المقدمات
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
العرب والجيولوجيا، بحث طريف في تاريخ العلوم بصفة عامة، وتاريخ علم الأرض "الجيولوجيا" عند العرب على وجه الخصوص، وإذا شئنا الدقة فهو لا يعدو مقدمة لدراسة تراث العرب الجيولوجي، وعن طريق الحشد الهائل لأسماء المؤلفين ومراجعهم، فإن هذا البحث يمثل إمكانيات بحوث مستقبلة، ومستمرة في هذا الميدان في محاولة لاستكشاف معالم الصورة التي كانت في أذهان علماء العرب عن الأرض، أو بعبارة أخرى معرفة نظريتهم في الأرض، وبناء على هذه الدراسة، فإن كتاب هتون "نظرية الأرض" الذي وضعه في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي -ويقال: إنه وضع فيه أسس الجيولوجيا العلمية- ما هو إلا امتداد طبيعي لتراث العرب الجيولوجي.(1/5)
تمهيد:
اهتم العرب بالعلوم الكونية الحديثة إهتمامهم بعلوم الدين واللغة والفلسفة. فمؤلفاتهم العديدة في الجبر والهندسة والفيزياء، والكيمياء والطب وغيرها معروفة للشرق والغرب على السواء، بل إن كثيرًا من مكتبات الغرب تزخر بهذا التراث العربي الخالد للآن، وقد قام كثير من المؤرخين المنصفين بتوضيح دور العرب التاريخي في هذه العلوم، وقلما تخلو المراجع الحديثة من إشارة لفضل العرب فيها، وقد قرأنا كثيرًا عن فضل العرب في علوم كالفيزياء والكيمياء وغيرها، فهل كان للعرب أيضًا دور في تطوير علم الأرض -الجيولوجيا؟
كثيرًا ما كان يلح على خاطري هذا السؤال، وبالأخص وأنا أقرأ تاريخ الجيولوجيا دون أن أجد إشارة واضحة لدور العرب فيه، وكنت أرى أن هذه المدنية العظيمة -التي لم تترك فنًا أو علمًا معروفًا وقتها، إلا وضربت فيه بسهم وافر- لا بد وأن يكون من ضمن ما تناولته من العلوم دراسة الأرض وما عليها من أحجار، فهل قام العرب فعلًا بهذا النوع من الدراسة؟ إن التاريخ يجيب ويقول: نعم. بل إن هذا الدور بلغ من التنوع(1/7)
والعمق والإبتكار ما يجعله خالدًا على مر العصور.
ونتساءل بعد ذلك، من هم علماء العرب في هذا العلم؟ من هم أحذق خبرائهم فيه؟ ما هي أشهر مؤلفاتهم؟ هل اكتفى العرب بدور الناقل فقط أم أنهم أضافوا وجددوا؟ ما هو منهجهم في الدراسة؟ وإلى أي مدى يتشابه هذا المنهج مع الطرق الحديثة؟ وبعبارة أخرى ما هي ملامح الجيولوجيا عند العرب؟ الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها تفصيليًا تكون موضوع البحث.
وفي إيجاز شديد فقد تناولت كتابات العرب فروعًا مختلفة للجيولوجيا، مثل: علم المعادن، علم الأحجار الكريمة، وعلم الصخور، كذلك كتبوا في الجيولوجيا الطبيعية، علم البحار، وعلم الحفريات، وقاموا بعدد من عمليات المساحة الأرضية، ورسم الكثير من الخرائط التوضيحية، كما اهتم العرب بصناعة التعدين واستغلال الخامات، وكتاباتهم وإن كانت متفرقة ومنتشرة في عدد ضخم من المراجع والمجلدات تحت أسماء وعناوين مختلفة، على مدى نحو ستة قرون من الزمان، إلا أنها في مجموعها تدل مختلفة، على مدى نحو ستة قرون من الزمان، إلا أنها في مجموعها تدل على فهم واع بأهم القواعد والمبادئ الرئيسية لعلوم الأحجار والأرض، وقد ساهم في وضع هذا التراث الزاخر نفر من عباقرة العرب، بل عباقرة العالم الأفذاذ، وإن كان كل منهم قد صال وجال في ميادين أخرى للعلوم، شأنهم في ذلك شأن علماء ذلك العصر، فقد كان تفوقهم في علوم الأحجار والأرض على مستوى تفوقهم، ونبوغهم في العلوم الأخرى، ومن بين هؤلاء الأعلام: الكندي - المسعودي - البيروني - ابن سينا - الإدريسي - ابن خلدون - ابن ماجد.. إلى آخر القائمة. إلا أننا نعتبر هؤلاء المشاهير الذين ذكرناهم مؤسسي علم الأرض عند العرب.
وجدير بالذكر أن دراسة دقيقة مستفيضة لهذا الموضوع، أعني موضوع العرب والجيولوجيا، تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين بحيث يمكن إخراجها في(1/8)
الفصل الأول: علم المعادن وعلم الأحجار الكريمة
عرف العرب الأحجار الكريمة كما عرفها غيرهم من الأمم السابقة لهم، وكانوا يعلمون بعضًا من خواصها الطبيعية والكيميائية، وأماكن وجودها ومنافعها. كذلك اهتموا بالتمييز بين جيدها ورديئها، أو خالصها ومغشوشها، وكانت هذه المعلومات متداولة بينهم يتوارثونها جيلًا بعد جيل، ومن خبرائهم في هذا المجال ما ذكر من أسمائهم في الأيام المروانية والعباسية مثل: عون العبادي -أيوب الأسود البصري- بشر بن شاذان، صباح ويعقوب الكندي، أبي عبد الله بن الجصاص -قسيم- ابن خباب، رأس الدنيا، ابن البهلول ... وغيرهم كثير تجاهلنا ذكرهم؛ "لأن هذه الفئة تتكاثر في الأزمنة والأمكنة، وتشتهر عند الملوك الأجلة وتتفاضل بحسب العلم والفطنة"، ويعد من أقدم الخبراء عند العرب المدونة سيرهم -والذين كان لهم صلة بالجواهر في الهند- الصباح جد يعقوب بن إسحاق الكندي المعروف باسم فيلسوف العرب.
ولكن من هو أول عالم عربي فكر في أن يجمع هذه المعلومات عن الأحجار الكريمة، ويرتبها ويهذبها ويدونها في كتاب؟ في الواقع ليس من(1/13)
السهل الإجابة عن هذا السؤال، وعلى العموم يمكننا أن نناقشه في حدود معقولة من خلال الفقرات التالية، نبدأ بمؤلف كثر النزاع عليه، وهو المسمى بكتاب الأحجار لأرسطو، وهذا الكتاب من المحتمل جدًا -كما يقول سارتون- أن يكون ذا أصل سوري أو فارسي، ويقال: إن الذي نقله إلى العربية هو العلامة لوقا بن إسرافيون، وقد كتبت النسخة العربية منه تقريبًا في أواخر القرن الثاني، وأوائل القرن الثالث الهجري أي في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي، ومادته العلمية وإن كانت قليلة إلا أنها تعكس إلى حد ما آراء المسلمين عن المعادن في ذلك الوقت، ويمكن تتبع أصوله السورية حتى النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، وهو يحتوي الكثير من أسماء المعادن بالفارسية، ويختلف اختلافًا بينًا عن كتاب ثيوفراستس الإغريقي في المعادن. وقد قام بنشره بالعربية واللاتينية، والألمانية المستشرق الألماني جوليوس روسكا.
ويرى سارتون أن عطارد بن محمد الحسيب الذي عاش في القرن الثالث الهجري -التاسع الميلادي- هو مؤلف أقدم كتاب عربي في الأحجار ما زال موجودًا، وسفره "كتاب منافع الأحجار أو كتاب الجواهر والأحجار"، يشتمل على دراسة خواص الأحجار الكريمة، ويرجع تاريخ وضعه إلى حوالي أواخر القرن الثاني، وأوائل القرن الثالث الهجري أي النصف الأول من القرن التاسع الميلادي، وقد أشار إليه الرازي في كتابه "الحاوي".
ومن أوائل علماء العرب أيضًا الذي تركوا آثارًا مكتوبة في دراسة الأحجار -وإن لم يصلنا منها شيء- هو الفيلسوف الكندي، الذي عاش في أواخر القرن الثاني -هو الفيلسوف الكندي، الذي عاش في أواخر القرن الثاني حتى منتصف القرن الثالث الهجري، ودليلنا على ذلك ما روه البيروني في كتابه "الجماهر في الجواهر" دونه حوالي سنة 440هـ، "ولم يقع إلي من هذا الفن غير كتاب أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي في الجواهر والأشباه قد أفرغ فيها عذرته وظهر ذروته، كاختراع البدائع في كل(1/14)
ما وصلت إليه يده من سائر الفنون، فهو إمام المجتهدين وأسوة الباقين، ثم مقاله لنصر بن يعقوب الدينوري الكاتب عملها بالفارسية لمن لم يهتد لغيرها، وهو تابع للكندي في أكثرها، وسأجتهد في أن لا يشذ عني شيء مما في مقالتيهما، مع مسموع لي من غيرهما"، كما اعتمد البيروني في كتابه على مراجع أخرى، نذكر منها "كنز التجار في معرفة الأحجار"، ويستفاد من النص أن للكندي مرجعًا في الجواهر والأشباه، كان معروفًا لدى العلماء من بعده، وأن هذا المرجع كان من المراجع الرئيسية في مادته.
أمامنا الآن ثلاثة مؤلفات عربية في الأحجار ينسب أحدها خطأ لأرسطو، كلها ترجع تقريبًا إلى التاريخ نفسه، وهو أواخر القرن الثاني، وأوائل القرن الثالث الهجري، ولسنا نستطيع أن نحدد بالضبط أيهما أسبق، ويمكن أن تكون هذه النقطة مجالًا لبحث منفصل، على أنه يجب أن نأخذ في الأعتبار أن سلف المؤلفين الثلاثة من العرب قد سبقوهم إلى الإلمام بهذا الفن، وإن لم يتركوا آثارًا مدونة وصلت إلينا.
والكندي هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي، فيلسوف العرب وأحد أبناء ملوكها، بصري النشأة ثم انتقل إلى بغداد حيث تأدب، توفي سنة 246هـ، وقد عدت تصانيفه فزادت على 230، وقد شملت الفلسفة والمنطق والحساب وعلم النجوم والهندسة، والفلك والطب والجدل وعلم النفس والسياسة والموسيقى وغيرها من الفنون، وقد اعتبره كاردانو واحدًا من أعظم اثنتي عشرة عقلية في العالم، وقد وضع رسالة في أنواع الجواهر الثمينة وغيرها، وأخرى في أنواع الحجارة بالإضافة إلى رسالة في أنواع السيوف والحديد، وله رسالتان في فروع أخرى من الجيولوجيا، أولاهما رسالته في المد والجزر، والثانية رسالته في علة الرعد والبرق والثلج والبرد والصواعق والمطر، وسنأتي على ذكر هاتين الرسالتين فيما بعد، أما بخصوص مؤلفاته عن الجواهر والأحجار، فلم أتمكن من العثور عليها مخطوطة أو مطبوعة، إلا أن البيروني "القرن الخامس الهجري"،(1/15)
والتيفاشي "القرن السابع الهجري"، وابن الأكفاني "القرن الثامن الهجري"، قد نقلوا عنه كثيرًا وأشاروا إليه في مؤلفاتهم مما يدل على قيمتها العلمية في ذلك الوقت.
أما الطبيب الكيميائي أبو بكر محمد بن زكريا الرازي "236-311هـ"، فقد وضع عدة مؤلفات في علم الكيمياء والطب وغيرها، ونادى بتقسيم المواد إلى نباتية وحيوانية ومعدنية، ثم قسم المعادن بدورها إلى أقسام ستة حسب خواصها، وكتابه "أسرار الأسرار" الذي شرح فيه هذه الخواص، وطرق تحضير المواد وتنقيتها وخلطها، وفصلها يعتبر مرجعًا هامًا في الكيمياء وقد ترجم إلى اللاتينية، وقد قام ببعض التجارب في الوزن النوعي مستخدمًا الميزان الهيدروستاتيكي.
وإذا كان المسعودي "توفي سنة 346هـ"، قد جمع كثيرًا من حقائق الجيولوجيا الطبيعية والجغرافيا في مؤلفاته العديدة، إلا أن كتبه لم تخل من إشارة إلى المعادن التي بالأرض، مثال ذلك كتابه المفقود "أخبار الزمان ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية، والأجيال الخالية والممالك الدائرة"، وكان يضم ثلاثين مجلدًا لا يوجد منها سوى جزء واحد هو الجزء الأول، وقد قدم المسعودي لكتابه هذا بالحديث عن هيئة الأرض ومدنها، وجبالها وأنهارها ومعادنها وإنقسام الأقاليم وتباين الناس ... إلخ. وقد غلب على المسعودي الطابع الجغرافي، لذلك فسنرجئ الكلام عنه تفصيلًا إلى فصل آخر.
ومن الذين كتبوا عن الأحجار أيضًا الحكيم أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد القيرواني المعروف بابن الجزار، وهو من علماء القرن الثالث الهجري، وقد توفي في ذلك القرن، إلا أننا لم نتمكن من الحصول على كتابه في الأحجار مخطوطًا أو مطبوعًا، وقد أشار إليه التيفاشي في مؤلفه "أزهار الأفكار في جواهر الأحجار" الذي كتبه حوالي سة 608هـ، في مواضع كثيرة.(1/16)
وفي كتابه "الشفاء"، وفي الجزء الخاص بالمعادن والظواهر الجوية "الميتورولوجيا"، تحدث ابن سينا "توفي سنة 428هـ" عن تكوين الأحجار، فذكر أن الأحجار إما أن تتكون من الطين بالجفاف، أو من الماء بالبخار أو الترسيب، كذلك أشار إلى تكوين الحجارة من النار، وليت ابن سينا قد اكتفى بذلك، بل حاول أيضًا تقسيم المواد المعدنية، فقسمها إلى أربعة أقسام وهي: الأحجار -الذائبات - الكباريت - الأملاح. وابن سينا يعرفه الغرب قبل الشرق، وسنرجئ الكلام عنه إلى الموضع المناسب، وابن سينا يعتبر بحق المؤسس الرئيسي لعلم الأرض "الجيولوجيا" عند العرب.
يعتبر كتاب "الجماهر في الجواهر"، وقيل: "الجماهر في معرفة الجواهر" للبيروني من أروع ما كتبه العرب في علم المعادن، والأحجار الكريمة والفلزات، وقسمها المؤلف إلى معادن وفلزات ومن بينها: الياقوت - اللعل "سبينل" - البجادي "جارنت" - الماس - اللؤلؤ - المرجان - الزمرد - الفيروزج - العقيق - الجزع "نوع من السليكا" - البلور - البسد - الجمشت - اللازورد - الدهنج "الملاكيت" - اليشم "جاديت" - الكهرباء - الشاذنج - الزئبق - الذهب، وغيرها، وقد رجع عند كتابته إلى دراسة الأحجار الكريمة دراسة علمية ونقد ما كتبه علماء الهند والعرب الذين تقدموا زمانه، حتى إنه فاق جميع العرب في هذا الفن، واعتمد أيضًا على رسالتي الكندي في الجواهر والأشباه، وأنواع الحجارة، واستفاد من مقال الدينوري، وقد لجأ البيروني في أبحاثه إلى التجربة. ومن أشهر تجاربه في هذا الميدان هو حسابه للوزن أو الثقل النوعي، وقد تمكن من إيجاد الوزن النوعي بدقة لثمانية عشر حجرًا وفلزًا، لا تكاد تختلف قيمتها عن قيمة الوزن النوعي المحدد بالطرق الحديثة، هذا وقد عمل البيروني أيضًا على تبسيط نظرية المساقط الفراغية.
قال سخاو عن البيروني أنه أعظم عقلية عرفها التاريخ، والبيروني.(1/17)
واضع كتاب "الجماهر في الجواهر"، هو أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي، ولد في خوارزم سنة 362هـ، دخل الهند وتعلم لغتها ودروس علومها، ثم أقام بغزنة حتى مات بها سنة 440هـ، كان جليل المقدار وله كثير من التصانيف في الأدب والرياضة والنجوم والهيئة، والمنطق والحكمة وغيره مما يفوق الحصر، ومن مؤلفاته في صناعة النجوم كتاب اسمه "رياضة الفكر والعقل في استخراج ما في قوة الإسطرلاب إلى العقل"، سنأتي على ذكره في فصل آخر، وقد ترجمت بعض كتبه إلى الإنجليزية.
ونحو النصف الثاني من القرن السادس الهجري، هناك في دمشق كتاب جعفر بن علي، وفي مصر كتاب عبد الرحمن بن نصر، وتتناول هذه الكتب موضوعات مختلفة كالأحجار الكريمة والجواهر بالإضافة إلى العقاقير والعطور، أما ابن العوام فقد تكلم في ذلك الوقت عن ملاحظات عجيبة لأنواع التربة المختلفة وخواصها.
نرى أن كتاب "الجماهر في الجواهر" للبيروني، كتبه حوالي سنة 440هـ، بالإضافة إلى كتاب "أزهار الأفكار في جواهر الأحجار" للتيفاشي الذي وضعه حوالي سنة 608هـ، يمثلان أوج ما وصل إليه العرب في علم المعادن. والتيفاشي هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي القيسي، ولد بتيفاش سنة 580هـ، اشتغل بالأدب وعلوم الأوائل وبرع في ذلك كله، وله مصنفات عديدة، وقدم الديار المصرية مرتين، وتوفي بالقاهرة سنة 651هـ.
وقد سار في كتابه على منهاج موحد في وصف خمسة وعشرين نوعًا من المعادن والأحجار الكريمة بحيث يشمل الوصف: علة تكونه "أي الحجر" في معدنه -معدنه الذي يتكون فيه- جيده ورديئه، خواصه في ذاته، خواصه في منافعه، قيمته وثمنه، بالإضافة إلى أنه كان يناقش لغة اسم الحجر أو المعدن. وذكر التيفاشي أن هذا الكتاب يمتاز عن سابقيه في أنه قد أورد ثمن(1/18)
الأحجار الكريمة وبذلك يعم نفعها، وقد استند في كتابه هذا إلى الكتاب المنسوب لأرسطو، وبلينوس، والكندي، وابن الجزار، وغيرهم من علماء الأحجار، وقد طبع هذا الكتاب مع ترجمة إيطالية له في فيورنسا سنة 1818م. ويقال: إن هذه الطبعة ناقصة عن النسخ الخطية الموجودة من هذا الكتاب في خزائن أوروبا، وقد صح من هذا الكتاب نسخ خطية في خزائن مختلفة، وفي دار الكتب المصرية نسخة نقلت بالفوتوغراف عن نسخة أصلية بمكاتب القسطنطينية، وقد أعيد طبعه بنصه العربي، وترجمته الإيطالية في سنة 1906م. كذلك فقد نشر هذا الكتاب بعد ترجمته إلى اللغة الفرنسية في سنة 1868م. ويوجد حاليًا بدار الكتب بباريس ثلاث نسخ خطية من كتاب التيفاشي، يقول عبد الرحمن زكي في كتابه "الأحجار الكريمة في الفن والتاريخ"، 1964: "وقد استفاد من مخطوطة التيفاشي كثير من العلماء، نذكر منهم س. ف. رافيوس الذي كتب رسالة عن الأحجار الكريمة عند العرب مقتبسًا الفصول الثلاثة الأولى من كتاب التيفاشي، وكان ذلك في عام 1784 بأترخت".
