشقا مولعا، أو فاجرا مقتحما ، أو زاعما حقا مبطلا، هذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق ، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ، ورسلنا يكتبون ما تكتمون ، اتركوا صاحب كتاب هذا وانطلقوا إلى عبدة الأصنام وإلى من يزعم أن مع الله إلها آخر، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون . تغلبون (حم)لا تنصرون، (حم عسق)، تفرق أعداء الله ، وبلغت حجة الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ).
قال أبو دجانة : فأدرجته وحملته إلى داري ، وجعلته تحت رأسي وبت ليلتي ، فما انتبهت إلا من صراخ صارخ يقول : يا أبا دجانة! أحرقتنا ، واللات والعزى الكلمات ، فبحق صاحبك لما رفعت عنا هذا الكتاب . ( فلا عود لنا في دارك - وقال غيره : في أذاك - ولا في جوارك ، ولا في موضع يكون فيه هذا الكتاب . قال أبو دجانة : فقلت : لا وحق صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم).
لا رفعته حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/22)
قال أبو دجانة : فلقد طالت علي ليلتي ، مما سمعت من أنين الجن وصراخهم وبكائهم ، حتى أصبحت فغدوت ( فصليت الصبح) ،مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما سمعت من الجن ليتني ما قلت لهم .
فقال لي : يا أبا دجانة ارفع عن القوم ، فوالذي بعثني بالحق نبيآ، إنهم ليجدون ألم العذاب إلى يوم القيامة .
وقد روى في حرز أبي دجانة حديث طويل وذكر الحديث ابن الجوزي في تذكرة الموضوعات والسيوطي قي اللآلي المصنوعة .
فهذا الحديث موضوع لا يجوز روايته ولا العمل به.
وعليه فلا يجوز الاعتماد على هذا الحديث ، والرقية الشرعية تكون بسورة الفاتحة وآية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين والآيات القرآنية والأدعية النبوية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والله اعلى واعلم.
*ومن الأخطاء الشائعة (الاعتقادية) أن الشيطان يحترق بسماع القرآن.
أقول :من المعتقدات الفاسدة والموروثات الجاهلية التي تجدرت في الاوساط الشعبية بل للأسف انتقلت تدريجيا الى الطبقة المثقفة منهم الرقاة
وهي أن الشيطان يحترق بسماع القرآن .
عجيبة تلك الخرافات !وغريبة تلك الخزعبلات !
إن الباحث والمتتبع للنصوص القرآنية والأدلة النبوية يرى خلاف ذلك بل يجد ما يردها ويبطلها من أصلها .
ورحم الله من قال:"والدعاوى إن لم يقيموا عليها & بينات أصحابها أدعياء".(1/23)
الدليل الأول :ما رواه البخاري في صحيحه قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى.
