الإسلام، الذكورة، العقل، أهلية التكليف كاملة بما في ذلك بلوغ الحلم، العدالة، السن الذي يبعد به عن وصف «أحداث الأسنان» و«إذا كان الملك في صغاركم»، العلم الذي يصل إلى حد القدرة على النظر والاجتهاد، القدرة على القيام على مصالح المسلمين سلمًا وحربًا، أن يقوم نظامه على أساس الشوري وحفظ حقوق المسلمين وتحقيق مشاركة الأمة، أن يتم بيعته بيعة صحيحة بإجماع أهل الحل والعقد أو غالبيتهم، إذا تساوت الصفات يرجَّح القرشيّ.
والجماعة التي تتحقق لها شرعية الوضع وشرعية الحكم يكون الخروج عليها مروقًا من الدين، أما غيرها فيرجع ذلك إلى قاعدة الشريعة وهى دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.
القتال المشروع وغير المشروع:
القتال المشروع:
القتال حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله وهو أشرف أنواع القتال والجهاد ويشمل قتال المشركين والملحدين وأهل الكتاب.
قتال المارقين وهم نوعان:
الأول: من مرق عن السنة وأشهر السيف وباين المسلمين وقاتل على بدعة مثل الخوارج والروافض «وطوبي لمن قتلهم أو قتلوه».
الثاني: المتغلبين: أصحاب الراية العمية، أو الذين يقاتلون على الملك والعصبية ومحض الدنيا، ويخرجون على الأمر الواحد ـ الجميع ـ ويفرقون كلمة المسلمين ودولتهم بانقسامهم. وهؤلاء القاتل والمقتول منهم في النار، وطوبي لمن قتلهم أو قتلوه من أهل الحق.
قتال المرتدين: ردة عن أصل الدين أو ردة عن الشرائع أو ردة إلى بدعة مكفرة.
قتال الممتنعين عن الشرائع: وهم الذين لا يبدلون الشرائع ولا يرتدون عنها ولكن يمتنعون عن أدائها امتناعًا جماعيًا أو يتمالئون على ذلك أو يتقوى بعضهم ببعض.
قتال البغاة: ـ بعد الصلح ـ وهؤلاء قوم لهم تأويل في الخروج على الإمام الواجب الطاعة، ولكن طاعة الإمام أولى لهم وهو أولى بالحق منهم، والواجب أن يُدعُوا إلى الصلح فإن بغوا بعد ذلك وجب قتالهم.(3/448)
دفع الصائل: من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون مظلمته فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، وذلك مثل القتال في أفغانستان وفي فلسطين. وهذا القتال بشكل عام جائز ما لم يؤد إلى فتنة يتسع مداها فإذا خيف ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل وذلك بين المسلمين. أما مع غير المسلمين أو مع المارقين فيجب القتال إذا كانت هناك قدرة عليه.
قتال أهل الحرابة وقطع الطريق.
القتال غير المشروع:
قتال الفتنة عندما يقع قتال بين فئتين صالحتين من صالحي المسلمين على غير قصد منهما بسبب بعض عناصر الفتنة، كما حدث في معركة الجمل، فالواجب رأب الصدع والسعي في الصلح وعدم المشاركة في القتال.
قتال الفتنة بين عناصر صالحة من المسلمين قبل الاجتماع على إمام بسبب بعض الطموحات الشخصية التي تؤثر على وحدة المسلمين فالواجب اعتزال القتال والسعي لجمع الكلمة.
قتال الفتنة بين عناصر المتغلبين أصحاب الراية العمية، والقتال على محض الدنيا وهؤلاء القاتل والمقتول منهم في النار.
قتال البغاة قبل الصلح.
قتال بدعاوى الجاهلية وهذا قد يقرب صاحبه من الكفر، ولهذا الأمر ضوابط.
ما يقع بين الناس من الشرور في حياتهم اليومية وينبغي مراعاة حرمة المسلم في دمه وعرضه وماله والامتناع عن إراقة الدماء ولو أدى ذلك إلى إزهاق النفس ـ كنْ عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ـ ما لم يؤد ذلك إلى جبروت ومسكنة أو أن يُحمل الإنسان نفسه ما لا تطيق.
كل صور القتال غير المشروعة المشار إليها ضمنًا في الكلام عن القتال المشروع.
النظام السياسي الإسلامي:
يقوم على مشاركة الأمة من خلال عمل أهل الحل والعقد وأهل النظر والاجتهاد.
وأهل الحل والعقد هم من لهم صفة:
1- التمثيل. ... ... 2- العدالة. 3- الكفاءة.
ودورهم هو:(3/449)
الشورى: وشوراهم ملزمة «لا حتى أستأمر السعود» والشورى في السياسات العامة وليست في الأمور التنفيذية التفصيلية وليست في موضع النصوص ولا في الأمور الشخصية.
والاستشارة حق للإمام كحق أي مسلم على غيره من المسلمين، وله أن يأخذ بها أو لا يأخذ، والشورى حق للأمة على الإمام يلتزم به ولا يحيد عنه.
الحسبة: وهم قوام على الإمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترشيد سياسته ومحاسبته كما أنه قائم على الأمة بالمحتسبين.
العزل والاختيار: فبإجماعهم أو غالبيتهم يقع الاختيار والعزل.
أما أهل النظر والاجتهاد: فدورهم الاستنباط والاجتهاد، والإمام إذا كان مجتهدًا كان واحدًا منهم وإن لم يكن ليس له أن يدخل مجلسهم، ويجب عليه العمل برأي غالبيتهم التي ينتهي إليها مجلسهم وهذه هى شوراهم وبيعة الإمام تتم بمشورة أهل الحل والعقد، كما قال عمر: «فلا يبايعنَّ رجلٌ رجلاً آخر دون مشورة المسلمين تغرة أن يقتل هو ومن بايعه».
الفِرَق في واقعنا المعاصر:
العدد يعلمه الله من حيث هل المقصود بالاثنتين والسبعين في كل عصر أو على مر العصور وما هي مدة العصر أو هل المقصود النوع أو العين وهل رؤوس البدع والافتراقات أم تفصيلاتها والمهم هو الوصف: من يدخل في وصف الفرق ومن لا يدخل.
ويدخل في وصف الفِرَقْ الآن:
المجتمعات العلمانية المعادية للإسلام.
مجتمعات الردة إلى بدعة مكفرة.
المجتمعات التي يغلب عليها عقائد الصوفية الفاسدة: الحلول، الوحدة، الاتحاد، إسقاط التكاليف، الفيض ... إلخ.
المجتمعات التي يغلب عليها الممارسات الشركية في العبادة.
المتغلبون أصحاب الرايات العمية الذين فرَّقوا أمر الأمة وهو جميع.
أصول البدع: الخوارج، الروافض، الجهمية، المرجئة، القدرية نفاة ومثبتة، أصحاب الاتجاه العقلي الذي يعارضون به الشرع ويخرجون به عن الأصول.
كل ما يستجد من ابتداع في أصل كلي من الدين.(3/450)
الشرعية في المفاهيم: لابد أن نرجع إلى حكم الله سبحانه وتعالى وهو النص من الكتاب والسنة أو ما حُمل عليهما بطرق الاجتهاد حسب أصول الفقه عند أهل السنة.
الشرعية في الأوضاع: لا بد أن ترجع إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة في حالة التمكين فما كان خارجًا عن ذلك كالخوارج والروافض وما جري مجراهم فلا يدخل في معنى الشرعية أو الجماعة الملزمة، لا يتحقق باجتماعهم اجتماع. والأوضاع المفترقة وإن التزمت السنة لا يتحقق أيضًا باجتماعهم اجتماع، ولا جماعة ولا شرعية إلا إذا لم يكن يمكنهم غير ذلك ولهم سعي جاد إلى الوحدة، أما الأوضاع التي تنتسب إلى غير الشرع وتجتمع على غير الإسلام فلا تدخل في وصف دور الإسلام ولا تجمعاته لا بشكل شرعي أو غير شرعي.
وجماعة العلماء تقوم مقام جماعة التمكين ولها شرعيتها بضوابط شرعية.
شرعية القتال: هى كما بينا. وأئمة الكفر يُقتلون ويقاتلون، وغيرهم يقاتل ولا يُقتل، وكل وضع لا يقوم على الأساس الشرعي فهو باطل «كل ما ليس عليه أمرنا فهو رد» مهما كانت مقاصد أصحابه ورفع المؤاخذة المرتبط بالقصد والعلم أمر، والصحة والبطلان أمرٌ آخر، واللهُ سبحانه وتعالى أعلم وهو وحده الميسر والمعين وبه التوفيق وعليه التكلان وهو من وراء القصد ولا حول ولا قوة إلا به.(3/451)
ولا حرج على من لم يفرق أمر الأمة وهى جميع ووجد أوضاعًا قائمة على الفرقة والتعدد، ولم يحل بسعيه دون جمع الكلمة أو يضع أمامها العقبات وكان له سعي لجمع شمل الأمة، وحفظ أمر الإسلام فيما هو قائم فيه فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولكن ليست هذه أوضاعًا دائمة للشرعية وإذا لم يوجد في الدار غير وصف دار الإسلام وتعرت عن صفات الشرعية وخيف من سقوطها وغلبة أحكام الكفر على الديار فإن القاعدة العامة دائمًا مراعاة الحكمة في المواقف ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما. وتعريف الفِرَق هو كما ذكره الإمام الشاطبي في ”الاعتصام“ شيع وجماعات يباين بعضها بعضًا ليست على تعاضد ولا تآلف ولا اتفاق يحارب بعضها بعضًا ألقى اللهُ بينهم العداوة والبغضاء، كل ما يتحقق فيه هذا المعنى يدخل في وصف الفرق سواء كان لأمر ديني أو دنيوي، وسواء كانت هذه الفرقة داخل الملة أو خارجها ما دامت معدودة في الأمة بانتسابها إلى الإسلام.
سادسًا: أهداف الحركة وغاياتها.
أولاً: تصحيح المفاهيم.
ثانيًا: إحياء الأمة.
ثالثًا: فتح الملفات:
ـ لإزالة الألغام من أمام العمل الإسلامي وحل المغاليق الاستراتيجية حتى لا تكون حركته في طريق مسدود أو حركة في المحل لا تستهدف أهدافًا وغايات استراتيجية ممكنة التحقيق.
... ـ اكتساب الخبرة ومعايشة الأحداث.
رابعًا: اجتياز الهوة الحضارية علميًا وتقنيًا وإداريًا واقتصاديًا واستراتيجيًا... إلخ. على جميع الأصعدة.
خامسًا: الخروج بالأمة من هيمنة الأنظمة العلمانية.
سادسًا: إيجاد المشروع الحضاري الإسلامي والخروج بالإسلام دوليًا من هيمنة الصليبية الدولية والصهيونية الدولية.
سابعًا: العودة إلى الإسلام الصحيح كشرعيات مستقرة ـ وليس كشرعيات ضرورة ـ خلافة راشدة على منهاج النبوة.(3/452)
ونشير هنا باختصار إلى الانحراف والخلل التاريخي في المفاهيم والتوجهات الإسلامية تاريخيًا في مجال التوحيد والعقيدة وأنظمة وسياسات الحكم، وإلى ضرورة تصحيح هذه المفاهيم والتوجهات في واقعنا هذا المعاصر وهو أحد أهداف حركة الإحياء والبعث الإسلامي المعاصرة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن الخلل والانحراف في مفاهيم العقيدة وأنظمة وسياسات الحكم(1):«ومن أعظم أسباب بدع المتكلمين من الجهمية وغيرهم قصورهم في مناظرة الكفار والمشركين فإنهم يناظرونهم ويحاجونهم بغير الحق والعدل لينصروا الإسلام ـ زعموا بذلك ـ فيسقط عليهم أولئك لما فيهم من الجهل والظلم ويحاجونهم بممانعات ومعارضات فيحتاجون حينئذ إلى جحد طائفة من الحق الذي جاء به الرسول والظلم والعدوان لإخوانهم المؤمنين بما استظهر عليهم أولئك المشركون فصار قولهم مشتملاً علي إيمان وكفر وهدي وضلال ورشد وغي وجمعٌ بين النقيضين وصاروا مخالفين للكفار والمؤمنين كالذين يقاتلون الكفار والمؤمنين. ومثلهم في ذلك مثل من فرَّط في طاعة الله وطاعة رسوله من ملوك النواحي والأطراف حتى يسلط عليهم العدو تحقيقًا لقوله: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - - ( المحتويات ( - - ( تم بحمد الله - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - - { - رضي الله عنه - - ( - - - ( تمت - - رضي الله عنهم -(( - { - ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - { - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -( - - - ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - ((((- رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - - - - - } (2) يقاتلون العدو قتالاً مشتملاً علي معصية الله من الغدر والمثلة والغلول
__________
(1) الرسالة التسعينية، الفتاوى الكبرى، ج5، ص 38.
(2) أل عمران، آية: 155.(3/453)
والعدوان حتى احتاجوا في مقاتلة ذلك العدو إلى العدوان على إخوانهم المؤمنين والاستيلاء على نفوسهم وأموالهم وبلادهم وصاروا يقاتلون إخوانهم المؤمنين بنوع مما كانوا يقاتلون به المشركين وربما رأوا قتال المسلمين آكد. وبهذا وصف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الخوارج حيث قال: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان» وهذا موجود في سيرة كثير من ملوك الأعاجم وغيرهم وكثير من أهل البدع وأهل الفجور. فحال أهل الأيدي والقتال يشبه حال أهل الألسنة والجدال». أهـ.(3/454)
ويقول عن الخلل في مفهوم التوحيد عند طوائف المتكلمين والصوفية ـ ممن تصدوا للتوجيه الإسلامي منذ قرون طويلة ومازالت لهم السيطرة علي التوجيه الديني حتى الآن ـ يقول: وقد غلط في مسمى التوحيد طوائف من أهل النظر والكلام ومن أهل الإرادة والعبادة حتى قلبوا حقيقته في نفوسهم، فطائفة ظنت أن التوحيد هو نفي الصفات بل نفي الأسماء الحسني أيضًا سموُّا أنفسهم أهل التوحيد. إلى أن يقول: وطائفة ظنُّوا أن التوحيد ليس إلا الإقرار بتوحيد الربوبية وأن الله خالقُ كلِّ شيءٍ. إلى أن يقول: وهذا التوحيد هو من التوحيد الواجب لكن لا يحصل به كل الواجب ولا يخلص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر الذي لا يغفره الله بل لابد أن يُخلص لله الدين والعبادة فلا يعبد إلا إياه ولا يعبده إلا بما شرع فيكون دينه كله لله. والإله هو المألوه الذي تألهه القلوب فلا يستحق أن يكون معبودًا محبوبًا لذاته إلا هو، وكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل، وعبادة غيره وحب غيره يوجب الفساد. إلى أن يقول: ثم إن طائفة ممن تكلم في تحقيق التوحيد علي طريقة أهل التصوف ظن أن توحيد الربوبية هو الغاية، والفناء فيه هو النهاية، وأنه إذا شهد ذلك سقط عنه استحسان الحسن واستقباح القبيح، فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي والوعد والوعيد، ولم يفرقوا بين مشيئته الشاملة لجميع المخلوقات وبين محبته ورضاه المختص بالطاعات وبين كلماته الكونيات التي لا يجاوزهنَّ برٌّ ولا فاجرٌ لشمول القدرة لكل مخلوق وكلماته الدينيات التي اختص بموافقتها أنبياؤه وأولياؤه فالعبد مع شهوده الربوبية العامة الشاملة للمؤمن والكافر والبر والفاجر عليه أن يشهد ألوهيته التي اختص بها عباده المؤمنين الذين عبدوه وأطاعوا أمره واتبعوا رسله.(3/455)
ومن لم يفرق بين أولياء الله وأعدائه وبين ما أمر به وأوجبه من الإيمان والأعمال الصالحات وبين ما كرهه ونهى عنه وأبغضه من الكفر والفسوق والعصيان مع شمول قدرته ومشيئته وخلقه لكل شيء وإلا وقع في دين المشركين الذين قالوا { ( قرآن كريم - - - عليه السلام -( - - - { ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنه - تمهيد - رضي الله عنه -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - (( تم بحمد الله - ((( - ( ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنه -(- عز وجل - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله -( تم بحمد الله { - - مقدمة صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - ( } (1) والقدر يؤمَن به ولا يُحتجُّ به بل العبد مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب ويستغفر الله عند الذنوب والمعايب. إلى أن يقول: ثمَّ إنَّ أولئك المبتدعين الذين أدخلوا في التوحيد نفي الصفات وهؤلاء الذين أخرجوا عنه متابعة الأمر(2) ـ إذا حققوا القولين انتهى بهم الأمر إلى أن لا يفرقوا بين الخالق والمخلوق بل يقولون بوحدة الوجود، كما قاله أهل الإلحاد القائلين بالوحدة والحلول والإتحاد الذين يعظمون الأصنام وعابديها وفرعون وهامان وقومهما ويجعلون وجود خالق السموات والأرض هو وجود كل شيء من الموجودات ويدعون التوحيد والتحقيق والعرفان وهم من أعظم أهل الشرك والتلبيس والبهتان يقول عارفهم ـ السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية ـ أي نظرًا إلى الأمر ـ ثم يري طاعة
__________
(1) النحل، آية: 35.
(2) الاتباع.(3/456)
بلا معصية ـ أي نظرًا إلى القدر ـ ثم لا طاعة ولا معصية ـ أي نظرًا أن الوجود واحد. إلى أن يقول: ومن أحكم الأصلين في الصفات والخلق والأمر فيميز بين المأثور المحبوب المرضي لله وبين غيره مع شمول القدر لهما وأثبت للخالق سبحانه الصفات التي توجب مباينته للمخلوقات وأنه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيءٌ من مخلوقاته أثبت التوحيد الذي بعث اللهُ به رسله وأنزل كتبه كما نبَّه علي ذلك في سورتي الإخلاص «قل هو الله أحد» و«قلْ يا أيها الكافرون». إلى أن يقول: وسورة «قل هو الله أحد» فيها التوحيد القولي العلمي الذي تدل عليه الأسماء والصفات ولهذا قال تعالى: { ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - - ( - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - - ( - - - - ( المحتويات - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - قرآن كريم ( - - ( المحتويات - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - (( - { - - ( قرآن كريم ((( - - - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - } وسورة «قل يا أيها الكافرون» فيها التوحيد القصدي العملي كما قال تعالى: { ( - ( - - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - تمهيد ( - - - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ( تمهيد ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - } (1) وبهذا يتميز من يعبد الله ممن يعبد غيره وإن كان كل واحد منهما يقر بأن الله ربّ كل شيء ومليكه ويتميز عباد الله المخلصون الذين لم يعبدوا إلا إياه ممن عبدوا غيره وأشركوا به أو نظروا إلى القدر الشامل في كل شيء فسووا بين المؤمنين والكفار كما يفعل المشركون
__________
(1) الكافرون، آيتان: 1-2.(3/457)
من العرب ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنها براءة من الشرك».
ويقول شيخ الإسلام(1): «والإله هو المستحق للعبادة فأما من اعتقد في الله أنه ربّ كل شيء وخالقه وهو مع هذا يعبد غيره فإنه مشرك بربِّه متخذ من دونه إلهًا آخر، فليست الإلهية هى الخلق أو القدرة على الخلق أو القدم كما يفسرها هؤلاء المبتدعون في التوحيد من أهل الكلام إذ المشركون الذين شهد الله ورسوله بأنهم مشركون من العرب وغيرهم لم يكونوا يشكون في أن الله خالق كل شيء وربّه، فلو كان هذا هو الإلهية لكانوا قائلين أنه لا إله إلا هو. فهذا موضع عظيم جدًا ينبغي معرفته لما قد لُبس على طوائف من الناس أصل الإسلام حتى صاروا يدخلون في أمور عظيمة هى شرك ينافي الإسلام لا يحسبونها شركًا، وأدخلوا في التوحيد والإسلام أمورًا باطلة ظنُّوها من التوحيد وهى تنافيه، وأخرجوا من الإسلام والتوحيد أمورًا عظيمة لم يظنُّوها من التوحيد وهى أصله، فأكثر هؤلاء المتكلمين لا يجعلون التوحيد إلا ما يتعلق بالقول والرأي واعتقاد ذلك دون ما يتعلق بالعمل والإرادة واعتقاد ذلك، بل التوحيد الذي لابد منه لا يكون إلا بتوحيد الإرادة والقصد وهو توحيد العبادة وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، أن يقصد الله بالعبادة ويريده بذلك دون ما سواه وهذا هو الإسلام فإن الإسلام يتضمن أصلين: أحدهما الاستسلام لله. والثاني أن يكون ذلك له سالمًا فلا يشركه أحد في الإسلام له، وهذا هو الاستسلام لله دون ما سواه.
وسورة «قل يا أيها الكافرون» تفسر ذلك ولا ريب أن العمل والقصد مسبوق بالعلم، فلابد أن يعلم ويشهد أن لا إله إلا الله. وأما التوحيد القولي الذي هو الخبر عن الله ففي سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن وفيها اسمه الأحد الصمد وكل من هذين الاسمين يدل على نقيض مذهب هؤلاء الجهمية». أهـ.
__________
(1) الرسالة التسعينية، الفتاوى الكبرى، ج5، ص250-251.(3/458)
ويقول شيخ الإسلام عن الانحراف في مفهوم أصل الإيمان في الرد على من يقيد سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاستحلال ليأخذ حكم الكفر(1): «ومنشأ هذه الشبهة التي أوجبت هذا الوهم من المتكلمين ومن حذا حذوهم من الفقهاء أنهم رأوا أن الإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر به ورأوا أن اعتقاد صدقه لا ينافي السبّ والشتم بالذات كما أن اعتقاد إيجاب طاعته لا ينافي معصيته، فإن الإنسان قد يهين من يعتقد وجوب إكرامه كما يترك ما يعتقد وجوب فعله ويفعل ما يعتقد وجوب تركه، ثم رأوا أن الأمة قد كفرت الساب فقالوا: إنَّما كفر لأن سبَّه دليل على أنه لم يعتقد أنه حرام واعتقاد حله تكذيبٌ للرسول فكفر بهذا التكذيب لا بتلك الإهانة وإنما الإهانة دليل على التكذيب فإذا فرض أنه في نفس الأمر ليس بمكذب كان في نفس الأمر مؤمنًا وإن كان حكم الظاهر إنما يجرى عليه بما أظهره فهذا مأخذ المرجئة ومعتضديهم وهم الذين يقولون: الإيمان هو الاعتقاد والقول، وغلاتهم وهم الكرامية الذين يقولون: مجرد القول وإن عرى عن الاعتقاد.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 456.(3/459)
وأما الجهمية الذين يقولون: هو مجرد المعرفة والتصديق بالقلب فقط وإن لم يتكلم بلسانه، فلهم مأخذ آخر وهو أنه قد يقول بلسانه ما ليس في قلبه فإذا كان في قلبه التعظيم والتوقير للرسول لم يقدح إظهار خلاف ذلك بلسانه في الباطن كما لا ينفع المنافق إظهار خلاف ما في قلبه في الباطن. إلى أن يقول: في جواب هذه الشبهة: الثاني: أن الإيمان وإن كان يتضمن التصديق فليس هو مجرد التصديق وإنما هو الإقرار والطمأنينة وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط فأما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر. وكلام الله خبر وأمر، فالخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام وهو عمل في القلب جماعه الخضوع والانقياد للأمر وإن لم يفعل المأمور به فإذا قوبل الخبر بالتصديق والأمر بالانقياد فقد حصل أصل الإيمان في القلب وهو: الطمأنينة والإقرار، فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد. إلى أن يقول: وهذا موضع زاغ فيه خلقٌ من الخلف، تخيل لهم أن الإيمان ليس في الأصل إلا التصديق، ثم يرون مثل إبليس وفرعون ممن لم يصدر عنه تكذيب أو صدر عنه تكذيب باللسان لا بالقلب وكفره من أغلظ الكفر، فيتحيرون ولو أنهم هدوا لما هدي إليه السلف الصالح لعلموا أن الإيمان قولٌ وعملٌ أعني في الأصل قولاً في القلب وعملاً في القلب. إلى أن يقول: فيصدق القلب أخباره تصديقًا يوجب حالاً في القلب بحسب المصدق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول، وينقاد لأمره ويستسلم وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل ولا يكون مؤمنًا إلا بمجموع الأمرين فمتي ترك الانقياد كان مستكبرًا فصار من الكافرين وإن كان مصدقًا. فالكفر أعمّ من التكذيب يكون تكذيبًا وجهلاً ويكون استكبارًا وظلمًا. إلى أن يقول: ألا تري أن من صدَّق الرسولَ بأن ما جاء به هو رسالة الله وقد تضمنت خبرًا وأمرًا فإنه يحتاج إلى مقام(3/460)
ثان وهو تصديقه خبر الله وانقياده لأمر الله، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره، وأشهد أن محمدًا رسول الله تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار، فلما كان التصديق لا بد منه في كلا الشهادتين ـ وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول ـ ظنَّ مَنْ ظنَّ أنه أصل لجميع الإيمان وغفل عن أن الأصل الآخر لا بد منه وهو الانقياد وإلا فقد يصدق الرسول ظاهرًا وباطنًا ثم يمتنع من الانقياد للأمر إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه وتعالى كإبليس، وهذا مما يُبين لك أن الاستهزاء بالله أو برسوله ينافي الانقياد له، لأنه قد بلغ عن الله أنه أمر بطاعته فصار الانقياد له من تصديقه في خبره فمن لم ينقد لأمره فهو إما مكذبٌّ له أو ممتنع عن الانقياد لربِّه وكلاهما كفرٌ صريحٌ. ومن استخفَّ به واستهزأ بقلبه امتنع أن يكون منقادًا لأمره فإن الانقياد إجلال وإكرام، والاستخفاف إهانة وإذلال وهذان ضدان فمتى حصل في القلب أحدهما انتفى الآخر فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ينافي الإيمان منافاة الضد للضد». أهـ.
أقول: قد مرَّ أن أصل الإيمان الذي هو أول ما يجب على المكلف وبه تقبل وتصح الأعمال وهو: إذعان لحكم المخبر وقبوله حيث يقع عليه اسم التسليم. والإسلام هو الانقياد والخضوع ولا يتحقق ذلك إلا بقبول الأحكام والإذعان. فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكمًا فهما يتحدان في التصديق وإن تغايرا بحسب المفهوم، إذ مفهوم الإيمان تصديق القلب ومفهوم الإسلام أعمال الجوارح. وما يتحد فيه المفهومان هو: إذعان لحكم المخبر وقبوله ظاهرًا وباطنًا.(3/461)
وقد مرَّ أن الإيمان يُعرف بحقيقته، ويُعرف بمتعلقاته، ويُعرف بهما معًا. وأن الإسلام كذلك يُعرف بحقيقته، ويُعرف بمتعلقاته، ويُعرف بهما معًا. وأن حقيقة الإيمان هى حقيقة الإسلام، وهى توحيد الإلهية المتضمن والمستلزم لتوحيد الربوبية وأن التوحيد توحيدان: توحيد في الربوبية، وتوحيد في الألوهية.
وأن الشرك نوعان: شرك في الاعتقاد، وشرك في العبادة.
وتوحيد العبادة لا بد فيه من إفراد الله سبحانه وتعالى بالحكم تحقيقًا لعبودية الله بقبول شرعه ورفض ما سواه، وإفراد الله عزَّ وجلّ بالولاء، وإفراد الله تبارك وتعالى بالنسك.
وإن شرك العبادة أربعة: شرك الطاعة وهو شرك الحاكمية، وشرك المحبة وهو الشرك في الولاء، وشرك الدعوة وهو شرك النسك، وشرك الإرادة وهو النفاق، وهذا كله من الشرك الأعظم.
وأقول تعليقًا على ما ذكره شيخ الإسلام من الانحراف والخلل في مفاهيم العقيدة عند أهل الألسنة والجدال ومفاهيم السياسة والحكم عند أهل الأيدي والقتال، أقول: صدق ابن المبارك إذ يقول:
وهل أفسد الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها؟!(3/462)
ومن يقرأ جيدًا تاريخ الإسلام يدرك أن الخلل في أنظمة الحكم أفسد القوة الاجتماعية للمسلمين، وأن الخلل في مفاهيم العقيدة أفسد القوة الالتزامية للمسلمين، وإذا فسدت قوة الالتزام وقوة الاجتماع بالافتراق الدنيوي والافتراق الديني هوى كيان الأمة ودخلت في أطوار الانحلال والانحدار والتفكك ولا أمل في إصلاح حال المسلمين إلا بالخروج من شرعيات الضرورة التي استمرت عشرة قرون في سياسات الملك وأوضاع السلطة وأنظمة الحكم إلى شرعية الاستقرار، وهذا ضروري لإصلاح وضع الأمراء أهل الأيدي والقتال، والعودة إلى مفاهيم العقيدة والتوجهات الإسلامية الصحيحة كما كان عليه السلف الصالح في حركة العلماء. ومن يدرك هذا يفهم ما جاء في معنى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ذهاب ملك أمته على يد بني قنطوراء. وبنو قنطوراء هم الترك الذين صار إليهم أمر الشوكة في الإسلام من القرن الثالث الهجري حتى سقوط الخلافة العثمانية.(3/463)
جاء في ”أطلس تاريخ الإسلام“ عن ملوك الترك والأعاجم «وقد مررنا في دراستنا بدول عظيمة بدأت بدايات جليلة كالسامانيين والغزنويين والأيوبيين والأتراك العثمانيين ولكنها كلها كانت ثقيلة اليد على الناس شديدة الطمع في أموالهم قليلة الاهتمام بدمائهم ولهذا توقف معظمها بعد سير قليل وتحولت إلى استبداديات صغيرة يتحارب أفرادها على الملك لأنه كان الوسيلة الكبري لكسب المال» وهكذا كان ملوك الأعاجم والترك الذين حموا الإسلام من الخارج هم الذين استنفذوا قوة مجتمعاته من الداخل إلى أن نفذت كل قدرة على العطاء ووقفت هذه المجتمعات جامدة أو تدهورت في بنائها الداخلي من حيث نظم الحكم والإدارة والاجتماع والاقتصاد والعمران، والحاجة الآن ماسة للخروج من شرعية الضرورة ـ علماء وأمراء ـ والتي استمرت عشرة قرون إلى شرعية الاستقرار وذلك بالعودة إلى الأصول في كل شيء وبلا استثناء لإقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة بعد كل ما أصاب الأمة من بني قنطوراء ومن هم على شاكلتهم.
وأقول: لابد لحركة الإحياء والبعث الإسلامي الآن من التصحيح في أربعة مجالات:
أولاً: مجال العقيدة والتوحيد. ويترتب عليه:
تحقيق النجاة الأخروية من الشرك الأعظم لمن أراد الله له النجاة.
إسقاط شرعية الأنظمة العلمانية.
إسقاط شرعية الافتراق الديني.
ثانيًا: مجال مشاركة الأمة. ويترتب عليه:
احترام أكبر لحقوق الإنسان.
إفساح مجال أو مساحة أكبر للنمو لشخصية الفرد العادي.
التخلي عن أساليب القولبة والتلقين والتحول من روح القطيع إلى روح الفريق لتحقيق استقلالية شخصية الفرد مع قوة وعمق ارتباطه بالجماعة.(3/464)
تعميق مشاركة الأمة في التغيير وفي السلطة بعد التمكين من خلال عمل أهل الحل والعقد وأهل النظر والاجتهاد لتحقيق الشورى الملزمة والحسبة والعزل والاختيار وإرجاع الاجتهاد إلى شورى العلماء والاستفادة من دور الصفوة الراشدة في ملء الفراغ السياسي وتحقيق التلاحم والترابط بين السلطة والجماهير لإبعاد كل صور الاغتراب وفقدان الانتماء.
إسقاط شرعية الافتراق الدنيوي.
ثالثًا: مجال التوازن في الخطاب الديني بين العقل والوجدان لتحقيق قوة الشعور الديني لدي الجماهير من الأمة مع قوة البصيرة الدينية لرفض العلمانية والقومية وفصل الدين عن الدولة والإباحية والتبعية لمعسكرات الشرك الدولية من الصليبية والصهيونية وولاء الكافرين عمومًا.
رابعًا: ضرورة المحافظة على الهدف والثبات على المبدأ مع أوضاع التكيف مع الواقع والتحرك من خلال الفرص المتاحة وهذا يترتب عليه إبراز الهوية الإسلامية وتجريدها من الالتباسات لتجتمع عليها الأمة ويتحقق من خلال ذلك التمكين إن شاء الله.
الفصل الثاني والأخير
الرد على ما تبقى من شبه الجهمية المعاصرة:
أولاً: في الإيمان.
ثانيًا: في الولاء.
ثالثًا: في الحكم.
رابعًا: في النسك.
الرد على شبه جماعات التكفير:
أولاً: التكفير بـ:
توسيع المناطات.
عدم الفهم للفرق بين ما ينقل وما لا ينقل عن الملة من ألفاظ الكفر، الشرك، نفي الإيمان... إلخ.
عدم إجراء الضوابط التي سبقت الإشارة إليها في الكتاب
ثانيًا: التكفير بالمعصية عقيدة الخوارج القديمة والمعاصرة.
ما تبقى من شبه الجهمية المعاصرة
أولاً: في الإيمان
الشبهة الأولي: القول بعدم التلازم بين الظاهر والباطن في الإيمان.
نقول وبالله التوفيق:
الإيمان: علم يدخل القلب. فإما:
أن ينقلع بالكلية. أو ينقلب شكًا. أو يبقي خواطر وحديث نفس.
أو يستقر في القلب يقينًا جازمًا وعقيدة راسخة.(3/465)
وفي هذه الحالة الرابعة يُقال أن القلب قد عَقِلَ العلم وضبطه، وإذا عَقِلَ القلبُ العلمَ وضبطه فإما أن:
يلقى موانع من الكبر والإلف للعادة أو الحسد أو الخوف من ضياع الملك والجاه والمكانة والشرف وما إلى ذلك فلا يعطي موجبه من الموالاة والموافقة والانقياد.
أو لا يلقى هذه الموانع فإذا لم يلق هذه الموانع فإنه يعطي موجبه من الموالاة والموافقة والانقياد.
وهذه الموالاة والموافقة والانقياد معانٍٍ مستقرة في القلب يلزم عنها بالضرورة إرادات في القلب، والإرادات مع القدرة يلزم عنها مرادات في الخارج.
الإرادات: حركة، والمعاني سكون، والمعاني لا تتجسَّد إلا من خلال الإرادات، والإرادات لا تُنْتَجُ إلا من هذه المعاني فهما متلازمان.
وهنا نقطة غاية في الأهمية في الفهم وهى: الإيمان بمعناه المقيد، له حالتان في استعمالات الكتاب والسنة:
الحال الأول: أن يقف معنى الإيمان المقيد عند العقل والضبط مع إقرار اللسان ولا تدخل فيه المعاني.
ويكون الإسلام بمعناه المقيد: شاملاً للمعاني والإرادات والمرادات ويكون دخول الملة بمجموعهما.
الحال الثاني: أن يشمل معنى الإيمان المقيد: العقل والضبط مع المعاني من الموافقة والموالاة والانقياد.
ويكون الإسلام بمعناه المقيد: شاملاً للإرادات والمرادات ولا يدخل فيه المعاني ويكون دخول الملة بمجموعهما.
والحال الأول: يكون الإيمان قولاً ظاهرًا وباطنًا، ويكون الإسلام عملاً ظاهرًا وباطنًا.
والحال الثاني: يكون الإيمان باطنًا من قول وعمل، ويكون الإسلام ظاهرًا من قولٍ وعمل.(3/466)
والظاهر من القول والعمل لا بد له من قصد في الباطن إذ أن المراد بالظاهر ليس هو الفعل أو القول المحسوس وإنما هو التكييف الشرعي وذلك كالفرق بين السفر والهجرة، فالسفر فعل محسوس والهجرة تكييف شرعي. وفي الحال الأول يمكن الانفكاك بين الإيمان والإسلام، كما في قوله - سبحانه وتعالى -: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( { المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (( - تم بحمد الله } (1)وفي الحالة الثانية لا يمكن الانفكاك وهذا واضح جدًا من السياقات التالية عن الحالين أو الضربين من ضروب التكامل بين الإسلام والإيمان من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام محمد بن نصر المروزي.
الحالة الأولي: التي يمكن فيها الانفكاك:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية(2): «وحقيقة الفرق أن الإسلام دين والدين مصدر دان يدين دينًا، إذا خضع وذلَّ، ودين الإسلام الذي ارتضاه وبعث به رسله هو الاستسلام لله وحده فأصله في القلب هو الخضوع لله وحده بعبادته وحده دون ما سواه، فمن عبده وعبد معه إلهًا آخر لم يكن مسلمًا، ومن لم يعبده بل استكبر عن عبادته لم يكن مسلمًا، والإسلام هو: الاستسلام لله وحده وهو الخضوع له والعبودية له. هكذا قال أهل اللغة: أسلم الرجل إذا استسلم. فالإسلام في الأصل من باب العمل، عمل القلب والجوارح. وأما الإيمان فأصله تصديق وإقرار ومعرفة فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب والأصل فيه هو التصديق والعمل تابع له».
__________
(1) يوسف، آية: 106
(2) كتاب الإيمان، ص 200.(3/467)
ويقول(1): «فإن الإيمان أصله معرفة القلب وتصديقه وقوله، والعمل تابع لهذا العلم والتصديق ملازم له، ولا يكون العبد مؤمنًا إلا بهما. وأما الإسلام فهو عمل محض مع قول، والعلم والتصديق ليس جزء مسماه لكن يلزمه جنس التصديق فلا يكون عمل إلا بعلم لكن لا يستلزم الإيمان المفصل الذي بيَّنه الله ورسوله كما قال تعالى: { - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - - قرآن كريم (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( - - - ( - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم ( المحتويات - - } - قرآن كريم ( - - - - ( - - رضي الله عنه - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - } - عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - - - } (2)، وقوله تعالى: { - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - - - - ( { - عليه السلام - - ( - ( - ( - - - ( تمهيد فهرس - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد - عليه السلام - - ( - ( - ( المحتويات ( - ( -
__________
(1) كتاب الإيمان، ص 291.
(2) الحجرات، آية: 15.(3/468)
فهرس - - رضي الله عنه -( (( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - ( الله - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - - - جل جلاله - - (- رضي الله عنهم - - - ( { - - فهرس - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( فهرس - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - } (1) وسائر النصوص التي تنفي الإيمان عمن لم يتصف بما ذكره، فإن كثيرًا من المسلمين مسلم ظاهرًا وباطنًا ومعه تصديق مجمل ولم يتصف بهذا الإيمان. والله تعالى قال: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - ( - - ( ( المحتويات ( فهرس - ( - تمهيد { - - - - جل جلاله -- جل جلاله - - ( - صدق الله العظيم فهرس - - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد ( { ( - ( مقدمة (- جل جلاله -( تم بحمد الله - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - - } (2)، وقال تعالى: { ( تمهيد - ((- عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - المحتويات ( فهرس - ( - تمهيد { - - - - جل جلاله -- جل جلاله - - ( - } (3) ولم يقل: «ومن يبتغ غير الإسلام(4) علمًا ومعرفة وتصديقًا وإيمانًا» ولا قال: «رضيت لكم
__________
(1) الأنفال، آية: 2.
(2) آل عمران، آية: 85.
(3) المائدة، آية: 3.
(4) إذا كان الإسلام هو الاستسلام فهو الطريقة المرضية، وإذا كان الإسلام هو الطريق المقبول عند الله والصراط المستقيم والسبيل المتبع فهو الطاعة والانقياد.(3/469)
الإسلام تصديقًا وعلمًا» فإن الإسلام من جنس الدين والعمل والطاعة والانقياد والخضوع فمن ابتغي غير الإسلام(1) دينًا فلن يقبل منه، والإيمان طمأنينة ويقين أصله علم وتصديق ومعرفة والدين تابع له، يقال: آمنت بالله وأسلمت لله».
الحالة الثانية: التي لا يمكن فيها الانفكاك:
يقول شيخ الإسلام نقلاً عن المروزي في ”كتاب الإيمان“(2):«ومثل الإيمان في الأعمال كمثل القلب في الجسم لا ينفك أحدهما عن الآخر، لا يكون ذو جسم حي لا قلب له ولا ذو قلب بغير جسم، فهما شيئان منفردان وهما في الحكم والمعنى متصلان، ومثلهما أيضًا مثل حبة لها ظاهر وباطن وهى واحدة لا يقال حبتان لتفاوت صفتهما، فكذلك أعمال الإسلام هو من ظاهر الإيمان وهو من أعمال الجوارح، والإيمان باطن الإسلام وهو من أعمال القلوب، وروى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الإسلام علانية والإيمان في القلب»، وفي لفظ: «الإيمان سر».
__________
(1) فمن ابتغاه إقرارًا فقط أو تصديقًا فلن يقبل منه.
(2) مجموع الفتاوى، ج7، ص 333-334.(3/470)
فالإسلام أعمال الإيمان والإيمان عقود الإسلام، فلا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بعقد. إلى أن يقول: ومثله قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «إنما الأعمال بالنيات» أي لا عمل إلا بعقد وقصد، لأن «إنما» تحقيق للشيء ونفي لما سواه، فأثبت بذلك عمل الجوارح من المعاملات وعمل القلوب من النيات فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام إلا بهما لأن الشفتين تجمع الحروف واللسان يظهر الكلام وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام وكذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان، ولذلك حين عدد الله نعمه على الإنسان بالكلام ذكر الشفتين مع اللسان في قوله تعالى: { ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم -(( - صدق الله العظيم - عز وجل - (( - { - ((((- عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه -( - - - الله أكبر - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((- رضي الله عنه - - - ( - { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) بمعنى ألم نجعله ناظرًا متكلمًا. فعبر عن الكلام باللسان والشفتين لأنهما مكان له وذكر الشفتين لأن الكلام الذي جرت به النعمة لا يتم إلا بهما». أهـ.
فهذا واضح جدًّا أن الإسلام كظاهر لا ينفك عن الإيمان كباطن، وأن الإيمان كباطن لا ينفك عن الإسلام كظاهر، فالباطن لا ينفك عن الظاهر في الإيمان المطلق والحقيقة الشرعية التي يدخل بها الإنسان الملة، وليس التسمية اللغوية أو الشرعية المقيدة. وكذلك الظاهر لا ينفك عن الباطن، والإيمان لابد أن يكون باطنًا وظاهرًا لأن الباطن لا يتحقق إلا بالظاهر والظاهر لا يتحقق إلا بالباطن، ولا يوجد أحدهما قبل الآخر وإن كان الشرح العلمي لكيفية وجود الإيمان يوهم بوجود الباطن قبل الظاهر فهما متلازمان معنًى وحكمًا ووجودًا.
__________
(1) البلد، آيتان: 8-9.(3/471)
أما عندما يعبر عن الإسلام المقيد بالعمل الظاهر والباطن وعن الإيمان المقيد بالقول الظاهر والباطن فهما منفكان معنىً ووجودًا ومتلازمان حكمًا وبمجموعهما يدخل الإنسان الملة.
وقد بيَّنا تفصيلاً قبل ذلك بطلان قول الجهمية: أن الإيمان باطن وأن الظاهر ثمرة له ولا يدخل فيه، وتأويل أحكام الظاهر ما لم تدل على انخرام الباطن. وكذلك بطلان قولهم: أن الإيمان المجمل الراجع إلى أصل الدين يتبعض، وأن التوحيد يتبعض، وأنه من الممكن أن يكون في الإنسان شركٌ أعظم يجتمع مع توحيد، وكفر ينقل عن الملة يجتمع مع إيمان يُدْخِلُ فيها. ولوأنهم قالوا مثل أهل السنة أن فروع الإيمان وهى الطاعات تجتمع مع فروع الكفر وهى المعاصي والبدع، لما عاب عليهم أحد ولكن الطامة الكبرى أن يقولوا باجتماع صلب التوحيد مع الشرك الأعظم في عبد مسلم واحد ويبقى مع ذلك مسلمًا واجتماع أصل الإيمان مع كفر ينقل عن الملة، فلا حاجة إلى إعادة ذلك هنا. وكذلك بيَّنا أن المعاني لا تنفك عن الإرادات ولو في حالة العجز المطلق عن المرادات لقيام النية مقام العمل وأن العمل في حالة العجز يجزئ فيه تمرير حركاته وهيئاته وتلاوته على القلب دون حركة بالجوارح أو نطق باللسان كما في الصلاة في شدة المرض وحالات الاحتضار.
الشبهة الثانية: القول بأن توحيد العبادة باطن فقط وأن الظاهر فيه مؤول.(3/472)
وهذا القول أيضًا من البدع المحدثة، وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام ابن القيم وابن عبد الوهاب وغيرهم عن الشرك الأعظم فعدّوا وسردوا أعمالاً ظاهرة كالعكوف على الأصنام وتقريب القرابين والذبح لغير الله والإهلال بغير اسم الله وما إلى ذلك، ولم يذكروا شيئًا من أعمال القلوب. وسبب هذه البدعة أنهم وجدوا ألفاظ الكفر والشرك تستعمل فيما ينقل وفيما لا ينقل عن الملة، ولم يستطيعوا أن يفرقوا بضوابط لفظية بين ما ينقل وما لا ينقل، فقالوا كل ما هو ظاهر لا ينقل وكل ما هو عمل لا ينقل وكل ما هو باطن واعتقاد ينقل أو ما يدل على فساد الباطن والاعتقاد من القول والعمل الظاهر فكفَّروا بما لا ينحصر من الدلالات على انخرام معاني الباطن الثلاثة بزعمهم وهى: أن الله أحبّ الأشياء وأولاها بالتعظيم وأحقها بالطاعة، ولم يكفروا بما كفرت به النصوص بدلالتها الصحيحة حسب ضوابطها اللغوية السليمة بل أولوها حيث لا تؤول والحق في هذا هو:
التفريق بين ما ينقل وما لا ينقل من ألفاظ: الكفر، الشرك، نفي الإيمان، نفي الصلة، الظلم، الفسق، الضلال، العذاب الأخروي، اللعن، النفاق، السيئة، الكره، والمكروه، المنكر، الفحشاء، الإثم، الذنب، الخطء، الخطيئة، المقت، الغضب. وذلك بضوابط لفظية لغوية سبقت الإشارة إليها تفصيلاً.
تنقيح المناط، تحقيقه، تنزيل الحكم على مناطه.
أن تكون هذه المناطات المكفرة محرمة تحريمًا أبديًا خالدًا لا تباح بأي حال، ولا في حال دون حال.
أن تكون هذه المكفرات نواقض لأركان التوحيد.
وفي المقابل، أركان التوحيد هى: ما تحقق فيه إفراد الله - سبحانه وتعالى - بما لا يكون إلا لله، وأن تكون نواقضها مكفرة، وأن تكون هذه النواقض محرمة تحريمًا أبديًا خالدًا.
الشبهة الثالثة: القول بالباعث بدلاً من المناط.(3/473)
وهذا من أفحش بدعهم وسبب غلطهم أنهم لم يفرقوا في القصدين بين القصد الأول الذي يجعل الفعل إراديًا، والقصد الثاني الذي يعطي هذا الفعل تكييفه الشرعى. فالمشركون قدموا المدينة محاربين في أحد، وقدموا وفودًا على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أوقات أخرى ولا يسمون مهاجرين، وقد يقدمها من يريد التجارة ولا يسمي مهاجرًا، وإنما المهاجر من يقدم إليها ليدخل في ولاء الله ورسوله والمؤمنين، وكلهم مشتركون في فعل السفر، وقد أوقعوا هذا الفعل بقصد ولكن هذا القصد مع الانتقال لا يعطي صفة الهجرة، وإنما الانتقال كفعل إرادي قصدي: سفر، والسفر بقصد الدخول في جماعة المؤمنين في المدينة: هجرة، فهذا مناط الهجرة. أما الباعث عليها فأمر آخر، وهكذا في فعل القتل مثلاً فالفعل قد يقع خطأ محض فلا يكون إراديًا، وقد يقع بقصد القتل فيكون إراديًا ولكنه مع وقوعه إراديًا قد يكون إيقاعه إراديًا بقصد قتال الكفار، أو المرتدين أو المارقين، أو البغاة أو الممتنعين عن الشرائع، أو أهل الحرابة أو دفعًا للصائل فيكون مشروعًا، وقد يقع بقصد السرقة والنهب فيكون حرابًا وقطعًا للطريق أو غيلة أو عمدًا، وقد يقع قصاصًا أو إقامة لحد أو دفعًا لصائل وقد يقع مع كفار لمؤمنين مظاهرة للكفار عليهم فيكون ولاية للكافرين، فالقتل فعل واحد ولكن له تكييفات شرعية متنوعة من الجهاد، إلى إقامة الحدود والقصاص ودفع الصائل إلى العمد والغيلة والحرابة وولاية الكافرين. والحكم الشرعي لا يتنزل على الفعل المحسوس مجردًا عن القصد مطلقًا فإن ذلك كأفعال العجماوات والجمادات، ولا يدخل على الفعل إراديًا قصديًا فقط دون ارتباط بأي قصد آخر فإن ذلك أيضًا لا يمكن تنزيل الحكم الشرعي عليه حتى تعرف جهته هل هو عمد، غيلة، قصاص، حد، حرابة، ولاية كافرين، جهاد، قتال مشروع، قتال غير مشروع، دفع للصائل، كل هذه المناطات قد يكون الفعل القصدي فيها واحدًا وهو القتل ولكن المناط مختلف تمامًا(3/474)
من مناط إلى مناط ولكل مناط حكمه الشرعي.
هذه مقدمة.
ولندخل في الموضوع بعد هذا الشرح.
مناط الأذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقع من عبد الله بن أبى بن سلول في حادثة الإفك، أذىً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكمه الكفر الناقل من الملة. ووقع كلام من حسَّان وحمنة ومسطح لم يقع أذىً لأن زوجاته في الدنيا لم يكن لهنَّ بعد حكم زوجاته في الآخرة، وأنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، وأنه ليس له أن يبدلهن فكان من الممكن له وقت ذلك طلاقهن، ولذلك قال من قال طلقها فإن النساء كثير. فالوقوع في عائشة رضى الله عنها وقتها ليس وقوعًا في عرضه لإمكان الانفكاك، أما بعد أن أصبحن زوجاته في الدنيا والآخرة وأنه ليس له أن يستبدل بهن من أزواج ولو أعجبه حسنهن، فالوقوع فيها وقوع في عرضه وقت ذاك لعدم إمكان الانفكاك ولذلك كفَّرت الأمة من يقع في عرض عائشة رضى الله عنها أو غيرها من أمهات المؤمنين بعد هذه الآية لأنه طعن في عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك كفر. فلو وقع مناط الأذي من حسان أو حمنة أو مسطح وتحقق وقوعه منهم لكفروا به في أي وقت يقع، ولكن لم يقع منهم أذىً للرسول - صلى الله عليه وسلم - بقولهم الذي تناقلوه لإمكان الانفكاك وقت ذلك ولو قالوا ما قالوه بعد عدم إمكان الانفكاك لوقع ما قالوه أذى، ولكفروا به بغض النظر عن الباعث لوقوع الأذي، فلو تحقق الأذي بأي نحو في أي وقت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكفر بذلك مهما كان باعثه، فلا فرق في أذي الرسول بين من يريد أذاه لدنيا يصيبها من غيره في مقابل هذا الأذى أو لأنه يبغضه أو يحسده أو رعونة وحمقًا أو استخفافًا بالحرمة لغرض أو ليسب به إنسانًا سبه أو لينال من سبه من عرض إنسان نال من عرضه أو غير ذلك، كل ذلك مُلغْى تمامًا كمن يسرق رغبة في التملك أو إتلافًا لمال غيره أو لينفق على المخدرات أو الخمر أو النساء أو لمجرد شهوة السرقة مادام مناط السرقة قد(3/475)
تحقق، ولكن ليس كل آخذٍ لمال الغير بغير وجه حق يقال عنه أنه سرقة، فالسرقة لها مناط لا تتحقق إلا بتحققه، فإذا تحقق لا يختلف الحكم المنزل عليها باختلاف الباعث، وقد يتولي مسلم الكافرين عشقًا لامرأة أو بسبب مال أو شرف أو ملك أو أي مصلحة تتحقق له بذلك أو حسدًا على أمير أو بغضًا لقومه وعشيرته من المسلمين أو لتغير اعتقاده. فالفرق بين عبد الله بن أبي أنه قصد بقوله الأذى وقوله إرادي، وقصده به الأذى إرادة أخرى للأذى، فهناك إرادة القول وإرادة الأذي به، وهذا هو الذي يعطي التكييف الشرعي للأذى. وحمنه ومسطح وحسان أرادوا القول ولم يريدوا الأذى به، وهذا هو الذي لم يعط لقولهم مناط الأذي، وبالتالي لم يأخذ قولهم حكم الأذى. ويعرف هذا من ذاك بالقرائن الحالية والمقالية، ولو وقع منهم هذا القول بعد حكم الله فيها وفي غيرها من أمهات المؤمنين بأنهن زوجاته في الدنيا والآخرة وأنه ليس له أن يستبدل بهن من أزواج ولو أعجبه حسنهن لوقع القول منهم أذي له لعدم إمكان الانفكاك، ولم تقبل دعواهم بغير ذلك ولكفروا بذلك لإرادتهم القول، وقيام القرائن الحالية والمقالية لإرادتهم بالقول الأذي، فيقع بذلك مناط الأذى ويأخذ حكم الكفر. ولا فرق عندئذ بين أن يكون الباعث هو كره الرسول أو تكذيبه أو حسده أو استخفافًا بحرمته لغرض كمالٍ أو شرف أو نكاح أو لذة كل ذلك لا يغير من الحكم الخاص بالمناط.
وأصحاب بدعة الباعث بدلاً من المناط ربطوا الأحكام بالبواعث وصرفوها عن المناطات التي أنزلها الله وهذا هو تحريف الكلم عن مواضعه وقانا اللهُ الفتنة وعصمنا من الزلل.(3/476)
هل هناك فرق بين من أراد القول وأراد بالقول الأذي والباعث له على ذلك غرض يناله من امرأة أو مال يناله من عدو للرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو ملك يناله بسبب ذلك أو ما دون الملك من الشرف والمكانة والجاه عند أعداء الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو كان الباعث حسده للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو بغضه له أو تكذيبه أو شكه أو لتغير اعتقاده، وهل من أراد القول ولم يرد به الأذى يعتبر قد وقع في مناط الأذى؟! وهل يستوي هذا مع من أراد الأذى لمال ويختلف عمن أراد الأذي بغضًا للرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ أم أن إرادة القول وإرادة الأذي تتفق حكمها مع اختلاف البواعث وتختلف في حكمها عمن أراد القول ولم يرد به الأذى؟
كذلك من أراد بقوله أو فعله مظاهرة المشركين على المسلمين أو التآمر مع الكافرين لاستئصال شأفة المؤمنين أو تكثير سواد الطاعنين في دين الله ترويجًا لباطلهم ابتغاءً للعزة عندهم أو ترجيح ولاء القبيلة على ولاء العقيدة... إلخ. هل يوجد فرق بين أن يكون باعثه على ذلك المال، أو الشرف، أو النكاح، أو التكذيب أو الشك أو تغير الاعتقاد أو الحسد أو الكبر أو البغض للرسول والمؤمنين، وكذلك من رغب عن شرع الله إلى غيره أو عدل به غيره بسبب مال أو شرف أو ملك أو جاه أو دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها هل يؤثر اختلاف الباعث في الحكم، وهل يختلف الحكم مع اختلاف الباعث إذا كان المناط واحدًا؟! سبحانك هذا بهتان عظيم. (3/477)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية(1): وقال أبو سعيد الأشج حدثنا عبد الله بن حراش عن العوام عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - - - قرآن كريم ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - ( تمهيد (- عليه السلام - - - (( - ( - ( - - - ( تمهيد ( فهرس - (((- رضي الله عنه -(( - - - } (2) نزلت في عائشة رضى الله عنها خاصة واللعنة في المنافقين عامة. فقد بيَّن ابن عباس أن هذه الآية إنما نزلت فيمن يقذف عائشة وأمهات المؤمنين لما في قذفهن من الطعن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعيبه، فإن قذف المرأة أذًى لزوجها كما هو أذي لابنها لأنه نسبة له إلى الدياثة وإظهار لفساد فراشه. إلى أن يقول: ولهذا ذهب الإمام أحمد في إحدي الروايتين المنصوصتين عنه إلى أن من قذف امرأة غير محصنة كالأمة والذمية ولها زوج أو ولد محصن، حدّ لقذفها لما ألحقه من العار بولدها وزوجها المحصنين، والرواية الأخرى عنه وهو قول الأكثرين أنه لا حد عليه لأنه أذى لا قذف لهما، والحد التام إنما يجب بالقذف، وفي جانب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أذاه كقذفه. ومن يقصد عيب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعيب أزواجه فهو منافق وهذا معنى قول ابن عباس: «اللعنة في المنافقين عامة» وقد وافق ابن عباس على هذا جماعة فروى الإمام أحمد والأشج عن خصيف قال: سألت سعيد بن جبير فقلت: الزنا أشد أو قذف المحصنة؟ قال: لا بل الزنا. قال: قلت: إن الله تعالى يقول: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - - - قرآن كريم ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - ( تمهيد (- عليه السلام - - - (( - ( - ( - - - ( تمهيد ( فهرس - (((- رضي الله عنه -(( - - - ( تمهيد ( - - جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - } - قرآن كريم ( - ((( - - (( - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - ( - - عليه السلام -
__________
(1) الصارم المسلول، ص 39.
(2) النور، آية: 23.(3/478)
- ( - - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) فقال: إنما كان هذا في عائشة خاصة. وروى أحمد بإسناده عن أبي الجوزاء في هذه الآية: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - - - قرآن كريم ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - ( تمهيد (- عليه السلام - - - (( - ( - ( - - - ( تمهيد ( فهرس - (((- رضي الله عنه -(( - - - ( تمهيد ( - - جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - } - قرآن كريم ( - ((( - - (( - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } قال: هذه لأمهات المؤمنين خاصة. وروى الأشج بإسناده عن الضحاك في هذه الآية قال: هنَّ نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. إلى أن يقول: وعلى هذا فرميهن نفاق مبيح للدم إذا قصد به أذى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أو أذاهن بعد العلم بأنهن أزواجه في الآخرة. وبعد أن يذكر كفر ابن أبيّ ونفاقه بهذا الفعل واستحقاقه للعن بهذا الفعل يقول(2): بقى أن يقال: فقد كان من أهل الإفك مسطح وحسان وحمنة ولم يرموا بنفاق، ولم يقتل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحدًا بذلك السبب، بل قد اختلف في جلدهم. وجوابه: أن هؤلاء لم يقصدوا(3) أذى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يظهر منهم دليل على أذاه بخلاف ابن أبيّ الذي إنما كان قصده أذاه. لم يكن إذ ذاك قد ثبت عندهم أن أزواجه في الدنيا هنَّ أزواج له في الآخرة وكان وقوع ذلك من أزواجه ممكنًا في العقل ولذلك توقف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في القصة حتى استشار عليًّا وزيدًا وحتى سأل بريرة. فلم يحكم بنفاق من لم يقصد أذي النبيّ - صلى
__________
(1) النور، آية: 23.
(2) الصارم المسلول، ص 42.
(3) انظر إلى العبارة، ولم يقل كما يقول المحرفون للكلم عن مواضعه أنهم قصدوا أذاه وكان الباعث لهم حب الدنيا، ولم يكن الباعث تغير الاعتقاد.(3/479)
الله عليه وسلم - لإمكانه أن يطلق المرأة المقذوفة. فأما بعد أن ثبت أنهن أزواجه في الآخرة وأنهن أمهات المؤمنين فقذفهن أذي له بكل حال، ولا يجوز ـ مع ذلك ـ أن تقع منهن فاحشة». انتهى بتصرف.
ثانيًا: في الولاء
قالت الجهمية أن ولاء الكافرين لا يكون مكفرًا إلا إذا كان الباعث عليه تغير الاعتقاد، وأن المسلم إذا تولي الكافرين لدنيا يصيبها منهم من مال أوشرف أو نكاح لا يكفر بذلك مادام لا يحبهم في الباطن، ويعتقد صلاح دينهم وفضله على دين الإسلام، وأن الذي يكفر هو الذي يتولي النصارى لا لشيء إلا لنصرانيتهم حبًا لها وإعجابًا بها، أو تولي اليهود لا لشيء من أغراض الدنيا إلا ليهوديتهم حبًا لها وإعجابًا بها واعتقادًا منه بأنها الدين الحق وأنها أفضل من دين الإسلام، وأن الأحكام المتعلقة بالظاهر من ولاء الكافرين كلها مؤولة مادام في الباطن ليس متوليًا لهم ولا يثبت كفره مهما كانت درجة ولائه في الظاهر لهم ومظاهرتهم على المسلمين لاستئصال شأفة المسلمين وإبادة خضرائهم إلا إذا قامت الأدلة على ولائه للكافرين في الباطن، وحتى هذا الولاء في الباطن لا يكفر به إلا إذا كان الباعث عليه تغير الاعتقاد، فكفره في الحقيقة يرجع إلى تغير الاعتقاد وليس إلى الولاء لا في الظاهر ولا في الباطن، وقد انضمت هذه البدعة إلى بدعة شنيعة جدًا لم يسبقهم أحد إليها من الجهمية القدامي ولا غيرهم من المبتدعة في كل العصور وهى القول بأن ولاء الكافرين ليس له حكم شرعي محدد بل هو يتبع الأحكام الخمسة فيكون ولاء الكافرين واجبًا أحيانًا كولاء المسلم لزوجته الكتابية!! هكذا قالوا. ويكون ولاء الكافرين مندوبًا أحيانًا، ويكون ولاء الكافرين مباحًا، ويكون ولاء الكافرين محرمًا، ويكون ولاء الكافرين مكروهًا، ويكون كفرًا أحيانًا إذا قامت الأدلة على وجوده في الباطن وكان الباعث على هذا الولاء الباطن هو تغير الاعتقاد، لا يكون كفرًا إلا بهذين الشرطين. والذي(3/480)
أدخل عليهم كل هذه البدع الشنيعة هو سوء فهمهم لقصة حاطب بن أبي بلتعة، مع مرض في قلوبهم يميل بهم إلى الكافرين والمشركين ويحرفهم عن المؤمنين والمجاهدين والموحدين.
والذي قاله المفسرون في قوله - عز وجل -: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - ( } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( { ( - ( - المحتويات ( - ( - - - ( { ( - } - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - } (1)
فتفسير { - - قرآن كريم ( { ( - ( - } أنها:
مستأنف. أو حال من ضمير { - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - } . أو صفة لأولياء.
والفهم العلمي الدقيق لهذا الإعراب ولقواعد اللغة والتفسير يقول:
__________
(1) الممتحنة، آية: 1.(3/481)
1- إذا كان الولاء مطلقًا في قوله تعالى: { - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - ( } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } وهو الولاء المنهي عنه فالاستئناف لا يجعل قصة حاطب مناطًا للحكم وإن كانت سببًا للنزول، ويكون فعل حاطب ليس هو المنهي عنه في الآية المذكورة ولكن المنهي عنه هو ما يمكن أن يؤدي إليه فعل حاطب من الولاء المطلق، ويكون فعل حاطب ذريعة إليه، فيكون النهي مطابقة عن الولاء المطلق وتضمنًا عن الذرائع المفضية إليه، ومنها فعل حاطب الذي نقطع بأنه لم يكن كفرًا.
2- إذا كان الولاء مقيدًا فالحال والصفة للتقييد وذلك مثل: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» وكقوله تعالى: { صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ( - - } تم بحمد الله - - (( - - رضي الله عنهم - - } (1) وليستا للمناط وذلك لتقييد الولاء فيكون هذا ولاء مقيدًا وهو بذلك يكون مناطًا لقوله تعالى: { ومَنْ يفعله منكم فقد ضلَّ سواءَ السبيلِ } ويخرج بذلك عن الولاء المطلق المذكور في باقي سور القرآن.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في هذا المعنى(2):
__________
(1) الطارق، آية: 6.
(2) الدرر السنية، ج1، ص 470.(3/482)
«ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون والشرك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة قد يراد بها مسماها المطلق وحقيقتها المطلقة، وقد يراد بها مطلق الحقيقة، والأول هو الأصل عند الأصوليين، والثاني لا يحمل الكلام عليه إلا بقرينة لفظية أو معنوية وإنما يعرف ذلك بالبيان النبوي وتفسير السنة قال تعالى: { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - قرآن كريم ( - { - - صدق الله العظيم ( { ( تمت - - - ( - ( - (( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - (( } (- رضي الله عنه - - ( - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - } (1) الآية» .أهـ.
وقوله تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - ( - ((( - - ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - { { ( - فهرس - - ( - (( تم بحمد الله ( - - - - (( - ((( - ( } (2) في الولاء المطلق ويتمثل في صور ذكرها القرآن:
__________
(1) إبراهيم، آية: 4.
(2) آل عمران، آية: 28.(3/483)
مظاهرة المشركين في قوله تعالى: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - ( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - - - المحتويات - (( ( - (( - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - } - ( - - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - (( ((( - - } - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( - - - ((( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { - رضي الله عنهم -(( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - ( - - ( - { - - (( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - - - - (( - - - - ( } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت } - رضي الله عنه - - ( - ( قرآن كريم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - - - - - ( مقدمة - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - الله -(3/484)
- ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( - } - رضي الله عنه -( ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - قرآن كريم ((((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( { - رضي الله عنه -( - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - قرآن كريم (( - ( } (1).
ترجيح ولاء القبيلة على ولاء العقيدة أو عدله به، وذلك في قوله تعالى: { - - رضي الله عنهم - - - ( ( - ( - - - - (( - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( الله أكبر ( الله - - ((((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - { (( ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - } - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - ( قرآن كريم ( - - - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ( - - - صدق الله العظيم فهرس - - ( - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله (( مقدمة - - الله - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - } - - صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - - - - رضي الله عنهم - - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - - ( } ( - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - - - - ( }
__________
(1) النساء، آيات: 97-99.(3/485)
- - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - (( - - مقدمة } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - ( - - (( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - تمت ( - - ( } - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - - ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { ( - - مقدمة ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((- رضي الله عنه - - - - فهرس - ( { } الله ( قرآن كريم - - ( المحتويات ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - ( } تم بحمد الله (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -(( - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات - عليه السلام - - (( - مقدمة ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه -(3/486)
تم بحمد الله ( قرآن كريم - - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - { ( - - - ( المحتويات ( - - (( - - - - - ( - ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( - { فهرس - - ( ( تمت ( - - ( ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -(( - - ( المحتويات فهرس - - ( ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - } - ( قرآن كريم - { ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - ( { - المحتويات فهرس - - - - - - - - رضي الله عنهم - - - ( - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( الله - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - } - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - (- صلى الله عليه وسلم - - - ( - - فهرس - ( { ( { - عليه السلام - - ( - ((( - - - } - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - - { - - (( تمت ( - - ( ( المحتويات { - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - } - ( قرآن كريم ( { ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((3/487)
- - - ( { - المحتويات فهرس - - - - - - } - ( قرآن كريم - (( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - ( ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { ( - - مقدمة ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ((( { - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( المحتويات ( - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - ( - (( - ( - - - جل جلاله -- جل جلاله - - ( تمهيد - تم بحمد الله } (1). قال المفسرون: الذين يصلون إلى محاربين والذين يصلون إلى مواثقين وحصرة الصدور والمتلاعبين بالدين كلهم كفَّار إلا أن يتوبوا بالهجرة، استثني من القتال الذين يصلون إلى مواثقين وحَصَرَة الصدور، وأمر بقتال مَنْ يصل إلى محاربين والمتلاعبين بالدين إن لم يعتزلوا ويلقوا السلم ويكفُّوا أيديهم عن المؤمنين.
__________
(1) النساء، آيات: 88-91(3/488)
وفي قوله تعالى: { ( - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - رضي الله عنه -((( { (((- عليه السلام - - ( - ( - - - } تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - - ( - - - - - رضي الله عنه -( - ( - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - ( - ((( - - ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( فهرس - } - ((( - - - } تمت ( - - ( فهرس - } - ((( - - - ( - - - جل جلاله -( - ( - - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - } - - رضي الله عنه - الله أكبر ( المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - (( ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( { ( - (((((( - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( - - - ( - - (( - ( - - { - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - ( - - - - ( } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( { - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( - - مقدمة } - قرآن كريم (( قرآن كريم ( - - - - (( تم بحمد الله { - ( - - رضي الله عنه - فهرس ((( فهرس ( - ( - - ( ( - ( - ( الله أكبر ( { - { - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - ( } تم بحمد الله } تمت ( { { - - - ((( تم بحمد الله -(3/489)
- رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -((( { (((- عليه السلام - - ( - ( - - - - رضي الله عنه -((( - ((( - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - رضي الله عنه - - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - (( - ( - - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - تمت ( - - ( - رضي الله عنه - تمت - - - ( المحتويات ( - - - ( - ( - - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - الله أكبر ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم -( } تم بحمد الله تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - - رضي الله عنه -((( - ((( - - ( - ( - ( - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر } - ( قرآن كريم ( - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( المحتويات ( - ((- عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - - - - ( ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - ( المحتويات ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - صدق الله العظيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - - - - رضي الله عنه -((( - ((( - - ( - ( - - فهرس(3/490)
- - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - } تمت ( { - رضي الله عنه -((( { (((- عليه السلام - - ( - ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ( - - ( - { - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ((( - (- رضي الله عنهم - - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( تم بحمد الله - - - - فهرس - ( { ( - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - - - - فهرس - - - - ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -(( - - - عليه السلام - - ( - { } - } - - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - { - - - - صدق الله العظيم ( { الله - - ( - - - - - رضي الله عنه -((( - - - ( - - - - تم بحمد الله - رضي الله عنه -(((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - - فهرس - ( { ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - ( { ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ( - - - صدق الله العظيم فهرس - - ( - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله (( - - - الله - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( -(3/491)
( - - - - صدق الله العظيم - ( - ((( - - ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ( - ( المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - ( - (( - ( - - (- جل جلاله - - ( تمهيد - تم بحمد الله - } تمت ( { - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( الله أكبر ( الله - - - (( ( - ( - } - - - - ( - - (( - - } - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - } - - - - صدق الله العظيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ( المحتويات ( - - - - ( - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - - صدق الله العظيم ( { - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - - - } - قرآن كريم ( - فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - (- رضي الله عنه - - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - ( - } - قرآن كريم (( فهرس - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - جل جلاله - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - ( - - - - رضي الله عنه(3/492)
-((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - ((- رضي الله عنه -( - - } تم بحمد الله ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - - - ( المحتويات ( تمهيد ( - - - - - رضي الله عنهم -(( - تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - - - { ( المحتويات ( - - جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - ( - ( - - - { - - - - ( - - رضي الله عنه -( } (1).
أقول: في قوله تعالى في هذا السياق القرآني ثلاثة مناطات:
ـ تكثير سواد الطاعنين في دينِ اللهِ ترويجًا لباطلهم ابتغاءً للعزةِ عندهم.
ـ الدخول تحت ولاية الكافرين أي من أدخل نفسه بطوعه تحت ولاية الكفَّار.