ومن المؤلفات البارزة التي وضعت في القرن السابع الهجري، كتاب الأحجار الذي ترجمه من العربية إلى الأسبانية يهوذا بن موسى للملك الفونسو، ويشتمل الكتاب على نحو 360 حجرًا، كذلك فهناك كتب الأحجار لبيلق القاباجاكي وناصر الدين الطوسي.
ونختم هذه الباقة من العلماء العرب في علم المعادن، والأحجار الكريمة بكتاب ابن الأكفاني "نخب الذخائر في أحوال الجواهر"، وقد كتبه ابن الأكفاني في النصف الأول من القرن الثامن الهجري، ومؤلف هذا الكتاب هو محمد بن إبراهيم بن ساعد السنجاري المعروف بابن الأكفاني، ولد في سنجار، وانتقل إلى مصر وعمل بها طبيبًا، توفي بالقاهرة سنة 749هـ، له مؤلفات كثيرة في الأدب والتاريخ والفلسفة والطب والرياضة، كما أنه مهر في(1/19)
معرفة الجواهر والأحجار الكريمة، ومؤلفه المذكور يحتوي على وصف أربعة عشر حجرًا من الأحجار الكريمة والمعادن هي أمهات الجواهر، واستشهد ببعض ما نقله عن الكندي، ونصر الدينوري والبيروني وابن زهر، والغافقي، وغيرهم. وقد قام الأب انستاس الكرملي بنشر كتابه في الأحجار الكريمة سنة 1939 بالقاهرة، هذا وقد أخذت بعد ذلك حركة التجديد والتأليف في هذا الفن تضعف تدريجيًا حتى إننا لا نكاد نجد جديدًا فيها.
ولا ينبغي أن يفهم من العرض السابق أن علماء المعادن، والأحجار الكريمة الذين ذكرناهم آنفًا هم كل ما أنجبهم العرب، فالقائمة طويلة والمقام لا يتسع إلى حصرهم جميعًا، وذكر فضل كل منهم، والأسماء التي وردت في البحث حتى الآن إنما تمثل أهم من كتب من العرب في هذا العلم وساهم في دراسته. وبعضهم قد بلغ فيه درجة عالية من الفهم والعمق، وقد وردت إشارات كثيرة من المعادن، والأحجار الكريمة، أو خواصها في كثير من مجلداتهم ومؤلفاتهم، سواء كانت مؤلفات قائمة بذاتها في هذا الفن، أو إشارات ضمن مواد أخرى. ومن هؤلاء: الجاحظ "المتوفى سنة 255هـ"، الطغرائي "المتوفى سنة 514هـ"، القلقشندي "المتوفى سنة 821هـ"، المقريزي "المتوفى سنة 845هـ"، الطبري "المتوفى سنة 310هـ"، وغيرهم. ويمكن أن تكون هذه النقطة مجالًا لبحث منفصل.
ولكن ما الذي عرفه العرب من خواص المعادن، والأحجار الكريمة؟ عرف العرب أن بعض المعادن تتخذ أشكالًا هندسية طبيعية خاصة بها، ولا دخل للإنسان في تشكيلها، وهو ما نسميه حاليًا بظاهرة التبلور، يقول البيروني في "الجماهر في الجواهر" سنة 440هـ: "فأشكاله "أي الألماس" في ذاتها من غير وضع، مخروطية مضلعة ومن مثلثات مركبة كالأشكال المعروفة بالنارية، متلاصقة القواعد وفيها ما يكون على هيئة الشكل الملقب بالهوائي، فيسمى سفيريا لاحتداد طرفيه، وامتلاء وسطه "يقصد الهرم المزدوج"، وفي(1/20)
كتاب ابن الأكفاني عن الزمرد: "وأكثر ما يظهر منه خرز مستطيلة ذات "خمسة" أسطحة وتسمى أقصابًا"، كذلك تحدث العرب عن اللون والشفافية وأطلقوا عليها المائية، والحكاكة والمحك "streak"، وقد اهتموا باللون اهتمامًا كبيرًا ودققوا الملاحظة فيه، ولاحظوا استواءه، أو شدته في أماكن وضعفه في أماكن، ويكفي أن ننظر إلى تقسيمهم لليواقيت بناء على اللون حتى نتبين مدى دقة ملاحظتهم، فقد قسموا اليواقيت إلى: الأبيض - الأكهب "الأزرق" -الأصفر - الأحمر، والأكهب وهو الأزرق، على سبيل المثال، يشمل: الطاووسي - الاسمانجوني "لون من الأزرق" - النيلي - الأحور - الكحلي - النفطي، كذلك قسموا الأحمر إلى: الرماني - البهرماني - الأرجواني - اللحمي - الجلناري - الوردي، وهكذا. ولاحظوا وجود الشقوق الرفيعة وسموها الشعيرات، ووجود الشوائب المعدنية والتصاق المعدن، أو الجوهر بغيره من المعادن الأخرى، كذلك عرفوا التشقق والصلابة والمكسر والثقل، أو الوزن النوعي، وتكلموا عن البريق وانعكاس الضوء. وحددوا الصلابة النسبية لعدد من المعادن والأحجار الكريمة، يقول البيروني في المرجع نفسه السابق: "والياقوت:كورندم" بصلابته يغلب ما دونه من الأحجار، ثم يغلبه الألماس".
وفي ميدان الوزن أو الثقل النوعي لهم تجارب مشهورة، وقد عملوا في ذلك جداول دقيقة مثل جداول عبد القادر الطبري التي حدد فيها الوزن النوعي للذهب، والفضة والرصاص والنحاس والحديد، وكمثل للدقة فقد حسبوا كثافة الذهب فكانت 19.137، بينما بالطرق الحديثة قيمتها 19.3. وقد عرف البيروني الوزن، أو الثقل النوعي في مرجعه الشهير فقال: "فإن المكعب الذي ضلعه ذراع إذا كان من الماء اتزن ما هو جزء من تسعة عشر إذا كان ذهبًا". وقد عمل البيروني تجارب عديدة لاستنباط الوزن النوعي، وأوجد الوزن النوعي لثمانية عشر عنصرًا ومركبًا بعضها من الأحجار الكريمة، كذلك الرئيس ابن سينا فقد عمل الكثير من التجارب(1/21)
لاستنباط الوزن النوعي وأوجد الوزن النوعي لمعادن كثيرة، وقد كتب في الوزن النوعي عدد ليس بالقليل من علماء العرب، منهم سند بن علي، الرازي، الخيام، الخازن، وغيرهم، وبنوا نتائجهم على التجارب والاختبار.
وغني عن البيان أنهم عرفوا الغالبية العظمى للخواص الطبيعية للمعادن والبلورات كما نفهمها ونحددها في الوقت الحاضر، وتفننوا كذلك في قطع وصقل الأحجار الكريمة، وحذقوا هذه المهنة التي تتطلب مهارة عالية وفطنة ودراية بخواص الجواهر، وبلغوا في ذلك مبلغًا عظيمًا، ولا أدل على ذلك مما احتوته قصور الطولونيين والفاطميين، والعباسيين من كنوز ولآلئ وجواهر ثمينة، وأحجار كريمة نادرة ومعادن نفيسة كالذهب والفضة، مما يعجز القلم عن وصفه أو تقدير قيمته، وقد تضمنت مراجعهم لأمثال المقريزي والقلقشندي والطبري وابن الأثير إشارات كثيرة لهذه الكنوز الوفيرة.
وقد أجرى العرب بعض الاختبارات الكيميائية على المعادن والجواهر، كمعالجتها بالأحماش والخل، كذلك أجروا تجارب التسخين في النار أو التكلس، وعلى سبيل المثال ما ذكره الكندي: "إن الدهنج "الملاكيت" إذا سحق بالنطرون والزيت1، خرج منه نحاس ناعم أحمر اللون"، ثم ما ذكره بعد ذلك التيفاشي في "أزهار الأفكار في جواهر الأحجار": "ومنها أنه "أي الفيروزج"، إذا أصابه شيء من الدهن أفسد حسنه وغير لونه، وكذلك العرق يفسده ويطفئ لونه بالكلية، وقد وقفت على ذلك منه بالتجربة"، وبذلك يكونون من أوائل الذين نادوا بإدخال التجربة لاختبار المعادن.
وللعرب بحوث طريفة عن أصل، وكيفية تكون المعادن والأحجار في
__________
1 الزيت أي الحامض. فحامض الكبريتيك مثلًا كان اسمه زيت الزاج.(1/22)
الطبيعة، كذلك لهم آراء في تصنيف المعادن، فالأحجار -كما قول ابن سينا- إما من الطين أو الماء أو النار، فالطين عندما يجف يصير حجرًا. "وقد تتكون الحجارة من الماء السيال على وجهين: أحدهما أن "يجمد" الماء كما يقطر أو كما يسيل برمته، والثاني رسب منه في سيلانه شيء يلزم وجه مسيله ويتحجر"، ولاحظ ابن سينا أيضًا أثر الحرارة والجفاف في تكوين الأحجار من الماء، كذلك فقد "تتكون أنواع من الحجارة من النار إذا أطفئت"، وقسم الرازي المملكة المعدنية إلى ستة أقسام بينما قسمها ابن سينا إلى أربعة: "إن الأجسام المعدنية تكاد أن تكون أقسامها أربعة: الأحجار، والذائبات، والكباريت، والأملاح".
ومن الأشياء التي عني بها العرب لغة أسماء المعادن والأحجار واشتقاقها، وتعريبها وما تعرضت له من تحوير أو تطوير في اللفظ أو المعنى، فقد قيل مثلًا: إن كلمة ياقوت ذات أصل فارسي هو ياكند. ومن طرائفهم ما ذكره الكندي أن المعدن من عدن وهو الإقامة، فكان المطلوب منه ما أقام فيه دهورًا، أو أن مستنبطيه يقيمون على استخراجه فلا يسأمون من حفر الغيران1 إليه.
وبعد منهج التيفاشي منهجًا كلاسيكيًا في الكلام عن المعادن، فهو يتمشى بصفة عامة في طريقة عرضه مع الروح العصرية الحديثة، وقد التزم المؤلف بذكر ستة مواضيع محددة يتعرض لها بانتظام عند دراسته لكل معدن، أو حجر من المعادن الخمسة والعشرين التي ذكرها في كتابه، وهذه المواضيع هي: علة تكونه في معدنه -معدنه الذي يتكون فيه- جيده ورديئه، خواصه في ذاته -خواصه في منافعه- قيمته وثمنه. وبلغة العصر الحديث، فإن هذه المواضيع تقابل الكلام عن: تكون المعدن "Genesis" -الوجود وأمكنته
__________
1 جمع غور وهو الكهف.(1/23)
"Occurrence"- الخواص الطبيعية "physical Props." -الخواص الكيميائية "Chemical Props"- الاستعمالات "Uses" -الثمن "Price". ونقف وقفة سريعة أمام هذا المنهج الدراسي، فالموضوع الأول يعتمد عادة على نظرة فلسفية للمؤلف تتأثر بالطبع بالأفكار والفلسفات السائدة وقتها، وعلى هذا فقد يكون رأيه بعيدًا عن الواقع أو تشوبه الخرافة. كذلك فإن وجود الموضوع في صدر القائمة يجعله لا يعتمد على الدراسة العلمية التي تليه، الأمر الذي يقلل من قيمته كثيرًا، وهذا على النقيض من الطريقة العلمية الحديثة، فنحن لا نبدأ بالكلام عن أصل وتكوين المعدن، إلا بعد أن نكون قد استوفينا الدراسة عنه من كافة نواحيه الأخرى، أما المواضيع الثلاثة التالية فهي تتمشى في منهجها مع أحداث الطرق، أما الاختلاف في الأسلوب فهو فاق زمني، فنحن نتكلم عن معالجة المعدن مثلًا بحمض الخليك، وهم يتكلمون عن وضعه في الخل، وهكذا. أما ناحية الاستعمالات فيشوبها كثير من الخرافات، إذ كانوا يعتقدون -جريًا على عادة سلفهم من الإغريق- أنها تحمي من الأرواح الشريرة، وتدفع الأذى والأحلام المزعجة، كما أنهم استخدموها لعلاج بعض الأمراض، ومن جهة الموضوع الأخير وهو موضوع القيمة والثمن فهو ما زيد على بعض المؤلفات الحديثة.(1/24)
الفصل الثاني: علم الصخور وعلم الأحجار الكريمة
...
الفصل الثاني: علم الصخور
في الفن الخامس من الطبيعيات من كتاب الشفاء، تحدث ابن سينا في عدد من الموضوعات الجيولوجية، وله في بعضها آراء لا تكاد تختلف عما نعرفه اليوم. فابن سينا له نظريات في تكوين الأحجار والمعادن التي بالأرض، وقام بتصنيف المعادن كما سبق شرحه "ص25"، وتحدث أيضًا عن تكوين الجبال والصخور الرسوبية والحفريات، وانحسار البحر عن اليابس، أو غمر اليابس بالماء، كما تحدث عن باطن الأرض، وما تتعرض له القشرة الأرضية من زلالزل، وحركات وما يخرج منها من حمم، وشملت دراسته موضوع النيازك، وقسمها إلى نوع حجري وآخر حديدي، وأبدى ملاحظات عن بعض الظواهر الجوية كالرياح والسحب والثلج والبرد، والبرق والرعد وقوس قزح، مما يدل على الارتباط الوثيق بين الجيولوجيا، والميتورولوجيا في تلك الأوقات، فلا غروا إذا قلنا: إن ابن سينا هو المؤسس الرئيسي للجيولوجيا عند العرب.
وقد ظلت رسالة "المعادن والآثار العلوية" من كتاب الشفاء لابن سينا من أهم المراجع الجيولوجية التي اعتمد عليها الأوروبيون خلال القرون(1/27)
الوسطى، وقد ترجمت إلى اللاتينية منذ نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، وابن سينا غني عن التعريف، هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، ولد في بخارى، وحذق كثيرًا من العلوم في سن مبكرة، تنقل بين عدد من البلاد وتقلد مناصب مختلفة، توفي سنة 428هـ. له أسفار كثيرة جمعت بين الفلسفة والطب والجغرافيا والجيولوجيا، وظلت كتاباته في هذه العلوم المصدر الرئيسي لأوروبا لعدد من القرون، وهو -كما يقول سارتون: أشهر علماء الإسلام، ومن أشهر مشاهير الشعوب والبلاد على مر الزمان، ويمثل تفكيره قمة الفلسفة في القرون الوسطى.
في الفصل الأول، "ص25"، أشرنا إلى آراء ابن سينا في تكون الحجارة من الطين أو الماء أو النار، فمثلًا يقول في الطين: "فكثير من الطين يجف ويستحيل أولًا شيئًا بين الحجر والطين، وهو حجر رخو، ثم يستحيل حجرًا، وأولى الطينات بذلك ما كان لزجًا، فإن لم يكن لزجًا فإنه يتفتت في أكثر الأمر قبل أن يتحجر"، والحجارة قد تتكون من الماء بالبخر أو الترسيب.
وفي حديثه عن الصخور الرسوبية، يقول ابن سينا ما نصه:
ويجوز أن ينكشف البر عن البحر وكل بعد طبقة، وقد يرى بعض الجبال كأنه منضود1 سافا فسافا2. فيشبه أن يكون ذلك قد كانت طينتها في وقت ما كذلك سافا فسافا، بأن كان ساف ارتكم أولًا، ثم حدث بعده في مدة أخرى ساف آخر فارتكم، وكان قد سال على كل ساف جسم من خلاف جوهره، فصار حائلًا بينه وبين الساف الآخر، فلما تحجرت المادة عرض للحائل أن انشق، وانتثر عما بين السافين، وأن
__________
1 تنضدت الأشياء أي تراصفت متناسقة.
2 الساف: كل صف من اللبن أو الآجر في الحائط.(1/28)
حائلًا من أرض البحر قد تكون طينته رسوبية، وقد تكون طينته قديمة ليست رسوبية، ويشبه أن يكون ما يعرض له انفصال الأرهاص1 من الجبال رسوبيًا.
وفي هذه الفترة شرح ابن سينا طباقية الصخور الرسوبية، وتكوين أسطحها الفاصلة، وحينما يقول "بأن كان ساف ارتكم أولًا، ثم حدث بعده في مدة أخرى ساف آخر فارتكم"، فإنه يضع بصفة عامة فكرة قانون تعاقب الطبقات "Law of superposition of strata"، ولنتأمل على وجه الخصوص قوله "في مدة أخرى"، لنرى كيف أنه أدرك أن عملية الترسيب تحدث على مراحل قد تكون متقطعة.
ويتحدث ابن سينا عن رواسب الأودية بفعل السيول، فيقول:
وأما عروق الطين الموجودة في الجبال، فيجوز أن تكون تلك العروق ليست من صميم مادة التحجر، ولكنها من جملة ما تفتت من الجبال، وتترب وامتلأ في الأودية والفجاج وسالت عليه المياه ورطبته، وغشيته أرهاص الجبال، أو خلطت به طينتها الجيدة.
ثم يأخذ في وصف حالات معينة من الصخور الرسوبية:
ويجوز أن يكون القديم أيضًا من طين البحر غير متفق الجوهر، فيكون من ترتبه ما يتحجر تحجرًا قويًا، ومنه ما لا يتحجر، ومنه ما يسترخي تحجره لكيفية ما غالبته فيه، أو لسبب من الأسباب التي لا تعد.
