البدر المنير في علم التعبير
وشرحه
تأليف
الإمام الشهاب العابر المقدسي الحنبلي
628 – 697 هـ
قال الشيخ ، الإمام ، العالم ، العامل ، الصدر ، الكبير الكامل ، الفاضل البارع ، الحافظ المتقن ، حجة المحققين ، ولسان المتكلمين ، قدوة السالكين ، بقية السلف الصالح : شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن شيخ الإسلام جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي الجعفري ، قدس الله روحه ، ونور ضريحه .
الحمد لله حق حمده ، وصلواته على خير خلقه ؛ محمد وآله وصحبه . حمداً وصلاة ينجيان كل عبد من عذاب ربه .
وبعد : فإنه ندبني جماعة إلى جمع مقدمة في علم المنام فأجبتهم إلى ذلك ، ولقبتها بـ » البدر المنير في علم التعبير « ، وجعلتها بلغة للمبتدي ، وبلاغاً للمنتهي ، ينتفع بها المتعلمون ، ويرتفع بها المعلمون ، جعل الله ذلك خالصاً لوجهه الكريم ، وأنقذنا بفضله من عذابه الأليم .
اعلم - وفقنا الله وإياك – أن معرفة التأويل تحتاج أولاً إلى معرفة حقيقة
النوم ؛ ما هو ؟! ثم تعرف تفسير ما يُرى في المنام . وقد ذكرتُ ذلك أولاً ، ثم ابتدأت بذكر الله تعالى ، والملائكة ، والأنبياء عليهم السلام ، ثم ذكرتُ السموات والأرض ، ومن فيهن ، ثم كذلك ؛ حتى أتيت إلى الجنة والنار ، وما يدلان عليه . وقد ذكرتُ – قبل أبواب المقدمة – أربعة عشر فصلاً.
ولم أترك شيئاً – من القواعد الشاملة لهذا العلم مما قاله العلماء ؛ أو رُزقتُ الاجتهادَ فيه – إلا ذكرتُهُ . على اختلاف الملل والأديان ، والأعصار والبلدان.
وجعلت الأبواب خمسة عشر باباً وهي :
الباب الأول ... : ... في رؤية الباري جل وعلا ، والملائكة ، والأنبياء عليهم السلام ، والصديقين ، والصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين .
الباب الثاني ... : ... في رؤية السماء ، وما فيها ، وما ينزل منها ، وما يطلع إليها .
الباب الثالث ... : ... في الحوادث في الجو .
الباب الرابع ... : ... في الأرض ، وأشجارها ، وجبالها ، وسَهْلِهَا ووعْرِها ، وما يتعلق بها .
الباب الخامس ... : ... في مياه الأرض .
الباب السادس ... : ... في الحيوانات .
الباب السابع ... : ... في الأكل والذبائح .
الباب الثامن ... : ... في الأبنية وما تصرف منها .
الباب التاسع ... : ... في الملابس .
الباب العاشر ... : ... في الصنائع والصُّنَّاع .
الباب الحادي عشر ... : ... في الأدوات المستعملات .
الباب الثاني عشر ... : ... في رؤية بني آدم .
الباب الثالث عشر ... : ... في أعضاء ابن آدم ، وما يحدث منه .
الباب الرابع عشر ... : ... في الموت والنزاع .
الباب الخامس عشر ... : ... في الساعة وأشراطها .