وكذلك ما رواه مسلم قال : حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حُصَاصٌ.(1/24)
قال الامام النووي في شرح الحديث :فيه قوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء ) قال الراوي هي من المدينة ستة وثلاثون ميلا وفي رواية : ( إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس ) وفي رواية : ( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص ) وفي رواية : ( إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي التأذين أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول : اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل , حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى ) . أما أسماء الرجال ففيه طلحة بن يحيى عن عمه , هذا العم هو عيسى بن طلحة بن عبيد الله كما بينه في الرواية الأخرى وقوله : ( الأعمش عن أبي سفيان ) اسم أبي سفيان طلحة بن نافع سبق بيانه مرات وقوله : ( قال سليمان فسألته عن الروحاء ) سليمان هو الأعمش سليمان بن مهران , والمسئول أبو سفيان طلحة بن نافع , وفيه أمية بن بسطام بكسر الباء وفتحها مصروف وغير مصروف وسبق بيانه في أول الكتاب مرات . قوله : ( أرسلني أبي إلى بني حارثة ) هو بالحاء . قوله : ( الحزامي ) هو بالحاء المهملة والزاي . وأما لغاته وألفاظه فقوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤذنون أطول الناس أعناقا ) هو بفتح همزة أعناقا جمع عنق , واختلف السلف والخلف في معناه , فقيل : معناه أكثر الناس تشوفا إلى رحمة الله تعالى , لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه . فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب . وقال النضر بن شميل : إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق . وقيل : معناه أنهم سادة ورؤساء , والعرب نصف السادة بطول العنق .(1/25)
وقيل : معناه أكثر أتباعا . وقال ابن الأعرابي : معناه أكثر الناس أعمالا . قال القاضي عياض وغيره : ورواه بعضهم ( إعناقا ) بكسر الهمزة أي إسراعا إلى الجنة , وهو من سير العنق . قوله : ( مكان الروحاء ) هي بفتح الراء وبالحاء المهملة وبالمد . قوله : ( إذا سمع الشيطان الأذان أحال ) هو بالحاء المهملة أي ذهب هاربا . قوله : ( وله حصاص ) هو بحاء مهملة مضمومة وصادين مهملتين أي ضراط كما في الرواية الأخرى . وقيل : ( الحصاص ) شدة العدو , قالهما أبو عبيد والأئمة من بعده . قال العلماء : وإنما أدبر الشيطان عند الأذان لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة
" .
- أقول: فمن خلال هذه النصوص يتبين أن الجن يهرب ويفر من الآذان والإقامة ولكنه يحضر الصلاة وقراءة القرآن ليوسوس على المصلي صلاته إذن أين هو الحرق؟
الدليل الثاني:(1/26)
مارواه البخاري ايضا -رحمه الله-في صحيحه قال:حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني :
((1/27)
ومن فوائد الحديث : أن الاعتبار بما قضى الله للعبد من حسن الخاتمة لا بما ظهر منه من الشر ولو بلغ ما بلغ , لأن هؤلاء الذين بادروا إلى الإيمان بمجرد استماع القرآن لو لم يكونوا عند إبليس في أعلى مقامات الشر ما اختارهم للتوجه إلى الجهة التي ظهر له أن الحدث الحادث من جهتها . ومع ذلك فغلب عليهم ما قضى لهم من السعادة بحسن الخاتمة.)فتح الباري رقم الحديث 4540.
أقول : كلام الحافظ رحمه الله واضح جلي لاغبار عليه فأين ذكر الحرق مع أن الذين استمعوا القرآن كانوا في أعلى مقامات الشر.
الدليل الثالث: ما رواه الامام مسلم في صحيحه قال:
ُحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ يَا وَيْلِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَعَصَيْتُ فَلِي النَّار
فمن خلال هذا الحديث يتبين أن الشيطان يحضر في كل شأن من شؤون حياة العبد حتى وقت القراءة ولا يعتزله ولايفارقه إلا عند السجود.
الدليل الرابع:(1/28)
قال البخاري رحمه الله:حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ.
- وقال الطيبي :( سمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس ; لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى , والشيطان مترصد له ينتظر فوات ذلك عليه , فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة.) فتح الباري رقم ح 709
-أقول أين الحرق؟! وكما هو واضح من كلام الطيبي - رحمه الله -أن الشيطان يغار من العبد إذا قام للصلاة لايفارقه كالظل حريص كل الحرص على الاختلاس من صلاته التي هي تكبير وقراءة للقرآن وسجود وركوع .. فأين يتجلى الحرق ؟
الدليل الخامس:(1/29)
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ح و حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ وَحَدِيثُ ابْنِ وَهْبٍ أَتَمُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قُتَيْبَةُ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ أَبِي شَجَرَةَ لَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ لَمْ يَقُلْ عِيسَى بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ قَالَ أَبُو دَاوُد أَبُو شَجَرَةَ كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَمَعْنَى وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ إِذَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الصَّفِّ فَذَهَبَ يَدْخُلُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُلِينَ لَهُ كُلُّ رَجُلٍ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ . روه النسائي
الدليل السادس:(1/30)
قال الامام مسلم حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ و حَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ الْحَدِيثِ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ و حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِكْرِ اللَّعْقِ وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ اللُّقْمَةَ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا.