ويبلغ ابن سينا القمة حينما يتحدث -منذ نحو عشرة قرون- في مرونة
__________
1 إذا كانت من راهصة فهي الحجرة أو الصخرة، وإذا كانت من الرهص فهو الطين.(1/29)
العالم العصري -عن علاقة البحر بالأرض والأرض بالبحر، وما ينشا عن تلك العلاقة من تكوين صخور، وتعرض أخرى للتحات والتفتت، فيقول:
ويجوز أن يعرض للبحر أيضًا أن يفيض قليلًا قليلًا على بر مختلط من سهل وجبل، ثم ينضب عنه، فيعرض للسهل منه أن يستحيل طينًا، ولا يعرض ذلك للجبل، وإذا استحال طينًا، كان مستعدًا لأن يتحجر عند الانكشاف، ويكون تحجره تحجرًا سافيًا "اي طباقيًا" قويًا، وإذا وقع الانكشاف على ما تحجر، فربما يكون المتحجر القديم في حد ما استعد للتفتت، ويجوز أن يكون ذلك يعرض له عكس ما عرض للتربة، من أن هذا يرطب ويلين ويعود ترابًا، وذلك يستعد للحجرية.
ونراه يستدل على ذلك كله بالتجربة:
كما إذا نقعت آجرة وترابًا وطينًا في الماء، ثم عرضت الآجرة والطين والتراب على النار، عرض للآجرة إن زادها الاستنقاع استعدادًا للتفتت بالنار ثانيًا، وللتراب والطين استعدادًا لاستحجار قوي.
وقد تتكون أنواع من الحجارة من النار إذا أطفئت، هكذا يقول ابن سينا. ثم يستطرد في الحديث عن النيازك، ويقسمها إلى نوع حجري وآخر حديدي تمامًا كما نفعل في الوقت الحاضر، ويسهب في وصف نوع منها، وهو الجاورسي المستدير الأجزاء المسمى "Chondritic meteorite"، وهذا هو نص كلامه في ذلك:
وكثيرًا ما يحدث في الصواعق أجسام حديدية وحجرية، بسبب ما يعرض للنارية أن تطفأ فتصير باردة يابسة، وقد يقع في بلاد الترك في الصواعق والبروق أجسام نحاسية على هيئة نصول(1/30)
السهام، لها زائدة منعطفة إلى فوق، وتقع مثلها في بلاد الجبل والديلم، وإذا وقعت غارت في الأرض، ويكون جوهر جميع ذلك جوهرًا نحاسيًا يابسًا، وقد تكلفت إذابة نصل من ذلك بخوارزم فلم يذب، ولم يزل يتحلل منه دخان ملون يضرب إلى الخضرة حتى بقي منه جوهر رمادي، وقد صح عندي بالتواتر ما كان ببلاد جوزجان، في زماننا الذي أدركناه، من أمر جديد لعله يزن مائة وخمسين منا "أي حوالي 119 كجم"، نزل من الهواء فنقر في الأرض، ثم نبا نبوة أو نبوتين نبو الكرة التي ترمى بها الحائط، ثم عاد فنشب في الأرض، وسمع الناس لذلك صوتًا عظيمًا هائلًا ... فتعذر نقله لثقله فحاولوا كسر قطعة منه، فما كانت الآلات تعمل فيه إلا بجهد، وحكي أن جملة ذلك الجوهر كان ملتئمًا من أجزاء جاورسية صغار مستديرة، التصق بعضها ببعض ... فهذا جنس من تكون الحجارة.
وفي حديثه عن الزلازل، تكلم ابن سينا عرضًا عن باطن الأرض، فهو إما يحتوي على جسم بخاري دخاني قوي الاندفاع كالريح، وإما جسم مائي سيال، وإما جسم هوائي، وإما جسم ناري، وإما جسم أرضي، والجسم الناري لا يحدث تحت الأرض وهو نار صرفة، بل يكون لا محالة في حكم الدخان القوي، وفي حكم الريح المشتعلة.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك إشارات وردت في وصف أنواع من الصخور في كتابات البيروني والتيفاشي وغيرهما من المؤلفين، وبعض الأحجار التي تحدثوا عنها ما هي إلا صخور بلغة الوقت الحاضر، وبعض الأحجار التي تحدثوا عنها ما هي إلا صخور بلغة الوقت الحاضر، فمثلًا السبج أو الشبه هو ما نعرفه اليوم باسم صخر الزجاج الطبيعي "Obsidian"، ولنتأمل أيضًا كلام البيروني في كتابه "الجماهر في الجواهر" عن الرمال:(1/31)
"وأظن "ظنًا ليس بالمحقق" أن في حبات الرمل جواهر "يقصد معادن"، شتى إذا تؤملت رؤي فيها الأسود والأحمر والأبيض والمشف البلوري"، ويعرف الجيولوجي اليوم أن رمال الشواطئ، وغيرها تتكون عادة من الكوارتز كمادة رئيسية تختلط بها نسب مختلفة من المعادن المنقولة ذات الألوان المختلفة.(1/32)
الفصل الثالث: الجيولوجيا الطبيعية
قد يتفق معي البعض على أن العرب قاموا بدراسة تضاريس سطح الأرض دراسة عامة، أي أنهم تعرضوا لدراسة ما يسمى الآن بالجغرافيا الطبيعية أو الجيومورفولوجيا، فاتساع رقعة الدولة العربية في ذلك الوقت حتم معرفة أجزائها، وأقاليمها المختلفة، وما فيها من جبال وأنهار وبحار وآبار، وخلافه. ولكن دراسات العرب لم تكتف بهذا، بل شملت الحديث عن العوامل التي تؤثر في باطن الأرض، وبعبارة أخرى فإن دراساتهم تناولت العوامل المؤثرة -بشقيها الخارجي والداخلي- على الأرض، وما ينشأ عنها من ظواهر، وهو ما نسميه إصطلاحًا بالجيولوجيا الطبيعية، وتوضح الصلة بين العوامل المؤثرة الخارجية والداخلية مدى الارتباط الموجود بين المتيورولوجيا والجيولوجيا عند علماء العرب.
كان الحكيم الكندي في النصف الأول من القرن الثالث الهجري، من أوائل الذين بحثوا في مواضيع متفرقة من هذا العلم، فللكندي رسائل في المد والجزر. وله رسالة في علة الرعد والبرق، والثلج والبرد والصواعق والمطر، وأخرى في علة اللون اللازوردي الذي يوجد في الجو.(1/35)
وتحدث الكندي أيضًا عن العوامل الباطنية التي تؤثر في الأرض، فله رسالة في هذا المجال باسم "علة حدوث الرياح في باطن الأرض المحدثة كثيرًا من الزلازل والخسوف"، وقد أشار إليه المسعودي في كتابه "مروج الذهب" في أكثر من موضع، وشرح نظريته في المد والجزر التي تعتمد على حركة البحر بالرياح، وخلف الكندي تلميذه أحمد بن الطيب السرخسي المتوفى سنة 286هـ. ولابن الطيب هذا رسالة في البحار والمياه، والجبال نقل فيها عن الكندي. ويقال: إن له كتاب "المسالك والممالك" في الجغرافيا الوصفية، ولكنه ضاع.
جاء المسعودي في النصف الأول من القرن الرابع الهجري ليضع كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" نحو سنة 332هـ1، ويعتبر هذا الكتاب من أجل المصنفات العربية، كتب بأسلوب علمي سليم، وقد تعرض فيه المؤلف لبعض المعلومات الجغرافية كاستدارة الأرض، وإحاطتها بغلاف جوي، وبحث طبيعة العواصف في الخليج العربي والجهات المجاورة، وشرح ظاهرة المد والجزر، كما أجرى بعض المناقشات الجيولوجية، وتحدث عن البحار والأنهار ووصف زلازل سنة 344هـ/ 955م، وتحت عنوان: ذكر الأخبار عن انتقال البحار، وجمل من أخبار الأنهار الكبار، يقول المسعودي: "ولهذه العلة يستحيل موضع البحر وموضع البر، فليس موضع البر أبدًا برًّا، ولا موضع البحر أبدًا بحرًا، بل قد يكون برًا حيث كان مرة بحرًا، ويكون بحرًا حيث كان مرة برًّا"، وذكر عن صاحب المنطق "أن البحار تنتقل على مرور السنين وطويل الدهر"، ثم يضيف قائلًا: "فإن لمواضع الأنهار شبابًا وهرمًا، وحياة وموتًا، ونشأ ونشورا".
وناقش المسعودي في المروج دورة الماء في الكون، وجريان الأنهار،
__________
1 يستند هذا التاريخ إلى فقرة وردت في المروج ص120: " ... وهذا وصف ملوك هذا الإقليم فيما مضى لا في هذا الوقت وهو سنة 332"، وتكررت الفقرات الدالة على هذا التاريخ في أكثر من موضع، ولكن يبدو أن وضع الكتاب قد استغرق عدة سنوات.(1/36)
وتراكم الأملاح في البحر، فيقول عن أهل البحث:
إن جميع الماء الذي يفيض إلى البحر من جميع ظهور الأرض وبطونها، إذا صار إلى تلك الحفرة العظيمة فهو مضاض1 من مضاض، والأرض تقذف إليه ما فيها من الملوحة.
ثم يتحدث المسعودي عن بخر ماء البحر وسقوط الأمطار بعد ذلك، ويستطرد قائلًا:
ثم يعود ذلك الماء مالحًا؛ لأن الأرض إذا كانت تعطيه الملوحة، والنيران تخرج منه العذوبة واللطافة، كان واجبًا أن يعود إلى الملوحة، وكذلك يكون ماء البحر على كيل واحد ووزن واحد؛ لأن الحر يرفع اللطيف فيصير طللًا وماء، ثم تعود تلك الأندية سيولًا، وتطلب الحدور والقرار، وتجري في أعماق الأرض حتى يصير إلى ذلك الهور2. فليس يضيع من ذلك الماء شيء.
وفي مروج الذهب أيضًا، وصف المسعودي البراكين الكبريتية "Solfataras" في قلة "قمة" جبل دنياوند بين بلاد الري وطبرستان، فقال: "وإن في أعاليه نحوًا من ثلاثين ثقبًا يخرج منها الدخان الكبريتي العظيم، ويخرج مع ذلك من هذه المخارق مع الدخان دوي عظيم كأشد ما يكون من الرعد، وذلك صوت تلهب النيران".
في الفن الثاني -من جملة الثلاثين فنًّا- من كتاب "أخبار الزمان"، ناقش المسعودي بإسهاب في مبادئ كون البحار وعللها، وأورد آراء المتقدمين في ذلك، وله كتاب "التنبيه والأشراف" تحدث فيه عن الرياح ومهابها وأفعالها وتأثيراتها، والأرض وشكلها، وما قيل في مدار مساحتها
__________
1 مضاض: شديد الملوحة.
2 الهور: البحيرة تندفع إليها مياه غياض وآجام، فتتسع ويكثر ماؤها.(1/37)
وعامرها وغامرها، والنواحي والآفاق وما يغلب عليها، وتناول حديثه نظرية التطور من المعدن للنبات، ومن النبات إلى الحيوان ومن الحيوان للإنسان. ومجمل القول: إن المسعودي تكلم عن البلدان والجبال والبحار، والمسالك والدول والشعوب.
والمسعودي أو"بلينوس المشرق"، كما يسميه علماء الغرب هو أبو الحسن على بن الحسين، نشأ في بغداد، وقام بالكثير من الرحلات والجولات إلى أن استقر به المقام بمصر حيث توفي بالفسطاط سنة 346هـ، وللمسعودي أسفار عديدة جمع فيها الكثير من الحقائق الجغرافية والتاريخية، وللك فهو الجغرافي المشهور والمؤرخ الذائع الصيت، إلا أن معظم كتبه قد ضاعت أو فقدت، قال عنه ابن خلدون: "صار إمامًا للمؤرخين يرجعون إليه، وأصلًا يعولون في تحقيق الكثير من أخبارهم عليه".
وجاء الرئيس ابن سينا في أوائل القرن الخامس الهجري ليرسي دعائم علم الأرض عند العرب في كتابه "الشفاء"، ففي الفن الخامس من هذه الموسوعة القيمة، مقالتان عن "المعادن والآثار العلوية"، تناول فيهما عددًا من الظواهر الجيولوجية والميتورولوجية بالدارسة والتحليل، من ذلك نظريته في تكوين الجبال، التحات ونشأة الأودية، انتقال البحار أو علاقة الأرض بالبحر، الحفريات ودلالتها، وتكوين الصخور الرسوبية، وأشار إلى تكون العيون ومنابع المياه وعلة الزلازل، كما أنه أفرد فصولًا للحديث عن الظواهر الجوية كالسحب، الرياح، البخار، الثلج، البرد، قوس قزح، بالإضافة إلى: الرعد، البرق، الصواعق، الشهب، النيازك، والأذناب.
ونورد في الفقرات التالية النص الحرفي لكلام ابن سينا في تكوين الجبال، وذلك لأهميته وخطورته في تاريخ العلوم، فهو لا يكاد يختلف عما نعرفه اليوم، وإن كان ابن سينا قد وضعه منذ نحو ألف عام تقريبًا، يقول الشيخ الرئيس:(1/38)
وأما الإرتفاع فقد يقع لذلك سبب بالذات، وقد يقع له سبب بالعرض، أما السبب بالذات، فكما يتفق عند كثير من الزلازل القوية أن ترفع الريح الفاعلة للزلزلة طائفة من الأرض، وتحدث رابية من الروابي دفعة، وأما الذي بالعرض، فأن يعرض لبعض الأجزاء من الأرض انحفار دون بعض، بأن تكون رياح نساقة أو مياه حفارة تتفق لها حركة على جزء من الأرض دون جزء، فينحفر ما تسير عليه ويبقى ما لا تسيل عليه رابيًا، ثم لا تزال السيول تغوص في الحفر الأول إلى أن تغور غورًا شديدًا، ويبقى ما انحرف عنه شاهقًا، وهذا كالمتحقق من أمور الجبال، وما بينها من الحفور والمسالك.
وربما كان الماء أو الريح متفق الفيضان، إلا أن أجزاء الأرض تكون مختلفة، فيكون بعضها لينة وبعضها حجرية، فينحفر الترابي اللين، ويبقى الحجري مرتفعًا، ثم لا يزال ذلك المسيل ينحفر، وينحفر على الأيام ويتسع ويبقى النتوء وكلما انحفر عنه الأرض كان شهوقه أكثر.
فهذه هي الأسباب الأكثرية لهذه الأحوال الثلاثة، فالجبال تكونها من أحد أسباب تكون الحجارة، والغالب أن تكونها من "طين" لزج جف على طول الزمان، تحجر في مدد لا تضبط، فيشبه أن تكون هذه المعمورة قد كانت في سالف الأيام غير معمورة، بل مغمورة في البحار، فتحجرت، أما بعد الانكشاف قليلًا قليلًا في مدد لا تفي التأريخات بحفظ أطرافها، وأما تحت المياه لشدة الحرارة المحتقنة تحت البحر، والأولى أن يكون بعد الانكشاف، وأن تكون طينتها تعينها على التحجر، إذ تكون طينتها لزجة، ولهذا ما يوجد في كثير من(1/39)
الأحجار، إذا كسرت أجزاء الحيوانات المائية كالأصداف وغيرها، ولا يبعد أن تكون القوة المعدنية قد تولدت هناك، فأعانت أيضًا، وأن تكون مياه قد استحالت أيضًا حجارة، لكن الأولى أن يكون تكون الجبال على هذه الجملة، وكثرة ما فيها من الحجر لكثرة ما يشتمل عليه البحر من الطين، ثم ينكشف عنه، وارتفاعها لما حفرته السيول والرياح فيما بينها.
فإنك إذا تأملت أكثر الجبال، رأيت الانحفار الفاصل فيما بينها متولدًا من السيول، ولكن ذلك أمر إنما تم وكان في مدد متولدًا من السيول، ولكن ذلك أمر إنما تم وكان في مدد كثيرة، فلم يبق لكل سيل أثره، بل إنما يرى الأقرب منها عهدًا، وأكثر الجبال الآن إنما هي في الانرضاض والتفتت، وذلك؛ لأن عهد نشوئها وتكونها إنما كان مع انكشاف المياه عنها يسيرًا يسيرًا، والآن فإنها في سلطان التفتت، إلا ما شاء الله من جبال، إن كانت تتزايد بسبب مياه تنحجر فيها، أو سيول تؤدي إليها طينًا كثيرًا فيتحجر فيها، فقد بلغني كما أحسب أنه قد شوهد ذلك في بعض الجبال، وأما ما شاهدته أنا، فهو في شط جيحون، وليس ذلك الموضع مما يستحق أن يسمى جبلًا، فما كان من هذه المنكشفات أصلب طينة وأقوى تحجرًا وأعظم حجمًا، فإنها إذا انهد ما دونه، بقي أرفع وأعلى.
ولنقف وقفة تحليلية خاطفة للتعقيب على هذه الفقرات الأربع، وسوف نضع التعقيب في عدة نقاط:
1- ارجع ابن سينا تكون الجبال إما إلى الحركات الأرضية، أو إلى عوامل التحات التفاضلية، ولاحظ تفاوت أجزاء التربة أو الأرض بين اللين والصلابة، وعلاقة ذلك بتكوين الجبال.
2- أدرك الفعل الميكانيكي للرياح والمياه "بأن تكون رياح نسافة، أو مياه(1/40)
حفارة"، ثم عرض ذلك بوضوح في الفقرة الرابعة.
3- أشار إلى تعميق وتوسيع السيول لمجاريها الأولية مع مرور الوقت، "ثم لا يزال ذلك المسيل ينحفر، وينحفر على الأيام ويتسع"، وكما هو واضح في الفقرة الرابعة.
4- أدرك أن البحر كان يغمر اليابس في الأزمان الغابرة، ثم انحسر عنه بطريقة تدريجية "فيشبه أن تكون هذه المعمورة، قد كانت في سالف الأيام غير معمورة، بل مغمورة في البحار، فتحجرت، أما بعد الانكشاف قليلًا قليلًا ... ". وحينما يضيف قائلًا "في مدد لا تفي التأريخات بحفظ أطرافها"، فإنه يكون قد أدخل الحساب الصحيح للزمن الجيولوجي في عملية تكون الصخور الرسوبية.
5- أدرك فكرة تغيرات ما بعد الترسيب "Post depositional changes"، وهي اللازمة لتحويل الراسب إلى صخر، وأعطاها الزمن الذي تستحقه، "والغالب أن تكونها من "طين" لزج جف على طول الزمان، تحجر في مدد لا تضبط".
6- استخدام الحفريات البحرية "الأصداف" استخدامًا صحيحًا للدلالة على أن أجزاء من الأرض، كان يغمرها البحر في سالف الأزمان، "ولهذا ما يوجد في كثير من الأحجار، إذا كسرت، أجزاء الحيوانات المائية كالأصداف وغيرها".
7- يبدو أن المقصود بـ"استحالة الماء إلى حجارة" هو نوع من ترسيب المواد الذائبة في الماء، إما بالبخر أو التركيز أو بطريقة كيميائية، فإذا صح هذا التفسير، يكون ابن سينا قد ميز بين نوعين من الترسيب، ترسيب كيميائي "وهو الذي يستحيل فيه الماء إلى حجارة"، وترسيب ميكانيكي، حينما يقول: " ... وكثرة ما فيها من الحجر لكثرة ما(1/41)
يشتمل عليه البحر من الطين ثم ينكشف عنه".