ـ انعدام الولاء للمؤمنين والكفَّار بحيث يتذبذب ولاؤه مع تذبذب مصلحته، إلهه هواه. تعس عبدُ الدِّرْهَم والقطيفة والخميصة يبيع المؤمنين للكفار بأدني ثمن ويبيع الكفار للمؤمنين بأدنى ثمن.
__________
(1) النساء، آيات: 138-147.(3/493)
التآمر مع الكفَّار على المؤمنين لإلحاق الضرر بهم والتفريق بينهم يقول تعالى: { - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - - جل جلاله - - ( - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - جل جلاله - - - - عليه السلام - - (( - - - ((( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - { - ( - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - جل جلاله - - - - (( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - - - عز وجل -- عليه السلام - - - - رضي الله عنه - فهرس { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - } (1) الآية. وهذه الصورة متكررة في كثير من سور القرآن الكريم.
__________
(1) التوبة، آية: 107.(3/494)
التفرق المطلق والقتال على دعاوي الجاهلية والتولي بغير ولاية الإسلام وذلك في قوله تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( تمت ( { } - قرآن كريم (( - ((( - - - { - ( - - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - ( - ( - ( { - رضي الله عنه -((( - ((( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - - ( المحتويات ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - ( - ( - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( - - - ( المحتويات ( تمهيد - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ((- رضي الله عنه - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - ( - ( - - { - ( - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - فهرس - ( { - ( } - عليه السلام - - (( - - (( { - رضي الله عنه - - ( - - تم بحمد الله - - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم ( { } - - - { - - - } - - مقدمة (( مقدمة ( - - - { ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى(3/495)
الله عليه وسلم - } ((( قرآن كريم (( - - - صدق الله العظيم ( { المحتويات ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - تم بحمد الله - } - قرآن كريم ( - ((- رضي الله عنه - - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - ( - - - - - جل جلاله -( - ( - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - { - - ( - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد - رضي الله عنهم - - ((( الله أكبر ( - - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - ( { ( - (( - ( - } ( - - - رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - { - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - رضي الله عنه -(((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - - ((( - - رضي الله عنه - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - ( ((( مقدمة ( - - عليه السلام - - ((( - ( - - - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { ( - (( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - ( - { - - - عليه السلام - - ((( مقدمة - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - } - - - - المحتويات ( - - - - { الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - { - ( { ( } تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - ((( } (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - - ( المحتويات ( - - - (( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( - ( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - الله - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه(3/496)
وسلم - ( المحتويات ( - - جل جلاله -( } تم بحمد الله ( { } تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - - فهرس - ( { ( - ( - - - ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( { الله أكبر ( الله - - ( - - رضي الله عنه - تمت ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( - - - - جل جلاله -( - ( - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ((( - ( - - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر قرآن كريم ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - - - } - قرآن كريم ( - { - - ( - - } - قرآن كريم (( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( تمهيد ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( تمهيد ( - - جل جلاله -( } - - رضي الله عنه - تمهيد ( - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - مقدمة - ( - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - (- عليه السلام - - ( - - - ( فهرس قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - فهرس - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( فهرس قرآن كريم ( - (- صلى(3/497)
الله عليه وسلم - - } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - ( - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات } - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - - ( فهرس ( - - ( - - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - (- جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - - ( { } - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - (( - ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - - - - } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - ( تمهيد - (- عليه السلام - - ( - - - ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( ( { - عليه السلام - - ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - ( المحتويات ( - - { - - (( - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (- رضي الله عنهم - - } (1) الآيات. وفي قوله - عز وجل -: { ( - ( - - عليه السلام - - ( - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (( - - ( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ((((( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم -(((( - ( - ( - ( - ( - الله أكبر ( { ( المحتويات ( - ( - ( - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - -
__________
(1) آل عمران، آيات: 100-107.(3/498)
- رضي الله عنه - - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( قرآن كريم ( تمهيد - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ((( - ( - - - } (1)، وقوله- عز وجل - : { } تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - (- رضي الله عنهم - - - (( } - عليه السلام - - (( - - - - ( { - رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله ( فهرس قرآن كريم ((( - } - - - - ( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ((( - ( - - - - - ( تمهيد - - - - - - - { - - (- رضي الله عنه - - - ( ( المحتويات ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( (( - ( - - ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( - } - - المحتويات ( - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة ( - ( المحتويات ( تمهيد ( - - رضي الله عنهم -( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - } (2).
6 ـ التشبُّه المطلق بالكفار يقول الرسول الكريم: «مَنْ تشبَّهَ بقومٍ فهو منهم».
__________
(1) الأنعام، آية: 14.
(2) الأنعام، آية: 153.(3/499)
وفي قوله تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - ( - ((( - - ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - { { ( - فهرس - - ( - (( تم بحمد الله ( - - - - (( - ((( - ( - صدق الله العظيم ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( { ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( تم بحمد الله - { - - { ( - } (1) الآيات. تجرد المناط عن خصوصية محل أو مزاحمة أوصاف وارتبط بحكمه بحرف الفاء والحكم «ليس من الله في شيء» هو نفي للصلة من كل وجه وهذا يفيد الكفر الذي ينقل عن الملة، لأن هذا لا يكون إلا للكافر. أما المؤمن ولو كان فاسقًا فإنه تنقطع صلته بالله من وجه وتبقي من وجه، فلم يبق إلا تحقيق المناط. وتحقيق المناط يكون بتقديم الحقيقة الشرعية، فإن لم تكن حقيقة شرعية أُخِذَ بالحقيقة العرفية الاستعمالية، فإن لم يكن أخذ باللغوية.
__________
(1) آل عمران، آية: 28.(3/500)
والحقيقة الشرعية هنا هى الصور التي ذكرها القرآن، والصورة التي ذكرتها السنة التي تمثل فيها ولاء الكافرين وانحصر فيها، وبيان وجه المناط فيها إما نصًا أو من سبب النزول تبينه السنة الصحيحة شارحة للقرآن، فلا يعدل عن هذه الحقيقة الشرعية وهى الصور التي عدَّها القرآن ولاءً للكافرين دون غيرها من الصور الممكنة من اللغة أو العرف، وذَكَرَ ما سواها مما قد يُعَد في العرف أو اللغة ولاءً ولم يسمه ولاءً ولا كفَّر به بل سمَّاه اتخاذ بطانة أو وليجة أو بر أو قسط، وبذلك يكون القرآن قد أسقط اعتبار الاستعمال العرفي أو اللغوي في الولاء، وذلك بذكر بعض صوره وتعمَّد تسميتها بغير اسم الولاء ليبين أن الولاء هو ما حصره في الصور التي جاء بها بيانًا لإجمال الآية المذكورة في سورة آل عمران { - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - ( - ((( - - ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - { { ( - فهرس - - ( - (( تم بحمد الله ( - - - - (( - ((( - ( - صدق الله العظيم ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( { ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( تم بحمد الله - { - - { ( - } فالاستعمال اللغوي والعرفي اعتبار ملغي في الولاء، والاستعمال المعتبر هو الحقيقة الشرعية فقط. وفي قول الله - عز وجل -: { - صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنهم - - (- جل جلاله -- رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق(4/1)
الله العظيم - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - - (( (((( - - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - - } - ( قرآن كريم ((( - ( { ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - ( { } تمت ( { { - - - - - (- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه -((((( - ( { ( - ( - - - } (1) لم يقل لا ينهاكم الله أن تولوهم ولا قال أوجب عليكم ولايتهم وهم كافرون، لأن ولايتهم معناها الدخول في رايتهم والدخول في رابطتهم سلمًا وحربًا، وهذا لا يكون لكافر أبدًا لا لقوم كفَّار ولا لراية أو رابطة أو جامعة أو ولاية كافرة وإنما قال: { تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - - } - ( قرآن كريم ((( - ( { ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - ( { } وهى صلة أفراد لأفراد مع براءتهم من رايتهم ورابطتهم وهذه الصلة لم يسمها الله ولاءً، وإن كان يصحّ تسميتها ولاءً بالمعنى اللغوي أو العرفي لأن المعتبر هو المعنى الشرعي وهى ليست ولاءً بالمعنى الشرعي، ولم يقل ما قاله هؤلاء الجهمية من أن صلة الزوجة الكتابية ولاءً واجبًا للكفار وصلة الأم وهى سبب نزول هذه الآية أقوي من صلة الزوجة ولم يسمها الله ولاءً واجبًا للكفار، ولا قال أنه ولاء مباح أو مستحب ولو كان شيء مما يقال عنه أنه ولاء لغوي يصحّ أن يسمى ولاء بالاصطلاح الشرعي لسمي صلة أسماء لأمها ولاءً، لأنه لا حب زوجة ولا ولد أقوى من
__________
(1) الممتحنة، آية: 8.(4/2)
حب الأم، ولذلك يقول المفسرون: «لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء».
يقول الطبري في التفسير(1): «وقال آخرون بل عني بها من مشركي مكة من لم يقاتل المؤمنين ولم يخرجوهم من ديارهم. قال: ونسخ اللهُ ذلك بعد الأمر بقتالهم. يقول: حدثنا ابن عبد الأعلى قال حدثني ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله: { - صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنهم - - (- جل جلاله -- رضي الله عنه - - ( - - - } الآية. قال: نسختها { } - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - ( - رضي الله عنه -((( - ( - ((( - ( - - - ( { ( - - مقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (2) ثم يرجِّح الطبري أن اللهَ - عز وجل - عمَّ بقوله: { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - - (( (((( - - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - } جميع من كان ذلك صفته ولا معنى للقول بالنسخ لأن برَّ المؤمن مِنْ أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غيرُ محرم ولا منهيٌّ عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام أو تقوية لهم بكراع أو سلاح». أهـ.
__________
(1) تفسير الطبري، ج12، ص 62.
(2) التوبة، آية: 5.(4/3)
وكذلك قوله سبحانه وتعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - { - رضي الله عنه - الله أكبر - - (( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - صدق الله العظيم ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - - رضي الله عنه - تمهيد - رضي الله عنهم - - } - - صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - ((- جل جلاله -- رضي الله عنه -( ( - - - ( المحتويات - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - (( - - - (((- رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - } - عليه السلام - قرآن كريم ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - ( - ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - } - جل جلاله - } - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - - تمت ( { ( - (( - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( { (( - - - ( المحتويات ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنهم - - ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - - قرآن كريم - - (- رضي الله عنه -( تم بحمد الله - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم - تمهيد (- رضي(4/4)
الله عنه -( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - ( - (( - ( - - ( - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( { - - } - ( قرآن كريم ( - - - - - } - جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم فهرس - - رضي الله عنهم - - } - قرآن كريم - (- رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - ( تم بحمد الله - - رضي الله عنه - الله أكبر - } - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه -(( - - - ( - ( - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ((( - - رضي الله عنه -(( - } تمت ( { { - - - - - (( - - رضي الله عنه -( ( المحتويات - - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - } (1) كلّ هذه الآيات ليس فيها حكم ولا وصف بالكفر وليس فيها تسمية اتخاذ البطانة ولاءً، وكذلك فعل الأنصار مع سعد بن معاذ عندما قالوا أرفق في مواليك وقال سعد لقد آن لسعد ألا تأخذه في اللهِ لومةُ لائم، فلم يقل عن فعل الأنصار أنه ولاء واجب أو محرم أو مكروه أو مباح لم يدخل القول أصلاً تحت وصف الولاء.
__________
(1) آل عمران، آيتان: 118-119.(4/5)
فولاء الكافرين دائمًا كفر، وكل ما جعل اللهُ تكييفه الشرعي من الأقوال والأفعال أنه ولاء كافرين فهو كفر، إلا أن يقيده بوصف كما في قصة حاطب فيكون شعبة من شعب الولاء، وليس الولاء المطلق فيخرج عن كونه كفرًا إلى كونه ذنبًا أو خلافًا للأولي مثل شعب النفاق وفروع الكفر من المعاصي ولم يرد في القرآن ذلك إلا في موضع واحد هو المذكور في سورة الممتحنة على تفسير { تُلقُونَ } بأنها حال من الفاعل أو صفة من المفعول وليست للاستئناف. أما ما عدا ذلك من المعاني التي تصح أن تدخل في مسمي الولاء اللغوي أو المقيد فيسميها القرآن «ركون» أو «طاعة» أو «خلة» أو «بطانة» أو «ظهير» ويحتف بها من القرائن ما يخرجها عن الولاء المطلق لفظًا ومعنى، وعندما كان مباحًا زواج المشركة فقد كان منهيًا عن ولائها كما هو منهي عن ولاء الآباء والأبناء والأخوة والعشيرة والزوج من العشيرة وإن كان مأذونًا بالصلة { - - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد ( مقدمة - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - - { (- صلى الله عليه وسلم -( - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله } (1) فإباحة الزواج لا تعني إيجاب الولاء لأن ولاءها معناه تولي قومها ورايتها لأجل حبِّه لها أو دخوله تحت طاعتها والزوجة هى ولية زوجها وليس العكس فحبه لها كحبِّه لأمه أو أبيه المشرك وبره لهما وإن كانا حربيين لا يسمى ولاءً.
__________
(1) لقمان، آية: 15.(4/6)
يقول - عز وجل -: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( تمت ( { } - قرآن كريم - تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام - - ((( تمهيد ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - { - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - (1) - ( - ( - تمت ( { - رضي الله عنه - تمت - - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام - - - ((- رضي الله عنه
__________
(1) يقول القرطبي: «الظالمون: المشركون».(4/7)
-(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - } - عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - ( - ((- عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -( - - - ( - - عليه السلام - - ( { - ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ( صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( قرآن كريم - (( - - - - - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( تمهيد ( - - - ( { - (( } تم بحمد الله ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( (( - ( - - ( - - رضي الله عنهم - - } - قرآن كريم ((( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى - - ( - (( - - مقدمة - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - (( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - ((( { ( - ( - (( - - - } (1)، ويقول - عز وجل -: { ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - - فهرس - ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - - - ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - (( - ( ( - - - المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه
__________
(1) التوبة، آيتان: 23-24.(4/8)
-( - } تم بحمد الله المحتويات ( - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - ( - - - ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - } إلى قوله تعالى { - صدق الله العظيم ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - - - مقدمة { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( الله أكبر - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - الله - عليه السلام - - - ((- رضي الله عنه -( } (1) الآيات.
__________
(1) المجادلة، آيات: 14-22.(4/9)
وإذا كان قتال فقد كان أبو بكر حريصًا على قتل ابنه في الحرب لو التقى به، وكان طلحة حريصًا على قتل أبيه في الحرب لو التقى به.
وقد جاء في كتاب ”اختلاف الدارين وأثره في أحكام المناكحات والمعاملات“(1): وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز لمسلم أن يتزوج المشركات من غير أهل الكتاب كما لا يجوز لمسلم أن يزوج بناته المسلمات الكفَّار سواءً كانوا من أهل الكتاب أمْ من غيرهم وذلك لقوله تعالى: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - ( - - - - ( تمهيد ( - - ( - ((( - ( - - - - (( - - مقدمة - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - } (2) الآية. ولقوله تعالى { - صدق الله العظيم - صدق الله العظيم ( - - - ( مقدمة ( المحتويات ( - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم - - (- رضي الله عنه - - - - صدق الله العظيم ( - مقدمة - } (3) ويقول في حكم زواج المسلم بكتابية من أهل دار الإسلام: «أما حكم الإسلام في مسألة زواج المسلم بكتابية من الذميات فللفقهاء في ذلك ثلاثة آراء:
الرأي الأول: يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية من أهل الذمة وهو رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والنخعي وابن القاسم المالكي، وأحد قولي الشافعية والحنابلة والظاهري والصحيح من مذهب الزيدية فقال الجصاص رحمه الله: إباحة نكاح الحرائر منهن إذا كنَّ ذميات وصرَّح الحنابلة بقولهم أن الذميات يبحن بلا نزاع في الجملة. وقال ابن حجر الهيثمي رحمه الله: لا تكره الذمية لأن الاستفراش إهانة، والكافرة جديرة بذلك.
__________
(1) دكتور إسماعيل لطفي، مطبعة دار السلام، ص 161-178 بتصرف.
(2) البقرة، آية: 221.
(3) الممتحنة، آية: 10.(4/10)
واستدلوا بقوله تعالى: { - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - } - ( مقدمة ( - ( المحتويات ( - - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - { ( - - - } (1) الآية. وجه الاستدلال فسَّر ابن عباس رضى الله عنهما قوله تعالى: { ? ( تمهيد ( - - جل جلاله - - (( - ( الله أكبر ( الله - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمهيد ( - - جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( تمهيد ( - - جل جلاله - - (( - ( الله أكبر ( الله - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - } (2) قائلا: العفائف مِنْ أهلِ الكتاب حِلٌّ لكم إذا أتيتموهنَّ أجورهن. وأخرجه بنحوه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وروى عن ابن عباس أيضًا: أن هذه الآية خاصة لأهل العهد من الذميات دون أهل الحرب في دار الحرب.
الرأي الثاني: يحرم على المسلم نكاح الكتابيات مطلقًا سواء كانت ذمية أو حربية وسواء كانت في دار الإسلام أو في دار الحرب وهو رأي ابن عمر رضى الله عنهما... إلى آخر ما قال.
الرأي الثالث: يكره للمسلم أن يتزوج ذمية وأصحاب هذا الرأي اختلفوا على قولين:
القول الأول: يكره للمسلم أن يتزوج ذمية مطلقًا وهو قول الإمام مالك رحمه الله حكى ذلك ابن القاسم رحمه الله قائلاً: «قال مالك(3): أكره نكاحَ نساءِ أهلِ الذِّمَةِ، اليهودية والنصرانية وذلك لأسباب منها أولا: أنها تأكل الخنزير وتشرب الخمر فيضاجعها ويقبلها. ثانيًا: أنها تلد منه أولادًا فتغذي ولدها على دينها وتطعمه الحرام وتسقيه الخمر وتذهب به إلى الكنيسة... إلخ».
__________
(1) المائدة، آية: 5.
(2) المائدة، آية: 5.
(3) المدونة الكبرى، ج2، ص 301، ج1، ص 231.(4/11)
القول الثاني: وهو أحد قولي الشافعية وبعض الحنابلة فيقول الشافعية (1): «يكره للمسلم أن يتزوج ذمية مع وجود امرأة مسلمة ولم يرج إسلامها وذلك كي لا تفتنه بفرط ميله إليها أو ولده وإن لم يجد مسلمة فلا كراهة في ذلك. ويشبه ذلك ما نقل عن القاضي وغيره من الحنابلة من أنه يكره نكاح الحرائر الكتابيات مع وجود المسلمات وحجتهم ما روى عن أبي الزبير أنه سمع جابرًا بن عبد الله يسأل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال تزوجناهن من زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرًا فلما رجعنا طلقناهن. وقال: فقال لا يرثن مسلمًا ولا يرثونهن ونساؤهم لنا حل ونساؤنا حرامٌ عليهم.
__________
(1) الأم، ج5، ص 7، المدونة الكبرى، ج2، ص 308.(4/12)
الترجيح: مما تقدم تبين أن السلف قد ذهبوا في زواج الكتابيات من أهل الذمة إلى عدة آراء: منهم من رأي بالمنع مطلقًا، ومنهم الجواز مُطْلقًا، ومنهم الكراهة مطلقًا، ومنهم من قيد ذلك بالظروف والأحوال، كما ذهب إلى ذلك بعض الصحابة في أنهم إنما نكحوا الكتابيات في حالة الحرب مثلاً وهو الرأي الراجح في نظرنا. فيكره للمسلم أن يتزوج ذمية إن لم يغلب على ظنه أنها ستسلم مع تيسر زواج المسلمات خوفًا لحدوث الفتنة في الدين كتنصير الأولاد أو تهويدهم، ويؤيد ذلك ما يروى عن عمر- رضي الله عنه - قال للذين تزوجوا نساء أهل الكتاب «طلقوهن» فطلقوهنَّ إلا حذيفة فقال له عمر: طلقها. قال: تشهد أنها حرام؟ قال: هى خمرة طلقها قال: تشهد أنها حرام؟ قال: هى خمرة. قال: قد علمت أنها خمرة ولكنها لي حلال. فأبى أن يطلقها. فلما كان بعد طلقها فقيل له: ألا طلقتها حين أمرك عمر؟ قال: كرهت أن يظنَّ الناس أني ركبت أمرًا لا ينبغي. فظاهر هذا الأثر أن زوجات هؤلاء الصحابة لم يسلمن ولم يرج إسلامهن لذلك أمرهم عمر بطلاقهن لخطرهن عليهم وهم اعترفوا بذلك فطلقوهنَّ. وكذلك فإن اختلاف السلف فيما بينهم يدل على أن الإباحة خصت بحال دون حال(1).
ويقول عن زواج المسلم بكتابية من أهل دار الحرب. يقول: وأما الفقهاء الذين يبيحون زواج المسلم بكتابية ذمية فقد اختلفوا في حكم زواج المسلم بكتابية من أهل دار الحرب على رأيين:
الرأي الأول: يحرم على المسلم أن يتزوج بكتابية من أهل دار الحرب وهو رأي ابن عباس رضى الله عنهما.
__________
(1) فتح الباري، ج9، ص 417.(4/13)
الرأي الثاني: يكره للمسلم أن يتزوج حربية في دار الحرب، أما الحربية المستأمنة في دار الإسلام فحكم الزواج بها كحكم الزواج بالذمية وهو رأي على والحسن وقتادة وقد ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وبعض الحنابلة. ثم يقول: وقد اتفق أصحاب هذا الرأي على جواز نكاح المسلم بحربية في دار الحرب إذا كان يخشى العنت على نفسه للضرورة ولأن التحرز عن الزنا فرض(1).
بعد استعراض أقوال أصحاب هذا الرأي نجد أن علل الكراهة تكون في احتمالين اثنين أولهما: حدوث المودة المنهي عنها. والثاني: حدوث الفتنة لاحتمال بقاء المسلم وزوجته الحربية مع أولادهما في دار الحرب. وعلى هذا ولو استطاع أحد أن يتغلب على هذا المحذور بأن يشترط في عقد الزواج الخروج بها إلى دار الإسلام ويغلب على ظنه بأن زوجته الحربية ستسلم بعد ذلك ولن يبقي هو وزوجته الحربية في دار الحرب زالت علل الكراهة وحينئذ يجوز له أن يتزوج في دار الحرب كما قال أهل المدينة: إذا كان المسلمون يُتركون إذا نكحوهنَّ أن يخرجوا بهنَّ وبأولادهم إلى أرض الإسلام ولا يُحبسون فلا بأس بذلك(2). بل يسن له ذلك إذا رجي إسلامها عند الشافعية(3).
الترجيح: الراجح هو رأي الجمهور فيكره لمسلم أن يتزوج حربية في دار الحرب إلا في إحدي الحالتين:
أولهما: إذا خشى العنت على نفسه ولم يتيسر له زواج المسلمات.
الثانية: إذا غلب على ظنه أن زوجته الحربية ستسلم بعد الزواج بها وأنها تخرج معه إلى دار الإسلام. أهـ.
__________
(1) شرح السير الكبير، ج5، ص1838،تحفة المحتاج، ج7،ص322، نهاية المحتاج، ج6، ص 390.
(2) كتاب الحجة على أهل المدينة، ج2، ص 357، لسان الحكام في معرفة الأحكام، ص 179-180، شرح السير الكبير، ج5، ص 1833.
(3) الشرقاوي على النحرير، ج1، ص 238.(4/14)
أقول: واضح هنا أن زواج الكتابية سواء كانت ذمية أو حربية هو للاستفراش وليس للمودة كما قال ابن حجر الهيثمي، وأنه لحالة الضرورة وخوف العنت للتحرز عن الزنا. وهناك رأي قوي بتحريم زواج الحربيات لابن عباس رضى الله عنهما. وأما الذمية فهى في ذمة زوجها المسلم وولايته وولاية دار الإسلام التي تقيم بها وزوجها ليس في ذمتها ولا في ولايتها ولا في ولاية قومها وعلى فرض وجود المودة والحبّ فهما شيء آخر غير الولاء الشرعي إذ الولاء الشرعي أن يلزم من زواجه بها وحبه لها ومودته لها أن يتولي قومها ويظاهرهم على المسلمين أو أن يدخل في ولائهم وتحت رايتهم سلمًا وحربًا من أجلها. هذا هو معنى الولاء بحقيقته الشرعية فهل قال أحد أن زواج المسلم بالكتابية ذمية كانت أم حربية يستلزم ذلك وأباح للمسلم زواج الكتابية على هذا الاعتبار وفرض عليه إذا تزوجها أن ينسلخ عن ولاء المسلمين إلى ولاء قومها من الكفار ويظاهرهم على المسلمين ويدخل تحت رايتهم سلمًا وحربًا وأن هذا واجب عليه بحكم الشرع الإسلامي فيكون ولاء الكافرين في هذه الحالة داخلاً في أحد أنواع التكليف الخمسة وهو الوجوب؟! هل قال بذلك عالم من قبل أو حتى أحد عوام المسلمين بالغًا ما بلغ جهله وهل نسب هذا القول من قبل إلى أهل السنة أو أحد من الفرق الثنتين والسبعين على مدار التاريخ الإسلامي كله؟! سبحانك هذا بهتانٌ عظيم.
ويقول الدكتور فطاني(1): نفقة الأقارب. أما نفقة الأقارب فهى نوعان:
__________
(1) اختلاف الدارين، ص 246.(4/15)
الأول: قرابة الولادة وهى الأصول والفروع. الثاني: قرابة غير الولادة وهى إما قرابة محرمة للنكاح كالأخوة والعمومة، وإما قرابة غير محرمة للنكاح كقرابة بني الأعمام والأخوال والخالات. واختلف أهل العلم في القرابة الموجبة للنفقة فعند الحنفية أن القرابة الموجبة للنفقة هى قرابة الولادة وقرابة غير الولادة المحرمة للنكاح فتجب النفقة للفروع على أصولهم، وللأصول على فروعهم، والمراد بالأصول عندهم هم الأبوان والأجداد والجدات ويدخل فيهم الجد لأب والجد لأم وإن علوا وجداته لأبيه وجداته لأمه وإن علون، أما الفروع فهم الأولاد وإن نزلوا، وأما قرابة غير الولادة فتجب لها النفقة إذا كانت محرمة للنكاح ويجري فيها الإرث. وعند المالكية لا تجب النفقة إلا على الولد لوالديه وعلى الأب لولده فلا تجب على الولد نفقة جده أو جدته ولا تجب نفقة ولد ابن على جده. وعند الشافعية لا تجب النفقة إلا في قرابة الولادة فتجب للأصول على الفروع وبالعكس. وعند الحنابلة والزيدية تجب النفقة للأصول وإن علوا وللفروع وإن نزلوا كما تجب على كل قريب موسر يرث قريبه المحتاج بفرض أو تعصيب. وعند الشيعة الإمامية تجب النفقة في قرابة الولادة وتستحب في غيرها... إلى آخر ما يقول.
ثم يقول: أثر اختلاف الدارين في نفقة الأقارب بين المسلم والحربي أو المستأمن. يقول: إذا تصفحنا كتب الفقهاء نجد أن جمهور الفقهاء لم يشترطوا اتفاق الدين في قرابة الولادة لوجوب النفقة، فتجب النفقة للأصول على الفروع وبالعكس، ولو مع اختلاف الدين إذا اتحدت الدار بينهما، وقد اختلفوا في الحربي والمستأمن حول وجوب نفقته على أصوله أو فروعه المسلمين وكذلك العكس على أربعة آراء:(4/16)
الرأي الأول: لا تجب النفقة على المسلم لأصوله وفروعه الحربيين وإن كانوا مستأمنين، وكذلك لا تجب على المستأمن أو الحربي لأصوله وفروعه المسلمين وهو رأي الحنفية. فقال ابن الهمام رحمه الله: إلا أنهم إذا كانوا حربيين فلا تجب نفقتهم على المسلم وإن كانوا مستأمنين.
الرأي الثاني: لا تجب نفقة الأقارب على المسلم لأقاربه الكافرين سواء كانوا ذميين أو مستأمنين أو حربيين وبالعكس، وسواء كانت قرابة الولادة أو غيرها، وذلك لاختلاف الدين بينهما وهو رأي الحنابلة وقد صرَّحوا بذلك فقالوا: ولا نفقة مع اختلاف دين بقرابة ولو من عمودي النسب.
الرأي الثالث: التفريق بين قرابة الولادة وقرابة الرحم المحرم حيث لا أثر لاختلاف الدارين في قرابة الولادة لوجوب النفقة، فتجب النفقة للأصول على الفروع وبالعكس، ولو مع اختلاف الدارين بينهما. إلى أن يقول: أما في غير قرابة الولادة من الرحم المحرم فلا تجرى النفقة بين المسلم أو الذمي الذي في دار الإسلام وبين الحربي ولو كان مستأمنًا لاختلاف الدارين بينهما، وكذلك لا نفقة بين المسلم المقيم في دار الإسلام وبين الحربي الذي أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا لاختلاف الدارين وهو رأي الإمام الكاساني الحنفي رحمه الله وعلَّل ذلك بأن الفرق بينهما من وجهين:
الأول: أن وجوب نفقة غير قرابة الولادة من الرحم المحرم بطريق الصلة ولا تجب هذه الصلة عند اختلاف الدارين وتجب في قرابة الولادة.
الثاني: أن وجوب نفقة غير قرابة الولادة من الرحم المحرم بحق الوراثة ولا وراثة عند اختلاف الدارين بخلاف وجوب النفقة في قرابة الولادة فإنه بحق الولادة الموجب للجزئية وهذا المعنى لا يختلف باختلاف الدار كما لا يختلف باختلاف الدين.(4/17)
ويرد على هذا التعليل بأن وجود الموجب في شيء لا يلزم منه الحكم بالإيجاب إذا كان فيه مانع، فالمانع هو ثبوت معنى القتال والإخراج في الحربي المقاتل وهذا المعنى يؤدي إلى القتل فكيف يصح الاجتماع بين القتل ووجوب النفقة فيه.
الرأي الرابع: التفريق بين الحربي وبين المستأمن في قرابة الولادة لوجوب النفقة، فتجب النفقة على المسلم لأصوله وفروعه المستأمنين وبالعكس ولا تجب للحربيين من الأصول والفروع وكذلك العكس، وهو رأي الشافعية والإمامية وظاهر الزيدية فقال ابن حجر الهيثمي رحمه الله: يلزمه نفقة الوالد والولد إن علا وإن سفل وإن اختلف دينهما بشرط عصمة المنفق عليه كما مرَّ لا نحو مرتد وحربي(1).
واستدلُّوا على ذلك بدليلين: الأول: قوله تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنهم - - (- جل جلاله -- رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - - (( (((( - - - - - } (2) الآيات. الثاني: لوجود الموجب للنفقة في قرابة الولادة وهو البعضية فلا فرق بين المسلم والكافر إلا الحربي فلا تجب نفقته إذ لا حرمة له لأنه مأمور بقتله، وبذلك يتبين أن أصحاب هذا الرأي لم يعدوا اختلاف الدارين في وجوب النفقة وإنما عدُّوا وجود العصمة وعدم وجودها في ذلك سواء اختلفت الدار أم اتحدت.
ويرجح الكاتب هذا الرأي الرابع إلا أنه يري جواز نفقة الولد لوالديه الحربيين غير مستأمنين بشرط ألا يكونا من المقاتلين وخاصة إذا كانا كبيرين في السن لعدم وجود النص الصريح للنهي عن ذلك.
__________
(1) المنهاج وشروحه من تحفة المحتاج، ج8، ص345، نهاية المحتاج، ج7،ص 8. مغني المحتاج، ج3، ص 447، المهذب وشرحه المجموع، ج17،ص 177.
سنى المطالب، ج3، ص2، حاشية البجيري، ج4، ص 119.
(2) الممتحنة، آية: 8.(4/18)
ثم يقول في المبحث الأول مشروعية الوصية وحكم وصية المسلم للذمي. وقد قرر الفقهاء على عدم اشتراط الإسلام في الموصي والموصي له فتصح وصية الذميّ بالمال للمسلم والذميِّ وكذلك المسلم للذميّ بالاتفاق وذلك لقوله تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنهم - - (- جل جلاله -- رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - - (( (((( - - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - - } - ( قرآن كريم ((( - ( { ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - ( { } تمت ( { { - - - - - (- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه -((((( - ( { ( - ( - - - } فالآية الكريمة لم تنه عن برِّ الذميين والوصية لهم برٌّ فكانت غير منهي عنها.
المبحث الثاني: حكم الوصية بين الطرفين المختلفين في الدار(1).
اختلفت آراء الفقهاء في ذلك على الوجه التالي:
الرأي الأول: تصح وصية المسلم أو الذميِّ للمستأمن لا الحربي وبالعكس. يقول: وهو رأي معظم الحنفية والمعتمد في المذهب المالكي وقول للشافعية والحنابلة والثوري والظاهرية والزيدية والإمامية.
الرأي الثاني: لا تصحّ وصية المسلم أو الذميّ للحربي ولو كان مستأمنًا لأن المستأمن من أهل دار الحرب وذلك لثبوت اختلاف الدارين بين الطرفين وهو رأي الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف ومن وافقهما.
__________
(1) المصدر السابق، ص 271.(4/19)
الرأي الثالث: تصحّ وصية الكافر للمسلم ووصية المسلم للكافر المعين مطلقًا سواء كان الكافر ذميّاً أو معاهدًا أو مستأمنًا أو حربيًا، كما تصحّ وصية الذميّ للحربي وبالعكس، وسواء أكان الحربيّ في دار الإسلام أم دار الحرب ولا أثر لاختلاف الدارين بين طرفي الوصية في حكم الوصية من شيء وهو رأي بعض المالكية والمعتمد من مذهب الشافعي والحنابلة.
وقال الشافعية: وتصح الوصية لذميّ بما يصح تملكه له وفي معنى الذميّ المعاهد والمستأمن وكذا حربيّ معين سواء أكان بدارنا أم لا بما له تملكه وكذا مرتد معين في الأصح(1).
وقال الباجوري: «وتصح للكافر ولو حربيًا ومرتدًا لكن صورته أن يوصي لزيد ونحوه وهو في الواقع حربيّ أو مرتد بخلاف ما لو قال أوصيت لفلان الحربيّ أو المرتد لأن تعليقه الحكم بالمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق فكأنه قال لحرابته أوردته فيكون القصد منه المعصية»(2).
يقول وأكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وابن ضوبان رحمهما اللهُ بقولهما: تصح أي الوصية لمسلم وذمي وحربي لا نعلم فيه خلافًا. وقال الحارثي الحنبلي رحمه الله: والصحيح من القول أنه إذا لم يتصف بالقتال والمظاهرة صحَّت وإلا لم تصح.
__________
(1) مغني المحتاج، ج3، ص43، الوجيز، ج1، ص262-270، المهذب وشرحه تكملة المجموع، ج14، ص323.
(2) المقنع وحاشيته، ج2، ص366، الإنصاف، ج7، ص231،المغني، ج1،ص104.(4/20)
الرأي الراجح: يرجَّح الكاتب الرأي الأخير وذلك لأسباب أهمها: قوله تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنهم - - (- جل جلاله -- رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - - (( (((( - - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - - } - ( قرآن كريم ((( - ( { ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - ( { } تمت ( { { - - - - - (- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه -((((( - ( { ( - ( - - - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - - { - ( { - رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( - - - (( (((( - - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - - - عليه السلام - - ( - ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم(4/21)
- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - } (1) فاحتجاج المانعين بدلالة الآية على مدعاهم لا حجة لهم فيها بل هى حجة لمن قال بصحة الوصية للكافر المعين لأن آخر الآية يدل بمنطوقها على أن المقصود هو عدم اتخاذهم أولياء لا عدم البر والإقساط، وكانت الولاية غير البر والإقساط والوصية من أنواع البر التي لا ننهى عنها والمنطوق مقدَّم على المفهوم... إلى أن يقول: فالآية تدل على جواز البرِّ بين المشركين والمسلمين وإن كانت الموالاة بينهما منقطعة(2). إلى أن يقول: ومع ذلك فإني أري أنه يجب أن يراعي الموصي بالشروط اللازمة لصحة وصيته للموصي له الحربي أهمها ما يلي:
الأول: أن لا يكون الكفر أو الحرابة جهة في وصيته.
الثاني: أن لا يتصف الحربي الموصي له بالقتال والمظاهرة وقت عقد الوصية له حتى ساعة وفاة الموصي فلا تصح لمن اتصف بذلك(3).
الثالث: أن يعين الموصي له.
الرابع: أن تكون الوصية غير الوقف، ثم بيَّن أن الصحة والبطلان للوصية غير الجواز وعدمه. أهـ.
__________
(1) الممتحنة، آيتان: 8-9.
(2) تفسير القاسمي، ج16، ص5770، التفسير الكبير للفخر الرازي، ج29،ص 304.
(3) مجموع فتاوى ابن تيمية، ج31،ص31، أحكام أهل الذمة، ج1، ص 300-301.(4/22)
بعد كل هذا البيان ننتقل إلى شرح الآية نفسها { - صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنهم - - (- جل جلاله -- رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - - (( (((( - - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - - } - ( قرآن كريم ((( - ( { ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - ( { } تمت ( { { - - - - - (- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه -((((( - ( { ( - ( - - - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - - { - ( { - رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( - - - (( (((( - - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - - - عليه السلام - - ( - ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي(4/23)
الله عنه - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - } (1).
بيَّن سبب نزول الآية { - صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنهم - - (- جل جلاله -- رضي الله عنه - - ( - - - } أنها كانت في المعاهدين لا الحربيين وقد فهم أن إباحة البرِّ والقسط هو للمعاهدين دون الحربيين ولذلك قالوا بالنسخ لإنهاء العهود مع المشركين بعد نزول سورة براءة وفهم من الآية أيضًا أن الحربيين منفيٌّ عنهم البرِّ والقسط فكأن فهم الآية على هذا الأساس:
الولاية منتفية عن الجميع معاهدين وحربيين وذميين
البر والقسط ثابت للمعاهدين والذميين دون الحربيين
وبعد نفي العهود ينتفي البر والقسط والولاء منتف عن الجميع بداية. والفهم الآخر للآية وهو الأصح وهو فهم شيخ المفسرين الطبري أنه لا نسخ للآية وأن الآية تثبت:
1 - انتفاء الولاية عن الجميع ذميين ومعاهدين وحربيين.
2 - ثبوت البر والقسط للجميع ذميين ومعاهدين وحربيين.
لا يستثني من الحربيين إلا من تحققت فيه صفة القتال والمظاهرة بعينه لأن البر والقسط في هذه الحالة يكون نوعًا من الولاء لتعديه على أهل الإسلام.
3 - الولاء غير البر والقسط، والبر والقسط غير الولاء.
البر والقسط صلة وإحسان. والولاء دلالة على عورات المسلمين وتقوية لأهل الحرب على أهل الإسلام بالكراع والسلاح.
__________
(1) الممتحنة، آيتان: 8-9.(4/24)
المفهوم من آخر الآية هو انتفاء البر والقسط عن الحربيين بثبوته للمعاهدين، والمنطوق هو نفي الولاء دون نفي البر والقسط، والولاء غير البر والقسط، والمنطوق مقدم على المفهوم، لذا لم ينتف البر والقسط عن الحربيين وإن انتفي عنهم الولاء، ولا ينطبق المفهوم إلا على من تحققت فيه صفة القتال والمظاهرة من الحربيين دون غيره. كذلك مفهوم نفي الولاء عن الحربيين يعطي ثبوت الولاء للمعاهدين والثابت للمعاهدين هو البر والقسط دون الولاء وذلك لسببين:
1- عموم النهي عن ولاء الكافرين بمنطوق متكرر في جميع سور القرآن والمفهوم لا يعارض المنطوق ولا يخصصه والمنطوق دائمًا مقدم على المفهوم.
2- الثاني أن اللهَ سبحانه وتعالى لو أراد إثبات الولاء للكفار المعاهدين ونفيه عن الكفار الحربيين لقال أذنتُ لكم في ولاء هؤلاء ونهيتكم عن ولاء هؤلاء فكونه عدل عن ولاء المعاهدين إلى إباحة البر والقسط لهم يدل على أن البرَّ والقسط ليس ولاء وأن الولاية منقطعة بين المسلم والكافر بجميع أفراده.
ومن كل ذلك يتضح:
عموم النهي عن ولاء الكافرين وأنه لا يباح في أي حال ولا في حال دون حال بل هو محرم في كل حال.
لا يفسر مناط الولاء بالحقيقة اللغوية ولا بالحقيقة العرفية، ولكن يفسر بالاصطلاح الشرعي وذلك بالصور التي عدَّها اللهُ ولاء وكفر مرتكبها وقد مرَّ ذكرها.
ومِنْ ثمَّ لايؤتي بمعنى لغوي لم ينصّ اللهُ سبحانه وتعالى أنه ولاء وذكر الولاء وعدّه مغايرًا له كما في الآية التي سبقت الإشارة إليها ومن ثم فليس منه، ثم يقال هذا ولاء وليس كفرًا فكل ولاء لا يكون كفرًا وإنما الكفر بالباعث عليه لأن هذا المسلك تحريف للكلم عن مواضعه.
عموم النهي عن ولاء الكافرين وأنه لا ينقسم إلى مباح ومحرم.(4/25)
إذا أطلق الشرع الذم لولاء الكافرين في كل موضع وجعله من النواقض المكفرة للتوحيد في كل موضع يذكر فيه، ولم يستثن من حكم الكفر إلا ما قيده منه بقيد يخرجه عن الإطلاق إلى صورة الولاء المقيد ولم يحدث هذا إلا في موضع واحد في القرآن في قصة حاطب في سورة الممتحنة على أحد الاحتمالين في التفسير، وهذا الموضع المقيد وإن أخرج من حكم الكفر إلا أنه لم يخرجه عن الذم، علمًا بأن الصور التي تمثل فيها الولاء للكافرين بحقيقته الشرعية لم تقترن بقرينة تفيد التقييد فهى كلها على إطلاقها على ما ذكرناه، فلا يمكن والحال هذه أن تؤول هذه الأحكام بالذم والتكفير والإخراج عن الملة بالردِّة إلى واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحرَّم، وقد نصَّ الشرع لفظًا على كونها كفرًا مخرجًا من الملة، وللإمام الشاطبي قاعدة جليلة في هذا الشأن بخصوص البدع حيث ورد الشرع بذمَّها على الإطلاق، ومن ثم كانت غير مشروعة فلا تنقسم والحال هذه كما قال البعض إلى واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحرَّم.(4/26)
ويرد الإمام الشاطبي على مَنْ قال بتقسيم البدع إلى أحكام التكاليف الخمسة(1) «والجواب أن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها فالجمع بين تلك الأشياء بدعًا وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمعًا بين متنافيين أما المكروه منها والمحرم فمسلم من جهة كونها بدعًا لا من جهة أخرى إذ لو دلَّ دليل على منع أمر أو كراهته لإمكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها فلا بدعة يتصور فيها التقسيم البتة إلا الكراهية والتحريم حسبما يذكر في بابه. فما ذكره القرافي عن الأصحاب من الاتفاق على إنكار البدع صحيح وما قسمه فيها غير صحيح ومن العجب حكاية الاتفاق مع المصادمة بالخلاف ومع معرفته بما يلزمه في خرق الإجماع وكأنه إنما اتبع في هذا التقسيم شيخه من غير تأمل فإن ابن عبد السلام ظاهر منه أنه سمي المصالح المرسلة بدعًا بناءً والله أعلم على أنها لم تدخل أعيانها تحت النصوص المعينة وإن كانت تلائم قواعد الشرع. فمن هنالك جعل القواعد هى الدالة على استحسانها بتسميته لها بلفظ البدع وهو من حيث فقدان الدليل المعين على المسألة، واستحسانها من حيث دخولها تحت القواعد. ولما بني على اعتماد تلك القواعد استوت عنده مع الأعمال الداخلة تحت النصوص المعينة. وصار من القائلين بالمصالح المرسلة وسماها بدعًا في اللفظ كما سمى عمر رضى الله عنه الجمع في قيام رمضان في المسجد بدعة». أهـ.
أقول: بالمفهوم اللغوي لها لا الشرعي كما قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم أما القرافي فلا عذر له في نقل تلك الأقسام على غير مراد شيخه، ولا على مراد الناس، لأنه خالف الكل في ذلك التقسيم فصار مخالفًا للإجماع».
__________
(1) الاعتصام، ج1، ص 191-193.(4/27)
يقول في ذلك الإمام الشاطبي (1): «فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أن ما تقدم من الأدلة حجة في عموم الذمِّ من أوجه: أحدها: أنها جاءت مطلقة عامة على كثرتها لم يقع فيها استثناء البتة ولم يأت فيها مما يقتضي أن منها ما هو هدي، ولا جاء فيها كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ولا شيء من هذه المعاني، فلو كان هنالك محدثة يقتضي النظر الشرعي فيها الاستحسان أو أنها لاحقة بالمشروعات لذكر ذلك في آية أو حديث لكنه لا يوجد فدلَّ على أن تلك الأدلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية التي لا يتخلف عن مقتضاها فرد من الأفراد.
أقول: نفس القاعدة تنطبق تمامًا على موالاة الكافرين .
__________
(1) الإعتصام، ج1، ص 141.(4/28)
والثاني: أنه قد ثبت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة وأتي بها شواهد على معان أصولية أو فروعية ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص مع تكررها وإعادة تقررها فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم كقوله تعالى: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - ( - - عليه السلام - - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - ( - ( - } (1)، { تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { { ( - { - ( صدق الله العظيم ( - - - تمهيد - ( - - صدق الله العظيم ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (- رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - } (2) وما أشبه ذلك، وبسط الاستدلال على ذلك هنالك فما نحن بصدده من هذا القبيل إذا جاء في الأحاديث المتعددة والمتكررة في أوقات شتي وبحسب الأحوال المختلقة أن كل بدعة ضلالة وأن كل محدثة بدعة، وما كان نحو ذلك من العبارات الدالة على أن البدع مذمومة ولم يأت في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية فيها فدلَّ ذلك دلالة واضحة على أنها على عمومها وإطلاقها.
أقول: نفس القاعدة أيضًا تنطبق على موالاة الكافرين.
الثالث: إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمِّها كذلك وتقبيحها والهروب عنها وعمن اتسم بشيء منها ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنوية. فهو بحسب الاستقراء إجماع ثابت فدلَّ على أن كل بدعة ليست بحق بل هى من الباطل.
أقول: نفس القاعدة أيضًا تنطبق على موالاة الكافرين.
__________
(1) فاطر، آية: 18.
(2) النجم، آية: 39.(4/29)
الرابع: أن متعقل البدعة يقتضي ذلك بنفسه لأنه من بابِ مضادة الشارع وإطراح الشرع، وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أن ينقسم إلى حسن وقبيح، وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم، إذ لا يصح في معقول ولا منقول استحسان مشاقة الشارع، وأيضًا فلو فرض أنه جاء في النقل استحسان بعض البدع أو استثناء بعضها عن الذمِّ لم يتصور، لأن البدعة طريقة تضاهي المشروعة من غير أن تكون كذلك، وكون الشارع يستحسنها دليل على مشروعيتها إذ لو قال الشارع المحدثة الفلانية حسنة لصارت مشروعة كما أشاروا إليه في الاستحسان، ولمَّا ثبت ذمها ثبت ذمّ صاحبها لأنها ليست بمذمومة من حيث تصورها فقط بل من حيث اتصف بها المتصف، فهو إذًا المذموم على الحقيقة، والذمّ خاصته التأثيم فالمبتدع مذموم آثم وذلك على الإطلاق والعموم.
أقول: نفس القاعدة تنطبق لأن أي علاقة غير مذمومة بين المؤمن والكافر لا يسميها الشارع ولاء للكافرين، وإنما يسميها برٌ وقسط، فعدل عن اسم ولاية الكافرين فيما فيه إباحة وقصره على ما هو محرم، وهذا دليل على أن هذا اللفظ ”ولاء الكافرين“ قد تمحض للذمِّ فمناطه قد تمحض للتحريم وليس فيه ما يباح، وتعريف صوره أو مناطاته إنما يكون بالحقيقة الشرعية دون اللغوية أو العرفية.
ومن هنا ينكشف لنا خبث المحاولة بإدخال معان مشروعة من البر والقسط للكافرين تحت اسم ولاء الكافرين، ثم يقال هذه قد عُلِمَ من الدين بالضرورة كونها مباحة بل ومشروعة وغير مكفرة وهى ولاء كافرين، ومن ثم فكل ولاء للكافرين غير مكفِّر إلا ما كان الباعث عليه تغير الاعتقاد وبذلك يتم تحريف الكلم عن مواضعه بصرف الأحكام عن مناطاتها الحقيقية إلى مناطات أخرى لا علاقة لها بها.(4/30)
وعلى النقيض تمامًا يأتي موقف الإفراط والغلو بالقول بأن كل هذه المعاني المفهومة من اللغة والعرف للولاء: ولاء شرعي تتنزل عليه أحكام الكفر المخرج من الملة التي جاءت في القرآن لولاية الكافرين، فيتم أيضًا تنزيل أحكام الشرع على غير مناطاتها، فيُكَفّرون بذلك من لا يستحق التكفير ظلمًا وجهلاً وغلوًا، لأنهم صرفوا الأحكام دون أن يؤولوها إلى أوسع من مناطاتها الشرعية، وعدلوا عن الحقائق الشرعية إلى الحقائق العرفية واللغوية مع وجود الشرعية. وأهل التفريط أدخلوا الحقائق اللغوية مع الشرعية، ثم أوَّلوا الأحكام للجميع وقيَّدوا الحكم بالباعث، فأخرجوا المناط عن أن يكون مناطًا بعدم تأثيره في الحكم وجودًا وعدمًا. والحق أن الأحكام التي جاءت في القرآن لولاء الكافرين غير مؤولة، ولكنها لا تتنزل إلا على مناطاتها الشرعية التي ذكرها القرآن، وبعضها قد ذكرته السنة ومن ثم لايتسع نطاق التكفير إلى مناطات لا يكفر مرتكبها فيكفر المسلمون بغير موجب، وتقييد الحكم بالباعث دون المناط يخرج المناط عن أن يكون مناطًا. فإذا قلنا أن من تولي الكافرين لا يكفر إلا بالاستحلال أو الجحود أو تغيير الاعتقاد إلى النصرانية أو اليهودية أو إلى شك أو تكذيب، فلا فرق في ذلك بين ولاية الكافرين وبين الغيبة والنميمة، فإن مرتكب الغيبة والنميمة لا يكفر إلا بالاستحلال أو الجحود أو تغير الاعتقاد على أي نحو كان عليه هذا التغير، فلماذا عدَّ الشارع ولاية الكافرين كفرًا مع أنها لا تكون كفرًا إلا بهذا القيد ولم يعد النميمة والغيبة كفرًا، وعدَّها معصية غير مخرجة من الملة. وإذا كان متولي الكافرين لا يكفر إلا بتغير الاعتقاد، فإذا تولي الكافرين ولم يتغير اعتقاده لا يكفر، وإذا تغير اعتقاده ولم يتول الكافرين يكفر، إذن لا تأثير لولاية الكافرين في حكم الكفر المخرج من الملة وجودًا وعدمًا، وقد جعله الشرع مناطًا فيكون مؤثرًا، فكيف يجعله الشرع مناطًا مؤثرًا(4/31)
في الحكم وهو غير مؤثر، هذا باطل ولكون ما عدَّه الشرع مناطًا هو المؤثر وجودًا وعدمًا في الحكم دون غيره، وإذا كانت ولاية الكافرين غير مؤثرة في الحكم فذِكْرُها في النص وربطها بالحكم لا يتحكم منه فائدة زائدة وهذا عبث يتنزه عنه كلام المخلوق فضلاً عن الخالق.
وهذه القواعد الثلاثة في ضرورة ربط الحكم بمناطه دون أي شيء آخر قد ذكرها ابن تيمية عليه رحمة الله في مناط سبِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كتابه القيم ”الصارم المسلول“. يقول في ذلك(1): «الوجه الثاني: أن الكفر إذا كان هو الاستحلال فإنما معناه اعتقاد أن السبَّ حلال، فإنّه لما اعتقد أن ما حرَّمه اللهُ تعالى حلال كَفَرَ ولا ريب أن من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أنها حلال كفر، لكن لا فرق في ذلك بين سبِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وبين قذف المؤمنين والكذب عليهم والغيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أن اللهَ حرَّمها، فإنَّه من فعل شيئًا من ذلك مستحلاً كفر مع أنه لا يجوز أن يقال من قذف مسلمًا أو اغتابه كفر، ويعني بذلك إذا استحله.
الوجه الثالث: أن اعتقاد حل السب كفر، سواء اقترن به وجود السبّ أو لم يقترن به، فإذًا لا أثر للسبِّ في التكفير وجودًا وعدمًا وإنما المؤثر هو الاعتقاد وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء». أهـ.
الردّ على شبهة أن الولاء إنما يكون في الباطن وليس في الظاهر:
__________
(1) الصارم المسلول، ص 455.(4/32)
يرد ذلك قوله تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - ( - ((( - - ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - { { ( - فهرس - - ( - (( تم بحمد الله ( - - - - (( - ((( - ( - صدق الله العظيم ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( { ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( تم بحمد الله - { - - { ( - ( المحتويات ( - ( - ( - - - رضي الله عنهم -(( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - (( مقدمة - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - ( - - ((- رضي الله عنهم - - ( - - - } (1).
والدليل على أن المراد هو الظاهر من وجهين:
__________
(1) آل عمران، آية: 28.(4/33)
الأول: لفظ الاتخاذ ظاهر لا باطن وإرادة لا اعتقاد يقول تعالى: { - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - { - - - ( مقدمة - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -( { - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام - - ((( } تم بحمد الله ((( مقدمة ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - ( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( مقدمة - - عليه السلام - قرآن كريم ( الله - رضي الله عنه - تم بحمد الله - ( - } - رضي الله عنه -( تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - - جل جلاله -- رضي الله عنهم -( - (- جل جلاله -- رضي الله عنه - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - (( فهرس - - ( - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) أي يضعوه موضع الولد ويجعلوه ولدًا لهم وهو ليس ولدهم في الحقيقة وليس المعنى يعتقدوا أنه ولدهم أو يعلمون أنه ولدهم بعد جهلهم بهذا فالموضع موضع وضع وجعل وليس موضع علم ومعرفة واعتقاد وهذا الوضع والجعل في الخارج وليس أمرًا مستكنًا في خفايا الضمير.
__________
(1) يوسف، آية: 21.(4/34)
وكذلك في قصة سيدنا موسى: { ( تمهيد - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( تم بحمد الله - - - - ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(( - (( ( المحتويات { - ( - - (((- رضي الله عنه -( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( فهرس قرآن كريم ( - ( - ( { - - - ( - } - رضي الله عنه -( تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - - جل جلاله -- رضي الله عنهم -( - ( - - رضي الله عنه - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - (( فهرس - - ( - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - - - صلى الله عليه وسلم -( - (((( - - } (1).
__________
(1) القصص، آية: 9.(4/35)
وفي سورة العنكبوت: { ( - - الله - رضي الله عنه - تم بحمد الله - ((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - رضي الله عنهم - - - - ( المحتويات قرآن كريم ( تمهيد - تمهيد - - رضي الله عنهم -(( - - - ( المحتويات - - - - ( تم بحمد الله - - - } - ( - - رضي الله عنه - - } تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (- رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات قرآن كريم ( - ( تمهيد ( - - - ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - - - ( المحتويات قرآن كريم ( تمهيد - تمهيد - - رضي الله عنهم -(( - - - ( قرآن كريم - - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - } (1) والعنكبوت لم تتخذ بيتها عقيدة مستكنة في خفايا الضمير، وإنما اتخذته على الحوائط والأسقف.
الوجه الثاني: لو كان الولاء في الباطن دون الظاهر لما كان هناك معنى لاستثناء المكره إذ أن المكره وغير المكره يستويان في عدم تحقق الولاء للكافرين، إذ لم يكن الباعث على ذلك تغير الاعتقاد وشرح الصدر بهذا التغير، فاستثناء المكره في هذه الحالة لا يتحكم من ذكره فائدة زائدة وهذا عبثٌ يتنزه عنه كلام المخلوق فضلاً عن الخالق. وثمة أمرٌ آخر وهو أنه لا إكراه على الباطن والاعتقاد وشرح الصدر، وإنما الإكراه على الظاهر، فاستثني المكره لذلك فدلَّ ذلك على أن الولاء للكافرين إنما هو بالظاهر ولا يتقيد بالباطن.
__________
(1) العنكبوت، آية: 41.(4/36)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام - - - ( - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - ((( مقدمة ( - (- رضي الله عنهم - - - ( { - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس ( - ( - ( - (( مقدمة ( تمهيد ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله (((- رضي الله عنهم - - ((( تم بحمد الله ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - ( - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - رضي الله عنهم -- رضي الله عنهم -- عليه السلام - - - ( ( - ((( - ( - - - ( - - - جل جلاله - - ( - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنهم -( - ( ( - - ( - ( - (( } تم بحمد الله ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- عز وجل - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه -( } (1) الآيات.
__________
(1) النحل، آية: 106.(4/37)
يقول(1): «ومعلومٌ أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط لأن ذلك لا يكره الرجل عليه وهو قد استثني من أكره ولم يرد من قال واعتقد لأنه استثني المكره وهو لا يكره على العقد والقول، وإنما يكره على القول فقط. فعلم أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضبٌ مِنَ اللهِ وله عذابٌ عظيم وأنه كافر بذلك إلا من أكره وهو مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا من المكرهين فإنه كافرٌ أيضًا فصار من تكلم بالكفر كافرٌ إلا من أكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وقال تعالى في حق المستهزئين: { - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - ( - - - - ( فهرس ( - - ( - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - - ( { } (2) فبَيَّن أنهم كفَّار بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته. وهذا بابٌ واسعٌ والفقه فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعل فيه استهانة واستخفاف، كما أنه يوجب المحبة والتعظيم واقتضاؤه وجود هذا وعدم هذا أمر جرت به سنة الله في مخلوقاته كاقتضاء إدراك الموافق للذة وإدراك المخالف للألم. فإذا عدم المعلول كان مستلزمًا لعدم العلة، وإذا وجد الضد كان مستلزمًا لعدم الضد الآخر. فالكلام والفعل المتضمن للاستخفاف والاستهانة مستلزم لعدم التصديق النافع ولعدم الانقياد والاستسلام فلذلك كان كفرًا. واعلم أن الإيمان وإن قيل هو التصديق فالقلب يصدق بالحقِّ، والقول يصدق ما في القلب، والعمل يصدق القول، والتكذيب بالقول مستلزم للتكذيب بالقلب ورافع للتصديق الذي كان في القلب إذ أعمال الجوارح تؤثر في القلب كما أن أعمال القلب تؤثر في الجوارح فأيُّما قام به كفرٌ تعدي حكمه إلى الآخر». أهـ.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 462.
(2) التوبة، آية: 66.(4/38)
وثمة وجه ثالث للاستدلال وهو أن المناطات التي ذكرها القرآن لولاء الكافرين كلها مناطات ظاهرة سواء ما حدث بمكة أو بالمدينة فقوله تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( تمت ( { } - قرآن كريم - تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام - - ((( تمهيد ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - { - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - - ( - ( - تمت ( { - رضي الله عنه - تمت - - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((4/39)
بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام - - - ((- رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - } - عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - ( - ((- عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -( - - - ( - - عليه السلام - - ( { - ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ( صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( قرآن كريم - (( - - - - - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( تمهيد ( - - - ( { - (( } تم بحمد الله ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( (( - ( - - ( - - رضي الله عنهم - - } - قرآن كريم ((( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى - - ( - (( - - مقدمة - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - (( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - ((( { ( - ( - (( - - - } (1).
__________
(1) التوبة، آيتان: 23-24.(4/40)
يقول الطبري في التفسير: « { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - { - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله } يقول: من يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين ويؤثر المقام معهم على الهجرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودار الإسلام { - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - } يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم هم الذين خالفوا أمر الله فوضعوا الولاية في غير موضعها وعصَوْا اللهَ في أمره. وقيل إن ذلك نزل نهيًا من اللهِ للمؤمنين عن موالاة أقربائهم الذين لم يهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام. حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسي عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: { ( - ((( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - { - رضي الله عنه - - - - { ( - ( - - - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - فهرس - - عليه السلام - - - - رضي الله عنهم - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( الله - - عليه السلام - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - } (1) الآيات قال أمروا بالهجرة فقال العباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج وقال طلحة: أحد بني عبد الدار وأنا صاحب الكعبة فلا نهاجر فأنزلت { - صدق الله العظيم } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله
__________
(1) التوبة، آية: 19.(4/41)
عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( تمت ( { } - قرآن كريم - تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام - - ((( تمهيد ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - } إلى قوله: { - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - } بالفتح في أمره إياهم بالهجرة هذا كله قبل فتح مكة». أهـ.
فالذين رفضوا الهجرة استحبوا الكفر على الإيمان { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - { - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - } يترك الهجرة لتركهم إيثارًا للمقام معهم عاطفة لهم أو خشية عليهم { - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - } .(4/42)
أقول: هذه كلها أعمال ظاهرة وقوله تعالى { - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - - جل جلاله - - ( - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - جل جلاله - - - - عليه السلام - - (( - - - ((( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - { - ( - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - جل جلاله - - - - (( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - - - عز وجل -- عليه السلام - - - - رضي الله عنه - فهرس { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - } (1) الآيات. لم يصفهم اللهُ بالنفاق المخرج من الملة لاعتقاد مستكن في الضمائر في هذا الشأن ولم يكشف عن نوايا مجرد نوايا وحقد وحسد وكراهية وضغينة داخل القلب ليس لها وقوع في الخارج وإنما كشف عن تآمر مع عدو اللهِ أبي عامر الفاسق، وكذا الذين قالوا لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب: { (((( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - ( - ( - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - عليه السلام - - - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ((( الله أكبر ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - (( - ( - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله - - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - قرآن كريم ( - ( - ( - ( الله أكبر - عليه السلام - - ((- جل جلاله -- عليه السلام - - - - }
__________
(1) التوبة، آية: 107.(4/43)
?? (1) الآيات. أعمال ظاهرة ليست عقيدة مستكنة في الضمائر... إلخ، ما في القرآن من مناطات لولاية الكافرين كلها أعمال ظاهرة لا تتقيد لاستحقاق الوصف بقيد من الباطن عند استكمال تكييفها الشرعي بالضوابط الشرعية كمناط لولاية الكافرين واللهُ تعالى أعلم وأحكم وأعزُّ وأعلى.
الردُّ على شبهة الولاء إنما يكون في الدين وليس على شيء من الدنيا:
تقول الجهمية لا يكون ولاء الكافرين مكفِّرًا حتى يكون ولاء النصارى لا لشيء إلا لكونهم نصارى لا رغبة في مال أو جاه أو نكاح، ولابد أن يكون ولاؤه للنصارى بقلبه لا لشيء إلا لكونهم نصاري، فلو أن مسلمًا تولي النصارى لتغليب راية الصليب على راية القرآن لجاه أو مال أو نكاح وظاهرهم وتآمر معهم لاستئصال شأفة المسلمين وإبادة خضرائهم ولتغلب خيل الصليب خيل محمد - صلى الله عليه وسلم - وتولاهم على ذلك بظاهره بكل ما يملك من قوة، ولكن لم يتولهم بقلبه وفعل ذلك من أجل الدنيا لا لكونهم نصارى لا يكون فعله هذا ولاء مكفِّرًا مخرجًا من الملة، ولو تولاهم بقلبه لا لشيء إلا لكونهم نصارى حتى لو لم يفعل شيئًا من الموالاة الظاهرة لهم يكون كافرًا بهذه الموالاة القلبية الباعث عليها حبّ ما هم عليه من الدين وتفضيله على دين الإسلام وهذه البدعة باطلة من أوجه:
__________
(1) الحشر، آية: 11.(4/44)
أولاً: قوله تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - - - - - عليه السلام - - ( - ( } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ((((- رضي الله عنه - - (( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - (((- رضي الله عنه - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - } (1) فلو أن مسلمًا تولى النصارى لا لشيء إلا لكونهم نصارى لكانت ردته لنصرانيته وكان ولاؤه تبعًا لدينه الجديد، ولم تكن ردته لولائه للنصارى لأنه أصبح نصرانيًا قبل أن يتولى النصارى، ولم يتولهم وهو مسلم ثم تولاهم بعد أن أصبح منهم وعلي دينهم فكان ولاؤه لهم بعد نصرانيته لا قبلها، وكان المفروض في هذه الحالة أن يقول الله عزَّ وجلَّ ـ لو كان هذا القول صحيحًا ـ ”ومن يتولهم منهم فإنَّه منهم“ لكن اللهَ - عز وجل - قال: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - عليه السلام - قرآن
__________
(1) المائدة، آية: 51.(4/45)
كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله } فثبت أن كفره لولائه لا لنصرانيته.
ثانيًا: الأسباب التي من أجلها تولي المنافقون في المدينة الكفار والتي من أجلها تولي الناكلون عن الهجرة الكفار في مكة وغيرها ذكرها القرآن وليس منها لا لشيء إلا لموافقة لهم في الدين، بل هذا السبب لم يندرج في هذه الأسباب التي ذكرها القرآن الكريم وهذه الأسباب منها: { - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى - - ( - صدق الله العظيم - ( - { - - - - (( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - ((- عليه السلام - - } تم بحمد الله - - قرآن كريم ((( - ( - - ( - ( المحتويات ( - - (( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - (- رضي الله عنهم -(( - صدق الله العظيم - عز وجل - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - جل جلاله -- رضي الله عنه - - - ((( - ( - - عليه السلام - - (( - - - رضي الله عنهم - - ( - } - رضي الله عنهم -( - ( ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - (( - - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( فهرس ( - - جل جلاله -(( } - قرآن كريم ( - ( - ((( - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - (( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ((( تم بحمد الله ( - (- رضي الله عنه - الله أكبر - ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد(4/46)
الله - - عليه السلام -( ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( { (- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - ( { ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم -( { الله أكبر مقدمة الله ( تمهيد - (( تمهيد - مقدمة ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - رضي الله عنه -((( - ( - (- رضي الله عنهم - - } (1) فهذا أحد الأسباب خشية الدوائر، سبب آخر قريب من هذا { - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - تمت ( - - ( - رضي الله عنه - تمت - - - ( المحتويات ( - - - ( - ( - - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - الله أكبر ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم -( } تم بحمد الله تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - - رضي الله عنه -((( - ((( - - ( - ( - ( - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر } - ( قرآن كريم ( - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( المحتويات ( - ((- عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق
__________
(1) المائدة، آيتان: 52-53.(4/47)
الله العظيم ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - } (1) فأي فريق ظهر كانت لهم أيادي عنده فينفعه ذلك.
يقول ابن كثير: «إنهم كانوا يصافون هؤلاء وهؤلاء ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم وما ذاك إلا لضعف إيمانهم وقلة إيقانهم» لا لموافقة اليهود والنصارى في الدين في الباطن ولا لموافقة المسلمين أيضًا. ويقول ابن كثير أيضًا نقلاً عن ابن جرير: حدثنا محمد بن المثني حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبد الله بن نافع عن ابن عمر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ولا تدري أيهما تتبع» تفرد به مسلم.
وثمة سبب آخر في قوله تعالى: { - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - ( - ((( - - ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( فهرس - } - ((( - - - } تمت ( - - ( فهرس - } - ((( - - - ( - - - جل جلاله -( - ( - - - } (2) ابتغاء العزة.
__________
(1) النساء، آية: 141.
(2) النساء، آية: 139.(4/48)
وثمة سبب آخر هو الكره أو الحقد المشترك على المسلمين هو الذي جمع اليهود مع النصارى مع المشركين مع المنافقين على المسلمين بالرغم مما بينهم من التنافر والاختلاف في العقائد حتى أن بعضهم ليقول على الآخر أنه ليس على شيء { - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - - جل جلاله - - ( - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - جل جلاله - - - - عليه السلام - - (( - - - ((( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - { - ( - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - جل جلاله - - - - (( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - - - عز وجل -- عليه السلام - - - - رضي الله عنه - فهرس { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) ولم يكن عداء اليهود لمحمد - صلى الله عليه وسلم - لاعتقادهم أنه على باطل أو لتفضيل ما هم عليه من الاعتقاد على دينه بل عرفوا الرسول بعلاماته وقالوا عنه هو هو، كما حكت السيدة صفية أمُّ المؤمنين رضى الله عنها عن أبيها وعمِّها ولكن كما قال - عز وجل -: { - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - جل جلاله -(( ( - - - ( - ( - - - (( تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - ( - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - - - قرآن كريم ( - (
__________
(1) التوبة، آية: 107.(4/49)
- ((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - - - فهرس - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - } تم بحمد الله } - قرآن كريم ((- عليه السلام - - - رضي الله عنه -( } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - (( مقدمة ( - ( { - عليه السلام - - (( فهرس - - ( ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - ((( - - ( - - - - - - رضي الله عنهم - - - - ( } ( - } - (- صلى الله عليه وسلم -- عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -( { - - ((( مقدمة ( - ( المحتويات ( - - - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( تمهيد - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - ( - ((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - ( } - - رضي الله عنه - - ( - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( - ( - (( - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -( - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( فهرس ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( - صلى الله عليه وسلم -(( - - - رضي الله عنه - تمهيد - ( - - - (- رضي الله عنه -(( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - - ( - ( - صدق الله العظيم - ( - ((( - - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- عز وجل - - - - - رضي الله عنه -( (((( - - تم بحمد الله } (1) وابن أُبَّيّ إنما نافق لذهاب ملكه بقدوم محمد - صلى الله عليه وسلم - فَشَرَق بها كما يقولون وقد كانوا على وشك أن يعقدوا له الخرز ويُتوجوه ملكًا عليهم
__________
(1) البقرة، آيتان: 89-90.(4/50)
فضاع ذلك منه فكره أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ونافق ووالى اليهود لا لحبه لما هم عليه أو إعجابه باليهودية كعقيدة واعتقاده لها فإن شيئًا من ذلك لم يكن أبدًا، وإنما جمعهما الحقد على محمد - صلى الله عليه وسلم - لذهاب دنياهم به. وهذا معروف في الكتب. في التفاسير وكتب الحديث والسير لا يحتاج إلى استشهاد أو نقل، وكذلك المشركون في مكة لم يتركوا إتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أجل شكهم في صدقه أو تكذيبهم له واللهُ - سبحانه وتعالى - يقول: { ( المحتويات ( - ( - ( - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - - ( - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( - ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - - } (1).
