اشتد القتال نزل طليحة بكساء له وهم ينتظرون أن ينزل عليه الوحي فلما طال ذلك على أصحابه وهدتهم الحرب جعل عيينة يقاتل ويذكر الناس حتى إذا ألحَّ المسلمون عليهم السيف أتي طليحة وهو في كسائه فقال لا أبا لك هل أتاك جبريل بعد قال لا والله قال تبًا لك سائر اليوم ثم رجع عيينة فقاتل وجعل يحض أصحابه على القتال وقد ضجوا من وقع السيوف فلما طال ذلك عليهم جاء إلى طليحة وهو متلفف بكسائه فجبذه جبذة شديدة جلس منها وقال قبَّح الله هذه من نبوة ما قيل لك بعد شيء؟ قال: بلي قد قيل لي إن لك رحي كرحاه وأمرًا لن تنساه فقال عيينة أظن أن قد علم الله أنه سيكون لك حديث لن تنساه يا بني فزارة هكذا ـ وأشار تحت الشمس ـ انصرفوا هذا والله كذَّاب ما بورك لنا ولا له فيما يطلب فانصرفت فزارة وذهب عيينة وأخوه في آثارها فأُدرك عيينة فأسر وأفلت أخوه ولما رأي طليحة ما فعل أصحابه خرج منهزمًا فجعل أصحابه يقولون ماذا تأمرنا وقد كان أعد فرسه وهيأ امرأته فوثب على فرسه وحمل امرأته وراءه ثم ولَّي هاربًا وقال من استطاع منكم أن يفعل هكذا فليفعل ثم هرب حتى قرب من الشام. إلى أن يقول: ثم لحق المسلمون أصحاب طليحة فقتلوا وأسروا وصاح خالد لا يطبخن رجل قدرًا ولا يسخنن ماء إلا وأثفيته رأس رجل وتلطف رجل من بني أسد حتى وثب على عجز راحلة خالد فقال أنشدك الله ألا يكون هلاك مضر على يدك يا خالد حكمك في بني أسد فنادي خالد من قام فهو آمن فقام الناس كلهم وسمعت بذلك بنو عامر فأعلنوا الإسلام وأمر خالد بالحظائر أن تبني ثم أوقد فيها النار ثم أمر بالأسرى فألقيت فيها وألقى فيها يومئذ حامية بن سبيع الذي استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدقات قومه فقيل لبعض أهل العلم لم حرق هؤلاء من بين أهل الردة فقال بلغته عنهم مقالة سيئة وثبتوا على ردتهم. وعن ابن عمر قال شهدت بزاخة مع خالد فأظفرنا الله على طليحة وكنا كلما أغرنا على قوم سبينا الذراري(2/232)
واقتسمنا الأموال ولما أوقع الله ببني أسد وفزارة ما أوقع ببزاخة بث خالد السرايا ليصيبوا من قدروا عليه ممن هو على ردته وجعلت العرب تشير إلى خالد رغبة في الإسلام وخوفًا من السيف. إلى أن يقول: ثم عمد خالد إلى جبلي طيء ـ أجا وسلمي ـ فأتته عامر وغطفان يدخلون الإسلام ويسألونه الأمان على مياههم وبلادهم وأظهروا التوبة وأقاموا الصلاة وأقروا بالزكاة فأمنهم خالد وأخذ عليهم العهود والمواثيق لتبايعن على ذلك أبناءكم ونساءكم آناء الليل وآناء النهار فقالوا: نعم نعم. إلى أن يقول: وحدث يزيد بن أبي شريك الفزاري عن أبيه قال: قدمت مع أسد وغطفان على أبي بكر وافدًا حين فرغ خالد منهم فقال أبو بكر: «اختاروا بين خصلتين حرب مجلية أو سلم مخزية. فقال خارجة بن حصن هذه الحرب المجلية قد عرفناها فما السلم المخزية قال تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار وأن تردوا علينا ما أخذتم منا ولا نرد عليكم ما أخذنا منكم وأن تدُوا قتلانا كل قتيل مائة بعير منها أربعون في بطونها أولادها ولا ندي قتلاكم ونأخذ منكم الحلقة والكراع وتلحقون بأذناب الإبل حتى يُرىَ الله خليفة نبيه والمؤمنين ما شاء فيكم أو يري منكم إقبالا لما خرجتم منه فقال خارجة نعم يا خليفة رسول الله فقال أبو بكر: عليكم عهد الله وميثاقه أن تقوموا بالقرآن آناء الليل وآناء النهار وتعلمون أولادكم ونساءكم ولا تمنعوا فرائض الله في أموالكم قالوا: نعم. فقال عمر: يا خليفة رسول الله كل ما قلت كما قلت إلا أن يدوا من قُتِلَ منَّا فإنهم قومٌ قتلوا في سبيل الله فتتابع الناس على قول عمر فقبض أبو بكر كل ما قدر عليه من الحلقة والكراع فلما توفي رأي عمر أن الإسلام قد ضرب بجرانه فدفعه إلى أهله وإلي ورثة من مات منهم».(2/233)
يقول شيخ الإسلام بن عبد الوهاب عن حرب خالد لمالك بن نويرة وقومه: «وساروا جميعًا حتى انتهوا إلى البطاح من أرض بني تميم فلم يجدوا بها جمعًا ففرق خالد السرايا في نواحيها فأتت سرية منهم بنو حنظلة وسيدهم مالك بن نويرة وكان قد بعثه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مصدقًا على قومه فجمع صدقاتهم فلما بلغته وفاة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جفل إبل الصدقة ـ أي ردها إلى أهلها ـ فلذلك سمي الجفول وجمع قومه فقال إنَّ هذا الرجل قد هلك فإن قام قائم بعده رضي منكم أن تدخلوا في أمره ولم يطلب ما مضي ولم تكونوا أعطيتم أموالكم الناس فتسارع إليه جمهورهم فقام فيهم قعنب سيد بني يربوع فقال يا بني تميم لا ترجعوا في صدقاتكم فيرجع الله في نعمه عليكم ولا تتجردوا للبلاء وقد ألبسكم الله العافية ولا تستشعروا خوف الكفر وأنتم في أمن الإسلام إنكم أعطيتم قليلاً من كثير والله مذهب الكثير بالقليل ومسلط على أموالكم غدًا من يأخذها على غير الرضي وإن منعتموها قتلتم فأطيعوا الله واعصوا مالكًا.
أقول:
فقال مالك في ذلك شعرًا:
وقال رجال سدد اليوم مالك ... ... وقال رجال مالك لم يُسَدَّد
فقلت دعوني لا أبًا لأبيكمو ... ... فلم أخط رأيًا في المعاد ولا البد
فدونكموها إنها صدقاتكم ... ... مُصررة أخلافها لم تجرد
سأجعل نفسي دون ما تحذرونه ... ... فأرهنكم يومًا بما قلَّت يدي
فإن قام بالأمر المجرد قائم ... ... أطعنا وقلنا الدين دين محمد(2/234)
ولما بلغ ذلك أبا بكر والمسلمين حنقوا عليه وعاهد الله خالد لئن أخذه ليجعلن هامته أثفية للقدر ولما وقع في يد المسلمين في نفر من بني تميم أمر بهم خالد فقتلوا وأمر برأس مالك فجعله أثفية للقدر. ثم يذكر مقال بني حنيفة(1). وجاء في وصية أبي بكر لخالد بخصوصهم: «فإذا رأيت القوم فأعد للأمور أقرانها فإن أظفرك الله بهم فإياك والإبقاء عليهم أجهز على جريحهم واطلب مُدبرهم واحمل أسيرهم على السيف وهوّل فيهم القتل وخوِّفهم بالنار» وجاء في حوار خالد مع مجاعة بن مرارة قال مجاعة يا ابن المغيرة إن لي إسلامًا والله ما كفرت فقال خالد إن بين القتل والترك منزلة وهي الحبس حتى يقضي الله في حربنا ما هو قاض فقال مجاعة يا خالد قد علمت أني قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعته على الإسلام وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس فإن يكن كذاب خرج فينا فإن الله يقول: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (2) فقال خالد: يا مجاعة تركت اليوم ما كنت عليه بالأمس وكان رضاك بأمر هذا الكذاب وسكوتك عنه وأنت أعزّ أهل اليمامة وقد بلغك مسيري إقرارًا له ورضي بما جاء به فهلا أبديت عذرًا فتكلمت فيمن تكلم فقد تكلم ثمامة فرد وأنكر وتكلم اليشكري فإن قلت أخاف قومي فهلا عمدت إليَّ أو بعثت إليَّ رسولاً فقال مجاعة إن رأيت يا ابن المغيرة أن تعفو عن هذا كله فقال قد عفوت عن دمك ولكن في نفسي من تركك حرج.
__________
(1) مختصر سيرة الرسول، ص 210.
(2) فاطر، آية: 18.(2/235)
ثم يتكلم عن القتال يقول(1): «وقال ضمرة بن سعيد المازني ـ وذكر ردة بني حنيفة ـ لم يلق المسلمون عدوًا أشد نكاية منهم لقوهم بالموت الناقع والسيوف وقد أصلتوها قبل النبل وقبل الرماح فكان المعوّل يومئذ على أهل السوابق وقال ثابت بن قيس يومئذ يا معشر الأنصار الله الله في دينكم علّمنا هؤلاء أمرًا ما كنا نحسنه ثم أقبل على المسلمين وقال أف لكم ولما تصنعون ثم قال خلُّوا بيننا وبينهم اخلصونا فأخلصت الأنصار فلم تكن لهم ناهية حتى انتهوا إلى حكم بن طفيل فقتلوه ثم انتهوا إلى الحديقة فدخلوها فقاتلوا أشد القتال حتى اختلفوا فيها ثم صاح ثابت صيحة يا أصحاب سورة البقرة وأوفي عباد بن بشر على نَشَز فصاح بأعلى صوته أنا عباد بن بشر يا للأنصار أنا عباد إليَّ إليَّ فأجابوا لبيك لبيك حتى توافوا عنده فقال فداكم أبي وأمي حطموا جفون السيوف ثم حطم جفن سيفه فألقاه وحطمت الأنصار جفون سيوفها ثم قال حملة صادقة اتبعوني فخرج أمامهم حتى ساقوا بني حنيفة منهزمين حتى انتهوا إلى الحديقة فأغلق عليهم. ثمَّ إنَّ اللهَ فتح الحديقة فاقتحم عليهم المسلمون وأخذ يقول عن الصلح(2): «فاصطلحوا على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع ونصف السبي» ثم جاء كتاب أبي بكر: «إن أظفرك الله بهم فلا تبق منهم أحدًا» فتم الصلح وكتب خالد إلى أبي بكر يعتذر إليه.
__________
(1) المصدر السابق، ص 215.
(2) مختصر سيرة الرسول، ص 217.(2/236)
ويقول شيخ الإسلام(1): وذكر عمر يومًا وقعة اليمامة ومن قتل فيها من أهل السابقة فقال ألحت السيوف على أهل السوابق ولم يكن المعول يومئذ إلا عليهم خافوا على الإسلام أن يكسر بابه فيدخل منه إن ظهر مسيلمة فمنع الله الإسلام بهم حتى قتل عدوه وأظهر كلمته وقدموا ـ رحمهم الله ـ على ما يسرون به من ثواب جهادهم مَنْ كذبَ على الله ورسوله فاستحر بهم القتل فرحم الله تلك الوجوه. وقال يعقوب بن سعيد بن عبيد والزهري: قتل من بني حنيفة أكثر من سبعة آلاف وكان داؤهم خبيثًا والطارئ منهم على الإسلام عظيمًا فاستأصل الله شأفتهم والحمد لله ربِّ العالمين.
ويذكر ردة بني سليم وسرقتهم اللطيمة فيها مسك وعنبر وخيل كانت مهداة إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أحد ملوك غسان وكتب أن خالدًا أخذ يلي القتال بنفسه حتى أثخن فيهم القتل ثم حمل عليهم حملة واحدة فانهزموا وأسر منهم بشرًا كثيرًا ثم حظر لهم الحظائر وحرقهم جميعًا. ويذكر وصية لأبي بكر - رضي الله عنه - إلى خالد بخصوصهم «إن أظفرك الله ببني حنيفة فأقِل اللُبث فيهم حتى تنحدر إلى بني سليم فتطأهم وطأة يعرفون بها ما منعوا فإنه ليس بطن من العرب أنا أغيظ عليه مني عليهم فإن أظفرك الله بهم فلا ألوك فيهم أن تحرقهم بالنار وهوّل فيهم القتل حتى يكون نكالاً لهم».
ويذكر ردة أهل البحرين وكيف صالحهم العلاء الحضرمي على ثلث ما في أيديهم من الأموال وما كان خارجًا منها فهو له وكيف اجتازوا الخليج جميعًا يمشون على مثل رملة فقال عفيف بن المنذر في ذلك:
ألم تر أن الله ذلّل بحره ... وأنزل بالكفار إحدي الجلائل الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا ... بأعظم من فلق البحار الأوائل الأوائل
__________
(1) المصدر السابق، ص 218.(2/237)
ثم يأتي إلى ذكر ردة أهل دبا وأزد عمان فيقول(1): «وذلك أنهم قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلمين فبعث إليهم مصدقًا يقال له حذيفة بن محصن البارقي ثم الأزدي من أهل دباء وأمره أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منعوا الصدقة وارتدوا فدعاهم حذيفة إلى التوبة فأبوا وجعلوا يرتجزون:
لقد أتانا خبر ردي أمست قريش كلها نبي ... ظلم لعمر الله عبقري
فقاتلهم حذيفة وعكرمة وانهزموا حتى دخلوا مدينة دبا فحصارهم المسلمون شهرًا فأرسلوا إلى حذيفة يسألونه الصلح فخيرهم بين حرب مجلية وسلم مخزية فاختاروا السلم المخزية ونزلوا على حكم حذيفة فقتل من أشرافهم مائة رجل وسبي ذراريهم وأرسل إلى المدينة ثلاثمائة من المقاتلة وأربعمائة من الذرية والنساء فلما قدم حذيفة بسبيهم أنزلهم أبو بكر - رضي الله عنه - دار رملة بنت الحارث وهو يريد أن يقتل من بقي من المقاتلة والقوم يقولون والله ما رجعنا عن الإسلام ولكننا شححنا على أموالنا فيأبي أبو بكر أن يدعهم بهذا القول وكلمه فيهم عمر وكان رأيه ألا يسبوا فلم يزالوا موقوفين في دار رملة حتى مات أبو بكر فدعاهم عمر فقال انطلقوا إلى أي البلاد شئتم فأنتم قومٌ أحرار فخرجوا حتى نزلوا البصرة».
الفقه المستفاد من هذه الحروب:
__________
(1) مختصر سيرة الرسول، ص 226.(2/238)
ارتدت العرب بمنع الزكاة وقوم بإسقاط وجوب الصلاة إباءً من قبول الفرائض وخروجًا عن الشرائع كما ارتدوا باتباع الكذابين سواء بسواء ولم يعذرهم أبو بكر بالتأويل وقد تغيرت تبعيتهم بتحيزهم بفسطاطات أجمعوا فيها على أمر واحد لحقهم فيه نساؤهم وأولادهم فلحق حكم الكفرالنساء والذرية وتغيرت التبعية فسرى عليهم حكم حراب الكفار من السبي وغنيمة الأموال لا فرق في ذلك بين مانعي الزكاة أو مسقطي الصلاة أو أتباع مسليمة وطليحة الكذابين ومن تاب منهم قبل القدرة عليه لم يؤخذ بشيء ومن تاب بعد دخوله في مجال قدرة المسلمين وعاد إلى الإسلام طالبًا الصلح فرضت عليه السلم المخزية ومن ظل حتى انجلاء الحرب سري عليه حكم الحرب من الاسترقاق والقتل والمن والفداء وغنيمة الأموال وتخميسها وأجبر من بقي منهم على الإسلام والإسلام في هذه الحالة لا يعصم لهم شيئًا من الأنفس والأموال من الرق والغنيمة لأنهم لم يسلموا وهم يملكون أمرهم كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعقيلي «لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح» ولا يصح أن يجتمع حكم السلم المخزية مع حكم الحرب المجلية(1) فحيثما كان الضمان لا تكون غنيمة ولا سبي وحيثما كانت الغنيمة لا يكون الضمان ولذلك قلت إن المارقين الذين لا نكفرهم أو من كفرناهم دون أن نلحق حكم الكفر بالذرية والنساء يجري عليهم الضمان فيما أتلفوه في ثائرة الحرب ولا يقع عليهم سبي ولا غنيمة أموال. والاستخفاف بالإسلام والمسلمين ومحادتهم وهم يقاتلون على دينهم كفر نقتل صاحبه به كما جاء في قصة الفجاءة.
__________
(1) أفرج عنهم عمر لذلك حتى لا يجتمع عليهم حكم السلم المخزية مع الحرب المجلية.(2/239)
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب(1): «عن الفجاءة واسمه إياس بن عبد الله بن عبد ياليل ومعه رجل من بني الشريد يقال له نجبة بن أبي الميثاء مع قوم من أهل الردة فلما بلغ أبو بكر خبره كتب إلى طريفة بن حاجر بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر إلى طريفة سلام عليك أما بعد فإن عدو الله الفجاءة أتاني فزعم أنه مسلم وسألني أن أقويه على قتال من ارتد عن الإسلام فحملته وسلحته وقد انتهي إليَّ من يقين الخبر أن عدو الله قد استعرض الناس المسلم والمرتد يأخذ أموالهم ويقتل من خالف منهم فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله أو تأخذه فتأتيني به فقرأ طريفة الكتاب على قومه فحشدوا إلى الفجاءة فقدم عليه ابن المثني فقتل نجبة وهرب منه الفجاءة ثم زحف طريفة إلى الفجاءة فتصادما فلما رأي الفجاءة الخلل في أصحابه قال يا طريفة والله ما كفرت وإني لمسلم وما أنت بأولى بأبي بكر مني أنت أميره وأنا أميره قال طريفة إن كنت صادقًا فألق السلاح ثم انطلق إلى أبي بكر فأخبره خبرك فوضع السلاح فأوثقه طريفة في جامعة فقال لا تفعل فقال طريفة هذا كتاب أبي بكر إليّ فقال الفجاءة سمعًا وطاعة فبعث به في جامعته مع عشرة من بني سليم فأرسل به أبوبكر إلى بني جشم فحرقته بالنار».
__________
(1) مختصر سيرة الرسول، ص 219.(2/240)
يقول الشاطبي(1): «ولما أراد أبو بكر - رضي الله عنه - قتال مانعي الزكاة احتجوا عليه بالحديث المشهور فرد عليهم ما استدلوا به بغير ما استدلوا به وذلك قوله: «إلا بحقها» فقال الزكاة حق المال ثم قال: «والله لو منعوني عقالاً أو عناقًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه» فتأملوا هذا المعني فإن فيه نكتتين مما نحن فيه إحداهما أنه لم يجعل لأحد سبيلاً إلى جريان الأمر في زمانه على غير ما كان يجري في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان بتأويل لأن من لم يرتد من المانعين إنما منع تأويلاً وفي هذا القسم وقع النزاع بين الصحابة لا فيمن ارتد رأسًا ولكن أبا بكر لم يعذر بالتأويل والجهل ونظر إلى حقيقة ما كان عليه الأمر فطلبه إلى أقصاه حتى قال والله لو منعوني عقالاً ... إلى آخره مع أن الذين أشاروا عليه بترك قتالهم إنما أشاروا عليه بأمر مصلحي ظاهر تعضده مسائل شرعية وقواعد أصولية لكن الدليل الشرعي الصريح كان عنده ظاهرًا فلم تقو عنده آراء الرجال أن تعارض الدليل الظاهر فالتزمه ثم رجع المشيرون عليه بالترك إلى صحة دليله تقديمًا للحاكم الحق وهو الشرع.
__________
(1) الاعتصام، ج2، ص 356.(2/241)
والثانية: أن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يلتفت إلى ما يلقي هو والمسلمون في طريق طلب الحق إذ لما امتنعوا صار مظنة للقتال وهلاك من شاء الله من الفرقتين ودخول المشقة على المسلمين في الأنفس والأموال والأولاد. لكنه - رضي الله عنه - لم يعتبر إلا إقامة الملة على حسب ما كانت قبل فكان ذلك أصلاً في أنه لا يعتبر العوارض الطارئة في إقامة الدين وشعائر الإسلام نظير ما قاله تعالي: { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِه } (1) الآية فإن الله لم يعذرهم في ترك منع المشركين خوف العيلة فكذلك لم يعد أبو بكر ما يلقي المسلمون من المشقة عذرًا يترك به المطالبة بإقامة شعائر الدين حسبما كانت في زمان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وجاء في القصة أن الصحابة أشاروا عليه برد البعث الذي بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أسامة بن زيد ولم يكونوا بعد مضوا لوجهتهم ليكونوا معه عونًا على قتال أهل الردة فأبي من ذلك وقال ما كنت لأرد بعثًا أنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقف مع شرع الله ولم يحكم غيره». أهـ.
__________
(1) التوبة، آية: 28.(2/242)
ويقول الطبري في تفسير قوله تعالي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } (1) «حدثني علىٌّ بن سعيد بن مسروق الكندي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاريبي عن جعيد بن الضحاك في قوله: { فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ } قال هو أبو بكر وأصحابه لما ارتد مَنْ ارتد من العرب عن الإسلام جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردوهم إلى الإسلام.
__________
(1) المائدة، آية: 54.(2/243)
حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد عن قتادة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه } إلى قوله { وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (1) ـ وأنزل الله هذه الآية ـ قد علم أنه سيرتد مرتدون من الناس فلما قبض الله نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ارتد عامة العرب عن الإسلام إلا ثلاث مساجد أهل المدينة وأهل مكة وأهل البحرين من عبد القيس قالوا نصلي ولا نزكي والله لا تغصب أموالنا فكلم أبو بكر في ذلك فقيل له إنهم لو قد فقهوا لهذا أعطوها وزادوها فقال والله لا أفرق بين شيء جمع الله بينه ولو منعوني عقالاً مما فرض الله ورسوله قاتلتهم عليه فبعث الله معه عصابة فقاتل على ما قاتل عليه نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سبى وقتل وحرَّق بالنيران أناسًا ارتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة فقاتلهم حتى أقروا بالماعون وهي الزكاة صغرة أقمياء فأتته وفود العرب فخيرهم بين خطة مخزية وحرب مجلية فاختاروا الخطة المخزية وكانت أهون عليهم أن يشهدوا أن قتلاهم في النار وأن قتلي المؤمنين في الجنة وأن ما أصابوا من المسلمين من مال ردوه عليهم وما أصاب المسلمون لهم من مال فهو لهم حلال». أهـ.
__________
(1) المائدة، آية: 54.(2/244)
ويقول البخاري: «وكانت الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها. فإذا وقع الكتاب أو السنّة لم يتعدوه إلى غيره اقتداءً بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ورأى أبو بكر قتال مَنْ منع الزكاة فقال عمر كيف تقاتل وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النَّاس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» فقال أبو بكر والله لأقاتلن من فرَّق بين ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تابعه عمر فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كان عنده حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة وأرادوا تبديل الدين وأحكامه قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «من بدل دينه فاقتلوه».
القتال على الملك:
جاء في سنن النسائي أخبرنا إبراهيم بن المستمر قال: حدثنا عمرو بن عاصم قال: حدثنا معتمر عن أبيه عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يجئ الرجل آخذًا بيد الرجل فيقول: يا رب هذا قتلني فيقول الله لِمَ قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك. فيقول: فإنها لي ويجئ الرجل آخذًا بيد الرجل فيقول: إن هذا قتلني. فيقول الله لِمَ قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان. فيقول: إنها ليست لفلان فيبوء بإثمه» أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم قال: حدثنا حجاج قال: أخبرني شعبة عن أبي عمران الجوفي قال: جندب حدثني فلان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يجئ المقتول بقاتله يوم القيامة فيقول: سلْ هذا فيم قتلني فيقول: قتلته على ملك فلان قال جندب: فاتقها». أهـ.(2/245)
وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقي المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار». يقول ابن حجر(1) عن هذا الحديث: وقد أخرج البزار في حديث القاتل والمقتول في النار زيادة يتبين بها المراد وهي: «إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار» ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ «لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيمَ قتل ولا المقتول فيم قتل» قيل كيف يكون ذلك قال: «الهرج القاتل والمقتول في النار».
قال القرطبي: فبيَّن هذا الحديث أنَّ القتال على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوي فهو الذي أريد بقوله «القاتل والمقتول في النار».
ومما يؤيد ما تقدم ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه: «من قاتل تحت راية عميّة يغضب لعصبه أو يدعو إلى عصبه أو ينصر عصبه فقتل فقتلته جاهلية». يقول ابن حجر: «لذلك حمل العلماء الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ بل لمجرد طلب الملك». وفي سنن ابن ماجة قال رسول الله: «تكون فتنة تستنظف العرب قتلاها في النار اللسان فيها أشد من وقع السيف» وفي سنن الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح الرجلٌ مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا» وفي سنن الترمذي حدثنا صالح بن عبد الله حدثنا جعفر بن سليمان عن هشام عن الحسن كان يقول في هذا الحديث «يصبح الرجل محرمًا لدم أخيه وعرضه ويمسي مستحلاً له ويمسي محرِّمًا لدم أخيه وعرضه وماله ويصبح مستحلاً له» وفي ”صحيح مسلم“ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من خرج من الطاعة من أمتي ليضرب برها وفاجرها ولا يتحاش مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس منهم».
__________
(1) فتح الباري، ج13، ص 26-27 بتصرف.(2/246)
أقول: ليس مني وليس من أمتي نص صريح في خروج أوضاع المتغلبين الذين يقاتلون على الملك وعلي محض الدنيا من وصف الجماعة والشرعية ودخولهم في وصف الفرقة وهؤلاء غير البغاة وغير قتال الفتنة الذي وقع بين الصحابة باجتهاد أصابوا فيه أم أخطأوا:
دخولهم في معني الخوارج وذلك من تفسير ابن حجر لحديث حذيفة: «دعاةٌ على أبواب جهنَّم مَنْ أجابهم إليها قذفوه فيها قال مَنْ قام في طلب الملك من الخوارج وغيرهم»(1). ولمشابهتهم الخوارج من حيث: قتل أهل الإسلام وترك أهل الأوثان، الخروج عن الجماعة، التفرق والاختلاف «إن نبيكم قد برئ ممن فرَّق دينه واحتزب» ولذلك ينطبق عليهم «من لقيتموه منهم فاقتلوه وطوبي لمن قتلهم أو قتلوه» ولأقتلنهم قتل عادٍ، شرَّ قتل تحت أديم السماء، شرّ الخلق والخليقة».
دخولهم في معني الشيع التي يذيق بعضها بأس بعض في حديث ثوبان وقد ذكر في نفس الحديث «وإنَّ أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم تقوم القيامة ولا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله». فقتال أهل الافتراق لبعضهم البعض غير مشروع وقتال أهل الحق والجماعة لأهل الافتراق مشروع.
__________
(1) فتح البارى، ج13، ص 37.(2/247)
الأحاديث التي جاءت في قتال من أراد أن يفرق أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كائنًآ من كان يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على الرافضة(1): «كذلك قوله أمر بقتل من خالف الأربعة وأمر بقتل من خالف الثلاث منهم عبد الرحمن فيقال هذا من الكذب المفتري ولو قدر أنه فعل ذلك لم يكن عمرٌ خالف الدين بل يكون قد أمر بقتل من يقصد الفتنة كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنًا من كان» والمعروف عن عمر أنه أمر بقتل من أراد أن ينفرد عن المسلمين ببيعته بلا مشاورة لأجل هذا الحديث وأما قتل الواحد المتخلف عن البيعة إذا لم تقم فتنة فلم يأمر عمر بقتل مثل هذا ولا يجوز قتل مثل هذا». أهـ.
أنه الخروج عن الجماعة وخروج عن الشرع يقاتلون عليه حتى يلتزموه ويجري في قتالهم أحكام الخطة المخزية من ضمان ما أتلفوه في ثائرة الحرب وفي غيرها والله سبحانه تعالى أعلى وأعلم.
الطوائف غير الممتنعة والأفراد المقدور عليهم من المارقين والزنادقة ورؤوس الفتنة:
جاء في الأطلس عن يمين الدولة محمود بن سبكتكين: «وفي كل ناحية كان محمود يفتحها كان يزيل كل المذاهب الخارجة عن مذهب السنة والجماعة ومن هنا قضي على كل أثر للتشيع أو الاعتزال وغيره في كل البلاد التي دخلها وكذلك أزال مذهب الرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية ومن إليهم.
__________
(1) منهاج السنة، ج3، ص 172.(2/248)
ويقول شيخ الإسلام في ”الرسالة التسعينية“ (1): «قال الحافظ أبو القاسم اللالكائي في كتابه المشهور في ”شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة“ لما ذكر عقوبات الأئمة لأهل البدع قال: واستتاب أمير المؤمنين القادر بالله حرس الله مهجته وأمد بالتوفيق أموره ووفقه من القول والعمل لما يرضي مليكه فقهاء المعتزلة الحنفية في سنة ثمان وأربعمائة فأظهروا الرجوع وتبرءوا من الاعتزال ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام والسنة وأخذ خطوطهم بذلك وأنهم مهما خالفوه حلَّ بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به وامتثل يمين الدولة وأمين الملة أبو القاسم محمود يعني ابن سبكتكين أعزَّ الله نصره أمر أمير المؤمنين القادر بالله واستن بسننه في أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة وصلبهم وحبسهم ونفاهم والأمر باللعنة عليهم على منابر المسلمين وإبعاد كل طائفة من أهل البدع وطردهم عن ديارهم وصار ذلك في الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خيرُ الوارثين». أهـ.
__________
(1) الفتاوى الكبرى، ج5، ص 332.(2/249)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية(1): «قال أبو العباس في موضع آخر: والتعزير على شيء دليل على تحريمه ومن هذا الباب ماذكره أصحابنا وأصحاب الشافعي من قتل الداعية من أهل البدع كما قتل الجعد بن درهم والجهم ابن صفوان وغيلان القدري وقتل هؤلاء له مأخذان: أحدهما: كون ذلك كفرًا كقتل المرتد أو جحودًا أو تغليظًا وهذا المعني يعم الداعي إليها وغير الداعي إذا كفروا فيكون قتلهم من باب قتل المرتد والمأخذ الثاني: لما في الدعاء إلى البدعة من إفساد دين الناس ولهذا كان أصل الإمام أحمد وغيره من فقهاء الحديث وعلمائهم يفرقون بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي في ردِّ الشهادة وترك الرواية عنه والصلاة خلفه وهجره ولهذا ترك في الكتب الستة ومسند أحمد الرواية عن مثل عمرو بن عبيد ونحوه ولم يترك عن القدرية الذين ليسوا بدعاة وعلي هذا المأخذ فقتلهم من باب قتل المفسدين المحاربين لأن المحاربة باللسان كالمحاربة باليد ويشبه قتل المحاربين للسنة بالرأي قتل المحاربين لها بالرواية وهو قتل من يتعمد الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قتل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الذي كذب عليه في حياته وهو حديث جيد لما فيه من تغيير سنته وقد قرر أبو العباس هذا مع نظائر له في الصارم المسلول كقتل الذي يتعرض لحرمه أو يسبه ونحو ذلك وكما أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقتل المفرِّق بين المسلمين لما فيه من تفريق الجماعة ومن هذا الباب الجاسوس المسلم الذي يخبر بعورات المسلمين ومنه الذي يكذب بلسانه أو بخطه أو يأمر بذلك حتى يقتل به أعيان الأمة وعلماؤها وأمراؤها فتحصل أنواع من الفساد كثيرة فهذا متي لم يندفع فساده إلا بقتله فلا ريب في قتله وإن جاز أن يندفع وجاز ألا يندفع قتل أيضًا وعلي هذا جاء قوله تعالي: { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ
__________
(1) الفتاوى الكبرى، كتاب الحدود في الاختيارات العلمية، ج4، ص 602.(2/250)
} (1)، وقوله جلَّ وعلا: { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا } (2) الآية. وأما إن اندفع الفساد الأكبر بقتله ولكن بقي فساد دون ذلك فهذا محل نظر. قال أبو العباس: وأفتيت أميرًا مقدمًا على عسكر كبير في الحربية إذ نهبوا أموال المسلمين ولم ينزجروا إلا بالقتل أن يقتل من يكفون بقتله ولو أنهم عشرة إذ هو من باب دفع الصائل قال: وأمر أميرًا خرج لتسكين الفتنة الثائرة بين قيس يمن وقد قتل بينهم ألفان أن يقتل من يحصل بقتله كف الفتنة ولو أنهم مائة قال وأفتيت ولاة الأمور في شهر رمضان سنة أربع بقتل من أمسك في سوق المسلمين وهو سكران وقد شرب الخمر مع بعض أهل الذمة وهو مجتاز بشقة لحم يذهب بها إلى ندمائه». أهـ.
يقول أبو العباس أن هذا كله من باب التعزير ومن باب دفع الصيال عن الدين. وجاء في ”الصارم المسلول“ عن الخوارج تعليقًا على خطاب لعمر لصبيغ لو وجدتك محلوقًا لضربت الذي فيه عيناك فيقول شيخ الإسلام أن عمر فهم من قوله: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم» القتل مطلقًا وإن العفو من ذلك كان في حال الضعف والائتلاف، وهذا يعني قتل الواحد أو الفرد المقدور عليه منهم وليس فقط قتال الطائفة الممتنعة.
الحراب :
حراب المسلم المقيم على إسلامه:
__________
(1) المائدة، آية: 32.
(2) المائدة، آية: 33.(2/251)
هذا ينطبق عليه قول الله - عز وجل - : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا } (1) الآية. وهؤلاء إذا كانوا طائفة ممتنعة قوتلوا ردئهم ومباشرهم ويضمنون ما أتلفوا في ثائرة الحرب وفي غير ثائرة الحرب وأما إذا تاب الواحد منهم قبل القدرة عليه فهذا فيه عدة أقوال: أحدها: أن التوبة إنما تسقط عنه حد الحرابة فقط ويؤخذ بما سوى ذلك من حقوق الله وحقوق الآدميين وهو قول مالك والقول الثاني: أن التوبة تسقط عنه حد الحرابة وجميع حقوق الله من الزنا والشراب والقطع في السرقة ويُتْبَع بحقوق الناس من الأموال والدماء إلا أن يعفو أولياء المقتول. والثالث: أن التوبة ترفع حقوق الله ويؤخذ بالدماء وفي الأموال بما وجد بعينه في أيديهم ولا تتبع ذممهم والقول الرابع: أن التوبة تسقط جميع حقوق الله وحقوق الآدميين من مال ودم إلا ما كان من الأموال قائم العين بيده وقوله تعالي: { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } (2). ففيه لأهل التفسير ستة أقاويل(3). ”أحدها“: أنه وارد في المشركين وأهل الكفر إذا تابوا من شركهم بالإسلام وأما المسلمون فلا تسقط التوبة عنهم حدًا ولا حقًا وهذا قول ابن عباس والحسن وقتادة - رضي الله عنهم -. ”الثاني“: أنه وارد في المسلمين إذا تابوا بأمان قبل القدرة عليهم وأما التائب بغير أمان فلا تؤثر توبته في سقوط حد ولا حق وهذا قول علىّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهه والشعبي. ”الثالث“: أنه وارد فيمن تاب من المسلمين بعد لحوقه بدار الحرب ثم عاد قبل القدرة عليه وهو قول عروة بن الزبير- رضي الله عنه -. ”الرابع“: أنه وارد فيمن كان في دار الإسلام في منعة وتاب قبل القدرة عليه سقطت عقوبته وإن لم يكن في منعة لم تسقط وهذا قول ابن عمر وربيعة والحكم بن عيينة
__________
(1) المائدة، آية: 33.
(2) المائدة، آية: 34.
(3) الأحكام السلطانية للماوردي.(2/252)
- رضي الله عنهم -. ”الخامس“: أن توبته قبل القدرة عليه وإن لم يكن في منعة تضع عنه جميع حدود الله سبحانه ولا تسقط عنه حقوق الآدميين وهذا قول الشافعي. ”السادس“: أن توبته قبل القدرة عليه تضع عنه جميع الحدود والحقوق إلا الدماء وهذا قول مالك بن أنس.
والراجح في كل هذه الأقوال: أن التوبة قبل القدرة إنما تسقط العقوبة إذا كان في منعة، وهي تسقط جميع حقوق الله، ولا تسقط حقوق الآدميين. وتوبته بأن يترك ما هو عليه، وأن يأتي الإمام قبل القدرة عليه إذا لم يكن قد عرف أو عرف وكان ممتنعًا.
حراب المرتد: عن الذمة والإسلام:
يقول شيخ الإسلام(1): «ويجب أن يعلم أن من لحق بدار الحرب صار حربيًا فما وجد منه من الجنايات بعد ذلك فهي كجنايات الحربي لا يؤخذ بها إن أسلم أو عاد إلى الذمة وكذلك قال الخرقي ومن هرب من ذمتنا إلى دار الحرب ناقضًا للعهد عاد حربيًا وكذلك أيضًا إذا امتنعوا بدار الإسلام عن الجزية أو الحكم ولهم شوكة ومنعة قاتلوا بها عن أنفسهم فإنهم قد قاتلوا بعد أن انتقض عهدهم وصار حكمهم حكم المحاربين فلا يتعين قتل من استرق منهم بل حكمه إلى الإمام ويجوز استرقاقه كما نصَّ الإمام أحمد على هذه بعينها لأن المكان الذي تميزوا فيه وامتنعوا بمنزلة دار الحرب ولم يجنوا على المسلمين جناية ابتدأوا بها المسلمين وإنما قاتلوا عن أنفسهم بعد أن تحيزوا وامتنعوا وعلم أنهم محاربون فمن قال من أصحابنا أن من قاتل المسلمين يتعين قتله ومن لحق بدار الحرب خير الإمام فإنما ذلك إذا قاتلناهم ابتداءً قبل أن يظهر نقض العهد ويظهر الامتناع بأن يعين أهل الحرب على قتال المسلمين ونحو ذلك وأما إذا قاتل بعد أن صار في شوكة ومنعة يمتنع بها عن أداء الجزية فإنه يصير كالحربي سواء ولهذا قلت على الصحيح أن المرتدين إذا أتلفوا مالاً بعد الامتناع لم يضمنوه وما أتلفوه قبل الامتناع ضمنوه». أهـ.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 230.(2/253)
والمرتد المُتَمَكَّن منه إذا حارب فإن الحرابة تغلظ الردة فلا تصبح ردة مجردة بل تكون ردة مغلظة وصاحب الردة المغلظة لا يستتاب ولا تقبل توبته والحالات التي جاءت في السيرة: حالة العرنيين ارتدوا وحاربوا ولم يلحقوا وابن خطل حارب وارتد ولحق وطعن، ومقيس ابن حبابة حارب وارتد ولحق وعبد الله بن أبي السرح ارتد ولحق وطعن وقد قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيدي العرنيين وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم ولم يحسمهم وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا وأما عبد الله بن أبي السرح ومقيس بن حبابة وابن خطل فأمر بقتلهم يوم فتح مكة ولو تعلقوا بأستار الكعبة ولم يحقن إسلام ابن أبي السرح دمه وإنما حقن دمه مبايعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له وتأمينه إياه أما الإسلام فيجب ذنوبه لأن حراب السبِّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسقط بالإسلام. والتوبة قبل القدرة إذا كان ممتنعًا تسقط جميع حقوق الله ولا تسقط حقوق الآدميين ولا تقبل بعد القدرة لتغلظ الردة بالحراب.
حراب المعاهدين من الكفار:(2/254)
جاء في تفسير(1) قوله تعالي: « { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا } (2) الآية. أنها جاءت في المشركين يقول ابن جرير حدثنا بن حميد حدثنا يحيي بن واضح حدثنا الحسين بن واقد عن يزيد عن عكرمة والحسن البصري قالا: « { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ } إلى قوله - عز وجل - { أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليهم لم يكن عليه سبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله ثم لحق بالكفار قبل أن يُقْدَر عليه لم يمنعه ذلك أن يُقَام عليه الحد الذي أصاب ورواه أبو داود والنسائي عن طريق عكرمة عن ابن عباس: { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ } الآية. نزلت في المشركين فمن تاب منهم(3) قبل أن يُقدَر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه وقال على بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا } . قال كان قومٌ من أهل الكتاب بينهم وبين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عهدٌ وميثاق. فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فخير الله رسوله إن شاء أن يقتل وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف» رواه ابن جرير وابن كثير.
__________
(1) ابن كثير، ج2، ص 48.
(2) المائدة، آية: 33.
(3) أي: المسلمين العطف على المذكور أولاً.(2/255)
يقول ابن جرير: «ثم اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية فقال بعضهم نزلت في قوم من أهل الكتاب كانوا أهل موادعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم فيهم. حدثني المثني قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية عن علىّ عن ابن عباس قوله: { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا } قال كان قومٌ من أهل الكتاب بينهم وبين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عهد وميثاق فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فخيَّر اللهُ رسولَه إن شاء أن يقتل وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف».
حدثني المثني قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرني هشيم عن جرير عن الضحاك قال: كان قوم بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميثاق فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض فخيَّر اللهُ - عز وجل - نبيَه - صلى الله عليه وسلم - فيهم فإن شاء قتل وإن شاء صلب وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. وقال آخرون: نزلت في المشركين وقد مرَّ ذكر ذلك وقال آخرون: نزلت في قوم من عرينة وعكل ارتدوا عن الإسلام وحاربوا الله ورسوله.(2/256)
يقول ابن جرير: «فإن قال لنا القائل: وكيف يجوز أن تكون الآية نزلت في الحال التي ذكرت من حال نقض كافر من بني إسرائيل عهده ومن قولك أن حكم هذه الآية من الله في أهل الإسلام دون أهل الحرب من المشركين قيل جاز أن يكون ذلك كذلك لأن حكم من حارب الله ورسوله وسعى فسادًا من أهل ملتنا وذمتنا واحد والذين عنوا بالآية كانوا أهل عهد وذمة وإن كان داخلاً في حكمها كل ذمي وملي وليس يبطل بدخول كل من دخل في حكم الآية من الناس أن يكون صحيحًا نزولها فيمن نزلت فيه» ويقول ابن جرير في تفسير قوله تعالي: { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فاعْلَمُوا أنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ } (1) حدثني المثني قال: حدثني عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم عن جرير عن الضحاك قال: كان قوم بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميثاق فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض فخيَّر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيهم إن شاء قتل وإن شاء صلب وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فمن تاب من قبل أن تقدروا عليه قبل ذلك يذكر عن ابن عباس نحو قول الضحاك إلا أنه قال: «فإن جاءنا تائبًا فدخل في الإسلام قُبِلَ منه ولم يؤاخذ بما سلف».
__________
(1) المائدة، آية: 34.(2/257)
يقول ابن جرير في قوله تعالي: { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } الآية. إن الحكم الذي ذكره الله يجري في المسلمين والمعاهدين دون المشركين وذلك أن ذلك لو كان حكمًا في أهل الحرب من المشركين دون المسلمين ودون ذمتهم لوجب ألا يسقط إسلامهم عنهم إذا أسلموا أو تابوا بعد قدرتنا عليهم ما كان لهم قبل إسلامهم وتوبتهم من القتل وما للمسلمين في أهل الحرب من المشركين وإجماع المسلمين أن إسلام المشرك الحربي يضع عنه بعد قدرة المسلمين عليه ما كان واضعًا عنه إسلامه قبل القدرة عليه ما يدل على أن الصحيح من القول في ذلك قول من قال عني بآية المحاربين في هذا الموضع حراب أهل الإسلام والذمة دون من سواهم من مشركي أهل الحرب». أهـ.(2/258)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية(1): «وكذلك روى عن محمد بن يزيد الواسطي عن جرير عن الضحاك قوله تعالي: { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا } كان ناس من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد وميثاق فنقضوا الميثاق وأفسدوا في الأرض فخيَّر الله رسوله أن يقتل إن شاء أو يصلب إن شاء أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وأما النفي فهو أن يهرب في الأرض ولا يقدر عليه فإن جاء تائبًا داخلاً في الإسلام قُبِلَ منه ولم يؤاخذ بما عمل وقال الضحاك أيما رجل مسلم قتل أو أصاب حدًا أو مالاً لمسلم فلحق بالمشركين فلا توبة له حتى يرجع فيضع يده في يد المسلمين فيقر بما أصاب قبل أن يهرب من دم أو غيره أقيم عليه أو أخذ منه ففي هذين الأثرين أنها نزلت في قوم معاهدين من أهل الكتاب لما نقضوا العهد وأفسدوا في الأرض وكذلك في تفسير الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وإن كان لا يعتمد عليه إذا انفرد أنها نزلت في قوم موادعين وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وادع هلال بن عويمر على ألا يعينه ولا يعين عليه ومن أتاه من المسلمين فهو آمن أن يهاج ومن أتى المسلمين منهم فهو آمن أن يهاج ومن مرَّ بهلال بن عويمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو آمن أن يهاج فمرَّ قومٌ من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من أسلم من قوم هلال بن عويمر ولم يكن هلال يومئذ شاهدًا فنهدوا إليهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل عليه جبريل بالقصة فيهم. فقد ذكر أنها نزلت في قومٍ معاهدين لكن من غير أهل الكتاب وروي عكرمة عن ابن عباس ـ وهو قول الحسن ـ أنها نزلت في المشركين ولعله أراد الذين نقضوا العهد كما قال هؤلاء فإن الكافر الأصلي لا ينطبق عليه حكم الآية. والذي يحقق أن ناقض العهد بما يضر المسلمين داخل في هذه الآية
__________
(1) الصارم المسلول، ص 330.(2/259)
من الأثر ما قدمناه من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أتى برجل من أهل الذمة نخس بامرأة من المسلمين حتى وقعت فتجللها فأمر به عمر فقتل وصلب فكان أول مصلوب في الإسلام وقال يا أيها الناس اتقوا الله في ذمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولا تظلموهم فمن فعل هذا فلا ذمة له وقد رواه عنه عوف بن مالك الأشجعي وغيره كما تقدم. روي عبد الملك بن حبيب بإسناده عن عياض بن عبد الله الأشعري قال مرت امرأة تسير على بغل فنخس بها علج فوقعت من البغل فبدا بعض عورتها فكتب بذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر - رضي الله عنه - فكتب إليه عمر أن اصلب العلج في ذلك المكان فإنا لم نعاهدهم على هذا إنما عاهدناهم على أن يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون وقد قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل في مجوسي فجرَ بمسلمة يقتل هذا نقض العهد وكذلك إن كان من أهل الكتاب يقتل أيضًا وقد صلب عمر رجلاً من اليهود فجرَ بمسلمة هذا نقض العهد قيل له تري عليه الصلب مع القتل قال إن ذهب رجل إلى حديث عمر ـ كأنه لم يعب عليه ـ إلى أن يقول شيخ الإسلام(1) عن الصحابة: «فعلم أنهم تأولوا فيمن نقض العهد بمثل هذا أنه من محاربة الله ورسوله والسعي في الأرض فسادًا فاستحلوا لذلك قتله وصلبه وإلا فصلب مثله لا يجوز إلا لمن ذكره الله في كتابه وقد قال آخرون منهم ابن عمر وأنس بن مالك ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن جبير ومكحول وقتادة وغيرهم - رضي الله عنه - أنها نزلت في العرنيين الذين ارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واستاقوا إبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحديث العرنيين مشهور ولا منافاة بين الحديثين فإن سبب النزول قد يتعدد مع كون اللفظ عامًا في مدلوله.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 331.(2/260)
وكذلك كان عامة العلماء على أن الآية عامة في المسلم والمرتد والناقض كما قال الأوزاعي في هذه الآية: «هذا حكم حكمه الله في هذه الأمة على أن من حارب مقيمًا على الإسلام أو مرتدًا عنه وفيمن حارب من أهل الذمة». ثم يقول: «ومما يدل على أنه قد عني بها ناقضي العهد في الجملة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفي بني قينقاع والنضير لما نقضوا العهد إلى أرض الحرب وقتل بني قريظة وبعض أهل خيبر لما نقضوا العهد ويقول فعلم أنه لا يشترط في المحاربة المقاتلة بل كل ما نقض العهد عندهم من الأقوال والأفعال المضرة فهو محارب داخل في هذه الآية». إلى أن يقول: «إن كل ناقض للعهد فقد حارب الله ورسوله ولولا ذلك لم يجز قتله ثم لا يخلو إما أن يقتصر على نقض العهد بأن يلحق بدار الحرب أو يضم إلى ذلك فسادًا فإن كان الأول فقد حارب الله ورسوله فقط فهذا لم يدخل في الآية وإن كان الثاني فقد حارب وسعي في الأرض فسادًا مثل أن يقتل مسلمًا أو يقطع الطريق على المسلمين أو يغصب مسلمة على نفسها أو يظهر الطعن في كتاب الله ورسوله ودينه أو يفتن مسلمًا عن دينه فإنَّ هذا قد حارب الله ورسولَه بنقضه للعهد وسعي في الأرض فسادًا بفعله ما يفسد على المسلمين دينهم أو دنياهم وهذا قد دخل في الآية فيجب أن يُقتل أو يُقتل ويصلب أو ينفي من الأرض حتى يلحق بأرض الحرب إن لم يقدر عليه أو تقطع يده ورجله إن كان قد قطع الطريق وأخذ المال ولا يسقط عنه ذلك إلا أن يتوب من قبل أن يقدر عليه وهو المطلوب». أهـ.
وتختلف أحوال المعاهدين باختلاف أحوالهم:
فأهل العهد من أهل الذمة تجري عليهم أحكام الإسلام باعتبار الدار دار إسلام ويبذلون الجزية.
وأهل العهد ممن لا يؤدون الجزية ولا يدخلون تحت أحكام الإسلام ولكن يخضعون لسلطة الدار باعتبار الدار دار إسلام وهؤلاء كاليهود في المدينة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة.(2/261)
وأهل العهد من الموادعين غير الممتنعين ولكنهم متميزون بدورهم وأحكامهم كهلال بن عويمر كما مر.
وأهل العهد من الموادعين الممتنعين المتميزين بدورهم وأحكامهم سواء صالحوا المسلمين على جزية أو لم يصالحوهم.
فأهل الذمة يتردد أمرهم في حالة الحراب بين إجراء أحكام الدار عليهم ولا يصير على ذلك حرابهم نقضًا للعهد وبين نقض العهد ونقض العهد يعطي حكم الأسير الحربي الذي يتخير فيه الإمام بين الاسترقاق والمن أو الفداء أو القتل أو يتغلظ النقض بالحراب فيتعين القتل ولا تقبل التوبة بعد القدرة وفي الحالتين وحالة إجراء الأحكام أي في الأحوال الثلاثة: وهي(1) إجراء الأحكام أو(2) ونقض العهد ورد الحكم إلى حكم الأسير الحربي أو (3) يغلظ النقض بالحراب لا يسقط الإسلام بعد القدرة والأخذ لا حقوق الله ولا حقوق الآدميين ويسقط الإسلام في حال الامتناع وقبل القدرة حقوق الله ولا يسقط حقوق الآدميين.
وأهل العهد من أهل الدار.
وغير الممتنعين خارج الدار يتردد أمرهم بين أحكام الحراب وحكم الأسير الحربي ولا تجري عليهم أحكام الدار في حالة النقض، وفي حالة تغلظ الحراب بما يدخل غضاضة على المسلمين في دينهم لا تقبل توبتهم بعد القدرة ولا يسقط الإسلام بعدها حق الله ولا حقوق الآدميين.
وأهل العهد من الممتنعين المتميزين بدورهم وأحكامهم فحكمهم دائمًا حكم الأسير الحربي وفي حالة تغلظ الحراب بما يدخل غضاضة على المسلمين في دينهم يعظم النكال أو يتعين القتل ولا يقبل الإسلام(1). وإذا قبل لا يسقط حق الله ولا حقوق الآدميين فيما فيه الغضاضة وإذا اشتدت الغضاضة على المسلمين بالقول أو الفعل فلا تقبل التوبة أيضًا قبل القدرة عليه ومثل هذا يحدث مع الكافر الحربي الأصلي ولكن هذا يغلب مع العهد ويقل مع الحراب الأصلي. والمثال هنا أهل مكة، كأهل عهد ونفر من الحربيين الأصليين ممن تغلظ حرابهم بالطعن.
ولنرى أولاً بما يكون نقض العهد:
__________
(1) بعد القدرة.(2/262)
يقول شيخ الإسلام(1): «وتحرير الكلام في ذلك يحتاج إلى تقديم مقدمة فيما ينتقض به العهد وفي حكم ناقضي العهد على سبيل العموم ثم يتكلم في خصوص مسألة السب أما الأول فإن ناقض العهد قسمان: ممتنع لا يقدر عليه إلا بقتال ومن هو في أيدي المسلمين أما الأول: فأن يكون لهم شوكة ومنعة فيمتنعوا بها على الإمام من أداء الجزية والتزام أحكام الملة الواجبة عليهم دون ما يظلمهم به الوشاة أو يلحقوا بدار الحرب مستوطنين بها فهؤلاء قد نقضوا العهد بالإجماع فإذا أسر الرجل منهم فحكمه عند الإمام أحمد في ظاهر مذهبه حكم أهل الحرب إذا أسروا يفعل بهم الإمام ما يراه الأصلح. إلى أن يقول: عن مذهب أحمد فعلي الرواية الأولي المشهورة يخير الإمام في الرجال إذا أسروا فيفعل ما هو الأصلح للمسلمين من قتل واسترقاق ومنّ وفداء وإذا جاز أن يَمُنَّ عليهم جاز أن يطلقهم على قبول الجزية منهم وعقد الذمة لهم ثانيًا ولكن لا يجب عليه ذلك كما لا يجب عليه في الأسير الحربي الأصلي إذا كان كتابيًا وقد قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسرى بني قريظة وأسرى من أهل خيبر ولم يدعهم إلى اعطاء الجزية ولو دعاهم إليها لأجابوا.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 222-236.(2/263)
وعلي الرواية الثانية عن أحمد: يجب أو يستحب دعاؤهم إلى العود إلى الذمة وبنحو من هذه الرواية قال أشهب صاحب مالك أنهم يردون إلى ذمتهم بكل حال وكذلك قال الشافعي في الأم وقد ذكر نواقض العهد وغيرها. وقال وأيهم قال أو فعل شيئًا مما وصفته نقضًا للعهد وأسلم لم يقتل إذا كان ذلك قولاً وكذلك إذا كان ذلك فعلاً لم يقتل وإن فعل مما وصفنا وشرط أنه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ولكنه قال أتوب وأعطى الجزية كما كنت أعطيها أو على صلح أجدده عوقب ولم يقتل إلا أن يكون قد فعل فعلاً يوجب القصاص والحد فإن فعل أو قال مما وصفنا وشرط أنه يحل دمه فظفرنا به فامتنع فيه أن يقول: «أسلم أو أعطي جزية» قتل وأخذ ماله فيئًا قال ابن القاسم وغيره من المالكية إذا خرجوا ناقضين للعهد ومنعوا الجزية وامتنعوا منا من غير أن يظلموا ولحقوا بدار الحرب فقد انتقض عهدهم وإذا انتقض عهدهم ثم أسروا فهم فئ ولا يردون إلى ذمتنا فأوجبوا استرقاقهم ومنعوا أن نعقد لهم الذمة ثانيًا وقال صاحب أبي حنيفة من نقض العهد فإنه يصير كالمرتد إلا أنه يجوز استرقاقه والمرتد لا يجوز استرقاقه.
فأما إن لم يقدر عليهم حتى بذلوا الجزية وطلبوا العود إلى الذمة فإنه يجوز عقدها لهم لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقدوا الذمة لأهل الكتاب من أهل الشام مرة ثانية وثالثة بعد أن نقضوا العهد والقصة في ذلك مشهورة في فتوح الشام وما أحسب في هذا خلافًا وإن مالكًا وأصحابه قالوا إذا منعوا الجزية وقاتلوا المسلمين والإمام عدل فإنهم يقاتلون حتى يردوا إليها مع أن المشهور عندهم أن الأسير منهم لا يرد إلى الذمة بل يكون فيئًا فإذا كان مالك لا يخالف في هذه المسألة فغيره أولي ألا يخالف فيها لأنه هو الذي اشتهر عنه بمنع عود الأسير منهم إلى الذمة.(2/264)
فإن بذل هؤلاء العود إلى الذمة فهل يجب قبول ذلك منهم كما يجب قبوله من الحربي الأصلي ـ قبل الأسر ـ والظاهر أنه لا يجب لأن بني قينقاع لما نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أراد قتلهم حتى ألحَّ عليه عبد الله بن أبي في الشفاعة فيهم فأجلاهم إلى أذرعات ولم يقرهم بالمدينة مع أن القوم كان حراصًا على المقام بالمدينة بعهد يجددونه وكذلك بنوقريظة لما حاربت أرادوا الصلح والعود إلى الذمة فلما لم يجبهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكذلك بنو النضير لما نقضوا العهد فحاصرهم أنزلهم على الجلاء من المدينة مع أنهم كانوا أحرص شيء على المقام بدارهم بأن يعودوا إلى الذمة وهؤلاء الطوائف كانوا أهل ذمة عاهدوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على أن الدار دار إسلام يجري فيها حكم الله تعالي ورسوله وأنه مهما كان بين أهل العهد من المسلمين وبين هؤلاء المتعاهدين من حدث فأمره إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هكذا في كتاب الصلح فإذا كانوا نقضوا العهد فبعضًا قتل وبعضًا أجلي ولم يقبل منهم ذمة ثانية مع حرصهم على بذلها علم أن ذلك لا يجب والفرق بين هؤلاء وبين المرتدين أن المرتد إذا عاد إلى الإسلام فقد أتي بالغاية التي يقاتل الناس حتى يصلوا إليها فلا يطلب منهم غير ذلك وإن ظننا أن باطنه خلاف ظاهره فإنَّا لم نؤمر أن نشق عن قلوب الناس وأما هؤلاء فإن الكفَّ عنهم إنما كان لأجل العهد ومن خفنا منه الخيانة جاز لنا أن ننبذ إليه العهد وإن لم يجز نبذ العهد إلى من خفنا منه الردة فإذا نقضوا العهد فقد يكون ذلك أمارة على عدم الوفاء وأن إجابتهم إلى العهد إنما فعلوه خوفًا وتقية وفي هذا دليل على أنه لا يجب رد الأسير الناقض للعهد إلى الذمة بطريق الأولي فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يردهم وقد طلبوها ممتنعين فألا يردهم إذا طالبوها موثقين أولي ولأن الله تعالي قال: { فَمَن(2/265)
نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِه } (1) فلو كان الناكث كلما طلب العهد منا وجب أن نجيبه لم يكن للنكث عقوبة يخافها ولكن يجوز أن نعيدهم إلى الذمة لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهب الزبير بن باطا القرظي لثابت بن قيس بن شماس هو وأهله وماله على أن يسكن أرض الحجاز وكان من أسري بني قريظة الناكثين فعلم جواز إقرارهم في الدار بعد النكث وإجلاء بني قينقاع بعد القدرة عليهم إلى أذرعات فعلم جواز المن عليهم بعد النكث وإذا جاز المن على الأسير الناكث وإقراره في دار الإسلام فالمفاداة به أولي وسيرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هؤلاء الناقضين تدل على جواز القتل والمنّ على أن يقيموا بدار الإسلام أو أن يذهبوا إلى دار الحرب إذا كانت المصلحة في ذلك وفي ذلك حجة على من أوجب إعادتهم إلى الذمة وعلي من أوجب استرقاقهم.
القسم الثاني: إذا لم يكن ممتنعًا عن حكم الإمام فمذهب أبي حنيفة أن مثل هذا لا يكون ناقضًا للعهد ولا ينقض عهد أهل الذمة عنده إلا أن يكون أهل شوكة ومنعه ويمتنعوا بذلك عن الإمام ولا يمكنه إجراء أحكامنا عليهم أو تخلفوا بدار الحرب لأنهم إذا لم يكونوا ممتنعين أمكن الإمام أن يقيم عليهم الحدود ويستوفي منهم الحقوق فلا يخرجون بذلك عن العصمة الثابتة كمن خرج عن طاعة الإمام من أهل البغي ولم تكن له شوكة.
وقال الإمام مالك لا ينتقض عهدهم إلا أن يخرجوا ناقضين للعهد ومنعًا للجزية وامتنعوا منا من غير أن يظلموا أو يلحقوا بدار الحرب فقد انتقض عهدهم لكن يقتل عنده الساب والمستكره للمسلمة على الزني وغيرهما.
__________
(1) الفتح، آية: 10.(2/266)
وأما مذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد فإنهم قسموا الأمور المتعلقة بذلك قسمين أحدهما يجب عليهم فعله والثاني يجب عليهم تركه فأما الأول فإنهم قالوا إذا امتنع الذمي مما يجب عليه فعله ـ وهو أداء الجزية أو جريان أحكام الملة عليه إذا حكم بها حاكم المسلمين ـ انتقض العهد بلا تردد وأما القسم الثاني وهو ما يجب عليهم تركه فنوعان: أحدهما ما فيه ضرر على المسلمين والثاني ما لا ضرر فيه عليهم. والأول قسمان أيضًا أحدهما ما فيه ضرر على المسلمين في أنفسهم وأموالهم مثل أن يقتل مسلمًا أو يقطع الطريق على المسلمين أو يعين على قتال المسلمين أو يتجسس للعدو بمكاتبة أو كلام أو إيواء عين من عيونهم أو يزني بمسلمة أو يصيبها باسم نكاح والقسم الثاني ما فيه أذي وغضاضة عليهم مثل أن يذكر الله أو كتابه أو رسوله أو دينه بالسوء والنوع الثاني ما لا ضرر فيه عليهم مثل إظهار أصواتهم بشعائر دينهم من الناقوس والكتاب ونحو ذلك . إلى أن يقول: فقد نصَّ الإمام أحمد على أن من نقض العهد وأتي بمفسدة مما ينقض العهد قتل عينًا وقد تقدمت نصوصه أن من لم يوجد منه إلا نقض العهد بالامتناع فإنه كالحربي وقال في مواضع متعددة في ذمي فجر بمسلمة يقتل ليس على هذا صولحوا والمرأة إن كانت طاوعته أقيم عليها الحد وإن كان استكرهها فلا شيء عليها وقال مهنَّا سألت أحمد عن يهودي أو نصراني فجر بامرأة مسلمة ما يصنع به قال يقتل فأعدت عليه قال يقتل قلت: إن الناس يقولون غير هذا قال كيف يقولون. فقلت يقولون عليه الحد قال لا ولكن يقتل فقلت له في هذا شيء قال نعم عن عمر أنه أمر بقتله وقال في رواية جماعة عن أصحابه في ذمي فجرَ بمسلمة يقتل قيل فإن أسلم قال يقتل هذا قد وجب عليه. ومن كان حكمه حكم الأسير انتقض عهده استوفيت منه الحقوق القتل والحد والتعزير لأن عقد الذمة على أن تجرى أحكامنا عليه وهذه أحكامنا فإذا استوفينا منه فالإمام مخير فيه بين القتل والاسترقاق ولا(2/267)
يرد إلى مأمنه لأنه بفعل هذه الأشياء قد نقض العهد وإذا نقض عاد بمعناه الأول فكأنه وجد نصراني بدار الإسلام.
ويقول عن الإمام الشافعي عن عدم الرد إلى مأمنه وهذا القول في الجملة هو الصحيح من قول الإمام الشافعي، والقول الآخر للشافعي أن من نقض العهد من هؤلاء يرد إلى مأمنه ثم من أصحابه من استثني سبِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاصة فجعله موجبًا للقتل حتمًا دون غيره ومنهم من عمَّم الحكم هذا هو الذي ذكره أصحابه وأما لفظه فإنه قال في الأم إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب وذكر الشروط. إلى أن قال: «وعلي أن أحدًا منكم إذا ذكر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أو كتاب الله أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة أمير المؤمنين وجميع المسلمين ونقض ما أعطى من الأمان وحلَّ لأمير المؤمنين ماله ودمه كما يحلّ أموال أهل الحرب ودماؤهم وعلي أن أحدًا من رجالهم إن أصاب مسلمة بزني أو اسم نكاح أو قطع الطريق على مسلم أو فتن مسلمًا عن دينه أو أعان المحاربين على المسلمين بقتال أو دلالة على عورات المسلمين أو إيواء لعيونهم فقد نقض عهده وأحل دمه وماله وإن نال مسلمًا بما دون ذلك في ماله أو عرضه لزم فيه الحكم ثم قال وأيهم قال أو فعل شيئًا مما وصفه نقضًا للعهد وأسلم لم يقتل إذا كان ذلك قولاً وكذلك إذا كان فعلاً لم يقتل إلا أن يكون في دين المسلمين أن من فعله قتل حدًا أو قصاصًا فيقتل بحد أو قصاص لا نقض عهد وإن فعل مما وصفنا وشرط أنه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ولكنه قال أتوب وأعطي الجزية كما كنت أعطيها أو على صلح أجدده عوقب ولم يقتل إلا أن يكون فعل فعلاً يوجب القصاص أو الحد فأما ما دون ذلك من الفعل والقول فكل قول فيعاقب عليه ولا يقتل قال فإن فعل أو قال ما وصفنا وشرط أنه يحل دمه فظفر به فامتنع أن يقول أسلم أو أعطي الجزية قتل وأخذ ماله فيئًا أما الإمام أحمد فقد نصَّ على القتل عينًا(2/268)
فيمن زني بمسلمة حتى بعد الإسلام». أهـ.
وفي إقامة أحكام الشرع على الذمي والمسلم:
يقول شيخ الإسلام في كلامه عن سابِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه لا يسقط بالتوبة والإسلام لأنه حدٌَّ من الحدود وقد دلَّ القرآن على أن حد قاطع الطريق والزاني والسارق والقاذف لا يسقط بالتوبة بعد التمكن من إقامة الحد ودلت السنة على مثل ذلك في الزاني وغيره ولم يختلف المسلمون فيما علمناه أن المسلم إذا زنى أو سرق أو قطع الطريق أو شرب الخمر ورفع إلى السلطان وثبت عليه الحدّ ببينة ثم تاب من ذلك أنه يجب إقامة الحدِّ عليه وكذلك أيضًا لم يختلفوا فيما علمناه أن الذمي لو وجب عليه حد قطع الطريق أو حد السرقة أو قصاص أو حد قذف أو تعزير ثم أسلم وتاب من ذلك لم تسقط عنه عقوبة ذلك وكذلك أيضًا لو زني فإنه إذا وجب عليه حد الزنى ثم أسلم لم يسقط عنه بل يقام عليه حد الزنا عند من يقول بوجوبه قبل الإسلام ويقتل حتى عند الإمام أحمد إن كان زنى نقض عهده.(2/269)
ويقول شيخ الإسلام(1): ثم نقول ثانيًا أن كل ما أتاه من السبِّ قد صدر عن اعتقاد يوجبه فهو بمنزلة ما يصدر من سائر المرتدين وناقضي العهد من سفك دماء المسلمين وأخذ أموالهم وانتهاك أعراضهم فإنهم يعتقدون في المسلمين اعتقادًا يوجب إباحة ذلك وغيره ثم إذا تابوا توبة نصوحًا من ذلك الاعتقاد غفر لهم موجبه المتعلق بحق الله وحق العباد كما يغفر للكافر الحربي موجب اعتقاده إذا تاب منه مع(2) أن المرتد أو الناقض متي فعل شيئًا من ذلك قبل الامتناع أقيم عليه حده وإن عاد إلى الإسلام سواء كان لله أو لآدمي فيحد على الزني والشرب وقطع الطريق وإن كان في زمن الردة ونقض العهد يعتقد حل ذلك الفرج لكونه وطئه بملك اليمين إذا قهر مسلمة على نفسها ويعتقد حل دماء المسلمين وأموالهم كما يؤخذ منه القود وحد القذف وإن كان يعتقد حلهما ويضمن ما أتلفه من الأموال وإن اعتقد حلها والحربي الأصل لا يؤخذ بشيء من ذلك بعد الإسلام فكان الفرق آنذاك أنه كان ملتزمًا بإيمانه وأمانه أن لا يفعل شيئًا من ذلك فإذا فعله لم يعذر بفعله بخلاف الحربي الأصل ولأن في إقامة هذه الحدود عليه زجر له عن فعل هذه الموبقات كما فيها زجر للمسلم المقيم على إسلامه بخلاف الحربي الأصل فإن ذلك لا يزجره بل هو منفر له عن الإسلام ولأن الحربي الأصل ممتنع وهذان مُمَكَّنان. وكذلك قد نصَّ الإمام أحمد على أن الحربي إذا زنى بعد الأسر أقيم عليه الحد لأنه صار في أيدينا كما أن الصحيح عنه وعن أكثر أهل العلم أن المرتد إذا امتنع لم تقم عليه الحدود لأنه صار بمنزلة الحربي إذ الممتنع يفعل هذه الأشياء باعتقاد وقوة من غير زاجر له ففي إقامة الحدود عليهم بعد التوبة تنفير وإغلاق لباب التوبة عليهم وهو بمنزلة تضمين أهل الحرب سواء وليس هذا موضع
__________
(1) يقول هذا على سبيل عرض الآراء المختلفة لمناقشتها.(الصارم المسلول، ص 414).
(2) الرد على ما ذكره في أول كلامه بعد قوله «ثم نقول ثانيًا...»(2/270)
استقصاء هنا وإنما نبهنا عليه وإذا كان هذا هنا هكذا فالمرتد والناقض إذا آذيا الله ورسوله ثم تابا من ذلك بعد القدرة توبة نصوحًا كان بمنزلتهما إذا حاربا باليد أو قطعا الطريق أو زنيا وتابا بعد أخذهما وثبوت الحد عليهما ولا فرق بينهما وذلك لأن الناقض للعهد كان عهده يحرم عليه هذه الأمور في دينه وإن كان دينه المجرد عن عهد يبيحها له وكذلك المرتد قد كان يعتقد أن هذه الأمور محرمة فاعتقاده إباحتها إذا لم يتصل به قوة ومنعة ليس عذرًا له في أن يفعلها لما كان ملتزمًا له من الدين الحق ولما هو به من الضعف ولما في سقوط الحد عنه من الفساد وإن كان السب صادرًا عن غير اعتقاد بل سبه مع اعتقاد نبوته أو سبه بأكبر مما يوجبه اعتقاده أو بغير ما يوجبه اعتقاده فهذا من أعظم الناس كفرًا بمنزلة إبليس وهو من نوع العناد أو السفه». أهـ.
ويقول شيخ الإسلام: «أن التوبة إنما شرعت في حق من تجردت ردته أو تجرد نقضه للعهد فأما من تغلظت ردته يكون مضرًا بالمسلمين فلابد من عقوبته بعد التوبة». أهـ.(2/271)
ويقول في ”الصارم“ أيضًا(1): «ألا ترى أن الجنايات الناقضة للعهد مثل قطع الطريق وقتل المسلم والتجسس للكفار والزني بمسلمة واستكراهها على الفجور ونحو ذلك إذا صدر من ذمي فمن قتله لنقض العهد قال متي أسلم لم أحده إلا بما يوجب القتل إذا فعله المسلم باقيًا على إسلامه مثل أن يكون قد قتل في قطع الطريق فأقتله أو زنى فأحده أو قتل مسلمًا فأقيده لأنه بالإسلام صار بمنزلة المسلمين فلا يقتل كفرًا ومن قال أقتله لمحاربة الله ورسوله وسعيه في الأرض فسادًا. قال أقتله وإن أسلم وتاب بعد أخذه كما أقتل المسلم إذا حارب ثم تاب بعد القدرة لأن الإسلام الطارئ لا يسقط الحدود الواجبة قبله لآدمي بحال وإن منع ابتداءً وجوبها كما لو قتل ذمي ذميًا أو قذفه ثم أسلم فإن حده لا يسقط ولو قتله أو قذفه ابتداءًا لم يجب عليه قود ولا حد ولا يسقط ماكان منها إذا تاب بعد القدرة كما لو قتل في قطع الطريق فإنه لا يسقط عنه بالإسلام وفاقًا فيما أعلم وكذلك لو زنى ثم أسلم فإن حده القتل الذي كان يجب عليه قبل الإسلام عند أحمد. وعند الشافعي حده حد المسلم. فحد السب إن كان حقًا لآدمي لم يسقط بالإسلام وإن كان حقًا لله. فليس هو حدًا على الكفر الطارئ والمحاربة الأصلية كما دلت عليه السنة ولا على مجرد الكفر الأصلي بالاتفاق فيكون حدًا لله على محاربة موجبة كقتل المرأة السابة. أهـ.
يعني آية الحرابة وقتل المرأة الذمية التي سبَّت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -». ومن هنا يعلم قولنا أن حكم حراب أهل الذمة الذي يتردد بين (1) النقض للعهد. (2) وحكم أهل الحرابة. (3) والإقامة المجردة للحدود والأحكام دون هذا أو ذاك وأن التأويل لا يغني شيئًا عمن هو مُمكَّن مقدور عليه غير ممتنع.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 352.(2/272)
وأحيانًا يسوِّي شيخ الإسلام بين أهل الذمة وغيرهم من أهل العهد في دخولهم تحت آية الحرابة وذلك في قوله(1): «ومما يدل على أنه قد عني بها ناقضوا العهد في الجملة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفي بني قينقاع والنضير لما نقضوا العهد إلى أرض الحرب وقتل بني قريظة وبعض أهل خيبر لما نقضوا العهد والصحابة قتلوا وصلبوا بعض من فعل ما ينقض العهد من الأمور المضرة». أهـ.
وهنا سوَّي بين من تجري عليه الأحكام ويؤدي الجزية وبين من لا تجري عليه الأحكام ولا يؤدي الجزية من أهل العهد إذا لم يكن ممتنعًا وكانت له ذمة وهم اليهود أهل الذمة والمهادنة والموادعة والصلح في المدينة وبين المتميزين بدورهم وأحكامهم من غير الممتنعين خارج المدينة كهلال بن عويمر وقد مرَّ الحديث عنه وبعض أهل خيبر.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 232.(2/273)
وفي موضع آخر يجري على غير الممتنعين خارج الدار حكم أهل العهد الممتنعين من كون الإسلام يجب ما قبله ويسقط الحراب المتقدم عليه إلا من تغلظ حرابه فيقول في ذلك(1): «الطريقة السابعة عشر وذلك أنا وجدنا الأصول التي دلَّ عليها الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة حكمت في المرتد وناقض العهد حكمين فمن لم يصدر منه إلا مجرد الردة أو مجرد نقض العهد ثم عاد إلى الإسلام عصم دمه كما دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم ذكر بعض مما يدل على ذلك في المرتد وهو في ناقض العهد أيضًا موجود بقوله في بعض من نقض العهد: { ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء } (2) وبأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قبل إسلام من أسلم من بني بكر وكانوا قد نقضوا العهد وعدوا على خزاعة فقتلوهم وقبل إسلام قريش الذين أعانوهم على قتال المسلمين حتى انتقض عهدهم بذلك ودلت سنته على أن مجرد إسلامهم كان عاصمًا لدمائهم وكذلك في حصره لقريظة والنضير مذكور أنهم لو أسلموا لكفَّ عنهم وقد جاء نفر منهم مسلمين فعصموا دماءهم وأموالهم منهم ثعلبة بن سعيه وأسد بن سعيه وأسد بن عبيد وأسلموا في الليلة التي نزل بها بنو قريظة على حكم رسول الله وخبره مشهور ومن تغلظت ردته أو نقضه بما يضر المسلمين إذا عاد إلى الإسلام لم تسقط عنه العقوبة مطلقًا بل يقتل إذا كان جنس ما فعله موجبًا للقتل أو يعاقب بما دونه إن لم يكن كذلك كما دل عليه قوله تعالي: { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ } (3) الآية. وكما دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قصة عبد الله ابن أبي السرح وابن زنيم وفي قصة ابن خطل وقصة مقيس بن حبابة وقصة العرنيين وغيرهم وكما دلَّ عليهم الأصول المقررة فإن الرجل إذا اقترن بردته قطع طريق أو قتل مسلم أو زني أو
__________
(1) الصارم المسلول، ص 373.
(2) التوبة، آية: 27.
(3) المائدة، آية: 33.(2/274)
غير ذلك ثم رجع إلى الإسلام أخذت منه الحدود وكذلك لو اقترن بنقض عهده الإضرار بالمسلمين من قطع الطريق أو قتل مسلم أو زني بمسلمة فإن الحدود تستوفي منه بعد الإسلام إما الحد الذي يجب على المسلم لو فعل ذلك أو الحد الذي كان واجبًا قبل الإسلام وهذا الرجل السابّ قد وجد منه قدر زائد على مجرد نقض العهد كما قدمنا في الإضرار بالمسلم الذي صار به أغلظ جرمًا من مجرد ناقض العهد أو فعل ما هو أعظم من أكثر الأمور المضرة كما تقدم فصار بمنزلة من قرن بنقض عهده أذى المسلمين في دم أو مال أو عرض وأشد وإذا كان كذلك فإسلامه لا يزيل عنه عقوبة هذا الإضرار كما دلت عليه الأصول في مثله وعقوبة هذا الإضرار قد ثبت أنه القتل بالنص والإسلام الطارئ لا يمنع ابتداء هذه العقوبة فإن المسلم لو ابتدأ بمثل هذا قتل قتلاً لا يسقط بالتوبة كما تقدم.(2/275)
وإذا لم يمنع الإسلام ابتداءها فأن لا يمنع بقاءها ودوامها أولي وأحري لأن الدوام والبقاء أقوى من الابتداء ألا ترى أن العدة والإحرام والردة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع دوامه والإسلام يمنع ابتداء الرق ولا يمنع دوامه ويمنع ابتداء وجوب القود وحد القذف على المسلم إذا قتل أو قذف ذميًا. إلى أن يقول: فهو يعتقد في دينه جواز قتل المسلم وأخذ ماله وإنما حرَّمه عليه العهد الذي بيننا وبينه كما أنه يعتقد جواز السبِّ في دينه وإنما حرَّمه عليه العهد وقطع الطريق قد يفعل استحلالاً وقد يفعل استخفافًا بالحرمة لغرض كما أن سبِّ الرسول قد يفعل استحلالاً وقد يفعل استخفافًا بالحرمة لغرض فهو مثله من كل وجه إلا أن مفسدة ذلك في الدنيا ومفسدة هذا في الدين وهي أعظم من مفسدة الدنيا عند المؤمنين بالله العالمين به وبأمره فإذا أسلم قاطع الطريق فقد تجدد منه إظهار واعتقاد تحريم دم المسلم وماله مع جواز ألا يفي بموجب هذا الاعتقاد وكذلك إذا أسلم السابّ فقد تجدد إظهار اعتقاد تحريم عرض الرسول مع جواز أن لايفي بموجب هذا الاعتقاد فإذا كان هناك يجب قتله بعد إسلامه فكذلك الساب وكلاهما لا يسقط حده بالتوبة بعد القدرة عليه ومن أمعن النظر لم يسترب أن الساب محارب مفسد كقاطع الطريق». أهـ.
حكم حراب أهل العهد من الممتنعين:(2/276)
حكمهم متردد بين الحراب الأصلي ونقض العهد من ناحية الحراب الأصلي فهذا ما يقوله شيخ الإسلام(1) عن أهل مكة وقد كانوا أهل عهد عند فتح مكة: «الثالث أن الحربي إذا أسلم لم يؤخذ بشيء مما عمله في الجاهلية لا من حقوق الله ولا من حقوق العباد من غير خلاف نعلمه لقوله تعالي: { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِين } (2)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلام يجبُّ ما قبله» رواه مسلم ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية» متفق عليه. ولهذا أسلم خلق كثير وقد قتلوا رجالاً يعرفون فلم يطلب أحد منهم بقود ولا دية ولا كفارة. أسلم وحشي قاتل حمزة وابن العاص قاتل ابن نوفل وعقبة بن الحارث قاتل خبيب بن عدي ومن لا يحصي ممن ثبت في الصحيح أنه أسلم وقد علم أنه قتل رجلاً بعينه من المسلمين فلم يوجب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على أحد منهم قصاصًا بل قال: «يضحك الله تبارك وتعالي إلى رجلين يقتل أحدهما صاحبه كلاهما يدخل الجنة يقتل هذا في سبيل الله فيدخل الجنة ثم يتوب الله على القاتل فيسلم ويُقتل في سبيل الله فيدخل الجنة» متفق عليه.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 133.
(2) الأنفال، آية: 38.(2/277)
بل لو أسلم الحربي وبيده مال مسلم قد أخذه من المسلمين بطريق الاغتنام ونحوه مما لا يملك به مسلم من مسلم لكونه محرمًا في دين الإسلام كان له ملكًا ولم يرده إلى المسلم الذي كان يملكه عند جماهير العلماء من التابعين ومن بعدهم وهو معني ما جاء عن الخلفاء الراشدين وهو مذهب أبي حنيفة ومالك ومنصوص قول أحمد وقول الجماهير من أصحابه بناء على أن الإسلام أو العهد قرر ما بيده من المال الذي كان يعتقده ملكًا له لأنه خرج عن مالكه المسلم في سبيل الله ووجب أجره على الله وآخذه هذا صار مستحلاً له وقد غفر الله له بإسلامه ما فعله في دماء المسلمين وأموالهم فلم يضمنه بالرد إلى مالكه كما لم يضمن ما أتلفه من النفوس والأموال ولا يقضي ما تركه من العبادات لأن كل ذلك كان تابعًا للاعتقاد فلما رجع عن الاعتقاد غفر له ما تبعه من الذنوب فصار ما بيده من المال لا تبعة عليه فيه فلم يؤخذ منه كجميع ما بيده من العقود الفاسدة التي كان يستحلها من ربا وغيره ومن العلماء من قال: يرده على مالكه المسلم وهو قول الشافعي وأبي الخطاب من الحنابلة بناء على أن اغتنامهم فعل محرم فلا يملكون به مال المسلم كالغصب ولأنه لو أخذه المسلم منهم أخذًا لا يملك به مسلم من مسلم بأن يغنمه أو يسرقه فإنه يرده إلى مالكه المسلم لحديث ناقة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو مما اتفق الناس فيما نعلمه عليه ولو كانوا قد ملكوه لملكه الغانم منهم ولم يرده يقول شيخ الإسلام والأول أصحّ لأن المشركين كانوا يغنمون من أموال المسلمين الشيء الكثير من الكراع والسلاح وغير ذلك وقد أسلم عامة أولئك المشركين فلم يسترجع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من أحد منهم مالاً مع أن بعض تلك الأموال لابد أن يكون باقيًا ويكفي في ذلك أن الله - سبحانه وتعالى - قال: { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } (1) الآية. وقال -
__________
(1) الحشر، آية: 8.(2/278)
عز وجل -: { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ } (1) الآية.
فبيَّن الله تعالي أن المسلمين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق حتى صاروا فقراء بعد أن كانوا أغنياء ثم إن المشركين استولوا على تلك الديار والأموال وكانت باقية إلى حين الفتح وقد أسلم من استولي عليها في الجاهلية ثم لم يرد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على أحد منهم أخرج من داره بعد الفتح والإسلام دارًا ولا مالاً بل قيل للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح ألا تنزل في دارك؟ فقال وهل ترك لنا عقيل من دار». أهـ.
__________
(1) الممتحنة، آية: 9.(2/279)
ويذكر شيخ الإسلام من ذلك أن عقيل بن أبي طالب أخذ بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ولد فيه وأما بيت خديجة فأخذه معتب بن أبي لهب وكان أقرب الناس إليه جوارًا فباعه بعد من معاوية ويذكر أن دار جحش بن رئاب الأسدي عمد إليها أبو سفيان بن حرب فباعها بأربعمائة دينار من عمرو بن علقمة العامري وأخذ يعلى بن أمية دارًا لعتبة بن غزوان كانت تسمي ذات الوجهين. إلى أن يقول: «قال ابن إسحق حدثني ابن أبي نجيح قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة نظر إلى تلك الرباع فما أدرك منها قد اقتسم على أمر الجاهلية تركه وما وجده لم يقسم قسمه على قسمة الإسلام» وحديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على ما قسم الإسلام» رواه أبو داود وابن ماجة. وهذا أيضًا يوافق ما دلَّ عليه كتاب الله ولا نعلم فيه خلافًا فإن الحربي لو عقد عقدًا فاسدًا من ربا أو بيع خمر أو خنزير أو نحو ذلك ثم أسلم بعد قبض العوض لم يحرم ما بيده ولم يجب عليه رده ولو لم يكن قبضه لم يجز له أن يقبض منه إلا ما يجوز للمسلم كما دلَّ عليه قوله تعالي: { اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين } (1) فأمرهم بترك ما بقي في ذمم الناس ولم يأمرهم برد ما قبضوه وكذلك وضع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لما خطب الناس كل دم أصيب في الجاهلية وكل رِّبا في الجاهلية حتى رِّبا العباس ولم يأمر برد ما كان قبض فكذلك الميراث إذا مات الميت في الجاهلية واقتسموا تركته أمضيت القسمة فإن أسلموا قبل الاقتسام أو تحاكموا إلينا قبل القسمة قسم على قسم الإسلام . إلى أن يقول: فإذا كان المشرك الحربي لا يطالب بعد إسلامه بما كان أصابه من دماء المسلمين وأموالهم وحقوق الله ولا ينتزع ما بيده من أموالهم التي غنمها منهم لم يؤاخذ
__________
(1) البقرة، آية: 278.(2/280)
أيضًا بما أسلفه من سبٍّ وغيره فهذا وجه العفو عن هؤلاء». أهـ.
وقد مرَّ ما قاله عن أنس بن زنيم الديلي عندما جمعه مع المرأة التي ألقت بالرحي من قريظة بتغليظ نقضه بما يضر المسلمين وجمعهما مع من تغلظت ردته بحراب مثل ابن أبي السرح وابن خطل ومقيس بن حبابة وأخذ من ذلك قاعدة وهي أن النقض إذا تغلظ بما يضر المسلمين أوخذ صاحبه على ذلك بعد إسلامه ولم يسقط عنه إسلامه ما ارتكبه من جرم وذلك إنما يكون من المعاهد فلم يجعل أهل مكة وحلفاءهم بمنزلة الحربيين هنا كما ذكر آنفًا بل جعلهم بمنزلة أهل الذمة ممن لم تجر عليهم الأحكام ولم يؤدوا الجزية من الموادعين أهل الذمة كيهود المدينة وذكر ذلك في موضعين غير هذا من الكتاب(1): الموضع الأول حيث حكي القصة واستنبط منها العبرة يقول في ذلك عن أنس: «ثم أنه بعد إسلامه واعتذاره وتكذيب المخبرين ومدحه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما طلب العفو من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن إهدار دمه والعفو إنما يكون مع جواز العقوبة على الذنب فعلم أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان له أن يعاقبه بعد مجيئه مسلمًا معتذرًا وإنما عفا عنه حلمًا وكرمًا» ثم يقول عن الهجاء وتغليظه للنقض: «ومما يوضح هذا أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يهدر دم أحد من بني بكر الناقضين للعهد بعينه وإنما مكن منهم بني خزاعة يوم الفتح أكثر النهار وأهدر دم هذا بعينه حتى أسلم واعتذر هذا مع أن العهد كان عهد هدنة وموادعة ولم يكن عهد جزية وذمة والمهادن المقيم ببلده يظهر ببلده ما يشاء من منكرات الأقوال والأفعال المتعلقة بدينه ودنياه ولا ينتقض بذلك عهده حتى يحارب فعلم أن الهجاء من جنس الحرب وأغلظ منه وأن الهاجي لا ذمة له».
__________
(1) الصارم المسلول، ص 93.(2/281)
ويقول في الموضع الثاني من نفس القصة(1): «الطريقة الثانية عشرة: ما تقدم من حديث أنس بن زنيم الديلي الذي ذكر عنه أنه هجا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ثم جاءه وأنشده قصيدة تتضمن إسلامه وبراءه مما قيل عنه وكان معاهدًا فتوقف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيه وجعل يسأل العفو عنه حتى عفا عنه فلو لم تكن العقوبة بعد الإسلام على السبِّ من المعاهد جائزة لما توقف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حقن دمه ولا احتاج إلى العفو عنه» ثم يذكر شيخ الإسلام الفرق بين المعاهد والحربي فيقول: «أن الرسول لا يقتل الحربي الهاجي إذا جاء مسلمًا مع إمكان أن يقتل الذمي السابّ والمرتد السابّ وإن جاءا مسلمين وإن كان قد أسلما». أهـ.
ويقول عن النسوة اللاتي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلهن من أجل هجائهن من أهل مكة بعد الفتح يقول شيخ الإسلام في ذلك(2): «وكذلك النسوة اللائي أمر بقتلهن إنما وجهه والله أعلم أنهن كنَّ قد سببنه بعد المعاهدة فانتقض عهدهن فقتلت اثنتان والثالثة لم يعصم دمها حتى استؤمن لها بعد أيام ولو كان دمها معصومًا بالإسلام لم يحتج إلى الأمان وهذه الطريقة مبناها على أن من جاز قتله بعد أن أظهر أنه جاء ليسلم جاز قتله بعد أن أسلم فإن من لم يعصم دمه إلا عفو وأمان لم يكن الإسلام هو العاصم لدمه وإن كان قد تقدم ذكر هذا ولكن ذكرناه لخصوص هذا المأخذ. ويقول في موضع آخر: «لو علمن أن إظهار الإسلام يعصم دماءهن لبادرن إلى إظهاره».
ويأخذ شيخ الإسلام من قصة كعب بن الأشرف أن تغليظ نقضه بما يضر المسلمين ويدخل عليهم غضاضة في دينهم لا ينعقد له أمان ويكون قتله حدًا من الحدود كقتل قاطع الطريق وإن من تغلظ نقضه بذلك يتعين قتله ولا يخير فيه الإمام بمنزلة الأسير الحربي في مواضع كثيرة من الكتاب.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 364 بتصرف.
(2) المصدر السابق، ص 396.(2/282)
ويقول شيخ الإسلام عن أبي سفيان بن الحارث وابن أبي أمية في موضعين من الكتاب الموضع الأول(1): «ومن ذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قصته في هجائه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وفي إعراض النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عنه لما جاءه مسلمًا مشهورة مستفيضة وقد ذكر الواقدي قال: حدثني سعيد بن مسلم بن قماد عن عبد الرحمن بن سابط وغيره قال: كان أبو سفيان بن الحارث أخا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة أرضعته حليمة أيامًا وكان يألف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان له تربًا فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاداه عداوة لم يعادها أحد قط ولم يكن دخل الشعب وهجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهجا أصحابه وذكر الحديث. إلى أن قال: ثم إنَّ الله ألقى في قلبه الإسلام قال أبو سفيان فقلت من أصحب؟ ومع من أكون وقد ضرب الإسلام بجرانه فجئت زوجتي وولدي فقلت تهيئوا للخروج فقد أقبل قدوم محمد قالوا قد آن لك أن تنصر محمدًا إن العرب والعجم قد تبعت محمدًا وأنت توضع في عداوته وكنت أولي الناس بنصرته فقلت لغلامي مذكور عجِّل بأبعرتي وفرسي. قال ثم سرنا حتى نزلنا بالأبواء وقد نزلت مقدمته الأبواء، فتنكرت وخفت أن أقتل وكان قد أهدر دمي، فخرجت وأحد ابني جعفر على قدمي نحوًا من ميل في الغداة حتى صبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأبواء، فأقبل الناس رسلاً رسلاً ـ أي قطيعًا قطيعًا ـ فتنحيت فرقًا من أصحابه فلما طلع في موكبه تصديت له تلقاء وجهه فلما ملأ عينيه مني أعرض عني بوجهه إلى الناحية الأخري فتحولت إلى ناحية وجهه الأخرى فأعرض عني مرارًا فأخذني ما قرب وما بعد وقلت أنا مقتول قبل أن أصل إليه وأتذكر بره ورحمه وقرابتي فيمسك ذلك مني وقد كنت لا أشك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه سيفرحون بإسلامي فرحًا شديدًا لقرابتي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما
__________
(1) الصارم المسلول، ص 118.(2/283)
رأى المسلمون إعراض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عني أعرضوا عني جميعًا فلقيني ابن أبي قحافة معرضًا عني ونظرت إلى عمر يغري بي رجلاً من الأنصار فألزَّ بي رجل يقول يا عدوَّ الله أنت الذي كنت تؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتؤذي أصحابه قد بلغت مشارق الأرض ومغاربها في عداوته فرددت بعض الرد عن نفسي فاستطال عليَّ ورفع صوته حتى جعلني في مثل الحرجة من الناس يسرون بما يفعل بي». ثم يذكر شيخ الإسلام باقي القصة حتى خروج أبي سفيان ابن الحارث مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هوازن وهو على إعراضه عنه. إلى أن يقول: «وكان أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثنية العقاب فيما بين مكة والمدينة فالتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك فقال: «لا حاجة لي بهما أما ابن عمي فهتك عرضي وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال» في رواية الواقدي قال فطلبا الدخول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبي أن يدخلهما عليه فكلمته أم سلمة زوجته فقالت يا رسول الله صهرك وابن عمتك وابن عمك وأخوك من الرضاعة وقد جاء الله بهما مسلمين لا يكونا أشقي النَّاس بك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا حاجة لي بهما أما أخوك فالقائل لي بمكة ما قاله...» الحديث. فقالت: يا رسول الله إنما هو من قومك وكل قريش قد تكلم ونزل القرآن فيه بعينه وقد عفوت عمَّن هو أعظم جرمًا منه ابن عمك قرابتك به قريبة وأنت أحقّ الناس عفوا عن جرمه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هو الذي هتك عرضي فلا حاجة لي بهما» فلما خرج إليهما الخبر قال أبو سفيان بن الحارث ومعه ابنه والله ليقبلن مني أو لآخذن بيد ابني فلأذهبن في الأرض حتى أهلك عطشًا وجوعًا وأنت أحلم الناس وأكرم الناس مع رحمي بك فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(2/284)
مقالته فرقَّ له وقال عبد الله بن أبي أمية إنما جئت لأصدقك ولي من القرابة مثل ما لي من الصهر بك وجعلت أم سلمة تكلمه فيهما فرقَّ رسول الله لهما فأذن لهما ودخلا فأسلما وكانا جميعًا حسني الإسلام قتل عبد الله بن أبي أمية بالطائف ومات أبو سفيان بن الحارث بالمدينة في خلافة عمر ولم يغمص عليه في شيء ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدر دمه قبل أن يلقاه». أهـ.
ويقول شيخ الإسلام في الموضع الآخر من نفس القصة(1): «ومما يشبه هذا إعراضه عن أبي سفيان بن الحارث وابن أبي أمية وقد جاءا مهاجرين يريدان الإسلام، أو قد أسلما وعلل ذلك بأنهما كانا يؤذيانه ويقعان في عرضه مع أنه لا خلاف علمناه أن الحربي إذا جاء يريد الإسلام وجبت المسارعة إلى قبوله منه وكان الاستيناء به حرامًا وقد عدَّه بعض الناس كفرًا وقد كانت سيرته - صلى الله عليه وسلم - المسارعة إلى قبول الإسلام من كل من أظهره وتأليف الناس عليه بالأموال وغيرها أشهر من أن يوصف فلما أبطأ عن هذين وأراد أن لا يلتفت إليهما البتة علم أنه كان له أن يعاقب من كان يؤذيه ويسبه وإن أسلم وهاجر وأن لا يقبل منه الإسلام والتوبة ما يقبل من الكافر الذي لم يكن يؤذيه. إلى أن يقول: وقد تقدم تقرير هذا الوجه في أول الكتاب وبينا أنه نصَّ في جواز قتل المرتد السابّ بعد إسلامه فكذلك قتل السابّ المعاهد لأن المأخذ واحد». أهـ.
ووجه الاستدلال هنا تغليظ النقض عن المعاهد بما يدخل مضرة على المسلمين وغضاضة عليهم في دينهم فيتعين القتل وينتقض التخيير والله أعلم. ووجه الاستدلال هنا أيضًا اعتبار أهل مكة معاهدين وليسوا حربيين وقد بيَّن ذلك الفرق شيخ الإسلام ولذلك قلت أن أمرهم متردد بين الحراب الأصلي والعهد بما يشبه أهل الذمة.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 360.(2/285)
والاعتقاد هنا مع الجرم والتأويل مع الجرم لا يعد شيئًا يقول شيخ الإسلام عن الكافر المعاهد(1): «ومعلوم أنه يستحل ذلك منهم ـ أي من المسلمين ـ ثم إنه بالعهد صار ذلك محرمًا عليه في دينه منا لأجل العهد فإذا فعل شيئًا من ذلك أقيم عليه حده وإن أسلم سواء انتقض عهده بما يفعله أو لم ينتقض فتارة يجب عليه الحد مع بقاء العهد كما لو سرق أو قذف مسلمًا وتارة ينتقض عهده ولا حد عليه ـ يقصد غير المحاربين ـ فيصير بمنزلة المحاربين وتارة يجب عليه الحد وينتقض عهده كما إذا سبَّ الرسول أو زني بمسلمة أو قطع الطريق على المسلمين فهذا يقتل وإن أسلم وعقوبة هذا النوع من الجنايات القتل حتمًا كعقوبة القاتل في المحاربة من المسلمين جزاءً له على ما فعل من الفساد الذي التزم بعقد الإيمان أن لا يفعله مع كون فعل ذلك الفساد موجبًا للقتل ونكالاً لأمثاله عن فعل مثل هذا إذا علموا أنه لا يترك صاحبه حتى يقتل». أهـ.
أما الحراب الأصلي: فالأصل فيه أن الإسلام يجب ما قبله ليس لذلك استثناء غير أن من أدخل على المسلمين غضاضة شديدة في دينهم حتى لو تاب قبل القدرة عليه وجاء مسلمًا فقد لا يقبل أو يقتل على جريمته وإن قبل إسلامه ويستدل على ذلك بقصة كعب بن زهير(2) يقول عنه أنه تاب قبل القدرة عليه وجاء مسلمًا وكان حربيًا ومع هذا فهو يلتمس العفو ويقول: «لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ...» إلخ.
__________
(1) الصارم المسلول، ص 445.
(2) المصدر السابق، ص 127.(2/286)
ويقول في موضع آخر أن كعب بن زهير وابن الزبعري لم يكونا معاهدين ولذلك جاءوا مسلمين ولم يستأمن لهما لأن الإسلام يجبُّ ما قبله، وأما عن تغليظ الكفر بالحراب فيقول(1): «المعاهد يقتل على ما فعله من الجنايات المضرة بالمسلمين لأنه يصير مباحًا بالنقض ولم يعد إلى شيء يعصم دمه فيصير كحربي تغلظ كفره يبين ذلك أن الحربي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا آذى المسلمين وضرهم قتله عقوبة له على ذلك ولم يمن عليه بعد القدرة عليه فهذا الذي نقض عهده بضرر المسلمين أولي بذلك».
وهكذا يخرج الحربي بالإيذاء والإضرار والغضاضة عن التخيير الواقع في الأسير الحربي على أن الحرابة مع الكفر لا يخلو عن عقوبة يقول شيخ الإسلام في ذلك(2): «واعلم أن هذا معنى لابد من التنبيه عليه وهو أن الأسير الحربي الأصل لو أسلم فإن إسلامه لا يزيل عنه حكم الأسر بل إما أن يصير رقيقًا للمسلمين بمنزلة النساء والصبيان ـ كأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد ـ أو يخير الإمام فيه بين الثلاثة غير القتل على القول الآخر في المذهبين ويذكر شيخ الإسلام دليلاً على ذلك قصة العقيلي الذي قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الأسر أني مسلم فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدى به رجلين من صحابته كانت قد أسرتهما حلفاء بني عقيل ويذكر أيضًا(3): «ولهذا كان الكافر الحربي إذا أسلم بعد الأخذ لم تسقط عنه العقوبة مطلقًا كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للعقيلي: «لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح» بل يعاقب بالاسترقاق أو بجواز الاسترقاق وغيره». أهـ.
__________
(1) المصدر السابق، ص 240.
(2) الصارم المسلول، ص 294.
(3) المصدر السابق، ص 297.(2/287)
أقول: وكل هؤلاء متأولون معتقدون حل ما يفعلونه لم يؤاخذوا فقط بما كان زائدًا على الاعتقاد بل أوخذوا بموجب الاعتقاد وموجب الزيادة والفرق الحقيقي في رفع بعض المؤاخذة وبقاء بعضها هو الفرق بين حال الامتناع والإمكان وحالة التغليظ وعدم التغليظ وحق الله وحق الآدمي.
تأويلات البغاة ومدي المسئولية عن القتال معها:
يقول شيخ الإسلام(1) في الفتن التي تقع من أهل البر وأمثالها فيقتل بعضهم بعضًا ويستبيح بعضهم حرمة بعض فما حكم الله فيهم:
الحمد لله هذه الفتن وأمثالها من أعظم المحرمات وأكبر المنكرات قال الله تعالي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ - وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ - وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ ُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } (2).
__________
(1) الفتاوى الكبرى، ج4، ص 236، مسألة 402.
(2) آل عمران، آيات: 102-106.(2/288)
وهؤلاء الذين تفرقوا واختلفوا حتى صار منهم من الكفر ما صار وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضربُ بعضُكم رقَابَ بعضٍ» فهذا من الكفر وإن كان المسلم لا يكفر بالذنب قال تعالي: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (1). فهذا حكم بين المقتتلين من المؤمنين أخبر أنهم أخوة وأمر أولاً بالإصلاح بينهم إذا اقتتلوا فإن بغت إحداهما على الأخري ولم يقبلوا الإصلاح فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل فأمر بالإصلاح بينهما بالعدل بعد أن تفئ إلى أمر الله أي ترجع إلى أمر الله فمن رجع إلى أمر الله وجب أن يعدل بينه وبين خصمه ويقسط بينهما فقبل أن نقاتل الطائفة الباغية بعد اقتتالهما أمرنا بالإصلاح بينهما مطلقًا لأنه لم يقهر إحدي الطائفتين بقتال وإذا كان كذلك فالواجب أن يسعي بين هاتين الطائفتين بالصلح الذي أمر الله به رسوله ويقال لهذه ما تنقم من هذه ولهذه ما تنقم من هذه فإن ثبت على إحدى الطائفتين أنها اعتدت على الأخري بإتلاف شيء من الأنفس والأموال كان عليها ضمان ما أتلفته، إن كان هؤلاء أتلفوا لهؤلاء وهؤلاء أتلفوا لهؤلاء تقاصوا بينهم قال تعالي: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى } (2) وقد ذكر طائفة من السلف أنها نزلت في مثل ذلك في طائفتين اقتتلتا فأمرهم الله بالمقاصة
__________
(1) الحجرات، الآيتان: 9-10.
(2) البقرة، آية: 178.(2/289)
قال: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } (1) والعفو الفضل فإذا فضل لواحدة من الطائفتين شيء على الأخري فاتباع بالمعروف والذي عليه الحق يؤديه بإحسان وإن تعذَّر أن تضمن واحدة للأخري فيجوز أن يتحمل الرجل حمالة يؤديها لصلاح ذات البين وله أن يأخذها بعد ذلك من زكاة المسلمين ويسأل الناس في إعانته على هذه الحالة وإن كان غنيًا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لقبيصة بن مخارق الهلالي: «يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فيسأل حتى يجد سداداً من عيش ثم يمسك ورجل أصابه فاقة فإنه يقوم ثلاثة من ذوي الحجي من قومه فيقولون قد أصاب فلانًا فاقة فيسأل حتى يجد قوامًا من عيش وسداداً من عيش ثم يمسك ورجل يحمل حمالة فيسأل حتى يجد حمالته ثم يمسك» والواجب على كل مسلم قادر أن يسعى في الإصلاح بينهم ويأمرهم بما أمر الله به مهما أمكن ومن كان من الطائفتين يظن أنه مظلوم مبغيٌ عليه فإذا صبر وعفي أعزَّه الله ونصره كما ثبت في الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عِزًّا وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله ولا نقصت صدقة من مال» فالباغي الظالم ينتقم الله منه في الدنيا والآخرة فإن البغي مصرعة قال ابن مسعود: «لو بغي جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكًا». إلى أن يقول: «وهذه الفتن سببها الذنوب والخطايا فعلى كل من الطائفتين أن يستغفر الله ويتوب إليه فإن ذلك يرفع العذاب وينزل الرحمة قال تعالي: { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون } (2). وفي الحديث «مَنْ أكثرَ مِنَ الاستغفار جعل الله له مِنْ كلِّ همٍ فرجًا ومن كل ضيقٍ مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب» قال تعالي: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ
__________
(1) البقرة، آية: 178.
(2) الأنفال، آية: 33.(2/290)
يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَه } (1). أهـ.
ويقول(2): في طائفتين يزعمان أنهما من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - يتداعيان بدعوي الجاهلية كأسد وهلال وثعلبة وحرام وغير ذلك وبينهم أحقاد ودماء فإذا تراءت الفئتان سعي المؤمنون بينهم لقصد التأليف وإصلاح ذات البين فيقول أولئك الباغون إن الله قد أوجب علينا طلب الثأر بقوله - عز وجل -: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } إلى قوله: { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } (3) ثم إنّ المؤمنين يعرفونهم أن هذا الأمر يفضي إلى الكفر من قتل النفوس ونهب الأموال فيقولون نحن لنا عليهم حقوق فلا نفارق حتى نأخذ ثأرنا بسيوفنا ثم يحملون عليهم فمن انتصر منهم بغي وتعدي وقتل النفس ويفسدون في الأرض فهل يجب قتال الطائفة الباغية وقتلها بعد أمرهم بالمعروف أو ماذا يجب على الإمام أن يفعل بهذه الطائفة الباغية؟
الجواب:
__________
(1) هود، آية: 3.
(2) الفتاوي الكبري، ص239، مسألة 404.
(3) المائدة، آية: 45.(2/291)
الحمد لله. قتال هاتين الطائفتين حرامٌ بالكتاب والسنة والإجماع. حتى قال: «إذا التقي المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار« قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه أراد قتل صاحبه» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب فربَّ مبلغ أوعى من سامع» والواجب في مثل هذا ما أمر الله به ورسوله حيث قال - عز وجل -: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } إلى قوله: { وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (1) ويذكر مثل ما ذكر في المسألة السابعة. إلى أن يقول: «فيتقاصان الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فإذا فضل لأحدهما على الآخر شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان فإن كان يجهل عدد القتلى أو مقدار المال جعل المجهول كالمعدوم وإذا ادعت إحداهما على الأخرى بزيادة فإما أن تحلفها على نفي ذلك وإما أن تقيم البينة وإما أن تمتنع عن اليمين فيقضي برد اليمين أو النكول فإذا كانت إحدى الطائفتين تبغي بأن تمتنع عن العدل الواجب ولا تجيب إلى ما أمر الله ورسوله وتقاتل على ذلك أو تطلب قتال الأخري وإتلاف النفوس والأموال على ما جرت به عادتهم فإذا لم يقدر على كفِّها إلا بالقتل قوتلت حتى تفئ إلى أمر الله وإن أمكن من أن تلزم بالعدل بدون قتال مثل أن يعاقب بعضهم أو يحبس أو يقتل من وجب قتله منهم عمل ذلك ولا حاجة إلى القتال وأما قول القائل أن الله أوجب علينا طلب الثأر فقد كذب على الله ورسوله فإن الله لم يوجب على من له عند أخيه المسلم المؤمن مظلمة من دم أو مال أو عرض أن يستوفي ذلك بل لم يذكر حقوق الآدميين في القرآن إلا ندب فيها إلى العفو.
__________
(1) الحجرات، الآيتان: 9-10.(2/292)
ويقول شيخ الإسلام إن الآية في تكافؤ الدماء بين المسلمين. إلى أن يقول: «وأما إذا طلبت إحدي الطائفتين حكم الله ورسوله فقالت الأخرى نحن نأخذ حقنا بأيدينا في هذا الوقت فهذا من أعظم الذنوب الموجبة عقوبة هذا القاتل الظالم الفاجر وإذا امتنعوا عن حكم الله ورسوله ولهم شوكة وجب على الأمير قتالهم وإن لم يكن لهم شوكة عرف من امتنع من حكم الله ورسوله وألزم بالعدل ـ وأما قولهم لنا عليهم حقوق من سنين متقادمة فيقال لهم نحن نحكم بينكم في الحقوق القديمة والحديثة فإن حكم الله ورسوله يأتي على هذا وأما من قتل أحدًا من بعد الاصطلاح أو بعد المعاهدة والمعاقدة فهذا يستحق القتل حتى قالت طائفة من العلماء أنه يقتل حدًا ولا يجوز العفو عنه لأولياء المقتول وقال الأكثرون بل قتله قصاص والخيار فيه لأولياء المقتول وإن أمكن بما دون ذلك عوقبوا بما يمنعهم من البغي والعدوان ونقض العهد والميثاق قال - صلى الله عليه وسلم -: «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند إسته بقدر غدرته فيقال هذه غدرة فلان» وقد قال تعالي: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيم } (1) قالت طائفة من العلماء المعتدي هو القاتل بعد العفو فهذا يقتل حتمًا وقال الآخرون بل يعذب بمايمنعه من الاعتداء والله أعلم». أهـ.
ويقول(2): في طائفتين في الفلاحين اقتتلتا فكسرت إحداهما الأخرى وانهزمت المكسورة وقتل منهم بعد الهزيمة جماعة منهم فهل يحكم للمقتولين من المهزومين بالنار ويكونون داخلين في قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - القاتل والمقتول في النار أم لا؟ وهل يكون حكم المنهزم حكم من يقتل منهم في المعركة أم لا؟
الجواب:
__________
(1) البقرة، آية: 178.
(2) الفتاوى الكبرى، ج4، ص 246، مسألة 407.(2/293)
الحمد لله. إنْ كان المنهزم بنية التوبة عن المقتلة المحرمة لم يحكم له بالنار فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وأما إن كان انهزامه عجزًا فقط ولو قدر على خصمه لقتله فهو في النار كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقي المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه» فإذا كان المقتول في النار لأنه أراد قتل صاحبه فالمنهزم بطريق الأولي لأنهما اشتركا في الإرادة والفعل والمقتول أصابه من الضرر ما لم يصب المهزوم ثم إذا لم تكن هذه المصيبة مكفرة لإثم المقاتلة فلأن لا تكون مصيبة الهزيمة مكفرة أولي بل إثم المنهزم المصر على المقاتلة أعظم من إثم المقتول في المعركة واستحقاقه للنار أشد لأن ذلك انقطع عمله السيء بموته وهذا مصر على الخبث العظيم ولهذا قالت طائفة من الفقهاء أن منهزم البغاة يقتل إذا كان له طائفة يأوي إليها فيخاف عوده بخلاف المثخن بالجرح منهم فإنه لا يقتل وسببه أن هذا انكف شره والمنهزم لم ينكف شره وأيضًا فالمقتول قد يقال أنه بمصيبة القتل قد يخفف عنه العذاب وإن كان من أهل النار ومصيبة الهزيمة دون مصيبة القتل فظهر أن المهزوم أسوأ حالاً من المقتول إذا كان مصرَّا على قتل أخيه ومن تاب فإن الله غفورٌ رحيمٌ». أهـ.
وهذا الذي ذكرناه صنفٌ من قتال البغاة يضمن صاحبه ما أتلف ولا ترتفع عنه بتأويل ولا غيرِه العقوبة الأخروية إلا بتوبة أو بحسنات يذهبن السيئات أو بغير ذلك لكن الفعل ثبت له مسئوليته الدنيوية، والأخروية.
والنوع الثاني من الخطأ ظنًا في القتال هو قتال الفتنة حيث يكون الخطأ في القصد وليس في التأويل وذلك مثل القتال في معركة الجمل.(2/294)
يقول شيخ الإسلام(1): «فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين وظنَّت أن في خروجها مصلحة للمسلمين ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولي فكانت إذا ذكرت بخروجها تبكي حتى تبل خمارها وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال فندم طلحة والزبير وعلىّ - رضي الله عنهم - أجمعين ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في القتال ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم فإنه لما تراسل علىّ وطلحة والزبير وقصدوا الاتفاق على المصلحة وأنهم إذا تمكنوا طلبوا قتلة عثمان أهل الفتنة وكان علىّ غير راضٍ بقتل عثمان ولا معينًا عليه كما كان يحلف فيقول واللهِ ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله وهو الصادق البار في يمينه فخشي القتلة أن يتفق علىٌّ معهم على إمساك القتلة فحملوا على عسكر طلحة والزبير فظنَّ طلحة والزبير أن عليًّا حمل عليهم فحملوا دفعًا عن أنفسهم فظنَّ عليٌّ أنهم حملوا عليه فحمل دفعًا عن نفسه فوقعت الفتنة بغير اختيارهم وعائشة راكبة لا قاتلت ولا أمرت بقتال هكذا ذكره غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار». أهـ.
وهذا متكرر في منهاج السنة في أكثر من موضع ومثل هذا القتال أصحابه مجتهدون مخطئون أو مصيبون لا يدخلون في الوعيد فهو مما عفي الله عنه ولا ينبغي لمن لم يشارك فيه أن يوسع دائرته بل يسعى للصلح ورأب الصدع ومحاصرة الفتنة.
قتال البغاة ممن لهم تأويل سائغ وإن كان تركه أولى:
__________
(1) منهاج السنة، ج2، ص 185.(2/295)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية(1): «ثم خلافة أبي بكر وعمر هي من كمال نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته ومما يظهر أنه رسول حق ليس ملكًا من الملوك فإن عادة الملوك إيثار أقاربهم والموالاة بالولايات أكثر من غيرهم وكان ذلك مما يقيمون به ملكهم وكذلك ملوك الطوائف كبني بويه، وبني سلجق وسائر الملوك بالمشرق والمغرب والشام واليمن وغير ذلك، وهكذا ملوك الكفار من أهل الكتاب والمشركين كما يوجد في ملوك الفرنج وغيرهم وكما يوجد في آل جنكيز خان فإن الملوك تبقي في أقارب الملك ويقولون هذا من العظم وهذا ليس من العظم أي من أقارب الملك وإذا كان كذلك فتولية أبي بكر وعمر بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دون عمِّه العبَّاس وبني عمه علىّ وعقيل وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وغيرهم ودون سائر بني عبد مناف الذين كانوا أجل قريش قدرًا وأقرب نسبًا إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من أعظم الأدلة على أن محمدًا عبد الله ورسوله وأنه ليس ملكًا حيث لم يقدم في خلافته أحدًا لا بقرب نسب منه ولا بشرف بيته بل إنما قدم بالإيمان والتقوى. ودل ذلك على أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأمته من بعده إنما يعبدون الله ويطيعون أمره لا يريدون ما يريد غيرهم من العلو في الأرض ولا يريدون أيضًا ما أبيح لبعض الأنبياء من الملك فإن الله خيَّر محمدًا بين أن يكون عبدًا رسولاً وبين أن يكون ملكًا نبيًا فاختار أن يكون عبدًا رسولاً وتولية أبي بكر وعمر بعده من تمام ذلك فإنه لو أقام أحدًا من أهل بيته لكانت شبهة لمن يظن أنه جمع المال لورثته فلما لم يستخلف أحدًا من أهل بيته ولا خلف لهم مالاً كان هذا مما يبين أنه كان من أبعد الناس عن طلب الرياسة والمال وإن كان ذلك مباحًا وإنه لم يكن من الملوك الأنبياء بل كان عبد الله ورسوله كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث
__________
(1) منهاج السنة النبوية، ج4، ص 125-126.(2/296)
الصحيح: «إني واللهِ لا أعطي أحدًا ولا أمنع أحدًا وإنما أنا قاسم أضع حيث أُمِرْتُ وقال إنَّ ربِّي خيَّرني بين أن أكون عبدًا رسولاً أو نبيًا ملكًا فقلت بل عبدًا رسولاً» وإذا كان هذا مما دلَّ على تنزيهه عن كونه من ملوك الأنبياء فدلالة ذلك على نبوته ونزاهته عن الكذب والظلم أعظم وأعظم ولو تولى بعده علىٌّ أو واحد من أهل بيته لم تحصل هذه المصالح والإلطافات العظيمة. إلى أن يقول: فإن أبا بكر قاتل المرتدين وأهل الكتاب مع ما حصل للمسلمين بموت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الضعف العظيم وما حصل من الارتداد لأكثر البوادي وضعف قلوب أهل الأمصار وشك كثير في جهاد مانعي الزكاة وغيرهم ثم تولى عمر قتال أمتين عظيمتين لم يكن في العادة المعروفة أن أهل الحجاز واليمن يقهرونهم وهما فارس والروم فقهرهم وفتح بلادهم وتمم عثمان ما تمم من فتح المشرق والمغرب ثم فتح بعد ذلك في خلافة بني أمية بما فتح في المشرق والمغرب كما وراء النهر والأندلس وغيرهما مما فتح في خلافة عبد الملك فمعلوم أن لو تولى غير أبي بكر وعمر بعد موت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثل علىّ أو عثمان لم يمكنه أن يفعل ما فعلاه فإنه لم يؤت أحد من كمال القدرة والإرادة مثل ما أوتيا واللهُ تعالى كما فضَّل بعض النبيين على بعض فضَّل بعض الخلفاء على بعض». انتهى بتصرف محدود.(2/297)
ويقول(1): «من المعلوم المتواتر عند الخاصة والعامة الذي لم يختلف فيه أهل العلم بالمنقولات والسير أن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يطلب الخلافة لا برغبة ولا برهبة لا بذل فيها ما يرغب الناس به ولا شهر عليهم سيفًا يرهبهم به ولا كانت له قبيلة ولا أموال تنصره وتقيمه في ذلك كما جري من عادة الملوك أن أقاربهم ومواليهم يعاونونهم ولا طلبها أيضًا بلسانه ولا قال بايعوني بل أمر بمبايعة عمر وأبي عبيدة ومن تخلَّف عن بيعته كسعد بن عبادة لم يؤذه ولا أكرهه على المبايعة ولا منعه حقًا له ولا حرَّك عليهم ساكنًا وهذه غاية في عدم إكراه الناس على المبايعة ثم إن المسلمين بايعوه ودخلوا في طاعته والذين بايعوه هم الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم - ورضوا عنه وهم أهل الإيمان والهجرة والجهاد ولم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة وأما عليّ وسائر بني هاشم فلا خلاف بين الناس أنهم بايعوه لكن تخلفه لأنه كان يريد الأمر لنفسه - رضي الله عنهم - أجمعين ثم إنه في مدة ولايته قاتل بهم المرتدين والمشركين ولم يقاتل مسلمين بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الردة وأخذ يزيد الإسلام فتوحًا وشرع في قتال فارس والروم ومات والمسلمون محاصروا دمشق وخرج منها أزيد مما دخل فيها لم يستأثر عنهم بشيء ولا أمر له قرابة ثم ولي عليهم عمر بن الخطاب ففتح الأمصار وقهر الكفار وأعزَّ أهل الإيمان وأذلَّ أهل النفاق والعدوان ونشر الإسلام والدين وبسط العدل في العالمين ووضع ديوان الخراج والعطاء لأهل الدين ومصَّر الأمصار للمسلمين وخرج منها أزيد مما دخل فيها لم يتلوث لهم بمال ولا ولَّي أحدًا من أقاربه ولاية فهذا أمر يعرفه كل أحد وأما عثمان فإنه بني على أمر قد استقر قبله بسكينة وحلم وهدى ورحمة وكرم ولم يكن فيه
__________
(1) منهاج السنة النبوية، ج4، ص 120-121.(2/298)
قوة عمر ولا سياسته ولا فيه كمال عدله وزهده فطمع فيه بعض الطمع وتوسعوا في الدنيا ودخل بسبب أقاربه في الولايات والأموال أمور أنكرت عليه فتولد من رغبة الناس في الدنيا وضعف خوفهم من الله ومنه ومن ضعفه هو وما حصل من أقاربه في الولاية والمال ما أوجب الفتنة حتى قتل مظلومًا شهيدًا وتولي عليٌّ على أثر ذلك والفتنة قائمة وهو عند كثير منهم ملطخٌ بدم عثمان والله يعلم براءته مما نسبه إليه الغالون فيه المبغضون لغيره من الصحابة فإن عليًا لم يعن على قتل عثمان ولا رضى به. فلم تصف قلوب كثير منهم له ولا أمكنه هو قهرهم حتى يطيعوه ولا اقتضى رأيه أن يكفّ عن القتال حتى ينظر ما يؤول إليه الأمر بل اقتضي رأيه القتال وظنَّ أنه به تحصل الطاعة والجماعة فما زاد الأمر إلا شدة وجانبه إلا ضعفًا وجانب من حاربه إلا قوة والأمة إلا افتراقًا حتى كان في آخر أمره يطلب هو أن يكفّ عنه من قاتله كما كان في أول الأمر يطلب منه الكفِّ وضعفت الخلافة ضعفًا أوجب أن تصير ملكًا فأقامها معاوية ملكًا برحمة وحلم ولم يتول أحد من الملوك خيرًا من معاوية وعلىّ آخر الخلفاء الراشدين الذين هم ولايتهم خلافة نبوة ورحمة وكل من الخلفاء الأربعة يشهد له بأنه من أفضل أولياء الله المتقين». انتهى بتصرف محدود.(2/299)
ويقول شيخ الإسلام عن موقف علىٍّ كرَّم اللهُ وجهه من الفتنة(1): «المنتقصون لعلىٍّ من أهل البدع طوائف، طائفة تكفره كالخوارج وهؤلاء يكفرون معه عثمان وجمهور المسلمين فيثبت أهل السنة إيمان علىّ ووجوب موالاته بمثل ما يثبتون إيمان عثمان ووجوب موالاته، وطائفة يقولون علىّ وإن كان أفضل من معاوية لكن كان معاوية مصيبًا في قتاله ولم يكن علىٌّ مصيبًا في قتال معاوية وهؤلاء كثيرون كالذين قاتلوه مع معاوية وهؤلاء يقولون أو جمهورهم أن عليًا لم يكن إمامًا مفترض الطاعة لأنه لم تثبت خلافته بنص ولا إجماع وهذا القول قاله طائفة أخري ممن يراه أفضل من معاوية وأنه أقرب إلى الحق من معاوية ويقولون إن معاوية لم يكن مصيبًا في قتاله لكن يقولون مع ذلك إن الزمان كان زمان فتنة وفرقة لم يكن هناك إمام جماعة ولا خليفة. وهذا القول قاله كثيرون من علماء أهل الحديث البصريين والشاميين والأندلسيين وغيرهم وكان بالأندلس كثير من بني أمية يذهبون إلى هذا القول ويترحمون على علىٍّ ويثنون عليه لكن يقولون لم يكن خليفة وأن الخليفة ما اجتمع الناس عليه ولم يجتمعوا على علىٍّ وكان من هؤلاء من يربع بمعاوية في خطبة الجمعة فيذكر الثلاثة ويربع بمعاوية ولا يذكر عليًا ويحتجون بأن معاوية اجتمع عليه الناس بالمبايعة كما بايعه الحسن بخلاف علىّ فإن المسلمين لم يجتمعوا عليه ويقولون لهذا ربعنا بمعاوية لا لأنه أفضل من على بل علىٌّ أفضل منه كما أن كثيرًا من الصحابة أفضل من معاوية وإن لم يكونوا خلفاء وهؤلاء قد احتج عليهم الإمام أحمد وغيره بحديث سفينة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا» وقال أحمد من لم يربِّع في الخلافة بعلىٍّ فهو أضل من حمار أهله وتكلم بعض هؤلاء في أحمد بسبب هذا الكلام وقال قد أنكر خلافته من الصحابة طلحة والزبير وغيرهما ممن لا يقال فيه هذا القول واحتجوا
__________
(1) منهاج السنة، ج2، ص 207.(2/300)
بأن أكثر الأحاديث التي فيها ذكر خلافة النبوة لا يذكر فيها إلا الخلفاء الثلاثة مثل ما روي الإمام أحمد في مسنده عن حماد بن سلمة عن علىّ بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا:« أيكم رأي رؤيا؟ فقلت: أنا يا رسول الله رأيتُ كأنَّ ميزانًا دلي من السماء فوزنت أنت بأبي بكر فرجحت بأبي بكر ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر ثم وزن عمر بعثمان فرجح عمر بعثمان ثم رفع الميزان فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء» وروى أبو داود حديثًا عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:« رأى الليلة رجلٌ صالح أن أبا بكر نيط برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر» قال جابر فلما قمنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث اللهُ به نبيه. وروي أبو داود من حديث سمرة بن جندب: «أن رجلاً قال يا رسول الله رأيت كأن دلوًا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربًا ضعيفًا ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء علىٌّ فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شيء». وروى عن الشافعي وغيره أنهم قالوا الخلفاء ثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان ما جاءت به الأخبار النبوية الصحيحة حق كله فالخلافة التامة التي أجمع عليها المسلمون وقوتل بها الكافرون وظهر بها الدين كانت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وخلافة علىّ اختلف فيها أهل القبلة ولم يكن فيها زيادة قوة للمسلمين ولا قهر ونقص للكافرين ولكن هذا لا يقدح في أن عليًا كان خليفة راشدًا مهديًا لكن لم يتمكن كما تمكن غيره ولا أطاعته الأمة كما أطاعت غيره فلم يحصل في زمنه من الخلافة التامة(2/301)
العامة ما حصل في زمن الثلاثة مع أنه من الخلفاء الراشدين المهديين وأما الذين قالوا إن معاوية - رضي الله عنه - كان مصيبًا في قتاله ولم يكن عليّ كرَّم الله وجهه مصيبًا في قتاله لمعاوية فقولهم أضعف من قول هؤلاء وحجة هؤلاء أن معاوية - رضي الله عنه - كان طالبًا دم عثمان وكان هو ابن عمه ووليه وبنو عثمان وسائر عصبته اجتمعوا إليه وطلبوا من علىّ أن يمكنهم من قتلة عثمان أو يسلمهم إليهم فامتنع علىّ من ذلك فتركوا مبايعته ولم يقاتلوه ثم إنَّ عليًا بدأهم بالقتال فقاتلوه دفعًا عن أنفسهم وبلادهم قالوا وكان عليّ باغيًا عليهم وأما الحديث الذي روى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعمَّار تقتلك الفئة الباغية فبعضهم ضعَّفه وبعضهم تأوله فقال بعضهم معناه الطالبة لدم عثمان - رضي الله عنه - كما قالوا نبغي بن عفان بأطراف الأسل وبعضهم قالوا ما يروي عن معاوية - رضي الله عنه - أنه قال لما ذكروا له هذا الحديث أو نحن قتلناه إنما قتله علىٌّ وأصحابه حيث ألقوه بين أسيافنا وروي عن علىٍّ أنه ذكر له هذا التأويل فقال فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يكونون حينئذ قد قتلوا حمزة وأصحابه يوم أحد لأنه قاتل معهم المشركين وهذا القول لا أعلم له قائلاً من أصحاب الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل السنة ولكن هو قول كثير من المروانية ومن وافقهم ومن هؤلاء من يقول شارك في دم عثمان فمنهم من يقول أمر علانية ومنهم من يقول أمر سرًا ومنهم من يقول بل رضي بقتله وفرح بذلك ومنهم من يقول غير ذلك وهذا كله كذب على علىٍّ - رضي الله عنه - وافتراء عليه فعليٌّ - رضي الله عنه - وكرَّم الله وجهه لم يشارك في دم عثمان ولا أمر ولا رضي وقد روي عنه وهو الصادق البار أنه قال: واللهِ ما قتلتُ عثمان ولا مالأتُ على قتله. وروي عنه أنه قال: ما قتلت ولا رضيت. وروى عنه أنه سمع أصحاب معاوية يلعنون قتلة عثمان فقال: اللهم العن قتلة عثمان في البرِّ(2/302)
والبحر والسهل والجبل. وروي أن ناسًا شهدوا عليه بالزور عند أهل الشام أنه شارك في دم عثمان وكان هذا مما دعاهم إلى ترك مبايعته لما اعتقدوا أنه ظالم من قتلة عثمان وأنه آوي قتلة عثمان لموافقته لهم على قتله وهذا وأمثاله مما يبين شبهة الذين قاتلوه ووجه اجتهادهم في قتاله لكن لا يدل على أنهم كانوا مصيبين في ترك مبايعته وقتاله وكون قتلة عثمان من رعيته لا يوجب أنه كان موافقًا لهم وقد اعتذر بعض الناس عن علىٍّ أنه لم يكن يعرف القتلة بأعيانهم أو كان لا يري قتل الجماعة بالواحد أو بأنه لم يدع عنده وليّ الدم دعوي توجب الحكم له ولا حاجة إلى هذه الأعذار بل لم يكن على من تفرق الناس عليه متمكنًا من قتل قتلة عثمان إلا بفتنة تزيد الأمر شرًا وبلاء ودفع أفسد الفاسدين بالتزام أدناهما أولي من العكس لأنهم كانوا عسكرًا وكان لهم قبائل تغضب لهم والمباشر منهم للقتل وإن كان قليلاً فكان ردأه أهل الشوكة ولولا ذلك لم يتمكنوا ولما سار طلحة والزبير إلى البصرة ليقتلوا قتلة عثمان قام بسبب ذلك حرب قتل فيه خلق ومما يبين ذلك أن معاوية قد اجتمع الناس عليه بعد موت علىٍّ وصار أميرًا على جميع المسلمين ومع هذا لم يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قد بغوا بل روي عنه أنه لما قدم المدينة حاجًا فسمع الصوت في دار عثمان يا أمير المؤمنيناه. فقال ما هذا؟ قالوا بنت عثمان تندب عثمان فصرف الناس ثم ذهب إليها فقال: يا ابنة عمٍّ إنَّ الناس قد بذلوا لنا الطاعة على كرهٍ وبذلنا لهم حلمًا على غيظٍ فإن رددنا حلمنا ردُّوا طاعتهم ولأن تكوني بنت أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني واحدة من عرض الناس فلا أسمعنك بعد اليوم ذكرت عثمان فمعاوية - رضي الله عنه - الذي يقول المنتصر له أنه كان مصيبًا في قتال علىٍّ لأنه كان طالبًا لقتل قتلة عثمان لما تمكن وأجمع الناس عليه لم يقتل قتلة عثمان فإن كان قتلهم واجبًا وهو مقدور له كان فعله بدون قتال المسلمين أولي من أن(2/303)
يقاتل عليًا وأصحابه لأجل ذلك ولو قتل معاوية قتلة عثمان لم يقع من الفتنة أكثر مما وقع ليالي صفين وإن كان معاوية معذورًا في كونه لم يقتل قتلة عثمان لعجزه عن ذلك أو لما يفضي إليه ذلك من الفتنة وتفرق الكلمة وضعف سلطانه فعلىٌّ أولى أن يكون معذورًا أكثر من معاوية إذ كانت الفتنة وتفريق الكلمة وضعف سلطانه بقتل القتلة لو سعي في ذلك أشد ومن قال أن قتل الخلق الكثير الذين قتلوا بينه وبين علىّ كان صوابًا منه لأجل قتل قتلة عثمان فقتل ما هو دون ذلك لأجل قتل قتلة عثمان أولى أن يكون صوابًا وهو لم يفعل ذلك لما تولي ولم يقتل قتلة عثمان وذلك أن الفتن إنما يعرف ما فيها من الشرِّ إذا أدبرت فأما إذا أقبلت فإنها تزين ويظن أن فيها خيرًا فإذا ذاق الناس ما فيها من الشرِّ والمرارة والبلاء صار ذلك مبينًا لهم مضرتها وواعظًا لهم أن يعودوا في مثلها والذين دخلوا في الفتنة من الطائفتين لم يعرفوا ما في القتال من الشر ولا عرفوا مرارة الفتنة حتى وقعت وصارت عبرة لهم ولغيرهم ومن استقرأ أحوال الفتن التي تجري بين المسلمين تبين له أنه ما دخل فيها أحد فحمد عاقبة دخوله لما يحصل له من الضرر في دينه ودنياه. ولهذا كانت من باب المنهي عنه والإمساك عنها من المأمور به الذي قال الله فيه: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (1). وأما قول القائل أن عليًا بدأهم بالقتال فقد قيل له وهم أولا امتنعوا من طاعته ومبايعته وجعلوه ظالمًا مشاركًا في دم عثمان وقبلوا عليه شهادة الزور ونسبوه إلى ما هو برئ منه وإذا قيل هذا وحده لا يبيح له قتالهم قيل ولا كان قتاله مباحًا لكونه عاجزًا عن قتل قتلة عثمان بل لو كان قادرًا على قتل قتلة عثمان وقدر أنه ترك هذا الواجب إما متأولاً وإما مذنبًا لم يكن ذلك موجبًا لتفريق الجماعة والامتناع عن مبايعته ولمقاتلته
__________
(1) النور، آية: 63.(2/304)
بل كانت مبايعته على كل حال أصلح في الدين وأنفع للمسلمين وأطوع لله ولرسوله من ترك مبايعته فلقد ثبت في الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله يرضي لكم ثلاثًا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمرَكم» وثبت في الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» وفي الصحيحين عن عبادة - رضي الله عنه - أنه قال: «بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في يسرنا وعسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمرَ أهلَه وأن نقول أو نقوم بالحق حيث كنا لا نخاف في الله لومةَ لائم». وفي الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فمات فميتته ميتة جاهلية» وفي الصحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهم - قال سمعت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» وفي الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذابٌ أليم، رجل لا يبايع إمامًا إلا لدنيا إن أعطاه منها رضي وإن منع سخط...» الحديث. وفي الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اسمعوا وأطيعوا وإنْ استعمل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة» وعليّ - رضي الله عنه - كان قد بايعه أهل الكوفة بالمدينة ولم يكن في وقته أحق منه بالخلافة وهو خليفة راشد تجب طاعته ومعلوم أن قتل القاتل إنما شرع عصمة للدماء فإذا أفضي قتل الطائفة القليلة إلى قتل أضعافها لم يكن هذا طاعة ولا مصلحة وقد قتل بصفين أضعاف أضعاف قتلة عثمان وأيضًا فقول(2/305)
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته: «تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق» يدل على أن عليًا وأصحابه أدنى إلى الحق من معاوية وأصحابه فلا يكون معاوية وأصحابه في قتالهم لعلىٍّ أدنى إلى الحق وكذلك حديث عمَّار «تقتلك الفئة الباغية» قد رواه مسلم في صحيحه من غير وجه ورواه البخاري لكن في كثير من النسخ لم يذكره تامًا وأما تأويل من تأوله أن عليًا وأصحابه قتلوه وأن الباغية الطالبة بدم عثمان فهذا من التأويلات الظاهرة الفساد التي يظهر فسادها للعامة والخاصة والحديث ثابت في الصحيحين وقد صححه أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة وإن كان قد روي عنه أنه ضعَّفه فآخر الأمرين منه أنه صححه قال يعقوب بن شيبة في مسنده في المكيين في مسند عمار بن ياسر لما ذكر أخبار عمَّار سمعت أحمد بن حنبل سئل عن حديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في عمار تقتلك الفئة الباغية فقال أحمد قتلته الفئة الباغية كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقال في هذا غير حديث صحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا ـ وبعد أن يذكر شيخ الإسلام روايات الحديث وطرقه الصحيحة والزيادة التي ذكرها البخاري في حديثه ويح عمَّار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ـ يقول: الحديث ثابت صحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بالحديث. والذين قتلوه هم الذين باشروا قتله والحديث أطلق فيه لفظ البغي لم يقيده بمفعول كما قال تعالي: { لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } ولفظ البغي إذا أطلق فهو الظلم وأيضًا فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذا لما كانوا ينقلون اللبن لبناء المسجد وكانوا ينقلون لبنة لبنة وكان عمارًا ينقل لبنتين لبنتين فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ويح عمَّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» وهذا ليس فيه ذمٌّ لعمار بل مدح(2/306)
له ولو كان القاتلون له مصيبين في قتله لم يكن مدحًا له وليس في كونهم يطلبون دم عثمان ما يوجب مدحه وكذلك من تأول قاتله بأنهم الطائفة التي قاتل معها فتأويله ظاهر الفساد ويلزمهم ما ألزمهم إياه علىّ وهو أن يكون النبيّ وأصحابه قد قتلوا كل من قتل معهم في الغزو كحمزة وغيره وقد يقال فلان قتل فلانًا إذا أمره بأمر كان فيه حتفه ولكن هذا مع القرينة لا يقال عند الإطلاق بل القاتل عند الإطلاق الذي قتله دون الذي أمره ثم هذا يقال لمن أمر غيره وعمَّار لم يأمره أحد بقتال أصحاب معاوية بل هو كان من أحرص الناس على قتالهم وأشدهم رغبة في ذلك وكان حرصه على ذلك أعظم من حرص غيره وكان هو يحض عليًا وغيره على قتالهم ولهذا لم يذهب أحد من أهل العلم الذين تذكر مقالاتهم إلى هذا التأويل بل أهل العلم في هذا الحديث على ثلاثة أقوال: فطائفة ضعفته لما روي بأسانيد ليست ثابتة عندهم ولكن رواه أهل الصحيح ورواه البخاري من حديث أبي سعيد ورواه مسلم من غير وجه. ومنهم(1) من قال هذا دليل على أن معاوية وأصحابه بغاة وأن قتال علىٍّ لهم قتال أهل العدل لأهل البغي لكنهم بغاة متأولون لا يكفرون ولا يفسقون(2). ولكن يقال ليس في مجرد كونهم بغاة ما يوجب الأمر بقتالهم فإن الله لم يأمر بقتال كل باغ ولا أمر بقتال البغاة ابتداءً ولكن قال - عز وجل -: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (3)
__________
(1) وهذا هو الصحيح.