8- ثم تحدث في الفقرة الرابعة عن تكون الأودية والخيران وتفتت الجبال.
9- وتحدث ابن سينا عن الحركات المولدة للجبال "Crogenic movements" حينما قال: "وذلك؛ لأن عهد نشوئها "أي نشوء الجبال"، وتكونها إنما كان مع انكشاف المياه عنها يسيرًا يسيرًا".
10- وحينما قال: " ... إن كانت "أي الجبال" تتزايد بسبب مياه تتحجر فيها أو سيول تؤدي إليها طينًا كثيرًا فيتحجر فيها"، فقد أدرك فعل المياه الممعدنة -جوفية كانت أو حرارية- في تكوين بعض المعادن في شقوق الجبال وفجواتها.
11- أدرك أن فعل العوامل الجيولوجية بطيء، وإنما يتراكم مع الوقت مثل: "إما بعد الانكشاف قليلًا قليلًا"، أو"مع انكشاف المياه عنها يسيرًا يسيرًا".
12- كل ذلك مع تقدير واع لحجم الزمن في العمليات الجيولوجية المختلفة. ويكفي أن ننظر إلى عبارات مثل "ينحفر وينحفر على الأيام" و"أما بعد الانكشاف قليلًا في مدد لا تفي التأريخات بحفظ أطرافها"، وغيرها لنثبت من ذلك.
وللحصول على مزيد من التفصيلات، فلنرجع قليلًا إلى الفصل الثاني في علم الصخور، فهناك نصوص ومقتطفات من كلام ابن سينا تعتبر مكملة للنصوص التي أوردناها في هذا الفصل، وقد شرح فيها طباقية الصخور الرسوبية، وعلاقة الأرض واليابس وعمليات التفتت، ولم يأل ابن سينا جهدًا في توضيح التغير المستمر لكل من أوضاع اليابس والماء، وقد أكد هذا التغير بجلاء ووضوح في أكثر من موضع: "ونحن نعلم بأقوى حدس(1/42)
أن ناحية الشمال كانت مغمورة بالماء حتى تولدت الجبال، والآن فإن البحار جنوبية، فالبحار متنقلة، وليس يجب أن يكون انتقالها محدودًا، بل يجوز فيه وجوه كثيرة"، ترى هل تحمل عبارته الأخيرة هذه فكرة انجراف القارات "Continental drifting"؟ سؤال يحتاج إلى جواب.
ونادى ابن سينا إلى أن اليابس يتركز في شمال الكرة الأرضية:
ثم إن أصحاب الرصد وجدوا ربع الأرض برا، وإذا وجد هذا، فمن الذي يطمع في أن يكون غيره برا يعتد به، إلا جزائر قليلة. فإن انكشاف الربع كثير. ووجد هذا الربع آخذًا في طوله نصف دور الأرض، على ما سنوضح هذا في الفن الذي نتكلم فيه على الهيئة، ووجد عرضه آخذًا ربع دور الأرض إلى ناحية الشمال، حتى يكون الربع الشمالي بالتقريب منكشفًا، ثم لم يقم برهان واضح على أن الأرباع الأخرى مغمورة بالماء، إلا ما يوجبه أغلب الظن بسبب وجوب غمور الماء للأرض، إذ الماء بحسب غالب الظن أكثر لا محالة من الأرض أضعافًا.
ولننظر إلى تحرزه من أن الأرباع الثلاثة الأخرى ليس بالضرورة أن تكون كلها مغمورة بالماء: "ثم لم يقم برهان واضح على أن الأرباع الأخرى مغمورة بالماء"، وكأنه يشير من طرف خفي -وعلى أسس نظرية- إلى احتمالات وجود أرض أخرى فوق هذه الأرباع الثلاثة من الماء، في الوقت الذي لم تكن فيه القارتان الأمريكيتان قد أعلن اكتشافهما بعد.
هذا وقد نالت العوامل المؤثرة الداخلية كالعيون والزلازل، والبراكين نصيبًا هامًا في دراسات ابن سينا الجيولوجية، فالعيون إنما تتولد باندفاع المياه إلى وجه الأرض بالعنف، ولن تندفع بالعنف إلا بسبب محرك لها مصعد إلى فوق. ويستطرد ابن سينا قائلًا: إن الأسباب المصعدة للرطوبات إنما هي(1/43)
الحرارات المبخرة للرطوبات، الملجئة إياها إلى الصعود، والعيون أيضًا، فإن مبادئها من البخارات المتدفقة صعدًا عن تصعيد الحرارة المحتقنة في الأرض "من الشمس والكواكب"، والجواهر المعدنية، فإنها أيضًا إنما تتولد، كما نشرح بعد -كذا يقول ابن سينا- عن الأبخرة المحتقنة في الأرض ... والأرضون الصلبة جدًّا تحقن البخار حقنًا شديدًا، والجبال أقوى الأراضين على حقن الحرارة في ضمنها، وحبس البخار المتصعد منها، حتى يقوى اجتماعه، ويمد بقوته منفذًا يندفع منه إلى خارج وقد تكاثف واستحال مياهاً، وصار عيونًا.
وتحت عنوان فصل في منابع المياه، قسم ابن سينا المياه المنبعثة من الأرض إلى أنواع، منها مياه العيون السيالة، ومنها مياه العيون الراكدة، ومنها مياه الآبار، ومنها مياه القنى، ومنها مياه النز، وشرح طبيعة كل نوع وحدوثه.
وفي حديثه عن الزلازل، قال ابن سينا: "وأما الزلزلة فإنها حركة تعرض لجزء من أجزاء الأرض بسبب ما تحته، ولا مجال أن ذلك السبب يعرض له أن يتحرك ثم يحرك ما فوقه، والجسم الذي يمكن أن يتحرك تحت الأرض، ويحرك الأرض، إما جسم بخاري دخاني قوي الاندفاع، وإما جسم مائي سيال، وإما جسم هوائي، وإما جسم ناري، وإما جسم أرضي ... فأما الجسم الريحي ناريًا كان أو غير ناري، فإنه يجب أن يكون هو المنبعث تحت الأرض، الموجب لتمويج الأرض في أكثر الأمر". وأشار إلى الفواق ومقدمات البراكين التي قد تصاحب حدوث الزلزلة قائلًا: "فإذا كان سبب الزلزلة قويًا جدًا، خسف الأرض باندفاعه وخروجه، وربما خلص نارًا محرقة، وربما حدثت أصوات هائلة ودوي يدل على شدة الريح، فإن وجدت هذه الريح المصوتة منفذًا واسعًا بعد المنفذ الذي تصوت فيه، حدث عن اندفاعها صوت ولم تزلزل"، ثم وصف سير الزلزلة: "والزلازل تختلف(1/44)
في قوة أوائلها وأواخرها، فليس يمكن أن تجري على منهاج واحد". وتحدث عن أنواع الزلازل، فذكر النوع الرأسي وسماه الرجفي، والأفقي، ووصفه بأنه اختلاجي عرضي رعشي، وذكر نوعين آخرين هما القطقط والسلمي.
وفي الجزء الخاص بالمتيورولوجيا، تكلم الشيخ الرئيس عن السحب، البرد، البخار، قوس قزح، الرياح، النيازك، الرعد، البرق، الصواعق، الشهب والأذناب، وميز ابن سينا بوضوح بين مادة الهواء ومادة بخار الماء، كما أنه شرح تيارات الحمل التي تحدث في الهواء.
دون ابن سينا أبحاثه هذه في عبارات جامعة موجزة، وأسلوب علمي يعتمد على الملاحظة الدقيقة والتجربة كلما أمكن ذلك، وما من شك في أنه اعتمد أيضًا على مراجع عديدة، يونانية وغير يونانية، ويجدر أن ننوه أن جيولوجية ابن سينا ومتيورولوجيته "كتاب المعادن والآثار العلوية" تحتاج إلى دراسة أدق، ويمكن أن تكون وحدها مجالًا لبحث منفصل قد يمكننا من تحديد مدى إضافة ابن سينا في هذين الميدانين.
أما البيروني المتوفي سنة 440هـ، وواضح كتابه المشهور "الجماهر في الجواهر" في علم المعادن والأحجار الكريمة، وصاحب الطرق المبتكرة لاستنباط الوزن النوعي، فقد شرح عمل العيون الطبيعية والآبار الارتوازية بنماء على قاعدة الأواني المستطرقة، وشرح تجمع مياه الآبار بالرشح من الجوانب حيث يكون مأخذها من المياه القريبة منها، وعرف دورة الماء في الكون، ونادى البيروني باعتبار وادي الهندوس حوضًا بحريًا قديمًا امتلأ بالطمي، كما ناقش في كتابه "تحديد نهايات الأماكن في تصحيح مسافات المساكن"، الذي وضعه سنة 415هـ أو 1025م، تغير مواضع اليابس والبحر، وذكر فيه أيضًا الأسماك المتحجرة، هذا بالإضافة إلى أن البيروني ناقش دوران الأرض حول محورها، ولكن دون أن يصل إلى نتيجة محدودة في ذلك، وله قياسات في علم الساحة.(1/45)
وفي كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، الذي وضعه في النصف الأول في القرن السادس الهجري، تكلم الإدريسي عن كروية الأرض كحقيقة ثابتة. واستعان بخطوط الطول إلى تقسيمها "أي العالم المعروف وقتها" إلى سبعة أقاليم ثم قسم كل إقليم إلى عشرة أقسام متساوية من الغرب إلى الشرق، كما هي الحال في درجات الطول المعروفة حاليًا، وقد ظل هذا التقسيم أساسًا لتقسيم الجغرافيين في العالم كله خلال العصور الوسطي، وعرف الإدريسي منابع النيل وصورها على شكل بحيرات، وللإدريسي أيضًا كتاب "أنس المهج وروض الفرج" تكلم فيه عن جبال وأنهار بعض الدول الأوروبية، وتحدث في ذلك بإسهاب، والإدريسي هذا هو أبو عبد الله محمد الإدريسي، ولد في سبتة بالمغرب العربي سنة 493هـ، ثم رحل إلى قرطبة وقام برحلات سياحية ودراسية أفاد منها الكثير، توفي سنة 562هـ، وللإدريسي عدة تصانيف أخرى بخلاف ما ذكرناه، أطلق عليه العلماء في أوروبا اسم "استرابون العرب".
يقول أنور عبد العليم في كتابه أضواء على قاع البحر، 1961: ولقد استعمل الإدريسي كلمات عربية جميلة لبعض المصطلحات الاقيانوغرافية الدقيقة التي حار علماء البحار اليوم في إيجاد كلمة موحدة لها يمكن استعمالها في كل اللغات، وذلك قبل أن يعرف علماء الغرب مدلول هذه المصطلحات بزمن طويل، ومن ذلك تسمتيه لبعض مناطق قاع البحر القريبة من الشاطئ، والتي تترسب فوقها الرمال بفعل التيارات المائية، وتكون أكوامًا منفصلة يكون عمق الماء فوقها ضئيلًا لا يسمح بالملاحة! سماها بـ"الأقاصير"، ويسميها الإنجليز "Shoals" والفرنسيون "Haut Fonds"، ويطلق عليها الألمان اسم "Sandgrund"، غير أن تلك المعاني لم تبلغ بعد مبلغ الدقة التي نجدها في التعبير العربي.
وقد بلغت دقة العرب في هذه العلوم مبلغًا كبيرًا، حتى إنهم وضعوا(1/46)
المعاجم المختلفة في أسماء الأماكن والجبال والأنهار والآبار، ومن ذلك معجم الزمخشري المتوفى سنة 538هـ، ومعجم ياقوت الحموي الذي سماه "معجم البلدان"، وأتم وضعه بالموصل في سنة 621هـ، قال عنه سارتون: "إن كتاب معجم البلدان هو معجم لعلم الجغرافيا، وهو غني جدا للمعرفة، وليس له من نظير في سائر اللغات"، وقد مهد لكتابه هذا بخمسة أبواب تكلم فيها عن صورة الأرض، وبعض المصطلحات الجغرافية.
وضع الأمير أبو الفدا كتابًا دقيق التعبير سماه "تقويم البلدان"، والمؤلف هو الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل المعروف بأبي الفدا، ولد بدمشق سنة 672هـ. حكم حماة فترة من الزمن، وتوفي سنة 732هـ، وله عدة تصانيف في مختلف العلوم، بحث في مقدمة كتابه في الجغرافيا الرياضية كما تكلم عن البحار والأنهار والجبال الشهيرة، وأطال في وصف الأرض، وأوضح الحافز من تأليف كتابه فقال: "لما طالعت الكتب المؤلفة في البلاد، ونواحي الأرض من الجبال والبحار وغيرها، لم أجد فيها كتابًا موفيًا بغرضي"، وتحدث عن الزلازل العنيفة التي اجتاحت الشرق الأوسط سنة 702هـ أي 1303م.
ابن خلدون أحد علماء العرب القلائل الذين كتبوا، وألفوا في العلوم التاريخية والجغرافية على السواء، عاش في القرن الثامن الهجري، ونال اهتمامًا كبيرًا من العلماء الأوروبيين والأمريكان قلما يحظى بمثله عالم آخر، ولعل مما اشتهر به هو مقدمته المسماة بمقدمة ابن خلدون، وقد تحدث في القسم الأول منها عن البحار والأنهار، وذكر الأقاليم الجغرافية السبعة، وناقش علاقة اليابس بالماء وقال بأن مركز ثقل الأرض موجود بباطنها، كما تعرض لنظرية التطور والارتقاء على ما سنذكره في حينه، ولد في تونس سنة 732هـ، توفي بالقاهرة سنة 808هـ. تجول في مناطق مختلفة من العالم العربي، وعلى الخصوص المغرب العربي والأندلس، وبالإضافة إلى مؤلفاته في(1/47)
التاريخ والجغرافيا فله مؤلفات في الفلسفة والفقه والرياضة والأدب.
وهناك مجموة من المؤلفين الكبار الذين تركوا آثارًا هامة في دراسة الأرض، وما فيها من جبال وأنهار وبحار وجزر وأحجار ومسالك، وتكلموا كذلك من السحاب والمطر والثلج والنيازك من هؤلاء: الدمشقي المتوفى سنة 727هـ، والنويري المتوفى سنة 732هـ، والعمري المتوفى سنة 748هـ، وغيرهم كثير. وقد دون الدمشقي ملاحظات عن الزلازل، وربط بينها وبين تكوين الجبال والعيون.
ومن طرائفهم ما كتبه ابن خرداذبه في الجغرافيا تحت عنوان "المسالك والممالك" سنة 230هـ، وهذا المؤلف له أهمية خاصة في الطوبوغرافيا التاريخية، كذلك ما ذكره ابن جبير عن رحلته التي قام بها سنة 578هـ، ومروره بموضع يقال له القياره -موضع بالعراق- وفيه يرى القار أو البترول، ويصف كيفية وجوده واندفاعه على ما سنفصله في مكان آخر.
هذا وقد اهتم العرب بصفة خاصة بالبحر، وأنشأوا له علمًا مستقلًا قائمًا بذاته، كما سنرى في الفصل التالي.(1/48)
الفصل الرابع: علم البحار
...
الفصل الرابع: عالم البحار
تناول الكثير من مؤلفي العرب الحديث عن البحار بين إيجاز وتفصيل، وعرضوا لها من أوجه شتى، ومن بين هؤلاء الكندي وابن الطيب والمسعودي، وابن سينا والبيروني والإدريسي وغيرهم كثير، وأفرد المسعودي عددًا من صفحات كتابه "مروج الذهب" للحديث عن البحار بشيء من التفصيل، وقد تعرض المسعودي لدراسة جغرافية البحار المعروفة وقتها، وناقش ظاهرة المد والجزر. كما تحدث في مبادئ تكون البحار وانتقالها.
هذا من ناحية، ومن جهة أخرى فقد وجدت أيضًا كتب، ومؤلفات عديدة في علم الملاحة يعتمد عليها الملاحون، وربابنة السفن أثناء سيرهم في البحار والأنهار، من ذلك ما يشير إليه المسعودي في النصف الأول من القرن الرابع الهجري حيث يقول: "لكل من يركب هذه البحار من الناس رياح يعرفونها في أوقات تكون فيها مهابها، قد علم ذلك بالعادات وطول التجارب، يتوارثون علم ذلك قولًا وعملًا ودلائل بعلامات يعلمون بها موعد هيجانه، وأحوال توازنه".
ذكر أنور عبد العليم في كتابه أضواء على قاع البحر، 1961، أنه(1/51)
يرجع الفضل للعرب في تحسين آلتين هامتين من أدوات الملاحة، كان لهما الفضل الأكبر في كشوفات فاسكو دي جاما وكولمبس وماجلان فيما بعد: إحداهما هي آلة رصد النجوم المعروفة بالإسطرلاب، والأخرى هي البوصلة البحرية المعروفة عند العرب ببيت الإبرة، ويضيف المؤلف نفسه أنه سواء أكان العرب هم أول من اكتشف خواص الإبرة المغناطيسية، أو أخذوا فكرتها عن الصينيين، فإليهم يرجع الفضل في تقسيمها، واستخدامها في الملاحة على نطاق واسع، ثم يستطرد قائلًا: إنه لا يفوتنا أن نذكر تلك الجداول الفلكية التي وضعها أمثال إبراهيم الفزاري، وابن يونس المصري، والزرقاني والبيروني، سواء منهم من كان من الإقليم المصري، أو من العراق أو من الأندلس ... تلك الجداول التي لا مناص من الإستعانة بها في السير في البر أو في البحر.
واشتهر من بين الملاحين العرب نفر ليس بالقليل نال بعضهم اهتمام، وإعجاب كتاب الغرب حتى قاموا بنشر مؤلفاتهم وترجمتها، معترفين بفضلهم في تطوير علوم البحار عامة وعلم الملاحة على وجه الخصوص، وبابتكارهم لعدد من آلات البحر الضرورية للملاحة في ذلك الوقت، ونختار من بين هؤلاء: سليمان التاجر، وابن ماجد وسليمان المهري.