قال النووي رحمه الله :
وقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه ) فيه التحذير منه والتنبيه على ملازمته للإنسان في تصرفاته , فينبغي أن يتأهب ويحترز منه , ولا يغتر مما يزينه له . شرحه على صحيح مسلم رقم ح 3794.
إذن أين حرق الشيطان بسماع القرآن مع أنه يحضر في شؤوننا كلها .الله المستعان
الدليل السابع :(1/31)
- وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: وكلني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم. قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة. فخليت عنه، فأصبحت فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟> قلت: يا رَسُول اللَّهِ شكا حاجة وعيالا ً فرحمته فخليت سبيله. فقال: <أما إنه قد كذبك وسيعود> فعرفت أنه سيعود لقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فرصدته فجاء يحثو من الطعام، فقلت: لأرفعنك إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم. قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود. فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟> قلت: يا رَسُول اللَّهِ شكا حاجة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. فقال: <إنه قد كذبك وسيعود> فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود! فقال: دعني فإني أعلمك كلمات ينفعك اللَّه بها. قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من اللَّه حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <ما فعل أسيرك البارحة؟> قلت: يا رَسُول اللَّهِ زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني اللَّه بها فخليت سبيله. قال: <ما هي؟> قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {اللَّه لا إله إلا هو الحي القيوم} وقال لي: لا يزال عليك من اللَّه حافظ ولم يقربك شيطان حتى تصبح.(1/32)
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قلت: لا. قال: <ذلك شيطان> رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
الحديث فيه مسائل منها :
1- أن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المسلم.
2- وأن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها.
من هنا نقول أن الحكمة ضالة المؤمن وقد تعلم أبو هريرة رضي الله عنه من الشيطان آية الكرسي وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله صدقك وهو كذوب ولو كان الشيطان يحترق بسماع القرآن لاحترق بآية الكرسي .
*الدليل الثامن :قال الامام مسلم في صحيحه :(حدثنا يحيى بن خلف الباهلي حدثنا عبد الأعلى عن سعيد الجريري عن أبي العلاء أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني .
قال الامام النووي رحمه الله : وفي هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عن وسوسته مع التفل عن اليسار ثلاثا. شرح الامام النووي رقم ح 4083
-أقول : إذن يفهم من هذه الادلة و النصوص الصحيحة الصريحة أن الشيطان الخبيث يهرب ويفر ويولي الدبر عند سماع الأذان والإقامة وسورة البقرة وآية الكرسي وله ضراط ..وليس الحرق. :واللبيب بالإشارة يفهم .
والموفق من إذا ذكر تذكر,وإذا بصر تبصر
وأختم كلامي حول هذه المسألة بفتوى للشيخ الفوزان صالح آل الفوزان حفظه الله لما سئل :
هل يهرب الجن عامة عند سماع القران الكريم؟(1/33)
قال الشيخ الفوزان صالح الفوزان حفظه الله : واما القول بان الجن يهربون عند سماع القران ليس على إطلاقه . قال تعالى :( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) فهذه الايه الكريمة صريحة في أن منهم
من يسمع القرآن وينشرح صدره لسماعه وينتفع به . . واما الكافرون منهم فهم
كإخوانهم من الإنس لايحبون سماع القران ولاينتفعون به.
مجلة الدعوة العدد 1683 بتاريخ 1419/11/2 .
أقول :وهذا كلام متين يدل على سعة إطلاع الشيخ الفوزان- حفظه الله تعالى – حيث قال أن الكافر من الجن لايحب سماع القرآن ولاينتفع به ولم يذكر مسألة الحرق لأنها غير واردة في الكتاب والسنة وهي كما لايخفى من الأمور الغيبية تحتاج لنص.