__________
(1) الأنعام، آية: 33.(4/51)
يقول ابن كثير في التفسير عن قصة الأخنس بن شريق مع أبي سفيان وأبي جهل فنقل منها: «فقال ـ يعني الأخنس ـ يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت؟ قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب كفرسي رهان قالوا منا نبيٌّ يأتيه الوحي من السماء فمتي ندرك هذه! واللهِ لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه. قال: فقام عنه الأخنس وتركه» وفي موضع آخر يقول ابن كثير: «فالتقي الأخنس وأبو جهل فخلا الأخنس بأبي جهل فقال يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ها هنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا. فقال أبو جهل ويحك واللهِ إنَّ محمدًا لصادق وما كذب محمدٌ قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله: { ( المحتويات ( - ( - ( - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - - ( - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( - ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - - } .(4/52)
وسببٌ آخر هو تأثير الحنين الفطري للأب والابنة والأخ والزوج والعشيرة والقبيلة وإيثار كل ذلك على ولاية المسلمين عند التعارض والدخول بسبب ذلك في ولاية الكافرين ولو كان عن كره لها يقول - عز وجل -: { ( - ((( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - { - رضي الله عنه - - - - { ( - ( - - - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - فهرس - - عليه السلام - - - - رضي الله عنهم - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( الله - - عليه السلام - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت (( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - (( ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم(4/53)
- - ( - - - ( تمهيد ( - ( - } - عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات - (((- صلى الله عليه وسلم - - ( { - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( ( - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - (( - - - (( - - - - ( المحتويات ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم -(- رضي الله عنه - تمهيد ( - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - عليه السلام - - - { - رضي الله عنهم - - ( مقدمة - عليه السلام - - ( - ( مقدمة (- جل جلاله -( } تم بحمد الله - تمت } - عليه السلام - قرآن كريم ((( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد ( } - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - { - - (( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه - الله أكبر ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( { - تم بحمد الله - - ((( - ( - (- رضي الله عنهم - - - - { - - (( - ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - } تمت ( { { - - - ((( فهرس - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه -( - - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه(4/54)
السلام - قرآن كريم ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( تمت ( { } - قرآن كريم - تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام - - ((( تمهيد ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - { - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - - ( - ( - تمت ( { - رضي الله عنه - تمت - - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام - - - ((- رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - } - عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - ( - ((- عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -( - - - ( - - عليه السلام - - ( { - ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(( - - صلى(4/55)
الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ( صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( قرآن كريم - (( - - - - - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( تمهيد ( - - - ( { - (( } تم بحمد الله ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( (( - ( - - ( - - رضي الله عنهم - - } - قرآن كريم ((( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى - - ( - (( - - مقدمة - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - (( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - ((( { ( - ( - (( - - - } (1).
__________
(1) التوبة، آيات: 19-24.(4/56)
يقول ابن جرير في التفسير(1): «يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانةً وأصدقاءً تفشونَ إليهم أسراركم وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله وتؤثرون المكثَ بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام { ( تمت ( { } - قرآن كريم - تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام - - ((( تمهيد ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - } و { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - { - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله } ومن يتخذهم، بطانة من دون المؤمنين ويؤثر المقام معهم على الهجرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودار الإسلام { - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - } . يقول: وقيل إنَّ ذلك نزل نهيًا من اللهِ للمؤمنين عن موالاة أقربائهم الذين(2) لم يهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام. حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسي بن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله - عز وجل -: { ( - ((( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - { - رضي الله عنه - - - - { ( - ( - - - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - فهرس - - عليه السلام - - - - رضي الله عنهم - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( الله - -
__________
(1) تفسير الطبري ج6، ص 328.
(2) لا تطلب الهجرة إلا من مسلم، ومن تركها وأقر الدخول في ولاية الكافرين ورايتهم مع قدرته عليها إيثارًا للوطن فقد استحب الكفر على الإيمان ومن آثر المقام معه على الهجرة لصلة به فقد تولاه على ذلك.(4/57)
عليه السلام - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - } قال أمروا بالهجرة فقال العبَّاس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج وقال طلحة أخو بني عبد الدار: أنا صاحب الكعبة فلا نهاجر فأنزلت { - صدق الله العظيم } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } إلى قوله { - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - (( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - } بالفتح في أمره إياهم بالهجرة هذا كله قبل فتح مكة وعن مجاهد حتى يأتي اللهُ بأمره: فتح مكة».(4/58)
ويقول تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - - - مقدمة { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( الله أكبر - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - الله - عليه السلام - - - ((- رضي الله عنه -( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - رضي الله عنه - - - - - (( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( مقدمة (- جل جلاله -( } تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد ( } - - رضي الله عنهم - - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله صدق الله العظيم ( تم(4/59)
بحمد الله - { - ( - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ( - (- رضي الله عنهم - - ( الله أكبر - } - - - رضي الله عنه -((( - ( - (- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - - (( - (((- عليه السلام - - ( - - - ( المحتويات ( - ( { - رضي الله عنه -( } - قرآن كريم ((- عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة (- جل جلاله -- رضي الله عنه -( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - ( مقدمة ( - - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - } تمت ( { - - ( - ( مقدمة ( - - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( الله أكبر ( الله - - } (1) يقول ابن جرير في التفسير(2): إنما أخبر اللهُ عزَّ وجلَّ نبيه بهذه الآية أنَّ الذين تولوا قومًا غضب اللهُ عليهم ليسوا من أهل الإيمان بالله ولا باليوم الآخر ولذلك تولوا الذين تولوهم من اليهود». أهـ.
__________
(1) المجادلة، آية: 22.
(2) تفسير الطبري، ج12، ص26.(4/60)
ثالثًا: الذين وافقوا الرسولَ والمؤمنين في الدين وخالفوهم في الولاء ووافقوا المشركين في الولاء وخالفوهم في الدين يقول - عز وجل -: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - ( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - - - المحتويات - (( ( - (( - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - } - ( - - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - (( ((( - - } - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( - - - ((( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { - رضي الله عنهم -(( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - ( - - ( - { - - (( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - - - - (( - - - - ( } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت } - رضي الله عنه - - ( - ( قرآن كريم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - - - - - ( مقدمة - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه(4/61)
وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - الله - - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( - } - رضي الله عنه -( ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - قرآن كريم ((((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( { - رضي الله عنه -( - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - قرآن كريم (( - ( } (1) جاء في التفسير لابن كثير، ولباب النقول في أسباب النزول قوله تعالى: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - } روى البخاري عن ابن عباس أن أناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأتي السهم يرمي فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - ( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } وأخرج ابن المنذر وابن جرير عن ابن عباس قال كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يخفون الإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - } الآية. فكتبوا بها إلى من بقي بمكة منهم وأنه لا عذر لهم فخرجوا. فلحق بهم المشركون ففتنوهم فرجعوا فنزلت { - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } - } - - - - صدق الله
__________
(1) النساء، آيات: 97-99.(4/62)
العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - } - جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( - - - ( - - - - - ( - - ( - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - (( ( - - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - { - عليه السلام - - ( - (( ( } - } - جل جلاله - - - - ( - - - - - رضي الله عنهم -( - - ( - - - } (1) فكتبَ إليهم المسلمون بذلك فتحزنوا فنزلت { - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام - - - ((( - { - ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - ( - (( - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنهم - - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - ( - ((- رضي الله عنه - - ( - قرآن كريم ((- رضي الله عنه -( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( مقدمة { - } (2) فكتبوا إليهم بذلك فخرجوا فلحقوهم فنجا من نجا وقتل من قتل وأخرج ابن جرير من طرق كثيرة نحوه». أهـ.
__________
(1) العنكبوت، آية: 10.
(2) النحل، آية: 110.(4/63)
ويقول - عز وجل -: ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَينِ ((1) الآيات. يقول ابن كثير في التفسير: وقال العوفي عن ابن عباس نزلت في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم فقالوا إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس، وأن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين سبحان الله أو كما قالوا أتقتلون قومًا تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا أو لم يتركوا ديارهم فنستحل دماءهم وأموالهم؟ فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهي واحدًا من الفريقين عن شيء فنزلت { - - رضي الله عنهم - - - ( ( - ( - - - - (( - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( الله أكبر ( الله - - ((((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - { (( } رواه ابن أبي حاتم. وقد روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم قريب من هذا. انتهى كلام ابن كثير في التفسير.
والشاهد أن ولاءهم للكافرين هنا كان ولاءًا ظاهرًا ولم يقترن معه موافقة للكافرين على دينهم بل كانوا مخالفين لهم في الدين وبعضهم يعلن ذلك ولكن يبقي ولاؤه معهم إيثارًا للوطن والعشيرة.
__________
(1) النساء، آية: 88.(4/64)
رابعًا: العباس بن عبد المطلب عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقبل الرسول ادعاءه للإسلام يوم بدر مع مظاهرته للمشركين وإن كان مكرهًا على ذلك، ولم يخرجه من الأسر إلا الفداء، والإسلام السابق يمنع الأسر وذلك بالرغم من أننا نقطع أن هذا الولاء للكافرين كان ظاهرًا فقط، وكان باطن العباس على خلاف ذلك لقوله تعالى: { تمت ( { ( المحتويات فهرس - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - (( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - - } - ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( - ( - ( - - } - ( - - رضي الله عنهم - - - - - - ( } تم بحمد الله - - ( } ( - ( المحتويات ( تمهيد - ( تم بحمد الله ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - } يقول ابن كثير في التفسير(1): «وفي صحيح البخاري من حديث موسي بن عقبة قال بن شهاب حدثنا أنس بن مالك أن رجالاً من الأنصار قالوا يا رسول الله إئذن لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداءه. قال: «لا واللهِ لا تذرونَ منه درهمًا»، وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة عن الزهري عن جماعة سمَّاهم قالوا: بعثت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فداء أسراهم ففدي كل قوم أسيرهم بما رضوا، وقال العباس: يا رسول الله قد كنت مسلمًا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فإنَّ الله يجزيك وأما ظاهرك فقد كان علينا فافد نفسك وابن أخيك نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر» قال: ماذاك عندي يا رسول الله قال: «فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل قلت لها إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبد الله وقثم» قال: واللهِ يا رسولَ الله إنِّي لأعلمُ أنَّك رسولُ الله إنَّ هذا
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج2، ص 27.(4/65)
لشيءٌ ما يعلمه أحدٌ غيري وغير أمِّ الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ذاك شيء أعطانا الله منك» ففدي نفسه وابني أخويه وحليفه فأنزل الله - عز وجل -: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - (( - } - - - - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - ( - (( المحتويات ( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - (( } تم بحمد الله - - - عليه السلام - - ( - - } - - تمت ( { ( المحتويات فهرس - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - (( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - - } - ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( - ( - ( - - } - ( - - رضي الله عنهم - - - - - - ( } تم بحمد الله - - ( } ( - ( المحتويات ( تمهيد - ( تم بحمد الله ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم (( - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( مقدمة { - } (1) قال العبَّاس: فأعطاني اللهُ مكان العشرين أوقية في الإسلام عشرين عبدًا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عزَّ وجلّ.
__________
(1) الأنفال، آية: 70.(4/66)
ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - الله أكبر - - عليه السلام - - ( - ( - - { - ( } - قرآن كريم ( الله أكبر - - رضي الله عنهم - - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - - صدق الله العظيم - - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله } (1) وقال ابن جرير عن عطاء الخراساني عن ابن عباس نزلت في عباس وأصحابه قالوا لننصحن لك على قومنا. وفسرها السدي على العموم وهو أظهر واللهُ أعلم». أهـ.
__________
(1) الأنفال، آية: 71.(4/67)
يقول الطبري(1) في تفسير قوله تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - (( - } - - - - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - ( - (( المحتويات ( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - (( } تم بحمد الله - - - عليه السلام - - ( - - } - - تمت ( { ( المحتويات فهرس - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - (( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - - } - ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( - ( - ( - - } - ( - - رضي الله عنهم - - - - - - ( } تم بحمد الله - - ( } ( - ( المحتويات ( تمهيد - ( تم بحمد الله ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم (( - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( مقدمة { - } يقول: إنْ يعلم اللهُ في قلوبكم إسلامًا { ( المحتويات ( - ( - ( - ( - - } - ( - - رضي الله عنهم - - - - - - ( } تم بحمد الله - - ( } ( - ( المحتويات ( تمهيد - ( تم بحمد الله } من الفداء { ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - } يقول: ويصفح لكم عقوبة جرمكم الذي اجترمتموه بقتالكم لنبيّ الله وأصحابه وكفركم بالله { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم (( - ( } لذنوب عباده إذا تابوا { ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( مقدمة { - } بهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. ويقول الطبري في تفسير قوله تعالى: { تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - الله أكبر - - عليه السلام - - ( - } الآية. حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا حجاج عن بن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس { تمت ( { -
__________
(1) تفسير الطبري، ج6، ص293.(4/68)
عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - الله أكبر - - عليه السلام - - ( - } يعني العباس وأصحابه في قولهم «آمنا بما جئتَ به ونشهدُ أنَّك رسولُ اللهِ لننصحنَّ لك على قومنا» يقول: إن كان قولهم خيانةً { ( - - { - ( } - قرآن كريم ( الله أكبر - - رضي الله عنهم - - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - - صدق الله العظيم - - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله } يقول: قد كفروا وقاتلوك فأمكنك اللهُ منهم». أهـ.
وفي السيرة أن إسلام العباس كان قبل الفتح، أو أن هجرته كانت وقت ذلك وكان إسلامه قبل ذلك وبعد بدر ولم يعتد بإسلامه السابق على بدر واللهُ تعالى أعلم.(4/69)
خامسًا: الردة عمومًا وليس الولاء فقط تكون لشبهة أو شهوة ولا تكون فقط لشبهة، والشبهة فسادٌ في الاعتقاد، والشهوة إيثارٌ للدنيا من مال أو نكاح أو شرف. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك في الرد على الرافضة في دعواهم ردة الصحابة «فإنَّ المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة ومعلوم أن الشبهات والشهوات في أوائل الإسلام كانت أقوى، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلامه. وأما الشهوة فسواء كانت شهوة رياسة أو مال أو نكاح أو غير ذلك كانت في أول الإسلام أولي بالإِتباع، فمن خرجوا من ديارهم وأموالهم وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعز حبًا لله ورسوله طوعًا غير إكراه كيف يعادون اللهَ ورسوله طلبًا للشرف والمال، ثم همْ في حال قدرتهم على المعاداة وقيام المقتضي للمعاداة لم يكونوا معادين لله ورسوله، بل موالين لله ورسوله ومعادين لمن عادي اللهَ ورسوله، فحين قوي المقتضي للموالاة وضعفت القدرة على المعاداة يفعلون نقيض هذا. هل يظن هذا إلا مَنْ هو من أعظم الناس ضلالاً وذلك أن الفعل إذا حصل معه كمال القدرة عليه وكمال الإرادة له وجب وجوده وهم في أول الإسلام كان المقتضي لإرادة معاداة الرسول أقوي لكثرة أعدائه وقلة أوليائه وعدم ظهور دينه، وكانت قدرة من يعاديه يومئذ باليد واللسان أقوي حتى كان يعاديه آحاد الناس ويباشرون أذاه بالأيدي والألسن، ولمّا ظهر الإسلام وانتشر كان المقتضي للمعاداة أضعف والقدرة عليه أضعف. ومن المعلوم أن من ترك المعاداة أولاً ثم عاداه ثانيًا لم يكن إلا لتغير إرادته أو قدرته، ومعلوم أن القدرة على المعاداة كانت أولاً أقوي والموجب لإرادة المعاداة كان أولاً أولي، ولم يتجدد عندهم ما يوجب تغير إرادتهم ولا قدرتهم فعلم علمًا يقينيًا أن القوم لم يتجدد عندهم ما يوجب الردة عن دينهم البتة، والذين ارتدوا بعد موته إنما كانوا ممن أسلم بالسيف كأصحاب مسيلمة(4/70)
وأهل نجد. فأما المهاجرون الذين أسلموا طوعًا فلم يرتد منهم أحدٌ». أهـ.
سادسًا: يضع شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب النقاط على الحروف في قضية الموالاة في رسالته الشهيرة ”كشف الشبهات“ يقول(1): لنختم الكلام إن شاء الله تعالى بمسألة عظيمة مهمة تُفهم مما تقدم ولكن نُفرد لها الكلام لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها. فنقول: لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيءٌ من هذا لم يكن الرجل مسلمًا، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند ككفر فرعون وإبليس وأمثالهما. وهذا يغلط فيه كثيرٌ من الناس يقولون إن هذا حق ونحن نفهم هذا ونشهد أنه الحق، ولكنَّا لا نقدر أن نفعله ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم أو غير ذلك من الأعذار، ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحقَّ ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار كما قال تعالى: { } - (- صلى الله عليه وسلم -- عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -( { - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( - ( - - - - - جل جلاله -- جل جلاله -- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم الله - - ( - - - } (2) وغير ذلك من الآيات كقوله: { (( مقدمة - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ((( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - } (3) فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهرًا وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق وهو شرٌّ من الكافر الخالص: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( الله أكبر ( الله - - - (( ( - ( - } - - - - ( - - (( - - } - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - } - - -
__________
(1) عقيدة الموحدين، ص 105.
(2) التوبة، آية: 9.
(3) البقرة، آية: 146.(4/71)
- } (1).
وهذه المسألة مسألة طويلة تبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس تري مَنْ يعرف الحقَّ ويترك العمل به لخوفِ نقص دنيا أو جاه أو مداراة لأحد، وتري من يعمل به ظاهرًا لا باطنًا فإذا سألت عمَّا يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه، ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله أولاهما قوله تعالى: { - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - ( - - - - ( فهرس ( - - ( - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - - ( { } (2) فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الرومَ مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفًا من نقص مال أو جاه أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها.
__________
(1) النساء، آية: 145.
(2) التوبة، آية: 66.(4/72)
والآية الثانية قوله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام - - - ( - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - ((( مقدمة ( - (- رضي الله عنهم - - - ( { - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس ( - ( - ( - (( مقدمة ( تمهيد ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله (((- رضي الله عنهم - - ((( تم بحمد الله ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - ( - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - رضي الله عنهم -- رضي الله عنهم -- عليه السلام - - - ( ( - ((( - ( - - - ( - - - جل جلاله - - ( - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنهم -( - ( ( - - ( - ( - (( } تم بحمد الله ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- عز وجل - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم - تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - } (1) فلم يعذر الله مِنْ هؤلاء إلا مَنْ أُكره مع كون قلبه مطمئنًا بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفًا أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره، فالآية تدل على هذا من وجهين: الأول: قوله: { - صدق الله
__________
(1) النحل، آيتان: 106-107.(4/73)
العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس ( - ( - ( - } فلم يستثن اللهُ تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها. والثاني: قوله: { - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم - تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - } فصرَّح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة للكفر وإنما سببه أن له في ذلك حظًا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين. أهـ.
ويقول شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب في ذلك في موضع آخر(1) في رسالة إلى أحمد بن إبراهيم بعد كلام بالعامية النجدية والعربية «ولكن ودي تفكر فيما تعلم لما اختلف الناس بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - وبإجماع أهل العلم أنهم لا يقال فيهم إلا الحسني مع أنهم عثوا في دمائهم، ومعلوم أن كلاً من الطائفتين أهل العراق وأهل الشام معتقدة أنها على الحق والأخرى ظالمة، ونبغ من أصحاب علىٍّ مَنْ أشرك بعلىٍّ وأجمع الصحابة على كفرهم وردتهم وقتلهم لكن حرقهم عليّ. وابن عباس يرى قتلهم بالسيف أتري أهل الشام لو حملهم مخالفة علىٍّ على الاجتماع بهم والاعتذار عنهم والمقاتلة معهم لو امتنعوا أتري أحدًا من الصحابة يشك في كفر من التجأ إليهم ولو أظهر البراءة من اعتقادهم، وإنما التجأ إليهم وزين مذهبهم لأجل الاقتصاص من قتلة عثمان. فتفكر في هذه القضية فإنها لا تبقي شبهة إلا على من أراد اللهُ فتنته». أهـ.
__________
(1) مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، القسم الخامس، الرسائل الشخصية، ص207.(4/74)
وقد مضى من كلام الشيخ رحمة الله عليه أنه لا يصح لأحدٍ إسلامٌ إلا بعداوة المشركين فكيف بموالاتهم. ومذهبه في ذلك أشهر من أن يختلف فيه أو يحتاج إلى استدلال عليه، وقد مضي نقل الكثير من أقواله وأقوال أبنائه وأحفاده وتلامذته في ذلك فلا داعي للإعادة.
وبقيت نقطة وهى أن فعل حاطب إنما كان تقية بما لا يضر في ظنه، فكان ولاؤه ثابتًا للمؤمنين، منتفٍ عن الكفار مع انتفاء قصد الإضرار وهذا يخرج الفعل عن كونه ولاءً للكافرين.(4/75)
وتكرر القول بأن ولاء الأب والابنة والأخ والزوج والعشيرة من الكفار معناه أن يتولى قومهم ويدخل تحت راية الكفر بسبب حبه لذويه وإيثاره المكث أو المقام بينهم، ولو كان في ذلك دخولاً في ولاء الكافرين أو تحت ولاية الكافرين سلمًا وحربًا عداءً وولاءً أو دخولاً تحت رايتهم ورابطتهم الكفرية الجاهلية أو تغليب خيلهم على خيل المسلمين ورايتهم على راية المسلمين مظاهرة في العلن أو تآمرًا في السر لا مجرد الصلة الشخصية بسبب القربي أو الجوار أو الصداقة أو غير ذلك من الأسباب، فإن هذه الصلة لو خلت عن هذا الولاء، فلو كانت مشروعة فهى قسط وبر أو عمل مباح ولو كانت غير مشروعة فهى إما ترك الأولى أو رقة في الدين أو ركون أو استكانة للظالمين أو اتخاذ بطانة أو وليجة من دون المؤمنين وهذا لو خلا عن معنى الولاء الشرعي الذي سبق بيانه فإنه يكون معصية وفسقًا ولو خلا عن معنى المعصية والفسق وفي نفس الوقت عن معنى المشروعية والإباحة فهو ترك للأولى وتفاوت في درجة التجرد لله عزَّ وجلّ بالتبرؤ ممن يعاديه، وكل من أثبت هذه المعاني ولاءً شرعيًا للكافرين ُيكَفَّر به فاعله فهو غالٍ في الدين ضال مضل على شعبة من عقيدة الخوارج في تكفير المسلمين بغير موجب نعوذ بالله من الخذلان. وهذا يفضي به إلى ترك ولاء المسلمين فيصدق عليه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان» نسأل الله الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد واللهُ أعلم وأعزُّ وأعلى بيده مقاليد كل شيء وإليه وحده تصير الأمور نسأله أن يفتح بيننا وبين قومنا بالحقِّ وهو خيرُ الفاتحين.
ومن افتراءات الجهمية قولهم أن الولاء ليس من أصل الدين.(4/76)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية(1): وأصل الدين أن يكون الحبُّ لله والبغضُ لله والموالاة لله والمعاداة لله والعبادة لله والاستعانة بالله والخوفُ مِنَ اللهِ والرجاء لله والإعطاء لله والمنع لله، وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أمره أمر الله ونهيه نهي لله ومعاداته معاداة الله وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله... إلخ.
ويقول في ”منهاج السنة“ أيضًا(2): «فنفس محبته أصل لعبادته والشرك في محبته أصل الإشراك في عبادته» ويقول في نفس الجزء(3): «فاللهُ فطرَ عباده على الحنيفية ملةَ إبراهيم وأصلها محبة الله وحده فما من فطرة لم تفسد إلا وهى تجد فيها محبة الله تعالى، لكن قد تفسد الفطرة إما لكبر وغرض فاسد كما في فرعون، وإما بأن يشرك معه غيره في المحبة كما قال تعالى: { - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } - } - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - جل جلاله - - - - رضي الله عنهم - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - - قرآن كريم - تمهيد (- رضي الله عنه -( - ( تمت - ( - - - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - { - صلى الله عليه وسلم - - - } تمهيد ( مقدمة ( - } (4).
__________
(1) منهاج السنة، ج3، ص 64.
(2) المصدر السابق، ج3، ص 64.
(3) المصدر السابق، ج3، ص 101.
(4) البقرة، آية: 165.(4/77)
وأما أهل التوحيد الذين يعبدون اللهَ مخلصين له الدين فإن في قلوبهم محبةَ اللهِ لا يماثله فيها غيره ولهذا كان الربُّ محمودًا حمدًا مطلقًا على كل ما فعله، وحمدًا خاصًا على إحسانه إلى الحامد فهذا حمد الشكر والأول حمده على كل ما فعله، فالحمد ضد الذم والحمد خبر بمحاسن المحمود مقرونًا بمحبته، والذم خبر بمساوئ المذموم مقرونًا ببغضه. إلى أن يقول: فلا تكون عبادة إلا بحب المعبود ولا يكون حمد إلاَّ بحبِّ المحمود وهو سبحانه المعبود المحمود. وأول نصف الفاتحة الذي للربِّ حمده وآخره عبادته أوله الحمد لله ربِّ العالمين وآخره إياك نعبدُ وإيَّاك نستعين. إلى أن يقول: وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل ما قلتُ أنا والنبيُّونَ مِنْ قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قدير» فجمع بين التوحيد والتحميد كما قال تعالى: { ( فهرس قرآن كريم ((( - - - - ( - رضي الله عنه -((((( - ( - ( - ( - - - - (((- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - ( - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - ( - ( تمت - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -((( - فهرس - (- رضي الله عنهم -(( - - - } (1). أهـ.
ثالثًا: الردُّ على شبه الجهمية في الحكم
__________
(1) غافر، آية: 65.(4/78)
أولاً: يقول بعض الملبسين والمضللين: حقًا إن الإيمان الذي هو أول ما يجب على المكلف ولا تقبل ولا تصح الأعمال إلا به، لابد فيه من تصديق الخبر مع قبول الحكم، وأن الكفر يأتي من تكذيب الخبر أو رد الأمر. إلى هنا والكلام حقّ ولكن الباطل الذي يتلبس به هو: أن هذه القوانين الوضعية ليست ردًّا لأمر الله عليه. فماذا تكون إذن؟؟ نزعوا عن الحكم مناطه فعلي أي شيء يتنزل؟؟ ويستدلون ببيان العلماء؟؟ أي علماء؟؟ وأي بيان؟؟ ـ أفلا يتوبون إلى اللهِ ويستغفرونه؟؟ ـ غرَّهم حلم اللهِ عليهم فمضوا في غيِّهم يعمهون، وهو استدراج لهم من الله لو يفقهون؟؟ ليشهدوا على أنفسهم بالضلال والتلبيس وليستزلهم الشيطانُ بما كسبوا نعوذُ بالله من الفتنة.
ونقول: الانحراف عن شرع اللهِ له خمس دركات متفاوتة في الفحش وهى:
إهدار اعتبار الشرع جملة بإبطال حكم الشرع وتقديم القانون عليه.
تبديل الشرائع باستبدال الدين المحكم بالدين المنسوخ أو المبدل في بعض الشرائع دون بعضها الآخر، وهو كقول اليهود في استبدال الرجم بالجلد والتحميم فقالوا نجتمع على أمر نجعله في الشريف والوضيع فينا فاجتمعوا على الجلد والتحميم مع بقاء التزامهم بغيره من الأحكام وهو من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض كاستحلالهم القتل وتحريمهم السبي لبني إسرائيل مع وجوب الفداء.
الردة عن الشرائع وهى الإباء من قبول الفرائض واستحلال المحرمات وهذه الدركات الثلاث كفر صريح مخرج عن الملة أفحشها الأول ويليه في الفحش الثاني ثم الثالث.
أما الرابع والخامس فهما:
الامتناع عن الشرائع من غير التزام بغيرها أو تبديل لها أو ردة عنها.
الحكم بغير ما أنزل اللهُ ولو في جزئية واحدة في بعض ما يَرِد عليه ميلاً مع الهوي بسبب الجهل والجور مع بقاء التزامه بالشرع جملة وتفصيلاً لا يخرج عنه.(4/79)
يقول تعالى: { ( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنه - - - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنهم - - ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - { - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - (( ((( - - } - - - ( - ( فهرس - - - ( - رضي الله عنه -(((- رضي الله عنه - - ( } - } - - - - ( - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - ( - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - ((( - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم - - ((- رضي الله عنه - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - ( المحتويات ( - - - ( - - - - - رضي الله عنه -( - - - ( - - { - - رضي الله عنهم - - ( - } - قرآن كريم ( - فهرس - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - - (- رضي الله عنه -( - - - } (1).
وهاتان الدركتان داخل نطاق الإسلام وإن كانت الأولي تكاد أن تخرج صاحبها عن الإسلام وهى مفضية إلى ذلك مؤدية إليه إذا تمادى فيها ولم يجد من يردعه عن غيِّه بالسيف ويقوِّم اعوجاجه. والثانية متفاوتة لا يخلو منها أحد إلا من شاء الله.
وبعد هذا البيان أقول: إن هذه القوانين الوضعية والأنظمة العلمانية التي تقوم عليها هذه القوانين وأنظمة الحكم والقائمين بها التي تساندها وتفرضها وتذبُّ عنها وتقاتل دونها راجعة بجملتها إلى أحط دركات الكفر وهى إهدار اعتبار الشرع جملة بإبطال حكم الشرع وتقديم القانون عليه وإليكم بيان ذلك.
جاء في كتاب ”نظرية القانون“: ...
__________
(1) ص ، آية: 26.(4/80)
القانون في ميلاده: المصادر المادية: يقصد بالمصادر المادية تلك التي تغترف منها مادة القانون وهذه المصادر متعددة متنوعة، فقد تأتي إلينا مادة القانون من حاجات الأمة كما هى الحال الغالب، ومثال ذلك ما اقتضته ظروف بلدنا من وجوب تحديد الملكية الزراعية بمائتي فدان للشخص الواحد فمادة القاعدة القانونية التي نصت على هذا الحكم مستقاة من صميم حاجات وطننا. وقد تستمد مادة القانون من السوابق التاريخية التي مرت بها الأمة أو مرت بها أمة أجنبية، ويسمي هذا النوع من المصادر بالمصادر التاريخية وقد استمد قانوننا المصري أغلب أحكامه من القانون الفرنسي والقليل من الشريعة الإسلامية وعلي ذلك يعتبر القانون الفرنسي والشريعة الإسلامية مصدرين تاريخيين لقانوننا بالنسبة للأحكام التي استقاها من كل منهما. وقد يستمد المشرع مادة القانون من استقرار المحاكم على أمر معين وهنا يكون المصدر المادي هو القضاء والأمثلة على ذلك كثيرة في قانوننا المدني الجديد حيث أُخذ بكثير من الآراء التي استقرت عليها محاكمنا في ظل القانون القديم. وقد يستمد القانون في النهاية مادته من آراء الفقهاء ”فقهاء القانون“ التي يوردونها في مؤلفاتهم وهنا يكون الفقه هو المصدر المادي.
وخلاصة هذا: أن المصادر المادية وهى التي تغترف منها مادة القانون متعددة ومتنوعة ولا تفيد هذه المصادر في معرفة ما إذا كانت هناك قاعدة قانونية أم لا، لأن القاعدة لا تعتبر قانونية إلا إذا توافر لها عنصر الإلزام الذي يضفيه عليها المصدر الرسمي.(4/81)
المصادر الرسمية: المقصود بالمصادر الرسمية تلك التي يستمد منها القانون إلزامه وبالتالي سطوته وسلطانه. والمصدر الرسمي وحده هو الذي ينتهي به خلق القانون إذ لو توافرت بالنسبة لقاعدة معينة مادتها دون أن يضفي عليها إلزامها لوُجِدنا أمام مادة بلا روح، ولوجدنا بالتالي أمام العدم فلمعرفة ما إذا كان هناك قاعدة قانونية أم لا. لا يحق لنا أن نستشير إلا المصادر الرسمية. أما المصادر المادية فلا نرجع إليها إلا أن يثبت لنا أن أحد المصادر الرسمية قد خلق لنا قاعدة من قواعد القانون وتكون الغاية من الرجوع إلى المصادر المادية في هذه الحالة هو مجرد تحديد معنى تلك القاعدة القانونية.(4/82)
والمصادر الرسمية لقانوننا المصري هى: التشريع، العرف، مبادئ الشريعة الإسلامية، مبادئ القانون الطبيعي، وقواعد العدالة. وليست هذه المصادر على درجة واحدة من الأهمية، فالتشريع هو المصدر الأساسي السابق في أهميته في حين أن المصادر الأخرى لا تعدو أن تكون مصادر قانونية احتياطية لا يُلجأ إليها إلا إذا سكت التشريع عن حكم النزاع ولا يوجد ثمة ما يمنع من أن تتطور القاعدة القانونية بالنسبة إلى مصدرها الرسمي فقد توجد هناك قاعدة قانونية مصدرها العرف ثم تصير بعد ذلك قاعدة قانونية مصدرها التشريع وهنالك يستحيل العرف إلى مصدر مادي للقاعدة القانونية بعد أن كان مصدرًا رسميًا لها مثال ذلك ما جري عليه العرف في ظل القانون المدني القديم من أن لقب الشخص يلحق أولاده فقد تضمن التشريع هذه القاعدة حيث نصت عليها ”المادة 38“ من قانوننا المدني الجديد، وتغيير المصدر الرسمي للقاعدة القانونية لا يؤثر في ذات إلزامها وإنما يؤثر في درجة هذا الإلزام. فالقاعدة العرفية التي تصبح تشريعًا هى في الحالتين ملزمة ولكن انتقالها إلى رحاب التشريع يجعلها ملزمة من الدرجة الأولي في حين أنها كانت وهى عرفية ملزمة بالدرجة الثانية وهذه المصادر الرسمية وهى التشريع والعرف ومبادئ الشريعة ومبادئ القانون الطبيعي مصادر عامة على اعتبار أنها تخلق القاعدة القانونية دون أن تتقيد بدائرة محددة ويوجد إلى جانب هذه المصادر العامة مصدر خاص بدائرة محدودة من العلاقات القانونية وهى متعلقة بالأحوال الشخصية بالنسبة للمصريين هذا المصدر الخاص هو الدين. فالدين مصدر من مصادر القانون في نطاق محدود وهو نطاق الأحوال الشخصية.
ثم يتكلم عن المصادر الرسمية فيقول:(4/83)
التشريع: وهو المصدر الرسمي الغالب للقانون في عصرنا الحاضر، ويقصد بالتشريع باعتباره مصدرًا للقانون: سن القواعد القانونية بواسطة السلطة التي يمنحها الدستور الاختصاص بذلك. يشغل التشريع الآن بالنسبة إلى مصادر القانون مكان الصدارة، فالأغلبية الساحقة من القواعد القانونية ترجع في مصدرها إليه، إذ قد تقلص ظل المصادر الأخرى وعلي رأسها العرف إلى درجة أن أصبحت أهميتها بالغة التفاهة(1) واقتصر دورها على أن تسد النقص في التشريع في الأحوال القليلة النادرة التي سكت فيها التشريع عن حكم النزاع المعروض أمام القاضي وليس هذا حال مصر وحدها بل أيضًا حال كل الدول الأخرى الراقية.
جاء في هذا الكتاب عن الشريعة أيضًا أنه إذا انفصلت قاعدة من قواعد الشريعة عن الشريعة الإسلامية كمصدر رسمي لها ارتقت كما يقولون من الدرجة الثالثة ”الأدنى“ إلى الدرجة الأولى ”الأرقى“ من الإلزام وذلك لانتقالها إلى التشريع كمصدر رسمي لها واستحالة الشريعة إلى مجرد مصدر مادي تاريخي لها.
فيقول تحت عنوان ”أنواع التشريع“: يوجد في القمة التشريع الدستوري ويسمي أحيانًا بالتشريع الأساسي، ويلي التشريع الدستوري التشريع العادي أو ما يسمى بالتشريع الرئيسي وهو الذي يصدر من السلطة التشريعية العادية أي تلك التي يكل إليها الدستور أمر سن القوانين، التشريع الفرعي وهو الذي تباشره السلطة التنفيذية ويشمل اللوائح، القرارات، المراسيم، ويترتب على تدرج هذه الأنواع الثلاثة في الأهمية أنه لا يصح للتشريع الأدني مرتبة أن يخالف التشريع الذي يعلوه، فلا يصح أن يخالف التشريع العادي تشريعًا دستوريًا، ولا يسوغ للتشريع الفرعي أن يخالف التشريع العادي ولا التشريع الدستوري ويشمل التشريع الفرعي:
__________
(1) وأقول: انظروا إلى وضع الشريعة عندهم، فهي تدخل مع العرف، وقواعد العدالة، والعرف سابق عليها في الأهمية. الثلاثة يدخلون تحت هذا الوصف لمصادر أهميتها بالغة التفاهة.(4/84)
وضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعطيل لها أو تعديل.
اللوائح والقرارات التفويضية.
لوائح البوليس، لوائح تنظيم المرور، وتلك التي تنظم سير المحلات المقلقة للراحة والخطرة والمضرة بالصحة وقوانين الأغذية والباعة المتجولين... إلخ.
وضع المصادر الأخرى ـ العرف، مبادئ الشريعة الإسلامية، قوانين العدالة ـ بالنسبة إلى التشريع يقول: وعلى القاضي إذا ما عرض عليه نزاع معين تحتم عليه في سبيل فضِّه أن يبحث في نصوص التشريع فإذا وجد من بينها نصًا يسري بلفظه أو بروحه على الحالة المعروضة عليه التزم تطبيقه، وما كان له أن يلجأ إلى مصادر القانون الأخرى. أما إذا وجد أن التشريع لا يتضمن حكمًا للنزاع المعروض عليه هنا ـ وهنا فقط ـ يجب عليه أن يبحث في مصادر القانون الأخرى وفق الترتيب الذي تحدده الفقرة الثانية من المادة الأولي، وإن وجد نص تشريعي لكنه غامض أو مبهم فلا يسوغ الانتقال منه مباشرة إلى المصادر الأخرى الاحتياطية بحجة غموض في النص التشريعي. وإنما يتحتم أولاً أن يفسر هذا النص ليعرف معناه، فإذا أدي بنا هذا التفسير إلى أن النص ينطبق على النزاع بألفاظه أو روحه تحتم تطبيقه، وامتنع الانتقال إلى المصادر الأخرى غير التشريعية. أما إذا أدي بنا تفسير النص إلى أنه لا يحكم الحالة المعروضة وجب القول بأن التشريع ساكت عن حكم النزاع ويتحتم الانتقال إلى غيره من المصادر.(4/85)
العرف: يلي التشريع في المرتبة، وهو مصدر احتياطي له بمعنى أنه يجب على القاضي ألا يطبق العرف إلا إذا افتقد النص التشريعي، فالقاضي إذا عرض عليه النزاع لزمه أولاً أن يبحث في التشريع، فإن وجد في التشريع نصًا ينطبق على هذا النزاع في لفظه أو في فحواه تحتم عليه أن يطبقه وامتنع عليه أن يتجاوز التشريع إلى العرف، أما إذا لم يجد القاضي لحكم النزاع المعروض عليه نصًا في التشريع وجب عليه أن يلجأ إلى العرف مباشرة وامتنع عليه أن يلجأ إلى المصدرين الآخرين وهما مبادئ الشريعة الإسلامية وقواعد القانون الطبيعي والعدالة إلا إذا سكت العرف بدوره عن حكم النزاع فالعرف مصدر احتياطي للتشريع وهو مصدر احتياطي له في المرتبة الأولى.(4/86)
مبادئ الشريعة الإسلامية: لم يكن المشروع التمهيدي لقانوننا المدني يذكر مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدرًا رسميًا ولكنه كان يعتبرها مجرد مصدر استئناسي، وفي لجنة مراجعة المشروع التمهيدي رؤي بناء على اقتراح أستاذنا السنهوري جعل مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرًا رسميًا لقانوننا المصري يجئ بعد العرف وقبل القانون الطبيعي وتضمنت ذلك الفقرة الثانية من المادة الأولي من المشروع التي تنص بأنه: «إذا افتقد القاضي نصًا في التشريع وحكمًا في العرف فصل في النزاع بمقتضي مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص القانون ـ القانون المدني ـ دون تقيد بمذهب معين فإن لم توجد فبمقتضي مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة» وحين عرض هذا النص على لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ حذفت منه عبارة «الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون تقيد بمذهب معين» لأن فكرة الملائمة مفهومة دون النص عليها إذ أن مبادئ الشريعة الإسلامية لن تطبق إلا إذا سكت التشريع تمامًا عن حكم النزاع بنصه أو بروحه ولأن عبارة «دون تقيد بمذهب معين» لا فائدة منها لأن الرجوع إلى المبادئ العامة للشريعة وهى واحدة لا تختلف باختلاف المذاهب فهى مصدر احتياطي في الدرجة الثانية. ويلاحظ أن ما يعتبر مصدرًا رسميًا لقانوننا هو المبادئ العامة للشريعة الإسلامية أي القواعد الأساسية التي تقوم عليها، أما الأحكام التفصيلية لتلك الشريعة فلا تعتبر مصدرًا رسميًا.(4/87)
الدين: بقى للدين أثره البالغ في قانوننا المصري إلى أن جاء محمد علىّ يحكم مصر إذ حتى هذا الوقت كانت الشريعة الإسلامية تطبق في تنظيم أمور المصريين ومن عهد «محمد علىّ» بدأ القانون الفرنسي يدخل مصر لاسيما فيما يتعلق منه بالتجارة والقانون الجنائي، وأخذ تأثير الشريعة الإسلامية ينكمش رويدًا رويدًا كلما أدخلت مصر قاعدة من قواعد القانون الفرنسي وانتهى الأمر في عهد إسماعيل بأن صدرت التقنينات المصرية الأولي آخذة الأغلبية من أحكامها عن القانون الفرنسي والقليل النادر منها عن الشريعة الإسلامية، وهكذا زال أثر الشريعة الإسلامية في قانوننا المصري بالنسبة إلى ما نظمته التقنينات الصادرة وقت ذاك، بيد أن هذه التقنينات لم تتناول تنظيم مسائل الأحوال الشخصية ومن ثم بقي للدين أثره فيها ولم تغير تقنيناتنا الحالية عن الوضع السابق شيئًا إذا استثنينا ما جاء ”بالمادة 15/2“ المجموعة المدنية من اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا رسميًا احتياطيا للتشريع يأتي بعد العرف، وعلي ذلك بقي الدين مصدرًا رسميًا للقانون المصري في مسائل الأحوال الشخصية الخاصة بالمصريين كل يخضع لقانون الدين والملة التي ينتمي إليها. ويلاحظ أن مسائل الأحوال الشخصية التي تخضع في تنظيمها للدين قد ضاقت دائرتها بعد أن تضمن التشريع تنظيم أمور كثيرة منها، فقد صدر قانون ينظم الميراث وآخر ينظم الوصية وثالث ينظم الهبة وفي كل هذه الأمور زال أثر الدين باعتباره مصدرًا رسميًا بالنسبة إليها وأصبح هذا المصدر هو التشريع. والتشريعات التي تنظم الأمور السابقة هى تشريعات تسري على المصريين كافة دون اعتبار بالدين الذي ينتمون إليه، وقد استمدت أحكام هذه التشريعات من الشريعة الإسلامية ولذلك فتعتبر تلك الشريعة مصدرًا ماديًا في هذ المجال ويبقي من مسائل الأحوال الشخصية التي ينظمها الدين الزواج والطلاق والرضاعة والحضانة والنفقة... إلى غير ذلك من المسائل الخاصة بعلاقة(4/88)
الفرد بأفراد أسرته، والدين يعتبر بالنسبة إلى مسائل الأحوال الشخصية مصدرًا رسميًا أصليًا بمعنى أن القاضي يطبق مباشرة القاعدة التي يقضي بها الدين وذلك بخلاف الحال بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدرًا رسميًا للقانون في الأحوال العادية إذ هى في هذا المجال مصدر احتياطي للتشريع يأتي في المرتبة الثانية بعد العرف.
سلطة القاضي في مراقبة دستورية القوانين:
وقبل أن نبين سلطة القاضي في مراقبة دستورية القوانين يجب علينا أن نبادر إلى القول بأن مسألة مخالفة القاعدة القانونية للدستور لا تثور إلا بالنسبة إلى القواعد القانونية الناشئة عن التشريع العادي وتلك الناشئة عن التشريع الفرعي الذي يتضمن اللوائح أو المراسيم والقرارات، ذلك أن الدستور هو نوع من أنواع التشريع كما بيَّنا والتشريع يَجُبُّ عند التطبيق غيره من المصادر، ويترتب على ذلك أنه إذا وجدت قاعدة دستورية تقضي بأمر معين امتنع على القاضي أن يتجاوزها إلى غيرها من القواعد الناشئة عن العرف أو عن مبادئ الشريعة الإسلامية أو عن قواعد القانون الطبيعي والعدالة، وهكذا لا تعرض للقاضي فرصة النظر فيما إذا كانت قواعد العرف أو مبادئ الشريعة أو قواعد القانون الطبيعي تخالف الدستور أو تتمشي معه ومن ثم نجد مراقبة القاضي دستورية القواعد القانونية الناشئة عن المصادر الثلاثة السابقة محلولة من تلقاء نفسها لأن القاضي يطبق دائمًا ما يقضي به الدستور دون أن ينظر حتى إذا كانت القواعد السابقة موجودة أم لا؟(4/89)
وإذا استبعدنا قواعد العرف ومبادئ الشريعة الإسلامية وقواعد القانون الطبيعي من نطاق المسألة التي نحن بصددها، ما بقيت إلا القواعد الناشئة عن التشريع العادي، وتلك الناشئة عن التشريع الفرعي، وقد سبق لنا أن بينَّا أن التشريع أنواع ثلاثة تتدرج في الأهمية، ففي القمة يوجد التشريع الدستوري ويليه التشريع العادي أو الرئيسي ويأتي في نهاية المطاف التشريع الفرعي، ويترتب على تدرج هذه الأنواع الثلاثة في الأهمية أنه لا يصح أن تخالف إحداها التشريع الذي يسمو فوقه مرتبة، فلا يصح أن يخالف التشريع العادي الدستور، ولا يصح أن يخالف التشريع الفرعي الدستور ولا القانون، هذه نتيجة مسلمة من الجميع.
وبالنسبة للتشريع الفرعي:(4/90)
يقول: «إذ لعل أهم الأسباب التي رجع إليها إجماع الفقه والقضاء على منح المحاكم سلطة مراقبة دستورية التشريعات الفرعية أن هذه التشريعات تجريها السلطة التنفيذية، وليس لهذه السلطة في نفوس الناس من التعظيم والإجلال ما للسلطة التشريعية. وباعتبار أن هذه السلطة الأخيرة تمثل الأمة قام في ذهن الكثيرين أنه لا يصح أن يجعل من القضاء رقيبًا عليها لأنها تعبر عن الأمة فيما تقول، أما وهذا الاعتبار غير متوافر فيما تصدره السلطة التنفيذية من التشريعات الفرعية فلم يشعر أحد بالحرج من أن يسلم للقضاء أن يراقبها، على أن هناك رأيًا آخر هو: أن فوق السلطتين التشريعية والقضائية سلطة أعلي منهما هى التي خلقتهما وهى سلطة الدستور الذي وضعته الأمة ليُسِّير دفة أمورها، وإذا كانت المحاكم ملزمة بتطبيق ما تنصه السلطة التشريعية فإنها أكثر التزامًا باحترام أحكام الدستور، ولا يوجد قانون بالمعنى الصحيح إلا إذا أصدرته السلطة التشريعية في الحدود التي رسمها لها الدستور وكلتا السلطتين لهذا الاعتبار مشتركتان في الخضوع لسيد الكل ألا وهو الدستور وإذا وجد القاضي نفسه أمام تشريعين يخالف أحدهما الآخر وأحد هذين التشريعين أعلي مرتبة من الثاني امتنع عن تطبيق التشريع الأدني في سبيل احترام التشريع الأسمي وهو الدستور فإهمال القانون المخالف للدستور لا يرجع إلى القاضي وإنما يرجع إلى سيادة الدستور التي يجب أن يحني الجميع أمامه رؤوسهم صادعين صاغرين حتى السلطة التشريعية فيما تضعه من قوانين.(4/91)
إلغاء القوانين: وقد نص المشرع على نوعي الإلغاء الصريح والضمني في ”المادة 2“ مدني التي تقول بأنه: «لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع» وأساس هذا الإلغاء الضمني أن الشارع وقد أصدر رغبتين متعارضتين وجب علينا أن نأخذ رغبته الأخيرة، والسلطة التي تملك الغاء قانون معين هى تلك التي تملك خلقه أو خلق قانون أعلي منه مرتبة. وقد سبق أن رأينا أن القواعد القانونية ليست على درجة واحدة وإنما تختلف باختلاف مراتبها ففي القمة توجد القواعد القانونية التي يرجع مصدرها إلى التشريع وتليها القواعد العرفية ثم يجئ بعد ذلك مبادئ الشريعة الإسلامية وينتهي المطاف بقواعد القانون الطبيعي والعدالة وهكذا ، فالتشريع أعلي مصادر القانون مرتبة فلا يلغيه إلا تشريع مثله وقد جاءت ”المادة 2“ معبرة عن هذا المعنى حيث تقول: «لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق». فالعرف لا يلغي التشريع لأنه أدني منه مرتبة، ولا فرق في ذلك بين أنواع التشريع المختلفة أي: سواء كنا بصدد تشريع دستوري أو بصدد تشريع عادي أو بصدد تشريع فرعي كلائحة أو قرار. والتشريع يلغي العرف لأنه أسمي منه مرتبة وهو يلغي أيضًا أي مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية وأية قاعدة من قواعد القانون الطبيعي، والعرف اللاحق يلغي العرف القديم.(4/92)
وخلاصة هذا كله: أن التشريع لا يلغي إلا بتشريع مثله، في حين أنه يلغي كل القواعد القانونية التي تأتي بعده من المصادر الأخرى. وللتشريع ثلاث مراتب: دستوري، عادي، فرعي. والتشريع لا يلغي إلا بتشريع في مرتبته أو أعلى منه مرتبة، فالتشريع الدستوري لا يلغي إلا بتشريع دستوري مثله أو بإرادة الأمة باعتبارها مصدر السلطات جميعًا، والقانون العادي يلغي بقانون عادي مثله أو بنص دستوري، والتشريع الفرعي يُلغي بتشريع فرعي من درجته أو بالقانون العادي أو بنص دستوري». أهـ.
ثم يقال بعد ذلك أنهم لا يردون أمر الله ولا يردون شرع الله؟! أي وقاحة وجرأة على الافتراء أكثر من ذلك؟! سبحانك هذا بهتانٌ عظيم وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي إذا لم تستح فاصنع ما شئت».
وأقول هنا ما قلته في كتاب ”حد الإسلام“ تعليقًا على هذا(1):
__________
(1) حد الإسلام، ص 376.(4/93)
«هذا الواقع قد تجاوز حد التشريع المطلق إلى الإقرار الصريح بحق التشريع لغير الله بحيث أن نصوص الشريعة لا تكتسب صفة القانون ـ عندهم ـ لو أرادوا العمل بها إلا بصدورها عمن يملك حق التشريع عندهم تعبيرًا عن إرادته. وهذا فقط هو الذي يعطيها صفة القانون فشأنها في ذلك كشأن غيرها من العرف أو القانون الفرنسي أو آراء فقهاء القانون أو ما استقرت عليه المحاكم، أما صدورها عن الله عزَّ وجلّ فلا يعطيها صفة القانون لأنه عندهم ليس مصدرًا للسلطات وليس من حقه التشريع بل استمرار صلة النص به يضع النص في مرتبة احتياطية ثانية وانسلاخ نص آخر من نصوصه عنه والتحاقه بالتشريع الوضعي كمصدر رسمي له يعطيه صفة القانون ويلزم القاضي الأخذ به بينما يبقي الآخر في المرتبة الثانية الاحتياطية حيث لم يحظ بصدوره تعبيرًا عن إرادة المشرع الوضعي نيابة عن الأمة صاحبة الحق في السلطات وأظهر مظاهرها التشريع ويمنع القاضي من مجرد النظر فيه مع وجود ما يحكم به في موضع النزاع من التشريع الأسمي ـ القانون الوضعي ـ نصًا أو روحًا أو نصًا غامضًا قابلاً للتفسير، والعرف يلغي أي مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية لأنه أسمي منها مرتبة، وكذلك القانون يلغي العرف ومبادئ الشريعة الإسلامية، والدستور يلغي القانون فالسلطة التي وضعت الدستور هى التي تملك أن تلغي الدستور أو القانون ولكن السلطة التي وضعت القانون لا يمكن أن تلغي الدستور، ولذلك فالقانون لا يلغي الدستور وكذلك السلطة التي وضعت القانون تلغي القانون أو العرف ولا تلغي الدستور، والسلطة التي تضع العرف يمكنها أن تلغي عرفًا سابقًا بعرفٍ لاحق ويمكنها أن تلغي الشريعة ولا يمكنها أن تلغي القانون، والسلطة التي وضعت الشريعة الإسلامية عندهم لا يمكنها أن تلغي العرف وإن أمكنها أن تلغي القانون الطبيعي وقواعد العدالة.(4/94)
وبعد كل هذا يقال أنهم لا يردون أمر الله ـ سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ ـ واليهود لم يقدموا شرع غير الله على شرع الله، وإنما استبدلوا حكمًا بحكم وكان ذلك خوف القتل وحتى يتساوي الناس في العقوبة لعجزهم عن إقامة الحد على أبناء الملوك وكانوا مع ذلك متحرجين من هذا الفعل يبحثون له عن مخرج يحاجون به عند الله يقولون أفتانا به نبيٌّ لك بُعث بالتخفيف فانظر إلى الفرق بين الكفرين أليس كفر هؤلاء أفحش بكثير بل بكثير جدًا ومع ذلك يقولون عنهم أنهم لا يردون أمر الله؟؟ إذا لم يكن هذا ردًا فكيف يكون الرد؟؟!! وعندما قدم التتار الياسق على الحكم بالكتاب والسنة كفروا بإجماع المسلمين والأمر واضح في تفسير ابن كثير وغيره. مرَّ في كتاب ”حد الإسلام“ بالتفصيل، وربما يأتي ذكره ولا داعي للتكرار فالحق أوضح من أن يستدل عليه ولربما يقولون لقد قالوا عن الشريعة أنها مصدر رئيسي أو أساسي للتشريع؟ ونقول هذا تفسير ما قالوه يا قوم من أفواههم فافهموه.
جاء في ”جريدة الأهرام“ بتاريخ 18/2/1994 تحت عنوان «مع القانون» إعداد عبد المعطي أحمد في قضية نصر أبو زيد وزوجته المحكمة تؤكد : القانون المصري لا يعرف دعوي «الحسبة».(4/95)
«أكد لي الدكتور محمد نور فرحات الأستاذ بكلية الحقوق جامعة الزقازيق والمحامي بالنقض أن دعاوي الحسبة غير مقبولة في منازعات الأحوال الشخصية، كما أنها غير مقبولة في مختلف القضايا لأن النظام القضائي المصري يقوم على مبدأ أنه لا دعوي بلا مصلحة شخصية ومباشرة، وردًا على سؤال عن الأسانيد القانونية التي أقامت عليها محكمة الجيزة الابتدائية للأحوال الشخصية قضاءها بشأن الدعوي التي أقامها عدد من الخصوم الفكريين للدكتور «نصر أبو زيد» يطلبون فيها التفريق بينه وبين زوجته الدكتورة «ابتهال يونس» بحجة أنه ارتد عن الإسلام لأنه نشر بعض الكتابات التي تعد في نظرهم خروجًا عن الدين الإسلامي قال: إن المدَّعين أقاموا دعواهم باعتبارها «دعوي حسبة» أي دعوي يجوز لأي شخص أن يرفعها بصرف النظر عما إذا كان له مصلحة شخصية ومباشرة فيها واستندوا في ذلك إلى أن ”المادة 280“ من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي أحالت فيما لم يرد فيه نص إلى أرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان ليطبق على النزاع، وأشار إلى أنه لمَّا كانت دعاوي الحسبة غير معروفة في قانون المرافعات المصري ولم يرد نص بشأنها في التشريع فإن الشريعة الإسلامية ممثلة في مذهب أبي حنيفة تجيز رفع دعاوي الحسبة كما استند المدَّعون إلى حكم صادر من محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 20 لسنة 34 قضائية في 30/3/66 ويقضي بأن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية وما يقضي فيها إلى أرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة هو القانون العام في مسائل الأحوال الشخصية دون ما تفرقة بين القواعد الموضوعية والقواعد الإجرائية وبالتالي أجازت محكمة النقض في هذا الحكم نظام دعاوي الحسبة في بعض منازعات الأحوال الشخصية إلا أن محكمة الجيزة الابتدائية في قضية الدكتور نصر أبو زيد خالفت هذا القضاء واختلفت معه وذكرت في حكمها أنه قضاء يتصادم مع أحكام القانون 462 لسنة 55 كما أنه يجب العدول عنه بعد(4/96)
صدور قانون المرافعات المدنية 13 لسنة 68 وصدور الدستور المصري سنة 1971 فقانون المرافعات نص صراحة في المادة الثالثة على أنه لا دعوي بلا مصلحة وهذا القانون هو القانون الواجب التطبيق على منازعات الأحوال الشخصية بعد إلغاء المحاكم الشرعية فضلاً عن أن الدستور المصري عندما نصَّ في مادته الثانية على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع فإن هذا الخطاب ليس موجهًا إلى القاضي ليحكم به مباشرة وإنما هو موجه للمشرع ليصوغ تشريعاته وفقًا لمبادئ الشريعة، أما القاضي فهو ملزم بتطبيق التشريع دون نظر ما إذا كان مستمدًا من الشريعة أم لا.
ولذلك أصدرت المحكمة حكمها الذي قضي في منطوقه بعدم قبول الدعوى وإلزام رافعها بالمصاريف وأتعاب المحاماة». أهـ.
هل الأمر يحتاج إلى تعليق؟؟!
ولذلك فإن محكمة النقض تبطل أي حكم للقاضي يخالف فيه القانون العادي أو الرئيسي أو يخالف فيه الدستور حتى ولو كان حكمًا متفقًا مع الشريعة الإسلامية أو مراعيًا لأسسها الأخلاقية قريبًا من قيمها أو مراعيًا لقيم المجتمع المتأثرة بالدين ولو إلى حد ما.
جاء في ”جريدة الأهرام“ بتاريخ 16/1/89 ، 8 جمادي الثانية سنة 1409هـ تحت عنوان «براءة لسهرة غير بريئة» كتبت نادية العسقلاني: «حكمت محكمة النقض بإلغاء الحكم الصادر بحبس موظف 6 أشهر وبرائته من التهم المنسوبة إليه، قالت المحكمة أن المتهم اصطحب فتاة من الشارع إلى منزله لقضاء سهرة غير بريئة وهذا لا يندرج تحت أي نص عقابي آخر، وإن الحكم المطعون فيه قد دانه بجريمة معاونة أنثي على ممارسة الفجور يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه والقضاء ببراءة الطاعن، أصدرت الحكم الدائرة الجنائية بمحكمة النقض برئاسة المستشار محمد وجدي عبد الصمد». أهـ.(4/97)
القانون واضح أنه لا جريمة في الزنا إذا لم يكن في الأمر اغتصاب، أو إغواء قاصر، أو إتجار، أو خيانة زوجية وكان بين بالغين متراضيين. وجرائم الدعارة الشهيرة في أوساط مشاهير الفنانين وسيدات المجتمع ونجومه كان الحكم فيها بالبراءة بمجرد ثبوت التراضي وانتفاء الإتجار، وأن حرية الجنس على وجه جماعي في حفلات صاخبة ومتكررة في نطاق الشلة والأصدقاء هو نمط حياتهم العادي بعلم الأزواج والزوجات دونما اعتراض من أحد، ودون دخول عنصر الإتجار فيه بأي وجه وكان هذا هو الدفاع الذي حاز به المحامون البراءة للمتهمين في تلك القضايا، ولو حكم القاضي بغير ذلك لأبطلت حكمه محكمة النقض لمخالفته الدستور والقانون. ومعروف أنه في حالة الخيانة الزوجية حتى مع ثبوت الزنا والإقرار به فإن من حق الزوج إسقاط الدعوي بالتنازل لأنه حقه هو، وليس حقًا لله كما ينصُّ الشرع، لأن الشرع غير معتبر عندهم وليس لله حق أصلاً عندهم في أي شيء يتصل بالتشريع هذه هى الحقيقة مهما تعاميتم عنها!!!
أبعد كل هذا مازالوا لا يردون أمرَ اللهِ وصدق الله العظيم { ( - ( - ( - - } (( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( الله - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - ( - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - (( ( - ( - - - - - - } (1).
__________
(1) القمر، آية: 43.(4/98)
ومن مقالة لويس عوض أيضًا في ”جريدة الأهرام“ 5/9/1987 «وكان موضوع المحاضرة التي ألقيتها بالإنجليزية في 11 فبراير 1983 ثم أعدت إلقاءها في جامعة كاليفورنيا فرع لوس إنجيليس هو «مستقبل الهيومانيزم في مصر» أي مستقبل الفلسفة الإنسانية في مصر، وعندما عدت إلى مصر ترجمت هذه المحاضرة ونشرتها في ”مجلة المصور“ في 23/9/1983 و 30/9/83 و 7/10/1983 تحت عنوان ”قصة العلمانية في مصر“ فأنا أرادف دائمًا بين العلمانية والهيومانيزم أو الفلسفة الإنسانية بالمعنى الأيديولوجي، وفي خريف 1983 اشتركت مع البرت حوراني ومكسيم رودانسون في مؤتمر المستشرقين الأمريكيين بمدينة شيكاغو وتحدثنا نحن الضيوف الثلاثة في موضوع «الأيديولوجيات والحريات» في ظل ازدهار دعوة الحكومة الدينية في مصر وعند عودتي ترجمت محاضرتي ونشرتها أيضًا في ”المصور“ في 30/12/1983، 9/4/1984 وكنت المتفائل الوحيد بين المتكلمين المطمئن إلى مستقبل حقوق الإنسان والحكم المدني والقوانين الوضعية تأسيسًا على رسوخ الفلسفة العلمانية ومبادرة الدولة الحديثة في مصر منذ 1800، ثم يتكلم عن الفترة التي اتهم فيها توفيق الحكيم وزكي نجيب محمود ويوسف إدريس وأحمد بهاء الدين وغيرهم بالكفر، ورسالة الحكيم إليه يعرب فيها عن تخوفه من سقوط العلمانية في مصر وظهور الحكومة الدينية... إلخ». أهـ.
وكذلك يقول فرج فودة في رده على خالد محمد خالد رادًا لدعوته بتحكيم الشريعة: «بأن تطبيق الشريعة سوف يجعل من المواطن المسيحي مواطنًا من الدرجة الثانية لا تقبل له شهادة ويزداد البعض تطرفًا بالقول بأنه لا ولاية له وسوف يصبح غناء المطربات دعوة للزني لا تستقيم مع إقامة حده وسوف يصبح الرقص مجونًا والتمثيل فسقًا وتزيين المرأة تبرجًا من الجاهلية الأولي ونحت التماثيل كفرًا...إلى آخر ما يعف القلم عن ذكره هنا.(4/99)
وكذلك عبد الرحمن الشرقاوي وتعرضه لهذا الأمر واستهجانه واستهجان غيره لما فعله محمود عبد الحميد غراب من تطبيق حكم شارب الخمر في الشريعة في قضايا عرضت عليه وكيف أن هذا الحكم مخالف للدستور لتضمنه عقوبة بدنية، وخرقه لميثاق القضاء والقوانين التي أقسم اليمين على احترامها، وكيف يقدم المصدر الاحتياطي الثاني على المصدر الأساسي الأول؟؟!! ومعلوم أن هذه الأحكام التي أصدرها لم تنفذ وعابوا عليه كيف يصدر أحكامًا يخالف بها الدستور، يعلم أنها لن تنفذ لخروجها عن القوانين ومخالفتها للدستور سيد الكل؟؟!!
ثم يقال بعد كل هذا أنهم لم يردُّوا أمر الله عليه هذا الذي لا ينتهي منه العجب ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
ثانيًا: الحكم بغير ما أنزل الله ومجال التلبيس في هذه القضية.
هذه القضية محسومة تمامًا بما ذكرته في مقدمة كتاب ”حد الإسلام“ أن الحكم بغير ما أنزل الله يكون على ضربين:
أحدهما: أن يحكم بغير ما أنزل الله التزامًا لشرع غير شرع الله وهو كفر ينقل عن الملة.
الثاني: أن يحكم بغير ما أنزل الله في بعض ما يعرض له مع بقاء التزامه بشرع الله فهو كفر دون كفر.
والضرب الأول محسوم تمامًا عند علماء أهل السنة المعتبرين الخارجين عن نطاق البدعة إفراطًا أو تفريطًا والملتزمين لما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والقرون الثلاثة المفضلة والذين عاشوا وماتوا على توحيد الأئمة وسلف الأمة وما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وهذا بيان ذلك.(4/100)
يقول ابن كثير(1) في بيان واضح يمثل إجماع علماء الأمة بل يمثل العلم الضروري الشائع لدي العامة من عقيدة أهل السنة يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { - المحتويات ( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( { } - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - - - - - ( - ( مقدمة - الله ( قرآن كريم - { ( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - قرآن كريم ( - } (2) ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شرِّ، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جانكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتي من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيه كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعًا متبعًا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يُحكِّم سواه في قليل ولا كثير. أهـ.
__________
(1) تفسير ابن كثير، مكتبة دار التراث، ج2، ص 67.
(2) المائدة، آية: 50.(4/101)
وأنقل عن كتاب ”الحد“(1)، نقلاً عن تحقيق الشيخ شاكر لتفسير ابن كثير «وقد نقل الحافظ المؤلف في تاريخه أشياء من سخافات هذا الياسق ثم قال فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة ـ كفر ـ فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدَّمها عليه، من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين».أهـ.
أما استغلال «لفظ» الجحد للتلبيس فمردود عليه بثلاثة أمور:
أولاً: فسَّر معناه الشيخ شاكر في عمدة التفسير بأنه إهدار اعتبار الشرع جملة كما نقلت ذلك عنه في حد الإسلام وكما شرحته هنا في بيان أوضاع الردة عن الشرائع.
ثانيًا: هو عند ابن جرير في كل استعمالاته في تفسيره بمعنى الكفر، والكفر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ”الصارم المسلول“ يكون تكذيبًا وجهلاً ويكون استكبارًا وظلمًا «بترك الانقياد» كما أوضح في كتابه. فمن ترك الانقياد كان مستكبرًا فصار من الكافرين.
ثالثًا: الجحد الذي قيد به غير ابن جرير من العلماء الحكم في الآية مرادٌ به تقييد الضرب الثاني من الحكم بغير ما أنزل الله وهو النوع الذي قال عنه ابن عباس كفر دون كفر وفسق دون فسق وظلم دون ظلم، وهو أن يحكم بغير ما أنزل الله في بعض ما يعرض له لهوي أو جهل أو جور مع بقاء التزامه بشرع الله وليس خروجًا عن شرع الله وعدلاً عنه إلى غيره من الشرائع من الدين المبدَّل أو المنسوخ، فذلك كفر بإجماع المسلمين كما هو مذكور سلفًا.
__________
(1) كتاب حد الإسلام وحقيقة الإيمان، ص 411.(4/102)
أما تفسير قوله تعالى: { - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم - - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - - عليه السلام - - ( قرآن كريم ( - - - - - { - - (( ( المحتويات ( - ( مقدمة ( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(((- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - } (1) فأنا نقلت فقط ما قاله المفسرون وهو موجود في كتب التفسير جميعها ما نقلته منها وما لم أنقله على نفس ما نقلت ومعناه من النص نفسه ومن تفسير المفسرين له من علماء التفسير أوضح من الشمس في رائعة النهار أنهم بإقرارهم بنبوة موسي وصدقه وصحة التوراة ووجود هذا الحكم فيها وأن هذا الحكم ـ الذي هو الرجم ـ هو حكم الله جاء به موسي من عند الله وأنه لازم لهم ثم أعرضوا عن هذا الحكم لمصالح دنيوية اجتماعية ارتأوها ليسوا مؤمنين بموسي وأنهم بطلب الحكم عند محمد مع تكذيبهم له ليسوا مؤمنين بمحمد صلي الله عليه وعلي موسي وسلم ليس لهذا النص أي تفسير خلاف ذلك، وذلك ما ذكرته نقلاً عن المفسرين.
__________
(1) المائدة، آية: 43.(4/103)
ويقول ابن كثير في التفسير(1): ثم قال منكرًا عليهم في آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الزائغة في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدًا ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم قال تعالى: { - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم - - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - - عليه السلام - - ( قرآن كريم ( - - - - - { - - (( ( المحتويات ( - ( مقدمة ( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(((- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - } .
ويقول النسفي في تفسير نفس الآية:«تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه مع أن الحكم منصوص في كتابهم الذي يدَّعون الإيمان به».
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج2، ص 60.(4/104)
ويقول الطبري في تفسير قوله تعالى: { - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم - - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - - عليه السلام - - ( قرآن كريم ( - - - - - { - - (( ( المحتويات ( - ( مقدمة ( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(((- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - } قال أبو جعفر: ”يعني“ تعالى ذكره وكيف يحكمك هؤلاء اليهود يا محمد فيرضون بك حكمًا بينهم { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم - - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - - عليه السلام - - ( قرآن كريم ( - - - - } التي أنزلها الله على موسي التي يقرون بها أنها الحق وأنها كتابي الذي أنزل على نبيِّي، وأن ما فيه من حكم فهو حكمي يعلمون ذلك ولا يتناكرونه ولا يتدافعونه، ويعلمون أن حكمي فيها على الزاني المحصن الرجم وهم مع علمهم بذلك يتولون. يقول: «يتركون الحكم بعد العلم بحكمي فيه جراءة عليّ وعصيانًا لي(1) ـ وهذا وإن كان من الله تعالى ذكره خطابًا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فإنه تقريع لليهود الذين نزلت فيهم هذه الآية يقول لهم كيف تقرون(2) أيها اليهود بحكم نبييِّ محمدٍ - صلى الله
__________
(1) واضح جدًا أن الخلل راجع إلى فساد القوة العملية وليس القوة العلمية.
(2) ترضون بطلبه أيها اليهود.(4/105)
عليه وسلم - مع جحودكم بنبوته وتكذيبكم إياه وأنتم تتركون حكمي الذي تقرون به أنه حق عليكم واجبٌ جاءكم به موسي من عند الله. يقول فإذا كنتم تتركون حكمي الذي جاءكم به موسي الذي تقرون بنبوته فأنتم بترك حكمي الذي يخبركم به نبييِّ محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه حكمي أحرى مع جحودكم نبوته. ثم قال تعالى ذكره مخبرًا عن حال هؤلاء اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآية عنده وحال نظرائهم الجائرين عن حكمه الزائلين عن محجة الحق { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(((- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - } ليس من فعل هذا الفعل أي من تولي عن حكم الله الذي حكم به في كتابه الذي أنزله على نبيه في خلقه بالذي صدق الله ورسوله فأقر بتوحيده ونبوة نبيه - صلى الله عليه وسلم - لأن ذلك ليس من فعل أهل الإيمان». أهـ.