قال المصنف رحمه الله : لما أن كان الملك – في اليقظة – بين يديه أعوان ؛ يتصرفون بأمره في وقت حضوره ، ولم يقدروا على الوقوف دائماُ بلا أخذ راحة – ولا يليق أن يتصرفوا لأخذ الراحة وهو جالس ؛ ربما حدث حادث في وقت غيبتهم ، أفضى إلى الفساد – فحجب نفسه فاستراح ، واستراحت الأعوان ، وجعل في وقت غيبته حرساً على الأبواب ؛ لئلا يحدث حادث في وقت غيبتهم ، وما يمكن للحرس ]أن[ يتركوا مواضعهم ؛ ويطلعوه على الحادث ، خوفاً من حدوث حادث في وقت غيبتهم ، فجعل عليهم من يسمع منهم ما يقولوه. والآخر ما يمكنه الغيبة لئلا يطلبوه وقت غيبيته لحادث آخر فما يجدوه فما يفيد – فاحتاج إلى كبير متوصل ؛ يوصل ذلك إلى الملك إذا جلس ، فإذا انتهى إليه مثلاً ؛ أن جماعة بالمكان الفلاني سرقوا ؛ وفلان قام قاتلهم ودفع شرهم ، نظر الملك رأيه فيهم ، فيأمر بقتل بعضهم ، أو قطعه ، أو صلبه ، أو سجنه ، ونحو ذلك. ويأمر بإكرام المدافع لهم على ما يليق به من الكرامة. ولما كانت الروح المدبر في البدن ؛ كالملك في البلد ، وبين يديه أعوانُُ : السمع ، والبصر ، والنطق ، واليدان ، والرجلان – وليس لهم طاقة السهر دائماً – لأنه يقل السمع والبصر والنطق – فأرسل الله تعالى النوم راحة لأولئك كما ذكرنا. وأقام الأنفس الثلاثة – كما في اليقظة – للملك. فإذا استيقظ الروح المدبر ؛ أملى عليه المنام ؛ أني رأيت كأنني آكل حلواً من إناء
مليح ، فيقول له الروح المدبر : هو للمريض بالحرارة ردىء. لكون ذلك لا يوافق مرضه. ويقول للصحيح – إن كان ملكاً - : ملك بلداً كبيراً. ولمن دونه : ستتولى مكاناً مليحاً. ولطالب العلوم : تبلغ مرادك منها . وللعازب : ستزوج امرأة
حسناء . ونحو ذلك. وإن كانت الحلاوة ردية ؛ فعكس ذلك .
الفصل الأول
في هيئة المنام
اعلم أن النوم رحمة من الله على عبده ؛ ليستريح به بدنه عند تعبه. لما علم الله عز وجل عجز الروح عن القيام بتدبير البدن دائماً .(1/1)
فالنوم هو : أبخرة تحيط بالروح المدبر للبدن ؛ فتحجبه عن التدبير ، وما هو في المثال إلا كالملك – إذا حجب نفسه عن تدبير مملكته ليستريح وتستريح أعوانه في وقت حجبه – ومن الحكمة جعل الله تعالى – حين غيبة الروح المدبرة – ثلاثة أنفس قائمة ؛ فالأولى : النفس المخيلة. أشبه شيء بالمرآة ، لتخيل كل شكل يواجهها . وجعل أمامها نفساً حافظة تحفظ ما تصوره المخيلة. وجعل نفساً موصلة توصل ذلك إلى الروح المدبرة – إذا انكشف الحجب عنها – ليتصرف فيه على ما يرى . وما جعل الله تعالى النوم كذلك إلا من لطفه وحكمته ، لأن حال اليقظة ما يمكن أن الإنسان يعرف ما يحدث في الوجود كل وقت إذ لو كان ذلك كذلك ، لتساوى الناس بالأنبياء عليهم السلام .
الفصل الثاني
والرؤيا على قسمين : صحيح ، وفاسد :
فالصحيح : ما كان من اللوح المحفوظ وهو الذي تترتب عليه الأحكام(1).
القسم الثاني : الفاسد : الذي لا حكم له . وهو خمسة أقسام :
الأول : حديث النفس : وهو أن يحدث الإنسان نفسه في اليقظة شيئاً ، فيراه في المنام . وكذلك العادة .
قال المصنف : إنما ابتدأت بذكر الفاسد لقلته. فإذا عُرف علم أن ما سواه هو الصحيح. وقد ذكر جماعة أن الفاسد هذه الأقسام وزادوا عليها : السَّحَرة ، وبعث الشياطين ، ونحو ذلك. وليس بصحيح(2) .
والذي ذكرته غير مختلف فيه . وفي معرفته كفاية .
قال المصنف : كل واحد من الأقسام الفاسدة إذا رؤي مع زيادة ؛ فإن كانت الزيادة من جنس الفاسد فلا حكم لها ، وإن كانت من غير جنسه فاترك الفاسد وتكلم في الزيادة(3) .
القسم الثاني : يكون من غًلًبة الدم. وهو أن يرى الحمرة الكثيرة ، أو الأشياء المضحكة ، أو الملهية .
القسم الثالث : يكون من غلبه الصفراء . كمن يرى شيئاً أصفر كثيراً ، أو شموساً ، أو نيراناً ، ولا يعقل شيئاً.