والله أعلى وأعلم
*توصيات ونصائح عامة :-
وفي ختام بحثي المتواضع أقدم هذه التوجيهات والنصائح العامة آملا من الله سبحانه وتعالى أن تجد طريقها لقلوب المسلمين ،وخصوصا المرضى والرقاة منهم ، وهي على النحو التالي :-
1- أتوجه بالنصح لكافة المسلمين بالمحافظة على عقيدتها صفية نقية من أدران الشرك والكفر والإلحاد.
2- أتوجه بالنصح لكافة المسلمين سواء كانوا رقاة أو مرضى بالمحافظة على قراءة القرآن والأذكار والتحصنات الشرعية والدعاء والتقرب إلى الله عزوجل بجميع أنواع الطاعات ، وهي كفيلة –بإذن الله- برد كيد وشر و وسوسة الشيطان وأعوانه ووقاية المسلم من كافة الأمراض التي قد تعتريه في حياته بإذن الله عزوجل.
3-كذلك لابد من التثبت من اتخاذ الأسباب الشرعية لعلاج الأمراض الروحانية من مس شيطاني وسحر وعين ونحوه ، وكذلك اتخاذ الأسباب الحسية المباحة التي ثبت نفعها بإذن الله تعالى وأقر فعلها العلماء لعلاج تلك الأمراض .
4-أتوجه بالنصح كذلك لإخواني الرقاة والمرضى من المسلمين بالسير وراء العلماء الربانيين(1/34)
والأخذ بتوجيهاتهم ونصائحهم فهم ورثة الأنبياء.
5-أتوجه بالنصح لجميع المسلمين في بقاع الأرض كلها وأحذرهم من السحر والسحرة ،وأن اللجوء إليهم ضياع للدين والعرض والمال وكل ذلك محرم في شرعنا .
6-أتوجه كذلك لكافة من يشكك في أمر العلاج بالقرآن أن يتريث فالأمر جلل وعظيم والتشكيك هو طعن ضمنا في شرع الله عزوجل . ، كما أوجههم لدراسة كثير من النواحي المتعلقة بالأمراض الروحية دراسة علمية مستمدة من النصوص القرآنية والحديثية ومرتكزة على كتب وأبحاث وخبرات من هم أهل لهذا العلم.
7- كما أتوجه لكافة المسلمين بالدفاع عن شرع الله و(العلاج بالقرآن ) بإنشاء ودعم قنوات فضائية و إصدار كتب ومجلات وصحف وعيادات ومراكز وأن يشرف عليها مجموعة من أهل العلم وطلبة العلم وكل من له الأهلية في هذا المجال حتى يعم الخير في الأمة الإسلامية والمسلم مفتاح خير مغلاق شر كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وختاما:
أسأل الله –عزوجل – أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وصلى الله على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم .
كتبه العبد الراجي عفو ربه
المصطفى محمد شخما ل
العنوان : المغرب -الدار البيضاء – دار لمان ص ب :35726
الهاتف : 0021263129868 أو 0021261883747
البيان والقرآن أن الشيطان لا يحترق بسماع القرآن:
لقد كثر المعالجون بالقرآن الكريم (1)، وكثرت معهم الأخطاء الشرعية في العلاج، وإذا كانت كثرة المعالجين أمرا محمودا في نفسه وأمرا مرغوبا فيه بل هو واجب -، إذ يتعين وجود من يقف على هذا الثغر من ثغور الإسلام وعدم تركه لأهل الزيغ والضلال من الدجالين والمشعوذين والسحرة ونحوهم. وقد اعتبره الإمام ابن تيمية رحمه الله من الجهاد الأكبر.(1/35)
أقول فإنه بالمقابل وجب على الرقاة الانتباه إلى عدم السقوط في فخ الإساءة إلى ميدان العلاج بالقرآن الكريم، أو الإفساد فيه من حيث أرادوا الإصلاح. - وكثرة أخطاء المعالجين جاءت بسبب ضعف تكوينهم العلمي والشرعي مما نتج عنه، السقوط في حبائل الشيطان ومداخله وتلبيسا ته .