(2) من العلماء من يفسق أهل البغي لكن لا يدخل فيهم الصحابة وقد مرَّ ذكر ذلك.
(3) الحجرات، الآيتان: 9-10.(2/307)
فلم يأمر بقتال البغاة ابتداءًا بل أمر إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يُصلح بينهما وهذا يتناول ما إذا كانتا باغيتين أو إحداهما باغية. ثم قال - عز وجل -: { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } وقوله - عز وجل -: { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي } (1) قد يقال المراد به البغي بعد الإصلاح ولكن هذا خلاف ظاهر القرآن فإن قوله - عز وجل -: { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى } يتناول الطائفتين المقتتلتين سواء أصلح بينهما أو لم يصلح كما أن الأمر بالإصلاح يتناول المقتتلتين مطلقًا فليس في القرآن أمر بقتال الباغي ابتداءًا لكن أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما وأنه إن بغت إحداهما على الأخرى بعد القتال أن تقاتل حتى تفئ إلى أمر الله وهذا يكون إذا لم تجب إلى الإصلاح بينهما وأما إذا أجابت إلى الإصلاح بينهما لم تقاتل فلو قوتلت ثم فاءت إلى الإصلاح لم تقاتل لقوله تعالي: { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } . فأمر بعد القتال إلى أن تفئ أن يصلح بينهما بالعدل وأن يقسط. وقتال الفتنة لا يقع فيه هذا وذلك قد يكون لأن الله لم يأمر بالقتال ابتداءً ولكن أمر إذا اقتتلوا وبغت إحداهما على الأخرى بقتال الفئة الباغية. وقد تكون الآية أمرًا بالإصلاح وقتال الباغين جميعًا لم يأمر بأحدهما. وقد تكون الطائفة باغية ابتداءًا لكن لما بغت أمر بقتالها وحينئذ لم يكن المقاتل لها قادرًا لعدم الأعوان أو لغير ذلك وقد يكون عاجزًا ابتداءًا عن قتال الفئة الباغية أو عاجزًا عن قتال تفئ فيه إلى أمر الله فليس كل من كان قادرًا على القتال كان قادرًا على قتال تفئ
__________
(1) الحجرات، آية: 9.(2/308)
فيه إلى أمر الله وإذا كان عاجزًا عن قتالها حتى تفئ إلى أمر الله لم يكن مأمورًا بقتالها لا أمر إيجاب ولا أمر استحباب ولكن قد يظن أنه قادر على ذلك فيبين له في آخر الأمر أنه لم يكن قادرًا فهذا من الاجتهاد الذي يثاب صاحبه على حسن القصد وفعل ما أمر وإن أخطأ فتكون له فيه أجر ليس من الاجتهاد الذي يكون له فيه أجران فإن هذا إنما يكون إذا وافق حكم الله في الباطن» ويستدل شيخ الإسلام على ذلك بقصة سعد مع بني قريظة وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات» وقال إن هذا إنما يكون فيما فيه تخيير تحرٍ للإصلاح لا تخيير شهوة يقول عن هذا الحديث وحديث «أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك» إنَّ لله حكمًا معينًا فيما يكون ولي الأمر مخيّرًا فيه فمن أصابه فقد أصاب في اجتهاده ومن أخطأه فقد أخطأ وإن كانت كل الاختيارات مشروعة ثم يقول: «فما كان من باب القتال هو أولي أن يكون أحد الأمرين أحبّ إلى الله ورسوله إما فعله وإما تركه ويتبين ذلك بالمصلحة والمفسدة فما كان وجوده خيرًا من عدمه لما حصل فيه من المصلحة الراجحة في الدين فهذا مما يأمر الله به أمر إيجاب أو استحباب وما كان عدمه خيرًا من وجوده فليس بواجب ولا مستحب وإن كان فاعله مجتهدًا مأجورًا على اجتهاده والقتال إنما يكون لطائفة ممتنعة فلو بغت ثم أجابت إلى الصلح بالعدل لم تكن ممتنعة فلم يجز قتالها ولو كانت باغية وقد أمر بقتال الباغية إلى أن تفئ إلى أمر الله أي ترجع ثم قال - عز وجل -: { فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } (1) فأمر بالإصلاح بعد قتال الفئة كما أمر بالإصلاح إذا اقتتلتا ابتداءًا وقد قالت عائشة رضى الله عنها: «لما وقعت الفتنة ترك الناس العمل بهذه الآية» وهو كما قالت فإنهما لما اقتتلتا لم يصلح بينهما ولو قدر أنه قوتلت الباغية فلم تقاتل حتى تفئ إلى أمر الله ثم أصلح بينهما
__________
(1) الحجرات، آية: 9.(2/309)
بالعدل والله تعالي أمر بالقتال إلى الفئ ثم الإصلاح لم يأمر بقتال مجرد بل قال - عز وجل -: { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } وما حصل قتال حتى تفئ إلى أمر الله فإن كان ذلك مقدورًا فما وقع وإن كان معجوزًا عنه لم يكن مأمورًا به وعجز المسلمين يوم أحد عن القتال الذي يقتضي انتصارهم كان بترك طاعة الرسول وذنوبهم وكذلك التولي يوم حنين كان من الذنوب يبين ذلك أنه لو قدر أن طائفة بغت على طائفة وأمكن دفع البغي بلا قتال لم يجز القتال فلو اندفع البغي بوعظ أو فتيا أو أمر بمعروف لم يجز القتال ولو اندفع البغي بقتل واحد مقدور عليه أو إقامة حد أو تعزير مثل قطع سارق وقتل محارب وحد قاذف لم يجز القتال وكثيرًا ما تثور الفتنة إذا ظلم بعض طائفة لطائفة أخري فإذا أمكن استيفاء حق المظلوم بلا قتال لم يجز القتال وليس في الآية أن كل من امتنع من مبايعة إمام عدل يجب قتاله لمجرد ذلك وإن سمى باغيًا لترك طاعة الإمام فليس كل من ترك طاعة الإمام يقاتل والصديق قاتل مانعي الزكاة لكونهم امتنعوا عن أدائها بالكلية فقوتلوا بالكتاب والسنة وإلا فلو أقروا بأدائها وقالوا لا نؤديها إليك لم يجز قتالهم عند أكثر العلماء وأولئك لم يكونوا كذلك ولهذا كان القول الثالث في هذا الحديث حديث عمَّار أن قاتل عمَّار طائفة باغية ليس لهم أن يقاتلوا عليًا ولا يمتنعوا عن مبايعته وطاعته وإن لم يكن عليًا مأمورًا بقتالهم ولا كان فرضًا عليه قتالهم لمجرد امتناعهم عن طاعته مع كونهم ملتزمين شرائع الإسلام وإن كان كل من المقتتلين متأولين مسلمين مؤمنين وكلهم يستغفر لهم ويترحم عليهم عملاً بقوله تعالي: { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } ». أهـ.(2/310)
ويقول شيخ الإسلام في ”منهاج السنة“ عن قتال صفين(1): «وليس هذا كقتال الصديق للمرتدين ولمانعي الزكاة فإن الصديق إنما قاتلهم على طاعة الله ورسوله لا على طاعته فإن الزكاة فرضٌ عليهم فقاتلهم على الإقرار بها وعلي أدائها بخلاف من قاتل ليطاع هو ولهذا قال الإمام أحمد وأبو حنيفة وغيرهما من قال أنا أؤدي الزكاة ولا أعطيها للإمام لم يكن للإمام أن يقاتله وهذا فيه نزاعٌ بين الفقهاء فمن يجوِّز القتال على ترك طاعة وليّ الأمر جوَّز قتال هؤلاء وهو قول طائفة من الفقهاء ويحكي هذا عن الشافعي رحمه الله ومن لم يجوِّز القتال إلا على ترك طاعة الله ورسوله لا على ترك طاعة شخص معين لم يجوِّز قتال هؤلاء وفي الجملة فالذين قاتلهم الصديق - رضي الله عنه - كانوا ممتنعين عن طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والإقرار بما جاء به فلهذا كانوا مرتدين بخلاف من أقر بذلك ولكن امتنع عن طاعة شخص معين كمعاوية وأهل الشام فإن هؤلاء كانوا مقرين بجميع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وقالوا نحن نقوم بالواجبات من غير دخول في طاعة علىٍّ - رضي الله عنه - لما علينا في ذلك من الضرر فأين هؤلاء من هؤلاء. واعلم أن طائفة من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد جعلوا قتال مانعي الزكاة وقتال الخوارج جميعًا من قتال البغاة وجعلوا قتال الجمل وصفين من هذا الباب وهذا القول خطأ مخالف لقول الأئمة الكبار وهو خلاف نصّ مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم من أئمة السلف ومخالف للسنة الثابتة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ الخوارج أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم واتفق الصحابة على ذلك وأما قتال الجمل وصفين فهو قتال فتنة ليس فيه أمر من الله ورسوله ولا إجماع من الصحابة وأما قتال مانعي الزكاة إذا كانوا ممتنعين عن أدائها بالكلية أو عن الإقرار بها فهو أعظم من قتال
__________
(1) منهاج السنة، ج2، ص 232.(2/311)
الخوارج. وأهل صفين لم يبدأوا عليًّا بالقتال وأبو حنيفة وغيره لا يجوزون قتال البغاة إلا أن يبدأوا الإمام بالقتال وكذلك أحمد وأبو حنيفة ومالك لا يجوزون قتال من قام بالواجب إذا كانت طائفة ممتنعة وقالت لا نؤدي زكاتنا إلى فلان. فيجب الفرق بين قتال المرتدين وقتال الخوارج المارقين وأما قتال البغاة المذكور في القرآن فنوع ثالث غير هذا وهذا فإن الله لم يأمر بقتال البغاة ابتداءًا بل أمر إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين بالإصلاح بينهما وليس هذا حكم المرتدين ولا حكم الخوارج والقتال يوم الجمل وصفين فيه نزاع أهو من باب قتال البغاة المأمور به في القرآن أو هو قتال فتنة القاعد فيه خير من القائم؟؟ فالقاعدون من الصحابة وجمهور أهل الحديث والسنة وأئمة الفقهاء بعدهم يقولون هو قتال فتنة ليس هو قتال البغاة المأمور به في القرآن فإن الله لم يأمر بقتال المؤمنين البغاة ابتداء لمجرد بغيهم، بل إنما أمر إذا اقتتل المؤمنون بالإصلاح بينهم وقوله فإن بغت إحداهما على الأخري يعود الضمير فيه إلى الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين لا يعود إلى طائفة مؤمنة لم تقاتل فالتقدير فإن بغت إحدي الطائفتين المؤمنتين المقتتلتين على الأخرى فقاتلوا الباغية حتى تفئ إلى أمر الله فمتي كانت طائفة باغية ولم تقاتل لم يكن في الآية أمر بقتالها ثم إن كان قوله فإن بغت إحداهما على الأخري بعد الإصلاح فهو أوكد وإن كان بعد الاقتتال حصل المقصود. وحينئذ فأصحاب معاوية إن كانوا قد بغوا قبل القتال لكونهم لم يبايعوا عليًا فليس في الآية الأمر بقتال من بغي ولم يقاتل وإن كان بغيهم بعد الاقتتال والإصلاح وجب قتالهم لكن هذا لم يوجد فإن أحدًا لم يصلح بينهم ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها هذه الآية ترك الناس العمل بها يعني إذ ذاك وإن كان بغيهم بعد الاقتتال وقبل الإصلاح فهنا إذا قيل بجواز القتال فهذا القدر إنما حصل في أثناء القتال وحينئذ فشل أصحاب على كرَّم(2/312)
الله وجهه ونكلوا عن القتال لما رفعوا المصاحف ففي الحال التي أمر بقتالهم فيها لم يقاتلوهم وفي الحال التي قاتلوهم لم يكن قتالهم مأمورًا به فإن كان أولئك بغاة معتدين فهؤلاء مفرطون مقصرون ولهذا ذلوا وعجزوا وتفرقوا وليس الإمام مأمورًا بأن يقاتل بمثل هؤلاء». أهـ.
ويقول شيخ الإسلام(1): «وأما علىٌّ كرَّم الله وجهه فإنه بويع عقب مقتل عثمان - رضي الله عنه - والقلوب مضطربة مختلفة وأكابر الصحابة متفرقون وأُحضر طلحة إحضارًا حتى قال من قال إنهم جاءوا به مكرهًا وأنه قال بايعت واللج على قفيّ وكان لأهل الفتنة بالمدينة شوكة كما قتلوا عثمان وماج الناس لقتله موجًا عظيمًا وكثير من الصحابة لم يبايع عليًا كعبد الله ابن عمر وأمثاله وكان الناس معه ثلاثة أصناف: صنفٌ قاتلوا معه وصنفٌ قاتلوه وصنفٌ لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه. إلى أن يقول(2): «ولهذا اضطرب الناس في خلافة علىٍّ كرَّم الله وجهه على أقوال: فقالت طائفة أنه إمام وأن معاوية إمام وأنه يجوز نصب إمامين، وقالت طائفة لم يكن في ذلك الزمان إمام عام بل كان زمان فتنة وقالت طائفة ثالثة: بل علىٌّ هو الإمام وهو مصيب في قتاله لمن قاتله وكذلك من قاتله من الصحابة كطلحة والزبير كلهم مجتهدون مصيبون وهذا قول من يقول كل مجتهد مصيب وهؤلاء أيضًا يجعلون معاوية مصيبًا في قتاله لعلىٍّ - رضي الله عنه - وذكر لأصحاب أحمد ثلاثة أقوال في المقتتلين يوم الجمل وصفين أحدها: كلاهما مصيب.
__________
(1) منهاج السنة، ج1، ص 143.
(2) منهاج السنة، ص 144.(2/313)
والثاني: المصيب واحد لا بعينه والثالث: أن عليًا هو المصيب ومن خالفه مخطئ والمنصوص عن أحمد وأئمة السنة أنه لا يذم أحدًا منهم وأن عليًا أولي بالحق من غيره، أما تصويب القتال فليس هو قول أئمة السنة بل هم يقولون أن تركه كان أولي وطائفة رابعة: تجعل عليًا هو الإمام وكان مجتهدًا مصيبًا في القتال ومن قاتله كانوا مجتهدين مخطئين وهذا قول كثير من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وطائفة خامسة تقول: إن عليًا مع كونه خليفة وهو أقرب إلى الحق من معاوية فكان ترك القتال أولي وينبغي الإمساك عن القتال لهؤلاء وهؤلاء فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ستكون فتنةٌ القاعدُ فيها خيرٌ من القائم والقائمُ خيرٌ من الساعي» وقد ثبت أنه قال - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن «إنَّ ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين» فأثني على الحسن بالإصلاح ولو كان القتال واجبًا أو مستحبًا لما مدح تاركه قالوا وقتال البغاة لم يأمر الله به ابتداءً ولم يأمر بقتال كل باغ بل قال تعالي: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } (1) فأمر إذا اقتتل المؤمنون بالإصلاح بينهم فإن بغت إحداهما قوتلت قالوا: ولهذا لم يحصل بالقتال مصلحة والأمر الذي يأمر الله به لابد أن تكون مصلحته راجحة على مفسدته. وفي سنن أبي داود حدثنا الحسن بن على حدثنا يزيد أنبأنا هشام عن محمد ـ يعني ابن سيرين ـ قال: قال حذيفة: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تضرك الفتنة» قال أبو داود: حدثنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبي بردة عن ثعلبة بن ضبيعة قال: دخلنا على
__________
(1) الحجرات، آية: 9.(2/314)
حذيفة فقال: إني أعرف رجلاً لا تضره الفتن شيئًا قال: فخرجنا فإذا فسطاط مضروب فدخلنا فإذا فيه محمد بن مسلمة فسألناه عن ذلك فقال: ما أريد أن يشتمل على شيء من أمصاركم حتى تنجلي عما انجلت ... إلى أن يقول شيخ الإسلام: اعتزل القتال محمد بن مسلمة وسعد ابن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وأبو بكرة وعمران بن حصين وأكثر السابقين الأولين... إلى أن يقول: دلَّ ذلك على أن القتال قتال فتنة والأحاديث الصحيحة تبين أن ترك القتال كان أولى من الجانبين وعلي هذا جمهور أئمة أهل الحديث والسنة ومذهب مالك والثوري وأحمد وغيرهم». أهـ.(2/315)
ويقول شيخ الإسلام(1): «وعسكر معاوية يعلمون أن عليًا أفضل وأحق بالأمر منه ولا ينكر ذلك منهم إلا معاندًا ومن أعمى الهوى قلبه ولم يكن معاوية قبل تحكيم الحكمين يدعي الأمر لنفسه ولا تسمي بأمير المؤمنين وإنما ادعى ذلك بعد حكم الحكمين وكان غير واحد من عسكر معاوية يقول له لماذا نقاتل معك عليًا ليس لك سابقة فضله ولا صهره وهو أولى بالأمر منك فيعترف معاوية بذلك لكن قاتلوا مع معاوية لظنهم أن عسكر على فيهم ظلمة يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان وأنهم يقاتلونهم دفعًا لصيالهم عليهم وقتال الصائل جائز ولذلك لم يبدأوهم بالقتال حتى بدأهم أولئك، وعلىٌّ - رضي الله عنه - كان عاجزًا عن قهر الظلمة من العسكرين ولم يكن أعوانه يوافقونه على ما يأمر به وأعوان معاوية يوافقونه، وكان يرى أن القتال يحصل به المطلوب فما حصل به إلا ضد المطلوب وكان في عسكر معاوية من يتهم عليًا بأشياء من الظلم هو برئ منها وطالب الحق من عسكر معاوية يقول لا يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ولا يظلمنا ونحن إذا بايعنا عليًا ظلمنا عسكره كما ظلموا عثمان وعلىٌّ إمَّا عاجزٌ عن العدل علينا أو غير فاعل لذلك وليس علينا أن نبايع عاجزًا عن العدل علينا ولا تاركًا له فأئمة السنة يعلمون أنه ماكان القتال مأمورًا به ولا واجبًا ولا مستحبًا ولكن يعذرون من اجتهد فأخطأ». أهـ.
__________
(1) منهاج السنة النبوية، ج2، ص 202.(2/316)
ويقول شيخ الإسلام(1): «وأكثر الذين كانوا يختارون القتال من الطائفتين لم يكونوا يطيعون لا عليًا ولا معاوية وكان عليّ ومعاوية ـ رضى الله عنهما ـ أطلب لكفِّ الدماء من أكثر المقتتلين لكن غلبا فيما وقع والفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها وكان في العسكرين مثل الأشتر النخعي وهاشم بن عتبة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وأبي الأعور السلمي ونحوهم من المحرضين على القتال قومٌ ينتصرون لعثمان غاية الانتصار وقومٌ ينفرون عنه وقومٌ ينتصرون لعليٍّ وقومٌ ينفرون عنه ثم قتال أصحاب معاوية معه لم يكن لخصوص معاوية بل كان لأسباب أخرى وقتال الفتنة مثل قتال الجاهلية لا تنضبط مقاصد أهله واعتقاداتهم». أهـ.
ويقول في مواضع من المنهاج لا تنحصر أن الفتنة يطاع فيها من طاعة غيره أولى.
ويقول عن توبة وندم من دخل فيها من السابقين(2): «وعثمان بن عفان - رضي الله عنه - تاب توبة ظاهرة من الأمور التي صاروا ينكرونها ويظهر له أنها منكر وهذا مأثور مشهور عنه - رضي الله عنه - وأرضاه وكذلك عائشة رضي الله عنها ندمت على مسيرها إلى البصرة وكانت إذا ذكرته تبكي حتى تبل خمارها وكذلك طلحة ندم على ما ظنَّ من تفريطه في نصر عثمان وعلى وغير ذلك، والزبير ندم على مسيره يوم الجمل وعلىٌّ بن أبي طالب ندم على أمور فعلها من القتال وغيره وكان يقول:
لئن عجزت عجزة لا أعتذر سوف أكيس بعدها وأستمر
وأجمع الرأي الشتيت المنتشر
__________
(1) المصدر السابق، ج2، ص 242.
(2) منهاج السنة النبوية، ج3، ص 180.(2/317)
وكان يقول ليالي صفين: لله درُّ مقام قامه عبد الله بن عمر وسعد بن مالك إن كان برًا إن أجره لعظيم وإن كان إثمًا إن خطره ليسير وكان يقول يا حسن يا حسن ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا ود أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة وتواترت الآثار بكراهيته الأهوال في آخر الأمور ورؤيته اختلاف الناس وتفرقهم وكثرة الشرِّ الذي أوجب أنه لو استقبل من أمره ما استدبر ما فعل ما فعل». أهـ.
ويقول شيخ الإسلام(1): «وأما الصحابة فجمهورهم ما دخل في الفتنة قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبي حدثنا إسماعيل يعني ابن علية حدثنا أيوب يعني السختياني عن محمد بن سيرين قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عشرة آلاف فما حضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين، وقال عبد الله: حدثني أبي حدثنا إسماعيل حدثنا منصور بن عبد الرحمن قال: قال الشعبي: لم يشهد الجمل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير علىٍّ وعمَّار وطلحة والزبير فإن جاءوا بخامس فأنا كذاب». أهـ.
__________
(1) منهاج السنة النبوية، ج3، ص 168.(2/318)
ويقول شيخ الإسلام(1): «والمقصود أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يقتتلوا قط لاختلافهم في قاعدة من قواعد الإسلام أصلاً ولم يختلفوا في شيء من قواعد الإسلام لا في الصفات ولا في القدر ولا مسائل الأحكام ولا مسائل الإمامة لم يختلفوا في ذلك بالاختصام بالأقوال فضلاً عن الاقتتال بالسيف بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه نافين عنها تمثيلها بصفات المخلوقين مثبتين للقدر كما أخبر الله به ورسوله مثبتين للأمر والنهي والوعد والوعيد مثبتين لحكمة الله في خلقه وأمره مثبتين لقدرة العبد واستطاعته ولفعله مع إثباتهم للقدر ثم لم يكن في زمانهم من يحتج للمعاصي بالقدر ويجعل القدر حجة لمن عصي أو كفر ولا من يكذب بعلم الله ومشيئته الشاملة وقدرته العامة وخلقه لكل شيء وينكر فضل الله وإحسانه ومنّه على أهل الإيمان والطاعة وأنه هو الذي أنعم عليهم بالإيمان والطاعة وخصَّهم بهذه النعمة دون أهل الكفر والمعصية ولا من ينكر افتقار العبد إلى الله في كل طرفة عين وأنه لا حول ولا قوة إلا به في كل ما دق وجل ولا من يقول أن الله يجوز أن يأمر بالشرك والكفر وينهي عن عبادته وحده ويجوز أن يدخل فرعون وإبليس الجنة ويدخل الأنبياء النار وأمثال ذلك فلم يكن فيهم من يقول بقول القدرية النافية ولا القدرية الجبرية الجهمية ولا كان فيهم من يقول بتخليد أحد من أهل القبلة في النار ولا من يكذب شفاعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكبائر ولا من يقول إيمان الفسَّاق كإيمان الأنبياء بل ثبت عنهم بالنقول الصحيحة القول بخروج مَنْ في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار بشفاعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأن إيمان الناس يتفاضل وأن الإيمان يزيد وينقص». أهـ.
__________
(1) المصدر السابق، ج3، ص 223.(2/319)
ويذكر قبل ذلك في هذا السياق أن أحدًا لم يقاتل عليًا كرَّم الله وجهه على أن يكون غيره إمامًا وهو مطيع فإن الذين كانوا يستحقون الإمامة أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ وكان هو أتقي لله من أن يخرج عليهم بقول أو فعل وأما معاوية فكان المسلمون أعلم وأعدل من أن يقولوا لعلىٍّ بايع معاوية بل يقولوا له بايع طلحة والزبير وغيرهما من أهل الشورى. ويقول إنه عندما مال أبو موسى الأشعري إلى بيعة عبد الله ابن عمر غضب عبد الله لذلك وذلك بعد الحكمين.(2/320)
ويقول شيخ الإسلام(1): «ففي خلافة أبي بكر وعمر وعثمان لم يكن أحد يسمي من الشيعة ولا تضاف الشيعة إلى أحد لا عثمان ولا علىّ ولا غيرهما فلما قتل عثمان تفرَّق المسلمون فمال قومٌ إلى عثمان ومال قومٌ إلى علىٍّ واقتتلت الطائفتان وقتل حينئذ شيعة عثمان شيعة علىّ. وفي صحيح مسلم عن سعيد بن هشام أنه أراد أن يغزوا في سبيل الله وقدم المدينة فأراد أن يبيع عقارًا بها فيجعله في السلاح والكراع ويجاهد الروم حتى يموت فلما قدم المدينة لقي أناسًا من أهل المدينة فنهوه عن ذلك وأخبروه أن رهطًا ستًا أرادوا ذلك في حياة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فنهاهم نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: «أليس لكم بي أسوة» فلما حدثوه بذلك راجع امرأته وكان قد طلقها وأشهد على رجعتها فأتي ابن عباس وسأله عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له ابن عباس: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مَنْ؟ قال: عائشة رضي الله عنها فأتها فاسألها ثم ائتني فأخبرني بردها عليك. قال: فانطلقت إليها فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال: ما أنا بقاربها لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا فأبت فيهما إلا مضيًا قال: فأقسمت عليه فجاء فانطلقنا إلى عائشة رضى الله عنها» وذكر الحديث وقال معاوية لابن عباس رضى الله عنهما: أنت على ملة علىٍّ فقال: لا على ملة علىٍّ ولا على ملة عثمان أنا على ملة رسول الله». أهـ.
__________
(1) منهاج السنة، ج1، ص 170.(2/321)
ويقول شيخ الإسلام(1): «وإن القتلي من أهل صفين لم يكونوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة الخوارج المارقين الذين أمر بقتالهم وهؤلاء مدح الصلح بينهم ولم يأمر بقتالهم ولهذا كانت الأئمة والصحابة متفقين على قتال الخوارج المارقين وظهر من علىٍّ - رضي الله عنه - السرور بقتالهم ومن روايته عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الأمر بقتالهم وأما قتال الصحابة فلم يرو عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيه أثر ولم يظهر فيه سرور، بل ظهر منه الكآبة وتمني أن لا يقع وشكر بعض الصحابة. وبرأ الفريقين من الكفر والنفاق وأجاز الترحم على قتلي الطائفتين. إلى أن يقول: ومعاوية لم يدع الخلافة ولم يبايع له بها حين قاتل عليًا ولم يقاتله على أنه خليفة ولا أنه يستحق الخلافة ويقرون له بذلك وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدروا عليًا وأصحابه بالقتال ولا يعلوا بل لما رأي عليٌّ - رضي الله عنه - وأصحابه أنه يجب عليهم طاعته ومبايعته إذ لا يكون للمسلمين إلا خليفة واحد وأنهم خارجون عن طاعته يمتنعون عن هذا الواجب وهم أهل شوكة رأي أن يقاتلهم حتى يؤدوا هذا الواجب فتحصل الطاعة والجماعة وهم قالوا أن ذلك لا يجب عليهم وأنهم إذا قوتلوا على ذلك كانوا مظلومين قالوا لأن عثمان قتل مظلومًا باتفاق المسلمين وقتلته في عسكر علىٍّ وهم غالبون لهم شوكة فإذا امتنعنا ظلمونا واعتدوا علينا وعلىٌّ لا يمكنه دفعهم كما لم يمكنه الدفع عن عثمان وإنما علينا أن نبايع خليفة يقدر أن ينصفنا ويبذل لنا الإنصاف. إلى أن يقول: وكل فرقة من المتشيعين مقرة مع ذلك بأنه ليس معاوية كفئًا لعلي بالخلافة ولا يجوز أن يكون خليفة مع إمكان استخلاف علىّ - رضي الله عنه - فإن فضل عليّ وسابقته وعلمه ودينه وشجاعته وسائر فضائله كانت عندهم ظاهرة معروفة كفضل إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم - رضي
__________
(1) الفتاوى الكبرى، ج4، ص 263.(2/322)
الله عنهم - ولم يكن بقي من أهل الشوري غيره وغير سعد. وسعد كان قد ترك هذا الأمر وكان الأمر قد انحصر في عثمان وعلىٍّ فلما توفى عثمان لم يبق لها معين إلا علىٌّ - رضي الله عنه - وإنما وقع الشرُّ بسبب قتل عثمان فحصل بذلك قوة أهل الظلم والعدوان وضعف أهل العلم والإيمان حتى حصل من الفرقة والاختلاف ما صار يطاع فيه من غيره أولي منه بالطاعة ولهذا أمر الله بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف ولهذا قيل ما يكرهون في الجماعة خير مما يجمعون من الفرقة. إلى أن يقول: تعليقًا على حديث عمَّار(1) وكل من كان باغيًا أو ظالمًا أو معتديًا أو مرتكبًا ما هو ذنب فهو قسمان متأول وغير متأول فالمتأول المجتهد كأهل العلم والدين الذين اجتهدوا أو اعتقد بعضهم حل أمور واعتقد الآخر تحريمها كبعض أنواع الأشربة وبعض المعاملات الربوية وبعض عقود التحليل والمتعة وأمثال ذلك فهؤلاء المتأولون المجتهدون غايتهم أنهم مخطئون. وقد قال تعالي: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } (2) وقد ثبت في الصحيح أن الله استجاب لهذا الدعاء وقد أخبر سبحانه عن داود وسليمان عليهما السلام أنهما حكما في الحرث وخص أحدهما بالفهم مع ثنائه على كل منهما بالحكم والعلم والعلماء ورثة الأنبياء فإذا فهم أحدهم من المسألة ما لم يفهمه الآخر لم يكن بذلك ملومًا ولا مانعًا لما عرف من علمه ودينه وإن كان ذلك مع العلم بالحكم يكون إثمًا وظلمًا والإصرار عليه فسقًا بل متي علم تحريمه ضرورة كان تحليله كفرًا فالبغي هو من هذا الباب أما إذا كان الباغي مجتهدًا ومتأولاً ولم يتبين له أنه باغ بل اعتقد أنه على الحق وإن كان مخطئًا في اعتقاده لم تكن تسميته باغيًا موجبة لإثمه فضلاً عن أن توجب فسقه والذين يقولون بقتال البغاة المتأولين يقولون مع الأمر بقتالهم: قتالنا لهم لدفع ضرر بغيهم لا عقوبة لهم
__________
(1) الفتاوى الكبرى، ص 265.
(2) البقرة، آية: 286.(2/323)
بل للمنع من العدوان ويقولون إنهم باقون على العدالة لا يفسقون ويقولون هم كغير المكلف كما يمنع الصبي والمجنون والناسي والمغمى عليه والنائم من العدوان أن لا يصدر منهم بل تمنع البهائم من العدوان ويجب على من قتل مؤمنًا خطأ الدية بنص القرآن مع أنه لا إثم عليه في ذلك وهكذا من رفع إلى الإمام من أهل الحدود وتاب بعد القدرة عليه فأقام عليه الحد والتائب من الذنب كمن لا ذنب له والباغي المتأول يجلد عند مالك والشافعي وأحمد ونظائره متعددة ثم بتقدير أن يكون البغي بغير تأويل يكون ذنبًا والذنوب تزول عقوبتها بأسباب متعددة كالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك ثم إن عمَّارًا تقتله الفئة الباغية ليس نصًا في أن هذا اللفظ لمعاوية وأصحابه بل يمكن أنه أريد بذلك العصابة التي باشرت قتله وهى طائفة من العسكر ومن رضى بقتل عمَّار كان حكمه حكمها ومن المعلوم أنه كان في العسكر من لم يرض بقتل عمَّار كعبد الله بن عمرو بن العاص وغيره بل كل الناس كانوا منكرين لقتل عمَّار حتى معاوية وعمرو ومن تأمل تأويل معاوية لحديث عمَّار علم أن معاوية لم يعتقد أنه باغ ومن لم يعتقد أنه باغ وهو في نفس الأمر باغ فهو متأول مخطئ. والفقهاء ليس فيهم من رأيه القتال مع من قتل عمَّار لكن لهم قولان مشهوران لما كان عليهما أكابر الصحابة منهم من يري القتال مع عمَّار وطائفته ومنهم من يرى الإمساك عن القتال مطلقًا وفي كل من الطائفتين طوائف من السابقين الأولين ففي القول الأول عمار وسهل بن حنيف وأبو أيوب وفي الثاني سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر ونحوهم ولعل أكثر الأكابر من الصحابة كانوا على هذا الرأي ولم يكن في العسكرين بعد علىٍّ أفضل من سعد بن أبي وقاص، وكان من القاعدين والممسكون يحتجون بالأحاديث الكثيرة الصحيحة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أن القعود عند الفتنة خيرٌ من القتال فيها وتقول إن هذا(2/324)
القتال ونحوه هو قتال الفتنة. إلى أن يقول: وإنما أمر الله بقتال الباغي ولم يأمر بقتاله ابتداءًا قالوا والاقتتال الأول لم يأمر الله به ولا أمر كل من بُغِي عليه أن يقاتل من بَغَي عليه فإنه إذا قتل كل باغ كفر بل غالب المؤمنين بل غالب الناس لا يخلو من ظلم وبغي ولكن إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين فالواجب الإصلاح بينهما وإن لم تكن واحدة منهما مأمورة بالقتال فإذا بغت الواحدة بعد ذلك قوتلت لأنها لم تترك القتال ولم تجب إلى الصلح فلم يدفع شرها إلا بالقتال فصار قتالها بمنزلة الصائل قالوا فبتقدير أن يكون جميع العسكر بغاة فلم نؤمر بقتالهم ابتداءًا بل أمرنا بالإصلاح بينهم وأيضًا فلا يجوز قتالهم إذا كان الذين مع علىّ - رضي الله عنه - ناكلين عن القتال فإنهم كانوا كثيري الخلاف عليه ضعيفي الطاعة له». انتهى بتصرف يسير.
تعقيب:
أولا: واضح من كلام شيخ الإسلام أن قتال صفين كان كقتال الجمل قتال فتنة وأن قتال البغاة لم يقع وإذا كان كذلك فلا إثم ولا ضمان على قتال الفتنة.
ثانيًا: إن قتال البغاة كان يقع بعد بغي أصحاب معاوية في القتال أو برفضهم الصلح ولم يقع قتال حينئذ فوقع القتال غير المأمور ولم يقع القتال المأمور وقتال البغاة لا إثم فيه ولكن اختلف فيه الفقهاء هل يقع فيه الضمان أم لا؟ واختلفوا في الدية فمنهم من قال آدي العادل من الباغي ومنهم من قال لا آدي هذا ولا ذاك من بعضهم البعض ومنهم من قال لا آدي هذا أو ذاك للتأويل إلى غير ذلك من الأحكام(1). والواضح أن قتال صفين كان مترددًا بين قتال الفتنة وقتال البغي أو قتال فتنة ممتزجًا بقتال بغي وإن قتال البغي المجرد لم يقع فيه الصحابة.
__________
(1) راجع: الأحكام السلطانية للماوردي.(2/325)
ثالثًا: أقول: عليٌّ كرَّم الله وجهه لم يقاتلهم على البغي وإنما قاتلهم على الجماعة ولم يقاتلهم أيضًا على طاعة وهو ليس أقل ورعًا من عثمان في الدماء ولو كان عثمان في موقف علىٍّ وعلىٌ في موقف عثمان لفعل كل منهما ما فعل صاحبه فإن عليًّا وعثمان لا يقاتلان على الطاعة وإن كان ذلك جائزًا كما قال الإمام الشافعي ولكن يتركان ذلك ورعًا وعثمان وعلىّ لا يفرطان في القتال على الجماعة والقتال على الجماعة لا يقل أهمية عن القتال على الشرع كما قاتل أبو بكر الصديق وعلىّ قاتلهم بموجب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهى جميع فاضربوه بالسيف» وقوله - صلى الله عليه وسلم -:«إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» وما يقتل عليه الفرد المقدور عليه تقاتل عليه الجماعة الممتنعة.(2/326)
رابعًا: إن المبادرة إلى القتال قبل أن يستفحل الشر كما كانت المبادرة إلى البيعة قبل تفرق الناس من الحج حسمًا للشرِّ قد يكون هو الخير إذا كان الأمر في نطاق القدرة ولم تتسع شقة الخلاف بين الأمة فإذا شمل فريق الخروج عن الجماعة نصف الأمة أو ثلثها أو ما بين ذلك بحيث لا يحسم الأمر إلا بقتل الألوف المؤلفة من المسلمين فقد لا يحسم فعندئذ يجب تقديم الصلح أو رد الأمر إلى شورى المسلمين دون المبادرة إلى القتال وأن ما يظن أنه لا يتحقق لا ينبغي الشروع فيه وإن كان معنى (حتى) لا يتمحض للغاية. أو بمعنى الشرط وإنما يكون أيضًا بمعني السببية والذي أراه أنه كرَّم الله وجهه ظنَّ أنه قادر على حسم الأمر بالقتال ثم حدث ما لم يكن متوقعًا من الشر لقدر أراده الله وأنه قاتل للفئ لا لمجرد القتال بدليل حديث عمَّار يدعوهم إلى الجنة وهي الجماعة ويدعونه إلى النار وهى الفرقة وأنه إذا أصر قطر عظيم من المسلمين على عدم الرجوع إلى شورى المسلمين ورفض الصلح وجب أن يقاتل مهما عظمت الضحايا حرصًا على وحدة المسلمين ولا يجب الانصياع لإرادة هذا القطر تجنبًا للدماء كما حدث في بيعة يزيد بعد ذلك فإن هذه نزعة تسلطية أو نزعة انفصالية ولا يجب على المسلمين أن يستجيبوا لنزعة تسلطية أو نزعة انفصالية لكن ينبغي معالجة الأمر بحكمة وبقوة إجماع المسلمين على الشورى والجماعة والأمة والوحدة والخليفة الواحد الذي لا يبايع دون مشورة المسلمين. وقد قال عمر أن من بايع رجلاً دون مشورة المسلمين حريٌ أن يقتل هو ومن بايعه فمن غصب المسلمين حقهم في الشوري كما قال عمر يقاتل على ذلك إن كانوا أفرادًا أو حتى أقطارًا وهذا من البغي الذي يقاتل عليه صاحبه حتى ينزع عنه ويفيء إلى أمر الله فيكون معني (حتى) للسببية وللغاية وليس بمعني الشرط وينبغي التوسل للجماعة بقوة إجماع المسلمين قبل الشروع في الدماء وعندئذ فمن خرج عن إجماع المسلمين يقاتل حتى يفئ إلى أمر الله(2/327)
والله سبحانه أجلّ وأعزّ وأعلى وأعلم. والأصل في الاستدلال هنا الفرق بين التأويل الباطل ظنًا والباطل قطعًا وهو ما يعطي الفرق بين قتال المرتدين والمارقين وقتال البغاة وقتال الفتنة وإن كانوا كلهم متأولين. { وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } (1). وبالله التوفيق وهو من وراء القصد.
ليس فيما ذكرت خلاف للمنقول عن شيخ الإسلام ولكن رؤية أخري للموضوع ينبغي طرحها.
كانت قوة أبي بكر وعمر في أنهما ليس لهما شيعة وكانت الأمة مجتمعة على صحابة رسول الله كأهل حل وعقد وصفوة راشدة تقود الأمة إلى الخير وكان اجتماع الأمة عليهما من خلال اجتماع الأمة على الصحابة واستنادهما إلى الصحابة كأهل حل وعقد وصفوة راشدة، وليس من خلال زعامة أو شيعة أو عصبة أو قبيلة أو مصالح وشيعتهما إن جاز التعبير هي الأمة كلها شيعة الصحابة كلهم دون أحد منهم فجمهورهما هو جمهور الصحابة، ولا يظن أن الصحابة وقفوا موقفًا سلبيًا من عثمان أو علىّ رضى الله عنهما ولكن كانت الأمة قد تشيعت واجتمعت على الشيع والمصالح ولم تعد تجتمع على الصحابة فلم يعد لهم قوة يوقفون بها بعد هذا التشيع للشيعتين ولم يعد لكل منهما من مساندة إلا مساندة شيعته أما أبو بكر وعمر فوقفت معهما دائمًا الصفوة ومن خلفها الأمة مجتمعة على كلمة الصفوة المجتمعة الواحدة.
__________
(1) الإسراء، آية: 81.(2/328)
ويقول شيخ الإسلام(1): «فلا يستريب عاقل أن العرب قريشًا وغير قريش كانت تدين لبني عبد مناف وتعظمهم أعظم مما يعظمون بني تيم وعدي ولهذا لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتولي أبو بكر قيل لأبي قحافة مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال حدثٌ عظيم فمن تولي بعده قالوا: أبو بكر. فقال: أو رضيت بنو عبد مناف وبنو مخزوم ؟ قالوا: نعم. قال: ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء ـ أو كما قا ل ـ ولهذا جاء أبو سفيان إلى عليٍّ - رضي الله عنه - فقال: أرضيتم أن يكون هذا الأمر في بني تيم؟ فقال: يا أبا سفيان إن أمر الإسلام ليس كأمر الجاهلية».
تأثير الجهل في حقيقة الإسلام
وموضوع الإعذار بالجهل في التوحيد بين البدعة والسنة
أولاً شيوع وخفاء الدليل:
الناس بالنسبة لشيوع وخفاء الدليل ينقسمون إلى ثلاث حالات:
حالة شيوع العلم أو شيوع الدليل.
حالة خفاء العلم أو خفاء الدليل مع اتصال بالرسالات .
حالات خفاء العلم أو خفاء الدليل مع انقطاع عن الرسالات .
الحالة الأولي: حالة شيوع العلم أو شيوع الدليل وأوضاع الناس بالنسبة لهذه الحالة أربعة أصناف:
مؤمن:علم التوحيد والشرائع وعمل بهما ومات عليهما وهذا قد قبل الحجة.
معاند: علم التوحيد والشرائع فاستحب العمي على الهدي وهذا قد عاند الحجة وهذه حالة كفر العناد.
ضال: وهذا كما يقول عنه الإمام الشاطبي(2): «أن الضلال في غالب الأمر إنما يستعمل في موضوع يزل صاحبه لشبهة تعرض له أو تقليد من عرضت له الشبهة فيتخذ ذلك الزلل شرعًا ودينًا يدين به مع وجود واضحة الطريق الحق ومحض الصواب».
__________
(1) منهاج السنة، ج2، ص 196.
(2) الاعتصام، ج1، ص 139.(2/329)
وبتعريف القرآن الكريم { فَرِيقًا هَدَي وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } (1)، وفي قول الله - عز وجل -: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً - الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } (2). وباختصار «يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى بما لا يرضيه وبما كلما ازدادوا واجتهدوا فيه ازداد سخطه سبحانه وتعالى عليهم» وهؤلاء قد ضلوا في الحجة كما ضلَّ النصارى في الحجة في عيسي بن مريم.
معرض: لم يحفل بأمر الرسالات والتوحيد فلم يقبل ولم يرفض ولم يصدق ولم يكذب تمكن من العلم فلم يطلبه ومات مشركًا بسبب الجهل وهذا قد أعرض عن الحجة.
وباختصار الأربعة أصناف:
من قبل الحجة.
من عاند الحجة.
من ضلَّ في الحجة.
من أعرض عن الحجة.
ولا يخرج الناس في حال شيوع العلم والتمكن من طلبه عن أحد هذه الأصناف الأربعة ومن مات على الشرك في حالة التمكن من طلب العلم فلا يخلو أن يكون واحدًا من الثلاثة إما أن يكون قد عاند الحجة أو ضلَّ في الحجة أو أعرض عن الحجة.
__________
(1) الأعراف، آية: 30.
(2) الكهف، الآيتان: 103-104.(2/330)
وبالنسبة لحالات الضلال والعناد يقول الإمام الشاطبي بعد أن يسوق أمثلة للضلال ويفرق بين الضلال والخطأ(1): «ولما لم يكن الكفر في الواقع مقتصرًا على هذا الطريق ـ يقصد طريق الضلال ـ بل ثمَّ طريق آخر وهو الكفر بعد العرفان عنادًا أو ظلمًا ذكر الله - سبحانه وتعالى - الصنفين في السورة الجامعة وهي أمّ القرآن فقال - عز وجل -: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } (2) فهذه هي الحجة العظمي التي دعا الأنبياء عليهم السلام إليها ثم قال - عز وجل -: { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } (3). فالمغضوب عليهم هم اليهود لأنهم كفروا بعد معرفتهم نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -. ألا ترى إلى قول الله - عز وجل - فيهم { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } (4) يعني اليهود، والضالون هم النصارى لأنهم ضلُّوا في الحجة في عيسي - عليه السلام - وعلي هذا التفسير أكثر المفسرين وهو مروي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ويلحق بهم في الضلال المشركون الذين أشركوا مع الله إلهًا غيره لأنه قد جاء في أثناء القرآن ما يدل على ذلك ولأن لفظ القرآن في قوله تعالى: { وَلاَ الضَّالِّينَ } يعمهم وغيرهم فكل من ضلَّ عن سواء السبيل داخل فيه ولا يبعد أن يقال أن { الضَّالِّينَ } يدخل فيه كل من ضل عن الصراط المستقيم كان من هذه الأمة أو لا إذ قد تقدم في الآيات المذكورة قبل هذا مثله. فقوله تعالى: { وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } (5) عام في كل ضال كان ضلاله كضلال الشرك أو النفاق أو كضلال الفرق المعدودة في الملة الإسلامية وهذا أبلغ وأعلي في قصد حصر أهل الضلال وهو اللائق بكلية
__________
(1) الاعتصام، ج1، ص 139.
(2) الفاتحة، الآيتان: 6-7.
(3) الفاتحة، آية: 7.
(4) البقرة، آية: 146.
(5) الأنعام، آية: 153.(2/331)
فاتحة الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ». أهـ.
وقبل أن يذكر هذا الفرق بين العناد والضلال أو بين كفر العناد وكفر الضلال كان قد ذكر الفرق بين الضلال والخطأ فقال (1): «فصاحب البدعة لما غلب عليه الهوى مع الجهل بطريقة السنة توهم أن ما ظهر له بعقله هو الطريق القويم دون غيره فمضى عليه فحاد بسببه عن الطريق المستقيم فهو ضال من حيث ظنَّ أنه راكب للجادة كالمار بالليل على الجادة وليس له دليل يهديه يوشك أن يضل عنها فيقع في متابعة وإن كان بزعمه يتحري قصدها فالمبتدع من هذه الأمة إنما ضلَّ في أدلتها حيث أخذها مأخذ الهوى والشهوة لا مأخذ الانقياد تحت أحكام الله وهذا هو الفرق بين المبتدع وغيره لأن المبتدع جعل الهوى أول مطالبه وأخذ الأدلة بالتبع ومن شأن الأدلة أنها جارية على كلام العرب ومن شأن كلامها الاحتراز فيه بالظواهر فقلما تجد فيه نصًا لا يحتمل وكل ظاهر يمكن فيه أن يصرف عن مقتضاه في الظاهر المقصود ويتأول على غير ما قصد منه فإذا انضم إلى ذلك الجهل بأصول الشريعة وعدم الاضطلاع بمقاصدها كان الأمر أشد وأقرب إلى التحريف والخروج عن مقاصد الشرع. إلى أن يقول: بخلاف غير المبتدع فإنه إنما جعل الهداية إلى الحق أول مطالبه وأخر هواه ـ إن كان ـ فجعله بالتبع، فوجد جمهور الأدلة ومعظم الكتاب واضحًا في الطلب الذي بحث عنه فوجد الجادة وما شذَّ له عن ذلك فإما أن يرده إليه وإما أن يكله إلى عالمه ولا يتكلف البحث عن تأويله. وفيصل القضية بينهما قوله تعالى: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } إلى قوله: { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } (2) فلا يصح أن يسمي مَنْ هذه حاله مبتدعًا ولا ضالاً، وإن حصل في الخلاف أو خفي عليه أما أنه غير
__________
(1) الإعتصام، ج1، ص 134.
(2) آل عمران، آية: 7.(2/332)
مبتدع فلأنه اتبع الأدلة ملقيًا إليها حكمة الانقياد باسطًا يد الافتقار مؤخرًا هواه ومقدمًا لأمر الله، وأما كونه غير ضال فلأنه على الجادة سلك وإليها لجأ فإن خرج عنها يومًا فأخطأ فلا حرج عليه بل يكون مأجورًا حسبما بينه الحديث الصحيح «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران» وإن خرج متعمدًا فليس على أن يجعل خروجه طريقًا مسلوكًا له أو لغيره وشرعًا يدان به». أهـ.
والأمثلة التي ساقها والتي سبق أن ذكرناها هي ما جاء في قوله تعالى:
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ } وبعدها قال - عز وجل -: { إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ } (1).
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } الآية. وبعدها قال - عز وجل -: { وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا } (2).
__________
(1) يس، آية: 47.
(2) النساء، آية: 60.(2/333)
{ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } وبعدها قال - عز وجل -: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } (1)، وقال - سبحانه وتعالى -: { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ } (2) وهذا بعد تفصيل متقدم وهو قوله تعالى: { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالأنْعَامِ نَصِيبًا } الآيات. فهذا تشريع كالمذكور قبل هذا، ثم قال - عز وجل -: { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } (3) فحاصل الأمر أنهم قتلوا أولادهم بغير علم وحرموا ما أعطاهم الله من الرزق بالرأى على جهة التشريع، فلذلك قال تعالى: { قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } ، ثم قال تعالى بعد تقريعهم على هذه المحرمات التي حرَّموها وهي ما في قوله - عز وجل -: { قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (4)، وقوله - عز وجل -: { لاَ يَهْدِي } يعني أنه يضله.
__________
(1) المائدة، آيات: 103-105.
(2) الأنعام، آية: 140.
(3) الأنعام، آية: 137.
(4) الأنعام، آية: 144.(2/334)
والآيات التي قرر فيها حال المشركين في إشراكهم أتي فيها بذكر الضلال لأن حقيقته أنه خروج عن الصراط المستقيم لأنهم وضعوا آلهتهم لتقربهم إلى الله زلفى في زعمهم فقالوا: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } (1). فوضعوهم في موضع من يتوسل به حتي عبدوهم من دون الله إذ كان أول وضعها فيما ذكره العلماء صورًا لقوم يعرفونهم ويتبركون بهم ثم عبدت فأخذتها العرب عن غيرها على ذلك القصد وهو الضلال المبين.
وقال تعالى: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ } (2)، ثم قال تعالى: { قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } (3) وهم النصارى ضلُّوا في عيسى - عليه السلام - ومن ثم قال تعالى بعد ذكر شواهد العبودية في عيسى - عليه السلام -: { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } (4)، ثم قال - عز وجل -: { لَكِنْ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ } (5).
وذكر الله المنافقين وأنهم يخادعون الله والذين آمنوا وهذا هو الضلال بعينه. فلذلك قال تعالى { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } إلى قوله تعالى { وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } (6).
__________
(1) الزمر، آية: 3.
(2) المائدة، آية: 73.
(3) المائدة، آية: 77.
(4) مريم، آية: 34.
(5) مريم، آية: 38.
(6) النساء، آيات: 142-143.(2/335)
وقال تعالى حكاية عن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى: { ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ } (1)، ثم قال - عز وجل -: { إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ } (2) ثم ذكر الإمام الشاطبي القاعدة التي سبق أن نقلنا عنه في تعريف الضلال وذلك في قوله: «والأمثلة كثيرة جميعها يشهد أن الضلال في غالب الأمر إنما يستعمل في موضوع يزل صاحبه لشبهة تعرض له أو تقليد من عرضت له الشبهة فيتخذ ذلك الزلل شرعًا ودينًا يدين به مع وجود واضحة الطريق ومحض الصواب»(3). أهـ.
هذا عن العناد والضلال أما عن الإعراض فيقول الإمام الشاطبي: يقول عن البدعة بين الداعين إليها والمقلدين لهم بعد قياسها على الشرك والكفر بين الداعين إليه المتَّبعون فيه والمتبِّعون لهم فيقول رحمه الله(4):
__________
(1) يس، آية: 23.
(2) يس، آية: 24.
(3) الاعتصام، ج1، ص 139.
(4) الاعتصام، ج1، ص 160، بتصرف يسير.(2/336)
«القسم الثالث: يتنوع أيضًا وهو الذي قلد غيره على البراءة الأصلية فلا يخلو أن يكون ثمّ مَنْ هو أولي بالتقليد منه بناء على التسامع الجاري بين الخلق أو لا يكون ثمَّ من هو أولي منه فإن كان هناك منتصبون فتركهم هذا المقلد وقلد غيرهم فهو آثم إذ لم يرجع إلى من أمر بالرجوع إليه بل تركه ورضي لنفسه بأخسر الصفقتين فهو غير معذور إذ قلد في دينه من ليس بعارف بالدين في حكم الظاهر فعمل بالبدعة وهو يظن أنه على الصراط المستقيم. وهذا حال من بعث فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم تركوا دينهم الحق ورجعوا إلى باطل آبائهم ولم ينظروا نظر المستبصر حتي لم يفرقوا بين الطريقين وغطَّى الهوى على عقولهم دون أن يبصروا الطريق فكذلك أهل هذا النوع وقلَّ من تجد من هذه صفته إلا وهو يوالي فيما ارتكب ويعادي بمجرد التقليد. وإن لم يكن هناك منتصبون إلاَّ هذا المقلَّد الخامل بين الناس مع أنه قد نصب نفسه منصب المستحقين ففي تأثيمه نظر ويحتمل أن يقال فيه أنه آثم. ونظيره مسألة أهل الفترات العاملين تبعًا لآبائهم واستنامة لما عليه أهل عصرهم من عبادة غير الله وما أشبه ذلك لأن العلماء يقولون في حكمهم أنهم على قسمين: قسم غابت عليه الشريعة ولم يدر ما يتقرب به إلى الله تعالى فوقف عن العمل بكل ما يتوهمه العقل أنه يقرب إلى الله ورأى ما أهل عصره عاملون به مما ليس لهم مستند إلا استحسانهم فلم يستفزه ذلك على الوقوف عنه فهؤلاء هم الداخلون حقيقة تحت عموم الآية { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } (1). وقسم لابس ما عليه أهل عصره من عبادة غير الله والتحريم والتحليل بالرأي ووافقوهم في اعتقاد ما اعتقدوه من الباطل فهؤلاء نصَّ العلماء على أنهم غير معذورين مشاركون لأهل عصرهم في المؤاخذة لأنهم وافقوهم في العمل والموالاة والمعاداة على تلك الشرعة فصاروا من أهلها فكذلك ما نحن في الكلام عليه إذ لا
__________
(1) الإسراء، آية: 15.(2/337)
فرق بينهما.
ومن العلماء من يطلق العبارة ويقول: كيفما كان لا يُعَذِّب أحدًا إلا بعد الرسل وعدم القبول منهم وهذا إن ثبت قولاً هكذا فنظيره في مسألتنا أن يأتي عالم أعلم من ذلك المنتصب يُبيِّن السنة من البدعة فإن راجعه هذا المقلِّد في أحكام دينه ولم يقتصر على الأول فقد أخذ بالاحتياط الذي هو شأن العقلاء ورجاء السلامة. وإن اقتصر على الأول ظهر عناده لأنه مع هذا الفرض لم يرض بهذا الطارئ وإذا لم يرضه كان ذلك لهوى داخله وتعصب جري في قلبه مجري الكلب في صاحبه وهو إذا بلغ هذا المبلغ لم يبعد أن ينتصر لمذهب صاحبه ويستدل عليه بأقصي ما يقدر عليه في عموميته وحكمه قد تقدم في القسم قبله. فأنت ترى صاحب الشريعة - صلى الله عليه وسلم - حين بعث إلى أصحاب أهواء وبدع وقد استندوا إلى آبائهم وعظمائهم فيها وردوا ما جاء به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وغطَّى على قلوبهم رين الهوى حتي التبست عليهم المعجزات بغيرها، كيف صارت شريعته - صلى الله عليه وسلم - حجة عليهم على الإطلاق والعموم وصار الميت منهم مسوقًا إلى النار على العموم من غير تفرقة بين المعاند صراحًا وغيره وما ذاك إلا لقيام الحجة عليهم لمجرد بعثته وإرساله لهم مبينًا للحق الذي خالفوه فمسألتنا شبيهة بذلك فمن أخذ بالحزم فقد استبرأ لدينه ومن تابع الهوي خيف عليه الهلاك وحسبنا الله. إلى أن يقول: فحقيقة المسألة أنها تحتوي على قسمين مبتدع ومقتد به فالمقتدي به كأنه لم يدخل في العبارة لمجرد الاقتداء لأنه في حكم المتبع والمبتدع هو المخترع أو المستدل على صحة ذلك الاختراع وسواء علينا أكان ذلك الاستدلال من قبيل الخاص بالنظر في العلم أو كان من قبيل الاستدلال العامي فإن الله سبحانه ذمَّ أقوامًا قالوا: { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ } (1) فكأنهم استندوا إلى دليل جملي وهو الآباء، إذ كانوا عندهم
__________
(1) الزخرف، آية: 22.(2/338)
من أهل العقل وقد كانوا على هذا الدين وليس إلا لأنه صواب فنحن عليه لأنه لو كان خطأ لما ذهبوا إليه وهو نظير من يستدل على صحة البدعة بعمل الشيوخ ومن يشار إليه بالصلاح ولا ينظر إلى كونه من أهل الاجتهاد في الشريعة أو من أهل التقليد ولا كونه يعمل بعلم أو بجهل ولكن مثل هذا يعد استدلالا في الجملة من حيث جعل عمدة في اتباع الهوى واطّراح ما سواه فمن أخذ به فهو آخذ بالبدعة بدليل مثله ودخل في مسمى أهل الابتداع إذ كان من حق من كان هذا سبيله أن ينظر في الحق إن جاءه ويبحث ويتأني ويسأل حتي يتبين له فيتبعه أو الباطل فيجتنبه ولذلك قال تعالى ردًا على المحتجين بما تقدم: { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ } (1)، وفي الآية الأخرى { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } (2)، قال تعالى: { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ } (3)، وفي الآية الأخرى { أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } (4) وأمثال ذلك كثيرة وعلامة مَنْ هذا شأنه أن يرد خلاف مذهبه بما عليه من شبهة دليل تفصيلي أو إجمالي ويتعصب لما هو عليه غير ملتفت إلى غيره وهو عين اتباع الهوي فهو المذموم حقًا وعليه يحصل الإثم فإن من كان مسترشدًا مال إلى الحق حيث وجده ولم يرده وهو المعتاد في طالب الحق ولذلك بادر المحققون إلى اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تبين لهم الحق. فإن لم يجد سوي ما تقدم له من البدعة ولم يدخل مع المتعاصبين لها لكنه عمل بها فإن قلنا أن أهل الفترة معذبون على الإطلاق إذا اتبعوا مَنْ اخترع منهم فالمتبعون للمبتدع إذا لم يجدوا محقًا مؤاخذون أيضًا، وإن قلنا لا
__________
(1) الزخرف، آية: 24.
(2) البقرة، آية: 170.
(3) البقرة، آية: 170.
(4) لقمان، آية: 21.(2/339)
يُعذَبُونَ حتي يبعث لهم الرسول وإن عملوا بالكفر فهؤلاء لا يؤاخذون ما لم يكن فيه محق فإذ ذاك يؤاخذون من حيث أنهم معه بين أحد أمرين إما أن يتبعوه على طريق الحق فيتركوا ما هم عليه وإما ألا يتبعوه فلابد من عناد ما وتعصب فيدخلون إذ ذاك تحت عبارة أهل الأهواء فيأثمون وكل من اتبع بيان بن سمعان في بدعته التي اشتهرت عند العلماء مقلدًا فيها على حكم الرضاء بها ورد ما سواه فهو في الإثم مع من اتُّبع، وكذلك من اتبع المغيرة بن سعد العجلي الذي ادعي النبوة مدة وزعم أنه يحيي الموتى بالاسم الأعظم وأن لمعبوده أعضاء على حروف الهجاء على كيفية يشمئز منها قلب المؤمن إلى إلحادات أخري، وكذلك من اتبع المهدي المغربي المنسوب إليه كثير من بدع المغرب فهو في الإثم والتسمية مع مَنْ اتبع إذا انتصب ناصرًا لها ومحتجًا عليها وقانا الله شرَّ التعصب على غير بصيرة من الحق بفضله ورحمته». أهـ.
والجهل هو عدم إدراك الشيء على ما هو عليه بخلاف العلم. والجهل يكون بـ:
عدم البلوغ أو الإعراض أو الشك أو التكذيب. فهذه الأربع أصناف جهل. والمعرض والشاك والمكذب جاهل وهو غير معذور، والمعذور إنما يكون لعدم البلوغ، وليس على الإطلاق وله ضوابطه، وسيأتي الحديث عن ذلك تفصيلاً.(2/340)
وإذا كنَّا قد قسمنا الكفر إلى ثلاثة أصناف: عناد، ضلال، إعراض. والضلال ينقسم إلى شك أو تكذيب وعلمنا أن الإعراض والشك والتكذيب جهل فإن الكفر عندئذ ينقسم إلى قسمين: كفر جهل بأنواعه الثلاثة، وكفر عناد، وهذا التقسيم هو الذي يغلب ذكره عند شيخ الإسلام ابن تيمية في ”منهاج السنة“ في تفسير قوله تعالى: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } (1) وغير ذلك من الآيات في غير ذلك من المناسبات وهو ما ذكره أيضًا في الصارم المسلول وقد مرَّ ذكره حيث يقول: «فالكفر أعمُّ من التكذيب يكون تكذيبًا وجهلاً، ويكون استكبارًا وظلمًا، ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالاً وهو الجهل». أهـ.
وكذلك يقول ابن القيم في ”مفتاح دار السعادة“(2): «قالوا: وقد بيَّن القرآن أن الكفر أقسام: أحدها كفر صادر عن جهل وضلال وتقليد الأسلاف وهو كفر أكثر الأتباع والعوام. الثاني: كفر جحود وعناد وقصد مخالفة للحق ككفر من تقدم ذكره وغالب ما يقع هذا النوع فيمن له رياسة علمية في قوم من الكفار أو رياسة سلطانية أو من له مأكل وأموال في قوم فيخاف هذا على رياسته وهذا على ماله ومأكله فيؤثر الكفر على الإيمان عمدًا. الثالث: كفر إعراض محض لا ينظر فيما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا يحبه ولا يبغضه ولا يواليه ولا يعاديه بل هو معرض عن متابعته ومعاداته، وهذان القسمان أكثر المتكلمين ينكرونهما ولا يثبتون الكفر إلا للأول ويجعلون الثاني والثالث كفر الدلالة على الأول لا لأنه كفر في ذاته فليس عندهم الكفر إلا مجرد الجهل، ومن تأمل القرآن والسنة وسير الأنبياء في أممهم ودعوتهم لهم وما جري لهم منهم يخطئ أهل الكلام فيما قالوه». أهـ.
__________
(1) النجم، آية: 2.
(2) مفتاح دار السعادة، ص 94.(2/341)
ويقول ابن القيم عن الإعراض والضلال(1): «اعتراف العبد بقيام الحجة عليه من لوازم الإيمان أطاع أم عصي فإن حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسول وإنزال الكتاب وبلوغ ذلك إليه وتمكنه من العلم به سواء علم أو جهل. فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهي عنه فقصَّر عنه ولم يعرفه فقد قامت عليه الحجة والله سبحانه وتعالى لا يَعذِّبُ أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه فإذا عاقبه على ذنبه عاقبه بحجته على ظلمه قال الله تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } (2)، وقال - عز وجل -: { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ - قَالُوا بَلَى } (3)». أهـ.
ويقول في ”طريق الهجرتين“(4): «واللهُ يقضي بين عباده يومَ القيامة بحكمه وعدله ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل فهذا مقطوع به في جملة الخلق، أما كون زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر وأن الله - سبحانه وتعالى - لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول هذا في أحكام الثواب والعقاب أما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم». أهـ.
__________
(1) مدارج السالكين، ج1، ص 166.
(2) الإسراء، آية: 15.
(3) الملك، الآيتان: 8-9.
(4) طريق الهجرتين، ص 413.(2/342)
ويقول ابن القيم(1): «المرتبة الثامنة مرتبة الإسماع قال الله تعالى: { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاَسْمَعَهُمْ } (2). وقد قال تعالى: { وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ - وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ - وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ - وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلاَ الأمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } (3).
وهذا الإسماع أخصُّ من إسماع الحجة والتبليغ فإن ذلك حاصل لهم وبه قامت الحجة عليهم لكن ذاك إسماع الآذان وهذا إسماع القلوب فإن الكلام له لفظ ومعنى وله نسبه إلى الأذن والقلب وتعلق بهما فسماع لفظه حظ الأذن وسماع حقيقة معناه ومقصوده حظ القلب فإنه سبحانه نفي عن الكفار سماع المقصود والمراد الذي هو حظ القلب وأثبت لهم سماع الآذان الذي هو حظ الأذن في قوله جلَّ وعلا: { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ - لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } (4). وهذا السماع لا يفيد السامع إلا قيام الحجة عليه أو تمكنه منها وأما مقصود السماع وثمرته والمطلوب منه فلا يصل مع لهو القلب وغفلته وإعراضه بل يخرج السامع قائلا للحاضر معه: { مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ } (5)». أهـ.
ويقول أبو بطين(6): «وحجة الله سبحانه قائمة على الناس بإرسال الرسل إليهم وإن لم يفهموا حجج الله وبيناته».
__________
(1) مدارج السالكين، ج1، ص 36.
(2) الأنفال، آية: 23.
(3) فاطر، آيات: 19-22.
(4) الأنبياء، آية: 2.
(5) محمد، آية: 16.
(6) الانتصار لحزب الله الموحدين، ص 13.(2/343)
وفي رسالة ”الكفر الذي يعذر صاحبه بالجهل والذي لا يعذر“ يقول:«وقول الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى: إن التكفير والقتل موقوف على بلوغ الحجة، يدل قوله على أن هذين الأمرين وهما التكفير والقتل ليسا موقوفين على فهم الحجة مطلقًا، بل على بلوغها ففهمها شيء وبلوغها شيء آخر فلو كان هذا الحكم موقوفًا على فهم الحجة لم نكفر ونقتل إلا مَنْ علمنا أنه معاند خاصة وهذا بيِّن البطلان بل آخر كلامه رحمه الله يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفي على كثير من الناس فيما يناقض التوحيد والرسالة كالجهل ببعض الصفات». أهـ.
يقول ابن القيم رحمه الله(1): «وحجة الله تشمل الآيات المسموعة المتلوة والآيات المشهودة المرئية وكلاهما أدلة وآيات على توحيد الله وصدق ما أخبر به رسله فيه. وقد ذمَّ اللهُ في كتابه الذين لا يعقلون آياته المتلوة والمرئية فقال - عز وجل -: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } (2)، { أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لاَ يَعْقِلُونَ } (3)، وقال - عز وجل - عن أصحاب النار: { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } (4)، وقال - عز وجل -: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُون } (5)». أهـ.
ويقول ابن كثير(6): في تفسير قوله تعالى: { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ } (7) أي لأفهمهم ويقول أيضًا: «لامنافاة بين المشركين والمنافقين في هذا لأن كلاً منهم مسلوب الفهم الصحيح والقصد إلى العمل الصالح». أهـ.
__________
(1) المدارج، ج1، ص 52.
(2) البقرة، آية: 171.
(3) يونس، آية: 42.
(4) الملك، آية: 10.
(5) الفرقان، آية: 44.
(6) ابن كثير، ج2، ص 297.
(7) الأنفال، آية: 23.(2/344)
ويقول ابن عبد الوهاب بعد أن يذكر حديث عمرو بن عبسة السلمي ”بصحيح مسلم“: «فما فيه من الاعتبار أن هذا الأعرابي الجاهلي لما ذكر له أن رجلاً بمكة يتكلم في الدين بما يخالف الناس لم يصبر حتي ركب راحلته فقدم عليه وعلم ما عنده لما في قلبه من محبته الدين والخير وهذا فسر به قوله تعالى: { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ } أي حرصًا على تعلم الدين. { لأسْمَعَهُمْ } أي لأفهمهم فهذا يدل على أن عدم الفهم في أكثر الناس اليوم عدل منه سبحانه لما يعلم في قلوبهم من عدم الحرص على تعلم الدين فتبين أن من أعظم الأسباب الموجبة لكون الإنسان من شرِّ الدواب هو عدم الحرص على تعلم الدين. فإذا كان هذا الجاهلي يطلب هذا المطلب فما عذر من ادعي اتباع الأنبياء وبلغه عنهم ما بلغه وعنده من يعرض عليه التعليم ولا يرفع بذلك رأسًا»(1).
__________
(1) مفيد المستفيد، ص 5.(2/345)
أقول: والتفريق بين بلوغ الحجة وفهم الحجة كثير في كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وحفيده الشيخ عبد اللطيف وأبي بطين وابن سحمان وغيرهم نقلاً عن شيخ الإسلام ابن القيم وتوضيحًا لكلام شيخ الإسلام وغيره من العلماء وسنذكر ذلك تفصيلاً فيما بعد والآن ننقل عن ابن سحمان قوله في الضلال يقول في ذلك: «وأما جحد علو الله على خلقه واستوائه على عرشه بذاته المقدسة على ما يليق بجلاله وعظمته وأنه مباين لمخلوقاته وكذلك نفي صفات كماله ونعوت جلاله فهذا لا يشك مسلم في كفر من نفي ذلك لأنه من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام ومما فطر اللهُ عليه جميع خلقه إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته وأدلة ذلك من الكتاب والسنة معلومة مشهورة مقررة لا يخفي ذلك إلا على من أخلد إلى الأرض واتبع هواه وأضله الله على علم وختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله. ثم قال الشيخ: وهل أوقع الإتحادية والحلولية فيما هم عليه من الكفر البواح والشرك العظيم والتعطيل لحقيقة وجود ربِّ العالمين إلا خطؤهم في هذا الباب الذي اجتهدوا فيه فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل وهل قتل الحلاج باتفاق أهل الفتوي على قتله إلا بضلال(1) اجتهاده وهل كفر القرامطة وانتحلوا ما انتحلوه من الفضائح الشنيعة وخلع ربقة الشريعة إلا اجتهادهم فيما زعموا وهل قالت الرافضة ما قالت واستباحت ما استباحت من الكفر والشرك وعبادة الأئمة الاثني عشر وغيرهم
__________
(1) خطأ الباطنية والقرامطة واعتقادهم أن النبوة مكتسبة وهي عندهم من جنس فضيلة العلماء والعباد والشرائع من جنس سياسة الملوك العادلة فلذلك قالوا أن الشريعة إنما هي للعامة فأما الخاصة إذا علموا باطنها فإنه تسقط لهم الواجبات وتباح لهم المحظورات. ويصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية بالجهل ويقول «أن جهلهم جهل نفاق وزندقة وجهل غيرهم جهل بدعة وتأويل» ومع ذلك يقول عنهم أنهم أكفر من اليهود والنصارى. منهاج السنة، ج2 ، ص 238.(2/346)
ومسبة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمِّ المؤمنين إلا اجتهادهم فيما زعموا. هؤلاء(1) سلف العراقي في قوله إن كل خطأ مغفور وهذا لازم لهم لا محيص عنه فقف هنا واستصحب ما ذكر هنا في رد ما يأتي والمقصود أن هؤلاء الجهال أوردوا كلام شيخ الإسلام ظنًا منهم أن كل اجتهاد وكل خطأ مغفور، وأن الجهمية المنكرين لعلو الله على خلقه وعبَّاد القبور المتخذين الأنداد والآلهة من دونه داخلون في هذا الكلام وأنه مغفور لهم خطؤهم سبحانك هذا بهتان عظيم». أهـ.
ونذكر التفريق بين قتال الخوارج للمسلمين وقتال الصحابة بعضهم البعض فهل الفرق أن الخوارج قد قامت عليهم الحجة والصحابة لم تقم عليهم أم أن الجميع قد قامت عليهم الحجة فكل فريق من الصحابة قد عُلِم قوله للفريق الآخر، وعلم قول القاعدين عن القتال لكلا الفريقين وعلم قول الفريقين للقاعدين عن القتال كما علم قول علىّ للخوارج وقول الخوارج لعليّ كرَّم الله وجهه فلا يمكن أن يكون الفعل واحداً والفرق هو قيام الحجة والفرق قائم بين الحكمين مع اتفاقهما في بلوغ الحجة ورغم كون الجميع متأولين فلماذا عذر الصحابة بتأويلهم ولم يعذر الخوارج ولم يعذر مانعي الزكاة وماذاك إلا أن الصحابة لم يُعرضوا أو لم يعترضوا على المصادر المعصومة وأما الخوارج فتأويلهم تأويل مروق من الدين أعرضوا به وعارضوا به المصادر المعصومة، وكذلك من قتلهم عليّ بن أبي طالب كرَّم اللهُ وجهه وحرقهم بالنار ممن قالوا بألوهيته وغير ذلك.
__________
(1) أناس قالوا ذلك قبل العراقي أو قالوه بعده والحالة تحتمل الاثنين.(2/347)
يقول ابن جرير في قوله تعالى(1): { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ } (2) «هذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحدًا على معصية ارتكبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادًا منه لربِّه، لأنه لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلَّ وهو يحسب أنه مهتد وفريق الهدي فرق، وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية».
الحالة الثانية: حالة خفاء العلم أو خفاء الدليل مع اتصال بالرسالات:
الناس فيها صنفان:
من علم التوحيد وعمل به وغابت عنه الشرائع أو بعضها فهذا مسلم مؤمن وجهله بالشرائع أو عدم بلوغها إما أن يسقط تكليفه بها أو يجعلها في مرتبة العفو في حقه.
من استنام لما عليه قومه من عبادة غير الله والتحريم والتحليل بالرأي ووافقهم في اعتقاد ما اعتقدوه من الباطل. فهؤلاء نصَّ العلماء على أنهم غير معذورين مشاركون لأهل عصرهم في المؤاخذة لأنهم وافقوهم في العمل والموالاة والمعاداة على تلك الشرعة فصاروا من أهلها.
يقول الله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } (3).
__________
(1) ابن كثير، ج2، ص 209.
(2) الأعراف، آية: 30.
(3) التوبة، آية: 113.(2/348)
يقول ابن جرير في تفسير الآية(1): «يقول تعالى ذكره ما كان ينبغي للنبيّ محمد - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا به أن يستغفروا. يقول أن يدعوا بالمغفرة للمشركين ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم أولي قربى ـ ذوي قرابة لهم ـ من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم، يقول من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان وتبين لهم أنهم من أهل النار، لأن الله قد قضي أن لا يغفر لمشرك فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربَّهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله، فإن قالوا فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه وهو مشرك فلم يكن استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له وعلم أنه لله عدو خلاَّه وترك الاستغفار له وآثر الله وأمره عليه، فتبرأ منه حين تبين له أمره. واختلف أهل التأويل في السبب الذي نزلت هذه الآية فيه فقال بعضهم: نزلت في شأن أبي طالب عمّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يستغفر له بعد موته فنهاه الله عن ذلك. ذكر من قال ذلك حدثنا محمد بن عبد الأعلي قال حدثنا محمد ابن ثور عن معمر قال لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال: يا عمّ قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله تعالى فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملةِ عبد المطلب؟ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : لأستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك فنزلت { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } (2) ونزلت { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } (3).
__________
(1) تفسير الطبري، ج6، ص490
(2) التوبة، آية: 113.
(3) القصص، آية: 56.(2/349)
حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال: حدثني يونس عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال: «لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل ابن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:« يا عمّ قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله. قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب. فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ويعيد - صلى الله عليه وسلم - له تلك المقالة حتي قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: واللهِ لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } الآية».
حدثني المثني قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل عن عمرو بن دينار أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتي ينهاني عنه ربِّي فقال أصحابه لنستغفرنَّ لآبائنا كما استغفر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعمِّه فأنزل الله: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } إلى قوله { تَبَرَّأَ مِنْهُ } (1)».
__________
(1) التوبة، آية: 113.(2/350)
حدثنا بن وكيع قال حدثنا يزيد بن هارون عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال لما حضر أبا طالب الوفاة أتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل بن هشام فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أي عمّ إنك أعظم الناس عليّ حقًا وأحسنهم عندي يدًا ولأنك أعظم عليّ حقًا من والدي فقل كلمة تجب لك بها الشفاعة يوم القيامة قل لا إله إلا الله»، ثم ذكر نحو حديث بن عبد الأعلي عن محمد بن ثور وقال آخرون: بل نزلت في سبب أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يستغفر لها فمنع من ذلك ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن إسحق قال حدثنا أبو أحمد قال حدثنا فضيل عن عطية قال لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وقف على قبر أمه حتي سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها حتي نزلت { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى } إلى قوله تعالى { تَبَرَّأَ مِنْهُ } .
قال حدثنا أبو أحمد قال حدثنا قيس عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتي رسمًا وأكثر ظنِّي أنه قال قبرًا فجلس إليه فجعل يخاطب ثم قام مستعبرًا فقلت يارسول الله إنَّا رأينا ما صنعت قال: «إنِّي استأذنت ربِّي في زيارة قبر أمي فأذن لي ثم استأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي» فما رؤي باكيًا أكثر من يومئذ.(2/351)
حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمِّي قال: حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا } إلى قوله: { أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يستغفر لأمه فنهاه الله عن ذلك فقال:«إن إبراهيم خليل الله قد استغفر لأبيه فأنزل الله { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ } إلى قوله { لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } ».
وقال آخرون: بل نزلت من أجل أن قومًا من أهل الإيمان كانوا يستغفرون لموتاهم من المشركين فنهوا عن ذلك. ذكر من قال ذلك حدثني المثني قال حدثني عبد الله بن صالح قال: حدثنا معاوية عن على عن ابن عباس قوله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الآية. فكانوا يستغفرون لهم حتي نزلت هذه الآية فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتي يموتوا ثم أنزل الله { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } الآية.(2/352)
حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الآية. ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا يا نبيّ الله إنَّ من آبائنا مَنْ كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بلي واللهِ لأستغفرنَّ لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه». قال: فأنزل الله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الآية. حتي بلغ { الْجَحِيمِ } ثم عذر الله إبراهيم فقال: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قال وذكر لنا أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أوحي إليَّ كلمات فدخلن في أذني ووقرن في قلبي أمرت ألا أستغفر لمن ماتَ مشركًا ومن أعطي فضل ماله فهو خيرٌ له ومن أمسك فهو شرٌّ له ولا يلوم اللهُ على كفاف». واختلف أهل العربية في معنى قوله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } (1) فقال بعض نحويي البصرة معنى ذلك ما كان لهم (المشركين) استغفار وكذلك معنى قوله - عز وجل -: { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ } (2) وما كان لنفسٍ الإيمان إلا بإذن الله. وقال بعض نحويي الكوفة معناه ما كان ينبغي لهم أن يستغفروا لهم قال وكذلك إذا جاءت «أن» مع «كان» فكلها بتأويل ينبغي: { وَمَا كَانَ لِنَبيٍّ أَن يَغُلََّ } (3) ما كان ينبغي له، ليس هذا من أخلاقه قال: فلذلك إن دخلت «أن» تدل على الاستقبال لأن ينبغي تطلب الاستقبال أما قوله: { وَمَا
__________
(1) التوبة، آية: 113.
(2) يونس، آية: 100.
(3) آل عمران، آية: 161.(2/353)
كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } فإن أهل العلم اختلفوا في السبب الذي أنزل فيه.
فقال بعضهم: أنزل من أجل أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا يستغفرون لموتاهم المشركين ظنًا منهم أن إبراهيم خليل الرحمن قد فعل ذلك حين أنزل الله - عز وجل - قوله خبرًا عن إبراهيم- صلى الله عليه وسلم -: { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } (1) وقد ذكرنا الرواية عن بعض من حضرنا ذكره وسنذكر عمن لم نذكره. حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن على قال سمعت رجلاً يستغفر لوالديه وهما مشركان فقلت: أيستغفر الرجل لوالديه وهما مشركان؟ قال: أوَلمْ يستغفر إبراهيم لأبيه؟ قال: فأتيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك فأنزل الله { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } حدثنا ابن بشار قال حدثني يحيي عن سفيان عن أبي إسحق عن أبي الخليل عن علىّ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يستغفر لأبويه وهما مشركان حتي نزلت { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } وقيل { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ } ومعناه إلا من بعد موعدة كما يقال ما كان هذا الأمر إلا عن سبب كذا بمعنى من بعد ذلك السبب أو من أجله فكذلك قوله - عز وجل -: { إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ } من أجل موعدة وبعدها.
__________
(1) مريم، آية: 47.(2/354)
وقد تأول قوم قول الله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى } الآية. أن النهي من الله عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم لقوله: { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } وقالوا ذلك لا يتبيَّنَه أحد إلا بأن يموت على كفره وأما وهو حي فلا سبيل إلى علم ذلك فللمؤمنين أن يستغفروا لهم ذكر من قال ذلك.
حدثنا سليمان بن عمر الرقي حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن الشيباني عن سعيد بن جبير قال: مات رجلٌ يهودي وله ابن مسلم فلم يخرج معه فذُكر ذلك لابن عباس فقال: «كان ينبغي أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح مادام حيًا فإذا مات وكله إلى شأنه ثم قال: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } لم يدع».(2/355)
حدثنا ابن وكيع قال حدثنا فضيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال: مات رجلٌ نصراني فوكله ابنه إلى أهل دينه فأتيت ابن عباس فذكرت ذلك له فقال: ما كان عليه لو مشي معه وأجنَّه واستغفر له ـ مادام(1) حيًا فإذا مات وكله إلى شأنه ـ ثم تلا { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ } الآية. وتأول آخرون الاستغفار بمعنى الصلاة وتأول آخرون بمعنى الدعاء. حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن عصمة بن راشد عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: «رحم الله رجلاً استغفر لأبي هريرة وأمه قلت ولأبيه قال: «لا إن أبي مات وهو مشرك» وقال أبو جعفر وقد دللنا على أن معنى الاستغفار مسألة العبد ربَّه غفر الذنوب ومسألة العبد ربه ذلك قد تكون في الصلاة وفي غير الصلاة فلم يكن أحد القولين الذين ذكرنا فاسدًا لأن الله عزَّ وجلَّ عمَّ بالنهي عن الاستغفار للمشرك من بعد ما تبين لهم أنهم من أصحاب الجحيم ولم يخصص من ذلك حالاً أباح فيها الاستغفار له أما قوله - عز وجل -: { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } فإن معناه ما قد بينت من أنه من بعد ما تعلمون بموته كافرًا أنه من أهل النار وقيل أصحاب الجحيم لأنهم سكانها وأهلها الكائنون فيها كما يقال لسكان الدار هؤلاء أصحاب هذه الدار بمعنى سكانها وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك. حدثني المثني قال حدثنا إسحق قال حدثنا عبد الرازق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله - عز وجل -: { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } قال تبين للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن أبا طالب حين مات أن التوبة قد انقطعت عنه حدثنا محمد بن عبد الأعلي قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة قال تبين له حين مات وعلم أن التوبة قد انقطعت عنه يعني في قوله
__________
(1) ليست في النص تم إضافتها لتوضيح المعني اعتماداً علي النص السابق.(2/356)
- عز وجل -: { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } حُدثتُ عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك في قوله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } (1) الآية. يقول: إذا ماتوا مشركين يقول الله: { إنَّه مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ } (2) الآية.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قال بعضهم: فلما تبين له بموته مشركًا بالله تبرأ منه وترك الاستغفار له ذكر من قال ذلك. حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال مازال إبراهيم يستغفر لأبيه حتي مات، فلما تبين له أنه عدوٌ لله تبرأ منه.
حدثنا ابن وكيع قال: حدثني أبي عن سفيان عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مازال إبراهيم يستغفر لأبيه حتي مات فلما مات تبين له أنه عدوٌ لله. حدثني الحرث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا سفيان عن حبيب عن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتي مات فلما مات لم يستغفر له. حدثني المثني قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية عن علىّ عن ابن عباس: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } (3) يعني استغفر له ما كان حيًا فلما مات أمسك عن الاستغفار له.
__________
(1) التوبة، آية: 113.
(2) المائدة، آية: 72.
(3) التوبة، آية: 113.(2/357)
حدثني مطر بن محمد الضبي قال: حدثنا أبو عاصم وأبو قتيبة مسلم بن قتيبة قالا حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد في قوله - عز وجل -: { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قال: لما مات. حدثنا محمد بن المثني قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد مثله.
حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثني عيسي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ } قال: «موته وهو كافر». حدثنا بن وكيع قال حدثنا أبي عن شعبة عن الحكم عن مجاهد مثله. قال حدثنا البراء بن عتبة عن أبيه عن الحكم فلما تبين له أنه عدوٌ لله قال حين مات ولم يؤمن. حدثني المثني قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل عن عمرو بن دينار { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ } موته وهو كافر. قال حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك في قوله - عز وجل - { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّه } قال: لما مات على شركه تبرأ منه. حُدثتُ عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد الله بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله - عز وجل -: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ } كان إبراهيم صلوات الله عليه يرجو أن يؤمن أبوه مادام حيًا فلما مات على شركه تبرأ منه. حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد: { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قال موته وهو كافر. حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مازال إبراهيم يستغفر لأبيه حتي مات فلما مات تبين له أنه عدوٌ لله فلم يستغفر له.(2/358)
قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا أبو إسرائيل عن على بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّه } قال: لما مات. وقال آخرون: معناه لما تبين له في الآخرة وذلك أن أباه يتعلق به إذا أراد أن يجوز الصراط فيمر به عليه حتي إذا كاد أن يجاوزه حانت من إبراهيم التفاتة فإذا هو بأبيه في صورة قرد أو ضبع فخلي عنه وتبرأ منه حينئذ. يقول ابن جرير وأولي الأقوال في ذلك بالصواب قول الله وهو خبره عن إبراهيم أنه لما تبين أن أباه لله عدوٌ تبرأ منه وذلك حال علمه ويقينه أنه لله عدو وهو به مشرك وهو حال موته على شركه». أهـ.
يقول الله - عز وجل -: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (1)، وقوله - عز وجل -: { فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (2).
يقول النسفي(3): « { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ } أي إن تعذب من كفر منهم { فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } الذين علمتهم جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك. وأنت العادل في ذلك فإنهم كفروا بعد وجوب الحجة عليهم { وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ } أي لمن أقلع منهم وآمن، فذلك فضلٌ منك. وأنت عزيزٌ لا يمتنع عليك ما تريد حكيمٌ في ذلك. أوعزيزٌ قويٌ قادرٌ على الثواب حكيمٌ لا يعاقب إلا عن حكمة وصواب».
ومعنى المغفرة في الآيتين: ”التوفيق إلى التوبة“ فمن وفقه الله إلى التوبة من المشركين فمات على التوحيد والتوبة عن عبادة غير الله وعن الصاحبة والولد فقد غفر الله له سالف شركه وكفره وردته، وأراد الله به خيرًا وله في ذلك طلاقة المشيئة وهو حكيمٌ فيما يفعل ويفعل ما يشاء.
__________
(1) المائدة، آية: 118.
(2) إبراهيم، آية: 36.
(3) تفسير النسفي، ج1، ص451، المطبعة الأميرية ببولاق.(2/359)
وقول إبراهيم - عليه السلام - { وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي قادر على هدايته إن شئت فتتوب عليه ليتوب وذلك رحمة من الله له ومن أراد أن يختم على قلبه فيموت على شركه وكفره فيأخذه به فإنهم عباده وهم مستحقون لذلك بشركهم وكفرهم وهو أعلم بمن خلق فمن شاء عاقبه على شركه بأن يختم على قلبه فيموت عليه ومن شاء أن يتوب عليه ليتوب ويموت على التوحيد ويغفر له شركه بأن يوفقه إلى التوبة ويميته على الإسلام فهذا منه رحمة بخلقه. ومعنى استغفارنا للمشرك وهو حيٌّ هو أن يوفقه الله إلى التوبة فيموت مسلمًا موحدًا ومن لم يتبين لنا أنه عدوٌ لله بموته على الشرك جاز لنا أن نستغفر له.(2/360)
وفي الآيات دليل على أن مَنْ مات على الشرك قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو من أصحاب الجحيم وذلك أنه نهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا قبل البعثة أو بعدها فشمل النهي الاثنين معًا على سواء، وعلي ذلك فمن مات مشركًا قبل بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن نهي الله عن الاستغفار له ووصفهم بأنهم أصحاب الجحيم لا يمتحنون في عرصات يوم القيامة لأن من يمتحن في عرصات يوم القيامة لم يتبين لنا أنه من أصحاب الجحيم فجاز أن نستغفر له ويكون معنى استغفارنا له أن يوفقه الله إلى الطاعة في هذا الامتحان فيدخل الجنة فالنهي عن الاستغفار لهؤلاء ووصفهم بأنهم أصحاب الجحيم ينفي امتحانهم في العرصات الذي يجيز الاستغفار لهم والذي يتيح لبعضهم دخول الجنة في حالة الطاعة في هذا الامتحان فلا نقطع بأنهم من أصحاب الجحيم ومن ثم يجوز الاستغفار لهم ولو كان أباء المؤمنين وأمهاتهم ممن مات قبل البعثة في أحلك ظلمات الجهل يمتحنون في العرصات لاستغفروا لهم ولما نهاهم الله عن ذلك ولا قطع بأنهم من أصحاب الجحيم وإن ذلك تبيَّن للمؤمنين بموتهم على الشرك فإذا ماتوا على الشرك معذورين بجهلهم قبل الرسالة وكان أمرهم مرجأ لحين هذا الامتحان إما إلى الجنة أو إلى النار لما كان المؤمنون قد تبين لهم أنهم من أصحاب الجحيم ومن ثم لم يكن هناك مجال للنهي عن الاستغفار لهم وحالة الجهل تشملهم جميعًا ولا مجال للتفريق أو لتخصيص الآية بمن يعلم لأن النهي عمَّ جميع من مات مشركًا قبل البعثة أو بعدها بمن تنزلت عليهم الآيات ولو لم يكن النهي عامًا لكان كل من لم يتبيَّن له من الصحابة أن آباءه في الجاهلية من أصحاب الجحيم بعذرهم بجهلهم حتي يتحدد مصيرهم بالامتحان يوم القيامة جائزًا له أن يستغفر لأبائه وأمهاته ممن مات قبل البعثة ولو حدث ذلك لنُقل إلينا عنهم فإنه أمر تعم به البلوي وتتوفر الدواعي على نقله وعدم نقله يدل على عدم وقوعه. لأنه مما يدخل(2/361)
تحت قاعدة عدم البيان في موضع البيان بيان للعدم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مثل ذلك(1):«منها أن يروي خلاف ما علم بالتواتر والاستفاضة مثل أن نعلم أن مسيلمة الكذاب ادعي النبوة واتَّبعه طوائف كثيرة من بني حنيفة فكانوا مرتدين لإيمانهم بهذا المتنبئ الكذاب، وأن أبا لؤلؤة قاتل عمر كان مجوسيًا كافرًا، وأن الهرمزان كان مجوسيًا أسلم، وأن أبا بكر كان يصلي بالناس مدة مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخلفه في الإمامة بالناس لمرضه وأن أبا بكر وعمر دفنا في حجرة عائشة مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومثل ما يعلم من غزوات النبيّ - صلى الله عليه وسلم - التي كان فيها القتال كبدر ثم أحد ثم الخندق ثم خيبر ثم فتح مكة ثم غزوة الطائف والتي لم يكن فيها قتال كغزوة تبوك وغيرها وما نزل من القرآن في الغزوات كنزول الأنفال بسبب بدر ونزول آخر آل عمران بسبب أحد ونزول أولها بسبب نصارى نجران ونزول سورة الحشر بسبب بني النضير ونزول الأحزاب بسبب الخندق ونزول سورة الفتح بسبب صلح الحديبية ونزول براءة بسبب غزوة تبوك وغيرها وأمثال ذلك فإذا روي في الغزوات وما يتعلق بها ما يعلم أنه خلاف الواقع علم أنه كذب مثل ما يروي هذا الرافضي وأمثاله من الرافضة وغيرهم من الأكاذيب الباطلة الظاهرة في الغزوات كما تقدم التنبيه عليه ومثل أن يعلم نزول القرآن في أي وقت كان كما يعلم أن سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال وبراءة نزلت بعد الهجرة في المدينة وأن الأنعام والأعراف ويونس وهود ويوسف والكهف وطه ومريم واقتربت الساعة وهل أتي على الإنسان وغير ذلك نزلت قبل الهجرة بمكة وأن المعراج كان بمكة وأن الصفة كانت بالمدينة وأن أهل الصفة كانوا من جملة الصحابة الذين لم يقاتلوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يكونوا ناسًا معينين بل كانت الصفة منزلاً ينزل بها من لا أهل له من الغرباء القادمين وممن
__________
(1) منهاج السنة، ج4، ص 117.(2/362)
دخل فيهم سعد ابن أبي وقاص وأبو هريرة وغيرهم من صالحي المؤمنين وكالعرنيين الذين ارتدوا عن الإسلام فبعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في آثارهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون وأمثال ذلك من الأقوال المعلومة فإذا روي الجاهل نقيض ذلك علم أنه كذب ومن الطرق التي يعلم بها الكذب أن ينفرد الواحد والاثنان بما يعلم أنه لو كان واقعًا لتوفرت الهمم والدواعي على نقله فإنه من المعلوم أنه لو أخبر الواحد ببلد عظيم بقدر بغداد والشام والعراق لعلمنا كذبه في ذلك لأنه لو كان موجودًا لأخبر به الناس وكذلك لو أخبرنا بأنه تولي رجل بين عمر وعثمان أو تولي بين عثمان وعلى أو أخبرنا بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يؤذن له في العيد أو في صلاة الكسوف أو الاستسقاء أو أنه كان يقام بمدينته يوم الجمعة أكثر من جمعة واحدة أو يصلي يوم العيد أكثر من عيد واحد أو أنه كان يصلي العيد بمني يوم العيد أو أن أهل مكة كانوا يتمون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومني خلفه، أوأنه كان يجمع بين الصلاتين بمني كما كان يقصر أو أنه فرض صوم شهر آخر غير رمضان أو أنه فرض صلاة سادسه وقت الضحي أو نصف الليل أو أنه فرض حج لبيت آخر غير الكعبة أو أن القرآن عارضه طائفة من العرب أو غيرهم بكلام يشابهه ونحو هذه الأمور لكنا نعلم كذب هذا الكاذب فإنَّا نعلم انتفاء هذه الأمور بانتفاء لازمها فإن هذه لو كانت لكانت مما يتوفر الهمم والدواعي على نقلها عامة لبني آدم وخاصة لأمتنا شرعًا فإذا لم ينقلها أحد من أهل العلم فضلاً عن أن تتواتر علم أنها كذب». أهـ.
وخلاصة القول هنا أن الأمر لا يخرج عن ثلاثة احتمالات للعذر:(2/363)
الاحتمال الأول: أن يكون المشركون قبل البعثة معذورين بجهلهم في التوحيد جهلاً يدخلهم الجنة بإسلام الفطرة كما يقول المبتدعة في عصرنا هذا أو يجعلهم يمتحنون في العرصات كما قد يظن بعض العلماء خطأ في الاستدلال وأن يشملهم العذر جميعًا، فمن هنا تتوافر همم الصحابة من أبنائهم على الاستغفار لهم مع حرصهم على هذا واهتمامهم به لأنهم آباؤهم وقد كان منهم من يحمل الكل ويعين على نوائب الحق ويصل الرحم ويحسن الجوار ويفك العاني ويوفي بالذمم ولما كان هناك مجال لنهيهم عن الاستغفار.
الاحتمال الثاني: أن يشمل العذر الجميع ما عدا بعض المعينين فينصب النهي عن الاستغفار لهؤلاء المعينين وتبقي الإجازة عامة في غيرهم.
الاحتمال الثالث: أن يكون الغالب هو العذر والنادر غير المعين غير معذور لوضع يخصه هو وفي هذه الحالة أيضًا لا يكون هناك مجال للنهي عن الاستغفار لأننا نصلي على المسلمين لأن الظاهر الغالب في شأنهم التوحيد مع أن منهم من يموت على الشرك الأعظم دون أن نعلم فلا يكون هذا سببًا في النهي عن الصلاة على الجميع. فلما وجدنا النهي عامًا شاملاً وأن الصحابة جميعهم أمسكوا عن الاستغفار لآبائهم وأمهاتهم ممن مات في الجاهلية بعد النهي فلم ينقل عن واحد منهم خلاف هذا الإمساك مع حرصهم على الاستغفار لو كان جائزًا علمنا علمًا يقينيًا أنهم أيقنوا أن كل من مات على الشرك من آبائهم وأمهاتهم وعامة الناس في الجاهلية أنهم أصحاب الجحيم وأنه لا مجال للامتحان في العرصات مطلقًا لهؤلاء لأن الممتحن في العرصات كالأحياء من المشركين يجوز الاستغفار لهم لبقاء الاحتمال للتوبة والموت على التوحيد في حق الأحياء وبقاء الاحتمال بتوفيق الله في امتحان العرصات فيدخل صاحبه الجنة إذا أطاع الله في هذا الموقف ويكون معنى الاستغفار الدعاء بالموت على التوحيد أو الدعاء بالتوفيق إلى الطاعة في موقف العرصات.(2/364)
ولو كان ثمة عذر لنقل عن الصحابة نقلاً متواترًا لأنهم أعلم بهذا منا وأحوج إلى علم هذا منا وللموضوع تكملة لمزيد إيضاح كما نقل عنهم خلافًا للخوارج والمعتزلة القول بالشفاعة يقول ابن حجر - رضي الله عنه - في ”فتح الباري“: «وأن من مات مسلمًا دخل الجنة ولم يخلد في النار نقلاً نقطع معه بكذب من يخالفه أو خطئه».
وهذا هو الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ونفع بعلمه ـ يقول عن الإعذار بالجهل في التوحيد بأنه بدعة. وقبله قرر هذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبو بطين وابن سحمان والشيخ عبد اللطيف وغيرهم وغيرهم من العلماء مع أن هذا الأمر لو كان لكان الصحابة أعلم به وأحوج إلى علمه لأنه كان يتعلق بآبائهم تعلقًا مباشرًا وهمْ كانوا أحرص شيء على أن يكون لأبائهم نوعٌ من العذر أو وجهٌ من النجاة لو كان ثمة سبيل إلى ذلك ولو كان ذلك كذلك مع حرصهم عليه لنقل عنهم إثباته كما نقل عنهم أن من مات مسلمًا لا يخلد في النار مع حرصهم عليه وفرحهم به لما فيه من الرجاء.(2/365)
يقول البخاري باب ”قوله { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } (1)“: «حدثني عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما توفي عبد الله بن أبيّ جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك ربُّك أن تصلي عليه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنَّما خيرني اللهُ تعالى فقال: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّة } وسأزيده على السبعين. قال: إنه منافق قال فصلي عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِه } (2). حدثنا يحيي بن بكير حدثنا الليث عن عقيل وقال غيره حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «لما مات عبد الله بن أبيّ بن سلول دُعي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت إليه فقلت: يا رسول الله أتصلي على ابن أبيّ وقد قال يوم كذا: كذا وكذا. قال: أعدد عليه قوله فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال: «إنِّي خُيِّرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها» قال فصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرًا حتي نزلت الآيتان من براءة { وَلاَ
__________
(1) التوبة، آية: 80.
(2) التوبة، آية: 84.(2/366)
تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا } إلى قوله: { وَهُمْ فَاسِقُونَ } قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم.
باب ”قوله: { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِه } “
حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال: لما توفي عبد الله بن أبيّ جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه قميصه وأمره أن يكفنه فيه ثم قام يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال: تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم. قال: إنما خيرني الله أو أخبرني الله فقال - صلى الله عليه وسلم -: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُم } (1) فقال - صلى الله عليه وسلم -: سأزيده على سبعين قال: فصلي عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلينا معه ثم أنزل الله عليه { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُون } .
__________
(1) التوبة، آية: 80.(2/367)
يقول ابن حجر في ”الشرح“(1): «قوله لما توفي عبد الله بن أبيّ» ذكر الواقدي ثم الحاكم في الإكليل أنه مات بعد منصرفهم من تبوك وذلك في ذي القعدة سنة تسع وكانت مدة مرضه عشرين يومًا ابتداؤها من ليال بقيت من شوال قالوا: وكان قد تخلف هو ومن تبعه عن غزوة تبوك وفيهم نزلت { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } (2) الآية. وهذا يدفع قول ابن التين أن هذه القصة كانت في أول الإسلام قبل تقرير الأحكام. إلى أن يقول: قوله: «فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » في حديث ابن عباس عن عمر ثاني حديثي الباب فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي حديث الترمذي من هذا الوجه فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه وثبت إليه فقلت: يا رسول الله أتصلي على ابن أبيّ وقد قال يوم كذا: كذا وكذا أُعدد عليه قوله يشير بذلك إلى مثل قوله - عز وجل - { لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا } (3)، وإلي مثل قوله - عز وجل - { لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلّ } (4) وسيأتي بيانه في تفسير المنافقين. قوله:«فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك ربُّك أن تصلي عليه» كذا في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة وقد استشكل جدًا حتي أقدم بعضهم فقال هذا وهم من بعض رواته وعاكسه غيره فزعم أن عمر اطلع على نهي خاص في ذلك وقال القرطبي لعل ذلك وقع في خاطر عمر فيكون من قبيل الإلهام ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله - عز وجل - { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } (5) الآية. قلت: الثاني يعني ما قاله القرطبي أقرب من الأول لأنه لم يتقدم النهي عن الصلاة على
__________
(1) فتح الباري، ج 8، ص 185-191.
(2) التوبة، آية: 47.
(3) المنافقون، آية: 7.
(4) المنافقون، آية: 8.
(5) التوبة، آية: 113.(2/368)
المنافقين بدليل أنه قال في آخر هذا الحديث قال: فأنزل الله { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا } (1) والذي يظهر أن في رواية الباب تجوزًا بينته الرواية التي في الباب بعده من وجه آخر عن عبد الله بن عمر بلفظ فقال: تصلي عليه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم وروي عبد بن حميد والطبري من طريق الشعبي عن ابن عمر عن عمر قال أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي على عبد الله بن أبيّ فأخذت بثوبه فقلت والله ما أمرك الله بهذا لقد قال: { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } (2) ووقع عند ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فقال عمر: أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ قال: أين؟ قال: قال تعالى: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الآية وهذا مثل رواية الباب فكأن عمر قد فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب من أن «أو» ليست للتخيير بل للتسوية في عدم الوصف أي أن الاستغفار لهم وعدم الاستغفار سواء وهو كقوله تعالى: { سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } (3) لكن الثانية(4) أصرح ولهذا ورد أنها نزلت بعد هذه القصة كما سأذكره وفهم عمر أيضًا من قوله سبعين مرة: إنها للمبالغة وأن العدد المعين لا مفهوم له بل المراد نفي المغفرة لهم ولو كثر الاستغفار فيحصل من ذلك النهي عن الاستغفار فأطلقه، وفهم أيضًا أن المقصود الأعظم من الصلاة على الميت طلب المغفرة للميت والشفاعة له فلذلك استلزم عنده النهي عن الاستغفار ترك الصلاة فلذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة ولهذه الأمور استنكر إرادة الصلاة على عبد الله بن أبيّ. إلى قوله: «إنِّما
__________
(1) التوبة، آية: 84.
(2) التوبة، آية: 80.
(3) المنافقون، آية: 6.
(4) قوله تعالى: { سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الآية.(2/369)
خيَّرني اللهُ فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيدُه على السبعين» في حديث ابن عباس عن عمر من الزيادة فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال إنِي خيرتُ فاخترت أي خيرت بين الاستغفار وعدمه وقد بين ذلك حديث ابن عمر حيث ذكر الآية المذكورة وقوله في حديث ابن عباس عن عمر لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له(1) لزدت عليها، وحديث ابن عمر جازم بقصة الزيادة وآكد منه ما روي عبد بن حميد من طريق قتادة قال: لما نزلت { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد خيرني ربِّي فواللهِ لأزيدن على السبعين وأخرجه الطبري من طريق مجاهد مثله والطبري أيضًا وابن أبي حاتم من طريق هشام بن عروة عن أبيه مثله وهذه طرقه وإن كانت مراسيل فإن بعضها يعضد بعضًا.
__________
(1) لم يقل لهم لأنه أراد ذلك على سبيل الاستثناء كرامة للأنصار عند الله وعند رسوله وكرامة للرسول عند الله - عز وجل - حيث لم يتأكد النهي كقول نوح: { ربِّ إنَّ ابني مِنْ أهلِى } .(2/370)
وقد خفيت هذه اللفظة على من خرَّج أحاديث المختصر والبيضاوي واقتصروا على ما وقع في حديثي الباب ودلَّ ذلك على أنه - صلى الله عليه وسلم - أطال في حال الصلاة عليه من الاستغفار له وقد ورد ما يدل على ذلك فذكر الواقدي أن مجمع بن جاريه قال ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطال على جنازة قط ما أطال على جنازة عبد الله بن أبيّ من الوقوف. وروي الطبري من طريق مغيرة عن الشعبي قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله - عز وجل -: { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } فأنا أستغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين» وقد تمسك بهذه القصة من جعل مفهوم العدد حجة وكذا مفهوم الصفة من باب الأولي ووجه الدلالة أنه - صلى الله عليه وسلم - فهم أن ما زاد على السبعين بخلاف السبعين فقال سأزيد على السبعين وأجاب من أنكر القول بالمفهوم بما وقع في بقية القصة وليس ذلك بدافع للحجة لأنه لو لم يقم الدليل على أن المقصود بالسبعين المبالغة لكان الاستدلال بالمفهوم باقيًا، قوله: «قال إنه منافق تصلي عليه» أما جزم عمر بأنه منافق فجرى على ما كان يطلع عليه من أحواله وإنما لم يأخذ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله وصلى عليه إجراء له على ظاهر حكم الإسلام كما تقدم تقريره واستصحابًا لظاهر الحكم ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الاستئلاف لقومه ودفع المفسدة وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر يصبر على أذي المشركين ويعفو ويصفح ثم أمر بقتال المشركين. فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الإسلام ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه ولذلك قال: لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه. فلما حصل الفتح ودخل المشركون في الإسلام وقلَّ أهل الكفر وذلوا أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر الحق لاسيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على(2/371)
المنافقين وغير ذلك مما أمر فيه بمجاهرتهم وبهذا التقرير يندفع الإشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى. قال الخطابي: إنما فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ما فعل مع عبد الله بن أبيّ لكمال شفقته على من تعلق بطرف من الدين ولتطييب قلب ولده عبد الله الرجل الصالح ولتألف قومه من الخزرج لرياسته فيهم فلو لم يجب سؤال ابنه وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح لكان سبّة على ابنه وعاراً على قومه فاستعمل أحسن الأمرين في السياسة إلى أن نُهي فانتهى. وتبعه ابن بطال وعبَّر بقوله ورجا أن يكون معتقدًا لبعض ما كان يظهره من الإسلام وتعقبه ابن المنير بأن الإيمان لا يتبعض وهو كما قال لكن مراد ابن بطال أن إيمانه كان ضعيفًا. قلت: وقد مال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أبيّ لكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى عليه وذهل عن الوارد من الآيات والأحاديث المصرحة في حقه بما ينافي ذلك ولم يقف على جواب شاف في ذلك فأقدم على الدعوى المذكورة !!! وهو محجوج بإجماع من قبله على نقيض ما قال وإطباقهم على ترك ذكره في كتب الصحابة مع شهرته وذكر من هو دونه في الشرف والشهرة بأضعاف مضاعفة وقد أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه القصة فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِه } (1) قال فذكر لنا أن نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «وما يغني عنه قميصي من الله وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه» قوله فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِه } زاد عن مسدد في حديثه عن يحيي القطان عن عبد الله بن عمر في آخره «فترك الصلاة عليهم» أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه عن مسدد وحماد بن زادان عن يحيي وقد أخرجه البخاري في الجنائز عن مسدد بدون هذه الزيادة، وفي حديث عبد الله بن عباس
__________
(1) التوبة، آية: 84.(2/372)
- رضي الله عنه - «فصلي عليه ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرًا حتي نزلت» زاد ابن إسحق في المغازي قال: حدثني الزهري بسنده في ثاني حديثي الباب قال: «فما صلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على منافق بعده حتي قبضه الله» ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي حاتم وأخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن إسحق فزاد فيه «ولا قام على قبره» وروي عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: لما نزلت { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } (1) قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - :«لأزيدن على السبعين» فأنزل الله تعالى: { سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ورجاله ثقات مع إرساله ويحتمل أن تكون الآيتان مما نزلتا في ذلك.
الحديث الثاني وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: «إنما خيرني الله أو أخبرني الله» كذا وقع ضمرة الذي أخرج بالشك وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبي البخاري عن طريقه بلفظ «إنما خيرني الله» بغير شك وكذا في أكثر الروايات بلفظ التخيير بين الاستغفار وعدمه كما تقدم واستشكل فهم التخيير من الآية حتي أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين أخرجوا الصحيح على تصحيحه وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الاطلاع على طرقه، قال ابن المنير مفهوم الآية زلت فيه الأقدام حتي أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث وقال لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن الرسول قاله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى.
__________
(1) التوبة، آية: 80.(2/373)
ولفظ القاضي أبي بكر الباقلاني في التقريب هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها وقال إمام الحرمين في مختصره هذا الحديث غير مخرج في الصحيح وقال في البرهان لا يصححه أهل الحديث وقال الغزالي في المستصفي الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح وقال الداوودي الشارح هذا الحديث غير محفوظ. والسبب في إنكارهم صحته ما تقرر عندهم مما قدمناه وهو الذي فهمه عمر - رضي الله عنه - من حمل «أو» على التسوية لما يقتضيه سياق القصة وحمل السبعين على المبالغة، قال ابن المنير ليس عند أهل البيان تردد أن التخصيص بالعدد في هذا السياق غير مراد. انتهى.(2/374)
وأيضًا فشرط القول بمفهوم الصفة وكذا العدد عندهم مماثلة المنطوق للمسكوت وعدم فائدة أخري وهنا للمبالغة فائدة واضحة فأشكل قوله سأزيد على السبعين مع أن حكم ما زاد عليها حكمها وقد أجاب بعض المتأخرين عن ذلك قال بأنه إنما قال سأزيد على السبعين استمالة لقلوب عشيرته لا أنه أراد إن زاد على السبعين يغفر له ويؤيده تردده في ثاني حديثي الباب حيث قال: «لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت» ولكن قدمنا أن الرواية ثبتت بقوله سأزيد ووعده صادق ولاسيما وقد ثبت قوله لأزيدن بصيغة المبالغة في التأكيد وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون فعل ذلك استصحابًا للحال لأن جواز المغفرة بالزيادة كان ثابتًا قبل مجئ الآية فجاز أن يكون باقيًا على أصله في الجواز وهذا جواب حسن وحاصله أن العمل بالبقاء على حكم الأصل مع فهم المبالغة لا يتنافيان فكأنه جوَّز أن المغفرة تحصل بالزيادة على السبعين لا أنه جازم بذلك ولا يخفي ما فيه وقيل إن الاستغفار يتنزل منزلة الدعاء والعبد إذا سأل ربَّه حاجة فسؤاله إياه يتنزل منزلة الذكر لكنه من حيث طلب بتعجيل حصول المطلوب ليس عبادة فإذا كان كذلك والمغفرة في نفسها ممكنة وتعلق العلم بعدم نفعها لا يغير ذلك فيكون طلبها لا لغرض حصولها بل لتعظيم المدعو فإذا تعذرت المغفرة عوض الداعي عنها ما يليق به من الثواب أو دفع السوء كما ثبت في الخبر. وقد يحصل بذلك عن المدعو لهم تخفيف كما في قصة أبي طالب هذا معنى ما قاله ابن المنير وفيه نظر لأنه يستلزم مشروعية طلب المغفرة لمن تستحيل له المغفرة شرعًا وقد ورد إنكار ذلك في قوله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } (1). ووقع في أصل هذه القصة إشكال آخر وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - أطلق أنه خير بين الاستغفار لهم وعدمه بقوله تعالى { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } (2)
__________
(1) التوبة، آية: 113.
(2) التوبة، آية: 80.(2/375)
وأخذ بمفهوم العدد من السبعين فقال سأزيد عليها مع أنه قد سبق قبل ذلك بمدة طويلة نزول قوله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى } (1) الآية. فإن هذه الآية كما سيأتي في تفسير هذه السورة قريبًا نزلت في قصة أبي طالب حين قال - صلى الله عليه وسلم - :«لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فنزلت وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقًا وقصة عبد الله بن أبيّ هذه في السنة التاسعة من الهجرة كما تقدم فكيف يجوز مع ذلك الاستغفار للمنافقين مع الجزم بكفرهم في نفس الآية. وقد وقفت على جواب لبعضهم عن هذا حاصله أن المنهي عنه استغفار ترجي إجابته حتي يكون مقصوده تحصيل المغفرة لهم كما في قصة أبي طالب بخلاف استغفار لمثل عبد الله بن أبي فإنه استغفار لقصد تطييب قلوب من بقي منهم وهذا الجواب ليس بمرضي عندي.
__________
(1) التوبة، آية: 113.(2/376)
ونحوه قول الزمخشري فإنه قال: فإن قلت كيف خفى على أفصح الخلق وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته أن المراد بهذا العدد أن الاستغفار ولو كثر لا يجدي ولاسيما وقد تلاه قوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِه } (1)الآية. فبين الصارف عن المغفرة لهم، قلت لم يخف عليه ذلك ولكنه فعل ما فعل وقال ما قال إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه وهو كقول إبراهيم - عليه السلام -: { وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (2). وفي إظهار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الرأفة المذكورة لطف بأمته وباعث على رحمة بعضهم بعضًا. انتهى. وقد تعقبه ابن المنير وغيره وقالوا لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرسول لأن الله عزَّ وجلَّ أخبر أنه لا يغفر للكفار وإذا كان لا يغفر لهم فطلب المغفرة لهم مستحيل وطلب المستحيل لا يقع من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومنهم من قال إن النهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا لا يستلزم النهي عن الاستغفار لمن مات مظهرًا الإسلام لاحتمال أن يكون معتقده صحيحًا وهذا جواب جيد وقد قدمت البحث في هذه الآية في كتاب الجنائز والترجيح أن نزولها كان متراخيًا عن قصة أبي طالب جدًا وأن الذي نزل في قصته { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } وحررت دليل ذلك هناك إلا أن في بقية هذه الآية من التصريح بأنهم كفروا بالله ورسوله ما يدل على أن نزول ذلك وقع متراخيًا عن القصة ولعل الذي نزل أولاً وتمسك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - به قوله تعالى: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } (3) إلى هنا خاصة ولذلك اقتصر في جواب عمر على التخيير وعلي ذكر السبعين فلما وقعت القصة المذكورة كشف الله عنهم الغطاء وفضحهم على رؤوس الملأ ونادي عليهم بأنهم
__________
(1) التوبة، آية: 80.
(2) إبراهيم، آية: 36.
(3) التوبة، آية: 80.(2/377)
كفروا بالله ورسوله ولعل هذا هو السر في اقتصار البخاري في الترجمة من هذه الآية على هذا القدر إلى قوله - عز وجل -: { فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } ولم يقع في شيء من نسخ الكتاب تكميل الآية كما جرت به العادة من اختلاف الرواة عنه في ذلك وإذا تأمل المتأمل المنصف ووجد الحامل على من رد الحديث أو تعسف في التأويل ظنه بأن قوله - عز وجل -: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِه } نزل مع قوله تعالى: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } أي نزلت الآية كاملة لأنه لو فرض نزولها كاملة لاقترن بالنهي العلة وهي صريحة في أن قليل الاستغفار وكثيره لا يجدي وإلا فإذا فرض ما حررته أن هذا القدر نزل متراخيًا عن صدر الآية ارتفع الإشكال وإذا كان الأمر كذلك فحجة المتمسك من القصة بمفهوم العدد صحيح وكون ذلك وقع من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - متمسكًا بالظاهر على ما هو المشروع في الأحكام إلى أن يقوم الدليل الصارف عن ذلك لا إشكال فيه فلله الحمد على ما ألهم وعلَّم.(2/378)
وقد وقفت لأبي نعيم الحافظ صاحب حلية الأولياء على جزء جمع فيه طرق هذا الحديث وتكلم على معانيه فلخصته فمن ذلك أنه قال: وقع في رواية أبي أسامة وغيره عن عبيد الله العمري في قول عمر: أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين؟ ولم يُبيِّن محل النهي فوقع بيانه في رواية أبي ضمرة عن العمري وهو أن مراده بالصلاة عليهم الاستغفار لهم ولفظه «وقد نهاك الله أن تستغفر لهم» قال: وفي قول ابن عمر - رضي الله عنه -: «فصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلينا معه» أن عمر ترك رأي نفسه وتابع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ونبَّه على أن ابن عمر حمل هذه القصة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بغير واسطة بخلاف ابن عباس فإنه إنما حملها عن عمر إذ لم يشهدها قال وفيه جواز الشهادة على المرء بما كان عليه حيًا وميتًا لقول عمر أن عبد الله منافق فلم ينكر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قوله ويؤخذ أن المنهي عنه من سبِّ الأموات ما قصد به الشتم لا التعريف وأن المنافق تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة وأن الإعلام بوفاة الميت مجردًا لا يدخل في النعي المنهي عنه وفيه جواز سؤال الموسر من المال ممن ترجي بركته شيئًا من ماله لضرورة دينية وفيه رعاية الحي المطيع بالإحسان إلى الميت العاصي وفيه التكفين بالمخيط وجواز تأخير البيان عن وقت النزول إلى وقت الحاجة والعمل بالظاهر إذا كان النص محتملاً وفيه جواز تنبيه المفضول للفاضل على ما يظن أنه سها عنه وتنبيه الفاضل للمفضول على ما يشكل عليه وجواز استفسار السائل المسئول وعكسه عمَّا يحتمل ما دار بينهما وقد استحب أهل العلم عدم التبسم عند حضور الجنازة من أجل تمام الخشوع فيستثني منه ما تدعو إليه الحاجة وبالله التوفيق». أهـ.
الخلاصة:(2/379)
الصلاة استغفار وحتي وفاة عبد الله بن أبي لم ينزل نهي صريح من الله تعالى عن الاستغفار للمشركين أو الصلاة على المنافقين فجاز الفعل وكون الاستغفار لا ينفع لهم فالاستثناء كان واردًا حتي ذلك الوقت ثم بعد ذلك علم أن الاستثناء غير وارد وجاء النهي الصريح عن الاستغفار والصلاة فأمسك الرسول والصحابة. ويقول ابن حجر استكمالاً للموضوع في تفسير سورة القصص: في تفسيره لحديث البخاري عن وفاة أبي طالب ورسول الله عنده وعنده أبو الحكم بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة حتي كان آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله - عز وجل - { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } (1) الآية. وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللهَ يهدي مَنْ يَشَاء } (2).