يعتبر سليمان التاجر من رواد البحر العرب الأوائل الذين كانوا على دراية بالبحر، عاش في القرن الثالث الهجري، ويقال: إنه ذو أصل عراقي، وقد رحل طلبًا للتجارة واجتاز بحار الهند مارًا بسيلان، وملقا "الملايو" وزار بلاد الصين. كما جابت سفنه البحر الأبيض والأحمر والخليج العربي، وأرخبيل الملايو، دون أخبار رحلاته وملاحظاته على البحر في رسالة خطية سنة 237هـ "851م". وهذه الرسالة موجودة بالمكتبة الأهلية بباريس تحت اسم "رحلة التاجر سليمان"، وقد أضاف إليها كاتب عربي آخر يدعى أبا زيد حسن السيرافي بعض المعلومات عن الهند والصين، وعلاقة العرب بهذين(1/52)
البلدين خلال القرنين التاسع والعاشر الميلادي، وفي الرسالة المذكورة -كما يقول أنور عبد العليم في كتابه المشار إليه- أوصاف ممتعة عن الظواهر الجوية غير العادية كالزوابع، والأنواء الحلزونية المعروفة "بالتيفون" التي تدفع الرياح أمامها بشدة وعنف.. وفيها أيضًا وصف لبعض حيوانات البحر النافعة كالحوت، ومحار اللؤلؤ وطرق صيدها.
على أن أمهر الملاحين العرب قاطبة الذين ألفوا في علوم البحار هو ابن ماجد. ترك هذا الربان العربي الفذ مجموعة قيمة من الكتب والرسالات تتناول علوم البحر والملاحة وفنونهما، ومؤلفاته محفوظة بالمكتبة الأهلية بباريس تحت رقم 2292، 2559، والمخطوط الأخير يتضمن أيضًا عددًا من الأبحاث لرائد بحري آخر هو سليمان المهري، وقد قام الوزير الفرنسي جبريل فران بإعادة نشر هذين المخطوطين بباريس، وذلك بالتصوير الفوتوغرافي، مع ترجمة وتعليق عليهما، وأخرج ذلك كله في صورة ثلاثة مجلدات خلال العقد الثالث من القرن الحالي، فالمجلد الأول -وهو يقابل المخطوط2292- يحتوي على تسعة عشر بحثًا بحريًا، كتبها المعلم شهاب الدين أحمد بن ماجد، وتشمل هذه الأباحاث "كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد"، و"حاوية الاختصار في أصول علم البحار"، والبحث الأول كتبه بالنثر والثاني قصيدة من النوع المسمى بالرجز، ثم ست عشرة أرجوزة بحرية يليها بحث بالنثر من ثمانية فصول. ويتكون كتاب "الفوائد" من اثنتي عشرة فائدة، وتتضمن "الحاوية" أحد عشر فصلًا.
وعن القيمة العلمية لمؤلفات ابن ماجد، يقول جبريل فران في مقدمته للمجلد الأول ما ترجمته:
ومؤلف ابن ماجد من الطراز الأول، ويستحق أن يوضع تحت الأضواء، وهذا المؤلف من المسلم به أنه أهم مرجع جغرافي في أوليات العصور الوسطى، فقد وجدوا فيه عرضًا مفصلًا(1/53)
للعلاقات البحرية ما بين المحيطات في بحار الجنوب، بين الساحل الشرقي لأفريقيا، وميناء زيتون الشهير أو تايوان -تشيوفي فوكن "بالصين" في القرن الخامس عشر، ويحتوي الكتاب أيضًا البحر الأحمر، الخليج العربي، جميع جزر المحيط الهندي، وبحر الصين الغربي وأرخبيل آسيا العظيم، إن أبحاث ابن ماجد وسليمان المهري لخصت بشكل ما معلومات كل ملاحي بحار الهند: سواء كانوا ملاحين عربًا، أو أفريقيين، أو هنودًا غربيين وشرقيين -كما تشهد بذلك النصوص الصريحة- بل إنها قومتها وكملتها، وهكذا فإن هذه التعاليم البحرية العربية حملت إضافة غير محدودة، وقيمة إلى تاريخ الملاحة والتجارة في بحار الجنوب، سابقة لوصول فاسكو دي جاما، إن هذه النصوص البحرية، حسب علمي، فريدة في كل الأدب العربي، فهي غنية بالمصطلحات الفنية ...
وانتهى ابن ماجد من كتاب "الفوائد" في سنة 895هـ، ومن بين مواضيع هذا الكتاب: الحديث عن منازل القمر وبروجه -الباشيات والقياسات- الجزر الكبار المشهورات المعمورات، ومنها جزيرة العرب ومدغشقر وسمطرة وجاوة وسيلان، وزنجبار والبحرين، وكانت الفائدة الثانية عشرة والأخيرة من هذا الكتاب في صفة بحر قلزم العرب وجزره وشعبانه، ومن ضمن ما جاء فيها: " ... وإنا رأينا أماكن كانت مغمورة بالماء والآن ظهرت، ورأينا أماكن كثيرة كانت ظاهرة، فغمرها الماء مثل خميس ومثل رأس الخلب، ومثل رشة ... ". أما أرجوزة الحاوية فتشتمل على أحد عشر فصلًا من بينها: فصل في قواعد الباشيات والسنين -والفصل الحادي عشر في تقويم يعرف بها الساعات ودخولها ... وآخر بيت في القصيدة:
قد كملت الأرجوزة من فكري ... أولها حمدي, وآخرها شكري(1/54)
ومن بين الأراجيز الست عشرة التي ضمها المجلد الأول لابن ماجد: الأرجوزة المسماة بالمعربة التي عربت الخليج البربري، وصححت قياسه -قبلة الإسلام في جميع الدنيا، وهي أرجوزة لمعرفة القبلة- الأرجوزة المسماة كنز المعالمة وذخيرتهم في علم المجهولات في البحر والنجوم والبروج، وأسمائها وأقطابها -أرجوزة في عدة أشهر الرومية- الأرجوزة المنسوبة لعلي بن أبي طالب في معرفة المنازل، وحقيقتها في السماء وأشكالها، وعددها على التمام والكمال -البليغة في قياس السهيل والرمح، وهكذا. وختم هذا المجلد بثمانية فصول من النثر أولها فصل في معرفة قياس المارزة.
وابن ماجد أو "أسد البحر" هو شهاب الدين أحمد بن ماجد النجدي، المعروف -اختصارًا- باسم ابن ماجد، والنجدي نسبة إلى مسقط رأسه نجد بالحجاز. توفي في مستهل القرن العاشر الهجري أي نهاية القرن الخامس عشر الميلادي. قاد أسطول فاسكو دي جاما البرتغالي من ماليندي بساحل إفريقيا الشرقي إلى كلكتا على الساحل الغربي للهند، وفي هذا الصدد يقول جبريل فران:
ومن جهة أخرى، فإن المقابلة بين نص من كتاب البرق اليماني في الفتح العثماني لمؤلفه قطب الدين النهراوالي "1511-1582"، مع العلاقات البرتغالية لكاستنهيدا وجوادي بانوس تسمح بإثبات شخصية ابن ماجد في نصوصنا بأنه المرشد العربي الذي قاد أسطول فاسكو دي جاما البرتغالي من ماليندي إلى كلكتا في سنة 1498، وهكذا فإن المعلم العربي وجد نفسه مخلصًا يشارك في إحدى الحوادث الجليلة من تاريخ القرون الأخيرة، وكان اسم ابن ماجد معروفًا كذلك بين بحارة الساحل الهندي خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر. وبعد وقت قصير، في عام 1854، وبشهادة بيرتون "رحالة(1/55)
إنجليزي"، فإن اسمه رفع إلى مراتب الأولياء المسلمين باسم الشيخ ماجد، وينسب إليه اختراع البوصلة، وإنه لا شك نتيجة لخدماته المقدمة للبحارة المسلمين عن طريق تعليماته البحرية، فإن هؤلاء البحارة عترافًا له بجميله قد رفعوه إلى مصاف الأولياء.
ويبدو لنا ابن ماجد من أوائل العرب الذين اهتموا بدراسة البحار كفن، أو علم قائم بذاته، فنراه يضيف إلى أسماء رسائله كلمة "علم البحار"، وورث ابن ماجد جزءًا كبيرًا من معلوماته البحرية عن والده، وجده اللذين كانا يعملان أيضًا في الملاحة، وترك له جده رسالة عن أصول الملاحة في البحر الأحمر. لذلك فهو يعطي الملاحة عبر البحار، وتحديد وجهة المسافر عناية خاصة. وكانوا يستعينون بمواقع النجوم في السماء لتحديد حركتهم الملاحية، تصديقًا لقوله تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون} ، ومن الدوافع القوية التي كانت تحثهم على تحديد مواقعهم في البحر والبر على السواء هو اهتمامهم بتحديد اتجاه القبلة، ولا يخفى علينا ما لهذا الدافع من أثر قوي في تنشيط عدد من علوم ذلك الوقت منها علوم البحار، وبصفة عامة فقد تضمنت كتب ابن ماجد دراسات نافعة عن تاريخ الملاحة، وحركة القمر ومهب الريح، وتحديد وجهة المسافر، كذلك تكلم عن الشمس ومطالع النجوم، ومواسم الرياح وظاهرة المد والجزر، وحدد المسافات بين كثير من مدن العالم القديم.
أما سليمان بن أحمد المهري المحمدي، وقيل: سليمان بن أحمد بن سليمان المهري، فله خمس رسائل بحرية، يرجع تاريخ بعضها إلى أوائل القرن العاشر الهجري "917هـ-1511م"، وهذه الرسائل هي: رسالة قلادة الشموس واستخراج قواعد الأسوس -رسالة تحفة الفحول في تمهيد الأصول- العمدة المهرية في ضبط العلم البحرية، كتاب المنهاج الفاخر في(1/56)
علم البحر الزاخر- وقد نال المهري من المؤلفين الغربيين اهتمامًا كبيرًا مثل ما نال ابن ماجد، وأطلق عليه أيضًا لقب معلم، وقد نشرت أبحاثه البحرية بباريس في المجلد الثاني، المقابل للنسخة الخطبة 2559 السابق الإشارة إليها، ولمعرفة قيمة أبحاثه العلمية، فلنرجع إلى النص الذي أوردناه بخصوص القيمة العلمية لأبحاث ابن ماجد وقد اعتمد المهري -كما فعل ابن ماجد- في أبحاثه البحرية على ما تقدم من بحوث غيره من البحارة.(1/57)
الفصل الخامس: علم الحفريات ونظرية التطور
اهتم العرب بعلوم الحياة كما اهتموا بدراسة المعادن والأحجار، فالمواد في نظرهم ثلاث: معادن - نبات - حيوان، وقد رأينا في الصفحات السابقة كيف أنهم قاموا بدراسة المعادن والأحجار والأرض بصفة عامة، وذلك في فن أو علم قائم بذاته، كذلك فقد جعلوا كلا من النبات والحيوان موضع دراسة قائمة بذاتها، وبالطبع فإن معرفة تراث العرب في هذين الميدانين، أعني علم النبات وعلم الحيوان، يحتاج إلى بحث منفصل، وهناك عدد من علماء العرب كتبوا في النبات والحيوان، سواء كمؤلفات منفصلة، أو كفصول احتوتها دوائر معارفهم. ومن هؤلاء على سبيل المثال: الجاحظ، القزويني، الوطواط، النويري، الدميري، وغيرهم كثير.
وكتاب الحيوان للجاحظ، توفي سنة 255هـ، يحتوي مادة علمية وأدبية، جمع فيه كثيرًا من وصف الحيوان وطبائعه، واعتمد على الملاحظة والتجربة، وإن كان لم يسلم من الأخطاء، أما كتاب "عجائب المخلوقات" للقزويني، توفي سنة 682هـ، فيشمل -ضمن محتوياته العديدة- دراسة للحيوان والنبات ونظرية التطور، ودراساته في هذه المواضيع دراسات عالم(1/61)
أكثر منها دراسات أديب، وجمع فيها كثيرًا من المعلومات، خاصة الطبية. وجعل القزويني أبدان الحيوانات المائية إما صدفية صلبة أو فلوسية أو ما شاكلهما في الغطاء، وفي موسوعة "مباهج الفكر ومناهج العبر" للوطواط، توفي سنة 718هـ، خصص المؤلف الجزء الثالث لدراسة الحيوان والرابع للنبات. بينما خصص النويري، توفي سنة 732هـ، في دائرة معارفه "نهاية الأرب" كلا من الفن الثالث في الحيوان الصامت، والفن الرابع في النبات وجعل كل فن سفرًا، وهناك مؤلف ضخم في علم الحيوان، وأعني به "حياة الحيوان الكبرى" للدميري، توفي سنة 808هـ، والكتاب مزيج طريف من العلم والأدب والتاريخ والفقه والحديث، والقصص وكثرة ما به من استدلالات تدل على سعة بحوث صاحبه واطلاعه، وقد غلب على هذا الكتاب -وعلى غيره من كتب الحيوان في ذلك الوقت- الاهتمام بالفقاريات دون اللافقاريات، كذلك فقد تكلم الدميري عن الإنسان كنوع من الحيوان، ومن بين الحيوانات البحرية، إهتم العرب بصفة خاصة بالصدفيات ذوات المصراعين، حيث يحصلون منها على اللؤلؤ، كذلك اهتموا بـ"أشجار" المرجان البحرية حيث يستعملونها في أحجار الزينة، وفي كتب الأحجار، نجدهم خصصوا العديد من الصفحات لدراسة هذين النوعين من الحيوانات البحرية، وشرحوا كيفية استخلاص اللؤلؤ أو المرجان منهما، كما تعرضوا في حالة ذوات المصراعين لدراسة الحيوان من الداخل.
هذا عن الأحياء الحية، إما عن الأحياء البائدة فقد كانت إضافات العرب فيها أقل شأنًا، وها هو ابن سينا في أوائل القرن الخامس الهجري يتحدث في كتابه "الشفاء"، عن كيفية تكوين الحفريات "Fossilization" فيقول:
وإن كان ما يحكى من تحجر حيوانات ونبات صحيحًا، فالسبب فيه شدة قوة معدنية محجرة تحدث في بعض البقاع البحرية،(1/62)
أو تنفصل دفعة من الأرض في الزلازل والخسوف، فتحجر ما تلقاه، فإنه ليس استحالة الأجسام النباتية والحيوانية إلى الحجرية أبعد من استحالة المياه، ولا من الممتنع في المركبات أن تغلب عليها قوة عنصر واحد يستحيل إليه1؛ لأن كل واحد من العناصر التي فيها، مما ليس من جنس ذلك العنصر، ولهذا يستحيل الأجسام الواقعة من الملاحات إلى الملح، والأجسام الواقعة في الحريق إلى النار.
ويدرك ابن سينا القيمة العلمية الخطيرة للحفريات الصدفية من أنها تعطي الدليل على أن المكان الذي توجد فيه كان مغمورا تحت الماء، فنراه يقول:
... فيشبه أن تكون هذه المعمورة قد كانت في سالف الأيام غير معمورة، بل مغمورة في البحار، فتحجرت عامًا بعد الانكشاف قليلًا قليلًا في مدد لا تفي التأريخات بحفظ أطرافها، وإما تحت المياه لشدة الحرارة المحتقنة تحت البحر. والأولى أن يكون بعد الانكشاف، وأن تكون طينتها تعينها على التحجر، إذ تكون طينتها لزجة، ولهذا ما يوجد في كثير من الأحجار، إذا كسرت أجزاء من الحويانات المائية كالأصداف، وغيرها.
أشار البيروني في أوائل القرن الخامس الهجري إلى الأسماك المتحجرة في كتابه "تحديد نهايات الأماكن في تصحيح مسافات المساكن"، وفي
__________
1 لنضع في أذهاننا أن المقصود بالعنصر أنه أحد العناصر الأربعة: النار - الهواء - الماء - اليابس.(1/63)
الأندلس ونحو النصف الثاني من القرن السادس الهجري، أشار المازيني إلى العاج المتحجر الذي شاهده بنفسه في منطقة الفولجا، كما تكلم الغافقي عن الكهرمان الأصفر، وملح النوشادر.
نناقش في الفقرات التالية بإيجاز نظرية التطور، والارتقاء عند العرب، كما نتعرض إلى نظرتهم في نشأة الحياة ذاتها، يرى سارتون أن فكرة "سلم للحياة" مع جراثيم فكرة التطور كانت معروفة لدى المسلمين في العصور الوسطى، الذين كان يحلو لهم، ولعلمائهم أن يمثلوا تطور الحياة من المعدن إلى النبات، ومن النبات إلى الحيوان ومنه إلى الإنسان، كما نادوا بالعلاقات الوثيقة الموجودة بين مختلف الكائنات.
ويرى سارتون أن خير من عبر عن الاتجاه المذكور هو المسعودي، المتوفى سنة 346هـ، فقد تكلم المسعودي في كتاب "التنبيه والإشراف" عن نظرية التطور من المعدن للنبات، ومن النبات للحيوان، ومن الحيوان للإنسان.
ونادى ابن سينا، توفي سنة 428هـ، في كتابه "الشفاء" بفكرة نظرية الكوارث "Theory of catastrohism"، ثم إعادة الحياة بالتولد دون التوالد. وفكرة الكوارث هذه هي التي كانت سائدة في أوروبا إلى ما قبيل نظرية التطور، يقول الشيخ الرئيس:
... فالبحار متنقلة وليس يجب أن يكون انتقالها محدودًا، بل يجوز فيه وجوه كثيرة، بعضها يؤذن بانقطاع العمارة، فيشبه أن تكون في العالم قيامات تتوالى في سنين لا تضبط تواريخها، وليس بمستنكر أن تفسد الحيوانات والنباتات أو أجناس منها، ثم تحدث بالتوالد دون التوالد ... وليس إذا انقطع هذا التولد، فلم يشاهد في سنين كثيرة، يوجب أن لا يكون له(1/64)
وجود في الندرة، عند تشكل نادر يقع من الفلك لا يتكرر إلى حين، واستعداد من العناصر لا يتفق إلا في كل طرف زمان طويل.
ويستطرد ابن سينا بعد ذلك في شرح كيفية اجتماع العناصر على مقادير معلومة، ومزاج خاص لتؤدي إلى ظهور نوع معين من الحياة دون بذر أو مني، إلى أن يقول:
... والرحم مثلًا ليس يفعل شيئًا إلا ضبطًأ وجمعًا وتأدية، وأما الأصل فهو الامتزاج، والامتزاج عن الاجتماع وهذا الاجتماع كما يمكن أن يقع عن قوى جامعة في الرحم وغيره، فلا يبعد أن يقع لأسباب أخرى وبالاتفاق ... نعم إن كانت مثلًا رحم، كان ذلك أسلس وأوفق، وإن لم يكن، فليس مستحيلًا في العقل أن يقع ذلك من حركات وأسباب أخرى.