*من الأخطاء الشائعة الاعتقادية أن الشيطان يحترق بسماع القرآن
أقول وهذه - من المعتقدات الفاسدة والموروثات الجاهلية التي تجدرت في الأوساط الشعبية بل للأسف انتقلت تدريجيا إلى الطبقة المثقفة منهم الرقاة
وهي أن الشيطان يحترق بسماع القرآن .
عجيبة تلك الخرافات !وغريبة تلك الخزعبلات !
إن الباحث والمتتبع للنصوص القرآنية والأدلة النبوية يرى خلاف ذلك بل يجد ما يردها ويبطلها من أصلها .
ورحم الله من قال:"والدعاوى إن لم يقيموا عليها & بيَّنات أصحابها أدعياء".
الدليل الأول :ما رواه البخاري في صحيحه قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى.(1/36)
وكذلك ما رواه مسلم قال : حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حُصَاصٌ.
- أقول: فمن خلال هذه النصوص يتبين أن الجن يهرب ويفر من الآذان والإقامة ولكنه يحضر الصلاة وقراءة القرآن ليوسوس على المصلي صلاته إذن أين هو الحرق؟
الدليل الثاني:(1/37)
مارواه البخاري ايضا -رحمه الله-في صحيحه قال:حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني :
((1/38)
ومن فوائد الحديث : أن الاعتبار بما قضى الله للعبد من حسن الخاتمة لا بما ظهر منه من الشر ولو بلغ ما بلغ , لأن هؤلاء الذين بادروا إلى الإيمان بمجرد استماع القرآن لو لم يكونوا عند إبليس في أعلى مقامات الشر ما اختارهم للتوجه إلى الجهة التي ظهر له أن الحدث الحادث من جهتها . ومع ذلك فغلب عليهم ما قضى لهم من السعادة بحسن الخاتمة.)فتح الباري رقم الحديث 4540.
أقول : كلام الحافظ رحمه الله واضح جلي لاغبار عليه فأين ذكر الحرق مع أن الذين استمعوا القرآن كانوا في أعلى مقامات الشر.
الدليل الثالث: ما رواه الامام مسلم في صحيحه قال:
ُحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ يَا وَيْلِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَعَصَيْتُ فَلِي النَّار
فمن خلال هذا الحديث يتبين أن الشيطان يحضر في كل شأن من شؤون حياة العبد حتى وقت القراءة ولا يعتزله ولايفارقه إلا عند السجود.
الدليل الرابع:(1/39)
قال البخاري رحمه الله:حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ.
- وقال الطيبي :( سمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس ; لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى , والشيطان مترصد له ينتظر فوات ذلك عليه , فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة.) فتح الباري رقم ح 709
-أقول أين الحرق؟! وكما هو واضح من كلام الطيبي - رحمه الله -أن الشيطان يغار من العبد إذا قام للصلاة لايفارقه كالظل حريص كل الحرص على الاختلاس من صلاته التي هي تكبير وقراءة للقرآن وسجود وركوع .. فأين يتجلى الحرق ؟
الدليل الخامس:(1/40)
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ح و حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ وَحَدِيثُ ابْنِ وَهْبٍ أَتَمُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قُتَيْبَةُ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ أَبِي شَجَرَةَ لَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ لَمْ يَقُلْ عِيسَى بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ قَالَ أَبُو دَاوُد أَبُو شَجَرَةَ كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَمَعْنَى وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ إِذَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الصَّفِّ فَذَهَبَ يَدْخُلُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُلِينَ لَهُ كُلُّ رَجُلٍ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ . روه النسائي(1/41)
الدليل السادس:حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ و حَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ الْحَدِيثِ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ و حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِكْرِ اللَّعْقِ وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ اللُّقْمَةَ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا.