__________
(1) التوبة، آية: 113.
(2) القصص، آية: 56.(2/380)
يقول ابن حجر: قوله «والله لأستغفرنَّ لك ما لم أنْه عنك» قال الزين بن المنير: ليس المراد طلب المغفرة العامة والمسامحة بذنب الشرك وإنما المراد تخفيف العذاب عنه كما جاء مبينًا في حديث آخر. (قلت) وهي غفلة شديدة منه فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد وطلبها لم ينه عنه وإنما وقع النهي عن طلب المغفرة العامة وإنما ساغ ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - اقتداءً بإبراهيم في ذلك ثم ورد نسخ ذلك كما سيأتي بيانه واضحًا قوله: «فأنزل الله»: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } أي ما ينبغي لهم ذلك وهو خبر بمعنى النهي هكذا وقع في هذه الرواية. وروي الطبري عن طريق شبل عن عمرو بن دينار قال: «قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتي ينهاني عنه ربِّي فقال: أصحابه لنستغفرنَّ لآبائنا كما استغفر نبيُّنا لعمه فنزلت وهذا فيه إشكال لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقًا وقد ثبت أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أتي قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربَّه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية والأصل عدم تكرار النزول. وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم عن طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتي جلس إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم بكي فبكينا لبكائه فقال إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي وإني استأذنت ربِّي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل عليّ { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الآية. وأخرج أحمد من حديث ابن بريده عن أبيه نحوه وفيه نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ولم يذكر نزول الآية وفي رواية الطبري من هذا الوجه لما قدم مكة أتي رسم قبر. ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية لما قدم مكة وقف على قبر أمه(2/381)
حتي سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت. وللطبري عن طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث بن مسعود وفيه لما هبط من ثنية عسفان وفيه نزول الآية في ذلك فهذه طرق يعضد بعضها بعضًا وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب، ويؤيده أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال يوم أحد بعد أن شُجَّ وجهه: «ربِّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» لكن يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصًا بالأحياء وليس البحث فيه ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم ويكون لنزولها سببان متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين حتي نزل النهي عن ذلك فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب ويشير إلى ذلك أيضًا قوله في حديث الباب «وأنزل الله في أبي طالب { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللهَ يهدي مَنْ يَشَاء } (1)»لأنه يشعر بأن الآية الأولي نزلت في أبي طالب وفي غيره والثانية نزلت فيه وحده ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد عن طريق أبي إسحق عن ابن أبي الخليل عن علىّ قال سمعت رجلاً يستغفر لوالديه وهما مشركان فذكرت ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ } الآية. وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قال المؤمنون ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه فنزلت ومن طريق قتادة قال: ذكرنا له أن رجالاً فذكر نحوه».
ويقول قبل ذلك في نفس السياق «قوله لما حضرت أبا طالب الوفاة قال الكرماني علامات الوفاة وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الإيمان لو آمن ويدل على الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم». انتهى.
__________
(1) القصص، آية: 56.(2/382)
ويحتمل أن يكون انتهى إلى تلك الحال لكن رجا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا أقرَّ بالتوحيد ولو في تلك الحالة أن ذلك ينفعه بخصوصه وتسوغ شفاعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمكانه منه ولهذا قال أجادل لك بها وأشفع لك وسيأتي بيانه. ويؤيد الخصوصية أنه بعد أن امتنع من الإقرار بالتوحيد وقال هو على ملة عبد المطلب ومات على ذلك أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يترك الشفاعة له بل شفع له حتي خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره وكان ذلك من الخصائص في حقه وقد تقدمت الرواية بذلك في السيرة النبوية». أهـ.
ويقول ابن حجر في تفسير سورة الشعراء: تعليقًا على حديث البخاري في ”باب ولا تخزني يوم يبعثون“: قوله «فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك»، قوله «فيقول إبراهيم يا ربِّ إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون فأي خزي أخزي من أبي الأبعد» وصف نفسه بالأبعد على طريق الفرض إذا لم تقبل شفاعته في أبيه.
وقيل الأبعد صفة أبيه أي أنه شديد البعد من رحمة الله تعالى لأن الفاسق بعيد عنها فالكافر أبعد. وقيل الأبعد بمعنى البعيد والمراد الهالك ويؤيد الأول أن في رواية إبراهيم بن طهمان «وإن أخزيت أبي فقد أخزيت الأبعد» وفي رواية أيوب «يلقي رجل أباه يوم القيامة فيقول له أي ابن كنت لك فيقول خير ابن فيقول هل أنت مطيعي اليوم فيقول نعم فيقول: خذ بإزرتي فيأخذ بأزرته ثم ينطلق حتي يأتي ربَّه وهو يعرض الخلق فيقول الله يا عبدي ادخل من أي أبواب الجنة شئت فيقول أي ربِّ أبي معي فإنك وعدتني ألا تخزني» قوله فيقول الله «إنِّي حرمت الجنة على الكافرين» في حديث أبي سعيد فينادي إنَّ الجنة لا يدخلها مشرك قوله ثم يقال: «يا إبراهيم ما تحت رجليك انظر فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقي في النار».(2/383)
يقول ابن حجر: «وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته فقال بعد أن أخرجه هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم علم أن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما صار لأبيه خزيًا مع علمه بذلك. وقال غيره هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } (1) انتهى. والجواب عن ذلك أن أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم عن أبيه فقيل كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات آزر مشركًا وهذا أخرجه الطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وإسناده صحيح، وفي رواية فلما مات لم يستغفر له ومن طريق علىّ بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه قال استغفر له ماكان حيًا فلما مات أمسك وأورده أيضًا من طريق مجاهد وقتادة وعمرو بن دينار نحو ذلك. وقيل إنما تبرأ منه يوم القيامة لمّا يئس منه حين مسخ على ما صرح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها وهذا الذي أخرجه الطبري أيضًا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبير يقول: إن إبراهيم يقول يوم القيامة: ربِّ والدي ربِّ والدي فإذا كان الثالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو ضبعان فتبرأ منه. ومن طريق عبيد بن عمير قال: يقول إبراهيم لأبيه: إني كنت آمرك في الدنيا وتعصيني ولست بتاركك اليوم فخذ بحقوي فيأخذ بضبعيه فيمسخ ضبعًا فإذا رآه إبراهيم مسخ تبرأ منه. ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرأ منه لما مات مشركًا فترك الاستغفار له لكن لما رآه يوم القيامة أدركته الرأفة والرقة فسأل فيه فلما رآه مسخ يئس منه حينئذ فتبرأ منه تبرأ أبديًا».
__________
(1) التوبة، آية: 114.(2/384)
ويقول ابن حجر عن التوفيق بين قوله تعالى { وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } (1) وقوله في الحديث «إنَّ الله حرَّم الجنة على الكافرين» وخزي الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد وهو محال ولو لم يدخل النار لزم الخلف في الوعيد وهو المراد بقوله: «إنَّ الله حرَّمَ الجنَّةَ على الكافرين» والجواب أنه إذا مسخ في صورة ضبع وألقي في النار لم تبق الصورة التي هي سبب الخزي فهو عمل بالوعد والوعيد.جواب آخر وهو أن الوعد كان مشروطًا بالإيمان وإنما استغفر له وفاء بما وعده فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه». أهـ.
وعن شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عمه أبي طالب فيقول البخاري: «حدثنا مسدد عن يحيي عن سفيان حدثنا عبد الملك حدثنا عبد الله بن الحارث قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما أغنيت عن عمك فوالله كان يحوطك ويغضب لك قال «هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار». وفي رواية أخري حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الله بن طبابا عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر عنده عمه فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه». أهـ.
قد مرَّ تفسير بعض العلماء أن الاستغفار شفاعة لتخفيف العذاب وتعقبه غيره بأن مثل هذا لا يرد ولا ينهي عنه.
أحاديث أخري متصلة بأبوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) الشعراء، الآية: 87(2/385)
جاء في رسالة(1) ”معتقد أبي حنيفة الإمام في أبوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -“ لمؤلفها الشيخ عليّ بن سلطان محمد القاري: «وكذا ما رواه البزار من أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يستغفر لأمه فضرب جبرائيل صدره وقال لا تستغفر لمن مات مشركًا. وفيه أيضًا وقد أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا إلى المقابر فأتبعناه فجاء حتي جلس إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم بكي فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر فدعاه ثم دعانا فقال: «ما أبكاكم» قلنا بكينا لبكائك قال - صلى الله عليه وسلم - «إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة وإني استأذنت ربِّي في زيارتها فأذن لي وإني استأذنت ربِّي الاستغفار لها فلم يأذن لي فأنزل الله عليَّ { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى } (2) فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرأفة فذاك الذي أبكاني» وفيه أيضًا وأخرج بن مردويه عن بريدة - رضي الله عنه - قال: كنت مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذ وقف على عسفان فنظر يمينًا وشمالاً فأبصر قبر أمه آمنة، فورد الماء فتوضأ ثم صلي ركعتين فلم يفجأنا إلا ببكائه فبكينا لبكائه ثم قام فصلي ركعتين ودعا، فلم يفجئنا إلا وقد علا بكاؤه، فعلا بكاؤنا لبكائه، ثم انصرف إلينا فقال: «ما الذي أبكاكم» قالوا بكيت فبكينا يا رسول الله قال:«وما ظننتم» قالوا: ظننا أن العذاب نازل علينا لما نعمل قال:«لم يكن من ذلك شيء»,قالوا فظننا أن أمتك قد كلفت من الأعمال ما لا يطيقون فرحمتها قال:«لم يكن من ذلك شيء» ولكن مررت بقبر آمنة أمي فصليت ركعتين، ثم استأذنت أن أستغفر لها فنهيت فبكيت، ثم عدت فصليت ركعتين فاستأذنت ربي أن استغفر لها فزجرت
__________
(1) عقيدة الموحدين، ص 410-413.
(2) التوبة، آية: 113.(2/386)
زجرًا فعلا بكائي، ثم دعا براحلته فركبها فما سار إلا هنية حتي قامت الناقة ـ أي وقفت ـ الناقة لثقل الوحي فأنزل الله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الآيتين.
يقول وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية هل صحّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتي أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك؟
فأجاب: لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلق وإن كان قد روي في ذلك أبو بكر يعني الخطيب في كتابه ”السابق واللاحق“, وذكره أبو القاسم السهيلي في شرح السيرة بإسناد فيه مجاهيل وذكره أبو عبد الله القرطبي في التذكرة وأمثال هذه المواضع فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذبًا كما نصَّ عليه أهل العلم وليس ذلك في الكتب المعتمدة في الحديث لا في الصحيح ولا السنن ولا في المسانيد ونحو ذلك من كتب الحديث المعروفة ولا ذكره أهل كتب المغازي والتفسير وإن كانوا يروون الضعيف مع الصحيح لأن ظهور كذب ذلك لا يخفى على متدين فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله فإنه من أعظم الأمور خرقًا للعادة من وجهين: من جهة إحياء الموتي ومن جهة الإيمان بعد الموت فكان نقل مثل هذا أولي من نقل غيره فلما لم يروه أحد من الثقات علم أنه كذب والخطيب البغدادي في كتاب ”السابق واللاحق“ مقصوده أن يذكر من تقدم ومن تأخر من المحدثين عن شخص واحد سواء كان الذي يروونه صدقًا أو كذبًا وابن شاهين روي الغث والسمين، والسهيلي إنما ذكر ذلك بإسناد فيه مجاهيل ثم هذا خلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع قال الله تعالى: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً - وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ(2/387)
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار } (1) فبيَّن الله تعالى أنه لا توبة لمن مات كافرًا وقال تعالى { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } (2) فأخبر أن سنته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس فكيف بعد الموت ونحو ذلك من النصوص. وفي ”صحيح مسلم“ «أن رجلاً قال للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - إن أبي مات قال إن أباك في النار فلما أدبر دعاه فقال «إنَّ أبي وأباك في النار».
وفي ”صحيح مسلم“ أيضًا أنه قال: «استأذنتُ ربِّي أن أزور قبر أمي فأذن لي واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكرة بالآخرة»وفي الحديث الذي في المسند وغيره قال - صلى الله عليه وسلم - «إن أمي مع أمك في النار»فإن قيل هذا في عام الفتح، والإحياء كان بعد ذلك في حجة الوداع ولهذا ذكر ذلك من ذكره وبهذا اعتذر صاحب التذكرة وهذا باطل لوجوه:
الأول: أن الخبر عما كان ويكون لا يدخله نسخ. فقوله في أبي لهب { سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ } (3)، وكقوله في الوليد: { سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا } (4)، وكذلك في «أبي وأباك في النار»، «إن أمي وأمك في النار» وهذا ليس خبرًا عن نار يخرج منها صاحبها كأهل الكبائر لأنه لو كان كذلك لجاز الاستغفار لها ولو كان قد سبق في علم الله إيمانهما لم ينه عن ذلك فإن الأعمال بالخواتيم ومن مات مؤمنًا فإن الله يغفر له فلا يكون الاستغفارله ممتنعا.
__________
(1) النساء، الآيتان: 17-18. الكفر وحده ينقل عن الملة فمَنْ ماتَ عليه فهو مخلَّدٌ في النار وقد حبط عمله وليس بنقض الميثاق والعقد بالكفر بعد إقامة الحجة عنادًا لها.
(2) غافر، آية: 85.
(3) المسد، آية: 3.
(4) المدثر، آية: 17.(2/388)
الثاني: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - زار قبر أمه لأنها كانت بطريقه بالحجون عند مكة عام الفتح أما أبوه فلم يكن هناك ولم يزره إذ كان مدفونًا بالشام في غير طريقه فكيف يقال أُحييّ له.
الثالث: أنهما لو كانا مؤمنين إيمانًا ينفع كانا أحق بالشهرة والذكر من عميه حمزة والعباس وهذا أبعد مما يقوله الجهال من الرافضة ونحوهم من أن أبا طالب آمن ويحتجون بما في السيرة من الحديث الضعيف وفيه أنه تكلم بكلام خفي وقت الموت ولو أن العباس ذكر أنه آمن لما كان قال للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - عمك الشيخ الضال كان ينفعك فهل تنفعه بشيء فقال وجدته في غمرة من نار فشفعت فيه حتي صار في ضحضاح من نار في رجله نعلان من نار يغلي منهما دماغه ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار».
هذا باطل ومخالف لما في الصحيح وغيره فإنه كان آخر شيء قاله هو على ملة عبد المطلب وأن العبَّاس لم يشهد موته ومع أن ذلك لو صحَّ لكان أبو طالب أحق بالشهرة من حمزة والعباس، فلما كان من العلم المتواتر المستفيض بين الأمة خلف عن سلف أنه لم يذكر أبو طالب ولا أبواه من جملة من يذكر في أهله المؤمنين كحمزة والعباس وعلى وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - كان هذا من أبين الأدلة على أن ذلك كذب.(2/389)
الرابع: أن الله تعالى قال: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ } إلى قوله: { لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْء } (1) الآية، وقال تعالى: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } (2) فأمر بالتأسي بإبراهيم والذين معه إلا في وعد إبراهيم بالاستغفار وأخبر أنه لما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه والله أعلم». أهـ.
تعقيب:
__________
(1) الممتحنة، آية: 4.
(2) التوبة، آية: 114.(2/390)
الاستغفار من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن الصحابة - رضي الله عنهم - لمن مات من آبائهم وأمهاتهم كان على سبيل الاستثناء مثل ما فعل إبراهيم - عليه السلام - عندما قال: { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } (1) كنوع من الكرامة والشفاعة للأنبياء والمؤمنين بهم في ذوي قرباهم مثلما قال نوح { إِنَّ ابنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } (2) وكان ثابتًا عندهم قبل ذلك أن الله لا يغفر للمشرك ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ولكن لم يكن معلومًا عندهم أن هذا الأمر ليس فيه استثناء فأوضح الله لهم أن استغفار إبراهيم لأبيه كان في حال حياته وذلك جائز ويكون معناه دعاؤك بالموت على التوحيد والإسلام، وأنه لما مات تبرأ منه فلم يستغفر له ولذلك قبل نزول هذه الآية بالنهي الصريح عن الاستغفار للمشركين والآية الأخري بالنهي عن الصلاة على المنافقين لم يمتنع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة على عبد الله بن أبيّ مع وضوح معنى المبالغة في العدد لبقاء معنى التخيير لعدم ورود النهي الصريح ولجواز الاستثناء على سبيل الشفاعة من الرسول والكرامة لقومه لكونهم أنصار الله. وإبراهيم - عليه السلام - طمع في هذا الاستثناء في الآخرة عندما أخذته الرحمة بأبيه رغم تبرئه منه في الدنيا وعلمه أنه من أصحاب الجحيم.
بعد ورود النهي الصريح من الاستغفار للمشركين والصلاة على المنافقين وذلك بعد موت عبد الله بن أبيّ أمسك الرسول والصحابة عن ذلك تمامًا، وقطع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أباه وأمه في النار مع غيرهما ممن مات في الجاهلية قبل البعثة لا فرق في ذلك بين من مات على الشرك قبل البعثة مثل أبيه وأمه - صلى الله عليه وسلم - أو بعد البعثة مثل عمه أبي طالب.
__________
(1) مريم، آية: 47.
(2) هود، آية: 45.(2/391)
لو كان ثمة امتحان في العرصات لهؤلاء لكان أولي به عبد الله وآمنة وعبد المطلب وهاشم فهم خيار من خيار وهم من أخير معادن الجاهلية على الإطلاق وأولى من غيرهم بالعذر لو كان ثمة عذر وأولى من غيرهم بالرحمة حتي يدخلهم الله الجنة بعد هذا الامتحان كرامة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وهم كغيرهم كانوا على أمر لا يحسنون إلا إياه ولا يمكن أبدًا بأي حال من الأحوال ولا يقول ذلك عاقل أن يكونوا هم دون غيرهم من أهل العناد وهم دون غيرهم قد قامت عليهم الحجة وبماذا؟ وأن الامتحان في العرصات متاحًا للجميع ما عدا أبوي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فكيف يتصور ذلك عاقل؟!!(2/392)
إمساك الصحابة جميعهم عن الاستغفار لموتاهم في الجاهلية دليل كونهم قطعوا بأنهم من أصحاب الجحيم وأن خلاف ذلك إن كان فهو من النادر الذي لا حكم له وأنه لا امتحان لهم لأن من كان له امتحان جاز أن يدخل الجنة به ومن جاز أن يدخل الجنة لا ينهي عن الاستغفار له ومن لم ينه عن الاستغفار له يسارع الصحابة من نسله إلى الاستغفار له لحرصهم على ذلك وطلبهم له وعدم تركهم له إلا بالنهي من الله - سبحانه وتعالى - عنه ولو كان هناك استغفار وقع جائزًا من بعض الصحابة لآبائهم لنقل ذلك إلينا لتوافر الهمم والدواعي على نقله لشدة اهتمامهم به فلما لم ينقل عُلم عدمه لأنه من باب عدم البيان في موضع البيان بيان للعدم بل نقل العكس أن من مات في الجاهلية ممن مات على الشرك فهو مخلد في النار نار الشرك وليست نار الكبائر وهي عبارة شيخ الإسلام وليست عبارتنا وأوضح القرآن الكريم والسنة المطهرة أنه لا استثناء من الخلود في النار لأحد من المشركين قبل البعثة أو بعدها كرامة لولد أو لوالد أو عذرًا بجهل أو غيره. وإن كان ذلك لم يكن واضحًا لهم في بداية الأمر فلا حرج عليهم من الاستغفار حتي أوضح الله لهم تحريم ذلك وعدم جدواه وهذا واضح من قوله تعالى { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } (1) وهذا مما يؤكد ما قاله بن حجر من تأخر نزول الآية وإن تقدم سببها حتي تأتي الحاجة إلى بيانها فيكون الأمر قبل ذلك على الإباحة الأصلية.
والأمر أوضح من أن يستدل عليه ولذلك لا يحتج الشيخ ابن باز رحمه الله على أن الإعذار بالجهل في التوحيد بدعة بأكثر من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنَّ أبي وأباك في النار» وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ما يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا وجبت له النار».
أحاديث أخري وآيات عن أهل الجاهلية:
الحديث الأول:
__________
(1) التوبة، آية: 115.(2/393)
في المسند حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا خلف بن الوليد قال: حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ليدعنَّ الناس فخرهم في الجاهلية أو ليكونن أبغض إلى الله - عز وجل - من الخنافس».
وفي المسند حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا هشام بن سعد عن المقبري عن أبي هريرة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليدعن رجالٌ فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنّم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن» وقال: «إن الله - عز وجل - أذهب عنكم عبّية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي الناس بنو آدم وآدم من تراب».
الحديث الثاني:
في المسند حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن بن محمد حدثنا أبو بكر بن عياش عن حميد الكندي عن عبادة بن قسي عن أبي ريحانة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«من انتسب إلى تسعة أباء كفار يريد بهم عزًّا وكرمًا فهو عاشرهم في النار».
الحديث الثالث:
في تفسير ”ابن كثير“ و”ابن جرير“ يقول ابن كثير وروي ابن جرير عن ابن وكيع عن أبيه عن عصمة بن رامل عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: «رحم اللهُ رجلاً استغفرَ لأبي هريرة ولأمه. قلت: ولأبيه؟ قال: لا. قال: إن أبي مات مشركًا».
الحديث الرابع:(2/394)
في تفسير ”ابن كثير“ يقول ابن كثير: «وقال العوفي عن ابن عباس في قوله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } (1) الآية. أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يستغفر لأمه فنهاه الله عن ذلك فقال: «إن إبراهيم خليل الله قد استغفر لأبيه» فأنزل الله - عز وجل - { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } (2)الآية. وقال علىٌّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية: كانوا يستغفرون لهم حتي نزلت هذه الآية فأمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتي يموتوا ثم أنزل الله { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ } الآية. وقال قتادة في الآية ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا نبيَّ الله إن من أبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - «بلي والله إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه» فأنزل الله { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } حتي بلغ قوله { الجَحِيم } ثم عذر الله إبراهيم - عليه السلام - فقال: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ } الآية قال: وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أوحي الله إليّ كلمات فدخلن في أذني ووقرن في قلبي أمرت ألا أستغفر لمن مات مشركًا ومن أعطي فضل ماله فهو خير له ومن أمسك فهو شر له ولا يلوم الله على كفاف».
الحديث الخامس:
__________
(1) التوبة، آية: 113.
(2) التوبة، آية: 114.(2/395)
وفي كتاب ”النسائي“ من حديث عبد الله بن عمرو أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة رضي الله عنها وقد عزت قومًا من الأنصار عن ميتهم: لعلك بلغت معهم الكدي فقال: «لو كنت بلغت معهم الكدي ما رأيت الجنَّة حتي يراها جد أبيك» من كتاب علىّ بن سلطان القاري عن أبوي الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الحديث السادس:
ابن ماجة: حدثنا محمد بن إسماعيل بن البختري الواسطي حدثنا يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: «جاء أعرابي إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنَّ أبي كان يصل الرحم وكان وكان فأين هو؟ قال: «في النار». قال فكأنه وجد من ذلك. فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار. قال فأسلم الأعرابي بعد وقال لقد كلفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعبًا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار» الحديث في الزوائد إسناده صحيح.(2/396)
وفي حديث بني المنتفق الذي احتج به الإمام ابن القيم وإن كان في سنده مجاهيل فهو يصلح في الشواهد والاعتبارات والعمدة حديث مسلم وابن ماجة وغير ذلك من الصحيح في هذا الحديث يقول الراوي: «فقلت: يا رسول الله هل لأحد مما مضي من خير في جاهليتهم؟ فقال رجل من قريش: والله إنَّ أباك المنتفق لفي النار. قال: فكأنه وقع حرٌ بين جلد وجهي ولحمه مما قال لأبي على رؤوس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله ؟ ثم إذا الأخري أجمل فقلت: يا رسول الله وأهلك؟ قال: وأهلي لعمر الله حيثما أتيت على قبر عامري أو قرشي أو دوسي قل أرسلني إليك محمد فأبشر بما يسوؤك تجرُّ على وجهك وبطنك في النار قال: فقلت يا رسول الله وما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه وكانوا يحسبون أنهم مصلحون. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم نبيًا فمن عصي نبيه كان من الضالين ومن أطاع نبيه كان من المهتدين».
الحديث السابع:
روي الإمام مسلم في صحيحه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص عن غياث عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه قال «لا ينفعه إنه لم يقل يومًا ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين».
الحديث الثامن:
وفي المسند عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار كان أول من سيب السوائب» وأمر عمرو بن لحي وكونه غيَّر دين إبراهيم وأتي بعبادة الأصنام والتقرب بها وشرَّع للناس الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها أظهر من أن يستدل عليه(1).
الآيات:
__________
(1) راجع: تفسير ابن كثير في سورة المائدة { ما جعل الله من بحيرة ولا ... } الآية.(2/397)
يقول الله - عز وجل - { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى } (1) في التفسير « { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ } قبل محمد الرسول لقالوا يوم القيامة: { رَبَّنَا لَوْلا } هلا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك المرسل بها { مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ } في القيامة أو { وَنَخْزَى } في جهنم.
ويقول الله - عز وجل - في سورة القصص: { وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } (2) في التفسير { مُّصِيبَةٌ } عقوبة { وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من الكفر وغيره { فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا } هلا { أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ } المرسل بها { وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين } وجواب لولا محذوف وما بعده مبتدأ والمعنى لولا الإصابة المسبب عنها قولهم أو لولا قولهم المسبب عنها لعاجلناهم بالعقوبة ولما أرسلناك إليهم رسولاً». أهـ.
__________
(1) طه، آية: 134.
(2) القصص، آية: 47.(2/398)
والمعنى المأخوذ من الآيتين أنهم لو ماتوا على كفرهم وشركهم قبل أن يأتيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعذبوا بالكفر والشرك وأن الله رحمهم ببعثته لينجو به من أراد الله به الخير منهم فكان الواجب أن يقبلوا هذا الخير وهذه الرحمة ولا يبادروا إلى العناد والتكذيب والمعنى أنه حتي الجيل الذي بعث فيه الرسول كانت حجة إبراهيم قائمة عليه السلام وقامت الحجة على الجيل التالي له بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فلو تأخرت بعثته لهلك هذا الجيل كما هلكت أجيال سبقته ومن رحمة الله بهم بعثته إليهم في هذا الوقت ولقامت به الحجة على الجيل الذي يليه والله تعالى أحكم وأعلم وأرحم وأعدل فجاء محمدٌ قبل انقضاء الحجة.
الحالة الثالثة: خفاء الدليل مع الانقطاع عن الرسالات والرسل
وعدم بلوغ الدعوة بأي وجه:
هذه الحالة يحكمها آيتان وحديثان:
الآية الأولي: قوله تعالى { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } (1).
الآية الثانية: قوله تعالى { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ - أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُون } (2).
__________
(1) الإسراء، آية: 15.
(2) الأعراف، الآيتان: 172-173.(2/399)
الحديث الأول: قال الإمام أحمد حدثنا حجاج حدثنا شعبة عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟ قال: فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهونَ من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئًا فأبيت إلاَّ أن تُشرك بي» أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به.
الحديث الثاني: قال الإمام أحمد حدثنا على بن عبد الله حدثنا معاذ ابن هشام حدثنا أبي عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربعة يحتجون يوم القيامة رجلٌ أصمٌ لا يسمع شيئًا ورجلٌ أحمقٌ ورجلٌ هرمٌ ورجلٌ مات في فترة فأما الأصم فيقول ربّ قد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا وأما الأحمق فيقول: ربِّ قد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر. وأما الهرم فيقول: قد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا. وأما الذي مات في الفترة فيقول: ربِّ ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا».(2/400)
وبالإسناد عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثله غير أنه قال في آخره «فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا ومن لم يدخلها يسحب إليها»وكذا رواه إسحق بن راهوية عن معاذ بن هشام ورواه البيهقي في كتاب ”الاعتقاد“. ومن حديث أحمد بن إسحق عن علىّ بن المديني به وقال هذا إسناد صحيح وكذا رواه حماد بن سلمة عن علىّ بن زيد عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أربعة كلهم يدلي على الله بالحجة» فذكر نحوه ورواه ابن جرير من حديث معمر عن همَّام عن أبي هريرة فذكره مرفوعًا ثم قال أبو هريرة فاقرأوا إن شئتم { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } وكذا رواه معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة موقوفًا.
وفي الحديث الشارح لقوله تعالى { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ } الآيات كما جاء في ”درء تعارض العقل والنقل“ يقول شيخ الإسلام: «وفي الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله لأهونَ أهل النار عذابًا يوم القيامة لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئًا فأبيت إلا أن تشرك». ولا يحتج على الرجل بالأعم إلا مع عدم وجود الأخص وهو حجة الرسل فيعلم من هذا أن الله سبحانه وتعالى يعذب بحجة الفطرة مستقلة عن حجة الرسل والآية الأخري تقول: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } (1) والنصَّان قطعيان ثبوتًا ودلالة فوجب ألا يتعارضا ونفي التعارض لا يقع إلا إذا كانا لا يتواردان على محل واحد فينتفي التعارض حينئذ وهذا إنما يكون بأن تختص آية الأعراف والحديث المفسر لها بما لا يتوقف على التوقيف والخبر وأن تختص آية الإسراء بما يتوقف على التوقيف والخبر».
__________
(1) الإسراء، آية: 5.(2/401)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما نقله عن محمد بن نصر المروزي في معرض رده على من كفَّر أهل الكبائر قال(1): «فإنَّا لم نذهب في ذلك إلى حيث ذهبوا ولكنا نقول للإيمان أصل وفرع وضد الإيمان الكفر في كل معنى فأصل الإيمان الإقرار والتصديق وفرعه إكمال العمل بالقلب والبدن فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان الكفر بالله وبما قال وترك التصديق به وله. إلى أن قال: وقالوا ولما كان العلم بالله إيمانًا والجهل به كفرًا وكان العمل بالفرائض إيمانًا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - إليهم ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرًا ثم أنزل الله عليهم هذه الفرائض فكان إقرارهم بالقيام بها إيمانًا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبرًا من الله ولو لم يأت خبر الله ما كان بجهلها كافرًا وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرًا والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبروبعد الخبر».أهـ.
__________
(1) كتاب الإيمان، طبعة دار عمر بن الخطاب، ص 248.(2/402)
يقول البيضاوي(1) في تفسير آية الأعراف: « { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } (2). أي أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنًا بعد قرن و { مِن ظُهُورِهِمْ } بدل من { بَني آدَمَ } بدل البعض وقرأ نافع وأبو عمرو بن عامر ويعقوب { ذرياتهم } . { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَُ بِرَبِّكُمْ } أي ونصب لهم دلائل ربوبيته وركَّب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتي صاروا بمنزلة من قيل لهم ألست بربِّكم قالوا بلي فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل ويدل عليه قوله: { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } أي كراهة أن تقولوا: { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } لم ننبه عليه بدليل { أَوْ تَقُولُواْ } عطف على { أَن تَقُولُواْ } ، وقرأ أبو عمرو كليهما بالياء لأن أول الكلام على الغيبة { إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ } فاقتدينا بهم لأن التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم به لايصلح عذرًا { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُون } يعني آباؤهم المبطلون بتأسيس الشرك. وقيل لما خلق الله آدم أخرج من ظهره ذريته كالذر وأحياهم وجعل لهم العقل والنطق وألهمهم ذلك الحديث رواه عمر - رضي الله عنه - وقد حققت الكلام فيه في شرحي لكتاب ”المصابيح“ والمقصود من إيراد هذا الكلام ههنا إلزام اليهود بمقتضي الميثاق العام بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية العقلية ومنعهم عن التقليد وحملهم على النظر والاستدلال كما قال تعالى: { َكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي عن التقليد واتباع الباطل». أهـ.
__________
(1) تفسير البيضاوي، ج1، ص 366-367، دار الكتب العلمية.
(2) الأعراف، آية: 172.(2/403)
ويقول النسفي في التفسير(1) لهذه الآية: « { وَإِذْ أَخَذَ } أي واذكر { َإِذْ أَخَذَ } من ظهورهم بدل من { بَنِي آدَمَ } والتقدير وإذ أخذ ربُّكَ من ظهور بني آدم ذريتهم. ومعنى أخذ ذرياتهم من ظهورهم إخراجهم من أصلاب آبائهم. { ذُرِّيَّتَهُمْ } ذرياتهم مدنيّ وبصريّ وشاميّ { بَلَى شَهِدْنَا } هذا من باب التمثيل. ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الهدي والضلال فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } وكأنهم قالوا بلي أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك. { أَن تَقُولُواْ } مفعول له أي فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول كراهة أن تقولوا { أَن يقُولُواْ } أبو عمرو { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } إنَّا كنَّا عن هذا غافلين فلم ننبه عليه. { أَوْ تَقُولُواْ } أو كراهة أن تقولوا { أَوْ يقُولُواْ } أبو عمرو { وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ } فاقتدينا بهم لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نُبِّهوا عليه قائم معهم فلا عذر لهم في الإعراض عنه والاقتداء بالآباء،كما لا عذر لآبائهم في الشرك وأدلة التوحيد منصوبة لهم { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُون } أي كانوا السبب في شركنا لتأسيسهم الشرك وتركه سنة لنا { وَكَذَلِكَ } ومثل ذلك التفصيل البليغ { نُفَصِّلُ الآيات } لهم { وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن شركهم.
__________
(1) تفسير النسفي، ج1، ص 587-588.(2/404)
إلى هذا ذهب المحققون من أهل التفسير منهم الشيخ أبو منصور والزجاج والزمخشري. وذهب جمهور المفسرين إلى أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من ظهر آدم مثل الذرّ وأخذ عليهم الميثاق أنه ربهم بقوله: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } فأجابوه ببلى. قالوا: وهي الفطرة التي فطر اللهُ الناس عليها. وقال ابن عباس - رضي الله عنه - أخرج الله من ظهر آدم ذريته وأراه إياهم كهيئة الذرّ وأعطاهم العقل وقال هؤلاء ولدك آخذ عليهم الميثاق أن يعبدوني. قيل كان ذلك قبل دخول الجنة بين مكة والطائف. وقيل بعد النزول من الجنة. وقيل في الجنة. والحجة للأولين أنه قال: { مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ } ولم يقل من ظهر آدم، ولأنَّا لا نتذكر ذلك فأنَّي يصير حجّة». أهـ.(2/405)
ويقول ابن كثير في التفسير(1): «يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربُّهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل مولود يولد على الفطرة» وفي رواية «على هذه الملة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تولد بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء». وفي ”صحيح مسلم“ عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرَّمت عليهم ما أحللت لهم» وقال الإمام أبو جعفر ابن جرير رحمه الله حدثنا يونس بن عبد الأعلي حدثنا بن وهب أخبرني السري بن يحيي أن الحسن بن أبي الحسن حدثهم عن الأسود بن سريع من بني سعد قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع غزوات قال فتناول قوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاشتد عليه ثم قال: «ما بال أقوام يتناولون الذرية» فقال رجل يا رسول الله أليسوا أبناء المشركين فقال: «إن خياركم أبناء المشركين ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فماتزال عليها حتي يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها».
قال الحسن: والله لقد قال الله في كتابه: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الآية. وقد رواه الإمام أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري به وأخرجه النسائي في سننه من حديث هشيم بن يونس بن عبيد عن الحسن قال: حدثني الأسود بن سريع فذكره ولم يذكر قول الحسن البصري واستحضاره الآية عند ذلك.
__________
(1) تفسيربن كثير ، ج2، 261.(2/406)
وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام وتمييزهم إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال وفي بعضها الاستشهاد عليهم بأن الله ربُّهم، قال الإمام أحمد حدثنا حجاج حدثنا شعبة عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟ قال فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئًا فأبيت إلا أن تشرك بي» أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به».
حديث آخر:(2/407)
قال الإمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثني جرير يعني بن حازم عن كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قُبلاً قال: { ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( - - { - - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - ( الله أكبر ( { - } - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( - ( - ((( - ( } (1) إلى قوله: { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - ( - ( - - - } وقد روى هذا الحديث النسائي في كتاب التفسير من سننه عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة عن حسين بن محمد المروزي به ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حسين بن محمد به إلا أن ابن أبي حاتم جعله موقوفًا وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمد وغيره عن جرير بن حازم عن كلثوم بن جبير به وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبير هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فوقفه وكذا رواه إسماعيل بن علية ووكيع عن ربيعة بن كلثوم عن جبير عن أبيه به، وكذا رواه عطاء بن السائب وحبيب بن أبي ثابت وعليّ ابن بزيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكذا رواه العوفي وعلىّ بن أبي طلحة عن ابن عباس فهذا أكثر وأثبت والله أعلم.
حديث آخر:
__________
(1) الأعراف، آية: 172.(2/408)
قال الإمام أحمد: «حدثنا روح هو بن عبادة حدثنا مالك وحدثنا إسحق حدثنا مالك عن زيد بن أبي أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - } (1) الآية. فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عنها فقال: «إن الله خلق آدم - عليه السلام - ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون» قال رجل يا رسول الله ففيم العمل؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بأعمال أهل الجنة حتي يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خُلق العبد للنار استعمله بأعمال أهل النار حتي يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار» وهكذا رواه أبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة والترمذي في تفسيرهما عن إسحق بن
__________
(1) الأعراف، آية: 172.(2/409)
موسي عن معن وابن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلي عن ابن وهب وابن جرير عن روح بن عبادة وسعيد بن عبد الحميد ابن جعفر وأخرجه بن حبان في صحيحه من رواية أبي مصعب الزبيري كلهم عن الإمام مالك بن أنس به. قال الترمذي وهذا حديث حسن ومسلم ابن يسار لم يسمع عمر. كذا قاله أبو حاتم وأبو زرعة زاد أبو حاتم بينهما نعيم بن ربيعة وهذا الذي قاله أبو حاتم رواه أبو داود في سننه عن محمد بن مصفي عن بقية عن عمر بن جعثم القرشي عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مسلم بن يسار الجهني عن نعيم بن ربيعة قال: كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الآية { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - ?- رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } فذكره وقال الحافظ الدارقطني وقد تابع عمر بن جعثم بن زيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وقولهما أولى بالصواب من قول مالك والله أعلم».
يقول ابن كثير: «قلت الظاهر أن الإمام مالكًا إنما أسقط ذكر نعيم بن ربيعة عمدًا لما جهل حال نعيم ولم يعرفه فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث ولذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم ولهذا يرسل كثيرًا من المرفوعات ويقطع كثيرًا من الموصولات والله أعلم».
يقول ابن كثير: «وروى عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي وغير واحد من علماء السلف سياقات توافق هذه الأحاديث اكتفينا بإيرادها عن التطويل في تلك الآثار كلها والله المستعان».(2/410)
يقول ابن كثير: «فهذه الأحاديث دالة على أن الله - عز وجل - استخرج ذرية آدم من صلبه وميَّز بين أهل الجنة وأهل النار وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربُّهم فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وفي حديث عبد الله بن عمرو وقد بيَّنا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم. ومن ثم قال القائلون من السلف والخلف أن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد كما تقدم في أحاديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع وقد فسر الحسن الآية بذلك قالوا ولهذا قال: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( } ولم يقل من آدم ولم يقل من ظهره { ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } أي جعل نسلهم جيلاً بعد جيل وقرنًا بعد قرن كقوله تعالى: { - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - { - - - ( المحتويات ( تمهيد فهرس - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ((( - - } - - } ، وقال - عز وجل -: { ( المحتويات ( تمهيد ( - - رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - ( فهرس - ( - ((( - - } - - } ، وقال - عز وجل -: { - - - رضي الله عنهم - - - - المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( { { - ( - - ( - تم بحمد الله الله ( قرآن(2/411)
كريم - - - ((( - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( } ، ثم قال - عز وجل -: { ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - } أي أوجدهم شاهدين بذلك قائلين له حالاً كقوله تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - - - - رضي الله عنه -((( - ( - ((( - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - - صدق الله العظيم - ( - ( - ( - { - - فهرس - - رضي الله عنه -( المحتويات ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - ((( - ( - - - ( - } أي حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك وكذا قوله تعالى: { (( مقدمة ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( - - ( - - رضي الله عنهم -( - - } كما أن السؤال تارة يكون بالمقال وتارة يكون بالحال كقوله: { المحتويات ( - - - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( فهرس قرآن كريم ( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - } قالوا ومما يدل على أن المراد بهذا هذا أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك فلو كان قد وقع هذا كما قال من قال لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه فإن قيل إخبار الرسول- صلى الله عليه وسلم - كاف في وجوده فالجواب(2/412)
أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره وهذا جُعل حجة مستقلة عليهم فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد ولهذا قال: { - - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - } أي لئلا يقولوا يوم القيامة { - ( الله أكبر ( { - } - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - } أي التوحيد { - رضي الله عنه -( - ( - ((( - ( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - - - ( { - ( { - - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( } الآية». أ هـ.(2/413)
يقول ابن جرير في تفسير الآية(1): «القول في تأويل قوله { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( - - { - - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - ( الله أكبر ( { - } - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( - ( - ((( - ( } : يقول تعالى ذكره لنبيه - صلى الله عليه وسلم - واذكر يا محمد ربَّك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم فقررهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك وإقرارهم به كما حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال: حدثنا الحسين بن محمد قال: حدثنا جرير بن حازم عن كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا
__________
(1) ابن جرير، ج13، ص 222.(2/414)
فقال - عز وجل -: { ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( - - { } الآية. إلى قوله { - - (( - - - - رضي الله عنهم -( - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - ( - ( - - - } حدثنا عمران بن موسي قال: حدثنا عبد الوارث قال حدثنا كلثوم بن جبير قال سألت سعيد بن جبير عن قوله - عز وجل -: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال سألت عنها ابن عباس فقال: «مسح ربُّك ظهر آدم فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذه ـ وأشار بيده ـ فأخذ مواثيقهم وأشهدهم على أنفسهم «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَي». حدثنا ابن وكيع ويعقوب قالا: حدثنا ابن علية قال حدثنا كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله - عز وجل -: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال: «مسح ربُّك ظهرَ آدمَ فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا الذي وراء(2/415)
عرفة وأخذ ميثاقهم «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَي شَهِدْنَا» اللفظ لحديث يعقوب وحدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية قال ربيعة بن كلثوم عن أبيه في هذا الحديث { } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( - - { - - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - ( الله أكبر ( { - } - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( - ( - ((( - ( } حدثنا عمرو قال حدثنا عمران بن عيينة قال أخبرنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «أول ما أهبط الله آدم أهبطه بدجني أرض بالهند فمسح اللهُ ظهره فأخرج كل نسمة هو بارئها إلى أن تقوم الساعة ثم أخذ عليهم الميثاق وأشهدهم على أنفسهم { ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( - - { - - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - ( الله أكبر ( { - } - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( - ( - ((( - ( } حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «أُهبِطَ آدمُ(2/416)
حين أهبط فمسح الله ظهره فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ثم قال: { ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - } ثم تلا { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } فجف القلم من يومئذ بما هو كائن إلى يوم القيامة. حدثنا أبو كريب قال: حدثنا يحيي بن عيسي عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال: لما خلق الله آدم أخذ ذريته من ظهره مثل الذر فقبض قبضتين فقال لأصحاب اليمين ادخلوا الجنة بسلام وقال للآخرين ادخلوا النار ولا أبالي. حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي عن الأعمش عن حبيب عن ابن عباس قال: مسح الله ظهر آدم فأخرج كل طيب في يمينه وأخرج كل خبيث في الأخري. حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن علية عن شريك عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مسح الله ظهر آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة. حدثنا ابن حميد قال حدثنا(2/417)
حكام قال حدثنا عمرو بن أبي قيس عن عطاء عن سعيد عن ابن عباس { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال: «لما خلق الله آدم مسح ظهره بدجني وأخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة فقال ألست بربكم قالوا: بلي. قال: فيرون يومئذ جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن المسعودي عن على بن بذيمة عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم عليه السلام أخذ ميثاقه فمسح ظهره فأخذ ذريته كهيئة الذر فكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلي. قال حدثنا يزيد بن هارون عن المسعودي عن على ابن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال: «لما خلق الله آدم أخذ ميثاقه أنه ربه. وكتب أجله ومصائبه واستخرج ذريته كالذر وأخذ ميثاقهم وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم» حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي عن ربيعة بن كلثوم بن جبير عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه(2/418)
وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } قال فمسح الله ظهر آدم - عليه السلام - وهو ببطن نعمان ـ وادي إلى جنب عرفة ـ وأخرج ذريته من ظهره كهيئة الذر ثم أشهدهم على أنفسهم ألستُ بربِّكم؟ قالوا بلي شهدنا. قال: حدثنا أبي عن أبي هلال عن أبي حمزة الضبعي عن ابن عباس قالوا: «أخرج الله ذرية آدم - عليه السلام - من ظهره كهيئة الذر وهو في آذي من الماء» حدثني على بن سهل حدثنا ضمرة بن ربيعة قال: حدثنا أبو مسعود عن جويبر قال: «مات ابن للضحاك ابن مزاحم بن ستة أيام قال: فقال يا جابر إذا أنت وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عنه عقده فإن ابني مجلس ومسئول ففعلت به الذي أمرني فلما فرغت قلت: يرحمك الله عمَّ يُسأل ابنك؟ قال: يسأل عن الميثاق الذي أقرَّ به في صلب آدم - عليه السلام - قلت: يا أبا القاسم وما هذا الميثاق الذي أقرَّ به في صلب آدم قال: حدثني ابن عباس أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة وأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا وتكفل لهم بالأرزاق فلن تقوم الساعة حتي يولد من أعطي الميثاق يومئذ فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفي به نفعه الميثاق الأول ومن أدرك الميثاق الآخر فلم(2/419)
يف به لم ينفعه الميثاق الأول ومن مات صغيرًا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة» حدثني يونس بن عبد الأعلي قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني السري بن يحيي أن الحسن بن أبي الحسن حدثهم عن الأسود بن سريع من بني سعد قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع غزوات قال: فتناول القوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاشتد عليه ثم قال: «ما بال أقوام يتناولون الذرية» فقال رجل: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليسوا أبناء المشركين فقال: «إن خياركم أولاد المشركين، ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتي يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها» قال الحسن: والله لقد قال الله ذلك في كتابه قال { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } (1) حدثنا عبد الرحمن بن الوليد قال: حدثنا أحمد ابن أبي ظبية عن سفيان عن سعيد عن الأجلح عن الضحاك وعن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم (
__________
(1) الأعراف، آية: 172.(2/420)
- ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال: «أُخذوا من ظهره كما يُؤخذ بالمشط من الرأس فقال لهم ألستُ بربكم؟ قالوا بلي. قالت الملائكة شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنَّا كنا عن هذا غافلين» حدثنا ابن بشار قال: حدثنا يحيي بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو في قوله: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال: أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس. حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا: حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس قال ابن حميد: «كما يؤخذ بالمشط» حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا روح بن عبادة وسعد بن عبد الحميد بن جعفر عن مالك بن أنس عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي(2/421)
الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } فقال عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ اللهَ خلق آدم ثم مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة(1) يعملون، ثم مسح على ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون. فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال: «إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتي يموت على عمل من عمل أهل الجنة فيدخله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتي يموت على عمل من عمل أهل النار فيدخله النار». حدثنا إبراهيم قال: حدثنا محمد بن المصفي عن بقية عن عمرو بن جعثم القرشي قال: حدثني زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة عن عمر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بنحوه. حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام عن عنبسة عن عمارة عن أبي محمد رجل من أهل المدينة قال: سألت عمر بن الخطاب ـ رحمة الله عليه ـ عن قوله { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - }
__________
(1) أدنى ما يدخل به أهل الجنةِ الجنةَ من العمل أن يموت أحدهم لا يشرك بالله شيئًا.(2/422)
قال: سألت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عنه كما سألتني فقال: «خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه ثم أجلسه فمسح ظهره بيده اليمني فأخرج ذرءًا فقال: ذرء ذرأتهم للجنة ثم مسح ظهره بيده الأخري وكلتا يديه يمين فقال: ذرء ذرأتهم للنار يعملون فيما شئت من عمل ثم أختم لهم بأسوأ أعمالهم فأدخلهم النار» حدثني المثني قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية عن علىّ عن بن عباس قوله: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } إنَّ الله خلق آدم - عليه السلام - ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر فقال لهم: مَنْ ربُّكم؟ قالوا: الله ربنا. ثم أعادهم في صلبه حتي يولد كل من أخذ ميثاقه لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة». إلى أن يقول ابن جرير: حدثنا ابن وكيع حدثنا أبو داود عن يعقوب عن جعفر عن سعيد بنحوه قال: حدثنا ابن فضيل وابن نمير عن عبد الملك عن عطاء: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال: أخرجهم من ظهر آدم حتي أخذ عليهم الميثاق ثم ردهم في صلبه».(2/423)
حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن نمير عن نضر بن عربي { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال: أخرجهم من ظهر آدم حتي أخذ عليهم الميثاق ثم ردهم في صلبه» قال: حدثنا محمد بن عبيد عن أبي بسطام عن الضحَّاك قال: حيث ذرأ الله خلقه لآدم قال خلقهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُّ بربكم قالوا بلي. حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال: قال ابن عباس: «خلق الله آدم ثم أخرج ذريته من ظهره فكلمهم الله وأنطقهم فقال: { ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - } ثم أعادهم في صلبه فليس أحد من الخلق إلا قد تكلم فقال ربيّ الله وإن القيامة لن تقوم حتي يولد من كان يومئذ أشهد على نفسه. حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو بن طلحة عن أسباط عن السدي { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم(2/424)
- - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - } (1) وذلك حين يقول { ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات فهرس - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله -(( قرآن كريم - ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (2) وذلك حين يقول: { ( الله أكبر - ( ( { } - (- رضي الله عنه -( - - - ( { - رضي الله عنه -(( - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ( قرآن كريم فهرس - - ( - عليه السلام -( - - - { ( المحتويات ( - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنه -((((- عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } (3) يعني يوم أخذ منهم الميثاق ثم عرضهم على آدم - عليه السلام -» قال: حدثنا عمرو عن أسباط عن السدي قال: «أخرج اللهُ آدم من الجنة ولم يهبط من السماء ثم مسح صفحة ظهره اليمني فأخرج منه ذريته كهيئة
__________
(1) الأعراف، آية: 172.
(2) آل عمران، آية: 83.
(3) الأنعام، آية: 149.(2/425)
الذر أبيض مثل اللؤلؤ فقال لهم: ادخلوا الجنَّة برحمتي. ومسح صفحة ظهره اليسري فأخرج منه كهيئة الذر سودًا فقال: ادخلوا النار ولا أبالي فذلك حين يقول أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ثم أخذ منهم الميثاق فقال ألست بربكم قالوا بلي فأطاعه طائفة طائعين وطائفة كارهين على وجه التقية. حدثني موسي بن هارون قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط عن السدي بنحوه وزاد فيه بعد قوله وطائفة على وجه التقية فقال هو والملائكة { - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( - - { - - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - ( الله أكبر ( { - } - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( - ( - ((( - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - - - ( { - ( { - - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - - - - } - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { { - ( - - ( - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنه - - } (1) فلذلك ليس في الأرض أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن ربَّه الله ولا مشرك إلا وهو يقول لابنه: { - ( الله أكبر ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } تم بحمد الله ( - } (2)
__________
(1) الأعراف، آية: 172.
(2) الزخرف، آية: 23.(2/426)
والأمة الدين { - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( المحتويات ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام -( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( { - تم بحمد الله } (1) وذلك حين يقول الله: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - } (2) وذلك حين يقول: { ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات فهرس - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله -(( قرآن كريم - ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (3) وذلك حين يقول: { ( الله أكبر - ( ( { } - (- رضي الله عنه -( - - - ( { - رضي الله عنه -(( - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ( قرآن كريم فهرس - -
__________
(1) الزخرف، آية: 23.
(2) الأعراف، آية: 172.
(3) آل عمران، آية: 83.(2/427)
( - عليه السلام -( - - - { ( المحتويات ( - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنه -((((- عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } (1) يعني يوم أخذ منهم الميثاق. حدثنا محمد بن عبد الأعلي قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الكلبي «من ظهورهم ذرياتهم» قال: مسح الله على صلب آدم فأخرج من صلبه من ذريته ما يكون إلى يوم القيامة وأخذ ميثاقهم أنه ربُّهم فأعطوه ذلك ولا تسأل أحدًا كافرًا أو غيره مَنْ ربُّك؟ إلا قال: الله. وقال الحسن مثل ذلك أيضًا. حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علىّ بن حسين أنه كان يعزل ويتأول هذه الآية: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } (2) حدثنا بن حميد قال: حدثنا يحيي بن واضح قال: حدثنا موسي ابن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي في قوله { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - } قال: أقرت الأرواح قبل أن تخلق أجسادها.
__________
(1) الأنعام، آية: 149.
(2) الأعراف، آية: 172.(2/428)
حدثني أحمد بن الفرج الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد قال: حدثني الزبيدي عن راشد بن سعد عن عبد الرحمن بن قتادة النضري عن أبيه عن هشام بن حكيم أن رجلاً أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أتبدأ الأعمال أم قضي القضاء؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله أخذ ذرية آدم من ظهورهم ثم أشهدهم على أنفسهم ثم أفاض بهم في كفيه ثم قال هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار».
حدثني محمد بن عوف الطائي قال: حدثني حيوة ويزيد قال: حدثنا بقية عن الزبيدي عن راشد بن سعد عن عبد الرحمن بن قتادة النضري عن أبيه عن هشام بن حكيم عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثله. حدثني أحمد ابن شبويه قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم قال: حدثنا عمرو بن الحرث قال حدثنا عبد الله بن مسلم عن الزبيدي قال: حدثنا راشد بن سعد أن عبد الرحمن بن قتادة حدثه أن أباه حدثه أن هشام بن حكيم حدثه أنه قال أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل فذكر مثله.(2/429)
حدثنا محمد بن عوف قال: حدثني أبو صالح قال: حدثنا معاوية عن راشد بن سعد عن عبد الرحمن بن قتادة عن هشام بن حكيم عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بنحوه. ثم يقول ابن جرير: القول في تأويل قوله تعالى: { (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - - - ( { - ( { - - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - - - - } - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { { - ( - - ( - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ( - ( - ( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - (( - - - - رضي الله عنهم -( - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - ( - ( - - - } (1) يقول تعالى ذكره شهدنا عليكم أيها المقرون بأن الله ربكم كيلا تقولوا يوم القيامة إنَّا كنا عن هذا غافلين إنَّا كنَّا لا نعلم ذلك وكنَّا في غفلة منه أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنَّا ذرية من بعدهم اتبعنا منهاجهم أفتهلكنا بإشراك من أشرك من آبائنا واتباعنا مناهجهم على جهل منا بالحقِّ. ويعني بقوله بما فعل المبطلون بما فعل الذين أبطلوا في دعواهم إلهًا غير الله واختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأ بعض المكيين والبصريين أن يقولوا بالياء بمعنى شهدنا لئلا يقولوا على وجه الخبر عن الغيب. وقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة «أن تقولوا» بالتاء على وجه الخطاب من الشهود للمشهود عليهم والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان صحيحتا المعنى متفقتا التأويل وإن اختلفت ألفاظهما لأن العرب تفعل ذلك في الحكاية كما قال الله تعالى { لتبيننه } و { ليبيننه } وقد بينا نظائر ذلك فيما مضي بما أغني عن إعادته».
__________
(1) الأعراف، آية: 173.(2/430)
أهـ.
تعقيب:
رفع التعارض بين نص القرآن ونص الخبر وبين القول بأن الإشهاد على سبيل التكلم والإنطاق أو على سبيل التمثيل كقوله تعالى للسموات والأرض { - - عليه السلام - - ( - ( - - - - ((( قرآن كريم - ( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - - - - - - رضي الله عنه - - - - - - - - - - جل جلاله -( - - - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -(((((( - - - ( } (1) ويكون المقصود بالإشهاد على هذا هو الفطرة التي فطر الله الخلقَ عليها. نقول لا تعارض بين ما جاء في الخبر من استخراج ذرية آدم - عليه السلام - من ظهره ولفظ الآية من بني آدم من ظهورهم فالله تعالى على الترتيب الذي علم دخولهم في الوجود يخرجهم ويميز بعضهم عن بعض فثبت إخراج الذرية من ظهور بني آدم بالقرآن وثبت إخراج الذرية من ظهر آدم بالخبر فوجب المصير إليهما معًا صونًا للآية والخبر عن الطعن، أما ما يقال أن أولئك الذر إن لم يكونوا عقلاء لم يمكن أخذ الميثاق منهم وإن كانوا عقلاء وجب أن يتذكروا تلك الحالة في هذا الوقت. وبهذا الدليل بعينه يبطل التناسخ ويجاب بالفرق وذلك أننا إذا كنا في أبدان أخري وبقينا بها سنينًا ودهورًا امتنع في مجري العادة نسيانها وأما أخذ هذا الميثاق فإنما حصل في أسرع وقت فلم يبعد حصول النسيان فيه وبقي فطرة مركوزة في بني آدم فلا تعارض بين الإقرار بالتوحيد نطقًا وبين كون ذلك فطرة فُطِرَ عليها جميع بني آدم فجعلت حجة مستقلة عليهم وإن كذب بعضهم بجميع ما جاءت به الرسل وعليه فأقول مع من يقول بالجمع ولا أقول بترجيح وجه من وجهي التفسير على الوجه الآخر.
ثانيًا: المعنى المستفاد من السياق:
__________
(1) فصلت، آية: 11.(2/431)
يقول اللهُ - عز وجل -: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( { - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - الله أكبر - - - رضي الله عنه - تمهيد { - ( - - - ( تمهيد ( - - - ( قرآن كريم - ( (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - } - - ( - { - (( } - ( قرآن كريم - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( } - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - ( - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( - - { قرآن كريم ( { ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( مقدمة - (( ( - ( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - - ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( - - { - - صلى الله عليه وسلم - - } -(2/432)
قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - ( الله أكبر ( { - } - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( - ( - ((( - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - - - ( { - ( { - - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - - - - } - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { { - ( - - ( - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ( - ( - ( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - (( - - - - رضي الله عنهم -( - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - ( - ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - (( الله أكبر ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ((( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( - { - - - ( مقدمة ( - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( - - - جل جلاله -( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنهم - - فهرس - - - - - - - ( - - رضي الله عنهم - - (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( مقدمة - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - -(2/433)
- ( ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - - رضي الله عنه - تمت - - - - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - (((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -(( - - - - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله -( } ( { ( مقدمة (- عليه السلام - - (( - (- عليه السلام - - - - - { - ( - ((( مقدمة } - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - ( { ((( - - } - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - (( - ( - - - - رضي الله عنهم - - - ( ( - - - - رضي الله عنهم - - - - ( - ( - - تمهيد ( - - - تمت ( { ( - ( - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( { - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( مقدمة ( - ( - (- سبحانه وتعالى - - - { - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } { - ( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( الله ( قرآن كريم - { ( - - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - } - - - - - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( - ((((( - - - - ( { ( - ( - { ( - - - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - { - - (- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - ( - - الله - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - صدق الله العظيم - ( - { - - - } - قرآن كريم ( - } - - - - - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( -(2/434)
( المحتويات ( - - } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - ( - - - - ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - عليه السلام - - - - - بسم الله الرحمن الرحيم } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( - - } - - ( الله - - - (( } تم بحمد الله ( - صدق الله العظيم ( - ( - - - ( { الله أكبر تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - مقدمة - ( - قرآن كريم ( - ( - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - - { ((- رضي الله عنه - - - { - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((((- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - ( - - { - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت - - - - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((- عليه السلام - - ( - - - - - { - ( - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - - - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم(2/435)
- - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - (((- رضي الله عنه -(( - - - } (1).
والمعنى أن هؤلاء اليهود انسلخوا من ميثاق الرسل بعد أن أقروا به ولا عجب في ذلك فالإنسان ينسلخ من ميثاق الفطرة بعد أن أقرَّ به وهو ملازمه لا ينفك عنه ودعوة الرسل قد تغيب عنه بتأسيس الآباء للشرك ثم متابعتهم عليه ولكن ميثاق الفطرة لا يمكن أن يغيب أو ينفك عنه ورغم ذلك فهو يخالفه وينسلخ منه باختياره وإن كان ميثاق الفطرة عامًا وغير مفصل فقد ينسلخ بعض بني آدم من آيات الله أوتيت له هو ولا يمكن أن تغيب عنه كميثاق الرسل بعدم بلوغ الدعوة أو لشيوع الجهل والتقليد وليست عامة كميثاق الفطرة الذي قد لا يكون واضحًا له غير مفصل ولا محكم وذلك للإخلاد إلى الأرض واتباع الهوي ولو شاء الله لعصمهم من هذا الانسلاخ ولكنه تركهم للابتلاء تبعًا لسنته في الهدي والإضلال. ولولا ميثاق الفطرة والعلم الضروري الذي وضعه اللهُ في بني آدم لما قامت عليهم حجة الرسل ولما كان بعث ولا قيامة ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار، لأنه كان يجوز لهم إذا أرسل الله لهم رسلاً أن يقولوا إنَّا كنا غافلين عن صدقهم لأنك لم تضع فينا علمًا ضروريًا يوجب أنك لا تؤيد بالمعجزة الرجل الكاذب فمن أين لنا تصديق دعواهم ولو قالوا ذلك ولم يكن مركوزًا فيهم التمييز بين الصادق والكاذب والرسول والمدعي لقُبلت ولذلك وضع اللهُ فيهم هذا العلم الضروري وهذه الفطرة بالتوحيد والتمييز بين رسل الله والمفترين عليه حتي تقوم عليهم الحجة بالرسل وينعقد الحساب وتقوم القيامة بعد البعث وتكون الجنة والنار والثواب والعقاب وهذا هو معنى { - - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - ( الله
__________
(1) الأعراف، آيات: 171-179.(2/436)
أكبر ( { - } - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( - ( - ((( - ( } (1) وإذا غابت عنهم دعوة الرسل بتأسيس آبائهم الشرك ومتابعتهم لهم عليه قرنًا بعد قرن وجيلاً بعد جيل إذا لم يأتهم هم رسول فلم تقم عليهم حجة الله بما ينفك عنهم فلابد أن تقوم عليهم حجة الله فيما لا ينفك عنهم من مخالفة فطرة التوحيد وهذا مما يؤكد إسقاط العقوبة فيما يتوقف على الخبر وعدم إسقاط العقوبة فيما لا يتوقف على الخبر ولا يحتاج إلى توقيف وهو الجهل بالله - سبحانه وتعالى - أو الشك فيه أو إنكار الصانع أو ترك ما يتناسب مع الإقرار بوحدانيته وربوبيته من التقديس والتعظيم أو نقض هذا الإقرار بوحدانية ربوبيته بالاستخفاف بحقه وذلك بصرف حقه في العبادة إلى غيره وافتراء الكذب عليه لأن الله تعالى لا يطلب حقه في العبادة إلا عن طريق الرسل لأنه سبحانه لا يعبد إلا بما شرع، لا يعبد بالبدع ولا يعبد إلا بما شرع على ألسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت فهذا هو أصل الدين فجماع الدين أصلان: أن يعبد الله وحده وأن يعبد بما شرع على ألسنة رسله في أي وقت بما أمر به في ذلك الوقت. ولكن إذا لم يطلب الله حقه في العبادة بعدم إرسال رسول في وقت ما في مكان ما أو لم يكن ذلك متوجهًا على قوم ما بعدم بلوغهم دعوة الرسل بأي وجه فإنه لا ينبغي أن يصرف حق الله في العبادة إلى غيره فإذا حدث ذلك فذلك استخفاف بحقه في العبادة ينقض الإقرار بربوبيته وكذلك لا ينبغي للإنسان أن يفتري على الله الكذب وينسب إليه ما لا يليق فإن هذا أيضًا استخفاف بحقه ينتقض به الإقرار بربوبيته والحساب على هذا لا يتوقف على الخبر ولا يحتاج إلى توقيف لأنه مركوز في فطرة الإنسان الإقرار بوحدانية الربِّ وما يتناسب مع هذا الإقرار من التوقير والتعظيم والتقديس والإجلال وهذا هو معنى قوله { (- صلى الله عليه وسلم --
__________
(1) الأعراف، آية: 172.(2/437)
صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - - - ( { - ( { - - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - - - - } - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { { - ( - - ( - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ( - ( - ( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - (( - - - - رضي الله عنهم -( - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - ( - ( - - - } (1). وللأخبار التي جاءت في تفسير الآية معاني متصلة بموضوع القدر سنتكلم فيها بعد استكمالات مهمة لشرح الآية والموضوعات المتعلقة بها وهذه الاستكمالات متصلة بموضوع الولدان ننقل في هذا الموضوع ما قاله ابن حجر في شرح البخاري وما قاله ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } (2) ثم نعقب بعد ذلك لاستقرار جميع المعاني المتصلة بالموضوع.
يقول ابن حجر في تفسير البخاري(3):
__________
(1) الأعراف، آية: 173.
(2) الإسراء، آية: 15.
(3) ابن حجر، تفسير البخاري، دار الريان، ج3، ص 288.(2/438)
أولاً نص أحاديث البخاري ”باب ما قيل في أولاد المسلمين“: وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حجابًا من النار أو دخل الجنة» حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن عُلية حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم».
حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت أنه سمع البراء - رضي الله عنه - قال: لما تُوفي إبراهيم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن له مرضعًا في الجنة» يقول ابن حجر وروي مرضعًا بفتح الميم أي إرضاعًا». أهـ.
يقول البخاري: ”باب ما قيل في أولاد المشركين“ حدثنا حبان أخبرنا عبد الله أخبرنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين فقال: «اللهُ إذ خلقهم أعلمُ بما كانوا عاملين».(2/439)
حدثنا أبو اليمان أخبرنا شُعيب عن الزهري قال أخبرني عطاء بن يزيد الليثي أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول سُئِلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المشركين فقال: «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين».حدثنا آدم حدثنا ابنُ أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «كل مولود يولد على الفطرةِ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تُنتج البهيمة هل تري فيها جدعاء».إلى أن يقول(1): حدثنا موسي بن إسماعيل حدثنا جرير بن حازم حدثنا أبو رجاء عن سُمرة بن جُندب - رضي الله عنه - قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا صلي صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: مَنْ رأي منكم الليلة رؤيا؟ قال: فإن رأي أحد قصها فيقول ما شاء الله. فسألنا يومًا فقال: هل رأي أحد منكم رؤيا؟ قلنا: لا. قال: لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد ـ قال بعض أصحابنا عن موسى ـ كلوب من حديد يدخله في شدقه حتي يبلغ قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله قلت ما هذا ؟ قالا: انطلق فانطلقنا حتي أتينا على رجل مُضطجع على قفاه ورجلٌ قائم على رأسه بفهر أو صخرة فيشدخ به رأسه فإذا ضربه تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتي يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو فعاد إليه فضربه قلت من هذا قالا انطلق فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارًا فإذا اقترب ارتفعوا حتي كاد أن يخرجوا فإذا خمدت رجعوا فيها وفيها رجال ونساء عراة فقلت: مَنْ هذا؟ قالا: انطلق فانطلقنا حتي أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، على وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمي الرجل بحجر في فيه
__________
(1) ابن حجر، تفسير البخاري، ج3، ص 295.(2/440)
فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمي في فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق فانطلقنا حتي انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها فصعدا بي في الشجرة وأدخلاني دارًا لم أر قط أحسنُ منها فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وصبيان ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل فيها شيوخ وشباب قلت: طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت . قالا : نعم أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتي تبلغ الآفاق فيُصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة.
والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علَّمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار يُفعل به إلى يوم القيامة. والذي رأيته في الثقب فهم الزناة والذي رأيته في النهر آكلوا الربا والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله فأولاد الناس. والذي يوقد النار مالك خازن النار والدار الأولي التي دخلت دار عامة المؤمنين وأما هذه الدار فدار الشهداء وأنا جبريل وهذا ميكائيل فارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب قال ذاك منزلك. قلت: دعاني أدخل منزلي. قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو استكملت أتيت منزلك».
يقول ابن حجر في التفسير(1) قوله: ”باب ما قيل في أولاد المسلمين“ أي غير البالغين قال الزين بن المنير تقدم في أوائل الجنائز ترجمة من مات له ولد فاحتسب.
__________
(1) ابن حجر، تفسير البخاري، ج3، ص 288.(2/441)
وفيها الحديث المصدر به وإنما ترجم بهذه لمعرفة مآل الأولاد ووجه انتزاع ذلك أن من يكون سببًا في حجب النار عن أبويه أولي بأن يحجب هو لأنه أصل الرحمة وسببها. وقال النووي أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن مَنْ مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة. وتوقف فيه بعضهم كحديث عائشة يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ: «توفي صبيٌّ من الأنصار فقلتُ طوبي له لم يعمل سوءًا ولم يدركه فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - «أو غير ذلك ياعائشة إن الله خلق للجنة أهلاً» الحديث قال: والجواب عنه أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة. أهـ.
وقال القرطبي: نفي بعضهم الخلاف في ذلك وكأنه عني ابن أبي زيد فإنه أطلق الإجماع في ذلك ولعله أراد إجماع من يعتد به. وقال المازري الخلاف في غير أولاد الأنبياء. أهـ.(2/442)
ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي هريرة الذي بدأ به كما سيأتي فإن فيه التصريح بإدخال الأولاد الجنة مع آبائهم. وروي عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن علىٍّ مرفوعًا أن المسلمين وأولادهم في الجنة وأن المشركين وأولادهم في النار ثم قرأ: { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم } الآية. وهذا أصحُّ ما ورد في تفسير الآية وبه جزم ابن عباس. إلى أن يقول ابن حجر قوله(1): ”باب ما قيل في أولاد المشركين“ هذه الترجمة تشعر أيضًا بأنه كان متوقفًا في ذلك وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم مما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة كما سيأتي تحريره وقد رتب أيضًا أحاديث هذا الباب ترتيبًا يشير إلى المذهب المختار فإنه صدَّره بالحديث الدال على التوقف ثم ثنَّي بالحديث المرجح لكونهم في الجنة ثم ثلَّث بالحديث المصرح بذلك فإن قوله في سياق «وأما الصبيان حوله فأولاد الناس» قد أخرجه في التعبير بلفظ «وأما الولدان الذين حوله فكلُّ مولود يولد على الفطرة» فقال بعض المسلمين وأولاد المشركين؟ فقال: وأولاد المشركين. ويؤيده ما رواه أبويعلي من حديث أنس مرفوعًا سألت ربِّي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم إسناده حسن وورد تفسير اللاهين بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعًا أخرجه البزار. وروي أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت: قلت: يا رسول الله مَنْ في الجنة؟ قال:«النبيُّ في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة» إسناده حسن.
__________
(1) المصدر السابق، ج3، ص 290.(2/443)
واختلف العلماء قديمًا وحديثًا في هذه المسألة على أقوال: أحدها أنهم في مشيئة الله تعالى وهو منقول عن الحمادين وابن المبارك وإسحق ونقله البيهقي في الاعتقاد عن الشافعي في حق أولاد الكفار خاصة. قال ابن عبد البر: وهو مقتضي صنيع مالك وليس عنده في هذه المسألة شيءٌ منصوص إلا أن أصحابه صرَّحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار خاصة في المشيئة والحجة فيه حديث «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين».
ثانيها: أنهم تبعٌ لآبائهم فأولاد المسلمين في الجنة وأولاد الكفار في النار يقول ابن حجر: وأما حديث «هم من آبائهم أو منهم» فذاك ورد في حكم الحربي. ثالثها: أنهم يكونون في برزخ بين الجنة والنار، لأنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها الجنة ولا سيئات يدخلون بها النار. ورابعها: خدم أهل الجنة، وفيه حديث ضعيف عن أنس أخرجه أبو داود الطيالسي وأبو يعلي وحديث ضعيف عن سمرة مرفوعًا أخرجه الطبراني والبزار. خامسها: أنهم يصيرون ترابًا، وروي عن ثمامة بن أشرس. سادسها: هم في النار حكاه عياض عن أحمد وغلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه ولا يحفظ عن الإمام أصلاً. سابعها: أنهم يمتحنون في الآخرة بأنه «يرفع لهم نار فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا ومن أبَيَ عُذِّبَ» أخرجه البزار من حديث أنس وأبي سعيد وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل. وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون ومن مات في الفترة من طرق صحيحة وحكي البيهقي في كتاب الاعتقاد أنه المذهب الصحيح وتعقب بأن الآخرة ليست دار تكليف فلا عمل فيها ولا ابتلاء وأجيب بأن ذلك بعد أن يقع الاستقرار في الجنة أو في النار، وأما في عرصات القيامة فلا مانع من ذلك وقد قال تعالى: { - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه -(( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - تمت ( قرآن كريم - رضي الله عنه(2/444)
-(( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - ( { ( - قرآن كريم ( - - - - - - - - - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - } (1) وفي الصحيحين أن الناس يؤمرون بالسجود فيصير ظهر المنافق طبقًا فلا يستطيع أن يسجد. ثامنها: أنهم في الجنة، وقد تقدم القول فيه في باب ”فضل من مات له ولد“. قال النووي وهو المذهب الصحيح المختار والذي صار إليه المحققون لقوله تعالى: - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } (2) وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولي ولحديث سمرة المذكور في هذا الباب ولحديث عمة الخنساء المتقدم ولحديث عائشة الآتي قريبًا. تاسعها: الوقف. عاشرها: الإمساك، وفي الفرق بينهما دقة.
__________
(1) القلم، آية: 42.
(2) الإسراء، آية: 15.(2/445)
ثم يتعرض(1) ابن حجر لأحاديث الباب يقول عن حديث ابن عباس لم يسمع ابن عباس هذا الحديث من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بيَّن ذلك أحمد من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: «كنت أقول في أولاد المشركين هم منهم حتي حدثني رجلٌ عن رجلٍٍٍِِ من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فلقيته فحدثني عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ربُّهم أعلم بهم هو خلقهم وهو أعلم بما كانوا عاملين» فأمسكت عن قولي» انتهى. ويقول ابن حجر في ثاني أحاديث الباب حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو طرف من ثاني أحاديث الباب كما سيأتي في القدر من طريق همام عن أبي هريرة ففي آخره قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال - صلى الله عليه وسلم - : «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين» وكذا أخرجه مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ «فقال رجل: يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك» ولأبي داود عن طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحو رواية همَّام وأخرج أبو داود عَقِبه عن ابن وهب سمعت مالكًا وقيل له إن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث يعني قوله فأبواه يهودانه أو ينصرانه فقال مالك احتج عليهم بآخره الله أعلم بما كانوا عاملين. ووجه ذلك أن أهل القدر استدلوا على أن الله فطرَ العباد على الإسلام وأنه لا يضل أحدًا وإنما يضل الكافرَ أبواه فأشار مالك إلى الرد عليهم بقوله الله أعلم فهو دال على أنه يعلم بما يصيرون إليه بعد إيجادهم على الفطرة فهو دليل على تقدم العلم الذي ينكره غلاتهم ومن ثم قال الشافعي أهل القدر إن أثبتوا العلم خُصموا ثم يقول ابن حجر عن الحديث الثالث لأبي هريرة أيضًا قوله «يولد على الفطرة» ظاهره تعميم الوصف المذكور في جميع المولودين وأصرح منه رواية يونس المتقدمة بلفظ «ما من مولود إلا يولد على الفطرة» ولمسلم عن طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ «ليس من
__________
(1) ابن حجر، تفسير البخاري، ج3، ص 291.(2/446)
مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتي يعبر عنه لسانه» وفي رواية له من هذا الوجه «ما من مولود إلا وهو على الملة» وحكي ابن عبد البر عن قوم أنه لا يقتضي العموم وأن المراد أن كل من ولد على الفطرة وكان له أبوان على غير الإسلام نقلاه إلى دينهما. ثم يقول ابن حجر: وقد اختلف السلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة وحكي أبو عبيد أنه سأل محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن ذلك فقال كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل الأمر بالجهاد وقال أبو عبيد كأنه عني أنه لو كان يولد على الإسلام فمات قبل أن يهوده أبواه مثلاً لم يرثاه والواقع في الحكم أنهما يرثان فدل على تغير الحكم وقد تعقبه ابن عبد البر وغيره. وسبب الاشتباه أنه حمله على أحكام الدنيا فلذلك ادعي فيه النسخ والحق أنه إخبار من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بما وقع في نفس الأمر ولم يرد به إثبات أحكام الدنيا. وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام، قال ابن عبد البر هو المعروف عند عامة السلف. وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى { - عليه السلام - - (((( - تَ ?( - - - (( - { - - - - عليه السلام - - - ( - ( { } - } - - - - - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( } (1) الإسلام. واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب اقرؤوا إن شئتم - عليه السلام - - ((((?? { ?تَ ( - - - (( - { - - - - عليه السلام - - - ( - ( { } - } - - - - - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( } وبحديث عياض بن حمار عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربِّه «إنِّي خلقتُ عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين عن دينهم» الحديث وقد رواه غيره فزاد فيه حنفاء مسلمين ورجَّحه بعض المتأخرين بقوله تعالى { فِطْرَتَ ( - - - ... } لأنها إضافة مدح وقد أمر نبيه بلزومها فعلم أنها الإسلام، وقال ابن جرير قوله { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( -
__________
(1) الروم، آية: 30.(2/447)
- صلى الله عليه وسلم - - - ( - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - } (1) أي سدِّد لطاعته { - - ( - ( - - مقدمة } أي مستقيمًا { - عليه السلام - - (((( - تَ ( - - - } أي صبغة الله وهو منصوب على المصدر الذي دلَّ عليه الفعل الأول أو منصوب بفعل مقدَّر أي الزم وقد سبقه قبل أبواب قول الزهري في الصلاة على المولود من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام وسيأتي في تفسير سورة الروم جزم المصنف أن الفطرة الإسلام وقد قال أحمد: مَنْ مات أبواه وهما كافران حكم بإسلامه واستدل بحديث الباب فدل على أنه فسر الفطرة بالإسلام، وتعقبه بعضهم بأنه كان يلزم أنه لا يصح استرقاقه ولا يحكم بإسلامه إذا أسلم أحد أبويه. والحق أن الحديث مسيق لبيان ما هو في نفس الأمر لا لبيان الأحكام في الدنيا، وروى أبو داود عن حمَّاد بن سلمة أنه قال المراد أن ذلك حيث أخذ الله عليهم العهد حيث قال: { ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - } (2) ونقله ابن عبد البر عن الأوزاعي وعن سحنون ونقله أبو يعلي ابن الفراء عن إحدي الروايتين عن أحمد وهو ما حكاه الميموني عنه وذكره ابن بطة وقد سبق في باب إسلام الصبي في آخر حديث الباب من طريق يونس ثم يقول فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى قوله القيم وظاهره أنه من بقية الحديث المرفوع وليس كذلك بل هو من كلام أبي هريرة أُدرج في الخبر بينه مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري ولفظه ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم قال الطيبي ذكر هذه الآية عقب هذا الحديث يقوي ما أوله حماد بن سلمة من أوجه: أحدها أن التعريف في قوله على الفطرة إشارة إلى معهود وهو قوله تعالى { - عليه السلام - - (((( - تَ ?( -
__________
(1) الروم، آية: 30.
(2) الأعراف، آية: 172.(2/448)
- - } ومعنى المأمور في قوله تعالى { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } أي اثبت على العهد القديم. ثانيها: ورود الرواية بلفظ الملة بدل الفطرة والدين في قوله: { ((((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - ( - ( - - مقدمة } هو عين الملة قال تعالى: { - - جل جلاله -- جل جلاله - - ( - - - - - عليه السلام - - ( - - - { - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - - (( - } - عليه السلام - - ( - ( { - - ( - ( - - مقدمة } ويؤيده حديث عياض المتقدم. ثالثها: التشبيه بالمحسوس المعاين ليفيد أن ظهوره يقع في البيان مبلغ هذا المحسوس قال والمراد تمكن الناس من الهدي في أصل الجبلة والتهيؤ لقبول الدين فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد. انتهى.
وإلي هذا مال القرطبي في المفهم فقال: «إن اللهَ خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة(1) للمرئيات والمسموعات فما دامت باقية على ذلك القبول وعلي تلك الأهلية أدركت الحق. ودين الإسلام هو الدين الحق وقد دلَّ على هذا المعنى بقية الحديث حيث قال كما تنتج البهيمة يعني أن البهيمة تلد الولد كامل الخلقة فلو ترك كذلك كان بريئًا من العيب ولكنهم تصرفوا فيه بقطع أذنه مثلاً فخرج عن الأصل وهو تشبيه واقع ووجه واضح والله أعلم».
__________
(1) في آخر سياق آية: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُكَ... ( قال تعالى: ( لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا، وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا، أُوْلَئكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُوْلَئكَ هُمْ الغَافِلُونَ (. الأعراف، آية: 179(2/449)
وقال ابن القيم: ليس المراد بقوله: «يولد على الفطرة» أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين لأن الله يقول: { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمت قرآن كريم ((( - ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنهم - - } تم بحمد الله ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - (( - - - - (( - - { } (1). لكن المراد أن فطرته مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته فنفس الفطرة تستلزم الإقرار والمحبة وليس المراد مجرد قبول الفطرة لذلك لأنه لا يتغير بتهويد الأبوين مثلاً بحيث يخرجان الفطرة عن القبول وإنما المراد أن كل مولود يولد على إقراره بالربوبية ولو خلي وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من ارتضاع اللبن حتي يصرفه عنه الصارف ومن ثم شبهت الفطرة باللبن بل كانت إياه في تأويل الرؤيا والله أعلم.
__________
(1) النحل، آية: 78.(2/450)
وفي المسألة أقوال أخرى ذكرها ابن عبد البر وغيره منها قول ابن المبارك أن المراد أنه يولد على ما يصير إليه من شقاوة أو سعادة فمن(1) علم الله أنه يصير مسلمًا ولد على الإسلام ومن علم الله أنه يصير كافرًا ولد على الكفر فكأنه أوَّل الفطرة بالعلم وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يكن لقوله فأبواه يهودانه... إلخ» معني لأنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها فينافي في التمثيل بحال البهيمة. ومنها أن المراد أن الله خلق فيهم المعرفة والإنكار فلما أخذ الميثاق من الذرية قالوا جميعًا: بلي. أما أهل السعادة فقالوها طوعًا وأما أهل الشقاوة فقالوها كرهًا، وقال محمد بن نصر: سمعت إسحق بن راهويه يذهب إلى هذا المعنى ويرجحه، ومنها أن المراد بالفطرة الخلقة أي يولد سالمًا لا يعرف كفرًا ولا إيمانًا ثم يعتقد إذا بلغ التكليف ورجحه ابن عبد البر وقال أنه يطابق التمثيل بالبهيمة ولا يخالف حديث عياض لأن المراد بقوله: حنيفًا أي على استقامة وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقتصر في أحوال التبديل على ملل الكفر دون ملة الإسلام ولم يكن لاستشهاد أبي هريرة بالآية معنى، ومنها قول بعضهم أن الغلام في الفطرة للعهد أي فطرة أبويه وهو متعقب في الذي ذكر قبله فيؤيد المذهب الصحيح أن قوله فأبواه يهودانه ليس فيه لوجود الفطرة شرط بل ذكر ما يمنع موجبها كحصول اليهودية مثلاً متوقف على أشياء خارجة عن الفطرة بخلاف الإسلام. وقال ابن القيم: سبب اختلاف العلماء في معنى الفطرة في هذا الحديث أن القدرية كانوا يحتجون على أن الكفر والمعصية ليسا بقضاء الله بل مما ابتدأ الناس إحداثه فحاول جماعة من العلماء مخالفتهم بتأويل الفطرة على غير معنى الإسلام ولا حاجة لذلك لأن الآثار المنقولة من السلف تدل
__________
(1) لهذا الكلام وجه سيأتي بيانه بعد جمع أطراف الموضوع لعل الأمر لا يرجع إلى ذلك بل الأخبار تعطى ما ذهب إليه العلماء والمسألة تحتاج إلى توفيق يجمع أطراف الموضوع.(2/451)
على أنهم لم يفهموا من لفظ الفطرة إلا الإسلام ولا يلزم من حملها على ذلك موافقة مذهب القدرية لأن قوله: «فأبواه يهودانه... إلخ». محمول على أن ذلك يقع بتقدير الله تعالى ومن ثم احتج عليهم مالك بقوله في آخر الحديث: «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين». إلى أن يقول ابن حجر(1) :”تنبيه“ ذكر ابن هشام في المغني عن ابن هشام الخضراوي أنه جعل هذا الحديث شاهدًا لورود ”حتي“ للاستثناء فذكره بلفظ كل مولود يولد على الفطرة حتي يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه. وقال: ولك أن تخرجه على أن فيه حذف أي يولد على الفطرة ويستمر على ذلك حتي يكون يعني فتكون للغاية على بابها. انتهى.
ومال صاحب ”المغني“ في موضع آخر أنه ضمَّن «يولد» معنى ينشأ مثلاً. وقد وجدت الحديث في تفسير بن مردويه عن طريق الأسود بن سريع بلفظ «ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فماتزال عليها حتي يبين عنها لسانها» الحديث وهو يؤيد الاحتمال المذكور. واللفظ الذي ساقه الخضراوي لم أره في الصحيحين ولا غيرهما إلا أن عند مسلم كما تقدم في رواية «حتى يُعرِب عنه لسانه» ثم وجدت أبا نعيم في مستخرجه على مسلم أورد الحديث من طريق كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري بلفظ «ما من مولود يولد في بني آدم إلا يولد على الفطرة حتي يكون أبواه يهودانه» الحديث وكذا أخرجه بن مردويه من هذا الوجه وهو عند مسلم عن حاجب بن الوليد عن محمد بن حرب بلفظ «ما من مولود إلا يولد على الفطرة أبواه يهودانه» الحديث. أهـ.
__________
(1) ابن حجر، تفسير البخاري، ج3، ص 295.(2/452)
يقول ابن كثير(1) في نفس الموضوع في تفسير قوله تعالى { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } (2) :
فصل: إذا تقرر هذا فقد اختلف الناس في ولدان المشركين على أقوال:
أحدها: أنهم في الجنة واحتجوا بحديث سمرة أنه - صلى الله عليه وسلم - رأي مع إبراهيم - عليه السلام - أولاد المسلمين وأولاد المشركين بما تقدم في رواية أحمد عن خنساء عن عمتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «والمولود في الجنة» وهذا استدلال صحيح ولكن أحاديث الامتحان أخص منه فمن علم الله منه أنه يطيع جعل روحه في البرزخ مع إبراهيم وأولاد المسلمين الذين ماتوا على الفطرة ومن علم الله منه أنه لا يجيب فأمره إلى الله تعالى ويوم القيامة يكون في النار كما دلت عليه أحاديث الامتحان ونقله الأشعري عن أهل السنة. إلى أن يقول: القول الثاني إنهم مع آبائهم في النار. واستدل عليه بما رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي المغيرة حدثنا عتبة بن ضمرة بن حبيب حدثني عبد الله بن أبي قيس مولي غطيف أنه أتي عائشة فسألها عن ذراري الكفار فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هم تبعٌ لآبائهم» فقلت يا رسول الله بلا أعمال؟ فقال: «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين» وأخرجه أبو داود من حديث محمد بن حرب عن محمد بن زياد الألهاني سمعت عبد الله بن أبي قيس سمعت عائشة تقول: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المؤمنين قال: «هم مع آبائهم» قلت: فذراري المشركين؟ قال: «هم مع آبائهم» فقلت: بلا عمل؟ قال: «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين».
أقول وفي تحقيق الحديثين:
__________
(1) ابن كثير ج3، ص31.
(2) الإسراء، آية: 15.(2/453)
أبو المغيرة: عبد القدوس بن الحجاج الخولاني قال عنه أبو حاتم: صدوق نكتب حديثه. وقال عنه ابن حجر: ثقة روي له الستة.
عتبة بن ضمرة: قال عنه أبو حاتم: صالح وقال عنه ابن حجر صدوق، عبد الله بن أبي قيس: صالح الحديث هذا قول أبي حاتم فيه وقال فيه ابن حجر: ثقة روى له أصحاب الكتب الستة باستثناء البخاري الذي روى له في الأدب.
وعن حديث أبي داود: محمد بن حرب قال عنه يحيي بن معين: ثقة وقال عنه أبو حاتم أنه صالح الحديث وقال عنه ابن حجر: ثقة روي له الستة. محمد بن زياد الألهاني: وثَّقَه يحيي بن معين وأحمد بن حنبل وقال عنه أبو حاتم: لا بأس به وقال ابن حجر: ثقة روي له البخاري وأصحاب السنن.
ويقول ابن كثير وروى أبو داود من حديث ابن أبي زائدة عن أبيه عن الشعبي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الوائدة والمؤودة في النار» ثم قال الشعبي حدثني به علقمة عن أبي وائل عن ابن مسعود يقول ابن كثير وقد رواه جماعة عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن قيس الأشجعي قال أتيت أنا وأخي النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقلنا إن أمنا ماتت في الجاهلية وكانت تقري الضيف وتصل الرحم وأنها وأدت أختًا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فقال: «الوائدة والمؤودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم» يقول ابن كثير وهذا الإسناد حسن.
القول الثالث(1) : التوقف فيهم. واعتمدوا على قوله - صلى الله عليه وسلم -:«الله أعلم بما كانوا عاملين» وهو في الصحيحين من حديث جعفر بن أبي إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» وكذلك هو في الصحيحين من حديث الزهري عن عطاء بن يزيد وعن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن أطفال المشركين فقال : «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين». أهـ.
__________
(1) ابن كثير ج3، ص 32.(2/454)
يقول ابن كثير(1): «”فصل“ وليعلم أن هذا الخلاف مخصوص بأطفال المشركين. فأما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء كما حكاه القاضي أبو يعلي بن الفراء الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف فيهم إنهم من أهل الجنة وهذا هو المشهور بين الناس وهو الذي نقطع به إن شاء الله - عز وجل - فأما ما ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر عن بعض العلماء أنهم توقفوا في ذلك وأن الولدان كلهم تحت المشيئة قال أبو عمر ذهب إلى هذا القول جماعة من أهل الفقه والحديث منهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك وإسحق بن راهويه وغيرهم. قالوا وهو يشبه ما رسم مالك في موطئه في أبواب القدر وما أورده من الأحاديث في ذلك وعلي ذلك أكثر أصحابه وليس عن مالك فيه شيء منصوص إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال المشركين خاصة في المشيئة. انتهى كلامه وهو غريب جدًا.
وقد ذكر أبو عبد الله القرطبي في كتاب ”التذكرة“ نحو ذلك أيضًا والله أعلم. وقد ذكروا في ذلك أيضًا حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: دعى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت يا رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه فقال: «أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة». أهـ.
تحقيق أحاديث الامتحان
__________
(1) الاستغراب لكون الأولاد كلهم في المشيئة، وليس أولاد المشركين فقط أما كون أولاد المشركين في المشيئة فهذا هو المذهب المنصور عند جمهور العلماء المتقدمين.(2/455)
ما ذكره ابن كثير من الأحاديث تحت عنوان «الحديث الأول» من طرق فكلها صحيحة وهي التي نقلناها عنه في بداية عرضنا لموضوع الجهل مع خفاء الدليل وانقطاع دعوة الرسل وهذه الطرق ليس فيها ذكر الولدان وقد ذكر خمسة طرق أخرى جاء في أربعة منها ذكر المولود وفي الخامسة الهالك صغيرًا، الطريق الأول والثاني عن طريق جرير بن عبد الحميد عن أنس - رضي الله عنه - والطريقين الثالث والرابع فعن طريق فضيل بن مرزوق عن أبي سعيد الخدري والطريق الخامس فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -.
الحديث الأول :
قال الحافظ أبو يعلي حدثنا أبو خيثمة حدثنا جرير عن ليث عن عبد الوارث عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يؤتي بأربعة يوم القيامة المولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الفاني الهرم كلهم متكلم بحجته فيقول الربُّ تبارك وتعالى لعنق من النار أبرز ويقول لهم إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه قال فيقول من كتب عليه الشقاء يارب أنَّي ندخلها ومنها كنا نفر قال ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعًا قال: فيقول الله تعالى أنتم لرسلي أشد تكذيبًا ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار. وهكذا رواه البزار عن يوسف بن موسي عن جرير بن عبد الحميد بإسناده مثله.
تحقيق الحديث:
أبو خيثمة: وهب بن حرب قال يحيي بن معين أنه يكفي قبيلة ـ يعني أنه ثقة ـ وقال أبو حاتم صدوق وقال بن حجر ثقة ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث.
جرير بن عبد الحميد الضبي: قال عنه ابن حجر: ثقة صحيح الكتاب، قيل كان في آخر عمره يهم في حفظه، روى له الستة.
ليث: هو الليث بن أبي سليم. قال عنه أبو حاتم وأبو زرعة: لا يُشْتَغَل مضطرب الحديث. وقال عنه أبو زرعة: لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث. وقال يحيى بن معين ليس حديثه بذاك، ضعيف.(2/456)
عبد الوارث: مولي أنس بن مالك قال عنه أبو حاتم هو شيخ ـ يعني يكتب حديثه ولا يحتج به ـ فعلي هذا فالحديث ضعيف بروايتيه والضعف من جهة الاضطراب عند الليث بن أبي سليم.
الحديث الثاني:
قال الإمام محمد بن يحيى الذهلي حدثنا سعيد بن سليمان عن فضيل ابن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الهالك في الفترة والمعتوه والمولود يقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب، ويقول المعتوه ربِّ لم تجعل لي عقلاً أعقل به خيرًا ولا شرًا، ويقول المولود ربِّ لم أدرك العقل، فترفع لهم نار فيقال لهم ردوها قال فيردها من كان في علم الله سعيدًا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان في علم الله شقيًا لو أدرك العمل فيقول إياي عصيتم فكيف لو أن رسلي أتتكم» وكذا رواه البزار عن محمد بن عمر بن هياج الكوفي عن عبيد الله بن موسي عن فضيل بن مرزوق ثم قال لا يعرف من حديث أبي سعيد إلا من طريقه عن عطية عنه وقال في آخره «فيقول الله إياي عصيتم فكيف برسلي بالغيب»
تحقيق الحديث
محمد بن يحيي الذهلي النيسابوري: ثقة حافظ جليل إمام من أئمة المسلمين.
سعيد بن سليمان الواسطي: ثقة حافظ روي له الستة وقال عنه أبو حاتم ثقة مأمون ولعله أوثق من عفان إن شاء الله.
فضيل بن مرزوق: قال عنه ابن حجر صدوق يهم ورمي بالتشيع وقال يحيي بن معين ثقة، وقال أحمد بن حنبل لا أعلم إلا خيرًا، وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن فضيل بن مرزوق فقال هو صدوق صالح الحديث يهم كثيرًا يكتب حديثه قلت يحتج به؟ قال: لا.
عطية العوفي: هو عقبة بن سعيد العوفي قال عنه بن حجر: صدوق يخطئ كثيرًا كان شيعيًا مدلسًا. وقال عنه أحمد بن حنبل هو ضعيف الحديث، وقيل ليحيي بن معين كيف حديث عطية: قال صالح وقال عنه أبو حاتم ضعيف الحديث يكتب حديثه وقال عنه أبو زرعة كوفي لين.
وعليه فالحديث أيضًا ضعيف من جهة الخطأ والوهم.
الحديث الثالث:(2/457)
قال هشام ابن عمار ومحمد بن المبارك الصوري حدثنا عمرو بن واقد عن يونس بن جليس عن أبي إدريس الخولاني عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يؤتي يوم القيامة بالممسوخ عقلاً وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرًا فيقول الممسوخ يا رب لو آتيتني عقلاً ما كان من آتيته عقلاً بأسعد مني» وذكر الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك فيقول الربُّ - عز وجل - «إنِّي آمركم فتطيعوني؟ فيقولون نعم. فيقول: اذهبوا فادخلوا النار قال لو دخلوها ما ضرتهم فتخرج عليهم قوابص فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعًا ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك فيقول الربُّ - عز وجل - قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون وعلي علمي خلقتكم وإلي علمي تصيرون ضميهم فتأخذهم النار».
تحقيق الحديث:
هشام بن عمار: قال عنه أبو حاتم : صدوق. وقال لما كبر تغير وكلما دفع إليه قرأ وكلما لقن تلقن وكان قديمًا أصح كان يقرأ من كتابه وكلام ابن حجر فيه قريب من هذا.
محمد بن المبارك الصوري: قال ابن حجر: ثقة روي له الستة. قال ابن أبي حاتم هو ثقة.
عمرو بن واقد: قال ابن حجر متروك. وقال أبو مسهر عمرو بن واقد ليس بشيء. وقال أبو حاتم ضعيف الحديث منكر الحديث.
يونس بن ميسرة بن جليس: قال عنه ابن حجر ثقة عابد ولم يتكلم فيه ابن أبي حاتم بجرح أو تعديل.
أبو إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله: ولد يوم حنين وسمع من كبار الصحابة وكان عالم الشام بعد أبي الدرداء روي له الستة.
وعليه فالحديث ضعيف من جهة عمرو بن واقد.
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الموضوع(1)
__________
(1) مجموع الفتاوى، ج4، ص243.(2/458)
يقول ردًا لقول مَنْ قال: كل مولود على ما سبق له في علم الله أنه سائر إليه: «معلوم أن جميع المخلوقات بهذه المثابة. فجميع البهائم هي مولودة على ما سبق في علم الله لها وحينئذ فيكون كل مخلوق مخلوقًا على الفطرة وأيضًا فلو كان المراد ذلك لم يكن لقوله فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه معني فإنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها فلا فرق بين التهويد والتنصير ثم قال: فتمثيله - صلى الله عليه وسلم - بالبهيمة التي ولدت جمعاء ثم جدعت يبين أن أبويه غيَّرا ما ولد عليه ثم يقال: وقولكم خلقوا خالين من الإنكار والمعرفة من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدًا منهما بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان والكفر وليس هو لأحدهما أقبل منه للآخر فهذا قول فاسد جدًا فحينئذ لا فرق بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار والتهويد والتنصير والإسلام، وإنما ذلك بحسب الأسباب فكان ينبغي أن يقال فأبواه يسلمانه ويهودانه وينصرانه فلما ذكر أن أبويه يكفرانه وذكر الملل الفاسدة دون الإسلام، عُلم أن حكمه في حصول سبب مفصل غير حكم الكفر ثم قال ففي الجملة كل ما كان قابلاً للمدح والذم على السواء لا يستحق مدحًا ولا ذمًا واللهُ تعالى يقول: { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - ( - ( - - مقدمة - المحتويات - عليه السلام - - (((( ( - - - (( - { - - - - عليه السلام - - - ( - ( { } - } - - - - - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( } وأيضًا فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - شبَّهها بالبهيمة المجتمعة الخلق وشبَّه ما يطرأ عليها من الكفر بجدع الأنف ومعلوم أن كمالها محمود ونقصها مذموم فكيف تكون قبل النقص لا محمودة ولا مذمومة والله أعلم».(2/459)
سئل ابن تيمية(1) «عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل مولود يولد على الفطرة» ما معناه؟ أراد فطرة الخلق أم فطرة الإسلام وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - «الشقي من شقي في بطن أمه» الحديث هل ذلك خاص أم عام؟ وفي البهائم والوحوش هل يحييها الله يوم القيامة أم لا؟ فأجاب:
الحمد لله أما قوله - صلى الله عليه وسلم - «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» فالصواب أنها فطرة الله التي فطر النَّاس عليها وهي فطرة الإسلام وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال: { ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - } (2) وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة. فإن حقيقة الإسلام أن يستسلم لله لا لغيره وهو معنى لا إله إلا الله وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك فقال - صلى الله عليه وسلم -: «كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء» يبين أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن وأن العيب حادث طارئ.
__________
(1) مجموع الفتاوى، ج4، ص245.
(2) الأعراف، آية:172.(2/460)
وفي ”صحيح مسلم“ عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن الله - عز وجل - «إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرَّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا» ولهذا ذهب الإمام أحمد في المشهور عنه إلى أن الطفل متي مات أحد أبويه الكافرين حكم بإسلامه لزوال الموجب للتغيير عن أصل الفطرة. وقد روي عنه وعن ابن المبارك أنهما قالا: يولد على ما فُطِرَ عليه من شقاوة وسعادة. وهذا القول لا ينافي الأول فإن الطفل يولد سليمًا وقد علم الله أنه سيكفر فلابد أن يصير إلى ما سبق له في أمِّ الكتاب كما تولد البهيمة جمعاء وقد علم الله أنها ستجدع وهذا معنى ما جاء في ”صحيح مسلم“ عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغلام الذي قتله الخضر: «طبع يوم طبع كافرًا ولو ترك لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا» يعني طبعه الله في أمِّ الكتاب أي كتبه وأثبته كافرًا أي أنه إن عاش كفر بالفعل ولهذا لما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن يموت من أطفال المشركين وهو صغير قال - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين» أي أن الله يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر لو بلغوا ثم إنه قد جاء في حديث إسناده مقارب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كان يوم القيامة فإن الله يمتحنهم فيبعث إليهم رسولاً في عرصة القيامة فمن أجابه أدخله الجنة ومن عصاه أدخله النار» فهنالك يظهر فيهم ما علمه الله سبحانه ويجزيهم على ما ظهر من العلم وهو إيمانهم وكفرهم لا على مجرد العلم وهذا أجود ما قيل في أطفال المشركين وعليه تتنزل جميع الأحاديث ومثل الفطرة مع الحق مثل ضوء العين مع الشمس. وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأي الشمس والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس وكذلك أيضًا كل ذي(2/461)
حس سليم يحب الحلو إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مرًا ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته الحق الذي هو الإسلام بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلمًا وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع هي فطرة الله التي فطر الناس عليها وأما الحديث المذكور فقد صحَّ عن ابن مسعود أنه كان يقول - صلى الله عليه وسلم -: «الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد مَنْ وُعِظَ بغيره» وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات فيقال: اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح» وهذا عام في كل نفس منفوسة ـ وقد علم الله سبحانه بعلمه الذي هو صفة له ـ الشقي من عباده والسعيد وكتب سبحانه ذلك في اللوح المحفوظ ويأمر الملك أن يكتب حال كل مولود ما بين خلق جسده ونفخ الروح فيه إلى كتب أخر يكتبها الله ليس هذا موضعها ومن أنكر العلم القديم في ذلك فهو كافر». أهـ.
وقال أيضًا رحمه الله: «كل مولود يولد على الفطرة فإنه - سبحانه وتعالى - فطرَ القلوب على أنه ليس في محبوباتها ومراداتها ما تطمئن إليه وتنتهي إليه إلا الله وإلا فكل ما أحبه المحب يجد من نفسه أن قلبه يطلب سواه ويحب أمرًا غيره يتألهه ويصمد إليه ويطمئن إليه ويري ما يشبهه من أجناسه ولهذا قال: { - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - ( - ( - - - - (((- رضي الله عنهم - - (( - - ( - قرآن كريم ( - ( { ( - - - } (1)»
__________
(1) الرعد، آية: 28.(2/462)
سئل شيخ الإسلام عن الصغير وعن الطفل إذا مات هل يمتحن(1)... إلخ؟
«المذهب(2) الوقوف فيهم وأن يقال: «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين» وإذا مات الطفل فهل يمتحن في قبره ويسأله منكر ونكير؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره أحدهما: أنه لا يمتحن وإن المحنة إنما تكون على من كلف في الدنيا قاله طائفة منهم القاضي أبو يعلي وابن عقيل. والثاني: أنهم يمتحنون. ذكره أبو حكيم الهمداني وأبو الحسن بن عبدوس ونقله عن أصحاب الشافعي وعلي هذا التفصيل ـ تلقين الصغير والمجنون ـ من قال أنه يمتحن في القبر لقنه، ومن قال لا يمتحن لم يلقنه. وقد روي مالك وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على طفل فقال: «اللهم قِهِ عذاب القبر وفتنة القبر» وهذا القول موافق(3) لقول من قال إنهم يمتحنون في الآخرة وأنهم مكلفون يوم القيامة كما هو قول أكثر أهل العلم(4) وأهل السنة من أهل الحديث والكلام وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة واختاره وهو مقتضي نصوص الإمام أحمد والله أعلم.
__________
(1) مجموع الفتاوى، ج4، ص277.
(2) سبق في بداية الكلام.
(3) ليس الأمر كذلك لأن هذا الطفل من أطفال المسلمين وليس من أطفال المشركين.
(4) لم ينقل هذا عن المتقدمين ولا أكثر المتأخرين.(2/463)
وإذا دخل أطفال المؤمنين الجنة فأرواحهم وأرواح غيرهم من المؤمنين في الجنة وإن كانت درجاتهم متفاضلة والصغار يتفاضلون بتفاضل آبائهم وتفاضل أعمالهم ـ إذا كانت لهم أعمال ـ فإن إبراهيم بن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليس هو كغيره والأطفال الصغار يثابون على ما يفعلونه من الحسنات وإن كان القلم مرفوعًا عنهم في السيئات كما ثبت في الصحيح أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رفعت إليه امرأة صبياً من محفة فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم ولك أجر» رواه مسلم في صحيحه، وفي السنن أنه قال مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرِّقوا بينهم في المضاجع وكانوا يصوِّمونَ الصغار يوم عاشوراء وغيره فالصبي يثاب على صلاته وصومه وحجه وغير ذلك من أعماله ويفضل بذلك على من لم يعمل كعمله وهذا غير ما يفعل به إكرامًا لأبويه كما أنه في النعم الدنيوية قد ينتفع بما يكسبه وما يعطيه أبواه ويتميز بذلك على من ليس كذلك وأرواح المؤمنين في الجنة كما جاءت بذلك الآثار وهو كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «نسمة المؤمن تعلق من الجنة» أي تأكل ولم يوقت في ذلك وقت قبل يوم القيامة والأرواح مخلوقة بلا شك وهي لا تعدم ولا تفني ولكن موتها مفارقة الأبدان، وعند النفخة الثانية تعاد الأرواح إلى الأبدان، وأهل الجنة الذين يدخلونها على صورة أبيهم آدم - عليه السلام - طول أحدهم ستون ذراعًا كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة. إلى أن يقول: وأما الورود المذكور في قوله تعالى: { تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( } تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( { - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - - - ( - - مقدمة - صدق الله العظيم - ((( { } تم بحمد الله } (1)
__________
(1) مريم، آية: 71.(2/464)
.
فقد فسره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح رواه مسلم في صحيحه عن جابر «بأنه المرور على الصراط» والصراط هو الجسر فلابد من المرور عليه لكل من يدخل الجنة من كان صغيرًا في الدنيا ومن لم يكن.
و«الولدان» الذين يطوفون على أهل الجنة خلق من خلق الجنة ليسوا من أبناء الدنيا بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة كمل خلقهم كأهل الجنة على صورة آدم أبناء ثلاث وثلاثين سنة في طول ستين ذراعًا وقد روي أن العرض سبعة أذرع والله أعلم».
سئل شيخ الإسلام عن الصغير هل يحيا ويسأل أو يحيا ولا يسأل وبماذا يسأل عنه؟ وهل يستوي في الحياة والسؤال من يكلف ومن لا يكلف؟ فأجاب(1):
__________
(1) مجموع الفتاوى، ج4، ص280.(2/465)
«الحمد لله ربِّ العالمين، أما من ليس مكلفًا كالصغير والمجنون فهل يمتحن في قبره ويسأله منكر ونكير على قولين للعلماء أحدهما: أنه يمتحن وهو قول أكثر أهل السنة ذكره أبو الحسن بن عبدوس عنهم وذكره أبو حكيم النهرواني وغيرهما. والثاني: أنه لا يمتحن في قبره كما ذكره القاضي أبو يعلي وابن عقيل وغيرهما قالوا لأن المحنة إنما تكون لمن يكلف في الدنيا ومن قال بالأول يستدل بما في الموطأ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على صغير لم يعمل خطيئة قط فقال: «اللهم قِهِ عذابَ القبرِ وفِتنةَ القبرِ» وهذا يدل على أنه يفتن، وأيضًا فهذا مبني على أن أطفال الكفار الذين لم يكلفوا في الدنيا يكلفون في الآخرة كما وردت بذلك أحاديث متعددة وهو القول الذي حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة فإن النصوص عن الأئمة كالإمام أحمد وغيره الوقف في أطفال المشركين كما ثبت في الصحيحين عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عنهم فقال: «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين» وثبت في صحيح البخاري من حديث سمرة أن منهم من يدخل الجنة وثبت في صحيح مسلم أن الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرًا فإن كان الأطفال وغيرهم فيهم شقي وسعيد فإذا كان ذلك لامتحانهم في الدنيا لم يمنع امتحانهم في القبور لكن هذا مبني على أنه لا يشهد لكل معين من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة وإن شهد لهم مطلقًا فالطفل الذي ولد بين المسلمين قد يكون منافقًا بين مؤمنين والله أعلم.
ويقول شيخ الإسلام في كلام له عن عذاب القبر(1): واعلم أن مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب وأن ذلك يحصل لروحه ولبدنه وأن الروح تبقي بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة وأنها تتصل بالبدن أحيانًا فيحصل له معها النعيم والعذاب.
__________
(1) مجموع الفتاوى، ج4، ص 284.(2/466)
ويقول(1) عن عذاب القبر في حق المسلمين في الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهم - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله» ثم دعا بجريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة فقالوا يا رسول الله لِمَ فعلت هذا؟ قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».
ويقول عن عذاب القبر في حق المشركين قبل البعثة وفي هذا دليل أيضًا بالإضافة إلى ما سقناه قبل ذلك من أدلة على أنهم غير معذورين بالجهل على الشرك كما يزعم من لا علم له.
يقول(2): وفي ”صحيح مسلم“ عن زيد بن ثابت قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حائط لبني النجار على بغلة ونحن معه إذ جالت به فكادت تلقيه فإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال: «من يعرف هذه القبور» فقال رجل: أنا. قال: فمتي هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك. فقال: «إن هذه الأمة تبتلي في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه» ثم أقبل علينا بوجهه فقال: «تعوذوا بالله من عذابِ القبر» قالوا نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: «تعوذوا بالله من عذاب النار» قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. قال: «تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن» قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوذوا بالله من فتنة الدجال» قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال.
ويقول عن الكفار والمنافقين بعد البعثة يقول ـ بعد كلام ـ ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم إذا مغلت إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالإسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بني عبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما، فقد قيل إن الخيل إذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة ما يذهب بالمُغل». أهـ.
__________
(1) مجموع الفتاوى، ج4، ص 285.
(2) المصدر السابق، ج4، ص 285.(2/467)
ويقول شيخ الإسلام(1): وأطفال الكفار أصح الأقوال فيهم «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين» كما أجاب بذلك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح وطائفة من أهل الحديث وغيرهم قالوا أنهم كلهم في النار وذكر أنه من نصوص أحمد وهو غلط على أحمد وطائفة جزموا بأنهم كلهم في الجنة واختار ذلك أبو الفرج بن الجوزي وغيره واحتجوا بحديث فيه رؤيا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لما رأي إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - وعنده أطفال المؤمنين قيل: يا رسول الله وأطفال المشركين. قال: وأطفال المشركين. والصواب أن يقال «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين» ولا نحكم لمعين منهم بجنة ولا نار. وقد جاء في عدة أحاديث أنهم يوم القيامة في عرصات القيامة يؤمرون وينهون فمن أطاع دخل الجنة ومن عصي دخل النار وهذا هو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة، والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار، وأما عرصات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ فيقال لأحدهم من ربُّك وما دينك ومن نبيك وقال تعالى: { - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه -(( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - تمت ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - ( { ( - قرآن كريم ( - - - - - - - - - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - } (2) الآية. وقد ثبت في الصحاح من غير وجه حديث تجلي الله لعباده في الموقف إذا قيل: «ليتبع كل قوم ما كانوا يعبدون فيتبع المشركون آلهتهم ويبقي المؤمنون فيتجلى لهم الربُّ في غير الصورة التي يعرفون فينكرونه ثم يتجلي لهم في الصورة التي يعرفونها فيسجد له المؤمنون وتبقي ظهور
__________
(1) مجموع الفتاوى، ج4، ص 303.
(2) القلم، آية: 42.(2/468)
المنافقين كقرون البقر يريدون السجود فلا يستطيعون». أهـ.
وقد سئل عن الولدان في الجنة فقال(1):
«الولدان الذين يطوفون على أهل الجنة خلق من خلق الجنة ليسوا بأبناء أهل الدنيا، بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة يكمل خلقهم كأهل الجنة على صورة آدم أبناء ثلاث وثلاثين سنة في طول ستين ذراعًا، وقد روي أيضًا أن العرض سبعة أذرع، وأرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكافرين في النار، تنعم أرواح المؤمنين وتعذب أرواح الكافرين إلى أن تعاد إلى الأبدان. إلى أن يقول: وأما أولاد المشركين فأصح الأجوبة فيهم جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين «ما من مولود إلا يولد على الفطرة» الحديث. قيل يا رسول الله أرأيت من يموت من أطفال المشركين وهو صغير قال: «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين» فلا يحكم على معين منهم لا بجنة ولا بنار. ويروي أنهم يوم القيامة يمتحنون في عرصات القيامة فمن أطاع الله حينئذ دخل الجنة ومن عصي دخل النار. ودلت الأحاديث الصحيحة أن بعضهم في الجنة وبعضهم في النار». أهـ.
وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوي الكبري ”باب حكم المرتد في أطفال المسلمين وأطفال المشركين“ مثل ما ذكرناه هنا(2).
كلام شيخ الإسلام ابن القيم في الموضوع(3): «الطبقة الرابعة عشر قوم لا طاعة لهم ولا معصية ولا كفر ولا إيمان وهؤلاء أصناف:
__________
(1) مجموع الفتاوى، ج4، ص313.
(2) الفتاوى الكبرى، مطبعة كردستان، القاهرة، ص 182-183.
(3) طريق الهجرتين، دار الكتاب العربي، بيروت، ص 506.(2/469)
منهم من لم تبلغه الدعوة بحال ولا سمع لها بخبر، ومنهم المجنون الذي لا يعقل شيئًا ولا يميز، ومنهم الأصمُّ الذي لا يسمع شيئًا أبدًا، ومنهم أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميزوا شيئًا، فاختلفت الأمة في حكم هذه الطبقة اختلافًا كثيرًا والمسألة التي وسعوا فيها الكلام هي مسألة أطفال المشركين. أما أطفال المسلمين فقال الإمام أحمد: لا يختلف فيهم أحد يعني أنهم في الجنة وحكي ابن عبد البر عن جماعة أنهم توقفوا فيهم وأن جميع الولدان تحت المشيئة قال: وذهب إلى هذا القول جماعة كثيرة من أهل الفقه والحديث منهم حمّاد بن زيد وحمّاد بن سلمة وابن المبارك وإسحاق ابن راهوية قالوا: وهو شبه ما رسم مالك في موطئه في أبواب القدر وما أورده من الأحاديث في ذلك وعلي ذلك أكثر أصحابه وليس عن مالك فيه شيء منصوص إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال المشركين خاصة في المشيئة».
ثم ذكر ابن القيم الأقوال في أطفال المشركين وقد مرَّ ذكر ذلك مفصلاً فلا حاجة إلى الإعادة ولكن نأخذ بعض المقتطفات من ذلك.
يقول(1): «وقد أخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن كل مولود يولد على الفطرة وإنما يهوده وينصره أبواه، فإذا مات قبل التهويد والتنصير مات على الفطرة فكيف يستحق النار. وفي ”صحيح مسلم“ من حديث عياض بن حمار عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم» الحديث وقال محمد بن إسحق عن ثور بن يزيد عن يحيي بن جابر عن عبد الرحمن بن عائذ عن عياض عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - «أن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين وأعطاهم المال حلالاً لا حرامًا» فزاد «مسلمين».
__________
(1) طريق الهجرتين، ص 515.(2/470)
ويقول تعالى: { - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - { - ( - - ( - } (1) يقول(2): فعطف الإتباع بالواو يقتضي أن يكون المعطوف بها قيدًا وشرطًا في ثبوت الخبر لا حصوله له لكل أفراد المبتدأ. وعلي هذا يخرج ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضى الله عنها قالت: «أتي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بصبي من الأنصار يصلي عليه فقالت يا رسول الله طوبي لهذا لم يعمل شرًا ولم يدركه. قال: «أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلها وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلها وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم» فهذا الحديث يدل على أنه لا يشهد لكل طفل من أطفال المسلمين بالجنة، وإن أطلق على أطفال المؤمنين في الجملة أنهم في الجنة ولكن الشهادة للمعين ممتنعة كما يشهد للمؤمنين مطلقًا أنهم في الجنة ولا يشهد لمعين بذلك إلا من شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ». أهـ.
__________
(1) الطور، آية: 21.
(2) المصدر السابق، ص 520.(2/471)
يقول شيخ الإسلام ابن القيم(1): «الطبقة السابعة عشرة طبقة المقلدين وجهَّال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعًا لهم يقولون: إنَّا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنَّا على أسوة بهم ومع هذا فهم متاركون لأهل الإسلام غير محاربين لهم كنساء المحاربين وخدمهم وأتباعهم الذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصب له أولئك أنفسهم من السعي في إطفاء نور الله وهدم دينه وإخماد كلماته، بل هم بمنزلة الدواب. وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار، وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكي عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة. وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام. وقد صحَّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» فأخبر أن أبويه ينقلانه عن الفطرة إلى اليهودية والنصرانية والمجوسية ولم يعتبر في ذلك غير المربي والمنشأ على ما عليه الأبوان، وصحَّ عنه أنه قال - صلى الله عليه وسلم - :«أن الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مسلمةٌ» وهذا المقلد ليس بمسلم وهو عاقل مكلف والعاقل المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر، وأما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف في تلك الحال وهو بمنزلة الأطفال والمجانين، وقد تقدم الكلام عليهم. والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله ورسوله واتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافرًا معاندًا فهو كافر جاهل. فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارًا فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذَّب رسوله إمَّا عنادًا أو جهلاً وتقليدًا لأهل العناد فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد
__________
(1) طريق الهجرتين، ص 542.(2/472)
وقد أخبر القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم مع الكفار وأن الأتباع مع متبوعيهم وأنهم يتحاجون في النار وأن الأتباع يقولون: { - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم - - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( الله - - رضي الله عنه -( - ( - - - - - - - رضي الله عنه -( - - ((((( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - } - - - - - رضي الله عنه - - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( -(2/473)
( - (((( صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - (( - - } (1)، وقال تعالى: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم - - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - (( ( - - } - - - - ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - ( } - ( - (( - (- رضي الله عنهم -( - ( - - - - ((( - { - ( - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( تمهيد - رضي الله عنه - - ( - - - - ( الله أكبر ( { - } - ( - ( المحتويات ( - - - - - جل جلاله -(- رضي الله عنه - - - - ( - - رضي الله عنهم - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم (- جل جلاله -(( - تم بحمد الله - } - - رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - (( } تم بحمد الله ( - - } - - - - - - رضي الله عنه - - - - - - ((( - { - - - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( تمهيد - رضي الله عنه - - ( - - - - ( الله أكبر ( { - - ( - - - - رضي الله عنهم - - - (( - - ( { { - - - ( - - - - المحتويات - - - مقدمة - (((- رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد ((( - - - } (2)،
__________
(1) الأعراف، آية: 38.
(2) غافر، الآيتان: 47-48.(2/474)
وقال تعالى: { ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - - - ( - ( { - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - - - قرآن كريم (( قرآن كريم ( - ( قرآن كريم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( ( المحتويات ( - ( - - - عليه السلام - - ((( - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ((((- رضي الله عنه - - - - فهرس - ( { - (((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - { ( - - - ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ((((((( - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( قرآن كريم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - } - جل جلاله -( - - - - ((( - ( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - - رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - ( - } - ( قرآن كريم ((((((( - ( - - - ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنه - صدق الله العظيم - عز وجل -- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - (- رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - - - ( ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( { بسم الله الرحمن الرحيم ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - ((( تم بحمد الله ( - ( - - - - - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - ( - { - - - } - قرآن كريم ((((((( - ( - - - - رضي الله عنه(2/475)
-((( - { - ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - { - - - ( - - - رضي الله عنهم - - } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( { - - - - جل جلاله -- رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - ( تم بحمد الله ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ((( - ( الله أكبر ( - - - ( - - - - رضي الله عنهم -(( - صدق الله العظيم - عز وجل -- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - - - - - جل جلاله - - - - رضي الله عنهم - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } (1)الآيات. فهذا إخبار من الله وتحذير بأن المتبوعين والتابعين اشتركوا في العذاب ولم يغنِ عنهم تقليدهم شيئًا، وأصرح من هذا قوله تعالى: { ( - ( { - صلى الله عليه وسلم - - { - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ((( - - - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - { - - - } - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - } - - - } - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - رضي الله عنهم -(( - - - ( تمهيد - رضي الله عنهم -( { ( - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - } - - - - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - } - - - ( قرآن كريم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - جل جلاله - - - - - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - { - - رضي الله عنه - تمهيد - - - - جل جلاله - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله - - رضي الله
__________
(1) سبأ، آيات: 31-33.(2/476)
عنهم - - - - } - - صلى الله عليه وسلم -(( { - - رضي الله عنه - - - - - } - ( تم بحمد الله } (1) وصحَّ عن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل أوزار من اتبعه لا ينقص من أوزارهم شيئًا» وهذا يدل على أن كفر من اتبعهم إنما هو مجرد اتباعهم وتقليدهم.
نعم لابد في هذا المقام من تفصيل يزول به الإشكال وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه. والقسمان واقعان في الوجود فالمتمكن المعرض مفرِّط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله، وأمَّا العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم يوجد فيه قسمان أيضًا أحدهما: مريد للهدي مؤثر له محب له غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة. الثاني: معرض لا إرادة له ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه. فالأول يقول: يا رب لو أعلم لك دينًا خيرًا مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوي ما أنا عليه ولا أقدر على غيره فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي. والثاني: راضي بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق. فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزًا وجهلاً. والثاني كمن لم يطلبه بل مات على شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض. فتأمل هذا الموضع والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل فهذا مقطوع به في جملة الخلق. وأما كون زيد بعينه وعمرو بعينه قامت عليه الحجة أو لا فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وعباده فيه بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر وإن الله
__________
(1) البقرة، الآيتان: 166-167.(2/477)
سبحانه وتعالى لا يعذب أحدًا، إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول. هذا في الجملة والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم، وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة وهو مبني على أربعة أصول:
أحدها: أن الله سبحانه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه.
والأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين أحدهما الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها. والثاني العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض والثاني كفر عناد وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفي الله التعذيب عنه حتي تقوم حجة الرسل.
الأصل الثالث: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخري كما أنها تقوم على شخص دون آخر إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجمه له فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئًا ولا يتمكن من الفهم وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم في حديث الأسود وأبي هريرة وغيرهما.
الأصل الرابع: أن أفعال الله - سبحانه وتعالى - تابعة لحكمته الذي لا يخل بها وأنها مقصودة لغايتها المحمودة وعواقبها الحميدة وهو سبحانه: { - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - ( - - ( ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - ( - } (1) وهو الفعَّال لما يريد لكمال حكمه وعلمه ووضعه الأشياء مواضعها وأنه ليس في أفعاله خلل ولا عبث»(2)». أهـ.
__________
(1) الأنبياء، آية: 23.
(2) طريق الهجرتين، ص 547.(2/478)
وكلام الإمام ابن القيم قريب جدًا من كلام الإمام الشاطبي ولكن كلام الشاطبي أدق وأكثر حسمًا للموضوع يقول الإمام الشاطبي(1) في قياس المقلدين لأهل الأهواء على أهل الفترات: «ونظيره مسألة أهل الفترات العاملين تبعًا لآبائهم واستنامة لما عليه أهل عصرهم من عبادة غير الله وما أشبه ذلك لأن العلماء يقولون في حكمهم أنهم على قسمين: قسم غابت عليه الشريعة ولم يدر ما يتقرب به إلى الله تعالى فوقف عن العمل بكل ما يتوهمه العقل أنه يقرب إلى الله ورأي ما أهل عصره عاملون به مما ليس لهم فيه مستند إلا استحسانهم فلم يستفزه ذلك على الوقوف عنه وهؤلاء هم الداخلون تحت عموم الآية الكريمة: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } (2).
وقسم لابس ما عليه أهل عصره من عبادة غير الله والتحريم والتحليل بالرأي، ووافقوهم في اعتقاد ما اعتقدوه من الباطل فهؤلاء نصَّ العلماء على أنهم غير معذورين مشاركون لأهل عصرهم في المؤاخذة لأنهم وافقوهم في العمل والموالاة والمعاداة على تلك الشرعة فصاروا من أهلها فكذلك ما نحن فيه إذ لا فرق بينهما». أهـ.
تحقيق الموضوع كله:
المسألة الأولي: مسألة الولدان:
__________
(1) الاعتصام، ج1، ص 161.
(2) الإسراء، آية: 15.(2/479)
قد مر أن ولدان أو صبيان أو أطفال المسلمين في الجنة وذلك على الإطلاق وليس على التعيين فلا نشهد لمعين بالجنة وإن شهدنا لهم مطلقًا بذلك ومعنى الولدان هنا ما بين الولادة إلى بلوغ الحلم وهو سن التكليف. وأن ولدان المشركين فأصح المذاهب فيهم الوقف أو يقال هم في المشيئة فلا نشهد لهم بجنة ولا بنار لا مطلقًا ولا معينًا والله أعلم بما كانوا عاملين.والنظر يحتمل أمرًا آخر وإن كان قريبًا من هذا وهو أن يقال أنَّ ”حتى“ في حديث «ما من مولود..» الحديث هي للغاية على بابها وليست للاستثناء، وإن الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره بينت غايتها وهي حتى يبين عنه لسانه، وحتى يعرب عنه لسانه، وذلك هو الصبي المميز فتكون الفترة من الولادة حتى سن التمييز على فطرة الإسلام أو ملة الإسلام أو حنفاء مسلمين لكل الولدان من بني آدم أبناء المسلمين وأبناء المشركين، فمن مات في هذه الفترة مات على إسلام الفطرة فيكون قد مات مسلمًا «ولا يدخل الجنة إلا نفسٌ مسلمةٌ» أما بعد التمييز حين يصحّ إسلام الصبي كما سنوضحه ينتقل الإنسان من إسلام الفطرة إلى إسلام التوحيد والرسل إذا كان مسلمًا أو ينتقل إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية ينقلانه إليها أبواه وهنا من انتقل فهو تبعٌ لأبويه في النار على مقتضي الأحاديث الصحيحة في ذلك ومن أبت فطرته الشرك ولم تتح له فرصة الإسلام أو لم يسمع بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أو تأخر تمييزه وإدراكه فمات على ذلك فهذا يمتحن في العرصات وإن كانت الأحاديث التي ذكرت ذلك وعممت في المولود هي أحاديث ضعيفة ولا داعي للنص على الولدان لدخولهم في أصناف حديث الأربعة إما بعدم بلوغ الدعوة أو بنقص العقل والتمييز. ومن كان أبوه مسلمًا وهو منافق أو كافر وإن كان صبيًا مميزًا لم يبلغ بعد الحلم فهو في النار كغلام الخضر. أما من بلغ الحلم(1)
__________
(1) تلخيص ذلك أن أطفال المشركين حتى سن التمييز على فطرة الإسلام فإذا تجاوزوا سن التمييز فيما بين سن التمييز إلى البلوغ هم في المشيئة أو تبعًا لما عليه آباؤهم، وبعد البلوغ فهم مكلفون.(2/480)
من صبيان المسلمين والمشركين فهو مكلف قد خرج من مسمي الولدان والصبيان والأطفال. وفي أحكام الدنيا فأطفال المسلمين مسلمون وإن بدت منهم الردة حتي يبلغوا الحلم وإن بقوا عليها أخذوا بها.