ذكر القزويني "605-682هـ" في كتابه "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" موضوع التطور، يقول أبو عبد الله: فأول مراتب هذه الكائنات تراب وآخرها نفس ملكية طاهرة، فالمعادن متصلة أولها بالتراب أو الماء، وآخرها بالنبات، والنبات متصل أوله بالمعادن وآخره بالحيوان، والحيوان متصل أوله بالنبات وآخره بالإنسان، والنفوس الإنسانية متصلة أولها بالحيوان، وآخرها بالنفوس الملكية، وعندما انتقل أبو عبد الله إلى الكلام عن الحيوان قال: إنه في المرتبة الثالثة بعد المعادن الباقية على الجمادية والنبات المتوسط بين المعادن والحيوان بحصول النشر والنمو، وفوات الحس والحركة، أما المرتبة الثالثة فهي للحيوان الذي جمع بين النشر والنمو والحس والحركة، وهناك آخرون من العلماء العرب كتبوا أيضًا في مثل هذه الأفكار التطورية، نذكر منهم على سبيل المثال: إخوان الصفا، وابن مسكويه، وابن طفيل، وابن خلدون.(1/65)
وتحدث ابن خلدون، توفي سنة 808هـ، في مقدمته المعروفة باسم "مقدمة ابن خلدون" عن التطور والارتقاء، فنراه يقول: " ... واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه، وانتهى في تدريج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والروية، ترتفع إليه من عالم القردة، "وقيل القدرة" الذي اجتمع فيه الحس والإدراك، ولم ينته إلى الروية والفكر بالعقل، وكان ذلك أول أفق من الإنسان بعده"، وهنا سؤال هام، هل الكلمة التي ذكرها ابن خلدون في كلامه هي القردة أم القدرة؟ يقول كتاب التحرير في تعليقه على هذه الواقعة: "فيما بين أيدينا من نسخ الأصول كافة: ترتفع إليه من عالم القدرة، ولا ريب في أنه تصحيف يغير المعنى، وقد قام الأستاذ الكبير الدكتور علي عبد الواحد وافي بتصحيح ذلك التصحيف إلى: ترتفع إليه من عالم القردة، وهو الصواب كما أثبتناه، وذلك في طبعته المنقحة لمقدمة ابن خلدون التي مهد لها، وقام بتحقيقها، وضبط كلماتها وشرحها، وعلق عليها، ونشر الفصول والفقرات الناقصة من طبعاتها"، ونضيف أنه إذا استبدلنا كلمة القردة بكلمة القدرة، فلن يستقيم المعنى بسهولة على أي من الاحتمالات الممكنة لوضع جملة "ولم ينته إلى الروية والفكر بالعقل"، وعلى العموم فأيًا كان وضع الكلمة، فيكفي ما أوجزه من فكرة التطور في الجملة التي قبلها مباشرة.
هذا وقد تحدث ابن خلدون عن نشأة الحياة ذاتها، وله في ذلك آراء لا تختلف في مضمونها كثيرًا عن آراء العلماء في وقتنا الحاضر، فهم يتفقون معه في أن الحياة ابتدأت في نشأتها من وسط غير عضوي متطورة، ومتدرجة بعد ذلك إلى الخلايا الحية، يقول ابن خلدون ما نصه: "ثم انظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات، ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدريج"، ثم يشرح ابن خلدون بعد ذلك كيفية حدوث التدرج، وهو في هذا أسير للمعلومات السائدة في عصره، إلى أن يقول: "ومعنى الاتصال في(1/66)
هذه المكونات أن آخر كل أفق منها مستعد بالاستعداد القريب؛ لأن يصير أول أفق الذي بعده".
وقد اهتدى ابن خلدون لهذه الأفكار أساسًا نتيجة تأملات فلسفية عميقة، وإن كانت قد اعتمدت في بدايتها على الملاحظة، تلك الأفكار التي لم يهتد إليها الغرب حديثًا، إلا بعد مشاهدات، ودراسات علمية دقيقة مبنية على الكائنات الحية قديمها وحديثها، بائدها وحاضرها، إلى أن توجت هذه الدراسات أخيرًا بنظرية دارون في النشوء والارتقاء، وضعها في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ونحن نرى الآن أن مضمون فكرة نظرية النشوء والارتقاء كان معروفًا للعرب منذ عدة قرون خلت.
فلا عجب إذا رأينا نفرًا من علماء الغرب بنصف ابن خلدون، يقول دي فو في كتابه مفكرو الإسلام: "إن نزعة الاهتمام بالبحث في كل شيء في تاريخ النشوء والتطور، وأسباب الحدوث والتقدم، تضع ابن خلدون "كاتب القرن الرابع عشر الميلادي" في مصاف أرقى العقليات في أوروبا الحالية"، ويقول توينبي: "ابن خلدون في المقدمة التي كتبها لتاريخه العام قد أدرك، وتصور وأنشأ فلسفة التاريخ، وهي بلا شك أعظم عمل من نوعه خلقه أي عقل في أي زمان ومكان".
وابن خلدون، هو عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين بن خلدون، ويحرص ابن خلدون نفسه على إضافة صفة الحضرمي لإسمه وذلك؛ لأن أسرته ترجع إلى أصل يماني حضرمي، ثم انتقل جده خلدون إلى الأندلس، ومنها هاجر بنوه إلى المغرب العربي، واستقر معظمهم في تونس، ولد في تونس سنة 732هـ/ 1332م، تنقل بين بلاد المغرب العربي والأندلس، ثم حضر إلى مصر سنة 784هـ، وعين في منصب قاضي قضاة المالكية إلى أن توفي بها سنة 808هـ/ 1406م، ولابن خلدون عدة مؤلفات أهمها "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي(1/67)
السلطان الأكبر"، ومقدمة هذا الكتاب التي اشتهرت باسم "مقدمة ابن خلدون"، وانتهى من كتابتها سنة 779هـ، والمقدمة والكتاب عبارة عن موسوعة اجتماعية تاريخية ضخمة، والمقدمة والكتاب تحتوي عددًا من الموضوعات الجغرافية أيضًا، وبجانب الطبعات العربية، فقد طبعت المقدمة في باريس سنة 1858م، وأشرف عليها المستشرق كاترمير.(1/68)
الفصل السادس: المساحة والخرائط
كان تحديد اتجاه القبلة والأماكن المقدسة في العالم العربي من العوامل المشجعة التي ساعدت على نمو علم الأرصاد والمساحة، وقد عني العرب بتحديد خط نصف النهار وهو اتجاه الشمال -الجنوب، وبذلك عرفوا تحديد الجهات الأصلية، وقاموا بقياس المسافات بين المدن وأطوال البحار والبلاد والطرق وغيرها مستعملين في ذلك وحدات مختلفة لقياس الأطوال كالذراع السوداء والميل1، واهتموا بتحديد الزمن، وابتكروا لقياسه آلات متنوعة -كالأسطرلاب- بلغ بعضها درجة ملحوظة من الدقة، وبنوا المراصد المختلفة لرصد الشمس والقمر والنجوم والكواكب، وقد برع في أعمال الرصد والمساحة نفر ليس بالقليل من علماء العرب تركوا تراثًا مكتوبًا زاخرًا، كما ربطوا أطراف العالم الإسلامي، بل العالم المعروف وقتها، بعدد وافر من الخرائط.
وعن طريق خط نصف النهار، تمكن العرب من قياس محيط الكرة
__________
1 الذراع السوداء = 49.3سم، الميل العربي = 4000 ذراع سوداء =1972 مترًا.(1/71)
الأرضية أيام المأمون "170-218هـ"، ويعقب المستشرق الإيطالي نللينو على موضوع قياس العرب درجة من خط نصف النهار، فيقول: "والصحيح إنما هو ما يستخرج من زيح1 ابن يونس وكتب غيره، إن جماعة من الفلكيين قاسوا قوسًا من خط نصف النهار في صحراوين، أي البرية عن الفلكيين قاسوا قوسًا من خط نصف النهار في صحراوين، أي البرية عن شمالي تدمر وبرية سنجار، ثم إن حاصلي العملين اختلفا فيما بين 56.25 من الأميال و57 ميلًا، فاتخذ متوسطها 56.65 من الأميال تقريبًا"، وهذا يعني أن طول الدرجة التي تم قياسها هو ما يعادل 111.815 مترًا، فيكون طول المحيط 41,248 من الكيلومترات، بالمقارنة إلى 40.000 كيلو متر للمحيط القطبي في وقتنا الحاضر أي بخطأ مقداره حوالي 3% "دال على ما كان للعرب من الباع الطويل في الأرصاد وأعمال المساحة"، وتنبه العرب إلى أنه مع اختلاف ارتفاعي نصف النهار بدرجة، يجب أن يكون القائسون جميعًا في سطح دائرة واحدة من دوائر نصف النهار، وأضافوا أنه يمكن حفظ السمت عوضًا عن الحبال بأشخاص ثلاثة، تسير بعضها بعضًا على سمت خط نصف النهار المستخرج.
ويستطرد نللينو قائلًا: " ... أما قياس العرب فهو أول قياس حقيقي أجري كله مباشرة، مع كل ما اقتضته تلك المساحة من المدة الطويلة والصعوبة والمشقة، واشتراك جماعة من الفلكيين والمساحين في العمل، فلا بد لنا من عداد ذلك القياس من أعمال العرب العلمية المجيدة المأثورة".
ناقش البيروني في كتابه "القانون المسعودي"، وضعه سنة 421هـ، إيجاد الزاوية بين مسار الأرض حول الشمس ومستوى خط الاستواء، أي زاوية ميل محور الأرض على مدارها حول الشمس، وأفراد البيروني بابًا خاصًا في القانون المسعودي لتعيين خط نصف النهار المذكور، أي اتجاه الشمال والجنوب، ذكر فيه سبع طرق مختلفة لتحقيق هذه الغاية، منها
__________
1 الزيح أي الجدول.(1/72)
مراقبة ظل عصا حتى يكون أقصر ما يمكن، فيكون اتجاهه هو اتجاه الشمال والجنوب، ثم تناول البيروني في كتابه "تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن"، موضوع تحديد مواقع البلدان بشيء من التفصيل، وشرح فيه جميع الطرق الحسابية، والرصدية الممكن استعمالها في هذا الشأن، وناقش البيروني موضوع تحديد اتجاه بلد بالنسبة لبلد آخر، ذاكرًا مواقع ما يزيد على ستمائة بلد ومكان.
وللبيروني كذلك نظرية وضعها لمعرفة مقدار محيط الكرة الأرضية، ورد ذكرها في آخر كتاب "الأسطرلاب"، وقد أشاد البيروني في نهاية نظريته بقيمة التجربة والاختبار في امتحان مثل هذه الأفكار والنظريات، وأورد نللينو في كتابه المعادلة الرياضية التي استعملها البيروني لمعرفة مقدار محيط الكرة الأرضية. وكانت النتيجة مقاربة للنتائج التي توصل إليها العلماء من قبله في عهد المأمون.
قام العرب بتحضير عدد كبير من الخرائط التوضيحية، يغلب عليها الطابع الجغرافي، واستعملوها في كثير من كتبهم لتصوير جغرافية البلاد التي تحدثوا عنها ومواقعها من العالم، كما أوضحوا عليها طرق المسافرين التي تربط البلاد بعضها ببعض، وبلغ اهتمام بعضهم بالخريطة الجغرافية اهتمامًا كبيرًا حتى اعتبرها أساس الدراسة الجغرافية، وقد أصدر ميللر كتابًا باسم "الخرائط العربية" Mappal Arabical، ضم مجموعة خرائط البلخي التي سماها ميللر أطلس الإسلام.
طلب المأمون "170-218هـ"، عمل خرائط للأرض، اشترك فيها الخوارزمي المتوفى سنة 236هـ، كما رسم الخوارزمي مصورًا لوادي النيل، ويعتبر الخوارزمي أول من أسس علم الجغرافيا العربي، وأول كتاب جغرافي تضمن دليلًا للطرق مع ذكر لأشهر البلاد التي تقع عليها هو كتاب "المسالك والممالك" لابن خرداذبه الذي توفي سنة 300هـ، وهذا الكتاب(1/73)
هام أيضًا في الطوبوغرافيا التاريخية، أما أبو زيد أحمد بن سهل البلخي -تتلمذ على الكندي، وتوفي سنة 322هـ- فله كتاب ألحق به مجموعة من الخرائط، وهي ما تسمى بأطلس الإسلام، وهي مجموعة من الخرائط والرسوم التوضيحية مع الشرح والبيان، وبذلك يكون البلخي قد فتح ميدانًا جديدًا في رسم الخرائط وشرحها، يرى بعض الباحثين أن الإصطخري -توفي في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري- قد اعتمد على خرائط البلخي في وضع خرائطه. وللإصطخري كتاب "المسالك والممالك" زينه بالخرائط الملونة، وأحيانًا يسمى كتابه هذا "المسالك والممالك -صور الأقاليم"، وينتقد الإصطخري خريطته العامة من أنها لم تتسع لما يستحقه كل أقليم من مقدار الطول والعرض والاستدارة والتربيع والتثليث، ورسم ابن حوقل عدة خرائط في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، إلا أن خرائطه أدق من خرائط الإصطخري.
والمقدسي من أعلام مدرسة البلخي لرسم الخرائط، والمقدسي، نسبة إلى بيت المقدس لمولده هناك، عاش في القرن الرابع الهجري، وقيل أن يبدأ في عمل رسومه، درس عددًا من الرسوم الأخرى منها رسوم الإصطخري، يقول المقدسي عن خرائطه: "ورسمنا حدودها وخططها وحررنا طرقها المعروفة بالحمرة، وجعلنا رمالها الذهبية بالصفرة، وبحارها المالحة بالخضرة، وأنهارها المعروفة بالزرقة، وجبالها المشهورة بالغبرة، لنقرب الوصف إلى الأفهام"، وقد أكد المقدسي ما بذله فيها من جهد ليمثل عليها بصورة صحيحة أقاليم الدلة.
أما الإدريسي "493-562هـ"، فقد قسم الكرة الأرضية -كما سبق أن ذكرنا في الجيولوجيا الطبيعية -إلى سبعة أقاليم متساوية، ثم جعل كل إقليم مقسمًا عشرة أقسام متساوية من الغرب إلى الشرق، ورسم كل قسم من هذه الأقسام السبعين خريطة خاصة عدا الخريطة العالمية الجامعة، وقد(1/74)
اعتمد ميللر على هذه الخرائط السبعين في استخراج خريطة الإدريسي، ونشرها بالحروف اللاتينية، وقد طبعت طبعة ملونة في سنة 1931م، وأخرج المجمع العلمي العراقي في سنة 1951 خريطة الإدريس بطول مترين وعرض متر. ويبدو أن هذه الخرائط قد عملت بمقياس الرسم المناسب، فقد ذكر الإدريسي في مقدمة كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" عن الكرة الفضية الضخمة التي أمر الملك رجار بعمل خريطة العالم عليها: "ثم أمر الفعلة أن ينقشوا عليها صورة الأقاليم السبعة ببلادها، وأطوالها وأقطارها وسبلها وريفها، وخلجانها وبحارها ومجاريها ونوابع أنهارها وغارمها وعامرها، وما بين كل بلدة وغيره من الطرقات المطروقة، والأميال المحدودة والمسافات والمراسي المعروفة، ولا يغادروا فيها شيئًا"، وظلت خريطة الإدريسي الدستور المتبع في رسم الخرائط ردحًا من الزمن، فحاكاها ونقل عنها رساموا الخرائط.(1/75)
الفصل السابع: التعدين واستغلال الخامات
...
الفصل السابع: التعديم واستغلال الخامات
كما اهتم العرب بدراسة المعادن والأحجار الكريمة والفلزات، فقد اهتموا أيضًا بمعرفة أماكن وجودها بالطبيعة، وكيفية استخراجها واستغلالها، وكثيرًا ما تعرض المؤلفون العرب للحديث عن بعض المحاجر والمناجم لاستغلال الزمرد، أو الذهب أو غيرها، وعرفوا بعض أماكن وجود القار، أو البترول وعملوا خطة لاستغلاله، وقد ذكر عبد الرحمن زكي في كتابه "الحلى في التاريخ والفن" 1965 أن من أهم العوامل التي ساعدت على علو منزلة فن صياغة الحلى والأحجار الكريمة في زمن العباسيين وجود مناجم الذهب والفضة في خراسان، وكان يمد هذا الأقليم الحكومة المركزية بالرخام والزئبق، ويضيف المؤلف أن أنواع الياقوت واللازورد والآزوريت كانت ترد من أقليم ما وراء النهر، وكان يحصل على الرصاص، والفضة من كرمان "إيران"، أما اللؤلؤ فمن جزر البحرين والفيروز من نيسابور، والعقيق الأحمر من صنعاء الحديد من جبل لبنان، وذلك علاوة على ما كان يرد إليها من الهند، وسيلان والشرق الأقصى.
ولا تخلو أسفار العرب من إشارات إلى تعدين الذهب، والزمرد وغيرها(1/79)
من المعادن الثمينة، والأحجار الكريمة من أرض مصر، يقول "أبو الجغرافيا الإسلامية" اليعقوبي في القرن الثالث الهجري في كتابه "البلدان"، عن أماكن وجود الذهب بمصر: "ومن أراد معادن التبر، خرج من أسوان إلى موضع يقال له الضيقة بين جبلين، ثم البويب ثم البيضة ثم بير ابن زياد ثم غديفر، ثم الجبل الأحمر ثم البياض، ثم قبر أبو مسعود ثم وادي العلاقي، وكل هذه المواضع معادن التبر تقصدها أصحاب المطالب، ووادي العلاقي كالمدينة العظيمة به خلق من الناس، وأخلاط من العرب والعجم، وبها أسواق وتجارات، وشربهم من آبار تحفر في وادي العلاقي"، ويذكر الذهب أيضًا الإصطخري في أوائل القرن الرابع الهجري فيقول: وأما معدن الذهب فمن أسوان إليه خمسة عشر يومًا، والمعدن ليس في أرض مصر، ولكنه في أرض البجة1.