قال النووي رحمه الله :
وقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه ) فيه التحذير منه والتنبيه على ملازمته للإنسان في تصرفاته , فينبغي أن يتأهب ويحترز منه , ولا يغتر مما يزينه له . شرحه على صحيح مسلم رقم ح 3794.
إذن أين حرق الشيطان بسماع القرآن مع أنه يحضر في شؤوننا كلها .الله المستعان
الدليل السابع :(1/42)
- وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: وكلني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم. قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة. فخليت عنه، فأصبحت فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟> قلت: يا رَسُول اللَّهِ شكا حاجة وعيالا ً فرحمته فخليت سبيله. فقال: <أما إنه قد كذبك وسيعود> فعرفت أنه سيعود لقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فرصدته فجاء يحثو من الطعام، فقلت: لأرفعنك إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم. قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود. فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟> قلت: يا رَسُول اللَّهِ شكا حاجة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. فقال: <إنه قد كذبك وسيعود> فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود! فقال: دعني فإني أعلمك كلمات ينفعك اللَّه بها. قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من اللَّه حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <ما فعل أسيرك البارحة؟> قلت: يا رَسُول اللَّهِ زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني اللَّه بها فخليت سبيله. قال: <ما هي؟> قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {اللَّه لا إله إلا هو الحي القيوم} وقال لي: لا يزال عليك من اللَّه حافظ ولم يقربك شيطان حتى تصبح.(1/43)
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قلت: لا. قال: <ذلك شيطان> رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
الحديث فيه مسائل منها :
1- أن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المسلم.
2- وأن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها.
من هنا نقول أن الحكمة ضالة المؤمن وقد تعلم أبو هريرة رضي الله عنه من الشيطان آية الكرسي وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله صدقك وهو كذوب ولو كان الشيطان يحترق بسماع القرآن لاحترق بآية الكرسي .
*الدليل الثامن :قال الامام مسلم في صحيحه :(حدثنا يحيى بن خلف الباهلي حدثنا عبد الأعلى عن سعيد الجريري عن أبي العلاء أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني .
قال الامام النووي رحمه الله : وفي هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عن وسوسته مع التفل عن اليسار ثلاثا. شرح الامام النووي رقم ح 4083
-أقول : إذن يفهم من هذه الادلة و النصوص الصحيحة الصريحة أن الشيطان الخبيث يهرب ويفر ويولي الدبر عند سماع الأذان والإقامة وسورة البقرة وآية الكرسي وله ضراط ..وليس الحرق. :واللبيب بالإشارة يفهم .
والموفق من إذا ذكر تذكر,وإذا بصر تبصر
وأختم كلامي حول هذه المسألة بفتوى للشيخ الفوزان صالح آل الفوزان حفظه الله لما سئل :
هل يهرب الجن عامة عند سماع القران الكريم؟(1/44)
قال الشيخ الفوزان صالح الفوزان حفظه الله : واما القول بان الجن يهربون عند سماع القران ليس على إطلاقه . قال تعالى :( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) فهذه الايه الكريمة صريحة في أن منهم
من يسمع القرآن وينشرح صدره لسماعه وينتفع به . . واما الكافرون منهم فهم
كإخوانهم من الإنس لايحبون سماع القران ولاينتفعون به.
مجلة الدعوة العدد 1683 بتاريخ 1419/11/2 .
أقول :وهذا كلام متين يدل على سعة إطلاع الشيخ الفوزان- حفظه الله تعالى – حيث قال أن الكافر من الجن لايحب سماع القرآن ولاينتفع به ولم يذكر مسألة الحرق لأنها غير واردة في الكتاب والسنة وهي كما لايخفى من الأمور الغيبية تحتاج لنص.
والله أعلى وأعلم
الشيخ مصطفى محمد شخمال
باحث ومعالج بالطب النبوي
مدير مركز طارق بن زياد بالمغرب(1/45)