الأمر واضح أن هذا الحكم ـ الرجم ـ ليس مما حذفه اليهود من التوراة وأن الجلد والتحميم ليس مما كتبه اليهود بأيديهم في التوراة ثم قالوا هو من عند الله وما هو من عند الله لدلالة هذه الآية أولاً، ولأنه لما رفع يده وضحت آية الرجم تلوح، وهذا الإخفاء حدث عارض ليس مناطًا يتعلق به حكم من لم يحكم بما أنزل الله أو غير ذلك من المناطات لأن الآيات أنزلت قبله لا بعده، ولأنها فيمن مضي منهم منذ أن حدث هذا التبديل.(4/106)
ونوضح هنا حقيقة مهمة جدًا أن السياق القرآني المذكور في سورة المائدة أوضح ثلاث أحكام: الأول: حكم المسارعة في الكفر في أول السياق وهذا منزَّل على المنافقين وهم الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وعلي اليهود للصفات المذكورة فيهم وهى: { - - قرآن كريم ((( - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - تمهيد ( - ( - - - قرآن كريم ((( - - - رضي الله عنهم - - تم بحمد الله الله ( قرآن كريم - { ( - - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - (( مقدمة (((( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - ( تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - (- رضي الله عنهم - - ( فهرس - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - ( تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم { - ( فهرس ( قرآن كريم - - ( - ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( فهرس - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - - (( مقدمة - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - (( صدق الله العظيم فهرس - - ( - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - (( مقدمة - - - (( تم بحمد الله ( - - - - ((( - - { - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - { - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - ( - ( - ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( - - - (( - ( بسم الله(4/107)
الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - - (( - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - ( - ( - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - (- عز وجل - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه -( - - - قرآن كريم ((( - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - ( - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - - - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد ( - - - - ( - } (1).
فاليهود المعنيون بهذا الحكم صفاتهم أنهم:
سمَّاعون للكذبِ عمومًا.
سمَّاعون لقومٍ آخرين يحرِّفونَ الكلمَ عن مواضعه خصوصًا. ومعنى التحريف هنا هو تسويغ الإعراض عن حكم الله مراعاة للمصالح الاجتماعية الدنيوية من خشية القتل مع قلة العدد والمساواة في الحكم بين من يقدرون على إقامة الحد عليه ومن لا يقدرون فاستساغوا منهم هذا التسويغ أصغت إليه أفئدتهم ورضوه واقترفوا ما هم مقترفون كما قال الله عن غيرهم فهم مثلهم في هذا.
وهم مشتركون معهم في أنهم أراد اللهُ فتنتهم.
ولم يرد أن يطهِّرَ قلوبهم بما كسبت أيديهم ولالتواء فطرهم وما أوقعهم في ذلك كله إلا إصغاؤهم للكذب ورضاهم به.
وأكلهم السحت وهى الصفة الخامسة في هذ السياق، وهذا الحكم فيه مشاركة أوصاف وخصوصية محل ولم يتنزل ـ على الحكم بغير ما أنزل الله ـ إعراضًا عن شرع الله وعدولاً عنه إلى غيره.
__________
(1) المائدة، آيتان: 41-42.(4/108)
والحكم الثاني: { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(((- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - } للإعراض عن حكم الله الذي يعتقدون صحته، وطلبهم الحكم عند من يكذبون نبوته ولا يعتقدون في وجوب أحكامه عليهم ولزومها لهم والحكم للإعراض عن شرع الله والعدول عنه إلى غيره ولكن فيه خصوصية محل.
الحكم الثالث: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم { - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - ( - - - } (1) المناط هنا لا علاقة له:
ـ بالتحريف. ... ـ ولا بسماع الكذب. ... ـ ولا بأكل السحت.
ـ والبعد عن التطهر. ... ـ ولا بفتنة القلوب.
فقد تجرد عن هذه الأوصاف تمامًا كما تجرد عن خصوصية المحل، والحكم: { - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - ( - - - } لا يتنزل هنا إلا على من يتصف بهذا الوصف { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم { - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - } .
__________
(1) المائدة، آية: 44.(4/109)
إذن فـ { - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - ( - - - } لا علاقة لها بالتحريف ولا بالإخفاء ولا بالجحد ولا الكتمان ولا بوضع الإصبع ولا بأي شيء من ذلك واللهُ يقولُ الحقَّ وهو يهدي السبيل.
ثالثًا: موضوع مانعي الزكاة:
أولاً: عقيدة أهل السنة في الإيمان أنه تصديق الخبر جملة وعلي الغيب وقبول الحكم جملة وعلي الغيب. والكفر عندهم بتكذيب الخبر أو رد الأمر لا فرق في ذلك بين السلف والخلف إلا اختلافات لفظية، والمعنى واحد متفق لا اختلاف فيه. فعند طائفة السلف: تصديق الرسل فيما أخبروا وطاعتهم فيما أمروا، وهما التوحيدان الخبري العلمي المعرفي، والإرادي القصدي الطلبي. وعند فقهاء المرجئة الإيمان: إقرار وتصديق مع شرائط الإيمان، الإقرار خبري التزامي فلو قال أصدقه ولا أطيعه لا يكون مسلمًا ولو قال أطيعه ولا أصدقه لا يكون مسلمًا حتى يطيعه ويصدقه جميعًا، والتصديق لابد فيه من أعمال القلوب ليس تصديقًا قوليًا خاليًا من الانقياد، أما شرائط الإيمان فمعناها الخلو من النواقض المكفرة. وعند أشاعرة السنة كما حكي القسطلاني في ”تفسير البخاري“ ”باب الإيمان“ عن الغزالي والإيجي والتفتازاني: هو إذعان لحكم المخبر وقبوله. وعند كرامية السنة هو الإقرار مع الخلو من النواقض المكفرة «أن تقول أسلمتُ وتخليت».(4/110)
فقضية قبول الحكم ضمن التوحيد الإرادي القصد الطلبي عند السلف، وضمن الإقرار والخلو من النواقض المكفرة عند فقهاء المرجئة، وضمن التصديق عند الأشاعرة، وضمن الخلو من النواقض المكفرة عند كرامية السنة. وعليه فإن الإباء من قبول الفرائض إسقاطًا للوجوب وهو فعل مانعي الزكاة أيام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - كفرٌ عند جميع طوائف أهل السنة، ومانعها بغيًا على الإمام أو بخلاً بها ليس كفرًا عند الجميع، وقد أوضحت هذا بجلاء في كتاب”حد الإسلام“ فإذا قال بعض علماء الخلف أنهم دخلوا في وصف المرتدين بالتغليب وليسوا كفارًا على الحقيقة فهو يكون مخطئًا في تحقيق المناط وليس في الحكم، لأن حقيقة فعلهم الذي قاتلهم عليه أبو بكر هو إسقاط الوجوب، ومظاهرة حركة الردة عامة، والتقوِّي بها على الخروج أو التربص بين الفريقين، أو الخروج على هؤلاء وهؤلاء نزعًا للولاء من المؤمنين في وقت هم أشد ما يكونون حاجة إليه. فقد كفروا بأمرين: بالمروق من الدين، ومفارقة جماعة المسلمين. وانطبق عليهم وصف التارك لدينه المفارق للجماعة وهو أحد الثلاثة الذين تباح دماؤهم حسب نص الحديث.(4/111)
ثانيًا: هذا ما ذكره البخاري في شأنهم، والبخاري أحد الاثني عشر الفحول الذين انتهى إليهم علم الرسول يقول: «وكانت الأئمة بعد النبيّ يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداءً بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ورأي أبو بكر قتال من منع الزكاة. فقال عمر: كيف تقاتل وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» فقال أبو بكر واللهِ لأقاتلن مَنْ فرق بين ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تابعه عمر، فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كان عنده حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذين فرَّقوا بين الصلاة والزكاة وأرادوا تبديل الدين وأحكامه قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «من بدَّل دينه فاقتلوه». أهـ.
مع هذا الوضوح من المتقدمين. كيف بالله يقال مع هذا أنهم ليسوا كفارًا، وإنما دخلوا في وصف الردة بالتغليب؟؟!! هذا الذي لا يُقبل ممن قاله من الخلف كائنًا من كان وكلٌ يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.(4/112)
ثالثًا: هذا ما أورده الطبري(1) في حقهم في تفسيره بالرواية نقلاً عن السلف الصالحين يقول: حدثنا بشر حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد عن قتادة: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - جل جلاله -( تم بحمد الله صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( (( مقدمة ( - - ( - - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - - - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - الله ( قرآن كريم - { ( - ( المحتويات ( - - - (- رضي الله عنه -( - ((( مقدمة - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم - تمهيد (- رضي الله عنه -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } إلى قوله: { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنه -( } (2) أنزل اللهُ هذه الآية، وقد علم أن سيرتد مرتدون من الناس، فلما قبض اللهُ نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ارتد عامة العرب عن الإسلام إلا ثلاثة مساجد: أهل المدينة وأهل مكة وأهل البحرين من عبد القيس ـ قالوا نصلي(3) ولا نزكي ـ واللهِ لا تغصب أموالنا فَكُلِّمَ أبو بكر في ذلك، فقيل له أنهم لو قد فقهوا لهذا أعطوها وزادوها. فقال: لا والله لا أفرِّق بين شيء جمع الله بينه ولو منعوا عقالاً مما فرضَ اللهُ ورسوله لقاتلتهم عليه، فبعث اللهُ عصابة مع أبي بكر فقاتل على ما قاتل عليه نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سبي وقتل وحرق بالنيران أناسًا ارتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة، فقاتلهم حتى أقروا بالماعون وهى الزكاة صغرة أقمياء، فأتته وفود العرب فخيَّرهم بين خطة مخزية أو حرب مجلية، فاختاروا الخطة المخزية وكانت أهون عليهم أن يشهدوا أن قتلاهم في النار، وأن قتلي المؤمنين في الجنة، وأن
__________
(1) تفسير الطبري، ج4، ص 622.
(2) المائدة، آية: 45.
(3) هذا وجه ردتهم حسب السياق.(4/113)
ما أصابوا من المسلمين من مال ردُّوه عليهم، وما أصاب المسلمون لهم من مال فهو لهم حلال». أهـ.
رابعًا: وافق عمر أبا بكر على قتال مانعي الزكاة على كونهم مرتدين، تغنم أموالهم وتسبي ذراريهم، وكذلك كل الصحابة وافقوا أبا بكر على هذا.
وفي صلح مانعي الزكاة بعد إسلامهم فهذه هى حقيقة الأمر فيه:
جاء في مختصر السيرة(1): وحدث يزيد بن أبي شريك الفزاري عن أبيه قال: قدمت مع أسد وغطفان على أبي بكر وافدًا حين فرغ خالد منهم. فقال أبو بكر: «اختاروا بين خصلتين حرب مجلية أو سلم مخزية. فقال خارجة بن حصن: هذه الحرب المجلية قد عرفناها، فما السلم المخزية؟ قال: تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وأن تردُّوا علينا ما أخذتم منا ولا نردَّ عليكم ما أخذنا منكم، وأن تدوا قتلانا كل قتيل مائة بعير منها أربعون في بطونها أولادها ولا ندي قتلاكم، ونأخذ منكم الحلقة والكراع وتلحقون بأذناب الإبل حتى يري اللهُ خليفة نبيه والمؤمنين ما شاء فيكم، أو يري منكم إقبالاً لما خرجتم منه. فقال خارجة: نعم يا خليفة رسول الله. فقال أبو بكر: عليكم عهد الله وميثاقه أن تقوموا بالقرآن آناء الليل وآناء النهار، وتعلمون أولادكم ونساءكم، ولا تمنعوا فرائض الله في أموالكم. قالوا: نعم. قال عمر: يا خليفة رسول الله كل ما قلت كما قلت، إلا أن يَدوا من قُتل منا فإنهم قومٌ قتلوا في سبيل الله، فتتابع الناس على قول عمر فقبض أبو بكر كل ما قدر عليه من الحلقة والكراع، فلما توفي رأي عمر أن الإسلام قد ضرب بجرانه فدفعه إلى أهله وإلي ورثة من مات منهم». أهـ.
__________
(1) مختصر سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ج1، ص 205.(4/114)
فلما شرح اللهُ صدر عمر لرأي أبي بكر في قتالهم على الردة، ووافق عمر رأي أبي بكر في الحرب المجلية والسلم المخزية، ووافق أبو بكر رأي عمر في رفع الدية عنهم لقتلي المسلمين، ولما أسلموا وحسن إسلامهم واستقر الإسلام في الجزيرة ردّ إليهم عمر ما في يديه من أموالهم، ولو عاش أبو بكر لربما فعل ذلك لارتباط الحكم بمناطه ومراعاة لنفس المقاصد الشرعية. ولم يحدث خلاف في حروب الردة بين أبي بكر وعمر رضى الله عنهما إلا في شأن أهل ديار أزد عمان، لما نزلوا لحذيفة على الصلح على السلم المخزية كان يحب ألا يقتلوا ولا يسبوا، لأن هذا هو الشأن في الحرب المجلية وهم قد اختاروا السلم المخزية، فوجب أن يعاملوا بمقتضاها، وكان رأي أبي بكر ألا يقبل توبتهم لإبائهم التوبة قبل ذلك لمّا دعاهم إليها حذيفة وجعلوا يرتجزون:
لقد أتانا خبر ردي أمست قريش كلها نبي ظلم لعمر الله عبقري.
وكان عمر - رضي الله عنه - يتحامل بعض الشيء على خالد وأبو بكر يدافع عنه، وكان خالد أهلاً لذلك. وفي شأن مالك بن نويرة لم يعجب الأنصار وربما عمر أيضًا أن يقتل قومه وقد أظهروا الإسلام، وكان خالد يعرف سلفًا أن هذا موقف مدبَّر منهم فلم يمنعه ذلك من قتلهم هذا، واللهُ أعلم على سبيل التحديد في حروب الردة وهى أمور تفصيلية لا تتعلق بصلب القضية التي نتكلم عنها واللهُ أعلم وأعزُّ وأجلُّ وأحكم وهو يقول الحق ويهدي السبيل.(4/115)
خامسًا: جاء في كتاب ”تبرئة الشيخين“ لابن سحمان عن موضوع مانعي الزكاة: يقول الشيخ ابن سحمان - رضي الله عنه - بعد ذكر كلام شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية في تكفير الصحابة لمانعي الزكاة دونما تفرقة بين المقر والجاحد على مجرد المنع واعتراض المعترض عليه بقول ابن حجر والقاضي عياض يقول الشيخ سحمان فالجواب أن نقول: ما نقله هذا المعترض عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ثابت عنه لكنه أسقط من كلام الشيخ قوله في مانعي الزكاة فَكُفرُ هؤلاء وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة وهذا يهدم أصله فلذلك حذفه. وما نقله الشيخ عن شيخ الإسلام بن تيمية قدَّس اللهُ روحه ونوَّر ضريحه معروف مشهور عنه لا يستريب فيه عارف وهو الحق الصواب الذي ندين الله به كما هو معروف في السير والتواريخ وغيرها، ولا عبرة بقول هذا المعترض وتشكيكه في هذا النقل فيما لا شك فيه فإن عدم معرفته بإجماع العلماء على قتل المختار بن أبي عبيد وكذلك دعواه أن الإجماع لم ينعقد على قتل الجعد بن درهم وقد ذكر ذلك ابن قيم الجوزية في ”الكافية الشافية“ عن كلام أهل السنة وأنهم شكروه(1) على هذا الصنيع ثم لم يكتف بتلك الخرافات حتى عمد إلى ما هو معلوم مشهور في السير والتواريخ وغيرها من كتب أهل العلم من إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - على تكفير أهل الردة وقتلهم وسبي ذراريهم ونسائهم وإحراق بعضهم بالنار والشهادة على قتلاهم بالنار، وأنهم لم يفرقوا بين الجاحد والمقر بل سموهم كلهم أهل الردة لأجل أن القاضي عياض ومن بعده ممن خالف الصحابة وحكم بمفهومه ورأيه مما يعلم أهل العلم من المحققين الذين لهم قدمَ صدقٍ في العالمين أن هذا تحكم بالرأي، فإن من أمعن النظر في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى علم وتبين صحة ما قاله، وموافقته لصريح كلام الصحابة
__________
(1) يعني خالد القسري.(4/116)
وإجماعهم، فإن الشهادة على قتلاهم بالنار واستباحة أموالهم وسبي ذراريهم من أوضح الواضحات على ارتدادهم مع ما ثبت من تسميتهم أهل الردة جميعًا، ولم يسيروا مع مانعي الزكاة بخلاف سيرتهم مع بني حنيفة وطليحة الأسدي وغيره من أهل الردة، ولم يفرقوا بينهم ومن نقل ذلك عنهم فقد كذب عليهم وافترى.
ودعوى أن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يقل بكفر من منع الزكاة وأنهم بمنعهم إياها لم يرتدوا عن الإسلام دعوي مجردة، فأين الحكم بالشهادة على أن قتلاهم في النار هل ذلك إلا لأجل ارتدادهم عن الإسلام بمنع الزكاة، ولو كان الصحابة - رضي الله عنهم - لا يرون أن ذلك ردة وكفرًا بعد الإسلام لما سَبَوْا ذراريهم وغنموا أموالهم، ولساروا فيهم بحكم البغاة الذين لا تسبي ذراريهم وأموالهم ولم يجهزوا على جريحهم، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - أخشي لله وأتقى من أن يصنعوا هذا الصنيع بمسلم ممن لا يحل سبي ذراريهم وأخذ أموالهم، وهل هذا إلا غاية الطعن على الصحابة وتسفيه رأيهم وما أجمعوا عليه، وتعليله بأنه لو كان يرى أنهم كفَّار لم يطالبهم بالزكاة بل يطالبهم بالإيمان والرجوع تعليل لا دليل عليه فإنهم لم يكفروا ويرتدوا بترك الإيمان بالله ورسوله وسائر أركان الإسلام وشرائعه فيطالبهم بالرجوع إلى ذلك، وإنما كان ارتدادهم بمنع الزكاة وأدائها والقتال على ذلك، فيطالبهم بأداء ما منعوه وأركان الإسلام، فلما لم ينقادوا لذلك وقاتلوا كان هذا سبب ردتهم، وعمر أجل قدرًا ومعرفةً وعلمًا من أن يعارض أبا بكر أو يقره على خلاف الحق، فإنه لما ناظره أبو بكر وأخبره أن الزكاة حق المال قال عمر: فما هو إلا أن رأيت اللهَ قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق. وأما دعواه أن أبا بكر دعاهم إلى الرجوع فلما أصرُّوا قاتلهم ولم يكفِّرَهم، فدعوي مجردة وتحكم بلا علم. فأين إدخالهم في أهل الردة وسبي نسائهم وذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار لولا(4/117)
كفرهم وارتدادهم، فإنهم لو كانوا مسلمين عندهم لما ساروا فيهم سيرة أهل الردة بل كان يمكنهم أن يسيروا فيهم سيرتهم في أهل البغي والخروج عن الطاعة. وأما اختلافهم بعد ذلك ودعواهم أن الصحابة اختلفوا فيهم بعد الغلبة عليهم هل تقسم أموالهم وتسبي ذراريهم كالكفار أو لا تقسم أموالهم ولا تسبي ذراريهم كالبغاة، فذهب أبو بكر- رضي الله عنه - إلى الأول، وذهب عمر - رضي الله عنه - إلى الثاني. فلو كان هذا ثابتًا صحيحًا عن الصحابة - رضي الله عنهم - لما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الإجماع على قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وأنهم سمُّوهم أهل الردة.(4/118)
وشيخ الإسلام رحمه اللهُ من أعلم الناس بأحوال الصحابة وبأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غيره وإليه المنتهى في ذلك، وبعد أن يذكر ما قاله الذهبي عن شيخ الإسلام ابن تيمية في معجم شيوخه وما قاله عنه ابن الوردي في تاريخه وهو أقل ما يقال في حق الإمام ابن تيمية يقول: «وإذا كانت هذه حاله عند أهل العلم بالحديث والجرح والتعديل. وأنه كان إليه المنتهى في هذه الحقائق علمًا وعملاً ومعرفةً وإتقانًا وحفظًا، وقد جزم بإجماع الصحابة فيما نقله عنهم في أهل الردة، تبيّن لك أنه لم يكن بين الصحابة خلاف قبل موت أبي بكر - رضي الله عنه -، ولم يعرف له مخالف منهم بعد أن ناظرهم ورجعوا إلى قوله، ولو ثبت خلافهم قبل موت أبي بكر وبعد الغلبة على أهل الردة كما زعم ذلك من زعم لذكر ذلك شيخ الإسلام، ولم يجزم بإجماعهم على كفر مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وقد اختلفوا، هذا ما لا يكون أبدًا. وسيأتي كلامه في ”المنهاج“ قريبًا إن شاء الله تعالى. وإنما أرجع عمر إلى من كان سباهم أبو بكر أموالهم وذراريهم بعد أن أسلموا ورجعوا إلى ما خرجوا عنه تطييبًا لقلوبهم ورأيًا رآه ولم يكن ذلك إبطالاً لما أجمع عليه الصحابة قبل ذلك، كما أرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هوازن ذراريهم لما أسلموا تطييبًا لقلوبهم. والمقصود أن ما ذكره هذا المعترض من عدم الإجماع لا يصح وأن ذلك إن كان صدر من عمر رضى الله عنه فهو رأي رآه بعد أن دخلوا في الإسلام.(4/119)
أما قول ابن حجر «أن تسمية هؤلاء أهل الردة تغليبًا مع الصنفين الأولين وإلا فليسوا بكفار فهذا تأويل منه، وليس بأبشع ولا أشنع مما تأولوه في الصفات فكيف لا يتأولون ما صدر عن الصحابة مما يخالف آراءهم وتخيله عقولهم، وقد بيَّنا ما في ذلك من الوهن والغلط على الصحابة لمجرد ما فهموه ورأوا أنه الحق، وإذا ثبت الإجماع عن الصحابة بنقل الثقاة فلا عبرة بمن خالفهم وادعي الإجماع على ما فهمه وليس ما نقله عنهم بلفظ صريح، ولم يخالف الشيخ محمد رحمه الله ما في البخاري وإنما ذكر ذلك عياض من عند نفسه لمجرد مفهومه من الحديث، والمخالف له ينازعه في هذا الفهم، وما نقله الشيخ محمد عن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن مخالفًا لما في الصحيحين، بل كان موافقًا لهما، وقد ثبت إجماع الصحابة كما ذكر ذلك العلماء في السير والتواريخ». أهـ.(4/120)
ثم يقول(1): «ونذكر هنا أيضًا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس اللهُ روحه في منهاج السنة على قول الرافضي(2) ”الخلاف السادس في قتال مانعي الزكاة“ قاتلهم أبو بكر واجتهد عمر أيام خلافته فردَّ السبايا والأموال إليهم وأطلق المحبوسين. فهذا من الكذب الذي لا يخفي على من عرف أحوال المسلمين، فإن مانعي الزكاة اتفق أبو بكر وعمر على قتالهم بعد أن راجعه عمر في ذلك كما في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن عمر قال لأبي بكر: يا خليفةَ رسولِ الله كيف تقاتل الناس وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أمرتُ أن أقاتِلَ النَّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول اللهُ فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» فقال أبو بكر: ألم يقل إلا بحقها وحسابهم على الله؟ فإن الزكاة من حقها، واللهِ لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فواللهِ ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. وفي الصحيحين تصديق فهم أبي بكر عن ابن عمر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنِّي رسولُ اللهِ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» فعمر وافق أبا بكر على قتال أهل الردة مانعي الزكاة وكذلك سائر الصحابة. إلى أن يقول: ولكن من الناس من يقول سبي أبو بكر نساءهم وذراريهم وعمر أعاد ذلك عليهم. وهذا إذا وقع ليس فيه بيان اختلافهما فإنه قد يكون عمر كان موافقًا على جواز سبيهم لكن رد إليهم سبيهم، كما ردَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على هوازن سبيهم بعد أن قسمه بين المسلمين فمن طابت نفسه بالرد وإلا عوضه من عنده لما أتي أهلهم مسلمين فطلبوا رد ذلك إليهم. وأهل
__________
(1) الشيخ ابن سحمان، تبرئة الشيخين، ص 172.
(2) منهاج السنة، ج3، ص 231-232.(4/121)
الردة قد اتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على أنهم لا يمكنون من ركوب الخيل ولا حمل السلاح، بل يتركون يتبعون أذناب البقر حتى يُرِى الله خليفة رسوله والمؤمنين حسن إسلامهم، فلما تبين لعمر حسن إسلامهم رد ذلك إليهم لأنه جائز. انتهى.
فتبين بما ذكره شيخ الإسلام أن الصحابة أجمعوا على قتالهم وأنهم سمُّوهم كلهم أهل الردة، وأنه لم يكن بين عمر وبين أبي بكر خلاف بعد رجوع عمر إلى موافقة أبي بكر مع سائر الصحابة، وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يخالف ما في الصحيحين كما زعم هذا المعترض الجاهل واللهُ أعلم». أهـ.
رابعًا: تلبيس المرجئة بخصوص طاعة الأحبار والرهبان وتفسيرها بالطاعة في الاعتقاد، وقد وقعوا في عدة سقطات في هذه القضية:
السقطة الأولي:
أن الإيمان والكفر والتوحيد والشرك ينعكسان بمعنى أن ما لا يتحقق الإيمان بالله ـ وهو الحق ـ إلا به لا يتحقق الإيمان بالباطل ومن ثم الكفر إلا به، وأن ما لا تتحقق عبادة الله إلا به لا تتحقق عبادة الشياطين والطواغيت والأصنام والملائكة والبشر والأحبار والرهبان والجنّ وظواهر الطبيعة إلا به. وهذه سقطة كبيرة حيث يعكس المعترض على تقرير عقيدة التوحيد في كتاب ”حد الاسلام“.(4/122)
أقول: يعكس أي قضية فيها خروج عن دين الله بالكفر والشرك ـ والعياذ بالله ـ إلى ما يتحقق به الإيمان، وهذا أمر لا يصح أن يخطئ فيه صبيان الكتاتيب، لأن الإيمان لا يتحقق إلا: بالإقرار والتصديق بخبر الله والالتزام بشرع الله. فلا يصح أن نقول أن الكفر لا يتحقق إلا إذا انضاف الالتزام بالشرائع الكفرية إلى الإقرار بصحتها والتصديق بخبرها، لأن الكفر يتحقق بمجرد الشك أو التكذيب أو الجحد منفردًا أو الامتناع عن القبول والرد منفردًا، وقد قال العلماء أن من تكلم بالإيمان ولم يمض فيه عزيمة لا يؤمن، ومن تكلم بالكفر ولم يمض فيه عزيمة كفر بذلك، فالأمر لا ينعكس أبدًا. فقد قرر الكاتب في اعتراضه قضية الانعكاس هذه مرارًا وهى خطأ فاحش، فوقع في نفس الخطأ عندما قاس عبادة غير الله على عبادة الله عزَّ وجلّ، وأن ما لا يتحقق الإيمان أو العبادة إلا به إذا كان لله عزَّ وجلّ لا يتحقق الكفر إلا به إذا كان لغير الله عزَّ وجلّ وهو خطأ فاحش، فالمشركون أقروا بأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ولا تهدي، وإنما يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفي، وسميت عبادتهم لها عبادة، فهل إذا فعل المسلم ذلك مع الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا تسمي عبادته له عبادة.
وكما قلنا أن الأمر لا ينعكس بين الإيمان والكفر، فهو كذلك لا ينعكس بين الإسلام والشرك، فكما قال العلماء أن من تكلم بالإيمان ولم يمض فيه عزيمة لا يكون مسلمًا ومن تكلم بالكفر ولم يمض فيه عزيمة كفر بذلك. والمفروض على حسب قاعدة الانعكاس ألا يكفر إلا بإمضاء العزيمة فيه. وهو خطأ فَعُلِمَ بطلان هذه القاعدة. فعبادة الله عزَّ وجلّ لابد فيها من الحب والخوف والرجاء والتعظيم والطاعة، وعبادة غير الله تقع بواحد من ذلك فقط، فيكون الشرك في الحب أو في الطاعة أو في التعظيم أو في صرف حق الله الخالص إلى غيره أو في مطلق القصد.
السقطة الثانية:(4/123)
قولهم عن آية التوبة في طاعة الأحبار والرهبان أنها تحكي عن انحراف قوم، وليست قاعدة مقررة لأصل من أصول الدين.
ونقول: الآية في معرض التقرير لأصل الدين لأنها دخلت في جميع التفاسير في تفسير آية آل عمران: { ( - ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - } - ( قرآن كريم - - - - رضي الله عنهم -( - - - - فهرس - ( { - { - رضي الله عنهم - - ( - - - { ( - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { { - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ((( - (( مقدمة ( - - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ((((- رضي الله عنه - - - ((((- رضي الله عنه - - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - تمت ( - - ( } - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - ( } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( { - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( - ( تم بحمد الله } (1) وهى الآية التي أرسل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل يدعوه بها إلى الإسلام، فهى داخلة في صلب عقيدة التوحيد، وآية آل عمران في توحيد العبادة الذي هو مستلزم لتوحيد الاعتقاد وقوله: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى
__________
(1) آل عمران، آية: 64.(4/124)
الله عليه وسلم - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ((((- رضي الله عنه - - - ((((- رضي الله عنه - - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } عطف للخاص على العام في النهي عن شرك العبادة، فآية التوبة والحديث المفسِّر لها في بيان شرك العبادة وليس شرك الاعتقاد في طاعة الأحبار والرهبان في التحليل والتحريم، وهكذا ذكرها العلماء دومًا في الاستدلال على شرك الطاعة أو على شرك الانقياد أو شرك العبادة المنافي لحقيقة الإسلام، وليس في بيان شرك الاعتقاد أو فساد الاعتقاد المنافي لحقيقة الإيمان. ودائمًا حقيقة الإيمان بمعناه الخاص هى: تصديق الخبر والمخبر، وحقيقة الإسلام بمعناه الخاص: قبول الحكم، والإسلام مستلزم للإيمان والإيمان مستلزم للإسلام، ومن حيث استلزام الإيمان للإسلام واستلزام الإسلام للإيمان دخل الإسلام في معنى الإيمان عند الإطلاق، فشمل معنى الإيمان تصديق الخبر وقبول الحكم، فقبول الحكم من غير الله شرك ينافي حقيقة الإسلام أي ينافي إفراد الله عزَّ وجلّ بالطاعة والعبادة وليس تكذيبًا ينافي حقيقة الإيمان بمعناه الخاص وهو لا ينافي حقيقة الإيمان إلا من حيث دخول حقيقة الإسلام في حقيقة الإيمان لاستلزامها إياها وعندئذٍ يكون المعنى الشرعي للإيمان هو إذعان لحكم المخبر وقبوله.(4/125)
يقول القسطلاني عن الإيمان الذي هو ملاك الأمر كله وبه تقبل وتصح الأعمال وهو أول ما يجب على المكلف يقول عنه: «هو لغة التصديق وهو كما قاله التفتازاني إذعان لحكم المخبر وقبوله، فليس حقيقة التصديق أن تقع في القلب نسبة التصديق إلى الخبر أو المخبر من غير إذعان أو قبول لذلك، بل لابد فيه من الإذعان والقبول بحيث يقع عليه اسم التسليم على ما صرَّح به الإمام الغزالي. والإسلام لغة الانقياد والخضوع ولا يتحقق ذلك إلا بقبول الأحكام والإذعان وذلك حقيقة التصديق كما سبق. قال تعالى: { - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - - - - { - - (( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - - رضي الله عنهم - - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - - (( - عليه السلام - - ( - - ( - تمهيد ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - ( - - - } (1). فالإيمان لا ينفك عن الإسلام فهما متحدان في التصديق وإن تغايرا بحسب المفهوم، إذ مفهوم الإيمان تصديق القلب ومفهوم الإسلام أعمال الجوارح». أهـ.
__________
(1) الذاريات، آيتان: 35-36.(4/126)
فقبول حكم غير الله ترك لحكم الله وردّ له وبديل عنه ورغبة عن شرع الله إلى غيره أو عَدْله به، فإذا خوطب أحد بذلك وأُلزم به هل يرضى بذلك ويتابع عليه ولا حرج عليه في ذلك إذا كان اعتقاده صحيحًا؟! أم لابد أن يرفض ولا يقبل وإذا عجز عن ردِّ ذلك عن نفسه للاستضعاف فهل ينشرح صدره بذلك ويركن ويستكين؟! أم هل يكره بقلبه ويعتزل من أكرهه على ذلك ولا يشايعه بالعمل. فالقضية قضية القبول الذي هو معنى العبادة والإسلام لله وحده أو لغيره معه أو من دونه وليست قضية الاعتقاد، وهذا هو معنى شرك العبادة وشرك الطاعة في آية التوبة وحديث عديّ بن حاتم المفسِّر لها، فالإسلام والعبادة معناهما قبول الأحكام والإذعان أو كما قال القسطلاني معناهما الانقياد والخضوع الذي لا يتحقق إلا بقبول الأحكام. والإذعان والإسلام والعبادة لابد وأن يكون لله وحده، كما قال ابن تيمية: «من استسلم لله ولغيره فهو مشرك ومن ردَّ الاستسلام فهو مستكبر وكلاهما كافر. والإسلام لله وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده»(4/127)
وإذا كان الإسلام والطاعة لابد أن يكونا لله وحده فالقبول للأحكام والإذعان لابد وأن يكون لله وحده، فمن قبل الأحكام من غيره فهو مشرك في العبادة والإسلام ولذلك وجب على من خوطب بأحكام بديلة عن شرع الله أن يرفض ولا يتابع على التبديل، فإذا لم يسعه رد ذلك عن نفسه للاستضعاف فليكره بقلبه ويعتزل المكرِه ولا يشايعه بالعمل، وبهذا يتحقق الرفض في أدني درجاته وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. ومن هذا يتضح أن قول العلماء عمن أطاع في معصية واعتقاده ثابت في التحريم والتحليل الذي جاء به الشرع أنه لا يكفر تمييزًا له عمن أطاع في التبديل بقبول الأحكام البديلة عن شرع الله، والمعصية لا يكفر مرتكبها إلا إذا استحل بتغير الاعتقاد أو بالامتناع عن قبول حكم الله بالتحريم، وقبول حكم غيره البديل عن حكمه امتناع عن حكمه أو عدل به وكلاهما كفرٌ والعياذ بالله بأي منها وبه يتحقق الاستحلال.
والتشريع أمر منفصل عن المعصية قد تقترن به وقد تنفصل عنه، ويكون نفس التشريع هو الممنوع حتى لو لم تقترن به معصية، فإذا كان شوب تشريع فإن اتباعه بدعة، وإذا كان تشريعًا مطلقًا فإن الإتيان به أو قبوله من الغير والرضى به والمتابعة على ذلك كفرٌ يخرج عن الملة بالشرك في العبادة والإسلام.(4/128)
يقول الإمام الشاطبي (1): «ثبت في الأصول الشرعية أنه لابد في كل عادي من شائبة التعبد، لأن ما لم يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه فهو المراد بالتعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي، فالطهارات والصلوات والصيام والحج كلها تعبدي، والبيع والنكاح والشراء والطلاق والإجارات والجنايات كلها عادي، لأن أحكامها معقولة المعنى ولابد فيها من التعبد إذ هى مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها كانت اقتضاءًا أو تخييرًا، فإن التخيير في التعبدات إلزام كما أن الاقتضاء إلزام حسبما تقرر برهانه في كتاب ”الموافقات“ وإذا كان كذلك فقد ظهر اشتراك القسمين في معنى التعبد، فإن جاء الابتداع في الأمور العادية من ذلك الوجه صحّ دخوله في العاديات كالعبادات وإلا فلا.
__________
(1) الاعتصام، ج2، ص 79-81.(4/129)
وهذه هى النكتة التي يدور عليها حكم الباب ويتبيّن ذلك بالأمثلة فمما أتي به القرافي وضع المكوس في معاملات الناس فلا يخلو هذا الوضع المحرم أن يكون على قصد حجر التصرفات وقتًا ما أو في حالة ما لنيل حطام الدنيا على هيئة غصب الغاصب وسرقة السارق وقطع القاطع للطريق وما أشبه ذلك أو يكون على قصد وضعه على الناس كالدين الموضوع والأمر المحتوم عليهم دائمًا أو في أوقات محدودة على كيفيات مضروبة بحيث تضاهي المشروع الدائم الذي يحمل عليه العامة ويؤخذون به وتوجه على الممتنع منه العقوبة كما في أخذ زكاة المواشي والحرث وما أشبه ذلك. فأما الثاني فظاهر أنه بدعة إذ هو تشريع زائد وإلزام للمكلفين يضاهي إلزامهم الزكاة المفروضة والدِّيات المضروبة والغرامات المحكوم بها في أموال الغصاب والمتعدين بل صار في حقهم كالعبادات المفروضة واللوازم المحتومة أو ما أشبه ذلك، فمن هذه الجهة يصير بدعة بلاشك لأنه شرع مستدرك وسنٌّ في التكليف مهيع، فتصير المكوس على هذا الفرض لها نظران: نظر من جهة كونها محرمة على الفاعل أن يفعلها كسائر أنواع الظلم. ونظر من جهة كونها اختراعًا لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت، كما يؤخذون بسائر التكاليف. فاجتمع فيها نهيان: نهيٌ عن المعصية، ونهيٌ عن البدعة. وليس ذلك موجودًا في البدع في القسم الأول ـ العبادات ـ وإنما يوجد به النهي من جهة كونها تشريعًا موضوعًا على الناس أمر وجوب أو ندب إذ ليس فيه جهة أخرى يكون بها معصية بل نفس التشريع هو نفس الممنوع». أهـ.(4/130)
وواضح الآن أن طاعة الأحبار والرهبان أو غيرهم، قد يكون فيها وجهان وقد يكون فيها وجه واحد. وجهان من حيث هى معصية وتشريع مطلق بديل عن شرع الله، ووجه واحد من حيث هى تشريع مطلق بديل عن شرع الله فقط، ولا يكون فيه جهة أخرى يكون بها معصية. فمن حيث هى معصية فقط فإن مرتكب المعصية لا يكفر إلا بتغير الاعتقاد أو بالامتناع عن قبول حكم الله: إما بالتحريم أو الوجوب استحلالاً أو إباءً من قبول الفرائض، فمن وقع في المعصية فقط ولم يقبل الشرع البديل فهذا شأنه.
وقد لا يكون فيها معصية بل يكون نفس التشريع هو نفس الممنوع، فمن هذا الوجه فإن قبول التشريع المطلق البديل عن شرع الله كفر يخرج عن الملة، وقد يقع في الوجهين فيكون للمعصية حكمها ولقبول الشرع البديل حكمه.
وبهذا تتبين السقطة الثالثة للمرجئة في هذا الموضوع وهى: عدم قدرتهم على تمييز وصف المعصية من وصف المتابعة على التبديل إذا تداخلا في فعل واحد، وظنهم أن المتابعة على التبديل معصية لا يكفر صاحبها إلا بالاستحلال شأن سائر المعاصي، وعدم إدراكهم أنها من الشرك الذي يكفر مرتكبه. قال البخاري: «المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر مرتكبها إلا بالشرك».
السقطة الرابعة:(4/131)
عدم إدراكهم أو فهمهم لأصل الدين وعلاقة الآية به ولذلك عزلوها عنه، وأصل الدين كما سبق أن بيَّناه في كلام القسطلاني «هو الإيمان الذي هو أول ما يجب على المكلف وبه تقبل وتصح الأعمال، ومعناه التصديق الذي هو ليس نسبة الصدق إلى الخبر أو المخبر فقط، بل لابد فيه من إذعان لحكم المخبر وقبوله، بحيث يقع عليه اسم التسليم كما صرَّح به الغزالي. والإسلام لغة الانقياد والخضوع، ولا يتحقق ذلك إلا بقبول الأحكام وذلك حقيقة التصديق قال تعالى: { - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - - - - { - - (( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - - رضي الله عنهم - - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - - (( - عليه السلام - - ( - - ( - تمهيد ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - ( - - - } (1). فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكمًا فهما يتحدان في التصديق وإن تغايرا بحسب المفهوم، إذ مفهوم الإيمان تصديق القلب ومفهوم الإسلام أعمال الجوارح». أهـ.
__________
(1) الذاريات، آيتان: 35-36.(4/132)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن أصل الدين في ”الصارم المسلول“(1) وفي ”إقتضاء الصراط المستقيم“: «الثاني أن الإيمان وإن كان يتضمن التصديق فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار والطمأنينة وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط، أما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر. وكلام الله خبرٌ وأمرٌ، فالخبر يستوجب التصديق للمخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام لله. إلى أن يقول: فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته وكلام الله ورسالته يتضمن أخباره وأوامره، فيصدق القلب أخباره تصديقًا يوجب حالاً في القلب بحسب المصدَّق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول، وينقاد لأمره ويستسلم وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمنًا إلا بمجموع الأمرين فمن ترك الانقياد كان مستكبرًا فصار من الكافرين وإن كان مصدقًا.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 457.(4/133)
فالكفر أعم من التكذيب يكون: تكذيبًا وجهلاً، ويكون استكبارًا وظلمًا. ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب، ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس، وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالاً وهو الجهل. ألا تري أن نفرًا من اليهود جاءوا إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وسألوه عن أشياء فأخبرهم فقالوا نشهدُ أنَّك نبيٌّ ولم يتبعوه، وكذلك هرقل وغيره فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق. ألا تري أن من صدَّق الرسولَ بأن ما جاء به هو رسالة الله وقد تضمنت خبرًا وأمرًا، فإنه يحتاج إلى مقام ثان: وهو تصديقه خبر الله وانقياده لأمر الله. فإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره، وأشهد أن محمدًا رسول الله تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله. فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار، فلما كان التصديق لابد منه في كلا الشهادتين ـ وهو الذي يتلقي الرسالة بالقبول ـ ظنَّ مَنْ ظنَّ أنه أصل لجميع الإيمان وغفل عن أن الأصل الآخر لابد منه وهو الانقياد». أهـ.(4/134)
ويقول(1): «والشهادة بأن محمدًا رسول الله تتضمن: تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر. إلى أن يقول: وعليهم أن يفعلوا ما أمرهم به وأن ينتهوا عما نهاهم عنه، ويحللوا ما أحله ويحرموا ما حرَّمه، فلا حرام إلا ما حرَّم الله ورسوله ولا دين إلا ما شرَّعه اللهُ ورسولُهُ. ولهذا ذمَّ المشركين في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما لكونهم حرَّموا ما لم يحرِّمه اللهُ، ولكونهم شرَّعوا دينًا لم يأذن به اللهُ كما في قوله تعالى: { } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - - (( تم بحمد الله ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله - - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر } (2) إلى آخر السورة.
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم، ص 451.
(2) الأنعام، آية: 136.(4/135)
وما ذكر الله في صدر سورة الأعراف وكذلك قوله تعالى: { ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - } - ( - (( - - - عليه السلام - - (( } - قرآن كريم ((- عليه السلام - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ((((- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات - - - تمت - - ( - - رضي الله عنه - - ( مقدمة ( - ( - - - } (1). إلى أن يقول: كما قال - عز وجل -: { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - رضي الله عنهم - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - - - المحتويات - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( تم بحمد الله ( - - صدق الله العظيم ( { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد ((- عليه السلام - - ( - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - جل جلاله - - ( مقدمة } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ( - ( - ((( - } (2) وكان من شركهم أنهم أحلُّوا لهم الحرام
__________
(1) الشورى، آية: 21.
(2) التوبة، آية: 31.(4/136)
فأطاعوهم وحرَّموا عليهم الحلال فأطاعوهم وقد قال تعالى: { } - قرآن كريم ( - ( - ( - - - ((( - { - - - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - ( - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( تم بحمد الله ( - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم (- جل جلاله - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - (- رضي الله عنه - - ( تمهيد ( - - - - (( - - مقدمة } - قرآن كريم ((((( - - { - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - ( } (1) فقرن بعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر أنهم لا يحرمون ما حرَّمه اللهُ ورسولُه ولا يدينون دينَ الحقِّ، والمؤمنون صدقوا الرسول فيما أخبر به عن الله وعن اليوم الآخر فآمنوا بالله واليوم الآخر، وأطاعوه فيما أمر ونهي وحلَّل وحرَّم فحرموا ما حرَّم اللهُ ورسوله ودانوا دين الحقِّ. إلى أن يقول: ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والانقياد، ويتضمن الإخلاص مأخوذ من قوله تعالى: { - - - عليه السلام - - - ( ( - - - الله - - الله - رضي الله عنه
__________
(1) التوبة، آية: 29.(4/137)
- تم بحمد الله الله - ( - { - ( مقدمة - (( (( - - - - - عليه السلام - - (( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (- رضي الله عنه -(- رضي الله عنه - - ( تم بحمد الله الله - ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - فهرس - - رضي الله عنهم - - - - ( - - عليه السلام - - ( - - } (1) فلابد في الإسلام من الاستسلام لله وحده وترك الاستسلام لما سواه، وهذا حقيقة قولنا «لا إله إلا الله» فمن استسلم لله ولغير الله فهو مشرك واللهُ لا يغفر أن يشرك به، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته وقد قال تعالى: { } تمت ( { - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - تمهيد (( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - ((( - ( - - - رضي الله عنهم - - } (2). إلى أن يقول: فاليهود موصوفون بالكبر، والنصارى موصوفون بالشرك قال الله تعالى في نعت اليهود: { - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنهم - - ( - - صدق الله العظيم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - الله ( المحتويات ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( فهرس ( - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - } (3) وقال في النصارى: { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم
__________
(1) الزمر، آية : 29.
(2) غافر، آية: 60.
(3) البقرة، آية: 87.(4/138)
- - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - رضي الله عنهم - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - - - المحتويات - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( تم بحمد الله ( - - صدق الله العظيم ( { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد ((- عليه السلام - - ( - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - جل جلاله - - ( مقدمة } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ( - ( - ((( - } (1). إلى أن يقول: ولما كان أصل الدين الذي هو دين الإسلام واحدًا وإن تنوعت شرائعه قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «إنَّا معاشر الأنبياء ديننا واحدٌ» و«الأنبياء أخوة لعلات» فدينهم واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو يعبد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت وذلك هو دين الإسلام في ذلك الوقت. وتنوع الشرائع في الناسخ والمنسوخ من المشروع كتنوع الشريعة الواحدة، فكما أن دين الإسلام الذي بعث اللهُ به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو دين واحد مع أنه قد كان في وقت يجب استقبال بيت المقدس في الصلاة وبعد ذلك يجب استقبال الكعبة ويحرم استقبال الصخرة، فالدين واحد وإن تنوعت القبلة في وقتين من أوقاته. ولهذا شرع اللهُ لبني إسرائيل السبت، ثم نسخ ذلك وشرع
__________
(1) التوبة، آية: 31.(4/139)
لنا الجمعة، فكان الاجتماع يوم السبت واجبًا إذ ذاك، ثم صار الواجب هو الاجتماع يوم الجمعة وحرم الاجتماع يوم السبت، فمن خرج عن شريعة موسى قبل النسخ لم يكن مسلمًا، ومن لم يدخل في شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد النسخ لم يكن مسلمًا» انتهى بتصرف يسير.
فالأمر كما سبق أن قلنا أنه لا يسع أحدٌ الخروج عن شريعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الدين المنسوخ أو المبدل أو إلى الشريعة المنسوخة أو المبدلة، فلا يسع أحدٌ الخروج عن الكعبة إلى الصخرة ولا عن الجمعة إلى السبت فيما يعبد به الله عزَّ وجلّ ، ولا يسع أحدٌ الخروج عن قطع يد السارق إلى عقوبة أخرى أو عن رجم الزاني المحصن إلى الجلد والتحميم أو إلى اعتبار الزنا ليس جريمة إلا إذا كان إغواءً لقاصر أو اغتصابًا أو إتجارًا ـ دعارة ـ أو خيانة زوجية ووراء ذلك يكون مباحًا لا جريمة فيه ولا عقوبة عليه فمن خرج عن هذا إلى هذا كفر. والخروج الأول فردي فيما يعبد به الله وهو عيني، والخروج الآخر جماعي فيما يقيم القسط بين الناس. وكلا الأمرين خروج كما فعل اليهود عندما قالوا تعالوا نجتمع على أمر نجعله في الشريف والوضيع فينا فاجتمعوا على الجلد والتحميم، فمن خوطب بذلك ممن لهم الأمر والنهي عليه فقبل ذلك منهم وتابع عليه ورضى به فهو منهم وإن لم يحضر اتفاقهم، ومن دخل في اتفاقهم فهو منهم من باب أولي. ومن خوطب بذلك فكرهه ولم يرضه وإن خضع له بحكم استضعافه ـ لتعذر الانتقال وعدم استطاعة تغيير الحال ـ فهو لم يقبل شرعًا غير شرع الله ولم يطع أحدًا في تحليل ما حرَّم الله وتحريم ما أحلَّه اللهُ عزَّ وجلّ فهو على إيمانه. والأمر هنا ليس فيه معصية زنا أو أي نوع من أنواع المعصية الأخرى وإنما نفس التشريع هو نفس الممنوع كبديل عن شرع الله، ونفس القبول للبديل هو الممنوع وإن لم يتضمن أمرًا لمعصية معينة حتى يقال أن فعل المعصية ينقسم. والخروج عن الشريعة في الفعل العيني أو في(4/140)
الفرض العيني راجع إلى فعل الإنسان فيما يقدر عليه، والخروج عن الشريعة في الفرض الكفائي راجع إلى قبول الإنسان من الغير هذا الخروج، وإقامة النظام الذي يحققه. فشرع غير الله عزَّ وجل يضع للناس أحكامًا وتكاليف يخرجهم بها عن شرع الله وتكاليفه، فمن قبل فقد كفر ومن خضع مكرهًا فَقَدْ عجز عن إقامة الفرض الكفائي الذي أمره الله به مع غيره لقطع يد السارق ورجم الزاني لأنه مخاطب به من الله مع غيره من المؤمنين كفرض كفائي عليهم حيث وجَّه اللهُ سبحانه وتعالى الخطاب إلى المؤمنين كفرض كفائي عليهم ولم يوجهه إلى الإمام أو الأمير حسبما دلت عليه النصوص الآمرة بذلك. وإذا كان قد فُرِضَ عليه الخروج عن الشرع فهو كاره لذلك منكر له كإنكاره لمن يفرض عليه التوجه إلى الصخرة بعد نسخها أو الاجتماع في السبت بعد نسخه، ولكن الأخير في مقدوره الامتناع عنه لأنه عيني وإن كلفه ذلك حياته، والآخر ليس في مقدوره الامتناع عنه لأنه كفائي. أما أن يقال أن الإنسان لا يكتفي بالخضوع المُكْرَهِ عليه ولكن قد يفعل ذلك غير كاره ولا منكر ويكون مسلمًا إذا اعتقد بطلان ما يفعله ولم يستحله فهذا هو التلبيس والضلال الذي ليس بعده ضلال.(4/141)
وفي هذا الكفائي يأتي قول الله - عز وجل -: { } - قرآن كريم ( - ( - ( - - - ((( - { - - - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - ( - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( تم بحمد الله ( - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم (- جل جلاله - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - (- رضي الله عنه - - ( تمهيد ( - - - - (( - - مقدمة } - قرآن كريم ((((( - - { - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - ( } (1)، وقوله تعالى: { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - رضي الله عنهم - - - ( - - رضي الله عنهم - -
__________
(1) التوبة، آية: 29.(4/142)
( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? - (( - - - - المحتويات - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( تم بحمد الله ( - ? - صدق الله العظيم ( { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد ((- عليه السلام - - ( - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - جل جلاله - - ( مقدمة } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ( - ( - ((( - } (1)، وقوله تعالى: { ( - ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - } - ( قرآن كريم - - - - رضي الله عنهم -( - - - - فهرس - ( { - { - رضي الله عنهم - - ( - - - { ( - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { { - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ((( - (( مقدمة ( - - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ((((- رضي الله عنه - - - ((((- رضي الله عنه - - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - تمت ( - - ( } - ( قرآن كريم {
__________
(1) التوبة، آية: 31.(4/143)
- - عليه السلام - قرآن كريم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - ( } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( { - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( - ( تم بحمد الله } (1) وغير ذلك من الآيات.
فالمسلم لا يرد أمر الله عليه ولا يأتي بتبديل الشرائع من نفسه أي لا يرجع عن الشرع المحكم إلى الشرع المبدل أو المنسوخ ولا يُخاطب بذلك من غيره فيقبله ويعمل به عن رضى وطواعية دون كره لذلك وإنكار. وقبول الدين المبدل أو المنسوخ أو الشرع المبدل أو المنسوخ من الغير هو تفسير الآية { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } الآية.
__________
(1) آل عمران، آية: 64.(4/144)
وإذا كانت الآية متصلة بأصل الدين كما وضحنا، فإن القول بأن العبادة هى الطاعة في الاعتقاد أمر واضح البطلان، لأنه لو كان كذلك لكان تفسير الآية بطاعة الأحبار والرهبان في قولهم بشأن عيسى وأمه أولي من طاعتهم في اعتقاد حل صيد أو ذبيحة أو طعام أو شراب وأين هذا من ذاك. وإذا فرضنا جدلاً تفسير الآية بالطاعة في الاعتقاد في شأن الحلال والحرام من الطعام والشراب وغيره لكان المفروض أن تصفهم آيات القرآن بعبادة الأحبار والرهبان في كل المناسبات التي فيها طاعة في الاعتقاد في كل ما ضلُّوا فيه بشأن عيسى - عليه السلام - من قولهم أنه الله وأنه ابن الله وأنه ثالث ثلاثة وأنه وأمه إلهين من دون الله، وقد تكرر ذكر هذا الضلال في القرآن كثيرًا، ولم يقل أن الإتباع فيه عبادة بل وصفه دائمًا بوصف الضلال { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ((( تمهيد ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - الله ( قرآن كريم - - ( - - - } - قرآن كريم - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - } - قرآن كريم - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - - ( - - - } - قرآن كريم - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( (( - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - ( تمهيد - - - - - } (1) ولم يذكر مرة واحدة أن إتباع القوم لأحبارهم في هذا الضلال عبادة، كما لم يذكر مرة واحدة أن إتباع المشركين لآبائهم في عبادة الأصنام وإنكار البعث عبادة للآباء مع ذكر هذا الإتباع في القرآن مرارًا.
__________
(1) المائدة، آية: 77.(4/145)
والذي ذكر في الحديث هو الاستحلال، والاستحلال لا يقتصر على الاعتقاد، بل الاستحلال كما عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية يكون لخلل في الربوبية، ويكون لخلل في الألوهية مع صحة الاعتقاد، وقوله مشهور في كتابه ”الصارم المسلول“ يقول(1): «وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر باتفاق. فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرَّمها وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحدًا محضًا غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرَّمها ويعلم أن الرسول إنَّما حرَّم ما حرَّمه الله ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المحرم فهو أشد كفرًا ممن قبله. وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذَّبه، ثم إنَّ هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردًا أو اتباعًا لغرض النفس وحقيقته كفر. هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه... إلخ». أهـ.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 459.(4/146)
والاستحلال منه ما يتعلق بالخلل في الاعتقاد، ومنه ما يتعلق بالخلل في العبادة. وصورة الامتناع عن التزام التحريم هى الصورة المتعلقة بالخلل في العبادة، والوصف المذكور في الحديث المفسر للآية هو وصف العبادة «فتلك عبادتكم إياهم». فواضح جدًا أن يكون المراد من معنى العبادة لهم هى صورة الاستحلال المتعلقة بلفظ العبادة وهى الامتناع عن التزام حكم الله بالتحريم أو بالتحليل بالتزام حكم غيره على خلاف حكمه، وإذا كانت صور الاستحلال الأخرى داخلة في معنى العبادة فهى تدخل فيها بالتلازم وليس بالمطابقة، فلا يصح أن يخرج عن لفظ العبادة معناها بالمطابقة إذا دخل فيها معنى الاعتقاد باللزوم، وما يقال عن الاعتقاد أنه عبادة خطأ لتغاير المعنى، فالعبادة أمر إرادي قصدي طلبي، والاعتقاد أمر خبري علمي معرفي. وإنما يقال عن الاعتقاد: العبودية المتعلقة بالربوبية، ويقال عن العبادة: العبودية المتعلقة بالألوهية. وذكر الأرباب في الآية ليس مناقضًا لتفسير الرسول الكريم لفعلهم بالعبادة، بل المقصود أنه لا يُعبد إلا من كان ربًّا، فمن عبد ما ليس بربٍّ فكأنما أعطاه صفة الربوبية كما قال القرطبي: «أنزلوهم منزلة الأرباب بقبول أوامرهم ونواهيهم».
وما يذكر عن أوصاف أخرى لفعل القوم مع الأحبار والرهبان يراد تعليق الحكم بها فهو خطأ لأنها أوصاف منفية أو ملغاة كالذي شقَّ ثوبه وجعل التراب على رأسه يصيح يقول واقعت امرأتي في نهار رمضان فقال له الرسول الكريم: عليك الكفارة. فالمناط هو الطاعة في تبديل الشرائع كما قال ابن تيمية وليس في الاعتقاد ولا في المعاصي سواء كانت هذه الطاعة لمن لهم صفة السلطان الديني أو الدنيوي والمتابعة على هذا التبديل. فإباحة المشرع الوضعي للخمر مثلاً تتضمن الخروج من كل مقتضيات الحظر التي بقيت ـ موافقة للشريعة الإسلامية ـ للمخدرات إلى مقتضيات الإباحة والذي يبيح الخمر يحرم عليك:(4/147)
تحريمها على الناس ويعتبر ذلك تغييرًا لدستور الدولة بالقوة.
ويحرم عليك إهدارها واعتبارها مالاً غير متقوم.
ويحرم عليك تحريق أماكن تعاطيها.
ويحرم عليك تغيير المنكر باليد فيها.
ويحرم عليك الإخلال بالتزاماتك القانونية تجاه سلعة أباح القانون تداولها وتعاطيها.
ويحرم عليك التسبب في إخلال الغير بالتزاماته التعاقدية إزاءها.
وهذه كلها مقتضيات الإباحة فلا يمكن للإنسان أن يقول أنا أحرمها في مجال القاعدة الدينية ولا أطيع أحدًا في إباحتها دينًا سواء شربتها أم امتنعت عن ذلك تدينًا، ولا شأن لي بما سوي ذلك لأنَّا نقول إن الذي يبيحها في مجال القاعدة القانونية قد يكون هو نفسه محرمًا لها في مجال القاعدة الدينية، وقد لا يشربها تدينًا بينما يحرم المخدرات في مجال القاعدة الدينية والقانونية معًا. فلا يحرم تحريمها ولا يحرم إهدارها واعتبارها مالاً غير متقوم ولا يحرم تغيير المنكر باليد فيها ولا يحرم تحريق أماكن تعاطيها ومطاردة أهلها ولا يبيح زراعتها ولا صنعها ولا نقلها ولا بيعها ولا استيرادها ولا تصديرها ولا شحنها ولا التخليص عليها ولا نقلها برًا أو بحرًا استيرادًا أو تصديرًا بإجراءات نقل جوي أو بحري أو بري وإجراءات جمارك وتخليص وخلافه، ولا يلزم أحدًا بالتزامات قانونية تجاه هذه الإباحة بل يحرم المعاونة على ذلك ويعاقب عليه ولا يحرم عليك التسبب في إخلال الغير بالتزاماته التعاقدية تجاهها، والذي يفعلونه كمقتضيات لحظر المخدرات هو نفسه وبعينه مقتضيات الحظر للخمر في الشريعة الإسلامية سواء بسواء التي أخرجنا عنها المشرع الوضعي إلى مقتضيات الإباحة. وبقيت المخدرات في مقتضيات الحظر التي كانت لها في الشريعة الإسلامية لتكون شاهدًا على التبديل بالمقارنة، فمن يقول أن طاعة المشرع الوضعي في إباحة الخمر وأن قبول تحريم تحريمها وتحريم إهدارها وتحريم اعتبارها مالاً غير متقوم وتحريم تحريق أماكن تعاطيها وتحريم تغيير المنكر(4/148)
باليد فيها وتحريم الإخلال بالالتزامات القانونية تجاهها وتحريم التسبب في إخلال الغير بالتزاماته التعاقدية تجاهها لا يكون استحلالاً لها ولا عبادة لغير الله في التحليل والتحريم فيها، ومن ثم لايكون شركًا مخرجًا من الملة، إنما هو يقصر تحريم الخمر في الحقيقة على مجال القاعدة الدينية فقط وهو إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة وافتراء الكذب على الله عزَّ وجلَّ حيث عُلِمَ بالضرورة تحريمها في المجالين معًا إذا صحَّ التعبير، وعلم بالضرورة أن إخراجها من الحظر إلى الإباحة في مجال القاعدة القانونية إباحة لها، وقبول هذه الإباحة ممن أباحها بلوازم التحريم التي تلزم عن الإباحة قبول للإباحة، وهو قبول لتبديل الشرع ومتابعة عليه وليس طاعة في معصية، وشرب الخمر معصية وقبول الإباحة بلوازمها قبول للإباحة كقبول الإباحة في مجال القاعدة الدينية سواءً بسواء وهو من هذه الجهة شركٌ وكفرٌ مخرجٌ من الملة، فمن خوطب بهذه الإباحة فعليه أن يكره وينكر وإن كان مستضعفًا لا يقدر إلا أن يخضع «ولكن من كره فقد برئ ومن أنكر فقد سَلِمَ ولكن من رضى وتابع». وهل هناك بعد هذا البيان فرقٌ بين قبولِ الإباحةِ ممن أباحها بلوازمها من التحريم في مجال القاعدة الدينية عن مجال القاعدة القانونية أو فرَّق بين سلطة دينية وأخرى دنيوية أو اعتقاد قداسة أو عدم اعتقاد قداسة أليس الكل تبديلاً ومتابعة على التبديل، وهل مازلنا نقول أن من قبلها في مجال القاعدة القانونية أو أباحها لغيره يبقي مسلمًا إن اعتقد تحريمها في مجال القاعدة الدينية؟؟!!(4/149)
وما قيل عن النسخ ليس طاعة في الاعتقاد لأن الاعتقاد ليس فيه طاعة ـ كما بينَّا وكما سنبين ـ وإنما هو اعتقاد في حقهم في الطاعة، والفرق كبير بين الأمرين. واليهود ليس عندهم نسخٌ في الدين أبدًا، وإن جاءت بعض عبارات العلماء بذلك عنهم فهو خطأ في النقل عنهم، وإنما الذي وقع منهم الاستعاضة عن حكم ديني بآخر دنيوي مراعاة لمصالح طرأت لهم ومثال ذلك لما استعاضوا عن الرجم وهو حكم التوراة بالجلد والتحميم حيث كثر فيهم الزنا فخافوا من القتل، ولما وقع في أشرافهم ولم يستطيعوا إقامة الحد عليهم فأبي سوقتهم وضعفاؤهم من إقامته على أبنائهم حتى يقام على أبناء الشرفاء والملوك فخافوا الفتنة والتفرقة فقالوا تعالوا نجتمع على أمر نجعله في الشريف والوضيع فينا فاجتمعوا على الجلد والتحميم، ولم يكن هذا نسخًا ولا تحريفًا للتوراة وإنما تولٍٍ عن حكمها وإعراض عنه إلى غيره من الشرائع الوضعية وهى الشريعة المبدلة وليست المنسوخة ولا الناسخة بحق الأحبار في النسخ، وهذا واضح جدًا في القرآن وأسباب نزوله والآية تجمع اليهود والنصارى فليست مختصة بالنسخ ثم قالوا لن نسبق علماءنا لما وقع ذلك فيهم وعملوا به على المخالفة لحكم التوراة وليس على النسخ لها، وكانوا متحرجين من ذلك ولكن دواعي المصلحة وموافقة الكبراء حملتهم على الاستمرار على المخالفة، وهذا هو معنى النبذ وراء الظهور الذي تكلم عنه القرآن، وترك العمل الذي يتحقق به ذهاب العلم الذي تحدث عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونقضهم الميثاق وترك إقامة التوراة والإنجيل الذي ذكره القرآن وقال أنهم ليسوا على شيء حتى يقيموهما ـ استعاضوا بهذا الدنيوي عن هذا الديني وليس نسخًا لديني بديني آخر ـ وشيخ الإسلام في تفسيره لطاعة الأحبار والرهبان لم يقرر أن المناط المكفر هو الطاعة في الاعتقاد، وإنما قال المتابعة على التبديل، لماذا نغفل ذكر التبديل وقد ركز عليه في التفسير تركيزًا شديدًا.(4/150)
ومناط الحكم في الآية والحديث ليس هو اعتقاد أو الإقرار بحقهم في التشريع والطاعة، وإنما هو المتابعة على التبديل والاتباع للشريعة البديلة عن شرع الله، وهذا يتضمن اعتقاد والإقرار لهم بحق التشريع كوصف تابع أو متضمن، ولكن المناط المحدد في النص للحكم والذي يتعلق به الحكم ـ وهو شرك العبادة ـ المناط المحدد في النص لهذا الشرك في العبادة هو الاتباع في التشريع. وإطلاق القول بأن العبادة هى الطاعة في الاعتقاد خطأ لأن العبادة أمر قصدي طلبي إرادي، والاعتقاد أمر خبري علمي معرفي. ونحن ننقل عن العلماء أن التوحيد نوعان: توحيد عبادة وتوحيد اعتقاد، والشرك نوعان: شركٌ في العبادة وشرك في الاعتقاد.(4/151)
ونقول أنه لابد في الإيمان من مجموعهما: الاعتقاد والانقياد، فكيف نجعل الشيئين شيئًا واحدًا والعلماء دائمًا يقولون نصدقه فيما أخبر ـ لم يقل أحد نطيعه فيما أخبر؟! ـ ونطيعه فيما أمر ـ لم يقل أحد نصدقه فيما أمر؟! ـ أرأيت كيف يختص كل أمر بأمره، لكنهم إذا اعتقدوا تبديل الأحكام في دينهم بنسخ الأحبار والرهبان فعبادتهم بقبولهم هذا التبديل، وفسادُ اعتقادهم باعتقادهم بحقهم في النسخ وبكون ما بدلوه يكون ناسخًا لحكم الإنجيل أو التوراة، وفي تغير اعتقادهم بالنسبة للتحليل والتحريم فيرجع الخلل في الأولي إلى الألوهية وفي الثانية إلى الربوبية كما ذكر شيخ الإسلام في ”الصارم المسلول“ عن الاستحلال عندما يكون الخلل في الألوهية والربوبية في وقت واحد، الأولي عبادة والثانية ضلال. ولو أنهم قبلوا ما بدله الأحبار والرهبان كمبلغين عن الله عزَّ وجلّ فقط لم يوصفوا بوصف العبادة، ولكان الخلل في الربوبية فقط ووصفوا بوصف الضلال دون غيره ولكنهم قبلوا التبديل منهم كمشرعين، ومن هنا جاء وصف العبادة وكان الخلل في الاثنين معًا الربوبية والألوهية، ولو أنهم قبلوا منهم التبديل استعاضة بالدنيوي عن الديني لمصلحة طرأت مع بقاء الاعتقاد في الديني ثابتًا لوصفوا بوصف العبادة فقط دون وصف الضلال وفساد الاعتقاد. وإذا تتبعنا آيات القرآن فيما أضل به المضِللون غيرهم من المُضَللين من أهل الكتاب لا نجد أبدًا إشارة إلى العبادة إطلاقًا، وإنما ضلُّوا وأضلوا فقط لأن الضلال في موضع البدعة وفساد الاعتقاد، ولأن الاعتقاد تصديق خبر، والعبادة قبول حكم، هذه هى استعمالات القرآن والسنة ولو كانت الطاعة في الاعتقاد هى المرادة لكان أولي أن يوصفوا بذلك في شأن عقيدتهم في المسيح وأنه ثالث ثلاثة لا في التحريم والتحليل في صيد أو ذبيحة أو طعام وأين هذا من ذاك؟!!(4/152)
ونشأة اعتقاد مخالف لما عرف عن حكم أي مسألة في الدين إذا كان تحريمًا قطعيًا مثلاً كتحريم الخمر لا يكون إلا بالشك في التحريم أو اعتقاد الحل أي تكذيب التحريم فيتغير علمه فيصدق ما كان مكذبًا ويكذب ما كان مصدقًا أو يشك فهى مسألة تغير اعتقاد وليست طاعة في الاعتقاد لأن الطاعة لا تكون طاعة إلا فيما يحب الإنسان وما يكره وما ينشط إليه وما يتثاقل عنه، وكذلك في الاعتقاد لا تكون طاعة إلا إذا كانت فيما يصدق وفيما يكذب امتثالاً لأمر الآمر ولو كان على غير ما يعلم وهذا أمر مستحيل، وإنما هو تصديق لخبر وتكذيب لآخر أي تغير العلم وهذا لا يطيع أحدٌ فيه أحدًا وإنما يثق في خبره { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - عليه السلام - - { - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( } (1) فيتغير ثقته من خبر إلى خبر ومن مخبر إلى مخبر ومن علم إلى علم لا يطيع في اعتقاد جديد مخالف لما كان عليه وهو يعلم صحة الاعتقاد الأول بل لابد أن يعلم فساد الاعتقاد الأول، ولكن قد يتغير اعتقادهم في التحريم والتحليل الذي جاء في كتبهم لاعتقادهم بحق الأحبار والرهبان في نسخ هذه الأحكام علمًا بأن النسخ إنَّما يكون في الأحكام دون الأخبار ـ فيكون قد صدَّقوهم بكذبهم وأعانوهم على ظلمهم ـ بقبولهم الأحكام البديلة منهم، فهما وصفان منفصلان التصديق للخبر الكاذب وطاعة الأمر الفاسد، ومناط الحكم في الآية هو الطاعة للأمر، وإن كان التصديق واقعًا منهم، وإن كانت الطاعة متضمنة لاعتقاد حقهم في التشريع والإقرار لهم بحق الطاعة فهذا أيضًا لا يخرج المناط عن كونه طاعة الأمر بقبول الحكم.
__________
(1) يوسف، آية: 17.(4/153)
وعندما قلنا أن التبديل فيما هو ديني وما هو دنيوي وليس فيما هو ديني فقط فمردنا في ذلك إلى قاعدة الدين الأساسية وهى:
جماع الدين أصلان:
الأول: أن يعبد الله عزَّ وجل وحده.
والثاني: أن يُعبَد بما شرع على ألسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت. ومن ثم كان لابد من الرجوع إلى الشرع فيما هو عبادي عيني أو كفائي، وما هو عادي عيني أو كفائي فهم أربعة. والعيني ما يقدر عليه الإنسان من نفسه في العبادي كأداء الصلاة، والكفائي ما لا يقدر عليه الإنسان من نفسه ولا يمكنه تحقيقه إلا بإقامة سلطة شرعية تحققه وذلك من خلال إقامته مع غيره للجماعة التي تقيم هذه السلطة وهو في العبادي كإقامة الصلاة { - رضي الله عنه -((( - { - - - تمت ( { ( المحتويات ( - ( } - جل جلاله - { - } تم بحمد الله - (( ((( - - } - - } - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - - - صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } (1) الآية، والعيني في العادي كبٍّر الوالدين يقدر عليه الإنسان من نفسه، والكفائي كقطع يد السارق ورجم الزانى وجهاد العدو وإقامة الحدود ... إلخ، والمؤمن يقوم بالتكليف المتعلق به من خلال إقامته للسلطة الشرعية التي تقيمه.
__________
(1) الحج، آية: 41.(4/154)
والخروج عن الشرع رد للرسالة وكفر بها، ومن جهة أخرى انقياد لغير الله فهو عبادة لغير الله، ومن ثم كان له أيضًا وصف الشرك، والخروج عن الشرع مثل الرجوع إلى الشرع تمامًا يكون فيما هو عادي عيني أو كفائي، ويكون فيما هو عبادي عيني أو كفائي، ومن ثم كانت الاستعاضة بالشرع البديل عن شرع الله أي التبديل كفر وشرك سواء كانت في تبديل ديني بديني أو ديني بدنيوي فيما يقدر عليه الإنسان من نفسه أو يصطلح عليه مع غيره أو يخاطب به من غيره فيقبله ويرضى به ويتابع عليه، لأنه خروج عن الشرع المحكم ورجوع إلى ما سواه. ومن ثم قال ابن كثير عن الياسق: «أن مَنْ ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين».