وأطفال الكفار كفار يُسبون ويسترقون وإن أصابهم شيء في الحرب معهم فهو منهم وإن كانوا لا يقصدون بقتال إلا أن يقاتلوا دفعًا للصائل مثل النساء والله أعلم.
أما عن صحة إسلام الصبي فقد عقد البخاري باباً لهذا ننقله مع شرحه إذا احتاج الأمر إلى ذلك تتميمًا للفائدة. يقول البخاري(1) باب ”إذا أسلم الصبي فمات هل يصلي عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام“ وقال الحسن وشريح وإبراهيم وقتادة إذا أسلم أحدهما فالولد مع المسلم وكان ابن عباس رضى الله عنهما مع أمه من المستضعفين ولم يكن مع أبيه على دين قومه وقال: «الإسلام يعلو ولا يُعلي» ثم روي البخاري(2) حديث ابن صياد بأكمله حتي فرغ منه ثم قال: حدثنا حماد وهو ابن زيد عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان غلام يهودي يخدم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فمرض فأتاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقعد عند رأسه فقال له «أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم. فأسلم فخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار». حدثنا علىٌ بن عبد الله حدثنا سفيان قال: قال عبيد الله سمعت ابن عباس رضى الله عنهما يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين أنا من الولدان وأمي من النساء. حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب قال ابن شهاب يُصلي على كل مولود متوفي وإن كان لقيطًا(3) من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام أو يدعي أبواه الإسلام أو أبوه خاصة وإن كانت أمه على غير الإسلام إذا استهل صارخًا صلي عليه ولا يصلي على من لا يستهل من أجل أنه سقط فإن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان
__________
(1) البخاري، فتح الباري، دار الريان، ج3، ص 253.
(2) المصدر السابق، ج3، ص 259.
(3) لقيط: ولد زنا.(2/481)
يحدث قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل يُحسُّون فيها من جدعاء»، ثم يقول أبو هريرة - رضي الله عنه - : { - عليه السلام - - (((( - ة?( - - - ? (( - { - - - - عليه السلام - - - ( - ( { } - } - - - - - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( } (1) الآية. أهـ.
يقول ابن حجر في ”الشرح“ (2): «أنقذه من النار» في رواية أبي داود وأبي خليفة «أنقذه بي من النار» وفي الحديث جواز استخدام المشرك وعيادته إذا مرض وفيه حسن العهد واستخدام الصغير وعرض الإسلام على الصبي ولولا صحته منه ما عرضه عليه وفي قوله: «أنقذه بي من النار» دلالة على أنه صحَّ إسلامه وعلي أن الصبيّ إذا عقل الكفر ومات عليه أنه يعذب. ثم يقول ابن حجر(3): واختلف في الصلاة على الصبي فقال سعيد بن جبير: لا يصلي عليه حتي يبلغ. وقيل: حتي يصلي. وقال الجمهور: يصلي عليه حتي السقط إذا استهل. وقد تقدم في باب قراءة فاتحة الكتاب ما يقال في الصلاة على جنازة الصبي، يقول البخاري مع ذلك «وقال الحسن يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول اللهم اجعله لنا سلفًا وفرطًا وأجرًا» يقول ابن حجر في ”الشرح“: قوله ”وقال الحسن“ وصله عبد الوهاب بن عطاء في ”كتاب الجنائز“ له عن سعيد بن أبي عروبة أنه سئل عن الصلاة على الصبي فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول اللهم اجعله لنا سلفًا وفرطًا وأجرًا. أهـ.
__________
(1) الروم، آية: 30.
(2) البخاري، فتح الباري، ج3، ص 262.
(3) المصدر السابق، ج3، ص 263.(2/482)
وقد مرَّ ما ذكرناه في ”موطأ مالك“ من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صلى على صبي فقال: «اللهم قِِهِِ عذاب القبر» وهذا غير فتنة القبر أو امتحان القبر.وهذا استثناء من حديث رفع القلم في حق الصبي المميز في العذاب على الكفر في الآخرة وما يعلمه الله عنه غير ذلك في عذاب القبر والله أعلم.
وعلي هذا بنيت المسألة الثانية وهي:
إن الامتحان في العرصات لا يكون لمن مات قبل سن التمييز لأنه مات على فطرة الإسلام وهذا مشهود له بالجنة ولا يكون لمن انتقل من فطرة الإسلام إلى إسلام التوحيد من أبناء المسلمين أو المسلمين ويدخل في ذلك الصبي المميز إذا أسلم. كذلك لا يدخل من مات على الشرك من المكلفين أو من نقض ميثاق الفطرة وشروط الامتحان في العرصات هو لمن:
لم تقم عليه حجة الفطرة أو حجة الرسل ”كالمجنون وناقصي التمييز“.
2- من لم ينقض ميثاق الفطرة ولم تقم عليه حجة الرسل ”هو من لم تبلغه الدعوة بأي حال أو أي وجه“ وكان مريدًا للهدي طالبًا له طلب الدين في الفترة فعجز عن إدراكه ورأي أن ما عليه قومه من عبادة غير الله والتحريم والتحليل تبعًا لهذه العبادة والموالاة على هذا مما ليس لهم مستند فيه إلا استحسانهم فوقف عن كل ما يتوهمه العقل أنه يقرب إلى الله من الشرك وافتراء الكذب على الله. فهذا قد أتي بالإقرار بتوحيد الربوبية وخلا من نواقض هذا الإقرار فيمتحن في عرصات القيامة للطاعة لأنه لم يأته رسول ولا كتاب بأمر ولا نهي أي أن امتحانه هو لتوحيد العبادة لله سبحانه بعد توحيد الربوبية الذي أقر به في الدنيا وهذا ليس مسلمًا لأن المسلم هو الذي يعبد الله على شريعة رسوله وليس مشركًا. والمسلم يدخل الجنة والمشرك قد حرَّم الله عليه الجنة فهو غير مكلف ليس معه إيمان ولا كفر فيكلف يوم القيامة لإظهار علم الله فيه.
المسألة الثالثة: كيف يكون الوفاء بميثاق الفطرة وكيف يكون نقضه والانسلاخ منه:(2/483)
في حديث الضحَّاك بن مزاحم قال حدثني ابن عباس «أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منها كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفي به نفعه الميثاق الأول ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الأول ومن مات صغيرًا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة».
وفي حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما سئل عن هذه الآية { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ( - - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - { - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه - - } (1) الآية. فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عنها فقال: «إنَّ الله خلق آدم - عليه السلام - ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منها ذرية قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منها ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون» فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بأعمال أهل الجنة حتي يموت على عمل من أعمال أهل الجنة
__________
(1) الأعراف، آية: 172.(2/484)
فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بأعمال أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار» وقد مرَّ ذكر الحديثين.
فالسعيد من أدرك ميثاق الرسل فوفَّي به والسعيد من مات صغيراً قبل أن يدرك الميثاق الآخر أي قبل أن يبين عنه لسانه أو قبل أن يعرب عنه لسانه أي قبل أن يكون صبيًا مميزًا. والشقي من أدرك الميثاق الآخر وهو عندما يبين عنه أو يعرب عنه لسانه فلم يوفِّ به ونقضه وإن لم يأته رسول فميثاق الفطرة حجة مستقلة في التوحيد أو من أتاه رسول فعاند حجته أو أعرض عنها أو ضلَّ فيها ومات كافرًا أو ضلَّ بها ومات كافرًا فهذا شقي وهو في بطن أمه خلقه الله للنار واستعمله بأعمال أهل النار حتي مات على ذلك.
ومن تُرك إلى مشيئة الله عزَّ وجلَّ فهذا من أدركه الميثاق الآخر وهو غير مميز ومات على ذلك لجنونه أو عتهه أو نقص عقله أو أدركه الميثاق الآخر فوفَّي به ولم تقم عليه حجة بالرسل لعدم بلوغ الدعوة فهذان يمتحنان في عرصات يوم القيامة لطاعة الله - عز وجل - وليس للإيمان به والإقرار بربوبيته ليظهر حكم الله فيهم بعملهم وليدرك السعيد سعادته والشقي شقاوته على ما سبق في علم الله فيهما.
والوفاء بميثاق الفطرة هو الإقرار بالصانع عزَّ وجلَّ وترك الكذب عليه أو صرف حقه في العبادة إلى غيره فكلا الأمرين استخفاف بحق الله ينقض الإقرار بربوبيته والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ كذبًا عليّ ليس ككذب على أحدكم» فكيف بالكذب على الله سبحانه وتعالى ويحيي بن زكريا عليهما السلام قد ضرب مثلاً لعبد السوء الذي يعمل ويؤدي إلى غير سيده ثم قال فأيكم يرضي أن يكون ذلك عبده. ونقض الميثاق يكون بالجهل بالله عزَّ وجلَّ أو الشك فيه أو جحد وجوده أو الإقرار به ثم نقض هذا الإقرار بالاستخفاف بحقه بصرف حقه في العبادة إلى غيره أو افتراء الكذب عليه.(2/485)
أما عبادة الله وحده سبحانه وتعالى فلا تجب إلا بعد بعثة الرسل لأن جماع الدين أصلان:
الأصل الأول: أن يعبد الله وحده.
والأصل الثاني: أن يعبد بما شرع على ألسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت فالله سبحانه وتعالى لا يعبد إلا بما شرع، لا يعبد بالبدع ولا بما يتوهمه العقل ولا بافتراءات الكذب على الله عزَّ وجلَّ ولكن إذا لم يطلب الله حقه في العبادة فلا يصحّ صرف حقه إلى غيره كما لا يصح أن تفتري عليه الكذب فإن كذبًا على الله ليس ككذب على أحد من خلقه فإن ذلك أعظم الظلم، والشرك من أعظم الظلم لأنه كذب على الله عزَّ وجلَّ لم ينزل به سلطانًا وقول على الله بغير علم وبطلان الشرك والافتراء على الله راجع إلى العلم الفطري الضروري الذي ركزه الله في فطرة بني آدم عندما أخذ عليهم الميثاق ومن ثم يقول الله عزَّ وجلَّ لمن لم تقم عليه حجة الرسل «قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئًا، فأبيت إلا أن تشرك بي» أخرجاه في الصحيحين عن حديث سعد ولنتتبع نصوص الكتاب في ذلك: يقول الله - عز وجل - في سورة المائدة: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - رضي الله عنه - تمهيد (( - - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - الله - - رضي الله عنه - فهرس - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله(2/486)
عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - ( - - - ( - - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( { ((- رضي الله عنه - - - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - مقدمة - } - ( قرآن كريم - - - - رضي الله عنهم -( - - - - فهرس - ( { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم ( - { - - - - } - قرآن كريم ( - - - - - - عليه السلام - - ( تمهيد ( - - مقدمة - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - } (1).
__________
(1) المائدة، الآيتان: 103-104.(2/487)
قال البخاري: حدثنا موسي بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة التي يُمنح درُّها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يُحملُ عليها شيء قال: وقال أبو هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «رأيتُ عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار كان أول من سيب السوائب»، والوصيلة الناقة البكر تبكّر في أول نتاج الإبل ثم تُثني بعد بأنثي وكانوا يسيبونهم لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخري ليس بينهما ذكر، والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضي ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي. يقول ابن كثير وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث إبراهيم بن سعد.(2/488)
وفي سورة الأنعام يقول الله - عز وجل -: { ( - ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - - ((( - ( ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - ( { - - رضي الله عنهم -( ( - ( - ( - - - - - - ( - - رضي الله عنهم -( (( - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - فهرس - ( { - - - (- رضي الله عنهم - - ( تمت - - عليه السلام -(( - ( { ( - - - المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - الله أكبر الله أكبر } (( مقدمة ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( فهرس - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - } - جل جلاله -((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - { - ((- رضي الله عنه - - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - ( - - ( - - صدق الله العظيم ( - { - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( مقدمة ( - - ( { ( - ( فهرس } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - ( - - رضي الله عنه - - - (((- صلى الله عليه وسلم - الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( - } (1).
__________
(1) الأنعام، آية: 19.(2/489)
ويقول الله - عز وجل -: { } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - - (( تم بحمد الله ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله - - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر } - قرآن كريم ( - - - { - ( - - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ((- عليه السلام - - ( - - - - (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله -(( - - - - - عليه السلام - - ((( - - - رضي الله عنهم - - - ( - - - - - ( المحتويات ( - (( - - - - - عليه السلام - - ((( - - - - ( ( - ((- رضي الله عنه - - - فهرس - ( { ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - ( ( - ((- رضي الله عنه - - - - فهرس - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - - - - - عليه السلام - - (( - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - قرآن كريم ( - ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( } (- رضي الله عنهم - - - - - ( الله - تمهيد ( - - (( } تم بحمد الله - ((( - ( - ((( - ( - - - - - ( - - - ( المحتويات ( - ( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام - - ( { ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - ( - } - قرآن كريم ( - ( تمهيد ( - - عليه السلام - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم(2/490)
( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - ( - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - { ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( فهرس قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -( - ( ( المحتويات ( - ( - - - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - - } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( مقدمة - صدق الله العظيم - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -(( - ( المحتويات ( - ( - ((- عليه السلام - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - ( مقدمة - - رضي الله عنهم - - ( - قرآن كريم ( - (( ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( (( - - - عليه السلام - - (- سبحانه وتعالى -(( - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - ( - }(2/491)
- قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - - } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( ( تمت قرآن كريم ((( - ( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - ( { - (( - - - } - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم { - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - عليه السلام - - ( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - - { - رضي الله عنه - - ( - } تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( ( مقدمة - (( (( - - - - - عليه السلام - - (( ( المحتويات ( - - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - - (((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة ( الله أكبر ( { ( المحتويات - ( تمهيد - مقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنه -( - ( - - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - ( - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( } - قرآن كريم ( تم بحمد الله { - - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - - - (( - - - عليه السلام - - (- سبحانه وتعالى(2/492)
-(( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - ( - - - } - قرآن كريم - - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - ((( - - رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -( - - صلى الله عليه وسلم - - - تمهيد ( } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - - تمهيد ( - { - صلى الله عليه وسلم -( - (( } تم بحمد الله - عليه السلام - - ( - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد ( - { - صلى الله عليه وسلم -( - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -(( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - - رضي الله عنه - - ( - ( - (( - ( - ( - ( - - - قرآن كريم ( - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - } تم بحمد الله - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - (- رضي الله عنه -(- رضي الله عنه - - ( تم بحمد الله - عليه السلام - - ( - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - مقدمة ( - (- رضي الله عنه -(- رضي الله عنه - - ( تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( فهرس ( - - رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - - - ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة } { - مقدمة - عليه السلام - الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - (( فهرس ( - - - ( - مقدمة - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ((((2/493)
- ( - ( - (( مقدمة ( الله أكبر ( { - صدق الله العظيم - - (- رضي الله عنه -( - - ((((( - ( - ( - ( - - - - - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - - - - - قرآن كريم ( - - مقدمة - - { ( - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - ( - - - - ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ((( - ( - - - ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم ((( - ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - (( مقدمة ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( (((( - - تم بحمد الله - - { - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - (( } تم بحمد الله ( تمت ( - - ( - - - ((((- عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ((- رضي الله عنهم - - ( - - - ((((- عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - ( - ((((- عليه السلام - - - - { - - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( الله - صلى الله عليه وسلم - - ((((- عليه السلام - - - } الله أكبر الله } - - - } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد فهرس - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( { - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - فهرس ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((((- عليه السلام - - - } الله أكبر الله } - - - ( الله أكبر قرآن كريم ((( مقدمة - - رضي الله(2/494)
عنه - الله أكبر - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ((( - تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - تمهيد { - - ((((- عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - { - رضي الله عنه - - ( - - - ((((- عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - ( - ((((- عليه السلام - - - - { - - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( الله - صلى الله عليه وسلم - - ((((- عليه السلام - - - - الله أكبر الله } - - - } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد فهرس - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( { - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - فهرس ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((((- عليه السلام - - - - الله أكبر الله } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - جل جلاله -( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - { - (( ( - ( { ( المحتويات ( تمهيد - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -(( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - - ( - - - } - ((( - ( - - { } - } - - - - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - ((((2/495)
- ( - ( { ( - - - } (1). إلى أن يقول الله - عز وجل -: { ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -( - - - { ( - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( تم بحمد الله { - - مقدمة صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - ( - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - - } - - - - ((( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - - - - (( - - مقدمة } - قرآن كريم ( - - - - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - - (( ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( ( فهرس قرآن كريم ( - ( - ( - ( - - ( - - - عليه السلام - - - - تمت ( { - - قرآن كريم ((( - ( - - - - صدق الله العظيم ( { - صدق الله العظيم { ( - - - ( تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - ( - ( - ( الله أكبر - ( ( { } - (- رضي الله عنه -( - - - ( { - رضي الله عنه -(( - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ( قرآن كريم فهرس - - ( - عليه السلام -( - - - { ( المحتويات (
__________
(1) الأنعام، آيات: 136-144.(2/496)
- - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنه -((((- عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - ( - { المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - (( - - } تمت - صلى الله عليه وسلم - - { - - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة - - - (- رضي الله عنهم - - تمت ( - - ( } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - ( ( - - رضي الله عنهم - - (( فهرس - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( تمهيد ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - } - - - - - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( - - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - ( - المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - - - قرآن كريم ( - ( - ((- رضي الله عنه - - } (1)
__________
(1) الأنعام، آيات: 148-150.(2/497)
أقول: لو لم يكن الكذب واتباع الظنِّ والخرص والتوهم وشهادة الزور وافتراء الكذب على الله قبيحًا في النظر لكان لهم أن يقولوا وما الضير في هذا كله الذي تستقبحه وتستنكره علينا؟؟!! وتستدل به على فساد عقولنا وضلالنا ولماذا يسخط الله كل هذا؟؟ وما وجه قبحه ولم يأتنا شرع يحرمه ولماذا لا يكون سائغًا عند الله مرضيًا له ؟ عليك فقط أن تأتينا بمعجزة نصدق بها أنك نبيّ لا تسفه أحلامنا ولا تسبّ آباءنا فإذا آمنا أنك نبيّ فعليك أن تقول فقط افعل ولا تفعل وهذا يرضي الربّ وهذا يسخطه دون بيان لسبب لأن الفطرة لا تتطلب سببًا لشيء ولا تستقبح شيئًا ولا تستحسن شيئًا ولا تفهم علة ولا حكمة ولا أسبابًا ولا مسببات اقتصر في خطابك معنا على بيان صدقك ثم مُرْ بما شئت بعد ذلك.(2/498)
وقد ذكر سبحانه وتعالى ضلالهم وسفَههم وسوء حكمهم وافتراءهم على الله وقال أنه سيجزيهم به قبل الخبر وبعده. ويقول - سبحانه وتعالى -: { } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام -( - - - - - عليه السلام - - (( - صدق الله العظيم ( - ( - - - ( المحتويات ( - - { فهرس - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنه - - } تمهيد ( - - جل جلاله -- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - فهرس - (- رضي الله عنهم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ((((- رضي الله عنه - - } (1)، وفي سورة الأعراف يقول - سبحانه وتعالى -: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -( - ( - { - رضي الله عنه -(( - ( - ( } - قرآن كريم ( - - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - { - ( - ( - ( - - - ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - - رضي الله عنه -(( - - (( - - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { -
__________
(1) الأنعام، آية: 100.(2/499)
- - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - } (1).
من أين لهم أن الله لا يأمر بالفحشاء حتي يعيب عليهم ذلك، وإذا كانوا قد توهموا أن الله قد أمرهم بهذا أو فعلوه فلم يغيره عليهم بنقمة منه فظنوا أنه رضيه منهم ثم فعلوا فلم يغيره عليهم بنقمة منه فظنُّوا أنه قد أمرهم به فلم لا يكون ذلك حسنًا إذا لم يأتهم شرع يبين لهم قبحه وينهاهم عنه. ويقول سبحانه: { ( - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة - { - - جل جلاله - - ( - ( - - - ((( - { - - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - (( فهرس ( - - - رضي الله عنه - - ((( - ( تمهيد (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - ( - ( - { - ( - - رضي الله عنه -((( - { - ( - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - (( ( - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - - { - (( - - - } - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - ( - ( - ( - (( الله أكبر ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - - - الله ( قرآن كريم - { ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - ((- رضي الله عنه - - - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة { - ( فهرس - - عليه السلام - - - (( مقدمة } - عليه السلام - قرآن
__________
(1) الأعراف، آية: 28.(2/500)
كريم - (( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - ( - { - ( { ( تم بحمد الله - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - (- رضي الله عنه - - - المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - - رضي الله عنهم -(( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - ( - ((( - ( - - - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - ( } - - رضي الله عنه - - ( - (( مقدمة ( - - - جل جلاله - - ( - (( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (( - - } (1).
__________
(1) الأعراف، الآيتان: 32-33.(3/1)
وفي سورة يونس يقول - عز وجل -: { - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( المحتويات ( - - - (( - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - ( - - رضي الله عنه - - - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ((- رضي الله عنهم -( - (( { - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( ( - - - ( - ( - - - قرآن كريم ((( مقدمة تمهيد - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - { - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - صدق الله العظيم ( المحتويات فهرس - ((- رضي الله عنه - - - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ((( - - } - - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - فهرس - (- رضي الله عنهم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ( - ( - ((( - } (1) .
__________
(1) يونس، آية: 18.(3/2)
ويقول تعالى: { ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - - عليه السلام - - ( - (( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمهيد ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم -(( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - } - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - - ( ( - - - ( - ( { - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - - ( - ( - ( - } - - - ( ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - عليه السلام - - - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - - - - - - رضي الله عنهم - - - ( - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - صدق الله العظيم ( { ( - ( فهرس - - ( - - - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - قرآن كريم ((- عليه السلام - - ((( - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - ( تمهيد } { - مقدمة ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - فهرس -(3/3)
- رضي الله عنه -( - ((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( { - - - ( ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ( - (( - - - - - عليه السلام - - (( صدق الله العظيم } تم بحمد الله } - (- رضي الله عنه -- رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم (( فهرس ( - - ((( - ( - ( - ( - - - } - (- رضي الله عنه -- رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم (( فهرس ( - - ((( - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - (( - ( - - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ( - (( - - - - - عليه السلام - - (( صدق الله العظيم } تم بحمد الله ( - ( - ( - - عليه السلام - - - فهرس - ( { ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - - عليه السلام - - - فهرس - ( { ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( - ( - - ( - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - ( ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - قرآن كريم ( - ( - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه(3/4)
وسلم - تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - ( - - رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( { - - - - ( } تمت ( { - صدق الله العظيم { ( - - - - صدق الله العظيم (( - ((( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - - ((( - - { } تمت ( { { - - - - - (( - - رضي الله عنه -( - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - } (1)
أقول: إذا كان كل شيء جائز في الفكر والعقول والعلم الضروري حتي يأتي رسول معه معجزة يقول أن الله يرضي لكم كذا ويسخط لكم كذا وافعلوا هذا ودعوا ذاك ولا يفهم لماذا إلا أن الذي معه الخارقة طلب ذلك بلا أي وجه لعلة أو حكمة أو سبب يستقيم في النظر، فكيف يعاب عليهم ما فعلوه وقد فعلوه قبل الشرع؟!
__________
(1) يونس، آيات: 31-36.(3/5)
ويقول - عز وجل -: { ( - ( - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - - - } تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - المحتويات ( - - - (( } تم بحمد الله - - ( - ( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - ( ( مقدمة ( - ( } تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله - - عليه السلام - - - مقدمة الله - ( فهرس - - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - تمت ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - ( الله - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -(( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - ( - ((( - { - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - ( - - تمهيد ( - - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - - ( { { - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - - (( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( } - } - جل جلاله - - - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - } (1)، ويقول تبارك وتعالى: { } - قرآن كريم ( - - - - - - - رضي الله عنهم - - } - - - ( - - - - - جل جلاله - - - - - عليه السلام --
__________
(1) يونس، الآيتان: 59-60.(3/6)
صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - (( - - رضي الله عنه -(( - - - (( مقدمة - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ((( - - } - - ( تمت ( { المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - - (( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله } صدق الله العظيم ( - (( - ( - - - - - ( { - ( - - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - (( - - - ( - ( - - - ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - ( - - - ( - - - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - ( - ((( - - (((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - - ( - - - ( { ( المحتويات ( - ((( - ( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( { - ( - ( الله أكبر - - - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - رضي الله عنهم - - - ( - } ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - رضي الله عنه - - } (1).
__________
(1) يونس، آيات: 68-70.(3/7)
ويقول - عز وجل - في سورة هود: { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -(( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - - قرآن كريم ((- عليه السلام - - ((( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (- رضي الله عنهم - - ( { - } - - ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( فهرس - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - ( { - عليه السلام - - (( - - ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - } (1).
__________
(1) هود، آية: 18.(3/8)
ويقول - عز وجل -: { - - - ( ( - - - - (( - { - رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - - - ( } تم بحمد الله ( - ( - ((- رضي الله عنه - - ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( { - - رضي الله عنهم - - - - ( - ( - ((- رضي الله عنه - - المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( - - - - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - قرآن كريم - (- عليه السلام - قرآن كريم ( - - - ( المحتويات ( - - - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام - - ( - - ( - ( قرآن كريم ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } (1).
__________
(1) هود، آية: 109.(3/9)
وفي سورة النحل يقول ربُّنا - عز وجل -: { صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - - - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - - - - } (1)، ويقول - عز وجل -: { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - - - جل جلاله - - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - - - ( } تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - - - - - - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -(( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( تمهيد ( - - جل جلاله -- رضي الله عنه - - ( - - - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - المحتويات ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } تم بحمد الله - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - (- صلى الله عليه وسلم -(( - المحتويات ( - ( - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - الله أكبر الله } - - ( - } - - ( (( مقدمة ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله
__________
(1) النحل، آية: 17.(3/10)
عليه وسلم - ( - ((( - - - - - - عليه السلام - - } - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( الله ( قرآن كريم - { ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( قرآن كريم ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام - - (- صلى الله عليه وسلم -(( - ((( مقدمة ( - (( مقدمة ( - ( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ( - ( الله - صلى الله عليه وسلم - - (( مقدمة - - ( - - رضي الله عنه - - - (( ( - - - عليه السلام - - - - سبحانه وتعالى - - - - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (- رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه -((( - { - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - ( - ( - - الله - رضي الله عنه - تم بحمد الله ((( قرآن كريم - - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - فهرس - (( - } - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - } (1)، ويقول - عز وجل -: { - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - ( - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - - جل جلاله -( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - - - ( - - - - - - صلى الله
__________
(1) النحل، آيات: 56-60.(3/11)
عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - ( - - ( - (- رضي الله عنه -( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - } تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - - عليه السلام - - - } - - - - المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((- عليه السلام - - (( - تم بحمد الله } (1) ويقول - عز وجل -: { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( ( - ( - - (((- رضي الله عنه - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - (((- رضي الله عنه - - - (( ( - ( - ( - - - - - - - رضي الله عنهم - - - ( - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم -((( - ( - - - - - عليه السلام - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - ( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( تمهيد - تمهيد فهرس - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( { (- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( ( مقدمة - (( (( - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( { - رضي الله عنهم - - ((( - ( تمهيد - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - المحتويات ( - - - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - } صدق الله العظيم } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - - ( صدق الله العظيم
__________
(1) النحل، آية: 62.(3/12)
( } تم بحمد الله المحتويات ( تمهيد ( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنهم - - - ( - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمهيد (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - { ( - - - ( - (((- رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ( تمهيد - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ((( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد ((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - { - ( - ( - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - - - - ( } - قرآن كريم ( - ( - (( - - ( - - رضي الله عنه - - - - - ( تم بحمد الله - } - - } تمت ( { { - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي(3/13)
الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (( - - - - - - عليه السلام - - - ( ( - - - ( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - جل جلاله - - ( تمهيد - رضي الله عنه -( - - - قرآن كريم ( - ( - } تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( - ( - ( { - رضي الله عنه - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم - - { - - } - ( تم بحمد الله - ( - ( - ( - - - جل جلاله - - - - - مقدمة - عليه السلام - قرآن كريم ( - - ( ( - (( - ( - ( مقدمة (- جل جلاله -( تم بحمد الله - - عليه السلام - - ( - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم - - - - (( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - ( - ( - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - الله - - الله - رضي الله عنه - تم بحمد الله ((( - - - ( - { - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات - تمهيد ( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( - ( - ( { - رضي الله عنه - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - ( - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( مقدمة - - - ( قرآن كريم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - مقدمة - ( - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - صدق الله العظيم ((3/14)
المحتويات ( - - رضي الله عنه - - - - ( - - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ( } - عليه السلام - - (( - - (( { - رضي الله عنه - - ( - - تم بحمد الله } (1).
__________
(1) النحل، آيات: 71-76.(3/15)
ويقول - عز وجل -: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - (( - - ( المحتويات ( تمهيد ( - - - جل جلاله -( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - - - ( - - - - - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( فهرس - - مقدمة - - - (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - - - مقدمة } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - ( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - ( - - - ( - - - } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - ( - - - ( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( - - (((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - ( - - - ( المحتويات ( - مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - رضي الله عنه -( ( - (( - - صلى الله عليه وسلم - - } (1)، ويقول - سبحانه وتعالى - في سورة الكهف: { - عليه السلام - - ( - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - - - - - - - ( تم بحمد الله - - ( - - - - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - } تم بحمد الله تمهيد ( - مقدمة - (( مقدمة ( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - - - رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - ( المحتويات - عليه السلام - - ( - - - - { - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( -
__________
(1) النحل، الآيتان: 116-117.(3/16)
- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - } - عليه السلام - قرآن كريم ((- صلى الله عليه وسلم - - تمت ( { - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( { - - - ( - - - } (1). وفي سورة مريم: { - تمهيد ( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - ( - { - - - - عليه السلام - - - ( - - - - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( - - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (- رضي الله عنهم -( - - - صلى الله عليه وسلم - - } - صدق الله العظيم - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -( فهرس - { (- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - - رضي الله عنه -(( - - - ( الله - صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنهم - - - (( ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - - جل جلاله - - ( - - رضي الله عنه -( - - - - - ( - ( - ( - - - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( مقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله -
__________
(1) الكهف، الآيتان: 4-5.(3/17)
- ( - - ( } (1)، ويقول - عز وجل -: { } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( تم بحمد الله - - ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - { { - ( - ((( { ( - - ((( - - { - - رضي الله عنه - - ( { - ( - - - تمهيد - - ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - رضي الله عنه - تمت ( - { ( - (- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( مقدمة ( - ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنه -(- جل جلاله - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - - } - - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - - - - - - رضي الله عنهم - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - ( - - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((- رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - - ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمت ( { - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( { - ( - - - عليه السلام -( ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - - جل جلاله - - ( - - رضي الله عنه -( } (2).
__________
(1) مريم، آيات: 77-80.
(2) مريم، آيات: 88-93.(3/18)
ويقول - عز وجل - في سورة الأنبياء: { ( الله - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - { - - ( - - - عليه السلام -( ( - ( - } - قرآن كريم ( - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - ((( } تم بحمد الله ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - ( - ( - - - ( - - رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - } - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - المحتويات ( - - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - (( - تم بحمد الله } (1)، ويقول عن إبراهيم: { ( - ( { - رضي الله عنه - - - - - ( مقدمة - ( - } (( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم - - ( - - - - ((( - { - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - - مقدمة - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - (- رضي الله عنه -( - } - قرآن كريم ( - - - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - - - مقدمة - - ((( - ( - (- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه - - - - - ( -
__________
(1) الأنبياء، آية: 24.(3/19)
- { - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - ( فهرس - - ( - ((( - - تم بحمد الله - } - ( قرآن كريم ( - - - - - - عليه السلام - - - - ( { ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - ( - ( الله - صلى الله عليه وسلم - - - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - (((( - - - - - - رضي الله عنه - - - - - - - رضي الله عنه - - ( - ( - - - { - - - - عليه السلام - - ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- عليه السلام - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - { - - - - (( - - عليه السلام - - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ( - ( - } - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - ((( - ( - ( } ( - - - } (1).
__________
(1) الأنبياء، آيات: 53-56.(3/20)
ويقول عنه أيضًا وعلي لسانه - صلى الله عليه وسلم -: { - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - - (- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( المحتويات ( تمهيد (( - ( - - رضي الله عنه - - - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - ((- رضي الله عنه - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - { - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - ( { (( - - } (1)
غاية الاستنكار وغاية الاستقباح فإذا كان هذا سائغًا لهم قبل الشرع ولم يأتهم بمعجزة تدل على كونه نبيًا لينهاهم عن هذا فيقبلوا منه فكيف يستقبح فعلهم؟؟!!
__________
(1) الأنبياء، الآيتان: 66-67.(3/21)
ويقول تعالى في سورة الحج: { - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد ((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - ( } - - رضي الله عنه - - ( - (( مقدمة ( - - - جل جلاله - - ( - (( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { { ( - - - تمهيد ( - مقدمة - (( مقدمة ( - ( المحتويات ( - (( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - ((( الله أكبر } (1)، ويقول في سورة المؤمنون: { - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - ((( - - } - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - (( تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - - ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - { - ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - - - - - - - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - (((- رضي الله عنهم -(( - - - - - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( { ( - - - - ( - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ((
__________
(1) الحج، آية: 71.(3/22)
فهرس ( - - عليه السلام - - ( - ( المحتويات قرآن كريم ( - فهرس - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - { - ( - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (( - - - - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - ( - - رضي الله عنه - - المحتويات ( - ( - - جل جلاله -( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - - - } (1).
__________
(1) المؤمنون، آيات: 84-90.(3/23)
وفي سورة الفرقان يقول تعالى: { - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - ((( - - رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -( ( - ((( - فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - } - قرآن كريم - - - ( - - - ( تمهيد - - - - - - } - قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم - - - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( تمهيد ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - - - (((- رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( - ( الله أكبر صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - - ((( - } تم بحمد الله ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - مقدمة } - قرآن كريم ( - فهرس - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - - -(3/24)
} - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - جل جلاله - - قرآن كريم ( - } (1) آباؤهم مشركون قبلهم ليسوا على البراءة الأصلية ولا على إسلام الفطرة إذ لم يأتهم رسولٌ، أو كانوا في فترة بين رسولين هم وآباؤهم نسوْا الذكر وهم وآباؤهم كانوا قومًا بورًا وتبرأت منهم الملائكة الذين كانوا يعبدون ويصورون لهم التماثيل تبرأوا من عبادتهم ومن عبادة آبائهم على سواء وبلا فرق بعد البعثة وقبلها، والسعيد من يسَّره الله لعمل أهل الجنة حتي مات على عمل من أعمالها وأدنى ذلك ترك الشرك الأعظم لأن الله حرَّم الجنة على المشركين وينادي مناد يوم القيامة لا يدخل الجنة مشركٌ، لا قبل البلاغ ولا بعده وإذا كان غير المكلفين أمرهم إلى المشيئة فهل يدخل المشركون الجنة لأنهم على إسلام الفطرة في الفترة لم يأتهم رسول أو لم تبلغهم الدعوة وإذا كان يمتحن من يشاء من غير المكلفين ليظهر العمل العلم فيصيروا إلى علم الله فيهم فقد أظهر الشرك في الدنيا علم الله فيهم بنقضهم لميثاقه الذي واثقهم به ميثاق الفطرة وموتهم على الشرك وعلي نقض الميثاق والانسلاخ منه وفي سورة الشعراء يقول تعالى: { ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - الله أكبر - بسم الله الرحمن الرحيم - ( - } - عليه السلام - - ( - ( { - ( - ( { - رضي الله عنه - - - - - ( مقدمة - ( - } (( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - } - قرآن كريم ( - - - - ( - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - - جل جلاله - تم بحمد الله - - عليه السلام - - ((- صلى
__________
(1) الفرقان، آيات: 17-19.(3/25)
الله عليه وسلم - - - - - ( - - جل جلاله - - ( - - - مقدمة - - رضي الله عنه -((((( - (- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه - - - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم (( - ( - - رضي الله عنه - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - (( - - - } - قرآن كريم ( - - - - ( - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - } تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - - } - - - ( المحتويات ( - ( - ( - - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( - ( - - - صدق الله العظيم ( { - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -((( - فهرس - (- رضي الله عنهم -(( - - - } (1).
__________
(1) الشعراء، آيات: 69-77.(3/26)
وفي سورة النمل يقول - عز وجل - على لسان الهدهد: - - رضي الله عنهم - - - - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - ( { ( - } ( - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - صدق الله العظيم { - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - ( المحتويات ( - فهرس - (- رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - - ( - ( ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( - - ( تمهيد - - - - - ( تمهيد ( - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - ( - - ( - { - - - ( - ( - ( - ( - - عليه السلام -(( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ( تم بحمد الله - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( - - ( - - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - - عليه السلام - - ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( بسم(3/27)
الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنهم -(( - - - } (1).
الهدهد يستنكر منهم الشرك رغم أنهم لم يأتهم بعد الرسول أي قبل البلاغ ويستقبحه ويقول إن هذا ضلالٌ من تزيين الشيطان، ولم يقل أنهم على إسلام الفطرة إذ لم يأتهم رسول وفعلهم على مقتضي الإباحة الأصلية، وإن الشرك الذي ارتكبوه غير محرَّم ولا مجرَّم ولا معاقب عليه ويقول ربُّنا - عز وجل -: { - - رضي الله عنهم - - - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - - - ( - ( - (( } - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - { - ( - ( { ( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - الله ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه -((( - ((( - - } (2) وصف الكفر استحقوه برغم الجهل من أجل الشرك الأعظم لأن الله تعالى يقول: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - { - - (((( فهرس - { الله أكبر ( الله - - - صدق الله العظيم (( - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ((( - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( { - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - تم بحمد الله } (3) فالشرك كفر ينفي الإسلام، وفي حالة بلقيس كان هذا الوصف مع الجهل وقبل البلاغ فلم ينف الجهل وصف الكفر مع حدوث الشرك ولم
__________
(1) النمل، آيات: 24-26.
(2) النمل، آية: 43.
(3) آل عمران، آية: 80.(3/28)
ينف وصف الشرك واستنكار الشرك واستقباحه منهم والتعجب من وقوعه أمر وارد غير مستغرب بالرغم من عدم بلوغ الدعوة أي قبل الخبر والرسالة. وفي سورة النمل أيضًا من قوله تعالى: { ( - ( - ( - ( - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - ( - ( المحتويات ( فهرس - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( فهرس ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( - ((( - { - - - - - - - - ((( - - ( - { - - - - - عليه السلام -( ( - ( - - رضي الله عنهم - - - } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - ( - ((( - } ؟؟!! إلى قوله: { ( مقدمة ( - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -( } تم بحمد الله ( - - - ( - ( - } - قرآن كريم ( - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - ((( - ( - ( - ( } (1) وإذا كانت فطرتهم لا يستقر فيها شيء كيف تقوم عليهم الحجة بكل ذلك إلا بالمعجزة ثم الخبر المحض بدون أي برهان عقلي وما كان هناك مجال إلى أن يسوق القرآن إليهم الأدلة على طريقة البرهان العقلي، بل كان كل شيء يرجع إلى معجزة ثم خبر وأمر لأن الفطرة لا يستقر فيها غير ذلك ولكان كلما نبههم إلى بطلان ما هم عليه قالوا وما الضير في ذلك. ولَمَا أدركوا أبدًا وجه الفساد والبطلان فيه بأي وجه لا بتناقض ولا بعدم استقامة أو اطراد أو بطلان اللوازم أو أي شيء من ذلك، لأنهم حتى إذا فهموا هذه الأوجه من الممكن أن يقولوا: وما الضيرُ في هذا ولماذا هي محرمة أو باطلة أو يلزمنا تركها وهذه هي السفسطة وجحد العلوم عندما نقول لا نستطيع أن نبطل أي شيء أو ندرك فساده إلا بشرع والشرع لا يدرك أنه شرع إلا بمعجزة، وقد تكون السفسطة أكبر من ذلك فيقال ولماذا لا يؤيد الله بالمعجزة الرجل الكاذب
__________
(1) النمل، آيات: 59-64.(3/29)
فمن أين لنا أن ندرك نبوة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وقد انسدت منافذ الإدراك بالسفسطة حتي على معرفة المعجزة من غيرها من الخوارق التي تجوز أن يجريها على يد الكاذب والمدعي وهذا الوجه سنقرره بوضوح أكثر بعد نقل كلام شيخ الإسلام في ذلك بإذن الله تعالى. ويقول - سبحانه وتعالى - في سورة الروم: { - - - عليه السلام - - - ( المحتويات ( - - - الله - - - } تم بحمد الله ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - المحتويات ( - { - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - } تم بحمد الله ( تمهيد - - فهرس - - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - عليه السلام -( - - - - - عليه السلام - - (( - (( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( تمهيد ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( ( مقدمة - (( (( - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم (( - - - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ( المحتويات ( تمهيد ( - - ( - ( - - - ( المحتويات ( - - - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - ( - ( - ( - (( الله أكبر ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - - - الله ( قرآن كريم - { ( - - - قرآن كريم ( - ( { ((- رضي الله عنه - - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - } - - - - ((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - فهرس - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - رضي الله عنه -(( -(3/30)
- بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - ( - ( - - عليه السلام - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمهيد ( - مقدمة - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - (((( الله أكبر - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - ( - ( - - مقدمة - المحتويات - عليه السلام - - (((( ( - - - (( - { - - - - عليه السلام - - - ( - ( { } - } - - - - - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم - - - ( - ( - - - ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ((((- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - { ( - - - - (( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - ( } - } - - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - } (1). وهذا فيه ردٌّ على قولهم: { وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } (2). أي إنه لو كان فعلهم غير مرضٍ له لغيره بنقمة ينزلها بهم أو يمنعهم قهرًا من إحداثه فيكون جوابهم لماذا يرضون لله ما لا يرضونه لأنفسهم لأن من يشرك مملوكه في أمره وهو يملكه يكون في فعله سفه فإذا كان هذا من العبد سفهًا فكيف يفعله الربُّ؟ وإذا كان لا يُغيِّر عليهم بقدره فهو يغير هذا بشرعه وخلقهم
__________
(1) الروم، آيات: 28-30.
(2) النحل، آية: 35.(3/31)
للابتلاء فلا حجة لهم بالقدر مع وجود الشرع ومع وجود ما في فطرهم من توحيد الله عزوجل وإجلاله وتنزيهه عن كل ما لا يليق من النقص فكل كمال للعبد فهو أحقُّ به منه، وكل نقص يتنزه عنه العبد فهو أحقُّ بالتنزه عنه منه. نقول فإذا كانت فطرهم لا يستقر فيها ذلك لا يمكن خطابهم به بل لا يمكن خطابهم إلا بأخبار وأوامر لا يكون حجة إلا على من أقرَّ بالمعجزة.
يقول - عز وجل - في سورة سبأ: { - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - (((- رضي الله عنه - - - - - جل جلاله -( - ( - - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - { - ( { } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - - } - قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم - - - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( تمهيد ( - - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله المحتويات ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله } (1)، ويقول - عز وجل -: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - ( - ( - (
__________
(1) سبأ، الآيتان: 40-41.(3/32)
المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - تمهيد ( - - جل جلاله -( - - - رضي الله عنه - - } - قرآن كريم ( - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - (- رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( { ( - ( - - عليه السلام - - ( - - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - ((- رضي الله عنه - - - ( - - ( - رضي الله عنه - تمت - - - ( - ( - ((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - (- رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( { ( - ((( { - } - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -(( - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( تمت ( { - - - - (- رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( { ( - ( - ( - (((( - - تم بحمد الله - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - ( - ( - - { - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - فهرس - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - ( - ( الله أكبر } (1)، أي
__________
(1) سبأ، الآيتان: 43-44.(3/33)
ليس لديهم شبهة نقل يتعلقون بها قد أخطأوا فيها وإنما هو مجرد تقليد الآباء بغير علم، أي أنه أمر لا يرجع إلى أثارةٍٍ من علم أو سلطان بما يفعلون والملائكة لم تطلب منهم عبادتها وصرفوا حقَّ الله إلى غيره بدون أي وجه لاستحقاق هذا الغير لهذا الحق. ويقول تعالى في سورة فاطر: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( } - } - - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - تمهيد - رضي الله عنهم - - ((( الله أكبر ( - - - ( - ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - ( ( - - - المحتويات ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - قرآن كريم ( - - (( - ( - } (1)، ويقول - عز وجل -: { ( - ( - ( - ((( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - - - عليه السلام - - (( - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - } - - ( الله - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - مقدمة - ( - ( - (( - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- عليه السلام - - - - - - -
__________
(1) فاطر، آية: 3.(3/34)
؟؟؟!! ( الله - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( - - جل جلاله - - (- رضي الله عنه - - ( - ( تمهيد ( - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - تمهيد - عليه السلام - - ( } - - رضي الله عنه - - ( مقدمة ( - ( } تم بحمد الله ؟؟!! ( - - رضي الله عنه - - تمت ( { ( - ((- رضي الله عنه - - - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - المحتويات ( - ((((- رضي الله عنه - - - ((((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( { - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( } (1) والمعنى ليس لهم حجة ولا شبهة فيما ذهبوا إليه من الشرك، وعوَّلوا على أمور يخدعون بها أنفسهم ويخدع بها بعضهم بعضًا لأهواء غلبت عليهم صرفتهم عن الحقِّ المركوز في فطرهم، ويقول - عز وجل - في سورة الصافات: { { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم } تمت ( { ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم -(( - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس - - { ( - (( - { - ( - - - - ( المحتويات ( - ( - ( { } - ( قرآن كريم - (( - - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه -( - ( - - - - - ( - ?( تمهيد ( - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((- عليه السلام - - ( - ( - } (2)، ويقول - عز وجل -: { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - ( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - -
__________
(1) فاطر، آية: 40.
(2) الصافات، آيات: 68-70.(3/35)
رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ?( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - - - - جل جلاله -( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - { - تمهيد (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - الله (- رضي الله عنه - الله أكبر ( { ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - { - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - ( { ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ((( { ?? - ?? - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - ?- رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - ( المحتويات ( - ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - ? تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - - - - - - - (((- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات - - - جل جلاله -- رضي الله عنه - - ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنه - تمهيد ( - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - ( صدق الله العظيم ( - (( - ( - (((( - - تم بحمد الله - } - قرآن كريم ( - ( - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( - تمت ( { ( - (( - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -(((- رضي الله عنه - - -(3/36)
عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { } - جل جلاله -( - ( - - - - - جل جلاله - - - - فهرس - ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه -( ( { } - جل جلاله -( - ( - - - ( المحتويات ( - ( - ( { - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - (( - ( - - - - - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( تمهيد ( - ( - - - - ( - - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((((- رضي الله عنه - - } (1)، ويقول - عز وجل -في سورة غافر: { ( المحتويات ( تمهيد ( - } - - ( - - - ( المحتويات ( - - - - عليه السلام - - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - (( - ( - } (2)، ويقول - عز وجل - في سورة فُصِّلَتْ: { ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( - ( - { - - - ( - - - رضي الله عنهم - - } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { ( - } ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم - - - { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - فهرس - ( { ( - } ( - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم - - - { ( - ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - { - - - - (( - - { فهرس - - رضي الله عنهم - - تمت ( { ( المحتويات ( - - ( - (
__________
(1) الصافات، آيات: 149-159.
(2) غافر، آية: 62.(3/37)
فهرس - { - ( { - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - } (1).
ويقول تعالى في سورة الزخرف: { } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( فهرس ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( - ((( - ( - } تمت ( { - (( - - - تمهيد { - - ( - قرآن كريم (( - - - - (((( - - تم بحمد الله ؟؟ ? - ?( الله - صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( تم بحمد الله - - - - - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - المحتويات - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - المحتويات ( - - - (((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ???- رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ( - ؟؟ - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - (- صلى الله عليه وسلم -(( - المحتويات ( - ( - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام - - - ( ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - ( - الله - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - ( (( مقدمة ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - (( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - } ( - - جل جلاله -( - - (( ( { - عليه السلام - - ( - ( - ( - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( الله - - (( - ( - - - ( - ( - - ( - ((( - ( تم بحمد الله - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه
__________
(1) فصلت، آية: 37.(3/38)
السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنه - تمهيد (( ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - ( الله (- رضي الله عنه - الله أكبر ( { } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - { ( - - رضي الله عنهم - - ؟؟! ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( الله - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنهم - - - { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -( - - - { ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - (- رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -( - } تم بحمد الله المحتويات ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( ( تمت ( { ( المحتويات ( - - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ( - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( - - جل جلاله - - (- رضي الله عنه - - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - ( - ( - - - المحتويات ( - - ( (( مقدمة ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - ( - - رضي الله عنه - - } - ( قرآن كريم ( - - - - - ( الله أكبر ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -(3/39)
الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } تم بحمد الله ( - - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( المحتويات ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - (( - { - رضي الله عنه - - ( - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - - ( - ( الله أكبر - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه - - - - - - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ((- عليه السلام - - (- سبحانه وتعالى -( تم بحمد الله - ( الله أكبر ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } تم بحمد الله ( - - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( المحتويات ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام -( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( { - تم بحمد الله - - - ( - - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( } ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - ( تم بحمد الله ( المحتويات - - - - رضي الله عنهم - - - عليه(3/40)
السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( } - ( قرآن كريم ( - - - - - ( الله أكبر ( { - - - رضي الله عنهم - - ( - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - ( - ( - (( مقدمة ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - } (1)
ويقول - عز وجل -: { ((( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم } تم بحمد الله ( المحتويات ( - - { فهرس - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - ( - - - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - (( - ( - ؟؟! } (2)، ويقول - عز وجل - في سورة الأحقاف: { ( - ( - المحتويات ( - ( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - - } تم بحمد الله - - قرآن كريم ((( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - مقدمة - ( - ( - (( - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - ( الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - - - - - (- رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - (- صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) الزخرف، آيات: 15-24.
(2) الزخرف، آية: 87.(3/41)
بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ((( } تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( تمت ( { ( - (( - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - - ( تم بحمد الله } - قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ((( - - - - - فهرس - ( { ( الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - - - رضي الله عنه -(( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - ( - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - ((( مقدمة ( } - } - - - - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - ( المحتويات ( - مقدمة - } ( - - - رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( الله - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - - ((( - - رضي الله عنه -((( - ((( - - } (1).
__________
(1) الأحقاف، آيات: 4-6.(3/42)
ويقول سبحانه وتعالى في سورة النجم: { ( - ((( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - تمهيد (( - - - - - - } - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - الله ( - - } الله - - - - - - عليه السلام - - ( - الله } - - - ( المحتويات ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - { - - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - الله أكبر الله } - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - { - ( { ( { - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - عليه السلام - - - (( - ( تمت ( { { - ( - - صدق الله العظيم ( { (( - - - (( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - ( - ( - (( - - ( المحتويات ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - } تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( - (( - ( - تمت ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( { - صدق الله العظيم { ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - ( { (( الله أكبر - } - - ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - - { - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - } (1).
__________
(1) النجم، آيات: 19-23.(3/43)
إثبات العلم الضروري: ضرورة الفطرة، لا تقوم الحجة بالرسل حتي تقوم الحجة بالفطرة وميثاقها وإذا كان كذلك فإن الله يعذب بها على الشرك كحجة مستقلة فيما يختص بها من توحيد الربوبية ونفي نواقضه من الكذب على الله أو صرف حقه في العبادة إلى غيره كما مرَّ في سور القرآن.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة ”الأصفهانية“ (1): «ثم قال المصنف: والدليل على نبوة الأنبياء المعجزات، والدليل على نبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - القرآن المعجز نظمهُ ومعناه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذه الطريقة هي من أتم الطرق عند أهل الكلام والنظر... ثم لهم في تقرير دلالة المعجزة على الصدق طرق متنوعة وفي بعضها من التنازع والاضطراب ما سننبه عليه، والتزم كثيرٌ من هؤلاء إنكار خرق العادات لغير الأنبياء حتي أنكروا كرامات الأولياء والسحر ونحو ذلك. وللنظار هنا طرق متعددة منهم من لا يجعل المعجزة دليلاً بل يجعل الدليل استواء ما يدعو إليه وصحته وسلامته من التناقض... ومنهم من يوجب تصديقه بدون هذا وهذا، ومنهم من يجعل المعجزة دليلاً ويجعل أدلة أخري غير المعجزة وهذا أصحَّ الطرق ومن لم يجعل طريقها إلا المعجزة اضطر لتلك الأمور التي بها تكذيب لحق أو تصديق لباطل ولهذا كان السلف والأئمة يذمون الكلام المبتدع فإن أصحابه يخطئون إما في مسائلهم وإمَّا في دلائلهم ... وليس الأمر كما زعموا ـ أن لا طريقة إلا المعجزة ـ بل معرفتها بغير المعجزات ممكنة فإن المقصود إنما هو: معرفة صدق مدعي النبوة أو كذبه... وإن شئت قلت هذا خبر. فإما أن يكون مطابقًا للمخبر، وإما أن يكون مخالفًا له سواءٌ كانت مخالفته له على وجه العمد أو الخطأ إذ قد يظن الرجل في نفسه أو غيره أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير متعمد للكذب بل خطأ وضلال مثل كثير ممن يتمثل له الشيطان ويقول أني ربُّك ويخاطبه بأشياء وقد
__________
(1) الفتاوى الكبرى، طبعة دار المنار، ج5، ص 509-529.(3/44)
يقول له أحللت لك ما حرَّمْتُه على غيرك، وأنت عبدي ورسولي، وأنت أفضل أهل الأرض وأمثال هذه الأكاذيب... فإذا كان مدعي الرسالة لم يكن صادقًا فلابد أن يكون كاذبًا عمدًا أو ضلالاً فالتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما هو دون دعوي النبوة فكيف بدعوي النبوة، ومعلوم أن مدعي الرسالة إما أن يكون من أفضل الخلق وأكملهم، وإما أن يكون من أنقص الخلق وأرذلهم، ولهذا قال أحد أكابر ثقيف للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: واللهِ لا أقول لك كلمة واحدة إن كنت صادقًا فأنت أجلّ في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذبًا فأنتَ أحقر مِنْ أن أردَّ عليك، فكيف يشتبه أفضل الخلق وأكملهم بأنقص الخلق وأرذلهم وما أحسن قول حسَّان:
لو لم تكن فيه آياتٌ مبينة كانت بديهته تأتيك بالخبر(3/45)
وما من أحد ادعي النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدني تمييز، وما من أحد ادعي النبوة من الصادقين إلا وقد ظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ظهر لمن له أدني تمييز، فإن الرسول لابد أن يخبر الناس بأمور ويأمرهم بأمور ولابد أن يفعل أمورًا. والكذاب يظهر في نفس ما يأمر به ويخبر عنه وما يفعله ما يبين به كذبه من وجوه كثيرة، والصادق يظهر في نفس ما يأمر به وما يخبر عنه ويفعله ما يظهر به صدقه من وجوه كثيرة... إذ الصدق مستلزم للبر والكذب مستلزم للفجور كما في الصحيحين عن ابن مسعود عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «عليكم بالصدق فإنَّ الصدقَ يهدي إلى البرِّ وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ ولا يزال الرجلُ يصدقُ ويتحري الصدق حتي يكتب عند الله صدِّيقًا، وإيَّاكم والكذب فإنَّ الكذبَ يهدي إلى الفجور وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذبُ ويتحري الكذبَ حتي يُكتَبَ عندَ الله كذَّابًا» ولهذا قال تعالى: { ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( } ( مقدمة - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - } - - رضي الله عنه - - - - ((((((- عليه السلام - - } ( - - - - ( - } - - رضي الله عنه - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { (- صلى الله عليه وسلم - - - بسم الله الرحمن الرحيم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - ( - ( - - - (( - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -( - ( - - - - عليه السلام --(3/46)
صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ((( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تمت ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -(( - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - ( المحتويات ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - (( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - ( - - رضي الله عنه - - - ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - } (1). إلى أن يقول: فمن عرف الرسول وصدقه ووفاءه ومطابقة قوله لعلمه عَلِمَ علمًا يقينيًا أنه ليس بشاعر ولا كاهن ولا كاذب. والنَّاسُ يميزون بين الصادق والكاذب بأنواع من الأدلة حتي في المدعين في الصناعات والمقالات كالفلاحة والنساجة والكتابة وعلم النحو والطب والفقه وغير ذلك، فما من أحد يدَّعي العلم بصناعة أو مقالة إلا والتفريق في ذلك بين الصادق والكاذب له وجوه كثيرة ... والنبوة مشتملة على علوم وأعمال وهي أشرف العلوم وأشرف الأعمال فكيف يشتبه الصادق فيها بالكاذب ولا يتبين صدق الصادق وكذب الكاذب من وجوه كثيرة لاسيما والعالم لا يخلو من آثار نبي من لدن آدم إلى زماننا وقد علم جنس ما جاءت به الأنبياء والمرسلون وما كانوا يدعون إليه ويأمرون به، ولم تزل آثار المرسلين في الأرض ولم يزل عند الناس من آثار الرسل ما يعرفون جنس ما جاءت به الرسل ويفرقون به بين الرسل وغير الرسل، فلو قدر أن رجلاً جاء في زمان إمكان بعث الرسل وأمر بالشرك وعبادة الأوثان وإباحة الفواحش والظلم والكذب ولم يأمر بعبادة الله ولا بالإيمان باليوم الآخر هل
__________
(1) الشعراء، آيات: 221-226.(3/47)
كان مثل هذا يحتاج أن يُطالب بمعجزة أو يُشكُّ في كذبه أنه نبيٌّ. ولو قُدِّر أنه أتي بما يُظنُّ أنه معجزة لعُلِمَ أنه من جنس المخاريق أو الفتن والمحن ولهذا لما كان الدجال يدعي الألوهية لم يكن ما يأتي به دالاً على صدقه للعلم أن دعواه ممتنعة في نفسها وأنه كذَّاب. إلى أن يقول: ونحن لا ننكر أن الرجل قد يتغير ويصير متعمد الكذب بعد أن لم يكن كذلك لكن إذا استحال وتغير ظهر ذلك لمن يخبره ويطلع على أموره، ولهذا لما كانت خديجة رضى الله عنها تعلم من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه الصادق البار قال لها لما جاءه الوحي «إني قد خشيتُ على عقلي» فقالت: كلا والله لا يخزيكَ الله إنَّك لتصلُ الرحِمَ وتَصْدُق الحديث وتحمل الكَلَّ وتُقْرِي الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق. فهو لم يخف من تعمد الكذب فإنه يعلم من نفسه - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكذب لكن خاف في أول الأمر أن يكون قد عرض له عارض سوء وهو المقام الثاني فذكرت له خديجة ما ينفي هذا وهو ما كان مجبولاً عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم والأعمال وهو الصدق المستلزم للعدل والإحسان إلى الخلق ومن جمع فيه الصدق والعدل والإحسان لم يكن ممن يخزيه الله... وقد علم من سنَّةِ الله أن من جبله الله على الأخلاق المحمودة ونزَّهَهُ عن الأخلاق المذمومة فإنه لا يخزيه. وأيضًا فالنبوة في الآدميين من عهد آدم - عليه السلام - فإنه كان نبيًّا وكان قومه يعلمون نبوته وأحواله بالاضطرار وقد عُلِمَ جنس ما يدعو إليه الرسل وجنس أحوالهم فالمدعي للرسالة في زمن الإمكان إذا أتي بما ظهر به مخالفته للرسل عُلِمَ أنه ليس منهم وإذا أتي بما هو من خصائص الرسل عُلِمَ أنه منهم لا سيما إذا علم أنه لابد من رسولٍ منتظر وعلم أن لذلك الرسول صفات متعددة تميزه عن سواه فهذا قد يبلغ بصاحبه إلى العلم الضروري بأن هذا هو الرسول المنتظر ولهذا قال تعالى: { - رضي الله عنه -((( - { - - - ((3/48)
المحتويات ( - (- عليه السلام - - ( - - - - - عليه السلام -( - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - (( مقدمة - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ((( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - } تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - { - ( - - ( ( المحتويات ( - ( - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - عليه السلام - - - - } - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - } (1).
والمسلك الأول: النوعي: وهو مما استدل به النجاشي على نبوته، فإنه لما استخبرهم عما يخبر به واستقرأهم القرآن فقرءوه عليه قال إنَّ هذا والذي جاء به موسي ليخرج من مشكاة واحدة.
__________
(1) البقرة، آية: 146.(3/49)
والمسلك الثاني: الشخصي: استدل به هرقل ملك الروم. ثم يشرع شيخ الإسلام في شرح أسئلة هرقل لأبي سفيان عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحواله معهم للاستدلال بها على صدقه. إلى أن يقول: إن من تأمل ما جاءت به الرسل عليهم السلام فيما أخبرت به وما أمرت به علم بالضرورة أن مثل هذا لا يصدر إلا عن أعلم الناس وأصدقهم وأبرهم، وأن مثل هذا ممتنع صدوره عن كاذب متعمد للكذب مفتر على الله يخبر عنه بالكذب الصريح أو مخطئ ضال هناك يظن أن الله تعالى أرسله ولم يرسله وذلك لأن فيما أخبروا به وما أمروا به من الاحكام والإتقان وكشف الحقائق وهدي الخلائق وبيان ما يعلمه العقل جملة ويعجز عن معرفته تفصيلاً ما يبين أنهم من العلم والمعرفة والخبرة في الغاية التي باينوا بها أعلم الخلق من سواهم فيمتنع أن يصدر مثل ذلك عن جاهل ضال، وفيها من الرحمة والمصلحة والهدي والخير، ودلالة الخلق على ما ينفعهم ومنع ما يضرهم ما يبين أن ذلك صدر عن راحم بار يقصد غاية الخير والمنفعة بالخلق وإذا كان ذلك يدل على كمال علمهم وكمال حسن مقصدهم فمن تم علمه وتم حسن قصده امتنع أن يكون كاذبًا على الله يدعي عليه هذه الدعوي العظيمة التي لا يكون أفجر من صاحبها إذا كان كاذبًا متعمدًا ولا أجهل منه إن كان مخطئًا. وهذه الطريقة تُسلك جملة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتفصيلاً في حق واحد واحد بعينه. ثم يستطرد. إلى أن يقول: ولا ريب أنه يُعلم من أمور الربِّ سبحانه بما نصبه من الأدلة المعاينة الحسية التي يعقل بها بنفسها وبالأمثال المضروبة وهي الأقيسة العقلية ما يمتنع معه خفاء كذب الكاذب بل يمتنع معه خفاء صدق الصادق فالدجال مثلاً قد عُلم بوجوه متعددة ضرورية أنه ليس هو الله وأنه كافر مفتر وإذا كانت دعواه معلومًا كذبها ضرورة لم يكن ما يأتي به من الشبهات مصدقًا لها إذ العلوم الضرورية لا تقدح فيها الطرق النظرية فإن الضروريات أصل النظريات فلو قدح بها(3/50)
فيها لزم إبطال الأصل بالفرع فيبطلان جميعًا.
فإنه يظهر أيضًا من عجزه ما ينفي دعواه، وكذلك من أباح الفواحش والمظالم والشرك والكذب مدعيًا للنبوة يُعلم بالاضطرار كذبه للعلم الضروري بأن الله سبحانه لا يأمر بهذا سواء قيل أن العقل يعلم به حسن الأفعال وقبحها أو لا يُعلم به. فليس كلما أمكن في العقل وقوعه وكان الله قادرًا عليه يُشك في وقوعه بل نحن نعلم بالضرورة أن البحار لم تنقلب دمًا وأن الجبال لم تنقلب يواقيت وإن لم يسند ذلك إلى دليل معين وإن كنا عالمين بأن الله قادر على قلب ذلك لكن العلم بالوقوع وعدمه شيء والعلم بإمكان ذلك من قدرة الله سبحانه شيء، وكل ذي فطرة سليمة يعلم بالاضطرار أن الله تعالى لا يأمر عباده بالكذب والظلم والشرك والفواحش وأمثال ذلك مما قد يأتي به كثير من الكذابين. بل يعلم بفطرته السليمة ما يناسب حال الربوبية». أهـ.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن صفة العلو(1): «ومن هذا الباب ما ذكره محمد بن طاهر المقدسي في حكايته المعروفة أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مرة والأستاذ أبو المعالي يذكر على المنبر: «كان الله على العرش» ونفي الاستواء ـ على ما عرف من قوله وإن كان في آخر عمره رجع عن هذه العقيدة ومات على دين أمه وعجائز نيسابور ـ قال: فقال الشيخ أبو جعفر: يا أستاذ دعنا من ذكر العرش ـ يعني لأن ذلك إنما جاء في السمع ـ أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا: ما قال عارف قط ”يا الله“ إلا وجد من قلبه معنى يطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟ فصرخ أبو المعالي ووضع يده على رأسه وقال حيرني الهمداني أو كما قال ونزل». أهـ.
تعقيب:
__________
(1) مجموع الفتاوى، ج4، ص 61.(3/51)
نقول لو لم تكن ضرورة الفطرة التي هي أصل العلوم النظرية شرعية وعقلية لم تقم الحجة بالرسل، إذ يجوز أن لا تكون المعجزة دليلاً على صدق الرسول لإمكان تأييد الفاجر بالمعجزة وإذا لم يكن هناك تمييز بالفطرة والعلم الضروري الفطري بين الصدق والبر والكذب والفجور وبين عبادة غير الله والأمر بالفواحش والظلم والكذب والجور، وبين عبادة الله والأمر بالمعروف والعفاف والصدق والصلة والبر والإحسان والعدل لما أمكن التمييز بين أحوال الرسل وأحوال الكهَّان والسحرة والمنجمين والكذبة أتباع الشياطين والدجالين، ولما قامت الحجة على الناس ببعث الرسل لأنه يتعذر التمييز بين الصادق والكاذب بل يتعذر استعمال اللغة أصلاً. فما العدل وما الظلم وما العفاف وما هي الصلة وما هو البر وما هو الكذب وما هو الفجور، ولماذا تسمي هذه الأفعال أو تلك بهذا الاسم أو ذاك وإذا أمكن التسمية فلماذا يكون العدل حسنًا والظلم قبيحًا، ولماذا يكون الصدق والبر حسنًا والكذب والفجور قبيحًا، ولماذا يأمر النبيُّ بالعدل والإحسان ولا يأمر بالفواحش والشرك، إذا قلنا أن معرفة هذه الأسماء نفسها لا تعرف إلا بالشرع. وإذا عرفت باللغة والعرف والفطرة فقبحها وحسنها لا يعرف إلا بالشرع لزم الدور القبلي أو دخلت في الاستعمال الحديث في حلقة مفرغة، فمعرفة الصادق من الكاذب لا تعرف إلا بالفرق بين أحوال الرسل وغيرهم مع المعجزة ولا يعرف الفرق إلا بمعرفة أسماء هذه المسميات وإدراك حسن الحسن وقبح القبيح منها، وإدراك هذا لا يعرف إلا من طريق الرسل والشرع فإذا لم يكن هناك تمييز بالفطرة قبل الرسل بدلالة المعجزة والأحوال كيف يعرف الرسول من المدَّعي وكيف يصدقه إذا عرَّف له العدل والظلم وبيَّن حسن هذا وقبح ذلك، وهو لم يعرف أنه رسول ليأخذ بقوله فإذا لم يستقم له التمييز بالفطرة لا يستقيم له التمييز بالشرع، لأن التمييز بالفطرة هو الذي يحدد له طريق الاتباع، واحتجاج المشركين بأن(3/52)
الله يأمر بالشرك ويرضي به لعدم تغييره عليهم بإنزال النقمة أو إزالة النعمة وهو الاحتجاج بالقدر على الشرك قد رده الله سبحانه وتعالى ببيان ما هو مستقر في الفطرة بأن الإنسان لا يشرك مملوكه في أمره ولا يخافه كخيفته نفسه لأن هذا سفه فكيف يليق بالربِّ ذلك؟ فإذا جاز ذلك على الإنسان فلماذا لا يجوز على الله إذا لم يكن سفهًا في الحالتين؟ وبالجملة فإنكار العلم الضروري الفطري يؤدي إلى السفسطة وجحد العلوم عقلية وشرعية وتنتفي خاصية التخاطب والفهم ويصير الإنسان كالحيوان لا يميز شيئًا عن شيء، ومن كان هذا شأنه كيف يصدق الرسول بالمعجزة أو أحوال الرسل أو غير ذلك وهو لا يستطيع أن يميز شيئًا عن شيء، وبالفطرة يدرك الإنسان حاجته إلى الرسل لأن كل ما يتوهمه العقل أنه يقرب إلى الله كذب على الله، وكل صرف لحق الله إلى غيره استخفاف بحق الله، فالعلم الضروري وفطرة التوحيد المركوزة في النفس البشرية لا تطلق العقل بديلاً عن الشرع أو شريكًا له بل تدرك قصور العقل بالفطرة وتحبسه عن تقحم المغيبات التي لا سبيل له إليها فلا يقول على الله بغير علم ولا يفتري على الله الكذب ويتوقف عن كل ما لا يستند إلى شرع من تحسين العقول وعليه فليس القول بهذا من مسالك المعتزلة بل هو قول أهل السنة كما مرَّ من كلام الشاطبي في ”الاعتصام“ والقول بغير ذلك هو من قبيل السفسطة وجحد العلوم وانعدام القدرة على التمييز فتسقط الحجة بالرسل وفرق بين إدراك الإنسان لاحتياجه إلى الشرع، وبين انعدام الإدراك تمامًا إلا بالشرع الذي ينتفي معه التمييز بين الصادق والكاذب ـ كالمعجزة والأحوال ـ والرسول والمدعي أو حتي فهم ما هو الرسول وما هو غير ذلك وبالتالي يصادر على الإدراك بالشرع ويدخل في دور، وفرق بين هذا وذاك وبين الاستغناء بالعقل عن الشرع أو مشاركة العقل للشرع، وقد يقال أن معنى العبادة لا يعرف إلا من طريق الشرع. وهذا خطأ فالعبادة لها معان لا تدرك إلا(3/53)
بضرورة الشرع، ولها معنى يدرك بضرورة اللغة والفطرة، وهذا واضح من قول إبراهيم - عليه السلام - لأبيه وقومه: { ... - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم - - ( - - - - ((( - { - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - - مقدمة - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - (- رضي الله عنه -( - } - قرآن كريم ( - - - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - - - مقدمة - - ((( - ( - (- رضي الله عنه -( } (1). فهو لم يسم فعلهم عبادة بل هم الذين سموه عبادة، وكذلك لما سأل عمرو بن لحي مشركي الشام عما يفعلون سموه وسماه عبادة استعارها إلى قومه من العرب ليدخل من شاء الله له الشقاوة النار. فكل ما هو من باب التقرب إلى الله أو إلى غيره بأوجه القربات والاستعانة به أو بغيره على وجه غيبي غير معقول المعنى اسمه عبادة في لغة الإنسان كما يسمي الإنسان القمر قمرًا والشمس شمسًا والبحر بحرًا فهذا من استعمالات الإنسان. أما المعاني التي لا تدرك إلا بضرورة الشرع فكون العبادة ولاء أو قبول للشرع كما قال عدي بن حاتم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما عبدناهم» قال: «بلي ولكن أحلُّوا لكم الحرام، وحرَّموا عليكم الحلال، فتلك عبادتكم إياهم» وإذا لم يرسل الله سبحانه وتعالى رسولاً فهو سبحانه لم يطلب حقه في العبادة لأن جماع الدين أصلان: أن يعبد الله وحده وأن يعبد بما شرع على ألسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت، ولكن إذا لم يصرف حق الله إليه فلا يصرف إلى غيره لأن هذا استخفاف بحقه وكذب عليه بادعاء رضاه عن ذلك وقولٌ عليه بغير
__________
(1) الأنبياء، الآيتان: 52-53.(3/54)
علم وتقرب إليه بما يسخطه، تدرك الفطرة أنه ينبغي الوقوف عنه حتي يأتي شرع منه سبحانه يُبين كيف يُعبد سبحانه، كذلك إذا لم يكن هناك رسول فلا يوجد شرعٌ ولا ولاءٌ وبالتالي فلا شرك بالرغبة عن شرع الله إلى غيره ولا شرك بمظاهرة مشرك على مسلم وصرف الولاء إلى غير أتباع الشرع فالولاء على الشرع من تمام قبول الشرع ولا شرع في هذه الحالة فلا شرك في ولاء أو قبول لغير شرع الله وإنما الشرك بصرف حقه في العبادة بالمعنى الذي بينَّاه: التقرب والاستعانة على وجه غيبي غير معقول المعنى إلى غيره، ونصب الديانات والمعابد والهياكل والكهنة والجيوش على ذلك دون أن يكون لهؤلاء الذين عبدوهم شرك في الأرض ولا في السماوات، ولم يأتهم بذلك أثارةٌ من علمٍ فقد أشركوا بالله ما لم يُنزِّل به سلطانًا وقالوا على الله بغير علمٍ وافتروا على الله الكذبَ ثم حرَّموا وأحلوا تبعًا لهذه العبادات ووالوا وعادوا عليها وادعوا أن ذلك مما يقربهم إلى الله احتجاجًا بالقدر كما قلنا وهو ما لا يرضاه أحدهم لنفسه أن يشرك في ملكه عبده لأن هذا سفهٌ يأباه على نفسه ويرضاه لله - عز وجل - وتبارك وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا ولذلك فإن من وصفه الإمام الشاطبي أنه داخل تحت قول الله - عز وجل -: { ... - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } غير مشرك وإن تعاطي الحق والنصفة مع غيره على مواصفات البشر وشرائعهم وعرفهم وتولي قومه وعشيرته بحنين الفطرة إلى الأهل والعشيرة والوطن، وإنما يكون الشرك حين يوجد شرع الله وشرع غيره ودين الله ودين غيره وأمة الإسلام وغيرها فلابد حينئذ أن تكون الرغبة عن شرع غير الله إلى شرع الله ومن رغب(3/55)
عن شرع الله إلى غيره فقد كفر، ومن عدل بشرع الله غيره فقد كفر، ومن تولي بغير ولاية الإسلام فقد كفر.
وهو غير مؤمن ولا كافر إذا لم يكن في العالم رسول في زمانه أما إذا وجد رسولٌ لم تبلغه دعوته فيجوز أن يسمي كافرًا ولا يعذب على كفره بل يمتحن في العرصات. والكفر هنا للجهل عمَّا دعا إليه الرسول بما لا يكون الإيمان إلا به من الإيمان بالملائكة والبعث والقدر والرسل والكتب وبهذا نفهم عبارات ابن القيم رضى الله عنه ويزول عنها التعارض حيث يقول أحيانًا عمن هذا حاله أنه لا مؤمن ولا كافر ويقول أحيانًا أنه كافر ولكن لا يعذب على كفره بل يمتحن في العرصات.(3/56)
وبهذا ندرك أن الله سبحانه وتعالى يعذب من لم يأته رسول إذا جهل وجود الله عزَّ وجلَّ أو جحده أو شك فيه أو نقض إقراره بالربوبية بالكذب على الله وصرف حقه إلى غيره فإن لم يفعل ذلك بل توقف عن كل ما يتوهمه العقل أنه يُقرِّب إلى الله من الشرك والقول عليه بغير علم ولم يعبد الله وارتكب ما حرمته الشرائع التي نزلت إلى غيره ولم تبلغه أو التي نزلت في زمان بعد زمانه فلا يعذب على شيء من ذلك وهذا هو معنى { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } (1) وهذا يمتحن في العرصات من أجل الطاعة لا من أجل الإقرار بالربوبية ومن ثم ندرك أن قول الله - عز وجل - { (( مقدمة ( الله أكبر ( { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ((( - ( - - - ( - ( - - { - ( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - ( - - - } (2) عامٌ عمومًا كليًا مطلقًا لا يحتمل التخصيص أو الاستثناء بأي وجه، وقوله - عز وجل - { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } مخصص بالمشيئة في أطفال المشركين، وهذا هو قول مالك وأحمد وجميع المتقدمين ولم يقل أحمد بالامتحان في العرصات رغم روايته للحديث وإنما قال بالمشيئة «الله
__________
(1) الإسراء، آية: 15.
(2) المائدة، آية: 72.(3/57)
أعلم بما كانوا عاملين».
ولم يشذ أحد من السلف عن هذا القول، والقول بالامتحان في العرصات لم يكن معروفًا عند أئمة المسلمين قبل أبي الحسن الأشعري فهو أول من قاله، وقول السلف أولي علمًا بأن الامتحان في العرصات هو أيضًا تخصيص أو استثناء لقوله تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } فبعض من لم تبلغه الدعوة في الدنيا يعذب في النار لرفضه دخولها يوم القيامة لسبق علم الله فيه، وإنما أظهر علمه عليه بعمله فالشقي من شقي في بطن أمه، وهذا أيضًا ينطبق على المجنون والمعتوه والأصمّ والهرم وولدان المشركين مع نقصان التمييز في الدنيا ورفع التكليف عنه بسبب ذلك لسبق المشيئة بالسعادة أو الشقاء، والقول بغير هذا مخالفة لأمر واضح من النصوص وفيه نوعٌ من التكذيب بالقدر وهو من توجهات المعتزلة وكذلك الدجال ويأجوج ومأجوج لم تصلهم رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ببلاغ واضح لحبسهم عن الناس لحين يفتح لهم قبل يوم القيامة فقوله تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } عمومٌ غير محفوظ. وقوله: { } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ((((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - } (1)، { (( مقدمة ( الله أكبر ( { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد
__________
(1) النساء، آية: 48.(3/58)
الله ( - ( - ((( - ( - - - ( - ( - - { - ( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - ( - - - } (1) عموم محفوظ، والعموم المحفوظ يخصص العموم غير المحفوظ.
علمًا بأن نص حديث الامتحان في العرصات لا يقطع بأن هذا الامتحان للنوع لأن اللفظ في الأحاديث الصحيحة في الامتحان مُنكّر «رجل أصم» فيحتمل أنهم أربعة بالعدد أي بالعين، ويحتمل بالنوع، فإذا كان بالعين فغيرهم راجع إلى المشيئة وهم قد أظهر الله لهم حكمة مشيئته فيهم وهذا الوجه من فهم الحديث لا يتعارض مع قول السلف بالمشيئة في ولدان المشركين ومن هم على شاكلتهم، وإذا كان الامتحان ليُظهر العملُ العلمَ في الآخرة فقد أظهر العمل العلم في الدنيا لأن من أراد اللهُ له الشقاء يسَّر له عمل أهل النار، ومن أراد اللهُ له السعادة وهو في بطن أمه يسَّر اللهُ له عمل أهل الجنة.
__________
(1) المائدة، آية: 72.(3/59)
وعليه فخلاصة القول في هذا ما سبق أن ذُكِرَ في الجواب المفيد في مجموعة عقيدة الموحدين وهذا نصه(1): يقول عن أهل الفترة: «قسمٌ متابع لما عليه أهل الشرك مستنيم لهم غير عامل على البحث عن غير دينهم سواء وجد هذا في زمانه أم لم يوجد، وقسمٌ عرف ما عليه أهل زمانه من الشرك والمنكر فرفضه ولكن لم يجد دينًا يتعبد به إلى الله لعدم وجود آثار الرسالة في هذا الزمان. فالقسم الأول غير معذور ولا يدخل في مقتضي آية الإسراء أو حديث الأربعة، والقسم الآخر فصاحبه إما أن يكون موحدًا ولكن يجهل أي شريعة يتقرب بها إلى الله، وذلك لعدم وجودها في زمانه فهذا ناج يوم القيامة ومثاله المتحنفين من العرب قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وإما أن يكون تاركًا لما عليه قومه من عبادة غير الله متوقفًا عنه ولكنه لم يصل إلى الدين الصحيح بعد أن جهد في طلبه وتحصيله فلم يتمكن فهذا الذي يدخل في مقتضي الآية وحديث أهل الفترة. يقول الإمام الشاطبي: «ونظيره مسألة أهل الفترات العاملين تبعًا لآباءهم واستنامه لما عليه أهل عصرهم من عبادة غير الله وما أشبه ذلك لأن العلماء يقولون في حكمهم أنهم على قسمين: قسمٌ غابت عليه الشريعة ولم يدر ما يتقرب به إلى الله تعالى فوقف عن العمل بكل ما يتوهمه العقل أنه يقرب إلى الله ورأي ما أهل عصره عاملون به مما ليس فيه مستند إلا استحسانهم فلم يستفزه ذلك على الوقوف عنه وهؤلاء هم الداخلون حقيقة تحت عموم الآية : { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } (2).
__________
(1) عقيدة الموحدين، طبعة دار الهجرة، ص 344.
(2) الإسراء، آية: 15.(3/60)
وقسمٌ لابس ما عليه أهل عصره من عبادة غير الله والتحريم والتحليل بالرأي فوافقهم في اعتقاد ما اعتقدوه من الباطل فهؤلاء نصَّ العلماء على أنهم غير معذورين مشاركون لأهل عصرهم في المؤاخذة لأنهم وافقوهم في العمل والموالاة والمعاداة على تلك الشرعة فصاروا من أهلها». أهـ.
علمًا بأننا وإن رجحنا هذا الذي صرنا إليه في هذا البحث فإن هناك قولين لأهل السنة مع هذا القول الذي قلناه: وهما: الامتحان في العرصات، لكل من لم تبلغه الدعوة بأي حال ولم تقم عليه الحجة بأي وجه ولم يسمع لرسول بخبر استنادًا إلى حديث «أربعة يدلون على الله بالحجة».
القول الآخر:
وهو الوقف أو أنهم في المشيئة وذلك استنادًا لما جاء في قول الله - عز وجل - في سورة طه: { - رضي الله عنه - - - - - - - رضي الله عنهم - - - ( ( - - - رضي الله عنه - - ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( { ( - - - - - فهرس - - صلى الله عليه وسلم - الله } - - - - رضي الله عنه - - - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - (( - رضي الله عنهم - - - (( - ( فهرس - - عليه السلام - - - (( - - (- رضي الله عنه - - ( - - صدق الله العظيم - - ((- رضي الله عنه - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - } - جل جلاله -- رضي الله عنه - - } والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم.
والذي نقطع به: «أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة» و«أن الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مؤمنة» و { .. إنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ }
وكما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : «أن المسلم هو الذي يعبد الله ولا يشرك به شيئًا ويؤمن بالله والرسول وما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس مسلمًا فإن لم يكن كافرًا معاندًا فهو كافر جاهل. وعبادة الله وحده إنما تكون بما شرع على ألسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت.(3/61)
وهذا يقوم على الوجه الأخر من الأستدلال وهو أن:
1- حجة الفطرة ليست حجة مستقلة.
2- أن حجة الفطرة مندرجة في حجة الرسل.
3- أن الله لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة بالرسل ولا يعذب بحجة الفطرة وحدها.
4- أن الذي توقف عن الشرك عند إنقطاع البلاغ إنقطاعًا كاملاً يكون على إسلام الفطرة.
5- أن من أخطأ الطريق إلى الله عزَّ وجل عند إنقطاع البلاغ إنقطاعًا كاملاً فهو في المشيئة.
مقدمة:
وبعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -: أمران:
الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» أخرجه الإمام أحمد في المسند من حديث أبي هريرة وإسناده رواية عبد الله حدثنا أبي حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا معمر عن همام ابن منبه قال: هذا حديث أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث عدة وقد أخرج الحديث أيضًا مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».
وقد جاء في المسند أيضًا من حديث أبي موسي الأشعري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من سمع بي من أمتي يهوديٌّ ولا نصراني فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة». وفي ”صحيح مسلم“ من حديث أبي موسي الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجلٌ من هذه الأمة يهوديٌّ ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار».
جاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية السؤال الأول: هل كل من أتي بعمل من أعمال الكفر والشرك يكفر ـ علمًا أنه أتي بهذا الشيء جاهلاً ـ هل يعذر بجهله أم لا يُعذر؟ وما هي الأدلة بالعذر أو بعدم العذر.(3/62)
الجواب: «لا يُعذر المكلف بعبادته غير الله أو تقربه بالذبائح لغير الله أو نذره لغير الله ونحو ذلك من العبادات التي هي من اختصاص الله إلا إذا كان في بلاد غير إسلامية ولم تبلغه الدعوة فيعذر لعدم البلاغ لا مجرد الجهل لما رواه مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌّ ولا نصرانيٌ ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».
فلم يعذر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من سمع. ومن يعيش في بلاد إسلامية قد سمع بالرسول فلا يعذر في أصول الإيمان بجهله». أهـ.
الثاني: ما جاء في رسالة التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب : عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - «أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رأي رجلاً في يده حلقة من صفر فقال ما هذه؟ قال من الواهنة، فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا».يقول شيخ الإسلام: «فيه مسائل... الثانية: أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح. فيه شاهد لكلام الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر. الثالثة: أنه لم يعذر بالجهالة». أهـ.
فإذا كان الأمر هكذا في الشرك الأصغر فكيف بالشرك الأعظم.
ما يعذر به وما لا يعذر به في التوحيد:
ما يعذر به:
يعذر بتخلف القصد.
وما كان الكفر فيه بالمآلات واللوازم. قال العلماء الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال، ولازم المذهب ليس بمذهب ما لم يلتزمه صاحبه.
والشبهة الطارئة أو الفلتة أو إذا تكلم ولم يعمل.
ما لا يتكون فيه المناط المُكَفِّر إلا بعد العلم.
الجهل بالصفة إذا لم يؤد إلى الجهل بالذات أو ما هو في حكمه.
ما لا يعذر به:
العكوف على الشرك.
الأفعال والأقوال والمواقف التي لا تصدر عن قلب فيه إيمان.
الافتراء والكذب على الله سبحانه وتعالى.
أمثلة ما يعذر به:
1- تخلف القصد:(3/63)
جاء في المسند: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد الجهني وشبلاً قال سفيان: قال بعض الناس عن ابن معبد والذي حفظت شبلاً قالوا: كنَّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام رجلٌ فقال أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه وكان أفقه منه فقال: صدق اقض بيننا بكتاب الله - عز وجل - وأذن لي فأتكلم قال: قل. فقال: إن ابني كان عسيفًا على هذا وأنه زني بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم. ثم سألت رجلاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلي امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله - عز وجل - المائة شاه والخادم رد عليك، وعلي ابنك جلد مائة وتغريب عام. واغد يا أنيس ـ رجل من أسلم ـ على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها» رواية أخري «في المسند حدثنا عبد الله حدثنا أبي حدثنا عبد الرازق حدثنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رجلاً جاء إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إنَّ ابني كان عسيفًا على هذا فزني بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بوليدة ومائة شاه ثم أخبرني أهل العلم أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإن على امرأة هذا الرجم. حسبت أنه قال فاقض بيننا بكتاب الله فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما الغنم والوليدة فردٌّ عليك، وأما ابنك فعليه جلد مائة وتغريب عام ثم قال لرجلٍ من أسلم يقال له أنيس قم يا أنيس فاسأل امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها». فالرجل الذي عرض مائة من الإبل ووليدة كان يظن أن ولي العرض إذا جاز التعبير له الحق مثل ولي الدم في الدية وإن العقوبة ليست حقًا لله في الزنا، إنما هي من حق العبد كما(3/64)
هو الحال في القتل فعرض هذا الفداء ثم طلب حكم الله ولم يعد عنه فلو علم أن هذا الفداء ليس حكم الله ما عرضه على صاحبه فلا توجد هنا رغبة عن شرع الله إلى غيره ولا عدل بشرع الله غيره.
المثال الآخر قول الله - عز وجل -: { - - رضي الله عنهم - - - ( ( - ( - - - - (( - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( الله أكبر ( الله - - ((((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - { ((... } (1) الآية قال أهل التفسير: قومٌ يرونهم مسلمين ويتولونهم، وقومٌ يرونهم كفار ويتبرأون منهم. والذين رأوهم مسلمين وتولوهم لو علموهم كفارًا ما تولوهم فلم يتحقق هنا ولاية للكافرين. والأمثلة كثيرة جدًا في هذا الصدد ونكتفي بهذين المثالين.
2- المقولات الخفية:
مثال مَنْ قال إنَّ الله - سبحانه وتعالى - كلَّم موسي - عليه السلام - بكلام خلقه في الشجرة، فقال العلماء فتكون الشجرة هي التي قالت: { ((( - ( الله أكبر ( { - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( الله أكبر ( - ( تمهيد (( - - - ( } (2) لأن الكلام ينسب إلى قائله وليس إلى خالقه ومن نسب هذا إلى الشجرة فقد كفر. فهنا لا يتحقق الكفر إلا إذا أُقيمت الحجة باللازم ثم بقي صاحب هذا القول عليه. ومثال هذا كثير في مقولات المتكلمين التي يُكفِّر بعضهم بعضًا بها بالمآلات واللوازم، ولذلك قال العلماء: الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال، ولازم المذهب ليس بمذهب حتي يلتزمه صاحبه.
3- الشبهة الطارئة:
__________
(1) النساء، آية: 88.
(2) طه، آية: 14.(3/65)
وهذه أيضًا أمثلتها كثيرة، منها ما جاء في السيرة في غزوة بدر قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر أن يحيي بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أسعد بن زرارة قال: قُدم بالأساري حين قُدم بهم وسودة بنت زمعة زوج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب قال: تقول سودة: «والله إني لعندهم إذ أتينا فقيل: هؤلاء الأساري قد أوتي بهم. قالت: فرجعت إلى بيتي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل قالت: فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت أي أبا يزيد أعطيتم بأيديكم ألا متم كرامًا واللهِ ما أنبهني إلا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيت «يا سودة أعلي الله ورسوله تحرضين؟!» قالت: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت. ومن أمثلة ذلك أيضًا قول سعد بن عبادة لسعد ابن معاذ يدافع عن عبد الله بن أبيّ بن سلول وقد طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العذر فيه «كذبت لعمر الله لاتقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل» تقول عائشة رضي الله عنها عن سعد بن عبادة «كان رجلاً صالحًا ولكن احتملته الحمية».
ومن أمثلة ذلك أيضًا حديث ذات أنواط وللعلماء فيه أقوال:
فمنهم من يجعله شركاً أصغراً فيخرجه عن محل النزاع وهو الشرك الأعظم، ومنهم من يقول أنهم كفروا بذلك ثم تابوا باستتابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم، ومنهم من يقول أنهم تكلموا ولم يفعلوا ولو فعلوا لكفروا أي أنهم نُبهوا فانتبهوا ونُهوا فانتهوا.(3/66)
جاء في فتوى ”اللجنة الدائمة للبحوث العلمية“ (1): وأما الذين طلبوا من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهم ذات أنواط يعلقون بها أسلحتهم، فهؤلاء كانوا حديثي عهد بكفر وقد طلبوا فقط ولم يفعلوا فكان ما حصل منهم مخالفًا للشرع وقد أجابهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بما يدل على أنهم لو فعلوا ما طلبوا كفروا.
ويقول أبو بطين في ”الانتصار لحزب الله الموحدين“: «وكذلك الذين قالوا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - اجعل لنا ذات أنواط ما كانوا يظنون أن قولهم اجعل لنا ذات أنواط كقول بني إسرائيل اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، ولم يظنوا أن هذا من التأله لغير الله الذي تنفيه لا إله إلا الله لأنهم يقولون لا إله إلا الله ويعرفون معناها لأنهم العرب، لكن خفيت عليهم هذه المسألة لحداثة عهدهم بالكفر حتي قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُ أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسي: { اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } . لتركبنَّ سنن من كان قبلكم» فإن قيل فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكفرهم بذلك قلت هذا يدل على أن من تكلم بكلمة كفر جاهلاً بمعناها ثم نُبه فتَنَبه أنه لا يكفر. ولا شك أن هؤلاء لو اتخذوا ذات أنواط بعد إنكار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لكفروا». أهـ.
__________
(1) فتوى رقم 9257 بتاريخ 22/12/1405هـ.(3/67)
ويقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب(1): «ومن الدليل على ذلك أيضًا ما حكي الله عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسي: { - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - - { - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - رضي الله عنهم - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( } (2) وقول ناس من الصحابة: «اجعل لنا ذات أنواط» فحلف - صلى الله عليه وسلم - أن هذا نظير قول بني إسرائيل لموسي { - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - - { - - - جل جلاله - - ( - - ( { ... } ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك وكذلك الذين قالوا: «اجعل لنا ذات أنواط» لم يكفروا.
فالجواب أن نقول: إن بني إسرائيل لم يفعلوا، وكذلك الذين سألوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلوا، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا. وهذا هو المطلوب ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجاهل«التوحيد فهمناه» إن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان، وتفيد أيضًا أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كُفر وهو لا يدري فنُبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وتفيد أيضًا أنه لو لم يَكفُر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظًا شديدًا كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ». أهـ.
4- جهل الصفة:
__________
(1) كشف الشبهات، ص 13.
(2) الأعراف، آية: 138.(3/68)
يقول صاحب كتاب ”إيثار الحق على الخلق“(1) عن الرجل الذي ذري نفسه: «وهو حديث متفق على صحته عن جماعة من الصحابة منهم حذيفة وأبو سعيد وأبو هريرة بل رواته منهم قد بلغوا عدد التواتر كما في جامع الأصول ومجمع الزوائد ومن حديث حذيفة أنه كان نباشًا وإنما أدركته الرحمة لجهله وإيمانه بالله والمعاد ولذلك خاف العقاب، وأما جهله بقدرة الله تعالى على ما ظنه محالاً فلا يكون كفرًا إلا لو علم أن الأنبياء جاءوا بذلك وأنه ممكن مقدور، ثم كذبهم أو أحدًا منهم لقوله تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } (2)». أهـ.
فيكون معنى التذرية لدخول نفسه في نطاق الممتنع لذاته وليس لكونه غير مقدور لله - سبحانه وتعالى - . والقاعدة أن الجهل بالصفة لا يكون جهلاً بالموصوف أما إذا أدي الجهل بالصفة إلى الجهل بالموصوف - سبحانه وتعالى - فهذا كفر حتي في حق من لم تبلغه الدعوة، وكذلك إذا أدي جهل الصفة إلى عدم اعتقاد أو الشك أو التكذيب بالملائكة والكتب والرسل والبعث والقدر خيره وشره فهذا كفر لعدم وجود الإيمان المبني على العلم بهذه الأمور التي لا يكون المؤمن مؤمنًا إلا بها. والكفر يكون بمنافاة الإيمان جهلاً أو شكًا أو تكذيبًا أو جحدًا أو خلعًا ونبذًا وتركًا وبراءة أو ترك الموالاة والموافقة والانقياد أو المحاداة والمشاقة والعداوة والخصومة ويكون بمنافاة الإسلام شركًا أو تعطيلاً وكبرًا.
5- الجهل يكون عذرًا إذا كان المناط المكفر لا يتكون إلا بعد العلم:
__________
(1) إيثار الحق عن الخلق، ص 436.
(2) الإسراء، آية: 15.(3/69)
يقول شيخ الإسلام بن تيمية(1): «وبالجملة لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها، بل الوجوب بحسب الإمكان، وكذلك ما لم يعلم حكمه فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه وبقي مدة لم يصل لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان وأداء الزكاة وغير ذلك... وكذلك لو عامل بما يستحله من ربا أو ميسر ثم تبين له تحريم ذلك بعد القبض هل يفسخ العقد أم لا كما لا نفسخه لو فعل ذلك قبل الإسلام وكذلك لو تزوج نكاحًا يعتقد صحته على عادتهم ثم لما بلغه شرائع الإسلام رأي أنه قد أخلَّ ببعض شروطه كما لو تزوج في عدة وقد انقضت هل يكون ذلك فاسدًا أو يقر عليه كما لو عقده قبل الإسلام ثم أسلم. وأصل هذا كله أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدًا إلا بعد العلم أو يفرق بين الشرائع الناسخة والمبتدأة هذا فيه ثلاثة أقوال هي ثلاثة أوجه في مذهب أحمد ذكر القاضي أبو يعلي الوجهين المطلقين من كتاب له وذكر هو وغيره الوجه المفرق في أصول الفقه وهو أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتي يبلغه الناسخ. وخرَّج أبو الخطاب وجهًا بثبوته. ومن هذا الباب من ترك الطهارة الواجبة ولم يكن علم بوجوبها أو صلي في الموضع المنهي عنه قبل علمه بالنهي هل يعيد الصلاة؟ فيه روايتان منصوصتان عن أحمد. والصواب في هذا الباب كله: أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم، وأنه لا يقضي ما لم يعلم وجوبه فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتي تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم يأمرهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء، ومنهم من كان يمكث جنبًا مدة لا يصلي ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم كأبي ذر وكعمر بن الخطاب وعمَّار لما أجنبا ولم
__________
(1) منهاج السنة، ج3، ص30.(3/70)
يأمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحدًا منهم بالقضاء ولاشك أن خلقًا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة». أهـ.
وهذا وغيره كثير معناه أن المسلم لا يكون مستحلاً حتي يعلم أن الله سبحانه وتعالى قد حرَّم الحرام ثم يستحله، ولا يكون رادًا لأمر الله عليه حتي يعلم أن هذا أمر الله ثم يرده، ولا يكون مُكذِبًا حتي يعلم أن هذا خبر الله ثم يكذبه ولو علم التحريم ثم استحل كَفَر ـ وإن كان يجهل أن الاستحلال كُفْر ـ ولو علم الخبر ثم كذب كفر ـ وإن كان لا يعلم أن التكذيب كفر ـ ولو علم الأمر ثم ردَّ أمر الله عليه كفر ـ وإن كان لا يعلم أن رد أمر الله عليه كفر ـ إذ كل هذا لا يصدر عن قلب فيه إيمان.
ما لا يعذر به:(3/71)
الأول: ما لا يصدر عن قلب فيه إيمان: يقول - عز وجل -: { ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( - (( - } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - ( مقدمة ( - - - ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - - ( - - - ( المحتويات ( - ( { ( } تم بحمد الله - - قرآن كريم ( { ( - ( - ( } (1)، ويقول سبحانه: { ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - - فهرس - ( { - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - فهرس - ( { ( المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى
__________
(1) المائدة، آية: 81.(3/72)
الله عليه وسلم -( - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - رضي الله عنه - - (( مقدمة ( - ( - - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - ((( - - - ( فهرس - - ( - - جل جلاله - - - ((- رضي الله عنه - - } (1)، ويقول تبارك وتعالى: { - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( - - - ( - ( - قرآن كريم ( - { - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - (( - (- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - - ( - - ( المحتويات ( - ( { ( } تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ? - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ((( - - فهرس - ( { ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - - عليه السلام - - ( - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - - - ( { ( - - ( - - ( المحتويات ( - ( { ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - (( - تم بحمد الله - تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( - - رضي
__________
(1) النساء، آية: 60.(3/73)
الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - } - ( قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - ( مقدمة ( - - - ( { - رضي الله عنه -((( - ((( - ( تم بحمد الله - - ((- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - ((- عليه السلام - - } تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم (( - - - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - (- رضي الله عنه - - - ( - - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( { ( - - - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنه - تمت - - - - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - - ( { } - ( قرآن كريم ((( - - فهرس - ( { ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - ( - ( - - عليه السلام - - ( - ( المحتويات ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ((( - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - (( - (- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( - ( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام(3/74)
-- صلى الله عليه وسلم - ((((( - { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - ( مقدمة ( { ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - (( - - - (( - - - } (1)، ويقول - سبحانه وتعالى -: { ( - - - (- رضي الله عنه - - - - - قرآن كريم ( { (((- عليه السلام - - ( - ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - } - - رضي الله عنه - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - عليه السلام - - قرآن كريم ( - المحتويات ( - ( { ( مقدمة - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - (( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - } - (- صلى الله عليه وسلم -((( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - ( { { - - - ( - ( - ( - ( - - } تم بحمد الله - - - صلى الله عليه وسلم -( - - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - ((( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - (( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - } - ( - (( قرآن كريم ( - صدق الله العظيم - عز وجل - ( - - رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - (( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله
__________
(1) النور، آيات: 47-52.(3/75)
عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - جل جلاله -( - - - - صلى الله عليه وسلم -((( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - فهرس - - - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - ( - - - - ( فهرس ( - - ( - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - - ( { تمت ( { ( - ((( الله أكبر صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - { - ((( - - - ( ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله ( - ( - - - رضي الله عنهم -(( الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم { - ((( - - - ( ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - ((( تم بحمد الله ( - ( - ( - } (1).
وقد سبق شرح معنى الآية أكثر من مرة وأن المعفو عنهم لم يشاركوا في القول وسايروا الركب وكرهوا بالقلب ما سمعوا ولم ينكروا باللسان فليسوا مشتركين معهم في الكفر، وإن المؤاخذين بكفرهم قالوا كلامًا فيه استخفاف بالمقدسات لقطع عناء السفر لم يعتقدوا معناه لأن القرآن لم يكذبهم في اعتذارهم ـ ولم يعلموا أنهم يكفرون به ـ ولكن مثل هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن قلب فيه إيمان لأنه ينافي وجود الإيمان في القلب لمنافاة الضد للضد.
__________
(1) التوبة، آيات: 64-66.(3/76)
الثاني: ما يرجع إلى افتراء الكذب على الله - سبحانه وتعالى - يقول - عز وجل -: { } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام -( - - - - - عليه السلام - - (( - صدق الله العظيم ( - ( - - - ( المحتويات ( - - { فهرس - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنه - - } تمهيد ( - - جل جلاله -- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - فهرس - (- رضي الله عنهم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ((((- رضي الله عنه - - } (1)، ويقول - عز وجل -: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم - - ( - فهرس - - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - } - قرآن كريم - - ( - - عليه السلام - - - ( { - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - } - جل جلاله - { - - رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - { } تم بحمد الله ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - فهرس - - عليه السلام - - - ( { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم - - فهرس - ( { المحتويات ( - ( - - - عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ((( - ( - - - بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) الأنعام، آية: 100.(3/77)
( - ( { ( مقدمة - - رضي الله عنه - - ( - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - } (1)، ويقول - عز وجل -: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - - - ( تم بحمد الله - عليه السلام - - ( - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( المحتويات ( - - - - } تم بحمد الله - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - (((( - - ( مقدمة ( - - - ( { } تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - - ( الله - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم - - ((( - { - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( } تمت ( { - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنه - - ((( - ( - - - ( - } (2)، ويقول - عز وجل -: { - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( } (- رضي الله عنهم - - - - - ( الله - تمهيد ( - - (( } تم بحمد الله - ((( - ( - ((( - ( - - - - - ( - - - ( المحتويات ( - ( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) الأنعام، آية: 108.
(2) الأنعام، آية: 119.(3/78)
- ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام - - ( { ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - ( - } - قرآن كريم ( - ( تمهيد ( - - عليه السلام - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - ( - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - { ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( فهرس قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -( - ( ( المحتويات ( - ( - - - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - - } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( مقدمة - صدق الله العظيم - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -(( - ( المحتويات ( - ( - ((- عليه السلام - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - ( مقدمة - - رضي الله عنهم - - ( - قرآن كريم ( - (( ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( - - - - -(3/79)
رضي الله عنهم - - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( (( - - - عليه السلام - - (- سبحانه وتعالى -(( - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - - } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( ( تمت قرآن كريم ((( - ( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - ( { - (( - - - } - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم { - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - عليه السلام - - ( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - - { - رضي الله عنه - - ( - } تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( ( مقدمة - (( (( - - - - - عليه السلام - - (( ( المحتويات ( - - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - - (((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة ( الله أكبر ( { ( المحتويات - ( تمهيد - مقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنه -( - ( - - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - ( - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ((3/80)
- (( } - قرآن كريم ( تم بحمد الله { - - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - - - (( - - - عليه السلام - - (- سبحانه وتعالى -(( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - ( - - - } - قرآن كريم - - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - ((( - - رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله } (1)، ويقول - عز وجل -: { - { - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - (( } تم بحمد الله ( تمت ( - - ( - - - ((((- عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ((- رضي الله عنهم - - ( - - - ((((- عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - ( - ((((- عليه السلام - - - - { - - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( الله - صلى الله عليه وسلم - - ((((- عليه السلام - - - } الله أكبر الله } - - - } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد فهرس - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( { - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - فهرس ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((((- عليه السلام - - - } الله أكبر الله } - - - ( الله أكبر قرآن كريم ((( مقدمة - - رضي الله عنه - الله أكبر - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ((( - تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى
__________
(1) الأنعام، آيات: 137-140.(3/81)
الله عليه وسلم - ( - ( - تمهيد { - - ((((- عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - { - رضي الله عنه - - ( - - - ((((- عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - ( - ((((- عليه السلام - - - - { - - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( الله - صلى الله عليه وسلم - - ((((- عليه السلام - - - - الله أكبر الله } - - - } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد فهرس - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( { - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - فهرس ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((((- عليه السلام - - - - الله أكبر الله } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - جل جلاله -( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - { - (( ( - ( { ( المحتويات ( تمهيد - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -(( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - - ( - - - } - ((( - ( - - { } - } - - - - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - ((( - ( - ( { ( - - - } (1)، ويقول - عز وجل -: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -( - ( - { - رضي الله
__________
(1) الأنعام، الآيتان: 143-144.(3/82)
عنه -(( - ( - ( } - قرآن كريم ( - - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - { - ( - ( - ( - - - ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - - رضي الله عنه -(( - - (( - - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - } (1)، ويقول تعالى: { ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة { - ( فهرس - - عليه السلام - - - (( مقدمة } - عليه السلام - قرآن كريم - (( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - ( - { - ( { ( تم بحمد الله - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - (- رضي الله عنه - - - المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - - رضي الله عنهم -(( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - ( - ((( - ( - - - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - ( } - - رضي الله عنه - - ( - (( مقدمة ( - - - جل جلاله - - ( - (( - ( - تمت -
__________
(1) الأعراف، آية: 28.(3/83)
صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (( - - } (1)، ويقول - عز وجل -: { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -(( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - ( - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - - - (( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( - } (2)، ويقول - عز وجل -: { ( - ( - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - - - } تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - المحتويات ( - - - (( } تم بحمد الله - - ( - ( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - ( ( مقدمة ( - ( } تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله - - عليه السلام - - - مقدمة الله - ( فهرس - - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - - عليه السلام -(للهُ - رضي الله عنه - تمت ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - ( الله - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -(( - - } (3)، ويقول - عز وجل -: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - ( - ((( - { - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله
__________
(1) الأعراف، آية: 33.
(2) الأعراف، آية: 37.
(3) يونس، آية: 59.(3/84)
عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - ( - - تمهيد ( - - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - - ( { { - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - - (( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( } - } - جل جلاله - - - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - } (1)، ويقول - سبحانه وتعالى -: { } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( فهرس ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( - ((( - ( - } تمت ( { - (( - - - تمهيد { - - ( - قرآن كريم (( - - - - (((( - - تم بحمد الله - ( الله - صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( تم بحمد الله - - - - - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - المحتويات - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - المحتويات ( - - - (((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ( - - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - (- صلى الله عليه وسلم -(( - المحتويات ( - ( - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام - - - ( ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - ( - الله - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - ( (( مقدمة ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( تم
__________
(1) يونس، آية: 60.(3/85)
بحمد الله - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - (( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - } ( - - جل جلاله -( - - (( ( { - عليه السلام - - ( - ( - ( - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( الله - - (( - ( - - - ( - ( - - ( - ((( - ( تم بحمد الله - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنه - تمهيد (( ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - ( الله (- رضي الله عنه - الله أكبر ( { } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - { ( - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( الله - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنهم - - - { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -( - - - { ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - (- رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -( - } تم بحمد الله المحتويات ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( ( تمت ( { ( المحتويات ( - - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ( - - - - ( بسم الله الرحمن(3/86)
الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( - - جل جلاله - - (- رضي الله عنه - - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - ( - ( - - - المحتويات ( - - ( (( مقدمة ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - ( - - رضي الله عنه - - } - ( قرآن كريم ( - - - - - ( الله أكبر ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } تم بحمد الله ( - - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( المحتويات ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - تم بحمد الله } (1)، ويقول - سبحانه وتعالى -: { ( - - رضي الله عنه -(( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - - ( - ( - - - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - - { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ((( - } (2)، ويقول
__________
(1) الزخرف، آيات: 15-22.
(2) الزخرف، آية: 45.(3/87)
- عز وجل - في: { ( - ( - المحتويات ( - ( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - - } تم بحمد الله - - قرآن كريم ((( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - مقدمة - ( - ( - (( - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - ( الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - - - - - (- رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - (- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ((( } تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( تمت ( { ( - (( - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( } (1).
__________
(1) الأحقاف، آية: 4.(3/88)
الثالث: العكوف على الشرك لقوله - عز وجل -: { - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - - رضي الله عنه - - ( - - - - (( } - عليه السلام - - ( - ( { - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - } - ( قرآن كريم - - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - الله ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ((- رضي الله عنه - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - الله - - - جل جلاله -((- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - } - قرآن كريم ( - - - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - - { - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - رضي الله عنهم - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - - - - - ( المحتويات ( - ( الله أكبر ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - } تمت ( { ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه - - ( تم بحمد الله - } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( مقدمة - (( ( - (((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } تم بحمد الله } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - } (1)، ويقول - عز وجل -: { ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - - (( - } - عليه السلام - - ( - ( { (( فهرس - رضي الله عنهم - - ( { ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد
__________
(1) الأعراف، الآيتان: 138-139.(3/89)
الله ( - ( تمهيد - - - } - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة ( - - رضي الله عنه -((( - ( - (- رضي الله عنه -( - ( - ( { - رضي الله عنه - - - - - ( مقدمة - ( - } (( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم - - ( - - - - ((( - { - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - - مقدمة - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - (- رضي الله عنه -( - } - قرآن كريم ( - - - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - - - مقدمة - - ((( - ( - (- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه - - - - - لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } (1)، ويقول - عز وجل -: { ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - الله أكبر - بسم الله الرحمن الرحيم - ( - } - عليه السلام - - ( - ( { - ( - ( { - رضي الله عنه - - - - - ( مقدمة - ( - } (( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - } - قرآن كريم ( - - - - ( - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - - جل جلاله - تم بحمد الله - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - - جل جلاله - - ( - - - مقدمة - - رضي الله عنه -((((( - (- رضي الله عنه
__________
(1) الأنبياء، آيات: 51-54.(3/90)
-( - - رضي الله عنه - - - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم (( - ( - - رضي الله عنه - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - (( - - - } - قرآن كريم ( - - - - ( - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - } (1).
الجهل لا يعطي شرعية للأفعال المخالفة للشرع فيما يعذر فيه من الفروع:
__________
(1) الشعراء، آيات: 69-74.(3/91)
ومن باب أولي فيما لا يعذر فيه من الأصول وقد سبق أن أوضحنا ذلك في كتاب ”حد الإسلام“ نقلاً عن الإمام الشاطبي في المسألة الرابعة من كتاب ” الموافقات“ حيث قال بإعمال الطرفين معًا وهما القصد الموافق والعمل المخالف، فيعمل جانب القصد الموافق في رفع المؤاخذة على أن المؤاخذة لا ترتفع بإطلاق، ويعمل جانب العمل المخالف في عدم تصحيح الفعل وعدم مشروعيته. وذلك بخلاف إتيان الفعل قبل التحريم فيكون على المشروعية وعلي مقتضي البراءة الأصلية، ويعمل القصد الموافق إعمالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّما الأعمالُ بالنيات» ويعمل العمل المخالف إعمالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ عملٍ ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ» وهنا ملحظ آخر أن الإعذار بالجهل في الفروع ليس عليه دليل صريح من الكتاب والسنة لتعارض هذين الدليلين عليه وتقابلهما من كل وجه وصعوبة ترجيح أحدهما على الآخر. وإنما قاسه العلماء على الخطأ والنسيان لدلالة النص على الخطأ والنسيان دون الجهل لقوله تعالى: { - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( } - - - ( - تمت ( { - - - عليه السلام - - - ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - (( - - صلى الله عليه وسلم - - } (1) وفي الحديث قال - صلى الله عليه وسلم -: يقول - عز وجل -: «قد فعلت».
مناقشة الشبهات
ثلاث شبهات رئيسية جاءت في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية نوضح الحق فيها وكلٌّ يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم - صلى الله عليه وسلم - وشبهات كثيرة نتولي الرد عليها بعد ذلك لم تأت في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وأتت في كلام غيره مخالفين بتلك التأويلات والاستدلالات الفاسدة ما عليه العلماء قديمًا وحديثًا ونذكر أولاً الشبهات الثلاثة:
__________
(1) البقرة، آية: 286.(3/92)
الشبهة الأولي: حديث حذيفة في سنن ابن ماجة «حدثنا عليٌّ عن محمد حدثنا معاوية عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حِراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُدْرَسُ الإسلامُ كما يُدرَسُ وشي الثوب حتي لا يُدري ما صيام ولا نسك ولا صدقة، ويسري على كتاب الله عزَّ وجلَّ في ليله فلا يبقي في الأرض منه آية، وتبقي طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها. فقال له صلة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة. فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثًا كل ذلك يعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه في الثالثة فقال يا صله: تنجيهم من النار ثلاثًا» وقال المحقق عن هذا الحديث في الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات ورواه الحاكم وقال إسناده صحيح على شرط مسلم.
وتعليقًا على هذا الحديث نقول: علىٌّ بن محمد بن إسحق الطنافسي ثقة عابد من الطبقة العاشرة قال عنه أبو حاتم الرازي كان ثقة صدوقًا وهو أحبُّ إليَّ من أبي بكر بن أبي شيبة في الفضل والصلاح وأبو بكر أكثر حديثًا منه وأفهم.
محمد بن خازم أبو معاوية الضرير: قال عنه ابن حجر ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره، من كبار الطبقة التاسعة، مات سنة خمسة وتسعين ومائة 195هـ، وله اثنان وثمانون سنة وقد رمي بالإرجاء. وروي ابن أبي حاتم عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال أبو معاوية الضرير في غير حديث الأعمش مضطرب لا يحفظها حفظًا جيدًا وروي ابن أبي حاتم أيضًا عن يحيي بن معين يقول: «أبو معاوية أثبت من جرير في الأعمش. وروي أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر أحاديث مناكير»
سعد بن طارق أبو مالك الأشجعي: ثقة من الطبقة الرابعة، مات في حدود الأربعين 140هـ، وربعي بن حِراش أبو مريم العَبْسي الكوفي ثقة عابد مخضرم من الطبقة الثانية، مات سنة مائة وقيل غير ذلك.(3/93)
وعلي هذا يكون هذا الحديث ضعيف الإسناد. وعلته ضعف أبو معاوية في غير حديث الأعمش، إلى جانب أنه قد رمي بالإرجاء وروي أحاديث مناكير عن عبيد الله بن عمر، كما أن تتمة الحديث تخالف ما جاء في صحيح السنة المطهرة إذ أن رفع المصحف لا يكون إلا بعد أن تأتي ريحٌ طيبةٌ فتقبض أرواح المؤمنين ولا يبقى على الأرض إلا شرارها يتهارجون عليها تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة ولا يبقى على الأرض أحدٌ يقول الله الله فلا يبقى على الأرض إلا الكفار بعد قبض أرواح المؤمنين، وعلى فرض صحة الحديث فهو خارج موضوع النزاع إذ أنه في هذه الحالة يكون فيمن آمن وأدرك التوحيد وغابت عنه الشرائع ومثل هذا موحد ويعذر بعدم البلاغ فليس فيه عذر في الإشراك بالله تبارك وتعالى الإشراك الأعظم.
الشبهة الثانية: حديث الرجل الذي ذرى نفسه:
جاء في ”صحيح البخاري“:
حدثني عبد الله بن محمد حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان رجلٌ يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا متُّ فاحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئنْ قدرَ الله عليَّ ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا، فلما مات فُعل به ذلك فأمر الله تعالى الأرضَ فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم فقال: ما حملك على ما صنعت قال يا ربِّ خشيتك حملتني، فغفر له. وقال غيره: مخافتك يا رب». أهـ.
يقول ابن حجر في التفسير(1): قوله «كان رجلٌ يسرف على نفسه» مقدم في حديث حذيفة أنه كان نبَّاشًا. وفي الرواية التي في الرقاق أنه كان يسيء الظنَّ بعمله. قوله إذا أنا مت فاحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في حديث أبي سعيد فقال لبنيه ـ بعد كلام ـ أي أب كنت لكم قالوا: خير أب، قال: فإني لم أعمل خيرًا قط فإذا مت احرقوني... إلخ.
__________
(1) فتح الباري، طبعة الكليات الأزهرية، ج24، ص 104.(3/94)
قوله: فواللهِ لئن قدرَ الله عليَّ، في رواية الكشميهني لئن قدر عليَّ ربِّي قال الخطابي قد يستشكل هذا فيقال كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتي؟ والجواب: أنه لم ينكر البعث وإنما جهل فظنَّ أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب. وقد ظهر إيمانه باعترافه أنه إنما فعلَ ذلك من خشية الله. قال ابن تيمية: قد يغلط في بعض الصفات قومٌ من المسلمين فلا يكفرون بذلك. ورده ابن الجوزي وقال جحده صفة القدرة كفر اتفاقًا وإنما قيل أن معنى قوله لئن قدر الله عليَّ أي ضيَّق وهي كقوله - عز وجل -: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - ( - ( - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( (( مقدمة ( - ( - ( - } (1) أي ضيَّق. وأما قوله: لعلي أضل الله فمعناه لعلي أفوته يقال ضلَّ الشيء إذا فات وذهب وهو كقوله: { - صدق الله العظيم - - ((- رضي الله عنه - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - } - جل جلاله -- رضي الله عنه - - } (2) ولعل هذا الرجل قال ذلك من شدة جزعه وخوفه، كما غلط ذلك الآخر فقال أنت عبدي وأنا ربُّك، أو يكون قوله لئن قدَّر عليّ «بتشديد الدال» أن يعذبني ليعذبني، أو على أنه كان مثبتًا للصانع وكان في زمن أهل الفترة فلم تبلغه شرائط الإيمان. وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حالة دهشته وغلبة الخوف عليه حتي ذهب بعقله لما يقول ولم يقله قاصداً لحقيقة معناه، بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه.
__________
(1) الطلاق، آية: 7.
(2) طه، آية: 52.(3/95)
وأبعد الأقوال قول من قال: أنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر. يقول أبو الحسن السندي المحدث في حاشيته على البخاري قوله: لئن قدر الله عليّ وليس ذلك شكًا في قدرته تعالى بل بمعنى ضيَّق أو هو على ظاهره لكن قاله كما قال النووي وهو غير ضابط لنفسه ولا قاصد معناه ولكن للدهشة وشدة الخوف بحيث ذهب تدبره فيما يقول فصار كالغافل والناسي وهذا بنصه. ويقول الحافظ ابن حجر: «ومن اللطائف أن من جملة الأجوبة عن ذلك ما ذكره شيخنا ابن الملقن في شرحه أن الرجل قال ذلك لما غلبه من الخوف وغطى على فهمه من الجذع فيعذر في ذلك وهو نظير الخبر المروي في قصة الذي يدخل الجنة آخر من يدخلها فيقال له أن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها فيقول للفرح الذي دخله أنت عبدي وأنا ربُّك أخطأ من شدة الفرح. يقول الحافظ ابن حجر قلت وتمام ذلك أن أبا عوانة أخرج في حديث أبي بكر الصديق أن الرجل المذكور في حديث الباب هو آخر أهل الجنة دخولاً فعلي هذا يكون وقع له من الخطأ بعد دخول الجنة نظير ما وقع له من الخطأ عند حضور الموت لكن أحدهما من غلبة الخوف والآخر من غلبة الفرح».(3/96)
وقد ذكر النووي في ”شرح مسلم“: أقوال العلماء في هذا الحديث فقالت طائفة لا يصح حمل هذا الحديث على أنه أراد نفي قدرة الله فإن الشاك في قدرة الله تعالى كافر، وقد قال في آخر الحديث أنه إنما فعل ذلك من خشية الله، والكافر لا يخشي الله تعالى ولا يغفر له. قال هؤلاء فيكون له تأويلات أحدها: أن معناه لئن قدَّر عليَّ العذابَ أي قضاه يقال فيه قدر بالتخفيف وقدَّر بالتشديد. الثاني: أن قدر هنا بمعنى ضيق عليَّ قال تعالى: { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - { - ( ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( مقدمة - - ( - ( - } (1) وكذلك عن يونس - عليه السلام -: { - صدق الله العظيم - ( - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم { - - عليه السلام - - ( - ( { ( الله أكبر ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( } (2) فظنَّ أن لن نضيق عليه. وقد ذكر النووي تأويلات أخري منها أنه على ظاهره في حالة غلبة الجزع عليه وجهل الصفة، ويجوز أن يغفر الله للكافر في غير ملتنا في الأمم السابقة. وذكر الشاطبي تأويلاً آخر وهو من بديع استعمالات العرب وهو عرض اليقين في صورة الشك مثل قوله تعالى: { - - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - { - ( { - - فهرس - - رضي الله عنهم -( - - - ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - (( - - ( فهرس - - ( - ((( - - تم بحمد الله } (3) ومن حيث جهل الصفة نقلنا تفسير ”إيثار الحق على الخلق“ وتعبيره هنا يقول: وإنما أدركته الرحمة بجهله وإيمانه بالله والمعاد ولذلك خاف العقاب، وأما جهله بقدرة الله تعالى على ما ظنَّه محالاً فلا يكون كفرًا إلا لو علم أن الأنبياء جاءوا بذلك وأنه ممكن مقدور ثم كذبهم أو أحدًا منهم.
__________
(1) الفجر، آية: 16.
(2) الأنبياء، آية: 87.
(3) سبأ، آية: 24.(3/97)
والمحال هو الممتنع لذاته وليس لنقص القدرة عليه فلا يكون شكًا في قدرة الله - عز وجل - وأحسن ما يحسم النزاع في هذا الموضوع هو ما قال الشيخ العالم سليمان بن سحمان النجدي الحنبلي يقول(1) نقلاً لقول شيخه: وحديث الرجل الذي أمر أهله بتحريقه كان موحدًا ليس من أهل الشرك، فقد ثبت عن طريق أبي كامل عن حمّاد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة: «لم يعمل خيرًا قط إلا التوحيد» فبطل الاحتجاج في مسألة النزاع ويقصد عذر المشرك بالجهل.
أقول: رواية المسند لم يعمل خيرًا قط إلا التوحيد في أول الحديث وآخره.
الشبهة الثالثة: حديث عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها وأرضاها:
نقلاً عن كتاب ”الإعذار بالجهالة في الشرك الأعظم بين عقيدة السلف وابتداع الخلف“ يقول: المعارضة التي قد احتجوا بها في مسألة الإعذار بالجهالة دعوي أن عائشة رضى الله عنها كانت جاهلة بعلم الله بما يكتمه الناس. لقد كان من مثار العجب وغرائب القول أن يحتج بعض من يتحدث عن قضية الإعذار بالجهالة لمرتكب الشرك الأكبر بقول عائشة رضى الله عنها في قصة خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع بقولها: «مهما يكتم الناس فقد علمه الله» على أنها كانت جاهلة بعلم الله بما يكتمه الناس، ويحمل هذه اللفظة على غرض ينأى عنه منطوقها ويتبرأ منه مفهومها وتأباه النفوس العالمة بما لمكانة أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وخصوصًا الصديقة بنت الصديق رضى الله عنها وهي التي قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة: «لا تؤذيني في عائشة فإنه لم ينزل عليَّ الوحي وأنا في لحاف امرأة إلا في لحاف عائشة»(2). ورواه النسائي(3) أيضاً في عشرة النساء. وقال النسائي حديث صحيح، ورواه البخاري في فضائل عائشة من حديث أم سلمة بلفظ قريب منه.
__________
(1) كتاب كشف الشبهتين، الناشر مكتبة النجم الثاقب، ص52.
(2) مسند الإمام أحمد: ج6، ص293.
(3) مسند النسائي: ج3، ص 738.(3/98)
وقد نحي صاحب الكتاب منحي الترجيح بين الروايات والحديث قد جاء في ”صحيح مسلم“(1) في باب ”ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها“، وجاء في مسند الإمام أحمد(2)، وجاء في سنن النسائي في موضعين الموضع الأول باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين كتاب الجنائز، والموضع الثاني باب الغيرة كتاب عشرة النساء، ويقول صاحب الكتاب أنه قد رواه أيضًا عبد الرزاق في مصنفه، والطبراني(3) والبيهقي في السنن الكبرى وفي الآداب.
أقول نسوق رواية الإمام مسلم أولاً ثم نذكر مسلك صاحب الكتاب في التحقيق ثم لنا تعقيب على الموضوع لبيان وجه المقارنة.
__________
(1) صحيح مسلم: ج1، ص387.
(2) مسند الإمام أحمد، ج6، ص221.
(3) الطبراني، الدعاء، ج3، ص1384.(3/99)
رواية الإمام مسلم في صحيحه يقول: «حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا بن جريج عن عبد الله بن كثير بن المطلب أنه سمع محمد بن قيس يقول سمعت عائشة تحدث فقالت ألا أحدثكم عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعنِّي فقلنا بلي، وحدثني من سمع حجاجًا الأعور واللفظ له قال: حدثنا حجاج بن محمد حدثنا بن جريج أخبرني عبد الله رجلٌ من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب أنه قال يومًا ألا أحدثكم عنِّي وعن أمي قال فظننا أنه يريد أمه التي ولدته، قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عنِّي وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: بلي. قال: قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظنَّ أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدًا وانتعل رويدًا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدًا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على أثره حتي جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال مالك يا عائش حشيا رابية قالت: قلت: لا شيء. قال لتخبريني، أو ليخبرني اللطيف الخبير. قالت: قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي أنت وأمي فأخبرته. قال - صلى الله عليه وسلم -: «فأنت السواد الذي رأيت أمامي قلت: نعم. فلهدني في صدري لهدة أوجعتني ثم قال: أظننتِ أنْ يحيفَ الله عليكِ ورسولُه؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله نعم قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليكِ وقد وضعت ثيابك وظننتُ أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي، فقال إنَّ ربَّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم. قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي السلام على أهل(3/100)
الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنَّا إنْ شاءَ الله بكم للاحقون». أهـ.
والرواية التي في المسند «حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حجاج قال أنبأنا ابن جريج قال: حدثني عبد الله رجل من قريش أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يومًا ألا أحدثكم عني وعن أمي فظننا أنه يريد أمه التي ولدته قال: قالت عائشة. ألا أحدثكم عني وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: بلي. قال: قالت: ثم ساق الحديث كالذي ذكر غير أن عبارته قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله. قال: نعم فإن جبريل - عليه السلام - أتاني حين رأيته... إلخ. الحديث.
وفي رواية النسائي في باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين كتاب الجنائز إسناد الحديث يقول النسائي أخبرنا يوسف بن سعيد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرنا عبد الله بن أبي مليكة أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول: سمعت عائشة تحدث قالت: ألا أحدثكم عنِّي وعن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قلنا: بلي. قالت:.. إلخ» الحديث. وفيه قلت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله. قال - صلى الله عليه وسلم -: «فإن جبريل أتاني حين رأيته... إلخ» الحديث.(3/101)
وفي باب ”الغيرة“ من كتاب ”عشرة النساء“ يقول النسائي: «أخبرنا سليمان ابن داود قال: أنبأنا ابن وهب قال أخبرني بن جريج عن عبد الله بن كثير أنه سمع محمد بن قيس يقول: سمعت عائشة تقول ألا أحدثكم عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعني قلت: بلي. قالت: لما كانت ليلتي... إلخ» الحديث. وفيه قالت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله - عز وجل - قال: نعم. قال: فإن جبريل أتاني حين رأيتني... إلخ» الحديث. ثم يسوق رواية يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي عن حجاج بن محمد نفس الطريق الذي ذكره في كتاب الجنائز غير أن العبارة فيه «قالت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله. قال: نعم. قال: فإن جبريل - عليه السلام - أتاني حين رأيت ولم يكن يدخل عليكِ وقد وضعت ثيابك... إلخ» الحديث. ويقول النسائي في باب ”الغيرة“ بعد ذكر الحديث رواه عاصم عن عبد الله بن عامر عن عائشة على غير هذا اللفظ أخبرني علىٌّ بن حجر قال: أنبأنا شريك عن عاصم عن عبد الله بن عامر عن ربيعة عن عائشة قالت: فقدته من الليل وساق الحديث». أهـ.