القسم الرابع : وأما ما يكون من غلبة السوداء . كمن يرى كثرة الدخاخين ، أو الخُسَف ، أو سواد ، أو نحو ذلك .
القسم الخامس : يكون من غلبة البلغم . كمن يرى أمطاراً ، أو غيوماً ، أو مياهاً ، أو بياضاً ، ونحو ذلك ولا يعقل شيئاً .
الفصل الثالث
في أنواع الرؤيا
أنواع الرؤيا أربعة :
أحدها : المحمودة ظاهراً ، وباطناً. كالذي يرى أنه يكلم الباري عز وجل – أو أحد الملائكة ، أو الأنبياء عليهم السلام – في صفة حسنة ، أو بكلام طيب . وكمن يرى أنه يجمع جواهر ، أو مآكل طيبة. أو يرى كأنه في أماكن العبادة مطيعاً لربه عز وجل. ونحو ذلك .
قال المصنف : لما أن كانت الرؤيا لا يعرف جيدها من رديها إلا الخبير بهذا الشأن ، فبينت للمعلم أن لا يلتفت على ما اعتقدته النفس خيراً لفرحها به حين الرؤيا. ولا أن ذلك ردياً لكونها فزعت منه. بل يعتمد على الذي ينبغي في أصول هذا العلم على ما بيناه إن شاء الله تعالى (4).
النوع الثاني : محمودة ظاهرًا ، مذمومة باطناً. كسماع الملاهي ، أو شم الأزهار. فإن ذلك همومًا وأنكادًا. أو كمن يرى أنه يتولى منصباً عالياً – لا يليق به – فهو رديء.
قال المصنف : لما كان سماع الملاهي غالباً لذهاب الهموم – وشم الأزهار فيه إلا أنه عقيبه – كان ذلك ردياً. وأيضاً : من كون ذلك يحتاج إلى نفقات وكلف – ولا ثمرة لذلك يرجعون إليه في مقابلة ما أنفقوا – كان غرامة بلا فائدة ؛ فأعطى النكد. وأيضاً : فإن الأزهار غالباً تطلب لأصحاب الأمراض ؛ فأعطى النكد وأيضاً. لأن كل ما هو مرصد لشيء ، كان إعلاماً بوجود ذلك . وربما دلوا على الفرج .
__________
(1) يقصد المصنف الرؤيا التي تكون وحيًا من الله عز وجل ؛ إذ أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : - فيما أخرجه البخاري - " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءً من النبوة " ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لم يبق إلا المبشرات " أي الرؤى الصالحة ".
(2) نفي المصنف صحة ذلك يستدعي النظر إذ أن الصواب أن الرؤيا التي تكون بعثًا من السحرة ، أو رؤيا شيطان لا حكم لها لكذبها ، ولأنها في الأصل تكون لتخويف الرائي وتقنيطه وحثه على الشر والفساد ، لذا وجب إلحاقها بالقسم الفاسد.
(3) إذ يمكن للرائي أن يرى جزءً صالحًا ثم تدخل عليه أضغاث الأحلام ، أو يتلاعب الشيطان به في بقية الرؤيا لإفسادها عليه ، فحينئذ ينبغي تأويل الجانب الصالح للتأويل فقط ، مع الانتباه إلى وجوب عدم التسرع في الجزم بكون الرؤيا فاسدة المعنى والرموز لعدم العلم بمعانيها كما فعل خلصاء العزيز في قصة يوسف عليه السلام عندما قالوا : ( أضغاث أحلام ) وكانت الرؤيا صالحة المعاني ، وشاء الله تحققها.
(4) فيمكن لإنسان أن يكون محبًا للهو والأفراح مع أنها سيئة الدلالة ، فالموضوع لا يتوقف على حب النفس أو بغضها ، قد يكون ذلك صحيحًا في بعض الأحيان ، ولكنه لا يأخذ حكم الغالب .(1/2)
النوع الثالث : المذمومة ظاهراً ، وباطناً . كمن يرى حية لدغته ، أو ناراً أحرقته ، أو سيلاً غرقه ، أو تهدمت داره ، أو تكسرت أشجاره. فإن ذلك ردئ ، ظاهراً ، وباطناً ؛ لدلالته على الهم ، والنكد.