والنكتة هنا هى تبديل ديني بدنيوي وليس ديني بديني ـ مع بقاء صحة الاعتقاد في الدين وفي لزومه ووجوبه دون الدنيوي ـ وما يقوله ابن كثير في التحاكم هو نفس ما تدل عليه آية { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } ... من الخروج عن شرع الله المحكم والعدول عنه إلى ما سواه من شريعة الأحبار.
فالآية تفسير للقاعدة وآيات التحاكم والحكم أيضًا تفسير لنفس القاعدة في جوانب من جوانبها. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
وقبل أن نفرغ من الموضوع لابد من تنبيهات لرفع التباسات تدخلها المرجئة على الناس لتلبس عليهم دينهم.(4/155)
أولاً: لا ينبغي التلبيس بين الشريعة أو الشرع المبدل أو المنسوخ وبين غيرها، فالقانون قاعدة عامة ومجردة يصدرها ذو سلطان تسري على من تتوافر شروط سريانها فيه، ومن هنا تختلف عن السياسات أو الخطط أو الأوامر الإدارية والتصرفات الشخصية أو الجماعية في الحياة اليومية.
ثانيًا: تنظيم المباح أموره لا تقع منفصلة ولا يصح فصل هذه الأمور عن نطاق النظام الذي تقع فيه، فالعبرة بقبول النظام العام الذي تقع هذه الأمور في نطاقه، وقبول نظام يقوم على الإقرار لغير الله بالتشريع وفصل الدين عن الدولة، وقبول نظام يقوم على أساس قبول الشرع المبدل أو المنسوخ بديلاً عن الشرع المحكم. فإذا كان هذا واقعًا أخذ حكمه وإن لم يكن واقعًا لم يأخذ حكمه، فهى لا تنفصل ولا تقع منفصلة عن نطاق النظام الذي تقع فيه.
ثالثًا: الخضوع مع الاستضعاف ليس قبولاً لشرع غير شرع الله إذا كان مع كره القلب بدلالة من الاعتزال وعدم المشايعة بالعمل. أكدنا ذلك مرارًا وتكرارًا، ومشايعةُ المكرِه على التبديل مع ادعاء كره القلب دليل على عدم صدق هذا الادعاء، ولا يحدث هذا إلا ممن انشرح صدره لهذا الخضوع وركن واستنام واستكان لهذا الأمر.
رابعًا: العمل أو الوظائف لا شأن لها بقبول شرع غير الله لأن ترك العمل لا يعني عدم الخضوع لهذه الشرائع فهو مخاطب بها وإن أغلق عليه بابه، والعبرة بكره القلب مع ترك المشايعة. والأرزاق وإن شابها الحرام فحالة الاستضعاف لتعذر الانتقال وعدم استطاعة تغيير الحال ترفع الحرج ـ هكذا قال الفقهاء وهو أمر معلوم مشهور ـ وبقاؤنا في أعمالنا دليل على إصرارنا على امتلاك مقدرات حياتنا واسترداد حقنا الشرعي في عودة الحياة إلى الأصول والتمكين لدين الله في الأرض.(4/156)
خامسًا: العقود ليست قبولاً لشرع غير شرع الله. العقود شروط، والشروط ليست بدلاً عن شرع الله حتى تكون من الدين المبدل أو المنسوخ، وقد أمر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بإبطال كل شرط ليس في كتاب الله، وإن كان مئة شرط وشرط، والمقصود أن العقد وإن كان ملزمًا لطرفيه أو أطرافه فإن ذلك مشروط بعدم مخالفته للقواعد الآمرة من النظام القانوني العام هذا في الشرائع الوضعية. ونفس الشيء في الشرع الإسلامي فالشرع يبطل أي شرط أو عقد يخالف الشرع، فأما إن لم يكن مخالفًا للشرع فهو ملزم لطرفيه أو أطرافه، وكيف يخفى هذا المعنى وهو مشروح بإسهاب في ”أعلام الموقعين“ وفي ”الموافقات“ وهو معنى مستقر في الفقه الإسلامي وواضح غاية الوضوح، والشروط الفاسدة في البيع وغيره، إمَّا أن تصح ويصحّ العقد وهذا فيما يدق ويعسر التحرز منه، أو تبطل ويصح العقد، أو يبطل الشرط والعقد معًا ولا نري الاسترسال في بيان هذا المعنى لوضوحه.
سادسًا: قبول شرع غير الله مستلزم بالضرورة رد شرع الله، فاليهود لما استحلوا القتل رفضوا حكم الله بتحريم قتال بني إسرائيل، ولما أوجبوا الفداء قبلوا حكم الله بفك إسار بني إسرائيل وفدائهم، وقبولهم للجلد والتحميم رفض للرجم، فمن قبل حكم الله في جزئية فقد رفض حكم غيره في هذه الجزئية، ومن قبل حكم غير الله في جزئية فقد رفض حكم الله في هذه الجزئية، فمن قبل حكم الله عزَّ وجلّ في بعض الجزئيات وقبل حكم غيره في جزئيات أخرى يكون قد اجتمع له قبول لبعض شرع الله ورفض للبعض الآخر فآمن ببعض الكتاب وكفر ببعض كما وصف الله اليهود بذلك، ومن فعل ذلك فقد كفر وخرج من ملة الإسلام بنص الآية.(4/157)
سابعًا: يقولون قد يكون رد شرع الله راجعًا إلى جلب المصالح ودرء المفاسد فلا حرج في ذلك. ونقول: هذا هو موقف المنافقين من شرع الله ومن موالاة الكافرين حيث قال الله - سبحانه وتعالى - عنهم في سورة النور: { - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( - - - ( - ( - قرآن كريم ( - { - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - (( - (- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - - ( - - ( المحتويات ( - ( { ( } تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ((( - - فهرس - ( { ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - - عليه السلام - - ( - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - - - ( { ( - - ( - - ( المحتويات ( - ( { ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - (( - تم بحمد الله - تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - } - ( قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - ( مقدمة ( - - - ( { - رضي الله عنه -((( - ((( - ( تم بحمد الله - -(4/158)
((- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - ((- عليه السلام - - } تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم (( - - - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - (- رضي الله عنه - - - ( - - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنه - تمت - - - - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - - ( { } - ( قرآن كريم ((( - - فهرس - ( { ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - ( - ( - - عليه السلام - - ( - ( المحتويات ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ((( - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - (( - (- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( - ( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((( - { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - -(4/159)
( مقدمة ( { ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - (( - - - (( - - - } (1) يقول البيضاوي في التفسير(2): نزلت في بشر المنافق خاصم يهوديًا فدعاه إلى كعب بن الأشرف وهو يدعوه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: { - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( - - - ( - ( - قرآن كريم ( - { - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - (( - (- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } وأطعنا لهما { - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - } بالامتناع عن قبول حكمه { ( - - ( - - ( المحتويات ( - ( { ( } تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - } بعد قولهم هذا { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - } إشارة إلى القائلين بأسرهم ـ أو إلى الفريق المتولي منهم ـ وسلب الإيمان عنهم لتوليهم والتعريف فيه للدلالة على أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين عرفتهم وهم المخلصون في الإيمان والثابتون عليه { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ((( - - فهرس - ( { ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - -
__________
(1) النور، آيات: 47-52.
(2) تفسير البيضاوي، ج1، ص 197.(4/160)
المحتويات ( - ( - - عليه السلام - - ( - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - } أي ليحكم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فإنه الحاكم ظاهرًا أو المدعو إليه وذكر الله لتعظيمه والدلالة على أن حكمه في الحقيقة حكم الله { - - - ( { ( - - ( - - ( المحتويات ( - ( { ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - (( - تم بحمد الله } وهو شرحٌ للتولي ومبالغة فيه { تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - } أي الحكم لا عليهم { } - ( قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - ( مقدمة ( - - - ( { - رضي الله عنه -((( - ((( - ( تم بحمد الله } منقادين لعلمهم أنه يحكم لهم { - ((- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - ((- عليه السلام - - } تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم (( - - - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - (- رضي الله عنه - - - ( - - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - } إضراب عن القسمين الأخيرين لتحقيق القسم الأول ووجه التقسيم أن امتناعهم إما لخلل فيهم أو في الحاكم والثاني إما أن يكون محققًا عندهم أو متوقعًا وكلاهما باطل لأن منصب نبوته وفرط أمانته يمنعه فتعين الأول وظلمهم يعم خلل عقيدتهم وميل نفوسهم إلى الحيف { - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنه - تمت - - - - رضي الله(4/161)
عنه - - ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - - ( { } - ( قرآن كريم ((( - - فهرس - ( { ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - ( - ( - - عليه السلام - - ( - ( المحتويات ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ((( - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - (( - (- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( - ( - - - } على عادته تعالى في إتْباع ذكر المحق المبطل والتنبيه على ما ينبغي بعد إنكاره لما لا ينبغي { } - قرآن كريم ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( { (- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } إنكارًا للامتناع عن حكمه { (((( - - ( المحتويات ( - - الله ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - عليه السلام - - - - } إن أمرتهم بالخروج من ديارهم أو أموالهم ليخرجن { - ( - - صدق الله العظيم } - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - } على الكذب { ( { - رضي الله عنه -( - - ( ( { - (- صلى الله عليه وسلم -( - (( } تم بحمد الله } أي المطلوب منكم طاعة معروفة لا اليمين والطاعة النفاقية المنكرة { تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( فهرس قرآن كريم (( - ((( - } في حكمه تهتدوا { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - -(4/162)
فهرس - - رضي الله عنه -( ( - قرآن كريم ( - { - - - - - صدق الله العظيم ( { ((( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - - - (((( - ( - ( - - - } وقد أدي فإن أديتم فلكم وإن توليتم فعليكم. أهـ.
هنا الإقرار بالشريعة متحقق بل متكرر والإعراض عنها للمصلحة، فكيف يقال أن الإعراض عن الشريعة إذا كان جلبًا لمصلحة أو درءًا لمفسدة فلا بأس؟؟!!
ونقول: هل قبول شرع الله ورفض ما سواه والدخول في ولاية الإسلام ولاية لله ورسوله والمؤمنين مسألة خاضعة لاعتبارات المصالح، وهل كان هذا إلا موقف المنافقين واتهموا المؤمنين بالسفه لوقوفهم عند أمر الله وامتثالهم له معبرًا عن حسابات المصالح الدنيوية وحسابات وموازنات القوى!!
ويقولون قد يكون ردَّه إلى المداراة واتقاء الفتنة. ونقول: أن الخضوع في حالة الاستضعاف لتعذر الانتقال وعدم استطاعته تغيير الحال مع كره القلب وترك المشايعة لا يسمي قبولاً لشرع غير شرع الله، بل هو درجة من درجات الرفض لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضى وتابع» وقال عبد الله بن مسعود عن حكايته في تبديل الملوك لدين المسيح «إذا حدث ذلك فيكم فليعلم اللهُ من قلبك أنَّك كارهٌ» ولكن الذي يعلن قبوله ومعايشته أو معايشته دون قبوله لشرع غير الله في الأرض لقوة ظاهرة تساند ذلك الشرع المبدل وينشرح صدره لموقفه هذا لاطمئنانه إلى سلامته من بطش هذه القوة الظاهرة واطمئنانه على مصالحه في ركونه واستنامته واستكانته إليها فهذا موقف مداهنة وإن ادعي الإكراه ورحم الله من قال:
وثمودُ لو لم يُدْهِنوا في ربِّهم لم تَدْمَ ناقتهم بسيف قَدَارِ
ومن نسب الله عزَّ وجل إليهم العَقْر ليس بسبب مشاركتهم ولكن بسبب مداهنتهم، والذي عقرها هو أشقاها. والآيات في سورة النور التي سبق ذكرها قال عنها بعض المفسرين الإعراض من بعضهم والرضى من كلهم، فهلك الفاعل والراضي. واللهُ تعالى أعلم وهو أعزُّ وأكرم.(4/163)
ثامنًا: وقالوا هذا تكفير للناس بالعموم. ونقول: القول بهذا افتراء للكذب على أهل الحق لنصرة التلبيس والإرجاء والبدعة والتفريط وكتمان الحق وتضليل الناس. وقد قلنا بملء الفم أنه لا تكفير بالعموم في مجتمعات المسلمين في ديارهم التي عليها أحكام الكفر، لأن التكفير بالعموم لا يأتي إلا بعد أن تتغير التبعية، وهذه المجتمعات لم تتغير تبعيتها بعلو أحكام الكفر على الديار للأسباب الآتية:
أمر المتبوع غير أمر التابع أو بعبارة أدق وأصح أمر التابع غير أمر المتبوع.
2- الذين دخلوا في ظاهرة الشرك منهم لم يتحيزوا أو يتميزوا عن غيرهم تميز الفسطاط أو تميز انتساب، والذين نجوا من ظاهرة الشرك منهم لم يتميزوا أو يتحيزوا عنهم أو باينوهم، فالناس أخلاطٌ شتي غير متمايزة أو متباينة.
3- الذين دخلوا في ظاهرة الشرك منهم غير قادرين على توريث أبنائهم ما هم عليه كنِحلة أو دين.
4- أمر الناس لا يتبين إلا بالوقوف على المقاصد والاطلاع على البواطن «من كَرِهَ فقد برئ ومَنْ أنكَرَ فقد سَلِمَ ولكن مَنْ رَضِى وتابع» ومن ثم لا يثبت الكفر بالاسم الظاهر أو الشارة الظاهرة بحيث يغني الاسم عن معرفة المسمي، كما نقول بهائي أو درزي أو نصيري أو قدياني أو بهرة أو باطني أو نصراني أو يهودي. هل تحتاج حينئذ أن تسأل هل كره فبرئ أم رضى وتابع فهلك؟؟ ولكن عندما تقول مصري أو سوري أو عراقي تحتاج أن تسأل لتعرف حقيقة موقفه من علو أحكام الكفر على بلاده وهذا هو الفرق.
وهذه الأربعة هى التي يتحدد بها بقاء تبعية الإسلام أو تغير التبعية، وبالعكس فالتبعية تتغير إلى كفر أصلي بأربعة الأمور وهى:
تميز الانتساب أو تميز الفسطاط.
2- ثبوت وصف الكفر بالاسم الظاهر أو الشارة الظاهرة دون حاجة إلى اطلاع على البواطن والمقاصد.
أن يكونوا قادرين على توريث أبنائهم ماهم عليه.
أن يكون أمر التابع كأمر المتبوع.(4/164)
وهذا لم يحدث في هذه المجتمعات ومن ثَمَّ فتبعية الإسلام باقية ومن ثَمَّ فإننا نثبت حكم الإسلام للوليد بتبعية أبويه أو أفضلهما دينًا، وللقيط بتبعية الدار، كما يثبت حكم الإسلام للمجنون ومجهول الحال. وهذا لا ينفي إثبات ظواهر الشرك في الحكم والولاء والنسك وفساد الاعتقادات وتفشي هذه الظواهر، ولا ينفي كون الناس أخلاطًا شتى، ولا ينفي الاستبراء للدين والعرض في هذه الظروف، وثبوت هذه الظواهر لا يلزم منه التعيين، وعدم القدرة على التعيين لا تنفي ثبوت الظاهرة.
ومن هنا قال الفقهاء عن حكم هذا الواقع عندما نَشأ في عدن والهند منذ أكثر من قرنين من الزمان قالوا عن هذه الديار: لها صفة دار الكفر وحكم دار الإسلام. حكم دار الإسلام لبقاء التبعية الإسلامية، وصفة دار الكفر لعلو أحكام الكفر على الديار. وصفة دار الكفر للدار تستلزم إسقاط شرعية الأنظمة التي فصلت الدين عن الدولة، وقيام شرعية بديلة تتمثل في جماعات العلماء، واعطائها شرعية قتال، ووجوب الاسترداد للدار لوصف الردة الطارئ، ولو تحولت لحكم الكفر الأصلي لسقط حق الاسترداد للدار مع التقادم. وبقول هؤلاء العلماء نقول في مثل الواقع الذي قالوا فيه. هذه ضوابط الحكم التي نلتزم بها. أما بيان حقائق الشرع وإبلاغها للناس فلأمرين آخرين وهما:
ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة، للقيام بواجب البلاغ وإنجاء الناس من الشرك والهلاك وذلك لمصلحتهم من جهتين:
الأولى: النجاة في الآخرة.
الثانية :التمكين في الدنيا.
الأمر الآخر: وهو تصحيح المفاهيم ورفع الالتباس للأمانة العلمية لبقاء علم ينتفع به إلى يوم القيامة.
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
رابعًا: نفي النسك عن غير الله عزَّ وجل(4/165)
قالت الجهمية ونسبت ذلك إلى فقيه معاصر عن ظاهرة الممارسات الشركية في العبادة والنسك «ومن طلب شيئًا من الأموات أو نذر للأولياء أو قصد التبرك بهم فظاهر قوله أو فعله خطأ لا يقتضي اتهامه بالشرك لأن مراده قطعًا مرضاة الله والتقرب إليه ولكن أخطأ في سيقه النذر وقصد بذلك وجه الله تعالى».
ونرد على هذا البهتان والتلبيس بما يلي:
أولا: هل غاب عن أبي الوفاء بن عقيل والطرطوشي وأبي شامة وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وغيرهم وغيرهم جيلاً بعد جيل ما أدركه وهبة الزحيلي والدكتور العجلان!! الظاهرة قديمة من قبل القرن السادس والمناط هو هو بل أفحش وأوغل في الشرك وفساد الاعتقادات فما الذي غيَّر التشخيص والحكم عن أقوال علماء السلف جيلاً بعد جيل إلا إذا كان ترديدًا لدفاع داوود بن جرجيس عن المشركين، ومعلوم ما ردُّوا به عليه وعلي غيره في ”الدرر السنية في الأجوبة النجدية“ و”مجموعة الرسائل والمسائل النجدية“ وفي”تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس“.(4/166)
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب(1): «من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن سحيم وبعد: ألفينا مكتوبك وما ذكرت فيه من ذكرك وما بلغك ولا يخفاك أن المسائل التي ذكرت أنها بلغتكم في كتاب من العارض جملتها أربعة وعشرون مسألة بعضها حق وبعضها بهتان وكذب. وقبل الكلام فيها لابد من تقديم أصل وذلك أن أهل العلم إذا اختلفوا والجهَّال إذا تنازعوا ومثلي ومثلكم إذا اختلفنا في مسئلة هل الواجب اتباع أمر الله ورسوله وأهل العلم أو الواجب اتباع عادة الزمان التي أدركنا الناس عليها ولو خالفت ما ذكره العلماء في جميع كتبهم؟ وإنما ذكرت هذا ولو كان واضحًا لأن بعض المسائل التي ذكرت أنا قلتها لكن هى موافقة لما ذكره العلماء في كتبهم الحنابلة وغيرهم ولكن هى مخالفة لعادة الناس التي نشأوا عليها فأنكرها عليّ من أنكرها لأجل مخالفة العادة وإلا فقد رأوا تلك في كتبهم عيانًا وأقروا بها وشهدوا أن كلامي هو الحق لكن أصابهم ما أصاب الذين قال اللهُ فيهم: { - - - فهرس - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - } تم بحمد الله } - قرآن كريم ((- عليه السلام - - - رضي الله عنه -( } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - (( مقدمة ( - ( { - عليه السلام - - (( فهرس - - ( ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - ((( - - ( - - - } (2) الآية. وهذا هو ما نحن فيه بعينه فإن الذي راسلكم هو عدو الله بن سحيم وقد بينت ذلك له فأقرَّ به وعندنا كتب بيده في رسائل متعددة أن هذا هو الحق وأقام على ذلك سنين لكن أنكر آخر الأمر لأسباب أعظمها البغي أن ينزل اللهُ مِنْ فضله على من يشاء من عباده، وذلك أن العامة قالوا له ولأمثاله إذا كان هذا هو الحق فلأي شيء لم تنهونا عن عبادة شمسان وأمثاله؟ فتعذروا أنكم ما سألتمونا. قالوا وإن لم نسألكم كيف نشرك بالله عندكم ولا تنصحونا وظنوا أن يأتيهم
__________
(1) الرسائل الشخصية، ص 62.
(2) البقرة، آية: 89.(4/167)
في هذا غضاضة وأن فيه شرفًا لغيره وأيضًا لما أنكرنا عليهم أكل السحت والرشا إلى غير ذلك من الأمور فقام يُدجِل عندكم وعند غيرهم بالبهتان واللهُ ناصرُ دينه ولو كره المشركون.
وبعد أن يسوق الشيخ مثلاً منها لصعوبة مخالفة العادة ولو عند العلماء ويُبيِّن المسائل التي افتراها عليه ابن سحيم يقول: «وأما المسائل الأخر وهى: أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله، ومنها أني أعرف من يأتيني بمعناها، ومنها أني أقول الإله هو الذي فيه السر، ومنها تكفير الناذر إذا أراد به التقرب إلى غير الله وآخذ النذر كذلك، ومنها أن الذبح للجنِّ كفرٌ والذبيحة حرام ولو سمي اللهَ عليها إذا ذبحها للجنِّ. فهذه خمسة مسائل كلها حق وأنا قائلها، ونبدأ بالكلام عليها لأنها أم المسائل. وقبل ذلك أذكر معنى لا إله إلا الله فنقول: التوحيد نوعان: توحيد الربوبية وهو أن الله سبحانه متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم وهذا حقٌّ لابد منه، لكن لا يُدخل الرجل في الإسلام لأن أكثر الناس مقرون به قال الله تعالى: { ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - - عليه السلام - - ( - (( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } إلى قوله: { - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - } (1) وأنَّ الذي يُدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الألوهية وهو أن لا يعبد إلا الله لا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلاً. وذلك أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بُعث وأهل الجاهلية
__________
(1) يونس، آية: 31.(4/168)
يعبدون أشياء مع الله فمنهم من يدعو الأصنام ومنهم من يدعو عيسى ومنهم من يدعو الملائكة فنهاهم عن هذا، وأخبرهم أن اللهَ أرسله ليوحد ولا يُدعي أحدٌ من دونه لا الملائكة ولا الأنبياء، فمن تبعه ووحَّد الله فهو الذي شهد أن لا إله إلا الله، ومن عصاه ودعا عيسى والملائكة واستنصرهم والتجأ إليهم فهو الذي جحد لا إله إلا الله مع إقراره أن لا يخلق ولا يرزق إلا الله. إلى أن يقول: ولما جري في هذه الأمة ما أخبر به نبيها - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: «لتتبعنَّ سنَنَ مَنْ كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه» فصار ناس من الضالين يدعون أناسًا من الصالحين في الشدة والرخاء مثل عبد القادر الجيلاني وأحمد البدوي وعديّ بن مسافر وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح فأنكر عليهم أهل العلم غاية الإنكار وزجروهم عن ذلك وحذَّروهم غاية التحذير والإنذار من جميع المذاهب الأربعة في سائر الأقطار والأمصار، فلم يحصل منهم انزجار بل استمروا على ذلك غاية الاستمرار.(4/169)
وأما الصالحون الذين يكرهون ذلك فحاشاهم من ذلك وبيَّن أهل العلم أن أمثال هذا هو الشرك الأكبر. إلى أن يقول نقلاً عن العلماء عن ابن تيمية - رضي الله عنه -: فإذا كان في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين ممن ينتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام قد يمرق من الدين وذلك بأمور منها الغلو الذي ذمَّه الله مثل الغلو في عديّ بن مسافر أو غيره بل الغلو في علىٍّ بن أبي طالب بل الغلو في المسيح ونحوه فكل من غلا في نبيٍّ أو صحابي أو رجل صالح وجعل فيه نوعًا من الإلهية مثل أن يقول يا سيدي فلان أغثني أو أنا في حسبك ونحو هذا فهذا كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد ولا يدعي معه إله آخر والذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل الشمس والقمر والصالحين والتماثيل المصورة على صورهم لم يكونوا يعتقدون أنها تنزل المطر وتنبت النبات وإنما كانوا يعبدون الملائكة والصالحين ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فبعث اللهُ الرسلَ وأنزلَ الكتب فنهى أن يدعي أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة.
وأطال الكلام رحمه الله فتأمل كلامه في أهل عصره من أهل النظر الذين يدعون العلم ومن أهل العبادة الذين يدعون الصلاح. وقال في ”الإقناع“ في باب حكم المرتد في أوله: فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته. إلى أن قال: أو استهزأ بالله أو رسله قال الشيخ أو كان مبغضًا لرسوله أو لما جاء به اتفاقًا أو جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم كَفَرَ إجماعًا ـ يقول الشيخ ابن عبد الوهاب ـ وتأمل هل قالوا هذا في أشياء وجدت في زمانهم واشتد نكيرهم على أهلها أو قالوها ولم تقع. وتأمل الفرق بين جحد الربوبية والوحدانية والبغض لما جاء به الرسول.(4/170)
إلى أن يقول: وأما الحنفية فقال الشيخ قاسم في شرح ”درر البحار“ النذر الذي يقع من أكثر العوام وهو أن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلاً يا سيدي فلان إنْ ردَّ غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك كذا وكذا باطل إجماعًا لوجوه منها: أن النذر للمخلوق لا يجوز، ومنها ظنه أن الميت يتصرف في الأمر واعتقاد هذا كفر. إلى أن قال: إذا عرف هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها وينقل إلى ضرائح الأولياء فحرامٌ بإجماع المسلمين. وقد ابتلي الناس بهذا لاسيما في مولد أحمد البدوي فتأمل قول صاحب النهر مع أنه بمصر ومقر العلماء كيف شاع بين أهل مصر ما لا قدرة للعلماء على دفعه، فتأمل قوله من أكثر العوام أتظن أن الزمان صلح بعده.(4/171)
أما المالكية فقال الطرطوشي في كتاب ”الحوادث والبدع“ روى البخاري عن أبي واقد الليثي قال: «خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين ونحن حديثو عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال - صلى الله عليه وسلم -: الله أكبر هذا كما قال بنو إسرائيل لموسي اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة لتركبن سنن من كان قبلكم» فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة يقصدها الناس وينوطون بها الخرق فهى ذات أنواط فاقطعوها. وقال - صلى الله عليه وسلم - «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبي للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس».إلى أن يقول: وروى البخاري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: «واللهِ ما أعرف فيهم من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعًا» وذلك أنه أنكر أكثر أفعال أهل عصره. وقال الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال: ما أعرف فيهم شيئًا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت» انتهى كلام الطرطوشي. ثم يقول الشيخ ابن عبد الوهاب: ومرادي أن أُبيّن لك كلام الطرطوشي وما وقع في زمانه من الشرك بالشجر مع كونه في زمن القاضي أبي يعلي... أتظن الزمان صلح بعده؟(4/172)
وأما كلام الشافعية فقال الإمام محدث الشام أبو شامة في كتاب ”الباعث على إنكار البدع والحوادث“:«وقد وقع من جماعة من النابذين لشريعة الإسلام المنتمين إلى الفقر الذي حقيقته الافتقار من الإيمان من اعتقادهم في مشايخ لهم ضالين مضلين فهم داخلون تحت قوله { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ } ? الآية. وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها، ومن هذا القسم ما قد عمَّ الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد وإسراج مواضع في كل بلد يحكي لهم حاك أنه رأي في منامه أحدًا ممن شُهِرَ بالصلاح ـ فيها ـ فيفعلون ذلك ويظنون أنهم يتقربون إلى الله ثم يجاوزون ذلك إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لهم وهم بين عيون وشجر وحائط وحجر، وفي دمشق صانها الله من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحمي والشجرة الملعونة خارج باب النصر سهل اللهُ قطعها فما أشبهها بذات أنواط، ثم ذكر كلامًا طويلاً. إلى أن قال: أسأل الله الكريم معافاته من كل ما يخالف رضاه ولا يجعلنا ممن أضله فاتخذ إلهه هواه».(4/173)
فتأمل ذكره في هذا النوع أنه نبذ لشريعة الإسلام وأنه خروج عن الإيمان ثم ذكر أنه عمَّ الابتلاء به في الشام، فأنت قل لصاحبكم هؤلاء العلماء من الأئمة الأربعة ذكروا أن الشرك عمَّ الابتلاء به وغيره وصاحوا بأهله من أقطار الأرض وذكروا أن الدين عاد غريبًا فهو بين اثنتين: إما أن يقول كل هؤلاء العلماء جاهلون ضالون مضلون خارجون، وإما أن يدعي أنَّ زمانه وزمان مشايخه صلح بعد ذلك. إلى أن يقول شيخنا ابن عبد الوهاب: وقال ابن القيم رحمه الله في الهدي النبوي في الكلام على حديث وفد الطائف: «ومنها أن لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يومًا واحدًا، فإنها شعائر الشرك والكفر وهى أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة. وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانًا تعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد للتبرك والنذر والتقبيل لا يجوز ابقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعزي ومناة الثالثة الأخرى بل أعظم شركًا عندها وبها والله المستعان.
ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من قبلهم وسلكوا سبيلهم شبرًا شبرًا وذراعًا بذراع وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة وغلب الشرك على أكثر النفوس لغلبة الجهل وخفاء العلم، وصار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا والسنة بدعة والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير وهرم عليه الكبير وطمست الأعلام واشتدت غربة الإسلام وقلَّ العلماء وغلب السفهاء وتفاقم الأمر واشتد البأس وظهر الفساد في البر والبحر».(4/174)
وقال أيضًا في الكلام على هذه القصة لما ذكر أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أخذ مال اللات وصرفه في المصالح «ومنها جواز صرف الإمام الأموال التي تصير إلى هذه الطواغيت في الجهاد ومصالح المسلمين. إلى أن قال: وكذا الحكم في وقفها. والوقف عليها باطل، فإن الوقف لا يصح إلا في قربة، فلا يصحّ على مشهد ولا قبر يسرج عليه ويعظم وينذر له ويُعبد من دون الله، وهذا مما لا يخالف فيه أحدٌ من أئمة الدين ومن اتبع سبيلهم» انتهى كلام ابن القيم.(4/175)
يقول ابن عبد الوهاب: فتأمل كلام هذا الرجل الذي هو من أهل العلم وهو أيضًا من أهل الشام كيف صرَّح أنه ظهر في زمانه فيمن يدعي الإسلام في الشام وغيره عبادة القبور والمشاهد والأشجار والأحجار التي هى أعظم من عبادة اللات والعزى أو مثله، وأن ذلك ظهر ظهورًا عظيمًا حتى غلب الشرك على أعظم النفوس، وحتى صار الإسلام غريبًا بل اشتدت غربته. أين هذا من قول صاحبكم لأهل الوشم في كتابه لما ذكروا له أن في بلدانكم شيئًا من الشرك يأبى اللهُ أن يكون ذلك في المسلمين!! وكلام هؤلاء الأئمة من أهل المذاهب الأربعة أعظم وأعظم وأطمّ مما قاله ابن عيدان وصاحبه في أهل زمانهما، أفتري هؤلاء العلماء أتوا فرية عظيمة ومقالة جسيمة. إلى أن يقول شيخ الإسلام بن عبد الوهاب: «إذا تقرر هذا فخمس المسائل التي قدمت جوابها في كلام العلماء وأضف إليها مسألة سادسة وهى إفتائي بكفر شمسان وأولاده ومن شابههم وسميتهم طواغيت، وذلك أنهم يدعون الناس إلى عبادتهم من دون الله عبادة أعظم من عبادة اللات والعزي بأضعاف وليس في كلامي مجازفة، بل هو الحق لأنَّ عبَّاد اللات والعزي يعبدونها في الرخاء ويخلصون لله في الشدة وعبادة هؤلاء أعظم من عبادتهم إياهم في شدائد البر والبحر. إلى أن يقول: وأما قولي: إن الإله الذي فيه السر فمعلوم أن اللغات تختلف فالمعبود عند العرب والإله الذي يسمونه عوامنا السيد والشيخ والذي فيه السرّ، والعرب الأولون يسمونه الألوهية ما يسميها عوامنا السر لأن السر عندهم هو القدرة على النفع والضرّ وكونه يصلح أن يدعي ويرجي ويخاف ويتوكل عليه، فإذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وسئل بعض العامة ما فاتحة الكتاب؟ ما فسرت له إلا بلغة بلده فتارة يقول فاتحة الكتاب، وتارة يقول أم القرآن، وتارة يقول هى الحمد، وأشباه هذه العبارات التي معناها واحد، ولكن إذا كان السر في لغة عوامنا ليس هذا، وأن هذا ليس(4/176)
هو الإله في كلام أهل العلم فهذا وجه الإنكار فبينوا لنا والحمد لله ربِّ العالمين. انتهى كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب باختصار.
وجاء أيضًا في رسالة للإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود قال أبو الوفاء بن عقيل(1): «لما صعبت التكاليف على الجهَّال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم. قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها وخطاب الموتي بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا وأخذ تربتها تبركًا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزي والويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكف ولم يتمسح بآجرة مسجد الملموسة يوم الأربعاء... إلى آخر ما ذكر».
يقول صاحب الرسالة وهو من أهل القرن الخامس من تلامذة القاضي أبي يعلي الحنبلي ونقل كلامه هذا غير واحد من أئمة الحنابلة كأبي الفرج ابن الجوزي في كتابه ”تلبيس إبليس“.
__________
(1) كتاب الدرر السنية، ج1، ص 293.(4/177)
وفي هذه الرسالة ينقل كلام الطرطوشي وأبي شامة بتوسع أكثر من الذي ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرسالة التي بدأنا بها الموضوع، كذلك ينقل لابن القيم تفصيلات كثيرة عن الواقع من ذلك يقول ابن القيم(1): «وكان بدمشق كثير من هذه الأنصاب فيسَّر اللهُ سبحانه كسرها على يد شيخ الإسلام وحزب الله الموحدين كالعمود المخلق والنصب الذي كان بمسجد النارنج عند المصلي يعبده الجهَّال والنصب الذي كان تحته الطاحون الذي عنده مقابر النصارى ينتابه الناس للتبرك وكان صورة صنم في نهر القلُّوط ينذرون له ويتبركون به وقطع اللهُ سبحانه المسجد الذي عند الرحبة يسرج عنده ويتبرك به المشركون وكان عمودًا طويلاً على رأسه حجر كالكرة وعند مسجد درب الحجر نصب قد بني عليه مسجد صغير يعبده المشركون يسَّر اللهُ كسره». أهـ.
يقول ابن القيم أيضًا: «فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله ولو كانت ما كانت ويقولون إن هذا الحجر وهذه الشجرة وهذه العين تقبل النذر أي تقبل العبادة من دون الله، فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له ويتمسحون بذلك النصب ويستلمونه». أهـ.
__________
(1) الدرر السنية، ج1، ص 298.(4/178)
في الرسالة أيضًا(1) نقلاً عن الأذرعي من علماء الشافعية في كتابه ”قوت المحتاج شرح المنهاج“:«وأما النذر للمشاهد التي بنيت على قبر ولي أو شيخ أو على اسم من حلها من الأولياء أو تردد في تلك البقعة من الأنبياء والصالحين فإن قصد الناذر بذلك وهو الغالب أو الواقع من مقصود العامة تعظيم البقعة والمشهد والزاوية أو تعظيم من دفن بها ممن ذكرنا أو نسبت إليه أو بنيت على اسمه فهذا النذر باطل غير منعقد، فإن معتقدهم أن لهذه الأماكن خصوصيات بأنفسها ويرون أنها مما يدفع بها البلاء، ويستجلب بها النعماء ويستشفي بالنذر لها من الأدواء، حتى أنهم ينذرون لبعض الأحجار لما قيل أنه جلس إليها أو استند إليها عبدٌ صالح، وينذرون لبعض القبور السرج والشموع والزيت ويقولون القبر الفلاني والمكان الفلاني يقبل النذر يعنون بذلك أنه يحصل بالنذر له الغرض المأمول من شفاء مريض وقدوم غائب أو سلامة مال وغير ذلك من أنواع نذر المجازاة». أهـ.
__________
(1) الدرر السنية، ج1، ص 302.(4/179)
في جواب الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ عن عقيدة الشيخ وعن أحوال الزمان الذي ظهر فيه يقول عن نجد(1): «وكذلك عندهم نخل فحال ينتابه النساء والرجال ويفعلون عنده أقبح الفعال، والمرأة إذا تأخر عنها الزواج ولم ترغب فيها الأزواج تذهب إليه فتضمه بيدها وتدعوه برجاء وابتهال وتقول يا فحل الفحول أريد زوجًا قبل الحول. وشجرة عندهم تسمي الطرفية أغراهم الشيطان بها وأوحي إليهم التعلق عليها وأنها ترجي منها البركة، ويعلقون عليها الخرق لعل الولد يسلم من السوء. وتكلم عن عبادتهم لرجل يدعي الولاية يسمي تاج يتبركون به ويرجون منه العون والإفراج مع أنهم يحكون عنه الحكايات القبيحة الشنيعة التي تدل على انحلاله عن أحكام الملة والشريعة وتكلم عن الطائف والحرمين واليمن وحضرموت والشحر وعدن ونجران وحلب ودمشق وسائر بلاد الشام والموصل وبلاد الأكراد والعراق حتى يقول: ولم يبق مما عليه النصارى سوي دعوي الولد مع أن بعضهم يري الحلول لأشخاص بعض البرية».
وينقل الشيخ عبد اللطيف عن أبي الوفاء بن عقيل وعن الشيخ قاسم في ”شرح درر البحار“ وأبي شامة والطرطوشي وينقل فصلاً طويلاً به تفصيلات كثيرة مفيدة عن واقع منتشر متفشي لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ثم ينقل عن ابن القيم كل هذا في وصف وقائع الواقع الشركي الذي عاينوه ورأوه رأي العين في عصرهم حتى ابن تيمية ليقول عن ذلك ولو نطيل بذكر هذه الأخبار لحررنا منها أسفارًا فلنكف عنان قلم اليراع في هذا الميدان، فالحكم واللهِ لا يخفي على ذي عيان بل أجلي من ضياء الشمس في البيان. إلى أن يقول: وهذا كله وأمثاله وقع ونحن بمصر. وينقل أيضًا لابن القيم فصولاً مما حكي عن هذه الأخبار الشركية من كتب شتي وبيَّن حكم الله فيها، ووجه الشرك والكفر في هذه الممارسات الشركية.
__________
(1) المصدر السابق، ج1، ص 379-383.(4/180)
ويقول الشيخ عبد اللطيف عن مصر في وقت الشيخ ابن عبد الوهاب: وأما بلاد مصر وصعيدها وفيومها وأعمالها فقد جمعت من الأمور الشركية والعبادات الوثنية والدعاوي الفرعونية ما لا يتسع له كتاب ولا يدنو له خطاب ولاسيما عند مشهد أحمد البدوي وأمثاله من المُعتَقَدين المعبودين، فقد جاوزوا بهم ما ادعته الجاهلية لآلهتهم، وجمهورهم يري من تدبير الربوبية والتصريف في الكون بالمشيئة والقدرة العامة ما لم ينقل مثله عن أحد من الفراعنة والنماردة. وبعضهم يقول يتصرف في الكون سبعة وبعضهم يقول أربعة وبعضهم يقول قطب يرجعون إليه، وكثير منهم يري الأمر شورى بين عدد ينتسبون إليه فتعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
وفي موضع آخر من كتاب ”الدرر“ من رسالة الشيخ عبد اللطيف إلى الشيخ محمد بن سليمان آل عبد الكريم البغدادي(1) يقول عن شرك الربوبية في ظاهرة القبوريين: «ثم أكثرهم قد تجاوز القنطرة في بحار الشرك في الربوبية مع ما هو فيه من الشرك في الإلهية فادعي أن للأولياء الصالحين شركة في التدبير والتأثير، وشركة في تدبير ما جاءت به المقادير، وأوحي إليهم إبليس اللعين أن هذا من أحسن الاعتقاد في الصالحين، وأن هذا من كرامة أولياء الله المقربين تعالى الله عمَّا يقول الظالمون وتقدَّس عمَّا افتراه أعداؤه المشركون وسبحان الله ربِّ العرش عمَّا يصفون».أهـ.
وقد أجاب الشيخ عبد اللطيف عن عقائد الشيخ ابن عبد الوهاب في الكتاب من ص 373 حتى آخر صفحة ص 433 كلها في بيان هذه الظاهرة الشركية في العبادة كيف وقعت وما هى أقوال العلماء فيها.
أقول: كل هذا الواقع التاريخي مجرد خطأ؟! لو فكر الجهمي فيما قال لربما أمسك عن ذكر هذه السخافة احترامًا لعقله ولعقولنا والله المستعان.
__________
(1) الدرر السنية، ج1، ص 493.(4/181)
ثانيًا: وجه الشرك في هذه الممارسات ـ غالبًا ـ هو في اتخاذ الوسائط، وليست المسألة مسألة صيغة بل حقيقة ومضمون ومعنى ولب الأفعال ـ كائنة ما كانت الصياغات ـ هى اتخاذ الوسائط والشفعاء عند الله كخواص الملوك، فلو صحح لهم الصيغة متمعلم ما استطاع أن يغير المضمون.
جاء في رسالة الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر الحنبلي ”النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين“ يقول(1): «وأما كلام العلماء فنشير إلى قليل من كثير، ونذكر كلام من حكي الإجماع على ذلك قال في ”الإقناع وشرحه“:«من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم كفر إجماعًا، لأن هذا كفعل عابدي الأصنام قائلين: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( تمهيد ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - { ( - ( - - فهرس - ( { ( - - - - - - - ( - ( - } (2). أهـ.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج5، ص 603.
(2) الزمر، آية: 3.(4/182)
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله وقد سئل عن رجلين تناظرا فقال أحدهما: لابد لنا من واسطة بيننا وبين الله فإنَّا لا نقدر أن نصل إليه إلا بذلك. فأجاب بقوله: إن أراد بذلك أنه لابد من واسطة تبلغنا أمر الله فهذا حق، فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه وما أمر به وما نهى عنه إلا بالرسل الذين أرسلهم إلى عباده، وهذا مما أجمع عليه أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أوامره ونواهيه قال الله تعالى: { ( - - - - ( - - (((- رضي الله عنه - - - (( تم بحمد الله ( { - تمهيد (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - الله - ( - ( - - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } - } - - - - } (1) ومَنْ أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل. وإن أراد بالواسطة أنه لابد من واسطة يتخذه العباد بينهم وبين الله في جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم يسئلونه ذلك ويرجعون إليه فيه فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء يجلبون بهم المنافع ويدفعون بهم المضار. لكن الشفاعة لم يأذن اللهُ له فيها قال تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - (( - { - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - رضي الله عنه - - - - } (2)، وقال - عز وجل -: { ( - ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة (
__________
(1) الحج، آية: 75.
(2) السجدة، آية: 4.(4/183)
- - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( - - - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((- رضي الله عنه -( - - - فهرس - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( فهرس - - عليه السلام - - { { ( - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - (( - { } (1)، وقال - عز وجل -: { ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( مقدمة ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( تمهيد ( - تمهيد { ((- رضي الله عنه - الله أكبر - - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد - رضي الله عنه - تمهيد - - - - { { ( - - - - - - مقدمة - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - (( - { } (2)، وقال - عز وجل -: { ( - ( - } - قرآن كريم ((( - - - - ((( - { - - - - ((( - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( تمهيد ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - - { ( الله ( تم بحمد الله - - { - - - - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ((( - - } - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - مقدمة - - - رضي الله عنهم - - ( - - (( صدق
__________
(1) الأنعام، آية: 51.
(2) الأنعام، آية: 70.(4/184)
الله العظيم ( تم بحمد الله - - ( - (( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - - ( - - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( } ( - - - ((( فهرس - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - (( مقدمة - - } (1)، وقال - عز وجل -: { ( - ( - } - قرآن كريم ((( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - - - ( - - قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - (( - - ( - - - ( - - - ( المحتويات ( - - جل جلاله -- رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( قرآن كريم (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله } إلى قوله: { } تمت ( { - - - - - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - تمت - - - - - جل جلاله - - - صلى الله عليه وسلم -( - (- رضي الله عنه - - - } (2) قال طائفة من السلف كان أقوام من الكفار يدعون عيسى والعُزَير والملائكة والأنبياء فبيَّن اللهُ لهم أن الملائكة والأنبياء لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويله، وأنهم يتقربون إليه ويرجون رحمته ويخافون عذابه وقال تعالى: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى
__________
(1) سبأ، آيتان: 22-23.
(2) الإسراء، آيتان: 56-57.(4/185)
الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - { - - (((( فهرس - { الله أكبر ( الله - - - صدق الله العظيم (( - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ((( - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( { - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - تم بحمد الله } (1) فبيَّن سبحانه وتعالى أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا كفرٌ. فمن جعلَ الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنوب وهداية القلوب وتفريج الكربات وتيسير الفاقات فهو كافرٌ بإجماع المسلمين وقد قال تعالى:? { - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( تم بحمد الله - - ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( - - قرآن كريم ( تم بحمد الله - عليه السلام - - ( - - تم بحمد الله - - صدق الله العظيم (( مقدمة - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( { ( - ( - - - ( - ( قرآن كريم - { ( - - - ( - المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( فهرس ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ون - ( المحتويات فهرس - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -(((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام --
__________
(1) آل عمران، آية: 80.(4/186)
صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - (( - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم (( - ((( - - - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - ( - ( - - ( - - - المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( - - عليه السلام - - ((- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ((((( تم بحمد الله } إلى قوله: { - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - ( - ( - صدق الله العظيم - عز وجل - - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - } (1)، وقال - عز وجل -: { ?? صدق الله العظيم { - - رضي الله عنهم - - ( - - جل جلاله -- رضي الله عنه - - ( - - - ( - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - - - جل جلاله - - ( - - رضي الله عنه -( ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - { - - { ( الله أكبر ( الله - - } (2) الآية، وقال - عز وجل -: { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - فهرس - } تم بحمد الله - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - صدق الله العظيم (( - ((( - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - ( - { - ((( - - { - صدق الله العظيم ( { - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم -(( - - رضي الله
__________
(1) الأنبياء، آيات: 26-29.
(2) النساء، آية: 172.(4/187)
عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1)، وقال - عز وجل -: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - ( - { - - - (( - ((( - - ((( فهرس - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( - صدق الله العظيم ( { (( مقدمة ( الله أكبر ( - ( - ( - } (2)، وقال - عز وجل -: { تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - - - ((( - - - - ( - رضي الله عنهم - - ( { - - - ((( - - - - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - } (3)الآية، وقال - عز وجل -: { - } تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - ( } - } - جل جلاله - - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - { - عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - ( - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - - - ( - - ( - ( - ( تم بحمد الله (( مقدمة - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( فهرس ( - ((- رضي الله عنه - - } (4) فمن أثبت الوسائط بين الله وبين خلقه كالحُجَّاب بين الملك ورعيته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، وأن اللهَ تعالى إنما يهدي عباده ويرزقهم وينصرهم بتوسطهم، بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسألون الخالق، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم والناس يسألونهم أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملك أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب، فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وهؤلاء مشبِّهون شبَّهوا الخالق بالمخلوق وجعلوا لله أندادًا،
__________
(1) النجم، آية: 26.
(2) البقرة، آية: 255.
(3) الأنعام، آية: 17.
(4) فاطر، آية: 2.(4/188)
وفي القرآن من الردِّ على هؤلاء ما لا تتسع له هذه الفتوي. فإنَّ هذا دين المشركين عبَّاد الأوثان كانوا يقولون أنها تماثيل الأنبياء والصالحين وأنها وسائل يتقربون بها إلى الله تعالى وهو من الشرك الذي أنكره الله تعالى على النصارى حيث قال - عز وجل -: { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - } (1)الآية، وقال تعالى: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( (( } - - رضي الله عنه -( - ( - الله أكبر ( - - ( ( - - ( - - - ( - - ( - ( - فهرس - - عليه السلام - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - (( - } - - - - - - - ( { ( تمت - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - } - قرآن كريم ( تمهيد - ( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - ( - - ( - ( - } - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - } (2) أي فليستجيبوا إذا دعوتهم بالأمر والنهي، وليؤمنوا بي أني أجيب دعاءهم لي بالمسألة والتضرع. إلى أن يقول: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لابن عباس: «إذا سألتَ فاسألْ اللهَ وإذا استعنتَ فاستعن بالله» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد الله ورسوله» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تتخذوا قبري عيدًا وصلُّوا عليَّ حيثما كنتم
__________
(1) التوبة، آية: 31.
(2) البقرة، آية: 186.(4/189)
فإنَّ صلاتكم تبلغني» وقال - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذِّر ما صنعوا. قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن خشي أن يتخذ مسجدًا» انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
يقول الشيخ حمد بن ناصر(1) عن شيخ الإسلام ابن تيمية: وقال رحمه الله في موضع آخر: «والله سبحانه لم يجعل أحدًا من الأنبياء والمؤمنين واسطة في شيء من الربوبية والإلهية مثل ما ينفرد به من الخلق والرزق وإجابة الدعاء والنصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات، بل غاية ما يكون العبد سببًا مثل أن يدعو ويشفع واللهُ تعالى يقول: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - ( - { - - - (( - ((( - - ((( فهرس - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( - صدق الله العظيم ( { (( مقدمة ( الله أكبر ( - ( - ( - } (2)، وقال تعالى: { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - فهرس - } تم بحمد الله - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - صدق الله العظيم (( - ((( - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - ( - { - ((( - - { - صدق الله العظيم ( { - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (3)، وقال تعالى: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج5، ص 603-608.
(2) البقرة، آية: 255.
(3) النجم، آية: 26.(4/190)
الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - { - - (((( فهرس - { الله أكبر ( الله - - - صدق الله العظيم (( - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ((( - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( { - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - تم بحمد الله } (1) فبيَّن سبحانه أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا كفر. ولهذا كانوا في الشفاعة على ثلاثة أقسام: فالمشركون أثبتوا الشفاعة التي هى شركٌ كشفاعة المخلوق عند المخلوق، كما يشفع عند الملوك خواصهم لحاجة الملوك إلى ذلك فيسألونهم بغير إذنهم ويجيب الملوك سؤالهم لحاجتهم إليهم. فالذين أثبتوا مثل هذه الشفاعة عند الله مشركون كفَّار لأن اللهَ تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ولا يحتاج إلى أحد من خلقه، بل من رحمته وإحسانه إجابة دعاء الشافعين ولهذا قال - عز وجل -: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - (( - { } (2)، وقال - عز وجل -: { ( الله - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم -( - (( { ( - ( - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم (
__________
(1) آل عمران، آية: 80.
(2) السجدة، آية: 4.(4/191)
الله أكبر - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - ( { ((- رضي الله عنه - - - - ( - ( - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( } ( - - - - - جل جلاله -( - ( - - - } (1)، وقال عن صاحب يس: { ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( تمت ( { ( تمت ( - ( - ( - ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - - - ((( - - صدق الله العظيم ( صدق الله العظيم ((( - (( } - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - ( - { - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( { - ( - } (2).
وأما الخوارج والمعتزلة فإنهم أنكروا شفاعة نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكبائر من أمته. وهؤلاء مبتدعة ضلاَّل مخالفون للسنَّة المستفيضة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولإجماع خير القرون.
__________
(1) الزمر، آيتان: 43-44.
(2) يس، آية: 23.(4/192)
القسم الثالث: أهل السنة والجماعة وهم سلف الأمة وأئمتها ومن اتبعهم بإحسان أثبتوا ما أثبته اللهُ في كتابه وسنَّة رسوله ونفوا ما نفاه. فالشفاعة التي أثبتوها هى التي جاءت بها الأحاديث، وأما الشفاعة التي نفاها القرآن كما عليه المشركون والنصارى ومن ضاهاهم من هذه الأمة فينفيها أهل العلم والإيمان مثل أنهم يطلبون من الأنبياء والصالحين الغائبين والميتين قضاء حوائجهم، ويقولون أنهم إذا أرادوا ذلك قضوها ويقولون أنهم عند اللهِ كخواص الملوك عند الملوك يشفعون بغير إذن الملوك ولهم على الملوك إدلال يقضون به حوائجهم فيجعلونهم لله بمنزلة شركاء الملك واللهُ تعالى قد نزَّهَ نفسه عن ذلك». أهـ.
ثالثًا: معنى الإله أو الآلهة التي تتخذ من دون الله في القرآن الكريم هو بمعنى الواسطة أو الذي يشفع على الله إدلالاً على الله لما له عنده من مكانة، وهو معنى صاحب السر في استعمالات مشركي هذه الأمة والدليل الحاسم على ذلك هو قول صاحب يس: { ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( تمت ( { ( تمت ( - ( - ( - ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - - - ((( - - صدق الله العظيم ( صدق الله العظيم ((( - (( } - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - ( - { - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( { - ( - } (1) فلم يذكر لهذه الآلهة التي تتخذ استقلالاً بالتأثير أو مشاركة فيه إنما هى شفاعة لا ترد إلى الله، هذا ما أبي أن يفعله مع المشركين.
__________
(1) يس، آية: 23.(4/193)
والدليل الثاني: قول أصحاب موسى له: { - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - - { - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - رضي الله عنهم - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( } (1) وقول من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له: «اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذات أنواط» شيئًا يتخذ للتبرك، فيقصد لذلك لتقضي به الحاجات وتفرج به الكربات من الله تعالى.
والثالث: وهذا هو معنى قول أصحاب السامريّ عن عجلهم: { - - - - (- رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( تمهيد ( - ( - - ( { ( مقدمة ( - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( تم بحمد الله } (2) أي واسطتكم إلى الله وواسطة موسى إلى الله عزَّ وجلّ لأنه مزج الذهب بقبضة تراب من أثر الرسول وهو جبريل - عليه السلام - تبركًا، فاتخذوا العجل للتبرك لتقضي به من الله حاجاتهم وتفرج به من الله كرباتهم، فكان هذا الفعل هو معنى العبادة ومعنى الإلهية أو الألوهية.
__________
(1) الأعراف، آية: 138.
(2) طه، آية: 88.(4/194)
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذلك(1): «فلمّا جرى في هذه الأمة ما أخبر به نبيُّها - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: «لتتبعنَّ سنن مَنْ كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه» وكان من قبلهم كما ذكر اللهُ عنهم: { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - } (2) وصار ناس من الضالين يدعون أناسًا من الصالحين في الشدة والرخاء مثل عبد القادر الجيلاني وأحمد البدوي وعديّ بن مسافر وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح، صاح عليهم أهل العلم من جميع الطوائف أعني على الداعي وأما الصالحون الذين يكرهون ذلك فحاشاهم. وبيَّن أهل العلم أن هذا هو الشرك الأكبر.
__________
(1) الدرر السنية، ج1، ص 66.
(2) التوبة، آية: 31.(4/195)
إلى أن يقول: واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأنهم يدعون الملائكة والأولياء والصالحين ويريدون شفاعتهم والتقرب إليهم، وإلا فهم مقرون بأن الأمر لله. فهم لا يدعونها إلا في الرخاء فإذا جاءت الشدائد أخلصوا لله قال الله تعالى: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - ( - - - - (( ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - } - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - - صدق الله العظيم ( { ( فهرس - { - ( { - ( - - - - ( ( - ( - - ( - صدق الله العظيم - عز وجل - - فهرس - ( { ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - (((( - - ((- صلى الله عليه وسلم - - } (1) الآية. واعلم أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده.
__________
(1) الإسراء، آية: 67.(4/196)
إلى أن يقول: فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى: { ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - - عليه السلام - - ( - (( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمهيد ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم -(( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - } - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - - ( ( - - - ( - ( { - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - } (1)، وقوله تعالى: { - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - ((( - - } - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - (( تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - -
__________
(1) يونس، آية: 31.(4/197)
- - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - - ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - { - ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - - - - - - - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - (((- رضي الله عنهم -(( - - - - - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( { ( - - - - ( - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( فهرس ( - - عليه السلام - - ( - ( المحتويات قرآن كريم ( - فهرس - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - { - ( - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (( - - - - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - } (1) وغير ذلك من الآيات الدالات على تحقق أنهم يقولون بهذا كله، وأنه لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة.
__________
(1) المؤمنون، آيات: 84-89.(4/198)
إلى أن يقول: وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم ليكون الدينُ كله لله والذبح كله لله والنذر كله لله والاستغاثة كلها لله وجميع أنواع العبادة كلها لله، وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله تعالى بهم هو الذي أحلَّ دماءهم وأموالهم. عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبي عن الإقرار به المشركون وهذا التوحيد هو معنى قولك لا إله إلا الله، فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكًا أو نبيًا أو وليًا أو شجرة أو قبرًا أو جنيٍّا، لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يقرون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك، وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد فأتاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهى لا إله إلا الله، والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها، والكفَّار الجهال يعلمون أن مراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة هو إفراد الله بالتعلق ـ والكفر بما يعبد من دونه والبراءة منه ـ فإنه لما قال لهم، قولوا لا إله إلا الله قالوا: { - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - { - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - جل جلاله - - ( - - ( { - ( - ( فهرس } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } تمت ( { - - - (- رضي الله عنهم - - ((((- رضي الله عنهم -( - - ( - - - رضي الله عنهم - - (( } (1)، فإذا عرفت أن جهَّال الكفار يعرفون ذلك فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهَّال الكفَّار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعاني، والحاذق منهم يظنّ أن معناها لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت ولا يدبِّر الأمرَ إلا الله. فلا خير في رجل
__________
(1) ص، آية: 5.(4/199)
جهَّال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله». أهـ.
ويقول في موضع آخر: «القاعدة الثانية وهى أنهم يدعون الصالحين مثل الملائكة وعيسي وعزير وغيرهم وكل من ينتسب إلى شيء من هؤلاء سمَّاه إلهًا ولا يعني بذلك أنه يخلق أو يرزق، بل يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ويقولون: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( تمهيد ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - { ( - ( - - فهرس - ( { ( - - - - - - - ( - ( - } (1) والإله في لغتهم هو الذي يسمَّي في لغتنا: فيه السر، والذي يسمونه الفقراء شيخهم يعنون به أن يُدعي وينفع ويضر وإلا فهم مقرون لله بالتفرد بالخلق والرزق وليس ذلك معنى الإله، بل الإله المقصود المدعو المرجو لكن المشركون في زماننا أضلُّ من الكفَّار الذين في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجهين: أحدهما: أن الكفار إنما يدعون الأنبياء والملائكة في الرخاء، وأمَّا في الشدائد فيخلصون لله الدين كما قال تعالى: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - ( - - - - (( ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - } - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - - صدق الله العظيم ( { ( فهرس - { - ( { } (2) الآية. والثاني: أن مشركي زماننا يدعون أُناسًا لا يوازنون عيسى والملائكة».
__________
(1) الزمر، آية: 3.
(2) الإسراء، آية: 67.(4/200)
رابعًا: في الرد تفصيلاً عما تثيره الجهمية المعاصرة من شبهات تحت شعار التوفيق كما قال الله - عز وجل - عن المنافقين: { ( تمت ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( { - - جل جلاله - - ( - - ( مقدمة ( { - ( { - ((( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - }
(أ) بخصوص تقييد الشرك في النسك باعتقاد التأثير.
يقول في ذلك الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ(1):«وقد بعث اللهُ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وكانت العرب في وقته وزمن مبعثه معترفين لله بتوحيد الربوبية والأفعال، وكانوا على بقية من دين إبراهيم الخليل - عليه السلام - قال تعالى: { ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - - عليه السلام - - ( - (( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمهيد ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم -(( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - } -
__________
(1) الدرر السنية، ج1، ص 456.(4/201)
- - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - - ( ( - - - ( - ( { - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - } (1)، وقال تعالى: { - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - ((( - - } - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - (( تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - } إلى قوله: { - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - } (2) والآيات في المعنى كثيرة ولكنهم أشركوا في توحيد العبادة والإلهية فاتخذوا الشفعاء والوسائط من الملائكة والصالحين وغيرهم وجعلوهم أندادًا لله ربِّ العالمين فيما يستحقه عليهم من العبادات والإرادات كالحب والتعظيم والإنابة والخشية وغير ذلك من أنواع العبادات والطاعات لأجل جاههم عند الله والتماس شفاعتهم لا اعتقاد التدبير والتأثير كما ظنه بعض الجاهلين قال تعالى: { ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعائنا عند الله } (3)، وقال - عز وجل -: { ( الله - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم -( - (( { ( - ( - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - صدق الله
__________
(1) يونس، آية: 31.
(2) المؤمنون، آيات: 84-89.
(3) يونس، آية: 18.(4/202)
العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - ( { ((- رضي الله عنه - - } (1)، وقال تعالى: { - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - (( تم بحمد الله ((( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( تمهيد ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - { ( - ( - - فهرس - ( { ( - - - - - - - ( - ( - } (2) الآية. فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا، وكفَّر أهله وجهَّلهم وسفَّه أحلامهم ودعاهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وبيَّن أن مدلولها الالتزام بعبادة الله وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دون الله. وهذا هو أصل الدين وقاعدته. إلى أن يقول: وقد بلغ الشيطان مراده من أكثر الخلق وصدق عليهم إبليسُ ظنَّهُ فاتبعه الأكثرون، وتركوا ما جاءت به الرسل من دين الله الذي ارتضاه لنفسه، وتلطف الشيطان في التحيل والمكر والمكيدة حتى أدخل الشرك وعبادة الصالحين وغيرهم على كثير ممن ينتسب إلى دين الإسلام في قالب محبة الصالحين والأنبياء والتشفع بهم وأن لهم جاهًا ومنزلة ينتفع بها من دعاهم ولاذ بحماهم. وأن مَنْ أقرَّ لله وحده بالتدبير واعتقد له بالتأثير والخلق والرزق فهو المسلم ولو دعا غير الله واستعاذ بغيره ولاذ بحماه، وأن مجرد شهادة لا إله إلا الله تكفي مثل هذا وإن لم يقارنها علم ولا عمل ينتفع به، وأن الدعاء والاستعانة والاستغاثة والحب والتعظيم ونحو ذلك ليس بعبادة، وإنما
__________
(1) الزمر، آية: 43.
(2) الزمر، آية: 3.(4/203)
العبادة السجود والركوع ونحو هذه الزخرف والمكيدة. وهذا بعينه هو الذي تقدمت حكايته عن جاهلية العرب». أهـ.
وقد ذكر الشيخ عبد اللطيف مثل هذا في الرد على الصحَّاف(1) وهذا كثير للشيخ ابن عبد الوهاب في الأربع قواعد وغيرها.
(ب) موضوع الذبح:
جاء في ”الدرر السنية“ (2) نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقال رحمه الله تعالى في الكلام على قوله تعالى: { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - - (( مقدمة ( - } (3) ظاهره أنَّ ما ذبح لغير الله سواء لفظ به أو لم يلفظ به، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للَّحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه، وكما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله تعالى كان أزكي مما ذبحناه للَّحم وقلنا عليه بسم الله، فإن عبادة الله بالصلاة والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، والعبادة لغير الله أعظم كفرًا من الاستغاثة بغير الله، فلو ذبح لغير الله متقربًا إليه لحرم وإن قال فيه بسم الله كما يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، وإن كان هؤلاء لا تباح ذبائحهم بحال لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ومن هذا ما يفعل بمكة وغيرها من الذبح للجنِّ» انتهى كلام الشيخ.
فتأمل رحمك الله هذا الكلام وتصريحه فيه بأن من ذبح لغير الله من هذه الأمة فهو كافر مرتد لا تباح ذبيحته لأنه يجتمع فيه مانعان: الأول: أنها ذبيحة مرتد وذبيحة المرتد لا تباح بالإجماع. الثاني: أنها لما أهل به لغير الله».
(ج) أما عن النذر:
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية في الرسالة 73، ج3، ص 430.
(2) المصدر السابق، ج1، ص 428
(3) المائدة، آية: 3.(4/204)
فيقول عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ في ”شرح تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داؤد ابن جرجيس“:«وفي قوله تعالى: { - - ( { - ((( - { - - - - - قرآن كريم ((( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - صدق الله العظيم - - } - قرآن كريم ( { ( - ( - - - - - - - - رضي الله عنه - - ( - } (1) الآية. إشارة إلى ذمِّ الغالين في أولياء الله تعالى حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله تعالى وينذرون لهم النذور، والعقلاء منهم يقولون أنهم وسائلنا إلى الله تعالى وإنما ننذر لله عزَّ وجلّ ونجعل ثوابه للوليّ، ولا يخفي أنهم في دعواهم الأولي: أشبه الناس بعبدة الأصنام القائلين إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفي، ودعواهم الثانية: لا بأس بها لو لم يطلبوا منهم بذلك شفاء مريضهم ورد غائبهم أو نحو ذلك. والظاهر من حالهم الطلب ويرشدنا إلى ذلك أنه لو قيل أنذروا لله تعالى واجعلوا ثوابه لوالديكم فإنهم أحوج من أولئك الأولياء لم يفعلوا». أهـ.
أقول: والحقيقة أن ما يجعلونه لله يصل إلى شركائهم كما قال - عز وجل -: { - - رضي الله عنهم - - - ( - - - - - ( المحتويات ( - (( - - - - - عليه السلام - - ((( - - - - ( ( - ((- رضي الله عنه - - - فهرس - ( { ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - ( ( - ((- رضي الله عنه - - - - فهرس - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - - - - - عليه السلام - - (( } (2).
(د) التقييد بالاعتقاد مطلقًا:
__________
(1) الحج، آية: 73.
(2) الأنعام، آية: 136.(4/205)
يقول الشيخ أبو بطين في ”الانتصار لحزب الله الموحدين“:«لما سمع عديُّ بن حاتم ـ وهو يقرأ - صلى الله عليه وسلم - ـ قول الله تعالى: { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - } (1) قال للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّا لسنا نعبدهم!! قال - صلى الله عليه وسلم -: «أليس يحرمون ما أحلَّ اللهُ فتحرمونه ويحلون ما حرَّم اللهُ فتحلونه» قال: قلت بلي. قال: «فذلك عبادتهم». فعديُّ بن حاتم - رضي الله عنه - ما كان يحسب أن موافقتهم فيما ذكر عبادة منهم لهم، وأخبره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك عبادة منهم لهم مع أنهم لا يعتقدونه عبادة. وكذلك ما يفعله عبَّاد القبور من دعاء أصحابها وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والتقرب إليهم بالذبائح والنذور عبادة منهم للمقبورين وإن كانوا لا يسمونه ولا يعتقدونه عبادة». أهـ.
أقول قد مرَّ إبطال التقييد بالاعتقاد في شرك العبادة والنواقض المكفرة له من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ”الصارم“ و”الإيمان“ وكلام ابن الوزير في إيثار الحق على الخلق وغير ذلك، وكذلك إبطال التقييد بقصد الكفر أو شرح الصدر به.
(هـ) حكم الدار:
مرَّ ما فصَّلناه أن وجود ظواهر الشرك في النسك في دار الإسلام لا يغير حكمها إلى دار كفر أو حرب من كلام أبي بطين، وأن غلبة ذلك على الدار وإطباقه عليها يغير حكمها ويجعلها دار كفر وحربٌ من كلام ابن عتيق. وفي كلتا الحالتين: لا تكفير بالعموم ونفي ذلك نفيًا باتًا قاطعًا.
__________
(1) التوبة، آية: 31.(4/206)
خامسًا : الخطأ من أجل الإشراب:
من المنقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية(1): «ومازال المشركون يسفهون الأنبياء ويصفونهم بالجنون والضلال والسفاهة كما قال قومُ نوحٍ لنوحٍ وعادٌ لهودٍ عليهما السلام: { } - ( قرآن كريم ( - - - - - - عليه السلام - - - - ( { ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ((- عليه السلام - - ( - { - - - (( فهرس - رضي الله عنهم - - ( مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - - - ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - الله أكبر (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( } (2) فأعظم ما سفَّهُوه لأجله وأنكروه هو: التوحيد، وهكذا تجد من فيه شبه من هؤلاء من بعض الوجوه إذا رأي من يدعو إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، وأن لا يعبد الإنسان إلا الله ولا يتوكل إلا عليه استهزأ بذلك لما عنده من الشرك. وكثيرٌ من هؤلاء يخربون المساجد ويعمرون المشاهد، فتجد المسجد الذي يبني للصلوات الخمس معطلاً مخربًا ليس له كسوة إلا من الناس، وكأنه خان من الخانات. والمشهد الذي يبني على الميت فعليه الستور وزينة الذهب والفضة والرخام والنذور تغدو إليه وتروح، فهل هذا إلا مِن استخفافهم بالله وآياته ورسوله وتعظيمهم للشرك، فإنهم يعتقدون أن دعاءهم للميت الذي بني له المشهد والاستغاثة به أنفع لهم من دعاء اللهِ والاستغاثة به في البيت الذي بني لله عزَّ وجلّ، ففضلوا البيت الذي بني لدعاء المخلوق على البيت الذي بني لدعاء الخالق، وإذا كان لهذا وقف ولهذا وقف كان وقف الشرك أعظم عندهم مضاهاة لمشركي العرب الذين ذكر الله حالهم في قوله - عز وجل -: { } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(-
__________
(1) الدرر السنية، ج1، ص 409.
(2) الأعراف، آية: 70(4/207)
رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - - (( تم بحمد الله ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله - - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر } (1) كانوا يجعلون له زرعًا وماشية ولآلهتهم زرعًا وماشية، فإذا أصيب نصيب آلهتهم أخذوا من نصيب الله فوضعوه فيه، وقالوا الله غنيٌ وآلهتنا فقيرة، فيفضلون ما يجعل لغير الله على ما يجعل لله، وهكذا حال أهل الوقوف والنذور التي تبذل عندهم للمشاهد أعظم مما يبذل عندهم للمساجد ولعمَّار المساجد والجهاد في سبيل الله.
__________
(1) الأنعام، آية: 136.(4/208)
وهؤلاء إذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه بكي عنده وخضع ويدعو ويتضرع ويحصل له من الرقة والتواضع والعبودية وحضور القلب ما لا يحصل له مثله في الصلوات الخمس والجمعة وقيام الليل وقراءة القرآن. إلى أن يقول: ومثل هذا أنه إذا سمع أحدهم الأبيات يحصل له من الخضوع والخشوع والبكاء ما لا يحصل له مثله عند سماع آيات الله. إلى أن يقول: إذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية وألسنة لاغية وإذا سمعوا الأبيات حضرت قلوبهم وسكتت ألسنتهم وسكنت حركاتهم حتى لا يشرب العطشان منهم ماء. إلى أن يقول: فهؤلاء وأشباههم يرجحون هذه الأدعية الشركية على أدعية المخلصين لله. إلى أن يقول: ومن هؤلاء من إذا نزل به شدة لا يدعو إلا شيخه ولا يذكر إلا اسمه قد لهج به كما يلهج الصبيُّ بذكر أمه، فيتعسر أحدهم فيقول يا فلان وقد قال الله للموحدين: { - - - ( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - ( - - ( المحتويات ( تمهيد - - ( - ( - - جل جلاله - } تم بحمد الله } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - ( { - - - ( - ( - ( - ( - ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - - { - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - ( - } (1) ومن هؤلاء مَنْ يحلف بالله ويكذب، ويحلف بشيخه وإمامه فيصدق، فيكون شيخه عنده أعظم في صدره من الله... إلخ».