ونرى أنه عند النسائي عدة طرق فيها طريق يوسف بن سعيد عن حجاج مثل ما عند مسلم والإمام أحمد غير أنه ذكر في رواية حجاج عن ابن جريج أنها عن عبد الله بن أبي مليكة في المرتين في باب ”الغيرة“ وفي باب ”الجنائز“ ولم يقل عن رجل من قريش كما في مسلم وأحمد .
وطريق سليمان بن داود عن ابن وهب وهو مثل ما عند مسلم عن هارون بن سعيد الأيلي عن عبد الله بن وهب وذكر طريقًا آخر بلفظ مختلف عن عاصم بن عبد الله عن عامر عن عائشة.(3/102)
فيكون طريق حجاج قد جاء بلفظ «نعم» من تتمة كلام عائشة رضى الله عنها عند مسلم، ومن كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند أحمد، وإحدى الروايتين للنسائي، ولم يأت بلفظ «نعم» لا من كلام عائشة ولا من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأخري للنسائي، وجاءت الرواية الأخرى على سبيل التحقيق بصيغة قد والفعل الماضي «مهما يكتم الناس فقد علمه الله».
وطريق ابن وهب عند مسلم لا تختلف عن طريق حجاج عنده في جعل كلمة «نعم» من تتمة كلام عائشة رضى الله عنها وهو عند النسائي يجعل كلمة «نعم» من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أنه يقول في الرواية: «مهما يكتم الناس فقد علمه الله» قال: «نعم» ولم يقل فيها مهما يكتم الناس يعلمه الله، كما في مسند الإمام أحمد وفي الروايات كلها «قالت» وعند النسائي في طريق حجاج عن عبد الله بن أبي مليكة في كتاب ”الجنائز“ «قلت».
وقد ذكر صاحب الكتاب المذكور رواية عبد الرازق وبني عليها وفيها أن كلمة «نعم» من تتمة كلام عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها وقال أنه لا توجد رواية أخرى لعبد الرازق في مصنفه مخالفة لذلك وتتميز هذه الرواية بعلو الإسناد إذ ليس فيها إلا ابن جريج ومحمد بن قيس بن مخرمة عن عائشة رضى الله عنها وقد رجح بين الروايات على الأسس التالية:
الترجيح بعلو الإسناد. وهي رواية عبد الرازق في مصنفه وصيغتها صيغة تحقيق «مهما يكتم الناس فقد علمه الله» وكلمة «نعم» فيها من تتمة كلام عائشة وليس من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
تقديم ما في الصحيحين أو ما في أحدهما على ما ليس فيهما. وذكر أن جميع نسخ صحيح مسلم فيها كلمة «نعم» من كلام عائشة رضى الله عنها.
الترجيح باعتبار شدة وإتقان ضبط الرواة في روايتهم لسياق الأحاديث وعدم الاضطراب في الرواية وقال أن مسلم في ذلك مقدم على غيره.
الترجيح باعتبار كون الرواية لا تشعر بنوع قدح في الصحابة.(3/103)
ثم ننقل عنه ذكر نصوص أهل العلم من شراح مسلم في شرحهم للحديث واعتمادهم أن كلمة «نعم» من كلام عائشة رضى الله عنها يقول في ذلك: ومما يؤيد ترجيح أن «نعم» من تتمة كلام عائشة أن شرَّاح مسلم قد أطبقوا عند شرحهم لهذا الحديث أن عائشة رضى الله عنها صدقت نفسها بنفسها. وإن لفظة «نعم» من تتمة كلامها ولم يذكر واحد من هؤلاء الشراح أن عائشة رضى الله عنها وقع منها جهل بصفة علم الله حتي نقول أنها جهلت صفة العلم فعذرها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالجهل وإليك نصوصهم كاملة.
يقول الإمام النووي(1): «قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله نعم» هكذا هو في الأصول وهو صحيح، وكأنما قالت «مهما يكتم الناس يعلمه الله» صدقت نفسها فقالت: «نعم» يقول الإمام أبو عبد الله الآبي المالكي ناقلاً عن القاضي عياض في شرحه مكمل الأكمال(2): «قوله مهما يكتم الناس يعلمه الله» كذا في الأصول والمعنى أنها لما قالت: «مهما يكتم الناس يعلمه الله صدقت نفسها فقالت نعم».
يقول الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف الحسيني الشافعي في مكمل أكمال الأكمال(3) قوله «مهما يكتم الناس يعلمه الله» كذا في الأصول والمعنى أنها لما قالت: «مهما يكتم الناس يعلمه الله» صدقت نفسها فقالت: «نعم».
يقول الإمام على بن سليمان المغربي في كتابه ”وشي الديباج في شرح مسلم بن حجاج“(4) فلهذني بلام فهاء فدال أو ذاي أي دفعني بجمع كفه في صدري «نعم» هو من تتمة كلام عائشة صدقت نفسها.
__________
(1) شرح مسلم، ج7، ص44.
(2) المعلم في شرح صحيح مسلم، بيروت، ج3، ص103-104.
(3) المصدر السلبق، ج3، ص103-104.
(4) الديباج في شرح مسلم بن حجاج، طبعة 1298هـ، ج1، ص130.(3/104)
ويعقب الإمام ابن مفلح المقدسي تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية على كلام شيخه بنفس ما نقلناه عن شراح مسلم: النووي والآبي والحسيني والمغربي رواه مسلم في الجنائز وفي أصول مسلم بحذف قال، قالوا في شرح مسلم كأنها لما قالت ذلك صدقت نفسها فقالت: «نعم». أهـ.
ومن ذلك يتضح أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يوافقه أحد من أهل العلم على ما ذهب إليه من جهل الصفة بالنسبة لعائشة رضى الله عنها. وهناك ملاحظة جديرة بالانتباه أن ما ذكره شيخ الإسلام هو في جهل الصفة وليس في الشرك الأعظم في العبادة. بل المنقول عنه أنه لا يعذر بالجهل في الشرك الأصغر في العبادة فضلاً عن الأكبر، كما نقل ذلك عنه شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب وأبو بطين وغيرهم واستدلال مَنْ يحتج بهذا الحديث في عذر من أشرك بالله الشرك الأكبر وحاكم الناس إلى غير شريعة الله وحارب في ذلك الدعاة إلى الله بكلام شيخ الإسلام في حديث عائشة استدلال في غير موطن ومحل النزاع. والعذر بجهل الصفة إذا لم يؤد إلى الجهل بالموصوف أو انتفاء أحد أركان الإيمان أمر مقرر، يقول فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في الإيمان الأوسط «ولهذا كان الصواب أن الجهل ببعض أسماء الله وصفاته لا يكون صاحبه كافرًا إذا كان مقرًا بما جاء به الرسول ولم يبلغه ما يوجب العلم بما جهله على وجه يقتضي كفره إذا لم يعلمه كحديث الرجل الذي أمر أهله بتحريقه ثم تذريته» ومن هذا يتضح أن الجهل نوعان: نوع يقتضي كفر صاحبه إذا لم يعلم ما جهله. وجهل لا يقتضي كفر صاحبه إذا لم يعلم ما جهله وهذا الوجه الآخر هو الذي لا يكفر صاحبه إلا بعد البلاغ.(3/105)
ويواصل صاحب الكتاب استشهاداته بالمعاصرين أيضًا من علماء الحديث فينقل عن الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تحقيقه على مصنَّف عبد الرازق أن كلمة «نعم» من تتمة كلام عائشة رضى الله عنها تصديقًا لنفسها. ونفس الشيء عن الشيخ الألباني في حاشيته على مختصر صحيح مسلم للمنذري وينقل عن شرح الشيخ محمد لصحيح مسلم طبعة الحلبي وفي صحيح مسلم بشرح وتحقيق جماعة من العلماء(1).
ويرد على ما ذكره صاحب كتاب ”العذر بالجهل عقيدة السلف“ اعتراضًا على الإمام النووي من أن طريق مسلم هو نفس طريق أحمد بذكره ما قاله النووي في هذا الصدد من أن رواية مسلم في صحيحه هي عن الإسناد الصحيح عن طريق هارون بن سعيد الأيلي وأن طريق حجاج الأعور ذكره مسلم للمتابعات فقط، ويقرر نفس الشيء عن الإمام الآبي في ردهم على إعلال الإمام أبو مسعود الجياني الحافظ الإسناد المذكور عن مسلم في صحيحه عن حجاج الأعور بأن ذلك من قبيل المتابعات فقط وأن الإسناد الصحيح هو إسناد هارون بن سعيد الأيلي واللفظ المذكور هو لهذه الرواية الصحيحة، كما يرد على صاحب كتاب ”العذر بالجهل“ ما ذكره مغالطة من أن تقديم لفظ ” قال“ على لفظ ”نعم“ مثبت في مصنف عبد الرازق فيقول عند الرجوع إلى المصنف الذي حققه فضيلة الشيخ الأعظمي وهو مقابل على عدة نسخ خطية نجد نص الرواية فيه «مهما يكتم الناس فقد علمه الله نعم قال: فإن جبريل...»(2).
__________
(1) الكتاب من منشورات دار الآفاق، ج3 ، ص 64.
(2) ويراجع المصنف ج3، ص 570-572، طبعة الكتاب الإسلامي ونفس النص في طبعة المجلس العلمي للتحقيق، ج3، ص 571.(3/106)
ويقرر صاحب الكتاب نقلاً عن العلماء وخلافًا لما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية أن اللهد من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعائشة لم يكن سببه جهل الصفة إنما كان سببه إفراطها في الغيرة وينقل ذلك عن الإمام الآبي وعن الشيخ عبد الرحمن البنا أيضًا(1)، ويثبت نقطتين لحسم هذا الموضوع النقطة الأولي: وهي الاستعمالات اللغوية لكلمة «مهما» وكلمة «نعم»، النقطة الثانية: فضل عائشة وعدم تصوُّر جهلها لصفة العلم لأن ذلك لا يتفق مع مكانتها.
يقول في النقطة الأولي: يقول الإمام اللغوي صاحب كتاب ”الجني الداني في حروف المعاني“ في معرض كلام عن «مهما» فيقول: «ومهما المشهور أنها اسم من أسماء الشرط مجرد عن الظرفية مثل من، وذكر ابن مالك أنها قد ترد ظرفًا ذكر ذلك في ”التسهيل والكافية“ يقول في ذلك: «ذكر ابن مالك في التسهيل أن مهما قد يستفهم بها والمشهور أنها لا تخرج عن الشرطية وأما قوله:
مهما لي الليلة مهما ليه ... ... أودي بنعلي وسرواليه
__________
(1) بلوغ الأماني لشرح الفتح الرباني في حاشية الفتح الرباني، ط دار الشهاب، ج8 ،ص 177.(3/107)
فلا حجة فيه لاحتمال أن تكون ”مه“ بمعنى أكفف و”ما“ هي الاستفهامية» ويقول الإمام اللغوي الإمام جلال الدين السيوطي(1): «ولا ترد «مهما» للاستفهام وقيل ترد له قاله ابن مالك لقوله مهما لي الليلة مهما ليه وقد أجيب إنَّ ”مه“ اسم فعل استأنف الاستفهام بما وحدها. أقول أما ما ذكره ابن هشام في كتابه مغني اللبيب فنصه على أن لمهما ثلاث معان: أثبت الأول: وهو ما لا يعقل غير الزمان مع تضمنه معنى الشرط. ونفي الاثنين: وهما الثاني: الزمان مع الشرط. مرجحًا قول الزمخشري في ذلك على قول ابن مالك. والثالث: الاستفهام. وقد نفاه لأن استدلال ابن مالك بالبيت الذي سبق ذكره على دلالة «مهما» على الاستفهام ولا دليل فيه لاحتمال أن تكون ”مه“ اسم فعل بمعنى أكفف. ثم استأنف استفهامًا ”بما“ وحدها.
أما عن معنى «نعم» فأقول: إن ما ذكره ابن هشام في هذا حاسم جدًا لهذه القضية برمتها حيث قال إن «نعم» تأتي لثلاث معاني: فهي حرف تصديق، ووعد، وإعلام. وعلي هذا فسواء كانت «نعم» من كلام عائشة أم من كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فصيغة عائشة رضى الله عنها صيغة تحقيق. وإذا كانت «نعم» من كلامها فهي تصديق منها لنفسها. وإذا كانت «نعم» من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي تصديق منه لها وليست أبدًا على سبيل الوعد أو الإعلام، وكذلك «مهما» من عائشة هي للشرط وليست أبدًا على طريقة الاستفهام.
__________
(1) همع الهوامع في شرح جمع الجوامع في علم العربية، دار المعرفة، بيروت، ص 58.(3/108)
وهذا هو الحق في هذا الحديث كله والله أعلم. أما بخصوص فضل عائشة فهذا أشهر من أن يستدل عليه، والإمام أحمد يقول عن القدرية خاصموهم في العلم فإذا أنكروه كفروا. فالجهل في القدرة على نحو ما وليس مطلقًا قد يغتفر. أما جهل سبق العلم وشموله لكل شيء فهذا لا يغتفر والجهل بالصفة فيه جهل بالموصوف - عز وجل -. وعائشة تقول عن الحواريين القوم اعلم بالله من أن يجهلوا قدرته وإنما قالوا: هل تستطيع ربَّك بالتاء بدل الياء فإذا كانت تستبعد عن الحواريين جهلهم بالقدرة فكيف تُتهم هي أو كيف تجهل هي العلم؟؟!!! وهذا يكفي لرد هذه الشبهة والله - سبحانه وتعالى - أعلم. أهـ.
الشبهة الرابعة: سجود معاذ:
سجود معاذ سجود تحية وليس سجود عبادة. وإذا كان الهدهد يعلم أن سجود العبادة لا يكون إلا لله كما ذكر القرآن في حكايته عن بلقيس وقومها فكيف يجهل معاذ ذلك وهو من علماء الصحابة. وسجود التحية جائز في غير ملتنا كسجود الملائكة لآدم وأخوة يوسف ليوسف - عليه السلام -.
الشبهة الخامسة: ذات أنواط: مرَّ ذكر الأقوال فيها.
الشبهة السادسة: مَنْ زنت من مرعوش بدرهمين:
فهذه لو علمت التحريم كفرت. فالجهل بتحريم الاستحلال لا يعذر به ومن استحل محارم الله وهو يعلم التحريم كَفَرَ سواء جهل أم علم أن الاستحلال كُفر. أما من لم يبلغه التحريم فلا يكون مستحلاً للفعل إلا بعد بلوغه التحريم.
الشبهة السابعة: عصمة الأنبياء:
جاء في كتاب ”حد الإسلام“ نقلاً عن الإمام الشاطبي في ”الموافقات“ عنوان التعارض الكامل بين الجزئي والكلي بمعنى أن يكون أحدهما رافعًا لحكم الآخر جملة.
يقول الشاطبي(1): إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال والدليل على ذلك أمور:
__________
(1) الموافقات، ج3، ص 260-261.(3/109)
أحدها: أن القاعدة مقطوع بها بالفرض، لأننا إنما نتكلم في الأصول الكلية القطعية وقضايا الأعيان مظنونة أو متوهمة، والمظنون لا يقف للقطعي ولا يعارضه.
والثاني: أن القاعدة غير محتملة؛ لاستنادها إلى الأدلة القطعية وقضايا الأعيان محتملة ، لإمكان أن تكون على غير ظاهرها، أو على ظاهرها وهي مقتطعة ومستثناة من ذلك الأصل، فلا يمكن ـ والحالة هذه ـ إبطال كلية القاعدة بما هذا شأنه.
والثالثة: أن قضايا الأعيان جزئية، والقواعد المطردة كليات. ولا تنهض الجزئيات أن تنقض الكليات، ولذلك تبقي أحكام الكليات جارية في الجزئيات وإن لم يظهر فيها معنى الكليات على الخصوص، كما في المسألة السفرية بالنسبة إلى الملك المترف، وكما في الغني بالنسبة إلى مالك النصاب والنصاب لا يغنيه على الخصوص، وبالضد في مالك غير النصاب وهو به غني.
والرابعة: أنها لو عارضتها فإما أن يُعملا معًا أو يهملا أو يعمل بأحدهما دون الأخر أعني في محل المعارضة فإعمالهما معًا باطل وكذلك إهمالهما لأنه إعمال للمعارضة فيما بين الظني والقطعي. وإعمال الجزئي دون الكلي ترجيح له على الكلي، وهو خلاف القاعدة فلم يبق إلا الوجه الرابع وهو إعمال الكلي دون الجزئي وهو المطلوب. فإن قيل هذا مشكل على بابي التخصيص والتقييد، فإن تخصيص العموم وتقييد المطلق صحيح عند الأصوليين بأخبار الآحاد وغيرها من الأمور المظنونة وما ذكرت جار فيها، فيلزم إما بطلان ما قالوه، وإما بطلان هذه القاعدة، لكن ما قالوه صحيح فلزم إبطال هذه القاعدة.
فالجواب من وجهين:(3/110)
أحدهما: أن ما فرض في السؤال ليس من مسألتنا بحال فإن ما نحن فيه من قبيل ما يتوهم فيه الجزئي معارضًا وفي الحقيقة ليس بمعارض، فإن القاعدة إذا كانت كلية، ثم ورد في شيء مخصوص وقضية عينية ما يقتضي بظاهره المعارضة في تلك القضية المخصوصة وحدها، مع إمكان أن يكون معناها موافقًا لا مخالفًا، فلا إشكال في أن لا معارضة هنا وهو هنا محل التأويل لمن تأول، أو محل عموم الاعتبار إن لاق بالموضع الإطراح والإهمال. إلى أن يقول: كما إذا ثبت لنا أصل عصمة الأنبياء من الذنوب ثم جاء قوله ”لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات“ ونحو ذلك فهذا لا يؤثر لاحتمال حمله على وجه لا يخرم ذلك الأصل، وأما تخصيص العموم فشيء آخر لأنه إنما يعمل بناء على أن المراد بالمخصَّص ظاهره من غير تأويل ولا احتمال. فحينئذ يُعمل ويُعتبر كما قاله الأصوليون وليس ذلك مما نحن فيه.(3/111)
وهذا الموضع كثير الفائدة عظيم النفع، بالنسبة إلى المتمسك بالكليات إذا عارضتها الجزئيات وقضايا الأعيان، فإنه إذا تمسك بالكلي كان له الخيرة في الجزئي في حمله على وجوه كثيرة، فإن تمسك بالجزئي لم يمكنه مع التمسك الخيرة في الكلي، فثبت في حقه المعارضة، ورمت به أيدي الإشكالات في مهاوٍ بعيدة وهذا هو أصل الزيغ والضلال في الدين، لأنه اتباع للمتشابهات ، وتشكك في القواطع المحكمات ولا توفيق إلا بالله. ومن فوائده سهولة المتناول في انقطاع الخصام والتشغيب الواقع من المخالفين ومثال هذا ما وقع في بعض المجالس، وقد ورد على غرناطة بعض العدوة الأفريقية فأورد على مسألة العصمة الإشكال المورد في قتل موسي للقبطي وأن ظاهر القرآن يقضي بوقوع المعصية منه - عليه السلام - بقوله: { - - - (- رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - عليه السلام - - - ( ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - } (1)، وقول { ( تمت - - عليه السلام - - - ( - الله أكبر ( { ( تمهيد ( - فهرس - - ( (( } ((- رضي الله عنه - الله أكبر ( - (((( - - - ( - ( - } (2) فأخذ معه في تفصيل ألفاظ الآية بمجردها، وما ذكر فيها من التأويلات إخراج الآيات عن ظواهرها. وهذا المأخذ لا يتخلص وربما وقع الانفصال على غير وفاق فكان مما ذاكرت به بعض الأصحاب في ذلك: المسألة سهلة في النظر إذا روجع بها الأصل، وهي مسألة عصمة الأنبياء عليهم السلام، فيقال له: الأنبياء معصومون من الكبائر باتفاق أهل السنة، وعن الصغائر باختلاف، فمحال أن يكون هذا الفعل من موسي كبيرة. وإن قيل إنهم معصومون أيضًا من الصغائر، وهو صحيح، فمحال أن يكون ذلك الفعل منه ذنبًا. فلم يبق إلا أن يقال أنه ليس بذنب، ولك في التأويل السعة بكل ما يليق بأهل النبوة ولا ينبو عنه ظاهر الآيات فاستحسن ذلك، ورأي ذلك مأخذًا علميًا في المناظرات ، وكثيرًا ما
__________
(1) القصص، آية: 15.
(2) القصص، آية: 16.(3/112)
يبني عليه النظار وهو حسن والله أعلم». انتهى كلام الإمام الشاطبي بالموافقات.
وقد جهَّل أصحاب العذر بالجهل في التوحيد إبراهيم - عليه السلام - والعزير وموسي وغيرهم من الأنبياء وذلك في قول إبراهيم - عليه السلام -: { ( تمت - - عليه السلام - - - ( الله أكبر ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - - - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - - } (1)، وقول العزير: { - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - (( - ( - ( - ( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( قرآن كريم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } (2)، وقول إبراهيم عن الكوكب: { - - - (- رضي الله عنهم - - - ( فهرس - - عليه السلام - - } (3) وكذلك قوله عن الشمس والقمر في السياق المذكور في سورة الأنعام والذي يبدأ بقوله تعالى: { - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( الله أكبر - بسم الله الرحمن الرحيم - ( - } - عليه السلام - - ( - ( { - المحتويات قرآن كريم ( - فهرس - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -(((- جل جلاله -( - قرآن كريم ( - ( - - - - - - - فهرس - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - ( - { - - - - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - - جل جلاله - تمهيد - - ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - - - - - - - - (- رضي الله
__________
(1) البقرة، آية: 260.
(2) البقرة، آية: 259.
(3) الأنعام، آية: 76.(3/113)
عنهم - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - - - - فهرس - - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - - ( مقدمة ( - - ((( - (( - - رضي الله عنهم - - - - - - - فهرس - - ( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - { ( - - - - - (( - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - - - - - - (- رضي الله عنهم - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - - - - فهرس - - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - - - ((( - - ( المحتويات { - - ( الله أكبر ( - ( - - عليه السلام - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - } - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( الله ( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه -( - ( - - - - - ( - - - - - - - فهرس - - ( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - { { ( - } ( - - - - { - (( - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - - - - - - (- رضي الله عنهم - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - - - - (- رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - فهرس - - ( ( تمهيد فهرس - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - - - ( الله ( قرآن كريم - { (- رضي الله عنه - - - ( - الله أكبر ( { ((( - ( - - رضي الله عنه - - - - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( - - - ( - الله أكبر ( { ( تمهيد ( - { - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - { - ( - - عليه السلام - - - ( - ( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - (( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ( - - مقدمة - - - رضي الله عنه - تم(3/114)
بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - (( تم بحمد الله - ((( - ( - ((( - ( - - - - (( مقدمة { - - - - رضي الله عنه - فهرس - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - - - - - - ( - الله أكبر ( قرآن كريم - - ((- عليه السلام -- رضي الله عنه -( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - (( ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - قرآن كريم ( - ( - ((( - ((( مقدمة ( - - صدق الله العظيم ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه -( - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - - (( - - { - رضي الله عنهم -(( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( فهرس - - عليه السلام - - } - ( - - ((( - ( - ( - ( - (( - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - - - - - رضي الله عنه - - - - } والآيات إلى قوله تعالى: { - رضي الله عنهم - - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - ( - } - ( مقدمة - - - رضي الله عنهم - - ( - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( - بسم الله الرحمن الرحيم - ( - } - عليه السلام - - ( - ( { - - فهرس - - رضي الله عنه -( (( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - (( - (( - - رضي الله عنه - الله أكبر - تمهيد (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم } تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -(( - } تمت ( { - رضي الله عنهم(3/115)
- - ( - - عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - مقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنه -( } (1).
وعن موسي - عليه السلام - في قوله تعالى: { - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - فهرس - ( { (( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - صدق الله العظيم (- رضي الله عنه - - (( - ( - - (( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - - - - - رضي الله عنهم - - - - ( } ( - - ( الله أكبر قرآن كريم ( - ( - (( فهرس - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - - رضي الله عنه -(- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم -- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - } - - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } ( - - عليه السلام - - ( - ( مقدمة - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((( فهرس - - ( - - - ( مقدمة ( - - - ( { - رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنه -((( - - } بسم الله الرحمن الرحيم ( - } تمت ( { - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - ( الله أكبر قرآن كريم ((- رضي الله عنهم -((( - - ( - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - ( { - رضي الله عنه - - - - - ( ( تمهيد ( - ((( - - - ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - (( - } - - - صدق الله
__________
(1) الأنعام، آيات: 75-83.(3/116)
العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - رضي الله عنهم -(( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( الله ( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - - - رضي الله عنه - - - - - ( تمت - - عليه السلام - - ( - (((( - - - ( - (( درهم } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله -( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام - - ( قرآن كريم - عليه السلام - - - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات - مقدمة ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ((( - ( قرآن كريم } { - - - - .. } إلى قوله - عز وجل - : { - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد - - - رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم - تم بحمد الله ( - - (- رضي الله عنه -(( - - - - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - } - - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - ( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - جل جلاله - - ( - ( { - عليه السلام - - ( قرآن كريم - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - ( - - ( المحتويات ( - ( المحتويات ( - ( - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - } (1).
__________
(1) الأعراف، آيات: 150-154.(3/117)
قال القاضي عياض في باب ”عصمة الأنبياء“(1): «أما عصمتهم قبل النبوة فللناس فيه خلاف والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شيء من ذلك. إلى أن يقول: ولا يشبه عليك بقول إبراهيم عن الكوكب والقمر والشمس: { - - - (- رضي الله عنهم - - - ( فهرس - - عليه السلام - - } (2) فإنه قد قيل: كان هذا في سن الطفولة وابتداء النظر والاستدلال وقبل لزوم التكليف(3).
__________
(1) عقيدة الموحدين، ص 362، نقلاً عن رسالة الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد.
(2) الأنعام، آية: 76.
(3) النظر الأول.(3/118)
وذهب معظم الحذاق من العلماء والمفسرين إلى أنه إنما قال ذلك مبكتًا لقومه ومستدلاً عليهم. وقيل معناه الاستفهام الوارد مورد الإنكار والمراد «هذا ربي» قال الزجاج: قوله «هذا ربي» أي على قولكم كما قال تعالى: «أين شركائي»(1). أي عندكم. ويدل على أنه لم يعبد شيئًا من ذلك ولا أشرك قبل بالله طرفة عين قول الله - عز وجل -: { ( - ( { - رضي الله عنه - - - - - ( مقدمة - ( - } (( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - } (2)، ثم قال - عز وجل -: { بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - } تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - - } - - - ( المحتويات ( - ( - ( - - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( - ( - - - صدق الله العظيم ( { - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -((( - فهرس - (- رضي الله عنهم -(( - - - } (3)، وقال - عز وجل -: { ( - ( { - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم (( مقدمة ( - - عليه السلام - - - - ( - - { ( - - بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنهم - - } (4) أي من الشرك، وقوله - عز وجل -: { (( - ( - (- جل جلاله -( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( -
__________
(1) القصص، آية: 62.
(2) الشعراء، آية: 70.
(3) الشعراء، آيات: 75-77.
(4) الصافات، آية: 84.(3/119)
- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ((( الله أكبر - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - - - جل جلاله -(( - } - - } (1).
فإن قلت فما معنى قوله: ? { ((( - - ( المحتويات { - - ( الله أكبر ( - ( - - عليه السلام - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - } - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( الله ( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه -( - ( - - - - - ( - - - } (2) قيل: إنه إن لم يؤيدني الله بمعونته أكن مثلكم في ضلالتكم وعبادتكم على معنى الإشفاق والحذر وإلا فهو معصوم في الأزل من الضلال». أهـ.
ويذهب ابن كثير في تفسيره أيضًا إلى هذا الرأي أن الأمر كان مناظرة لا نظر ـ كان مناظرًا لا ناظرًا ـ ويستدل بالآيات الكثيرة على ذلك على نفس النحو السابق راجع ابن كثير في تفسيره الآيات.
أما عن آيات البقرة، فرغبة في معرفة الكيفية كالانبهار بالأمر العظيم وهو أمر الخلق وإحياء الموتي وليس شكًا في القدرة أو جحداً للصانع، وكذلك قول موسي { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } مع الرغبة في التشرف بالرؤيا والسعادة بها.
__________
(1) إبراهيم، آية: 35.
(2) الأنعام، آية: 77.(3/120)
أما عن قول الله - عز وجل - عن موسى: { - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم -- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - } - - } فليس في هذا أثر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلا قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرج ابن أبي حاتم قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يرحم الله موسي ليس المعاين كالمخبر، أخبره ربُّه - عز وجل - أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح فلما رآهم وعاينهم ألقي الألواح» وواضح من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه طرح الألواح من هول ما رأي غفلة عنها وليس ضجرًا بها أو ازدراءً أو تحقيرًا لها أو تبرمًا بها لعدم فائدتها لمثل هؤلاء، أو أن هؤلاء لا يستحقونها فلا خير فيها لهم فعمد إلى تكسيرها وإتلافها كل هذا ليس واردًا. وإنما وضعها غفلة عنها لهول ما رأي وما جاء من أنها تكسرت أو نحوًا من ذلك فهو عن ابن عباس - رضي الله عنه - وليس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو إن صحَّ ليس فيه معارضة لما ذكرنا، وربما لا يصح ويكون من الإسرائيليات. وكلمة ألقي في اللغة لا تستلزم الازدراء أو الضجر أو عدم التوقير وإهدار الحرمة لقوله تعالى: { - - - عليه السلام - - ( - - مقدمة (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - ( { ( - الله ( - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( مقدمة - ((((( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - - ( ( تمهيد ((( - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( مقدمة - ( { ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - (( ( - بسم الله الرحمن الرحيم - عليه السلام - - ( - - - - صدق الله العظيم -(3/121)
عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( الله أكبر - عليه السلام - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ( فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - - - - عليه السلام - - ?? - ( الله أكبر ( { ( - ( - - - ( { ( فهرس قرآن كريم ( - (( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( تم بحمد الله - ((( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - } (1) والتفسير: أذهله الغضب عن الألواح، ولما ذهب عنه الغضب أخذها موقرًا لها حريصًا عليها لما فيها من الهدي والرحمة، ولأنه تلقاها من ربِّه - عز وجل - الذي غضب لانتهاك حرمته والله سبحانه وتعالى أعلم.
الشبهة الثامنة: ما جاء عن الحواريين: { ( - - رضي الله عنهم - - (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - } (2):
__________
(1) القصص، آية: 7.
(2) المائدة، آية: 112.(3/122)
وأنقل هنا ما ذكرته في كتاب ”حد الإسلام“، وقريب منه ذُكر في كتاب ”الجواب المفيد“: «قالت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها وأرضاها كان القوم أعلم بالله من أن يقولوا { ( - - رضي الله عنهم - - (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - } قالت: ولكن قالوا: «هل تستطيع ربك». وروي عنها أيضًا أنها قالت: كان الحواريون لا يشكون أن الله يقدر على إنزال مائدة ولكن قالوا:«هل تستطيع ربَّك» وعن معاذ بن جبل قال أقرأنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - «هل تستطيع ربَّك» يقول القرطبي: وأما قراءة التاء فقيل المعنى هل تستطيع أن تسأل ربَّك، وهذا قول عائشة ومجاهد رضى الله عنهما، وبالنسبة لقراءة الياء يقول القرطبي أن الحواريين خلصاء الأنبياء وأنصارهم كما قال: { مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ? } (1) وقال - صلى الله عليه وسلم -:«لكل نبيٌُّ حواري وحواريِّي الزبير» ومعلوم أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جاءوا بمعرفة الله تعالى وما يجب عليه وما يجوز له وما يستحيل وأن يبلغوا أممهم فكيف يخفي ذلك على من بَاطَنهم واختص بهم حتي يجهلوا قدرة الله تعالى.
ثم ذكر تفسيرين:
الأول: إن لازم الاستطاعة هو الإجابة فعبر باللازم عن الملزوم والمعنى هل يستجيب لك ربُّك.
الثاني: رواه عن ابن الحصار قال: «قوله - سبحانه وتعالى -: { هل يستطيع ربُّك } عن الحواريين ليس شكًا في الاستطاعة، وإنما هو تلطف في السؤال وأدب مع الله تعالى، إذ ليس كل ممكن سبق في علمه وقوعه ولا لكل أحد. والحواريون هم كانوا خيرة من آمن بعيسي فكيف يظن بهم الجهل باقتدار الله تعالى على كل شيء ممكن». أهـ.
__________
(1) آل عمران، آية: 52.(3/123)
وأما قوله: { } - قرآن كريم ( { } - - - { - - - تمت ( { المحتويات ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله } (1) فللكف عن طلب الخوارق وطلب الاطمئنان إنما هو لزيادة الإيمان كما في قصة إبراهيم - عليه السلام -.»(2).أهـ.
بدع معاصرة في العقيدة
متصلة بموضوع الإعذار بالجهل في التوحيد
وهذه البدع هي:
القول بعقد الإسلام بدلاً من حقيقة الإسلام أو حد الإسلام.
القول بالباعث بدلاً من التكييف الشرعي والمناطات المكفرة.
القول بأن الإيمان باطن وأن الظاهر ثمرة له ولا يدخل فيه وما يأتي فيه من أحكام فهي مؤولة ما لم تدل على انخرام الباطن، وأن الإيمان المجمل الراجع إلى أصل الدين يتبعض والتوحيد يتبعض ومن الممكن أن يكون في الإنسان شركٌ أعظم يجتمع مع توحيد وكفر ينقل عن الملة يجتمع مع إيمان، وأن الأمر لا يقتصر على اجتماع فروع الإيمان وهي الطاعات والسنن مع فروع الكفر وهي البدع والمعاصي ولكن يتعدي ذلك إلى اجتماع التوحيد مع الشرك الأعظم وأصل الإيمان مع الكفر الناقل عن الملة.
القول بأن توحيد العبادة باطن يرجع إلى ثلاثة معاني وهي أن يكون الله سبحانه وتعالى أحبَّ الأشياء إليه، وأولاها بالطاعة، وأحقها بالتعظيم وأن الظاهر لا يدخل فيه مؤول ما لم يدل على انخرام أحد هذه المعاني الثلاثة وهو شبيه بالقول الثالث.
القول بعدم التلازم بين الظاهر والباطن في الإيمان.
تقييد أحكام الشرك الأعظم والكفر الناقل عن الملة بقيود خارجة عن مناطات هذه الأحكام بحيث يخرج المناط عن أن يكون مناطًا ولا يتحكم من ذكره أي فائدة زائدة.
وهذه البدع قد مرَّ الرد على بعضها في هذا البحث وسوف نتناول الرد عليها بعد هذا الباب. ونكتفي الآن بتفنيد أولها لاتصاله الوثيق بموضوع الإعذار بالجهل في التوحيد والرد على محورين:
المحور الأول: أدلة الكتاب والسنة على فساد هذه البدعة.
__________
(1) المائدة، آية: 112.
(2) حد الإسلام: 573.(3/124)
المحور الثاني: أن هذه البدعة محوَّرة مما رد به علماء المشركين على أعلام دعوة التوحيد والسنة من المدرسة الوهابية، وسنذكر في هذا الصدد رد شيخ الإسلام وأبنائه وأحفاده وتلامذته على هذه البدعة في وقته.
المحور الأول: الإسلام لغة هو الإخلاص، وهو الاستسلام، ومعنى الإخلاص يتحدد تحددًا ينحصر به وفيه من هذه الآيات الثلاث من سورة الأنعام وسورة الزمر يقول ربُّنا - عز وجل -: { ( - ( - - عليه السلام - - ( - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (( - - ( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ((((( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم -(((( - ( - ( - ( - ( - الله أكبر ( { ( المحتويات ( - ( - ( - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( قرآن كريم ( تمهيد - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ((( - ( - - - } (1).
فإخلاص الولاء لله - سبحانه وتعالى - إفرادٌ لله بحقه الخالص وإشراك غيره معه في هذا الحق الخالص له شرك يتنافى مع حقيقة الإسلام له ينقل صاحبه من الإسلام إلى الشرك الأعظم.
__________
(1) الأنعام، آية: 14.(3/125)
ويقول ربُّنا - عز وجل -: { ( - ( - } تمت ( { - ( - - - - ( - ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( تمت - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -((( - - - (- رضي الله عنهم -(( - - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - - ( (( مقدمة - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( تم بحمد الله ( - بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( الله أكبر ( الله - - } (1).
فإفراد الله - سبحانه وتعالى - بحقه الخالص في العبادات والعادات والمعاملات هو إخلاص لله - سبحانه وتعالى - وهو إسلامٌ له، وإدخال غيره معه في هذه الحقوق الخالصة له شركٌ أعظم يتنافي مع حقيقة الإسلام له ينقل من الإسلام إلى الشرك الأعظم.
__________
(1) الأنعام، الآيتان: 162-163.(3/126)
ويقول - عز وجل - في سورة الزمر: { ( - ( - ( - ( - الله أكبر ( { ( المحتويات ( - ( تم بحمد الله ( - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ((- صلى الله عليه وسلم - - { - - - - الله أكبر (( - ( - ( - ( مقدمة { - - رضي الله عنه -(((- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( المحتويات ( - ( تم بحمد الله ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت } - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - ( - - - } (1).
فعبادة الله وحده وإخلاص الطاعة له بقبول الشرع منه وحده هو الإسلام. فالإسلام إخلاصٌ لله - سبحانه وتعالى - أي إفرادٌ له بحقه الخالص في الطاعة والولاء والنسك، وإدخال غير الله معه في هذه الحقوق الخالصة له شركٌ أعظم يتنافي مع حقيقة الإخلاص ويخرج صاحبه من الإسلام إلى الشرك الأعظم. والإسلام بمعنى الاستسلام فهو كما قال العلماء أن الإسلام هو الاستسلام ولا يتحقق ذلك إلا بقبول(2) الأحكام. وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أن الإسلام هو: الاستسلام لله وحده. والاستسلام لله وحده يتضمن طاعته وحده وعبادته وحده، فمن استسلم لله ولغيره فهو مشرك ومن رفض الاستسلام فهو مستكبر وكلاهما كافر. وكما قال في مواضع أخري في منهاج السنة وغيره أن المشرك يعبد الله ويعبد غيره، والمعطل الذي لا يعبد الله ولا يعبد غيره وكلاهما كافر.
والعبادة كما سبق أن بينا معناها:
غاية الحب وهو يعني غاية الولاء. والولاء ولاء في الاتباع وفي النسك وفي النصرة.
غاية الطاعة ومعناها تحقيق العبودية لله بقبول شرعه ورفض ما سواه.
__________
(1) الزمر، الآيتان: 11-12.
(2) القسطلاني، شرح البخاري، باب الإيمان.(3/127)
توحيد العبادة إفراد الله بحقه الخالص مطلقًا. وهو ينحصر في أربعة أشياء: النسك، الحكم، الولاء، الأعمال القلبية المتعلقة بالنسك أو المنفصلة عنه.
العبادة حق الله الخالص ـ في العبادات والعادات والمعاملات ـ بقبول شرعه فيها، وفي العبادات ـ بصرفها إليه وحده - عز وجل - وموالاة أهل الدين عليه ـ وتوحيد العبادة، إفراد الله بحقه الخالص في هذه الأمور الثلاثة.
العبادة معناها القصد. وتوحيد العبادة هو: التوحيد الإرادي القصدي الطلبي، وتوحيد الاعتقاد: هو التوحيد الخبري العلمي المعرفي. فالإسلام هو عبادة الله وحده، وهو توحيد العبادة أو إفراد الله - سبحانه وتعالى - بحقه الخالص في كل ما هو إرادي قصدي طلبي، وهو يستلزم الإيمان وهو إفراد الله - سبحانه وتعالى - بكل ما لا يليق إلا به مما هو خبري علمي معرفي، ومعناه أن توجب لله - سبحانه وتعالى - حقيقة وجوده وذاته وصفاته، وأن تعتقد بوجوب ذلك له وبتفرده به وعدم إشراك غيره معه فيما يتفرد به من الذات والصفات والأفعال وهذا يرجع إلى معرفة الله - سبحانه وتعالى - كما أخبرنا - عز وجل - عن نفسه.(3/128)
وقد نقلنا مرارًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله: أن الإسلام هو دين الأنبياء أولهم وآخرهم، وأنه عبادة الله وحده لا شريك له. يذكر ذلك في المنهاج والفتاوي وفي جميع كتبه، وذلك واضح من القرآن الكريم ومن السنة النبوية فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «نحن معاشرَ الأنبياءِ أخوةٌ لعلات ديننا واحدٌ». وقد مرَّ ذكره مرارًا، وهذا الدين الواحد قد ذكر في القرآن على أنه هو الإسلام كما استدل على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وكما في قول موسي - عليه السلام - قال تعالى: { تمت ( { ( - ((- جل جلاله -( - - ((- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( - - - ( - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنهم -( - ( } - ( قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - - تمت ( { - ((- جل جلاله -( - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - - تم بحمد الله } (1) وقول يوسف وبلقيس وسليمان والأسباط والحواريين وقد مرَّ ذكر ذلك مرارًا والدين الواحد في القرآن هو إفراد الله - عز وجل - بالعبادة كما في قول الله - عز وجل - : { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - قرآن كريم ( - { - - صدق الله العظيم ( { (((- صلى الله عليه وسلم - قرآن كريم ( الله أكبر ( مقدمة ( - - - ( { (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - ( } (2).
__________
(1) يونس، آية: 84.
(2) الأنبياء، آية: 25.(3/129)
فالإسلام هو الدين الواحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، أما الاختلاف في الشرائع فراجع إلى قوله تعالى: { - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - - ( تم بحمد الله - { - رضي الله عنه -(( - (( - } صدق الله العظيم - - رضي الله عنهم - - (- جل جلاله -( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1). فالاتفاق في التوحيد والاختلاف والتنوع في الشرائع، فالإسلام هو المذكور في الآيات عن الأنبياء أنه دينهم،وتوحيد العبادة هو الدين الواحد للأنبياء جميعًا فيكون بذلك الإسلام هو: توحيد العبادة المتضمن والمستلزم لتوحيد الاعتقاد وهذا واضح من قوله تعالى: { ( - ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - } - ( قرآن كريم - - - - رضي الله عنهم -( - - - - فهرس - ( { - { - رضي الله عنهم - - ( - - - { ( - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { { - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ((( - (( مقدمة ( - - - (( - - { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ((((- رضي الله عنه - - - ((((- رضي الله عنه - - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - تمت ( - - ( } - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم -
__________
(1) المائدة، آية: 48.(3/130)
- } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - ( } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( { - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( - ( تم بحمد الله } (1) يقول العلماء: { تمت ( - - ( } - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - - } أي عن التوحيد { } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - ( } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( { - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - قرآن كريم ( - ( - ( - ( تم بحمد الله } أي أننا مسلمون دونكم وأنكم كفرتم بما نطقت به الكتب وتتابعت عليه الرسل.
والإسلام يُعَرّف بحقيقته فتكون حدًا له، ويُعَرّف بمتعلقاته كما في الحديث «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، فيكون ذلك حدًا له، ويُعَرّف بهما معًا كما في حديث جبريل وغيره فيكون ذلك حدًا له، فحدود لفظ الإسلام متعددة بتعدد التعريفات والاستعمالات، وحقيقته واحدة وهي عبادة الله وحده لا شريك له أو بمعنى أدق إفراد الله - سبحانه وتعالى - بحقه الخالص في كل ما هو إرادي قصدي طلبي، وهذا الإفراد يستلزم إفراد آخر في كل ما هو خبري علمي معرفي هذه هي حقيقة الإسلام.
__________
(1) آل عمران، آية: 64.(3/131)
أما دخول الإسلام فلا يتحقق إلا بترك الشرك وإتيان التوحيد. وليس بالالتزام بذلك أو إظهار الانتساب وحسن النية بفعل ما يعلم من الدين وإن اقترف صنوفًا متعددة كثيرة من الشرك الأعظم، فالمشرك لا يكون مسلمًا أبدًا مهما أبدي من حسن النية ومهما أظهر من الانتساب. يقول ربُّنا - عز وجل -: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - - ( المحتويات - ( - } - عليه السلام - - ( - ( { - صدق الله العظيم - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - ( الله أكبر - - عليه السلام - - (( فهرس - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - - ( - ( - - مقدمة - - - ( - ( - - تم بحمد الله - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ((( - ( - - - } (1) فلا حنيفية ولا إسلام ولا ملة إبراهيم ولا دين محمد ولا دين يقبل عند الله مع الشرك الأعظم ولو كان فردًا واحدًا من أفراده، فالكلمة السواء بين الأنبياء هي: { - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { { - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ((( - (( مقدمة ( - - - (( - - { } (2) وشيئًا نكرة في سياق النهي تقتضي الاستغراق. وفي الحديث الشريف: «من قال لا إله إلا اللهَ وكفرَ بما يُعبد من دونِ اللهِ فقد حُرِّمَ دمُهُ ومالهُ». وفيه أيضًا: «من وحَّدَ اللهَ وكفرَ بما يُعبَدُ مِنْ دونِ اللهِ فقد حرّم دمه وماله» وقال - سبحانه وتعالى -: { تمت ( - - ( } - قرآن كريم ( - - - - } - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - - - صلى
__________
(1) آل عمران، آية: 67.
(2) آل عمران، آية: 64.(3/132)
الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - ( قرآن كريم - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم - - } - - - - ( المحتويات ( - ( الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - ( - (( ( صدق الله العظيم - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - } (1) وقوله - عز وجل -: { تمت ( - - ( } - قرآن كريم ( - - - - } - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - ( قرآن كريم - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم - - } - - - - } - قرآن كريم - - - رضي الله عنهم -( - ( ( المحتويات ( - فهرس - - ( - - رضي الله عنهم - - } (2) وتابوا: أي تركوا الشرك. وفي قول يوسف - عليه السلام - : { - ( - الله أكبر ( { ( تمهيد ( - - عليه السلام - - - - - - { - ( تم بحمد الله - الله ( قرآن كريم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - - ( تمهيد ((- رضي الله عنه - - } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - { - ( تم بحمد الله ( - (( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - بسم الله الرحمن الرحيم - ( - } - عليه السلام - - ( - ( { - رضي الله عنه - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( { ((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله -
__________
(1) التوبة، آية: 11.
(2) التوبة، آية: 5.(3/133)
- - - - - - - عليه السلام - - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - (( - - ( - - - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - ( - رضي الله عنهم - - ( - } - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - (( - ( ( - - - - - عليه السلام - - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - فهرس - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } - } - - - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - ( } - } - - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - } (1).
وقد مرَّ ما ذكرناه عن شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب وأبنائه وأحفاده وتلامذته من أن الإنسان لا يكون مسلمًا ولا يدخل الإسلام في الحقيقة ونفس الأمر حتي يحقق العلم النافي للجهالة، واليقين النافي للشك، والصدق النافي للنفاق، والإخلاص النافي للشرك، والانقياد النافي للترك، والقبول النافي للرد، والمحبة النافية لما يضادها.
أما إثبات حكم الإسلام أو الإيمان الظاهر فهذا كما هو معروف متواتر عند العلماء كافة أنه يثبت:
بالنص: كقول لا إله إلا الله أو كقول لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله. أو الشهادتين مع التبرؤ من موضع اللوث. أو الخروج مما ارتد به ثم يتبع ذلك بقبول الشرائع فإن لم يقبل الشرائع صار مرتدًا.
الدلالة: كأداء بعض الشعائر.
التبعية: كمن يولد في دار الإسلام أو لأبوين مسلمين أو لأفضلهما دينًا.
__________
(1) يوسف، الآيتان: 37-38.(3/134)
ولكن الإسلام في الحقيقة ونفس الأمر وعند الله - سبحانه وتعالى - فلا يتحقق الدخول فيه إلا بالتوحيد إتيانًا مع ترك الشرك الأعظم أو كما قال الشيخ عن هذه الأمور السبعة وكلها راجعة إلى إتيان التوحيد وترك الشرك الأعظم. أما عن الخروج من الإسلام فهو يتحقق بفعل الشرك الأعظم والكفر الناقل عن الملة، ولا يمكن أن يقع الشرك الأعظم أو الكفر الناقل عن الملة من شخص ما ثم يبقي بعد ذلك مسلمًا يقول - عز وجل -: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - { - - (((( فهرس - { الله أكبر ( الله - - - صدق الله العظيم (( - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ((( - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( { - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - تم بحمد الله } (1) فالشرك كفرٌ يخرج من الإسلام.
__________
(1) آل عمران، آية: 80.(3/135)
ويقول تعالى: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - - (( - - مقدمة ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( تمهيد ( - - ( - ( تمت ( { } - قرآن كريم ((( - (- رضي الله عنه - - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( تم بحمد الله صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( (( مقدمة ( - - ( - ( تمهيد ( - - عليه السلام - - - ( - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (( - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( تمهيد - (( - - مقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - (( - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (- رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( - - } - - - - ( المحتويات ( - - - رضي الله عنهم - - - (( - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (- رضي الله عنهم - - } (1)، ويقول تعالى: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - } - قرآن كريم ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - } (( - صدق الله العظيم فهرس
__________
(1) البقرة، آية: 217.(3/136)
- - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد ( { ( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله المحتويات ( - ( - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ((( - ( } تم بحمد الله ((( - - } - - - - جل جلاله - تمهيد - رضي الله عنهم - - - - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - (( - - ((( مقدمة ( - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - (((( الله أكبر } (1) ويقول - عز وجل -: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم ( { } - - - { - - - } - - مقدمة (( مقدمة ( - - - { ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } ((( قرآن كريم (( - - - صدق الله العظيم ( { المحتويات ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - تم بحمد الله } (2) ويقول - عز وجل -: { - ( - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - { - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم (( - } - عليه السلام - - ( - ( { ( مقدمة - ( - - رضي الله عنه - - ( - قرآن كريم ( { ((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - رضي الله عنه - تمهيد (- رضي الله عنه - - } تمت ( { { - - - - - - - - ((( - - ( المحتويات ( -
__________
(1) آل عمران، آية: 91.
(2) آل عمران، آية: 102.(3/137)
- - - رضي الله عنه -(((- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - - ( - صدق الله العظيم ( - قرآن كريم ( - - - - صدق الله العظيم ( { بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - تم بحمد الله } (1)، ويقول - سبحانه وتعالى -: { ( تمهيد - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم ( - - - - - ((( - { - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( المحتويات - - رضي الله عنه -(( - - - - - - - - (( - - مقدمة - - - ( { - عليه السلام - - - ( - مقدمة ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه - - - - - - ( - الله أكبر ( { ( تمهيد ( تمهيد ( - - صدق الله العظيم (- رضي الله عنه -(( - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - } (( - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنه - - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - مقدمة - - ( - - - - - رضي الله عنه -( - - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } (2) ويقول - عز وجل -: { ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله -
__________
(1) البقرة، آية: 132.
(2) النساء، آية: 18.(3/138)
رضي الله عنهم - - ( - ( - - - (((( - - - تمهيد ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - عليه السلام - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام - - - ( } (1) ويقول - عز وجل - عن سائر الأنبياء: { ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - (( تمهيد - رضي الله عنهم - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنه -( - } تم بحمد الله } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - } (2). فإذا كان الشركُ يحبط العمل مع النبوة فكيف لا يحبط معه عقد الإسلام ولاينقض هذا العقد؟؟!!
وهذا ينفي ما ادعوه من الباطل من أن الإسلام يتحقق في الحقيقة وفي نفس الأمر وعند الله - عز وجل - بالانتساب مع حسن النية بفعل ما يعلم من الدين ولو بقي حياته كلها يعبد الأصنام والجنَّ والملائكة والأرواح الخيرة والشريرة والكواكب والنجوم والحيات والأنهار والأشجار، ومات على ذلك فإنه يدخل الجنة بإسلامه الذي تحقق بعقد الإسلام مع البقاء على جميع صنوف الشرك الأعظم إذا لم يفعل ذلك عنادًا فيكون كفره بنقض الميثاق وليس بالوقوع في الكفر الناقل عن الملة والشرك الأعظم. كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا وبهتانًا وزورًا وإنكارًا وتضليلاً وجرأة على الله وإلباسًا للحقِّ بالباطل ليلبسوا على الناس دينهم.
__________
(1) الزمر، آية: 65.
(2) الأنعام، آية: 88.(3/139)
المحور الثاني: للرد أن هذه الشبهة قد رد عليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، وردَّ عليها أيضًا في كشف الشبهات وغير ذلك من رسائله وكتبه كما رد عليها تلامذته وأبناؤه وأحفاده وإن كانت إثارة هذه الشبهة في وقته ليس فيه من الجرأة على الله ما يقع الآن من بعض من ينتسب إلى العلم والدين وهما منه بريئان.
يقول شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب(1) بعد كلام له عن تكفير المعين: «وتمام الكلام في هذا أن يقال: الكلام هنا في مسئلتين: الأولى: أن يقال هذا الذي يفعله كثيرٌ من العوام عند قبور الصالحين ومع كثير من الأحياء والأموات والجن من التوجه إليهم ودعائهم لكشف الضرِّ والنذر لهم لأجل ذلك هل هو الشرك الأكبر الذي فعله قومُ نوحٍ ومَنْ بعدهم إلى أن انتهى الأمر إلى قوم خاتم الرسل قريش وغيرهم، فبعث الله الرسلَ وأنزلَ الكتبَ ينكر عليهم ذلك ويكفرهم ويأمر بقتالهم حتي يكون الدين كله لله. أمْ هذا شركٌ أصغر وشرك المتقدمين غير هذا ؟ فاعلم أن الكلام في هذه المسألة سهل على من يسره الله عليه بسبب أن علماء المشركين اليوم يقرون أنه الشرك الأكبر ولا ينكرونه إلا ما كان من مسيلمة الكذاب وأصحابه كابن إسماعيل وابن خالد مع تناقضهم في ذلك واضطرابهم، فأكثر أحوالهم يقرون أنه الشرك الأكبر ولكن يعتذرون بأن أهله لم تبلغهم الدعوة، وتارة يقولون لا يكفر إلا من في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وتارة يقولون أنه شرك أصغر وينسبونه لابن القيم في المدارج كما تقدم، وتارة لا يذكرون شيئًا من ذلك بل يعظمون أهله وطريقتهم في الجملة وأنهم خيرُ أمةٍ أخرجت للناس وأنهم العلماء الذين يجب ردّ الأمر عند التنازع إليهم وغير ذلك من الأقاويل المضطربة. وجواب هؤلاء كثير في الكتاب والسنة والإجماع.
__________
(1) مفيد المستفيد، عقيدة الموحدين، ص 67.(3/140)
ومن أصرح ما يجاوبون به إقرارهم في غالب الأوقات أن هذا هو الشرك الأكبر، وأيضًا إقرار غيرهم من علماء الأقطار مع أن أكثرهم قد دخل في الشرك وجاهد أهل التوحيد لكن لم يجدوا بدًا من الإقرار به لوضوحه.
المسألة الثانية: الإقرار بأن هذا هو الشرك الأكبر ولكن لا يكفر به إلا من أنكر الإسلام جملة وكذَّب الرسول والقرآن واتبع اليهودية أو النصرانية أو غيرهما. وهذا هو الذي يجادل به أهل الشرك والعناد في هذه الأوقات، وإلا المسألة الأولي قل الجدال فيها ولله الحمد لما وقع من إقرار علماء المشركين بها. فاعلم أن تصور هذه المسألة تصورًا حسنًا يكفي في إبطالها من غير دليل خاص لوجهين:
الأول: أن مقتضي قولهم أن الشرك بالله وعبادة الأصنام لا تأثير لها في التكفير، لأن الإنسان إن انتقل عن الملة إلى غيرها وكذَّب الرسول والقرآن فهو كافر وإن لم يعبد الأوثان كاليهود. فإذا كان من انتسب إلى الإسلام لا يكفر إذا أشرك الشرك الأكبر لأنه مسلم يقول لا إله إلا الله ويصلي ويفعل كذا وكذا لم يكن للشرك وعبادة الأوثان تأثير، بل يكون ذلك كالسواد في الخلقة أو العمي أو العرج فإن كان صاحبها يدعي الإسلام فهو مسلم وإن ادعي ملة غيرها فهو كافر وهذه فضيحة عظيمة كافية في رد هذا القول الفظيع.(3/141)
الوجه الثاني: أن معصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الشرك وعبادة الأوثان قبل وبعد بلوغ العلم كفر صريح بالفطر والعقول والعلوم الضرورية، فلا يتصور أنك تقول لرجل ولو هو من أجهل الناس أو أبلدهم ما تقول فيمن عصي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقد له في ترك عبادة الأوثان والشرك مع أنه يدعي أنه مسلم متبع إلا ويبادر بالفطرة الضرورية إلى القول بأن هذا كافر من غير نظر في الأدلة أو سؤال أحد من العلماء. ولكن لغلبة الجهل وغرابة العلم وكثرة مَنْ يتكلم في هذه المسألة من الملحدين اشتبه الأمر فيها على بعض العوام من المسلمين الذين يحبون الحق فلا تحقرها وأمعن النظر في الأدلة التفصيلية لعل الله أن يمنَّ عليك بالإيمان الثابت ويجعلك من الأئمة الذين يهدون بأمره.(3/142)
فمن أحسن ما يزيل الإشكال فيها ويزيد المؤمن يقينًا ما جري من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والعلماء بعدهم فيمن انتسب إلى الإسلام، كما ذُكِرَ أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث البراء ومعه الراية إلى رجلٍ تزوج بامرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله ومثل همه بغزو بن المصطلق لما قيل أنهم منعوا الزكاة، ومثل قتال الصديق وأصحابه لمانعي الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وتسميتهم مرتدين. ومثل إجماع الصحابة في زمن عمر على تكفير قدامة بن مظعون وأصحابه إن لم يتوبوا لما فهموا من قوله تعالى: { { { ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد (- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - (( } - ( قرآن كريم ( - (( - ( - - - ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم - { } - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - صلى الله عليه وسلم - } حل الخمر لبعض الخواص. ومثل إجماع الصحابة في زمن عثمان في تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمة في نبوة مسيلمة مع أنهم لم يتبعوه وإنما اختلف الصحابة في قبول توبتهم. ومثل تحريق على - رضي الله عنه - أصحابه لما غلوْا فيه، ومثل إجماع التابعين مع بقية الصحابة على كفر المختار بن أبي عبيد ومن اتبعه مع أنه يدعي أنه يطلب بدم الحسين وأهل البيت. ومثل إجماع التابعين ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم وهو مشهور بالعلم والدين وهلمَّ جرا، من وقائع لا تعد ولا تحصي.
ولم يقل أحدٌ من الأولين والآخرين لأبي بكر الصديق وغيره كيف تقتل بني حنيفة وهم يقولون لا إله إلا الله ويصلون ويزكون.(3/143)
وكذلك لم يستشكل أحدٌ تكفير قدامة وأصحابه لو لم يتوبوا، وهلمَّ جرا إلى زمن بني عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر والشام وغيرها مع تظاهرهم بالإسلام وصلاة الجمعة والجماعة ونصب القضاة والمفتين لمَّا أظهروا من الأقوال والأفعال ما أظهروا لم يستشكل أحد من أهل العلم والدين قتالهم ولم يتوقفوا فيه وهم في زمن ابن الجوزي، والموفق، وصنَّف ابن الجوزي كتابًا لما أخذت مصر منهم سماه ”النصر على فتح مصر“.
ولم يسمع أحدٌ من الأولين والآخرين أن أحدًا أنكر شيئًا من ذلك أو استشكل لأجل ادعائهم الملة أو لأجل قول لا إله إلا الله أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام، إلا ما سمعناه من هؤلاء الملاعين في هذه الأزمان من إقرارهم أن هذا هو الشرك!! ولكن من فعله أو حسَّنه أو كان مع أهله أو ذمَّ التوحيد أو حارب أهله لأجله أو أبغضهم لأجله أنه لا يكفر لأنه يقول لا إله إلا الله أو لأنه يؤدي أركان الإسلام الخمسة ويستدلون بأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سمَّاها الإسلام، هذا لم يسمع قط إلا من هؤلاء الملحدين الجاهلين الظالمين فإن ظفروا بحرف واحد من أهل العلم أو أحدًا منهم يستدلون به على قولهم الفاحش الأحمق فليذكروه ولكن الأمر كما قال اليمني في قصيدته:
أقاويل لا تعزي إلى عالم فلا ... تساوي فلسًا إن رجعت إلى نقد
ولنختم الكلام في هذا النوع بما ذكره البخاري في صحيحه حيث قال: باب ”يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان“ ثم ذكر بإسناده قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس عند ذي الخلصة؟ وذو الخلصة صنمٌ لدوس يعبدونه فقال - صلى الله عليه وسلم - لجرير بن عبد الله ألا تريحني من ذي الخلصة. فركب إليه بمن معه فأحرقه وهدَّمه، ثم أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبره قال فبرك على خيل أحمس ورجالها خمسًا.(3/144)
وعادة البخاري رحمه الله إذا لم يكن الحديث على شرطه ذكره في الترجمة ثم أتي بما يدل على معناه مما هو على شرطه، ولفظ الترجمة وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - «يتغير الزمان حتي تعبد الأوثان» لفظ حديث أخرجه غيره من الأئمة واللهُ - سبحانه وتعالى - أعلم.
ولنذكر من كلام الله تعالى وكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلام أئمة العلم جملاً في جهاد القلب واللسان ومعاداة أعداء الله وموالاة أوليائه وأن الدين لا يصحّ ولا يدخل الإنسان فيه إلا بذلك.(3/145)
فنقول: ”باب في وجوب عداوة أعداء الله من الكفار والمرتدين والمنافقين“ فيذكر الشيخ من ذلك قول الله تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - ( } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( { ( - ( - المحتويات ( - ( - - - ( { ( - } - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - } إلى قوله: { - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - ( - - ( - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(( - - - (( - - - (((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - - (( - - مقدمة } - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ((( فهرس - رضي الله عنهم - - ( مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1)، وقوله تعالى : { - صدق الله العظيم ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه
__________
(1) الممتحنة، آيات: 1-4.(3/146)
السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - - - مقدمة { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( الله أكبر - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - الله - عليه السلام - - - ((- رضي الله عنه -( } (1) ويذكر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود: «ما من نبيٍّ بعثه اللهُ في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره». وفي رواية «ويهتدون بهديه ويستنون بسنته ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» ويذكر عن العلماء أقوال ابن وضاح عن مجاهدة أهل البدع فكيف بأهل الشرك. ويذكر في ذلك حديثًا «أنه سيقع في هذه الأمة فتنة الكفر وفتنة الضلالة» قال رحمه الله إن فتنة الكفر هي الردة يحل فيها السبي والأموال وفتنة الضلالة لا يحل فيها السبي والأموال».
__________
(1) المجادلة، آية: 22.(3/147)
ويقول شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب في ”الاعتقاد“(1):«فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا ”الاعتقاد“ هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن وقاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاس عليه، فاعلم أن شرك الأولين أخفّ من شرك أهل زماننا بأمرين: أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدعاء، كما قال تعالى: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - ( - - - - (( ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - } - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - - صدق الله العظيم ( { ( فهرس - { - ( { - ( - - - - ( ( - ( - - ( - صدق الله العظيم - عز وجل - - فهرس - ( { ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - (((( - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( - - الله أكبر تمهيد { - - - ( - قرآن كريم (( - - } (2)، وقوله - عز وجل -: { ( - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - ( تمت ( { ( المحتويات ( - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - - رضي الله عنه -( ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( { - رضي الله عنه -( - - - - - - - عليه السلام - - ( - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - ((( - ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - فهرس - { - ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم
__________
(1) كشف الشبهات، عقيدة الموحدين، ص 98-104.
(2) الإسراء، آية: 67.(3/148)
((( - - - ( - ((( - - عليه السلام - - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - ( مقدمة ( - - - ( { تمت ( { - عليه السلام -( - - - { - رضي الله عنه - تمت ( قرآن كريم - - - جل جلاله - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( - } (1)، وقوله تعالى: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( - - - تمهيد { - - - - (( - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - (( مقدمة ( - - عليه السلام - - - ( - - ( - ( تم بحمد الله ( مقدمة ( - - - ( { } إلى قوله: { ( - ( - ((( - - رضي الله عنهم - - - - - - ( - ((( - ( - ( - - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - (- عليه السلام -- رضي الله عنه -((- صلى الله عليه وسلم - - ( - - } - - - - } (2)، وقوله - عز وجل -: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - عليه السلام - - (( - ( ( - ( قرآن كريم } تم بحمد الله ( - فهرس - - ( - - - - - } - ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - { - - - - رضي الله عنه -((((( - ( - ( - ( - - - - رضي الله عنه -(((- صلى الله عليه وسلم - - - - - } (3) فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعون الله تعالى ويدعون غيره في الرخاء، وأما في الضرَّاء والشدة فلا يدعون إلا اللهَ وحده لا شريك له وينسونَ ساداتهم، تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهمًا جيدًا راسخًا؟ واللهُ المستعان. الأمر الثاني أن الأولين
__________
(1) الأنعام، الآيتان: 40-41.
(2) الزمر، آية: 8.
(3) لقمان، آية: 32.(3/149)
يدعون مع الله أناسًا مقربين عند الله. إمَّا أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة أو يدعون أحجارًا أو أشجارًا مطيعة لله ليست عاصية وأهل زماننا يدعون مع الله أناسًا من أفسقِ النَّاس والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك. والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به. إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحّ عقولاً وأخف شركًا من هؤلاء فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم فاصغ سمعك لجوابها وهي أنهم يقولون: «إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول - صلى الله عليه وسلم - وينكرون البعث ويكذبون القرآن ويجعلونه سحرًا، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ونصدق القرآن ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم. فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟ فالجواب أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة أو أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة أو أقر بهذا كله وجحد الصوم أو أقر بهذا كله وجحد الحج ولمَّا لم ينقد أناس في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للحج أنزل الله في حقهم: { ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( } - } - - - - - - ( مقدمة ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -( - - (- رضي الله عنه - - ( - - - ( مقدمة ( - - - ( { الله - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - - ( - - } تمت ( - - ( { -(3/150)
- - - (( - - ( ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - فهرس - (- رضي الله عنهم -(( - - - } (1) ومَنْ أقرَّ بهذا كله وجحد البعث كفرَ بالإجماع وحلَّ دمُهُ وماله كما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَ َيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً - ُأوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا } (2) الآية. فإذا كان الله قد صرَّح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقًا. زالت هذه الشبهة وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الإحساء في كتابه الذي أرسل إلينا. ويقال أيضًا: إذا كنت تقر أن من صدق الرسول في كل شيء وجحد وجوب الصلاة أنه كافر حلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقرَّ بكل شيء إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وصدق بذلك كله لا تختلف المذاهب فيه وقد نطق به القرآن كما قدمنا. فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج فكيف إذا جحد الإنسان شيئًا من هذه الأمور كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟ سبحان الله ما أعجب هذا الجهل! ويقال أيضًا: هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ويؤذنون ويصلون فإن قال: إنهم يقولون إن مسيلمة نبيٌّ قلنا: هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة فكيف بمن رفع شمسان
__________
(1) آل عمران، آية: 97.
(2) النساء، الآيتان: 150-151.(3/151)
أو يوسف أو صحابيًا أو نبيًا إلى رتبة جبَّار السموات والأرض؟ سبحان الله ما أعظم شأنه { - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - ((- رضي الله عنه - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - قرآن كريم ( - ( - - ((( - { - - - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - } (1). ويقال أيضًا: الذين حرَّقهم عليٌّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالنار كلهم يدعون الإسلام وهم من أصحاب علىٍّ - رضي الله عنه - وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علىٍّ مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟ أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟ أم تظنون أن الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر والاعتقاد في علىٍّ ابن أبي طالب يكفر؟ ويقال أيضًا بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمن بني العباس كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويدَّعون الإسلام ويصلون الجمعة والجماعة فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب وغزاهم المسلمون حتي استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين. ويقال أيضًا: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا أنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والقرآن وإنكار البعث وغير ذلك فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب ”باب حكم المرتد“ وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعًا كثيرة كل نوع منها يكفِّر ويحل دم الرجل وماله حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب. ويقال أيضًا: الذين قال الله فيهم: { - - قرآن كريم ((( - (- رضي الله عنه - - - ( - - - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - - - - ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه
__________
(1) الروم، آية: 59.(3/152)
وسلم - } - قرآن كريم ( - - - - - { - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ((( - ( - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - ( فهرس - ( - ( { } (1) أما سمعت الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويجاهدون معه ويصلون معه ويزكون ويحجون ويوحدون؟ كذلك الذين قال الله فيهم: - ( - { - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - (( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - جل جلاله -( - - - - صلى الله عليه وسلم -((( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - فهرس - - - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - ( - - - - ( فهرس ( - - ( - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - - ( { } (2). فهؤلاء الذين صرَّحَ اللهُ فيهم بأنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزاح فتأمل هذه الشبهة، وهي قولهم: تكفرون المسلمين أناسًا يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون ويصومون ثم تأمل جوابها فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق. ومن الدليل على ذلك أيضًا ما حكى الله تعالى عن بني إسرائيل مع علمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسي - عليه السلام -: { - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - - { - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - رضي الله عنهم - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( } (3)
__________
(1) التوبة، آية: 74.
(2) التوبة، الآيتان: 65-66.
(3) الأعراف، آية: 138.(3/153)
، وقول ناس من الصحابة: اجعل لنا ذات أنواط فحلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن هذا مثل قول بني إسرائيل لموسي - عليه السلام - { - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - - { - - - جل جلاله - - ( - - ( { } ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون أن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك وكذلك الذين قالوا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - اجعل لنا ذات أنواط لم يكفروا. فالجواب أن نقول: إن بني إسرائيل لم يفعلوا وكذلك الذين سألوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلوا، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف أن الذين نهاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا وهذا هو المطلوب. ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز، ومعرفة أن قول الجاهل: ”التوحيد فهمناه“ إن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان. وتفيد أيضًا أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. وتفيد أيضًا أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظًا شديدًا كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(3/154)
وللمشركين شبهة أخري يقولون أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنكر على أسامة قتل مَنْ قال لا إله إلا الله، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله» وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتي يقولوا لا إله إلاَّ الله» وأحاديث أخري في الكف عمن قالها، ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يكفر ولا يقتل ولو فعل ما فعل. فيقال لهؤلاء الجهلة: معلومٌ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل اليهود وسبَاهُم وهم يقولون لا إله إلا الله، وأنَّ أصحاب النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويصلون ويدعون الإسلام، وكذلك الذين حرَّقهم علىٌّ بن أبي طالب بالنار وهؤلاء الجهلة مقرون أنَّ مَنْ أنكرَ البعث كفر وقُتِل ولو قال لا إله إلا الله وأنَّ مَنْ جحد شيئًا من أركان الإسلام كُفِّر وقتل ولو قالها فكيف لا تنفعه إذا جحد شيئًا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أساس دين الرسل ورأسه؟ ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث. فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلاً ادعي الإسلام بسبب أنه ظنَّ أنه ما ادعي الإسلام إلا خوفًا على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكفُّ عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك وأنزل الله في ذلك { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام - - - ( - (( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - } - قرآن كريم ( - } - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - ( } (1) أي تثبتوا فالآية تدل على أنه يجب الكفُّ عنه والتثبت فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله: { } - قرآن كريم ( - } - - عليه السلام - - -
__________
(1) النساء، آية: 94.(3/155)
رضي الله عنه - - - ( } ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى. وكذلك الحديث الآخر وأمثاله معناه ما ذكرناه أن من أظهر الإسلام والتوحيد وجب الكفُّ عنه إلا أن يتبين منه ما يناقض ذلك والدليل على هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي قال: «أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله» وقال له: «أمرتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله» هو الذي قال في الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم لئن أدركتهم لأقتلنهم قتلَ عادٍ» مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليلاً وتسبيحًا حتى أن الصحابة يحقرُونَ صلاتهم عندهم وهم تعلموا العلم من الصحابة فلم تنفعهم لا إله إلا الله ولا كثرة العبادة ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة، وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة وكذلك أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يغزو بني المصطلق لمَّا أخبره رجلٌ أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل اللهُ تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - - ( - - - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد - رضي الله عنه - - ( - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله - } - - رضي الله عنه - تمهيد - رضي الله عنه - - - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - ((( - - - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - - - (- رضي الله عنهم - - { - ( - } - قرآن كريم ( - ( تمهيد ((( - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنهم -( - ( - رضي الله عنه -((( تم بحمد الله ( - (- رضي الله عنه - الله أكبر } (1) وكان الرجل كاذبًا عليهم وكل هذا يدل
__________
(1) الحجرات، آية: 6.(3/156)
على أن مراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه».أهـ.
ويقول أبو بطين(1): أما الإقرار بتوحيد الربوبية وهو أن الله سبحانه خالق كل شيء ومليكه ومدبره فهذا يقر به المسلم والكافر، ولابد منه لكن لا يصير الإنسان به مسلمًا حتى يأتي بتوحيد الألوهية الذي دعت إليه الرسل وأبي عن الإقرار به المشركون، وبه يتميز المسلم عن المشرك وأهل الجنة من أهل النار ـ أعطي الشارح هذا المقطع عنوانًا جانبيًا ”ومتي يصير الإنسان مسلمًا“ ـ والمعنى واضح أنه يصير مسلمًا بتوحيد العبادة المتضمن والمستلزم لتوحيد الاعتقاد لا شيء غير ذلك. وينقل أبو بطين عن ابن كثير(2): « { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( { المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (( - تم بحمد الله } (3) قال ابن عباس وغيره: إذا سألتهم من خلق السماوات والأرض قالوا الله وهم يعبدون معه غيره، ففسروا الإيمان في هذه الآية بإقرارهم بتوحيد الربوبية والشرك بعبادتهم غير الله وهو توحيد الألوهية.
__________
(1) الانتصار لحزب الله الموحدين، ص 7.
(2) المصدر السابق، ص 8.
(3) يوسف، آية: 106.(3/157)
فلما تقرر معنى الإله وأنه المعبود تعين علينا معرفة حقيقة العبادة وحدَّها، فعرَّفها بعضهم بأنها ما أمر به شرعًا من غير اطِّراد عرفي ولا اقتضاء عقلي، وقال بعضهم هي كمال الحب مع كمال الخضوع وهذا يستلزم طاعة المحبوب والانقياد له. إلى أن يقول: فالدين كله داخل في العبادة فإذا علم الإنسان وتحقق معنى الإله وأنه المعبود وعرف حقيقة العبادة تبين له أن من جعل شيئًا من العبادة لغير الله فقد عبده واتخذه إلهًا وإن فرَّ من تسميته معبودًا أو إلهًا وسمَّي ذلك توسلاً وتشفعًا والتجاءً ونحو ذلك. فالمشرك مشرك شاء أم أبي، كما أن المرابي مراب شاء أم أبي وإن لم يسمِّ ما فعله رِبًا، وشارب الخمر شارب خمر وإن سمَّاها بغير اسمها، وفي الحديث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «يأتي ناس من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها» فتغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمَّي ولا يزيل حكمه كتسمية البوادي سوالفهم الباطلة حقًا، وتسمية الظلمة ما يأخذونه من الناس بغير اسمه. ولما سمع عديّ بن حاتم وهو نصراني قول الله تعالى: { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - } (1) قال للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لسنا نعبدهم. فقال: «أليس يحرمون ما أحلَّ الله فتحرمونه ويحلون ما حرَّم الله فتحلونه؟ قال: قلتْ: بلي. قال: فتلك عبادتهم» فعديُّ - رضي الله عنه - ما كان يحسب أن موافقتهم فيما ذكر عبادة منهم فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك عبادة منهم لهم مع أنهم لا يعتقدونه عبادة لهم،
__________
(1) التوبة، آية: 31.(3/158)
وكذلك ما يفعله عبَّاد القبور من دعاء أصحابها وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والتقرب إليهم بالذبائح والنذور عبادة منهم للمقبورين وإن كانوا لا يسمونه ولا يعتقدونه عبادة.
ثم يقول: ومن أعظم المصائب إعراض أكثر الناس عن النظر في معنى هذه الكلمة العظيمة حتي صار كثيرٌ منهم يقول: مَنْ قال لا إله إلا الله ما نقول فيه شيئًا وإن فعل ما فعل لعدم معرفتهم بمعنى هذه الكلمة نفيًا وإثباتًا مع أن قائل ذلك لابد أن يتناقض، فلو قيل له ما تقول فيمن قال لا إله إلا الله ولا يقر برسالة محمد بن عبد الله ؟ لم يتوقف في كفره، أو أقر بالشهادتين وأنكر البعث لم يتوقف في تكفيره، أو استحل الزنا واللواط ونحوهما، أو قال أن الصلوات الخمس ليست بفرض، أو أن صيام رمضان ليس بفرض، فلابد أن يقول بكفر من قال ذلك فكيف لا تنفعه لا إله إلا الله إذًا ولا تحول بينه وبين الكفر. وإذا ارتكب ما يناقضها وهو عبادة غير الله وهو الشرك الأكبر الذي هو أكبر الذنوب قيل هو يقول لا إله إلا الله ولا يجوز تكفيره لأنه يتكلم بكلمة التوحيد لكن آفة الجهل والتقليد أوجبت ذلك. وهؤلاء ونحوهم إذا سمعوا من يقرر أمر التوحيد ويذكر الشرك استهزأوا به وعابوه. ومِنْ كيد الشيطان لمبتدعة هذه الأمة من المشركين بالبشر من المقبورين وغيرهم ولمَّا علم عدو الله أن كل من قرأ القرآن أو سمعه ينفر من الشرك ومن عبادة غير الله ألقي في قلوب الجهَّال أن هذا الذي يفعلونه مع المقبورين وغيرهم ليس عبادة لهم، وإنما هو توسل وتشفع بهم والتجاء إليهم ونحو ذلك، فسلب العبادة والشرك اسمهما من قلوبهم وكساهما أسماء لا تنفر عنها القلوب ثم ازداد اغترارهم وعظمت الفتنة بأن صار بعض من ينسب إلى علم ودين يسهل عليهم ما ارتكبوه من الشرك ويحتج لهم بالحجج الباطلة فإنا لله وإنَّا إليه راجعون.(3/159)
ثم يقول أبو بطين(1): واحتج بعض مَنْ يجادل عن المشركين بقصة الذي أوصي أهله أن يحرقوه بعد موته، على أن من ارتكب الكفر جاهلاً لا يكفر، ولا يكفر إلا المعاند. والجواب عن ذلك كله: أن الله - سبحانه وتعالى - أرسل رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأعظم ما أرسلوا به ودعوا إليه عبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن الشرك الذي هو عبادة غيره. فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذوراً لجهله فمن هو الذي لا يعذر؟؟!! ولازم هذه الدعوى أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند، مع أن صاحب هذه الدعوى لا يمكنه طرد أصله. بل لابد أن يتناقض فإنه لا يمكن أن يتوقف في تكفير من شك في رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو شك في البعث أو غير ذلك من أصول الدين، والشاك جاهل والفقهاء رحمهم الله يذكرون في كتب الفقه حكم المرتد وأنه: المسلم الذي يكفر بعد إسلامه نطقًا أو فعلاً أو اعتقادًا أو شكًا وسبب الشك الجهل ولازم هذا لا يكفر جهلة اليهود والنصارى، ولا الذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم، ولا الذين حرَّقهم عليٌّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالنار لأننا نقطع أنهم جهَّال. وقد أجمع العلماء رحمهم الله على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو يشك في كفرهم. ونحن نتيقن أن أكثرهم جهَّال وقال الشيخ تقي الدين - رضي الله عنه - مَنْ سبَّ الصحابة أو واحدًا منهم واقترن بسبِّه دعوى أن عليًا إلهٌ أو أن جبريل غلط فلا شك في كفر هذا بل لا شك في كفر مَنْ توقف في تكفيره. وقال ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نفرًا لا يبلغون بضعة عشر أو أنهم فسقوا فلا ريب في كفر قائل ذلك بل من شك في كفره فهو كافر. قال ومن ظنَّ أن قوله - سبحانه وتعالى -: { - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله
__________
(1) الانتصار لحزب الله الموحدين، ص 12.(3/160)
العظيم - صلى الله عليه وسلم - - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - صدق الله العظيم ( { ( فهرس - { - ( { } (1) بمعنى قدَّر وأن اللهَ ما قدَّر شيئًا إلا وقع، وجعل عبَّاد الأصنام ما عبدوا إلا الله فإن هذا من أعظم الناس كفرًا بالكتب كلها. انتهى.
ولا ريب أن أهل هذه المقالة أهل علم وزهد وعبادة وأن سبب دعواهم هذه الجهل، وقد أخبر الله سبحانه عن الكفار أنهم في شك مما تدعوهم إليه الرسل وأنهم في شكٍّ من البعث فقالوا لرسلهم: { - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - { - - - ( } تم بحمد الله - - - - جل جلاله -- رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ((( - - - ( مقدمة ( - - - ( { - - - ( - ( تم بحمد الله } (2)، وقال - عز وجل -: { ( المحتويات ( - ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - { ( مقدمة ( - ( } تم بحمد الله - - - ( - ( تم بحمد الله } (3)، وقال إخبارًا عنهم: { تمت ( { - صدق الله العظيم ((( الله أكبر - صدق الله العظيم ( { - - - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنه - صدق الله العظيم - عز وجل - - (((- جل جلاله -( { ( - - - ( - ( - ( - } (4)، وقال عن الكفار: { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر ( { } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنه -(((((- عليه السلام - - } ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - قرآن كريم ( - - - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام --
__________
(1) الإسراء، آية: 23.
(2) إبراهيم، آية: 9.
(3) هود، آية: 110.
(4) الجاثية، آية: 32.(3/161)
صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - تم بحمد الله } (1)، وقال تعالى: { ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - ( - ( } ( مقدمة - - رضي الله عنه - - ( الله أكبر - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنهم - - ( - - } - - ( - ( - (- عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - ( ( المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنهم - - - (( ( - - قرآن كريم - عليه السلام - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (- رضي الله عنه - - - ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (- رضي الله عنه -( - } - (((- جل جلاله -(( (2)، ووصفهم بغاية الجهل كما في قوله تعالى: { ( المحتويات ( - مقدمة - ( - قرآن كريم ( - ( - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - - { ((- رضي الله عنه - - - { - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((((- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - ( - - { - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت - - - - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((- عليه السلام - - ( - - - - - { - ( - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( بسم الله الرحمن الرحيم (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - - - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله
__________
(1) الأعراف، آية: 3.
(2) الكهف، الآيتان: 103-104.(3/162)
عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - (((- رضي الله عنه -(( - - - } (1)، وقد ذمَّ اللهُ المقلدين بقوله عنهم: { - ( الله أكبر ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } تم بحمد الله ( - - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( المحتويات ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - تم بحمد الله } (2) الآيتان، ومع ذلك كفَّرهم - سبحانه وتعالى - واستدل العلماء بهذه الآية ونحوها على أنه لا يجوز التقليد في معرفة الله والرسالة، وحجة الله سبحانه قائمة على الناس بإرسال الرسل إليهم وإن لم يفهموا حجج الله وبيناته. قال الشيخ موفق الدين أبو محمد بن قدامة رحمه الله لما أنجز كلامه في مسألة هل كل مجتهد مصيب، ورجَّح قول الجمهور: أنه ليس كل مجتهد مصيبًا، بل الحق في قول واحد من أقوال المجتهدين. قال: وزعم الجاحظ أن مخالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن إدراك الحق فهو معذور غير آثم. إلى أن قال: أما ما ذهب إليه الجاحظ فباطل يقينًا وكفر بالله وردٌّ عليه وعلي رسوله، فإنا نعلم قطعًا أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه، وذمَّهم على إصرارهم وقاتلهم جميعًا بقتل البالغ منهم. ونعلم أن المعاند العارف ممن يقل، وإنما الأكثر مقلدة اعتقدوا دين آبائهم تقليدًا ولم يعرفوا معجزات الرسول وصدقه والآيات الدالات في القرآن على هذا كثيرة كقوله - عز وجل -: { - رضي الله عنهم - - ( - } - - - صدق الله
__________
(1) الأعراف، آية: 179.
(2) الزخرف، آية: 22.(3/163)
العظيم - ( - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - ( - رضي الله عنه -((( - { - ( - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - } - - - - } (1)، وقال - عز وجل -: { ( - ( - ( - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - جل جلاله - - ( - ( - { - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - عليه السلام - - - ( ( - ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - - رضي الله عنه - تمهيد ((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - صدق الله العظيم - ( - ( - ( - - ( - - - } (2)، { ( تمت ( { ( المحتويات ( - - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم - - ((- رضي الله عنه - - } (3)، { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - ( } (4)، { - - قرآن كريم ( - - - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - تم بحمد الله } (5)، { - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - ( ( المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنهم - - - (( ( - - قرآن كريم - عليه السلام - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (- رضي الله عنه - - - (
__________
(1) ص، آية: 27.
(2) فصلت، آية: 23.
(3) الجاثية، آية: 24.
(4) المجادلة، آية: 18.
(5) الأعراف، آية: 30.(3/164)
المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (- رضي الله عنه -( - - (((- جل جلاله -(( - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - (( مقدمة (( - - - { ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) الآية وفي الجملة ذمُ المكذبين للرسول مما لا ينحصر في الكتاب والسنة. أهـ.
__________
(1) الكهف، الآيتان: 104-105.(3/165)
والعلماء يذكرون أن من أنكر وجوب عبادة من العبادات الخمس أو قال في واحدة أنها سنة لا واجبة أو جحد حل الخبز ونحوه أو جحد تحريم الخمر أو نحوه أوشك في ذلك ومثله لا يجهله كَفَرَ وإن كان مثله يجهله عُرف ذلك فإن أصر بعد التعريف كُفر وقتل، ولم يقولوا فإذا تبين له الحق وعاند كفر. وأيضًا فنحن لا نعرف أنه معاند حتي يقول أنا أعلم أن ذلك حق ولا ألتزمه أو لا أقوله وهذا لا يكاد يوجد. وقد ذكر العلماء من أهل كل مذهب أشياء كثيرة لا يمكن حصرها من الأقوال والأفعال والاعتقادات أنه يُكَفر صاحبها ولم يقيدوا ذلك بالمعاند، فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولاً أو مجتهدًا أو مخطئًا أو مقلدًا أو جاهلاً معذور مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك مع أنه لابد أن ينقض أصله فلو طرد أصله كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -. إلى أن يقول: واختيار الشيخ تقي الدين في الصفات أنه لا يكفر الجاهل، وأما في الشرك ونحوه فلا كما ستقف على بعض كلامه إن شاء الله تعالى. وقد قدمنا بعض كلامه في الاتحادية وغيرهم وتكفيره مَنْ شكَّ في كفرهم، قال صاحب اختياراته: والمرتد من أشرك بالله تعالى وكان مبغضًا لرسوله أو لما جاء به أو ترك إنكار كل منكر بقلبه أو توهم أن من الصحابة مَنْ قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك أو أنكر إجماعًا مجمعًا عليه إجماعًا قطعيًا أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كَفر إجماعًا. ومن شك في صفة من صفات الله ومثله لا يجهلها فمرتد، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد، ولهذا لم يكفِّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الرجل الشاك في قدرة الله تعالى(1) فأطلق فيما تقدم من المكفرات، وفرَّق في الصفة بين الجاهل وغيره، مع أن رأي الشيخ رحمه الله في التوقف عن تكفير الجهمية ونحوهم خلاف نصوص الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام. قال المجد رحمه الله تعالى:
__________
(1) أوضحنا الحق فيه فيما مضى.(3/166)
كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنَّا نفسِّق المقلد فيها كمن يقول بخلق القرآن أو إن علم الله مخلوق أو أن أسماءه مخلوقة أو أنه لا يُري في الآخرة أو يسبُّ الصحابة تدينًا أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد وما أشبه ذلك، فمن كان عالمًا بشيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره، نصَّ أحمد على ذلك في مواضع. أهـ.
ـ يقول الشيخ أبو بطين: فانظروا كيف حكموا بكفرهم مع جهلهم.
وبعد أن يتكلم الشيخ عن حد العبادة وحد الشرك ودخول الدعاء دعاء العبادة ودعاء المسألة والذبح والنذر في ذلك يقول(1): «وقد ذكرنا أن الشيخ تقي الدين - رضي الله عنه - إنما قال ترجي المغفرة لمن فعل بعض البدع مجتهدًا أو جاهلا،ً لم يقل ذلك فيمن ارتكب الشرك الأكبر والكفر الظاهر، بل قد قال رحمه الله: إن الشرك لا يغفر وإن كان أصغر، وقد قدمنا بعض كلامه في ذلك. ونذكر هنا بعض ما اطلعنا عليه من كلامه وكلام غيره من العلماء قال رحمه الله تعالى في ”شرح العمدة“ لما تكلم في كفر تارك الصلاة، قال: وفي الحقيقة فكل رد لخبر الله أو أمره فهو كفر دق أو جل، لكن قد يعفي عما خفيت فيه طرق العلم وكان أمرًا يسيرًا في الفروع، بخلاف ما ظهر أمره وكان من دعائم الدين من الأخبار والأوامر. وقال رحمه الله في أثناء كلام له في ذمِّ أصحاب الكلام: والرازي من أعظم الناس في باب الحيرة لكن هو مسرف فيه له نهمه في التشكيك، والشك في الباطل خير من الثبات على اعتقاده، لكن قل أن يثبت أحد على باطل محض، بل لابد فيه من نوع من الحق، وتوجد الردة منهم كثيرًا كالنفاق، وهذا إذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن يقع ذلك في طوائف منهم في أمور يعلم العامة والخاصة بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بعث بها وكفَّر من خالفها، مثل عبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة غيره،
__________
(1) الانتصار لحزب الله الموحدين، ص 21.(3/167)
فإن هذا أظهر شرائع الإسلام، ومثل أمره بالصلوات الخمس وتعظيم شأنها، ومثل معاداة المشركين وأهل الكتاب، ومثل تحريم الفواحش والربا والميسر ونحو ذلك. إلى أن قال: وصنَّف الرازي كتابه في عبادة الأصنام والكواكب وأقام الأدلة على حسنه ورغب فيه، وهذه ردَّة عن الإسلام إجماعًا». أهـ.
فقوله رحمه الله: بل اليهود والنصارى يعلمون ذلك هو كما قال، فقد سمعنا من غير واحد من اليهود أنهم يعيبون على المسلمين ما يُفعل عند هذه المشاهد يقولون إن كان نبيكم أمركم بهذا فليس بنبي، وإن كان نهاكم عنه فقد عصيتموه. فيا سبحان الله ما أعجب هذا، اليهود ينكرون هذه الأمور الشركية ويقولون لا يأتي بها نبيٌّ، وكثيرٌ من علماء هذا الزمان يجوزون ذلك ويوردون الشبه الباطلة عليه وينكرون على من أنكره. وانظر قول الشيخ: لكن قد يعفي عما قد خفيت فيه طرق العلم وكان أمرًا يسيرًا في الفروع. وقوله أيضًا: وهذا إذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها. وقال الشيخ رحمه الله في ”الرسالة السنية“ لما ذكر حديث الخوارج: فإذا كان في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من قد مرق من الدين مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام في هذا الزمان قد يمرق أيضًا، وذلك بأمور منها الغلو الذي ذمَّه الله تعالى كالغلو في بعض المشايخ كالشيخ عديّ، بل الغلو في علىٍّ بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح، فكل من غلا في نبيٍّ أو رجل صالح وجعل فيه نوعًا من الإلهية مثل أن يدعوه من دون الله بأن يقول: يا سيدي فلان أغثني أو اجبرني أو توكلت عليك أو أنا في حسبك، فكل هذا شركٌ وضلالٌ يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل. فإن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده ولا يجعل معه إله آخر، والذين يجعلون مع الله آلهة أخري مثل الملائكة والمسيح وعزير والصالحين أو قبورهم لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يدعونهم يقولون: هؤلاء(3/168)
شفعاؤنا عند الله. فبعث اللهُ الرسل تنهي أن يدعي أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استعانة. وقال أيضًا وقد سئل عن رجلين تنازعا فقال أحدهما: لابد لنا من واسطة بيننا وبين الله، فإنَّا لا نقدر أن نصل إليه إلا بذلك. فأجاب رحمه الله بقوله: إن أراد أنه لابد لنا من واسطة تبلغنا أمر الله فهذا حق، فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه ويأمر به وينهي عنه إلا بواسطة الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده، وهذا ما أجمع عليه أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده، وهم الرسل الذين بلَّغوا عن الله أوامره ونواهيه، قال تعالى: { ( - - - - ( - - (((- رضي الله عنه - - - (( تم بحمد الله ( { - تمهيد (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - الله - ( - ( - - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } - } - - - - } (1)ومَنْ أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل. وإن أرادوا بالواسطة أنه لابد من واسطة يتخذها العباد بينهم وبين الله في جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يكونوا واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم، يسألونه ذلك ويرجعون إليه فيه، فهذا من أعظم الشرك الذي كفَّر الله به المشركين حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء يجتلبون بهم المنافع ويدفعون بهم المضار. إلى أن قال: فمن جعل الأنبياء والملائكة وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنوب وهداية القلوب وتفريج الكربات وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين. إلى أن قال: فمن أثبت وسائط بين الله وبين خلقه كالحجّاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، وأن الله إنما يهدي عباده وينصرهم ويرزقهم بتوسطهم بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم، والناس
__________
(1) الحج، آية: 75.(3/169)
يسألونهم أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملوك، أو لأن طلبهم من الوسائل أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب، فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
يقول أبو بطين: فقد جزم رحمه الله في مواضع كثيرة بكفر من فعل ما ذكره من أنواع الشرك، وحكي إجماع المسلمين على ذلك ولم يستثن الجاهل ونحوه وقال تعالى: { } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ((((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - } (1) وقال عن المسيح أنه قال: { (( مقدمة ( الله أكبر ( { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ((( - ( - - - ( - ( - - { - ( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - ( - - - ( مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - } - جل جلاله - - - - } (2) فمن خصَّ ذلك الوعيد بالمعاند فقط وأخرج الجاهل والمتأول والمقلد فقد شاق الله ورسوله وخرج عن سبيل المؤمنين. والفقهاء يصدرون باب حكم المرتد بمن أشرك بالله ولم يقيدوا ذلك بالمعاند، وهذا أمر واضح ولله الحمد.
__________
(1) النساء، آية: 48.
(2) المائدة، آية: 72.(3/170)
ثم يقول أبو بطين(1): قال ابن القيم: ومن ذبح للشيطان ودعاه واستعاذ به وتقرب إليه بما يحب فقد عبده وإنْ لم يسم ذلك عبادة ويسميه استخدامًا، وصدق هو استخدام من الشيطان. ويقول أبو بطين نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية(2) قوله - عز وجل -: { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - - (( مقدمة ( - } (3) ظاهره أنه ما ذبح لغير الله مثل أن يقول هذه ذبيحة لكذا، وإذا كان هذا هو المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبح للحم وقيل فيه باسم المسيح ونحوه، لأن ما ذبحناه متقربين إلى الله كان أزكي وأعظم مما ذبحناه للحم وقلنا فيه بسم الله، فإن عبادة الله بالصلاة له والنسك أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح أو الزهرة فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح والزهرة وقصد به ذلك أولي، فإن العبادة لغير الله أعظم كفرًا من الاستعانة بغير الله، فعلي هذا فلو ذبح لغير الله متقربًا إليه لحرم وإن قال فيه بسم الله كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين يتقربون إلى الكواكب بالذبح والنذور ونحو ذلك وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ومن هذا الباب ما يفعله الجاهلون بمكة من الذبح للجنِّ قال: ولهذا كان عبَّاد الشيطان والأصنام يذبحون الذبائح، فالذبح للمعبود غايته الذل والخضوع ولهذا لم يجز الذبح لغير الله. وقال في موضع آخر: والمسلم إذا ذبح لغير الله أو ذبح بغير اسمه لم تبح ذبيحته وإن كان يَكفُر بذلك. إلى أن قال: ولأن الذبح لغير الله وباسم غيره قد عُلم أنه ليس من دين الإسلام، بل هو من الشرك الذي أحدثوه. قال: وقول الشيخ أنذروا لي لتقضي حاجتكم أو استعينوا بي إن
__________
(1) الانتصار لحزب الله الموحدين، ص 27.
(2) المصدر السابق، ص 28.
(3) المائدة، آية: 35.(3/171)
أصرَّ ولم يتب قتل. وقال أبو محمد البربهاري شيخ الحنابلة في وقته في عقيدته: ولا نخرج أحدًا من أهل القبلة عن الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله أو يرد شيئًا من آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، في كلام كثير ذكره. انتهى. سمع البربهاري من المروزي وغيره.
وقال ابن القيم رحمه الله: رأيت لأبي الوفاء بن عقيل فصلاً حسنًا فذكرته بلفظه قال: لما صعبت التكاليف على الجهَّال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهي عنه الشرع من إيقاد السرج وتقبيلها وتخليقها وخطاب أهلها بالحوائج وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ تربتها تبركاً وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى. والويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكف ولم يتمسح بالآجر يوم الأربعاء ولم يقل الحمالون على جنازته أبو بكر الصديق ومحمد وعلى ولم يعقد على قبر أبيه أزجًا بالجص والآجر ولم يخرق ثيابه ولم يرق ماء الورد على القبر.انتهى.
ـ يقول أبو بطين: فانظر إلى تكفير ابن عقيل لهم مع إخباره بجهلهم. أهـ.
أنواع الشرك الثلاثة:
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في ”الرسالة المفيدة والمهمة الجليلة“ عن أنواع الشرك الثلاثة: «ثم اعلم أن ضد التوحيد الشرك وهو ثلاثة أنواع: شركٌ أكبر وشركٌ أصغر وشركٌ خفي.(3/172)
والدليل على الشرك الأكبر قوله تعالى: { } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ((((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - } - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ( - - - ( - ( - - { - ( } - - ( - - ( فهرس - - ( - ( - - ((- رضي الله عنه - - } (1) { - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ((( - - رضي الله عنه - - (- رضي الله عنه - - - - - (( } - عليه السلام - - ( - ( { } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد (( - - { - - - - ( فهرس - - عليه السلام - - ( المحتويات ( تمهيد ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة ( الله أكبر ( { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ((( - ( - - - ( - ( - - { - ( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - ( - - - ( مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - } - جل جلاله - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - ( - ( { ( - ( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } (2)
وهو أربعة أنواع:
__________
(1) النساء، آية: 116.
(2) المائدة، آية: 72.(3/173)
النوع الأول: شرك الدعوة والدليل قوله تعالى: { - - - ( - - ( } - قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام - - - (( ( - ( - ((( - - - } - ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - { - - - - رضي الله عنه -((((( - ( - ( - ( مقدمة - - - رضي الله عنه -(((- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - - فهرس - - ( ( المحتويات ( - - ( - صدق الله العظيم - عز وجل - - فهرس - ( { ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - - ( { ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( - } (1).
__________
(1) العنكبوت، آية: 65.(3/174)
النوع الثاني: شرك النية والإرادة والقصد، والدليل قوله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - - - ( - - ( - ( - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( الله أكبر ( المحتويات ( - ( - - - ( { ( المحتويات ( - فهرس - (- رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - { - - (( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - - (( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - { - - - { { ( - - - ( المحتويات ( - مقدمة - - (( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - صدق الله العظيم ( { ( - - } - جل جلاله - - - - - (( - - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ((- عليه السلام - - - ( - { - - (( ( - (((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } تم بحمد الله } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - } (1).
__________
(1) هود، الآيتان: 15-16.(3/175)
النوع الثالث: شرك الطاعة: والدليل قوله تعالى: { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - رضي الله عنهم - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - - - المحتويات - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( تم بحمد الله ( - - صدق الله العظيم ( { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد ((- عليه السلام - - ( - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - جل جلاله - - ( مقدمة } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ( - ( - ((( - } (1) وتفسيرها الذي لا إشكال فيه: طاعة(2) العلماء والعباد في المعصية لا دعاؤهم إياهم كما فسَّرها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعديّ بن حاتم لما سأله فقال: لسنا نعبدهم فذكر له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية.
النوع الرابع: شرك المحبة: والدليل قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ } (3).
__________
(1) التوبة، آية: 31.
(2) مع إعطاء هذه الطاعة صفة الشرعية أو القبول.
(3) البقرة، آية: 165.(3/176)
والنوع الثاني: شرك أصغر: وهو الرياء. والدليل قوله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - رضي الله عنه - تمت - - - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -( - - - { ( - (( مقدمة ( فهرس - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ((- عليه السلام - - ( - - ( الله - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -( - } - ( - ( - ( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - - ((( - ((( مقدمة ( فهرس - - عليه السلام - - - - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - } (1).
والنوع الثالث: شركٌ خفي والدليل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الشركُ أخفي في أمتي من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء» وكفارته قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إنِّي أعوذُ بك مِنْ أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلم وأستغفرك من الذنب الذي لا أعلم».
فالكفر كفران: كفر يخرج من الملة وهو خمسة أنواع:
__________
(1) الكهف، آية: 110.(3/177)
النوع الأول: كفر التكذيب: والدليل قوله تعالى: { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -(( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - ( - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - } - - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - - - - - ((( فهرس - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم { { ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - - (( - رضي الله عنه - - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - جل جلاله - قرآن كريم ( الله - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ((( - تمهيد ( - ( - - } (1).
النوع الثاني: كفر الإباء والاستكبار مع التصديق: والدليل قوله تعالى: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله -( - ( - ( { - - (((( فهرس - - عليه السلام - - ( - ( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - - - - ( - صدق الله العظيم ( { { { - ( - ( - ( { - - فهرس - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - ((( - - ( - - - } (2).
__________
(1) العنكبوت، آية: 68.
(2) البقرة، آية: 34.(3/178)
النوع الثالث: كفر الشك: وهو كفر الظنّ والدليل قوله تعالى: { - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - رضي الله عنه - - } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - ( (( مقدمة ( - ((- عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنه - - - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ((- صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - ( تمهيد - - ((( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - - - جل جلاله - - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ((- صلى الله عليه وسلم - - - { - رضي الله عنه -( - - - - - - - { - رضي الله عنهم - - (( - - - - ((( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات - ( - - - - - فهرس - ( { - ( فهرس - - عليه السلام - - } تمت - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم } - } - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - (- جل جلاله -( } تم بحمد الله - - جل جلاله - تمهيد فهرس - - { - ( تم بحمد الله - - رضي الله عنه - - - - - (( مقدمة - - (( مقدمة ( - ( مقدمة - - ( - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( فهرس ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - المحتويات ( - - ( - - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - { - - - ( - - رضي الله عنهم - - - { فهرس - - رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - - عليه السلام - - ( - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - { - ((( - الله أكبر { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله(3/179)
عنهم - - - { قرآن كريم - رضي الله عنهم - - الله - ( - - عليه السلام - - - بسم الله الرحمن الرحيم - } - جل جلاله -( - ( { - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - - - جل جلاله - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - } (1).
النوع الرابع: كفر الإعراض: والدليل قوله تعالى: { - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - - - - - رضي الله عنه -( } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - الله أكبر ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ((( تم بحمد الله } (2).
النوع الخامس: كفر النفاق: والدليل قوله تعالى: { - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - رضي الله عنهم -(( - (( - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - { ((- رضي الله عنه - - } (3).
__________
(1) الكهف، آيات: 35-38.
(2) الأحقاف، آية: 3.
(3) المنافقون، آية: 3.(3/180)
وكفر أصغر لا يُخْرِجُ مِنَ الملة وهو كفرُ النعمة والدليل قوله تعالى: { - - - عليه السلام - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - الله - - الله - رضي الله عنه - تم بحمد الله - { - رضي الله عنه - - ( - - - ( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - - - - { - - جل جلاله -( تم بحمد الله - - عليه السلام -( - { } - ((- رضي الله عنهم - - (( - تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - جل جلاله - - - (- عليه السلام - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - تمت - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات - عليه السلام - - - ( - تمهيد - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ((( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - - - رضي الله عنهم - - - - } - - - صلى الله عليه وسلم - - - ( ( - - - { } - - رضي الله عنه - تمهيد ( - (( قرآن كريم ( - ( - - - ( - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - قرآن كريم ((- عليه السلام - - ((- رضي الله عنه - - } (1).
وأما النفاق فنوعان: اعتقادي وعملي.
فأما الاعتقادي فهو ستة أنواع: تكذيب الرسول أو تكذيب بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو بغض الرسول أو بغض بعض ما جاء به الرسول أو المسرة بانخفاض دين الرسول أو الكراهية بانتصار دين الرسول. فهذه الأنواع الستة صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النَّار.
وأما العملي فهو خمسة أنواع والدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كَذَبَ وإذا وعدَ أخلَفَ وإذا أوئتمن خانَ، وإذا خاصمَ فجرَ وإذا عاهد غدر» نعوذ بالله من النفاق والشقاق وسوء الأدب». أهـ.
__________
(1) النحل، آية: 112.(3/181)
والخلاصة: أن الشرك الخفي معفوٌ عنه. والشرك الأصغر لا يغفره الله ولا يخلد صاحبه في النار. والشرك الأعظم لا يغفره الله ويخلد صاحبه في النار ولا يعذر في الأصغر ولا الأكبر بالجهل. والشرك الخفي كفارته الاستعاذة مما وقع فيه وهو يعلم، والاستغفار لما وقع به وهو لا يعلم. والكفر الأصغر يعذر فيه بالجهل شأن الشرائع، والكفر الأكبر لا يعذر فيه بالجهل شأن الشرك الأعظم.
أقوال العلماء: أن الشرك الأعظم لا يُغفر ولا يُعذر فيه بالجهل(1).
وروى الإمام أحمد عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رأي رجلاً في يده حلقة من صفر فقال: «ما هذه؟ قال: من الواهنة. فقال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنًا، فإنك لو متَّ وهي عليك ما أفلحت أبدًا» يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب في تعليقه على الحديث: «فيه شاهد لكلام الصحابة: إن الشرك الأصغر أكبر الكبائر، وإنه لم يعذر بالجهالة». أهـ.
فإذا كان الرجل لم يعذر بالجهالة في أمر من أمور الشرك الأصغر فكيف بالشرك الأكبر؟!
وروى الإمام أحمد أيضًا عن طارق بن شهاب إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «دخل الجنة رجلٌ في ذباب، ودخل النار رجلٌ في ذباب، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: مرَّ رجلان على قوم لهم صنم، لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئًا، فقالوا لأحدهما: قرِّب. قال: ليس عندي شيء أقرب. قالوا له: قرب ولو ذبابًا، فقرَّب ذبابًا ، فخلُّوا سبيله فدخل النار، وقالوا للآخر: قرِّب. فقال: ما كنت لأقرب لأحدٍ شيئًا دونَ اللهِ - عز وجل - فضربوا عنقه فدخل الجنة».
__________
(1) من رسالة ”الجواب المفيد في حكم تارك التوحيد، كتاب عقيدة الموحدين“، تقديم الشيخ ابن باز رحمه الله طبعة دار الهجرة، ص 331.(3/182)
يقول صاحب ”فتح المجيد“: «وفي هذا الحديث التحذير من الوقوع في الشرك وأن الإنسان قد يقع فيه وهو لا يدري أنه من الشرك الذي يوجب النار». ويقول: «إنَّ ذلك الرجل كان مسلمًا قبل ذلك ـ أي أنه كفر بهذا الفعل فقط ـ وإلا فلو لم يكن مسلمًا لم يقل دخل النار في ذباب».
وأورد الإمام القرافي المالكي كلامًا هامًا في ”الشرح“ ثم قال في نهايته: «...ولذلك لم يعذره الله بالجهل في أصول الدين إجماعًا».
يقول صاحب ”معارج القبول“: «إن أنواع الكفر لا تخرج عن أربعة: كفر جهل وتكذيب، وكفر جحود، وكفر عناد واستكبار، وكفر نفاق. فأحدها يخرج من الملة بالكلية. إلى أن يقول: وإن انتفي تصديق القلب مع عدم العلم بالحق، فكفر الجهل والتكذيب. قال تعالى: { ( - - رضي الله عنه - - } - قرآن كريم ( - } - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - } - قرآن كريم (( - (- رضي الله عنه -( - (( مقدمة ( - ( - ((( - - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( الله ( - - رضي الله عنه - - (( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - } (1)»، وقال تعالى: { المحتويات ( - ( - } - - - - صلى الله عليه وسلم - - (( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم (( - (- رضي الله عنه -( تم بحمد الله - { - ( - - ( - ( - (( - - - - } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - (( - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - (( - - } (2).
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في صدد شرحه لمعنى التوحيد والشرك: «... وأفادك أيضًا الخوف العظيم، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل، فلا يعذر بالجهل».
__________
(1) يونس، آية: 39.
(2) النمل، آية: 84.(3/183)
ويقول الإمام ابن القيم: «والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرًا معاندًا فهو كافر جاهل. فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهَّال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارًا فإن الكافر منْ جحد توحيد الله وكذَّب رسوله إما عنادًا أو جهلاً وتقليدًا لأهل العناد».
ويقول الإمام الصنعاني عن مشركي هذه الأيام مثل عبدة الأضرحة والأولياء: «فإن قلت: أفيصير هؤلاء الذين يعتقدون في القبور والأولياء والفسقة والخلعاء مشركين، كالذين يعتقدون في الأصنام؟ قلت: نعم. قد حصل منهم ما حصل من أولئك وساووهم في ذلك، بل زادوا في الاعتقاد والانقياد والاستعباد، فلا فرق بينهم.(3/184)
فإن قلت: هؤلاء القبوريون يقولون نحن لا نشرك بالله تعالى ولا نجعل له ندًا، والالتجاء إلى الأولياء والاعتقاد فيهم ليس شركًا. قلت: نعم «يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم» لكن هذا جهلٌ منهم بمعنى الشرك. فإن تعظيمهم الأولياء، ونحرهم النحائر لهم شرك، والله تعالى يقول: { (- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - ( - - عليه السلام -- رضي الله عنه -(- عز وجل - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1). أي لا لغيره كما يفيده تقديم الظرف ويقول تعالى : { } تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - - - ( } - قرآن كريم ((( - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - - - جل جلاله - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - } (2). وقد عرفت بما قدمناه قريبًا أنه - صلى الله عليه وسلم - قد سمَّى الرياء شركًا فكيف بما ذكرناه؟ فهذا الذي يفعلونه لأوليائهم، هو عين ما فعله المشركون وصاروا به مشركين ولا ينفعهم قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئًا، لأن فعلهم أكذب قولهم فإن قلت: هم جاهلون أنهم مشركون بما يفعلونه. قلت: قد صرَّح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة، أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر، وإن لم يقصد معناها. وهذا دالٌ على أنهم لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا ماهية التوحيد، فصاروا حينئذ كفارًا كفرًا أصليًا. فإن قلت: فإذا كانوا مشركين وجب جهادهم، والسلوك فيهم ما سلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المشركين. قلت: إلى هذا ذهب أئمة العلم. فقالوا: يجب أولاً دعاؤهم إلى التوحيد».
إيضاحات(3)
__________
(1) الكوثر، آية: 2.
(2) الجن، آية: 18.
(3) الجواب المفيد، عقيدة الموحدين، ص 368.(3/185)
يناقش صاحب الكتاب قول ابن حزم: «وكذلك مَنْ قال أن ربَّه جسمٌ فإنه إن كان جاهلاً أو متأولاً فهو معذور لا شيء عليه ويجب تعليمه، فإذا قامت عليه الحجة من القرآن والسنة فخالف ما فيها عنادًا فهو كافر يحكم عليه بحكم المرتد». يقول هناك خلافٌ بين الأئمة في تكفير جاهل بعض الصفات فضلاً عن أن ابن حزم لا يوافق على تكفير الناس بما تؤول إليه أقوالهم ويقول في ذلك: «وأمَّا مَنْ كفَّر الناس بما يؤول إليه أقوالهم فخطأ لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به». أهـ.
يقول الكاتب: فهذا بيانٌ جليٌ في أن مناقشة ابن حزم في هذا الباب إنما هي لقضية أخري غير قضيتنا، وهي قضية تكفير المتأولين من أهل الإسلام ممن يوافق على أصل الدين، أي التوحيد. ولكنه يختلف في أصل كلي في الاعتقاديات أو غيرها من الأحكام الشرعية ثم يقول: وابن حزم نفسه هو الذي يقول ـ في موضع آخر ـ بأن من الناس من يكفر بقول أو فعل من أفعال الجوارح دون جحد منه بالقلب ودون أن يشعر بأنه كفر بذلك.(3/186)
يقول ابن حزم معلقًا على قوله تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - ( قرآن كريم (( - (( - - - ( المحتويات ( - - - } - عليه السلام - قرآن كريم ((- صلى الله عليه وسلم - - - - ( قرآن كريم - ( ( - ( قرآن كريم - ( ( - (( - } - جل جلاله - - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله (( مقدمة - - ( - ( قرآن كريم - { ( - - - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - - ( المحتويات ( تمهيد ((((- رضي الله عنه - - - (((- رضي الله عنه - - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - (- رضي الله عنه - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - (((( - - } (1)، يقول: « فهذا نصٌّ جليٌّ وخطابٌ للمؤمنين بأن إيمانهم يبطل جملةً وأعمالهم تحبط برفع أصواتهم فوق صوتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - دون جحد كان منهم أصلاً ولو كان منهم جحد لشعروا به، واللهُ تعالى أخبرنا بأن ذلك يكون وهم لا يشعرون، فصح أن مِنْ أعمال الجسد ما يكون كفرًا مبطلاً لإيمان فاعله جملة ومنه ما لا يكون كفرًا».
فهذا ابن حزم يؤكد أن هناك من يكفر وهو لا يدري أنه كفر وهذا لا يكون إلا عمن يجهل أن فعله هذا قد أوقعه في الكفر». أهـ.
__________
(1) الحجرات، آية: 2.(3/187)
إيضاح لقول القاسمي في محاسن التأويل نقلاً عن القاضي أبي بكر ابن العربي(1): «فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة ولو عمل الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركًا أو كافرًا فإنه يعذر بالجهل والخطأ حتي تبين له الحجة التي يكفر تاركها بيانًا واضحًا لا يلتبس على مثله وينكر ما هو معلومٌ بالضرورة من دين الإسلام مما أجمعوا عليه إجماعًا جليًا قطعيًا يعرفه كل المسلمين من غير نظر وتأمل». أهـ.
يقول صاحب الكتاب: «فقد نبَّه القاسمي في أول ”التنبيه“ الذي سرده أنه لا يريد بكلامه الشرك الأكبر المخرج عن الملة بل هو يتحدث عن المعاصي التي يطلق عليها شركًا من باب التغليظ واستشهد بكلام البخاري فقال: «حيثما وقع في حديث من فعل كذا فقد أشرك أو فقد كفر ـ لا يراد به الكفر المخرج عن الملة ـ والشرك الأكبر المخرج عن الإسلام الذي تجري عليه أحكام الردة والعياذ بالله تعالى. وقد قال البخاري ”باب كفران العشير وكفر دون كفر“. قال القاضي أبو بكر بن العربي في ”شرحه“: مراده أن يبين أن الطاعات كما تسمي إيمانًا كذلك المعاصي تسمي كفرًا لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد به الكفر المخرج عن الملة فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركًا أو كافرًا...». إلى آخر النص المنقول آنفًا.
ويقول صاحب الكتاب: «أن ما نقله القاسمي عن الإمام ابن القيم وابن تيمية إنما هو عن أصحاب الفرق وأهل البدع الموافقين في التوحيد والمخالفين في بعض الأصول الكلية، يقول القاسمي: وقال ابن القيم في طرق أهل البدع الموافقين على أصل الإسلام ولكنهم مختلفون في بعض الأصول كالخوارج والمعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية وغلاة المرجئة فهؤلاء أقسام أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرًا على تعلم الهدى». أهـ.
__________
(1) الجواب المفيد، عقيدة الموحدين، ص 370.(3/188)
إيضاح لقول صاحب ”الروضة الندية“ صديق حسن خان: يقول صاحب الكتاب(1) عن قول الإمام الشوكاني الذي نقله صديق حسن خان ونصه: «فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه».
أنه لا يقصد بذلك الكفر الأكبر الذي ينقل عن الملة، وإنما يتحدث عن أعمال المعاصي التي وردت السنة بإطلاق لفظ الكفر أو الشرك على فاعلها والتي قد تكون شركًا أصغرًا أو شركًا أكبر بحسب حال قائلها ونيته ومقصده، ويتحدث أيضًا عن قضية تكفير المتأولين، وإلا فلا يشك مسلم في كفر صاحبه ـ الشرك الأكبر ـ وخروجه عن الإسلام علم أم جهل».
يقول المؤلف في الصفحة السابقة: «وأما قول بعض أهل العلم أن المتأول كالمرتد فههنا تسكب العبرات ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر لا بسنة ولا قرآن ولا بيان من الله ولا لبرهان، بل لما غلت مراجل العصبية في الدين وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين». أهـ.
ثم يسوق المؤلف كلامًا كثيراً عن التحرز من تكفير المسلمين بتأويل أو رأي أو قول دون الرجوع إلى مستند من كتاب وسنة أو إجماع. إلى أن يقول: فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك...». إلى آخر النص المنقول آنفًا.
أقول ثم يتردد في ذلك فيقول: «إذا ضاقت عليك سبل التأويل ولم تجد طريقًا تسلكها في مثل هذه الأحاديث فعليك أن تقرها كما وردت وتقول من أطلق عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسم الكفر فهو كما قال». أهـ.
__________
(1) الجواب المفيد، عقيدة الموحدين، ص 373.(3/189)
يقول صاحب الكتاب: فواضح تمامًا أنه يتحدث عمن صدر منه قولٌ أو فعل وصفته السنة المطهرة بأنه كفرٌ أو شركٌ من باب التغليظ، وهو في حقيقته شركٌ أصغر يجب فيه الرجوع إلى نية صاحبه ومقصده قبل الحكم عليه بالكفر. وانظر مثلاً إلى قول المؤلف بعدها حين بدأ يتحدث عن أنواع من الكفر الأكبر وحكمه بردة فاعلها دونما تردد يقول مثلا: «لكون عمل السحر نوعًا من الكفر ففاعله مرتد يستحق ما يستحق المرتد». أهـ.
ويقول: «أقول لا شك أن من تعلم السحر بعد إسلامه كان بفعله كافرًا مرتدًا وحدُّه حدَّ المرتد» ويقول: «والزنديق وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ويعتقد بطلان الشرائع فهذا كافر بالله وبدينه مرتدٌ عن الإسلام أقبح ردة إذا ظهر منه ذلك بقول أو فعل». أهـ.
ويقول: «والسابُّ لله أو لرسوله أو للإسلام أو للكتاب أو للسنة والطاعن في الدين كل هذه الأفعال موجبة للكفر الصريح ففاعلها مرتد حده حدّه»، ويقول: «ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب ”الإجماع“ أن من سبَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بما هو قذفٌ صريحٌ كفرَ باتفاق العلماء فلو تابَ لم يسقط عنه القتل»، ويقول: «وإذا ثبت ما ذكرنا في سبِّ النبيّ فالأولي مَنْ سبَّ الله تبارك وتعالى أو سبَّ كتابه أو الإسلام أو طعن في دينه وكفر من فعل هذا لا يحتاج إلى برهان». أهـ.
ثم ينقل صاحب الكتاب قول الشوكاني في تكفير تارك الصلاة أو فاعلها على وجه لا تقبل به ولا تصح وتكفيره لكثير من أهل اليمن في زمنه بسبب ذلك ووجوب قتالهم حتي يعودوا إلى الإسلام.
يقول الشوكاني: «وقد صحَّ عن معلم الشرائع - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ليس بين العبد وبين الكفر إلا تركُ الصلاة» فتارك الصلاة من الرعايا كافرٌ. وفي حكمه مَنْ فعلها وهولا يحسن من أذكارها وأركانها ما لا يتم إلا به، لأنه أخلَّ بفرض عليه من أهم الفروض وواجب من آكد الواجبات، وهو علم ما لا تصح الصلاة إلا به». أهـ.(3/190)
بلوغ الحجة وفهم الحجة وتكفير المعين:
يقول ابن القيم(1): «اعتراف العبد بقيام حجة الله عليه من لوازم الإيمان أطاع أم عصي، فإن حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسول وإنزال الكتاب وبلوغ ذلك إليه، وتمكنه من العلم به سواء علم أم جهل». أهـ.
وجاء في رسالة ”حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة“ للشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ(2): «ومن الدليل على مسألتنا ما كتب الشيخ رحمه الله تعالى إلى عيسي بن قاسم وأحمد بن سويلم لما سألاه عن قول شيخ الإسلام تقي الدين قدَّس اللهُ روحه: «من جحد ما جاء به الرسول وقامت عليه الحجة فهو كافر. فأجاب بقوله إلى الأخوين عيسي بن قاسم وأحمد بن سويلم: سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ما ذكرتموه من كلام الشيخ كل مَنْ جحد كذا وكذا وأنكم تسألون عن هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة أم لا فهذا من العجب العجاب كيف تشكون في هذا وقد وضحت لكم مرارًا أن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام أو الذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسائل خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتي يعرف. وأما أصول الدين التي وضَّحها اللهُ في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة. فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى: { ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله } تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - -
__________
(1) ابن القيم، مدارج السالكين، دار التراث العربي للطباعة والنشر، ج1، ص166.
(2) عقيدة الموحدين، ص 156.(3/191)
قرآن كريم ( - ( { ((- رضي الله عنه - - ( تمت ( { ( المحتويات ( - - صدق الله العظيم ( { ( المحتويات (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - - - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - } (1) وقيام الحجة وبلوغها نوعٌ وفهمهم إياها نوعٌ آخر». أهـ.
قيام الحجة على الجهمية وعبَّاد القبور :
أقول قامت الحجة من العلماء على مخالفيهم وعلي الناس برفعهم الالتباس في القضيتين، فإذا صحَّ وجود عذر في البداية قبل رفع الالتباس فكما يقبل الخلاف في القرآن قبل جمعه ولا يقبل فيه خلافًا بعد جمعه، بل من أنكر حرفًا واحدًا منه فقد كفر، كذلك لا يقبل عذر بعد بيان العلماء في وقتهم وإن تطاولت الاعصار بعد ذلك حيث ورث أهل السنة أقوال سلفهم وورث أهل البدعة والضلال والشرك أقوال أسلافهم ولكل قومٍ وارثٌ. فارتفع العذر في القضية برفع الالتباس بها، وأصبح الجاهل بعد ذلك غير معذور لزوال الالتباس الذي أنشأته الشبهة ببيان العلماء { - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم - - - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - (( ( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - ( - ( - ( - - - (( - - - ( المحتويات ( - ( - ( - ( - ( { - (( مقدمة - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - (( ( المحتويات ( - ( - - - عليه السلام - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - ( ( المحتويات ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - رضي الله عنه -( ( - - ( - - { } (2)، وفي هذه الحالة يصح تكفير المقلد لزوال الشبهة ورفع الالتباس بها، ووضوح اللوازم والمآلات مع قربها
__________
(1) الفرقان، آية: 44.
(2) الشورى، آية: 16.(3/192)
ومباشرتها، ولو كان ذلك في المسائل الخفية. يقول ابن سحمان في كشف الشبهتين في كلام له نفيس جدًا فيه جوانب توضيح لكثير من الحقائق المتعلقة بالموضوع بجانب ما ذكرناه يقول(1): «وقد ذكرنا فيما تقدم أقوال أئمة الإسلام من السلف والخلف في تكفير الجهمية وعبَّاد القبور، وأنه قد بلغتهم الدعوة وقامت عليهم الحجة، وذكرنا أقوالهم في التحذير عن سائر أهل الأهواء والبدع، وعدم مجالستهم والسلام عليهم ووجوب هجرهم والبعد عنهم، فمن أوهم العامة الذين لا معرفة لهم بمقالات الطوائف بأن هؤلاء الجهمية وعبَّاد القبور والأباضية حكمهم وما يقال فيهم حكم أهل الفترات، ومن ليس عندهم من آثار الرسالة والنبوات ما يعرفون به الهدي، ممن لم تقم عليه الحجة ببلوغ الدعوة، وحكم من أخطأ في المسائل التي تنازع فيها أهل القبلة مما قد يخفي دليله فقد لبَّس الحقَّ بالباطل، وفتح باب المغالطة وأوقع العامة في الشرِّ، فالواجب عليكم أن تقوموا لله مثني وفرادي وأن تنظروا بعين البصيرة في كلام أئمة الإسلام. إلى أن يقول: فإن أشكل عليكم شيءٌ مما ذكرناه فاطلبوا الدليل وعلينا أن نجيبكم إلى ذلك والحقّ ضالة المؤمن. وأما الأباضية فهم فيما نعلم أنهم من جنس الخوارج أو طائفة منهم أتباع عبد الله بن أباض وأتباع حفص بن أبي المقدام وأتباع يزيد بن نسية وأتباع أبي الحارث، فعقيدتنا فيهم ما ذكره الإمام أحمد في كتاب السنة. وأما هؤلاء(2) فأظنُّ أنهم ليسوا على مذهب أوائلهم وأسلافهم، بل قد بلغنا عنهم أفعال في الصلاة وغيرها لا يفعلها من يؤمن بالله واليوم الآخر، وهم مع ذلك فيما بلغنا أنهم ممن يعتقد في الأولياء والصالحين فيكونون من جملة عبَّاد القبور، وهم يكفرون بالذنوب وينفون الحوض والشفاعة ويفسِّقُونَ الصدر الأول من الصحابة ويعتقدون عقيدة المعتزلة في نفي الصفات، ومن كان بهذه المثابة فلا شك في كفره وهجره وعدم
__________
(1) كشف الشبهتين، ص 41.