أما معدن الزمرد فقد تحدث عنه كثير من علماء العرب، منهم المسعودي في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، والتيفاشي في النصف الأول من القرن السابع الهجري والقلقشندي، والمقريزي في أوائل القرن التاسع الهجري، وذكر المسعودي في كتابه "مروج الذهب" أن معادن الذهب، والزمرد توجد في أرض البجة، ويحدد المسعودي مكن الزمرد بأنه من أعمال مدينة قفط بالصعيد الأعلى، ومنها يخرج إلى مناجم استغلاله، وتكلم التيفاشي في مؤلفه المشهور "أزهار الأفكار في جواهر الأحجار" بإسهاب عن الزمرد فقال: "معدن الزمرد الذي يؤتى به من التخوم من بلاد مصر والسودان، خلف أسوان يوجد في جبل هناك ممتد كالجسر فيه معادن تحفر، فيخرج منها الزمرد قطعًا صغارًا كالحصى منبثة في تراب المعدن، وأخبرني رأس المعدنين في مصر الكلف من قبل السلطان بهذا المعدن، أن أول ما
__________
1 البجة: قبائل عربية نزلت بين البحر الأحمر ونهر النيل، والمقصود بأرض البجة الصحراء الشرقية.(1/80)
يظهر من معدن الزمرد يسمونه الطلق، وهي حجارة سوداء ذات حمرة إذا حمي عليها في النار خرجت مرقشة ذهبية"، قال: "ثم يحفر فيجد طلقًا هشًا فيه الزمرد في تربة حمراء لينة مشتملة عليه وربما أصيب العرق منه متصلًا فيقطع، وهو جيده، وأما صغيره فإنه يصاب في التراب بالنخل، وذلك أنهم ينخلون التراب ثم يوجد خلاله، ويغسل كما يغسل تراب الفضة، فيوجد فيه الحجر بعد الحجر، ويوجد بعضه على تراب أسود كالكحل، إلا أنه صغير كالخردل أو أكبر قليلًا"، ووصف المقريزي وجود الزمرد فقال: إنه يوجد في هيئة عروق خضراء في تطابيق حجر أبيض بمغارة في جبل على ثمانية أيام من مدينة قوص، ويذكر المقريزي أن الزمرد لم يزل يستخرج من الجبل المذكور حتى سنة 741هـ، تقريبًا. ويوجد الزمرد -كما نعرف حاليًا- أما في الشيست الطلقي الميكائي أو في عروق المرو البيضاء "أي عروق الكوارتز".
وفي رحلته الأولى التي ابتدأها في سنة 578هـ، تحدث ابن جبير عن القار، أو البترول في مكان يسمى بالقيارة بشمال العراق، ويقول ابن جبير أنه وجده في "وهدة من الأرض سوداء كأنها سحابة، قد أخرج الله منها عيونًا كبارًا وصغارًا تنبع بالقار، وربما يقذف بعضها بحباب منه كأنها الغليان، ويصنع له أحواض يجتمع فيها فتراه شبه الصلصال منبسطًا على الأرض أسود، أملس، صقيلًا، رطبًا، عطر الرائحة، شديد التعلك فيلصق بالأصابع لأول مباشرة من اللمس. وحول تلك العيون بركة كبيرة سوداء يعلوها شبه الطحلب الرقيق أسود، تقذفه إلى جوانبها فيرسب قارًا، فشاهدنا عجبًأ كنا نسمع به فنستغرب سماعه. وبمقربة من هذه العيون على شط دجلة، عين أخرى منه كبيرة أبصرنا على البعد منها دخانًا فقيل لنا: إن النار تشتعل فيه إذا أرادوا نقله، فتنشف النار رطوبته المائية، وتعقده فيقطرونه قطرات ويحملونه، وهو يعم جميع البلاد إلى الشام، إلى عكة؛ إلى جميع البلاد البحرية"، وفي بغداد رأى ابن جبير القار يستعمل في طلاء جدران حماماتها، حتى خيل أنه رخام أسود صقيل.(1/81)
ذكر النويري، المتوفى سنة 732هـ، في كتابه "نهاية الأرب في فنون الأدب" أن مصر بها من المعادن: معدن الزمرد - معدن النفط - الشب - البرام1 - الرخام، ثم أضاف أنه قيل أن بها سائر المعادن كلها، ومرة أخرى نود أن نقول أن هذه مقتطفات على سبيل المثال فقط، وليست على سبيل الحصر، هذا وقد أفاض العرب في كتبهم في وصف كيفية استخراج اللؤلؤ، أو الدر من أصدافه بالبحر، كما وصفوا كيفية استخراج المرجان، ومن طرائفهم ما ذكره البيروني في "الجماهر في الجواهر" عن طريقة لاصطياد التبر، أو الذهب من المجاري المائية بواسطة برك من الزئبق في قاعها، ثم ما يعقبه من فصل الذهب عن الذئبق.
ويذهب سارتون إلى أن الأماكن، والعروق التي استغلت في القرن الرابع عشر الميلادي أي الثامن الهجري كانت معروفة بصفة عامة من قبل، كذلك لم تكن طرق استغلالها جديدة، ويضيف قائلًا: إن المؤلفات العديدة التي كتبت عن التعدين في القرون الوسطى تكون ذات أهمية كبيرة بالنسبة للباحث في العلوم الاقتصادية أو الاجتماعية منه بالنسبة لمؤرخ التكنولوجيا.
__________
1 البرام: يبدو أن المقصود به نوع من الطين الذي تصنع منه الأواني الفخارية.(1/82)
الفصل الثامن: ملامح الجيولوجيا عند العرب
مدخل
...
الفصل الثامن: ملامح الجيولوجيا عند العرب
رأينا في الفصول السابقة مجهودات العرب في فروع الجيولوجيا المختلفة، ورغمًا عن عدم إكتمال العرض بأي حال من الأحوال، إلا أننا سنحاول رسم صورة عامة تبين معالم علم الأرض عند العرب، مستندين على ما تقدم من دراسة. وتتضمن الصورة الحديث عن علماء العرب وخبرائهم في هذا العلم، مؤلفاتهم، مجهوداتهم وإضافاتهم، أكثر فروع الجيولوجيا دراسة، علاقة علم الأرض في ذلك الوقت بغيره من العلوم، ازدهار هذا العلم واضمحلاله ... وهكذا.
في الواقع فقد ساهم في بناء على الأرض نفر ليس بالقليل من علماء العرب، ولا مراء في أن كلًا منهم وضع لبنة -صغيرة كانت أو كبيرة- في هذا البناء الضخم، ولن نحاول هنا حصر أسماء كل علماء الأرض العرب، أو كل من تناولوا الكتابة فيه، وسنقصر الحديث على مشاهير هؤلاء وأولئك، ومن نوابغهم الذين ساهموا مساهمات فعالة في بناء صرح هذا العلم: الكندي "185-246هـ" -المسعودي "؟ -346هـ" -ابن سينا "370- 428هـ"- البيروني "362-440هـ"- الإدريسي "493-562هـ"- ابن(1/85)
خلدون "732-808هـ"- ابن ماجد "توفي في أوائل القرن العاشر الهجري". هذا بجانب حشد من أسماء لامعة لعدد من الخبراء اكتسبوا مهارات خاصة، أو خبرات عملية عالية في بعض مجالات هذا العلم، مثال ذلك الصباح -جد يعقوب بن إسحاق الكندي- وكان يعمل خبيرًا بالجواهر والأحجار الكريمة أيام العباسيين.
على أننا نعتبر ابن سينا، بمقالتيه عن المعادن والآثار العلوية من كتاب الشفاء، واضع أسس الجيولوجيا العلمية عند العرب، وتضم هاتان المقالتان عددًا من بحوث علم الأرض وعلم الظواهر الجوية، وقد كتبهما ابن سينا بلغة علمية سليمة معتمدًا على الملاحظة والتجربة، ودحض آراء السابقين، وقد ظلت مؤلفاته هذه -وبشهادة سارتون- أساسًا لمعرفة الأوروبيين الجيولوجية، وقد كان الموسوعيون الأوروبيون القدماء حينما يتحدثون عن الأرض، فإنهم يرددون ببساطة آراء ابن سينا، بينما ظلت آراء المسعودي والبيروني مجهولة للعالم الغربي حتى وقت متأخر نسبيًا.
وكما نبغ ابن سينا في دراسة المعادن والأرض، فقد نبغ وتفوق في علوم أخرى، منها الطب والفلسفة والرياضيات والمنطق، ولا غرو فقد كان النبوغ سمة لشخصية الباحث قبل أن يكون موهبة في أحد فروع المعرفة الضيقة، وعلى العموم فلم تكن هذه سمة ابن سينا وحده، بقدر ما كانت سمة علماء ذلك العصر، فالتخصص الضيق لم يكن معروفًا وقتها، وكثيرًا ما كان يجيد العالم أو الباحث الواحد معظم العلوم المعروفة في وقته، ويهضمها ويؤلف فيها بجانب إجادته للدراسات الأدبية الأخرى والدينية وإقراضه للشعر، وهذا اللون من النبوغ يكاد ينقرض حاليًا، ويصبح غير معروف، فالكون أمام هذه العقول النيرة -بما احتواه من مظاهر عديدة ومتنوعة- يمثل كتابًا مسطورًا بلغة يحاول العلماء فك رموزها، ومعرفة طلاسمها حتى تساعدهم على قراءة صفحاته المختلفة.(1/86)
ابتدأت حركة التأليف في الجيولوجيا بملاحظة ظواهر أرضية محددة، ثم دراستها والكتابة عنها، وكان للأحجار الكريمة -بما لها من مزايا لا تخفى على أحد- النصيب الأوفى في ذلك، ثم شد انتباههم بعض مظاهر الكون الأخرى، مثل: المد والجزر، الأنهار، البحار، الزلازل، البراكين ... وغيرها، وكانت هذه الظواهر الأرضية المفردة، ومحاولة معالجتها علميًا ودحض آراء السابقين فيها بمثابة الطور الأول لعلم الأرض عند العرب، إلى أن جاء ابن سينا فحاول أن يعالج عددا أوسع من الظواهر الجيولوجية الطبيعية والمتيورولوجية في مؤلف واحد، فكان مؤلفه هذا بمثابة أول دراسة نوعية للأرض، حتى جاء الموسوعيون العرب، فنرى بعضهم يفرد أقسامًا من موسوعاتهم للحديث عن الأرض، كما يفرد أقسامًا بذاتها للحديث عن النبات أو الحيوان، وفي هذا الطور يتبين وضوح دراسة الأرض كفن أو علم قائم بذاته، مثال ذلك ما نراه في موسوعة "نهاية الأرب" للنويري، المتوفى سنة 732هـ، فقد جعل الفن الأول في "السماء والآثار العلوية، والأرض والمعالم السفلية"، وهو يشتمل على خمسة أقسام، جعل القسم الرابع منها في الأرض والجبال والبحار والجزائر والأنهار والعيون، ومن هنا يتضح أن معلومات العرب عن الأرض، وظواهرها المختلفة، كانت تتكامل بالتدريج وتزداد وضوحًا، وفهمًا وعمقًا مع مرور الوقت.
وقد اختلف حجم هذه المؤلفات من رسالة صغيرة "Paper" في موضوع محدد كالمد والجزر مثلًا إلى سفر في موضوع واحد كالأحجار مثلًا "Monograph"، إلى كتاب في مبادئ الجيولوجيا والمتيورولوجيا، وهو المسمى "Avicenna Mineralia"، إلى أجزاء من الموسوعات الكبرى. وتبدو أسماء بعض هذه المؤلفات، وكأنها لا علاقة لها بموضوع المؤلف ذاته. فكلمة "الشفاء" اسم لموسوعة في المنطق والطبيعيات والرياضيات، والإلهيات تحتوي الطبيعيات منها على دراسة للمعادن والآثار العلوية، ولا يفوتنا أن نشير إلى ذلك السجع الموجود في أسماء بعض الكتب مثل "أزهار الأفكار في جواهر الأحجار" و"كنز التجار في معرفة الأحجار"، وغيره كثير.
في الفقرات التالية سنوضح أهم مآثر العرب، وإضافاتهم في فروع الجيولوجية المختلفة:(1/87)
علم المعادن والأحجار الكريمة:
معرفة المعادن وخواصها الطبيعية-بعض الاختبارات الكيميائية-وجودا وأمكنته -تصنيفها-تكوينها-التمييز بين المعادن والفلزات-حساب الوزن النوعي بدقة لعدد من المعادن والعناصر-قطع وصقل الأحجار الكريمة-لغة اسم المعدن- الاستعمالات-الثمن.
علم الصخور:
الحجارة تتكون من الطين أو الماء أو النار-الفرق بين المعدن والصخر غير واضح-عرفوا الصخور الرسوبية وطبقياتها-فكرة قانون تعاقب الطبقات-علاقة البحر باليابس-تفتت الجبال-تقسيم النيازك إلى نوع حجري، وآخر حديدي -معرفة النوع الجاورسي المستدير الأجزاء- Chondriti tic Meteorite" تكوين وارتفاع حرارة باطن الأرض-تكوين الرمال من أكثر من معدن.
الجيولوجيا الطبيعية:
شكل الأرض: كروية الأرض-قياس محيطها بخطأ لا يزيد على 3%-مناقشة دوران الأرض حول محورها-زاوية ميل محور الأرض على مدارها حول الشمس-اليابسة تتركز في شمال الكرة الأرضية-اليابس يكون ربع الأرض- تقسيم الأرض بخطوط الطول والعرض.
ميتورولوجيا "وكانوا يسمونها الآثار العلوية": إحاطة الأرض بغلاف جوي ينتهي عند ارتفاع معين-كثافة الهواء في الطبقات السفلى أعلى(1/88)
منها في الطبقات العليا-التمييز بين مادة الهواء ومادة بخار الماء-تيارات الحمل التي تحدث في الهواء-الرياح والعواصف.
العوامل الخارجية:
المد والجزر-البحار-نشوء الأنهار ونشورها-شباب وهرم الأنهار-دورة الماء في الكون-المياه الجوفية-التحات ونشأة الأودية الجافة-الفعل الميكانيكي للرياح والمياه-تفتت الجبال-المياه الممعدنة-الحفريات ودلاتها الصحيحة-تغيرات ما بعد الترسيب- Post de positional changes" التمييز بين الترسيب الكيميائي والميكانيكي-فكرة الأحواض البحرية وامتلائها بالرواسب-فعل العوامل الجيولوجية بطيء وإنما يتراكم مع الوقت-استخدام فكرة الزمن الجيولوجي استخدامًا صحيحًا أي أن الظواهر الجيولوجية تحدث في وقت طويل جدًا ليس من السهل تقديره.
العوامل الداخلية:
وصف الزلازل وتقسيمها إلى أنواع-تبادل مواقع اليابس والماء أو الأرض والبحر-البراكين الكبريتية-نظرية تكوين الجبال إما بفعل الحركات الأرضية، أو عوامل التعرية التفاضلية-تكوين العيون ومياه الآبار- الفوالق-البراكين.
عامة: وضع المعاجم الجغرافية-الجغرافية الرياضية-كشف منابع النيل-نظرية التطور-القار أو البترول واستعمالاته.
علم البحار:
جغرافية البحار-المد والجزر-تكون البحار وانتقالها-علم الملاحة-مهب الرياح في البحار-الزوابع والأنواء-ابتكار وتحسين بعض آلات الملاحة البحرية، أهمها الإسطرلاب وبيت الإبرة-الجداول الفلكية-حيوان البحر كالحوت ومحار اللؤلؤ-تحديد القبلة برًا وبحرًا-قيادة أسطول فاسكو دي جاما البرتغالي من سواحل أفريقيا الشرقية إلى ساحل الهند الغربي- تحديد المسافات بين المدن-دراسة البحار المعروفة وقتها وجزر المحيط الهندي، وبحر الصين وأرخبيل آسيا-البحر الأحمر وجزره وشعابه-العلاقات البحرية ما بين المحيطات في بحار الجنوب-تلخيص معلومات كل ملاحي بحار الهند وتكميلها-إضافات في تاريخ الملاحة في بحار الجنوب-غناء الأبحاث البحرية العربية بالمصطلحات الفنية.(1/89)
علم الحفريات ونظرية التطور:
الاهتمام بالفقاريات دون اللافقاريات-كيفية تكون الحفريات "Fossilisation"-الحفريات الصدفية ودلالتها على وجود الماء-فكرة نظرية التطور-فكرة نظرية الكوارث عند ابن سينا "Theory of catastrophism"-تكون الكائنات بالتولد دون التوالد-الإنسان كنوع من الحيوان-تدرج تكوين الإنسان من الحيوان "من القردة"-تحسين نسل الحيوانيات "انتقاء صناعي"-اتصال آخر كل أفق بأول أفق الذي يليه-نشأة الحياة من أصل غير عضوي.
المساحة والخرائط:
تحديد الجهات الأصلية-قياس الزمن-ابتكار آلات القياس والرصد المختلفة- وضوح فكرة مقياس الرسم المناسب-قياس المسافات بين المدن-أطوال البحار والبلاد والطرق-قياس محيط الكرة الأرضية-إيجاد زوية ميل محور الأرض على مدارها حول الشمس-بناء المراصد-تحديد مواقع البلدان-تحديد اتجاه بلد بالنسبة لآخر-تحضير الخرائط الجغرافية، واستعمال الألوان في بعضها-رسم خريطة للعالم القديم.
التعدين واستغلال الخامات:
استغلال الزمرد والذهب من مصر-استغلال القار أو البترول من العراق-الفضة والرخام والزئبق، وغيرها من فارس-اللؤلؤ من البحرين-(1/90)
استخراج المرجان-ملغم الذهب والزئبق-المعادن المصاحبة Associated Minerals لا تحسين في طرق الاستغلال.
ويبدو أن علماء العرب اهتموا اهتمامًا خاصًا لبعض فروع الجيولوجيا دون الآخر، من ذلك اهتمامهم الواضح بدراسة المعادن والأحجار الكريمة، وكان لقصور الخلفاء والأمراء في ذلك الوقت أثر كبير في تشجيع البحث عن أماكن وجودها، وابتكار الطرق المختلفة للتمييز بين جيدها، ورديئها أو صحيحها ومغشوشها، ومن هنا نشأت الحاجة إلى تحديد وزنها النوعي بدقة، كذلك فقد وضعوا المؤلفات العديدة لدراسة كل منها وتحديد خواصه، وقد تعرض لهذا اللون من الدراسة نفر من كبار علمائهم، ويكفي أن نذكر كتاب البيروني "الجماهر في معرفة الجواهر" على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.
كذلك فقد نالت مواضيع مختلفة، وعديدة من الجيولوجيا الطبيعية اهتمامًا متزايدًا، بينما لم يكد يحظى البعض الآخر باهتمام مناسب، ومن أمثلة النوع الأول الزلازل والبراكين، وظاهرة المد والجزر، وقد عكف على دراستها، في وقت مبكر جدًّا، بعض علماء العرب، وألفوا فيها رسائل شتى، كرسالة الكندي مثلًا في "المد والجزر"، أما النوع الثاني فمن أمثلته موضوع الثلاجات وأفعالها وتأثيرها، وبسبب عدم وضوح الفارق بين المعدن والصخر في ذلك الوقت، فإن علمًا كعلم الصخور لم يتمكن من الوقوف على قدميه، ولم يمكن تحديد معالم شخصية مستقلة له.