ويقول في موضع آخر(2): «وهؤلاء الغلاة المشركون إذا حصل لأحدهم مطلبه ولو من كافر لم يقبل على الرسول بل يطلب حاجته من حيث أنها تقضي، فتارة يذهب إلى من يظنه قبر رجل صالح ويكون فيه قبر كافر أو منافق، وتارة يعلم أنه كافر أو منافق فيذهب إليه كما يذهب قومٌ إلى الكنيسة أو إلى مواضع يقال أنها تقبل النذور، فهذا يقع فيه عامتهم وأما الأول فيقع فيه خاصتهم». أهـ.
__________
(1) البقرة، آية: 200.
(2) الدرر السنية، ج1، ص 403.(4/209)
وفي ”الدرر السنية“ للشيخ محمد بن عبد الوهاب(1): «وأنت يا مَنْ مَنَّ اللهُ عليه بالإسلام وعرف أن ما من إله إلا الله لا تظن أنك إذا قلت: هذا هو الحق وأنا تاركٌ ما سواه لكن لا أتعرض للمشركين ولا أقول فيهم شيئًا. لا تظن أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام، بل لابد من بغضهم وبغض من يحبهم ومسبتهم ومعاداتهم كما قال أبوك إبراهيم والذين معه: { - ( الله أكبر ( { } - (- رضي الله عنه - } - عليه السلام -(- عليه السلام - - ( - ( المحتويات ( - - ( تم بحمد الله - - - ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - ( - - ( - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(( - - - (( - - - (((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - - (( - - مقدمة } - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ((( فهرس - رضي الله عنهم - - ( مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (2) ولو يقول رجلٌ: أنا أتبع النبيّ وهو على الحق لكن لا أتعرض للات والعزي ولا أتعرض لأبي جهل وأمثاله ما عليّ منهم. لم يصح إسلامه. وأما مجادلة بعض المشركين بأن هؤلاء الطواغيت ما أمروا الناس بهذا ولا رضوا به. هذا لا يقوله إلا مشرك مكابر، فإن هؤلا ما أكلوا أموال
__________
(1) المصدر السابق، ج2، ص 109.
(2) الممتحنة، آية: 4.(4/210)
الناس بالباطل ولا ترأسوا عليهم ولا قرَّبوا من قربوا إلا بهذا. وإذا رأوا رجلاً صالحًا استحقروه وإذا رأوا مشركًا كافرًا تابعًا للشيطان قرَّبوه وأحبوه وزوجوه بناتهم وعدُّوا ذلك شرفًا. وهذا القائل يعلم أن قوله ذلك كذب، فإنه لو يحضر عندهم ويسمع بعض المشركين يقول جاءتني شدة فنخيت الشيخ أو السيد فنذرت له فخلصني، لم يجسر أن يقول هذا القائل لا يضر ولا ينفع إلا الله، بل لو قال هذا وأشاعه في الناس لأبغضه الطواغيت بل لو قدروا على قتله لقتلوه. وبالجملة لا يقول هذا إلا مشرك مكابر وإلا فدعواهم هذه وتخويفهم الناس وذكرهم السوالف الكفرية التي بآبائهم شيء مشهور لا ينكره من عرف حالهم كما قال تعالى: { - صدق الله العظيم - ( - ( - ( - { - - فهرس - - رضي الله عنه -( المحتويات ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - ((( - ( - - - ( - } (1).
__________
(1) التوبة، آية: 17.(4/211)
ونقلاً عن ابن القيم(1) في ”الدرر السنية“ وكذلك في ”النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين“ يقول ابن القيم نقلاً عن ”الدرر“: «وأما الشرك فهو نوعان أكبر وأصغر، فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة وهو أن يتخذ من دون الله ندًا يحبه كما يحب الله، بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله ويغضبون لها ولا يغضبون إذا انتقص أحدٌ ربَّ العالمين، وقد شاهدنا هذا نحن وغيرنا منهم جهرة، وتري أحدهم قد اتخذ ذكر إلهه ومعبوده من دون الله على لسانه إن قام وإن قعد وإن عثر وإن مرض وإن استوحش وهو لا يذكر إلا ذلك ويزعم أنه باب حاجته إلى الله وشفيعه عنده وهكذا كان عبَّاد الأصنام سواء. وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم وتوارثه المشركون بحسب آلهتهم، فأولئك كانت آلهتهم من الحجر وغيرهم اتخذها من البشر. إلى أن يقول: وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه وأبطله وأخبر أن الشفاعة كلها لله قال تعالى: { ( - ( - } - قرآن كريم ((( - - - - ((( - { - - - - ((( - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( تمهيد ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - - { ( الله ( تم بحمد الله - - { - - - - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ((( - - } - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - مقدمة - - - رضي الله عنهم - - ( - - (( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - ( - (( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله صدق الله العظيم ( } تم
__________
(1) الدرر السنية،ج2، ص 429 ، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج5، ص 608.(4/212)
بحمد الله - - - ( - - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( } ( - - - ((( فهرس - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - (( مقدمة - - } (1) الآية.
والقرآن مملوء من أمثال هذه الآية لكن أكثر الناس لا يشعر بدخول الواقع تحته ويظنه في قوم قد خلوا ولم يعقبوا وارثا، وهذا الذي يحول بين المرء وبين فهم القرآن كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «إنما تنقض عري الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية» وهذا لأن من لم يعرف الشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره وهو لا يعرف أنه الذي عليه أهل الجاهلية فتنقض بذلك عري الإسلام ويعود المعروف منكرًا والمنكر معروفًا والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريده التوحيد ويبدع بتجريد متابعة الرسول ومفارقة الأهواء والبدع ومن له بصيرة وقلب حي يري ذلك عيانًا واللهُ المستعان». أهـ.
__________
(1) سبأ، آيات: 22-23.(4/213)
ومن أصدق قولاً من الله؟! لا أحد. يقول الله - عز وجل -: { ( الله - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم -( - (( { ( - ( - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - ( { ((- رضي الله عنه - - - - ( - ( - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( } ( - - - - - جل جلاله -( - ( - - - (( - { - ( - ( - ( تم بحمد الله ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم ( مقدمة ( - - - ( { - - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - ( - ( - ( - - - ( فهرس - رضي الله عنهم - - ( فهرس - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات } - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( { - - ( - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه -((( - { - - - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - ( - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - ( - ( - - صدق الله العظيم - ( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - - - ( { ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - رضي الله عنه - - ( - - - }(4/214)
(1) ويقول - عز وجل -: { المحتويات ( - ( - } - - ((( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - ( { - (((( - ( - - - (( فهرس - رضي الله عنهم - - ( فهرس - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - ( - - تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - } - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه -( - - - - ( ( - ( - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - - ( تمهيد - - ( - - - } (2) الآية.
ومن الناس من يريد بالعلم الدنيا فيخطئها إلى الله عزَّ وجلّ، ومن الناس من يريد بالدعاء الله فيخطئه إلى الأنداد أو بحسب ما أُشرِب كلُّ في قلبه، كمن أشرب قلبه حب أحد أبنائه دون بقيتهم فإذا أراد ذكر واحد منهم ذكره هو وإن لم يكن يقصده واللهُ المستعان.
سادسًا: تغيير الأسماء لا يغير حقائق الأشياء، والمشرك مشرك شاء أم أبي. جاء من كلام شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله(3) نقله عنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: «ومن أصغي إلى كلامه(4) وتفهمه أغناه عن البدع والآراء، ومن بعد عنه فلابد أن يتعوض بما لا ينفعه، كما أن من عمر قلبه بمحبة الله وخشيته والتوكل عليه أغناه عن محبة غيره وخشيته والتوكل عليه، فالمعرض عن التوحيد مشرك شاء أم أبى، والمعرض عن السنة مبتدع شاء أم أبي، والمعرض عن محبة الله عابد الصور شاء أم أبي» انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
__________
(1) الزمر، آيات: 43-45.
(2) غافر، آية: 12.
(3) الدرر السنية، ج1، ص 423.
(4) يقصد الشارع.(4/215)
ومن كلام أبي بطين رحمه الله(1): «ومن قال لا إله إلا الله ومع ذلك يفعل الشرك الأكبر كدعاء الموتي والغائبين وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والتقرب إليهم بالنذور والذبائح فهذا مشرك شاء أم أبي { } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ((((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - } (2) ويقول تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ((( - ( - - - ( - ( - - { - ( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - ( - - - ( مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - } - جل جلاله - - - - } (3) ومع هذا فهو شرك ومن فعله فهو كافر». أهـ.
__________
(1) المصدر السابق، ج2، ص 313.
(2) النساء، آية: 48.
(3) المائدة، آية: 72.(4/216)
ومن كلام أبي بطين رحمه الله (1): «فتبيَّن أن موالاة الله بعبادته والبراءة من كل معبود سواه هو معنى لا إله إلا الله، إذا تبيَّن ذلك فمن صرف لغير الله شيئًا من أنواع العبادة المتقدم تعريفها كالحب والتعظيم والخوف والرجاء والدعاء والتوكل والذبح والنذر وغير ذلك فقد عبد ذلك الغير واتخذه إلهًا وأشركه مع الله في خالص حقه، وإن فرَّ من تسمية فعله ذلك تألهًا وعبادة وشركًا. ومعلوم عند كل عاقل أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغير أسمائها، فلو سمي الزنا والربا والخمر بغير أسمائها لم يخرجها تغيير الاسم عن كونها زنا وربا وخمر ونحو ذلك، ومن المعلوم أن الشرك إنما حرم لقبحه في نفسه وكونه متضمنًا مسبَّة الربّ وتنقيصه وتشبيهه بالمخلوقين، فلا تزول هذه المفاسد بتغيير اسمه كتسميته توسلاً وتشفعًا وتعظيمًا للصالحين وتوقيرًا لهم ونحو ذلك. فالمشرك مشرك شاء أم أبي كما أن الزاني زان شاء أم أبي والمرابي مراب شاء أم أبي. وقد أخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن طائفة من أمته يستحلون الربا باسم البيع ويستحلون الخمر باسم آخر غير اسمها وذمَّهم على ذلك، فلو كان الحكم دائرًا مع الاسم لا مع الحقيقة لم يستحقوا الذَّم. وهذه من أعظم مكائد الشيطان لبني آدم قديمًا وحديثًا أخرج لهم الشرك في قالب تعظيم الصالحين وتوقيرهم وغير اسمه بتسميته إياه توسلاً وتشفعًا ونحو ذلك واللهُ الهادي إلى سواء السبيل». أهـ.
__________
(1) الدرر السنية، ج2، ص 299.(4/217)
وجاء في ”تبرئة الشيخين“ لابن سحمان في هذا المعنى ملخصًا(1): فإذا تأملت كلام شيخ الإسلام وجدته مناقضًا لما قاله هذا المعترض خصوصًا قوله رحمه الله وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة بل هم خارجون عن الإسلام بمنزلة مانعي الزكاة، ومثل هذا كثير في كلام العلماء والمقصود التنبيه على ذلك، ويكفي العاقل المنصف ما ذكره العلماء من كل مذهب في باب حكم المرتد، فإنهم ذكروا فيه أشياء كثيرة يكفر بها الإنسان ولو أتي بجميع الدين، وهو صريح في كفر عبَّاد القبور ووجوب قتالهم حتى يكون الدين كله لله، فإذا كان من التزم شرائع الدين كلها إلا تحريم الميسر والربا والزنا يكون كافرًا يجب قتاله فكيف بمن أشرك بالله ودُعى إلى إخلاص الدين لله فأبي عن ذلك واستكبر وكان من الكافرين؟ وهل في بني آدم أجهل من رجلٍ يقول أن من الكفر العملي الذي لا يخرج عن الملة كفر من يدعوا الأولياء ويهتف بهم عند الشدائد ويطوف بقبورهم ويقبل جدرانها وينذر لها بشيء من ماله، وأعجب من هذا الجهل دعواه أن المشركين عبَّاد الأوثان يثبتون التوحيد لله، وهم لم يوحدوا الله بالدعاء بل يهتفون بمعبوداتهم عند الشدائد ـ وقد زعم أن كفرهم هذا كفر عمل لا كفر اعتقاد ـ فليت شعري هل يقول هذا من يعقل ما يقول، وهل فوق هذا الجهل جهل ينتهي إليه، أما علم هذا المتمعلم الجاهل أن اليهود يقولون لا إله إلا الله، وأن بني حنيفة يقولون لا إله إلا الله، وأن المنافقين الذين في الدرك الأسفل من النار يقولون لا إله إلا الله، وكذلك بنو عبيد القداح ملوك مصر يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويصلون الجمعة والجماعة وينصبون القضاة ومع هذا كله لما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم، وأن بلادهم بلاد حرب.
__________
(1) تبرئة الشيخين، ص 303.(4/218)
إلى أن يقول: فإن الإله هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً. فمن أشرك مع الله أحدًا من خلقه بنوع من أنواع العبادة فهو مشرك، وإن تلفظ بالشهادتين وصلَّي وزكي وصام وحج ولو لم يسم من يقصده بهذا رَبًّا وإلهًا. فإن الحقائق لا تتغير بتغير الأسماء كما يقول عبَّاد القبور في هذه الأزمان إنَّا لسنا نعبدهم بهذه الأفعال، بل نعتقد أن الله هو النافع الضار وأنه المحيي المميت المدبر لجميع الأمور، وأن الإعدام والإيجاد بيده وأن التأثير لله وحده، وإنما هو توسل وتشفع وتعظيم للأولياء والصالحين، فنطلب من الله بجاههم وشفاعتهم لأنهم أحباب الله المقربون وهذا هو شرك الجاهلية الأول من عباد الملائكة والأنبياء والصالحين، كما ذكر ذلك العلماء في مصنفاتهم وما ردوا به على هؤلاء الملاحدة الذين شرعوا لهؤلاء الجهلة من الدين ما لم يأذن به الله، وأوهموهم أنهم إذا اعتقدوا أن الله هو الفاعل لهذه الأشياء، وأنهم إذا لم يعتقدوا أن من يدعونه من دون الله ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد والملمات أربابًا وآلهة أن هذا ليس بشرك يخرجهم من الملة تعالى الله عمَّا يقولون علوًا كبيرًا.
إلى أن يقول: فإذا تأله القلب بغير الله فدعاه واستغاث به في كشف كربة أو شدة نزلت به وهتف باسمه في طلبها فقد أشرك ذلك الغير مع الله. ثم يتكلم عن الذبح والنذر وطلب الشفاعة. إلى أن يقول: وكذلك إذا نذر لله ونذر لغيره كان ذلك إشراكًا به، ولا ينفعه مع هذا الشرك اعتقاده أن هذا المدعو في جلب منفعة أو دفع مضرة، وأن هذا الولي إذا ذبح له وتقرب إليه بشيء من ماله إذا لم يسمه إلهًا أن ذلك لا يضره، وأن اعتقاده أن الله هو الإله ينجيه من الشرك فذلك ظنُّ الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النَّار. فإنَّ الحقائق لا تتغير بتغير أسمائها.(4/219)
ثم ينقل عن ”فتح المجيد“ باب ”من تبرك بشخص أو حجر ونحوهما كبقعة أو قبر ونحو ذلك“ ـ أي فهو مشرك ـ يقول تعالى(1): { ( - ((( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - تمهيد (( - - - - - - } - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - الله ( - - } الله - - - - - - عليه السلام - - ( - الله } - - } (2)الآيات.
إلى أن يقول: ثم قال رحمه الله تعالى: «ومطابقة الآيات للترجمة من جهة أن عبَّاد هذه الأوثان إنما كانوا يعتقدون حصول البركة منها بتعظيمها ودعائها والاستعانة بها والاعتماد عليها في حصول ما يرجونه منها ويؤملونه ببركتها وشفاعتها وغير ذلك، فالتبرك بقبور الصالحين كاللات والأشجار والأحجار كالعزي ومناة من ضمن فعل أولئك المشركين مع تلك الأوثان، فمن فعل مثل ذلك واعتقد في قبر أو حجر أو شجر فقد ضاهى عباد هذه الأوثان فيما كانوا يفعلونه معها من هذا الشرك على أن الواقع من هؤلاء المشركين مع معبودهم أعظم مما وقع من أولئك فالله المستعان».
__________
(1) فتح المجيد، ص 144-156.
(2) النجم، آيتان: 19-20.(4/220)
ثم يذكر قصة ذات أنواط. إلى أن يقول رحمه الله: قوله: وللمشركين سدرة يعكفون عندها ـ العكوف هو الإقامة على الشيء في المكان ـ ومنه قول الخليل - عليه السلام -: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم - - ( - - - - ((( - { - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - - مقدمة - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - (- رضي الله عنه -( } (1) وكان عكوف المشركين عند تلك السدرة تبركًا بها وتعظيمًا لها، وفي حديث عمرو كان يناط بها السلاح فسميت ذات أنواط وكانت تعبد من دون الله. قوله: «وينوطون بها أسلحتهم» أي يعلقونها عليها للبركة. فقلت: ففي هذا بيان أن عبادتهم لها بالتعظيم والعكوف والتبرك وبهذه الأمور الثلاثة عبدت الأشجار ونحوها.
إلى أن يقول: قوله: «قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسي: { - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - - { - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - رضي الله عنهم - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( } (2)» فشبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل بجامع أن كُلاً طلب أن يجعل له ما يألهه ويعبده من دون الله، وإن اختلف اللفظان فالمعنى واحد، فتغيير الاسم لا يغير الحقيقة. ففيه الخوف من الشرك وأن الإنسان قد يستحسن شيئًا يظن أنه يقربه إلى الله وهو أبعد ما يبعده عن رحمته ويقربه من سخطه، ولا يعرف هذا على الحقيقة إلا من عرف ما وقع في هذه الأزمان من كثير من العلماء والعبَّاد مع أرباب القبور من الغلو فيها وصرف جلّ العبادة لها ويحسبون أنهم على شيء وهو الذنب الذي لا يغفره الله.
__________
(1) الأنبياء، آية: 52.
(2) الأعراف، آية: 138.(4/221)
وبعد أن ينقل قول أبي شامة في كتاب ”البدع والحوادث“ عن التبرك الشركي بالعيون والشجر والحوائط والحجر، مثل ما في دمشق من عوينة الحمي والعمود المخلق والشجرة الملعونة خارج باب النصر، يقول: وذكر ابن القيم رحمه الله نحو ما ذكره أبو شامة، ثم قال: فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله ولو كانت ما كانت، ويقولون أن هذا الحجر وهذه الشجرة وهذه العين تقبل النذر أي تقبل العبادة من دون الله، فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له. وسيأتي ما يتعلق بهذا الباب عند قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبَد» وفي هذه الجملة من الفوائد أن ما يفعله من يعتقد في الأشجار والقبور والأحجار من التبرك بها والعكوف عندها والذبح لها هو الشرك ولا يغتر بالعوام والطغام.
ثم يواصل نقله عن ”فتح المجيد“. إلى أن يقول: وفيها أمر قصة ذات أنواط ـ أن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء ـ ولهذا جعل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - طُلبتَهم كطلبة بني إسرائيل ولم يلتفت إلى كونهم سمُّوها ذات أنواط. فالمشرك مشرك وإن سمي شركه ما سماه، كمن يسمي دعاء الأموات والذبح والنذر لهم ونحو ذلك تعظيمًا ومحبة فإن ذلك هو الشرك وإن سمَّاه ما سمَّاه وقِس على ذلك». أهـ.(4/222)
وبعد أن يذكر خلاصة قول ”فتح المجيد“ وخلاصة قول المعترض على الشيخ محمد بن عبد الوهاب المنسوب إلى الصنعاني زورًا كما يقول. يقول: «فاعتبر هذا المعترض الجاهل الجهل المركب الأسماء دون الحقائق. يتعلق بتسمية أهل الجاهلية من عبَّاد الأصنام والأوثان أصنامهم وأوثانهم آلهةً وأربابًا، ولم يعتبر معاني هذه الأسماء وحقائقها. فإذا تأله العبد غير الله بنوع من هذه الأنواع فدعاه مع الله واستغاث به أو استعان به أو خافه(1) أو رجاه مع الله أو طلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله أو ذبح له أو نذر له أو توكل عليه أو صرف له من هذه العبادة شيئًا فقد عبده من دون الله وتألهه، وإن لم يسمِّ ذلك المعبود إلهًا وربًّا وسواء اعتقد التأثير منه أو لم يعتقد. فإن الحقائق لا تتغير بتغير الأسماء، فالاعتبار بالحقائق والمعاني لا بالأسماء» انتهى ملخصًا.
سابعًا: الفرق بين الشرعي والشركي في التوسل والتبرك.
أولاً: التوسل.
__________
(1) خوف السر الذي لا يكون إلا لله وكذلك الرجاء.(4/223)
1- جاء في ”الدرر السنية“(1): «ولهذا اتفق العلماء كلهم على أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم فقد كفر، لأن هذا كفر عابدي الأصنام. ثم يقول: والشفاعة التي أثبتها اللهُ ورسوله هى الشفاعة الصادرة عمن أذن له لمن وحَّدَه، والشفاعة التي نفاها اللهُ الشركية التي يظنها المشركون فيُعَامَلُون بنقيض قصدهم ويفوز بها الموحدون، فتأمل قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة وقد سأله من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» فجعل أعظم الأسباب التي ينال بها الشفاعة تجريد التوحيد، عكس ما اعتقده المشركون ـ أن الشفاعة تنال باتخاذهم شفعاء وعبادتهم وموالاتهم من دون الله ـ فقلب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - زعمهم الكاذب وأخبر أن سبب الشفاعة تجريد التوحيد، فحينئذ يأذن اللهُ للشافع أن يشفع فيه. ومن جهل المشرك اعتقاده إن اتخذ من دون الله شفيعًا أن يشفع له وينفعه كما يكون عند خواص الملوك والولاة ولم يعلموا أن الله لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ولا يأذن في الشفاعة إلا لمن رضى قوله وعمله كما قال تعالى في الفصل الثاني: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم (( - ((( - - - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - ( - ( - - ( - - - } (2) وبقي فصل ثالث وهو أنه ما يرضى من القول والعمل إلا التوحيد واتباع الرسول وعن هاتين الكلمتين يسأل الأولون والآخرون كما قال أبو العالية:كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون. ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشرك من قلب من وعاها وعقلها فالأول: أنه لا شفاعة إلا بإذنه. والثاني: أنه لا يأذن إلا لمن رضى قوله وعمله. والثالث: أنه لا يرضى من
__________
(1) الشيخ حمد بن ناصر، الدرر السنية، ج1، ص 196.
(2) الأنبياء، آية: 38.(4/224)
القول والعمل إلا توحيده واتباع رسوله.
وقد قطع سبحانه الأسباب التي يتعلق بها المشركون قطعًا يعلم من تأمله وعرفه، أن من اتخذ من دون الله وليًا أو شفيعًا فهو كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا، فقال تعالى: ( ( - ( - } - قرآن كريم ((( - - - - ((( - { - - - - ((( - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - } - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( تمهيد ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - - { ( الله ( تم بحمد الله - - { - - - - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ((( - - } - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - مقدمة - - - رضي الله عنهم - - ( - - (( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - ( - (( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - - ( - - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( } ( - - - ((( فهرس - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - (( مقدمة - - ((1).
__________
(1) سبأ، آيتان: 22-23.(4/225)
فالمشرك إنَّما يتخذ معبوده لما يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا لمن فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريد عابده منه، فإن لم يكن مالكًا كان شريكًا للمالك، فإن لم يكن شريكًا كان معينًا وظهيرًا، فإن لم يكن معينًا ولا ظهيرًا كان شفيعًا عنده. فنفي سبحانه وتعالي المراتب الأربع نفيًا مرتبًا منتقلاً من الأعلي إلى ما دونه، فنفي الملك والشرك والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك وهى الشفاعة بإذنه، فكفي بهذه الآية برهانًا ونورًا وتجريدًا للتوحيد وقطعًا لأصول الشرك ومواده لمن عقلها.
والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها ولكن أكثر الناس لا يشعر بدخول الواقع تحته ويظنه في قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثًا وهذا هو الذي يحول بين القلب وفهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك.
ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إنما تنقض عري الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية والشرك، وما عابه القرآن وذمّه ووقع فيه وأقره ودعا إليه وصوَّبه وحسَّنه وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية أو نظيره أو شر منه أو دونه فتنتقض بذلك عري الإسلام ويعود المعروف منكرًا والمنكر معروفًا والبدعة سنة والسنة بدعة ويبدع الرجل بتجريد التوحيد ومتابعة الرسول ومفارقة أهل الهوي والبدع». أهـ.(4/226)
2- وجاء(1)« وأما قول القائل: «الثالث أنه قد ورد في حديث الضرير قوله يا محمد» وفي الجامع الكبير وعزاه للطبراني فيمن انفلتت عليه دابته قال: «يا عباد الله أحبسوا فهذا دعاء ونداء لغير الله» يقول: بل من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن دعاء الميت والغائب لم يأمر اللهُ به ولا رسوله ولا فعله أحدٌ من الصحابة ولا التابعين ولا فعله أحدٌ من أئمة المسلمين ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ـ بعد موته ـ ولا قال أحدٌ أن الصحابة استغاثوا بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد موته. ولو كان هذا جائزًا أو مشروعًا لفعلوه ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، وقد كان عندهم من قبور أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمصار عدد كثير وهم متوافرون فما منهم من استغاث عند قبر صحابي ولا دعاه ولا استغاث ولا استنصر به، ومعلوم أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله بل على نقل ما هو دونه وحينئذ فلا يخلو إما: أن يكون دعاء الموتي والغائبين أو الدعاء عند قبورهم والتوسل بأصحابها أفضل أو لا يكون. فإن كان أفضل فكيف خفي علمًا وعملاً على الصحابة والتابعين وتابعيهم فتكون القرون الثلاثة الفاضلة جاهلة علمًا وعملاً بهذا الفضل العظيم ويظفر به الخلوف علمًا وعملاً. وهذان الحديثان اللذين أوردهما السائل إما: أن يكون الصحابة الذين رووهما وسمعوهما من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جاهلين بمعناهما وعلمه هؤلاء المتأخرون، وإما أن يكون الصحابة علموهما علمًا وزهدوا فيهما عملاً مع حرصهم على الخير وطاعتهم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وكلاهما محال، بل هم أعلم الناس بكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأطوع الناس لأوامره وأحرص الناس على كل خير وهم الذين نقلوا إلينا سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - فهل فهموا من هذه الأحاديث جواز دعاء الموتي والغائبين فضلاً عن
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج5، ص 616 وما بعدها.(4/227)
استحبابه والأمر به؟! والمضُطَّر يتشبث بكل سبب يعلم أن له فيه نفعًا لا سيما الدعاء فلو كان ذلك وسيلة مشروعة وعملاً صالحًا لفعلوه، فهذه سنّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أهل القبور حتى توفاه الله وهذه سنة خلفائه الراشدين وهذه طريق جميع الصحابة والتابعين. هل يمكن أحد أن يأتي عنهم بنقل صحيح أو حسن أو ضعيف أنهم كانوا إذا كانت لهم حاجة أو عرضت لهم شدة قصدوا القبور فدعوا عندها وتمسَّحوا بها فضلاً عن أن يسألوها حوائجهم، فمن كان عنده في هذا أثر أو حرف واحد في ذلك فليوقفنا عليه، نعم يمكنهم أن يأتوا عن الخلوف الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون بكثير من المختلقات والحكايات المكذوبات، حتى لقد صنَّف في ذلك عدة مصنَّفات ليس فيها حديث صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما فيها التمويهات والحكايات المخترعات والأحاديث المكذوبات.
يقول بعد كلام يؤكد فيه وجوب اتباع المحكم من القرآن وفهم المتشابه في إطاره واتباع السلف في الفهم والعمل حتى لا يستدل بكلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الذي يظن أنه أمر به أو أباحه أو أجازه على ما نهى عنه ويستدل بأمره على نهيه: «الوجه الرابع: أن هذا الحديث «يا عباد الله أحبسوا» لا يصح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فإن من رواته معروف بن حسان وهو منكر الحديث قاله ابن عديّ.(4/228)
الوجه الخامس: أن يقال: إن صحَّ الحديث فلا دليل فيه على دعاء الميت والغائب فإن الحديث ورد في أذكار السفر ومعناه أن الإنسان إذا انفلتت دابته وعجز عنها فقد جعل اللهُ عبادًا من عباده الصالحين من صالحي الجن أو من الملائكة أو ممن لا يعلم من جنده سواه: ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - ((1) فأخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن لله عبادًا قد وكلهم بهذا الأمر، فإذا انفلتت الدابة ونادي صاحبها كما أمره به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث حبسوا عليه دابته، فإن هؤلاء عباد الله أحياء وقد جعل اللهُ لهم قدرةعلي ذلك كما جعل للإنس فهو ينادي مَنْ يسمع ويعين بنفسه كما ينادي أصحابه الذين معه من الإنس فأين هذا من الاستغاثة بأهل القبور؟ بل هذا من جنس ما يجوز طلبه من الأحياء فإن الإنسان يجوز له أن يسأل المخلوق من الأحياء ما يقدر عليه ( ( مقدمة - الله (- رضي الله عنه -(- رضي الله عنه - - ( - - - - ( - ( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( مقدمة ( - - رضي الله عنهم -( - ( { - فهرس - - رضي الله عنه -( - ( - { - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( فهرس ( } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ((2) وكما في قوله تعالى: ( ( تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - ( - - - - (( (((( - - - - - ( المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنهم -( - ( ( - (( } - - - - ((3).
إلى أن يقول: وأما حديث الأعمي فالجواب عليه من وجوه:
__________
(1) المدثر، آية: 31.
(2) القصص، آية: 15.
(3) الأنفال، آية: 72.(4/229)
الوجه الأول: أن الحديث إذا شذَّ عن قواعد الشرع لا يعمل به.
الوجه الثاني: أن يقال هذا الحديث قد رواه النسائي في عمل اليوم والليلة والبيهقي وابن شاهين في دلائلهما كلهم عن عثمان بن حنيف ولم يذكروا فيه هذه اللفظة. أعني «يا محمد». إلى أن يقول: وساقه الترمذي رحمه الله بسياق قريب من هذا ونص الدعاء فيه «اللهم إنِّي أسألك وأتوجه إليك بنبيِّك محمد نبيّ الرحمة إنِّي توجهتُ بك إلى ربِّي في حاجتي هذه لتقضي اللهم فشفعه فيّ» فيقول هذا لفظه بحروفه وفي نسخة أخرى «إني توجهت به إلى ربِّي» وليست هذه اللفظة في الحديث في سياق هؤلاء الأئمة أعني قوله «يا محمد» التي هى غاية ما يتعلق به المبطلون.
الوجه الثالث: أن يقال على تقدير صحة هذه اللفظة فليس فيها ما يدل على دعاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد موته ولو كان فيها ما يدل على ذلك لفعله الصحابة - رضي الله عنهم - فلما ثبت أن الصحابة لم يفعلوه بل ولا أجازوه علمنا أنه ليس في ذلك دلالة فيبقي أن يقال ما معناه؟ فنقول: ذكر العلماء في معناه قولين أحدهما: أنه توسل بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيدل على جواز التوسل به - صلى الله عليه وسلم - في حياته وبعد وفاته إلاَّ أن التوسل ليس فيه دعاء له ولا استغاثة به وإنما سؤال الله بجاهه وهذا ذكره الفقيه أبو محمد العز بن عبد السلام في فتاويه فإنه أفتى بأنه لا يجوز التوسل بغير النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: أما التوسل به - صلى الله عليه وسلم - فجائز إن صح الحديث فيه. يعني حديث الأعمي. إلى أن يقول: الثاني: ما ذهب إليه الأكثرون أن معناه التوسل إلى الله بدعائه وشفاعته بحضوره كما في صحيح البخاري أن عمر - رضي الله عنه - استسقي بالعباس فقال: «اللهم إنَّا كنَّا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا وإنَّا نتوسل إليك بعمِّ نبينا فاسقنا» فيسقون.(4/230)
إلى أن يقول: فدلَّ الحديث على أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - شفع له ودعا له وأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمره هو أن يدعو اللهَ وأن يسأله قبول شفاعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فهذا نظير توسلهم به في الاستسقاء حيث طلبوا منه أن يدعو الله لهم ودعُوا هُمُ الله تعالى أيضًا، وقوله يا محمد إني توجهت بك إلى ربِّي خطاب لحاضر في قلبه كما نقول في صلاتنا السلام عليك أيها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، وكما يستحضر الإنسان من يحبه أو يبغضه أو يخاطبه وهذا كثير. فهذا كله يُبيِّن أن معنى التوسل والتوجه به وبالعباس وغيرهما في كلامهم هو التوسل والتوجه بدعائه وبدعاء العبَّاس ودعاء مَنْ توسلوا به وهذا مشروع بالاتفاق لا ريب فيه» انتهى كلام أبي العباس ابن تيمية.
ثم يقول عن التوسل المشروع أنه:
التوسل والتوجه إلى الله بالأسماء والصفات
التوسل بالأعمال الصالحة
التوسل بدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم في حياتهم
التوسل إلى الله بإيماننا بالرسل ومحبتهم وطاعتهم
أما التوسل بالذات(1) بعد الممات فلا دليل عليه ولا قاله أحد من السلف، بل المنقول عنهم يناقض ذلك ويستثني من ذلك التوسل بذات النبيّ على قول ابن عبد السلام إنْ صحَّ حديث الأعمي، ولا يجوز الإقسام بالمخلوق على الله عمومًا.
__________
(1) ذوات الأنبياء وغيرهم.(4/231)
إلى أن يقول(1): نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما قوله في حديث أبي سعيد: «أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي» فهذا الحديث رواه عطية العوفي وفيه ضعف لكن بتقدير ثبوته هو من هذا الباب فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم وحق المطيعين له أن يثيبهم فالسؤال له والطاعة سبب لحصول إجابته وإثابته فهو من التوسل به سبحانه والتوجه به والتسبب به ولو قدِّر أنه قسمٌ لكان قسمًا بما هو من صفاته فإن إجابته وإثابته من أفعاله وأقواله، فصار هذا كقوله في الحديث الصحيح «أعوذُ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنتَ كما أثنيتَ على نفسك» والاستعاذة لا تصح بمخلوق كما نصَّ عليه الإمام أحمد وغيره من الأئمة. فاستعاذ بعفوه ومعافاته من عقوبته مع أنه لا يستعاذ بمخلوق كسؤال الله بإجابته وإثابته وإن كان لا يسأل المخلوق، ومن قال من العلماء لا يسأل إلا به لا ينافي السؤال بصفاته. إلى أن يقول: وأما قول بعض الناس أسألك بالله وبالرحم فهو من باب التسبب بها، فإن الرحم توجب الصلة وتقتضي أن يصل الإنسان به قرابته ليس من باب الإقسام ولا من باب التوسل بما لا يقتضي المطلوب.
وينقل عن ابن القيم قوله في ”إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان“ وهذه الأمور المبتدعة عند القبور أنواع: أبعدها عن الشرع أن يسأل الميت حاجته وهؤلاء من جنس عبَّاد الأصنام. النوع الثاني: أن يسأل الله به وهو بدعة إجماعًا. النوع الثالث: أن يظن الدعاء عنده مستجابًا أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد فيقصد القبر لذلك فهذا أيضًا من المنكر إجماعًا. أهـ.
ثانيًا: التبرك.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج5، ص 632.(4/232)
يقول الإمام الشاطبي(1) بعد ذكر نصوص التبرك بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «فالظاهر في مثل هذا النوع أن يكون مشروعًا في حق من ثبتت ولايته واتباعه لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن يتبرك بفضل وضوئه ويتدلك بنخامته ويستشفي بآثاره كلها ويُرجي نحو مما كان في آثار المتبوع - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه مشكل في تنزيله وهو أن الصحابة - رضي الله عنهم - بعد موته - عليه السلام - لم يقع من أحدٍ منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه إذ لم يترك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فهو كان خليفته ولم يفعل به شيء من ذلك ولا عمر رضى الله عنهما وهو كان أفضل الأمة بعده ثم كذلك عثمان ثم عليّ ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركًا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فهو إذًا إجماع منهم على ترك تلك الأشياء. وبقي النظر في وجه ترك ما تركوا منه ويحتمل وجهين: أحدهما: أن يعتقدوا فيه الاختصاص وأن مرتبة النبوة يسع فيها ذلك كله للقطع بوجود ما التمسوا من البركة والخير، لأنه - عليه السلام - كان نورًا كله في ظاهره وباطنه فمن التمس فيه نورًا وجده على أي جهة التمسه. بخلاف غيره من الأمة ـ وإن حصل له من نور الاقتداء به والاهتداء بهديه ما شاء الله ـ لا يبلغ مبلغه على حال توازيه في مرتبته، ولا تقاربه، فصار هذا النوع مختصًا به كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع، وإحلال بضع الواهبة نفسها له، وعدم وجوب القسم على الزوجات وشبه ذلك. فعلي هذا المَأْخذ لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة،
__________
(1) الاعتصام، ج2، ص 8-11.(4/233)
كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة .
الثاني: أن لا يعتقدوا الاختصاص ولكنهم تركوا ذلك من باب سد الذرائع خوفًا من أن يجعل ذلك سنة كما تقدم ذكره في اتباع الآثار والنهي عن ذلك أو لأن العامة لا تقتصر في ذلك على حد بل تتجاوز فيه الحدود وتبالغ بجهلها في التماس البركة حتى يداخلها للمتبرك به تعظيم يخرج به عن الحد، فربما اعتقد في المتبرك به ما ليس فيه وهذا التبرك هو أصل العبادة ولأجله قطع عمر - رضي الله عنه - الشجرة التي بويع تحتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل هو كان أصل عبادة الأوثان في الأمم الخالية ـ حسبما ذكره أهل السير ـ فخاف عمر - رضي الله عنه - أن يتمادي الحال في الصلاة إلى تلك الشجرة حتى تعبد من دون الله، فكذلك يتفق عند التوغل في التعظيم. ولقد حكي الفرغاني مذيل تاريخ الطبري عن الحلاج أن أصحابه بالغوا في التبرك به حتى كانوا يتمسحون ببوله ويتبخرون بعذرته حتى ادعوا فيه الإلهية تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، ولأن الولاية وإن ظهر لها في الظاهر آثار فقد يخفي أمرها لأنها في الحقيقة راجعة إلى أمر باطن لا يعلمه إلا الله فربما ادعيت الولاية لمن ليس بولي أو ادعاها هو لنفسه أو أظهر خارقة من خوارق العادات هى من باب الشعوذة لا من باب الكرامة أو من باب السحر أو الخواص أو غير ذلك والجمهور لا يعرف الفرق بين الكرامة والسحر فيعظمون من ليس بعظيم ويقتدون بمن لا قدوة فيه ـ وهو الضلال البعيد ـ إلى غير ذلك من المفاسد، فتركوا العمل بما تقدم وإن كان له أصل بما يلزم عليه من الفساد في الدين. وقد يظهر بأول وهلة أن هذا الوجه الثاني أرجح لما ثبت في الأصول العلمية أن كل قربة أعطيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن لأمته أنموذجًا منها ما لم يدل دليل على الاختصاص إلا أن الوجه الأول أيضًا راجح من جهة أخرى وهو إطباقهم على الترك؛ إذ لو كان اعتقادهم التشريع لعمل به بعضهم بعده أو(4/234)
عملوا به ولو في بعض الأحوال إما وقوفًا على أصل المشروعية وإما بناء على اعتقاد انتفاء العلة الموجبة للامتناع.
وقد خرج ابن وهب في جامعه من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال حدثني رجلٌ من الأنصار أن رسول الله كان إذا توضأ أو تنخم ابتدر من حوله من المسلمين وضوءه ونخامته فشربوه ومسحوا به جلودهم فلما رآهم يصنعون ذلك سألهم لما تفعلون هذا؟ قالوا: نلتمس الطهور والبركة بذلك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان منكم يحب أن يحبه الله ورسوله فليصدق الحديث وليؤد الأمانة ولا يؤذِ جاره» فإذا صحَّ هذا النقل فهو مشعر بأن الأولي تركه، وأن يتحري ما هو الآكد والأحري من وظائف التكليف، ولا يلزم الإنسان في خاصة نفسه ولم يثبت من ذلك كله إلا ما كان من قبيل الرقية وما يتبعها أو دعاء الرجل لغيره على وجه سيأتي بحول الله». أهـ.
ويجدر هنا ذكر بعض الضوابط إذا صحَّ التبرك لمن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
لا يتبرك بحائط ولا بحجر(1) ولا شجر ولا عين ماء ولا بقبر.
لا يطلب من الأشياء المتبرك بها ما لا يقدر عليه إلا الله وفعل هذا شركٌ أعظم.
ولا يصرف للأشياء المتبرك بها ما هو حق خالص لله كالذبح والنذر وتفريج الكربات وقضاء الحاجات وفعل هذا شركٌ أعظم.
__________
(1) باستثناء الحجر الأسود.(4/235)
لا يتخذ الأشياء المتبرك بها تمائم أو تعاليق وفعل هذا شركٌ أصغر، فعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - «أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رأي رجلاً في يده حلقة من صُفِر فقال ما هذه؟ قال من الواهنة فقال انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا فإنَّك لو متَّ وهى عليك ما أفلحتَ أبدًا» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تعلق تميمة فلا أتمَّ اللهُ له ومَنْ تعلق ودعة فلا ودع الله له» وفي رواية «من تعلق تميمة فقد أشرك» وعنه - صلى الله عليه وسلم - «أن الرقي والتمائم والتولة شركٌ» رواه أحمد وأبو داود وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري - رضي الله عنه - «أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره فأرسل رسولاً أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت» وعنه - صلى الله عليه وسلم - «من تعلق شيئًا وُكِّلَ إليه» ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأي رجلاً في يده خيط من الحمي فقطعه وتلا قوله تعالى: ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( { المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (( - تم بحمد الله ((1).
ألا يتخذ الأشياء المتبرك بها وسيلة له عند الله ولا واسطة، ولابد أن يفصل التبرك عن الدعاء، أي أن يدعو الله بما شاء منفصلاً عن التبرك.
ألا تشدَّ الرحال إلى تلك الأشياء.
ألا تتخذ هذه الأشياء للتبرك على وجه كلي وتوضع للناس ليقصدها العامة لذلك.
ألا تكون ذريعة لإخفاء الشرك الأعظم أو الأصغر في التبرك المباح.
ألا تكون ذريعة تفضي إلى شرك أصغر أو أعظم.
ألا تتخذ سنة فتشعر بالوجوب أو الندب أو أنها من التكاليف الشرعية المطلوبة.
__________
(1) يوسف، آية: 106.(4/236)
ألا يعتمد عليها في ترك الأسباب لجهاد العدو وعمارة الأرض.
الترك أولي كما قال الشاطبي وأن يتحري ما هو الآكَدْ والأحري من وظائف التكليف.
التبرك استعمال للشيء فيما يستعمل فيه وليس توجهًا ولا طلبًا من الشيء أو توسلاً به أو إقسامًا به على الله، والتوسل إنما يكون بحبك للمتبرك به في الله عزَّ وجل كطاعة وعمل صالح من أعمالك تتقرب به إلى الله كما مرَّ في التوسل.
حتى في الرقي فإن الاستغناء بالخالق عزَّ وجلّ عن غيره ترفعًا عن السؤال والأسباب أفضل: «لا يرقون ولا يسترقون»، «لا تسألوا الناس شيئًا»، «وعلي ربِّهم يتوكلون» عبارات من أحاديث صحيحة.
التبرك عاطفة وحب واحتفاظ أو استعمال لبعض متعلقات المحبوب في الله عزَّ وجلّ ولحبِّ ما كان عليه من القيام بأمر الله ولا يخرج عن هذا.
يقول الإمام الشاطبي في سد الذرائع(1): «خرَّج الطبري عن مدرك بن عمران قال: «كتب رجلٌ إلى عمر - رضي الله عنه -: فادع اللهَ لي. فكتب إليه عمر - رضي الله عنه -: إنِّي لستُ بنبيٍّ ولكن إذا أقيمت الصلاة فاستغفر اللهَ لذنبك. إلى أن يقول: وروى عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه لما قدم الشام أتاه رجلٌ فقال استغفر لي. فقال: غفر اللهُ لك. ثم أتاه آخر فقال: استغفر لي. فقال: لا غفر اللهُ لك ولا لذاك. أنبيٌّ أنا؟ ونحوه عن زيد بن وهب أن رجلاً قال لحذيفة - رضي الله عنه -: استغفر لي. فقال: لا غفر اللهُ لك. ثم قال: هذا يذهب إلى نسائه فيقول استغفر لي حذيفة. أترضين أن أدعو الله أن تكن مثل حذيفة، فدلَّ هذا على أنه وقع في قلبه أمر زائد يكون الدعاء له ذريعة حتى يخرج عن أصله بقوله بعد ما دعا على الرجل هذا يذهب إلى نسائه فيقول كذا أي فيأتي نساؤه لمثلها ويشتهر الأمر حتى يُتخذ سنة ويعتقد في حذيفة ما لا يحبه هو لنفسه وذلك يخرج المشروع عن كونه مشروعًا ويؤدي إلى التشيع واعتقاد أكثر مما يحتاج إليه» إلى آخر ما ذكر.
__________
(1) الاعتصام، ج2، ص 24.(4/237)
ويقول الشاطبي(1) في ذلك في تتبع الآثار لسد الذرائع أيضًا: «أخرج الطحاوي وابن وضَّاح وغيرهما عن معرور بن سويد الأسدي قال: وافيت الموسم مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلما انصرفنا إلى المدينة انصرفت معه فلما صلي لنا صلاة الغداة فقرأ فيها: «ألمْ ترَ كيفَ فعلَ ربُّك» و«لإيلاف قريش» ثم رأي ناسًا يذهبون مذهبًا فقال أين يذهب هؤلاء. قالوا: يأتون مسجدًا ها هنا صلي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: إنما هلك من كان قبلكم بهذا يتتبعون آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعًا من أدركته الصلاة في شيء من هذه المساجد التي صلَّي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليصل فيها وإلا فلا يتعمَّدها» إلى آخر ما ذكر في ذلك.
أما التبرك الشركي فقد مرَّ ذكره مرارًا ونشير إليه إشارات سريعة(2): «وأيضًا فإنَّ من تبرك بحجر أو شجر أو مسح على قبر أو قبة يتبرك بهم فقد اتخذهم آلهة، ثم يذكر قصة ذات أنواط وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسي: «اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة» إلى آخر ما ذكر.
__________
(1) المصدر السابق، ج1، ص 346.
(2) الدرر السنية، ج2، ص 127.(4/238)
ويقول(1): فسبحان من طبع على قلب من شاء من عباده وأخفي عليه الصواب وأسلكه مسلك البهائم والدواب حتى قال هؤلاء الجهلة ممن ينتسب إلى العلم والفقه قبلتنا من أمَّها لا يكفر. فلا إله إلا الله نفيٌ وإثبات. الإلهية كلها لله فمن قصد شيئًا من قبر أو شجر أو نجم أو ملك مقرب أو نبيّ مرسل لجلب نفع وكشف ضرٍّ فقد اتخذه إلهًا من دون الله مكذب بلا إله إلا الله يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، فإن قال هذا المشرك لم أقصد إلا التبرك وإني لأعلم أن الله هو الذي ينفع ويضرّ. فقل له إن بني إسرائيل ما أرادوا إلا ما أردت كما أخبر الله عنهم أنهم لما جاوزوا البحر ( } - ( قرآن كريم - - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - الله ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ((- رضي الله عنه - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - الله - - - جل جلاله -((- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - - } - قرآن كريم ( - - - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - - { - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - رضي الله عنهم - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( ((2) الآية.
ثم يذكر حديث ذات أنواط وقوله - عز وجل -: { ( - ((( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - تمهيد (( - - - - - - } - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (3) وفي الصحيح عن ابن عباس وغيره كان يلت السويق للحاج فعكفوا على قبره» إلى آخر ما ذكر.
__________
(1) المصدر السابق، ج2، ص 87.
(2) الأعراف، آية: 138.
(3) النجم، آية: 19.(4/239)
وينقل الشيخ سليمان بن سحمان عن ”فتح المجيد“ بشرح كتاب التوحيد قوله(1): باب من تبرك بشجر أو حجر أو نحوهما كبقعة أو قبر ونحو ذلك أي فهو مشرك. قوله: وقول الله - عز وجل -: ( ( - ((( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - تمهيد (( - - - - - - } - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( الآيات. ومطابقة الآية للترجمة من جهة أن عبَّاد هذه الأوثان إنما كانوا يعتقدون حصول البركة منها بتعظيمها ودعائها والاستعانة بها والاعتماد عليها في حصول ما يرجونه ويؤملونه ببركتها وشفاعتها وغير ذلك، فالتبرك بقبور الصالحين كاللات وبالأشجار والأحجار كالعزَّي ومناة من ضمن فعل أولئك المشركين مع تلك الأوثان. فمن فعل مثل ذلك واعتقد في قبر أو حجر أو شجر فقد ضاهي عبَّاد الأوثان فيما كانوا يفعلون معها من هذا الشرك، على أن الواقع من هؤلاء المشركين مع معبوديهم أعظم مما وقع من أولئك فاللهُ المستعان» انتهى كلام الشيخ عبد الرحمن.
ثم يذكر التبرك بالسدرة من فعل المشركين يقول(2): قلت ففي هذا بيان أن عبادتهم لها بالتعظيم والعكوف والتبرك وبهذه الأمور الثلاثة عبدت الأشجار ونحوها، أقول وتدبر مثل هذا في التبرك عن ابن القيم وابن أبي شامة محدث الشام عن العيون والأشجار التي تقبل النذر.
ويقول الشيخ محمد ابن عبد الوهاب (3): «وأيضًا فإنَّ مَنْ تبرَّك بحجر أو شجر أو مسح على قبر أو قبة يتبرك بهم فقد اتخذهم آلهة». أهـ.
يقول الشارح يعني بالتبرك المنافي للتوحيد بخلاف التبرك بآثار النبيّ ونخامته ودم حجامته وتبرك الشافعي بقميص الإمام أحمد وكل هذا يراد به ذكري الحب كالمعهود من عشَّاق الحسان». أهـ.
__________
(1) فتح المجيد، ص 146.
(2) الدرر السنية، ج2، 148.
(3) مجموعة الرسائل والمسائل، ج4، ص 39.(4/240)
وفي كتاب ”شفاء الصدور في الرد على الجواب المشكور“ الصادر عن دار الإفتاء السعودية: يعتمد على توهين أسانيد الأحاديث التي يحتج بها المخالفون ممن يجمعون هذه النوادر لإباحة شرك القبوريين. والحق أن المتون نفسها ليس فيها حجة لهم على تقدير ثبوت بعض الأحاديث مع القطع بضعف الأخرى، وكل ما ساقه المخالفون ليس في محل النزاع وبغض النظر عن مناقشة الاستدلالات فهذه يمكن الرجوع إليها في الكتاب المذكور، فهناك قاعدة مهمة جدًا ذكرها الإمام الشاطبي في الموافقات(1) في العمل القليل أو النادر عن صحابي لم يستمر هو عليه ولم يقع من غيره والعمل المخالف له معمول به دائمًا أو أكثريًا، فإن هذا العمل يكون كقضايا الأعيان، وقضايا الأعيان لا تكون بمجردها حجة ما لم يعضدها دليل آخر لاحتمالها في نفسها وإمكان ألا تكون مخالفة للعمل المستمر...» إلى آخر ما ذكر.
ثامنًا: خلاصة ما قالوا في الرد على المخالفين في موضوع شرك النسك:
1- لاإله إلا الله لا تنفع صاحبها إلا مع ترك الشرك ويقول الشيخ(2) عن لا إله إلا الله: «فإن قيل كل الناس يقولونها قيل منهم من يقولها ويحسب معناها أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله وأشباه ذلك، ومنهم من لا يفهم معناها ومنهم من لا يعمل بمقتضاها ومنهم من لا يعقل حقيقتها وأعجب من ذلك من عرفها من وجه وعاداها وأهلها من وجه.
__________
(1) الموافقات، المسألة الثامنة عشرة، كتاب الأدلة، ج2، ص 34-50.
(2) الدرر السنية، ج2، ص 56.(4/241)
وأعجب منه من أحبها وانتسب إلى أهلها ولم يفرق بين أوليائها وأعدائها يا سبحان الله العظيم تكون طائفتان مختلفتين في دين واحد وكلهم على الحق كلا والله ( فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ؟?( فإذا قيل التوحيد زين والدين حق إلا التكفير والقتال، قيل اعملوا بالتوحيد ودين الرسول ويرتفع حكم التكفير والقتال، فإن كان حق التوحيد الإقرار به والإعراض عن أحكامه فضلاً عن بغضه ومعاداته فهذا واللهِ عينُ الكفر وصريحه فمن أشكل عليه من ذلك شيء فليطالع سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه». أهـ.
2- الاحتجاج بما ذكره الفقهاء في باب حكم المرتد على كفرالمشرك وإن كانت له أعمال صالحة وقام بفرائض الدين وواجباته.(4/242)
جاء في ”مجموع الرسائل والمسائل النجدية“ تكفير المسلم بالشرك بالله وموالاة المشركين على المؤمنين. قال الشيخ محمد رحمه الله تعالى(1): «إذا شهد الإنسان أن هذا دين الله ورسوله كيف لا يُكَفِّر من أنكره وقتل من آمن به وحبسهم؟ كيف لا يكفر من أتي المشركين ليحثهم على لزوم دينهم ويزينه لهم ويحثهم على معاداة الموحدين وأخذ أموالهم؟ كيف لا يكفر وهو يشهد أن هذا الذي يحث عليه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنكره ونهى عنه وسمَّاه الشرك بالله ؟ وهذا الذي يبغضه ويبغض أهله ويأمر المشركين بقتلهم هو دين الله ورسوله. واعلم أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله أو صار مع المشركين على الموحدين ـ ولم يشرك ـ أكثر من أن تحصر من كلام الله ورسوله وكلام العلماء. وأنا أذكر لك آية من كلام الله أجمع أهل العلم على تفسيرها وأنها في المسلمين وأن الرجل إذا قال ذلك فهو كافر في أي زمان كان قال الله تعالى: ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام - - - ( - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - ((( مقدمة ( - (- رضي الله عنهم - - - ( { - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس ( - ( - ( - (( مقدمة ( تمهيد ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله (((- رضي الله عنهم - - ((( تم بحمد الله ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - ( - ((2) الآية. وفيها ذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة وذكروا أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه مع بغضه لذلك وعداوة أهله لكن خوفًا منهم لكن قبل الإكراه إذا كان هذا يكفر فكيف بمن كان معهم وصار من جملتهم؟ فكيف بمن أعانهم
__________
(1) مجموع الرسائل والمسائل النجدية، ج4، ص 43.
(2) النحل، آية: 106.(4/243)
على الشرك وزيَّنه لهم؟ فكيف بمن أمرهم بقتل الموحدين وحثَّهم على لزوم دينهم؟!!
وفي باب آخر(1): ذبيحة المرتد وما يكفر به المسلم وحكمه. يقول المصنِّف عن الشيخ: وسئل عن ذبيحة المرتد وتكفير من يعمل بفرائض الإسلام بعد أن يجيب عن ذبيحة المرتد يقول الشيخ: «وقولكم لِمَ تكفرون مَنْ يعمل بفرائض الإسلام الخمس يقول في الإجابة أنه كان في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من انتسب إلى الإسلام ثم مرق من الدين كما في الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث البراء بن عازب معه الراية إلى رجل تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله وقد انتسب إلى الإسلام وعمل به، ومثل قتال الصديق والصحابة مانعي الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وتسميتهم مرتدين بعد ما عملوا بشرائع الإسلام، ومثل اجتماع التابعين على قتل الجعد ابن درهم وهو مشتهر بالعلم والدين، ومثل بني عبيد الذين ملكوا مصر والشام وغيرها لما أظهروا من الأقوال والأفعال ما أظهروا لم يتوقف أحد من أهل العلم والدين عن قتالهم مع ادعائهم الملة ومع قولهم لا إله إلا الله أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام إلا ما سمعنا منكم فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب وهو «باب حكم المرتد» وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه حتى ذكروا فيه أنواعًا كثيرة كل نوع منها يكفر الإنسان ويحل دمه وماله حتى ذكروا أشياء يسيرة مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب.
__________
(1) المصدر السابق، ج4، ص 43-46.(4/244)
إلى أن يقول: وقولكم هل يعلمون للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - دينًا إلا الإسلام الذي جاء به جبريل، فمعلوم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قام يدعو الناس إلى التوحيد سنين عديدة قبل أن يدعوهم إلى أركان الإسلام، ومعلوم أن التوحيد الذي جاء به جبريل أعظم فريضة وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئا من أركان الإسلام كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل من نوح إلى محمد لا يكفر؟ لأنه يقول لا إله إلا الله أو لأنه يفعل كذا وكذا. إلى أن يقول: ولكن الأمر كما قال عمر - رضي الله عنه - أنها لا تنقض عري الإسلام عروة عروة حتى ينشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية. فذلك أنه إذا لم يعرف من الشرك ما عابه القرآن وما ذمَّه وقع فيه وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية أو فوقه أو دونه أو شرٌّ منه. إلى أن يقول: فتأمل أن الإسلام لا يصح إلا بمعاداة أهل الشرك وإن لم يعادهم فهو منهم ولو لم يفعله واسأل عن معنى قوله تعالى: ( ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( - (( - } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - ( مقدمة ( - - - ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ((1) إلى آخر ما ذكره.
__________
(1) المائدة، آية: 81.(4/245)
وقال رحمه الله(1): هذه أربع قواعد ينبغي لكل إنسان أن يتأملهن ويفهمهن فهم قلب يفيض عملهن على الجوارح. الأولي: الإنسان إذا مات على ما علم من ألفاظ الصلاة فقط هل معه دين يدخل به الجنة وينجيه من النار أم لا.
الثانية: هذه الحوادث عند المقامات ونحوها هل هى توجد أو شيء منها في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين والقرون المُثْنَى عليهم أم لا؟
الثالثة: هذا الذي يفعلونه عندها من القصد والتوجه من إجابة الدعوات وقضاء الحاجات وإغاثة اللهفات هل هو الذي يفعله مشركو العرب قبل مبعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عند اللات والعزي ومناة سواء بسواء أم لا؟
الرابعة: من فعل هذا وهو مسلم مؤمن هل يكفر ويحبط إيمانه بذلك أم لا؟
فإن أشكلت عليك الأولي فانظر إلى سؤال الملكين في القبر وقوله: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلت مثلهم.
الثانية: إن قلت توجد فعليك الإثبات.
الثالثة: إن قلت القصد ـ غير القصد ـ فعليك التفريق بالأدلة الصحيحة من كتاب أو سنة أو إجماع الأمة.
الرابعة: إن قلت الإسلام يحميه من الكفر ولو فعل ما فعل فطالع باب ”حكم المرتد“ من ”الإقناع“ وغيره والله أعلم». أهـ.
3- أدلة نفي العبادة عن غير الله وحكم من فعلها كائنة ما كانت المعبودات.
__________
(1) الدرر السنية، ج2، ص 78-79.(4/246)
... يقول الشيخ(1): فدليل الشمس والقمر: ( ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( - ( - { - - - ( - - - رضي الله عنهم - - } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { ( - } ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم - - - { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - فهرس - ( { ( - } ( - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم - - - { ( - ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - { - - - - (( - - { فهرس - - رضي الله عنهم - - تمت ( { ( المحتويات ( - - ( - ( فهرس - { - ( { - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - ((2)، ودليل الملائكة قوله تعالى: ( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - (((- رضي الله عنه - - - - - جل جلاله -( - ( - - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - { - ( { } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - - } - قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم - - - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( تمهيد ( - - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله
__________
(1) الدرر السنية، ج2، ص 25.
(2) فصلت، آية: 37.(4/247)
العظيم ( تم بحمد الله المحتويات ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - } ( - - رضي الله عنه - - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - } المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله ((1)، ودليل الأنبياء قوله تعالى: ( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - { - - (((( فهرس - { الله أكبر ( الله - - - صدق الله العظيم (( - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ((( - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( { - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - تم بحمد الله ((2)، ودليلُ الصالحين قوله تعالى: ( ( - ( - } - قرآن كريم ((( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - - - ( - - قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - (( - - ( - - - ( - - - ( المحتويات ( - - جل جلاله -- رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( قرآن كريم (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) سبأ، آيتان: 40-41.
(2) آل عمران، آية: 80.(4/248)
تم بحمد الله ((1)، ودليل الأشجار والأحجار قوله تعالى: ( ( - ((( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - تمهيد (( - - - - - - } - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - الله ( - - } الله - - - - - - عليه السلام - - ( - الله } - - ((2)، وحديث أبي واقد الليثي حديث ذات أنواط، ويذكر الحديث. أقول: ودليل الكواكب والنجوم: ( (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - عز وجل -- عليه السلام - - - - - عليه السلام - - (((- صلى الله عليه وسلم -( - - - ((3)، وقوله تعالى: ( - - - فهرس - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - ( - { - - - - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - - جل جلاله - تمهيد - - ( قرآن كريم - - ((4) الآيات.
يقول الشيخ: فقاتلهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يفرِّق بينهم، والدليل قوله تعالى: ( ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - مقدمة - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - - - ( { - عليه السلام - - ( - (( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( تمهيد - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - (( - - - ( - ( - ((5).
__________
(1) الإسراء، آية: 56.
(2) النجم، آيتان: 19-20.
(3) النجم، آية: 49.
(4) الأنعام، آية: 76 وما بعدها.
(5) الأنفال، آية: 39.(4/249)
4- والتفريق بين الشرك الأعظم والبدعة أو الشرك الأصغر. جاء في ”الدرر السنية“(1): يقول عن شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب: وقال أيضًا: «الدعاء الذي يفعل في هذا الزمان أنواع: النوع الأول: دعاء الله وحده لا شريك له الذي بعث الله به رسوله. النوع الثاني: أن يدعو الله ويدعو معه نبيًّا أو وليًّا ويقول أريد شفاعته وإلا فأنا أعلم ما ينفع ولا يضر إلا الله لكن أنا مذنب وأدعو هذا الصالح لعله يشفع لي، فهذا الذي فعله المشركون وقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يتركوه ولا يدعوا مع الله أحدًا لا لطلب شفع ولا نفع. النوع الثالث: أن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بنبيِّك أو بالأنبياء أو الصالحين فهذا ليس شركًا ولا نهينا الناس عنه ولكن المذكور عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهم أنهم كرهوه لكن ليس مما نختلف نحن وغيرنا فيه»
وجاء في ”الدرر السنية“ عن الإمام ابن القيم يقول(2): «وهذه الأمور المبتدعة عند القبور أنواع أبعدها عن الشرع أن يسأل الميت حاجته كما يفعله كثير وهؤلاء من جنس عبَّاد الأصنام وكذلك السجود للقبر وتقبيله والتمسح به. النوع الثاني: أن يسأل الله به وهذا يفعله كثير من المتأخرين وهو بدعة إجماعًا. والنوع الثالث: أن يظن أن الدعاء عنده مستجاب وأنه أفضل من الدعاء في المسجد فيقصد القبر لذلك فهذا أيضًا من المنكرات إجماعًا وما علمت فيه نزاعًا من أئمة الدين وإن كان كثير من المتأخرين يفعله». أهـ.
__________
(1) الدرر السنية، ج2، ص 63-84.
(2) المصدر السابق، ج1، ص 423.(4/250)
5- وفي ”الانتصار لحزب الله الموحدين“ و”الدرر“ و”الرسائل والمسائل“ تكرر شرح كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع العذر بالجهل في التوحيد وموضوع المعين وبينوا الفرق بين المقالات الخفية والأمور الجلية وبالنسبة لموضوع المعين فقالوا: كلام الشيخ: حتى يُبيِّن لهم لا حتى يتبيّن لهم، وأن بلوغ الحجة غير فهم الحجة، وأن ما كان كفرًا يقال هذا كفر ومن فعله كافر، لكن بالنسبة للمعين لا بد من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع إلا إذا كان كفره بواحًا لا أن الجهل وغيره يمنع كون الفعل كفرًا والمدعي أن مرتكب الكفر متأولاً أو مجتهدًا مخطئًا ـ أو مقلدًا أو جاهلاً معذور مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك مع أنه لا بد أن ينقض أصله فلو طرد أصله ـ كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك(1).
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم عدد ما أحاط به علمك وخطَّ به قلمك وأحصاه كتابك.
الرد على شبهات جماعات التكفير والغلو
أولاً: التكفير بتوسيع المناطات عمَّا تتسع له وتنزيل الأحكام على غير مناطاتها.
__________
(1) الانتصار، ص 46.(4/251)
1- قال بعض أهل الغلو: من ليس في جماعة فهو كافر. وقال آخرون: بل من ليس في جماعتنا ـ بزعمهم ـ هذه فهو كافر. وقال آخرون: من ليس في طاعة أميرنا فلان فهو كافر. والعالم كله لم يسمع بجماعتهم ولا أميرهم ما عداهم ونفر قليل من الناس من غيرهم، وجماعتهم هذه غير ممكنة ونسوا أو لم يقرأوا ما في البخاري «باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة» ونسوا أو لم يقرأوا أو يفهموا أن الجماعة المُلْزِمة بالسمع والطاعة والتي يتحقق بها الوجود الشرعي الإسلامي هى جماعة الخلافة أي الجماعة صاحبة السلطان والشوكة أي الجماعة الممكنة التي تبعث الجيوش وتقيم الحدود وتحفظ البيضة وتجمع الزكاة وتنصب القضاة وليست أية جماعة من ثلاثة أفراد يبايعون أميرًا يسبقون به غيرهم فيكون هو الأول فمن لم يدخل في بيعته يكفر ومن تؤخذ له بيعة بعده يكفر إذا لم يدخل في بيعة من سبقه، كل هذا دون تمكين لا لهذا ولا لذلك ودون تميزُّ يعلمه الناس ولا مباينة ولا دعوة يفيء إليها الناس... إلى آخر هذا الهراء.(4/252)
ومن يجمع بين الأحاديث يفقه، وإن كان الأمر لا يحتاج إلى تدبر لوضوح المعنى، ولكن حكمة الله قضت أن يقيم الحجة على من يفهم ومن لا يفهم بالمعنى الواضح والنص الحرفي الذي لا يدع مجالاً للجدل ولا للمماراة، ففي الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وأنا آمركم بخمس أمرني بهن: الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله، فإن من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم»، «لا يحل دم امرئ مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة»، «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فمات فميتته جاهلية»، «من كره من أميره شيئًا فليصبر عليه فإنه ليس أحدًا من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية»، «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»، وفي معنى الحديث «أن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي بعث الله نبيًّا وأنه لا نبيَّ بعدي وستكون خلفاء فتكثر فأوفوا بيعة الأول فالأول أدوا إليهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم».(4/253)
( - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد (- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - } - - (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - - - - (( ((( - - } - - - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنهم - - فهرس - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - ((( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( تمهيد - - - صدق الله العظيم - عليه السلام - - ( - - - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - مقدمة - ( المحتويات ( - - { - ( - - ( - { - - - - ( - ( - - ( - - - ( المحتويات ( - مقدمة - المحتويات ( - } { - - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ((( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - - - جل جلاله - - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ((1)، ( - رضي الله عنه -((( - { - - - تمت ( { ( المحتويات ( - ( } - جل جلاله - { - } تم بحمد الله - (( ((( - - } - - } - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - - - صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - ((2) الآية. فلا بد أن يكون الأمير خليفة أو نائبًا عن خليفة ولا بد أن يكون الخليفة أو الإمام: سلطانًا أو صاحب سلطان، ونصُّ الحديث واضح جدًا: «فإنه ليس أحدًا خرج من السلطان شبرًا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية»: من السلطان، ولذلك لما ناظر شيخ الإسلام
__________
(1) النور، آية: 55.
(2) الحج، آية: 41.(4/254)
ابن تيمية الشيعة في الحديث «لا يزال أمر الإسلام عزيزًا، ما وليه اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» قال لهم: ربما يكون فيمن ذكرتم من هو خير من بعض الخلفاء المعنيين بالحديث الذين ولوا أمور المسلمين ولكنهم غير ممكنين، والخليفة لا يكون خليفة إلا بشوكة وسلطان يجتمع عليه الناس رغبة ورهبة.
وبعد هذا التوضيح الذي لا بد منه نعود لحديث حذيفة الذي أشرنا إليه في بداية حديثنا. لم يقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة: إذا لم يكن للمسلمين جماعة ولا إمام فابحث عن أمير وألِّف أنت جماعة فمن لم يدخل في بيعتك هذه يكون كافرًا ومن بويع له بعدك يكون كافرًا، لأن المقصود بالجماعة هو التمكين والتمكين لا يتحقق باثنين ولاثلاثة، ولذلك ترجم العلماء الحديث هكذا: «باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة» أما إذا كان الأمر سهلاً هكذا والمسألة مسألة شكلية وتسديد خانة كما يقولون، لم يصح لهذا العنوان معنى لأنه ولا بد ستكون جماعة بل جماعات كثيرة جدًا كما ترى الآن، فهل تحققت شرعية الخلافة والسلطة الشرعية بهذه الجماعات الكثيرة غير الممكنة؟
وفي بعض روايات الحديث: «إذا وجدت خليفة فاتبعه وإن لم تجد خليفة فالهرب الهرب» فهل الخليفة هو أي شخص يمسك به في الشارع يقول له تعالى أعطيك بيعة خلافة حتى أكون أنا وأنت مُسْلِمَيْنِ بشرط الجماعة دون مقاصد الخلافة من التمكين؟! أم الخلافة تمكين يحفظ البيضة ويقيم الشرع ويعلي كلمة الله ويظهر الدين على الدين كله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله؟!(4/255)
وهذه روايات حديث حذيفة الذي ترجم له العلماء «كيف الأمر إذا لم تكن جماعة»: جاء في صحيح البخاري باب «كيف الأمر إذا لم تكن جماعة»: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا بن جابر ـ في مسلم: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ـ حدثني بسر بن عبيد الله الحضري أنه سمع أبا إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: «كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشر فجاءنا اللهُ بهذا الخير(1) فهل بعد هذا الخير من شر(2)؟ قال: نعم. قلت: (3) وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن(1). قلت: وما دخنه؟ قال: قومٌ (4) يهدون بغير هديى، تعرف منهم وتنكر(5). قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا(6) ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين(7) وإمامهم(8). قلت(9): فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل(10) تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك».
1- زاد مسلم في رواية أبى مسعود عن حذيفة: «فنحن فيه». (إضافة).
__________
(1) معاني المفردات: الدخن: قيل الحقد، وقيل الدغل. وقيل فساد القلب وقيل كل أمر مكروه، وقال أبو عبيد يفسر المراد بهذا الحديث الآخر «لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه».
من جلدتنا: أي من العرب وقيل أنهم في الظاهر على ملتنا، وفي الباطن مخالفون.
الخير: ما كان عليه الناس حتى مقتل عثمان - رضي الله عنه -.
= الشر: الفتنة بعد مقتله، والخير اجتماع الناس على معاوية على الجماعة، والدخن: ولاة الجور والبدعة، والفرق: الخروج عن معنى الخلافة وهم المقصودون بالشر الأخير.قال البيضاوي: إذا لم يكن خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان.(4/256)
2- في رواية نصر بن عاصم: «فتنة». (بديل).