(2) يقصد معاصريه.(3/193)
موالاته، ومَنْ والاهم وذبَّ عنهم فقد جهلَ طريق الحقِّ وسبيل السلف. وأمَّا ما ذكر(1) في الفصل الأول من النصيحة فحقٌّ لا مرية فيه، والذي ظهر لنا أن ما يفعله الإخوان من طلبة العلم في عمان أنه من النصح لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم في معاداتهم للجهمية وعبَّاد القبور والأباضية وتحذير الناس عنهم. وكذلك ما ذكره في الفصل الثاني من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أوجب الواجبات، وما فعله الإخوان فهو من الواجب عليهم واللين والرفق والتلطف فرضٌ، وتقديره فيما هو دون تعطيل الصانع سبحانه عن أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وجحد علوه على خلقه، وأنه لا قدرة له ولا مشيئة ولا حياة ولا علم ولا يقوم بفعل ألبتة، وفيما دون الشرك الأكبر من عبادة غير الله وصرفها لمن أشركوا به مع الله من الأنبياء والأولياء والصالحين، فإن هذا لا يعذر أحد في الجهل به، بل معرفته والإيمان به من ضروريات الإسلام، فعلي كل مسلم معاداة أهله ومقتهم وعيبهم والطعن عليهم، ومصلحة إنكاره راجحة على مفسدة ترك ذلك من كل وجه، فلا يدخل تحت ما دونه من المحرمات والذنوب والمعاصي، ولا يلبس بذلك إلا رجل مفتون مغموص بالنفاق، أو جاهل جهله مركب لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، أو رجل يبيع دينه بعرض من الدنيا. وأما قول المعترض: الفصل الثالث في الذبِّ عن تكفير المسلمين. فنقول: أولاً من تعني بهؤلاء المسلمين الذين تذبّ عن تكفيرهم، فإن كانوا الجهمية وعبَّاد القبور فما أولئك بالمسلمين الذين يجب على المسلم أن يذبَّ عنهم، بل هم أعداء الله وأعداء رسله وشرعه ودينه، وقد بينَّا فيما مضي من كلام أئمة الإسلام ما يكفي ويشفي لمن كان له قلبٌ أو أذنٌ واعية. ومن ذلك ما أجاب به الشيخ عبد اللطيف رحمه الله في جواب السؤال الذي ورد عليه من ساحل عُمان. قال فيه: «ووصل إلينا السؤال الذي يورده بعض الملحدين وهو أنه ينسب عن شيخ
__________
(1) المعترض الذي سبقت الإشارة إليه.(3/194)
الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه ذكر عن الإمام أحمد أنه كان يصلي خلف الجهمية. وجواب هذا لو سلم من أوضح الواضحات عند طلبة العلم وأهل الأثر، وذلك أن الإمام أحمد وأمثاله من أهل العلم والحديث لا يختلفون في تكفير الجهمية وأنهم ضُلاَّل زنادقة، وقد ذكر مَنْ صنَّف في السنة تكفيرهم عن عامة أهل العلم والأثر، وعدَّ اللالكائي رحمه الله منهم عددًا يتعذر ذكره هنا في هذه الرسالة، وكذا ابن الإمام أحمد في كتاب السنة والخلال في كتاب السنة وابن أبي مليكة في كتاب السنة له وإمام الأئمة ابن خزيمة قرر كفرهم ونقله عن أساطين الأئمة، وقد حكي كفرهم شمس الدين بن القيم في كافيته عن خمسمائة من أئمة المسلمين وعلمائهم، والصلاة خلفهم لاسيما صلاة الجمعة لا تنافي القول بتكفيرهم، لكن تجب الإعادة حيث لا تمكن الصلاة خلف غيرهم، والرواية المشهورة عن الإمام أحمد هي المنع من الصلاة خلفهم، وقد يفرِّق بين من قامت عليهم الحجة التي يكفر تاركها وبين من لا شعور له بذلك. وهذا القول يميل إليه شيخ الإسلام في المسائل التي قد يخفي دليلها على بعض الناس، وعلي هذا القول فالجهمية في هذه الأزمنة قد بلغتهم الحجة وظهر الدليل وعرفوا ما عليه أهل السنة، واشتهرت الأحاديث النبوية وظهرت ظهورًا ليس بعده إلا المكابرة والعناد، وهذا حقيقة الكفر والإلحاد كيف لا وقولهم يقتضي من تعطيل الذات والصفات والكفر بما اتفقت عليه الرسالة والنبوات، وشهدت به الفطر السليمات ما لا يبقي معه حقيقة الربوبية والإلهية، ولا وجود للذات المقدسة المتصفة بجميل الصفات، وهم إنما يعبدون عدمًا لا حقيقة لوجوده ويعتمدون على الخيالات والشبه ما يعلم فساده بضرورة العقل، وبالضرورة من دين الإسلام عند من عرفه وعرف ما جاءت به الرسل من الإثبات، ولبشر المريسي وأمثاله من الشبه والكلام من نفي الصفات ما هو من جنس هذا المذكور عند الجهمية المتأخرين، بل كلامه أخف إلحادًا من بعض كلام هؤلاء(3/195)
الضلاَّل، ومع ذلك فأهل العلم متفقون على تكفيره، وعلي أن الصلاة لا تصحُّ خلف كافر جهميٍّ أو غيره، وقد صرَّح الإمام أحمد فيما نقل عنه ابنه عبد الله وغيره أنه كان يعيد صلاة الجمعة وغيرها، وقد يفعله المؤمن مع غيرهم من المرتدين إذا كانت لهم شوكة ودولة، والنصوص في ذلك معروفة مشهورة نحيل طالب العلم على أماكنها ومظانها، وبهذا ظهر الجواب عن السؤال الذي وصل منكم... إلى أن يقول ابن سحمان: «فإن كان هؤلاء هم المسلمون عندكم فهذا كلام الأئمة في تكفيرهم وإن كان غير هؤلاء فسيأتي الجواب عنه.(3/196)
ثم يتكلم بن سحمان بعد أن ينقل ما استشهد به المعترض من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية من أن كل مخطئ معذور مهما كان خطؤه حسب فهم المعترض لكلام شيخ الإسلام يقول(1): «فالجواب أن يقال كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حقٌّ وصوابٌ لا يمتري فيه عاقلٌ فضلاً عن العالم، وهذا هو الذي ندين الله به ونعتقده، فإن كان الكلام في الجهمية وعبَّاد القبور والأباضية وأنهم داخلون تحت كلام الشيخ فقد تقدم الجواب عن هذا، فإنهم عند أهل السنة والجماعة كفَّار، ولكن قد كان من المعلوم بالضرورة أن إدخالهم في كلام الشيخ من الإفك الفاضح والبهتان الواضح الذي لا يشك فيه من عرف يمينه من شماله، فمن كفَّرهم لا يكون في عداد الخوارج والروافض الذين يكفِّرُونَ أئمة المسلمين لما يعتقدون أنهم أخطأوا فيه، فإن الجهمية وعبَّاد القبور والأباضية ليسوا من أئمة المسلمين، بل قد ذكر شيخ الإسلام عن الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله أنه لما سئل عن الجهمية قال: ليسوا من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقال الشيخ أيضًا: من دعا عليًا بن أبي طالب فهو كافر، ومن شك في كفره فهو كافر. قاله في ”الإقناع وشرحه“، بل مَنْ كفرهم وأظهر عداوتهم وعيبهم ومقتهم يكون من جملة أهل السنة والجماعة الذين ينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر. ثم يتكلم ابن سحمان - رضي الله عنه - عن المدافعين عن الجهمية وعبَّاد القبور فيقول: وغاية مرامهم أن تمشي الحال مع مَنْ هبَّ ودرج، وأن لا يكون في ذلك من عارٍ ولا حرج، هذا إن أحسنَّا الظنَّ بهؤلاء الذابين عمن خرج عن سبيل المؤمنين، وأنه صدر ذلك منهم عن شبهة عرضت لهم أن هؤلاء الجهمية وعبَّاد القبور والأباضية داخلون في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنه لم تبلغهم الدعوة ولم تقم عليهم الحجة، مع أن هذا إن كان هو الشبهة العارضة لهم فهو من أبطل الباطل، فإنه لا يشك أحد عرف الإسلام، وما يجب لله فيه على
__________
(1) كشف الشبهتين، ص 45.(3/197)
المسلمين، وما حرَّمه اللهُ تعالى من موالاة أعداء الله المشركين، والمعطلين لأسماء الله وصفاته ونعوت جلاله أن هؤلاء الجهمية قد قامت عليهم الحجة، وبلغتهم الدعوة منذ أعصار متطاولة، وأنه قد جري بينهم وبين أهل الإسلام مخاصمة ومجادلة عديدة... إلخ».
وبعد أن يذكر ابن سحمان - رضي الله عنه - احتجاج المعترض بما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس اللهُ روحه عن الطائفة القلندرية، والرجل الذي ذري نفسه، ويذكر جوابه هو عن ذلك وجواب شيخه الشيخ عبد اللطيف ويقرر أن لكل قوم وارث من الإيمان والكفر والسنة والبدعة ثم يقول عن فرية «أن كل خطأ مغفور» نقلاً عن شيخه الشيخ عبد اللطيف ثم قال الشيخ: «وهل أوقع الإتحادية والحلولية فيما هم عليه من الكفر البواح، والشرك العظيم، والتعطيل لحقيقة وجود ربِّ العالمين إلا خطؤهم في هذا الباب الذي اجتهدوا فيه فضلُّوا وأضلُّوا عن سواء السبيل، وهل قتل الحلاج باتفاق أهل الفتوى على قتله إلا بضلال اجتهاده، وهل كفر القرامطة وانتحلوا ما انتحلوه من الفضائح الشنيعة، وخلع ربقة الشريعة إلا اجتهادهم فيما زعموا، وهل قالت الرافضة ما قالت واستباحت ما استباحت من الكفر والشرك وعبادة الأئمة الإثنى عشر وغيرهم، ومسبّة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمِّ المؤمنين إلا باجتهادهم فيما زعموا. هؤلاء سلف العراقي في قوله: إن كل خطأ مغفور، وهذا لازم لهم لا محيص عنه، فقف هنا واستصحب ما ذكر هنا في رد ما يأتي. والمقصود أن هؤلاء الجهَّال أوردوا كلام شيخ الإسلام ظنًّا منهم أن كل اجتهاد وكل خطأ مغفور، وأن الجهمية المنكرين لعلو الله على خلقه، وعبَّاد القبور المتخذين الأنداد والآلهة من دونه داخلون في هذا الكلام، وأنه مغفور لهم خطؤهم سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ». أهـ.(3/198)
وينقل عن شيخه الشيخ عبد اللطيف قال(1): «وحديث الرجل الذي أمر أهله بتحريقه كان موحدًا، ليس من أهل الشرك، فقد ثبت من طريق أبي كامل عن حمّاد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة «لم يعمل خيرًا قط إلا التوحيد» فبطل الاحتجاج به على مسألة النزاع».إلى أن يقول عن تكفير المعين(2): «والجواب أن يقال أما كلام شيخ الإسلام في عدم تكفير المعين فالمقصود به في مسائل مخصوصة قد يخفي دليلها على بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء، فإن بعض أقوالهم تتضمن أمورًا كفرية من أدلة الكتاب والسنة المتواترة، فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفرًا، ولا يحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع كالجهل، وعدم العلم بنفس النص، أو بدلالته فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها، ولذلك ذكر هذا الكلام على بدع أهل الأهواء، وقد نصَّ على هذا فقال في تكفير ناس من أعيان المتكلمين بعد أن قرر هذه المسألة قال: هذا إن كان في المسائل الخفية فقد يقال بعدم التكفير، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يُعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله. وبهذا تعلم غلط هؤلاء المشبهين بكلام شيخ الإسلام، وجهلهم وعدم معرفتهم، ولبسهم الحق بالباطل لدي العامة، أو شبيهًا بالعامة، فإن هاتين البلدتين قد بلغتهم الحجة، والحجة القرآن والحديث وعقائد الأئمة الأربعة، وناظروهم مرات عديدة علماؤنا ولم يزدادوا إلا تمردًا وعنادًا، إلى الإصرار على التجهم، ودعوة غير الله، والذبح لغير الله كما هو مشهور منهم من أعوام متطاولة. قال شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله في رده شبهات داود بن جرجيس: والجواب أن شيخنا رحمه الله قال في مثل هذه الشبهة التي يوردها المبطلون من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: أن من تأمل كلامه رحمه الله وجده يصله بما يفصل النزاع، ويُبيّن المراد، وقد
__________
(1) كشف الشبهتين، ص 52.
(2) المصدر السابق، ص 55.(3/199)
بيَّن في هذا النقل بيانًا يقطع النزاع بقوله: إلا إذا علم أنه قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة، وفاسقًا أخري ـ ثم يقول ابن سحمان رحمه الله ـ قلت تأمل رحمك الله أيها المنصف ما قاله الشيخ رحمه الله أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى قال في إدخال هذه الشبهة التي يوردها المبطلون من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ...إلى آخره: إن من شبه بها كان مبطلاً، لأنه ما عرف كلام الشيخ حيث وضعه في غير موضعه، وشيخ الإسلام ابن تيمية وصله بما يفصل النزاع، ثم تأمل ما يأتي بعد هذا من كلام تلميذه ابن القيم رحمه الله. قال الشيخ وقال في موضع آخر: قال ابن القيم رحمه الله في طبقات المكلفين بعد أن ذكر الطبقة السادسة عشر فأطال الكلام فيها ثم ذكر الطبقة السابعة عشر فقال: الطبقة السابعة عشر طبقة المقلدين وجهَّال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين معهم تبعٌ يقولون إنَّا وجدنا آباءنا على أمةٍ ولنا أسوة بهم، ومع هذا فَهُمْ مسالمون لأهل الإسلام غير محاربين لهم كنساء المحاربين وخدمهم وأتباعهم الذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصب له أولئك أنفسهم من السعي في اطفاء نور الله، وهدم دينه وإخماد كلماته، بل هم بمنزلة الدواب. وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكي عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة. وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعون ولا من بعدهم. وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام. إلى أن قال: والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له. والإيمان برسوله واتباعه فيما جاء به. فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافرًا معاندًا فهو كافر جاهل فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهَّال غير معاندين. وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارًا. فإن الكافر من جحد توحيد الله(3/200)
وكذَّب رسوله إما عنادًا أو جهلاً وتقليدًا لأهل العناد. فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد. وقد أخبر الله في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار، وأن الأتباع مع متبوعيهم فإنهم يتحاجون في النار. وأن الأتباع يقولون: { - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم - - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( الله - - رضي الله عنه -( - ( - - - - - - - رضي الله عنه -( - - ((((( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - } - - - - } (1) وذكر آيات نحو هذه ثم قال: نعم لابد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال. وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلد لم يتمكن من ذلك. والقسمان واقعان في الوجود. فالمتمكن المعرض تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله. وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضًا:
أحدهما: مريد للهدي مؤثرٌ له محبٌ له ، غير قادر عليه، ولا على طلبه، لعدم الرشد، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات، ومن لم تبلغه الدعوة(2).
الثاني: معرض لا إرادة له لا يحدث نفسه بغير ما هو عليه.
__________
(1) الأعراف، آية: 38.
(2) يمتحن في العرصات، أما الجنة فلا تدخلها إلا نفس مسلمة.(3/201)
فالأول يقول: يا ربِّ لو أعلم لك دينًا خيرًا مما أنا عليه لدنت به، وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوي ما أنا عليه ولا أقدر على غيره، فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي. والثاني: راض بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه، ولا تطلب نفسه سواه، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته، وكلاهما عاجز، وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق، فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به، فعدلَ عنه بعد استغراقه الوسع في طلبه عجزاً أو جهلاً، والثاني كمن لم يطلبه بل مات على شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض. إلى أن يقول: «وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أولياءهم... إلخ». ثم يقول ابن سحمان(1): قال شيخنا فقف هنا وتأمل هذا التفصيل البديع فإنه رحمه الله لم يستثن إلا من عجز عن إدراك الحق مع شدة طلبه وإرادته له فهذا الصنف هو المراد في كلام شيخ الإسلام وابن القيم وأمثالهما من المحققين. وأما العراقي وإخوانه المبطلون فشبَّهوا بأن الشيخ لا يكفِّر الجاهل، وأنه يقول هو معذور، وأجملوا القول ولم يفصلوا وجعلوا هذه الشبهة ترسًا يدفع بها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وصاحوا على عباد الله الموحدين كما جري لأسلافهم من عبَّاد القبور والمشركين وإلي الله المصير وهو الحاكم بعلمه بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون. أنتهى كلام الشيخ عبد اللطيف. ثم يقول ابن سحمان: «فتبين أن فرض كلام الشيخ شيخ الإسلام فيما نقله هؤلاء الجهّال أنه في غير ما يعلم من الدين بالضرورة، وفي غير المفرِّط في طلب العلم والهدي كما تقدم فيما نقلناه من طبقات المكلفين، وأنه في المسائل التي قد يخفي دليلها فإذا عرفت هذا تبين لك أنه لا حجة لهم في كلام الشيخ، بل هو عليهم لا لهم، وإيرادهم إياه مجرد هوس وتلبيس وتمويه وسفسطة على عامة ساكني
__________
(1) كشف الشبهتين، ص 60.(3/202)
ساحل عمان واللهُ الهادي إلى الرشاد والموفق للسداد. ثم يقول ابن سحمان فصل: في الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة. قال شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله: وينبغي أن يُعلم الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة، فإن من بلغته دعوة الرسل فقد قامت عليه الحجة إذا كان على وجه يمكن معه العلم، ولا يشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله ورسوله ما يفهمه أهل الإيمان والقبول والانقياد لما جاء به الرسول، فافهم هذا يكشف عنك شبهات كثيرة في مسألة قيام الحجة قال الله تعالى: { ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله } تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - ( { ((- رضي الله عنه - - ( تمت ( { ( المحتويات ( - - صدق الله العظيم ( { ( المحتويات (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - - - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - } (1) وقال تعالى: { - المحتويات - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - - - فهرس - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ((( - - رضي الله عنهم - - - - فهرس - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - ( - (( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنه -((( ( المحتويات ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه -( } (2)
__________
(1) الفرقان، آية: 44.
(2) البقرة، آية: 7.(3/203)
. أهـ.
قلت ومعنى قوله رحمه الله: ”إذا كان على وجه يمكن معه العلم“ فمعناه أن لا يكون عديم العقل والتمييز كالصغير والمجنون، أو يكون ممن لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له ونحو هؤلاء، فمن بلغته رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة قال الله تعالى: { المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - الله أكبر الله أكبر } (( مقدمة ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( فهرس - - رضي الله عنه - - } (1) وقال تعالى: { - - - رضي الله عنهم - { ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( } - } - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - { } - ( مقدمة - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( - - - - - - } (2) فلا يعذر أحد في عدم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فلا عذر له بعد ذلك بالجهل وقد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار مع تصريحه بكفرهم ووصف النصارى بالجهل مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهَّال مقلدون ونعتقد كفرهم وكفر من شك في كفرهم وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر والشك هو التردد بين شيئين كالذي لا يجزم بصدق الرسول ولا كذبه ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه ونحو ذلك، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم وجوبها أو لا يعتقد تحريم الزنا ولا عدم تحريمه وهذا كفر بإجماع العلماء ولا عذر لمن كان حاله هكذا لكونه لم يفهم حجج الله وبيناته لأنه لا عذر له بعد بلوغها وإن لم يفهمها وقد أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم لم يفهموا فقال - عز وجل -: { - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( -
__________
(1) الأنعام، آية: 19.
(2) النساء، آية: 165.(3/204)
قرآن كريم ( - ( - ( { } - ( - - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( فهرس قرآن كريم ( - - { ((- رضي الله عنه - - ( - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - - - - عليه السلام -( - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1)، وقال: { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر ( { } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنه -(((((- عليه السلام - - } ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - قرآن كريم ( - - - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - تم بحمد الله } (2) فبيَّن سبحانه أنهم لم يفقهوا فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا بل صرَّح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفار كما في قوله تعالى: { ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - ( - ( } ( مقدمة - - رضي الله عنه - - ( الله أكبر - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنهم - - ( - - } - - ( - ( - (- عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - ( ( المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنهم - - - (( ( - - قرآن كريم - عليه السلام - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (- رضي الله عنه - - - ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (- رضي الله عنه -( - - (((- جل جلاله -(( - - رضي الله
__________
(1) الأنعام، آية: 25.
(2) الأعراف، آية: 3.(3/205)
عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه -(( - ( المحتويات ( - ( فهرس - - عليه السلام - - (( مقدمة (( - - - { ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد - (( - - عليه السلام -- رضي الله عنه - مقدمة ( ( المحتويات ( - ( - (- عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( ( - (( { ( الله أكبر ( المحتويات ( - مقدمة - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - - الله أكبر ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) فإذا تبين لك هذا واتضح، فاعلم أن هؤلاء الذين شبَّهوا بكلام شيخ الإسلام وأجملوا ولم يفصحوا لبّسوا الحقَّ بالباطل. وشيخ الإسلام رحمه الله قد وصل كلامه بما يقطع النزاع ويزيل الإشكال، فذكر أن ذلك في المقالات الخفية والمسائل النظرية التي قد يخفي دليلها على بعض الناس. وأما مسألة توحيد الله وإخلاص العبادة له فلم ينازع في وجوبها أحد من أهل الإسلام لا أهل الأهواء ولا غيرهم، وهي معلومة من الدين بالضرورة. كل من بلغته الرسالة وتصورها على ما هي عليه عرف أن هذا زبدتها وحاصلها وسائر الأحكام تدور عليه، وكذلك الجهمية الذين أخرجهم أكثر السلف من الثنتين والسبعين فرقة.
__________
(1) الكهف، آيات: 103-105.(3/206)
قال شيخ الإسلام في الردِّ على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرًا قال: وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال فيها أنه مخطئ ضالٌّ لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها لكن هذا يصدر منهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بُعِثَ بها، وكَفَّر من خالفها مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم فإن هذه أظهر شعائر الإسلام مثل إيجاب الصلوات الخمس وتعظيم شأنها ومثل تحريم الفواحش والزنا والخمر والميسر ثم تجد كثيرًا من رؤسائهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين. وأبلغ من ذلك أن منهم من صنَّف في دين المشركين كما فعل أبو عبد الله الرازي، قال وهذه ردة صريحة. أهـ.(3/207)
يقول ابن سحمان: فالشخص المعين إذا صدر منه ما يوجب كفره من الأمور التي هي معلومة من ضروريات دين الإسلام مثل عبادة غير الله سبحانه وتعالى، ومثل جحد علو الله على خلقه ونفي صفات كماله ونعوت جلاله الذاتية والفعلية، ومسألة علمه بالحوادث والكائنات قبل كونها فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله ردٌّ على من كفَّر معطلة الذات ومعطلة الربوبية ومعطلة الأسماء والصفات ومعطلة إفراد الله تعالى بالإلهية، والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية، ومن قال بالأصلين النور والظلمة. فإن من التزم هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى. وكلام شيخ الإسلام إنما يعرفه ويدريه من مارس كلامه وعرف أصوله فإنه قد صرَّح في غير موضع أن الخطأ قد يغفر لمن لم يبلغه الشرع ولم تقم عليه الحجة في مسائل مخصوصة إذا اتقي الله ما استطاع واجتهد بحسب طاقته، وأين التقوي وأين الاجتهاد الذي يدّعيه عبَّاد القبور والداعون للموتي والغائبين والمعطلون للصانع عن علوه على خلقه ونفي أسمائه وصفاته ونعوت جلاله كيف والقرآن يتلي في المساجد والمدارس والبيوت ونصوص السنة النبوية مجموعة مدونة معلومة الصحة والثبوت. وكذلك ابن القيم رحمه الله لما ذكر طبقات المكلفين قال في الطبقة السابعة عشر: وأما كون زيد بنفسه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وعباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر. فإنه فصل النزاع وأزال الإشكال بهذا وبقوله: وإن الله لا يعذِّبُ أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله تعالى وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر. فبيَّن رحمه الله أن هذا في أحكام الثواب والعقاب وأنه لا يجوز لأحد أن يحكم على إنسان بعينه(3/208)
أن الله يعذبه ويعاقبه على ما صدر منه قبل قيام الحجة عليه بالرسول، وأما أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهرها ومثَّل ذلك بأطفال الكفار ومجانينهم بأنهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم، وقد تقدم كلام الشيخ في الرازي وتصنيفه في دين المشركين وأنها ردة صريحة وهو معين، وتقدم في كلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله حكاية إجماع العلماء على تكفير بشر المريسي وهو رجل معين، وكذلك الجهم بن صفوان والجعد بن درهم، وكذلك الطوسي نصير الشرك، والتلمساني وابن سبعين والفارابي أئمة الملاحدة، وأهل الوحدة وأبي معشر البلخي وغيرهم. وفي مفيد المستفيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تكفير المعين ما يكفي طالب الحق والهدي.(3/209)
وأما ما ذكره من أن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يصلون الجمع والأعياد والجماعات... إلخ. فالجواب أن هذا من المعلوم بالضرورة لا ينكره إلا مكابر، وهذا فيمن كانت بدعته لا تخرجه عن الملة أو كان فاسقًا أو فاجرًا وليس الكلام في هذا، وإنما الكلام والنزاع في الصلاة خلف عبَّاد القبور وخلف الجهمية الذين ينكرون علو الله على خلقه. وقد تقدم في جواب الشيخ عبد اللطيف رحمه الله بعد أن ذكر أقوال الأئمة وأنهم لا يختلفون في تكفير الجهمية وأنهم ضلاَّل زنادقة، وقال: والصلاة خلفهم لاسيما صلاة الجمعة لا تنافي القول بتكفيرهم لكن تجب الإعادة حيث لا تمكن الصلاة خلف غيرهم، وقد يفرق بين من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها وبين مَنْ لا شعور له بذلك، وهذا القول يميل إليه شيخ الإسلام في المسائل التي قد يخفي دليلها على بعض الناس، وعلي هذا القول فالجهمية في هذه الأزمنة قد بلغتهم الحجة وظهر الدليل وعرفوا ما عليه أهل السنة واشتهرت الأحاديث النبوية وظهرت ظهورًا ليس بعده إلا المكابرة والعناد وهذا حقيقة الكفر والإلحاد. إلى أن قال رحمه الله: ولبشر المريسي وأمثاله من الشبه والكلام من نفي الصفات ما هو من جنس هذا المذكور عند الجهمية المتأخرين بل كلامه أخفّ إلحادًا من بعض كلام هؤلاء الضلال ومع ذلك فأهل العلم متفقون على تكفيره وعلي أن الصلاة لا تصح خلف كافر جهمي أو غيره، وقد صرَّح الإمام أحمد فيما نُقل عنه ابنه عبد الله وغيره أنه كان يعيد صلاة الجمعة وغيرها، وقد يفعله المؤمن مع غيرهم من المرتدين إذا كانت لهم شوكة ودولة، والنصوص في ذلك معروفة مشهورة.أنتهى كلام الشيخ عبد اللطيف.(3/210)
يقول ابن سحمان: وفي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد رحمه الله قال: حدثني إسحق بن بهلول قال: قلت لأبي ضمرة أنس بن عياض: أُصلي خلف الجهمية؟ قال: لا { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - ( - - ( ( المحتويات ( فهرس - ( - تمهيد { - - - - جل جلاله -- جل جلاله - - ( - صدق الله العظيم فهرس - - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد ( { ( - ( مقدمة (- جل جلاله -( تم بحمد الله - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - - } (1).
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا إبراهيم بن نعيم البابي السجستاني سمعت سالم بن أبي مطيع يقول: الجهمية كفار لا أصلي خلفهم. فإذا تبين هذا فالتلبيس والتشبيه على الناس بجواز الصلاة خلف أهل البدع والأهواء وأهل الفجور والفسق والمعاصي، وإدخال الجهمية وعبَّاد القبور في جملتهم، لبس للحقِّ بالباطل وصدٌّ عن سبيل الله، وافتراء على الإخوان، فإن هذا فرضٌ فيمن لم تخرجه بدعته عن الملة. وأما عباد القبور والجهمية فقد تقدم كلام الأئمة فيهم، والمؤمن من يخاف الله ويتقيه لا يلبس الحق بالباطل، ويوقع الناس في الشبهات لملاحظة الشهوات، والله الهادي إلى الصواب وإليه المرجع والمئاب. انتهى كلام ابن سحمان(2).
تفصيل مهم في الجهمية استطراداً لموضوعهم والشبهة التي طرأت عنه:
__________
(1) آل عمران، آية: 85.
(2) كشف الشبهتين، ص 60-066(3/211)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ”الرسالة التسعينية“ (1): والشيعة هم ثلاث درجات شرها: الغالية الذين يجعلون لعلىٍّ كرَّم اللهُ وجهه شيئًا من الإلهية أو يصفونه بالنبوة وكفر هؤلاء بيِّن لكل مسلم يعرف الإسلام. والدرجة الثانية: وهم الرافضة المعروفون كالإمامية وغيرهم الذين يعتقدون أن عليًّا هو الإمام الحق بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، ويبغضون أبا بكر وعمر ويشتمونهما. والدرجة الثالثة: المفضلة من الزيدية وغيرهم الذين يفضلون عليًا على أبي بكر وعمر ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما ويتولونهما. يقول الشيخ عنهم: هم إلى أهل السنة أقرب منهم إلى الرافضة ثم يقول: وكذلك الجهمية على ثلاث درجات فشرُّها: الغالية الذين ينفون أسماء الله وصفاته وإن سمُّوه بشيء من أسمائه الحسني قالوا هو مجاز. والدرجة الثانية: من التجهم هو تجهم المعتزلة ونحوهم الذين يقرون بأسماء الله الحسني في الجملة، ولكن ينفون صفاته وهم أيضًا لا يقرون بأسماء الله الحسني كلها على الحقيقة بل يجعلون كثيرًا منها على المجاز وهؤلاء هم الجهمية المشهورين. وأما الدرجة الثالثة: فهم الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية لكن فيهم نوع من التجهم كالذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة ولكن يردون طائفة من أسمائه وصفاته الخبرية أو غير الخبرية ويتأولونها كما تأول الأولون صفاته كلها. يقول: وفي هذا القسم يدخل أبو محمد بن كلاب ومن اتبعه وأبو الحسن الأشعري وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث والتصوف وهؤلاء إلى أهل السنة المحضة أقرب منهم إلى الجهمية والرافضة والخوارج والقدرية، لكن انتسب إليهم طائفة هم إلى الجهمية أقرب منهم إلى أهل السنة المحضة، وأما المتأخرون فإنهم والوا المعتزلة وقاربوهم أكثر وقدموهم على أهل السنة والإثبات وخالفوا أوليهم ومنهم من يتقارب نفيه وإثباته». أهـ.
__________
(1) الفتاوى الكبرى، ج 5، ص 48.(3/212)
وأما عن الخلفاء الثلاثة: المأمون والمعتصم والواثق فقد كانوا مقلدين غير دعاة ولذلك اختلف حكمهم عند الإمام أحمد وغيره عن الدعاة كما مرَّ ذكره في الانتصار لحزب الله الموحدين، فأخذوا حكم الفسق الاعتقادي ولم يأخذوا حكم الكفر مثل ابن أبي دؤاد وبشر المريسي وغيرهما. بخصوص المأمون يقول شيخ الإسلام ابن تيمية(1) عن محاورة عبد العزيز المكي لبشر المريسي بحضور المأمون يقول: عن عبد العزيز المكي وذلك أنه قال بعد أن ذكر جوابه لبشر فيما احتج به بشر من النصوص مثل قوله تعالى: { ( - - - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( } (2) وقوله تعالى: { - ( الله أكبر ( { ( مقدمة ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - ( الله أكبر } - عليه السلام -(( - ( - - صدق الله العظيم - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -( } (3) قال: فقال بشر: يا أميرَ المؤمنين عندي أشياء كثيرة إلا أنه يقول: بنص التنزيل. وأنا أقول بالنظر والقياس فليدع مطالبتي بنص التنزيل ويناظرني بغيره. إلى أن يقول: فقال عبد العزيز: بشر تسألني أم أسألك؟ فقال بشر: سلْ أنتَ. يقول عبد العزيز: وطمع فيَّ وجمع أصحابه وتوهموا أنه إذا خرجت عن نصِّ التنزيل لم أحسن أتكلم بشيء. قال عبد العزيز: فقلت: يا بشر تقول إنَّ كلام الله مخلوق؟ قال: أقول إن كلام الله مخلوق. قال: فقلت له: يلزمك واحدة من ثلاث لابد منها أن تقول أن الله خلق القرآن وهو عندي أنا كلامه في نفسه؟(4)، أو خلقه قائمًا بذاته؟(5)، أو خلقه في غيره؟(6) فقل ما عندك. قال بشر: أقول أنه مخلوق، وأنه خلقه كما خلق الأشياء كلها. قال عبد العزيز: فقلت: يا أمير المؤمنين تركنا القرآن ونصّ
__________
(1) تعارض العقل والنقل، ج2، ص 124.
(2) الزمر، آية: 62.
(3) الزخرف، آية: 3.
(4) نفس القرآن والصفة لا تقوم في نفسها.
(5) ذات الله - عز وجل -.
(6) كالشجرة أو الهواء.(3/213)
التنزيل والسنن والأخبار عند هربه منها، وذكر أنه يقيم الحجة وأنا أقول معه بخلق القرآن فقد رجع بشر إلى الحيدة عن الجواب وانقطع عن الكلام فإن كان يريد أن يناظرني على أن يجيبني عما أسأله عنه وإلا فأمير المؤمنين أعلي عينًا في صرفي، فإنما يريد بشر أن يقنع من لا يفهم فيخدعه عن دينه ويحتج عليه بما لا يعقله فتظهر حجته عليه فيبيح دمه. قال: فأقبل عليه المأمون فقال: أجب عبد العزيز عمَّا سألك عنه فقد ترك قوله ومذهبه وناظرك على مذهبك وما ادعيت أنك تحسنه وتقيم الحجة به عليه. فقال بشر: قد أجبته ولكنه يتعنت. فقال المأمون يأبى عليك عبد العزيز إلا أن تقول واحدة من ثلاث. فقال: هذا أشد طلبًا من مطالبته بنص التنزيل ما عندي غير ما أجبته به. قال: فأقبل عليَّ المأمون فقال: يا عبد العزيز تكلم أنت في شرح هذه المسألة وبيانها ودَعْ بشرًا فقد انقطع عن الجواب من كل جهة. أقول فشرع عبد العزيز في شرح المسألة وبيانها على مذهب أهل السنة المحضة وليس على مذهب المعتزلة أو الأشاعرة أو الكلابية، وبعد أن فرغ من الشرح قال له المأمون: أحسنتَ يا عبد العزيز ويمكن مراجعة الموضوع كله في كتاب درء التعارض في الصفحات التي أشرت إليها وهذا يوضح موقف المأمون من القضية رغم سطوة السلطة.
أما المعتصم: فقد جاء في منهاج السنة(1): أن الخليفة المعتصم ظهر له بطلان قول المعتزلة والنجارية والضرارية وجهمية المرجئة، وعزم على رفع المحنة عن الإمام أحمد وغيره من علماء السنة حتي ألحَّ عليه ابن أبي دؤاد يشير عليه أنك إن لم تضربه وإلا انكسر ناموس الخلافة فضربه فعظمت الشناعة من العامة إلى الخاصة فأطلقوه يعني الإمام أحمد.
__________
(1) منهاج السنة، ج1، ص256.(3/214)
وأما الواثق: فقد ذكر شيخ الإسلام والشاطبي وغيره محاورة عبد الرحمن الأزرمي مع ابن أبي دؤاد قدام الواثق. يقول الشاطبي في الاعتصام(1): «فأقبل الشيخ على أحمد فقال: يا أحمد إلام دعوت الناس؟ فقال أحمد: إلى القول بخلق القرآن. فقال له الشيخ: مقالتك هذه التي دعوت الناس إليها من القول بخلق القرآن أداخلة في الدين فلا يكون الدين تامًا إلا بالقول بها؟ قال: نعم. قال الشيخ: فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا الناس إليها أم تركهم؟ قال: لا. قال له: يعلمها أم لم يعلمها؟ قال: علمها. قال: فلم دعوت الناس إلى ما لم يدعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم وتركهم منه؟ فأمسك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين هذه واحدة.
ثم قال له: أخبرني يا أحمد، قال الله تعالى في كتابه العزيز: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } (2) الآية. فقلت أنت: الدين لا يكون تامًا إلا بمقالتك بخلق القرآن، فالله تعالى - عز وجل - صدق في تمامه وكماله أم أنت في نقصانك؟ فأمسك، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين فهذه ثانية.
__________
(1) الاعتصام، ج1، ص243.
(2) المائدة، آية: 3.(3/215)
ثم قال بعد ساعة: أخبرني يا أحمد، قال الله - عز وجل - : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( - قرآن كريم ( - { - - - - ((( - - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( فهرس - { - تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم { - ( - - رضي الله عنهم -((( - - - - رضي الله عنهم - - - ( - تمهيد ((( - - رضي الله عنه - - (( مقدمة - رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنهم - - ( - } (1) فمقالتك هذه التي دعوت الناس إليها فيما بلغه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الأمة أم لا؟ فأمسك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين وهذه ثالثة.
ثم قال بعد ساعة: أخبرني يا أحمد، لما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالتك هذه التي دعوتَ النَّاس إليها. أتسع له عن أن أمسك عنهم أم لا؟
__________
(1) المائدة، آية: 67.(3/216)
قال أحمد: بل اتسع له ذلك. فقال الشيخ: وكذلك لأبي بكر؟ وكذلك لعمر؟ وكذلك لعثمان؟ وكذلك لعليّ؟ رحمة الله عليهم. قال: نعم. فصرف وجهه إلى الواثق وقال: يا أميرَ المؤمنين إذا لم يتسع لنا ما اتسع لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه فلا وسَّع الله علينا، فقال الواثق: نعم! لا وسَّع اللهُ علينا إذا لم يتسع لنا ما اتسع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه فلا وسع الله علينا. ثم قال الواثق: اقطعوا قيوده، فلما فكت جاذب عليها، فقال الواثق: دعوه. ثم قال: يا شيخ لما جاذبت عليها؟ قال: لأني عقدت في نيتي أن أجاذب عليها. فإذا أخذتها أوصيت أن تُجعل بين يدي وكفني، ثم أقول: يا ربِّي سل عبدك لما قيدني ظلمًا وارتاع بي أهلي؟ فبكي الواثق والشيخ وكل من حضر، ثم قال له الواثق: يا شيخ اجعلني في حل. فقال: يا أمير المؤمنين ما خرجت من منزلي حتي جعلتك في حل إعظامًا لرسول الله ولقرابتك منه. فتهلل وجه الواثق وسُرَّ، ثم قال له: أقم عندي آنس بك، فقال له: مكاني في ذلك الثغر أنفع... إلخ». أهـ.
وبذلك تظهر الحجة على من يقول أن عقد الإسلام مع الجهل حصانة من الكفر، ويحتج على ذلك بالخلفاء، وبالصلاة خلف بعض الجهمية، فالجهمية ثلاث درجات، والجهمية فيها الداعية الذي كفره العلماء كما ذكر في الانتصار، وفيها المقلد الذي قد تخفي عليه مقالتهم فلا يكون حكمه حكم المتبوعين من الرؤوس والدعاة وهذا يفسِّقَهُ العلماء مثل الإمام أحمد وغيره، ولا يكفرونه فلا حجة هنا لا بجهل ولا بخطأ ولا عقد الإسلام وإنما حسب المناط يترتب الحكم.
عود إلى موضوع المعين في رسالة ”الانتصار“ ورسالة الشيخ إسحق و”مفيد المستفيد“ لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
أولاً: ما جاء في الانتصار بخصوص المعين(1):
__________
(1) الانتصار لحزب الله الموحدين، ص 29.(3/217)
وقال ابن تيمية رحمه الله في موضع آخر: ونحن نعلم بالضرورة أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يشرع لأمته أن تدعو أحدًا من الأحياء والأموات، لا الأنبياء ولا غيرهم، ولا بلفظ الاستغاثة ولا بلفظ الاستعانة ولا بغيرهما، كما لم يشرع السجود لميت ولا إلى ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن ذلك كله وأنه من الشرك الذي حرَّمه اللهُ ورسوله. لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بأثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم حتي يُبيَّن لهم ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال: ولهذا ما بيَّنت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل دين الإسلام إلا تفطن لها وقال هذا(1): أصل دين الإسلام، وكان بعض أكابر الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول: هذا أعظم ما بيَّنته لنا، لعلمه بأن هذا أصل الدين. انتهى.
فقوله رحمه الله، لم يمكن تكفيرهم حتي يُبيَّن لهم ما جاء به الرسول، أي لم يمكن تكفيرهم بأشخاصهم وأعيانهم بأن يقال فلان كافر ونحوه، بل يقال هذا كفر ومن فعله كافر، أطلق رحمه الله الكفر على فاعل هذه الأمور ونحوها في مواضع لا تحصى، وحكى إجماع المسلمين على كفر فاعل هذه الأمور الشركية، وصرَّح بذلك رحمه الله في مواضع، كما قال في أثناء جواب له في الطائفة القلندرية، قال بعد كلام كثير: وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر في الكتاب والسنة والإجماع يقال هي كفر مطلق كما دلَّ على ذلك الدليل الشرعي فإن الإيمان والكفر من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم الناس فيه بظنونهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتي تثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الزنا أو الخمر حلال لقرب عهده بالإسلام أو نشوئه ببادية بعيدة. أهـ.
أقول تعليقًا:
__________
(1) إفراد الله سبحانه وتعالي بالعبادة.(3/218)
لا ينفي الجهل ولا غيره كون الفعل كفرًا ومرتكبه كافرًا، ولكن الجهل وغيره من العوارض بالنسبة للشخص المعين يُدخل احتمالاً بأن التكييف الشرعي لقوله أو فعله ليس كفرًا كمن قال أن الزنا أو الخمر حلال فهذا ظاهره الاستحلال ولكن إذا اتضح لنا أنه يجهل التحريم فهو ليس مستحلاً على الحقيقة، وبالتالي لا يكون كافرًا في الحقيقة. فلا يمكن إطلاق الحكم عليه هو بعينه إذا كان حديث العهد بإسلام أو قادم من بادية نائية أي لم تقم عليه الحجة ولم يبلغه القرآن حتى نتأكد من وقوع حقيقة الاستحلال بانتفاء الجهل بالتحريم، فإذا تأكدنا من حقيقة الاستحلال فهو كافر وإن كان يجهل أن الاستحلال كفر لأن استحلال المحرمات لا يصدر عن قلب فيه إيمان، وعلي هذه النقطة يدور كلام شيخ الإسلام في الكلام عن الجهل وعلي نقطة أخري وهي الانتساب إلى طائفة كفرية فقد تختلف عقائد وأقوال وأفعال التابع عن المتبوع بسبب جهل التابع لما عليه المتبوع، وبالتالي لا يأخذ التابع حكم المتبوع دائمًا حتي نتأكد أن عقيدة التابع هي بنفسها عقيدة المتبوع، وأن التكييف الشرعي لما عليه كلاهما من الأقوال والأفعال والاعتقادات واحد، وسوف نزيد هذه النقطة إيضاحًا عندما يأتي الكلام عليها بإذن الله.
ثانيًا: ما جاء في رسالة الشيخ إسحق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ بخصوص موضوع المعين إضافة إلى ما سبق ذكره من هذه الرسالة في هذا الموضوع يقول الشيخ(1): الحمد لله ربِّ العالمين ولا عدوانَ إلا على الظالمين والعاقبةُ للمتقين وأشهد أنَّ لا إله إلا اللهَ الأحدُ الصمد الذي لا يستغاث في الشدائد ولا يدعي إلا إياه فمن عبد غيره فهو المشرك الكفور بنصِّ القرآن، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله - صلى الله عليه وسلم - وعلي آله وصحبه أجمعين الذي قامت به الحجة على العالمين فلا نبي بعده ولا رسول. أما بعد..
__________
(1) عقيدة الموحدين، ص 149.(3/219)
فقد بلغنا وسمعنا من فريق ممن يدعي العلم والدين وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب، أن من أشرك بالله وعبد الأوثان لا يطلق عليه الكفر والشرك بعينه وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الأخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واستغاث به فقال له الرجل لا تطلق عليه الكفر حتى تُعرفه، وكان هذا وأجناسه لا يعبأون بمخالطة المشركين في الأسفار وفي ديارهم، بل يطلبون العلم على من هو أكفر الناس من علماء المشركين وكانوا قد لفقوا لهم شبهات على دعواهم وقد غروا بها بعض الرعاع من أتباعهم ومن لا معرفة عنده ومن لا يعرف حالهم ولا فرق عنده ولا فهم، متحيزون عن الإخوان بأجسامهم وعن المشايخ بقلوبهم ومداهنون لهم قد استوحشوا واستوحش منهم بما أظهروه من الشبه، وبما يظهر عليهم من الكآبة بمخالطة الفسقة والمشركين، وعند التحقيق لا يكفرون المشرك إلا بالعموم وفيما بينهم يتورعون عن ذلك ثم دبت بدعتهم وشبهتهم حتى راجت على من هو من خواص الإخوان وذلك والله أعلم بسبب ترك كتب الأصول وعدم الاعتناء بها وعدم الخوف من الزيغ. إلى أن يقول: وذلك أن بعض من أشرنا إليه باحثته عن هذه المسألة فقال: نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن فيها: فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك. فانظر تري واحمد ربَّك واسأله العافية فإن هذا الجواب من بعض أجوبة العراقي ـ داود بن جرجيس ـ التي يرد عليها الشيخ عبد اللطيف، وذكر الذي حدثني عن هذا أنه سأله بعض الطلبة عن ذلك وعن مستدلهم فقال: نكفر النوع ولا نعين الشخص إلا بعد التعريف ومستندنا ما رأيناه في بعض رسائل الشيخ محمد قدس الله روحه على أنه امتنع من تكفير من عبد قبة الكلواز وعبد القادر من الجهَّال لعدم من ينبهه. يقول الشيخ إسحق فانظر تري العجب ثم اسأل الله العافية وأن يعافيك من الحور بعد الكور وما أشبههم بالحكاية المشهورة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه(3/220)
الله أنه ذات يوم يقرر على أصل الدين، ويُبيَّن ما فيه ورجل من جلسائه لا يسأل ولا يتعجب ولا يبحث حتي جاءت بعض الكلمات التي فيها ما فيها فقال الرجل ما هذه؟ كيف ذلك؟ فقال الشيخ: قاتلك الله ذهب حديثنا منذ اليوم لم تفهم ولم تسأل عنه فلما جاءت هذه السقطة عرفتها أنت مثل الذباب لا يقع إلا على القذر. يقول الشيخ إسحق لا نقول إلا ما قال الشيخ محمد في إفادة المستفيد وحفيده في الرد على العراقي وكذلك هو قول أئمة الدين قبلهم ومما هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن المرجع في مسائل أصول الدين إلى الكتاب والسنة وإجماع الأمة المعتبر وهو ما كان عليه الصحابة وليس المرجع إلى عالم بعينه في ذلك فمن تقرر عنده هذا الأصل تقريرًا لا يدفعه شبهة هان عليه ما قد يراه من الكلام المشتبه في بعض مصنفات أئمته إذ لا معصوم إلا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. ومسألتنا هذه وهي عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل من الملة هي أصل الأصول، وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن. وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول، إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفي دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع فيها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية كالصرف والعطف، وكيف يعرفون عبَّاد القبور وهم ليسوا بمسلمين ولا يدخلون في مسمي الإسلام، وهل يبقي مع الشرك عمل والله يقول: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - { } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - ( - - - - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنهم - - {(3/221)
- ( - - - - (( ( - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - (( - - عليه السلام - - ( - ( - - - } (1) ، { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ( - - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - } - - - ( { - - رضي الله عنهم - - - (( تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ( مقدمة (( - (( - - رضي الله عنه - - - ( ( - ( - { ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - ( قرآن كريم ( - - - ( مقدمة ( - ( صدق الله العظيم - ( - - - - - - (( - تمت - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - ( - - رضي الله عنهم - - } (2)، { } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ((((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - } (3)، { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ((( - - رضي الله عنه - - ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - - تمهيد { - - ( - ( - - { - ( - (( تمهيد - مقدمة (( - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( } (4). إلى غير ذلك من الآيات، ولكن هذا المعتقد يلزم منه معتقد قبيح وهو أن الحجة لم تقم على هذه الأمة بالرسول والقرآن نعوذ بالله من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب والرسول، بل أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يسمون مسلمين بالإجماع ولا يستغفر لهم، وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في الآخرة(5)
__________
(1) الأعراف، آية: 40.
(2) الحج، آية: 31.
(3) النساء، آية:48.
(4) المائدة، آية: 5.
(5) قد مر بيان ذلك ومن له اتصال بالرسل يعذب إذا مات على الشرك وهذا مذكور في عقائد الموحدين عن النووي. يقول الشنقيطي: «وقد قال قوم أن الكافر في النار ولو مات في زمن الفترة، وممن جزم بهذا القول النووي في شرح مسلم».(3/222)
ثم يذكر رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى أحمد بن عبد الكريم، ويذكر أيضًا رسالة عيسي بن قاسم وأحمد بن سويلم التي أشرنا إليها آنفًا، ويذكر المؤلف أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قد قرر في ثلاثة مواضع على ما أظن رسالة إلى أحمد بن عبد الكريم، ورسالة إلى عيسي بن قاسم وأحمد بن سويلم، وما ذكره في مفيد المستفيد: أن الحجة قامت بالقرآن على كل من بلغه وسمعه ولو لم يفهمه. ويشير إلى ما ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب عن تكفير المعين في مفيد المستفيد من أول حديثه عن عمرو بن عبسة إلى آخر الكتاب وتفسيره لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنه في المسائل الخفية وكيف أن ابن تيمية قال عن عبَّاد القبور أنهم كفار، وحكي إجماع المسلمين على ذلك يستتابون ولم يقل يُعرَّفون، وإن مَنْ دعا عليًا فقد كفر ومن لم يكفِّره فقد كفر. وكذلك ذكر كلام الشيخ عبد اللطيف في رده على العراقي في هذه المسألة، وكذلك ذكر ما قاله له الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب رحمه الله عن اليهود وأنهم يتكلمون بكلمة التوحيد ويخالفونها بأفعالهم، وعبَّاد القبور مثلهم فإذا لزم تعريف عبَّاد القبور لزم تعريف اليهود وإن هذا باطل، وذكر أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكفر أحدًا بالخطأ في الاجتهاد أو بالخلاف في الأمور الأصولية أو بالذنب كتكفير الخوارج والفِرَق بعضها بعضًا بل كفَّر عبَّاد القبور لما هو مجمع عليه أنه من الشرك المكفر، وأكد على عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن اعتقد في بشر أنه إلهٌ أو دعا ميتًا وطلب منه الرزق والنصر والهداية وتوكل عليه وسجد له فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضرب عنقه. وقال: ومعلوم أن من كَفَّر المسلمين بهواه كالخوارج والرافضة أو كفَّر من أخطأ في المسائل الاجتهادية أصولاً وفروعًا فهذا ونحوه مبتدع ضالٌ مخالف لما عليه أئمة الهدي ومشايخ الدين. ومثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يكفر أحدًا بهذا الجنس ولا من هذا النوع(3/223)
وإنما يكفر من نطق بتكفيره الكتاب العزيز وجاءت به السنة الصحيحة وأجمعت على تكفيره الأمة، كمن بدَّل دينه وفعل فعل الجاهلية الذين يعبدون الأنبياء والملائكة والصالحين ويدعونهم فإن الله كفَّرهم وأباح دماءهم وأموالهم وذراريهم بعبادة غيره نبيًا أو وليًا أو صنمًا، لا فرق في الكفر بينهم كما دلَّ عليه الكتاب العزيز والسنة المستفيضة. وهذا جزء من رسالة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب إلى أحمد بن عبد الكريم(1) يقول فيها: «أما بعد: وصل مكتوبك تقرر المسألة التي ذكرت وتذكر أن عليك إشكال تطلب إزالته ثم ورد منك رسالة تذكر أنك عثرت على كلام شيخ الإسلام أزال عنك الإشكال فنسأل الله أن يهديك لدين الإسلام وعلي أي شيء يدل كلامه؟؟!! على أن من عبد الأوثان عبادة اللات والعزي وسبَّ دين الرسول بعد ما شهد به مثل سبِّ أبي جهل أنه لا يكفر بعينه؟ بل العبارة صريحة واضحة في تكفير مثله مثل ابن فيروز وصالح بن عبد الله وأمثالهما كفرًا ظاهرًا ينقل عن الملة فضلاً عن غيرهما... إلخ »(2). أهـ.
ثالثًا: ما جاء في مفيد المستفيد بخصوص المعين:
__________
(1) عقيدة الموحدين، ص 151.
(2) الرسالة بنصها ضمن الرسائل الشخصية للإمام محمد بن عبد الوهاب فيها كلام جيد جدًا عن الإكراه والجهل والفرق بين إقامة الحجة وفهم الحجة والموالاة وغير ذلك. تراجع في الأعمال الكاملة للشيخ الرسالة الثالثة والثلاثون، المجلد السابع، الرسائل الشخصية، إعداد عبد العزيز الرومي ومحمد بلتاجي وسيد حجاب، مكتبة ابن تيمية، ص 216.(3/224)
بعد أن يذكر شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب حديث عمرو بن عبسة في ”صحيح مسلم“ يقول الشيخ(1): فليتأمل المؤمن الناصح لنفسه ما في هذا الحديث من العبر فإن الله سبحانه وتعالى يقص علينا أخبار الأنبياء وأتباعهم ليكون للمؤمن من المستأخرين عبرة فيقيس حاله بحالهم، وقصّ قصص الكفار والمنافقين لتجتنب ويجتنب من تلبس بها أيضًا، فمما فيه من الاعتبار أن هذا الأعرابي الجاهلي لما ذكر له أن رجلاً بمكة يتكلم في الدين بما يخالف الناس لم يصبر حتي ركب راحلته فقدم عليه وعلم ما عنده لما في قلبه من محبة الدين والخير. وهذا فسِّر به قوله : { ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - - رضي الله عنه -( ( - - - ( المحتويات ( - - (( - } - ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - صدق الله العظيم } } (2) أي حرصًا على تعلم الدين { ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - صدق الله العظيم } } أي لأفهمهم فهذا يدل على أن عدم الفهم في أكثر الناس اليوم عدل منه سبحانه لما يعلم في قلوبهم من عدم الحرص على تعلم الدين، فتبيَّن أن من أعظم الأسباب الموجبة لكون الإنسان من شرِّ الدواب هو عدم الحرص على تعلم الدين. إلى أن يقول: وفيه من العبر أيضًا أنه كما قال: «أرسلني الله» قال بأي شيء أرسلك؟ قال بكذا وكذا. فتبين أن زبدة الرسالة الإلهية والدعوة النبوية هي توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وكسر الأوثان، ومعلوم أن كسرها لا يستقيم إلا بشدة العداوة وتجريد السيف. إلى أن يقول: وقال أبو العباس على قوله تعالى: { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - - (( مقدمة ( - } (3) ظاهره أن ما ذبح لغير الله سواء
__________
(1) عقيدة الموحدين، ص 50.
(2) الأنفال، آية: 23.
(3) المائدة، آية: 3.(3/225)
لفظ به أو لم يلفظ حرام، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبح للحم وقال فيه باسم المسيح وغيره، كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله أزكي مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله فإن عبادة الله بالصلاة والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور. والعبادة لغير الله أعظم كفرًا من الاستعانة بغير الله فلو ذبح لغير الله متقربًا إليه لحرم، وإن قال فيه باسم الله كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبائحهم بحال لكن يجتمع في الذبيحة مانعان وهذا ما يفعل بمكة وغيرها من الذبح للجن. أنتهى كلام الشيخ وهو الذي ينسب عنه أعداء الدين أنه لا يكفر المعين فانظر أرشدك الله إلى تكفيره من ذبح لغير الله من هذه الأمة وتصريحه أن المنافق يصير مرتدًا بذلك، وهذا في المعين إذ لا يُتصور أن تحرم إلا ذبيحة معين.(3/226)
وبعد أن ينقل كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية عن الطواغيت التي كانت تُشد إليها الرحال في الجاهلية قبل البعثة، وعن ذات أنواط، وعن أماكن بدمشق يُشد إليها الرحال كما كان يُشد إلى هذه الطواغيت، وعن نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة عند القبور أو الصلاة عند شروق الشمس أو غروبها يقول نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية(1): ومما تبين صحة هذه العلة أنه لعن من يتخذ قبور الأنبياء مساجد، ومعلوم أن قبور الأنبياء لا يكون ترابها نجسًا وقال عن نفسه: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد» فعُلم أن نهيه عن ذلك كنهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها سدًا للذريعة لئلا يصلي في هذه الساعة وإن كان المصلي لا يصلي إلا لله ولا يدعو إلا الله لئلا يفضي ذلك إلى دعائها والصلاة لها وكلا الأمرين قد وقع، فإن من الناس من يسجد للشمس وغيرها من الكواكب ويدعوها بأنواع الأدعية وهذا من أعظم أسباب الشرك الذي يضل به كثيرٌ من الأولين والآخرين حتى شاع ذلك في كثير ممن ينتسب إلى الإسلام، وصنَّف بعض المشهورين فيه كتابًا على مذهب المشركين مثل أبي معشر البلخي وثابت بن قرة وأمثالهما ممن دخل في الشرك وآمن بالطاغوت والجبت وهم ينتسبون إلى الكتاب كما قال الله تعالى: { ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - - فهرس - ( { - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - جل جلاله - - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - (- رضي الله عنه - - ( تمهيد ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( تمهيد ( تمهيد ( - ( - - - ( - ( المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (2). أنتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
__________
(1) عقيدة الموحدين، ص 53.
(2) النساء، آية: 51.(3/227)
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: فانظر رحمك الله إلى هذا الإمام الذي ينسب عنه من أزاغ اللهُ قلبه عدم تكفير المعين كيف ذكر عن مثل الفخر الرازي وهو من أكابر أئمة الشافعية، ومثله أبي معشر وهو من أكابر المشهورين من المصنفين وغيرهما أنهم كفروا وارتدوا عن الإسلام. إلى أن يقول: وتأمل أيضًا ما ذكره في اللات والعزي ومناة وجعل فعل المشركين معها هو بعينه الذي يفعل بدمشق وغيرها، وتأمل قوله على حديث ذات أنواط: هذا قوله في مجرد مشابهتهم في اتخاذ شجرة فكيف بما هو أطمّ من ذلك من الشرك بعينه فهل للزائغ بعد هذا متعلق بشيء من كلام هذا الإمام وأنا أذكر لفظه الذي احتجوا به على زيغهم قال رحمه الله: أنا من أعظم الناس نهيًا عن أن ينسب معين إلى تكفير أو تبديع أو تفسيق أو معصية إلا إذا عُلم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخري وعاصياً أخري. أنتهى كلامه. وهذا صفة كلامه في المسألة في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة، وأما إذا بلغته حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو معصية، وصرَّح - رضي الله عنه - عنه إن كلامه في غير المسائل الظاهرة فقال في الردِّ على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرًا قال: وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها لكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بُعث بها وكفَّر مَنْ خالفها مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل إيجاب الصلوات الخمسة وتعظيم شأنها، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر، ثم تجد كثيرًا من رؤوسهم(3/228)
وقعوا فيها، فكانوا مرتدين وأبلغ من ذلك أن منهم مَنْ صنَّف في دين المشركين كما فعل أبو عبد الله الرازي قال: وهذه ردة صريحة باتفاق المسلمين. أنتهى كلامه.
يقول ابن عبد الوهاب رحمه الله: فتأمل هذا وتأمل ما فيه من تفصيل الشبهة التي يذكر أعداء الله لكن { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - - (( مقدمة - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - (( صدق الله العظيم فهرس - - ( - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - (( مقدمة - - - (( تم بحمد الله ( - - - - ((( - - { } (1) يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: «على أن الذي نعتقده وندين الله به ونرجو أن يثبتنا عليه أنه: لو غلط هو أو أجلّ منه في هذه المسألة ـ وهي مسألة المسلم إذا أشرك بالله بعد بلوغ الحجة ـ أو المسلم الذي يفضل هذا على الموحدين أو يزعم أنه على حق أو غير ذلك من الكفر الصريح الظاهر الذي بينه الله ورسوله وبينه علماء الأمة أنَّا نؤمن بما جاءنا عن الله وعن رسوله من تكفيره ولو غلط من غلط. فكيف والحمد لله ونحن لا نعلم عن واحد من العلماء خلافًا في هذه المسألة، وإنما يلجأ من شاق فيها إلى حجة فرعون: { - - رضي الله عنهم - - - ( ( - - - رضي الله عنه - - ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( { ( - - - - - فهرس - - صلى الله عليه وسلم - الله } - - } (2) أو حجة قريش { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام - - (((( - - - - - ( { - ( - - (( ( - { - ( - ( - - - ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - } (3) وقال الشيخ رحمه الله في الرسالة السنية لما ذكر حديث الخوارج ومروقهم من الدين وأمره - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم قال: فإذا كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه
__________
(1) المائدة، آية: 41.
(2) طه، آية: 51.
(3) ص، آية: 7.(3/229)
مع عبادته العظيمة حتي أمر رسول الله بقتالهم، فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة قد يمرق أيضًا من الإسلام في هذه الأزمان وذلك بأسباب منها الغلو الذي ذمَّه الله في كتابه حيث يقول: { ( - ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( - (- رضي الله عنه - - ( تمهيد ( - - - - صدق الله العظيم } - قرآن كريم ( - (( - - - (( ( المحتويات ( تمهيد ( - - ( - - عليه السلام - - ( - - ( ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - } (1)، وعلىٌّ بن أبي طالب حرَّق الغالية من الرافضة فأمر بأخاديد خدَّت لهم عند باب كندة فقذفهم فيها، واتفق الصحابة على قتلهم لكن ابن عباس كان مذهبه أن يقتلوا بالسيف بلا تحريق، وهو قول أكثر العلماء وقصتهم معروفة عند العلماء، وكذلك الغلو في بعض المشايخ بل الغلو في علىٍّ بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح ونحوه فكل من غلا في نبيٍّ أو رجلٍ صالحٍ وجعل فيه نوعًا من الإلهية مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني أو أغثني أو ارزقني أو اجبرني أو أنا في حسبك ونحو هذا من الأقوال فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبها فإن تاب وإلا قتل، فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده لا شريك له لا يجعل معه إلهًا آخر والذين يجعلون مع الله آلهة أخري مثل المسيح والملائكة والأصنام لم يكونوا معتقدين أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم أو صورهم ويقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله فبعث اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - ينهي أن يُدعي أحداً من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة. إلى أن يقول: وعبادة الله وحده لا شريك له هي أصل الدين، وهو التوحيد الذي بعث اللهُ به الرسل، ونزلت به الكتب، قال تعالى: { ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( الله -
__________
(1) المائدة، آية: 77.(3/230)
رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - - (( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - { } تم بحمد الله ( - ( صدق الله العظيم قرآن كريم ( - { - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد (( - - { - - - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - } (1) وقال تعالى: { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - قرآن كريم ( - { - - صدق الله العظيم ( { (((- صلى الله عليه وسلم - قرآن كريم ( الله أكبر ( مقدمة ( - - - ( { (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - ( } (2) وبعد أن يتكلم عن تعليم الرسول التوحيد لأمته، وسد الذرائع إلى الشرك. يقول كل هذا لتحقيق التوحيد الذي هو أصل الدين ورأسه الذي لا يقبل الله عملاً إلا به ويغفر لصاحبه، ولا يغفر لمن تركه قال تعالى: { } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ((((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - } - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - } (3)
__________
(1) النحل، آية: 36.
(2) الأنبياء، آية: 25.
(3) النساء، آية: 48.(3/231)
يقول شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب: فتأمل أول الكلام وآخره، وتأمل كلامه فيمن دعا نبيًا أو وليًا مثل أن يقول: يا سيدي فلان أغثني ونحوه أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل هل يكون هذا إلا في المعين والله المستعان.
ثم ينقل كلامًا عن شيخ الإسلام ابن القيم في شرح ”المنازل“ عن الشرك الأصغر والأكبر. إلى أن يقول: «وقد ذكر في الإقناع عن الشيخ تقي الدين أن من دعا علىّ بن أبي طالب فهو كافر، ومن شكَّ في كفره فهو كافر. ثم يقول تعليقًا: فإن كان هذا حال مَنْ شكَّ في كفره مع عداوته له ومقته فكيف بمن يعتقد أنه مسلم ولم يعاده، فكيف بمن أحبه، فكيف بمن جادل عنه، وعن طريقته، وتعذَّر أنّا لا نقدر على التجارة وطلب الرزق إلا بذلك، وقد قال تعالى: { } - ( قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت ( { ((( تمهيد ( - ( الله أكبر - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( الله أكبر ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - - ((( - - صلى الله عليه وسلم - - } (1) فإذا كان هذا قول الله تعالى فيمن تعذر عن النبيين بالعمل بالتوحيد ومعاداة المشركين بالخوف على أهله وعياله، فكيف بمن اعتذر في ذلك بتحصيل التجارة، ولكن الأمر كما تقدم عن عمر إذا نشأ في الإسلام مَنْ لا يعرف الجاهلية لهذا لم يعرف معنى القرآن، وأنه أشرُّ وأفسد مِنَ الذين قالوا: { تمت ( { ((( تمهيد ( - ( الله أكبر - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله } الآية. ومع هذا فالكلام الذي يظهرونه نفاقًا، وإلاّ فهم يعتقدون أن أهل التوحيد ضالون مضلون، وأن عبدة الأوثان أهل الحق والصواب كما صرَّح به إمامهم في الرسالة التي أتتكم قبل هذه خطه بيده يقول
__________
(1) القصص، آية: 57.(3/232)
بيني وبينكم أهل الأقطار وهم خير أمة أخرجت للناس وهم كذا وكذا فإذا كان يريد التحاكم إليهم ويصفهم بأنهم خير أمة أخرجت للناس فكيف أيضًا يصفهم بشرك ومخالطتهم للحاجة. وما أحسن قول أصدق القائلين: { (( - - - عليه السلام - - - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات - - - ( - ( تمهيد (- رضي الله عنه -( - - - - ( - ( - ( الله أكبر ( { - ( - - - - - ( قرآن كريم - - - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - ( - - (( - ( - ( مقدمة ( - - رضي الله عنه -( ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ((( - } (1)، { ( - - رضي الله عنه - - } - قرآن كريم ( - } - - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - - - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( ( - (( - - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - } تم بحمد الله } (2) يقول شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب: فرحم الله امرأ نظر في نفسه وتفكر فيما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله من معاداة من أشرك بالله من قريب أو بعيد وتكفيرهم وقتالهم حتي يكون الدين كله لله، وعلم ما حكم به محمد - صلى الله عليه وسلم - فيمن أشرك بالله مع ادعائه الإسلام وما حكم في ذلك الخلفاء الراشدون كعلىٍّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وغيره لما حرَّقهم بالنَّار مع أن غيرهم أهل الأوثان الذين لم يدخلوا في الإسلام لا يقتلون بالتحريق والله الموفق. وقال أبو العباس في الرد على المتكلمين لما ذكر بعض أحوال أئمتهم قال: وكلُّ شِركٍ في العالم إنما حدث برأي جنسهم فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له، ومن لم يأمر منهم بالشرك فلم ينه عنه بل يقر هؤلاء وهؤلاء وإن رجح الموحدين ترجيحًا ما فقد يرجح غيره المشركين وقد يعرض عن الأمرين جميعًا،
__________
(1) الذاريات، آيات: 7-9.
(2) ق، آية: 5.(3/233)
ولهذا كان رؤوسهم المتقدمون والمتأخرون يأمرون بالشرك، وكذلك الذين كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد، بل يسوِّغُونَ الشرك أو يأمرون به أو لا يوجبون التوحيد وقد رأيت من مصنفاتهم في عبادة الملائكة وعبادة الأنفس المفارقة أنفس الأنبياء وغيرهم ما هو أصل الشرك وهم إذا ادعوا التوحيد إنما توحيدهم بالقول لا بالعبادة والعمل، والتوحيد الذي جاءت به الرسل لابد فيه من التوحيد بإخلاص الدين لله وعبادته وحده لا شريك له. وهذا شيء لا يعرفونه ولو كانوا موحدين بالقول والكلام لكان معهم التوحيد دون العمل، وذلك لا يكفي في السعادة والنجاة بل لابد أن يعبد الله وحده ويتخذه إلهًا دون ما سواه وهذا هو معنى لا إله إلا الله». أهـ.(3/234)
يقول شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب: فتأمل رحمك الله هذا الكلام فإنه مثل ما قال الشيخ(1) فيه نافع جدًا، ومن أكبر ما فيه من الفوائد أنه: يُبيَّن لك حال مَنْ أقرَّ بهذا الدين وشهد أنه الحق، وأن الشرك هو الباطل، وقال بلسانه ما أريد منه، ولكنه لا يدين بذلك إما بغضًا له أو عدم محبته، كما هي حال المنافقين الذين بين أظهرنا، وإما إيثار الدنيا مثل تجارة أو غيرها فيدخلون في الإسلام ثم يخرجون منه كما قال تعالى: { - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - } (2) الآية، وقال تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام - - - ( - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - ((( مقدمة ( - (- رضي الله عنهم - - - ( { - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس ( - ( - ( - } إلى قوله: { - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم - تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - } (3). إلى أن يقول: وأعظم من هذا وأطم، أن أهل حريميلاء ومَنْ والاهم يصرحون بمسبة الدين وأن الحقَّ ما عليه أكثر الناس يستدلون بالكثرة على حسن ما هم عليه من الدين ويفعلون ويقولون ما هو أكبر من الردّة وأفحشها، فإذا
__________
(1) يقصد ابن القيم ، ولم ننقل كل كلامه.
(2) المنافقون، آية: 3.
(3) النحل، الآيتان: 106-107.(3/235)
قالوا التوحيد حق والشرك باطل، وأيضًا لم يحدثوا في بلدهم أوثانًا جادل الملحد عنهم وقال أنهم يقرون أن هذا شرك وأن التوحيد هو الحق ولا يضرهم عندهم ما هم عليه من السبِّ لدين الله وبغي العوج له ومدح الشرك وذبهم دونه بالمال واليد واللسان فالله المستعان.
وبعد أن يذكر شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن كفر مانعي الزكاة وجَعْلِ المبيح لقتالهم مجرد المنع لا جحد الوجوب. يقول(1): فتأمل كلامه رحمه الله في تكفير المعين!! والشهادة عليه إذ قتل بالنار وسبي حريمه وأولاده عند منع الزكاة فهذا الذي ينسب عنه أعداء الدين عدم تكفير المعين!! قال رحمه الله بعد ذلك: وكُفر هؤلاء وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة» أنتهى كلامه.
ثم يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد ذلك: ومن أعظم ما يحل الإشكال في مسألة التكفير والقتال عمن قصد اتباع الحق إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة وإدخالهم في أهل الردة وسبي ذراريهم وفعلهم فيهم ما صحَّ عنهم وهو أول قتال وقع في الإسلام على من ادعى أنه من المسلمين، فهذه أول وقعة وقعت في الإسلام على هذا النوع أعني المدعين لدين الإسلام، وهي أوضح الوقعات التي وقعت من العلماء عليهم من عصر الصحابة إلى وقتنا هذا. وقال الإمام أبو الوفاء ابن عقيل: لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، وهم عندي كفار بهذه الأوضاع مثل: تعظيم القبور، وخطاب الموتي بالحوائج، وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وإلقاء الخرق على الشجر اقتداءً بمن عبد اللات والعزى. أنتهى كلامه.
__________
(1) عقيدة الموحدين، ص 64.(3/236)
والمراد منه قوله: «وهم عندي كفارٌ بهذه الأوضاع». إلى أن يقول(1): وقال ابن القيم في ”إغاثة اللهفان“ في إنكار تعظيم القبور: وقد آل الأمر بهؤلاء المشركين أن صنَّف بعض غلاتهم في ذلك كتابًا سمَّاه ”مناسك المشاهد“ ولا يخفي أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عبادة الأصنام. أهـ.
وهذا الذي ذكره ابن القيم رجل من المصنفين يقال له ابن المفيد. فقد رأيت ما فيه بعينه فكيف يُنكر تكفير المعين؟! وأما كلام سائر أتباع الأئمة في التكفير فنذكر منه قليلاً من كثير.
أما كلام الحنفية فكلامهم في هذا من أغلظ الكلام حتي أنهم يكفِّرون المعين إذا قال مُصيحف أو مُسيجد أو صلي صلاة بلا وضوء ونحو ذلك. وقال في ”النهر الفائق“: وعُلِمَ أن الشيخ قاسمًا قال في شرح درر البحار أن النذر الذي يقع من أكثر العوام بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلاً يا سيدي فلان إن رُدَّ غائبي أو عوفي مريضي فلك من الذهب أو الفضة أو الشمع أو الزيت كذا باطل إجماعًا لوجوه. إلى أن قال: ومنها ظنه أن الميت يتصرف في الأمر واعتقاد هذا كفر. إلى أن قال: وقد ابتلي الناس بذلك لاسيما في مولد الشيخ أحمد البدوي. أنتهى كلامه.
فانظر إلى تصريحه أن هذا كفر مع قوله أنه يقع من أكثر العوام، وأن أهل العلم قد ابتلوا بما لا قدرة لهم على إزالته. وقال القرطبي رحمه الله: لما ذكر سماع النقر أو صوته قال هذا حرام بالإجماع. وقد رأيت فتوي شيخ الإسلام جمال الملة أن مستحل هذا كافر. يقول الشيخ: فقد رأيت كلام القرطبي وكلام الشيخ الذي نقل عنه في كفر من استحل السماع والرقص مع كونه دون ما نحن فيه بالإجماع بكثير. إلى أن يقول: فهذا إمام الحنفية في زمنه حكي عن فقهاء بخاري جملة كفر ابن سينا وهو رجل معين مصنف يتظاهر بالإسلام.
__________
(1) عقيدة الموحدين، ص 66.(3/237)
وأما كلام المالكية في هذا فهو أكثر من أن يحصر، وقد ذكر القاضي عياض في آخر كتاب الشفاء من ذلك طرفًا، ومما ذكر أن مَنْ حلف بغير الله على وجه التعظيم كفر. وكل هذا دون ما نحن فيه بما لا نسبة بينه وبينه.
وأما كلام الشافعية فقال صاحب الروضة رحمه الله: أن المسلم إذا ذبح للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - كفر. وقال أيضًا: مَنْ شكَّ في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر. وكل هذا دون ما نحن فيه. وقال ابن حجر في ”شرح الأربعين“ على حديث ابن عباس: «إذا سألت فاسأل الله» وما معناه أن مَنْ دعا غير الله فهو كافر. وصنَّف في هذا النوع كتابًا مستقلا سمَّاه ”الإعلام بقواطع الإسلام“ ذكر فيه أنواعًا كثيرة من الأقوال والأفعال كل واحد منها ذكر أنه يخرج من الإسلام ويَكفُر به المعين وغالبه لا يساوي عشير معشار ما نحن فيه. وبعد أن يذكر الشيخ باب «يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان» ويذكر رسالة الشيخ ابن تيمية من داخل سجنه بوجوب الصبر والعبادة والمرابطة على الحق يقول(1): «ومن جواب له رحمه الله لما سُئِلَ عن الحشيشة ما يجب على مَنْ يدَّعِي أن أكلها جائز؟ فقال: وأكل هذه الحشيشة حرام. وهي أخبث الخبائث المحرمة سواء أكل منها كثيرًا أو قليلاً، لكن الكثير المسكر منها حرام باتفاق المسلمين. وأن من استحل ذلك فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرًا مرتدًا، لا يغسَّل، ولا يصلَّي عليه، ولا يدفن بين المسلمين، وحكم المرتد أشرٌّ مِنْ حكم اليهود والنصارى سواء اعتقد أن ذلك يحل للعامة أو للخاصة الذين يزعمون أنها لقمة الذكر والفكر، وأنها تحرك العزم الساكن وتنفع في الطريق، وقد كان بعض السلف ظنَّ أن الخمر يباح للخاصة متأولاً قوله تعالى: { { { ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام
__________
(1) عقيدة الموحدين، ص 80.(3/238)
-- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد (- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - } (1) فاتفق عمر وعلى وغيرهما من علماء الصحابة على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا، وإن أصرُّوا على الاستحلال قتلوا». أنتهى ما نقلته من كلام الشيخ.
يقول شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب: فتأمل كلام هذا الذي يُنسَب عنه عدم تكفير المعين إذا جاهر بسبِّ دين الأنبياء صار مع أهل الشرك، ويزعم أنهم على الحق، ويأمر بالمصير معهم، وينكر على من لا يسب التوحيد، ويدخل مع المشركين لأجل انتسابه إلى الإسلام. انظر كيف كفَّر المعين ولو كان عابدًا باستحلال الحشيشة ولو زعم حلها للخاصة الذين تعينهم على الفكرة، واستدل بإجماع الصحابة على تكفير قدامة وأصحابه إن لم يتوبوا وكلامه في المعين وكلام الصحابة في المعين، فكيف بما نحن فيه مما لا يساوي استحلال الحشيشة جزءاً منه. انتهى كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب جزاه الله عنَّا وعن المسلمين خيرًا. وبهذا ينتهي كلامنا في المعين. ثم ننتقل إلى موضوع آخر وهو:
اختلاف أمر التابع عن أمر المتبوع:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ”منهاج السنة“(2): «الإسماعيلية الذين يقولون بعصمة بني عبيد المنتسبين إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر القائلين: بأن الإمامة بعد جعفر في محمد بن إسماعيل دون موسي بن جعفر وأولئك ملاحدة منافقون، والإمامية الاثني عشرية خير منهم بكثير، فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلقٌ مسلمون ظاهرًا وباطنًا ليسوا زنادقة منافقين، لكنهم جهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم. وأما أولئك فأئمتهم الكبار العارفون بحقيقة دعواهم الباطنية زنادقة منافقون، وأما عوامهم الذين لم يعرفوا باطن أمرهم فقد يكونوا مسلمين». أهـ.
__________
(1) المائدة، آية: 93.
(2) منهاج السنة، ج1، ص 228.(3/239)
وفي سياق آخر يقول: عامتهم جهمية وأئمتهم زنادقة. ويقول شيخ الإسلام(1): في المعز بن تميم الذي بني القاهرة يقول عنهم بعد كلام عمن افترى على الله كذبًا أو قال أوحى إليَّ ولم يوح إليه شيءٌ : «هم أكفر من اليهود والنصارى، فكيف بالقرامطة الذين يكذبون على الله أعظم مما فعل مسيلمة، وألحدوا في أسماء الله وآياته أعظم مما فعل مسيلمة، وحاربوا الله ورسولَه أعظم مما فعله مسيلمة، وبسط حالهم يطول لكن هذه الأوراق لا تسع أكثر من هذا، وهذا الذي ذكرته حال أئمتهم وقادتهم العالمين بحقيقة قولهم، ولا ريب أنه قد انضم إليهم من الشيعة والرافضة من لا يكون في الباطن عالمًا بحقيقة باطنهم ولا موافقًا لهم على ذلك فيكون من أتباع الزنادقة المرتدين الموالي لهم الناصر لهم بمنزلة أتباع الاتحادية الذين يوالونهم ويعظمونهم وينصرونهم ولا يعرفون حقيقة قولهم في وحدة الوجود، وأن الخالق هو المخلوق فمن كان مسلمًا في الباطن وهو جاهل معظِّم لقول ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض وأمثالهم من أهل الإتحاد فهو منهم(2). وكذا من كان معظمًا للقائلين بمذهب الحلول والإتحاد فإن نسبة هؤلاء إلى الجهمية كنسبة أولئك إلى الرافضة والجهمية، ولكن القرامطة أكثر من الإتحادية بكثير ولهذا كان أحسن حال عوامهم أن يكونوا رافضة جهمية، وأما الإتحادية ففي عوامهم من ليس برافضي ولا جهمي صريح ولكن لا يفهم كلامهم ويعتقد أن كلامهم كلام الأولياء المحققين، وبسط هذا الجواب له مواضع أخري غير هذا والله أعلم». أنتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
أحوال المعين:
أولاً: مَنْ أتي بأقوالٍ أو أفعالٍ أو اعتقاداتٍ ليست بعينها مكفِّرة، ولكن مآلاتها ولوازمها المباشرة مكفرة، فهذا يتهم بالكفر ولا يكفر إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.
__________
(1) الفتاوى الكبرى، ج4، ص282.
(2) جهمي.(3/240)
ثانيًا: مَنْ أتي بأقوالٍ أو أفعالٍ أو اعتقاداتٍ هي بعينها مكفِّرة، ولكنها تحتمل وجهًا آخر غير الكفر، لكونه حديث عهد بإسلام، أو قادم من بادية نائية، أو غير ذلك من الشبهات والعوارض، فهذا يتهم بالكفر ولا يكفَّر إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.
ثالثًا: مَنْ أتي بأقوالٍ أو أفعالٍ أو اعتقاداتٍ هي بعينها مكفرة ولا تحتمل وجهًا آخر غير الكفر، فهذا يُدَانُ بالكفر ويستتاب للقتل. في الحالة الثانية يُقال هذه ردة يستتاب صاحبها فإن تاب وإلا قتل مرتدًا كافرًا، وفي الحالة الثالثة يُقال هذا مرتد كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
والاستتابة تكون بإحدى الطرق الثلاثة:
بصيغة الاستتابة.
بأي صيغة كانت. كما قال الطبري عن قول عيسي للحواريين: { } - قرآن كريم ( { } - - - { - - - تمت ( { المحتويات ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله } (1) أنها استتابة.
بدون صيغة كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع شيبة يوم حنين، ومع أبي محذورة عندما قلد الأذان مستهزءًا، ومع الرجل الذي جذبه من ردائه وقال عنه - صلى الله عليه وسلم -: «لو تركتكم حين قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار»
رابعًا: مَنْ أتي بأقوالٍ أو أفعالٍ أو اعتقاداتٍ هي بعينها مكفرة، ولا تحتمل وجهًا آخر غير الكفر، وليس لها توبة وهي الردة المغلظة إما:
بحرابة.
2- بطعن في الدين، وسبِّ الرسول.
3- بنفاق وزندقة وهذا يدان بالكفر ويقتل ولا يستتاب.
خامسًا: عندما يكون الكفر بالانتساب إلى طائفة أو نحلة أو دين أو دار إذا كانت أقوال الطائفة مكفرة مع تغير التبعية كالبهائية مثلاً فعندئذ يكون التكفير حكميًا وعامًا للطائفة، وينتقل بالتبعية من الآباء إلى الأبناء، وتغير التبعية يكون بأربعة أمور:
1- تميز فسطاط أو تميز انتساب يخرج عنهم مَنْ ليس على شاكلتهم، ويأتي إليهم بمن هو على شاكلتهم.
__________
(1) المائدة، آية: 112.(3/241)
2- أن يثبت الكفر بالاسم الظاهر، والشارة الظاهرة دون حاجة إلى اطلاع على البواطن بحيث يغني الاسم عن المسمى.
3- أن يكونوا ممكنين من توريث أبنائهم ماهم عليه.
4- أن يكون أمر التابع كأمر المتبوع.
سادسًا: إذا كان الكفر شديد الالتصاق بالطائفة، ولكن لم تتغير التبعية فهنا يتهم بالكفر ولا يدان به، إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.
سابعًا: إذا كانت الدار تعلوها أحكام الكفر، وتوجد بها ظواهر الشرك والكفر من غير تغير تبعية ولا شدة التصاق، فهنا لا تهمة ولا إدانة، ولكن يستبرأ للدين والعرض، ويكون الدار لها صفة دار الكفر وحكم دار الإسلام، يستصحب حكم الإسلام للصغير واللقيط والمجنون ومجهول الحال، ويعامل المعين كما يعامل في دار الإسلام حسب حاله هو بعينه وليس بانتسابه كما هو مذكور آنفًا. أما دار الإسلام المحضة فليس فيها ما يدعو إلى الاستبراء للدين والعرض بشكل عام.
والله أعلم وهو أعزُّ وأحكم وهو المستعان وعليه التكلان.
مَنْ الذي يصح إسلامه؟
ننقل أولاً عن النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين من فتاوى العلامة مفتي الديار النجدية، وعالم الطائفة السلفية الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر الحنبلي في رده على رسالة محمد بن أحمد الحفظي اليمني، يسأل فيها عن مسائل وكان من ضمن الأسئلة والأجوبة هذا السؤال وهذا الجواب.
في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية(1):
فيقول: وأما قوله إن سلمنا هذا القول وظهر دليله، فالجاهل معذور لأنه لم يدر الشرك والكفر، ومَنْ مات قبل البيان فليس بكافر، وحكمه حكم المسلمين في الدنيا والآخرة لأن قصة ذات أنواط وبني إسرائيل حين جاوزوا البحر تدل على ذلك... إلخ.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج5، ص637-641.(3/242)
فالجواب: أن يقال أن الله تعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فكل من بلغه القرآن ودعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد قامت عليه الحجة قال الله تعالى: { المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - الله أكبر الله أكبر } (( مقدمة ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( فهرس - - رضي الله عنه - - } (1) وقال تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } (2) وقد أجمع العلماء على أن مَنْ بلغته دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن حجة الله قائمة عليه، ومعلوم بالاضطرار من الدين أن الله سبحانه وتعالى بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأنزل عليه الكتاب ليعبد وحده ولا يشرك معه غيره، فلا يدعي إلا هو ولا يذبح إلا له ولا ينذر إلا له ولا يتوكل إلا عليه. إلى أن يقول: فكل من بلغه القرآن فليس بمعذور. فإن الأصول الكبار التي هي أصل دين الإسلام قد بيَّنها اللهُ في كتابه، ووضحها وأقام بها الحجة على عباده، وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهمًا جليًا كما يفهمها مَنْ هداه اللهُ ووفقه وانقاد لأمره، فإن الكفار قد قامت عليهم حجة الله مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفهموا كلامه فقال: { - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - ( { } - ( - - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - (
__________
(1) الأنعام، آية: 19.
(2) الإسراء، آية: 15.(3/243)
فهرس قرآن كريم ( - - { ((- رضي الله عنه - - ( - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - - - - عليه السلام -( - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1)، وقال تعالى: { ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - ((( - { - ( - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - جل جلاله - - ( - (( - - - (( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - ( - (( ( المحتويات ( - ( الله أكبر - - - - - عليه السلام -( ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - ( - - رضي الله عنه -( } (2)، وقال تعالى: { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر ( { } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنه -(((((- عليه السلام - - } ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - قرآن كريم ( - - - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - تم بحمد الله } (3)، وقال تعالى: { ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - ( - ( } ( مقدمة - - رضي الله عنه - - ( الله أكبر - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنهم - - ( - - } - - ( - ( - (- عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه -((( -
__________
(1) الأنعام، آية: 25.
(2) فصلت، آية: 44.
(3) الأعراف، آية: 30.(3/244)
{ - - - } - - ( ( المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنهم - - - (( ( - - قرآن كريم - عليه السلام - - - عليه السلام -- رضي الله عنه -( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (- رضي الله عنه - - - ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (- رضي الله عنه -( - - (((- جل جلاله -(( } (1) والآيات في هذا المعنى كثيرة، يخبر سبحانه أنهم لم يفهموا القرآن ولم يفقهوه، وأنه عاقبهم بجعل الأكنة على قلوبهم والوقر في آذانهم وأنه ختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم، فلم يعذرهم مع هذا كله بل حكم بكفرهم، وأمر بقتالهم، فقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكم بكفرهم. فهذا يبين لك أن بلوغ الحجة نوعٌ، وفهمها نوعٌ آخر. وقد سئل شيخنا ـ رحمه الله تعالى ـ عن هذه المسألة.
__________
(1) الكهف، الآيتان: 103-104.(3/245)
فأجاب السائل بقوله:«هذا من العجب العجاب، كيف تشكون في هذا وقد وضحته لكم مرارًا، فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الحديث عهدٍ بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتي يعرف. وأما أصول الدين التي وضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرِّقُوا بين قيام الحجة وفهم الحجة. فإن أكثر المنافقين والكفار لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى: { ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله } تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - ( { ((- رضي الله عنه - - ( تمت ( { ( المحتويات ( - - صدق الله العظيم ( { ( المحتويات (- رضي الله عنهم -(( الله أكبر - } - - - - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - } (1) وقيام الحجة وبلوغها نوع، وفهمها نوع آخر. وكفَّرهم الله ببلوغها إياهم مع كونهم لم يفهموها، وإن أشكل عليكم ذلك فانظروا قوله - صلى الله عليه وسلم -في الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم» مع كونهم في عصر الصحابة، ويحقِّر الإنسانُ عملَ الصحابةِ معهم ومع إجماع الناس أن الذي أخرجهم من الدين هو التشديد والغلو والاجتهاد، وهم يظنون أنهم يطيعون اللهَ، وقد بلغتهم الحجة ولكن لم يفهموها. وكذلك قتل علىٌّ - رضي الله عنه - الذين اعتقدوا فيه الإلهية وتحريقهم بالنار، مع كونهم تلاميذ الصحابة ومع عبادتهم وصلاحهم وهم أيضًا يظنون أنهم على حق، وكذلك إجماع السلف على
__________
(1) الفرقان، آية: 44.(3/246)
تكفير أناس من غلاة القدرية وغيرهم مع كثرة علمهم وشدة عبادتهم وكونهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا، ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم لأجل أنهم لم يفهموا فإن هؤلاء كلهم لم يفهموا» انتهى كلامه رحمه الله.
إذا تقرر هذا فنقول(1): هؤلاء الذين ماتوا قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية وظاهر حالهم الشرك بالله لا نتعرض لهم ولا نحكم بكفرهم ولا بإسلامهم، بل نقول من بلغته هذه الدعوة المحمدية فإن انقاد لها ووحد الله وعبده وحده لا شريك له، والتزم شرائع الإسلام، وعمل بما أمره الله به، وتجنب ما نهاه عنه، فهذا من المسلمين الموعودين بالجنة في كل زمان ومكان. وأما من كانت حاله حال أهل الجاهلية، لا يعرف التوحيد الذي بعث الله به رسوله يدعو إليه، ولا الشرك الذي بعث الله به رسوله ينهي عنه ويقاتل عليه، فهذا لا يقال أنه مسلم لجهله، بل من كان ظاهر عمله الشرك بالله فظاهره الكفر، فلا يستغفر له، ولا يتصدق عنه، ونكل حاله إلى الله الذي يبلو السرائر، ويعلم ما تخفي الصدور، ولا نقول فلان مات كافرًا، لأنَّا نفرِّق بين المعين وغيره، فلا نحكم على معين بالكفر لأنا لا نعلم حقيقة حاله وباطن أمره، بل ذلك إلى الله، ولا نسُبُّ الأموات، بل نقول أفضوا إلى ما قدموا، وليس هذا من الدين الذي أمرنا الله به، بل الذي أمرنا به: أن نعبد الله ولا نشرك به شيئًا، ونقاتل مَنْ نكل عن ذلك بعد ما ندعوه إلى ما دعاه إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أصرَّ وعاند كفَّرناه وقاتلناه. فينبغي للطالب أن يفهم الفرق بين المعين وغيره، فنكفر من دان بغير الإسلام جملة، ولا نحكم على معين بالنار، ونلعن الظالمين جملة، ولا نخص معينًا بلعنه، كما قد ورد في الأحاديث، من لَعْن السارق وشارب الخمر، فنلعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جملة، ولا نخصُّ شخصًا بعينه، يُبيِّن ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن شارب الخمر،
__________
(1) الكلام للشيخ حمد.(3/247)
ولما جلد رجلاً قد شرب الخمر قال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتي به إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : «لا تلعنوه فوالله ما علمتُ إلا أنَّه يُحِبّ اللهَ ورسولَهُ». أهـ.
وفي نفس المجلد إجابة لقاضي الدرعية عن سؤال مشابه جاء في السؤال(1): «وظهر لنا من جوابكم أن المؤمن بالله ورسولِه إذا قال أو فعل ما يكون كفرًا جهلاً منه بذلك فلا تكفرونه حتى تقوم عليه الحجة الرسالية فهل لو قتل من هذا حاله قبل ظهور هذه الدعوة موضوع(2) أم لا ؟ يقول في الإجابة فنقول: إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله وعدم مَنْ ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة، ولكن لا نحكم بأنه مسلم، بل نقول عمله هذا كفر يبيح الدم والمال، وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص لعدم قيام الحجة عليه، لا يقال إن لم يكن كافرًا فهو مسلم، بل نقول عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة الرسالية إليه. وقد ذكر أهل العلم أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات، ولم يجعلوا حكمهم حكم الكفار ولا حكم الأبرار. أما حكم هذا الشخص إذا قتل ثم أسلم قاتله فإنَّا لا نحكم بديته على قاتله إذا أسلم، بل نقول الإسلام يَجُب ما قبله لأن القاتل قتله في حال كفره والله أعلم.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ص 576.
(2) كدماء الجاهلية.(3/248)
ثم يفسر قوله - عز وجل -: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( { المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (( - تم بحمد الله } (1) إلى أن يقول: بل تجد الرجل مؤمنًا بالله ورسوله وملائكته وكتبه ورسله وما ينفعه ما معه من الإيمان، وقد ذكر الفقهاء من أهل كل مذهب”باب حكم المرتد“ وهو الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعًا كثيرة من فعل واحدًا منها كفر، وإذا تأملت ما ذكرناه تبين لك أن الإيمان الشرعي لا يجامع الكفر بخلاف الإيمان اللغوي واللهُ أعلم. وأما قولكم: وهل ينفع هذا المؤمن المذكور ما يصدر منه من أعمال البر وأفعال الخير قبل تحقيق التوحيد ؟ فيقال: لا يطلق على الرجل المذكور اسم الإسلام فضلاً عن الإيمان، بل يقال الرجل الذي يفعل الكفر، أو يعتقده، في حال جهله وعدم مَنْ ينبهه إذا فعل شيئًا من أفعال البر وأفعال الخير، أثابه اللهُ على ذلك إذا صحَّحَ إسلامه وحقق توحيده، كما يدل عليه حديث حكيم بن حزام: «أسلمت على ما أسلفت من الخير» وأما الحج الذي فعله في تلك الحالة فلا نحكم ببراءة ذمته به، بل نأمره بإعادة الحج لأنَّا لا نحكم بإسلامه في تلك الحالة، والحج من شرط صحته الإسلام فكيف يحكم بصحة حجه وهو يفعل الكفر أو يعتقده، ولكنَّا لا نكفِّرَهُ لعدم قيام الحجة عليه فإذا قامت عليه الحجة وسلك غير سبيل المحجة أمرنا بإعادة الحج ليسقط الفرض عنه بيقين. وأما ما ذكرته عن السيوطي أن الردة لا تنقض الأعمال إن لم تتصل فهي مسألة اختلف العلماء فيها وليست من هذا الباب، لأن كلام السيوطي فيمن فعل شيئًا من الأعمال في حال إسلامه ثم ارتد ثم أسلم هل يعيد ما فعله قبل ردته لأنه
__________
(1) يوسف، آية: 106.(3/249)
قد حبط بالردة أم لا؟ لأن الردة لا تحبط العمل إلا بالموت عليها». أهـ.
أقول: واضح أن الذين لم يكفروا جاهل التوحيد لم يحكموا بإسلامه وقالوا بامتحانه في العرصات لأن الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مسلمة أو نفسٌ مؤمنة كما هو نصّ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ونأتي إلى النقطة الفاصلة: بما تتحقق صحة الإسلام: في رسالة الشيخ عبد الرحمن بن حسن حفيد الشيخ لأهل القصيم يقول: «والقرآن من أوله إلى آخره يُبيِّن لكم كلمة الإخلاص لا إله إلا الله ولا يصح لأحد إسلام إلا بمعرفة ما دلَّت عليه هذه الكلمة من نفي الشرك في العبادة والبراءة منه وممن فعله ومعاداته، وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له والموالاة في ذلك. إلى أن يقول: الأعمال كلها لا يصح منها شيء إلا بهذا التوحيد وهو أساس الملة ودعوة المرسلين والدين كله من لوازم هذا الأصل وحقوقه». أهـ.(3/250)
وأيضًا(1): «ومعنى لا إله إلا الله توحيده في عبادته مع التبرئ من كل معبود سواه، كما أخبر الله عن نبيه إبراهيم - عليه السلام - بقوله تعالى: { (( - ( الله أكبر ( { (( - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - - صدق الله العظيم ( { - ( - { - - - - ( الله أكبر - عليه السلام - - - ( - ( } (2) وهذا هو الذي تضمنه قول لا إله إلا الله، فإنما دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها والعمل به لا مجرد قولها باللسان. ومعناها هو إفراد الله بالإلهية والعبادة والنفي لما يعبد من دونه والبراءة منه، كما حكي الله عن إبراهيم - عليه السلام -: ( (( - ( الله أكبر ( { (( - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - - صدق الله العظيم ( { - ( - { - - - - ( الله أكبر - عليه السلام - - - ( - ( ( وقال - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ قالَ لا إلهَ إلاَّ الله وكفرَ بما يُعبَد مِنْ دونِ الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله» رواه مسلم. فحينئذ مَنْ لا يكفر بكل معبود سوي الله لا يحرم دمه وماله ولا يكون مسلمًا بمجرد التلفظ بلا إله إلا الله إلا إذا أضاف إليها الكفر بما يعبد من دون الله، ولا بمعرفة معناها مع التلفظ بها بل ولا كونه لا يدعو إلا الله ولم يكفر بما يعبد من دون الله لم يكن مسلمًا بذلك فلا يحرم ماله ودمه، فهذا أصل لا مرية فيما تضمنه ولاشك فيه، وأنه لا يتم إيمان أحد حتى يعلمه ويعمل به». أهـ.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج5، ص 670.
(2) الزخرف، الآيتان: 26-27.(3/251)
ومن قال لا إله إلا الله ومع ذلك يفعل الشرك الأكبر فهذا مشرك سواء شاء أم أبي: { } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ((((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - } (1) ، { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ((( - ( - - - ( - ( - - { - ( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - ( - - - ( مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - } - جل جلاله - - - - } (2) .أ هـ.
«فتأمل(3) أنَّ الإسلام لا يصح إلا بمعاداة أهل الشرك ،وإن لم يعادهم فهو منهم ولو لم يفعله». أهـ.
ثم يذكر الآيات التي تنهي عن موالاة الكافرين وتحض على معاداتهم.
وفي رسالة ”المورد العذب الزلال في كشف شبه أهل الضلال“ يقول(4) الشيخ عبد الرحمن: «وقد قال شيخنا رحمه الله تعالى إمام الدعوة الإسلامية: أصل دين الإسلام وقاعدته أمران: الأمر بعبادة الله وحده والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه. والنهي عن الشرك بالله في عبادته والتغليظ فيه والمعاداة فيه وتكفير مَنْ فعله». أهـ.
ثم يذكر مبطلات ثلاثة هي الشرك وانشراح الصدر لمن أشرك بالله وموادة أعداء الله وموالاة المشرك والركون إليه وإعانته باليد واللسان والمال كما قال تعالى: { - - - ( } ( - ( قرآن كريم ( - - - - } - - ( - - ( - رضي الله عنه -((( - ((( - - ( - ( - - } (5).
__________
(1) النساء، آية: 48.
(2) المائدة، آية: 73.
(3) المصدر السابق، ج4، ص46.
(4) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج4، ص289.
(5) القصص، آية: 86.(3/252)
ويؤكد الشيخ عبد الرحمن حفيد الشيخ هذه المعاني. إلى أن يقول(1): وقال شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: «سألني الشريف عمَّا نقاتل عليه وما نُكفِّر به؟ فقلت في الجواب: أنَّا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان بعد التعريف إذا عرف ثم أنكر. فنقول أعداؤنا معنا على أنواع:
النوع الأول: مَنْ عرف أن التوحيد دين الله ورسوله وأن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس اليوم إنه الشرك الذي بعث اللهُ رسولَهُ بالنهي عنه وقتال أهله ليكون الدين كله لله. ولم يلتفت إلى التوحيد ولا تعلمه ولا دخل فيه ولا ترك فيه الشرك فهذا كافر نقاتله لأنه عرف دين الرسول فلم يتبعه، وعرف دين المشركين فلم يتركه، مع أنه لم يبغض دين الرسول ولا من دخل فيه ولا يمدح الشرك ولا يزينه.
النوع الثاني: مَنْ عرف ذلك ولكن تبين في سبِّ دين الرسول مع ادعائه أنه عامل به، وتبين في مدح من عبدَ يوسف والأشقر وأبي علي والخضر وفضَّلهم على مَنْ وحَّد الله وتركَ الشرك فهذا أعظمُ كفرًا.
النوع الثالث: مَنْ عرف التوحيد وأحبه واتبعه، وعرف الشرك وتركه لكن يكره من دخل في التوحيد، ويحب من بقى على الشرك فهذا أيضًا كافر وفيه قوله تعالى: { - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم ( - ( - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - (- رضي الله عنه - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - فهرس - (- رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - } (2).
__________
(1) المصدر السابق، ج4، ص 300.
(2) محمد، آية: 9.(3/253)
النوع الرابع: مَنْ سَلَمَ مِنْ هذا كله لكن أهل بلده يصرحون بعداوة التوحيد واتباع أهل الشرك ويسعون في قتالهم، وعذره أن ترك وطنه يشقّ عليه، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بماله ونفسه فهذا أيضًا كافر لأنهم لو أمروه بترك صيام رمضان ولا يمكنه ذلك إلا بفراق وطنه فعل، ولو أمروه أن يتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه مخالفتهم إلا بذلك فعل، وأما موافقته على الجهاد معهم بماله ونفسه مع أنهم يريدون قطع دين الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فأكبر مما ذكرنا بكثير فهذا أيضًا كافر». أهـ.
وفي الجزء الأول من فتاوي ولدي الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، المسألة الحادية عشرة والثانية عشرة والخامسة عشر والثامنة عشر والثانية والعشرون والثالثة والعشرون.
المسألة الحادية عشر(1): رجلٌ دخل هذا الدين وأحبه لكن لا يعادي المشركين أو عاداهم ولم يكفِّرهم، أو قال أنا مسلمٌ ولكن لا أقدر أنْ أُكفِّرَ أهل لا إله إلا الله ولو لم يعرفوا معناها، ورجلٌ دخل هذا الدين وأحبه ولكن يقول لا أتعرض للقباب وأعلم أنها لا تضر ولا تنفع لكن لا أتعرض لها.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية،ج1، ص 38.(3/254)
الجواب: أن الرجل لا يكون مسلمًا إلا إذا عرف التوحيد ودان به وعمل بموجبه وصدَّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به وأطاعه فيما نهي عنه وأمر به وآمن به وبما جاء به، فمن قال لا أعادي المشركين أو عاداهم ولم يكفرهم أو قال لا أتعرض لأهل لا إله إلا الله ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين الله أو قال لا أتعرض للقباب فهذا لا يكون مسلمًا بل هو ممن قال الله فيهم: { - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( الله أكبر - (((- رضي الله عنه - - ( - ( - ((( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -(((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - ( - - - - - رضي الله عنهم - { - مقدمة } (1) واللهُ سبحانه وتعالى أوجب معاداة المشركين ومنابذتهم وتكفيرهم فقال: { - صدق الله العظيم ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - - - مقدمة
__________
(1) النساء، الآيتان: 150-151.(3/255)
{ - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) الآيات. أهـ.
المسألة الثانية عشر: رجلٌ دخل هذا الدين وأحبه ويحب مَنْ دخل فيه ويبغض الشرك وأهله ولكن أهل بلده يصرحون بعداوة أهل الإسلام ويقاتلون أهله ويعتذر أن ترك الوطن يشقّ عليه ولم يهاجر عنهم فهل يكون مسلمًا أو كافرًا وهل يعذر بعدم الهجرة ؟
الجواب: أما الرجل الذي عرف التوحيد وآمن به وأحبه وأحبَّ أهله وعرف الشرك وأبغضه وأبغض أهله، ولكن أهل بلده على الشرك والكفر ولم يهاجر فهذا فيه تفصيل. فإن كان يقدر على إظهار دينه عندهم ويتبرأ مما هم عليه من الكفر والشرك ويظهر لهم كفرهم وعداوته لهم ولا يفتنونه عن دينه لأجل عشيرته أو ماله أو غير ذلك فهذا لا يحكم بكفره، ولكنه إذا قدر على الهجرة ولم يهاجر ومات بين أظهر المشركين فيخاف عليه أن يكون قد دخل في أهل هذه الآية: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - ( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - - - المحتويات - (( ( - (( - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - } - ( - - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - (( ((( - - } - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( - - - ((( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { - رضي الله عنهم -(( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - ( - - ( - { - - (( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - { (- رضي
__________
(1) المجادلة، آية: 23.(3/256)
الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله } (1) الآية. فلم يعذر اللهُ إلا مَنْ لم يستطع حيلة ولا يهتدون سبيلاً، لكن قلَّ أن يوجد اليوم مَنْ هو كذلك إلا أن يشاء الله، بل الغالب أن المشركين لا يدعونه بين أظهرهم بل إما قتلوه وإما أخرجوه إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً، وأما إنْ لم يكنْ له عذر وجلس بين أظهرهم وأظهر لهم أنه منهم وأن دينهم حقٌ ودين الإسلام باطل فهو كافر مرتد ولو عرف الدين بقلبه، لأنه يمنعه عن الهجرة محبة الدنيا على الآخرة ويتكلم بكلام الكفر من غير إكراه يدخل في قوله تعالى: { صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - رضي الله عنهم -- رضي الله عنهم -- عليه السلام - - - ( ( - ((( - ( - - - ( - - - جل جلاله - - ( - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنهم -( - ( ( - - ( - ( - (( } تم بحمد الله ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- عز وجل - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم - تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - - صدق الله العظيم - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) النساء، آية: 97.(3/257)
( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه -((( - ((( - تمهيد ( - - - } (1) الآيات.
المسألة الثالثة عشر: فيمن مات قبل هذه الدعوة ولم يدرك الإسلام وهذه الأفعال التي يفعلها الناس اليوم يفعلها ولم تقم عليه الحجة ما الحكم فيه، وهل يلعن أو يُسب أو يكفُّ عنه، وهل يجوز لابنه الدعاء له، وما الفرق بين من لم يدرك هذه الدعوة، ومن أدركها ومات معاديًا لهذا الدين وأهله؟
الجواب: أنَّ مَنْ مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفًا بفعل الشرك ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهره أنه مات على الكفر. فلا يدعي له، ولا يُضحي له، ولا يتصدق عليه. وأما حقيقة أمره فإلي الله تعالى، فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله تعالى. وأما سبُّه ولعنه فلا يجوز بل لا يجوز سبّ الأموات مطلقًا كما في صحيح البخاري عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تسبُّوا الأموات فإنهم قد أفضوْا إلى ما قدموا» إلا إن كان أحد من أئمة الكفر وقد اغترَّ الناس به فلا بأس بسبِّه إذا كان فيه مصلحة دينية والله أعلم. أهـ.
المسألة الخامسة عشر: فيمن عاهد على الإسلام والسمع والطاعة والمعاداة والموالاة ولم يف بما عاهد عليه من الموالاة والمعاداة، ولا يتبرأ من دينه الأول، ويدَّعي أن آباءه ماتوا على الإسلام فهل يكون مرتدًا، وهل يجوز أخذ ماله وسبيه إنْ لم يرجع ؟
الجواب: أنَّ هذا الرجل إن اعتقد أن آباءه ماتوا على الإسلام ولم يفعلوا الشرك الذي نهينا الناس عنه فإنه لا يحكم بكفره، وإن كان مراده أن هذا الشرك الذي نهينا الناس عنه هو دين الإسلام فهذا كافر، فإن كان قد أسلم فهو مرتد يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل وصار ماله فيئًا للمسلمين، وإن تاب قبل موته أحرز ماله والله أعلم. أهـ.
__________
(1) النحل، الآيتان: 106-107.(3/258)
المسألة الثامنة عشر:في بلد بلغتهم هذه الدعوة وبعضهم يقول هذا الأمر حقٌ ولا غيَّرَ منكرًا ولا أمرَ بالمعروف ولا عادي ولا والي ولا أقرَّ أنه قبل هذه الدعوة على ضلال وينكر على الموحدين إذا قالوا تبرأنا من دين الآباء والأجداد وبعضهم يكفِّر المسلمين جهارًا ويسبُّ هذا الدين ويقول دين مسيلمة والذي يقول هذا أمر زين لا يمكن يقوله جهارًا، فما تقولون في هذه البلدة على هذه الحال. مسلمون أم كفار؟ وما معنى قول الشيخ وغيره إنَّا لا نكفِّر بالعموم وما معنى العموم والخصوص... إلخ.(3/259)
الجواب: أنَّ أهل هذه البلدة المذكورين إذا كانوا قد قامت عليهم الحجة التي يكفر من خالفها حكمهم حكم الكفار، والمسلم الذي بين أظهرهم ولا يمكنه إظهار دينه تجب عليه الهجرة إذا لم يكن ممن عذره الله، فإن لم يهاجر فحكمه حكمهم في القتل وأخذ المال. والسامعون كلام الشيخ في قوله إنَّا لا نكفر بالعموم فالفرق بين العموم والخصوص ظاهر، فالتكفير بالعموم أن يكفر الناس كلهم عالمهم وجاهلهم ومن قامت عليه الحجة ومَنْ لم تقم عليه. وأما التكفير بالخصوص فهو أنه لا يكفِّر إلا مَنْ قامت عليه الحجة بالرسالة التي يكفر من خالفها. وقد يحكم بأن أهل هذه القرية كفار حكمهم حكم الكفار، ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام معذور في ترك الهجرة أو يظهر دينه ولا يعلمه المسلمون كما قال تعالى في أهل مكة في حال كفرهم: { - صدق الله العظيم ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله (( - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد (- عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم { - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - قرآن كريم (( - ( - - المحتويات ( - - رضي الله عنه - - - ((( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -( } تم بحمد الله - - { - - رضي الله عنهم -( } تم بحمد الله ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( } (1) وقال تعالى: { - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - - - - ((
__________
(1) الفتح، آية: 25.(3/260)
- - - - ( } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت } - رضي الله عنه - - ( - ( قرآن كريم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - - - - جل جلاله -( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( { - رضي الله عنه - - ( - - { ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - { ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } (1) وأما أهل القرية الذين عاهدوا على الإسلام ولم يهدموا القباب ولم يعادوا ولم يوالوا وفيهم رجلان أو ثلاثة يدعون التوحيد فاعلم رحمك الله أن مجرد العهد على الإسلام لا يكون الرجل به مسلمًا حتى يعمل بما عاهد عليه من توحيد الله والتبري من الشرك وأهله... وإذا عاهد على الإسلام ولم يعمل به واستمر على الشرك بالله فإنه يكون مرتدًا عن الإسلام وذنبه أعظم من ذنب الكافر الأصلي الذي لم يعاهد قط ولم يظهر الإسلام، ولهذا ثبت في الصحيحين وغيرهما أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«مَنْ بدل دينَه فاقتلوه». أهـ.
المسألة الثانية والعشرون: في رجل أظهر الإسلام في بلده ووالي وعادي في بلده، وأمير البلد ما خالف عليه وأيَّده وصدَّقه فهل يكون هذا مسلمًا أم لا ؟ ولا بقي في بلده وثن أبدًا ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر حد الاستطاعة.
الجواب: هذا الرجل إذا أظهر الإسلام في بلده ووالي وعادي في بلده وأمير بلده لم يخالف عليه بل أيَّده وصدَّقه فهذا مسلم لأنه قد عمل بدين الإسلام وفعل ما يقدر عليه.
__________
(1) النساء، آية: 75.(3/261)
المسألة الثالثة والعشرون: أن صاحب البردة وغيره ممن يوجد الشرك في كلامه والغلو في الدين وماتوا لا يحكم بكفرهم، وإنما الواجب إنكار هذا الكلام وبيان أنَّ مَنْ اعتقد هذا على الظاهر فهو مشرك كافر. وأمَّا القائل فيردُّ أمره إلى الله، ولا ينبغي التعرض للأموات لأنه لا يعلم هل تاب أم لا. وأمَّا شعر ابن الفارض فإنه كفرٌ صريحٌ لأنه شاعر الإتحادية وهو من طائفة ابن عربي الذي قال فيهم ابن المقرئ الشافعي مَنْ شكَّ في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر والله أعلم. أهـ.
وفي الجزء الثاني من ”مجموعة الرسائل والمسائل النجدية“ يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: أن لا إله إلا الله لا تنفع صاحبها إلا بالعلم النافي للجهالة، واليقين النافي للشك، والإخلاص النافي للشرك، والصدق النافي للكذب والنفاق، والقبول النافي للردِّ، والانقياد النافي للترك، والمحبة النافية لما يضادها(1).
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج2، ص 5-7(3/262)
سؤال(1): ما قول العلماء الأعلام أئمة الإسلام فيمن يقول لا إله إلا الله ويدعو غير الله هل يحرم ماله ودمه بمجرد قولها أم لا ؟ فيشرح معنى لا إله إلا الله. إلى أن يقول: قال تعالى: { تمت ( - - ( } - قرآن كريم ( - - - - } - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - ( قرآن كريم - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم - - } - - - - } - قرآن كريم - - - رضي الله عنهم -( - ( ( المحتويات ( - فهرس - - ( - - رضي الله عنهم - - } (2) فدلَّت هذه الآية الكريمة على أن عصمة الدم والمال لا تحصل بدون هذه الثلاثة لترتيبها عليها بترتب الجزاء على الشرط، ويقول من حقق إخلاص العبادة لله، والبراءة من عبادة ما سواه، وعمل بما اقتضته فرائض الإسلام ـ أي التزم الشرائع ـ كان معصوم الدم والمال ومن ردَّ فلا. أهـ.
ويقول: في شروط نفع هذه الكلمة: كلمة لا إله إلا الله لصاحبها من العلم النافي للجهل، واليقين النافي للشك، والإخلاص النافي للشرك، والصدق النافي للكذب والنفاق، والقبول النافي للرد، والانقياد النافي للترك، والمحبة النافية لما يضادها.
يقول(3): فانتبه لأمور ستة أو سبعة لا يسلم العبد من الكفر أو النفاق إلا باجتماعها، وباجتماعها والعمل بمقتضاها يكون العبد مسلمًا. إذ لابد من مطابقة القلب للسان علمًا وعملاً واعتقادًا وقبولاً ومحبة وانقيادًا فلابد من العلم بها المنافي للجهل، ولابد من الإخلاص المنافي للشرك، ولابد من الصدق المنافي للكذب، ولابد من اليقين المنافي للشك والريب، ولابد من المحبة المنافية للكراهية، ولابد من القبول المنافي للرد، ولابد من الانقياد المنافي للترك.
__________
(1) المصدر السابق، ص 120-122.
(2) التوبة، آية: 5.
(3) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج2، ص 81.(3/263)
ويقول(1): أما هذه الكلمة العظيمة فهي التي شهد الله بها لنفسه وشهد له بها ملائكته وأولوا العلم من خلقه كما قال تعالى: { - رضي الله عنهم - - ( - - { ( - - - (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ((( - - - - - - (( - - - - ((( - ( { ( - - - ( - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( تمهيد - رضي الله عنهم -(( - - - } (2) فلا إله إلا الله هي كلمة الإسلام، ولا يصحُّ إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له ودلَّت عليه، وقبوله والانقياد للعمل، وهي كلمة الإخلاص المنافي للشرك، وكلمة التقوي التي تقي قائلها من الشرك بالله فلا تنفع قائلها إلا بشروط سبع: العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا، واليقين وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب، والإخلاص المنافي للشرك، والصدق المانع من النفاق، والمحبة لهذه الكلمة ولما دلَّت عليه والسرور بذلك، والقبول المنافي للردِّ، والانقياد بحقوقها وهي الأعمال الواجبة إخلاصًا لله وطلبًا لمرضاته.أهـ.
وإلي هنا ينتهي جميع مباحث عارض الجهل.
... الخلاصة:
__________
(1) المصدر السابق، ج2، ص 87.
(2) آل عمران: 18.(3/264)
لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مسلمةٌ، وإلا نفسٌ مؤمنةٌ. والنفس المؤمنة: هي النفس التي تموت لا تشرك بالله شيئًا، وكذلك النفس المسلمة والنفس المؤمنة: هي التي تحقق التوحيد بدءًا واستمرارًا وانتهاءً، هذا إسلام التوحيد للمكلفين، ويدخل الجنة النفسُ المسلمة إسلامَ الفطرة وهو من مات دون سن التمييز(1) من جميع ولدان بني آدم مسلمهم ومشركهم من بلغته الدعوة ومن لم تبلغه. ويدخل فيهم غير المميزين على بعض الأقوال.
الجهل إنما يصلح عذرًا إذا تغير به التكييف الشرعي للفعل، كأن يكون العلم جزءًا لا يتكون مناط الكفر إلا به كاستحلال الحرام قبل العلم بالتحريم فلا يقع شركًا ولا كفرًا، وإن كان ظاهره كذلك لكن حقيقته تكون غير ذلك لوجود هذا العارض أو لجهل التابع لحال المتبوع.
ومن لم تبلغه الدعوة بعد البعثة ـ إذا وجد ـ إن لم نكفره لا نحكم بإسلامه، ولا ننفي عنه وصف الشرك إذا وقع فيه، ويمتحن في العرصات أو هو في المشيئة، ولا يدخل الجنة ابتداءً بما يسمي عقد الإسلام أو يكون مسلمًا دنيا وآخرة لعذره بالجهل.
الجهل في الأحكام إنما يعتبر في حالات المآلات واللوازم، واحتمال أن يكون للفعل وجهًا آخر غير الكفر، وفي حال الانتساب إلى طائفة يغلب عليها الكفر لاحتمال أن يكون أمر التابع غير أمر المتبوع، فهنا لابد من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، وفي غير هذه الحالات لا يلزم استيفاء شروط ولا انتفاء موانع كما مرَّ آنفًا.
أولاد المسلمين بين سن التمييز وسن التكليف في الجنة إلا مَنْ سبقت مشيئة الله وعلمه بكفره كغلام الخضر.
أولاد المشركين بين سن التمييز وسن التكليف في المشيئة إلا من تحقق كفره.
__________
(1) ومن في حكمهم من غير المميزين، ومن توقف عن الشرك عند إنقطاع البلاغ إنقطاعًا كاملاً.(3/265)
من تعدي سن التمييز ولم يميز(1) كالمجنون والأصمّ والشيخ الهرم عند مجئ الرسالة يمتحنون في العرصات.
مَنْ لم تبلغه الدعوة بحال ولا سمع لها بخبر مع انقطاع كامل عن الرسل، يمتحنون في العرصات إلا إذا نقضوا ميثاق الفطرة، فيكونون بذلك من أهل النَّار خالدين فيها بنقض ميثاق الفطرة. وهناك قول آخر أن كل من لم تبلغه الدعوة بحال، ولم تقم عليه الحجة بوجه ولم يسمع لرسول بخبر، فهم في المشيئة أو يمتحنون في العرصات، أو هم في المشيئة.
من مات على الشرك الأكبر فهو في النار خالدًا فيها أبدًا منتسبًا إلى الإسلام أم إلى غيره، إذا بلغه القرآن وسمع بالرسول، خلافًا لمن عذر الناس قبل البعثة، وقاس المسلمين بعد البعثة عليهم، أو عذر المسلمين فقط بعد البعثة ولم يعذر غيرهم لا قبل البعثة ولا بعدها.
يعامل أهل الكفر والشرك من المنتسبين إلى الإسلام بما يستحقونه ويقاتلون عليه، وإن لم نقطع بكفر المعين منهم على الحقيقة، ولكن يسري عليهم حكم الكفر من حيث الجملة، ويقاتلون على ذلك، وإن لم نكفر المعين. والجهل لا يعطي شرعية لتجمعات الكفر والشرك، بل تُقاتل وتحُارب على صفتها وإن لم نكفر المعين. والله سبحانه أعزُّ وأجلُّ وأعلم. انتهى.
حديث بعث النار:
جاء في ”مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد“: وفي الصحيحين أن بعث النار مِنْ كل ألف تسعة وتسعون وتسعمائة وفي الجنة واحد من كل ألف، ولما بكوا من هذا لما سمعوه قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية فيؤخذ العدد من الجاهلية(2)، فإن تمت وإلا كمل من المنافقين» قال الترمذي: حسن صحيح.
__________
(1) على بعض الأقوال هم كغير المميزين من الولدان على إسلام الفطرة.
(2) في رواية أخري «يؤخذ العدد من يأجوج ومأجوج».(3/266)
وجاء في ”البداية والنهاية“(1) وفي ”صحيح البخاري“ عن بندار عن جندر عن شعبة عن أبي إسحق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال: كنَّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فيد فقال: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنَّة، وذلك أنَّ الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر» الحديث رواه البخاري في صحيحه، ورواه مسلم في صحيحه، ورواه أبو داود في سننه، ورواه الترمذي في سننه، ورواه أحمد في مسنده.
الجزء الرابع
الدار والأحكام
الفصل الأول
نتكلم هنا في عدة أمور:
أولاً: النقول.
ثانيًا: الاختيار العلمي.
ثالثًا: ما يترتب عليه من فقه في الدعوة والحركة.
رابعًا: أحوال الأمة من العصمة إلى الاندراس.
خامسًا: الشرعيات.
سادسًا: ما يترتب على ذلك من أهداف الدعوة وغاياتها.
... ... أولاً: النقول
نبدأ بما جاء في ”كتاب العبرة“(2): «في ما جاء من الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وما قال أهل العلم في ذلك، وما يتصل بهذه المسألة من مسائل أخرى.
__________
(1) ابن كثير، البداية والنهاية، كتاب الفتن والملاحم، ج2، ص 6-7.
(2) كتاب العبرة، بيروت، ص 216-256.(3/267)
قال الله تعالى: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - ( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - - - المحتويات - (( ( - (( - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - } - ( - - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - (( ((( - - } - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( - - - ((( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { - رضي الله عنهم -(( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - ( - - ( - { - - (( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله } إلى قوله: { - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - قرآن كريم (( - ( } (1).
قيل المراد بهذه الأرض المدينة، والعموم أولى، لأن الاعتبار به لا بخصوص السبب كما هو الحق، فيراد بالأرض كل بقعة من بقاع الأرض تصلح للهجرة إليها. والمراد بالمستضعفين من الرجال الزمناء ونحوهم، وإنما ذكر الولدان مع عدم التكليف لهم بقصد المبالغة في أمر الهجرة، وإيهام أنها تجب لو استطاعها غير المكلف، فكيف مَنْ كان مكلفًا، وقيل أراد بالولدان المراهقين والمماليك. ولفظ الحيلة عام لأنواع أسباب التخلص، أي لا يجدون حيلة ولا طريقًا إلى ذلك.
__________
(1) النساء، آيات: 97-99.(3/268)
وقد استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الشرك أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهارًا إذا كان قادرًا على الهجرة، ولم يكن من المستضعفين لما في هذه الآية من العموم، وإن كان السبب خاصًا كما تقدم، وظاهرها عدم الفرق بين مكان ومكان، وزمان وزمان. وفي ”التفسيرات الأحمدية“: والمقصود أن الآية تدل على الوعيد على ترك الهجرة، والآية غير منسوخة، وفي هذا الزمان إن لم يتمكن من إقامة دينه بسبب أيدي الظلمة أو الكفرة يفرض عليه الهجرة وهو الحق.(3/269)
قال - عز وجل -: { ?? صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - { - ( - - (( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - - - - (( ((( - - } - - - - - - ( } - عليه السلام - - ( تم بحمد الله - } - - ( الله - - - { - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1)، وفي ”التفسيرات الأحمدية“: هذه الآية في فضائل الهجرة، وقوله: { - - - - ( } - عليه السلام - - ( تم بحمد الله } ? أي متحولاً من الرغام وهو التراب أو طريقًا يراغم قومه بسلوكه أي يفارقهم على رغم أنفهم، وهو أيضًا من الرغام نص به القاضي، وكذا الإمام الزاهد واختار الحسيني الأول، وصاحب الكشاف والمدارك الآخر. إلى أن يقول: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّما الأعمال بالنيِّات، وإنَّما لكل امرئ ما نوى، فَمَنْ كانت هجرته إلى الله ورسولِهِ، فهجرتُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ، ومَنْ كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» متفق عليه. إلى قوله: قلت: وقد افتتح سلف الأمة وأئمتها كتبهم بهذا الحديث لذلك، وكلام أحمد بن حنبل يدلُّ على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده، وهى هذا وحديث «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ»، وحديثُ «الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمورٌ مشتبهة... » الحديث. والهجرة الترك، والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره، وفي الشرع ترك ما نهى الله عنه.
__________
(1) النساء، آية: 100.(3/270)
قال في ”الفتح“: وقد وقعت في الإسلام على وجهين: الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في الهجرة إلى الحبشة، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة. الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر بالمدينة، وهاجر إليه مَنْ أمكنه ذلك من المسلمين، وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة إلى أن فتحت مكة، فانقطع الاختصاص، وبقى عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، لمن قدر عليه باقيًا. إلى أن يقول: وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهادٌ ونيةٌ، وإذا استنفرتم فانفروا» أخرجه البخاري في ”كتاب الحج“، وباب ”فضل الجهاد“، وباب ”وجوب النفير“، وباب ”لا هجرة بعد الفتح“، وفي ”منتقى الأخبار“، رواه الجماعة إلا ابن ماجة، وروت عائشة مثله متفق عليه. إلى أن يقول: قال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر، فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة لما يترجى من دخول غيره في الإسلام». انتهى.
وتعقبه الشوكاني في ”شرح المنتقي“ وقال: «لا يخفي ما في هذا الرأي من المصادمة لأحاديث الباب القاضية بتحريم الإقامة في دار الكفر». انتهى.
وفي ”القسطلاني“: «نعم مادام في الدنيا دار كفر فالهجرة منها واجبة على من أسلم وخاف أن يفتن في دينه». انتهى.
إلى أن يقول: قال ابن العربي: «والهجرة هى الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضًا في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، واستمرت بعده لمن خاف على نفسه، والتي انقطعت أصلاً هى القصد إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حيث كان. إلى أن يقول: وفي ”الفتح“ أيضًا تحت حديث الباب في موضع آخر: أو المراد ما هو أعمّ من ذلك ـ إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها ـ فلا تجب الهجرة من بلد قد فتحه المسلمون، أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين أحد ثلاثة:(3/271)
الأول: قادر على الهجرة منها، لا يمكنه إظهار دينه بها، ولا أداء واجباته، فالهجرة منها واجبة.
الثاني: قادر عليها، لكنه يمكنه إظهار دينه، وأداء واجباته، فمستحبة لتكثير المسلمين، ومعونتهم، وجهاد الكفار، والأمن من غدرهم، والراحة من رؤية المنكر منهم.
الثالث: عاجز بعذر من أسر أو مرض أو غيره، فتجوز له الإقامة، فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر». انتهى.
قال القرطبي في تذكرته: وذلك عند ظهور الفتن وانتشار المنكر وعدم التغيير، فإذا لم يتغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها. فهكذا كان الحكم فيمن كان قبلنا من الأمم، كما في قصة السبت حين هجروا العاصين وقالوا: لا نساكنكم، وبهذا قال السلف - رضي الله عنهم -. وروى ابن وهب عن مالك قال: تُهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارًا ولا يستقر فيها. واحتج بصنيع أبي الدرداء في خروجه عن أرض معاوية حين أعلن بالربا ـ فأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها ـ خرَّجه أهل الصحيح. وقال مالك في موضع آخر: إذا ظهر الباطل على الحق كان الفساد في الأرض. وقال: لا تنبغي الإقامة في أرض يكون العمل فيها بغير الحق. إلى أن يقول: وقال البغوي في ”شرح السنة“ عن الجمع بين الحديثين: يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى، فقوله: «لا هجرة بعد الفتح» أي من مكة إلى المدينة، وقوله: «لا تنقطع الهجرة» أراد به هجرة مَنْ أسلم في دار الكفر عليه أن يفارق تلك الدار، ويخرج من بينهم إلى دار الإسلام، لقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تتراءى ناراهما». انتهى بتصرف يسير.(3/272)
قال: «ويحتمل وجهًا آخر وهو أن قوله: «لا هجرة» أي إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن، وقوله «لا تنقطع» أي هجرة مَنْ هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم. قلت: والذي يظهر أن المراد بالشق الأول وهو المنفي ما ذكره في الاحتمال الأخير، وبالشق الآخر المثبت ما ذكره في الاحتمال الذي قبله، وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ: انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار، مادام في الدنيا دار كفر، فالهجرة واجبة منها على مَنْ أسلم وخشى أن يفتن على دينه، ومفهومه أنه لو قُدِّر أن لا يبقى في الدنيا دار كفر، أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها واللهُ أعلم. وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة، وأن مَنْ أقام بمكة بعد هجرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بغير عذر كان كافرًا. وهو إطلاق مردود والله أعلم». انتهى كلام الفتح.
وعن سمرة بن جندب قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ جامع المشرك وسكن معه فهو مثله» رواه أبو داود. قال الذهبي: إسناده مظلم لا تقوم بمثله حجة». انتهى.
وفيه دليل على تحريم مساكنة الكفار ووجوب مفارقتهم.(3/273)
قال الشوكاني في شرحه ”للمنتقى“: «والحديث وإن كان فيه المقال لكن يشهد لصحته قوله تعالى: { - - - ( } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( { - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( - - مقدمة } - قرآن كريم (( قرآن كريم ( - - - - (( تم بحمد الله { - ( - - رضي الله عنه - فهرس ((( فهرس ( - ( - - ( ( - ( - ( الله أكبر ( { - { - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - ( } تم بحمد الله } (1)». وحديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده مرفوعًا: «لا يقبل الله من مشركٍ عملاً بعدما أسلم أو يفارق المشركين». انتهى.