النوع الرابع : المذمومة ظاهراً ، المحمودة باطناً. كمن يرى أنه ينكح أمه ، أو يذبح ولده : فإنه يدل على الوفاء بالنذر ، والحج إلى أكبر أماكن العبادة ، وعلى أنه ينفع أمه ، أو يزوج ولده ، وعلى مواصلة الأهل والأقارب ، وعلى رد الأمانات(1).
قال المصنف : لما أن كان الوطء مواصلة ولذة بعد مودة ومؤانسة غالباً أعطى ما ذكرناه من الإحسان إلى من ذكرنا في موضعه. وكونه وطئاً محرماً بكل وجه أعطى – وطأه في البلد الحرام عليه ، ومشيه إليه – العزيز عنده كالكعبة عند الإسلام ، والقدس عند اليهود والنصارى ، وبيت النيران عند من يعتقده ، ونحو ذلك ، فافهم وقس عليه. وإنما دل ذبح الولد على ما ذكرنا قياساً على قصة الخليل عليه السلام .
الفصل الرابع
الغالب من الرؤيا المليحة أن يتأخر تفسيرها(2). وذلك من كرم الله تعالى يبشر بالخير قبل وقوعه ، لتفرح النفس بوصوله .
وربما يقدم تفسيره لأمر ضروري يحتاج إليه الرائي. مثلما ذكر جالينوس في كتاب » حيلة البروء « أن إنساناً ورم لسانه ، حتى ملأ فكّيه ، واستفرغ الأطباء ما في قدرتهم من المعالجة ؛ فلم ينفع. فتركوا معالجته. وسلّم الرجل نفسه للموت. فرأى في النوم شخصاً قال له : تمضمض بعصارة الخس. ففعل ذلك فبرئ.
والغالب من الرؤيا الردية : أن يراها قريب وقوعها ، أو بعد وقوعها ؛ لئلا يضيق صدره قبل ذلك. فإذا رأى أحد ذلك فاسأل ؛ هل جرى له شيء من الشر مما دل المنام عليه . فإن كان جرى قبله قليلاً فهو تفسيره ، وإلا فيجري.
قال المصنف : إنما قدم الله سبحانه وتعالى البشارة في المنام ؛ ليأمن الخائف ، ويرجو القانط ، ويفرح ذو الحزن ، ويفرج عن المهموم ، ونحو ذلك ؛ لأن الله تعالى إذا وعدنا بخير كان كما وعد سبحانه لا يرجع عما وهب. وإذا تواعد بالشر له أن يعفو أو يصفح. يمحو الله ما يشاء ويثبت. وهذا هو عين الكرم والفضل الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى.
الفصل الخامس
وربما كانت الرؤيا مختصة بالرائي وحده. كمن يرى أنه طلع إلى السماء ولم ينزل منها ، وكان مريضاً : مات. وإن لم يكن مريضاً : سافر. وإن كان يصلح للولاية : تولى ، أو دخل دور الأكابر. وإن كان من أرباب التهم : تلصص ، أو تجسس على الأخبار.
وربما كانت له ولغيره. كمن يرى أن ناراً أحرقت داره ، ودور الناس : فأمراض ، أو ظلم من الملك ، أو موت ، أو عدو ، أو فتنة تعم الجميع.
وربما لا تكون لمن رؤيت له ، لكن تكون لغيره من أولاده ، أو أبويه ، أو أقاربه ، أو معارفه المتعلقين به. كرجل رأى أن أباه احترق بالنار : فمات الرائي ، واحتراق أبوه بنار غمه. كآخر رأى أن أمه ماتت : فتعطلت معيشته. لأن أمه كانت سبب دوام حياته ، كالمعيشة. وكآخر رأى أن آدم مات : فمات أبوه. الذي كان سبب وجوده. وكمن رأى أن بصره تلف : فمات ولده الذي هو قرة عينه.
الفصل السادس
وربما دلت أشياء على شيء واحد. كرجل رأى أن الشمس انكسفت ورأى آخر كأن البحر نشف ، ورأى آخر البلد أو سوره ؛ أو موضع عبادته خرب ، ورأى آخر جبلاً عظيماً تهدم ، ربما دل الجميع على : موت كبير ، كملك ، أو عالم ، أو متولٍّ. فيكون تكرار ذلك دليلاً على موت أو هلاك من ذكرنا.