3- في رواية ربيع بن خالد عن حذيفة عن أبي شيبة: «فما العصمة منه؟ قال: السيف. قلت: فهل بعد السيف من تقية؟ قال: نعم، هدنة». (بديل وإضافة).
4- في البخارى: «يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديى». (إضافة).
5- وفي حديث أم سلمة عند مسلم: «فمن أنكر برئ ومن كره سلم». (إضافة).
6- وفي رواية أبي الأسود: «فيهم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس» (إضافة)
7- في رواية أبي الأسود: «ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك». (إضافة).
8- زاد في رواية أبي الأسود: «تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك». (إضافة).
9- وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني: «فإن رأيت خليفة فالزمه وإنْ ضرب ظهرك، فإن لم يكن خليفة فالهرب» الطبرانى. (بديل).
10- فى رواية عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة عند ابن ماجه: «فلأن تموت وأنت عاضٌّ على جزل خير لك من أن تتبع أحدًا منهم». والجزل: عود ينضض لتحتك به الإبل. (ابن ماجه).
أقول: واضح جداً من الروايات (7)،(8)،(9) أن المقصود بالجماعة هو الخليفة السلطان صاحب الشوكة والسلطة، وهذا واضح ليس فقط من المعنى وإنما اللفظ الصريح، وأن المراحل السابقة أيضًا هى في جماعة التمكين: الخير الخالص، الخير المشوب بالدخن، والفتنة. وأن الفرق أيضًا أوضاع ممكنة ولكن اجتماع على غير الإسلام وانتساب إلى غير الشرع فخرجت عن معنى الخلافة أو الخليفة وخرجت عن معنى الشرعية فوجب اعتزالها، وليس المقصود بها الجماعات غير الممكنة.
فالذى يقول إن الجماعات الإسلامية فرق من فهم هذا الحديث: مخطئ تمامًا، والذى يقول إن واحدًا من هذه الجماعات خلافة إسلامية ملزمة بالسمع والطاعة وأن من لم يلزمها ويسمع ويطيع لأميرها ـ فلان ـ فهو كافر: مخطئ تمامًا ومبتدع.(4/257)
فنحن الآن في الوقت الذي ترجم له البخاري: «كيف الأمر إذا لم تكن جماعة» وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة هو أمر لنا: اعتزال كل الأوضاع التي تقوم على الاجتماع على غير الإسلام والانتساب إلى غير الشرع، لم يأمرنا بلزوم فلان ولا بإقامة جماعة من ثلاثة تكون ملزمة لغيرنا ومن خرج عنها يكون كافرًا، ولا بشيء من هذه البدع المحدثة.
هذا ما يؤخذ من هذا الحديث. أما ما يؤخذ من غيره فهو راجع إلى قوله - عز وجل -: ( صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - جل جلاله -( } تم بحمد الله ( { } تم بحمد الله ( - ( والأحاديث المفسرة لها:(4/258)
روايات حديث «لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق يقاتلون عليه لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله أو تقوم الساعة» وفي رواية من روايات الحديث: «لا تزال أمة من أمتى» وهذه رواية مفسرة لقوله تعالى: ( صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - جل جلاله -( } تم بحمد الله ( { } تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - - فهرس - ( { ( - ( - - - ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( { الله أكبر ( الله - - ( - - رضي الله عنه - تمت ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( - - - - جل جلاله -( - ( - - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ((( - ( - - - ((1)، لقوله تعالى: ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( الله ( قرآن كريم - - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( تم بحمد الله ( { } تم بحمد الله ( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - عليه السلام - - ( - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - ( - (( مقدمة ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((- رضي الله عنه - - ((2)، ( ( صدق الله العظيم - - ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - جل جلاله -( { فهرس - - رضي الله عنهم - - ( { } تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه
__________
(1) آل عمران، آية: 104.
(2) الأعراف، آية: 159.(4/259)
وسلم -( - ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - (( مقدمة ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - ( - ((- رضي الله عنه - - ((1) و«من» فى كل هذه النصوص للتبعيض وليست للبيان. وهذه جماعة العلماء التي تكلم عنها الشاطبي في الاعتصام وقال: «إذا سألت جاهلاً أجابك إن الجماعة هى سواد الناس ولا يدرى أن الجماعة عالم متمسك بأثر الرسول وأصحابه ومن تبعهم».
وهذه الجماعة تقبل التعدد لتعدد الوظائف الشرعية لخدمة جماعة المسلمين، وهو تعدد أطر وليس تعدد انتماءات، وتعدد تكامل وتنافس على الخير لا تعدد تحزب وصراعات حزبية، فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد برئ ممن فرَّق دينه واحتزب. والفرق بين جماعات التشيع ـ الشيع والفرق والأحزاب ـ وبين جماعات الترشيد والقيام بالوظائف الشرعية لخدمة المجتمع المسلم والجماعة المسلمة هو تقديم الولاء الخاص على الولاء العام، فمتى فعل ذلك فهذا تحزب وشيع وفرق، ومن قدم الولاء العام على الولاء الخاص وكان ولاؤه الخاص مجرد إطار للعمل وليس إطارًا للانتماء وانتماؤه أصلاً لأهل السنة والجماعة دون غيرهم فهذا داخل في «من» للتبعيض وهذه الجماعات الداخلة فى «من» للتبعيض، الانتماء إليها فرض كفاية لا فرض عين ويتأكد هذا الفرض عند انقطاع الوجود الشرعي الإسلامي للعمل من خلال أطر متنوعة متكاملة تتعاضد لإعادة هذا الوجود الشرعي والتمكين الإسلامي.
ولتكون لجماعةٍ شرعيةُ جماعةِ الدعوة أو العلماء لابد أن تكون متصفة بهذه الصفات:
التزام السنة.
الاجتماع عليها.
القتال دونها.
عدم الوقوع في أعيان البدع الكبار.
ترك اتباع الهوى.
ترك اتباع المتشابه وتقديمه على المحكم.
الخروج من العداوة والبغضاء.
أن تكون إطار عمل لا إطار انتماء.
وأن يتقدم ولاؤه العام لجماعة المسلمين على ولائه الخاص لإطاره الخاص في العمل الإسلامى.
__________
(1) الأعراف، آية: 181.(4/260)
وغير هذا ينطبق عليه قول أم سلمة رضى الله عنها: إن نبيكم قد برئ ممن فرَّق دينه واحتزب، وقول الله - عز وجل -: ( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - - - جل جلاله -(- عليه السلام - - ( { - رضي الله عنه - - - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - (((- رضي الله عنه - - { } ( - - رضي الله عنه - - - (((- رضي الله عنه - - ((1) فتكون شيع عقوبة من الله يذيق بعضها بأس بعض حتى تفيء القلوب إلى الله خالصة من كل غرض بعيدة عن كل هوى.
__________
(1) الأنعام، آية: 65.(4/261)
يقول الإمام الشاطبي في هذا(1): وذلك أن الجميع اتفقوا على اعتبار أهل العلم والاجتهاد وسواء ضموا إليهم العوام أم لا فإن لم يُضَمُّوا إليهم فلا إشكال أن الاعتبار إنما هو بالسواد الأعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم، فمن شذَّ عنهم فمات فميتته جاهلية وإن ضموا إليهم العوام فبحكم التبع لأنهم غير عارفين بالشريعة، فلابد من رجوعهم في دينهم إلى العلماء فإنهم لو تمالأوا على مخالفة العلماء فيما حدُّوا لهم لكانوا هم الغالب والسواد الأعظم فى ظاهر الأمر لقلة العلماء وكثرة الجهال، فلا يقول أحد أن اتباع جماعة العوام هو المطلوب وأن العلماء هم المفارقون للجماعة والمذمومون في الحديث، بل الأمر بالعكس، وإن العلماء هم السواد الأعظم وإن قلوا، والعوام هم المفارقون للجماعة إن خالفوا، فإن وافقوا فهو الواجب عليهم. ومن هنا لما سئل ابن المبارك عن الجماعة الذين يقتدى بهم أجاب بأن قال: أبو بكر وعمر، قال: فلم يزل يحسب حتى انتهى إلى محمد بن ثابت والحسين بن واقد، قيل: فهؤلاء ماتوا، فمن الأحياء؟ قال: أبو حمزة السكري وهو محمد بن ميمون المروزى. فلا يمكن أن يعتبر العوام في هذه المعاني بإطلاق، وعلى هذا فلو فرضنا خلو الزمان عن مجتهد لم يمكن اتباع العوام لأمثالهم ولا عُدَّ سوادهم أنه السواد الأعظم المنبه عليه في الحديث الذي من خالفه فميتته جاهلية، بل يتنزَّل النقل عن المجتهدين منزلة وجود المجتهدين، فالذى يلزم العوام مع وجود المجتهدين هو الذي يلزم أهل الزمان المفروض الخالي عن المجتهد، وأيضًا فاتباع نظر من لا نظر له واجتهاد من لا اجتهاد له محض ضلالة ورمي في عماية وهو مقتضى الحديث الصحيح «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا». الحديث. روى أبو نعيم عن محمد بن القاسم الطوسي قال: سمعت إسحاق بن راهوية، وذكر في حديث رفعه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ اللهَ لم يكن
__________
(1) الاعتصام، ج2، ص 266، المسألة السابعة عشرة.(4/262)
ليجمع أمة محمد على ضلالة، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم. فقال رجل: يا أبا يعقوب من السواد الأعظم؟! فقال: محمد بن أسلم وأصحابه ومن تبعهم. ثم قال: سأل رجل ابن المبارك: من السواد الأعظم؟ قال: أبو حمزة السكرى. ثم قال إسحاق: في ذلك الزمان، يعنى: أبا حمزة، وفي زماننا محمد بن أسلم ومن تبعه. ثم قال إسحاق: لو سألت الجهَّال عن السواد الأعظم لقالوا: جماعة الناس، ولا يعلمون أن الجماعة: عالم متمسك بأثر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وطريقه فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة. ثم قال إسحاق: لم أسمع عالمًا منذ خمسين سنة كان أشد تمسكًا بأثر النبيّ- صلى الله عليه وسلم - من محمد بن أسلم. يقول الشاطبي: فانظر في حكايته تتبين غلط من ظن أن الجماعة هى جماعة الناس وإن لم يكن فيهم عالم، وهو وهْم العوام لا فهم العلماء. أهـ.
أقول: السواد الأعظم من العلماء لا يشكلون إطارًا واضحًا، وكلٌ له أصحابه وأتباعه، وعندما ذكر الكرخي أهل الاتباع قال: الاثنا عشر الفحول، ولم يقل واحدًا فقط، فذكر مالكًا وأحمد والشافعي والسفيانين والأوزاعي والليث بن سعد وابن المبارك والبخاري وابن أبي حاتم وأبا زرعة وإسحاق بن راهويه. أقول: وغيرهم كثير، فهذه الجماعة تقبل التعدد وهى مكفولة البقاء، وتعددها بتعدد الزمان والمكان والوظائف الشرعية التي تقوم بها وتوجهاتها العلمية وقدراتها ونشاطاتها.
وأقول: ذكر هذه الجماعة في وقت جماعة الخلافة ولم يذكر الخلفاء إلا عندما كانوا علماء، وبعد ذلك ذكر العلماء في وجود الخلفاء غير العلماء، فجماعة الخلافة واحدة وهى ملزمة بالسمع والطاعة، وجماعة العلماء متعددة والدخول فيها على سبيل الكفاية والاستنارة بها واجبة وليست لها سلطة زمنية، ولجماعة الخلافة سلطتها الزمنية فلها صفة السلطان الذي ليس لأحد من الناس أن يخرج عنه قيد شبر وإلا فميتته جاهلية.
بقي معنيان: الأول: ما هو معنى مفارقة الجماعة؟(4/263)
أقول: مفارقة الجماعة لا يكون بالبغي وإنما يكون بالتفرق المطلق بولاء الكافرين والتولي بغير ولاية الإسلام، أي بالاجتماع على غير الإسلام والانتساب إلى غير الشرع وهذا هو معنى مفارقة الدين أيضًا.
المعنى الثانى: جماعة العلماء ليس لها بيعة الخلافة وإنما هو عهد يوفى به من باب التعاون على البرِّ والتقوى ومن باب «إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم أحدكم» أي أنها إمارة ركب، وإذا اجتمع الناس كلهم على رجل واحد منهم فهو إمام وإن لم يكن له تمكين بعد، واجتماعهم عليه لطلب التمكين بالقتال مثلما قصَّ علينا القرآن من نبأ طالوت وجالوت وداود، فهو مع الفارق كالحكومة في المنفى بالتعبير المعاصر.
2- وقالوا: «من لم يكفر الكافر فهو كافر في سلسلة لا تنتهى من التكفير» ونقول: هذا ليس بنص من كتاب أو سنة، وإنما هو قول يقوله بعض العلماء في المناطات الواضحة جدًا التي ليس فيها شبهة ولا التباس، والتي يكون ترك تكفير الكافر فيها إنما هو لإنكار معلوم من الدين بالضرورة أو رَدِّهِ، فيكون الكفر للإنكار والرد لا لترك التكفير، وإنما ترك التكفير في هذه الحالة دلالة على الإنكار والرد، فإذا تبيّن عدم الإنكار أو الرد للنص الموجب لكفر الكافر بطلت دلالة ترك التكفير على الكفر في هذه الحالة.(4/264)
والمسألة واضحة جدًا فى قوله تعالى: ( - - رضي الله عنهم - - - ( ( - ( - - - - (( - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( الله أكبر ( الله - - ((((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - { (( ((1) الآيات، يقول القرطبي في تفسير هذه الآيات: قال ابن عباس: هم قومٌ بمكة آمنوا وتركوا الهجرة. قال الضحَّاك: وقالوا: إن يظهر محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - فقد عرفنا، وإن ظهر قومنا فهو أحبُّ إلينا. فصار المسلمون فيهم فئتين: قومٌ يتولونهم وقومٌ يتبرءون منهم فقال اللهُ - عز وجل -: ( - - رضي الله عنهم - - - ( ( - ( - - - - (( - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( الله أكبر ( الله - - ((((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - { (( ( ويقول ابن كثير(2): قال العوفي عن ابن عباس: «نزلت في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس، وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم، وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله ـ أو كما قالوا ـ أتقتلون قومًا قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم؟ نستحل دماءهم وأموالهم؟! فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهى واحدًا من الفريقين عن شيء فنزلت ( - - رضي الله عنهم - - - ( ( - ( - - - - (( - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( الله أكبر ( الله - - ((((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - { (( ( الآية. رواه ابن أبي حاتم. وقد روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد والضحَّاك وغيرهم قريب من هذا، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد». أهـ.
__________
(1) النساء، آية: 88.
(2) تفسير ابن كثير، ج2، ص 533،534.(4/265)
ولقد جاء في تفسير الآية أنها تشمل طائفة أخرى وهم قوم هاجروا ثم تركوا الهجرة وعادوا إلى أوطانهم، يقول القرطبى: وذكر أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أنها نزلت في قوم جاءوا المدينة وأظهروا الإسلام فأصابهم وباء المدينة وحماها فأركسوا فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفرٌ من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة فاجتويناها. فقالوا: ما لكم في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا هم مسلمون، فأنزل الله - عز وجل - ( - - رضي الله عنهم - - - ( ( - ( - - - - (( - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( الله أكبر ( الله - - ((((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - { (( ( الآية. حتى جاءوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون ثم ارتدوا بعد ذلك فاستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ليأتوا ببضائع فيتجرون فيها فاختلف فيهم المؤمنون فقائل يقول: هم منافقون، وقائل يقول: هم مؤمنون، فبيَّن اللهُ تعالى نفاقهم وأنزل هذه الآية وأمر بقتالهم.(4/266)
ويقول النسفي في تفسيرها: ( - - رضي الله عنهم - - - ( ( - ( - - - ( مبتدأ وخبر ( - (( - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( الله أكبر ( الله - - ((((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - { (( ( أي ما لكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقًا ظاهرًا وتفرقتم فيهم فريقين ولم تقطعوا القول بكفرهم، وذلك أن قومًا من المنافقين استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخروج إلى البدو معتلِّين باجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم: هم كفار، وقال بعضهم: هم مسلمون ( ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - } - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( ردَّهم إلى حكم الكفَّار فردوهم أيضًا ولا تختلفوا في كفرهم ( - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( أتريدون أن تسموهم مؤمنين وقد أظهر اللهُ ضلالهم، فيكون تعييرًا لمن سمَّاهم مهتدين ( } - - صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - - - - رضي الله عنهم - - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - - ( } ( - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( أي ودُّوا لو تكفرون كفرًا مثل كفرهم أي مستوين أنتم وهم في الكفر( - - - ( } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - (((4/267)
- - مقدمة } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - ( - - (( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - ( فلا توالوهم حتى يؤمنوا لأن الهجرة في سبيل الله بالإسلام ( تمت ( - - ( } - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - - ( عن الإيمان ( ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( حيث وجدتموهم كما كان حكم سائر المشركين ( - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((- رضي الله عنه - - - - فهرس - ( { } الله ( قرآن كريم - - ( أي ينتهون إليهم ويتصلون بهم، والاستثناء من قوله ( ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( دون الموالاة أي إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم، أي الذين يتصلون بالمعاهدين أو الذين لا يقاتلونكم. أهـ.
يقول القرطبي عن الروايات الأولى: قلت: وهذان القولان يعضدهما سياق آخر الآية في قوله: ( - (( - - مقدمة } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - ( - (. أهـ.(4/268)
أقول: عاب اللهُ عزَّ وجلّ على من لم يقطع القول بكفرهم، ولم يكفر من لم يكفرهم، وقال عنهم إنهم مسلمون، والصحابة والرسول لم يكفروا من لم يكفرهم من الصحابة، والرسول عندهم لم يَنْهَ إحدى الطائفتين عن شيء ولم يقطع بكفرهم ويصوب من كفرهم ويخطئ فضلاً عن أن يكفر من لم يكفرهم حتى نزلت الآية فقال عن المدينة: «إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد» وكفرهم ثابت بنصوص سابقة على هذا النص إذ لو كان هذا النص أول نص يحكم في هذا المناط لقال اللهُ - عز وجل - عنهم كما قال عمن استغفر للمشركين: ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( - - - } - ((( - ( - - - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( { ( المحتويات ( - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - (( - - مقدمة - (( } (- رضي الله عنه - - ( - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - } تم بحمد الله - - قرآن كريم ( { ( - - رضي الله عنه - - ((1).
إذ لا تحريم ـ فضلاً عن التكفير ـ إلا بنص، ولا تجريم إلا بتحريم ولا عقوبة إلا بتجريم، وغير المسبوق في هذا النص فقط هو بيان كيفية التعامل معهم لا حكمهم وإذ لو كان حكمهم ما عاب على من لم يكفرهم ولا ما وجب تكفيرهم أصلاً قبل نزول الحكم، وما كانوا ليكفروا أصلاً حتى يُبيِّن اللهُ لهم عزَّ وجلّ ما يتقون، ومع ذلك لم يكفر الله عزَّ وجلّ من تولاهم وقال عنهم إنهم مسلمون في هذا التماري الذي وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم في شأنهم؛ وذلك لخفاء المناط في شأنهم وكون ترك التكفير اجتهادًا في التعرف على المناط وليس لجحد النص أو ردًّا لأمر الله عزَّ وجلّ عليه.
__________
(1) التوبة، آية: 115.(4/269)
ثانيًا: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الخوارج بعد بيان مروقهم «فيتمارى في الفوقة» وهذا معناه وقوع الاختلاف في كفرهم بين العلماء رغم وضوحه ولا يكفر من لم يكفرهم.
ثالثًا: اختلف الصحابة والأئمة الأربعة في تكفير تارك الصلاة وتارك الواحد من المباني الأربعة ولم يكفر بعضهم بعضًا، كما اختلفوا في تكفير الحَجَّاج وغيره ولم يكفر بعضهم بعضًا.
رابعًا: يقول ”صاحب الانتصار لحزب الله الموحدين“ عن شيخ الإسلام ابن تيمية: «مع أن رأي الشيخ رحمه الله تعالى ـ في التوقف عن تكفير الجهمية ونحوهم ـ خلاف نصوص الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام قال المجد رحمه الله: كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنَّا نفسِّق المقلد فيها كمن قال: بخلق القرآن أو أن علم الله مخلوق أو أن أسماءه مخلوقة أو أنه لا يرى في الآخرة، أو سبَّ الصحابة تدينًا، أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد وما أشبه ذلك فمن كان عالمًا في شيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره، نص أحمد على ذلك في مواضع». أهـ.
وخالفه في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض ما ذهب إليه والإمام هو الإمام، وشيخ الإسلام هو شيخ الإسلام، ولم يكفِّر من يقول بقول الإمام أحمد شيخَ الإسلام ابن تيمية لتركه تكفير من يكفرون، بل ابن تيمية من الأئمة عندهم.
3- وقالوا: التعليم طاغوت، والجيش طاغوت، ومن لم يكفر بالطاغوت فهو كافر.
والفيصل في هذا الرجوع إلى القاعدة ”المعاصي من أمر الجاهلية ولا يَكْفر أو لا يُكفَّر مرتكبها إلا بالشرك“ ـ باب البخاري ـ ولتحديد النواقض المكفرة للتوحيد لابد من وجود ضوابط ثلاثة:
أولاً: أن تكون نواقض لإفراد الله عزّ وجلّ بما لا يكون إلا لله عزَّ وجلّ.(4/270)
ثانيًا: أن يوجد نص يتنزل على مناط يفيد النقل عن الملة بالضوابط اللغوية التي سبق إيضاحها وأن يتم تنقيح المناط وتحقيقه لتحديد ما ينزل عليه الحكم بدقة بالغة وإخراج ما لا يتنزل عليه الحكم أو ما يكون له نصيب من الحكم دون نصه المخرج من الملة.
ثالثًا: أن تكون هذه النواقض محرمة تحريمًا أبديًا لا تباح في حال دون حال أو وقت دون وقت بحيث لم يكن المسلم مسلمًا في أي وقت وهو يفعلها.
هذا مع مراعاة قواعد الشريعة من دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما مثلا واعتبار المآلات وفتح وسد الذرائع ومراعاة قواعد الضرورة وأحكام التقية والإكراه وما إلى ذلك.
وإذا روعى كل ذلك فإن التعليم واجب إن لم يكن عينيًا فهو كفائي والجيش أحيانًا يكون واجبًا وأحيانًا يكون مباحًا وأحيانًا يكون ضرورة... إلخ. وعبادة غير الله على وجه الشرك الأعظم مخرجة من الملة وإن لم يكن المعبود طاغوتًا ملكًا كان أو نبيًا.
المدخل إلى الفهم دائمًا هو القواعد المحكمة لا الأمور المجملة وفهم الأمور المجملة بعد ذلك في إطار المحكم ليتبيَّن لنا معنى آخر إضافيًا في وجه الطاغوتية في الأمر ودخوله أو عدم دخوله بعد استقرار كون الفعل شركًا أعظمًا بقواعد وضوابط الأصول.
4- وقالوا: عن البقاء في ديار تعلوها أحكام الكفر { إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ } فالبقاء كفر.
... وأجري بعضهم القاعدة على نفسه فكفر نفسه وقال لغيره أنا كافر أدعوك إلى الإسلام ولا إسلام لك إلا بالهجرة إلى مكان لا تعلوه أحكام الكفر. إلى آخر هذا الهراء.(4/271)
وأساؤوا الفهم جدًا، ففي حالة الاستضعاف وفي غير حالة الاستضعاف للبقاء للدعوة كالذين أسلموا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقوا في قومهم من الروم يدعونهم إلى الإسلام وعرفهم عمر إبان الفتح لهذه البلاد وغير ذلك كثير ينطبق عليهم قول الله :- عز وجل - { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ - وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } (1). فلم يأمر جلَّ وعلا باعتزال مجالسهم مطلقًا بل وقت الخوض فقط وإذا نسي يقوم عندما يتذكر وإذا منعه شيء أن يقوم عندما يتذكر فليس عليه شيء من حسابهم ولكن الأحسن أن يقوم لتحصيل كمال التقوي والمعنى واضح جدًا.
وكذلك في قول الله :- عز وجل - { إِن نَّعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } (2). المعفو عنه رجل جاز أن يسمى طائفة لاختلاف موقفه عنهم أحجم عن أن ينكر بلسانه خوفًا من تطاولهم عليه وأنكر بقلبه ولم يعتزل مسيرهم فكان جرمه غير جرمهم، وكذلك قالوا عن الذين لم ينكروا على أصحاب السبت أن الربَّ سبحانه أغفلَ ذكرهم وذكر من أنكر بالخير إشادة بهم وسكت عن هؤلاء الذين سكتوا عن الإنكار ولكنهم أنكروا بقلوبهم فلم يشاركوا من احتال على الشرع في جرمهم ولم يأخذوا حكمهم ولم يهلكوا معهم وهم في محل العفو أو المؤاخذة ولكن دون جرم الكفر بالاحتيال على الشرع مثل أصحاب السبت.
__________
(1) الأنعام، آيات: 68-69.
(2) التوبة، آية: 66.(4/272)
أما قول الله - عز وجل -: { إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ } (1) فهذا مناط معين كثَّر فيه المنافقون سواد الطاعنين في دين الله ترويجًا لباطلهم ابتغاءً للعزة عندهم وهم بهذا الفعل كفَّار في الدرك الأسفل من النَّار.
أما الأرض الواحدة فقد تشمل دارين بالمعنى الاعتباري كوجود المسلمين مع اليهود في المدينة في وقت ما ودخولهم معهم في عهود.
وكل ما جاء في «إذا لم تزل المنكر فزل عنه»، «ولا تري مشركًا إلا وأنت له حرب»، «ولا يتراءى ناراهما»، «ومن جامع المشرك وسكن معه فهو مثله». إلى آخر هذه النصوص.
فهو أولاً: في حالة التمكين وليس الاستضعاف أو البقاء للدعوة. ثانيًا: المعنى: المباينة وترك الولاء واتخاذ الوليجة والبطانة لا مجرد المشاركة في أرض واحدة في استضعاف أو في تمكين وعدم حدوث المزايلة للمنكر لا يقتضي الكفر وعدم مباينة الكافرين لا يقتضي الكفر بالضرورة ولكن لكل حالة ظروفها ويرجع إلى القواعد التي بيَّناها في البند السابق.
5- قالوا: الكفر يثبت بالتبعية للدار كما يثبت الإسلام بالتبعية للدار، والدار دار كفر فيكون كل الناس كفارًا كفرًا أصليًا إلا من علمنا إسلامه.
والمسلم في دار الكفر ـ حتى دار الكفر الأصلي أو الردة عن أصل الدين أو إلى بدعة مكفرة فضلا عن الردة عن الشرائع ـ لا يثبت كفره بالتبعية للدار ما لم تتغير تبعيته هو واقرؤوا كل كتب السير من أولها لآخرها لا تجدوا غير ذلك فمن أين لكم هذا الفقه العجيب؟!!!
وقد مرَّ اجتهاد العلماء في دور الردة عن الشرائع وعلمنا أنه إذا لم تتغير التبعية بكون الكفر ثبت بالاسم الظاهر بحيث يغني الاسم عن المسمى ويكون التميز قد وقع بالفسطاطات أو بالانتساب وبكون الطائفة قادرة على توريث أبنائها ما هى عليه، ويكون أمر التابع كأمر المتبوع.
__________
(1) النساء، آية: 140.(4/273)
فيكون حكم الدار لها صفة دار الكفر وحكم دار الإسلام، ويثبت بذلك إسلام الوليد واللقيط والمجنون ومجهول الحال بتبعية الوالدين أو أفضلهما دينًا أو الدار. ومعروف أن الناس أخلاط شتى ومواقف متباينة بخصوص الردة عن الشرائع «فمن أنكر فقد سلم ومن كره فقد برئ ولكن من رضى وتابع» ومن التبس عليه الأمر في بعض الأمور مع عدم رغبة عن شرع الله إلى غيره أو عدله به أو رغبته عن ولاية الإسلام إلى غيرها أو عدلها بها عرَّفناه، ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة.
6- قالوا مجرد إلقاء السلام أو الصلاة في مسجد فيه مشركون ولو كان المسجد الحرام ولاءُ كافرين يكفر به صاحبه.
وقلنا أن الولاء للراية وله مناطات محددة حددها القرآن لا يثبت باللغة وإنما يثبت بالشرع وأن ما ذكروه ليس ولاءً: لا مطلقًا لأن هذا لا اجتهاد فيه ويتحدد بالشرع، ولا مقيدًا لأنه لا يدخل في معناه. والولاء المقيد لا يكفر به صاحبه.
والولاءات المطلقة:
1- التآمر مع المشركين على المسلمين لتغليب راية على راية ـ لتغلب خيل اللات خيل محمد ـ مالؤوهم في الباطن على الباطل.
2- مظاهرة المشركين في العلن لتغليب راية على راية.
3- ترجيح ولاية القبيلة على ولاية الإسلام أو عدلها بها.
4- انعدام الولاء للمسلمين أصلاً ومظاهرة المسلمين على الكافرين أو الكافرين على المسلمين أو التآمر معهم عليهم على حسب المصلحة وحسابات المواقف { لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ } (1) الجاسوس المحترف والذي من الممكن أن يكون مروقًا أحيانًا.
5- الدخول تحت ولاية الكافرين طوعًا.
6- تكثير سواد الطاعنين في دين الله ترويجًا لباطلهم ابتغاءً للعزة عندهم.
7- التفرق المطلق.
8- التشبُّه المطلق.
والمواقف الفردية ليس فيها ولاء ما لم تؤد إلى ولاء للراية بسبب الولاء للفرد.
7- قالوا: الطاعة إذا لم تكن فيها شهوة فهى طاعة في تشريع والطاعة في تشريع كفر.
__________
(1) النساء، آية: 143.(4/274)
ونقول: مجرد الخضوع للقوانين الكفرية في حالة الاستضعاف ليس كفرًا ما لم يكن مع الرضى والمتابعة ودليلها المشايعة، أما إذا كان مع الكره والإنكار فقد برئ صاحبه من الشرك، وإذا أنكر فقد سلم من المؤاخذة مع مراعاة حالات: الضرورة والتقية والإكراه من إجبار إلى تهديد إلى استضعاف. والعبرة هى هل تحقق مناط قبول التكليف أو الحكم من غير الله أم لم يتحقق، فإذا تحقق تحقق الكفر وإذا لم يتحقق لم يتحقق.
8- قالوا: مَنْ دافع عن نفسه أو طلب حقه من السلطات كفر فقد تحاكم إليها ومن تحاكم إليها فقد كفر.
ونقول: يجب أن نفرق بين التحاكم وبين استيفاء الحق، فاستيفاء الحق يطلبه الرسول أو الإمام من الكفار ممن لهم ولاية على مغتصب الحق، كذلك الدفع عن النفس بما يخولنا إياه الشرع ولا نعدل عن ذلك أبدًا إلا في حالات نادرة تحْكُمُنَا فيها ضرورة ماسة اعتبارًا للغُنْم بالغرم والأولي ترك ذلك. والتحاكم الصريح هو العدول عن الحكم الشرعي والحاكم الشرعي مع وجوده إلى غيره كمن عدل عن حكم الرسول- صلى الله عليه وسلم - إلى حكم كعب بن الأشرف أو غيره، وكذلك طلب حق من قانون يمنعه الشرع منعًا باتًا وهو في نظر الشرع باطل واغتصاب لحقوق الآخرين.
بدعة التكفير بالمعصية
(مذهب الخوارج)
يقولون الإصرار هو الكفر الذي يقوم به حد الردة. ولا يعرفون الفرق بين الإصرار والاستحلال. ونقول:
أولا: يقول اللهُ - عز وجل -: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُّقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ - إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (1).
__________
(1) المائدة، آيتان: 33-34.(4/275)
يقول ابن كثير(1): المحاربة: المضادة والمخالفة وهى صادقة على الكفر وعلي قطع الطريق وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر حتى قال كثيرٌ من السلف منهم سعيد بن المسيب أن قبض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض وقد قال اللهُ تعالى: { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ } (2).
ويذكر أسباب النزول فيقصرها في ثلاثة أنواع:
1- المشركين: يقول كما قال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا يحيي بن واضح حدثنا الحسين بن واقد عن يزيد بن عكرمة والحسن البصري وطريق آخر رواه أبو داود والنسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس.
2- المعاهدين من أهل الكتاب: فيقول: وقال علىٌّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً } الآية. قال: «كان قومٌ من أهل الكتاب بينهم وبين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عهدٌ وميثاق فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فخيَّر اللهُ رسولَهُ إنْ شاء أن يقتل وإن شاء أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف» رواه ابن جرير.
3- المرتدين: وروى حديث العرنيين وهو مشهور من حديث البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن مردويه والترمذي من حديث حمَّاد بن سلمة وابن أبي حاتم وابن جرير.
ويقول عن سمل الأعين ورواه مسلم من طريق سليمان التيمي عن أنس قال: إنما سمل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء. ويُعَلِّق على قول بعض الرواة والمفسرين. أما قوله فكره الله سمل الأعين فأنزل الله هذه الآية فإنه منكر، وقد تقدم في صحيح مسلم أنهم سملوا أعين الرعاء فكان ما فعل بهم قصاصًا.
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج2، ص 47-52.
(2) البقرة، آية: 205.(4/276)
أما قوله وروى شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: «نزلت في الحرورية» يقصد حكمها في الحرورية. ويقول ابن كثير عن حكمها أنها عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات.
وعن أن الآية نزلت معاتبة للرسول- صلى الله عليه وسلم - يقول وكان هذا القول ذُكر لأبي عمرو يعني الأوزاعي فأنكر أن تكون نزلت معاتبة وقال بل كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الآية عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم ورفع عنهم السمل.
ويقول ثم قد احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء في ذهابهم إلى أن حكم المحارب في الأمصار وفي السبلان على السواء لقوله: { وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا } وهذا مذهب مالك والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل حتى قال مالك في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتًا فيقتله ويأخذ ما معه إن هذه محاربة ودمه إلى السلطان لا إلى وليّ المقتول ولا اعتبار بعفوه عنه في إسقاط القتل. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تكون المحاربة إلا في الطرقات أما في الأمصار فلا، لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث بخلاف الطريق لبعده عمن يغيثه ويعينه.
ويقول عن قوله تعالى: { أَن يُّقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ } قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية مَنْ شَهَرَ السلاح في فئة الإسلام وأخاف السبيل ثم ظُفِرَ به وقُدِرَ عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار. يقول: وكذا قال سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وحكي مثله عن مالك بن أنس. يقول: وقال الجمهور: هذه الآية منزلة على أحوال.(4/277)
وفي معنى { يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِِ } قال بعضهم هو أن يطلب حتى يقدر عليه فيقام عليه الحدُّ أو يهرب من دار الإسلام. رواه ابن جرير عن ابن عباس وأنس بن مالك وسعيد بن جبير والضحاك والربيع بن أنس والزهري والليث ابن سعد ومالك بن أنس. وقال آخرون هو أن ينفي من بلده إلى بلد آخر أو يخرجه السلطان أو نائبه من معاملته بالكلية. وقال الشعبي ينفيه ـ كما قال ابن هبيرة ـ من عمله كله. وقال عطاء الخراساني ينفي من جند إلى جند سنين ولا يخرج من دار الإسلام وكذا قال سعيد بن جبير وأبو الشعثاء والحسن والزهري والضحَّاك ومقاتل بن حيان أنه ينفي ولا يخرج من أرض الإسلام. وقال آخرون المراد بالنفي ههنا السجن وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. واختار ابن جرير أن المراد بالنفي ههنا أن يخرج من بلده إلى بلد آخر فيسجن فيه. يقول ابن كثير: وقال ابن جرير في قوله { ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا } يعني شرٌ وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة { وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي إذا لم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا. يقول ابن كثير: وقوله تعالى: { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أما على قول من قال أنها في أهل الشرك فظاهر، وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل. وهل يسقط قطع اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء. وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة، كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشعبي قال كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة وكان قد أفسد في الأرض وحارب فكلم رجالاً من قريش منهم الحسن بن على وابن عباس وعبد الله بن جعفر فكلموا عليًا فيه فلم يؤمنه فأتي سعيد بن قيس الهمداني فخلفه في داره ثم أتي عليًا فقال يا أمير المؤمنين(4/278)
أرأيت من حارب الله ورسوله وسعي في الأرض فسادًا فقرأ حتى بلغ { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } قال فكتب له أمانًا قال سعيد بن قيس فإنَّه حارثة بن بدر وكذا رواه بن جرير من غير وجه عن مجالد عن الشعبي به وزاد.
فقال حارثة بن بدر:
ألا بلغن همدان أما لقيتها ... على النأي لا يسلم عدو يعيبها
لعمر أبيها إن همدان تتقي ... ... الإله ويقضي بالكتاب خطيبها
وروى ابن جرير من طريق سفيان الثوري عن السدي ومن طريق أشعث كلاهما عن عامر الشعبي قال: جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمارة عثمان رضى الله عنه بعدما صلي المكتوبة فقال: يا أبا موسى هذا مقام العائذ بك أنا فلان بن فلان المرادي وإني كنت حاربت اللهَ ورسولَه وسعيت في الأرضِ فسادًا وإنِّي تبتُ من قبل أن تقدروا على. فقام أبو موسى فقال: إنَّ هذا فلان بن فلان وإنه كان حارب اللهَ ورسولَه وسعي في الأرض فسادًا وأنه تاب من قبل أن نقدر عليه، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير، فإن يك صادقًا فسبيل من صدق، وإن يك كاذبًا تدركه ذنوبه، فأقام الرجل ما شاء الله ثم إنه خرج فأدركه الله تعالى بذنوبه فقتله. ثم قال ابن جرير: حدثني عليّ حدثني الوليد بن مسلم قال: قال الليث وكذلك حدثني موسى بن إسحق المدني وهو الأمير عندنا أن عليًّا الأسدي حارب وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال فطلبه الأئمة والعامة فامتنع ولم يقدروا عليه حتى جاء تائبًا وذلك أنه سمع رجلاً يقرأ هذه الآية { قُلْ يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفٌسِهِم لا تقَنْطَوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ } (1) فوقف عليه فقال: يا عبد الله أعد قراءتها فأعادها عليه فغمدَ سيفه ثم جاء تائبًا حتى قدم المدينة من السحر فاغتسل ثم أتي مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلي الصبح
__________
(1) الزمر، آية: 53.(4/279)
ثم قعد إلى أبي هريرة في أغمار أصحابه فلما أسفروا عرفه الناس فقاموا إليه. فقال: لا سبيل لكم عليّ جئتُ تائبًا من قبل أن تقدروا عليَّ. فقال أبو هريرة: صدق وأخذ بيده حتى أتي مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة في زمن معاوية فقال: هذا عليٌّ جاء تائبًا ولا سبيل لكم عليه ولا قتل، فترك من ذلك كله قال: وخرج عليٌّ تائبًا مجاهدًا في سبيل الله في البحر فلقوا الروم فقرنوا سفينة إلى سفينة من سفنهم فاقتحم على الروم في سفينتهم فهربوا منه إلى شقها الآخر فمالت به وبهم فغرقوا جميعًا». أهـ.
وأما الطبري(1): فذكر أسباب النزول في أربعة أسباب للنزول:
الأول: فقال بعضهم نزلت في قوم من أهل الكتاب كانوا أهل موادعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فعرَّف اللهُ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - الحكم فيهم.
الثاني: كالأول غير أنه لم يذكر أنهم من أهل الكتاب. يقول حدثني المثني قال حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن جويبر عن الضحاك قال: كان قومٌ بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميثاق فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض فخيَّر اللهُ عزَّ وجلَّ نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيهم فإن شاء قتل وإن شاء صلب وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.
الثالث: نزلت في المشركين.
الرابع: في المرتدين وساق الحديث.
__________
(1) تفسير الطبري، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، ج10، ص 243.(4/280)
ثم يقول بعد ذلك(1): وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال أنزل اللهُ هذه الآية على نبيه - صلى الله عليه وسلم - مُعَرفة حكمه على من حارب الله ورسوله وسعي في الأرض فسادًا بعد الذي كان من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرنيين ما فعل. إلى أن يقول: فإن قال لنا قائل وكيف يجوز أن تكون الآية نزلت في الحال التي ذكرت من حال نقض كافر من بني إسرائيل عهده، ومن قولك أن حكم هذه الآية حكم من الله في أهل الإسلام دون أهل الحرب من المشركين. قيل: جاز أن يكون ذلك كذلك لأن حكم من حارب الله ورسوله وسعي في الأرض فسادًا من أهل ذمتنا وملتنا واحد، والذين عنوا بالآية كانوا أهل عهد وذمة وإن كان داخلاً في حكمها كل ذميِّ ومليّ وليس يبطل بدخول من دخل في حكم الآية من الناس أن يكون صحيحًا نزولها فيمن(2) نزلت فيهم.
__________
(1) تفسير الطبري، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، ج10، ص 251.
(2) أي أن الآية نزلت في ناقضي العهد من كفار بني إسرائيل ويشمل حكمها الذمي والملي وإنما أنزلت بعد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العرنيين.(4/281)
ويتكلم عن السمل فيقول: وقد اختلف أهل العلم في نسخ حكم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في العرنيين فقال بعضهم ذلك حكم منسوخ نسخه نهيه عن المثلة بهذه الآية. وقالوا: أنزلت الآية عتابًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما فعل بالعرنيين. وقال بعضهم: بل فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالعرنيين حكم ثابت في نظرائهم أبدًا لم يبدَّل ولم ينسخ. وقوله: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } (1) الآية ـ حكم من الله فيمن حارب وسعي في الأرض فسادًا بالحرابة ـ قالوا: والعرنيون ارتدوا وقتلوا وسرقوا وحاربوا اللهَ ورسوله فحكمهم غير حكم المحارب الساعي في الأرض بالفساد من أهل الإسلام أو الذمة. ويقول عمن أنكر أيضًا أن تكون الآية نزلت معاتبة: حدثني عليّ بن سهل قال حدثنا الوليد بن مسلم قال: ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا. فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاتبة في ذلك وعلمه عقوبة مثلهم من القطع والقتل والنفي ولم يسمل بعدهم غيرهم. قال: وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال بلي كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم فرفع عنهم السمل. ويختار ابن جرير القول بعدم الفرق بين المصر والخلاء في الحراب بعد أن يذكر القولين، ويختار القول بأن الآية منزلة على أحوال في العقوبة وأنه لا يصح فيها الاختيار حتى لا يترك قتل القاتل ويقتل غير القاتل في حالة التخيير المطلق للإمام.
__________
(1) المائدة، آية: 33.(4/282)
ويقول في معنى النفي: ذكر من الروايات مثلما ذكر ابن كثير على الأوجه كلها ورجَّح كما قال ابن كثير عنه أن يخرج من بلده إلى بلد آخر فيسجن فيه. يقول هو عن سبب ترجيحه لهذا الوجه(1): وإنما قلت ذلك أولي الأقوال بالصحة لأن أهل التأويل اختلفوا في معنى ذلك على أحد الأوجه الثلاثة التي ذكرت؛ وإذ كان ذلك كذلك وكان معلومًا أن اللهَ جلَّ ثناؤه إنما جعل جزاء المحارب القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف بعد القدرة عليه لا في حال امتناعه، كان معلومًا أن النفي أيضًا إنما هو جزاؤه بعد القدرة عليه لا قبلها، ولو كان هربه من الطلب نفيًا له من الأرض كان قطع يده ورجله من خلاف في حال امتناعه وحربه على وجه القتال بمعنى إقامة الحد عليه بعد القدرة عليه، وفي إجماع الجميع على أن القطع في حال الامتناع لا يكون بمعنى إقامة الحد وذلك دليل على أن الطلب في حالة الامتناع لا يقوم مقام نفيه الذي جعله الله عزَّ وجلّ حدًا له بعد القدرة عليه. ويقول في قوله: { وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فلم يتوبوا من فعلهم هذا حتى هلكوا. ويقول في تأويل قوله تعالى: { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بعد أن يذكر قول من قال أنها في المشركين يقول(2): وقال آخرون بل هذه الآية معنيٌّ بها أهل الإسلام من قطع منهم الطريق وهو مقيم على إسلامه ثم استأمن فأومن على جناياته التي جناها وهو للمسلمين حرب، ومن فعل ذلك منهم مرتدًا عن الإسلام فلحق بدار الحرب ثم استأمن فأومن، قالوا: فإذا أمَّنه الإمام على جناياته التي سلفت لم يكن قِبَله لأحد تَبِعَة في دم ولا مال أصابه قبل توبته وقبل أمان الإمام إياه، ثم ذكر نص حارثة بن بدر وأمان عليّ كرم الله وجهه له.
__________
(1) تفسير الطبري، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، ج10، ص 274.
(2) تفسير الطبري، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، ج10، ص 279.(4/283)
وقال آخرون(1): معنى ذلك كل من جاء تائبًا من الحراب قبل القدرة عليه استأمن الإمام فأمنه أو لم يستأمنه بعد أن يجئ مستسلمًا تاركًا للحرب، ثم يذكر قصة الرجل المرادي عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ثم يقول حدثني علىٌّ بن سهل قال حدثنا الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك أرأيت هذا المحارب الذي قد أخاف السبيل وأصاب الدم والمال فلحق بدار الحرب أو تمنع في بلاد الإسلام ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقدر عليه. قال: تقبل توبته. قال: قلت: فلا يُتَّبع بشيء من أحداثه. قال: لا إلا أن يوجد معه مال بعينه فيرد إلى صاحبه، ويطلبه وليُّ من قتل بدم في حربه يثبت ببيِّنة أو اعتراف فيقاد به، وأما الدماء التي أصابها ولم يطلبها أولياؤها فلا يتبعه الإمام بشيء. قال علىٌّ: قال الوليد: فذكرت ذلك لأبي عمرو(2) فقال: تقبل توبته إذا كان محاربًا للعامة والأئمة قد أذاهم بحربه فشهر سلاحه وأصاب الدماء والأموال فكانت له منعة أو فئة يلجأ إليها أو لحق بدار الحرب فارتد عن الإسلام أو كان مقيمًا عليه ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقدر عليه قُبِلَت توبته ولم يتَّبع بشيء منها. حدثني عليّ قال حدثنا الوليد قال: قال أبو عمرو: سمعت ابن شهاب الزهري يقول ذلك.
__________
(1) المصدر السابق، ص 282.
(2) الأوزاعي - رضي الله عنه -.(4/284)
حدثني علىٌّ بن سهل قال حدثنا الوليد قال: ذاكرت قول أبي عمرو ومالك لليث بن سعد في هذه المسألة. فقال: إذا أعلن بالمحاربة للعامة والأئمة وأصاب الدماء والأموال فامتنع بمحاربته من الحكومة عليه أو لحق بدار الحرب ثم جاء تائبًا من قبل أن يقدر عليه قبلت توبته ولم يتبع بشيء من أحداثه في حربه من دم خاصة ولا عامة وإن طلبه وليُّه. ثم يروي الليث عن موسى بن إسحاق المدني قصة على الأسدي مع أبي هريرة ومروان بن الحكم عامل المدينة زمن معاوية، ثم يقول ابن جرير حدثنا ابن البرقي قال حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا نافع بن يزيد قال حدثني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي وعن أبي معاوية عن سعيد بن جبير قالا: إن جاء تائبًا لم يقتطع مالا ولم يسفك دمًا ترك فذلك الذي قال الله: { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } الآية. يعني بذلك أنه لم يسفك دمًا ولم يقتطع مالاً. وقال آخرون: بل عَنَى بالاستثناء في ذلك التائب من حربه الله ورسوله والسعي في الأرض فسادًا بعد لحاقه في حربه بدار الكفر، فأما إذا كانت حرابته وحربه وهو مقيم في دار الإسلام وداخل في عمار الأمة فليست توبته واضعة عنه شيئًا من حدود الله عزَّ وجلّ ولا من حقوق المسلمين والمعاهدين، بل يؤخذ بذلك. روى ذلك عن عروة وروى عنه خلافه وهو ما حدثني به علىٌّ قال حدثنا الوليد قال أخبرني من سمع هشام بن عروة عن عروة قال: عمن يفر إلى دار الكفر، يقام عليه حد ما فرَّ منه ولا يجوز لأحد فيه أمان يعني الذي يصيب حدًا ثم يفر فيلحق بالكفار ثم يجئ تائبًا.(4/285)
وقال آخرون: إن كانت حرابته وحربه في دار الإسلام وهو في غير منعة من فئة يلجأ إليها ثم جاء تائبًا قبل القدرة عليه فإن توبته لا تضع عنه شيئًا من العقوبة ولا من حقوق الناس، وإن كانت حرابته وحربه في دار الإسلام أو هو لاحق بدار الكفر غير أنه في كل ذلك كان يلجأ إلى فئة تمنعه ممن أراده من سلطان المسلمين ثم جاء تائبًا قبل القدرة عليه فإن توبته تضع عنه كل ما كان من أحداثه في أيام حرابه تلك إلا أن يكون أصاب حدًا أو أمر الرفقة بما فيه عقوبة أو غُرم لمسلم أو معاهد وهو غير ملتجئ إلى فئة تمنعه فإنه يؤخذ بما أصاب من ذلك وهو كذلك ولا يضع ذلك عنه توبته.
يقول ابن جرير: حدثني علىٌّ حدثنا الوليد قال: ذكرت لأبي عمرو قول عروة ـ يقام عليه حد ما فرَّ منه ولا يجوز لأحد فيه أمان ـ فقال أبو عمرو: وإنْ فرَّ من حدثه في دار الإسلام فأعطاه الإمام أمانًا لم يجز أمانه وإن هو لحق بدار الحرب ثم سأل إمامًا أمانًا على أحداثه لم ينبغ للإمام أن يعطيه أمانًا، وإن أعطاه الإمام أمانًا وهو غير عالم بأحداثه فهو آمن، وإن أعطاه أمانًا على أحداثه وهو يعرفها فالإمام ضامن واجب عليه عقل ما كان أصاب من دم أو مال، وكان فيما عطل من تلك الحدود والدماء آثمًا وأمره إلى الله عزَّ وجل. وقال أبو عمرو: فإذا أصاب ذلك وكانت له منعة أو فئة يلجأ إليها أو لحق بدار الحرب فارتد عن الإسلام أو كان مقيمًا عليه ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقدر عليه قبلت توبته ولم يُتَّبع بشيء من أحداثه التي أصابها في حربه إلا أن يوجد معه شيء قائم بعينه فيرد إلى صاحبه. حدثني علىٌّ قال حدثني الوليد قال أخبرني بن لهيعة عن ربيعة قال: تقبل توبته ولا يتبع بشيء من أحداثه في حربه إلا أن يطلبه أحد بدم كان قد أصابه في سلمه قبل حربه فإنه يقاد به. وقال آخرون: تضع توبته عنه حد الله الذي وجب عليه بمحاربته ولا يسقط عنه حقوق بني آدم. وممن قال بذلك الشافعي حدثنا بذلك عنه الربيع.(4/286)
يقول ابن جرير(1): وأولي هذه الأقوال بالصواب عندي قول من قال توبة المحارب الممتنع بنفسه أو بجماعة معه قبل القدرة عليه تضع عنه تبعات الدنيا التي كانت لزمته في أيام حربه وحرابته من حدود الله وغرم لازم وقود وقصاص إلا ما كان قائمًا في يده من أموال المسلمين والمعاهدين بعينه فيرد على أهله لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة الممتنعة المحاربة لله ولرسوله الساعية في الأرض فسادًا على وجه الردة عن الإسلام، فكذلك حكم كل ممتنع سعي في الأرض فسادًا جماعة كانوا أو واحدًا فأما المستخفي بسرقته والمتلصص على وجه إغفال من سرقة والشاهر السلاح في خلاء على بعض السابلة وهو عند الطلب غير قادر على الامتناع، فإن حكم الله عليه تاب أو لم يتب ماض، وبحقوق من أخذ ماله وأصاب وليه بدم أو ختل مأخوذ وتوبته فيما بينه وبين الله جل وعز قياسًا على إجماع الجميع على أنه لو أصاب شيئًا من ذلك وهو للمسلمين سلم ثم صار لهم حربًا أنه حربه إياهم لن يضع عنه حقًا لله عزَّ ذكره ولا لآدمي فكذلك حكمه إذا أصاب ذلك في خلاء أو باستخفاء وهو غير ممتنع من السلطان بنفسه إن أراده ولا له فئة يلجأ إليها مانعة منه. ثم يقول: وفي قوله تعالى: { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } دليلٌ واضح لمن وفق لفهمه أن الحكم الذي ذكره الله في المحاربين يجري في المسلمين والمعاهدين دون المشركين الذين قد نصبوا للمسلمين حربًا، وذلك أن ذلك لو كان حكمًا في أهل الحرب من المشركين دون المسلمين ودون ذمتهم لوجب أن لا يُسقط إسلامهم عنهم إذا أسلموا أو تابوا بعدما قدر عليهم ما كان لهم قبل إسلامهم وتوبتهم من القتل وما للمسلمين من أهل الحرب من المشركين وفي إجماع المسلمين أن إسلام المشرك الحربي يضع عنه بعد قدرة المسلمين عليه ما كان واضعه عنه إسلامه قبل المقدرة عليه ما يدل على أن الصحيح
__________
(1) تفسير الطبري، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، ج10، ص 189.(4/287)
من القول في ذلك قول من قال: عني بآية المحاربين في هذا الموضع حراب أهله الملة أو الذمة دون من سواهم من مشركي أهل الحرب». أهـ.
والشاهد من ذلك كله أن المحارب المقيم على إسلامه لا يكفر بإصراره على الحرابة إذا لم يرتد ويحارب أو يحارب ثم يلجأ إلى الكفار مرتدًا وأن الحكم فيه إذا لم تقبل توبته كتوبة بعد القدرة عليه أو قبل القدرة عليه ولم يكن ممتنعًا هو:
1- القتل.
2- أو الصلب.
3- أوتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف دون أن يقتل أو يصلب.
4- أو أن يسجن في بلد غير بلده دون أن يقتل أو يصلب أو تقطع يده أو رجله من خلاف على حسب جرمه.
وإذا قتل فإنما يقتل حدًا لا ردة وهذا يعني أن الإصرار غير الاستحلال وأنه لا كفر بإصرار ولا حد ردة بإصرار.(4/288)
ثم ننتقل إلى ما جاء في ذلك في ”الصارم المسلول“ لشيخ الإسلام ابن تيمية، يقول(1): ما رويناه من حديث عبد الله بن صالح كاتب الليث قال حدثنا معاوية بن صالح عن علىٍّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : وقوله: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا } قال كان قومٌ من أهل الكتاب بينهم وبين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ميثاق فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فخيَّر اللهُ رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنه إن شاء أن يقتل وإن شاء أن يصلب وإن شاء أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. إلى أن يقول: وفي تفسير الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وإن كان لا يعتمد عليه إذا انفرد أنها نزلت في قوم موادعين وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وادع هلال بن عويمر وهو أبو بردة الأسلمي على ألا يعينه ولا يعين عليه ومن أتاه من المسلمين فهو آمن أن يهاج ومن أتي المسلمين منهم فهو آمن أن يهاج ومن مر بهلال بن عويمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو آمن أن يهاج. قال: فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من أسلم من قوم هلال ابن عويمر ولم يكن هلال يومئذ شاهدًا فنهدوا إليهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل عليه جبريل بالقصة فيهم ـ فقد ذكر أنها نزلت في قوم معاهدين لكن من غير أهل الكتاب ـ وروى عكرمة عن ابن عباس وهو قول الحسن: أنها نزلت في المشركين. ولعله أراد الذين نقضوا العهد كما قال هؤلاء فإن الكافر الأصلي لا ينطبق عليه حكم الآية.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 329-332.(4/289)
إلى أن يقول: وقد قال آخرون منهم ابن عمر وأنس بن مالك ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن جبير ومكحول وقتادة وغيرهم - رضي الله عنهم - أنها نزلت في العرنيين الذين ارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واستاقوا إبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وحديث العرنيين مشهور ولا منافاة بين الحديثين فإن سبب النزول قد يتعدد مع كون اللفظ عامًا في مدلوله، وكذلك كان عامة العلماء على أن الآية عامة في المسلم والمرتد والناقض كما قال الأوزاعي في هذه الآية: هذا حكم حكمه الله في هذه الأمة على من حارب مقيمًا على الإسلام أو مرتدًا عنه وفيمن حارب من أهل الذمة.
وقد جاء أثار صحيحة عن علىّ وأبي موسى وأبي هريرة وغيرهم - رضي الله عنهم - تقتضي أن حكم هذه الآية ثابت فيمن حارب المسلمين بقطع الطريق ونحوه مقيمًا على إسلامه ولهذا يستدل جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على حد قطاع الطريق بهذه الآية. أهـ.
ثانيًا: حكم الله - عز وجل - في القذف يقول - عز وجل -: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ - إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (1)
__________
(1) النور، آيتان: 4-5.(4/290)
يقول ابن كثير(1): فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام: أحدها: أن يجلد ثمانين جلدة. الثاني: أن ترد شهادته أبدًا. الثالث: أن يكون فاسقًا ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس. ثم قال تعالى: { إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } الآية. واختلف العلماء في هذا الاستثناء هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط فترفع التوبة الفسق فقط ويبقي مردود الشهادة دائمًا وإن تاب، أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة، وأما الجلد فقد ذهب وانقضي ـ سواء تاب أم أصرّ ـ ولا حكم له بعد ذلك بلا خلاف. فذهب الإمام مالك وأحمد والشافعي إلى أنه إذا تاب قبلت شهادته وارتفع عنه حكم الفسق، ونص عليه سعيد بن المسيب سيد التابعين وجماعة من السلف. وقال الإمام أبو حنيفة: إنما يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط فيرتفع الفسق بالتوبة ويبقي مردود الشهادة أبدًا، وممن ذهب إليه من السلف القاضي شريح وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومكحول وعبد الرحمن بن زيد بن جابر. وقال الشعبي والضحاك لا تقبل شهادته وإن تاب إلا أن يعترف على نفسه أنه قد قال البهتان فحينئذ تقبل شهادته واللهُ أعلم. أهـ.
أقول: ومعنى الكلام أنه إذا لم يتب لا يرتفع وصف الفسق ويبقي مردود الشهادة ويبقي مصرًا على البهتان غير كافر بالإصرار ولا يقام عليه حد الردة بذلك ولم يوقت الشرع له زمنًا يكون بعده مصرًّا إن لم يتب ويقتل بالإصرار ردة. والتوبة تكون عند بعض العلماء بغير ذكر تبرئة المقذوف صراحة وبرمي نفسه بالبهتان، بل بمجرد أن يقول قد تبت من القذف أرتفع عنه وصف الفسق، فإن رمي نفسه بالبهتان وبرأ المقذوف صراحة فعند هؤلاء تقبل شهادته، ويبقي عند هؤلاء قبل أن يفعل ذلك مسلمًا مصرًا غير تائب وغير كافر أو مرتد بإصراره يقام عليه حد الردة.
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج3، ص 264.(4/291)
الفرق بين الاستحلال والإصرار يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ”الصارم المسلول“(1): «وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه وكذلك لو استحلها من غير فعل. والاستحلال:
ـ اعتقاد أن الله لم يحرمها.
ـ وتارة بكون عدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية، ولخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحدًا محضًا غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرمها ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المحرم فهذا أشد كفرًا ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء إما:
ـ لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته.
ـ وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردًا أو اتباعًا لغرض النفس وحقيقته كفر، هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، ولكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه ويقول أنا لا أقر بذلك ولا ألتزمه وأبغض هذا الحق وأنفر عنه، فهو نوع غير النوع الأول وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع بل عقوبته أشد وفي مثله قيل «أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه اللهُ بعلمه» وهو إبليس ومن سلك سبيله، وبهذا يظهر الفرق بين العاصي فإنه يعتقد وجوب ذلك الفعل عليه ويحب أن يفعله ولكن الشهوة والنفرة منعته عن الموافقة فقد أتى من الإيمان بالتصديق والخضوع والانقياد وذلك قول وعمل لكن لم يكمل العمل». أهـ.
التكفير بالمعصية وما يسمي بالكفر الحيني عند هؤلاء وأوضاع التوبة: هلك هؤلاء في ثلاثة مواضع:
__________
(1) الصارم المسلول، ص 459.(4/292)
الأول: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» فقالوا: كل من ارتكب ذنبًا يكفر أثناء ارتكابه الذنب ثم يعود للإيمان بعد ذلك.
الثاني: عدم اعتقادهم في عصمة الأنبياء مما هو مجمع عليه من عصمتهم من الكبائر باتفاق ومن الصغائر على القول الراجح، وأن الذنب في حق الأنبياء إنما هو فقط خلاف الأولى لمرتبة النبوة، فأدخلوا الأنبياء في الكفر الحيني الذي ابتدعوه وقالوا آدم، نوح، إبراهيم، موسى، محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كفروا ـ على حد زعمهم ـ فيما يذكر عنهم في القرآن من الذنوب، ومن يقول بكفر أنبياء الله فهو الأحق بوصف الكفر قطعًا ويقينًا وبلا أي تردد أو حرج فهم أكفر من الخوارج بالنسبة للنصوص التي تقول بكفر الخوارج.
الثالث: أنهم فهموا حديث يخرج الإيمان حتى يصير كالظلة فهمًا حسيًا. فقالوا: إن الإيمان يخرج كله عند الذنب فيكفر مرتكب الذنب ثم يدخل بعد ذلك ويظل الشخص هكذا يخرج منه الإيمان ثم يدخل حتى يموت، فإذا مات والإيمان في الخارج مات كافرًا، وإذا مات والإيمان في الداخل مات مسلمًا، وقد يظن من لا يعرف حقيقة ما عليه هؤلاء من الجهل والبدعة أن هذا تشنيع عليهم ولكن الحقيقة أن هذا معتقدهم فعلاً.
وهلكوا في ثلاثة مواضع أخرى متعلقة بالذنوب:
الأول: أن الإيمان جملة الفرائض وأنه إذا غابت شعبة واحدة من بضع وسبعين شعبة يكفر الإنسان بغياب هذه الشعبة، وأن الإيمان ليس فيه مراتب: مجمل وواجب وكامل مستحب.
الثاني: أن من مات مصرًا على ذنب واحد فإنه يموت كافرًا ويخلد في النار.(4/293)
الثالث: أن التائب يعذب على ذنبه الذي تاب منه، وحتى لا يعذب لابد أن تقترن توبته بأن يؤمن من جديد ويكثر من العمل الصالح، وذلك لما قيل لهم أن المصر على ذنبه ليس كافرًا لأنه يعذب على ذنبه ثم يدخل الجنة بعد ذلك. قالوا: هذا في الماضي ذنب ارتكبه ثم تاب منه ولم يمت عليه بدليل حديث أبي ذر«وإن زني وإن سرق» لم يقل الحديث وإن مات وهو يزني أو وهو يسرق هكذا.
والمعلوم من الدين بالضرورة ما قاله البخاري:”المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر مرتكبها أو لا يُكفَّر مرتكبها إلا بالشرك“ والمعلوم أيضًا من الدين بالضرورة أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأنه إن لم تقبل التوبة لم يصح إسلام أحد لأن الإسلام توبة من الكفر، ولذلك جاء في الحديث الصحيح «إن الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها» وفي حديث آخر «أن الإسلام يهدم ما قبله والتوبة تهدم ما قبلها» والمعلوم من الدين بالضرورة أن الله - سبحانه وتعالى - قال: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ } (1) فقال العلماء بالإجماع هذا لغير التائب وإن الله - سبحانه وتعالى - قال: { إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } (2) فقال العلماء بالإجماع هذا للتائب، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن الشرك لا يغفره الله لغير التائب. والمعلوم من الدين بالضرورة أن من مات مصرًّا على ذنب ومعصية ما لم يكن شركًا أعظمًا يموت مسلمًا، وأنه إذا رجحت حسناته على سيئاته التي لم يتب منها دخل الجنة، وإن تساوت كان من أهل الأعراف ثم دخل الجنة، وإن رجحت سيئاته دخل النار ومكث فيها بقدر ذنوبه ثم يخرج منها إلى الجنة، ولا يخلد في النار إلا أهل الشرك الأعظم ولا يعذب في النار تائبٌ على ذنب تاب منه.
__________
(1) النساء، آية: 48.
(2) الزمر، آية: 53.(4/294)
وقال الإمام أحمد عن الأحاديث التي تنفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة أنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام ورسم دائرتين وقال: يخرج من هذه إلى تلك. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الشيء يُنفي لنفي الأصل أو لنقص التمام، وأن النص إذا نفي الإيمان وأثبت الإسلام بإشارة لفظية أو معنوية أو نفي الإيمان من وجه وأثبته من وجه آخر فإن ذلك يكون لنفي الإيمان الواجب وليس لأصل الإيمان. وأن نفي أصل الإيمان يكون بنفي الإيمان من كل وجه وعدم إثبات الإسلام أو الإيمان بأي وجه أو بأي اعتبار. وقال ابن عباس عن حديث «لا يزني الزاني حين يزني أو حين يزن وهو مؤمن» قال كمن أغمض عينيه ولكن لم يذهب عنه أصل الإبصار، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن حديث الإيمان بضع وسبعون شعبة أن ذلك في الإيمان الواجب، وأن حقيقة الإيمان هو توحيد الربوبية المتضمن والمستلزم لتوحيد الألوهية، وأن مازاد على ذلك من عمل إنما هو من متعلقات الإيمان أو حقوق التوحيد التي لا تدخل في أصل الإيمان وإنما تدخل في وجوبه وكماله واستحبابه. ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن مراتب الدين ثلاثة: إسلام، إيمان، إحسان. أو إيمان مجمل، إيمان واجب، إيمان كامل مستحب { حبَّبَ إليكم الإيمانَ وزيَّنَهُ في قلوبكم وكرَّهَ إليكم الكفرَ والفُسُوقَ والعصيان } (1) الآية.
__________
(1) الحجرات، آية: 7.(4/295)
يقول ابن القيم(1) - رضي الله عنه -: «الطبقة الحادية عشرة: طبقة أقوام خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا فعملوا حسنات وكبائر ولقوا الله مصرين عليها غير تائبين منها لكن حسناتهم أغلب من سيئاتهم، فإذا وزنت بها رجحت كفة الحسنات فهؤلاء أيضًا ناجون فائزون قال تعالى: { وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ - وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ } (2) قال حذيفة وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة: يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: فمن رجحت حسناته على سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته بواحدة دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف. وهذه الموازنة تكون بعد القصاص واستيفاء المظلومين حقوقهم من حسناته، فإذا بقي شيء منها وزن هو وسيئاته. ولكن هنا مسألة وهى إذا وزنت السيئات بالحسنات فرجحت الحسنات هل يلغي المرجوح جملة ويصير الأثر للراجح فيثاب على حسناته كلها أو يسقط من الحسنات ما قابلها من السيئات المرجوحة ويبقي التأثير للرجحان فيثاب عليه وحده، ويرجح ابن القيم القول الأول.
وأقول: والنصوص تدل على ذلك كصاحب البطاقة وغير ذلك من النصوص، فمن رجحت حسناته على سيئاته وهبت له سيئاته فضلاً من الله ونعمة.
__________
(1) طريق الهجرتين، ص 361-366.
(2) الأعراف، آيتان: 8-9.(4/296)
وبعد أن يذكر أهل الأعراف يقول: الطبقة الثالثة عشرة طبقة أهل المحنة والبلية وإن كانت آخرتهم إلى عفو وخير وهم أقوام مسلمون خفت موازينهم ورجحت سيئاتهم على حسناتهم فغلبتها السيئات ـ وبعد أن يذكر أقوال المبتدعة في هؤلاء من خوارج ومعتزلة ومرجئة يذكر النصوص الصحيحة فيهم التي يقول بها أهل السنة ولا يعدون عنها ـ فيقول: وهؤلاء هم القسم الذين جاءت فيهم الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم يدخلون النار فيكونون فيها على مقدار أعمالهم: فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ويلبثون فيها على قدر أعمالهم ثم يخرجون منها فينبتون على أنهار الجنة فيفيض عليهم أهل الجنة من الماء حتى تنبت أجسادهم ثم يدخلون الجنة. وهم الطبقة الذين يخرجون من النار بشفاعة الشافعين وهم الذين يأمر الله سيد الشفعاء مرارًا أن يخرجهم من النار بما معهم من الإيمان.
إلى أن يقول: وأي الطريق سلكها سالك غير هذه الطريق من الطرق المتقدمة أفضت به إلى ترك بعض النصوص ولابد، فإنها تتناقض في حقه لما أصله من الأصل الذي لا يلتئم عليه جمع النصوص، فلابد أن يرد بعضها ببعض أو يستشكلها أو يتطلب لها مستنكر التأويلات ووجوه التحريفات، كما رد الخوارج والمعتزلة النصوص المتواترة الدالة على خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة وكذبوا بها وقالوا: لا سبيل لمن دخل النار إلى الخروج منها بشفاعة ولا غيرها. ولما بهرتهم نصوص الشفاعة وصاح بهم أهل السنة وأئمة الإسلام من كل قطر وجانب ورموهم بسهام الرد عليهم أحالوا بالشفاعة على زيادة الثواب فقط لا على الخروج من النار فردوا السنة المتواترة قطعًا وصاروا مضغة في أفواه الأمة وعارًا في فرقها». أهـ.(4/297)
أقول: هؤلاء الخوارج المعاصرون لما أحيط بهم قالوا نحن لا ننكر أن من الناس من يُعذَّب في النار ثم يخرج منها إلى الجنَّة ولكن هؤلاء هم الذين ارتكبوا ذنوبًا تابوا عنها فإن التوبة أسقطت عنهم حد الإصرار الذي يكفرون به ولكن لم تسقط عنهم حد العذاب. وأي جهل أعظم من هذا، وإذا كان بعض الناس ممن هم دون التائبين من المصريّن على ذنوبهم لا يعذبون حتى عليها لأسباب اقتضت ذلك فهؤلاء مسلمون ماتوا مصرين على الذنب وليسوا كفارًا ولم يعذبوا بذنوبهم فضلاً عن أن يكفروا بها لأسباب اقتضت ذلك كالاستغفار، والبلاء يصيب المؤمن، وهبة الثواب، والحسنات يذهبن السيئات، واجتناب الكبائر، وضغطة القبر، وأهوال يوم القيامة، ودعاء الغير، وشفاعتهم، والحسنات المؤخرة، ورجحان الحسنات على السيئات، والقصاص للمؤمنين من بعضهم لبعض في عرصات يوم القيامة، ومن يخرجهم الرحمن بقبضته لم يعملوا خيرًا قط، فكيف يعذب التائب. ولو كان المصر كافرًا ما نالته هذه الأسباب، لأنه تحيط به خطيئته وتحبط عمله فلا يستفيد منها وبموته على هذا لا ينجو من الخلود في النار بأي سبب من الأسباب كائنًا ماكان.(4/298)
ثم إن هؤلاء لو كان لهم اطلاع بالنصوص، ونجوا من إشراب البدعة، وسريان داء الكَلِب في مفاصلهم، ما هلكوا في أمر معلوم من الدين بالضرورة فإنهم قالوا: «وإن زني وإن سرق في الماضي» فما قولهم في قوله في الحديث القدسي وفي مسند الإمام أحمد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله يقول: «يا عبدي ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان منك، يا عبدي إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم(1) لقيتني لا تشرك بي شيئًا لقيتك بقرابها مغفرة» وفي الحديث الشريف «ما من نفس تموت لا تشرك بالله شيئًا إلا حلت لها المغفرة إن شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها»، { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ } (2) وجاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال- صلى الله عليه وسلم -: «من مات لا يشرك بالله شيئًا وجبت له الجنة ومن مات يشرك بالله شيئًا وجبت له النار» فهذه كلها ليس شيئًا منها في الماضي فإنه من حيث الصياغة فإن «من مات لا يشرك بالله شيئًا» تستوي مع «لقيتني لا تشرك بي شيئًا» ومع «لقيتك بقرابها مغفرة» ومع «لقيتني بقراب الأرض خطايا» كلها على الحالة التي مات عليها: من مات لا يشرك بالله شيئًا ـ أي حال موته ـ «لقيتني لا تشرك» لقيه وهو لا يشرك به شيئًا، «لقيتني بقراب الأرض خطايا ولقيتك بقرابها مغفرة» مات وهو مستمر على الحالة التي مات عليها لا ينزع عنها، فكل هذه الصياغات تفيد الوقوع والاستمرار وعدم النزوع عن الحالة حتى لحظة اللقاء: لقي ربه لا يشرك، ولقي ربه مستمر على الخطأ. في الحالتين استمرار الفعل للحظة الوفاة ليس ثمة انقطاع لا للخير ولا للشر حتى لحظة اللقاء فحقت له المغفرة بموته لا يشرك.