وعن جرير بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثَ سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأمر لهم بنصف العقل وقال: «أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين» قالوا: يا رسول الله ولِمَ؟ قال: «لا تراءى ناراهما» رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأخرجه أيضًا ابن ماجة، ورجال إسناده ثقات ولكن صحح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم التابعي الكبير، ورواه الطبراني أيضًا موصولاً، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة أيضًا بأسانيده إلى قيس.
__________
(1) النساء، آية: 140.(3/274)
والمعنى: «لا ينبغي أن يكون بموضع بحيث تكون نار كل واحد منهما في مقابلة الأخرى، على وجه لو كانت متمكنة من الأبصار لأبصرت الأخرى، فإثبات الرؤيا للنار مجاز. وقال ابن حجر المكي في فتاواه الحديثية معناه أنه يلزم المسلم أن يبعد منزله عن منزل المشركين أي الحربيين، ولا ينزل بموضع إذا أوقدت فيه نار تلوح، وتُظْهِرُ النارَ التي يوقدونها في منزلهم لأن النارين متي ترائيا كان معدودًا منهم. إلى أن يقول: وعن عبد الله بن السعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو» رواه أحمد والنسائي، وأخرجه أيضًا ابن ماجة وابن منده والطبراني والبغوي وابن عساكر. قال الشوكاني في ”نيل الأوطار“: وقد اختلف في الجمع بين أحاديث الباب، فقال الخطابي وغيره: كانت الهجرة فرضًا في أول الإسلام على منْ أسلم، لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد والنية على مَنْ قام به أو نزل به عدو». انتهى.
وقد حكي في ”البحر“: «أن الهجرة عن دار الكفر واجبة إجماعًا، حيث كان حمل على معصية فعل أو ترك أو طلبها الإمام تقوية لسلطانه، وقد ذهب جعفر بن مبشر وبعض الهدوية إلى وجوب الهجرة عن دار الفسق قياسًا على دار الكفر، وهو قياس مع الفارق. والحق عدم وجوبها من دار الفسق لأنها دار إسلام، وإلحاق دار الإسلام بدار الكفر بمجرد وقوع المعاصي فيها على وجه الظهور ليس بمناسب لعلم الرواية ولا لعلم الدراية، وللفقهاء في تفاصيل الدور والأعذار المسوِّغة لترك الهجرة تفاصيل ومباحث ليس هذا محل بسطها» انتهى. وسيأتي بعضها إن شاء الله تعالى.(3/275)
وقال الشوكاني أيضًا في كتابه ”السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار“ في ذكر دار الإسلام ودار الكفر والهجرة منها إليها ما نصه: «أقول الاعتبار بظهور الكلمة، فإذا كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع مَنْ فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا بكونه مأذونًا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، ولا يضرُّ ظهور الخصال الكفرية فيها لأنها لم تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم، كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية، وأما إذا كان الأمر بالعكس فالدار بالعكس. وهذه المسائل التي اختلف فيها أهل الإسلام وكفَّر بعضهم بعضًا تعصبًا وجرأة على الدين، وتأثيرًا للأهوية لو كان ظهورها في الدار مقتضيًا لكونها دار كفر لكانت الديار الإسلامية بأسرها ديار كفر، فإنها لا تخلو مدينة من المدائن ولا قرية من القري من ذاهب إلى ما يذهب إليه الأشعرية والمعتزلة أو الماتريديه، وقد اعتقدت كل طائفة من هذه الطوائف ما هو كفر تأويل عند الطائفة الأخرى، والحق أنه ليس لكفر التأويل أصل، وليس هذا موضع البسط لهذه المسألة فخذها كليَّة تنج بها من موبقات لا تحصى ومهلكات لا تحصر.
دار الحرب(3/276)
ودار الحرب دار إباحة. ووجه هذا أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بقتال أهل الشرك، وأباح لنا دماءهم وأموالهم ونساءهم، فكانوا من هذه الحيثية على أصل الإباحة، سواء وجدناهم في دارهم أو في غير دارهم. وينبغي تقييد هذا الإطلاق بأن المسلم وماله إذا كان فيها فعصمة دمه وماله باقية، لا يجوز لأحد من المسلمين أن يخالف تلك العصمة، لأن كون دار الحرب دار إباحة هى من تلك الحيثية التي ذكرناها لا مطلقًا. وأما جواز شراء ما أخذ من دار الحرب ممن هو في يده فذلك ظاهر، لأن الآخذ له قد ملكه، فإذا كان الآخذ مسلمًا لم يصح قوله، ولو والدًا من ولد لأن المسلم مخاطب بأحكام الإسلام، ومن جملتها عتق رحمه عليه، وإن كان كافرًا فلا بأس بشراء رحمه منه وإن كان مخاطبًا بالشرعيات كذلك قوله ولو ارتد فوجهه أن المرتد لا يُسترق بل يطالب بالإسلام، فإن فعل وإلاَّ قتل.
وأما قولهم ولا قصاص فيها مطلقًا. فأقول: هذا لا وجه له لا من كتاب، ولا سنة، ولا قياس صحيح، ولا إجماع، فإن أحكام الشرع لازمة للمسلمين في أي مكان وجدوا.(3/277)
ثم يستمر في النقل عن الشوكاني فيقول: وقال في موضع آخر من هذا الكتاب: اعلم أن التعرض لذكر دار الإسلام ودار الكفر قليل الفائدة جدًا لما قدمنا لك في الكلام على دار الحرب، وأن الكافر مباح الدم والمال على كل حال ما لم يؤمَّن من المسلمين، وأن مال المسلم ودمه معصومان بعصمة الإسلام في دار الحرب وغيرها. وإن كانت الفائدة هى ما تقدم من كونهم يملكون علينا ما دخل دارهم قهرًا، فقد أوضحنا لك هنالك أنهم لا يملكون علينا شيئًا، وإن كانت الفائدة وجوب الهجرة عن دار الكفر فليس هذا الوجوب مختصًا بدار الكفر، بل هو شريعة قائمة، وسنة ثابتة عند استعلان المنكر، وعدم وجود من يأخذ على أيدي المنتهكين لمحارم الله تعالى، فحقَّ على العبد المؤمن أن ينجو بنفسه ويفرّ بدينه، إن تمكن من ذلك، ووجد أرضًا خالية عن التظاهر بمعاصي الله، وعدم التناكر على فاعلها، فإن لم يجد فليس في الإنكار أحسن مما كان. وعليه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، كما أرشد إلى ذلك الصادق المصدوق فيما صحَّ عنه. وإذا قدر على أن يغلق على نفسه بابه، ويضرب بينه وبين العصاة حجابه، كان ذلك من أقل ما يجب عليه. والانتقال من شرٍّ إلى شرٍّ، ومن دار عصاة إلى دار عصاة، ليس فيه إلا إتعاب النفس بقطع المفاوز، فإن كان التظاهر بالمعاصي في غير بلده أقل مما هو ببلده كان ذلك وجهًا للهجرة، وفي الشرِّ خيار، وإذا كانت المصلحة العائدة على طائفة من المسلمين ببقائه ظاهرة، كأن يكون له مدخل في بعض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو في تعليم معالم الخير، بحيث يكون ذلك راجحًا على هجرته، وفراره بدينه، فإنه يجب عليه ترك الهجرة رعاية لهذه المصلحة الراجحة، لأن هذه المصلحة الحاصلة له بالهجرة على الخصوص تصير مفسدة بالنسبة إلى المصلحة الموجدة بتركه للهجرة، وأما كون الهجرة يتحقق بأمر الإمام فوجهه وجوب طاعة الأئمة فيما يأمرون به من(3/278)
الطاعة والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة جدًا». انتهى كلام الشوكاني وكلامه متصل من ”السيل الجرار“.
ثم يقول صاحب كتاب ”العبرة“: «ومذهب الحنفية في الباب على ما ذكره صاحب ”رد المحتار على الدر المختار“ أنه لا تصير دار الإسلام دار حرب إلا بأمور ثلاثة: قال: أي بأن تغلب أهل الحرب على دار من دورنا، أو ارتد أهل مصر وغلبوا وأجروا أحكام الكفر، أو نقض أهل الذمة العهد وتغلبوا على دارهم. ففي كل من هذه الصور لا تصير دار حرب إلا بهذه الشروط الثلاثة وقالا(1): بشرط واحد لا غير وهو إظهار حكم الكفر وهو القياس، ويتفرع على كونها صارت دار حرب أن الحدود والقود لا يجري فيها، وأن الأسير المسلم يجوز له التعرض لما دون الفرج، وتنعكس الأحكام إذا صارت دار الحرب دار إسلام فتأمل».
وفي شرح ”درر البحار“ قال بعض المتأخرين: «إذا تحققت تلك الأمور الثلاثة في مصر المسلمين، ثم حصل لأهله الأمان، ونصب فيه قاض مسلم ينفذ أحكام المسلمين عاد إلى دار الإسلام، فمن ظفر من الملاك الأقدمين بشيء من ماله بعينه فهو له بلا شيء، ومن ظفر به بعدما باعه مسلم أو كافر من مسلم أو ذمي أخذه بالثمن إن شاء، ومن ظفر به بعدما وهبه مسلم أو كافر لمسلم أو ذمي وسلمه إليه أخذه بالقيمة إن شاء». أهـ.
قلت: «حاصله أنه لما صار دار حرب، صار في حكم ما استولوا عليه في دارهم بإجراء أحكام أهل الشرك أي على الاشتهار (1) وأن لا يحكم فيه بحكم أهل الإسلام، وظاهره أنه لو أجريت أحكام المسلمين، وأحكام أهل الشرك لا تكون دار حرب (2) وباتصالها بدار الحرب بأن لا يتخلل بينهما بلدة من بلاد الإسلام، وظاهره أن البحر ليس فاصلاً، بل قدمنا في باب استيلاء الكفار أن بحر الملح ملحق بدار الحرب خلافًا لما في ”فتاوى قاري الهداية“».
__________
(1) صاحبا أبي حنيفة، أبو يوسف ومحمد بن الحسن.(3/279)
قلت: «وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز، وبعض البلاد التابعة لها، كلها دار إسلام لأنها وإن كانت لها أحكام دروز أو نصارى، ولهم قضاة على دينهم، وبعضهم يعلنون بشتم الإسلام والمسلمين، لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا، وبلاد الإسلام محيطة ببلادهم من كل جانب، وإذا أراد وليُّ الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها (3) وبأن لا يبقى فيها مسلم أو ذميّ آمنا بالأمان الأول على نفسه، أي الذي كان ثابتًا قبل استيلاء الكفار للمسلم بإسلامه وللذمي بعقد الذمة».
أقول الشروط الثلاثة هى:
ظهور أحكام الكفار.
المتاخمة لديار الحرب.
أن لا يبقى فيها مسلم أو ذميّ آمنًا بالأمان الأول قبل استيلاء الكفار عليها المسلم بإسلامه والذميّ بعقد الذمة.
ثم يقول صاحب كتاب ”العبرة“: «”تتمة“: ذكر في أول جامع الفصولين: كل مصر فيه وال مسلم من جهة الكفار يجوز فيه إقامة الجمع والأعياد وأخذ الخراج وتقليد القضاء وتزويج الأيامى لاستيلاء المسلم عليهم. وأما طاعة الكفرة فهى موادعة ومخادعة، وأما في بلاد عليها ولاة كفار فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد، ويصير القاضي قاضيًا بتراضي المسلمين ويجب عليهم طلب والٍ مسلم... إلخ.
ودار الحرب تصير دار إسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها، كجمعة وعيد وإن بقى فيها كافر أصلي وإن لم تتصل بدار الإسلام بدور. انتهى كلام الشامي. وقال: مسألة الدار في وضوحها نظر». انتهى.
وفي ”مجالس الأبرار ومسالك الأخيار“: «وعند المائة السادسة خروج التتار، وعموم فسادهم، حتي أن العلماء حكموا بكفرهم، واختلفوا في البلاد التي استولوا عليها، هل هى من بلاد الإسلام أم لا. وقالوا البلاد التي في أيديهم اليوم لاشك أنها من بلاد الإسلام، لعدم اتصالها بدار الحرب، ولم يظهروا فيها أحكام الكفر، بل البلاد التي عليها وال مسلم من جهتهم يجوز فيها إقامة الجمع والأعياد إلى آخر ما تقدم.(3/280)
وأما البلاد التي عليها ولاة كفار، فيجوز فيها أيضًا إقامة الجمعة والعيدين، والقاضي قاض بتراضي المسلمين إذ قد تقرر أن ببقاء شيء من العلة يبقي الحكم، وقد حكمنا بلا خلاف بأن هذه الديار قبل استيلاء التتار من ديار الإسلام، وبعد استيلائهم إعلان الأذان والجمع والجماعات، والحكم بمقتضي الشرع والفتوى ذائع بلا نكير من ملوكهم، فالحكم بأنها من بلاد الحرب لا جهة له، وإعلان بيع الخمر وأخذ الضرائب والمكوس برسم التتار، كإعلان بني قريظة في المدينة بالتهود، وطلب الحكم من الطاغوت في مقابلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك كانت المدينة بلدة الإسلام بلا ريب. ثم إنَّ مَنْ قال منهم أنا مسلم، وشهد بكلمتي الشهادة يحكم بإسلامه، لكن في الخلاصة مسألة يجب التنبيه عليها، وهى أن أهل بلده إذا كانوا يدعون الإسلام ويصلون ويصومون ويقرأون القرآن، ومع ذلك يعبدون الأوثان فأغار عليهم المسلمون وسبوهم، وأراد إنسان أن يشتري من تلك السبايا إن كانوا يقرون بالعبودية لملكهم جاز الشراء، وإن لم يكونوا مقرين بالعبودية لملكهم جاز شراء النساء والصبيان دون الكبار». انتهى.(3/281)
وقال الموزعي في ”تيسير البيان“: «فإن قال فما حكم الهجرة في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وبعده؟ قلنا: أما في زمنه فأجمعت الأمة على وجوب الهجرة من مكة إلى المدينة، حتي قال الواحدي والبغوي: أنها شرط في الإسلام، واختلفوا فيما عدا مكة، فقال أبو عبيد: لا يجب عليه الهجرة لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر من أسلم من العرب بالمهاجرة إليه، ولم ينكر عليهم مقامهم ببلدهم، ولأنه كان إذا بعث سرية قال لأميرهم: إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال... الحديث. وفيه: ثم ادعهم إلى التحول عن دارهم إلى دار المهاجرين، إلى قوله: فإن أجابوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حُكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفئ والغنيمة نصيب، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين. وقال الجمهور: تجب الهجرة من سائر بلاد الحرب إلى دار الإسلام على من لا يقدر على إظهار دينه، ولا تجب على من يقدر عليه بعشيرة أو رياسة، كما جاز ذلك للعباس - رضي الله عنه -، لكن يستحب له المهاجرة، وكذا الحكم في الهجرة في زمننا تجب عليه إن كان لا يتمكن من إظهار دينه، وتستحب إن كان يتمكن من إظهاره، والبدعة تجري مجري الكفر في وجوب الهجرة واستحبابها، وأما سائر المعاصي فيستحب ولا تجب الهجرة لأجلها، إلا أن يغلب عليها الحرام فإن طلب الحلال فرض». انتهى.(3/282)
وقد سئل العلامة محمد بن إسماعيل الأمير رحمه الله عن دار الكفر هل هى كما عُرف من مفاهيم الكتب أنها ما ظهرت فيها خصلة كفرية من غير جوار، فإن كانت كذلك فلزم مثل أن عدن وما والاها أنها ديار كفر مع أن أكثر أهلها من المسلمين، تقام فيهم الجمعة والجماعة، ولكن الشوكة فيها للإفرنج، وكذلك نظائرها من بلاد الهند، فما الذي يترجح عندكم؟ فأجاب رحمه الله بما نصه: أن الإمام المهدي رحمه الله ذكر في كتابه ”القلائد“ أن دار الكفر ودار الإسلام ثابتتان بالإجماع، وإنما الخلاف في تفسيرهما. فقال الأكثر وهم الهدوية: أن دار الإسلام ما ظهرت فيها الشهادتان والصلاة، ولم تظهر فيها خصلة كفرية ولو تأويلا إلا بجوار وذمة من المسلمين، كإظهار اليهود والنصارى دينهم في أمصار المسلمين.(3/283)
قال المؤيد بالله(1) وغيره من أهل البيت وأبو حنيفة: «بل دار الإسلام ما ظهرت فيها الشهادتان والصلاة، ولو ظهرت فيها الخصال الكفرية من غير جوار، قيل والعبرة في الدار بالغلبة والقوة، فإن كانت القوة للكفار من سلطان أو رعية، كانت الدار دار كفر، وإن كانت القوة للمسلمين كانت دار الإسلام. وقيل بل العبرة بالكثرة، فإن كان الأكثر مسلمين فهى دار إسلام، وإن كان الأكثر كفار فهى دار كفر. وقيل الحكم للسلطان، فإن كان كافرًا كانت الدار دار كفر ولو كانت الرعية كلهم مؤمنين، وإن كان مسلمًا كانت الدار دار إسلام ولو كانت الرعية كلهم كفارًا. وهذه الأقاويل في خلاف دار الكفر احتج الأولون وهم الهدوية بأن الأصل في إثبات دار الكفر هو مكة قبل الفتح والمدينة بعد الهجرة، فإنها كانت لا تظهر في مكة الصلاة والشهادتان إلا بجوار من الكفار، والكفر فيها ظاهر من غير جوار. وكانت المدينة دار إسلام بعد الهجرة إذ كان فيها ظهور الشهادتين والصلاة من غير جوار، ولا يظهر الكفر إلا بجوار فكانت دار إسلام. واستدل المؤيد بالله ومن معه بالحديث الصحيح: «أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله...» الحديث. وفيه:« فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» قالوا: فإذا حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وكان محرم الدم والمال لإسلامه وجب أن يكون الموضع الذي يقف فيه دار إسلام».
__________
(1) يظل يتنقل بين الرأيين، حتي يأتي إلى النقل من رسالة ”السيف البتار على من يوالي الكفار ويتخذهم من دون الله ورسوله والمؤمنين أنصار“.(3/284)
قالوا: «ودار الكفر ما ظهرت فيها خصاله، وتاخمت بلاد أهله، ولم يظهر فيها خصلة إسلامية إلا بجوار. واستدل له أيضًا بحديث «الإسلام يعلو ولا يُعلي عليه» وبأنه يُلحق الصبي بالمسلم من أبويه بدليل الحديث المذكور. واستدل له أيضًا بأن المدينة بعد الهجرة إليها كانت تظهر فيها كلمة الكفر من المنافقين بلا جوار لهم مع الإجماع على كونها دار إسلام. قلت: وفي هذا الاستدلال الذي تمسكوا به في هذه المسألة نظر، لأن المنافقين كان لهم في الدنيا حكم المسلمين، وأنهم لو انفردوا إلى بلدة لكانت دار إسلام، وبأنا نمنع أنهم كانوا يظهرون كلمة الكفر، بل كانوا يسرون، وإذا نقل عنهم شيء من مواقفهم الخاصة مما هو كفر بالغوا في الإنكار كما هو معروف في كتب السير والآثار، وكما قال تعالى فيهم: { ولَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } (1)، وقال تعالى { يَحَلِفُونَ } ، { وسَيَحْلِفُونَ } ، { ويَعْتَذِرُونَ } وغير ذلك مما يحصل به اليقين أنهم كانوا لا يظهرون خصال الكفر، واستدل بأن مكة بعد الفتح كانت تظهر فيها خصال كفرية، كطوافهم بالبيت عراة إلى عام إرساله - صلى الله عليه وسلم - بسورة براءة وهى السنة التاسعة».
__________
(1) التوبة، آية: 107.(3/285)
يقول صاحب كتاب ”العبرة“(1): «وإذا عرفت هذا عرفت قوة كلام المؤيد(2) بالله ومن معه، وأن بلاد عدن والهند دار إسلام، أي على ما فيها من ظهور الخصال الكفرية وغلبة الإفرنج. ولابد ها هنا من تحقيق ماهية الظهور المأخوذ في حقيقة الدارين، هل هو إضافي أم حقيقي، فأما الظهور المأخوذ في حقيقة دار الإسلام فلا يفترق الحال بين كونه حقيقيًا أي غير مسبوق بكفر، أو إضافيًا وهو المسبوق بالكفر، وإنما يفترق الحقيقي والإضافي في ظهور كلمة الكفر المأخوذ في حقيقة دار الكفر، فإن كان حقيقيًا أي غير مسبوق بظهور الإسلام فلا مزية في كون ما هذا حاله من البقاع دار حرب، تجري على أهلها أحكام الحربيين، من استباحة الدم والأموال وسبي الذراري وغيرها من الأحكام، وإن كان إضافيًا أي مسبوقًا بظهور الإسلام، فإن ظهرت كلمة الكفر من أهله الساكنين فيه خلفًا عن سلف، فالأظهر كونهم مرتدين لا حربيين، لمعرفتهم بالصانع، وتقدم إقرارهم بالشرائع، وإن كان من غير أهله الساكنين فيه، بل لو فرضنا انقراضهم واختطاط كفار أصليين لذلك المحل، وثبوتهم على كفرهم فيه فهم حربيون، ويكون المحل دار حرب إن صدق عليهم الحد الذي ذكروه في بيان معنى الظهور وإلا فلا. ومعني الظهور المأخوذ في حد الدارين فإن فسر بالغلبة والشوكة والحكم على ما يقتضيه كلام الهدوية وغيرهم فلا يصدق حد دار الحرب بهذا المعني إلا على بلاد الحبشة، وأوطان الإفرنج ونحوهم من طوائف الكفر وعبَّاد الأوثان، وبعض الديار الهندية، فهذه المذكورات دار حرب بلا تردد ولا شبهة للغلبة والشوكة والحكم. وأما الأقطار التي استولي عليها المسلمون وغلبوا عليها منذ الفتوحات الإسلامية أيام الدولتين الأموية والعباسية وهلم جرا، فبعد ظهور كلمة الإسلام بهذا المعني هى دار الإسلام، إذ الأصل في كل قطر من أقطار الإسلام بعد ظهور كلمة الإسلام أن يكون إسلام أهله من البقاء على
__________
(1) كتاب العبرة، ص 235.
(2) القياس مع الفارق.(3/286)
يقين، فلا يرتفع عنه إلا بيقين. فمتي علمنا يقينًا ضروريًا بالمشاهدة أو السماع تواتر أن الكفار استولوا على بلد من بلاد الإسلام التي تليهم، وغلبوا عليها وقهروا أهلها، بحيث لا يتم لهم إبراز كلمة الإسلام إلا بجوار من الكفار؛ صارت دار حرب، وإن أقيمت فيها الصلاة. وبهذا التمهيد يظهر واللهُ أعلم أن الخلاف في دار الحرب بين الهدوية وبين المؤيد بالله وأبي حنيفة يعود إلى الوفاق، أو أنها مادة اجتماع بينهم، لأن الهدوية يعتبرون في حقيقة دار الحرب ظهور كلمة الكفر بالمعني الذي ذكرناه، ولا ينافيه ظهور كلمة الإسلام بالمعني الأعم، أعني مطلق الظهور.(3/287)
والمؤيد بالله وأبو حنيفة يعتبران فيما حكاه عنهما صاحب ”البيان وشارح الأثمار“، ظهور كلمة الكفر بالمعني الذي ذكرناه مع المتاخمة لبلاد الكفر، وقد اجتمع الشرطان في هذه المادة، فصار ما هذا حاله دار حرب اتفاقًا. ولا يتصور وجود دار حرب على رأي المؤيد بالله وأبي حنيفة إلا به مع المتاخمة، ولا ظهور بالمعني الأخص في غير البلدة المتاخمة لبلدان أهل الشرك. فلا دار حرب في دار أهل الإسلام لغير المتاخمة لبلد أهل الشرك، وإن اختل فيها أحد الأركان أو وجدت فيها كلمة الكفر بالمعني الأعم، فهم إما فسَّاق إن اقتصروا على ترك الشرائع تقاعدًا مع الإقرار بوجوبها، أو مرتدون إن تركوها إنكارًا وجحودًا، أو ردًا لها، لسبق معرفتهم للصانع وإقرارهم بالشرائع مع علمهم بأن تلك الأقوال والأفعال الصادرة عنهم موضوعة للكفر موجبة له لا لو جهلوا فلا ردة بصدورها عنهم، ذكر معنى ذلك الإمام المهدي في البحر، وعلل عدم كفر من هذا حاله بكونه لم يشرح بالكفر صدرًا وهو شرط(1) وبما حررناه تبين لك أن عدن وما والاها، إن ظهرت فيها الشهادتان والصلوات، ولو ظهرت فيها الخصال الكفرية بغير جوار، فهى دار إسلام. وإلا فدار حرب، وكذا سائر بلاد الهند وما والاها، الحكم عليها بهذا الاعتبار. هذا ما بلغ إليه العلم لقصد إجابة السائل. انتهى كلام محمد بن إسماعيل الأمير.
__________
(1) ليس شرطًا إلا في حالة الإكراه كما سبق بيانه.(3/288)
يقول صاحب كتاب ”العبرة“: «وقد ذهب الشيخ العلامة عبد العزيز وأخوه الفاضل الفهامة رفيع الدين ابنا الشيخ أحمد ولي الله المحدث الدهلوي رحمهم الله تعالى إلى أن بلاد الهند التي في أيدي النصارى اليوم ديار حرب بناء على أن إمام المسلمين لا يجري حكمه فيها، ولم يبق أحد من المسلمين القاطنين بها على الأمان الأول، ولا يراد من إجراء أحكام الكفر إلا أن يكون الكفار ثمة قضاة مستقلين في تمشية أمور المملكة، ونظم الرعايا، ونسق البرايا، وأخذ الخراج، وعشور أموال التجارة، وسياسة قطاع الطريق والسارقين، وفصل الخصومات، وجزاء الجنايات، ولا يوجد من يزاحمهم في ذلك، وإن كان بعض الأحكام الإسلامية كالجمعة والعيدين وذبح الحيوانات جاريًا على منهاجه من دون تعرض منهم لذلك، وأطال في تقرير هذه المسألة كما حررناها في ملحقات إفادة الشيوخ. وقد اعترض عبد الحكيم الفيخابي على الشيخ عبد العزيز بترك الهجرة مع القول منه بأن مملكة الهند دار حرب. فأجاب: بأن وجوب الهجرة على الاستطاعة، ولا استطاعة لي، وبأن الهجرة لا تجب على الفور بل هى على التراخي، ولهذا مكث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بمكة وأقام بها ثلاث عشرة سنة، وكانت حينئذ دار حرب(1) فلما هيأ الله له - صلى الله عليه وسلم - أسباب الهجرة هاجر إلى المدينة الطيبة زاد الله لها شرفًا وتعظيمًا(2)». انتهى.
__________
(1) دار دعوة.
(2) آخر كلام العلامة محمد بن إسماعيل الأمير.(3/289)
يقول صاحب كتاب ”العبرة“(1): وعندي أن هذه المسألة من المشتبهات التي لم يظهر حكمها على وجه يحصل منه ثلج الصدر، ويذهب به عطش الفؤاد، ولذا تراني حررتها في هداية السائل إلى أدلة المسائل مقيدًا بالمذهب الحنفي الدال على أن بلاد الهند ديار الإسلام، وكتبتها في موضع آخر على طريقة أهل الحديث الدالة على أنها ديار الكفر، وجمعت هنا بين الضب والنون ولم أقطع بشيء من ذلك، ويمكن أن يقال أن في المسألة قولين وهما قويان متساويان، وإن كان كونها دار كفر أظهر؛ نظرًا إلى ظاهر الأدلة وواضح التقوي، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فمن اتقي الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» وقال - عليه السلام -: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» واللهُ سبحانه أعلم وعلمه أتم وأحكم. وقال الشيخ جمال المكي في بعض فتياه: الهجرة التي تكون من المسلم لإصلاح دينه إلى مكة أو غيرها من مدن الإسلام فإنها باقية وثابت حكمها مدي الدهر والأيام كما نصَّ عليه الأئمة الأعلام.
قال إسماعيل الحقي في تفسيره ”روح البيان“ عند قوله تعالى: { ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( - - - ((( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { - رضي الله عنهم -(( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (2) الآية الكريمة إرشاد إلى وجوب المهاجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة أمر دينه بأي سبب كان. وقال الحرادي في تفسيره: فيه دليل على أنه لا عذر لأحد في المقام على المعصية في بلد لأجل المال والولد والأهل، بل ينبغي أن يفارق وطنه إن لم يمكنه إظهار الحق فيه، ولهذا روى عن سعيد بن جبير أنه قال: إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها.
__________
(1) كتاب العبرة، ص 238.
(2) النساء، آية: 97.(3/290)
وفي ”الفتح“: «وإذا لم يكن سلطان ولا من يجوز التقلد منه كما هو في بعض بلاد المسلمين غلب عليها الكفار كقرطبة الآن، يجب على المسلمين أن يتفقوا على واحد منهم يجعلونه واليًا فيولي قاضيًا، ويكون هو الذي يقضي بينهم، وكذا ينصبون إمامًا يصلي بهم الجمعة». انتهى.
وهذا هو الذي تطمئن النفس إليه فليعتمد. وأما دعواه أن كل بلاد الهند دار حرب فدعوى بلا دليل، وقد علمت مما صرح به أنها بهذا القدر لا تصير دار حرب. وقال أحمد الطحطاوي في حاشيته على ”الدر المختار“ ظاهره أنه لو أجريت أحكام المسلمين وأحكام أهل الشرك لا تكون دار حرب. انتهى. هذا آخر كلام الشيخ جمال.
وقال السيد العلامة المحقق عبد الله بن عبد الباري بن محمد الأهدل رحمه الله تعالى المتوفي سنة 1271هـ في رسالته ”السيف البتار على من يوالي الكفار ويتخذهم من دون الله ورسوله والمؤمنين أنصار“ ما نصه: «حكم البلدة التي استولى عليها الكفار من بلاد الإسلام على ما قال ابن حجر المكي في التحفة وغيرها، أنها باقية على حكمها دار إسلام، وإن كانت دارحرب صورة، فهى دار إسلام حكمًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلام يعلو ولا يعلي عليه» ولقوله تعالى: { - - ( { - عليه السلام -(( - - } - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -( - - } (1) وإذا كانت دار إسلام كان على أهل الإسلام فرضًا وحقًا استنقاذها من أيدي الكفرة، بمناهضتهم ومحاصرتهم والتضييق عليهم بكل ممكن. انتهى.
__________
(1) الأعراف، آية: 128.(3/291)
وأما حكم من ينتقل إلى هذه البلدة المأخوذة، التي استولي عليها أهل الكفر، فهو عاص فاسق مرتكب الكبيرة من كبائر الإثم إن لم يرض بالكفر وأحكامه، فإن رضى بها ونعوذ بالله منه فهو كافر مرتد، تجرى عليه أحكام المرتد. وليتأمل العاقل أنه ما الحامل لهذا المسلم على النقلة من دار الإسلام الخالية عن الكفار إلى الدار التي أخذها الكفار، وأظهروا فيها كفرهم، وقهروا مَنْ فيها بأحكامهم الطاغوتية الكفرية إلا الزيغ وحبُّ الدنيا، التي هى رأس كل خطيئة، وجمع حطامها من غير مبالات بحفظ الدين، وعدم الأنفة من إهانة التوحيد، ومحبة جوار أعداء الله على جوار أحبائه، والله تعالى يقول: { ((( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - ( ( المحتويات ( - ( { - رضي الله عنه -( } (1)، ويقول - عز وجل -: { - - - ( ( - ((( { - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - ( - ( - - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( الله ( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - } (2)، ويقول - عز وجل -: { ?? - - - ( } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( { - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( - - مقدمة } - قرآن كريم (( قرآن كريم ( - - - - (( تم بحمد الله { - ( - - رضي الله عنه - فهرس ((( فهرس ( - ( - - ( ( - ( - ( الله أكبر ( { - { - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - ( } تم بحمد الله } (3) فليتأمل قوله - عز وجل -: { ( - ( - ( الله أكبر ( { - { - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - ( } تم بحمد الله } وهذا حكم مَنْ بُلي بمجاورتهم، فما بالك بحكم مَنْ تكلف النقلة لجوارهم، فكيف يشك في ضلاله وفساد دينه والعياذ بالله تعالى. وأما حكم جباية الأموال إلى هذه البلدة وإحيائها
__________
(1) النساء، آية: 81.
(2) الأنعام، آية: 68.
(3) النساء، آية: 140.(3/292)
وتشييد البنيان فيها، فالواجب المقرر المعتبر شرعًا في مثل هذه البلدة المأخوذة، مقاومة الكفار من أهل البلد، ومن كان على دون مسافة القصر منها، ومَنْ كان فوقها يلزمه الموافقة لأهل ذلك المحل بقدر الكفاية إن لم يكفّ أهلها، هذا حكم مثل هذه البلدة. وعبارة المنهاج مع شرحه التحفة الثاني من خالى الكفار يدخلون بلدة لنا كان خطبًا عظيمًا، فيلزم أهلها الدفع بالممكن من أي شيء أطاقوه، فإن أمكن التأهب للقتال وجب الممكن في دفعهم حتي على فقير وولد ومدين وعبد وامرأة فيها قوة، وألا يمكن تأهب للقتال، فمن قُصِدَ منا دفع عن نفسه بالممكن. ومن هو دون مسافة القصر من البلد، وإن لم يكن من أهل الجهاد كأهلها في تعيِّن وجوب القتال، ومن على المسافة المذكورة فما فوقها، يلزمهم إن وجدوا زادًا وسلاحًا ومركوبًا المدافعة بقدر الكفاية، إن لم يكف أهلها ومن يليهم دفعًا عنهم وإنقاذًا لهم». انتهى.(3/293)
فإذا كان الواجب في حق المسلمين أهل البلدة المذكورة، ومن دون مسافة القصر عينًا، ومن فوقها كفاية، هو المقاومة للكفار المذكورين، وإنقاذ مَنْ فيها من المسلمين، وإخراجهم منها بالمحاربة والمحاصرة والمضايقة الشديدة، كما أمر الله تعالى في كتابه بقوله عزّ قائلاً: { ?? } - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - ( - رضي الله عنه -((( - ( - ((( - ( - - - ( { ( - - مقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) الآية. وهى في الكفار الذين ببلدهم، فما حكم مَنْ أخذوا بلدتنا، وكسرُوا بيضتنا، واستباحوا حرمتنا إلا ذلك، بل لهم منه بالأحق الأوْجَب الأَحرى. فمن شدَّ الرحال وزم السفن والأحمال إلى هذه الدار، وحمل إليها الأمتعة والأبذار، وأحيا أسواقها بالبيوعات، وشوارعها بالروحات والغدوات، وعمَّر فيها البنيان وشيد بها العمران، فقد خالف الشريعة المحمدية، ونبذ العهود الإلهية، ورضى بأحكام الجاهلية { ??? - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه -( - (- صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - ( - ( - - - - - قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات فهرس - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( ( المحتويات } - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله -(( قرآن كريم - ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - ( - } (2)
__________
(1) التوبة، آية: 5.
(2) آل عمران، آية: 83.(3/294)
هذا وظاهر النصوص القرآنية التي هى الدلائل اليقينية عدم إيمان مَنْ يوالي الكفار، ويتولاهم في أموره من دون المسلمين الذين هم للدين أنصار، وهو المسئول عنه الذي ترك دار الإسلام الخالية عن الكفار، ورحل إلى دار استولى عليها الكفر وأربابها الفجار. قال تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - - - مقدمة { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( الله أكبر - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( } (1) الآية، وقال تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - ( } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( { ( - ( - المحتويات ( - ( - - - ( { ( - } - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه
__________
(1) المجادلة، آية: 22.(3/295)
وسلم -( - - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - } (1)، وقال تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - - - - - عليه السلام - - ( - ( } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ((((- رضي الله عنه - - (( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - (((- رضي الله عنه - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله } (2)، وقال تعالى: { - - عليه السلام - - ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } (3) الآية، وقال تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - -
__________
(1) الممتحنة، آية: 1.
(2) المائدة، آية: 51.
(3) المائدة، آية: 55.(3/296)
رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - عليه السلام - - - ( - - - جل جلاله -- صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - جل جلاله - تمهيد (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( تمهيد - - - عليه السلام - - - } (( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( { } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - تمت ( { - ((- جل جلاله -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله } (1) إلى غير ذلك من الآيات الكريمات المفصحة بعدم إيمان مَنْ يواد الكفار وفسقهم، والمناداة عليه بأنه منهم، وهل بعد بيان الله بيان، أو بعد حكمه حكم، ومَنْ أحسنُ مِنَ الله حكمًا. وما كان موادة سيدنا حاطب بن بلتعة ـ الذي نزلت بسببه سورة الممتحنة ـ إلا الكتاب الذي كتبه إلى أهل مكة، يخبرهم بخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع أنه لم يفعل ذلك ارتدادًا، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام، وهو بدري باتفاق أهل العلم، وقد نزل فيه ما سمعت، وعلَّل سبحانه الزجر عن موالاتهم لكونهم كفروا بما جاءنا من الحق الآية. وهل كفر فوق كفر الإفرنج؟!
__________
(1) المائدة، آية: 57.(3/297)
وقد سئل ابن سيرين عن رجل يبيع داره من نصراني يتخذها بيعة فتلي قوله - عز وجل -: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله } (1) الآية. فكيف حكم من يتولاهم بجلب الميرة والبضائع والأموال التي تقويهم، وتشد شوكتهم على الإسلام، وبمن يذل لعزتهم، ويتضعضع لصولتهم، ويخضع لأحكامهم. فأنَّى له بعد ذلك التسمي بعنوان الإيمان والإسلام، وقد استسلم لأحكام الكفر: { - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( فهرس - } - ((( - - - } تمت ( - - ( فهرس - } - ((( - - - ( - - - جل جلاله -( - ( - - - } (2) ولا حول ولا قوةَ إلا بالله. وقال تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - { - رضي الله عنه - الله أكبر - - (( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - صدق الله العظيم ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - - رضي الله عنه - تمهيد - رضي الله عنهم - - } (3) الآية. فالبطانة الدخلاء والاخلاء، يصدق على اتخاذهم كتابًا وحسَّابين وبوابين ومآمين إلى غير ذلك من أصناف البطانة، علَّل سبحانه النهي عن ذلك، بأنهم يحبون مشقتنا، وقد ظهرت
__________
(1) المائدة، آية: 51.
(2) النساء، آية: 139.
(3) آل عمران، آية: 118.(3/298)
البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، فلا يعزون بعد إذ أهانهم الله، ولا يقربون بعد إذ أبعدهم الله تعالى، كما قاله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وحاصل القرآن مقاطعة الكفار، من جميع الوجوه، ومباينتهم في كافة الأحوال، فلا مواصلة بيننا وبينهم قط.
وأما القوم الذين في بلاد الإسلام من المسلمين، ويدعون أنهم من رعية النصارى، ويرضون بذلك ويفرحون به، وأنهم يتخذون لسفنهم بيارق، وهى التي تسمى الرايات مثل رايات النصارى، إعلامًا منهم بأنهم من رعاياهم، فهؤلاء قومٌ أشربوا حبّ النصارى في قلوبهم، واستحضروا عظمة ملكهم وصولتهم، ولاحظوا الذي أقرَّ الدنيا بأيديهم التي هى حظهم من الدنيا والآخرة، وقصروا نظرهم على عمارة الدنيا وجمعها، وأن النصارى أقوم لحفظها ورعايتها، فإن كان القوم المذكورون جُهّالاً، يعتقدون رفعة دين الإسلام وعلوه على جميع الأديان، وأن أحكامه أقوم الأحكام، وليس في قلوبهم مع ذلك تعظيم للكفر وأربابه، فهم باقون على أحكام الإسلام، لكنهم فسَّاق مرتكبون لخطب كبير، يجب تعزيرهم عليه وتأديبهم وتنكيلهم. وإن كانوا علماء بأحكام الإسلام، ومع ذلك صدر عنهم ما ذكر، فيستتابوا فإن رجعوا عن ذلك وتابوا إلى الله، وإلا فإنهم مارقون. فإن اعتقدوا تعظيم الكفر، ارتدوا وجرى عليهم أحكام المرتدين. وظاهر الآيات والأحاديث عدم إيمان المذكورين قال تعالى: { ( - - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - ( - ( - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمهيد (- رضي الله عنهم - - ( - - ( - - - - فهرس - ( { ( - قرآن كريم - - جل جلاله - - - - } - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ((3/299)
- (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - ( - ( - - (( } تم بحمد الله ( - قرآن كريم - - جل جلاله - - - - - فهرس - ( { ( تمهيد (- رضي الله عنهم - - ( - - ( - - - ((1) فالآية تقتضي أن الناس قسمان: الذين آمنوا وليُّهم الله تعالى، أي لا غيره، فليس لهم مولى دون الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، اللهُ مولانا ولا مولى لكم. والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت. فلا واسطة، فمن اتخذ الطاغوت وليًّا دون الله فقد خسرَ خسرانًا مبينًا، وارتكب خطبًا جسيمًا، فليس إلاَّ وليّ لله أو وليّ الطاغوت، فلا شركة بوجه من الوجوه البتة، كما تقتضيه الآية، وقال تعالى: { - - - ( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - - (( - - مقدمة - - قرآن كريم ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - رضي الله عنهم - - - (( - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - ( - (( ( المحتويات ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - } صدق الله العظيم - عليه السلام - - - مقدمة - - - ( } تم بحمد الله - تمهيد ( - - ( - - } - قرآن كريم ( - ( - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - ( - فهرس - } (2) وقد حكم الله أن لا يتولى الكفار بوجه أبدًا، فمن خالف لم يحكم بإيمانه، فأنى - يكون له إيمان، وقد نفى الله سبحانه إيمانه، وأكد النفي بأبلغ الوجوه والأقسام على ذلك فاستفده. وأخرج أبو داود عن ابن عمر،
__________
(1) البقرة، آية: 257.
(2) النساء، آية: 65.(3/300)
والطبراني في ”الأوسط“ عن حذيفة مرفوعًا: «مَنْ تشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم» فهذا الحديث زاجرٌ عن التشبه بالكفار في نصب البيارق وغيره من وجوه التشبه، كهيئة اللباس والمشي والحركات والسكنات، وقد خالف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اليهودَ، وأمر بمخالفتهم في جميع ما يفعلونه، وكذلك المجوس والنصَّارى، في شعورهم ولباسهم وأعيادهم وصومهم وجميع أحوالهم، مغايرة لهم وإغاظة. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تستضيئوا بنار المشركين» وورد عن سيدنا عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - النهي عن مساكنتهم، وتعلم كتبهم، والدخول معهم في أعيادهم، ومجامعهم، وتعلم رطانتهم، إلى غير ذلك. فمن تشبَّه بهم محبة لهم ورضى بكفرهم فهو كافر كفرًا بواحًا، ومَنْ يفعل ذلك غافلاً عن هذا القصد، فقد شابههم في أمورهم الجاهلية، ففيه خصلة من خصالهم، تلزمه التوبة منها بالشرط المقرر لها في محله. قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني - رضي الله عنه -: حديث «مَنْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم» أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله } (1) وهو نظير قول ابن عمر: مَنْ بني بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبَّه بهم حتي يموت، حُشِرَ معهم يومَ القيامة، فقد حمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يقتضي الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرًا أو معصية أو شعارًا لها كان حكمه كذلك. انتهى.
__________
(1) المائدة، آية: 51.(3/301)
وأما مَنْ يمدح النصارى، ويقول أنهم أهل العدل، أو يحبون العدل، ويكثر ثناءهم في المجالس، ويهين ذكر السلطان للمسلمين، وينسب إلى الكفار النصفة، وعدم الظلم والجور، فحكم المادح أنه فاسق عاص مرتكب كبيرة، تجب عليه التوبة منها، والندم عليها إذا كان مدحه لذات الكفار من غير ملاحظة صفة الكفر التي فيهم. فإن مدحهم من حيث صفة الكفر فهو كافر، لأنه مدح الكفر الذي ذمه جميع الشرائع، وقد حذَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مدح المسلم بما لا يعلمه المرء، فقال: وقد سمع قومًا يمدحون شخصًا: «لقد قطعتم عنق الرجل» أي أهلكتموه، وأما مدح العدل بما فيه تزكية له عند حاكم، أو تعريفًا بشأنه، فهو جائز، بل قد يجب. ومدح المسلم الفاسق معصية لحديث «إذا مدح الظالم غضب الله» فإذا كان ذلك في الظلم الأصغر فما ظنك بالظلم الأكبر. إلى أن يقول: وحاصله: أن مدح الكفار لكفرهم، ارتداد عن دين الإسلام، ومدحهم مجردًا عن هذا القصد كبيرة، يعزر مرتكبها بما يكون زاجرًا له.(3/302)
وأما قوله أنهم أهل عدل، فإن أراد أن الأمور الكفرية التي منها أحكامهم القانونية عدل فهو كفر بواح صراح، فقد ذمَّها اللهُ سبحانه وشنع عليها، وسماها عتوًا وعنادًا وطغيانًا وإفكًا وإثمًا مبينًا وخسرانًا مبينًا وبهتانًا. والعدل إنما هو شريعة الله التي حواها كتابه الكريم، وسنة نبيه الرؤوف الرحيم. قال تعالى: { } تمت ( { { - - - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - ( صدق الله العظيم ( - - ( مقدمة تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) فلو كانت أحكام النصارى عدلا لكانت مأمورًا بها، ولزم على ذلك التناقض والتدافع في الرد عليهم. قال تعالى: { - المحتويات ( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( { } - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - - - - - ( - ( مقدمة - الله ( قرآن كريم - { ( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - قرآن كريم ( - ((2). فالله سبحانه حكمه هو الحسن لا غيره، فأنَّي يكون لحكم النصارى حسنٌ، لأن كل عدل حسن، وكل جور قبيح، والحسن ما حسَّنه الشرع، والقبيح ما قبَّحه الشرع لا العقل. وقال تعالى: { - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - فهرس - ( { ( المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم
__________
(1) النحل، آية:90.
(2) المائدة، آية:50.(3/303)
-( - ((( - - رضي الله عنه - - ( مقدمة ( - } (1) وهؤلاء سموا ما أمرهم الله بالكفر به عدلاً، وغلوْا في ضلالهم، ويريد الشيطان أن يضلَّهم ضلالاً بعيدًا. وإن أرادوا العدل المجازي، الذي هو عمارة الدنيا بترك الظلم، الذي هو تخريب الدنيا، فلا يلزم منه الكفر، لكنه يزجر عن ذلك الزجر البليغ. وأما ما يروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ولدتُ في دولةِ الملك العادل» آنو شروان فقد أراد العدل المجازي، لاسيما والملك المذكور كان في زمن الفترة، كما هو معلوم على أن الحديث المذكور لا أصل له، كما ذكر ابن حجر في ”النعمة الكبري“ وغيره في غيره. وقال: وإطلاق العادل عليه بفرض وروده لتعريفه بالاسم الذي كان يدعي به، لا للشهادة له بذلك، أي بالعدل، فإنه كان يحكم بغير حكم الله. وقال السخاوي: الحديث موضوع، ولو صح لم يكن في وصفه بالعدل بأس، فإنه كان لايجور على أحد من رعيته، ولا يظلمهم في حقوق الدنيا، فعدله بالنسبة لذلك لا ينافي كفره وظلمه لنفسه بجهله. انتهى.
__________
(1) النساء، آية:60.(3/304)
قال الزركشي: كذب باطل. وقال السيوطي: قال البيهقي في ”شعب الإيمان“: تكلم شيخنا أبو عبد الله الحافظ على بطلان ما يرويه بعض الجهلاء عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -: «ولدت في زمن الملك العادل» يعني آنو شروان. قاله على القاري في ”الموضوعات الكبري“. وأما من يهن السلطان، فيكفيه واعظًا وزاجرًا حديث أنس يرفعه: «إنما السلطان ظلُّ اللهِ ورمحه في الأرض» أخرجه البيهقي والديلمي. وحديث أبي بكرة مرفوعًا «السلطان ظلُّ اللهِ في أرضه فَمنْ أكرَمَهُ أكرَمَهُ اللهُ ومَنْ أهانَهُ أهانَهُ اللهُ» أخرجه الطبراني والبيهقي. إلى أن يقول: فمن أهان السلطان، ورفع قدر الكفر، وأرباب الطغيان، أهانه الله { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( - ( - ( - - - - - رضي الله عنهم - - - ( (( مقدمة - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله تم بحمد الله الله ( - ( - - تم بحمد الله } . فإن أهان السلطان من حيث رعاية الإسلام، ومدح النصارى واليهود من حيث رعاية الكفر، صار مرتدًا. وإن مدح من حيث العمارة الدنيوية وضبطها، وحماية الرعية عن المظالم، وبذل الأموال في إقامة الناموس الدنيوي وعزة الدعوي، فينسب النصارى إلى القيام بذلك، والسلطان إلى القصور فيه، كان هذا المادح ممن غلب عليه حبُّ العاجلة على الآجلة، وأشرب قلبه حبّ الحطام الفاني، وبعد مرماه عن مراعاة سمة الإسلام، فهو بدنياه مغرور. ومحب العاجلة ومؤثرها على الآجلة، مفتونٌ ومأزورٌ، أعاذ اللهُ إخواننا المسلمين عن ذلك. قال تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - - ( - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - مقدمة ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - ( - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر (( مقدمة - - - (( (( مقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - مقدمة صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم(3/305)
بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - مقدمة - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - (( مقدمة ( - ( - ( الله أكبر - { - ( { ( تم بحمد الله - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - - (( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - ((( الله أكبر } (1) وهذا المغرور ما درى من جهله وغباوته وبلادته وحماقته وسفاهته، أن حفظ الدنيا الذي حصله برعاية النصارى فوَّت عليه أضعافًا مضاعفة من دينه، بل ربما جرَّه إلى انطماس معالم الدين بالكلية، فإنه بمخالطته للكفار المذكورين عمت عليه معاملاتهم وقوانينهم الضلالية، فارتكب الربا، ورأي الخمر والخنزير، وسمع ثالث ثلاثة، وتكاسل عن الصلوات بحكم الوفاق، ورأي الزنا وسمع الخنا، ورضى بالمكوس بأنواعها، واستحسن تنظيماتهم الجائرة، واستمر على ذلك حتي صار له مألوفًا، لا يستنكره ولا يستهجنه البتة، وربما مع طول التمادي اعتقد حله بغلب الجهل، فقد حرم دينه من حيث حصل دنياه. إلى أن يقول: هذا وفي ”الروضة النواوية“ في باب ”الردة“ ما لفظه: ولو قال معلم الصبيان أن اليهود خيرٌ من المسلمين بكثير لأنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم كفر. انتهى.
__________
(1) الشورى، آية:20.(3/306)
وأما من حمل بضاعة أو طعامًا إلى بلاد النصارى، واعترض عليه مسلم أو نهاه فلم ينته، فقتله أو نهب ماله، هل دمه هدر، وماله حلال أم لا؟ ونية القاتل خراب ديار الكفار، ونية المقتول إحياءها بما يؤدي إليها، وما حكم هذا المتعدي إذا قُتل، أشهيد أم لا ؟ وما حكم من يعينهم على ذلك من المسلمين؟ فالجواب: أنه لا تخلو بلاد النصارى، إما أن تكون أصلية بأيديهم كأرض الشام والعراق التي كانت بأيدي الكفار في زمن النبيّ المختار - صلى الله عليه وسلم - فلا خفاء في جواز حمل البضائع من الأطعمة وغيرها إليها، وجواز التجارة في بلدانهم، وجواز معاملاتهم، لأن ذلك من ضروريات المعاش، والحاجة تدعو إليه، فجوَّزه الشارع للحاجة. فقد كان الصحابة يدخلون أرض الشرك للمعاملة، وقد دخلها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مضاربًا لخديجة ـ رضى الله عنها ـ فمثل ذلك لا ينكر على فاعله، ولا يعترض عليه البتة، ومن التقاه في الطريق فهو محارب قاطع للطريق، تجرى عليه أحكام قطاع السبل، والمقتول إن كان هو القاطع فهدر، إن دفع بالأخف فالأخف، وإن كان سالك السبيل فهو مظلوم شهيد شهادة صغرى لحديث «من قتل دون ماله فهو شهيد».(3/307)
وإما أن تكون دار إسلام استولى عليها الكفار، ووجب علينا مقاومتهم واستنقاذها من أيديهم، فحامل البضائع والميرة إليهم عاص لله ورسوله، مرتكبٌ كبيرةً، فيزجر عن ذلك، فإن لم ينزجر عزره الحاكم، فمن له ولاية من المسلمين ولو يحبسه ويمنعه عن السير إليها، فإن لم يمتنع جاز ردّ حمله من الطريق محاصرة للكفار، وهو باق على ملك صاحبه، ولا يجوز قتله. بل يدفع عن ذلك بالأحسن الذي لا يؤدي إلى مؤلم، ومن يعينه على ذلك فهو شريكه في الإثم، سواء كانت إعانته بقول أو فعل، لحديث ابن مسعود يرفعه: «من أعان ظالمًا سلَّطَهُ اللهُ عليه»(1) أخرجه ابن عساكر، وحديث ابن عمر مرفوعًا: «من أعان ظالمًا ليدحض بباطله حقًا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله». وإما جهة ملكها الكفار وفيها المسلمون متوطنون بأموالهم وأولادهم، اسكنوهم في بلادهم هذه التي قد ملكت جائزة أم لا؟ وهل هم سالمون من الإثم، مع أنهم غير راضين بذلك، وباغضون ذلك الكافر، ويرون قعودهم في بلادهم كالضرورة ؟ وهل إيمانهم إيمانٌ كامل أو ناقص أو يتفاوت ؟ ومع ذلك إذا عزموا على التحول فلا يدان لهم عليه، وما حكمهم وحكم من يحبهم من هؤلاء ويبغضهم، ومن يمتثل أمرهم وهم عالمون أن حكمهم مخالفٌ لشريعة الإسلام ؟ وما حكم المتوطن بها إذا حكم عليه بغير شريعته الإسلامية بل بقانون الكفر، هل يمتثل ويرضي ويسكن أو يعصي ويهاجر؟ فالجواب: أنه يعلم حكم ذلك مما نقصه عليك من كلام علمائنا رحمهم الله تعالى.
__________
(1) الحديث ضعيف.(3/308)
قال في ”المنهاج“ وشرحه ”التحفة“ ما لفظه: والمسلم بدار كفر أي حرب، ويظهر أن دار الإسلام التي استولوا عليها كذلك إن أمكنه إظهار دينه، ولم يرج ظهور الإسلام، استحب له الهجرة إلى دار الإسلام، لئلا يكثر سوادهم، وربما كادوه، ولم تجب لقدرته على إظهار دينه، ولم يحرم هناك مقامه، لأن من شأن المسلم بينهم القهر والغلبة لا العجز، ومن ثم لو رجى ظهور الإسلام بمقامه ثم كان مقامه أفضل، أو قدر على الامتناع والاعتزال ثم ولم يرج نصرة المسلمين بالهجرة كان مقامه واجبًا، لأن محله دار إسلام، فلو هاجر لصار دار حرب، ثم إن قدر على قتالهم ودعائهم إلى الإسلام لزم وإلا فلا، والظاهر أنه يتعذر عود هذه الدار دار كفر، وإن استولوا عليها، كما صرَّح به الخبر الصحيح: «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه» فقولهم لصار دار حرب، المراد به صيرورته كذلك صورة لا حكمًا، وألا يمكنه إظهار دينه، أو خاف فتنة في دينه، وجبت الهجرة إن أطاقها، وأثم بالإقامة، فإن لم يطقها فمعذور لقوله تعالى: { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِيَن فِي الأَرْضِ } (1) الآية. وللخبر الصحيح: «لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار». انتهى.
__________
(1) النساء، آية: 97.(3/309)
فقد تقرر أن أهل البلد المذكور إن أمكنهم إظهار دينهم، وأمنوا الفتنة، ولم يرجوا نصرة المسلمين، استحبت لهم الهجرة، وإن أمكنهم الاعتزال وإظهار الدين، والذبُّ عن أنفسهم، وجب عليهم المقام، وإن لم يمكنهم إظهار دينهم أو خافوا فتنةً في دينهم، وجبت عليهم الهجرة إن أطاقوها. وهذا حاصل الكلام في أهل البلدة المذكورة، ويعلم منه أن من وجبت عليه الهجرة أثِمَ بالإقامة، ومَنْ لم تجب عليه لا إثمَ عليه بالإقامة، ومَنْ لا إثمَ عليه فإيمانه كامل إن أتى بأمور الإيمان كلها، ومن هو أثم بالمقام فإيمانه ناقص، وإن أتي بأمور الإيمان كلها. ويُعلم من ذلك أيضًا أن التفاوت معلوم، بحسب الحب والبغض القلبيين، والممتثل لأمرهم بغير إكراه ولا استضعاف عاص، ومن امتثل إكراهًا وقلبه كاره فهو غير آثم، فحكم الإكراه على ما دون الكفر حكم الإكراه على الكفر. نعم، من أكره وهو قادر على الهجرة عصى، لأنه هو الذي أعانهم بالمقام بين أظهرهم، والله أعلم.(3/310)
ومن حكم عليه بغير الشريعة المحمدية، إن كان يلزم عليه تحليل حرام أوتحريم حلال شرعًا، فلا يجوز له قبوله ولا امتثاله، وعليه رد ذلك وكراهته، إلا أن يكره عليه بما يسمى إكراهًا شرعًا، وإن حكم عليه بما يوافق الشريعة المحمدية قبل ضرورة، وليس له أن يمتهن نفسه بتعريضها لأحكامهم، وهو يقدر على الهجرة، وإلا كان في ذلك إذلالاً للدين، واستخفافًا بالإسلام والمسلمين، والله تعالى يقول: { صدق الله العظيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - - - - رضي الله عنه -((( - ((( - - ( - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - } (1) وأما حكم نفرين سمعا أن الهجرة إلى بلاد المسلمين والسكون بها تتلف المال، وأن السكون في بلاد الكفار لا يتلف المال، إنما يتلف الدين، فاختار أحدهما السفر إلى بلاد المسلمين، وآثر تلف المال على بقاء الدين. والثاني سافر إلى بلاد الكفار، وآثر تلف الدين على المال، وكيف إيمان هؤلاء، وهل يأثم من سمى هذا الشخص الذي سافر إلى بلاد الكفر منافقًا؟ فالجواب: قال الله تعالى: { ?? صدق الله العظيم } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - - - ( - - ( - ( - - - - - ( - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - عليه السلام - - ( - } - - رضي الله عنه -( (( مقدمة - - - - رضي الله عنهم - - - (( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -( فهرس - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - ( - - ( - - الله أكبر - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - (( مقدمة - - - رضي الله عنه - - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - - فهرس - ((- رضي الله عنه - - - - جل جلاله - تم بحمد الله
__________
(1) النساء، آية:141.(3/311)
قرآن كريم ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - جل جلاله - - قرآن كريم ( مقدمة ( - } تم بحمد الله - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - (- رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - مقدمة - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ((- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - رضي الله عنه - تمت - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ((- رضي الله عنهم - - - - جل جلاله - - قرآن كريم ( - (( } تم بحمد الله } (1) فشتان بين مَنْ آثر الحياة الدنيا وزينتها، فرحل إلى بلاد الكفر لجمع حطامها، ونصب أعلامها، ومن آثر الحياة الباقية فصبر على لأوائه وشدته. قال الله - عز وجل -: { - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } - } - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ((- رضي الله عنه - - { - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - ( - - مقدمة ( تمت ( - - ( (( مقدمة - رضي الله عنه - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - } تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - (( - - (( مقدمة ( - ( تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - - رضي الله عنه - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( { - عليه السلام - - ( - (( - - فهرس - - { الله أكبر - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( (( مقدمة ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله
__________
(1) الإسراء، آيتان: 18-19.(3/312)
عليه وسلم - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - فهرس - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - } - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( تمت - - عليه السلام - - ( - ( - ( - - - (((( - ( - ( - - - } (1) وهذه الآية نزلت في أُناس من الأعراب كانوا يُسلمون فينزلون دار الهجرة ـ المدينة المنورة ـ فإن وافق عام غيث ونتجت فرس أحدهم وولدت امرأته ذكرًا. قال: هذا دينٌ صالح. وإلاّ ارتد على عقبه. وقال: هذا دينُ سوءٍ.
وأخرج البخاري في صحيحه قال: أسلم أعرابيٌ وهاجر إلى المدينة، فأصبح من الغد محمومًا فقال: يا محمد أقلني بيعتي، فأبى. فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها». انتهى.
__________
(1) الحج، آية:11.(3/313)
فمن أقام بأرض الإسلام فقد أصاب، ومن هاجر إلى بلد الكفر فقد باء بغضبٍ من الله، لتحريم هجرته إليها، وفساد طويته بالاعتقاد الباطل، الذي شابه الكفار الأولين الذين قالوا:? { ? تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - ((( - ( { - رضي الله عنهم - { ( - - - رضي الله عنهم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - { (- رضي الله عنه - - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( مقدمة - رضي الله عنهم -( } تم بحمد الله - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - ( - (((( - ( - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( ( - - - } (1) وتسمية المذكور منافقًا، إن كان المراد به النفاق العملي لقصد الزجر والتغليظ فلا بأس به. فقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في حاطب بن بلتعة البدري - رضي الله عنه - أنه منافق قد خان اللهَ ورسولَه - صلى الله عليه وسلم -. وإن أراد به النفاق الاعتقادي حرم، إذ لا يطلع عليه إلا الله(2) تعالى فيحرم ذلك، فهلا شقَّ هذا القائل عن قلبه. وأما إذا حضرت جنازتان، أحدهما جنازة رجل ممن يدعي أنه من رعية النصارى، والأخرى من رعية ملوك الإسلام، وكلاهما مسلمان، أيهما نقدم الصلاة عليه؟ فالجواب: يقدم بالصلاة على رعوي ملوك الإسلام، على رعوي ملوك الكفر، لأن الأول أفضل وأعدل، وهو معلوم، ويقدم أيضًا على رعوي النصارى، وإن كان فقيهًا، ورعوي الإسلام غير فقيه، لأن الفقه لم يرشده إلى الحق، ومن ازداد علمًا، ولم يزدد تقوى، لم يزدد من الله إلا بعدًا. نعم، لو فرض أنه رعوي الكفار كان مكرهًا مستضعفًا، لا قدرة له على الهجرة، كان مكافئًا لرعوي المسلمين وهو ظاهر والله أعلم.
__________
(1) الأعراف، آية:131.
(2) علة غير صحيحة لنفي الحكم.(3/314)
وأمَّا من خوصم، وطلب حكم الشريعة، وحكمت عليه الشريعة، وقال الآخر أنا من رعية النصارى، وأريد حكم النصارى، هل ما له حلال، وهو مرتد أم لا؟ فالجواب: إن قال الرعوي للنصاري ذلك كارهًا لحكم الشريعة، مستحلاً حكم النصرانية كفر، وصار مرتدًا، تجرى عليه أحكام الردة المقررة في بابها. وإن قال ذلك من غير قصد(1)، ولا استضلال، كان فاسقًا يجب تعزيره بما يراه حكم الشريعة المطهرة. وعلى الأول حمل قوله - عز وجل -: { - - - ( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - - (( - - مقدمة - - قرآن كريم ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - رضي الله عنهم - - - (( - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - ( - (( ( المحتويات ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - } صدق الله العظيم - عليه السلام - - - مقدمة - - - ( } تم بحمد الله - تمهيد ( - - ( - - } - قرآن كريم ( - ( - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - ( - فهرس - } (2) عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقضي بينهما، فقال الذي قضى عليه: ردَّنا إلى عمر بن الخطاب، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم انطلقا إلى عمر، فلما أتياه، قال الرجل: يا ابن الخطَّاب لي قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا، فقال: ردَّنا إلى عمر، فردَّنا إليك، فقال: أكذلك؟
__________
(1) لاحتمال الشبهة الطارئة، أما مع الاستمرار في طلب الحكم عند من يجد عنده بغيته، فقد نص القرآن نصًا صريحًا على كفر هذا ونفاقه، نفاقًا ينقل عن الملة.
(2) النساء، آية: 65.(3/315)
قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتي أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليهما مشتملاً على سيفه فضرب الذي قال ردَّنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فارًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال يا رسول الله: قتل عمر واللهِ صاحبي، ولولا أنِّي أعجزته لقتلني. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما كنتُ أظنُّ أن يجترئ عمر على قتل مؤمن» فأنزل الله - عز وجل -: { - - - ( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم } - - قرآن كريم (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( - الآية. فهدر دم ذلك(1) الرجل، وبرئ عمر من قتله. أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن لهيعة، وله شواهد أخرجها ابن دحيم في تفسيره والحكيم الترمذي في نوادره. وقال تعالى: { ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - - فهرس - ( { - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - فهرس - ( { ( المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) لم يسأله عن اعتقاده.(3/316)
- } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - رضي الله عنه - - مقدمة ( - } (1) الآية. وعن ابن عباس قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهنًا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين، فأنزل الله تعالى: { ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - - فهرس - ( { - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - - رضي الله عنه - - } الآية. أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح. وعنه - رضي الله عنه - قال: كان الحلاس ابن الصامت قبل توبته، ومعتب بن قشير ورافع بن زيد وبشير يدعون الإسلام، فدعاهم رجالٌ من قومهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية، فأنزل الله عزَّ وجلّ هذه الآية. أخرجه ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
__________
(1) النساء، آية:60.(3/317)
ولهذه الأحاديث شواهد أخرجها ابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والثعلبي عن ابن عباس استوفاها السيوطي في ”الدر المنثور“ قلت: ولا ريب أن هذا القائل الذي قال أريد حكم النصارى قد زاغ وعرَّض نفسه للوقيعة فيه، وشابه المنافقين الذين قال الله في حقهم { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - } - ( قرآن كريم - - - - رضي الله عنهم -( - - - - فهرس - ( { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم ( - { - - - - - تمهيد ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -((( { (((- عليه السلام - - ( - ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -- رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - - صلى الله عليه وسلم -( - (( } (1) وعن مجاهد في الآية قال: تنازع رجل من المنافقين ورجلٌ من اليهود، فقال المنافق: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف، وقال اليهودي: اذهب بنا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -. فأنزل الله الآية. أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. وعن الربيع بن أنس قال: كان رجلان من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بينهما خصومة، أحدهما مؤمن، والآخر منافق، فدعاه المؤمن إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف فأنزل الله - عز وجل -: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - } - ( قرآن كريم - - - - رضي الله عنهم -( - - - - فهرس - ( { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( -
__________
(1) النساء، آية:61.(3/318)
- - - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم ( - { - - - - - تمهيد ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -((( { (((- عليه السلام - - ( - ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -- رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - - صلى الله عليه وسلم -( - (( } أخرجه ابن جرير. فقد قضت الآية الكريمة بأن الصَّاد أي المعرض عن الشريعة المحمدية الحقة الصادقة استحق عنوان النفاق، والتسمي به لفعله ما يخالف المؤمنين المسلمين من الانقياد والإذعان بحكم الله ورسوله في جميع ما جاء به. انتهى كلام ”السيف البتار“.
ثانيًا: نقولات مجموعة الرسائل والمسائل النجدية
نقولات الجزء الأول:(3/319)
مسائل وَرَدَتْ على ولديّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقولان في جواب المسألة الحادية عشرة (1): أن الرجل لا يكون مسلمًا إلا إذا عرف التوحيد، ودان به وعمل بموجبه، وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به، وأطاعه فيما نهي عنه، وأمر به وآمن به وبما جاء به، فمن قال: لا أعادي المشركين أو عاداهم ولم يكفرهم، أو قال: لا أتعرض لأهل لا إله إلا الله ولو فعلوا الكفر والشرك، وعادوا دين الله، أو قال: لا أتعرض للقباب فهذا لا يكون مسلمًا، بل هو ممن قال الله فيهم: { - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( الله أكبر - (((- رضي الله عنه - - ( - ( - ((( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -(((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - ( - - - - - رضي الله عنهم - { - مقدمة } (2) والله سبحانه وتعالى أوجب معاداة المشركين ومنابذتهم وتكفيرهم فقال - عز وجل -: { - صدق الله العظيم ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية،ج1، ص 38.
(2) النساء، آيتان:150-151.(3/320)
الله عنهم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - - - مقدمة { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) الآية، وقال - عز وجل -: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - ( } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( { ( - ( - المحتويات ( - ( - - - ( { ( - } - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - ( المحتويات ( - - { - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (2) الآيات. واللهُ أعلم.
__________
(1) المجادلة، آية:22.
(2) الممتحنة، آية:1.(3/321)
ويقول في جواب المسألة الثانية عشرة(1): أما الرجل الذي عرف التوحيد وآمن به وأحبه وأحبَّ أهله. وعرف الشرك وأبغضه وأبغض أهله. ولكن أهل بلده على الكفر والشرك ولم يهاجر، فهذا فيه تفصيل، فإن كان يقدر على إظهار دينه عندهم، ويتبرأ مما هم عليه من الكفر والشرك، ويظهر لهم كفرهم وعداوته لهم ولا يفتنونه عن دينه، لأجل عشيرته أو ماله أو غير ذلك، فهذا لا يحكم بكفره. إلى أن يقول: وأما إن لم يكن له عذر، وجلس بين أظهرهم، وأظهر لهم أنه منهم، وأن دينهم حق ودين الإسلام باطل، فهذا كافر مرتد، ولو عرف الدين بقلبه لأنه يمنعه عن الهجرة محبة الدنيا على الآخرة، ويتكلم بكلام الكفر من غير إكراه، فدخل في قوله تعالى: { صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - رضي الله عنهم -- رضي الله عنهم -- عليه السلام - - - ( ( - ((( - ( - - - ( - - - جل جلاله - - ( - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنهم -( - ( ( - - ( - ( - (( } تم بحمد الله ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- عز وجل - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم - تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - - صدق الله العظيم - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم (
__________
(1) المصدر السابق، ج1، ص39.(3/322)
قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه -((( - ((( - تمهيد ( - - - } (1) الآيات.انتهى كلام الشيخان منه.
ويقولان في جواب المسألة الثالثة عشرة(2): أن مَنْ ماتَ مِنْ أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة، فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفًا بفعل الشرك ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهره أنه مات على الكفر، فلا يدعي له ولا يضحي له ولا يتصدق عليه، وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى، فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله تعالى. وأمَّا سبُّه ولعنه فلا يجوز، بل لا يجوز سبِّ الأموات مطلقًا كما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» إلا إن كان أحدًا من أئمة الكفر وقد اغتر الناس به فلا بأس بسبِّه إذا كان فيه مصلحة دينية واللهُ أعلم». انتهى.
المسألة الخامسة عشرة(3): فيمن عاهد على الإسلام والسمع والطاعة والمعاداة والموالاة، ولم يف بما عاهد عليه من الموالاة والمعاداة، ولا يتبرأ من دينه الأول، ويدعي أن آباءه ماتوا على الإسلام، فهل يكون مرتدًا وهل يجوز أخذ ماله وسبيه إن لم يرجع ؟
الجواب: إن هذا الرجل إن اعتقد أن آباءه ماتوا على الإسلام، ولم يفعلوا الشرك الذي نهينا الناس عنه، فإنه لا يحكم بكفره، وإن كان مراده أن هذا الشرك الذي نهينا الناس عنه هو دين الإسلام فهذا كافر، فإن كان قد أسلم فهو مرتد يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل وصار ماله فيئًا للمسلمين، وإن تاب قبل موته أحرز ماله واللهُ أعلم.
__________
(1) النحل، آيتان:106-107.
(2) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1، ص40.
(3) المصدر السابق، ص41.(3/323)
المسألة الثامنة عشرة(1): في بلد بلغتهم هذه الدعوة، وبعضهم يقول هذا الأمر حق، ولا غيَّر منكرًا ولا أمر بالمعروف، ولا عادى ولا والى، ولا أقر أنه قبل هذه الدعوة على ضلال، وينكر على الموحدين إذا قالوا تبرأنا من دين الآباء والأجداد، وبعضهم يكفِّر المسلمين جهارًا ويسبّ هذا الدين ويقول دين مسيلمة. والذي يقول هذا أمر زين لا يمكنه أن يقوله جهارًا، فما تقولون في هذه البلدة على هذه الحال مسلمون أم كفار؟ وما معنى قول الشيخ وغيره إنَّا لا نكفِّر بالعموم، وما معنى العموم والخصوص إلى آخره ؟
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية،ج ، ص43.(3/324)
الجواب: أن أهل هذه البلدة المذكورين إذا كانوا قد قامت عليهم الحجة التي يكفر من خالفها حكمهم حكم الكفار، والمسلم الذي بين أظهرهم ولا يمكنه إظهار دينه تجب عليه الهجرة، إذا لم يكن ممن عذره الله، فإن لم يهاجر فحكمه حكمهم في القتل وأخذ المال. والسامعون كلام الشيخ في قوله «إنا لا نكفر بالعموم» فالفرق بين العموم والخصوص ظاهر، فالتكفير بالعموم أن يكفر الناس كلهم، عالمهم وجاهلهم، ومن قامت عليه الحجة ومن لم تقم عليه، وأما التكفير بالخصوص فهو أن لا يكفر إلا من قامت عليه الحجة بالرسالة التي يكفر من خالفها، وقد يحكم بأن أهل هذه القرية كفَّار، حكمهم حكم الكفار، ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه، لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام معذور في ترك الهجرة، أو يظهر دينه ولا يعلمه المسلمون، كما قال تعالى في أهل مكة في حال كفرهم: { - صدق الله العظيم ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله (( - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد (- عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم { - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - قرآن كريم (( - ( - - المحتويات ( - - رضي الله عنه - - - ((( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -( } تم بحمد الله - - { - - رضي الله عنهم -( } تم بحمد الله ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( } (1) الآية. وقال تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - - (( ( - - ( تمهيد - رضي الله
__________
(1) الفتح، آية: 25.(3/325)
عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - - - - (( - - - - ( } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت } - رضي الله عنه - - ( - ( قرآن كريم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - - - - جل جلاله -( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - ( { - رضي الله عنه - - ( - - { ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - { ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } (1) الآية، وأما أهل القرية الذين عاهدوا على الإسلام، ولم يهدموا القباب، ولم يعادوا ولم يوالوا، وفيهم رجلان أو ثلاثة يدعون التوحيد.
فاعلم رحمك الله أن مجرد العهد على الإسلام لا يكون الرجل به مسلمًا، حتي يعمل بما عاهد عليه، من توحيد الله، والتبري من الشرك وأهله، وإقامة الصلوات الخمس في أوقاتها بشروطها وأركانها، وأداء الزكاة المفروضة، والإيمان بجميع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإذا عاهد على الإسلام، ولم يعمل به واستمرعلي الشرك بالله، فإنه يكون مرتدًا عن الإسلام، وذنبه أعظم من ذنب الكافر الأصلي، الذي لم يعاهد قط، ولم يظهر الإسلام، ولهذا ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «من بدَّل دينه فاقتلوه» وفي الصحيح أن معاذًا لما قدم من اليمن وجد رجلاً عند أبي موسي موثقًا في الحديد فقال: ماهذا؟ قال رجلٌ ارتد بعد إسلامه: فقال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، فأُمر به فقُتل. انتهى.
__________
(1) النساء، آية: 75.(3/326)
المسألة الثانية والعشرون(1): الجواب: هذا الرجل إذا أظهر إسلامه في بلده، ووالى وعادى في بلده، وأمير بلده لم يخالف عليه، بل أيده وصدقه، فهذا مسلم، لأنه قد عمل بدين الإسلام وفعل ما يقدر عليه. انتهى.
ومن كلام الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في المبحث الثالث(2): فيمن مات على التوحيد، وإقامة قواعد الإسلام الخمس، وأصول الإيمان الستة، ولكنه كان يدعو وينادي ويتوسل في الدعاء إذا دعا ربَّه، ويتوجه بنبيه في دعائه، معتمدًا على الحديثين الذين ذكرناهما، أو جهلاً منه وغباوة كيف حكمهم؟
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية،ج1، ص47
(2) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، المبحث الثالث،ج1، ص78.(3/327)
فالجواب: أن يقال قد قدمنا الكلام على سؤال الميت والاستغاثة به، وبيَّنا الفرق بينه وبين التوسل به في الدعاء، وأن سؤال الميت والاستغاثة به في قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الشرك الأكبر الذي حرمه الله تعالى ورسوله، واتفقت الكتب الإلهية والدعوات النبوية على تحريمه، وتكفير فاعله والبراءة منه ومعاداته، ولكن في أزمنة الفترات وغلبة الجهل لا يكفر الشخص المعين بذلك حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة، ويبين له ويعرف أن هذا هو الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله، فإذا بلغته الحجة وتليت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ثم أصرَّ على شركه فهو كافر، بخلاف مَنْ فعل ذلك جهالة منه ولم ينبَّه على ذلك، فالجاهل فعله كفر، ولكن لا يحكم بكفره إلا بعد بلوغ الحجة إليه، فإذا قامت عليه الحجة ثم أصرَّ على شركه فقد كفر، ولو كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويصلي ويزكي ويؤمن بالأصول الستة، وهذا الدين الذي ندعو إليه قد ظهر أمره وشاع وذاع وملأ الأسماع مِنْ مدةٍ طويلة. إلى أن يقول: وأما من مات وهو يفعل الشرك جهلاً لا عنادًا، فهذا نكل أمره إلى الله، ولا ينبغي الدعاء له والترحم عليه والاستغفار له، وذلك لأن كثيرًا من العلماء يقولون من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، كما قال سبحانه تعالى: { المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - الله أكبر الله أكبر } (( مقدمة ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( فهرس - - رضي الله عنه - - } (1). فإذا بلغه القرآن وأعرض عنه، ولم يبحث عن أوامره ونواهيه، فقد استوجب العقاب، قال تعالى: { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -(- عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - ( - ( - ( - } تمت ( -
__________
(1) الأنعام، آية: 19.(3/328)
- ( (( - - - - { - رضي الله عنه -( - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - جل جلاله - - ( (( فهرس ( - (((- رضي الله عنه - صدق الله العظيم - عز وجل -- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - - - رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - } (1)، وقال تعالى: { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ( الله أكبر ( - { - - - - ( - ( - - ( صدق الله العظيم } تم بحمد الله - عليه السلام -(- عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( مقدمة ( - - رضي الله عنه -( (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( ( - ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -((( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( مقدمة - (( } (2).
وأما المبحث الرابع: في تقسيم مواريث، من مات على ذلك، وما حصل منهم من الإتلافات، وما وقع بينهم من القتل وغيره ما حكمه؟
__________
(1) طه، آية: 124.
(2) طه، آيات: 99-101.(3/329)
فالجواب: أن تقسيم المواريث التي قسمت في حال الشرك والجهل تقر على ما هو عليه، ولا ترد القسمة في الإسلام، ومن أسلم على شيء في يده قد ملكه في الجاهلية لم ينزع من يده في الإسلام، لأن الإسلام يجب ما قبله. وكذلك ما حصل بينهم من القتل والإتلافات، فالذي نفتي به أنه لا يطالب بشيء من ذلك، وذلك لأن حال الناس قبل هذا الدين(1) أكثرهم حاله كحال أهل الجاهلية الأولي، وكل قوم لهم عادة وطريقة استمروا عليها تخالف أحكام الشرع في المواريث والدماء والديات وغير ذلك، ويفعلون ذلك مستحلين له، فإذا أسلموا لم يطالبوا بشيء مما فعلوه في جاهليتهم، وتملكوه من المظالم ونحوها، وأمَّا الديون والأمانات فالإسلام لا يسقطها بل يجب أداؤها إلى أربابها واللهُ أعلم.
وأما المبحث الخامس: فيما انفرد الله سبحانه وتعالى بتقسيمه في كتابه العزيز من المواريث والصدقات المفروضة... إلخ.
فالجواب: أن يقال أن المواريث التي قسمت في الشرك، وتملكها أهلها ثم أسلموا لا ترد قسمتها، ومن أسلم على شيء أقرّ في يده إذا كان قد تملكه في جاهليته، وأما إذا لم تقسم التركة، وأسلم أهلها وهى موقوفة، فإنها لا تقسم إلا على قسمة الله تعالى في كتابه العزيز التي يعرفها أهل العلم». انتهى.
ومن أجوبة الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
__________
(1) الدعوة الوهابية.(3/330)
يقول عن الحلف بغير الله(1): «وأما مَنْ يفعل ذلك جهلاً لا عنادًا، وماتوا عليه قبل أن يبلغهم أنه شركٌ، هل يحكم بإسلامهم ويرجى لهم العفو من الله والمغفرة وينفعهم استغفار الأحياء لهم؟ فهذه المسألة أحسن الأجوبة فيها أن يقال اللهُ أعلم بهم كما قال موسي - عليه السلام - لما قيل له: { - - رضي الله عنهم - - - ( ( - - - رضي الله عنه - - ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( { ( - - - - - فهرس - - صلى الله عليه وسلم - الله } - - - - رضي الله عنه - - - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - (( - رضي الله عنهم - - - (( - ( فهرس - - عليه السلام - - - (( - - (- رضي الله عنه - - ( - - صدق الله العظيم - - ((- رضي الله عنه - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - } - جل جلاله -- رضي الله عنه - - } (2) وذلك لأن من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة { المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - الله أكبر الله أكبر } (( مقدمة ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( فهرس - - رضي الله عنه - - } (3)، وقال - عز وجل -: { - - - رضي الله عنهم - { ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( } - } - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - { } - ( مقدمة - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( - - - - - - } (4) وأكثر الناس في هذه الأزمنة وغيرها من أزمنة الفترات والجهل، معرضون عن السؤال عن التوحيد والشرك، ودينه ما عليه أهل بلده، ولا يبحث ولا يسأل عما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله، وما كان عليه السلف الصالح والتابعون لهم بإحسان. ومن بحث وسأل وفحص عن ذلك وجد من يعلمه
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1، ص 201
(2) طه، آيتان: 51-52.
(3) الأنعام، آية: 19.
(4) النساء، آية: 165.(3/331)
بذلك، لأنه لا يزال في هذه الأمة طائفة على الحق منصورون، لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتي تقوم الساعة، وهى معصومة من الاجتماع على الضلالة والشرك واللهُ سبحانه وتعالى أعلم.
وفي إجابة الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن(1): عمَّا يحكم به أهل السوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد، هل يطلق عليهم بذلك أنهم كفار بعد التعريف، أم يخصّ به واحد معلوم، أم هم يمنعون من التكفير معًا ؟ الجواب: أن من تحاكم إلى غير كتاب الله وسنّة رسوله بعد التعريف فهو كافر. قال تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم { - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - ( - - - } (2)، وقال تعالى: { - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه -( - (- صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - ( - ( - - - - - قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - } (3) الآية، وقال - سبحانه وتعالى -: { ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - - فهرس - ( { - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام --
__________
(1) المصدر السابق، ص 422.
(2) المائدة، آية: 44.
(3) آل عمران، آية: 83.(3/332)
صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - فهرس - ( { ( المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - رضي الله عنه - - ( مقدمة ( - } (1) الآية، وقال - عز وجل -: { ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( الله - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - - (( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - { } تم بحمد الله ( - ( صدق الله العظيم قرآن كريم ( - { - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد (( - - { - - - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - } (2) الآية. والآيات في هذا المعنى كثيرة. انتهى كلام الشيخ عبد اللطيف.
__________
(1) النساء، آية: 60.
(2) النحل، آية: 36.(3/333)
ومن جواب مسائل(1) سئل عنها حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله، وأما المسألة السابعة، وهى قولك: أنَّا نقول أن الإنسان إذا لم يحصل له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يهاجر. فنقول في هذه المسألة كما قال العلماء رحمهم الله تعالى: تجب الهجرة على من عجز عن إظهار دينه بدار الحرب، فإن قدر على إظهار دينه فهجرته مستحبة لا واجبة، وقال بعضهم بوجوبها لما في الحديث عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أنا برئ من مسلم بين ظهراني المشركين» فإن لم تكن البلد بلد حرب، ولم يظهر الكفر فيها، لم نوجب الهجرة إذا لم يكن فيها إلا المعاصي، وعلي هذا يحمل الحديث الوارد عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده» الحديث.انتهى كلام الشيخ حمد.
ومن أجوبة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: المسألة الثانية(2): «وهى أن الناس قبل الإسلام(3) منهم من لا يورث المرأة، ومنهم من يصالحها، ويسلمون وبينهم عقار ونحوه ومن الإرث شيء باعه الرجال ولم يعطوا النساء منه شيئًا قبل الإسلام... إلخ.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1، ص 581.
(2) المصدر السابق، ص 587-590
(3) يقصد الدخول فى دعوة الشيخ رحمه الله.(3/334)
فالذي عليه الفتوى في هذه المسائل أعني عقود الجاهلية من نكاح وبياعات وعقود الربا والغصوب ومنع المواريث أهلها ونحو ذلك، أن من أسلم على شيء من ذلك لم نتعرض له فلا نتعرض لكيفية عقد النكاح هل وقع بشروطه كالولي والشهود ونحو ذلك، وكذلك البياعات لا تنقض إذا أسلم المتعاقدان ولا ننظر كيف وقع العقد، وكذلك عقود الربا إذا أسلما ولم يتقابضا، بل أدركهما الإسلام قبل التقابض، فليس لصاحب الدين إلا رأس ماله لقوله تعالى: { تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( تمهيد ( - ( المحتويات ( تمهيد فهرس - - ( ( } - صلى الله عليه وسلم -((( - ( المحتويات ( تمهيد ( - } - عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - } (3) وأما المال المقبوض فلا يطالب به القابض إذا أسلم لقوله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( (( فهرس - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( { - (((( قرآن كريم - رضي الله عنه - تم بحمد الله صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( فهرس - { - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - الله أكبر - - - ( ?( - - - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - فهرس - - رضي الله عنهم - - } (1) وكذلك المواريث والغصوب، فإذا استولي الإنسان على حق غيره وتملكه في جاهليته ومنع مالكه بحيث أيس منه، ثم أسلم وهو في يده لا ينازع فيه، فهذا لا نتعرض له لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلام يجب ما قبله»، ولأن الناس أسلموا في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين ولم يبلغنا أنهم نظروا في أنكحة الجاهلية، ولا في عقودهم ومعاملاتهم، ولا في غصوبهم ومظالمهم، التي تملكوها في حال كفرهم. قال ابن جريج: قلت لعطاء أبلغك أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ الجاهلية على ما كانوا
__________
(1) البقرة، آية: 275.(3/335)
عليه؟ قال: لم يبلغنا إلا ذلك. وقال الإمام أحمد في رواية مهنا :من أسلم على شيء فهو عليه. وقال الشيخ تقي الدين: ولو تزوج المرتد كافرة مرتدة كانت أو غيرها ثم أسلما، فالذي ينبغي أن يقال هنا أن نقرهم على مناكحهم كالحربي إذا نكح نكاحًا فاسدًا ثم أسلما، فإن المعني واحد وهو جيد في القياس، إذا قلنا أن المرتد لا يؤمر بقضاء ما تركه في الردة من العبادات. فأما إذا قلنا أنه يؤمر بقضاء ما تركه من العبادات ويضمن ويعاقب على ما فعله ففيه نظر، ومما يدخل في هذا كله عقود المرتدين إذا أسلموا قبل التقابض أو بعده، وهذا باب واسع يدخل فيه جميع أحكام أهل الشرك في النكاح وتوابعه، والأموال وتوابعها، أو استولوا على مال مسلم أو تقاسموا ميراثًا، ثم أسلموا بعد ذلك، والدماء وتوابعها كذلك. انتهى كلام الشيخ رحمه الله.
وقال رحمه الله في موضع آخر(1): ولو تقاسموا ميراثًا جهالاً، فهذا شبيه بقسم ميراث المفقود، إذا ظهر حيًا، لا يضمنون ما أتلفوا، لأنهم معذورون، وأما الباقي فيفرق بين المسلم والكافر، فإن الكافر لا يرد باقيًا ولا يضمن تالفًا. انتهى.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1، ص588.(3/336)
وأما قولك: وأيضًا ذكر الفقهاء أن المرتد لا يرث ولا يورث، فكفار أهل زماننا هل هم مرتدون أم حكمهم حكم عبدة الأوثان لأنهم مشركون؟ فنقول: أما من دخل منهم في الإسلام ثم ارتد عنه فهؤلاء مرتدون، وأمرهم عندك واضح، وأما من لم يدخل في دين الإسلام بل أدركته الدعوة الإسلامية وهو على كفره كعبدة الأوثان اليوم، فهذا حكمه حكم الكافر الأصلي، لأنا لا نقول أن الأصل الإسلام والكفر طارئ، بل نقول الذين نشأوا بين الكفار وأدركوا آباءهم على الشرك بالله هم كآبائهم، كما دلَّ عليه الحديث الصحيح «فأبواه يهوِّدَانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسَانه» فإذا كان دين آبائهم الشرك بالله، فنشأ هؤلاء عليه واستمروا عليه، فلا نقول الأصل الإسلام والكفر طارئ بل نقول هم كالكفار الأصليين، ولا يلزم هنا على هذا تكفير من مات في الجاهلية قبل ظهور هذا الدين، فإنَّا لا نكفر الناس بالعموم، كما أنَّا لا نكفر اليوم بالعموم، بل نقول من كان من أهل الجاهلية عاملاً بالإسلام تاركًا للشرك فهو مسلم، وأما من كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين فهو ظاهره الكفر، وإن كان يحتمل أنه لم تقم عليه الحجة الرسالية لجهله، وعدم من ينبهه لأنَّا نحكم على الظاهر، وأمَّا الحكم على الباطن، فذاك أمره إلى الله، والله تعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة كما قال تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } (1) وأما من مات منهم مجهول الحال، فهذا لا نتعرض له ولا نحكم بكفره ولا بإسلامه، وليس ذلك مما كلفنا به { - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( { } تم بحمد الله ( - ( - - - ( تمهيد فهرس - -
__________
(1) الإسراء، آية: 15.(3/337)
رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( تمهيد - رضي الله عنه - تمهيد - - - - المحتويات ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - - - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - - - - رضي الله عنه -( } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ((- رضي الله عنه - - } (1) فمن كان منهم مسلمًا أدخله الله الجنَّةَ، ومَنْ كان كافرًا أدخله الله النَّار، ومَنْ كان لم تبلغه الدعوة فأمره إلى الله، وقد علمت اختلاف العلماء في أهل الفترة، ومن لم تبلغه الحجة الرسالية، وأيضًا فإنه لا يمكن أن نحكم في كفار زماننا بما حكم به الفقهاء في المرتد، بأنه لا يرث ولا يورث، لأن من قال بأنه لا يرث ولا يورث، يجعل ماله فيئًا لبيت مال المسلمين، وطرد هذا القول أن يقال: جميع أملاك الكفار اليوم ببيت مال المسلمين، لأنهم ورثوها عن أهاليهم، وأهاليهم مرتدون لا يورثون، وكذلك الورثة مرتدون لا يرثون، لأن المرتد لا يرث ولا يورث.
__________
(1) البقرة، آية: 134.(3/338)
وأما إذا حكمنا فيهم بحكم الكفار الأصليين لم يكن شيء من ذلك بل يتوارثون، فإذا أسلموا فمن أسلم على شيء فهو له، ولا نتعرض لما مضى منهم في جاهليتهم لا المواريث ولا غيرها. وقد روى أبو داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ قسمٍ قُسِّمَ في الجاهلية فهو على ما قسِّمَ، وكل قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام». وروى سعيد في سننه من طريقين عن عروة وأبو مليكة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «من أسلم على شيء فهو له» ونصَّ أحمد على مثل ذلك كما تقدم عنه في رواية مهنا. واعلم أن القول بأن المرتد لا يرث ولا يورث، هو أحد الأقوال في المسألة وهو المشهور في المذهب، وهو مذهب مالك والشافعي. والقول الثاني: أنه لورثته من المسلمين، وهو رواية عن أحمد وهو مروي عن أبي بكر الصديق وعلىٍّ بن أبي طالب وابن مسعود، وهو قول جماعة من التابعين، وهو قول الأوزاعي وأهل العراق. والقول الثالث: أن ماله لأهل دينه الذي اختاره إن كان منهم من يرثه وإلا فهو فئ، وهو رواية عن أحمد وهو مذهب داود بن على والسلام. انتهى كلام الشيخ حمد.
فائدة لأبي بطين(1): «إذا غلب حكم الكفر في بلدة صارت دار حرب، وعند أبي حنيفة لا تصير دار حرب إلا باجتماع ثلاثة شروط: ظهور أحكام الكفر، وأن لا يبقي فيها مسلم ولا ذمي إلا بالأمان الأصلي، وأن تكون ملحقة بدار الحرب». انتهى.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج1، ص635.(3/339)
ومن أجوبة الشيخ أبو بطين(1): «فائدة: سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين رحمه الله وعفا عنه عن الذي يروي «من كفَّر مسلمًا فقد كفر» فأجاب عفا الله عنه: لا أصل لهذا اللفظ فيما نعلم عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنما الحديث المعروف: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» ومن كفَّر إنسانًا أو فسَّقَه أو نفَّقه متأولاً غضبًا لله تعالى فيرجى العفو عنه، كما قال عمر - رضي الله عنه - في شأن حاطب بن أبي بلتعة أنه منافق، وكذا جرى من غيره من الصحابة وغيرهم، وأما من كفَّر شخصًا أو نفَّقه غضبًا لنفسه، أو بغير تأويل، فهذا يخاف عليه، وأما من جعل سبيل الكفار أهدى من سبيل المؤمنين، فإن كان مراده حال أهل الزمان اليوم، كأن يقول: إن فعل مشركي الزمان عند القبور وغيرها أحسن ممن لا يدعو إلا الله، ولا يدعو غيره، فهذا كافر بلا شك. وكذا قولنا: أن فعل مشركي الزمان عند القبور، من دعاء أهل القبور وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، والذبح والنذر لهم، وقولنا: أن هذا شركٌ أكبر، وأن من فعله فهو كافر، والذين يفعلون هذه العبادات عند القبور كفَّار بلا شك، وقول الجهال: أنكم تكفِّرون المسلمين، فهذا ما عرف الإسلام ولا التوحيد. والظاهر عدم صحة إسلام هذا القائل، فإن لم ينكر هذه الأمور التي يفعلها المشركون اليوم، ولا يراها شيئًا فليس بمسلم». انتهى.
__________
(1) المصدر السابق، ج1، ص654.(3/340)
فائدة: «قال الأصحاب: الدار داران، دار إسلام ودار كفر، فدار الإسلام هى التي تجرى أحكام الإسلام فيها، وإن لم يكن أهلها مسلمين، وغيرها دار كفر، وكرهوا التجارة والسفر إلى أرض العدو وبلاد الكفر مطلقًا، قوله مطلقًا سواء أظهر دينه أم لا، وإن عجز عن إظهار دينه، حرِّم السفر إليها قال في الفروع: وجزم غيره ـ يعني غير شيخه ـ بكراهة التجارة والسفر إلى أرض كفر ونحوه كأرض بدع. وقال شيخنا أيضًا: لا يمنع منه إذا لم يلزموه بفعل محرم أو ترك واجب، وينكر ما يشاهد من المنكر. انتهى. وذكر قبل ذلك تحريم شهود عيد اليهود والنصاري. إلى أن قال: لا يبع لهم فيها نقله مهنا، وحرمه شيخنا، وخرجه على ما ذكره من روايتين منصوصتين في حمل التجارة إليهم». انتهى.
وفي جواب للشيخ أبو بطين(1): «هل يجوز تعيين إنسان بعينه بالكفر إذا ارتكب شيئًا من المكفرات، فالأمر الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة وإجماع العلماء، على أن مثل الشرك بعبادة غير الله سبحانه كفر. فمن ارتكب شيئًا من هذا النوع أو حسَّنه فهذا لا شك في كفره، ولا بأس بمن تحققت منه أشياء من ذلك أن نقول كفر فلان بهذا الفعل. يُبَيِّن هذا أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتدًا كافرًا، ويستفتحون هذا الباب بقولهم: من أشرك بالله فقد كفر، وحكمه أنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، والاستتابة إنما تكون مع معين. ولما قال بعض أهل البدع عند الشافعي - رضي الله عنه - أن القرآن مخلوق قال: كفرت بالله العظيم. وكلام العلماء في تكفير المعين كثير. وأعظم أنواع هذا الشرك عبادة غير الله، وهو كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك، لأن من زنا قيل فلان زانٍ، ومن رابى قيل فلان مرابٍ». انتهى.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج1 ، ص657.(3/341)
وفي جواب لأبي بطين عن حكم الرافضة وعن قول من يقول: أن من تكلم بالشهادتين ما يجوز تكفيره. يقول رحمه الله(1): «سألت عن بيان حكم الرافضة فهم في الأصل طوائف. منهم طائفة(2) يسمون المفضلة لتفضيلهم علىَّ بن أبي طالب على سائر الأصحاب ولا يلعنون. ومنهم طائفة يزعمون غلط جبريل في الرسالة، ولاشك في تكفير هذه الطائفة، وأكثرهم في الأصل يعترفون برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويزعمون أن الخلافة لعلىٍّ، ويلعنون الصحابة ويفسِّقونهم، ونذكر ما ذكره شيخ الإسلام تقي الدين في حكمهم قال رحمه الله في ”الصارم المسلول“: ومن سبَّ أصحاب الرسول أو واحدًا منهم، واقترن بسبه دعوى أن عليًا إله أو نبيّ، أو أن جبريل غلط، فلا شك في كفر هذا، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره. ومن قذف عائشة(3) وقبَّح ـ يعني لعن الصحابة ـ ففيه خلاف هل يكفر أو يفسق، توقف أحمد في كفره. وقال: يعاقب ويجلد ويحبس حتى يموت أو يتوب. قال الشيخ: وأما من جاوز ذلك، كمن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد موت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلا نفرًا قليلاً يبلغون بضعة عشر، أو أنهم فسقوا، فلا ريب أيضًا في كفر قائل ذلك بل من شك في كفره فهو كافر». انتهى.
يقول أبو بطين: هذا حكم الرافضة في الأصل، فأما حكم متأخريهم الآن فجمعوا بين الرفض والشرك بالله العظيم، بالذي يفعلونه عند المشاهد، وهم الذين(4) ما بلغهم شرك العرب، الذين بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ص658.
(2) هؤلاء لا يسمون رافضة
(3) قذف أم المؤمنين كفر بلا خلاف لأذى الرسول- صلى الله عليه وسلم - والطعن فيه، ولتكذيب صريح القرآن ببراءتها وفضلها.
(4) يعنى أن شرك العرب دون شركهم(3/342)
وأما من يقول: «أن من تكلم بالشهادتين ما يجوز تكفيره. فقائل هذا القول لابد أن يتناقض، ولا يمكنه طرد قوله في مثل من أنكر البعث أو شك فيه مع إتيانه بالشهادتين، أو أنكر نبوة أحد من الأنبياء الذين سمَّاهم اللهُ تعالى في كتابه، أو قال الزنا حلال أو اللواط أو الربا ونحو ذلك، أو أنكر مشروعية الأذان أو الإقامة، أو أنكر الوتر أو السواك ونحو ذلك، فلا أظنه يتوقف في كفر هؤلاء وأمثالهم، إلا أن يكابر أو يعاند، فإن كابر أو عاند فقال: لا يضر شيءٌ من ذلك ولا يكفر به من أتى بالشهادتين، فلا شك في كفره، ولا في كفر من شك في كفره، لأنه بقوله هذا مكذب لله ولرسوله ولجميع المسلمين، والأدلة على كفره ظاهرة من الكتاب والسنة والإجماع. ويُقال لمن قال: أن من أتى الشهادتين لا يتصور كفره. ما معنى الباب الذي يذكره الفقهاء في كتب الفقه وهو «باب حكم المرتد» والمرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه بكلام أو اعتقاد أو فعل أو شك، وهو قبل ذلك يتلفظ بالشهادتين ويصلي ويصوم، ولا يمنعه تكلمه بالشهادتين وصلاته وصومه عن الحكم عليه بالردة، وهذا ظاهر بالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع. وأول ما يذكرون في هذا الباب الشرك بالله، فمن أشرك بالله فهو مرتد، والشرك عبادة غير الله، فمن جعل شيئًا من العبادة لغير الله فهو مشرك، وإن كان يصوم النهار ويقوم الليل فعمله حابط. قال الله تعالى: { ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - (((( - - - تمهيد ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - عليه السلام - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام - - - ( -(3/343)
صدق الله العظيم - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم - ( - ( - ( - - ( - - - } (1) والشرك عبادة غير الله، والعبادة هى ما أمر اللهُ به رسوله من إيجاب أو استحباب. قال القاضي عياض في كتابه ”الشفاء“: فصل في بيان ما هو من المقالات كفر. إلى أن قال: والفصل البيِّن في هذا أن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية، أو عبادة غير الله أو مع الله، فهى كفر. إلى أن قال: والذين أشركوا بعبادة الأوثان، أو أحد الملائكة أو الشياطين أو الشمس أو النجوم أو النار، أو أحد غير الله من مشركي العرب، أو أهل الهند أو السودان أوغيرهم. إلى أن قال: أو أن ثمَّ للعالم صانعًا سوى الله أو مدبِّرًا فذلك كله كفر بإجماع المسلمين». انتهى كلام القاضي عياض.
__________
(1) الزمر، آية: 65.(3/344)
فانظر حكاية إجماع المسلمين على كفر من عبد غير الله من الملائكة وغيرهم، وهذا ظاهر ولله الحمد. ونصوص القرآن في ذلك كثيرة، فمن قال: أن من أتي بالشهادتين، وصلَّي وصام لا يجوز تكفيره أو عبد غير الله فهذا كافر، ومن شك في كفره فهو كافر. إلى أن قال: على هذا القول فهو مكذب لله ولرسوله وللإجماع القطعي الذي لا يستريب فيه من له أدنى نظر في كلام العلماء، لكن الهوى والتقليد يعمي ويصم { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم { - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - - - (( مقدمة - - - - جل جلاله - - قرآن كريم ( الله أكبر - - رضي الله عنهم - - - ( (( مقدمة - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - قرآن كريم - الله أكبر } (1) وليعلم من أنعم الله عليه بمعرفة الشرك الذي خفي على كثير من الناس اليوم، أنه قد منح أعظم النعم: { قُلْ ( - (( - (( - ( - - - (( مقدمة ( - - عليه السلام - - ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( - - ( } - قرآن كريم ( مقدمة - عليه السلام - - ((- عليه السلام - - ( - - ( - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - - - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - - - } (2). إلى أن يقول: ثم اعلم أن ضد التوحيد الشرك، وهو ثلاثة أنواع: شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك خفيّ. والدليل على الشرك الأكبر قوله تعالى: { ?? } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ((((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - صلى الله عليه وسلم -( - -
__________
(1) النور، آية: 40.
(2) يونس، آية: 58(3/345)
رضي الله عنهم - - ( - } - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - } (1)، { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ( - - - ( - ( - - { - ( } - - ( - - ( فهرس - - ( - ( - - ((- رضي الله عنه - - } (2)، { - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ((( - - رضي الله عنه - - (- رضي الله عنه - - - - - (( } - عليه السلام - - ( - ( { } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد (( - - { - - - - ( فهرس - - عليه السلام - - ( المحتويات ( تمهيد ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة ( الله أكبر ( { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ((( - ( - - - ( - ( - - { - ( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - ( - - - ( مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - } - جل جلاله - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - ( - ( { ( - ( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ? } (3).
وهو أربعة أنواع:
__________
(1) النساء، آية: 116.
(2) النساء، آية: 116
(3) المائدة، آية: 72.(3/346)
الأول: شرك الدعوة والدليل قوله تعالى: { - - - ( - - ( } - قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام - - - (( ( - ( - ((( - - - } - ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - { - - - - رضي الله عنه -((((( - ( - ( - ( مقدمة - - - رضي الله عنه -(((- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - - فهرس - - ( ( المحتويات ( - - ( - صدق الله العظيم - عز وجل - - فهرس - ( { ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - - ( { ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( - } (1) .
__________
(1) العنكبوت، آية: 65.(3/347)
الثاني: شرك النية والإرادة والقصد، والدليل قوله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - - - ( - - ( - ( - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( الله أكبر ( المحتويات ( - ( - - - ( { ( المحتويات ( - فهرس - (- رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - { - - (( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - - (( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - { - - - { { ( - - - ( المحتويات ( - مقدمة - - (( ( - - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - صدق الله العظيم ( { ( - - } - جل جلاله - - - - - (( - - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ((- عليه السلام - - - ( - { - - (( ( - (((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } تم بحمد الله } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - } (1)
__________
(1) هود، آيتان: 15-16(3/348)
الثالث: شرك الطاعة، والدليل قوله - عز وجل -: { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - رضي الله عنهم - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - - - المحتويات - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( تم بحمد الله ( - - صدق الله العظيم ( { } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد ((- عليه السلام - - ( - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - جل جلاله - - ( مقدمة } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ( - ( - ((( - } (1) وتفسيرها الذي لا إشكال فيه: طاعة العلماء والعباد في المعصية لا دعاؤهم إياهم، كما فسَّرها النبيُ - صلى الله عليه وسلم - لعديّ بن حاتم لما سأله. فقال: لسنا نعبدهم. فذكر له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية.
__________
(1) التوبة، آية: 31 .(3/349)
الرابع: شرك المحبة، والدليل قوله تعالى: { - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } - } - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - جل جلاله - - - - رضي الله عنهم - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - - قرآن كريم - تمهيد (- رضي الله عنه -( - ( تمت - ( - - - ( - - - } (1).
... النوع الثاني: شركٌ أصغر وهو الرياء، والدليل قوله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - رضي الله عنه - تمت - - - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -( - - - { ( - (( مقدمة ( فهرس - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ((- عليه السلام - - ( - - ( الله - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -( - } - ( - ( - ( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - - ((( - ((( مقدمة ( فهرس - - عليه السلام - - - - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - } (2).
... النوع الثالث: شرك خفيّ، والدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الشركُ في هذه الأمة أخفي من دبيبِ النَّملةِ السوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل»، وكفارته قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أعوذُ بِكَ أنْ أشرِك بِكَ شيئًا وأنا أعلم وأستغفرك من الذنب الذي لا أعلم».
__________
(1) البقرة، آية: 165.
(2) الكهف، آية: 110.(3/350)
وعن الشيخ حمد بن عتيق في حكم أهل مكة، في وقته وما يقال في البلد نفسه. فقال(1): قد بعث اللهُ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد، الذي هو دين جميع الرسل، وحقيقته هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله، وهو أن يكون الله معبود الخلائق، فلا يتعبدون لغيره بنوع من أنواع العبادة، ومخ العبادة هو الدعاء، ومنها الخوف والرجاء، والتوكل والإنابة والصلاة، وأنواع العبادة كثيرة، وهذا الأصل العظيم الذي هو شرط في صحة كل عمل. والأصل الثاني: هو طاعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أمره، وتحكيمه في دقيق الأمور وجليلها، وتعظيم شرعه ودينه، والإذعان لأحكامه في أصول الدين وفروعه. فالأول: ينافي الشرك ولا يصح مع وجوده. والثاني: ينافي البدع ولا يستقيم مع حدوثها. فإذا تحقق وجود هذين الأصلين علمًا وعملاً ودعوة، وكان هذا دين أهل البلد، أي بلد كان، بأن عملوا به ودعوا إليه، وكانوا أولياء لمن دان به ومعادين لمن خالفه، فهم موحدون. وأما إذا كان الشرك فاشيًا مثل دعاء الكعبة والمقام والحطيم، ودعاء الأنبياء والصالحين، وإنشاء توابع الشرك مثل الزنا والربا، وأنواع الظلم، ونبذ السنن وراء الظهر، وفشو البدع والضلالات، وصار التحاكم إلى الأئمة الظلمة ونواب المشركين، وصارت الدعوة إلى غير القرآن والسنة، وصار هذا معلومًا في أي بلد كان، فلا يشك من له أدنى علم أن هذه البلاد محكوم عليها بأنها بلاد كفر وشرك، لا سيما إذا كانوا معادين أهل التوحيد، وساعين في إزالة دينهم، وفي تخريب بلاد الإسلام. وإذا أردت إقامة الدليل على ذلك، وجدت القرآن كله فيه، وقد أجمع عليه العلماء، فهو معلوم بالضرورة عند كل عالم.
__________
(1) مجموعة الرسائل، ج1، ص742-746(3/351)
وأما قول القائل: ما ذكرتم من الشرك إنما هو من الأفاقية لا من أهل البلد. فيقال له: أولا هذا إما مكابرة، وإما عدم علم بالواقع. فمن المتقرر أن أهل الآفاق تبعٌ لأهل تلك البلاد، في دعاء الكعبة والمقام والحطيم، كما يسمعه كل سامع ويعرفه كل موحد. ويقال ثانيًا: إذا تقرر وصار هذا معلومًا فذاك كاف في المسألة، ومن الذي فرَّق في ذلك، ويالله العجب إذا كنتم تخفون توحيدكم في بلادهم، ولا تقدرون أن تصرِّحوا بدينكم، وتخافتون بصلاتكم، لأنكم علمتم عداوتهم لهذا الدين، وبغضهم لمن دان به، فكيف يقع لعاقل إشكال؟ أرأيتم لو قال رجلٌ منكم لمن يدعو الكعبة أو المقام أو الحطيم، ويدعو الرسول والصحابة يا هذا: لا تدعو غير الله أو أنت مشرك، هل تراهم يسامحونه أم يكيدونه؟ فليعلم المجادل أنه ليس على توحيد الله، فوالله ما عرف التوحيد، ولا تحقق بدين الرسول - صلى الله عليه وسلم -. أرأيت رجلاً عندهم قائلا لهؤلاء راجعوا دينكم أو اهدموا البناءات التي على القبور، ولا يحلُّ لكم دعاء غير الله، هل ترى يكفيهم فيه فعل قريش بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، لا والله لا والله. وإذا كانت الدار دار إسلام لأي شيء لم تدعوهم إلى الإسلام، وتأمروهم بهدم القباب واجتناب الشرك وتوابعه، فإن يكن قد غرَّكم أنهم يصلون أو يحجون أو يصومون أويتصدقون، فتأملوا الأمر من أوله، وهو أن التوحيد قد تقرر في مكة بدعوة إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، ومكث أهل مكة عليه مدة من الزمان، ثم إنه فشا فيهم الشرك بسبب عمرو بن لحي، وصاروا مشركين، وصارت البلاد بلاد شرك، مع أنه قد بقي معهم أشياء من الدين، وكما كانوا يحجون ويتصدقون على الحاج وغير الحاج، وقد بلغكم شعر عبد المطلب الذي أخلص فيه في قصة الفيل وغير ذلك من البقايا، ولم يمنع ذلك من تكفيرهم وعداوتهم، بل الظاهر عندنا وعند غيرنا أن شركهم اليوم أعظم من ذلك الزمان، بل قبل هذا كله أنه مكث أهل الأرض بعد آدم(3/352)
عشرة قرون على التوحيد، حتى حدث فيهم الغلو في الصالحين، فدعوهم مع الله فكفروا، فبعث الله إليهم نوحًا - عليه السلام - يدعو إلى التوحيد.
فتأمل ما قص الله عنهم، وكذا ما ذكر الله عن هود - عليه السلام - أنه دعاهم إلى إخلاص العبادة لله، لأنهم لم ينازعوه في أصل العبادة، وكذلك إبراهيم دعا قومه إلى إخلاص التوحيد، وإلا فقد أقروا لله بالألوهية. وجماع الأمر أنه إذا ظهر في بلد دعاء غير الله وتوابع ذلك، واستمر أهلها عليه وقاتلوا عليه، وتقررت عندهم عداوة أهل التوحيد، وأبوا عن الانقياد للدين، فكيف لا يحكم عليها بأنها بلد كفر، ولو كانوا لا ينتسبون لأهل الكفر، وأنهم منهم بريئون مع مسبَّتِهم لأهل التوحيد، وتخطئتهم لمن دان به، والحكم عليهم بأنهم خوارج أو كفَّار، فكيف إذا كانت هذه الأشياء كلها موجودة، فهذه مسألة عامة كلية. وأما القضايا الجزئية فنقول: قد دلَّ القرآن والسنة على أن المسلم إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك والانقياد لهم، ارتد بذلك عن دينه، فتأمل قوله تعالى: { } تمت ( { - ((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -( } (- رضي الله عنه - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - - رضي الله عنه - - { قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - - - - - فهرس - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - } (1) مع قوله - عز وجل -: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه
__________
(1) محمد ، آية: 25.(3/353)
وسلم - المحتويات ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله } (1)، وأمعن النظر في قوله تعالى: { - - - ( } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( { - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( - - مقدمة } - قرآن كريم (( قرآن كريم ( - - - - (( تم بحمد الله { - ( - - رضي الله عنه - فهرس ((( فهرس ( - ( - - ( ( - ( - ( الله أكبر ( { - { - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - ( } تم بحمد الله } (2) وأدلة هذه كثيرة. ولا تنسوا ما ذكر الله - عز وجل - في سورة التوبة: { - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - ( - - - - ( فهرس ( - - ( - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - - ( { } (3)، وقوله - عز وجل -: { ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - - - - { - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ((( - ( - - - } (4)، واذكر قوله تعالى: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - { - - (((( فهرس - { الله أكبر ( الله - - - صدق الله العظيم (( - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ((( - ( - - - ( - -
__________
(1) المائدة ، آية: 51.
(2) النساء، آية: 140.
(3) التوبة، آية: 66.
(4) التوبة، آية: 74.(3/354)
رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( { - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - تم بحمد الله } (1)، وتأمل قوله تعالى: { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - ( - ( - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - تمهيد ( - - جل جلاله -( } - - رضي الله عنه - - ( - ( - (( - - - (( ( فهرس قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - - ((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - عليه السلام - - - تمهيد - ( - ( - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - - رضي الله عنه - - - - قرآن كريم ((( - - - - ((( - { - - - ( - - - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( } (2) في موضعين وقد علمت حالهم إذا دعوا إلى التوحيد والله أعلم. انتهى كلام الشيخ حمد بن عتيق.
نقولات الجزء الثاني:
فائدة(3) قال الإمام القرطبي في ”شرح مسلم“: «ولا يختلف في أنه لا يحل لمسلم المقام في بلاد الكفار مع التمكن من الخروج منها، لجريان أحكام الكفر عليه، ولخوف الفتنة على نفسه. وهذا حكمٌ ثابت مؤبد إلى يوم القيامة، وعلي هذا فلا يجوز لمسلم دخول بلاد الكفَّار لتجارة أو غيرها مما لا يكون ضرورة في الدين، كالرسل كافتكاك المسلم، وقد أبطل مالك شهادة مَنْ دخل بلاد الهند لأجل التجارة». انتهى كلام القرطبي.
سؤال(4): ما قول العلماء الأعلام أئمة الإسلام، فيمن يقول لا إله إلا الله، ويدعو غير الله، هل يحرم ماله ودمه بمجرد قولها أم لا؟
__________
(1) آل عمران، آية: 80.
(2) الحج، آية: 72.
(3) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج2، ص117.
(4) المصدر السابق، ج2، ص120.(3/355)
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بعد كلام: فدلت هذه الكلمة العظيمة مطابقة على إخلاص العبادة بجميع أفرادها لله تعالى، ونفي كل معبود سواه. وبعد أن يذكر الآيات في ذلك يقول: فمن تحقق مبدأ قول هذه الكلمة العظيمة، من إخلاص العبادة لله تعالى، والبراءة من عبادة ما سواه، بالجنان والأركان، وعمل بما اقتضته فرائض الإسلام والإيمان، كان معصوم الدم والمال، ومن ردَّ فلا قال تعالى: { تمت ( - - ( } - قرآن كريم ( - - - - } - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - ( قرآن كريم - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم - - } - - - - } - قرآن كريم - - - رضي الله عنهم -( - ( ( المحتويات ( - فهرس - - ( - - رضي الله عنهم - - } (1) فدلت هذه الآية الكريمة على أن عصمة الدم والمال لا تحصل بدون هذه الثلاث لترتيبها عليها بترتيب الجزاء على الشرط. انتهى باختصار وتصرف.
وللشيخ(2): الخارج من دار هجرة بعد ما نزل لأجل تصليح ماله، ونيته الرجوع إلى بلده هل يكون عاصيًا؟
فالجواب: هذا الخارج لا يطلق عليه أنه عاص لله، ولا يدخل في حكم الوعيد المرتب على من تعرب بعد الهجرة، بل يحب ويوالي لأن خروجه ليس معصية، فيعامل بما يعامل به من لم يخرج من بلده، لأنه من جملة المهاجرين، وليس له نيَّة إلا الرجوع إلى وطنه والهجرة مع إخوانه، فلا يحكم عليه بردة، بل ولا بمعصية.
وأما المسألة الثانية: وهى ما حكم الذي باع بيته وخرج إلى البادية وليس من نيته الرجوع والسكني، وهو ثابت على ما هو عليه من الإسلام والتزام شرائعه ومحبة المسلمين ؟
__________
(1) التوبة، آية: 5.
(2) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج2، ص132(3/356)
فالجواب: أن هذا يكون مرتكبًا معصية ومتعربًا بعد هجرته.ولكن لا يكون خروجه وتعربه كفرًا ولا ردة، بل هو مسلم عاص، يوالي ويحب على ما معه من الإيمان، ويبغض على ما معه من المعصية.
المسألة الثالثة: ما حكم الذي باع بيته بعدما نزله، ثم خرج إلى البادية، ومع ذلك يصدر منه مسبَّة للدين وأهل الدين، ويفعل أشياء من المكفرات، وقد قامت عليه الحجة ما حكمه؟
الجواب: إن هذا إذا كان بهذه الصفة فهو مرتد قد خرج من الإسلام. إلى أن يقول(1): القسم الثاني: الهجرة من كل بلد تظهر فيها شعائر الشرك وأعلام الكفر ويعلن فيها بالمحرمات والمقيم فيها لا يقدر على إظهار دينه، والتصريح بالبراءة من المشركين وعداوتهم، ومع هذا يعتقد كفرهم وبطلان ما هم عليه، لكن إنما جلس بين ظهرانيهم شحاً بالمال والوطن، فهذا عاص ومرتكب محرمًا، وداخل في حكم الوعيد، قال تعالى: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - ( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } إلى قوله - عز وجل -: { - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( - } - رضي الله عنه -( ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - قرآن كريم ((((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( { - رضي الله عنه -( - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - قرآن كريم (( - ( } (2) فلم يعذر الله إلا المستضعف الذي لا يقدر على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدر ما عرف سلوك الطريق وهدايته إلى غير ذلك من الأعذار. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله» فلا يقال إنه بمجرد المجامعة والمساكنة يكون
__________
(1) المصدر السابق، ج2، ص134
(2) النساء، آيات: 97-99.(3/357)
كافرًا، بل المراد أن من عجز عن الخروج من بين ظهراني المشركين، وأخرجوه معهم كرهًا، فحكمه حكمهم في القتل وأخذ المال، لا في الكفر. وأما إن خرج معهم لقتال المسلمين طوعًا واختيارًا، وأعانهم ببدنه وماله، فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر. انتهى كلام الشيخ عبد الرحمن.
ويقول: وأما المسألة الخامسة: وهى ما حكم من اتصف بالكفر اليوم وقام به من بادية نجد، هل هو كفر أصلي أم طارئ ؟ وهل عمهم الإسلام في وقت دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أم لا ؟
يقول بعد كلام عن دعوة الشيخ وعن أهل نجد: والفتنة التي حلت بهم هى فتنة العساكر التركية والمصرية، فانتثر نظام الإسلام، وشتت أنصاره وأعوانه، وارتحلت الدولة الإسلامية، وأعلن أهل النفاق بنفاقهم، فرجع من رجع إلى دين آبائه، وإلى ما كان عليه سابقًا من الشرك والكفر، وثبت من ثبت على الإسلام، وقام بهم من أمور الجاهلية أشياء لا تخرج من ثبت منهم عن الإسلام. إذا تبين لك هذا فاعلم أن الكفر الموجود في أعراب نجد الذين قد دخلوا في الإسلام سابقًا إنما هو كفر طارئ لا كفر أصلي، فيعامل من وجد منه مكفر بما يعامل به أهل الردة، ولا يحكم عليهم بعموم الكفر لأنه يوجد فيهم من هو ملتزم لشرائع الإسلام وواجباته. وأما من ظاهره الإسلام منهم ولكن ربما قد يوجد فيهم من الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة، وفيهم شيء من أمور الجاهلية ومن أنواع المعاصي صغائر كانت أو كبائر، فلا يعاملون معاملة المرتدين. انتهى باختصار وتصرف يسير.(3/358)
ويقول الشيخ عبد الرحمن(1): وأما قوله: في الحديث الصحيح: «وكفر بما يُعبَد من دون الله» فهذا شرطٌ عظيمٌ لا يصحُّ قول لا إله إلا الله إلا بوجوده، وإن لم يوجد، لم يكن من قال لا إله إلا الله معصوم الدم والمال، لأن هذا هو معنى لا إله إلا الله، فلم ينفعه القول بدون الإتيان بالمعنى الذي دلَّ عليه مِنْ ترك الشرك والبراءة منه وممن فعله. فإذا أنكر عبادة كل ما يعبد من دون الله وتبرأ منه وعادى من فعل ذلك، صار مسلمًا معصوم الدم والمال، وهذا معنى قول الله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( ( - ((( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - ( - - (( تم بحمد الله ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - ( - ( - - { - ( - رضي الله عنهم - - - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - - ( - - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم ( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - - ((( الله أكبر - - - - - مقدمة - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - (( - - ( - (( - - رضي الله عنه -( } (2). وقد قُيدت لا لا إله إلا الله في الأحاديث الصحيحة بقيود ثقال، لا بد من الإتيان بجميعها قولا واعتقادًا وعملاً، فمن ذلك حديث عتبان الذي في الصحيح «فإن الله حرَّم على النار مَنْ قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» وفي أحاديث أُخر «صدقًا من قلبه ـ خالصًا من قلبه ـ مستيقنًا بها قلبه ـ غير شاك» فلا تنفع هذه الكلمة قائلها إلا بهذه القيود، إذا اجتمعت له مع العلم بمعناها ومضمونها كما قال تعالى: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ((( - { - - - - - قرآن كريم ((( - -
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج2، ص27-29.
(2) البقرة، آية: 256.(3/359)
رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - { - رضي الله عنهم -(( - ( } ( - - - - صدق الله العظيم ( { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنهم -( ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - } (1) وقال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: { ? ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - (( - - - ( (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { ( - - - } (2) فمعناها يقبل الزيادة لقوة العلم وصلاح العمل. فلابد من العلم بحقيقة معنى هذه الكلمة علمًا ينافي الجهل، بخلاف من يقولها وهو لا يعرف معناها. ولابد من اليقين المنافي للشك فيما دلت عليه من التوحيد. ولابد من الإخلاص المنافي للشرك، فإن كثيرًا من الناس يقولها وهو يشرك في العبادة، وينكر معناها، ويعادي مَنْ اعتقده وعمل به. ولابد من الصدق المنافي للكذب، بخلاف حال المنافق الذي يقولها من غير صدق كما قال تعالى: { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - - جل جلاله -( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - } تم بحمد الله { { ( - - - - (( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - } (3). ولا بد من القبول المنافي للردِّ، بخلاف مَنْ يقولها ولا يعمل بها. ولابد من المحبة لما دلت عليه من التوحيد والإخلاص وغير ذلك، والفرح بذلك المنافي لخلاف هذين الأمرين. ولابد من الانقياد بالعمل بها، وما دلت عليه مطابقة وتضمنًا والتزامًا. وهذا هو دين الإسلام الذي لا
__________
(1) الزخرف، آية: 86.
(2) محمد، آية: 19.
(3) الفتح، آية: 11.(3/360)
يقبل الله دينًا سواه.
ترى كثيرًا ممن يدعي العلم والفهم، قد عكس مدلول لا إله إلا الله كابن الكمال ونحوه من الطواغيت، فيثبتون ما نفته لا إله إلا الله من الشرك في العبادة، ويعتقدون ذلك الشرك دينًا، وينكر ما دلت عليه من الإخلاص، ويشتم أهله وقد قال تعالى: { - - ( الله أكبر ( { - - - عليه السلام - - ( - - عليه السلام - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - - (- رضي الله عنه - - ( تمهيد ( - - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - (( - - - ( { - - - - الله أكبر (( - ( - ( - ( مقدمة { - - (((- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - ( - ((((- صلى الله عليه وسلم - - - - - ((( - - - - ( - - - } (1).انتهى كلامه، جزاه الله خيرًا.
ويقول(2): وأصل دين الإسلام معرفة الشرك والبراءة منه وإنكاره ومعاداة أهله، ومعرفة التوحيد على الحقيقة، وقبوله ومحبته وموالاة أهله. انتهى.
ويقول(3): فانتبه لأمور ستة أو سبعة لا يسلم العبد من الكفر أو النفاق إلا باجتماعها، وباجتماعها والعمل بمقتضاها يكون العبد مسلمًا، إذ لابد من مطابقة القلب للسان علمًا وعملاً، واعتقادًا وقبولاً، ومحبة وانقيادًا. فلابد من العلم بها المنافي للجهل. ولابد من الإخلاص المنافي للشرك. ولابد من الصدق المنافي للكذب، بخلاف المشركين والمنافقين. ولابد من اليقين المنافي للشك والريب، فقد يقولها وهو شاكٌ في مدلولها ومقتضاها. ولابد من المحبة المنافية للكراهة. ولابد من القبول المنافي للردّ، فقد يعرف معناها ولا يقبله كحال مشركي العرب. ولابد أيضًا من الانقياد المنافي للترك، لترك مقتضياتها ولوازمها وحقوقها المصححة للإسلام والإيمان. انتهى.
__________
(1) الزمر، آية: 2.
(2) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج2، الرسالة 5، ص59.
(3) المصدر السابق، ص81.(3/361)
ويقول أيضًا عن لوثة الإرجاء عند بعض أشاعرة البدعة المتأخرين(1): وأخطأوا أيضًا في التوحيد، ولم يعرفوا من تفسير لا إله إلا الله إلا أن معناها القادر على الاختراع، ودلالة ”لا إله إلا الله“ على هذا دلالة التزام، لأن هذا من توحيد الربوبية الذي أقرَّ به الأمم ومشركو العرب كما قال تعالى: { - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - ((( - - } - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - (( تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - } (2) الآيات. وهى كثيرة في القرآن، يحتج تعالى عليهم بذلك على ما جحدوه من توحيد الألهية، الذي هو معنى لا إله إلا الله مطابقة وتضمنًا، وهو الذي دعا إليه الناس في أول سورة البقرة، وفي سورة آل عمران، والنساء وغيرهما، ودعت إليه الرسل أن لا تعبدوا إلا الله، وهو الذي دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد نصارى نجران، ودعا إليه العرب قبلهم، كما قال أبو سفيان لهرقل لما سأله عما يقول. قال: يقول: ”اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا“.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ص85.
(2) المؤمنون، آية: 84.(3/362)
وكل السور المكية في تقرير معنى لا إله إلا الله وبيانه، فإذا كان العلماء في وقتنا هذا وقبله في كثير من الأمصار ما يعرفون من لا إله إلا الله إلا توحيد الربوبية، كمن كان قبلهم في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب، اغتروا بقول بعض العلماء من المتكلمين أن معنى لا إله إلا الله: القادر على الاختراع، وبعضهم يقول معناها الغني عمَّا سواه المفتقر إليه ما عداه، وعلماء الاحساء ما عادوا شيخنا رحمه الله في مبدء دعوته إلا من أجل أنهم ظنُّوا أن عبادة يوسف والعيدروس وأمثالهم، لا يستفاد بطلانها من كلمة الإخلاص، والله سبحانه يبين لنا معنى هذه الكلمة في مواضع كثيرة من القرآن، قال تعالى عن خليله - عليه السلام -: { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - - - - ( - (( - } - عليه السلام - - ( - ( { ( مقدمة - ( - } ((( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( الله أكبر ( { (( - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - - صدق الله العظيم ( { - ( - { - - - - ( الله أكبر - عليه السلام - - - ( - ( (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( (((( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنهم - - فهرس - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم { - رضي الله عنهم - - ( - - - - { - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنه - - - (( ( مقدمة ( - ( { - رضي الله عنه -( } (1) فعبَّر عن هذه الكلمة بمعناها: وهو نفي الشرك في العبادة وقصرها على الله وحده. إلى أن يقول: فإذا كان هذا التوحيد الذي هو حق الله على العباد قد خفى على أكابر العلماء في أزمنة سلفت، فكيف لا يكون بيانه أهم
__________
(1) الزخرف، آيات: 26-28.(3/363)
الأمور، خصوصًا إذا كان الإنسان لا يصح له إسلام ولا إيمان إلا بمعرفة هذا التوحيد وقبوله ومحبته، والدعوة إليه، وتطلب أدلته واستحضارها ذهنًا وقولاً وطلبًا ورغبة. انتهى كلام الشيخ عبد الرحمن.