إهتم العرب إهتمامًا واسعًا بنظرية التطور، وتكلموا فيها كثيرًا وبصور مختلفة، وكان يحلو لهم -كما يقول سارتون- أن يصوروا تطور الطبيعة من عالم المعادن، أو الجماد إلى عالم النبات ثم عالم الحيوان فالإنسان، كما نادوا بالعلاقات الوثيقة بين سائر المخلوقات، ومعنى هذا أن جراثيم فكرة التطور كانت معروفة لديهم منذ ما ينيف على عشرة قرون، ومن المواضيع التي(1/91)
شغلت تفكيرهم فترة من الوقت هي محاولة الحصول على رقم دقيق لمحيط الكرة الأرضية، ونجحوا في ذلك إلى مدى بعيد إذ إن الخطأ في قياساتهم لهذا المحيط لا يتعدى 3% بالنسبة لما هو معروف حاليًا، أما عن التعدين واستغلال الخامات، فإنه لا يوجد تحسن يذكر في أدوات الاستغلال أو في طرقه.
ما مدى علاقة علم الأرض عند العرب بغيره من العلوم؟ ارتبطت الجيولوجيا العربية بعدد من العلوم الأخرى التي ساهمت في تدعيمها ونموها، حتى ليخيل للباحث أن الجيولوجيا ما هي إلا نسيج محكم من دراسات لعدد من العلوم الأخرى، وأول هذه الارتباطات وضوحًا تتمثل في العلاقة بين الجيولوجيا والمتيورولوجيا، أو الآثار العلوية كما كانوا يسمونها، وقد كانتا وثيقتي الصلة منذ قديم الزمن، وكتاب ابن سينا في "المعادن والآثار العلوية" خير شاهد على ذلك، وفي موسوعة "نهاية الأرب" للنويري، خصص الفن الأول في "السماء والآثار العلوية، والأرض والمعالم السفلية"، وهكذا، ثم نجد بعد ذلك ارتباطات واسعة المدى بين الجغرافيا "أو علم تقويم البلدان"، والجيولوجيا وعلى وجه الخصوص الجيولوجيا الطبيعية، فالبحار والأنهار والجزر وغيرها من الظواهر تمثل مواضيع مشتركة بين العلمين، وإن اختلفت أحيانًا نظرة كل منهما إليها، وخير مثال لذلك كتاب "مروج الذهب" للمسعودي، فهو يحتوي على مناقشات جيولوجية بجانب معالجته الجغرافية لكثير من المواضيع، وقد اهتم العرب على وجه الخصوص بالبحار ودراستها، والملاحة فيها حتى إنهم أفردوا لها علمًا مستقلًا عرف باسم علم البحار، والظاهر أن هذا حدث في وقت متأخر نسبيًا من تاريخ الحضارة الإسلامية، ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى تلك الارتباطات الدينية والفلسفية بين الفكر العربي الإسلامي، ونظرية التطور، كما كانت هناك روابط محددة بين علم الأرصاد، وبعض الموضوعات التي تهم الجيولوجيا.(1/92)
وإذا حاولنا أن نرسم، بالكلام، منحنى نمو وازدهار علم الأرض العربي، قلنا: إن بعض مباحثه الأولى المؤكدة لقيت اهتمامًا منذ حوالي أواخر القرن الثاني، وأوائل القرن الثالث الهجري، وهذه الفترة -أو ما قبلها بقليل- تعتبر بصفة عامة بداية للجهد العلمي العربي المنظم في مجالاته المختلفة، وأخذ هذا العلم ينمو ويزدهر إلى أن وصل عصره الذهبي في الفترة ما بين منتصف القرن الرابع والخامس الهجري، وقد ازدانت هذه الفترة بأعلام من أمثال المسعودي وابن سينا والبيروني، الذين ساهموا بإضافات علمية فعالة في الفكر العربي الجيولوجي، وواصل الفكر العربي نموه -وإن كان بمعدلات أبطأ- عبر القرون حتى أواخر القرن الثامن، وأوائل القرن التاسع الهجري تقريبًا، حيث لم يتمكن بعد ذلك من التأثير على الفكر الأوروبي، هذا بينما استمرت جهود العرب حية ومؤثرة في بعض فروع هذا العلم حتى وقت متأخر نسبيًا في القرن العاشر الهجري، ومعنى هذا أن فترة النمو والتطور لعلم الأرض العربي استغرقت مدة من الزمن تتراوح بين ستة وثمانية من القرون.
ونختم هذا الفصل بكلمة موجزة عن أسلوب العرب العلمي في البحث، وهو موضوع من الموضوعات التي طال الجدل فيها، غير أن الدراسات المنصفة -سواء من الشرق أو الغرب- قد انتهت إلى نتيجة واحدة، فحواها أن تفكير العرب العلمي لم يكن ليختلف كثيرًا عن المنهج العلمي الحديث، بل إنه في كثير من الأحيان يعتبر أساسًا لهذا المنهج الحديث، وقد تبدو هذه النتيجة مفاجئة أو على عكس ما يتوقعه البعض، فقد اعتاد كثير من الكتاب، وعلى الأخص الغربيين، أن يرموا الفكر العربي الإسلامي بأنه فكر غيبي ينقصه الالتزام بالمنهج العلمي، ونسبوا المنهج العلمي الحقيقي إلى فرنسيس بيكون وديكارت في القرن السابع عشر الميلادي، وجون ستيوارت مل في القرن التاسع عشر الميلادي، غير أن الدراسات الدقيقة تثبت أن العرب قد سبقوا هؤلاء جميعًا، وغيرهم إلى المنهج(1/93)
العلمي، فإذا كان منهج ديكارت العلمي مثلًا يعتمد على عناصر أربعة، وهي: الوضوح -التحليل- التدرج الإعادة "الإحصاء"، فإن منطق ابن الهيثم في أصول البحث العلمي لا يكاد يختلف عنه رغمًا عن وجود فارق زمني بينهما يصل إلى حوالي ستة قرون من الزمان، يقول ابن الهيثم:
يبدأ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات، وتميز خواص الجزئيات، ويلتقط باستقراء ما يخص البصر في حال الإبصار، وما هو مطرد لا يتغير، وظاهر لا يشتبه في كيفية الإحساس، ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدريج والتدريب مع انتقاد المقدمات، والتحفظ في الغلط في النتائج، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقرئه، ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى. ونتحرى في سائر ما نجيزه وننتقده طلب الحق الذي به تثلج الصدور، ونصل بالتدرج واللطف إلى الغاية التي عندها يقع اليقين، وتظهر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف، وتنحسم به مواد الشبهات.
كذلك لم يكن مبدأ "الشك" بدعًا نادى به ديكارت، فقد سبقه إلى ذلك كثير من المفكرين العرب، فها هو الجاحظ على سبيل المثال، ومنذ القرن الثالث الهجري، يتكلم في مبدأ الشك، فيقول: "تعلم الشك في المشكوك فيه تعلمًا، فلو لم يكن إلا تعرف التوقف ثم التثبت، لقد كان ذلك مما يحتاج إليه".
وإذا رجعنا إلى الفصل الأول، ص24-25، لوجدنا كيف كان العرب يعتمدون أحيانًا على التجارب الكيميائية في اختبار المعادن والأحجار الكريمة. وفي الفصل الثاني، ص32-33، نرى كيف أن ابن سينا يدلل على آرائه في التفتت والتحجر بتجارب عملية يجريها بنفسه، ومحاولاته لإذابة بعض أجزاء من النيازك، وغيره كثير، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى فقد(1/94)
لعبت الملاحظة الشخصية أو المشاهدة دورًا أساسيًا في بناء الهيكل العلمي للأبحاث، ويتضح ذلك جليًا من دراسات المسعودي وابن سينا والبيروني في الجيولوجيا الطبيعية على سبيل المثال، ويكفي أن ننظر إلى بعض مقتطفات من كلام ابن سينا حتى نتأكد من ذلك، مثال: "فإنك إذا تأملت أكثر الجبال، رأيت الانحفار الفاصل فيما بينها متوالدًا من السيول...."، أو"وأما ما شاهدته أنا، فهو في شط جيحون ... "، وهكذا.
ولم يأخذ العرب آراء الإغريق كقضايا مسلم بها، بل على النقيض من ذلك فإنهم دحضوها وفندوها، ولم يقبلوا منها إلا الذي صمد للنقد المنطقي واستقام مع عقائدهم، فها هو ابن سينا مرة أخرى يرفض آراء أراكيماس وأنكساغوراس في علة حدوث الزلازل، ويفند آراءهما بطريقة علمية، مما تقدم نرى كيف أن منهج الدراسة العربي اعتمد علي: الاستقراء - القياس - التمثيل التجربة - الملاحظة - دحض آراء الآخرين، وهي نفسها مقومات المنهج الحديث.(1/95)
المراجع:
مراجع أصلية:
1- أزهار الأفكار في جواهر الأحجار. تأليف: أحمد بن يوسف التيفاشي. المتوفى سنة 651هـ. نسخة مكتوبة بقلم معتاد في القرن الرابع عشر، على ورق من وجه واحد، في 190 ورقة.
2- الجماهر في الجواهر. تأليف: أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني. المتوفى سنة 430هـ. نسخة بقلم معتاد، تم نسخها في 18 أكتوبر 1936. نقلًا عن نسخة فوتوغرافية محفوظة بدار الكتب المصرية.
3- كتاب الأحجار. تأليف أرسطوطاليس "؟ ". المتوفى سنة 322ق. م. ترجمة العلامة لوقا بن اسرافيون. نسخة في مجلد طبع هيدليرج "ألمانيا" سنة 1912. ومعها ترجمتها إلى الألمانية بقلم الدكتور جوليوس رسكا المستشرق الألماني.
4- مقدمة ابن خلدون "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، وضع(1/97)
العلامة عبد الرحمن بن خلدون المغربي. كتاب التحرير "177"، 1966.
5- نخب الذخائر في أحوال الجواهر. تأليف: محمد بن إبراهيم السنجاري المعروف بابن الأكفاني. المتوفى سنة 749هـ. تعليق ونشر الأب أنستاس الكرملي. طبع المطبعة العصرية. توزيع مكتبة لويس سركيس. سنة 1939م.
6- الشفاء، الجزء الخاص بالمعادن والآثار العلوية. تأليف: ابن سينا. راجعه وقدم له: إبراهيم مدكور. تحقيق: عبد الحليم منتصر، سعيد زايد، وعبد الله إسماعيل. الناشر: الدار المصرية للتأليف والترجمة. طبع: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية. القاهرة، 1965.
7- مروج الذهب. للمسعودي. كتاب التحرير "193". تصدره دار التحرير للطبع والنشر، 1966.
8- الجبال والأمكنة والمياه. تصنيف الإمام أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري. المتوفى سنة 538هـ. طبع بليدن سنة 1855م، مع مقدمة وترجمة لاتينية.
9- كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد والأراجيز والقصائد. تأليف الشيخ شهاب الدين أحمد بن ماجد. ترجمة وتعليق جبريل فران. المكتبة الشرقية "بول جيتينيه" بباريس. 1921-1923. نسخة فوتوغرافية.
مراجع حديثة:
10- معجم المطبوعات العربية والمعربة. جمعه ورتبه: يوسف اليان سركيس. الناشر: مكتبة يوسف اليان سركيس وأولاده بالفجالة. عام 1347هـ- 1929م، 11جزءًا.
11- فهرست المخطوطات: نشرة بالمخطوطات التي اقتنتها دار الكتب من(1/98)
1936- 1955. تصنيف: فؤاد سيد. القاهرة، مطبعة دار الكتب، 1380هـ-1961م.
12- العلوم عند العرب. تأليف: قدري حافظ طوقان. من سلسلة الألف كتاب، العدد "4". يطلب من مكتبة مصر -دار مصر للطباعة، 1965م.
13- الأحجار الكريمة في الفن والتاريخ. تأليف الدكتور عبد الرحمن زكي. من سلسلة المكتبة الثقافية، العدد 108. وزارة الثقافة والإرشاد القومي. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، توزيع دار القلم. 1964.
14- قصة المعادن الثمينة. تأليف الدكتور أنور عبد الواحد. من سلسلة المكتبة الثقافية، العدد 89. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر. الناشر: دار القلم. 1963.
15- الحلى في التاريخ والفن. تأليف الدكتور عبد الرحمن زكي، المكتبة الثقافية، العدد 126. الدار المصرية للتأليف والترجمة. الناشر: دار القلم، 1965.
16- الجغرافيون العرب. تأليف: مصطفى الشهابي. سلسلة اقرأ: العدد 230. الناشر: دار المعارف بمصر، 1962.
17- الكندي فيلسوف العرب. تأليف: أحمد فؤاد الأهواني. سلسلة أعلام العرب، العدد 26. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر. توزيع مكتبة مصر. مطبعة مصر، 1964.
18- الجاحظ. تأليف الدكتور أحمد محمد الحوفي. سلسلة دراسات في الإسلام، السنة الرابعة، العدد 38. يصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. سبتمبر 1964.
19- قصة الحياة ونشأتها على الأرض. تأليف الدكتور أنور عبد العليم. المكتبة الثقافية، العدد 100. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة(1/99)
والطباعة والنشر. توزيع دار القلم، 1964.
20- عرض تاريخي للفلسفة والعلم. تأليف: أ. وولف. ترجمة: محمد عبد الواحد خلاف. سلسلة المعارف العامة، خلاصة العلم الحديث، الرسالة الأولى. لجنة التأليف والترجمة والنشر. الطبعة الثانية، 1944.
21- تاريخ العلم. الكتاب الأول -العلم القديم في العصر الذهبي لليونان، 3 أجزاء. تأليف: جورج سارتون. ترجمة لفيف من العلماء. بإشراف لجنة مؤلفة من الدكاترة: إبراهيم بيومي مدكور، محمد كامل حسين، قسطنطين زريق، ومحمد مصطفى زيادة. دار المعارف بمصر 1957. قامت مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر بشراء حق الترجمة.
22- ابن النفيس. بقلم: بول غليونجي. سلسلة أعلام العرب، رقم 57. الدار المصرية للتأليف والترجمة. الناشر: مكتبة مصر بالفجالة. توزيع مكتبة مصر. دار مصر للطباعة.
23- مروج الذهب للمسعودي. بقلم: دكتور علي حسني الخربوطلي، تراث الإنسانية، العدد4، المجلد 4. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966. ص253-269.
24- نهاية الأرب للنويري. بقلم: إبراهيم الأبياري. تراث الإنسانية، العدد5، المجلد 4. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966. ص333-351.
25- تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة للبيروني. بقلم: أحمد الساداتي. تراث الإنسانية، المجلد3. الدار المصرية للتأليف والترجمة 1965. ص126-139.
26- حياة الحيوان الكبرى للدميري. بقلم: دكتور رشاد الطوبي. تراث الإنسانية، المجلد3. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1965.
27- منطق الشفاء لابن سينا. بقلم: دكتور أحمد فؤاد الأهواني. تراث(1/100)
الإنسانية، المجلد3. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1965. ص493-506.
28- استخراج الأوتار في الدائرة للبيروني. بقلم: أحمد سعيد الدمرداش. تراث الإنسانية، المجلد2. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964. ص154-169.
29- أصل الأنواع لدارون، بقلم: دكتور سيد بدوي. تراث الإنسانية، المجلد2. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964. ص973-990.
30- الشفاء لابن سينا. بقلم: دكتور عبد الحليم منتصر. تراث الإنسانية، المجلد2. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964. ص257-269.
31- القانون المسعودي للبيروني. بقلم: دكتور إمام إبراهيم أحمد. تراث الإنسانية، المجلد2. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964. ص405-420.
32- كتاب الحيوان للجاحظ. بقلم: دكتور أحمد حماد الحسيني. تراث الإنسانية، المجلد2. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964. ص215-227.
33- ما بعد الطبيعة لأرسطوطاليس. بقلم: دكتور عبد الرحمن بدوي. تراث الإنسانية، المجلد2. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964. ص522-530.
34- نشأة الحياة على الأرض لأوبارين. بقلم: دكتور أنور عبد العليم. تراث الإنسانية، المجلد2. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964. ص170-180.
35- رحلة ابن جبير لابن جبير. بقلم: دكتور حسين نصار. تراث(1/101)
الإنسانية، مجلد1. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1963. ص236-250.
36- عجائب المخلوقات للقزويني. بقلم: دكتور عبد الحليم منتصر. تراث الإنسانية، المجلد1. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1963. ص685-697.
37- المسالك والممالك للإصطخري. بقلم: محمد محمود الصياد. تراث الإنسانية، مجلد1. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1963. ص719-730.
38- مقدمة ابن خلدون لابن خلدون. بقلم: دكتور علي عبد الواحد وافي. تراث الإنسانية، المجلد1. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1963. ص286-306.
39- العرب في أوروبا. بقلم: دكتور علي حسني الخربوطلي. سلسلة المكتبة الثقافية، رقم 143. الدار المصرية للتأليف والترجمة. توزيع مكتبة مصر. أكتوبر 1965. ص106-134.
40- أضواء على قاع البحر. بقلم: دكتور أنور عبد العليم. سلسلة المكتبة الثقافية، رقم 48. الإدارة العامة للثقافة. الناشر: دار القلم، 1961. ص37.
41- أضواء على الفكر العربي الإسلامي. بقلم: أنور الجندي. المكتبة الثقافية، رقم 149. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966.
42- إحياء التراث العلمي العربي. بقلم: دكتور عبد الحليم منتصر. الجمعية المصرية لتاريخ العلوم، العدد الخامس. مؤتمر المعلمين العرب الرابع بالإسكندرية، 1965. دار مصر للطباعة.
43- نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام. تأليف: دكتور علي سامي النشار. الجزء الأول. الطبعة الثالثة، 1965. دار المعارف.
ص5-19: منهج البحث التجريبي في العالم الإسلامي.(1/102)
ص66-83: الإسلام والفلسفة اليونانية.
44- ابن ماجد الملاح. تأليف: أنور عبد العليم. أعلام العرب، 63. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 167.
45- الفوائد في أصول علم البحر والقواعد لابن ماجد الملاح. بقلم: أنور عبد العليم. تراث الإنسانية، العدد4، المجلد الخامس، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 1967.
46- Introduction to the History of Science. 3 Volumes: 1, 2 "In two- parts", 3 "in two parts". By George Sarton. Published by: The Williams and Wikins Co., Baltimore. Copyright, 1927. Reprinted 1945, 1950.
47- Instructions Nautiques et Routiers Arabes et Portugais. Tome3: Introduction A L.htm' Astronomie Nautique Arabe. Par: F. Ferrand. Lib Orientaliste, Paris, 1928.(1/103)
المحتويات:
5 مقدمة
7 تمهيد
13 الفصل الأول: علم المعادن وعلم الأحجار الكريمة
27 الفصل الثاني: علم الصخور
35 الفصل الثالث: الجيولوجيا الطبيعية
51 الفصل الرابع: علم البحار
61 الفصل الخامس: علم الحفريات ونظرية التطور
71 الفصل السادس: المساحة والخرائط
79 الفصل السابع: التعدين واستغلال الخامات
85 الفصل الثمن: ملامح الجيولوجيا عند العرب
97 المراجع(1/104)