__________
(1) اللقاء مرة واحدة واستعماله (ثم) لإظهار تأثير التوحيد في تكفير الذنوب.
(2) النساء، آية: 48.(4/299)
والأمر أوضح من أن يستدل عليه وتعدد كلام شيخ الإسلام في الأسباب التي توجب تكفير السيئات غير التوبة كمن مات مصرًا على ذنبه يقول(1): «إن الذنوب مطلقًا من جميع المؤمنين هى سبب العذاب لكن العقوبة بها في الآخرة في جهنم تندفع بنحو عشرة أسباب: السبب الأول: التوبة، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة مقبولة من جميع الذنوب: الكفر والفسوق والعصيان قال تعالى: { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَّنْتَهُوا (2) يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } (3)، وقال تعالى: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } (4)، وقال تعالى: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ م وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - أَفَلا يَتُوبُونَ(5) إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (6)، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ } (7) قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود فتنوا أولياءه وعذبوهم بالنار ثم هو يدعوهم إلى التوبة. والتوبة عامة لكل عبد مؤمن كما قال تعالى: { وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا - لِيُعَذِّبَ اللَّهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ
__________
(1) منهاج السنة، ج3، 179-186.
(2) مجرد الانتهاء موجب للمغفرة دون شروط أخري.
(3) الأنفال، آية: 38.
(4) التوبة، آية: 11.
(5) قبول التوبة تغفر الذنب والفرح بالتائب يؤكد رفع العذاب.
(6) المائدة، آيتان: 73-74.
(7) البروج، آية: 10.(4/300)
غَفُورًا رَّحِيمًا } (1) وقد أخبر الله عن توبة أنبيائه ودعائهم بالتوبة، ويذكر عن آدم وإبراهيم وإسماعيل وموسي وداود وسليمان. إلى أن يقول: أما المأثور عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فهو كثير مشهور.
ثم يقول: السبب الثاني: الاستغفار، فإن الاستغفار هو طلب المغفرة وهو من جنس الدعاء والسؤال وهو مقرون بالتوبة في الغالب ومأمور به ولكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو وقد يدعو ولا يتوب وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربِّه - عز وجل - أنه قال: «أذنب عبد ذنبًا فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال اللهُ تبارك وتعالي أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي ـ وفي رواية لمسلم ـ فليفعل ما يشاء» والتوبة تمحو جميع السيئات وليس شيء يغفر جميع الذنوب إلا التوبة فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأما التوبة فإن الله تعالى قال: { قُلْ يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفٌسِهِم لا تقَنْطَوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ } (2) وهذا لمن تاب ولهذا قال: لا تقنطوا من رحمة الله بل توبوا إليه وقال بعدها: { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُم وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ } (3) وأما الاستغفار بدون توبة فهذا لا يستلزم المغفرة ولكن هو سبب من الأسباب.
__________
(1) الأحزاب، آيتان: 72-73.
(2) الزمر، آية: 53.
(3) الزمر، آية: 54.(4/301)
السبب الثالث: الأعمال الصالحة، فإن الله تعالى يقول: { إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } (1) وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل يوصيه: «يا معاذ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنةَ تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن» وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»(2).
وفي الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، وقال: «أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرًا غمرًا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل كان يبقي من درنه شيء؟ قالوا لا. قال: فكذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا كما يمحو الماء الدرن» وهذا كله في الصحيح، وقال- صلى الله عليه وسلم -: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» رواه الترمذي وصححه، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُم عَلَى تِجَارِةٍ تُنْجِيكُمْ مِّن عَذَابٍ أَلِيمٍ - تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمِ وَأَنْفُسِكُمِ ذَلَكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُم تَعْلَمُونَ - يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم وَيُدْخِلْكُم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفُوزُ العَظِيمُ } (3) وفي الصحيح صوم يوم عرفة كفارة سنتين وصوم يوم عاشوراء كفارة سنة...» إلى آخر كلامه.
السبب الرابع: دعاء المؤمنين.
السبب الخامس: دعاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وشفاعته.
__________
(1) هود، آية: 114.
(2) أخرجاه في الصحيح.
(3) الصف، آيات: 10-12.(4/302)
السبب السادس: ما يفعل بعد الموت من عمل صالح يُهدي له، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن ذلك يصل إلى الميت وينفعه، وهذا غير دعاء ولده فإن ذلك من عمله، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولدٌ صالح يدعو له» رواه مسلم. فولده من كسبه ودعاؤه محسوب من عمله بخلاف دعاء غير الولد فإنه ليس محسوبًا من عمله واللهُ ينفعه به.
السبب السابع: المصائب الدنيوية التي يكفر اللهُ بها الخطايا، كما في الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا غم ولا حزن ولا أذي حتى الشوكة يشاكها إلا كفر اللهُ بها من خطاياه» أقول وفي أحاديث أخر: «مايزال البلاء يقع على المؤمن حتى يلقي اللهَ وليس عليه خطيئة».
السبب الثامن: ما يبتلي به المؤمن في قبره من الضغطة وفتنة الملكين.
السبب التاسع: ما يحصل له في الآخرة من كرب أهوال يوم القيامة.
السبب العاشر: ما ثبت في الصحيحين أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أُذِنَ لهم في دخول الجنة. يقول شيخ الإسلام: فهذه الأسباب لا تفوت من المؤمنين إلا القليل» انتهى كلام شيخ الإسلام.
الأسباب نعيد حصرها :
1- التوبة. 2- الاستغفار. 3- الحسنات يذهبن السيئات.
4- اجتناب الكبائر: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } .
5- من رجحت حسناته على سيئاته وهبت له سيئاته.
6- الحسنات المؤخرة. 7- البلاء. 8- فتنة القبر.
9- أهوال يوم القيامة. 10 - القصاص يوم القيامة.
11- دعاء الغير. 12- هبة الثواب.
13- دعاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وشفاعته. 14- شفاعات المؤمنين.
15- فضل مِنَ الله على من يشاء لحكمة يعلمها.(4/303)
16- من لم يدركه شيء من ذلك أخرجه الرحمن بقبضته من النار لم يعمل خيرًا قط ولا يخلد في النار إلا أهلها. ومن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ } (1) فكيف يقال أن التائب يعذب وأن من مات غير تائب من ذنبه مات كافرًا، كيف والكافر تفوته كل هذه الأسباب؟!!!
ثم ننظر إلى نصوص القرآن والسنة في بيان عقيدة أهل السنة.
يقول - عز وجل -: { وَمَن يَّقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } (2).
__________
(1) النساء، آية: 48.
(2) النساء، آية: 93.(4/304)
يقول ابن كثير في التفسير(1): «والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عزَّ وجلّ فإن تاب وأناب وخشع وخضع وعمل عملاً صالحًا بدل الله سيئاته حسنات وعوَّض المقتول من ظلامته وأرضاه عن طلابته قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } إلى قوله { إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا } (2) الآية. وهذا خبر لا يجوز نسخه وحمله على المشركين وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر ويحتاج حمله إلى دليل. والله أعلم، وقال الله تعالى: { قُلْ يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفٌسِهِم لا تقَنْطَوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } (3) الآية. وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك، كل من تاب أي من ذلك تاب الله عليه. قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ } (4) فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك وهى مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وقبلها لتقوية الرجاء والله أعلم. وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ثم سأل عالمًا هل لي من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة، ثم أرشده إلى بلد يُعْبَدُ اللهُ فيه فهاجر إليه فمات في الطريق فقبضته ملائكة الرحمة(5) كما ذكرناه غير مرة، فإذا كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون في هذه الأمة التوبة مقبولة بطريق الأولي والأحري لأن اللهَ وضع عنا الآصار والأغلال التي كانت عليهم وبعث نبينا بالحنيفية السمحة. فأما الآية الكريمة وهى قوله تعالى: { ومَنْ يقتل
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج1، ص 537-553.
(2) الفرقان، آيات: 68-70.
(3) الزمر، آية: 53.
(4) النساء، آية: 48.
(5) بعد أن تنازعت فيه ملائكة العذاب أي لم يعذب بذنوبه التي تاب عنها كما يقولون أن التوبة أسقطت الإصرار وبقى العذاب.(4/305)
مؤمنًا متعمدًا } (1) الآية. فقد قال أبو هريرة وجماعة من السلف هذا جزاؤه إن جازاه.
إلى أن يقول: وكذا كل وعيد على ذنب لكن قد يكون لذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه. إلى أن يقول: وبتقدير دخول القاتل في النار، أما على قول ابن عباس ومن وافقه أنه لا توبة له أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحًا ينجو به فليس بمخلد فيها أبدًا بل الخلود هو المكث الطويل. وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدني مثقال ذرة من إيمان. إلى أن يقول: وأما من مات كافرًا فالنص أن الله لا يغفر له البتة. وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الآدميين وهى لا تسقط بالتوبة ولكن لابد من ردها إليهم ولا فرق بين المقتول والمسروق والمغصوب منه والمقذوف وسائر حقوق الآدميين، فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة ولكنه لابد من ردها إليهم في صحة التوبة فإن تعذَّر ذلك، فلابد من المطالبة يوم القيامة لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة أو يعوض الله المقتول بما يشاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته فيها ونحو ذلك والله أعلم.
__________
(1) النساء، آية: 93.(4/306)
ثم لقاتل العمد أحكام في الدنيا وأحكام في الآخرة: فأما في الدنيا فتسلط أولياء المقتول عليه قال الله تعالى: { ومَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } (1) الآية. ثم هم يخيرون بين أن يقتلوا أو يعفوا أو يأخذوا دية مغلظة أثلاثًا: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة. واختلف الأئمة هل تجب عليه كفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام على أحد قولين: فالشافعي وأصحابه وطائفة من العلماء يقولون نعم يجب عليه لأنه إذا وجبت عليه الكفارة في الخطأ فلأن يجب عليه في العمد أولي. وقال أصحاب الإمام أحمد وآخرون قتل العمد أعظم من أن يكفر فلا كفارة فيه، وقد احتج من ذهب إلى وجوب الكفارة في قتل العمد بما رواه الإمام أحمد بسنده عن واثلة بن الأسقع قال: أتي النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نفرٌ من بني سليم فقالوا: إن صاحبًا لنا قد أوجب. قال: «فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار». أهـ.
أقول ونستخلص من هذا:
1- أن من مات كافرًا فإنه يخلد في النار.
2- إن من مات لا يشرك بالله شيئًا فإنه يموت مسلمًا غير كافر ولا يخلد في النار كائنة ما كانت ذنوبه، وإن كان قتلاً مات غير تائب منه جاء عليه هذا الوعيد الشديد { وَمَن يَّقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } (2) فإن صيغة جزاؤه لمن يفهم العربية تنفي وصف الكفر عنه لأن معنى جزاؤه هو إن جازاه، وذكر النص الخلود دون التأبيد ولم يقل عنهم أنهم أصحاب النار مما يفيد الخبر الذي لا يتخلف وليس الوعيد الذي يمكن أن يتخلف، والخلود: طول المكث.
__________
(1) الإسراء، آية: 33.
(2) النساء، آية: 93.(4/307)
3- أن القاتل تقبل توبته والتائب لا يعذب أبدًا على ذنبه الذي تاب منه. وإن تعذر الوفاء بحق الآدمي في الدنيا وفَّي به يوم القيامة من أعماله وهذا يدل أيضًا على أنه مات مسلمًا إذ الكافر ليست له أعمال صالحة تستوفي منها الحقوق.
4- حتى إن لم يتب منه تدفع عنه العذاب أعماله الصالحة ورجحان حسناته على سيئاته بعد وفاء حقوق الآدميين.
ويقول تعالى: { وَمَن يَّعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } (1) وجاء في تفسير ابن كثير أيضًا في شرح قوله تعالى: قال على بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية أخبر الله عباده بعفوه وحلمه وسعة رحمته ومغفرته، فمن أذنب ذنبًا صغيرًا كان أو كبيرًا { ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } ولو كانت ذنوبه أعظم من السماوات والأرض والجبال رواه بن جرير. وقال ابن جرير أيضًا حدثنا ابن مثني حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي وائل قال: قال عبد الله: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبًا أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه وإذا أصاب البول منه شيئًا قرضه بالمقراض. فقال رجل لقد آتي اللهُ بني إسرائيل خيرًا فقال عبد الله - رضي الله عنه -: ما آتاكم اللهُ خير مما آتاهم جعل الماء لكم طهورًا وقال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } (2)، وقال - عز وجل -: { وَمَن يَّعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } . أهـ.
__________
(1) النساء، آية: 110.
(2) آل عمران، آية: 135.(4/308)
ويقول ابن كثير(1) في تفسير قوله تعالى: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا - وَلَيْسَتِ التَّوْبَةِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } (2) «قال عبد الرازق أخبرنا معمر عن قتادة قال: اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأوا أن كل شيء عُصِيَ الله به فهو جهالة عمدًا كان أو غيره، قال الإمام أحمد حدثنا على بن عياش وعصام بن خالد قال حدثنا بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن ابن عمر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ اللهَ يقبل توبة عبده ما لم يغرغر» رواه الترمذي وابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان به». أهـ.
__________
(1) ابن كثير، ج1، ص 463.
(2) النساء، آيتان: 17-18.(4/309)
ويقول ابن كثير(1) في تفسير قوله تعالى: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } (2) أي إذا اجتنبتم كبائر الآثام التي نهيتم عنها كفَّرنا عنكم صغائر الذنوب وأدخلناكم الجنة. ولهذا قال: { وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا } . وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم حدثنا خالد بن أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس رفعه قال: لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا عزَّ وجلّ ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال أن تجاوز لنا عما دون الكبائر يقول الله: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } الآية، قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم عن مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم عن مربع الضبي عن سلمان الفارسي قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أتدري ما يوم الجمعة» قلت: هو اليوم الذي جمع اللهُ فيه أباكم. قال: «لكن أدري ما يوم الجمعة لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كانت كفارة له ما بينها وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة». وقد روى البخاري من وجه آخر عن سلمان نحوه. وقال أبو جعفر بن جرير: حدثني المثني حدثنا أبو صالح حدثنا الليث حدثني خالد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر أخبرني صهيب مولي الصواري أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد يقولان خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فقال: «والذي نفسي بيده» ثلاث مرات ثم أكب فأكب كل رجل منا يبكي لا ندري ماذا حلف عليه ثم رفع رأسه وفي وجهه البشري فكان أحب إلينا من حمر النعم. فقال: «ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة ثم قيل له ادخل بسلام» وهكذا رواه النسائي والحاكم في مستدركه من حديث الليث بن سعد به ورواه
__________
(1) ابن كثير، ج1، ص 485.
(2) النساء، آية: 31.(4/310)
الحاكم أيضًا وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال به ثم قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
ثم يقول ابن كثير في تفسير نفس الآية: وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن ابن عون عن الحسن أن ناسًا سألوا عبد الله بن عمرو بمصر فقالوا: نري أشياء من كتاب الله عزَّ وجلّ أمر أن يعمل بها لا يعمل بها فأردنا أن نلقي أمير المؤمنين في ذلك فقدم وقدموا معه فلقي عمر - رضي الله عنه - فقال: متي قدمت؟ فقال : منذ كذا وكذا. قال: أبإذن قدمت؟ قال: فلا أدري كيف رد عليه. فقال: يا أمير المؤمنين إن ناسًا لقوني بمصر فقالوا: إنا نري أشياء في كتاب الله أمر أن يعمل بها فلا يعملُ بها فأحبوا أن يلقوك في ذلك. قال: فاجمعهم لي. قال: فجمعتهم له. قال ابن عون: أظنه قال في بهو فأخذ أدناهم رجلاً فقال: أنشدك بالله وبحق الإسلام عليك أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم. قال فهل أحصيته في نفسك؟ فقال: اللهم لا. قال: ولو قال نعم لخصمه. قال: فهل أحصيته في بصرك؟ فهل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ ثم تتبعهم حتى أتي على آخرهم فقال: ثكلت عمر أمه أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله، قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات قال وتلا: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } الآية. ثم قال: هل علم أهل المدينة أو قال هل علم أحد بما قدمتم؟ قالوا: لا. قال: لو علموا لوعظت بكم. إسناد صحيح ومتن حسن وإن كان من رواية الحسن عن عمر وفيها انقطاع إلا أن مثل هذا اشتهر فتكفي شهرته». أهـ.(4/311)
ويقول ابن كثير(1) في تفسير قوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُّضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مَن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } (2): «يقول تعالى مخبرًا أنه لا يظلم أحدًا من خلقه يوم القيامة مثقال حبة خردل ولا مثقال ذرة بل يوفيها له ويضاعفها له إن كانت حسنة كما قال تعالى: { وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ } (3) الآية. وقال تعالى مخبرًا عن لقمان أنه قال: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ } (4) الآية. وقال تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْاأَعْمَالَهُمْ - فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } (5) وفي الصحيحين من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة الطويل وفيه «فيقول الله عزَّ وجلّ ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار» وفي لفظ أدني أدني أدني مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقول أبو سعيد اقرؤا إن شئتم { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } الآية. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عيسى بن يونس عن هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب عن زاذان قال: قال عبد الله بن مسعود: يؤتي بالعبد أو الأمة يوم القيامة فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين هذا فلان بن فلان من كان له حق فليأت إلى حقه فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على أبيها أو أمها أو أخيها أو زوجها ثم قرأ: { فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج1، ص 498.
(2) النساء، آية: 40.
(3) الأنبياء، آية: 47.
(4) لقمان، آية: 16.
(5) الزلزلة، آيات: 6-8.(4/312)
يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ } (1) فيغفر اللهُ من حقه ما يشاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئًا، فينصب للناس فيقول ائتوا إلى الناس حقوقهم. فيقول: يا رب فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم. فيقول: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر مظلمته فإن كان وليًا لله ففضل له مثقال ذرة ضاعفها اللهُ له حتى يدخله بها الجنة ثم قرأ علينا: { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُّضَاعِفْهَا } وإن كان عبدًا شقيًا قال الملك ربّ فنيت حسناته وبقي طالبون كثير. فيقول خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صكوا له صكًا إلى النار، ورواه ابن جرير من وجه آخر عن زاذان به نحوه.
إلى أن يقول: فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة ولا يخرج من النار أبدًا. وقد يستدل له بالحديث الصحيح أن العباس قال يا رسول الله إن عمك أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعته بشيء؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» وقد يكون هذا خاصًا بأبي طالب من دون الكفار بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا عمران حدثنا قتادة عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزي بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة» وقال أبو هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك في قوله { وَيُؤْتِ مَن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } يعني الجنة نسأل الله الجنة». أهـ.
__________
(1) المؤمنون، آية: 101.(4/313)
ويقول ابن كثير(1) في تفسير قوله تعالى: { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (2) يقول وهذه الآية وإن كانت نزلت في أناس معينين إلا أنها عامة في كل المذنبين الخطائين المخلطين المتلوثين. إلى أن يقول: وقال البخاري حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عون حدثنا أبو رجاء حدثنا سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا: «أتاني اليلة آتيان فابتعثاني فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة. قالا لي: هذه جنة عدن وهذا منزلك. قالا: وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا تجاوز الله عنهم» هكذا رواه البخاري مختصرًا في تفسير هذه الآية». أهـ.
ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ } (3).
أقول نشير إلى الأحاديث التي أوردها والتعليق الذي يذكره:
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج3، ص 385.
(2) التوبة، آية: 102.
(3) النساء، آية: 48.(4/314)
الأحاديث: الحديث الأول والثاني بصيغة متقاربة والحديث الثاني سنده ونصه قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن مالك حدثنا زائدة ابن أبي الزناد النمري عن أنس بن مالك عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الظلم ثلاثة: ظلم لا يغفره الله وظلم يغفره الله وظلم لا يترك الله منه شيئًا؛ فأما الظلم الذي لا يغفره الله هو الشرك، وقال: { إِنَّ الشِرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } (1)، وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فهو بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضًا حتى يدين لبعضهم من بعض» الحديث الرابع من رواية الإمام أحمد من حديث أبي ذر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان منك. يا عبدي إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لقيتك بقرابها مغفرة».
أقول: وفي هذا المعنى جاء الحديث القدسي: «قال الله تعالى: إنِّي أنا الله لا إله إلا أنا مَنْ أقرَّ لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي» من حديث الشيرازي عن علىّ صحيح.
والحديث القدسي: «يا ابن آدم مهما عبدتني ورجوتني ولم تشرك بي شيئًا غفرت لك على ما كان منك وإن استقبلتني بملء السماء والأرض خطايا وذنوبًا استقبلتك بملئهم من المغفرة وأغفر لك ولا أبالي» الطبراني عن أبي الدرداء حسن. والحديث القدسي: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة» رواه(2) الترمذي عن أنس وقال: حديث حسن صحيح.
__________
(1) لقمان، آية: 13.
(2) الأحاديث القدسية للنووي.(4/315)
والحديث القدسي: «قال ربكم: أنا أهل أن أُتقي فلا يُجعَلُ معي إله فمن اتقي أن يجعل معي إلهًا فأنا أهل أن أغفر له» صحيح أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم والترمذي، ثم يذكر ابن كثير حديث أبي ذر ومعناه «من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة» وإن سرق وإن زني وإن شرب الخمر برواياته.
الحديث السادس: يقول ابن كثير(1) في تفسير الآية: «قال عبد بن حميد في مسنده حدثنا عبد الله بن موسى عن ابن أبي ليلي عن أبي الزبير عن جابر قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال- صلى الله عليه وسلم -: «من مات لا يشرك بالله شيئًا وجبت له الجنة ومن مات يشرك بالله شيئًا وجبت له النار». وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا الحسن بن عمرو بن خلاد الحراني حدثنا منصور بن إسماعيل القرشي حدثنا موسى بن عبيدة الترمذي أخبرني عبد الله بن عبيدة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من نفس تموت لا تشرك بالله شيئًا إلا حلت لها المغفرة إن شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها، إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» ورواه الحافظ أبو يعلي في مسنده من حديث موسى بن عبيده عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن جابر أن النبيَّ- صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب» قيل يا نبيَّ الله وما الحجاب؟ قال- صلى الله عليه وسلم -: «الإشراك بالله. قال: ما من نفس تلقي اللهَ لاتشرك به شيئًا إلا حلت لها المغفرة من الله تعالى إن شاء أن يعذبها وإن شاء أن يغفر لها. ثم قرأ نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ } (2)». أهـ.
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج1، ص 509.
(2) النساء، آية: 48 .(4/316)
الحديث السابع: قال الإمام أحمد حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة». إلى أن يقول ابن كثير(1): «وقال ابن أبي حاتم حدثنا بحر ابن نصر الخولاني حدثنا خالد يعني ابن عبد الرحمن الخراساني حدثنا الهيثم بن حماد عن سلام بن أبي مطيع عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر قال: كنا أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لا نشك في قاتل النفس وآكل مال اليتيم وقاذف المحصنات وشاهد الزور حتى نزلت هذه الآية { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ } (2) فأمسك أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الشهادة. وأخرج البزار من حديث بن عمر رضى الله عنهما قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا - صلى الله عليه وسلم - يقرأ: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ } وقال- صلى الله عليه وسلم -: «أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة».
__________
(1) ابن كثير، ج1، ص 511.
(2) النساء، آية: 48.(4/317)
يقول ابن كثير: وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع أخبرني مخبر عن عبد الله بن عمر أنه قال لما نزلت { قُلْ يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفٌسِهِم لا تقَنْطَوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } (1) إلى آخر الآية، قام رجل فقال: والشرك بالله يا نبي الله؟ فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: « إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُّشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا » رواه ابن جرير وقد رواه ابن مردويه من طرق عن ابن عمر. وهذه الآية التي في سورة تنزيل مشروطة بالتوبة فمن تاب من أي ذنب وإن تكرر منه تاب الله عليه ولهذا قال: { قُلْ يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفٌسِهِم لا تقَنْطَوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } أي بشرط التوبة، ولو لم يكن كذلك لدخل الشرك فيه، ولا يصح ذلك لأنه تعالى قد حكم ههنا بأنه لا يغفر الشرك وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء أي وإن لم يتب صاحبه ـ فهذه أرجي من تلك من هذا الوجه واللهُ أعلم ـ وقوله: { وَمَن يُّشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (2) كقوله: { إِنَّ الشِرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } (3). وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك» وذكر تمام الحديث. وقال ابن مردويه حدثنا إسحق بن إبراهيم ابن زيد حدثنا أحمد بن عمرو حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا معن حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أخبركم بأكبر الكبائر الإشراك بالله» ثم قرأ: { وَمَن يُّشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (4) وعقوق الوالدين ثم
__________
(1) الزمر، آية: 53.
(2) النساء، آية: 48.
(3) لقمان، آية: 13.
(4) النساء، آية: 48.(4/318)
قرأ { أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير } (1) ». أهـ.
وجاء في النسفي(2) في تفسير هذه الآية: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ } إن مات عليه { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } أي ما دون الشرك مع عدم التوبة. والحاصل أن الشرك مغفور عنه بالتوبة وإن وعد غفران ما دونه لمن لم يتب أي لا يغفر لمن يشرك وهو مشرك ويغفر لمن يذنب وهو مذنب وتقييده بقوله { لِمَن يَّشَاءُ } ولا يخرجه عن عمومه كقوله { اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ } . وحمله المعتزلة على التائب باطل لأن الكفر مغفور عنه بالتوبة لقوله تعالى { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَّنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } فما دونه أولي أن يغفر بالتوبة والآية سيقت لبيان التفرقة بينهما». أهـ.
يقول البيضاوي في(3) تفسير الآية: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ } لأنه بت الحكم على خلود عذابه { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } أي ما دون الشرك صغيرًا كان أو كبيرًا { لِمَن يَّشَاءُ } تفضلاً عليه وإحسانًا ـ علقه المعتزلة بالفعلين على معنى أن الله لا يغفر الشرك لمن يشاء وهو من لم يتب ـ { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ } وهو من تاب، وفيه تقييد بلا دليل إذ ليس عموم آيات الوعيد بالمحافظة أولي منه ونقض لمذهبهم فإن تعليق الأمر بالمشيئة ينافي وجوب التعذيب قبل التوبة والصفح بعدها. فالآية كما هى حجة عليهم فهى حجة على الخوارج الذين زعموا أن كل ذنب شرك وأن صاحبه خالد في النار { وَمَن يُّشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } ارتكب ما يستحقر دونه من الآثام وهو إشارة إلي المعنى الفارق بينه وبين سائر الذنوب والافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل وكذلك الاختلاق».
__________
(1) لقمان، آية: 14.
(2) الشورى، آية: 19.
(3) البيضاوي، ج1، ص 318.(4/319)
يقول ابن كثير في قوله تعالى: { قُلْ يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفٌسِهِم لا تقَنْطَوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ - وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُم وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ } (1) هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلي التوبة والإنابة وإخبار بأن الله تبارك وتعالي يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر. ولا يصح حمل هذه على غير توبة لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه. قال البخاري حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يونس أن ابن جريج أخبرهم قال يعلي أن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن ناسًا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة. فنزل { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهَ إِلا بِالحَقِّ وَلا يَزْنُونَ } (2)، ونزل: { قُلْ يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفٌسِهِم لا تقَنْطَوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } (3) وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث ابن جريح عن يعلي بن مسلم المكي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما. والمراد من الآية الأولي قوله سبحانه تعالى: { إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا } . وقال الإمام أحمد حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو قبيل قال سمعت أبا عبد الرحمن المزني يقول سمعت ثوبان مولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما أحب أن لي
__________
(1) الزمر، آيتان: 53-54.
(2) الفرقان، آية: 68.
(3) الزمر، آية: 53.(4/320)
الدنيا وما فيها بهذه الآية { قُلْ يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفٌسِهِم } (1) إلي آخر الآية. فقال رجل: يا رسول الله فمن أشرك؟ فسكت النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «ألاَ وَمَنْ أشرك» ثلاث مرات تفرد به أحمد.
ويذكر ابن كثير حديثين آخرين أحدهما تفرد به أحمد والآخر رواه مع أبي داود والترمذي. ثم يقول: فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة ولا يقنطن عبدٌ من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت فباب الرحمة والتوبة واسع قال الله تعالى: { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه } (2)، وقال - عز وجل -: { وَمَن يَّعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } (3)، وقال جلَّ وعلا في حق المنافقين: { إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا - إلا اللذين تابوا } (4)، وقال - جل جلاله -: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍم وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (5) ثم قال جلت عظمته: { أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (6)، وقال تبارك وتعالي: { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا } (7) قال الحسن البصري رحمة الله عليه: انظروا إلي هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلي التوبة والمغفرة. والآيات في هذا كثيرة جدًا، وفي الصحيحين عن أبي سعيد
__________
(1) االزمر، آية: 53.
(2) االتوبة، آية: 104.
(3) النساء، آية: 110.
(4) النساء، آية: 145.
(5) المائدة، آية: 73.
(6) المائدة، آية: 74.
(7) البروج، آية: 10.(4/321)
الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم ندم وسأل عابدًا من عبَّاد بني إسرائيل: هل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله وأكمل به مائة. ثم سأل عالمًا من علمائهم هل له من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة، ثم أمره بالذهاب إلي قرية يعبد الله فيها فقصدها فأتاه الموت في أثناء الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأمر الله عزَّ وجلّ أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلي أيهما كان أقرب فهو منها فوجدوه أقرب إلي الأرض التي هاجر إليها بشبر فقبضته ملائكة الرحمة، وذُكِرَ أنه نأي بصدره عند الموت وأن الله تعالى أمر البلدة الخيرة أن تقترب وأمر تلك البلدة أن تتباعد. وقال علىٌّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله - عز وجل -: { قُلْ يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفٌسِهِم لا تقَنْطَوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } (1)الآية. قال: دعا الله تعالى إلي مغفرته مَنْ زعم أن المسيح هو الله ومن زعم أن المسيح هو ابن الله ومن زعم أن عزيرًا ابن الله ومن زعم أن الله فقير ومن زعم أن يد الله مغلولة ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة. يقول الله تعالى لهؤلاء: { أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (2) ثم دعا إلي التوبة من هو أعظم قولاً من هؤلاء من قال { أَنَا رَبُّكمُ الأَعْلَي } وقال: { مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي } (3) قال ابن عباس - رضي الله عنه - من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله عزَّ وجلّ.
__________
(1) الزمر، آية: 53.
(2) المائدة، آية: 74.
(3) القصص، آية: 38.(4/322)
ويقول ابن كثير(1) في تفسير الآية أيضًا: «وقال ابن إسحاق قال نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر - رضي الله عنه - في حديثه قال: وكنا نقول ما الله بقابل ممن افتتن صرفًا ولا عدلا ولا توبة، عرفوا الله ثم رجعوا إلي الكفر لبلاء أصابهم. قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم. قال: فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أنزل اللهُ تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: { قُلْ يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفٌسِهِم لا تقَنْطَوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ - وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُم وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ - وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزَلَ إِلَيكُم مِّنْ رَّبِّكُم مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُم لاَ تَشْعُرُونَ } . قال عمر - رضي الله عنه -: فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلي هشام بن العاص - رضي الله عنه - قال فقال هشام: لما أتتني جعلت أقرأها بذي طوي أصعد بها فيه وأصوِّبُ ولا أفهمها حتى قلت اللهم أفهمنيها. قال: فألقي الله - عز وجل - في قلبي أنه إنما نزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا فرجعت إلي بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة».
أقول وفي هؤلاء نزل قوله - عز وجل -: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } (2)
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج4، ص 57-60.
(2) النحل، آية: 110.(4/323)
بعض ما جاء في السنن عن التوبة: جاء في ”رياض الصالحين“ للنووي(1)، ”باب التوبة“ يقول: قال الله تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (2)، وقال تعالى: { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } (3)، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } (4) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «واللهِ إنِّي لأستغفرُ اللهَ وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» رواه البخاري. وعن الأغرَّ بن يسار المزني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:«يا أيها الناس توبوا إلي الله واستغفروه فإنِّي أتوبُ في اليوم مائة مرة» رواه مسلم. وعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضلَّه في أرض فلاة» متفق عليه وفي رواية مسلم «لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فآيس، فأتي شجرة فاضطجع في ظلها وقد آيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك أخطأ من شدة الفرح» وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: إنَّ الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه مسلم، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه»رواه مسلم. وعن
__________
(1) رياض الصالحين، ص 13-23.
(2) النور، آية: 31.
(3) هود، آية:90.
(4) التحريم، آية: 8.(4/324)
أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ اللهَ عزَّ وجلّ يقبل توبةَ العبد ما لم يغرغر» رواه الترمذي وقال حديث حسن. ويذكر النووي حديث زر بن حُبيش من رواية الترمذي وغيره وفيه «فمازال يحدثنا حتى ذكر بابًا من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عامًا» قال سفيان أحد الرواة قبل الشام: خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوحًا للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس منه. ثم يذكر حديث قاتل المائة وفيه «فقبضته ملائكة الرحمة» الحديث متفق عليه. وفي رواية أخرى في الصحيح فيها «فوجدوه إلي هذه أقرب بشبر فغفر له».
ويذكر حديث كعب بن مالك عن الثلاثة الذين خلفوا المذكورين في سورة التوبة. ويقول عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو أن لابن آدم واديًا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب اللهُ على من تاب» متفق عليه. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يضحك اللهُ - سبحانه وتعالى - إلي رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب اللهُ على القاتل فيسلم فيستشهد» متفق عليه. أهـ.
أوضاع التوبة:(4/325)
يقول ابن كثير(1) في تفسير قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } (2) أي توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات، وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات. قال ابن جرير ثنا ابن مثني ثنا محمد ثنا شعبة عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير يخطب سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } قال: يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه، وقال الثوري عن سماك عن النعمان عن عمر قال: التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه. وقال أبو الأحوص وغيره عن سماك عن النعمان سئل عمر عن التوبة النصوح فقال: أن يتوب الرجل من العمل السيء ثم لا يعود إليه أبدًا. وقال الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله { تَوْبَةً نَصُوحًا } قال: يتوب ثم لا يعود. وقد روى هذا مرفوعًا فقال الإمام أحمد: ثنا علىّ بن عاصم عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «التوبة من الذنب يتوب منه ثم لا يعود فيه» تفرد به أحمد عن طريق إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف والموقوف أصح والله أعلم.
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج4، ص 392.
(2) التحريم، آية: 8.(4/326)
ولهذا قال العلماء: التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب الحاضر ويندم على ما سلف منه في الماضي ويعزم على أن لايفعل في المستقبل، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه. قال الإمام أحمد ثنا سفيان عن عبد الكريم أخبرني زياد بن أبي مريم عن عبد الله بن مغفل قال: دخلت مع أبي عَليَ عبد الله بن مسعود فقال: أنت سمعت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الندم توبة» قال: نعم. وقال مرة نعم سمعته يقول: «الندم توبة» ورواه ابن ماجة عن هشام ابن عمار عن سفيان ابن عيينة عن عبد الكريم وهو ابن مالك الجزري به وقال ابن أبي حاتم ثنا الحسن بن عرفة حدثني الوليد بن بكير أبو جناب عن عبد الله بن محمد العبدي عن أبي سنان البصري عن أبي قلابة عن زر بن حبيش عن أبيّ بن كعب قال: قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة منها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ومنها نكاح الرجل الرجل وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ومنها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلي الله توبة نصوحًا، قال زر: فقلت لأبيّ بن كعب: فما التوبة النصوح؟ فقال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: «هو الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر اللهَ بندامتك منه عند الحاضر ثم لا تعود إليه أبدًا» وقال ابن أبي حاتم ثنا أبيّ ثنا عمرو بن علىّ ثنا عباد بن عمرو ثنا أبو عمرو بن العلاء سمعت الحسن يقول «التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه إذا ذكرته».(4/327)
فأما إذا جزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجب ماقبلها من الخطيئات كما ثبت في الصحيح: «الإسلام يَجُبُّ ما قبله والتوبة تجب ما قبلها» وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرار على ذلك إلي الممات ـ كما تقدم في الحديث وفي الأثر ـ ثم لا يعود فيه أبدًا أو يكفي العزم على أن لايعود في تكفير الماضي بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لايكون ذلك ضارًا في تكفير ما تقدم لعموم قوله- صلى الله عليه وسلم -: «التوبة تَجُب ما قبلها» وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضًا «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر» فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوي من التوبة فالتوبة بطريق الأولي والله أعلم.
قوله تعالى: { عَسَى رَبُّكُم أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم وَيُدْخِلَكُم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } وعسي من الله موجبة { يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } أي ولا يخزيهم معه يعني يوم القيامة { َيقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (1) حين يرون يوم القيامة نور المنافقين قد طفئ وتميز أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لمن مات منهم لا يشرك بالله شيئًا خالصًا من النفاق والريبة، فإنهم غر محجلون كتبهم بأيمانهم، سيماهم في وجوههم من أثر السجود { نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } اللهم أمتني منهم ومعهم وأدخلنا الجنة برحمتك وعفوك.
تحقيق علمي شرعي لما يستحق به الإنسان العفو والمغفرة هل يترتب على التوبة منفردة أم ينضاف إليها شروط أخرى وما هو معنى الصياغات المختلفة في ذلك في النصوص من الكتاب والسنة وما هى مراتب التوبة ومعنى التوبة وما يلزم لتحقيقها.
__________
(1) التحريم، آية: 8.(4/328)
أولاً: التوبة: قد جاء تفسيرها عن طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته ـ كما مرَّ ـ عمر وأبيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود وغيرهم يتحدد بذلك حدها: وهو الندم الذي يستلزم الإقلاع، والعزم على ألا يعود، وعلي هذا أسس العلماء أركانها فقالوا: هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر ويندم على ما سلف منه في الماضي ويعزم على ألا يفعل في المستقبل. ثم إن كان حقًا لآدمي رده إليه بطريقه وإن تعذر تحقيق هذا الركن الرابع صحت التوبة ووقعت المطالبة في الآخرة، وإن لم يتعذر لم تصح التوبة بدونه. والتوبة تَجُب ما قبلها كما أن الإسلام يَجُبُّ ما قبله هذه هى القاعدة العامة. ومعنى ذلك أنه يكفي العزم على ألا يعود في تكفير الماضي بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارًا في التكفير لما تقدم من الذنوب التي تاب منها لعموم قوله- صلى الله عليه وسلم -: «التوبة تَجُب ما قبلها» والتوبة تقبل ولو تكرر الذنب، فمن تاب من أي ذنب وإن تكرر منه تاب الله عليه. والقاعدة العامة أنه لا يشترط معها أي شيء آخر غير وقوع التوبة لتحقق القبول وتكفير الذنب كأن لم يكن، ولا يشترط لقبول التوبة من ذنب معين التوبة من كل الذنوب مادام العبد مسلمًا موحدًا، فإذا كان كافرًا مشركًا لم يصح له عمل ولا يقبل له توبة ولا غيرها، وكذلك تقبل من العبد ما لم يغرغر وما لم تطلع الشمس من المغرب وما لم يعاين العذاب. فإذا وقع ذلك فلا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا.
ثانيًا: الصيغ التي تفيد رفع المؤاخذة كثيرة كلها تترتب على التوبة وعلي ما دون التوبة أحيانًا. مثل صيغ:
1- القبول. 2- الغفران { غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوبِ } .
3- الفرح بالتوبة. 4- تكفير السيئات.
5- محوها { الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } . 6- ذهاب السيئات.
7- تهدم ما قبلها. 8- تجب ما قبلها. 9- تاب عليهم.(4/329)
تذكر أحيانًا قبل التوبة وتذكر بعدها أحيانًا أخرى وأحيانًا تذكر بعدها وقبلها { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } (1) ولذلك قالوا: توبة العبد بين توبتين من الربِّ كما ذكر الإمام بن القيم في ”طريق الهجرتين“وهو معنى شائع عن العلماء. يقول ابن القيم: «توبة منه إذنًا وتمكينًا، فتاب بها العبد وتاب الله عليه قبولاً ورضى».
10- يعفو عن السيئات «العفو».
11- رجع كيوم ولدته أمه.
12- تتحات عنه خطاياه كما تتحات أوراق الشجر، يلقي الله وليس عليه خطيئة، يُنَقّي من الخطايا ويُغسل منها ويذهب عنه درنها.إلى آخر الصيغ.
يقول البيضاوي(2) في تفسير قوله تعالى: { غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّولِ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ إِلَيهِ المَصِيرُ } (3) وتوسيط الواو بين الأولين لإفادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة أو تغاير الوصفين إذ ربما يتوهم الإتحاد وتغاير موقع الفعلين لأن الغفر هو الستر فيكون الذنب باقيًا وذلك لمن لم يتب، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. والتوب مصدر كالتوبة وقيل جمعًا، والطول الفضل بترك عقاب المستحق، وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل رجحانها { لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ } فيجب الإقبال الكلي على عبادته { إِلَيهِ المَصِيرُ } فيجازي المطيع والعاصي». أهـ.
__________
(1) التوبة، آية: 118.
(2) البيضاوي، ج2، ص 324.
(3) غافر، آية: 3.(4/330)
ثالثًا: معنى التوبة: تاب من: معناه الإقلاع والترك. وتاب إلي: معناه الرجوع والعودة، ومعناها العودة إلي ما كان عليه العبد مع الله قبل المعصية أو العودة إلي ما ينبغي أن يكون عليه مع الله إذا لم يكن له سبق طاعة، لأن هذه هى فطرته التي فطره الله عليها. وقبول التوبة من الله - سبحانه وتعالى - لأن من أقبل على اللهِ أقبلَ اللهُ عليه وفي هذا المعنى نفسه جاءت الأحاديث القدسية قال الله تعالى: «يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منه وإن دنوت مني شبرًا دنوت إليك ذراعًا وإن دنوت مني ذراعًا دنوت منك باعًا وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول» مسند أحمد عن أنس صحيح.
رابعًا: ما معنى الأوصاف التي تضاف إلي التوبة أو الأعمال التي تذكر معها في حصول المغفرة أو الثواب.
وهذه هى نكتة الباب أو الموضوع ولعل منها دخلت بعض الشبه على الزائغين فنقول والحمد لله.
(أ) قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُم أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم وَيُدْخِلَكُم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (1) وهنا قد تأتي شبهة، هل لابد من قبول التوبة أو رفع المؤاخذة عن الذنب أن تكون التوبة نصوحًا فإن لم تكن عُذِّبَ التائب توبة غير نصوح؟
__________
(1) التحريم، آية: 8.(4/331)
نقول قدمنا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فمتي وقعت التوبة رفعت المؤاخذة ولكن الفرق بين النصوح وغيرها قد يكون في أمرين: الأول أن بعض الذنوب تتسم بالدناءة والخبث فإن تكرر نفس الذنب وتكررت التوبة ثم وقع في الذنب وعاد إليه ومات عليه أخذ بالأول والآخر وهذا غير الذنوب الأخرى التي ليس لها هذا الطابع، فإن عاد بعد التوبة ومات مصرًا على الذنب تُرْفَع عنه المؤاخذة في القدر الذي تاب منه وتبقي مؤاخذته في القدر الذي لم يتب منه ولم يؤخذ بالأول والآخر، فلو عاد إلي الذنب ومات عليه لا يضره ذلك في تكفير ما تقدم قبل توبته وهذه هى القاعدة. والذنوب التي تتسم بالدناءة والشذوذ والفحش وانتكاس الفطرة هى الاستثناء وفي هذا جاء الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم من حديث زر بن حبيش عن أبيّ بن كعب قال: «قيل لي أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة منها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ومنها نكاح الرجل الرجل وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ومنها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله، وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلي الله توبة نصوحًا» قال زر: فقلت لأبيّ بن كعب فما التوبة النصوح؟ فقال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: «هو الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر ثم لا تعود إليه أبدًا».(4/332)
المعنى الآخر للتوبة النصوح: إن التوبة طاعة والطاعات تتفاضل بتفاضل ما في القلوب وعلي هذا فإن هذه التوبة لا تكفر الذنب فقط بل ترفع الدرجة عند الله عزَّ وجلّ ويكون صاحبها من أصحاب المقامات عند الله عزَّ وجلّ وهذا واضح من سياق الآية { عَسَى رَبُّكُم أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم وَيُدْخِلَكُم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وفي هذا جاء الحديث قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن أبي الزناد حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا أبو حمزة عن أبي الصيف ـ قلت وكان من أصحاب معاذ بن جبل ـ قال يدخل أهل الجنة الجنة على أربعة أصناف: المتقين ثم الشاكرين ثم الخائفين ثم أصحاب اليمين. قلت: لما سموا أصحاب اليمين؟ قال: لأنهم قد عملوا بالسيئات والحسنات فأعطوا كتبهم بأيمانهم فقرؤا سيئاتهم حرفًا حرفًا. وقالوا: يا ربنا هذه سيئاتنا فأين حسناتنا؟ وعند ذلك محا اللهُ السيئات وجعلها حسنات فعند ذلك قالوا: { هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ } (1) فهم أكثر أهل الجنة، وفي الآية شاهد على ذلك { نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } (2) فالجزاء في الآية للتوبة النصوح لم يقتصر على تكفير السيئات بل تعداه إلي دخول الجنة تجري من تحتها الأنهار، ورفع الخزي، والنور يسعي بين أيديهم وبأيمانهم وهذا ما يعرف به الرسول - صلى الله عليه وسلم - أهل النجاة من أمته، بالغرة والتحجيل وأثر السجود ويؤتون كتبهم بأيمانهم ونورهم يسعي بين أيديهم.
__________
(1) الحاقة، آية: 19.
(2) التحريم، آية: 8.(4/333)
ولهذا قال ابن القيم(1) رحمه الله أن مقام التائبين مع الله عزَّ وجلّ واحد من ثلاثة مقامات: إما أن يعود التائب إلي أنقص مما كان عليه فهذا لا له ولا عليه، وإما أن يعود إلي ماكان عليه فهذا يرفع الله درجته، وإما أن يعود إلي خير مما كان عليه أضعافًا مضاعفة فهذا يبدل الله سيئاته حسنات.
ويذكر ما تحدثه التوبة من الخير للتائب فيقول: «إنَّ اللهَ سبحانه يرفع عبده بالتوبة وإذا ابتلاه مما يتوب منه فالمقصود كمال النهاية لا نقص البداية، فإنه تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، وهو مبدِّل بالتوبة السيئات حسنات، والذنب مع التوبة يوجب لصاحبه من العبودية والخشوع والتواضع والدعاء وغير ذلك ما لم يكن يحصل قبل ذلك، ولهذا قال طائفة من السلف أن العبد ليفعل الذنب فيدخل به الجنة، ويفعل الحسنة فيدخل بها النار. يفعل الذنب فلا يزال نصب عينيه إذا ذكره تاب إلي الله ودعاه وخشع له فيدخل به الجنة، ويفعل الحسنة فيعجب بها فيدخل النار. وفي الأثر لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أعظم من الذنب وهو العُجْبْ. وفي أثر آخر لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إلي الله لما ابتلي بالذنب أكرم الخلق عليه». أهـ.
ويذكر ابن كثير(2) في تفسيره في سورة الزمر أحاديث منها نفي القنوط قريبًا من هذا. ومنه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لولا أنكم تذنبون لخلق اللهُ - عز وجل - قومًا يذنبون فيغفر لهم» رواه الإمام أحمد وأخرجه مسلم والترمذي جميعًا عن قتيبة عن الليث بن سعد. ومن رواية الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كفارة الذنب الندامة» وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون فيغفر لهم».
__________
(1) طريق الهجرتين، ص 220-223 بتصرف.
(2) تفسير ابن كثير، ج4، ص 59.(4/334)
(ب) قوله تعالى: { إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } (1). قالوا: التائب فقط يعذب، وأما التائب الذي لا يعذَّب فهو الذي يجمع مع التوبة الإيمان والعمل الصالح وهذا دليل على أن الذنب كفر، وهذا كله من جهالتهم. وهذه الآية على وضعين: الوضع الأول: أنه توبة من الكفر ولذلك قال: { إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا } والمعنى أسلم وحسن إسلامه لا شيء أكثر على هذا الوجه، وتفسير يبدل سيئاتهم حسنات على هذا الوجه هو توفيقهم للحسنات بدلا من السيئات وثوابهم عليها.
يقول البيضاوي(2) في تفسير قوله تعالى { يُضَاعَفُ لَهُ العَذَابُ } مضاعفة العذاب لانضمام المعصية إلي الكفر، ويدل عليه قوله تعالى: { إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة، ويثبت مكانها لواحق طاعتهم، أو يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة، وقيل أن يوفقه لأضداد ما سلف منه». أهـ.
__________
(1) الفرقان، آية: 70.
(2) تفسير البيضاوي، ج3، ص 147.(4/335)
ويقول ابن كثير(1) في هذا الموضع: في معنى قوله: { يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } (2) قولان أحدهما: أنهم بُدِّلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات، قال علىٌّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات فرغب الله بهم عن السيئات فحولهم إلي الحسنات فأبدلهم مكان السيئات الحسنات. وقال سعيد بن جبير أبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الرحمن، وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات. وقال الحسن البصري: أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصًا، وأبدلهم بالفجور إحصانًا، وبالكفر إسلامًا وهذا قول أبي العالية وقتادة وجماعة آخرون.
الوضع الثاني: أن توبتهم فتحت لهم أبواب العمل الصالح فرفعت درجتهم عما كانوا عليه قبل وقوع المعصية أضعافًا مضاعفة. روى الطبراني من حديث أبي المغيرة عن صفوان بن عمر عن عبد الرحمن بن جبير عن أبي فروة أنه أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها ولم يترك حاجة ولا داجة فهل له من توبة؟ فقال «أسلمت؟» قال: نعم. قال: «فافعل الخيرات واترك السيئات فيجعلها اللهُ لك خيرات كلها» قال: وغدراتي وفجراتي ؟ قال: «نعم». فليس فعل الخيرات من شرط التوبة حتى تقبل ولكنه نتيجة لها لما أحدثته في النفس من تغيير، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام ابن القيم، وكما قيل ربَّ معصية أورثت ذلاً وانكسارًا خيرًا من طاعة أورثت عزًا واستكبارًا. ولذلك فإنه بهذه التوبة يعود خيرًا مما كان أضعافًا كثيرة واللهُ أعلم.
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج3، ص 327.
(2) الفرقان، آية: 70.(4/336)
(ج) قوله تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَنْ تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } (1) في تفسير الجلالين { تَابَ } من الشرك { وآمَنَ } وحَّد الله { وعَمِلَ صَالِحًا } يصدق بالفرض والنفل ثم اهتدي باستمراره على ما ذكر إلي موته. وفي البيضاوي: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَنْ تَابَ } عن الشرك { وآمَنَ } بما يجب الإيمان به، { وعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } ثم استقام على الهدي المذكور».
وفي ابن كثير(2): «أي كل من تاب إليَّ تبت عليه من أي ذنب كان حتى أنه تاب تعالى على من عبد العجل من بني إسرائيل. وقوله تعالى: { تَابَ } أي رجع عما كان فيه من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق وقوله { آمن } أي بقلبه { وعَمِلَ صَالِحًا } أي بجوارحه وقوله { ثُمَّ اهْتَدَى } قال علىّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أي ثم لم يشكك وقال سعيد بن جبير: { ثُمَّ اهْتَدَى } أي استقام على السنة والجماعة، وروى نحوه عن مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف وقال قتادة: { ثُمَّ اهْتَدَى } أي لزم الإسلام حتى يموت وقال سفيان الثوري: { ثُمَّ اهْتَدَى } أي علم أن لهذا ثوابًا وثم هنا لترتيب الخبر على الخبر كقوله { ثم كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات } .
__________
(1) طه، آية: 82.
(2) تفسير ابن كثير، ج3، ص 161.(4/337)
أقول وبالله التوفيق لهذه الآية وضعان: الأول: وهو نفس معنى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر» وعلي هذا الوضع يكون معنى الحديث بالنسبة لبني إسرائيل مفسرًا لمعنى هذه الآية والآية التي قبلها { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَّحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى } (1) أقول هذا لمن أساء { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَنْ تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } (2) أقول هذا لمن أحسن. والشرك لا يؤخذ به قبل إسلامه ما دام قد أسلم واستمر على إسلامه مع إساءته إلي أن مات مسلمًا.
ذكر الإيمان مع التوبة: إنما يأتي إذا كانت التوبة بعد ردة أو كانت إيمانًا بعد كفر. وذكر العمل الصالح مع الإيمان ومن ذلك أيضًا قوله تعالى { والذينَ عَملُوا السيئات ثُمَّ تَابُوا مِن بَعدِهَا وآمَنُوا إنَّ ربَّك مِن بَعدِهَا لَغَفُورً رَحِيم } والعمل الصالح إنما يأتي مع الإيمان والتوبة إذا كانت التوبة إيمانًا بعد كفر وقع فيه. ويعرف ذلك جيدًا من سياقات النصوص وأسباب النزول.
__________
(1) طه، آية: 81.
(2) طه، آية: 82.(4/338)
الوضع الثاني للآية: هو معنى قوله تعالى { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلكَافِرِينَ - وَالَّذِي جَاَءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ - لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ - لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيجْزِيهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } (1)، وقوله تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبْلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيَّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } (2) وخير تفسير للقرآن هو بالقرآن والسنة. وهذا الوضع الثاني هو الأرجح لقوله تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ } صيغة مبالغة من غافر فمن أسلم وحسن إسلامه اعتقادًا وعملاً واستقام على السنة والجماعة دخل في هذا الوعد. وهذا دليل على أن العمل الصالح ليس شرطًا لقبول التوبة ولكنه يرفع الدرجة.
(د) التوبة هى الإقلاع ولكن أحيانًا في معاصي معينة لا يتحقق الرجوع إلا بالدخول في الطاعة، وفي معاصي أخرى لا يلزم من ترك الشيء أو لترك الشيء فعل الضد بل نفس ترك المعصية بلا زيادة هو نفسه فعل الطاعة.
__________
(1) الزمر، آيات: 32-35.
(2) الأحقاف، آية: 16.(4/339)
فالأول مثل قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ - إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } (1) التوبة عن الكتمان تركه وترك الكتمان البيان، فهنا يوجد تلازم، أما التوبة عن الحرابة مثلاً ـ الأمثلة التي سقناها قبل ذلك ـ فهى في تركها، وتركها ليس له لوازم إنما هو أن يكف شره عن الناس ـ فلابد في حالة الكتمان من رد الحقوق وهو إصلاح ما أفسدوه بالكتمان فالأمر إذًا لا يخرج عما قاله العلماء الإقلاع، الندم، العزم على ألا يعود ورد الحقوق لا شيء زيادة وإنما هى تلازمات.
ومثل قوله تعالى: { إنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا - إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } (2).
النفاق: إرجاف وإفساد ليكون له وجه عند هؤلاء وعند هؤلاء. وترك الإفساد: إصلاح.
والنفاق: افتقار من الاعتصام بالله، والإخلاص له. فلا يستطيع أن يتوكل عليه ولا أن يبتغي بعمله وجهه لأن قلوبهم وأفئدتهم هواء خاوية من سكينة الإيمان، وتركه أي ترك النفاق هو فعل ضده، وضده هو الاعتصام بالله والإخلاص لله. وعطف الإصلاح والاعتصام والإخلاص على التوبة هو من باب عطف لوازم الشيء عليه ليس إلا .
__________
(1) البقرة، آيتان: 159-160.
(2) النساء، آيتان: 145-146.(4/340)
(هـ) التعبير عن الإسلام بالتوبة: يعبِّر القرآن على ألسنة الرسل عليهم السلام بعدَّة صياغات معناها كلها واحد وإن تنوعت الصياغات فمن ذلك: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم إِنَّه كَانَ غَفَّارًا } (1)، { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } (2)، { إِن يَّنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } (3)، { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } (4)، { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } (5) وفي الحديث أيضًا «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله فقد حَرُمَ دمه وماله»، ومنه «من وحَّد اللهَ وكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم دمه وماله» وقوله تعالى: { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَّدُودٌ } (6) وقوله تعالى: { فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } (7). وتعبر السنَّة أيضًا عن الإسلام «من مات لا يشرك بالله شيئًا» «لا تشرك بالله شيئًا» و«أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا» في الأحاديث.
والإسلام إذا أريد به حقيقته فهو نفي وإثبات، والنفي يستلزم الإثبات والإثبات يستلزم النفي، فإذا ذكر أحدهما فإنه يريد به ما ذكر ولوازمه، وقد يذكرالنفي والإثبات وقد يذكر بعضه والمراد كله، وحقيقة الإسلام لابد فيها من:
ـ الإقرار أي التلفظ وهذا إثبات.
ـ القدر الضروري من العلم الذي لا يوجد الإيمان بدونه وهذا إثبات.
ـ التزام شرائع الإسلام وهذا إثبات. التزام ولاية الإسلام وهذا إثبات.
ـ ترك الشرك بنوعيه في الاعتقاد وفي العبادة وهذا نفي.
__________
(1) نوح، آية: 10.
(2) هود، آية: 52.
(3) الأنفال، آية: 38.
(4) التوبة، آية: 5.
(5) التوبة، آية: 11.
(6) هود، آية: 90.
(7) هود، آية: 61.(4/341)
وفي حكمه لابد: الإقرار، الالتزام بالشرائع، ترك الشرك بنوعيه.
ويكفي الإقرار إذا كان صحيحًا ويفترض تحقيق الالتزام وترك الشرك ما لم يقم الدليل علي نقيض ذلك، ويقوم مقام الإقرار ـ التبعية والدلالة. والمقصود أن ذكر أشياء أخرى مع التوبة في هذه الحالة ليس معناه أن التوبة لا تقبل بدون ذلك ولكن هذا من لوازم التوبة عن الشرك بالإسلام، والعطف إنما هو عطف اللوازم وبيان ما تترتب عليه الأحكام في الدنيا والآخرة.
(و) عطف أشياء أخرى على التوبة متعلقة بالأحكام: وذلك مثل قوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (1) وكلمة { أَصْلَحَ } هنا يتعلق بها حكمان: الأول إن كان قبل الرفع إلي الإمام وأصلح برد المال فيكون معنى أصلح أي رد المال، فهذا يسقط عنه القطع. والحكم الآخر إن كان بعد إقامة الحد باستقامته وتطهره من الحرام فهو تعديله ورفع التجريح عنه وإسقاط الاعتبار. وهذا في الحدود كلها ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة الجهينية «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عزَّ وجلّ » رواه مسلم. وفي قوله عزَّ وجلّ في سورة النور عن قذف المحصنات { إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (2) والتوبة الترك وصيانة اللسان عن الأعراض وهو معنى الإصلاح، أو يكون الإصلاح معنى زائد وهو الإقرار على النفس بالبهتان وحكمها الدنيوي هو رفع التجريح عن التائب فتقبل شهادته ويرتفع عنه حكم الفسق وهذا ممن تقبل توبته. أما من يقذف أمهات المؤمنين فليس له توبة
__________
(1) المائدة، آيتان: 38-39.
(2) النور، آية: 5.(4/342)
ولا تقبل توبته وإن تاب لقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المحْصَنَاتِ الغَافِلاتِ المؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (1) فهذا لا تقبل توبته في الدنيا وقد لا تقبل توبته في الآخرة وإن نزعته نفسه إلي ذلك إما بانقطاع تكليفه كمن آمن بعد معاينة العذاب أو بأن يحرم من الهداية.
(ز) من لا تقبل توبتهم. يقول الله - عز وجل -: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } (2)، ويقول - عز وجل -: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ } (3)، ويقول - سبحانه وتعالى -: { كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ - أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ - خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ - إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُّقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ } (4) والمعنى أنه يحرم من الهداية لانتكاسة فطرته، فإذا تاب من انتكاسة الفطرة وأصلح ما أفسد كلازم لتوبته فأولئك
__________
(1) النور، آية: 23.
(2) النساء، آية: 137.
(3) الأنفال، آية: 24.
(4) آل عمران، آيات 86-91.(4/343)
يتوب اللهُ عليهم ويغفر لهم، أما الذين تكررت ردتهم أو تغلظت بحراب أو بطعن أو بسب للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو بزندقة فهذا لا تقبل توبته في الدنيا وقد تنفعه في الآخرة إذا كان صادقًا، وقد يحول اللهُ بينه وبين الهداية كلعن وطرد وحرمان له من العودة إلي الرضى ويميته على الكفر، وفي هذا جاء الأثر(1) الذي رواه البزار من حديث ابن عباس «أن قومًا أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا فأرسلوا إلي قومهم يسألون لهم فذكروا لهم ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } .
والمعروف أن الإسلام يجب أو يهدم ما قبله، وأن الإسلام توبة مقبولة من الكفر، ولكن تكرارالردة أو نوعها ينافي أحيانًا الصدق في التوبة من الكفر فلا يقبل إسلامه، وهذا لا ينافي أن التوبة ترك أو إقلاع له لوازمه التي لا تتحقق بدونها أحيانًا أو ليس له لوازم فتتحقق التوبة بمجرد الترك أحيانًا أخرى والله أعلم.
__________
(1) تفسير ابن كثير، ج1، ص 380.(4/344)
(ح) التوبة تجب ما قبلها ولا تحتاج إلي مساندة من غيرها لرفع المؤاخذة، فالمؤاخذة ترتفع لمجرد التوبة الصادقة الجازمة النصوح التي تلم شعث صاحبها، فإذا أشكل عليك قوله تعالى على لسان السحرة في قصة موسى - عليه السلام - في سورة الشعراء { إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوْلَ المؤْمِنِينَ } (1) فاعلم أن المسلم إذا أسلم وحسن إسلامه أي أسلم إسلامًا حقيقيًا وآمن بعد كفره فهذا يرفع عنه وزر الشرك والكفر، فإذا كانت توبته من الكفر والشرك في موقف إشهاد عظيم مثل السحرة وبهذا القدر من الصدق والإخلاص، فإن الله يوفقهم للعمل الصالح بعد إسلامهم أو يتقبلهم شهداء. وبهذا إذا كان لهم عمل بعد إسلامهم لاستمرار حياتهم فإن الله سبحانه وتعالى يكفر عنهم أسوأ ما عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. ومغفرة الخطايا هنا معناها بالتحديد ألا يكلهم إلي أنفسهم بعد إسلامهم فيسيئوا فيأخذهم بالأول والآخر ـ قبل الإسلام وبعده ـ فيما دون الشرك الذي تابوا منه، وأن يوفقهم إلي الطاعة التي يتقبلهم بها في الصالحين في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. وعدم المغفرة معناه عدم التوفيق للطاعة التي ينالهم بها هذا الخير، وهذا مثل قول سيدنا عيسى { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } (2)، وقول إبراهيم - عليه السلام -: { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (3) عصاني ـ بعبادة الأصنام ـ فمعنى مغفرة الله له أن يوفقه إلي التوبة ليموت على الإسلام، ومعنى عذابه لهم أن يحرمهم من التوبة فيموتوا على الكفر. فمعنى دعاء السحرة ألا يحرمهم بسبب خطاياهم من التوفيق للعمل
__________
(1) الشعراء، آية: 51.
(2) المائدة، آية: 118.
(3) إبراهيم، آية: 31.(4/345)
الصالح مع الإسلام { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيجْزِيهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } بعد إسلامهم، وذلك بسبب كونهم أول المؤمنين، يتوسلون بأعمالهم الصالحة لطلب التوفيق إلي الممات، وألا يحول بينهم وبين هذا التوفيق للعمل الصالح بعد الإسلام خطاياهم السابقة على الإسلام في جاهليتهم التي كانوا عليها قبل أن يؤمنوا والله أعلم.
(ط) التوبة والكفارة: كانت بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم أصبح يجد كفارة ذنبه على بابه ولا تقبل لهم توبة إلا بكفارة، وهذه الأمة وضع اللهُ عنها الإصر والأغلال وجاءها نبيها بالتخفيف وأسبغ الله عليها الستر، فمن أصاب ذنبًا له حد فإن وجب عليه الحد فلا تقبل توبته إلا به لأنه من الحقوق الواجبة، وإن ستره الله فلا يجب أن يعرض نفسه للحد، وإن أراد أن يتطهر به فهو خير له، وإن شاء أن يستتر بستر الله ويتوب توبة نصوحًا فهو له، وتقبل توبته وتقع المطالبة في الآخرة وهى راجعة إلي المشيئة. والكفارة كفارة له مع مفارقة الذنب بالتوبة، فإن لم يكن له توبة ولا ندم ولا استغفار فهى خزي في الدنيا لا يمنع عذاب الله في الآخرة كما جاء في آية الحرابة في سورة المائدة يقول ابن كثير(1): «وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة ابن الصامت قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس فقال: «تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ـ قرأ الآية التي أخذت على النساء إذا جاءك المؤمنات ـ فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره اللهُ عليه فهو إلي الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه» أخرجاه في الصحيحين.
ومن بدعهم: إنكار الاجتهاد.
ونقول باختصار وإيجاز وحسم إن شاء الله:
__________
(1) تفسيرابن كثير، ج4، ص 353.(4/346)
يقول ربنا - عز وجل -: { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَّتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَن يُّقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } (1) من المعلوم أنه بعد انتهاء الثلاث تطليقات تبين الزوجة بينونة كبري، ولا تحل لزوجها إلا إذا تزوجها آخر نكاح رغبة بقصده وقصدها ـ حديث امرأة رفاعة ـ ثم طلقها الآخر طلاق رغبة لا طلاق حيلة لتحليلها لزوجها يعني أنه بانقضاء الحياة الزوجية الثانية بالطلاق تحل الحياة الزوجية الأولي، فإذا انقضت الحياة الزوجية الثانية بالموت أو الخلع أو الفسخ هل تحل الحياة الزوجية الأولي أم أن الحكم مرتبط بلفظ الطلاق، ومعلوم أن الموت لا يدخل في عموم لفظ الطلاق ولكنه يدخل في عموم المعنى من حيث انقضاء الحياة الزوجية. والإجماع على حلية الحياة الزوجية الأولي بانقضاء الثانية بطلاق أو خلع أو فسخ أو موت لمشاركة الصور الثلاثة للصورة المذكورة في النص في المعنى من حيث أن المراد هو انقضاء الحياة الزوجية الثانية وهذا هو القياس، فإذا ثبت في صورة ثبت في كل الصور بضوابط الشرع.
أما المصالح المرسلة فالأمر أوضح من أن يستدل عليه.
المصالح المرسلة.
1- عندما لا يكون هناك حكم جزئي يقول لك افعل أو لا تفعل، أي لا اعتبار لها ولا الغاء من حيث الأحكام الجزئية.
2- لم يوجد المقتضي للحكم في وقت التشريع في حياته - صلى الله عليه وسلم -.
3- ثم وجد بعد انقضاء وقت التشريع بوفاته - صلى الله عليه وسلم -.
4- وكان في أمر معقول المعنى.
5- فإن كان فردًا من أفراد قاعدة كلية دخل تحت عمومها وإطلاقها طردًا أو عكسًا وكانت هذه مصلحة مرسلة راجعة إلي النصوص متقدمة على القياس.
6- وإن لم تكن فردًا من أفراد قاعدة كلية ولم تكن لها قاعدة تأخذ منها حكمها.
__________
(1) البقرة، آية: 230.(4/347)
7- فإنه يمكن أن تشهد لها عدة قواعدة كلية بالاعتبار دون أن تكون فردًا من أفراد أي قاعدة من هذه القواعد وعندئذ تعتبر مصلحة مرسلة راجعة إلي الاجتهاد رتبتها التأخر عن القياس.
8- فإن فحش القياس في موضع من مواضع عمومه أمكن استثناء هذا الموضع من عموم القياس، وتقدمت على القياس في هذا الموضع المصلحة المرسلة وهذا هو الاستحسان.
أقول: إبطال المصلحة المرسلة الراجعة إلي النص إبطال للشرع وللنصوص. وحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحكام الشارع قاطعة في إثباتها. وإبطال المصلحة المرسلة الراجعة إلي الاجتهاد يخالف أيضًا إجماع الصحابة لإجماعهم على جمع المصحف وهو مصلحة ـ أي الجمع ـ مرسلة راجعة إلي الاجتهاد، لأنه لا يدخل تحت عموم وإطلاق قاعدة كلية ولا نص جزئي. ولكن يشهد له بالاعتبار عدة قواعد كلية منها: حفظ الذكر ووحدة الأمة ومنع الخلاف وإقامة الشرع والدين وإسقاط شرعية الافتراق، والاعتصام بالكتاب والسنة وما إلي ذلك مما لا ينحصر من قواعد الشرع الكلية. وهى مصلحة مرسلة إذا ثبتت في جزئية ثبتت في باقي الجزئيات.
ولاسبيل إلي جحد هذا إلا مكابر جاهل لا يعرف ما يقول.
أما البدعة الأخيرة لهؤلاء فهى أنهم لا يشهدون بالإسلام ولو لأحمد ابن حنبل إلا إذا تأكد أنه قد حقق البضع والسبعين شعبة. وقلتُ إن النصوص والسنة العملية وإجماع أهل العلم على أن حكم الإسلام يثبت بالنص والدلالة والتبعية وحقيقة الإسلام هى التوحيد بنوعيه وقد سبق بيان هذا فلا معنى في الإعادة.
والحمد لله ربِّ العالمين.
وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/348)