ويقول(1): «فلا إله إلا الله» هى كلمة الإسلام، لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له ودلت عليه، وقبوله والانقياد للعمل، وهى كلمة الإخلاص المنافي للشرك، وكلمة التقوى التي تقي قائلها من الشرك بالله. فلا تنفع قائلها إلا بشروط سبعة: الأول العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا، واليقين وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب، والإخلاص المنافي للشرك، والصدق المانع من النفاق، والمحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك، والقبول المنافي للرد، فقد يقولها من يعرفها لكن لا يقبلها مما دعاه إليها تعصبًا وتكبرًا كما هو قد وقع من كثير، السابع الانقياد بحقوقها وهى الأعمال الواجبة إخلاصًا لله وطلبًا لمرضاته. انتهى.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج2، ص87-88.(3/364)
ويقول الشيخ أبو بطين(1) ـ ومن قبله الشيخ عبد الرحمن ـ عمَّن احتج بأن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وأن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب أن ما يفعله القبوريون عند المشاهد وغيرها ليس عبادة ولا شرك: «إن هذا باطل لأن العرب ارتدت بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقاتلهم الصحابة على الردة. وقد نصَّ العلماء على وقوع كثير من أمور الشرك والكفر بعد ذلك من كثير من الناس، كمن حرَّقهم على - رضي الله عنه -، ومن قالوا كلمة عن مسيلمة بمسجد الكوفة، والمختار بن عبد الله الثقفي، والجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، والحلاج، واحتجوا أيضًا عمَّا جاء في الأحاديث من تغير الزمان حتي تعبد الأوثان، ومن لحوق فئام من الأمة بالمشركين، وظهور الدجالين، وألا تقوم الساعة حتي تعبد اللات والعزى، وحتى تضطرب أليات نساء دوس عند ذي الخلصة، وأمثال ذلك كثير منه ما قد وقع ومنه ما سيقع، وأن معنى الخيرية لا ينافي هذا، وأن معنى الإياس ليس أن الله آيسه، بل هو إياس صائر من الشيطان لا يلزم تحقيقه واستمراره». انتهى.
وهذا المعنى قد نبَّه إليه شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب في مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد وغير ذلك من الرسائل.
__________
(1) معنى مستفاد، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج2، ص178-180(3/365)
ويقول أبو بطين في جوابه على عليّ بن سليم(1) قال: فالأولي البلد التي فيها شيء من مشاهد الشرك، والشرك فيها ظاهر، مع كونهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، مع عدم القيام بحقيقتهما، ويؤذنون ويصلون الجمعة، والجماعة مع التقصير في ذلك، هل تسمى دار كفر أو دار إسلام؟ فهذه المسألة يؤخذ جوابها مما ذكره الفقهاء في بلدة كل أهلها يهود أو نصارى، أنهم إذا بذلوا الجزية صارت بلادهم بلد إسلام وتسمي دار إسلام، فإذا كان أهل بلدة نصارى يقولون في المسيح أنه ابن الله أو ثالث ثلاثة أنهم إذا بذلوا الجزية سميت بلادهم بلد إسلام، فبالأولى فيما أرى أن البلد التي سألتم عنها، وذكرتم حال أهلها، أولى بهذا الاسم، ومع هذا يقاتلون لإزالة مشاهد الشرك، والإقرار بالتوحيد والعمل به، بل لو أن طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام قوتلوا، وإن لم يكونوا كفارًا ولا مشركين ودارهم دار إسلام. قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى: أجمع العلماء على أن كل طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام أنها تقاتل، حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولي. انتهى.
وما ذكرناه عن العلماء من أنهم يسمون البلد التي أهلها يهود أو نصارى دار إسلام، يذكرونه في باب اللقيط وفي غيره والله سبحانه وتعالى أعلم.
أقول: هذا لا يتعارض مع ما سبق ذكره في الجزء الأول عن الشيخ حمد بن عتيق، لأن السؤال هنا عن بلدة لا تمتنع عن سلطة المسلمين عليها، فيعامل الخارجون عن الشرع أو التوحيد بها باعتبارهم أفرادًا تنالهم اليد وتصل إليهم القدرة، ولا يأخذون صفة الدار، وذلك مثل من يدخل تحت حكم الإسلام من اليهود والنصارى.
نقولات الجزء الثالث:
__________
(1) مجموعة الرسائل، ج2 ، ص203، ونفس المعنى يقرره ص254-255.(3/366)
من أجوبة الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن. فصل في حظر الإقامة حيث يهان الإسلام ويعظم الكفر. ”المسألة الثانية“(1): فيمن يجيء من الإحساء بعد استيلاء هذه الطائفة الكافرة(2) على أهل الإحساء ممن يقيم فيه للتكسب أو للتجارة، ولا اتخذه وطنًا، وأن بعضهم يكره هذه الطائفة ويبغضها يُعلم منه ذلك، وبعضهم يري ذلك ولكن يعتقد أنه حصل به راحة للناس، وعدم ظلم وتعد على الحضر، إلى آخر ما ذكرت.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج3، ص23-25.
(2) العساكر التركية .(3/367)
فالجواب: أن الإقامة ببلد يعلو فيها الشرك والكفر، ويظهر الرفض، ودين الإفرنج ونحوهم من المعطلة للربوبية والإلهية، ويرفع فيها شعارهم، ويهدم الإسلام والتوحيد، ويعطل التسبيح والتكبير والتحميد، وتقلع قواعد الملة والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، ويشتم السابقون من أهل بدر وبيعة الرضوان، فالإقامة بين ظهرانيهم والحالة هذه لا تصدر عن قلب باشره حقيقة الإسلام والإيمان والدين، وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين، بل لا يصدر عن قلب رضى بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ نبيًا، فإن الرضا بهذه الأصول قطب رحي الدين، وعليه تدور حقائق العلم واليقين، وذلك يتضمن من محبة الله وإيثار مرضاته، والغيرة لدينه والانحياز إلى أوليائه، ما يوجب البراءة كل البراءة، والتباعد كل التباعد عمن تلك نحلته وذلك دينه، بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة لا يجامع هذه المنكرات، كما علم من تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية في ”كتاب الإيمان“، وفي قصة إسلام جرير بن عبد الله، أنه قال: يا رسول الله بايعني واشترط. فقال - صلى الله عليه وسلم -: «تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وأن تفارق المشركين» خرَّجه أبو عبد الرحمن النسائي، وفيه إلحاق مفارقة المشركين بأركان الإسلام ودعائمه العظام، وقد عرف من آية سورة براءة أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي بل فاعله فاسق لا يهديه الله كما هو نص الآية، والفسوق إذا أطلق ولم يقترن بغيره فأمره شديد ووعيده أشد وعيد، وأي خير يبقي مع مشاهدة تلك المنكرات والسكوت عليها، وإظهار الطاعة والانقياد لأوامر من هذا دينه وتلك نحلته، والتقرب إليهم بالبشاشة والزيارة والهدايا والتنوق في المآكل والمشارب، وإن زعم أن له غرضًا من الأغراض الدنيوية، فذلك لا يزيده إلا مقتًا، كما لا يخفى على من له أدنى ممارسة للعلوم الشرعية، واستئناس بالأصول الإسلامية، وقد جاء(3/368)
القرآن العظيم بالوعيد الشديد والتهديد الأكيد على مجرد ترك الهجرة كما في آية سورة النساء، وقد ذكر المفسرون هناك ما به الكفاية والشفاء، وتكلم عليها شيخنا محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وأفاد وأوفى، ودعوى التقية لا تفيد مع القدرة على الهجرة، ولذلك لم يستثن الله إلا المستضعفين من الأصناف الثلاثة، وقد ذكر علماؤنا تحريم الإقامة والقدوم إلى بلد يعجز فيها عن إظهار دينه، والمقيم للتجارة والتكسب والمستوطن حكمهم، وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق، وأما دعوى البغض والكراهة مع التلبس بتلك الفضائح، فذلك لا يكفي في النجاة، ولله حكم وشرع وفرائض وراء ذلك كله.(3/369)
ويقول في رسالة إلى إبراهيم بن عبد الملك في تخصيص السفر إلى الإحساء، في هذا الوقت من عموم الرخصة بعد استيلاء العدو عليها فيقول: بعد كلام(1): وهو العدو الذي اشتدت به الفتنة على الإسلام والمسلمين، وعزَّ بدولته جانب الرافضة والمرتدين، ومن على سبيلهم من المنحرفين والمنافقين، فمثل هذه البلدة تخص من عموميات الرخصة لوجوه، منها: أن إظهار الدين على الوجه التي تبرأ به الذمة متعذر غير حاصل، كما هو مشاهد معلوم عند من خبر القوم، مع من يجالسهم ويقدم إليهم، وقل أن يتمكن ذو حاجة لديهم إلا بإظهار عظيم من الركون والموالاة والمداهنة، وهذا مشهور متواتر لا ينكره إلا جاهل أو مكابر لا غيرة له على دين الله وشرعه، ولا توقير لعظمته ومجده، وقد اتخذ ظواهر عبارات لم يعرف حقيقتها ولم يدر مراد الفقهاء منها، ترسًا يدفع به في صدور الآيات والسنن، ويصدف به عن أهدي منهج وسنن، فهو كحجر في الطريق بين السائرين إلى الله والدار الآخرة، يحول بينهم وبين مرادهم. إلى أن يقول: فقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في المواضع التي نقلها من السيرة: أنه لا يستقيم للإنسان إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين، والتصريح لهم بالعداوة والبغض. فانظر إلى تصريح الشيخ بأن الإسلام لا يستقيم إلا بالعداوة والبغضاء، فأين التصريح من هؤلاء المسافرين، والأدلة من الكتاب والسنة ظاهرة متواترة على ما ذكره الشيخ، وهو موافق لكلام المتأخرين في إباحة السفر لمن أظهر دينه، ولكن الشأن كل الشان في إظهار الدين، وهل اشتدت العداوة بينه - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش إلا لما كافحهم بمسبة دينهم وتسفيه أحلامهم وعيب آلهتهم، وأي رجل تراه يعمل المطي جادًا في السفر إليهم واللحاق بهم حصل منه ونقل عنه ما هو دون هذا الواجب، والمعروف المشتهر عنهم تَرْكُ ذلك كله بالكلية والإعراض عنه، واستعمال
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج3، ص28.(3/370)
التقية والمداهنة، وشواهد هذا كثيرة شهيرة، والحسيات والبديهيات غنية عن البرهان.
الوجه الثاني: أن قتال من هجم على بلاد المسلمين من أمثال هؤلاء فرض عين لا فرض كفاية، كما هو مقرر مشهور. فلا يحلّ ولا يسوغ والحالة هذه تركه والعدول عنه لغرض دنيوي، وقواعد الإسلام ومدارك الأحكام ترد القول بإباحة ترك الفروض العينية لأغراض دنيوية ومن عرف هذا عرف الفرق بين مسألتنا، وبين عبارة من قال بجواز السفر لمن قدر على إظهار دينه، لو فرضناه حاصلاً فكيف والأمر كما قدمت.
الوجه الثالث: أن نص عبارات علمائنا، وظاهر كلامهم، وصريح إشاراتهم، أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه لا يباح له السفر إليهم. فالرخصة مخصوصة بمن عرفه بأدلته المتواترة في الكتاب والسنة. إلى أن يقول: حتي ذكر جمعٌ تحريم القدوم إلى بلد تظهر فيه عقائد المبتدعة، كالخوارج والمعتزلة والرافضة، إلا لمن عرف دينه في هذه المسائل، وعرف أدلته وأظهره عند الخصم. إلى أن يقول: وأين من يبادئهم بأن ما هم عليه كفر وضلال بعيد، ومسبّة لله العزيز الحميد، يمانع أصل الإيمان والتوحيد، وأن ما هم عليه هو الكفر الجلي البواح، وهو في ذلك على نور من ربِّه وبصيرة في دينه، فسل أهل الريب والشبهات هل يغتفر الجهل بذلك، والإعراض عنه علمًا وعملاً، ويكتفي بمجرد الانتساب إلى الإسلام عند قوم ينتسبون إليه أيضًا، وهم من أشد خلق الله كفرًا به، وجحدًا له وردًا لأحكامه واستهزاءً بحقائقه، فإن قالوا يكتفي بذلك الانتساب وتبرأ به الذمة، فقد عادوا على ما نقلوه وأصَّلوه من دليلهم بالرد والهدم. إلى أن يقول: وهل قدَّر الله حق قدره من سالم أعداءه الجاحدين له، المكذبين لرسله، وأعرض عن جهادهم، وعيبهم والطعن عليهم، ولاقاهم بوجه منبسط ولسان عذب وصدر منشرح.(3/371)
الوجه الرابع: أنه لا بد في إباحة السفر إلى بلاد المشركين من أمن الفتنة، فإن خاف بإظهار دينه الفتنة، بقهرهم وسلطانهم أو شبهات زخرفهم وأقوالهم، لم يبح له القدوم إليهم والمخاطرة بدينه، وقد فرَّ عن الفتنة من السابقين الأولين إلى بلاد الحبشة من تعلم من المهاجرين. إلى أن يقول: وقد شاع لديكم خبر من افتتن بمدحهم والثناء عليهم، ونسبتهم إلى العدل، وحسن الرعاية، إلى ما هو أعظم من ذلك وأطمّ من مشاقة الله ورسوله، واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن لم يشاهد هذا منكم ولم يسمعه من قائله قد بلغه وتحققه، فأجهل الخلق وأضلهم عن سواء السبيل من ينازع في تحريم السفر إليهم، والحالة هذه ويرى حله وجوازه.
الوجه الخامس: أن سد الذرائع، وقطع الوسائل، من أكبر أصول الدين وقواعده، وقد رتب العلماء على هذه القاعدة من الأحكام الدينية تحليلاً وتحريمًا ما لا يحصي كثرة. إلى أن يقول: ولو أفتينا بتحريم السفر رعاية لهذا الأصل فقط، وسدًا لذرائعه المفضية، لكنا قد أخذنا بأصل أصيل ومذهب جليل.(3/372)
الوجه السادس: أنَّا لا نسلم دخول هذه البلدة التي الكلام بصددها في عبارات أهل العلم ورخصتهم، لأن صورة الأمر وحقيقته سفر إلى معسكر العدو الحربي الهاجم على أهل الإسلام، المستولي على بعض ديارهم، المجتهد في هدم قواعد دينهم، وطمس أصوله وفروعه، وفي نصرة الشرك والتعطيل، وإعزاز جيوشه وجموعه، فالمسافر إليهم كالمسافر إلى معسكر كمعسكر التتر، ومعسكر قريش يوم الخندق ويوم أحد، أفيقال هنا بجواز السفر لأن السفر إلى بلاد المشركين يجوز لمن أظهر دينه؟ إلى أن يقول: وقد قال شيخ الإسلام في اختياراته: من جمز إلى معسكر التتر ولحق بهم ارتد وحل ماله ودمه. فتأمل هذا فإنه إن شاء الله يزيل عنك إشكالات كثيرة طالما حالت بين قوم وبين مراد الله ورسوله، ومراد أهل العلم من نصوصهم وصريح كلامهم، ثم اعلم أن النصوص الواردة في وجوب الهجرة والمنع من الإقامة ببلد الشرك والقدوم إليها، وترك القعود مع أهلها ووجوب التباعد عن مساكنتهم ومجامعتهم، نصوص عامة مطلقة، وأدلة قاطعة محققة، ومن قال بالتخصيص أو التقييد لها إنما يستدل بقضايا عينية خاصة، وأدلة جزئية لا عموم لها عند جماهير الأصوليين والنظار، بل هى في نفسها محتملة للتقييد والتخصيص، ومن قال بالرخصة لا ينازع في عموم الأدلة الموجبة للهجرة المانعة من المجامعة والمساكنة. انتهى.(3/373)
ثم يقول في مسألة بيع الكفار ما يستعينون به على المسلمين: وأما مسألة المبايعة. فلم يسألني عنها أحد، ولم يتقدم لي فيها كلام، وقد بسط شيخ الإسلام الكلام على مبايعة أهل الذمة ومنع من يبيع ما يستعينون به على كفرهم وأعيادهم. وأما الكافر الحربي فلا يمكن مما يعينه على حرب أهل الإسلام. إلى أن يقول: وأكثر الناس يخفى عليه أن المرتد من أهل تلك الديار التي استولى عليها الكافر الحربي أغلظ كفرًا وأعظم جرمًا، ولذلك تجد لهم عند القادمين إليهم من المباسطة والمؤانسة والإكرام ما هو أعظم مما مرت حكايته من صنيعهم مع هذا الكافر الحربي فافهم ذلك. انتهى باختصار.
وفي جواب للشيخ عبد اللطيف عن عبارة لوالده الشيخ عبد الرحمن يفهم منها كراهة السفر إلى بلاد المشركين دون تحريمه يقول(1): إن عبارة الوالد لا تنطبق على الواقع الذي يفتي هو منه، فقد اشتمل سفر هؤلاء على منكرات عظيمة، منها موالاة المشركين، وكذلك من رأى أن في ولايتهم مصلحة للناس أو للحضر، وربما نقل بعضهم من المكاتبات إلى أهل الإسلام ما يستفزونهم به، ويدعوهم إلى طاعتهم وصحبتهم والانحياز إلى ولايتهم، ويرى الشيخ أن من يستدل بفتوى والده الشيخ عبد الرحمن على جواز سفر هؤلاء إلى بلاد الإحساء تحت حكم العساكر التركية، كمن يستدل بتقبيل الصائم على أن الوطء لا يبطل صيامه، والواقع مختلف عما أفتى به والده، إذ إن حقيقة سفر هؤلاء مسالمة وإعراض عما وجب من فروض التعيين، إذ هجم العدو وصار الجهاد فرض عين يحرم تركه، ولو للسفر المباح فكيف هذا السفر؟ انتهى باختصار وتصرف.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ص38-39.(3/374)
ويقول الشيخ في رسالة إلى حمد بن عبد العزيز في الرد على من أنكر عليه بحل ما أُخِذَ من العسكر والزوار في الإحساء على سبيل الغنيمة(1): فلا يصدر هذا الإنكار إلا عن جهل بحقيقة الإسلام وقواعده، وسرية ابن الحضرمي في عهده - صلى الله عليه وسلم - مشهورة معروفة، وهى أول دم أهريق في الإسلام، وقصدت عير قريش. وقريش في ذلك الوقت مع كفرهم وضلالهم أهدي من كثير من العسكر والزوار من الرافضة بكثير، فكيف وقد بلغ شركهم إلى تعطيل الربوبية والصفات العلية، وإخلاص العبادات للمعبودات الوثنية، ومعارضة الشريعة المحمدية بأحكام الطواغيت والقوانين الإفرنجية؟ فمن جادل عمن خالط هؤلاء، ودخل لهم في الشورى، وترك الهجرة إلى الله ورسوله وافتتن به كثير من خفافيش البصائر، فالمجادل فيه وفي حل ما أخذ من العسكر والزوار، لا يدري ما الناس فيه من أمر دينهم، فعليه أن يصحح عقيدته ويراجع دين الإسلام من أصله. انتهى.
ويقول الشيخ عبد اللطيف في رسالة إلى الإخوان من أهل الفرع(2):
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ص47.
(2) المصدر السابق، ص50-53.(3/375)
«فعليكم بلزوم الوصية النبوية لصاحب السر حذيفة بن اليمان، وبتدبر القرآن والتفقه في معانيه، يعرف العبد إن عقل عن الله أن أوجب واجب فيه وأهمه وآكده وزبدته: معرفة الله تعالى بما تعرف به إلى عباده من صفات كماله، ونعوت جلاله، وبديع أفعاله، وإحاطة علمه، وشمول قدرته، وكمال عزته، وعميم رحمته، وبمعرفة ذلك يهتدي العبد إلى محبته وتعظيمه وإسلام الوجه له، وإنابة القلب إليه، وإفراده بالقصد والطلب وسائر العبادات، كالخشية والرجاء، والاستعانة والاستغاثة، والتقوى والتوكل، ويرضى به ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً ونبيًا، ويذوق من طعم الإيمان ما يوجب له كمال حب الله وحب رسوله، ويعرف الوسائل إلى هذا المطلوب الأكبر والمقصود الأعظم، ويهتم به غاية الاهتمام، ويطلبه منتهى الطلب، ويعرف ما يضاد هذا الأصل ويناقضه من تعطيل وكفر وشرك، ويعرف وسائلها وذرائعها الموصلة إليها المفضية إلى اقتحامها وارتكابها، فيهتم بتحصيل وسائل التوحيد، ويهتم بالتباعد عن وسائل الكفر والتعطيل والتنديد، كما يستفاد من قوله تعالى: { - - - { - ( { ( - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - - - { - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((((- رضي الله عنه - - ( - فهرس - } .(3/376)
فمن عرف هذا الأصل الأصيل، عرف ضرر الفتنة الواقعة في هذه الأزمان بالعساكر التركية، وعرف أنها تعود على هذا الأصل الأصيل بالهد والهدم والمحو بالكلية، وتقتضي ظهور الشرك والتعطيل، ورفع أعلامه الكفرية، وأن مرتبتها من الكفر وفساد البلاد والعباد فوق ما يتوهمه المتوهمون أو يظنه الظانون، وبه يعلم أن ما وقع من الوسائل إلى تهوين تلك الفتنة، وتسهيل أمرها، والسكوت عن التغليظ فيها، من أكبر أسباب وقوع الشرك ومحو أعلام التوحيد، والوسيلة لها حكم الغاية، فإن انضاف إلى تسهيلها إكرام من أقام بديارهم، وتلطخ بإرضائهم، وشهد مهرجانهم، وتوقيره والمشي إليه، وصنع الولائم له، فعند ذلك ينعي الإسلام ويبكيه مَنْ كان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ، وفي الحديث: «من وقَّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» فكيف بما هو أعظم وأطمّ من البدع؟ فالله المستعان. إلى أن يقول: وما جاء في القرآن من النهي والتغليظ والتشديد في موالاتهم وتوليهم، دليل على أن أصل الأصول لا استقامة له ولا ثبات له إلا بمقاطعة أعداء الله، وحربهم وجهادهم والبراءة منهم والتقرب إلى الله بمقتهم وعيبهم. وقد قال تعالى لما عقد الموالاة بين المؤمنين، وأخبر أن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض قال - عز وجل -: { - صدق الله العظيم ( { ( فهرس قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -((( - - صدق الله العظيم ( - - - ( { - عليه السلام - - ( - (( - (( ((( - - } - - ( - - - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - - - } (1) وهل الفتنة إلا الشرك، والفساد الكبير هو انتثار عقد التوحيد والإسلام، وقطع ما أحكمه القرآن من الأحكام والنظام؟ قال تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله
__________
(1) الأنفال، آية: 73.(3/377)
عليه وسلم -( - ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - - - - - عليه السلام - - ( - ( } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ((((- رضي الله عنه - - (( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - (((- رضي الله عنه - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى - - ( - صدق الله العظيم - ( - { - - - - (( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - ((- عليه السلام - - } تم بحمد الله - - قرآن كريم ((( - ( - - ( - ( المحتويات ( - - (( } (1) الآية. قال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يكون يهوديًا أو نصرانيًا وهو لا يشعر، وقال تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - عليه السلام - - - ( - - - جل جلاله -- صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - جل جلاله - تمهيد (( - - - عليه
__________
(1) المائدة، آيتان: 51 -52.(3/378)
السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( تمهيد - - - عليه السلام - - - } (( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( { } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - تمت ( { - ((- جل جلاله -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله - - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر - فهرس - ( { ( - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } (1) الآية. قلت: فليتأمل من نصح نفسه ما يجري من هؤلاء العسكر عند سماع الأذان، من المعارضة بالطبل والبوق والمزمار، واستبداله به عما اشتمل عليه الأذان من توحيد الله وتعظيمه وتكبير الملك القهَّار قال تعالى: { - (((( - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - - - (( } - عليه السلام - - ( - ( { - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( تمت - - - ( - - رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - } - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - } - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - قرآن كريم - (- رضي الله عنه -( } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ((- رضي
__________
(1) المائدة، آيتان: 57- 58.(3/379)
الله عنه - - - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - صدق الله العظيم - - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - - - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - تمهيد - جل جلاله - - تم بحمد الله ( فهرس قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -( - ( { { ( } ( تمهيد - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام - - - - - } - - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -( } تم بحمد الله - - ( قرآن كريم { - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - { { ( } ( تمهيد - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( تمهيد - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - مقدمة - ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - (( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - رضي الله عنهم -(( - - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (- رضي الله عنهم - - - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( - (( - } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - ( مقدمة ( - - - ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام -( - - -(3/380)
عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - - ( - - - ( المحتويات ( - ( { ( } تم بحمد الله - - قرآن كريم ( { ( - ( - ( } (1)، وقال تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - ( - ((( - - ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - { { ( - فهرس - - ( - (( تم بحمد الله ( - - - - (( - ((( - ( - صدق الله العظيم ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( { ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( تم بحمد الله - { - - { ( - } (2) وقد جزم ابن جرير في تفسيره بكفر من فعل ذلك، قال تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - - - مقدمة { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى
__________
(1) المائدة، آيات: 78-81.
(2) آل عمران، آية: 28.(3/381)
الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( الله أكبر - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - الله - عليه السلام - - - ((- رضي الله عنه -( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - رضي الله عنه - - - - - (( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - } (1) فليتأمل من نصح نفسه هذه الآيات الكريمات، وليبحث عما قال المفسرون وأهل العلم في تفسيرها وتأويلها، وينظر ما وقع من أكثر الناس اليوم، فإنه يتبين له إن وفق وسدد أنها تتناول من ترك جهادهم وسكت عن عيبهم، وألقى إليهم السلم أو أثنى عليهم، أو فضلهم بالعدل على أهل الإسلام، واختار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم، وأحب ظهورهم، فإن هذا ردة صريحة بالاتفاق. قال تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ((( - - رضي الله عنه - - ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - - تمهيد { - - ( - ( - - { - ( - (( تمهيد - مقدمة ( - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( } (2) وقد عرفتم ما كان عليه أسلافكم من أهل الإسلام، وما منَّ الله به عليكم من دعوة شيخنا رحمه الله إلى توحيد الله والإيمان به، وإخلاص الدين له والبراءة من أعدائه وجهادهم، وببركة دعوته وبيانه حصل للإسلام من الظهور والرضا وإعلاء كلمة الله ما لم يحصل مثله في دياركم
__________
(1) المجادلة، آية: 22.
(2) المائدة، آية: 5.(3/382)
وأوطانكم منذ قرون متطاولة، فيجب شكر هذه النعمة ورعايتها حق الرعاية، والعض عليها بالنواجذ، وأن لا يستبدل بموالاة أعداء الله ورسله والانحياز إلى دولتهم والرضا بطاعتهم. قال تعالى: { ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - - فهرس - ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - - - رضي الله عنه - - - تمهيد - رضي الله عنهم - - ((( الله أكبر ( - - - - - - ((( - } - قرآن كريم - - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - عليه السلام - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - } (1) الآية. فاتقوا الله عبادَ اللهِ، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، ودعوا اللجاج والمراء، وتمسكوا بما جاء عن الله وعن رسله من البينات والهدى، ولا يسهل لديكم مبارزة ربِّ السموات العلي بما عليه غالب الناس اليوم من الكفر والتعطيل والشرك». انتهى.
__________
(1) إبراهيم، آية: 28.(3/383)
وفي كلام له في نصيحة للمسلمين(1): من موالاة أعداء الله على اختلاف شعبها ومراتبها، فمنها المكفرات والموبقات، ومنها ما هو دون ذلك، وأكبر ذنب وأضله وأعظمه منافاة لأصل الإسلام، نصرة أعداء الله ومعاونتهم، والسعي فيما يظهر به دينهم، وما هم عليه من التعطيل والشرك والموبقات العظام، وكذلك انشراح الصدر لهم، وطاعتهم، والثناء عليهم، ومدح من دخل تحت أمرهم وانتظم في سلكهم، وكذلك ترك جهادهم ومسالمتهم، وعقد الأخوة والطاعة لهم، وما هو دون ذلك من تكثير سوادهم، ومساكنتهم ومجامعتهم، ويلتحق بالقسم الأول حضور المجالس المشتملة على رد أحكام الله وأحكام رسوله، والحكم بقانون الإفرنج والنصاري والمعطلة، ومشاهدة الاستهزاء بأحكام الإسلام وأهله، ومن في قلبه أدنى حياة وأدنى غيرة لله وتعظيم له يأنف ويشمئز من هذه القبائح، ومجامعة أهلها ومساكنتهم، ولكن ما لجرح بميت إيلام. فليتق الله عبد مؤمن بالله واليوم الآخر، وليجتهد فيما يحفظ إيمانه وتوحيده قبل أن تزل القدم فلا ينفع حينئذ الأسف والندم. انتهى.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ص57.(3/384)
وفي رسالة إلى عبد الرحمن بن إبراهيم أبي الغنيم يقول بعد كلام(1): وكرر النظر فيما اشتمل عليه تاريخ ابن غنَّام من كلام شيخ الإسلام رحمه الله، فقد بسط هذه المسألة في رسائله واستنباطه، ورأيت له عبارة يحسن ذكرها. قال رحمه الله: لما اختلف الناس بعد مقتل عثمان وبإجماع أهل العلم كلهم، لا يقال فيهم إلا الحسنى، مع أنهم عثوا في دمائهم، ومعلوم أن كلا من الطائفتين معتقدة أنها على الحق والأخرى ظالمة، ونبغ من أصحاب على مَنْ أشرك بعليٍّ. وأجمع الصحابة على كفرهم وردتهم وقتلهم، أتري أهل الشام لو حملتهم مخالفة علىٍّ على الاجتماع بهم والاعتذار عنهم والمقاتلة معهم، لو امتنعوا أترى أن أحدًا من الصحابة يشك في كفر من التجأ إليهم، ولو أظهر البراءة من اعتقادهم، وإنما التجأ إليهم لأجل الاقتصاص من قتلة عثمان؟ قال رحمه الله: فتفكر في هذه القصة، فإنها لا تبقى شبهة إلا على مَنْ أراد الله فتنته. انتهى كلام الشيخ وكلام الشيخ عبد اللطيف رحمهما الله.
ويقول في مسألة الاستنصار بالمشركين على قتال المسلمين في ردِّه على ابن عجلان(2): وما ذكرت من استعانته بابن أريقط، فهذا اللفظ ظاهر في مشاقة قوله في حديث عائشة: «إنَّا لا نستعين بمشرك» وابن أريقط أجير مستخدم، لا معين مكرم، وكذلك قولك أن شيخ الإسلام ابن تيمية استعان بأهل مصر والشام وهم حينئذ كفار، وهلة عظيمة وزلة ذميمة، كيف والإسلام إذ ذاك يعلو أمره، ويقدم أهله، ويهدم ما حدث من أماكن الضلال وأوثان الجاهلية، ويظهر التوحيد، ويقرر في المساجد والمدارس. وشيخ الإسلام نفسه يسميها بلاد إسلام، وسلاطينهم سلاطين إسلام، ويستنصر بهم على التتر والنصيرية ونحوهم. وما يحصل من بعض العامة والجهَّال إذ صارت الغلبة لغيرهم لا يحكم به على البلاد وأهلها.
__________
(1) المصدر السابق، ص64.
(2) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ص 66.(3/385)
وكذلك ما زعمته من أن أكابر العسكر أهل تعبد ونحو هذا، فهذا دسيسة شيطانية وقاك اللهُ شرَّها وحماك حرَّها، لو سلم تسليمًا جدليًا فابن عربي، وابن سبعين وابن الفارض لهم عبادات وصدقات، ونوع تقشف وتزهد، وهم أكفر أهل الأرض أو من أكفر أهل الأرض، وأين أنت من قوله تعالى: { ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - (( تمهيد - رضي الله عنهم - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنه -( - } تم بحمد الله } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - } (1)، وقوله تعالى: { ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - (((( - - - تمهيد ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - عليه السلام - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام - - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم - ( - ( - ( - - ( - - - } (2) وأما إجازتك الاستنصار بهم، فالنزاع في غير هذه المسألة، بل في توليتهم وجلبهم وتمكينهم من دار إسلامية، هدموا بها شعار الإسلام وقواعد الملة، وأصول الدين وفروعه، وعند رؤسائهم قانون وطاغوت، وضعوه للحكم بين الناس في الدماء والأموال وغيرها، مضاد ومخالف للنصوص، إذا وردت قضية نظروا فيه
__________
(1) الأنعام، آية: 88.
(2) الزمر، آية: 65.(3/386)
وحكموا به، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. وأما مسألة الاستنصار بهم فمسألة خلافية، والصحيح الذي عليه المحققون منع ذلك مطلقًا، وحجتهم حديث عائشة وهو متفق عليه، وحديث عبد الرحمن بن حبيب وهو حديث صحيح مرفوع، اطلبهما تجدهما فيما عندك من النصوص. والقائل بالجواز احتج بمرسل الزهري، وقد عرفت ما في المراسيل إذا عارضت كتابًا أو سنة. ثم القائل به قد شرط أن يكون فيه نصح للمسلمين ونفعٌ لهم، وهذه القضية فيها هلاكهم ودمارهم، وشرط أيضًا أن لا يكون للمشركين صولة ودولة يخشي منها، وهذا مبطل لقولك في هذه القضية، واشترط كذلك أن لا يكون له دخل في رأي ولا مشورة بخلاف ما هنا. كل هذا ذكره الفقهاء، وشرَّاح الحديث ونقله في شرح ”المنتقى“، وضعّف مرسل الزهري جدًا، وكل هذا في قتال المشرك للمشرك مع أهل الإسلام. أما استنصار المسلم بالمشرك على الباغي، فلم يقل بهذا إلا من شذَّ واعتمد القياس ولم ينظر إلى مناط الحكم، والجامع بين الأصل وفرعه. انتهى.
ونفس الشيء يقرره في رسالة إلى الأخ زيد بن محمد آل سليمان من قوله(1): والشبهة التي تمسك بها من قال بجواز الاستعانة، ما ذكره بعض الفقهاء من جواز الاستعانة بالمشرك عند الضرورة. وهو قول ضعيف مردود، مبني على أثار مرسلة، تردها النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة الصريحة النبوية... إلى قوله: وأما الانتصار على الباغي بالمشرك عند الضرورة، فهو قول فاسد، لا أثر فيه ولا دليل عليه. إلا أن يكون محض القياس وبطلانه أظهر شيء في الفرق بين الأصل والفرع، وعدم الاجتماع في مناط الحكم. انتهى.
__________
(1) مجموع الرسائل والمسائل، ص 164.(3/387)
وللشيخ في رسالة إلى محمد بن على آل موسى وإبراهيم بن راشد وإبراهيم بن مرشد وقد ذكروا له ما وقع الناس فيه من مداهنة المشركين(1): وإنه لا يستقيم حال وإسلام لمن ينتسب إلى الإسلام مع المخالطة والمقارفة الشركية لوجوه. منها: عدم معرفة أصول الدين وأحكام الله في هذا ونحوه. ومنها: العجز عن إظهاره لو عرفوه. ومنها: أن العدو محارب قد سار إلى بلاد المسلمين، واستولي على بعضها، فليس حكمه كحكم غيره، بل هذا جهاده يجب على كل أحد فرض عين لا فرض كفاية كما هو منصوص عليه. ومنها: أن تلك البلاد ملئت بالمشبهين والصادين عن سبيل الله ممن ينتسب إلى العلم، ويسمون أهل التوحيد الغلاة، كما سمَّاهم إخوانهم خوارج، والهجرة لها مقصودان: الفرار من الفتنة وخوف المفسدة الشركية. والثاني: مجاهدة أعداء الله والتحيز إلى أهل الإسلام. وقد كانت شرطًا في أول الإسلام مع ضعف المسلمين وخوف المشركين وشدة بأسهم وكثرة الأسباب الداعية إلى الفتنة. انتهى.
ويقول(2): فاعلم أن تحريم ذلك السفر قد اشتهر بين الأمة، وأفتي به جماهيرهم، وما ورد من الرخصة محمول على من يقدر على إظهار دينه، أو على ما كان قبل الهجرة، ثم إن الحكم قد أنيط بالمجامعة والمساكنة، وإن لم يحصل سلام ولا مجالسة ولا بحث عن سره كما في حديث سمرة «من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله» فانظر ما علق به الحكم من المساكنة والاجتماع، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعلة، فإن وقع مع ذلك سلام ومجالسة أو فتنة بالبحث عن عقيدته وسره، عظم الأمر واشتد البلاء، وهذه محرمات مستقلة يضاعف بها الإثم والعذاب. انتهى.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ص 177.
(2) المصدر السابق، ص 182.(3/388)
ويقول في رسالة إلى عبد الله بن عمير صاحب الإحساء فيمن ينتسب إلى العلم، ويجادل عن المشركين، ويسبّ أهل التوحيد، ونسبتهم إلى تكفير المؤمنين والمسلمين(1): فالمرء مع من أحب ونصر ووالى، شاء أم أبى، وهل حدث الشرك في الأرض إلا برأي أمثال هؤلاء المخالفين، الذين يظهرون للناس في زي العلماء وملابس الصلحاء، وهم من أبعد خلق الله عما جاءت به الرسل من توحيده ومعرفته والدعاء إلى سبيله، بل هم جند مخفرون للقباب وعابديها، وقد عقدوا الهدنة والمؤاخاة بينهم وبين من عبد الأنبياء والمشايخ، وأوهموهم أنهم إذا أتوا بالشهادتين واستقبلوا القبلة لا يضرهم مع ذلك شرك ولا تعطيل، وأنهم هم المسلمون وهم خير أمة أخرجت للناس وهم صفوف أهل الجنة، فاغتروا بهذا القول منهم وغلوْا في شركهم وضلالهم، حتي جعلوا لمعبوديهم التصرف والتدبير والتأثير من دون الله ربِّ العالمين، فهل ترى يا ذا العقل السليم أضلّ وأجهل ممن هذا شأنه، وهذه طريقه وعقيدته، وإن كان في هذه المظاهر الظاهرة والرسوم الشائعة معدودًا من أهل العلم بالشرع والإسلام، فهو واللهِ أضلّ من سائمة الأنعام، وأهل العلم والإيمان لا يختلفون في أن من صدر منه قولٌ أو فعل يقتضي كفره أو شركه أو فسقه أنه يحكم عليه بمقتضى ذلك، وإن كان ممن يقر بالشهادتين ويأتي ببعض الأركان، وإنما يكف عن الكافر الأصلي إذا أتي بهما ولم يتبين منه خلافهما ومناقضتهما، وهذا لا يخفى على صغار الطلبة، وقد ذكروه في المختصرات من كل مذهب، وهو في مواضع من ”كتاب الروض“ الذي تزعم أنك تقرأه وتدري ما فيه، ولكن الأمر كما قال تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - - (( مقدمة - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - (( صدق الله العظيم فهرس - - ( - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - (( مقدمة - - - (( تم
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ص 224.(3/389)
بحمد الله ( - - - - ((( - - { } (1) الآية. بل قد ذكروا أنه من أنكر فرعًا مجمعًا عليه كتوريث البنت والجد أنه يكفر بذلك، ولا يكون من خير أمة أخرجت للناس. وهذا منصوص في كتب الشافعية وغيرهم، فكيف تري يا هذا فيمن أنكر التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ودان بمحض الشرك والتنديد. انتهى.
وفي رسالة إلى الشيخ حمد بن عتيق بعد كلام(2): بلغني أن بعض من يدعي طلب العلم يحتج بقول شاذ مطرح وهو: أن لولي الأمر أن يستعين بالمشرك عند الحاجة. ولم يدر هذا القائل أن هذا القول يحتج قائله بمرسل ضعيف مدفوع بالأحاديث المرفوعة الصحيحة، وأن قائله اشترط أن لا يكون للمشركين رأي في أمر المسلمين ولا سلطان، لقوله تعالى: { صدق الله العظيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - - - - رضي الله عنه -((( - ((( - - ( - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - } (3) فكيف بما هو أعظم من ذلك وأطم من الانسلاخ الكلي والخدمة الظاهرة لأهل الشرك. انتهى.
__________
(1) المائدة، آية: 41.
(2) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج3، ص 275.
(3) النساء، آية: 141.(3/390)
ويقول في رسالة أخرى إلى الشيخ حمد بن عتيق أيضًا(1): ولا تدخر حض أهل الأفلاج وحثهم على جهاد هذه الطائفة الكافرة، وأهل نجد كادهم الشيطان وبلغ مبلغًا عظيمًا، وصل بهم إلى عدم الوحشة من أكفر خلق الله، فأضلهم عن سواء السبيل ـ الذين جمعوا بين الشرك في الإلهية، والشرك في الربوبية، وتعطيل صفات الله ـ ومعهم جملة من عساكر الإنكليزية المعطلة لنفس وجود البارئ، القائلين بالطبائع والعلل وقدم العالم وأبديته، وبلغنا أنهم كتبوا خطوط الجهات بنجد، مضمونها أنَّا مسلمون نشهد أن لا إله إلا الله ونحو هذا الكلام، وبسطوا القول في أمر الدولة والترهيب منهم والترغيب فيهم. انتهى.
نقولات الجزء الرابع:
__________
(1) المصدر السابق، ج3، ص 278.(3/391)
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب(1): إذا شهد الإنسان أن هذا دين الله ورسوله، كيف لا يُكَفِّر من أنكره وقتل من آمن به وحبسهم؟ كيف لا يُكَفِّر من أتى المشركين يحثهم على لزوم دينهم ويزينه لهم، ويحثهم على معاداة الموحدين وأخذ أموالهم؟ كيف لا يَكْفُر وهو يشهد أن هذا الذي يحث عليه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنكره ونهى عنه وسمَّاه الشرك بالله؟ وهذا الذي يبغضه ويبغض أهله ويأمر المشركين بقتلهم هو دين الله ورسوله، واعلم أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله أو صار مع المشركين على الموحدين ولم يشرك، أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام العلماء. وأنا أذكر لك آية من كلام الله أجمع أهل العلم على تفسيرها، وأنها في المسلمين، وأن الرجل إذا قال ذلك فهو كافر في أي زمان كان. قال الله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام - - - ( - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - ((( مقدمة ( - (- رضي الله عنهم - - - ( { - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس ( - ( - ( - (( مقدمة ( تمهيد ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله (((- رضي الله عنهم - - ((( تم بحمد الله ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - ( - } (2) الآية. وفيها ذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة، وذكروا أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه مع بغضه لذلك وعداوة أهله لكن خوفًا منهم فهو كافر بعد إيمانه، فكيف بالمؤمن في زماننا إذا تكلم بالبصرة أو الإحساء أو مكة أو غير ذلك خوفًا منهم، لكن قَبِلَ الإكراه إذا كان هذا يكفر، فكيف بمن كان معهم وسكن معهم
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج4، ص 42.
(2) النحل، آية: 106.(3/392)
وصار من جملتهم؟ فكيف بمن أعانهم على الشرك وزينه لهم؟ فكيف بمن أمرهم بقتل الموحدين وحثهم على لزوم دينهم. انتهى.
ويقول(1): وقولكم لم تكفرون من يعمل بفرائض الإسلام الخمس؟ فقد كان في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من انتسب إلى الإسلام، ثم مرق من الدين كما في الحديث الصحيح، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث البراء بن عازب معه الراية إلى رجل تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله، وقد انتسب إلى الإسلام وعمل به. ومثل قتال الصديق والصحابة - رضي الله عنهم - مانعي الزكاة، وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم، وتسميتهم مرتدين بعد ما عملوا بشرائع الإسلام. ومثل اجتماع التابعين على قتل الجعد بن درهم وهو مشتهر بالعلم والدين إلى غير ذلك. وقد جرى وقائع لا تعد ولا تحصى، ومثل بني عبيد الذين ملكوا مصر والشام وغيرها، مع تظاهرهم بالإسلام، وصلاة الجمعة والجماعة، ونصب القضاة والمفتين. لما أظهروا من الأقوال والأفعال ما أظهروا، لم يتوقف أحد من أهل العلم والدين عن قتالهم، مع ادعائهم الملة ومع قولهم لا إله إلا الله، أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام، إلا ما سمعنا منكم(2) فما معنى الباب الذي ذكره العلماء في كل مذهب وهو «باب حكم المرتد» وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، حتى ذكروا فيه أنواعًا كثيرة كل نوع منها يكفر الإنسان ويحل دمه وماله، حتي ذكروا أشياء يسيرة مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب، والذين قال الله فيهم: ? { - - قرآن كريم ((( - (- رضي الله عنه - - - ( - - - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - - - - ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - - - - { - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ((( - ( - - - } (3)
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج4، ص 43.
(2) ومن هنا يعرف أصل القول ببدعة عقد الإسلام بدلاً عن التوحيد.
(3) التوبة، آية: 74.(3/393)
الآية. أسمعت الله كفَّرهم بكلمة مع كونهم في زمن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يجاهدون معه ويصلون ويزكون ويصومون ويحجون ويوحدون الله سبحانه؟ وكذلك الذين قال الله - عز وجل - فيهم: { ( - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - (( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - جل جلاله -( - - - - صلى الله عليه وسلم -((( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - فهرس - - - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - ( - - - - ( فهرس ( - - ( - - } (1) الآية. قالوا كلمة على وجه المزح واللعب، فصرَّح اللهُ أنهم كفروا بعد إيمانهم، وهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك.
__________
(1) التوبة، آيتان: 65-66.(3/394)
فتأمل أرشدك الله من انتسب إلى الإسلام مرق من الإسلام لما أظهر خلاف ذلك؟ فكيف مما هو أظهر من ذلك؟ فإذا كان على عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، حتى أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم. فعلم أن المنتسب إلى الإسلام في هذه الأزمان قد يمرق من الإسلام، وقولكم هل يعلمون للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - دينًا إلا الإسلام الذي جاء به جبريل؟ فمعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام يدعو الناس إلى التوحيد سنين عديدة قبل أن يدعوهم إلى أركان الإسلام. ومعلوم أن التوحيد الذي جاء به جبرائيل أعظم فريضة، وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئًا من أركان الإسلام كفر، ولو عمل بكل ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل من نوح إلى محمد لا يكفر، لأنه يقول لا إله إلا الله أو لأنه يفعل كذا وكذا؟ فما الذي فرَّق بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش؟ هل هو عند الملك والرياسة والتطاول؟ أو عند لا إله إلا الله محمد رسول الله ؟ فتفرقوا عند ذلك وقالوا: { - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - { - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - جل جلاله - - ( - - ( { - ( - ( فهرس } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } تمت ( { - - - (- رضي الله عنهم - - ((((- رضي الله عنهم -( - - ( - - - رضي الله عنهم - - (( } (1) أتظن أن قريشًا لو يعلمون أن هذا الكلام مجرد قول بلا عمل، وأنهم يقولون لا إله إلا الله وينشئون على دينهم ولا يضرهم، وأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يرضى منهم بذلك، وأنه ما يحاربهم ولا يكفرهم ولا يقاتلهم أتراهم يتركون التلفظ بلا إله إلا الله كما هو اعتقادكم؟ أو أنَّ دين الإسلام لفظ لا إله إلا الله! وأن من قالها فهو
__________
(1) ص، آية: 5.(3/395)
المسلم، وتؤثرون عليها حديث جبرئيل، وحديث بني الإسلام على خمسة أركان، وحديث أمرت أن أقاتل الناس، وحديث أسامة، وحديث مَنْ صلَّي صلاتنا، وحديث أنه كان إذا أغار على القرية إن سمع أذانًا كفَّ عنها وإلا أغار عليها، ولكن الأمر كما قال عمر - رضي الله عنه - أنها لا تنقض عرى الإسلام عروة عروة حتي ينشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، فذلك أنه إذا لم يعرف من الشرك ما عابه القرآن وما ذمه وقع فيه، وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية أو فوقه أو دونه أو شرّ منه، فتنقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد، ويبدع بمتابعة الرسول، فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، فإن كان سؤالك مسترشدًا فاسأل عن قول الله في إبراهيم { (( - ( - (- جل جلاله -( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ((( الله أكبر - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - - - جل جلاله -(( - } - - } (1) قال: وما نجا من شر هذا الشرك الأكبر إلا من جرد التوحيد وعادى المشركين في الله وتقرب بمقتهم إلى الله. فتأمل أن الإسلام لا يصح إلا بمعاداة أهل الشرك وإن لم يعادهم فهو منهم ولو لم يفعله، واسأل عن معنى قوله تعالى: { - (((( - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( - - رضي الله عنه - - - - - (( } - عليه السلام - - ( - ( { - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( تمت - - - ( - - رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - } - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي
__________
(1) إبراهيم، آية: 35.(3/396)
الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } (1) إلى قوله: { ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( - (( - } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - ( مقدمة ( - - - ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } (2)، وقوله - عز وجل -: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - ( } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } (3) إلى قوله: { - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(( - - - (( - - - (((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم
__________
(1) المائدة، آية: 78.
(2) المائدة، آية: 81.
(3) الممتحنة، آية: 1.(3/397)
- - - (( - - مقدمة } - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( فهرس - رضي الله عنهم - - ( مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) الآيات. وقال تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - } (2) الآيات. وما أشبه ذلك، واسأل عن سبب نزول الآية وما معناها، وإن كان غير ذلك فلا تأس على الهالكين وصلى الله على محمد وعلي آله وصحبه وسلم. انتهى.
__________
(1) الممتحنة، آية: 4.
(2) المجادلة، آية: 22.(3/398)
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالة ”المورد العذب الزلال في كشف شبه أهل الضلال“، نقلاً عن جده شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب(1): وقد قال شيخنا رحمه الله إمام الدعوة الإسلامية والداعي إلى الملة الحنيفية: أصل دين الإسلام وقاعدته أمران: الأمر بعبادة الله وحده، والتحريض على ذلك والموالاة فيه. وتكفير من تركه، والنهي عن الشرك بالله في عبادته، والتغليظ فيه والمعاداة فيه، وتكفير من فعله. والمخالف في ذلك أنواع ذكرها رحمه الله تعالى، ثم ذكر نواقض التوحيد وهى ثلاثة كما ذكرها وهى: الشرك في عبادة الله سبحانه وتعالى. الأمر الثاني: انشراح الصدر لمن أشرك بالله، وموادة أعداء الله. الأمر الثالث: موالاة المشرك والركون إليه، ونصرته وإعانته باليد أو اللسان أو المال، كما قال تعالى: { - - - ( } ( - ( قرآن كريم ( - - - - } - - ( - - ( - رضي الله عنه -((( - ((( - - ( - ( - - } (2) ويستدل على ذلك بآيات من القرآن المتواترة في ذلك. إلى أن يقول(3): وذكر ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير سورة آل عمران عند قوله تعالى: { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - { { ( - فهرس - - ( - (( تم بحمد الله ( - - - - (( - ((( - ( } (4) أنه ردة عن الإسلام، وفي سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ذلك قال الله تعالى: { } تمت ( { - ((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } إلى قوله: { - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج4، ص 289.
(2) القصص، آية: 86.
(3) المصدر السابق، ج4، ص 299.
(4) آل عمران، آية: 28.(3/399)
أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - ((( - { - ( - } - قرآن كريم ( - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - } - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - - ( المحتويات ( تمهيد (( - ((( - - رضي الله عنهم - - - (( ((((- رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - } - - } (1) والسين حرف تنفيس تفيد استقبال الفعل تدل على أنهم وعدوهم ذلك سرًّا بدليل قوله تعالى: { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - عليه السلام - - - - عليه السلام - - ( - ( { - - رضي الله عنهم - - ( - - - - ( - - - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - قرآن كريم ( - ( - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - } - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - { - - - } - قرآن كريم ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ((( - } (2) والآيات في هذا المعني كثيرة. انتهى.
__________
(1) محمد، آيتان: 25-26.
(2) محمد، آيات: 26-28.(3/400)
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في فصل في الإشارة إلى ما تضمنته لا إله إلا الله من نفي الشرك وإبطاله، وتجريد التوحيد لله تعالى. يقول(1): واعلم أن لها شروطًا ثقالاً، منها: العلم بمدلولها ومقتضاها وحقوقها ولوازمها ومكملاتها، ومن شروطها الصدق واليقين، وإرادة وجه الله، والكفر بما يعبد من دون الله، كما قال تعالى: { - صدق الله العظيم ( { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنهم -( ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - } (2) قال ابن جرير: يعلمون حقيقة ما شهدوا به. وقال: { ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - (( - - - ( (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { ( - - - } (3) وصحت الأحاديث عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذكر هذه الشروط كلها، ومن لم يكن كذلك لم تنفعه لا إله إلا الله، لأن القول بلا علم هباء. قال شيخ الإسلام: ومن فقد الدليل ضلَّ السبيل، وكذلك من يقولها وهو لا يجهل مضمونها ومقتضاها، لكن يمنعه من قصد ذلك واتباع الحق والعمل به موانع من آفات النفوس، فتجده ينكر التوحيد تارة ويبغض أهله، ويحب الشرك وأهله، كحال الذين قالوا: { ( - { - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - - ( - - - } قال الله تعالى: { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات فهرس - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - - ( - - - -
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج4، ص 295.
(2) الزخرف، آية: 86.
(3) محمد، آية: 19.(3/401)
عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - { - ((- رضي الله عنه - - } تمت ( { - رضي الله عنه -((( { (((- عليه السلام - - ( - ( - - - - - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - } (1) فلو أن مجرد القول ينفع بدون الإخلاص، والصدق، واليقين القلبي، لنفع هؤلاء. فكذلك من يقول ظانًا أنه أتي بمضمونها ومقتضاها، ويأتي بما يناقضها من موالاة المشركين، ومظاهرتهم على المسلمين، والاستبشار بنصرهم وظهورهم، وغير ذلك من الأمور التي عدَّها العلماء من نواقض الإسلام.
ثم يذكر ما سبق أن نقلناه عنه قبل ذلك من نواقض الإسلام يقع فيها المسلم، فلا يمنع من كفره لا قول لا إله إلا الله، ولا الانتساب ولا ادعاء الإسلام والتمسك به، ولا قيامه ببعض أركانه وشرائعه الظاهرة، مما يسميه بعضهم عقد الإسلام، لا يمنعه شيء من ذلك من إطلاق حكم الكفر عليه إذا وقع في الشرك والنواقض المكفرة للتوحيد.
__________
(1) المنافقون، آية: 1.(3/402)
يقول(1): وقد بيَّن اللهُ تعالى في كتابه كثيرًا من نواقض الإسلام والإيمان، ثم يذكر منها: { - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - ( - - - - ( فهرس ( - - ( - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - - ( { } (2) ويعلق على القصة بقوله: فانظر كيف أبطلوا إيمانهم وكفروا بربِّهم، فلم ينفعهم قول لا إله إلا الله، ولا صلاتهم ولا جهادهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك يذكر قول الله تعالى: - - قرآن كريم ((( - (- رضي الله عنه - - - { ( - - - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - - - - ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - - - - { - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ((( - ( - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - ( فهرس - ( - ( { } (3) وكذلك أهل مسجد الضرار. إلى أن يقول: أيظنُّ مَنْ عرف موقع كتاب الله وآياته، أنه ينفع من أحب المشركين قول يقوله أو عمل يعمله؟ ثم يقول وكذلك قوله تعالى: { ( المحتويات ( - - - - { ((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - { - - - (( الله أكبر - (( ( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( - - - فهرس - ( { ( الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - (( مقدمة - رضي الله عنه - الله أكبر ( قرآن كريم - { ( - - رضي الله عنه - - } (4). إلى أن يقول: ومن زعم أن المراد من لا إله إلا الله مجرد القول، فقد خالف ما جاءت به الرسل والأنبياء من دين الله، واتبع غير سبيل المؤمنين. قال الله تعالى عن نوح - عليه السلام - أنه قال لقومه: { - ( -
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج4، ص 297.
(2) التوبة، آية: 66 .
(3) التوبة، آية: 74.
(4) التوبة، آية: 77.(3/403)
الله أكبر ( { ( المحتويات ( - - - ( - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر (((( - - تم بحمد الله - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد (( - - { - - - ( فهرس قرآن كريم ( { } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) فأجابوه بقولهم: { - صدق الله العظيم } تمت ( - - - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } تمت ( - - - - - - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - } (2) الآية. علموا على كفرهم وضلالهم أنه لم يرد منهم مجرد الإقرار، وإنما أراد منهم الاتباع والعمل، وترك عبادة الأصنام. ويذكر مثل ذلك عن هود وإبراهيم وأهل الكهف وصاحب ياسين.
__________
(1) نوح، آيتان: 2-3.
(2) نوح، آية: 23.(3/404)
ثم يذكر ما سبق أن نقلناه عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قوله: سألني الشريف عما نقاتل عليه ونكفِّر به. إلى أن يقول: فنقول أعداؤنا معنا على أنواع: الأول من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله، وأن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس اليوم أنه الشرك، الذي بعث اللهُ رسوله بالنهي عنه وقتال أهله ليكون الدين كله لله، ولم يلتفت إلى التوحيد ولا تعلمه ولا دخل فيه، ولا ترك فيه الشرك فهذا كافر نقاتله، لأنه عرف دين الرسول فلم يتبعه، وعرف دين المشركين فلم يتركه. الثاني: من عرف ذلك، ولكن تبين في سبِّ دين الرسول مع ادعائه أنه عامل به، وتبين في مدح من عبد يوسف والأشقر وأبي على والخضر، وفضَّلهم على من وحَّد الله وترك الشرك، فهذا أعظم كفرًا من الأول. النوع الثالث: من عرف التوحيد وأحبه واتبعه وعرف الشرك وتركه، لكن يكره من دخل في التوحيد ويحب من بقي على الشرك. النوع الرابع: من سلم من هذا كله، لكن أهل بلده يصرحون بعداوة التوحيد واتباع أهل الشرك ويسعون في قتالهم، وعذره أن ترك وطنه يشق عليه، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بماله ونفسه فهذا أيضًا كافر، لأنهم لو أمروه بترك صيام رمضان ولا يمكنه ذلك إلا بفراق وطنه فعل، ولو أمروه أن يتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه مخالفتهم إلا بذلك فعل، وأما موافقته على الجهاد معهم بماله ونفسه مع أنهم يريدون قطع دين الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فأكبر مما ذكرنا بكثير فهذا أيضًا كافر ممن قال الله فيهم: { - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -((( - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - } - قرآن كريم ( - -(3/405)
رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - } - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - (- صلى الله عليه وسلم - - - ( - - فهرس - ( { ( { - عليه السلام - - ( - ((( - - - } - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - - { - - (( تمت ( - - ( ( المحتويات { - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنهم -- سبحانه وتعالى -((- رضي الله عنه - - } - ( قرآن كريم ( { ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - - ( { - المحتويات فهرس - - - - - - } - ( قرآن كريم - (( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - ( ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) الآية. انتهى.
__________
(1) النساء، آية: 91.(3/406)
ويقول الشيخ أيضًا عن تلبيسات الملبسين عن جواز موالاة الكافرين يقول(1): فمن ذلك قول بعضهم إن الله تعالى يقول: { - صدق الله العظيم ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله (( - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد (- عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم { - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - قرآن كريم (( - ( - - المحتويات ( - - رضي الله عنه - - - ((( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -( } تم بحمد الله - - { - - رضي الله عنهم -( } تم بحمد الله ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( } (2) الآية. يشير إلى أنه معذور بإقامته مع هؤلاء، كما عذر من أقام مِنَ المؤمنين بمكة مع المشركين. فيقال له: أن هؤلاء الذين سمَّاهم الله مؤمنين، لم يظاهروا على المؤمنين مشركًا ولا منافقًا ولا باغيًا ولا ظالمًا ولا سبوا مؤمنًا ولا عادوه، ومنهم من قيَّده أهله بمكة ومنعوه من الهجرة، كأبي جندل بن سهيل فإنه خرج يوم الحديبية من مكة يرسف بقيوده، فلو أن أحدًا منهم سبَّ المسلمين أو عابهم أو أعان عدوهم انتقض إسلامه بلا ريب، لكن الله تعالى حفظهم من هذه الأمور وعذرهم باستضعافهم وعجزهم. إلى أن يقول: ومن المحال أن يسميهم اللهُ ورسوله مؤمنين، وقد وقع منهم ما ينافي الإيمان. قال الله تعالى: { - صدق الله العظيم ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - جل جلاله - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - (
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج4، ص309- 318.
(2) الفتح، آية: 25.(3/407)
- - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - - - - مقدمة { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( الله أكبر - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - الله أكبر } - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - الله - عليه السلام - - - ((- رضي الله عنه -( } (1). إلى أن يقول: وقد أخبر الله تعالى أن الإيمان ينتفي بموالاة أعدائه كما قال تعالى: { ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( - (( - } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - ( مقدمة ( - - - ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - - ( - - - ( المحتويات ( - ( { ( } تم بحمد الله - - قرآن
__________
(1) المجادلة، آية: 22.(3/408)
كريم ( { ( - ( - ( } (1) قال بعض المفسرين في الآية الأولي: من الممتنع أن تجد قومًا من المؤمنين يوادون من حادَّ اللهَ ورسوله. ويقال أيضًا: إنَّ اللهَ تعالى بين حال الذين عذرهم عن الهجرة، وميَّزهم بالوصف ممن لم يعذرهم، فقال تعالى: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - ( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - - - المحتويات - (( ( - (( - ( - } (2) قال في شرح ”البخاري“: والسؤال للتوبيخ، أي لم تركتم الجهاد والهجرة والنصرة؟ { } - قرآن كريم ( - - - - - } - ( - - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - (( ((( - - } - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( - - - ((( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { - رضي الله عنهم -(( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - ( - - ( - { - - (( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله } (3) وروى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن الأسود قال: قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه، فلقيني عكرمة فأخبرته فنهاني أشد النهي. فقال: أخبرني ابن عباس أن أناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين، يأتي السهم فيصيب
__________
(1) المائدة، آية: 81.
(2) النساء، آية: 97.
(3) النساء، آية: 97.(3/409)
أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله فأنزل اللهُ تعالى: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - ( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - - - المحتويات - (( ( - (( - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - } - ( - - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - (( ((( - - } - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( - - - ((( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { - رضي الله عنهم -(( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) الآيتين.
__________
(1) النساء، آية: 97.(3/410)
فتأمل كيف ترتب عليهم هذا الوعيد، وأوجب لهم النار، وقد ورد أنهم كانوا مكرهين على تكثير سواد المشركين فقط، فكيف بمن كثر سوادهم بغير إكراه وأعان وظاهر وقال وفعل من غير استضعاف ولا إكراه، أترى بقى مع هذا شيءٌ من الإيمان والحالة هذه؟ ثم إنَّ اللهَ تعالى بيَّن في هذه الآية من خرج من هذا الوعيد بأوصاف لا تخفى على البليد فقال: { - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - - - - (( - - - - ( } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت } - رضي الله عنه - - ( - ( قرآن كريم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - - - - - ( مقدمة - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - الله - - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( - } - رضي الله عنه -( ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - قرآن كريم ((((- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( { - رضي الله عنه -( - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - قرآن كريم (( - ( } (1) فذكر أنهم الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، وهم العاجزون عن الهجرة من كل وجه، وهؤلاء هم الذين دعا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة المتقدم، بخلاف مَنْ لم يعجز عن الهجرة، بل اختارهم ورغب إليهم وسكن إليهم، ووافقهم وتأيد بهم واستنصر مثل عبد الله بن أبى سرح ومقيس بن حبابة
__________
(1) النساء، آيتان: 98-99.(3/411)
الليثي، وأمثالهما مما تزين له الباطل كجبلة ابن الأيهم الغسّاني وأمثال هؤلاء كثيرون. نسأل الله الثبات على الإسلام والعفو والعافية في الدنيا والآخرة.
والأمر الثاني: استدلالهم على جواز الإقامة مع المشركين أو تركهم الهجرة لأن الصحابة هاجروا إلى الحبشة وفيها نصارى. فيقال: لا يجوز عند من له أدنى معرفة أن يستدل على ترك الهجرة بأن الصحابة هاجروا. وكيف يجوز في عقل من له أدنى مسكة من عقل أن يستدل لترك شيء بأن ذلك الشيء الذي تركه قد فعله غيره؟.
وبعد أن يسوق قصة الهجرة إلى الحبشة من السيرة، وفيها أن المسلمين كانوا عند النجاشي في خير جوار، وأن النجاشي وافق جعفر فيما قال في شأن عيسى - عليه السلام -، وأقرَّ بأن ما جاء به محمد، وما جاء به موسى عليهما السلام يخرج من مشكاة واحدة، ورفض أن يسلم المسلمين إلى مبعوثي قريش.
يقول: وكل من له أدنى معرفة لا يفهم من هذه القصة إلا أنها حجة عظيمة على الهجرة الواجبة من وجوه لا تخفى على البليد، اللهم إلا من ابتلى بسوء الفهم وفساد التصور، وكابر العقل والشرع فلا حيلة فيه.(3/412)
ثم يقول عن المعترض: وأورد أيضًا حديث «أنا بريء من مسلم بين أظهر المشركين، لا تراءى ناراهما» والحجة منه أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سمَّاه مسلمًا، فيفيد أن إقامته بين أظهر المشركين لا تخرجه عن الإسلام. فالجواب أن براءة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ممن جلس بين ظهرانيهم إنما كان عقوبة له على مجرد الإقامة بين أظهرهم، وأما إيواؤهم، ونقض العهد لهم، ومظاهرتهم، ومعاونتهم، والاستبشار بنصرهم، وموالاة وليهم، ومعاداة عدوهم من أهل الإسلام، فكل هذه الأمور زائدة على مجرد الإقامة بين أظهرهم، وكل عمل من هذه الأعمال قد توعد الله عليه بالعذاب والخلود فيه وسلب الإيمان، وحلول السخط به وغير ذلك مما هو مضمون الآيات المحكمات التي قد تقدمت. إلى أن يقول: واعلم أن حقيقة حال هولاء المشبهة أن الله تعالى أمر بقتال المشركين فقاتلوا معهم، وأمرهم بالبعد عنهم فآووهم وقربوا منهم، وأمر بمعاداتهم فوالوهم، وأمرهم ببغضهم فوادُّوهم، وأمرهم بأن ينصروا أهل الإسلام فاستنصروا بالكفرة عليهم، ونهوا عن مداهنتهم فداهنوهم، ونهاهم عن كتمان ما أنزل الله من هذا وغيره فكتموه. إلى أن يقول: فجمعوا بين الكتمان والرد على من بين ولم يكتم، والتشبيه والجدال بالباطل، فتركوا ما أوجب الله عليهم وارتكبوا ما حرَّم عليهم، وهذا ظاهر جدًّا لا يرتاب فيه من له أدنى معرفة بالناس، وما وقع منهم فلا يأمنهم ويقربهم بعد هذه العظائم إلا من سفه نفسه. ثم يقول: ولهم شبهة أخرى وهى: أن أبا بكر استأجر عبد الله بن أريقط في طريق الهجرة إلى المدينة، وكان هاديًا خريتًا يدلهم على الطريق، فأحسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحبته، فتكون صحبة العسكر وإعانتهم على المسلمين ونصرتهم لا بأس بها. فيقال: (أولاً) قد ذكرت في الشبهة التي قبل هذه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أنا بريء من مسلم بين أظهر المشركين» وهذا يناقض ما استدللت به هنا، وحاشا رسول(3/413)
الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتبرأ من صاحب عمل وهو يفعله، ومثله هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من جامع المشرك أو ساكنه فهو مثله» والآيات المحكمات صريحة في التحذير من موالاتهم، ناطقة بالوعيد الشديد على موادتهم ونصرتهم. إلى أن يقول: وحاصل ما قدمنا من الجواب على ما أورده المشبه هنا يتضمن خمسة أوجه: ”الأول“: أن ابن أريقط أجير. ومن شأن الأجير أن يخدم المستأجر، لأنه ملك منافعه بعقد الإجارة، والأجير تحت المستأجر. ”الوجه الثاني“: أن ذلك مستأجر في مصلحة دينية، هى من أكبر مصالح الدين، فإعانته للمسلم وقت الحاجة إليه لا محذور فيها لكونها مصلحة محض، فكيف يجوز أن يستدل بذلك على ما هو أعظم المفاسد في الدين، من موالاة المشركين، وإعانتهم على باطلهم، والصدّ عن سبيل الله؟ ”الوجه الثالث“ أن استئجار الكافر للمصلحة نظير استرقاق الكافر، وذلك جائز بخلاف العكس، فإنه لا يجوز لأن الإسلام يعلو ولا ُيعلى عليه. وهذا المشبه كأمثاله صاروا لأهل مصر كالمماليك في طاعتهم ومتابعتهم وإعانتهم، اختيارًا منهم لا اضطرارًا. ”الوجه الرابع“ أن ما فعله ابن أريقط لا يعاب عليه عقلاً ولا شرعًا، بل قد يثاب عليه في حال كفره في الدنيا، وربما صار سببًا لإسلامه لقربه من الإسلام بإعانة لأهله على طاعة ربِّهم، بخلاف من أعان على معصية الله والصدّ عن سبيله، فأين من كان مع أهل الحق ممن كان مع عدوهم؟ وهل سمعت بتفاوت أعظم من هذا التفاوت. ”الوجه الخامس“ أن ما فعله ابن أريقط يغيظ الكفار، وإغاظة الكفار يحبها الله تعالى، بخلاف من يفعل معهم ما يسرهم ويغيظ عدوهم من المؤمنين، فأين هذا من هذا لو كانوا يعلمون؟ انتهى كلام الشيخ عبد الرحمن ابن حسن آل الشيخ.(3/414)
يقول أبو بطين(1): وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل الصديق - رضي الله عنه - مانعي الزكاة. وعلي ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، فاتفق الصحابة - رضي الله عنهم - على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة. وكذلك ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج، وأخبر أنهم شرُّ الخلق والخليقة مع قوله: «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم» فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط القتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله، فالقتال واجب. فأيما طائفة ممتنعة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضة أو الصيام أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين أو محرماته التي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها التي يكفر الواحد بجحودها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها، وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء، وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة إذا أصرُّوا على ترك بعض السنن كركعتي الفجر والأذان والإقامة عند من لا يقول بوجوبهما، ونحو ذلك من الشعائر، فهل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا، فأما الواجبات أو المحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها. انتهى.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج4، ص494.(3/415)
وأيضًا فالمقصود من لا إله إلا الله البراءة من الشرك وعبادة غير الله تعالى، ومشركو العرب يعرفون المراد منها لأنهم أهل اللسان، فإذا قال أحدهم لا إله إلا الله، فقد تبرأ من الشرك وعبادة غير الله تعالى، فلو قال لا إله إلا الله وهو مصرٌّ على عبادة غير الله لم تعصمه هذه الكلمة، لقوله - سبحانه وتعالى -: { ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - مقدمة - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - - - ( { - عليه السلام - - ( - (( } أى شرك { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( تمهيد - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - (( - - - ( - ( - } (1)، وقوله - عز وجل -: { } - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - ( - رضي الله عنه -((( - ( - ((( - ( - - - ( { ( - - مقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - - - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( مقدمة - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - } - ( - - - - (( - - - تمت ( - - ( } - قرآن كريم ( - - - - } - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - ( قرآن كريم - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم - - } - - - - } - قرآن كريم - - - رضي الله عنهم -( - ( ( المحتويات ( - فهرس - - ( - - رضي الله عنهم - - } (2)
__________
(1) الأنفال، آية: 39.
(2) التوبة، آية: 5.(3/416)
، وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بعثتُ بالسيفِ بين يدي الساعة حتى يُعبد اللهُ وحده لا شريك له» وهذا معنى قوله تعالى: { ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - مقدمة - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - - - ( { - عليه السلام - - ( - (( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( تمهيد - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - } أى الطاعة { ( - } (1) هذا معنى لا إله إلا الله. انتهى.
__________
(1) البقرة، آية: 193.(3/417)
ويقول أيضًا(1): فقوله: «وكفر بما يعبد من دون الله» الظاهر أن هذا زيادة إيضاح، لأن لا إله إلا الله متضمنة للكفر بما يعبد من دون الله، ومن قال لا إله إلا الله ومع ذلك يفعل الشرك الأكبر، كدعاء الموتى والغائبين، وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والتقرب إليهم بالنذور والذبائح، فهذا مشرك شاء أم أبى. واللهُ لا يغفر أن يشرك به { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ((( - ( - - - ( - ( - - { - ( - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - مقدمة ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - { } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - ( - - - ( مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - } - جل جلاله - - - - } (2) ومع هذا فهو مشركٌ، ومن فعله كان كافرًا. ولكن على ما قال الشيخ لا يقال فلان كافر حتى يُبيَّن له ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن أصرَّ بعد البيان حكم بكفره وحل دمه وماله. وقال تعالى: { ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - مقدمة - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - - - ( { - عليه السلام - - ( - (( } أى شرك { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( تمهيد - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - (( - - - ( - ( - } فإذا كان في بلد وثن يعبد من دون الله قوتلوا لأجل هذا الوثن أي لإزالته وهدمه وترك الشرك حتى يكون الدين كله لله. انتهى كلام أبى بطين.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ج4، ص502.
(2) المائدة، آية: 72.(3/418)
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن: وذمَّ أهل الإعراض بقوله: { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -(- عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - ( - ( - ( - } تمت ( - - ( (( - - - - { - رضي الله عنه -( - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - جل جلاله - - ( } (1) وذكره هو القرآن، والقرآن من أوله لآخره يُبيِّن لكم كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، ولا يصح لأحد إسلام إلا بمعرفة ما دلت عليه هذه الكلمة من نفي الشرك في العبادة، والبراءة منه وممن فعله ومعاداته، وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له والموالاة في ذلك. انتهى.
وفي تكفير المعين يقول أبو بطين(2): يبين هذا أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتدًا كافرًا ويستفتحون هذا الباب بقولهم: من أشرك بالله كفر. وحكمه أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، والاستتابة إنما تكون مع معين ولما قال بعض أهل البدع عند الشافعي: إنَّ القرآن مخلوق قال: كفرت بالله العظيم. وكلام العلماء في تكفير المعين كثير وأعظم أنواع الكفر الشرك بعبادة غير الله وهو كفر بإجماع المسلمين ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك كما إنَّ مَنْ زنى قيل فلانٌ زان ومن رابى قيل فلانٌ مراب واللهُ أعلم. انتهى.
ومن كلام أبي بطين أيضًا(3): وأما السؤال الثاني وهو قولكم: من لم تشمله دائرة إمامتكم، ويتسم بسمة دولتكم، هل داره دار كفر وحرب على العموم ... إلخ.
__________
(1) طه، آية: 124.
(2) مجموعة الرسائل والمسائل، ص523.
(3) مجموعة الرسائل والمسائل، ج4، ص574.(3/419)
فنقول وبالله التوفيق: الذي نعتقده وندين الله به أنَّ من دان بالإسلام وأطاع ربَّه فيما أمر، وانتهى عما عنه نهى وزجر، فهو المسلم حرامُ المال والدم، كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولم نكفر أحداً دان بالإسلام لكونه لم يدخل في دائرتنا ولم يتسم بسمة دولتنا، بل لا نكفر إلا من كفَّر اللهُ ورسولُه، ومن زعم أنَّا نكفِّر الناس بالعموم أو نوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ببلده، فقد كذب وافترى.
وأما من بلغته دعوتنا إلى توحيد الله، والعمل بفرائض الله، وأبى أن يدخل في ذلك، وأقام على الشرك بالله، وترك فرائض الإسلام فهذا نكفِّره ونقاتله ونشنّ عليه الغارة، وكل من قاتلناه فقد بلغته دعوتنا، بل الذي نتحققه ونعتقده أن أهل اليمن وتهامه والحرمين والشام والعراق قد بلغتهم دعوتنا، وتحققوا أنَّا نأمر بإخلاص الدين والعبادة لله، وننكر ما عليه أكثر الناس من الإشراك بالله، من دعاء غير الله والاستغاثة به عند الشدائد وسؤالهم قضاء الحاجات وإغاثة اللهفات وأنَّا نأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وسائر أمور الإسلام، وننهى عن الفحشاء والمنكرات وسائر الأمور المبتدعات ومثل هؤلاء لا يجب دعوتهم قبل القتال فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أغار على بني المصطلق وهم غارون وغزا أهل مكة بلا إنذار ولا دعوة، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - لعلىٍّ رضى الله عنه يوم خيبر ـ لما أعطاه الراية ـ وقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام» فهو عند أهل العلم على الاستحباب وأما إذا قدَّرنا أن أناسًا لم تبلغهم دعوتنا ولم يعلموا حقيقة أمرنا أن الواجب دعوتهم أولاً قبل القتال فيدعون إلى الإسلام وتكشف شبهتهم إن كان لهم شبهة فإن أجابوا فإنه يقبل منهم ثم يكف عنهم فإن أبوا حلت دماؤهم وأموالهم.(3/420)
وأما قولكم من أجاب الدعوة وحقق التوحيد وتبرأ من الشرك هل تلزمه الهجرة وإن لم يكن له قدرة؟ فنقول: الهجرة تجب على كل مسلم لا يقدر على إظهار دينه ببلده إن كان قادرًا على الهجرة كما دل على ذلك قوله تعالى: { } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - ( المحتويات ( - - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - ( { - - (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - - ( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - - - المحتويات - (( ( - (( - ( - } - قرآن كريم ( - - - - - } - ( - - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله - (( ((( - - } - - } - ( قرآن كريم ( - - - - ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( - - - ((( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { - رضي الله عنهم -(( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - { - ( - - ( - { - - (( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله } (1) وأما من لم يقدر على الهجرة فقد استثناهم الله تعالى بقوله: { - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - - - - (( - - - - ( } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت } - رضي الله عنه - - ( - ( قرآن كريم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه
__________
(1) النساء، آية: 97.(3/421)
وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - - - - - ( مقدمة - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - الله - - ( - - رضي الله عنهم - - } (1). انتهى.
وأما السؤال الثالث وهو قولكم: قد ورد «الإسلام يهدم ما قبله» وفي رواية: «يجبُّ ما قبله» وفي حديث حجة الوداع: «ألا إنَّ دم الجاهلية كله موضوع ... إلخ». وظهر لنا من جوابكم أن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرًا جهلاً منه بذلك فلا تكفرونه حتى تقوم عليه الحجة الرسالية، فهل لو قتل من هذا حاله قبل ظهور هذه الدعوة موضوع أم لا؟ فنقول إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله وعدم من ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة ولكن لا نحكم بأنه مسلم بل نقول عمله هذا كفر يبيح المال والدم وإن كنَّا لا نحكم على هذا الشخص لعدم قيام الحجة عليه. لا يقال إنْ لم يكن كافرًا فهو مسلم بل نقول عمله عمل الكفَّار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة الرسالية إليه(2).
__________
(1) النساء، آية: 98.
(2) يراجع كلام ابن القيم فى طريق الهجرتين، وقد سبق نقله.(3/422)
وقد ذكر أهل العلم أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات ولم يجعلوا حكمهم حكم الكفار ولا حكم الأبرار. وأما حكم هذا الشخص إذا قتل ثم أسلم قاتله فإنَّا لا نحكم بديته على قاتله إذا أسلم بل نقول الإسلام يجبُّ ما قبله لأن القاتل قتله في حال كفره والله أعلم. وأما كلام أسعد على قوله تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( { المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (( - تم بحمد الله } (1) أنه الإيمان اللغوي لا الشرعي فهو مصيب في ذلك وقد ذكر المفسرون أن معنى قوله - عز وجل -: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - المحتويات ( - ( - فهرس - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - - صدق الله العظيم ( { المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - (( - تم بحمد الله } أن إيمانهم إقرارهم بأن الله هو الخالق الرازق المدبر ثم أنهم مع هذا الإيمان بتوحيد الربوبية مشركون بالله في العبادة ومعلوم أن مشركي العرب وغيرهم يؤمنون بالله ربَّ كلِّ شيء ومليكه وأن بيده ملكوت كل شيء وهو يجيرُ ولا يُجَارُ عليه ولم تنفعهم هذه الاعتقادات حيث عبدوا مع الله غيره وأشركوا معه، بل نجد الرجل يؤمن بالله ورسوله وملائكته وكتبه ورسله وما بعد الموت فإذا فعل نوعًا من المكفرات حكم أهل العلم بكفره وقتله ولم ينفعه ما معه من الإيمان وقد ذكر الفقهاء من أهل كل مذهب «باب حكم المرتد» وهو الذي يكفر بعد إسلامه ثم ذكروا أنواعًا كثيرة من فعل واحدًا منها
__________
(1) يوسف، آية: 106.(3/423)
كفر وإذا تأملت ما ذكرناه تبين لك أن الإيمان الشرعي لا يجامع الكفر بخلاف الإيمان اللغوي واللهُ أعلم.
وأما قولكم وهل ينفع هذا المؤمن المذكور ما يصدر منه من أعمال البر وأفعال الخير قبل تحقيق التوحيد فيقال: لا يطلق على الرجل المذكور اسم الإسلام فضلاً عن الإيمان بل يقال الرجل الذي يفعل الكفر أو يعتقده في حال جهله وعدم من ينبهه إذا فعل شيئًا من أفعال البر وأفعال الخير أثابه اللهُ على ذلك إذا صحح إسلامه وحقق توحيده كما يدل عليه حديث حكيم ابن حزام: «أسلمت على ما أسلفت من خير». وأما الحج الذي فعله في تلك الحالة فلا نحكم ببراءة ذمته به بل نأمره بإعادة الحج، لأنا لا نحكم بإسلامه في تلك الحالة والحج من شرط صحته الإسلام فكيف يحكم بصحة حجه وهو يفعل الكفر أو يعتقده؟ ولكننا لا نكفّره لعدم قيام الحجة عليه، فإذا قامت عليه الحجة وسلك غير سبيل المحجة، أمرناه بإعادة الحج ليسقط الفرض عنه بيقين(1) وأما ما ذكرته عن السيوطي أن الردة لا تنقض الأعمال إن لم تتصل فهى مسألة اختلف العلماء فيها وليست من هذا الباب لأن كلام السيوطي فيمن فعل شيئًا من الأعمال في حال إسلامه ثم ارتد ثم أسلم هل يعيد ما فعله قبل ردته لأنه قد حبط بالردة أم لا؟ لأن الردة لا تحبط العمل إلا بالموت عليها. انتهى.
ونفس المقررات قررها الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر الحنبلي سبق أن نقلناها في باب الجهل فراجعها هناك وهى في المسائل(2).
__________
(1) بعد الحكم بإسلامه.
(2) مجموعة الرسائل والمسائل، ص637-641.(3/424)
من كلام الشيخ سعيد بن حجي الحنبلي النجدي رحمه الله تعالى(1): «وأما قوله: إنَّا نلزم الناس أن يكفروا آباءهم وأجدادهم فيقول: وهذا أيضًا من نمط ما قبله من الكذب والبهتان والذي نقوله في ذلك: أن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة إليه فالذي يحكم عليه إذا كان معروفًا بفعل الشرك ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهره أنه مات على الكفر فلا يدعى له ولا يضحى له ولا يتصدق عنه. وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله وأما مَنْ لا نعلم حاله في حال حياته ولا ندري ما مات عليه فإنَّا لا نحكم بكفره وأمره إلى الله فمن نسب إلينا غير هذا فقد كذب علينا وافترى». انتهى.
__________
(1) المصدر السابق، ص835.(3/425)
وله أيضًا(1): «فأما نواقض لا إله إلا الله فعسيرٌ إحصاؤها ولا يكاد يطاق استقصاؤها وقد تقدم في معنى لا إله إلا الله وفي حكمها جمل من نواقضها فتأمله فنحيلك على ـ باب ”المرتد“ قال في ”الإقناع وشرحه“ ـ وهو العمدة عند متأخرى الحنابلة ”باب حكم المرتد“ وهو الذي يكفر بعد إسلامه نطقًا أو اعتقادًا أو شكًا أو فعلاً ولو كان هازلاً وأجمعوا على وجوب قتل المرتد، فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو صفة من صفاته أو اتخذ له ـ أي لله ـ صاحبة أو ولدًا كفر، ومن ادعى النبوة أو صدَّق من ادعاها أو جحد البعث أو سبَّ اللهَ ورسوله واستهزأ بالله أو كتبه أو رسله كفر لقوله تعالى: { ( - ( - (? - - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - (( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - جل جلاله -( - - - - صلى الله عليه وسلم -((( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - فهرس - - - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - ( - - - - ( فهرس ( - - ( - - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - - ( { } (2) وقال الشيخ أبو العباس أحمد بن تيمية: أو كان مبغضًا لرسوله أو لما جاء به الرسول اتفاقًا. وقال أيضًا: أو جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم إجماعًا أي كفر لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( تمهيد ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - { ( - ( - - فهرس - ( { ( - - - - - - - ( - ( - } (3)
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل، ص853.
(2) التوبة، آيتان: 65-66.
(3) الزمر، آية: 3.(3/426)
. انتهى عن ”الإقناع وشرحه“.
فتأمل قوله وهو الذي يكفر بعد إسلامه فإن ظفرت بهذا الباب ففيه ما يكشف الحجاب ونحيلك أيضًا على كتاب ”الإعلام بقواطع الإسلام“ تأليف شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي الشافعي فإنه ذكر فيه الألفاظ والأفعال التي توقع في الكفر عند الأئمة حتى أنه ذكر أن العزم على الكفر كفر في الحال.
ونحيلك أيضًا على نبذة ألفها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ وذكر في آخرها سبع قصص ”أولاهنَّ “ قصة الردة بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -. ”الثانية“ قصة أهل مسجد الكوفة الذين سمع منهم كلام معناه أن مسيلمة على حق وهم جماعة فجمع عبد الله بن مسعود من عنده من الصحابة فاستشارهم فاستتاب بعضهم وقتل بعضهم. ”الثالثة“ قصة بعض أصحاب علىٍّ كرَّم الله وجهه لما اعتقدوا فيه الإلهية فدعاهم إلى التوبة فأبوا فحرَّقهم بالنار، وأجمع الصحابة وأهل العلم على كفرهم. ”الرابعة“ قصة المختار بن أبي عُبيد الثقفي. ”الخامسة“ ما وقع في زمن التابعين وهى قصة الجعد بن درهم. ”السادسة والسابعة“ بني عبيد الله القدَّاح والتتار.انتهى كلام الشيخ ملخصًا. وذكر القاضي عياض في كتاب ”الشفاء“ أن رجلاً لما أتى مطر يسير قال: ابتدأ الخراز برش سيوره، وهو قريب للملك فلم يأمر القاضي بقتله مداراة للملك فغضب المسلمون عليه ورفعوا أمره إلى السلطان فأمر السلطان بقتل قريبه وأمر بعزل القاضي الذي تركه مداراة له». انتهى كلام الشيخ سعيد بن حجي رحمه الله.(3/427)
ومن كلام الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر الحنبلي: (1) «وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دونه حرم ماله ودمه وحسابه على الله» رواه مسلم فحينئذ من لا يكفر بكل معبود سوي الله لا يحرم دمه وماله ولا يكون مسلمًا لمجرد التلفظ بلا إله إلا الله إلا إذا أضاف إليها الكفر بما يعبد من دون الله ولا بمعرفة معناها مع التلفظ بها بل ولا كونه لا يدعو إلا الله ولم يكفر بما يعبد من دون الله لم يكن مسلمًا بذلك فلا يحرم ماله ودمه فهذا أصل لا مرية فيما تضمنه ولاشك فيه وأنه لا يتم إيمان أحد حتى يعلمه ويعمل به فإن قيل قد أنكر على أسامة قتله لمن قال لا إله إلا الله؟ فالجواب أنه لا شك أن من قال لا إله إلا الله من الكفار حقن دمه وماله حتى يتبين منه ما يخالف ما قاله ولذا أنزل الله في قصته: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام - - - ( - (( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - } - قرآن كريم ( - } - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - ( } (2) الآية. فإن تَبيّن التزامه لمعناها وهو إقرار الإلهية والعبودية لله تعالى كان له ما للمسلمين وعليه ما عليهم وإن تبيَّن خلافه لم يحقن بمجرد التلفظ ماله ودمه، وهكذا كلّ من أظهر التوحيد وجب الكفُّ عنه إلى أن يتبين منه ما يخالف ذلك.
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل،ج4 ،670.
(2) النساء، آية: 94.(3/428)
واعلم أن التوحيد قسمان: الأول: توحيد الربوبية والخالقية ونحوهما ومعناه أن الله وحده هو الخالق للعالم وهو الربُّ لهم والرازق لهم وهذا لا ينكره المشركون ولا يجعلون لله فيه شريكًا، بل هم مقرون به كما أخبر الله عنهم في غير موضع من كتابه. والقسم الثاني: توحيد العبادة ومعناه إفراد الله وحده بجميع أنواع العبادة وهذا الذي جعلوا لله فيه شركاء ولفظ شريك يشعر بالإقرار بالله تعالى». انتهى من كلام الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان ابن معمر الحنبلي.
ثانياً: الاختيار العلمي
بالرجوع إلى ما مر من الاجتهادات المتباينة والمدارس الفقهية بمآخذها وتوجهاتها المتنوعة، وبالرجوع أيضًا إلى ما هو معلوم للجميع من أحكام الديار في كتب السير على مذاهب الفقه الأربعة وغيرها، وارتباط هذه الاجتهادات والتوجهات بالواقع القريب العهد بواقعنا والمشابه له إلى حد ما في الهند وعدن والجزيرة العربية، ووقائع التتار ودخول بلاد المسلمين تحت حكم الإنجليز والروس في أواسط آسيا وما ارتبط بذلك من فتاوى وأحكام، نجد أن أنسب الاجتهادات لواقعنا المعاصر مناطات ومآلات شرعية مُقَيِّدة تتحقق فيها الدقة العلمية الشرعية والتزام الصراط المستقيم بلا إفراط أو تفريط، وأحسن ما يتبع لجمع الكلمة وإحياء الأمة عملاً بقول الله - عز وجل -: { } - ( قرآن كريم ((( - } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - المحتويات ( - ( - - - ( { صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله المحتويات ( تمهيد ( فهرس - { - } (1) هو ما يلي:
نقول وبالله التوفيق:
قضايا الأحكام بالنسبة للواقع المعاصر:
__________
(1) الزمر، آية: 55.(3/429)
لقضايا الأحكام مأخذها الفقهي الخاص بها مع مأخذ العقيدة، وهذا المأخذ الفقهي راجع إلى أحكام الديار فالدور: إما دار إسلام، وإما دار كفر، أو دار مركبة.
ودار الإسلام: إما دار لها صفة الشرعية بالاجتماع على السنة المحضة، أو سنة أهل الاتباع، أو السنة العامة، أو ليس لها صفة الشرعية بغلبة البدع والفرقة والفسق عليها، أو لكونها دار بغي.
ودار الكفر: تنقسم إلى دار كفر أصلي وهم اليهود والنصارى والوثنيات والإلحاد، أو دور ردة. ودور الردة تنقسم إلى:
ردة إلى كفر أصلي: وهى الردة إلى اليهودية، أو النصرانية، أو الوثنيات أو الإلحاد، وهذه تأخذ أحكام الردة لمدة ثلاثة أجيال ثم تتحول إلى حكم الكفر الأصلي. فإذا استقرت الردة فيها فيمكن أن يُقروا على كفرهم بجزية أو بعهد مثل الكفار الأصليين.
ردة إلى بدعة مكفرة: مثل البهائية، أو الدرزية، أو النصيرية، وهذه يبقى لها وصف الردة طالما يدَّعون الإسلام وتبقى واجبة الاسترداد، ولا تأخذ حكم الكفر الأصلي، ولكن لما كانت طائفة مُمَكّنة من توريث أبنائها ما هى عليه كان صغيرها ولقيطها ومجنونها كافرًا مثل دار الكفر الأصلي، أو دار الردة عن أصل الدين، وإذا انتسبوا إلى غير الإسلام ولم يدعوه أخذوا حكم الكفر الأصلي بعد ثلاثة أجيال من الردة مثل الردة عن أصل الدين.
ردة عن الشرائع: وهذه الدار في حالة الالتباس لها صفة دار الكفر، وحكم دار الإسلام، وهى الدار المركبة.
وصفة دار الكفر ترجع إلى غلبة أحكام الكفر على الديار ويترتب عليها:
ـ إسقاط شرعية الأنظمة والأوضاع العلمانية .
ـ نزع الولاء عنها.
ـ إعطاء شرعية بديلة لجماعات العلماء.
ـ إعطاؤها شرعية قتال بضوابط قتال الممتنعين عن الشرائع وفي حدوده.
ـ وجوب الاستبراء للدين والعرض في هذه المجتمعات.
وللدار صفة دار الردة وهذه الصفة ترجع لأسباب:
ـ الإسلام سابق والردة طارئة.
ـ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.(3/430)
ـ بقاء التبعية الإسلامية بالرغم من وجود ظواهر الشرك والردة.
ـ ادعاء الإسلام.
ويترتب على هذه الصفة بقاء الدار واجبة الاسترداد، ولا تأخذ حكم الكفر الأصلي.
وللدار صفة الجاهلية وهذه الصفة ترجع إلى أسباب:
ـ غلبة قيم الجاهلية: «حكم الجاهلية»، «ظنّ الجاهلية»، «تبرج الجاهلية»، «حمية الجاهلية»، «دعاوى الجاهلية».
ـ استشراء الشرك.
ـ انقطاع الوجود الشرعي.
ويترتب على هذا الوصف استقرار قَسْم الجاهلية بعد ظهور الإسلام.
أما حكم دار الإسلام فيرجع إلى بقاء التبعية، وترجع بقاء التبعية إلى الأسباب التالية:
أولاً: لا يثبت الكفر بالاسم الظاهر أو الشارة الظاهرة بحيث يغني الاسم عن المسمي، بل لابد للحكم به من الاطلاع على البواطن والوقوف على المقاصد للمعين «فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع» ولا يعرف هذا من ذاك بالاسم الظاهر، بل لابد فيه من الوقوف على المقاصد والمواقف.
ثانيًا: الذين دخلوا في ظواهر الكفر والشرك والردة غير ممكنين من توريث أبنائهم ما هم عليه.
ثالثًا: أمر التابع غير أمر المتبوع.
رابعا: لا يوجد تميز واضح بين فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، أي لا يوجد تميز فسطاط، ولا تميز انتساب، وأمر الناس ملتبس مختلط، فهم أخلاط شتى غير متميزة عن بعضها وغير متباينة.
وهذه الصفة أو هذا الحكم يترتب عليه استصحاب أصل الإسلام للصغير بتبعية والديه أو أفضلهما دينًا، واللقيط والمجنون بتبعية الدار.
واستصحاب حكم الإسلام للصغير واللقيط والمجنون ومجهول الحال لا ينفى:
ـ وجود ظواهر الشرك والكفر وتفشيها فعدم القدرة على التعيين لا ينفى ثبوت الظاهرة كما أن ثبوت الظاهرة لا يتحتم معه التعيين في حق كل أحد.
ـ ولا ينفى أن الناس أخلاط شتى.
ـ ولا ينفى وجوب الاستبراء للدين والعرض في مثل هذه الحالة.
ـ ولا ينفى أحكام المعين عند استكمال شروطها ودواعيها.(3/431)
هذا كله في وضع الالتباس، أما وضع الاندراس ـ لا قدر الله حدوثه ـ فهو عندما يثبت الكفر في المجتمعات العلمانية لمجرد الانتساب الظاهر، ويكون أمر التابع كأمر المتبوع، ويصبح الناس ممكنين من توريث أبنائهم ما هم عليه من الكفر والردة، ويتميز الإيمان والكفر تميز فسطاطات أو تميز انتساب وهو ما لم يحدث حتى الآن ونرجو أن لا يحدث. ويعود الإسلام إلى دياره ظاهرًا ظافرًا.
وسبق أن بيَّنا ونعيد هنا للأهمية أحكام المعين وحالاته:
مَن أتى بأقوالٍ أو أفعالٍ أو اعتقاداتٍ ليست بعينها مكفرة ولكن مآلاتها ولوازمها مكفرة، فهنا لابد من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، فهذا يتهم بالردة ولا يدان بها إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.
مَن أتى بأقوالٍ أو أفعالٍ أو اعتقاداتٍ هى بعينها مكفرة ولكنها تحتمل وجهًا آخر غير الكفر لسبب أو لآخر من عوارض الأهلية أو غير ذلك، فهذا أيضًا يتهم ولايدان إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، يقال هذه ردة فإن تاب صاحبها وإلا قتل مرتدًا كافرًا.
مَن أتى بأقوالٍ أو أفعالٍ أو اعتقاداتٍ هى بعينها مكفرة ولا تحتمل وجهًا آخر غير الكفر، فهذا يدان بالكفر قبل الاستتابة ويستتاب للقتل. يقال هذا مرتد كافر يستتاب وإلا قتل مرتدًا كافرًا.
مَن أتى بأقوالٍ أو أفعالٍ أو اعتقاداتٍ هى بعينها مكفرة ولا تحتمل وجهًا آخر غير الكفر، ولا تقبل التوبة، وذلك كالردة المغلظة بالحرابة، أو الطعن في الدين، أو سبّ الرسول، أو تغلظت بنفاق يتترس به صاحبه ويتخذه جنة يحارب من ورائها الدين وهى حالة الزندقة. فهذا يدان بالكفر ولا يستتاب ولا تقبل له توبة ويقتل مرتدًا كافرًا.
مَن ثبت كفره بالانتساب: وهى حالة ظهور الكفر في الدار والطائفة وشدة التصاقه بها التصاقًا تغيرت معه التبعية. فهنا يكون الكفر حكميًا للصغير واللقيط والمجنون بتبعية الدار أو الطائفة.(3/432)
التصاق الكفر بالدار أو الطائفة دون أن يصل إلى تغير التبعية، ويكون أمر التابع غير أمر المتبوع. فهذا يتهم ولا يدان إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.
وجود ظواهر الشرك والردة بالدار دون أن تصل إلى شدة الالتصاق أو تغيُّر التبعية. وهنا لا يتهم أحد ولا يدان ولكن يستبرأ للدين والعرض ويستصحب حكم الإسلام للصغير واللقيط والمجنون ومجهول الحال.
وبالنسبة للطائفة شديدة الالتصاق بالكفر داخل دار الردة عن الشرائع:
فهذه الحكم فيها يحكم بكفرها جملة، ولا يحكم على معين فيها بكفر إذا كان في أمره خفاء يتطلب استيفاء الشروط وانتفاء الموانع في حقه، ولكن يقاتل على ما عليه فئته، ويُستَحَل منه ما يستحل منها، ونكل أمره إلى الله، وأما من كان كفره بواحًا داخل طائفة أو خارجها فهذا لا حرج من تكفيره.
ولا يصح تكفير المعين ما لم يكن كفره بواحًا أو يصدر الحكم بكفره من جهة شرعية أو بعد إقامة البينة عليه التي يعلمه بها الخاص والعام من أهل الحق.
ويستبرأ للدين والعرض ممن أدخل نفسه في سيمات النفاق وإن لم يُقطع بكفره، ومن دخل في كفر نوع ولم نقطع بكفره كمعين، ومن قُطع بكفره بعد إقامة الحجة عليه ولم تستطع أن تظهر أمره للناس ببينة يعلمه به الخاص والعام، وأما من أقيمت عليه البينة بالكفر التي يعلمه بها الخاص والعام من أهل الحق فلا بأس من منابذته بالكفر إذا كان في ذلك مصلحة شرعية، وكذلك من كان كفره بواحًا وجد هكذا أو أقيمت عليه البينة، فهذا لا حرج من تكفيره ومنابذته بذلك وهذا من الكفر بالطاغوت ومعاداة أهل الشرك وتكفيرهم والتبرؤ منهم.
ثالثاً: ما يترتب على هذه الأحكام من فقه الدعوة والحركة بالضوابط الشرعية الدقيقة مناطات ومآلات:(3/433)
ثبوت وصف الانحياش: لأن الكثير من الناس في هذه المجتمعات لا يستطيع ،أو لا يعرف كيف يعبر عن كرهه وإنكاره لمخاطبه من الأنظمة العلمانية بشرع غير شرع الله، ولأن الناس أخلاطٌ شتى بين من رضى، وتابع، ورغب عن شرع الله إلى غيره، أو عدل بشرع الله غيره، وبين من كره وأنكر. ولأن المواقف غير متميزة بتميز ومباينة واضحة بين الفسطاطات أو الانتسابات، فإن ذلك كله أدخل سترًا على الداخلين في ظواهر الرضا والمتابعة، أو الداخلين في ظواهر الشرك والردة. جعل حالهم أشبه شيء بحال الفرق المنحرفة عن الصراط المستقيم، والمبتدعة في أصول كلية من الدين. وهذا الستر في الحالتين هو الذي يعطي هذه التجمعات أو الطوائف وصف الانحياش إلى الأمة حتى مع ثبوت وصف الردة في الآخرة. وهذا مأخوذ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المقبرة فقال: «السلام عليكم دارَ قومٍ مؤمنينَ وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكم لاحقون وددت أني قد رأيت إخواننا. قالوا: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطكم على الحوض قالوا يا رسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لأحدكم خيلٌ غُرٌّ محجلة في خيلٍ دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلي يا رسول الله. قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض فليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم ألا هلم فيقال قد بدلوا بعدك فأقول فسحقًا فسحقًا فسحقًا».
يقول الإمام الشاطبي بعد ذكر هذا الحديث: «ولا علينا أقلنا أنهم خرجوا ببدعتهم عن الأمة أو لا إذا أثبتنا لهم وصف الانحياش إليها».(3/434)
أقول: إنَّ وصف الانحياش قد يثبت مع وصف الردة، ولكل وصف مقتضياته. فثبوت وصف الانحياش راجع إلى بقاء التبعية، وإلى حالة الالتباس والستر الناتج عنها، ويترتب على وصف الانحياش الثابت لهذه المجتمعات دخولهم في المقاصد الشرعية لحفظ الأمة في حالة الانحراف والالتباس. وعظم البلوي بالفرق، والشيع، والأهواء، والضلالات، وخفاء العلم، وغربة الحق، وهذه المقاصد هى:
إرخاء الستر.
انتظار الفيء.
طلب المؤالفة.
وهذه المقاصد دلَّ عليها عدم تعيين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للفِرَقْ الضالة واكتفائه بتعيينه فرقة النجاة وهى ما هو عليه وأصحابه أو الجماعة كما قال - صلى الله عليه وسلم -. وقد تكلم فيها بالتفصيل والبيان الإمام الشاطبي في ”الموافقات“ و”الاعتصام“.
وهذه المقاصد بالنسبة لواقعنا المعاصر تقتضي التأني بالحكم بالتكفير، أو المفاصلة على هذه المجتمعات لاستفاضة البلاغ حتى لا يخفى الحق على أحد، ولإحياء الأمة بدلاً من مباينتها واعتزالها لإخراج أمة مرة ثانية من الشتات والضياع إلى كونها خير أمة أخرجت للناس.(3/435)
ومع ثبوت وصف الانحياش للمجتمعات العلمانية فقد ثبت وصف الغربة لأهل الحق، وهى غربة يخشي منها انقطاع الإسلام بالإسراع إلى المفاصلة والاعتزال قبل طلب المؤالفة والإحياء وإخراج الأمة إخراجًا ثانيًا من حالة الاغتراب وظواهر الشرك. لذا فأهل الحق في حالة ضعف وانكسار الآن، وليسوا في حالة عز واستكبار. وإذا كان الأمر كذلك فالأمر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول في شأن المنافقين أن المصلحة الشرعية تقتضي عندما يكون الإسلام في حال ضعف وانكسار أن يعاملهم بقول الله عزَّ وجلّ: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((( - - صدق الله العظيم - ( - ((( - - ( - - - - رضي الله عنه -((( { (((- عليه السلام - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - عليه السلام - قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - } (1) وهذه المصلحة الشرعية هى التي اقتضت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يترك إقامة البينات عليهم حتى لا تثبت عليهم الردة فيقيم عليهم أحكامها فينفر الناس عن الإسلام لظنهم أنه يقتل قومًا استنصر بهم حتى إذا ظهر بهم جعل يقتل فيهم وقال شيخ الإسلام: أنه إذا كان للإسلام عز وتمكين واستعلاء وظهور فإنه ينبغي العمل حينئذ بقول الله عزَّ وجل: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - (( - } - - - - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - - } (( تمهيد ( - - - - رضي الله عنه -((( { ((( - - جل جلاله -( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( } (2)
__________
(1) الأحزاب، آية: 48.
(2) التوبة، آية: 73.(3/436)
.وأن الحكمين باقيان ولكل حكم مناسبته، وقد يعمل بهما في زمان واحد في مكانين مختلفين حسب الاستضعاف أو الظهور في كل مكان منهما.
ولهذا الاعتبار أيضًا ينبغي التأني والصبر حتى تتم عملية إحياء الأمة وإخراج الأمة خير أمة أخرجت للناس كما أخرجت أول مرة على يدي محمد - صلى الله عليه وسلم -. فهما اعتباران يتطلبان الإحياء: الانحياش الثابت لهم والاستضعاف والغربة الثابتة لنا وهناك اعتباران آخران هما:
عدم التحيز والمباينة والتميز لأهل الحق ولا تميز بين الفسطاطين أمكن بحكم الظروف المعاصرة.
الوعد بالظهور الثاني للإسلام الذي تدل عليه الأحاديث والآيات الكثيرة مما يقتضي تركيز الجهد في الإحياء والبعث والبحث عن سبيل إخراج الأمة وتمكينها لمواجهة أعدائها التقليديين من الصليبية والصهيونية والإلحاد والوثنية فسبيلنا أن نظهر بهم لا أن نظهر عليهم أو نباينهم فرارًا بديننا من الفتن ويأسًا من التمكين.
وهذه المقاصد الشرعية لا تتعارض مع قوله - عز وجل -: { - رضي الله عنه -((( - - - ( - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -((( تم بحمد الله ( - ( - ( - ( - - - } (1)
فلابد من استبانة سبيل المجرمين من سبيل المؤمنين.
ولابد من تصحيح المفاهيم، والصدع بالحق وبيانه للناس، وعدم تلبيسه بالباطل أو كتمانه.
ولابد من رفع الالتباس بين سبيل وسبيل، بين العلمانية والإسلامية رفعًا كاملاً.
__________
(1) الأنعام، آية: 55.(3/437)
ولا بد من رفع الالتباس بين المفاهيم والتوجهات الإسلامية الصحيحة والباطلة { - رضي الله عنهم - - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - فهرس - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - { - - جل جلاله -( - - - رضي الله عنه - - - ( - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (- رضي الله عنهم -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - { - - جل جلاله -( - - - رضي الله عنه - - } (1) .
ولا بد من مواجهة أهل الكفر البواح، وأصحاب الخندق الآخر الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا، وتعرية الباطل، وإسقاط اللافتات الكاذبة التي يتترس بها في حربه الإسلام. هذا كله شيء وتحقيق هذه المقاصد من إرخاء الستر وانتظار الفيء وطلب المؤالفة والصبر على الإحياء والبعث والإخراج والتمكين حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله شيء آخر، والجمع بين النوعين من المقاصد من أوجب الواجبات.
توجهات الدعوة بين الحق والباطل:
هناك طرفان من الباطل بينهما واسطة من الحق في توجهات الدعاة:
الطرف الأول: القول بأن الشرعية الإسلامية، وأساسيات المجتمع الإسلامي، متحققة للأنظمة والمجتمعات العلمانية، وأن كل ما ينقصها هو استكمال نقص وتصحيح انحراف، وأن الحركة إنما هى للإصلاح وليس للتغيير. وهذا القول في حد ذاته يسقط شرعية الجماعات التي تقول به ويغني عنها أجهزة الدولة الرسمية، ولابد أن يريحوا أنفسهم وغيرهم في هذه الحالة من عناء المواجهة مع الأنظمة العلمانية. وهذا القول يقدم على اعتبار أن الوجود الشرعي والتاريخي للأمة مستمران، وأن مسيرة العمل الإسلامي استئناف محض ليس فيه بدء ولا إعادة بناء.
__________
(1) الأنفال، آية: 42.(3/438)
الطرف الثاني: القول بأن الوجود الشرعي والتاريخي للأمة قد انقطع، وأن الناس في هذه المجتمعات كفار جميعًا إلا هم أو من هو قريب منهم، وأنهم كاليهود والنصارى بلا فرق، بل اليهود والنصارى أقرب إليهم بصفتهم أهل كتاب، والناس مشركون أو مرتدون، والمشرك أسوأ من الكافر والمرتد أسوأ من الكافر الأصلي. ولابد من إعادة الدعوة من جديد كما لو كان نبيًا جديدًا يُبعث، وأن أمة الإجابة لهذه الدعوة فقط هى التي يهمهم أوضاعها ومشاكلها حيثما كانت، وأما غير ذلك من المجتمعات المنتسبة إلى الإسلام وطغيان اليهود والنصاري عليهم فلا تهمهم في شيء باعتبار الصراعات كلها بين أطراف كافرة من غالب ومغلوب وكلهم أمة واحدة لا شأن لهم بهم إلا أن يدعو الجميع لدين الإسلام. وليس بينهم وبين الاستعمار الصهيوني أو الصليبي عداء، والأمر عندهم بدء محض طويت فيه صفحة الصراعات مع أعداء هذا الدين التي استمرت أربعة عشر قرنًا باعتبار أن هذا الدين نفسه قد طويت صفحته وانتهى أمره وأصدروا شهادة وفاة له ولمجتمعاته، وبدايته الجديدة على أيديهم تماثل بدايات الأنبياء مع الناس جميعًا لا يبدؤون أحدًا بعداء ويطوون صفحة ما قبلهم من جاهليات والناس في بقاع الأرض جميعًا عندهم سواء حتى توجد جماعة أو أمة تؤمن برسالتهم فعندئذ يتحدد العداء والولاء والبراء مع الموافق والمخالف. وهذا الطرف كما تري لا شأن له بمواجهة مع أعداء الإسلام التاريخيين من صهيونية وصليبية أو يهود ونصارى، ولا شأن له ببعث أو إحياء أو تمكين ولا يفكر في ذلك. وغاية ما يسعى إليه هو الحكم على الناس واعتزال من يكفرهم والبراءة منهم، فهو تبشير لا إحياء ولا بعث ولكنه حتى لا يقوم بدوره كتبشير ويكتفي بالتكفير والاعتزال والالتزام بإصدار الأحكام على كل واحد من الناس دون الالتزام باستفاضة البلاغ، وترك أمر الأحكام والاقتصار فيها على ما تستدعيه الحركة من تحديدات ضرورية لمسيرتها.(3/439)
الواسطة من الحق: ترى انقطاع الوجود الشرعي للأمة، واستمرار الوجود التاريخي لها، وأن الأمر مزيج من الاستئناف والبدء، وترى أن الأساسيات للمجتمعات الإسلامية غير متحققة للمجتمعات العلمانية، والشرعية غير قائمة للأنظمة العلمانية. فمن استمرار الوجود التاريخي للأمة ترى أن مسيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - مستمرة، وأن الإسلام الآن في حالة التباس وليس في حالة اندراس، وأن الاندراس الكامل لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يحدث إلا بعد أن تأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين بعد قبض عيسى عليه السلام. وعليه فملامح الاستئناف للمسيرة مستمرة وصفحة الصراع والمواجهة مع الصهيونية والصليبية لم تطو، والصراع التاريخي مع اليهود والنصاري لم يطو، وأنه لا نبيّ بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -، والأمر يتطلب ليس التبشير بالدين من جديد والبدء من حيث بدأ، ولكن يتطلب إعادة البناء لانقطاع الوجود الشرعي، وإسقاط شرعية الأنظمة العلمانية، وعدم تحقق أساسيات المجتمع المسلم في المجتمعات العلمانية. فهنا لا يصلح استكمال نقص أو تصحيح انحراف مع اعتراف بشرعية الأنظمة واستقرار الأساسيات في المجتمعات. بل لابد من إعادة بناء هذه المجتمعات نفسها من جديد، وليس التبشير بالدعوة في غيرها من ديار الكفر الأصلي باعتبار أن الإسلام صاحب حق في هذه المجتمعات، وهى لم تتمحض للكفر ومازال فيها خير كثير وفيها الكثير من الأمة ممن لا يرضى بالعلمانية ولا يرغب عن شرع الله، أو يعدل بشرع الله غيره. ولابد من استعادة هذه المجتمعات للإسلام وهى أرضه التاريخية عليها يقوم ومنها ينطلق مرة أخرى. فالرسالة رسالة إحياء وبعث وإعادة بناء، وليس التبشير بالدين الجديد عند من لا يدين به، ولا يمكن مواجهة الأنظمة العلمانية لإسقاطها والتمكين لدين الله في أرضه التاريخية إلا بعد أو مع إحياء الأمة لافتقار الأمة قبل هذا الإحياء لأساسيات المجتمع المسلم الذي تواجه(3/440)
به العلمانية في الصراع بل هى أصلاً ليست طرفًا في الصراع مع العلمانية وهى إما محيَّدة أو متغيرة المواقف في الصراع الدائر بين العلمانية والإسلام أو بين العلمانيين والإسلاميين لأنها لم تحدد بعد هدفها بسبب افتقادها لهذه الأساسيات، فلابد من عملية الإحياء لتتم المواجهة ليس بين الإسلاميين والأنظمة العلمانية ولكن بين الأمة بعد إحيائها وبين العلمانية والقائمين عليها، ومواجهة الإسلاميين للأنظمة العلمانية قبل إحياء الأمة يُمَكِّن الأنظمة العلمانية من عزل هذه الحركات الإسلامية وتصفيتها لأن المواجهة حينئذ تكون مواجهة مبكرة غير متكافئة يتم من خلالها إجهاض العمل الإسلامي في ظل حياد الأمة أو انحيازها للعلمانية أو تغير مواقفها بين العلمانية والإسلام.
وهناك توجه آخر يرى سقوط شرعية الأنظمة مع احتفاظ الأمة بالأساسيات، ولا يرى داعي للإحياء والأمر لا يتطلب سوى المواجهة لاستعادة الشرعية من مغتصبيها دون أي توجه قبل ذلك أو مع ذلك للإحياء بناء على هذه النظرة كما حارب الإسلام قبل ذلك أعداءه التاريخيين من التتار والقرامطة والصليبيين والإفرنج وغيرهم مواجهة فورية ومباشرة دون داعٍ لأي عمليات إحياء. وهذا التوجه يتغافل عن الواقع وعن دور الأمة ويدخل في مواجهة غير متكافئة وغير مفهوم بواعثه فيها عند الناس تؤدي إلى إجهاض العمل الإسلامي، وتنفر الناس منه لارتباطه بالدماء بدون سبب مفهوم لديهم. ومن ثَمَّ فهو توجه خاطئ لأنه يتغافل دور الإحياء على أساس من عقيدة التوحيد السلفية توحيد الأئمة وسلف الأمة وما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وارتباط ذلك بالهوية والشريعة والصبغة.
والطرفان من الباطل يخرجان من قضية المواجهة للتغيير، والتوجه الخاطئ يدخل في قضية المواجهة على غير بصيرة، والواسطة من الحق تدخل في قضية المواجهة على بصيرة لارتباط هذه المواجهة مع الإحياء وتصحيح المفاهيم وإدخال الأمة كطرف أصيل في الصراع.(3/441)
وإدخال الأمة كطرف أصيل في الصراع لا يعطل مسيرة العمل الإسلامي لأن مسيرة العمل الإسلامي متكاملة لابد فيها من:
تصحيح المفاهيم. ... دور الأمة.
دور الصفوة. ... دور القيادة.
التمكين للانطلاق من قاعدة آمنة.
ولا بأس أن يسبق بعض هذه العناصر غيره إذا كان ذلك متاحًا بدون اعتساف أو تقدير خاطئ وحسابات خاطئة تذهب بثمرة كل شيء، ولابد أيضًا من استكمال هذه العناصر جميعًا فإما أن يأتي ترتيبها طبيعيًا أو يختلف الترتيب لكن تكتمل العناصر.
رابعاً: أحوال الأمة من العصمة إلى الاندراس:
هذه الأمة في حال اجتماعها على كتابها وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم - وقيامها برسالته التي ناطها الله بها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير فإنها تكون:
منصورة: فلا يظهر عليها العدو ولو اجتمع عليها من بأقطارها.
معصومة: فلا تجتمع على ضلالة.
مرحومة: فلا يتتابع عليها البلاء ولا تؤخذ بالسنين.
فإذا تفرقت كلمتها وخرجت عن رسالتها وتنافست على الدنيا فأهلكتها كما أهلكت الأمم من قبلها ألبسها الله شيعًا وأذاق بعضها بأس بعض، فعندئذ تخرج عن العصمة، وأمكن أن يظهر عليها العدو ويتتابع عليها البلاء، وتجتمع على ضلالة، ولكنها لا تخرج عن هذه الرحمة السابقة إلى شقاء الاندراس الكامل للدين والكفر بربِّ العالمين، بل تبقي في إطار شرعيتها الإسلامية على غير الحال التي كانت عليها من الرحمة الأولي، فإذا لم تغير ما بها وتراجع أمر دينها ارتفعت عنها الشرعية الإسلامية ودخلت في ردة عن الشرائع وعلتها أنظمة الكفر، ولكن لا يزال بها من ينكر ويكره ويدفع ويدافع، ولا تخرج إلى الاندراس الكامل للدين فتتغير تبعيتها من تبعية الإسلام إلى تبعية الكفر، بل تبقى لها تبعيتها وإن ظهرت بها ظواهر الشرك والردة التي لم تتمحض لها.(3/442)
وقد يخرج بعض الأمة إلى الاندراس فينقلب من الردة إلى بدعة مكفرة إلى كفر أصلي كالبهائية والدرزية والنصيرية، والوعد للسواد الأعظم من هذه الأمة بالعودة مرة أخرى من الجاهلية إلى الإسلام خلافة راشدة على منهاج النبوة، والتمكين لهذا الدين وخروج أهل الحق من الغربة الثانية إلى الظهور الثاني للإسلام ليظهره اللهُ على الدين كله ولو كره الكافرون، حتى لا يبقى أهل مدر ولا وبر إلا دخله الإسلام أعزَّ به عزيزًا وأذلَّ به ذليلاً حتى يبلغ أمر هذا الدين ما بلغ الليلُ والنهار، وأما الاندراس فكما قلت لا يكون لسواد الأمة إلا بعد قبض المسيح وبعث الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين فلا يبقى على الأرض إلا شرارها يتهارجون عليها تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة.
خامسًا: الشرعيات
قضايا الشرعية:
ترجع الشرعية إلى الاجتماع على السنة. والسنة ثلاث درجات:
سنة محضة: وهى ما كان عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - «ما أنا عليه وأصحابي» والمتبعون له من أهل السنة والحديث وهذه هى جماعة المقياس جماعة الصحابة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: « أن كل طائفة تضاف إلى غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انفردت بقول عن سائر الأمة لم يكن القول الذي انفردت به إلا خطأ بخلاف المضافين إليه - صلى الله عليه وسلم - أهل السنة والحديث فإن الصواب معهم دائمًا ومن وافقهم كان الصواب معه دائمًا لموافقته إياهم ومن خالفهم كان الصواب معهم دونه في جميع أمور الدين فإن الحقَّ مع الرسول فمن كان أعلم بسنته وأتبع لها كان الصواب معه وهؤلاء الذين لا ينتصرون إلا لقوله ولا يضافون إلا إليه وهم أعلم بسنته وأتبع لها وأكثر سلف الأمة كذلك لكن التفرق والاختلاف كثير في المتأخرين.(3/443)
وكل طائفة من طوائف أهل الفقه المنتسبين إلى السنة من الحنفية والمالكية والسفيانية والأوزاعية والشافعية والحنبلية والداوودية وغيرهم لا يوجد لطائفة منهم قول انفردوا به عن الأمة وهو صواب بل ما مع كل طائفة منهم من الصواب يوجد عند غيرها من الطوائف وقد ينفردون بخطأ لا يوجد عند غيرهم لكن قد تنفرد طائفة بالصواب عمن يناظرها من الطوائف كأهل المذاهب الأربعة قد يوجد لكل منهم أقوال انفرد بها وكان الصواب الموافق للسنة معه، دون الثلاثة لكن يكون قوله قد قاله غيره من الصحابة والتابعين وسائر علماء الأمة بخلاف ما انفردوا به ولم ينقل عن غيرهم فهذا لا يكون إلا خطأ. وكذلك أهل الظاهر، كل قول انفردوا به عن سائر الأمة هو خطأ، وأما ما انفردوا به عن الأربعة وهو صواب فقد قاله غيرهم من السلف». أهـ.
سنة أهل الاتباع: وهو علم الأئمة الذين تلقتهم الأمة بالقبول وذلك مثل من نقل عنهم الشيخ محمد بن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي سمَّاه ”الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول“ فذكر منهم: الشافعي ومالك والثوري وأحمد وابن عيينة وابن المبارك والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق بن راهوية والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم ونقول: وغيرهم أيضًا كثيرون ممن جمع أو انتهى إليه علم السلف من أهل الفقه والحديث وهؤلاء لا يخرج الحق عنهم واجتهادات هؤلاء ترجع إلى أصول الصحابة.
السنة العامة: وهى «خير وفيه دخن» وخيره سنة أهل الاتباع والسنة المحضة. ودخنه:
ما يدخل على العقائد من علم الكلام بما يقرب ولا يتباعد عن مذاهب أهل السنة.
الابتداع الجزئي في العمليات والعبادات.
مناحي التقصير في المجتمعات عما كان عليه الصدر الأول.
شيوع بعض أوجه الإثم في المجتمعات.
دخول بعض الأثرة والجور في الولايات.
والخروج عن السنة يكون:
بالابتداع في أصل كلي من الدين.
بما يدخل على العقائد من علم الكلام بما يتباعد عن مذاهب أهل السنة ويتعارض معها.
الفرقة والانقسام.(3/444)
غلبة الفسق على المجتمعات.
وأصحاب الكلام والخوض إذا لم يتباعدوا بكلامهم وخوضهم عن أصول السنة كثيرًا، ولم تنته بهم بدعة الكلام إلى ابتداعات في أصول كلية من الدين فهم من دخن السنة العامة ولا يدخلون في وصف الفرق وإذا انتهى كلامهم إلى ابتداعات في أصول كلية من الدين دخلوا في وصف أهل البدع ودخلوا بذلك في وصف الفرق.
وأهل الكلام الذين لم يدخلوا في وصف الفرق لقربهم من عقائد أهل السنة ولمحاولتهم التوفيق بين مقرراتهم وبين النصوص إذا أقاموا الدولة والجماعة على أصولهم دخلوا في حكم أئمة الجور لا يخرجون عن الشرعية الإسلامية ولكن يجوز الخروج عليهم، ويرجع ذلك إلى قاعدة الشريعة في دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، مفسدة الصبر على الانحراف ومفسدة وقوع الفتنة، فإذا أمنت الفتنة جاز الخروج وإذا أمكن التغيير بالطرق الشرعية وجب التغيير، أما إذا لم يمكن التغيير بالطرق الشرعية وخيفت الفتنة وجب الصبر.
أما إذا ضمُّوا إلى بدعة الكلام مصادرة السنة وأهلها وفرض بدعتهم على الأمة بالقهر دخلوا بذلك في وصف الِفرْقَة وخرجوا عن الشرعية الإسلامية التي توجب لهم السمع والطاعة.(3/445)
والأوضاع والجماعات والدول التي تقوم على ابتداع في أصل كلي من الدين من مدخل الكلام أو الابتداع المحض ليس لها صفة الجماعة ولا صفة الشرعية، وهى مغرقة في وصف الفرقة، وذلك بقيام بنية النظام على البدعة وليس فقط وجود الابتداع في شخص الحاكم. وأهل الابتداع في أصل كلي من الدين إذا لم يقيموا بِنْية النظام على بدعتهم وبقوا أفرادًا شذاذًا لم يباينوا الجماعة، ولم يخرجوا عليها بالسيف، ولم تصل بهم بدعتهم إلى الفحش في الاعتقاد وكفر المآل، فلهم شرعيتهم كأفراد داخل نظام أهل السنة، ولهم حقوقهم التي لغيرهم من المسلمين في الولايات وغيرها، ويُراعى قولهم في الاختلاف إذا كانوا من أهل العلم فيما لم يبتدعوا فيه وتقبل شهاداتهم وروايتهم، ولا يسقط اعتبارهم في المجتمع مع الحذر والسعي المستمر للحفاظ على وضع الصدارة للسنة.
ودار الإسلام: هى كل دار اجتمع الناس فيها على الإسلام وانتسبوا إلى الشرع. والدار التي لها صفة الشرعية هى تلك التي يجتمع فيها الناس على السنة: محضة أو أهل اتباع أو عامة. وذلك كما قال الشاطبي: الجماعة: راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة فما كان خارجًا عن السنة كالخوارج والروافض وما جري مجراهم فلا يدخل في وصف الجماعة، أي أن اجتماع هؤلاء لا يحقق معنى الجماعة، ومن ثَمَّ فليس له صفة الشرعية.
ودور الإسلام التي ليس لها صفة الشرعية هى:
دور البدعة: وذلك بقيام بْنية النظام على أساس البدعة أو غلبة البدع وشيوعها واستشراؤها في المجتمعات، وتغلغل المعتقدات الفاسدة فيها وإن لم يقم النظام على أساس البدعة.
دور الفسق: وذلك يتحقق بما يلي:
استعلان المنكر واستقراره بلا تغيير.(3/446)
اختلال القيم واستحسان المعاصي وجريانها مجري البدع. وذلك ما تكلم عنه الشاطبي في الاعتصام عن دخول شوب التشريع في المعاصي فتصير بذلك بدعًا، وفي الحديث: «ويقال للرجل ما أجلده ما أظرفه وليس في قلبه حبة خردل من إيمان» وذلك من اختلال القيم وانقلاب المنكر معروفًا والمعروف منكرًا.
شيوع الحيل بين الحكام والمحكومين لإسقاط الحقوق الشرعية والحدود والواجبات حتى تصير الشريعة شكلاً بلا معنى.
ضعف السلطة التنفيذية، واختلال الأمن، وتغلب الحرابة، وقطع الطريق، وسيطرة الشطَّار والعيارين، ونزع التراحم، وشيوع التظالم بين الناس، واختلال الأمر الذي يصل إلى حد الامتناع عن الشرائع.
دور الفرقة: وترجع إلى سيطرة المتغلبين على ممالك المسلمين، وتقسيمها إلى دويلات وإمارات تحت رايات عمية تنافسًا على الدنيا وطلبًا للرياسة والملك، ولم يجز الفقهاء أكثر من إمامين إذا حالت الموانع الطبيعية من إمكان النصرة، وذلك في وقت واحد في الأرض كلها.
والجماعة جماعتان:
جماعة التمكين: وهى الدار والخلافة والسلطان.
وجماعة العلماء.
وجماعة التمكين ممكنة الانقطاع ويدخل عليها الدخن ولا يجوز فيها التعدد. وجماعة العلماء مكفولة البقاء ولا يصح أن يدخل عليها الدخن وممكن فيها التعدد وهى كل جماعة التزمت السنة واجتمعت عليها وقاتلت دونها ولم تتبع الهوى ولا المتشابه ولم تقع في أعيان البدع ولم تقع بينها العداوة والبغضاء، وهذه الجماعة ليس لها بيعة ولكن عهد وميثاق ولكل غادر مهما كان غدره لواء يُرفع على إسته يوم القيامة «وإذا كنتم ثلاثة فأمِّروا عليكم أحدكم» ومن أُمِّرَ وجبت طاعته بالقيود الشرعية المعروفة. هذا بخصوص شرعية الوضع.
أما شرعية الحكم فيراعى في الحاكم لكي يضم إلى شرعية الوضع شرعية الحكم ويدخل في وصف الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ويبعد عن وصف الجبارية والملك العضوض ما يلي:(3/447)