وربما دل الشيء الواحد على أشياء(3). فإن من أكل من المرضى رُمَّانة : مات. وهي للملك : بلده. وزوجة للأعزب. وهي لمن عنده حامل : ولد. وهي للتاجر : عقدُهُ مالٍ. وهي للفقير : دينار أو درهم. وهي : مركب ؛ لمن تصلح له المراكب. وتدل على : الدابة ، والمملوك ، وعلى الدور ؛ لأن حياتها بينهن حائل كالبيوت.
قال المصنف رحمه الله : إذا اشتركت أشياء في وصف واحد ؛ وتكررت في المنام ؛ الغالب أن يكون الحكم واحداً في الأشياء الردية. فإن الشمس ، والبحر ، والخيل ، والنار العظيمة ، والحجر الكبير ، والبناء المعد لنفع الناس ، كل منهم دال على : الجليل القدر النافع للناس ، والحاكم عليهم. فإذا نزل بمثل أولئك آفة في المنام الغالب أنه ربما هلك فرد إنسان كذلك. وإن هلك جماعة فخلاف العادة. وأما إذا رؤي فيهم ما يدل على الصلاح دل على راحة تحصل للجميع. وهو المناسب لكرم الله تعالى ولطفه بعباده.
الفصل السابع
__________
(1) وقد يكون دليلا على العقوق في أحيان أخرى وذلك خاضع لقرائن الرؤيا الأخرى ؛ إذ أن الرؤيا لا يجب أن توؤل منفصلة الرموز ، بل توؤل بانضمام كل رمز إلى الآخر.
(2) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها إنها من المبشرات ، والبشارة لا تكون إلا بشيء مستقبل.
(3) وذلك خاضع لقرائن الرؤيا كما أسلفنا ، فقد يوجد في الرؤيا رموز تدل على إيمان ، والأخرى تدل على نفاق ، فيحمل على أمر الرائي وصلاحه وفساده ، أو على غالب رموز الرؤيا.(1/3)
المنام الواحد يختلف باختلاف لغتين. كالسفرجل : عز وجمال وراحة ، لمن يعرف بلغة الفرس. لأنه بلغتهم : بَهِيَ. وهو للعرب ولمن يعاشرهم دال على : السفر ، والجلاء.
ويختلف باختلاف الأديان. كمن يرى أنه يأكل الميتة ، الميتة : مال حرام ، أو نكد عند من يعتقد تحريمها ، وهي رزق وفائدة عند من يعتقد حلها.
ويختلف باختلاف الزمان. فإن الاصطلاء بالنار والتدفي بالشمس ، وملابس الشتاء ، واستعمال الماء الحار ، ونحوه لمن مرضه بالبرودة ، أو في الزمن البارد : خير وراحة. وهو في الصيف : أمراض ، أو نكد. كما أن استعمال الرفيع من القماش ، أو الماء البارد ، ونحوه ، في الصيف : راحة وفائدة. وفي الشتاء : عكسه.
ويختلف باختلاف الصنائع. فإن لُبَس السلاح ، أو العُدَد ، للجندي البطال : خدمة. وللمقاتل : نصر. وللرجل العابد : بطلان عبادة. ولغيرهم : فتنة ، وخصومة.
ويختلف باختلاف الأماكن. فإن التعري في الحمام ، وفي المكان المعتاد فيه : جيد. للعادة. وهو في غيره من مجامع الناس : رديء ، وشهرة دونه. خصوصاً إن كان مكشوف العورة.
ويختلف باختلاف عادات الناس. فإن حلق اللحية ، أو الرأس ، عند من يستحسن ذلك : خير ، وذهاب نكد. كما أن ذلك : نكد ، وخسران ، عند من يكرهه(1).
ويختلف باختلاف المعايش ، والأرزاق ، فإن لبس القماش الوسخ ، أو المرقع ، أو العتيق ، للطباخين ، والوقادين ، وأمثالهم : دال على إدرار معايشهم ؛ لأنهم لا يلبسون ذلك إلا وقت معايشهم. وهو رديء في حق من سواهم. كما أن لبس النظيف : يدل على بطلان معيشتهم. لكونهم لا يلبسونه إلا أوقات بطالتهم.
وهو ، والرائحة الطيبة ، لغيرهم : رفعة ، وخير. وطيب قلب ، وثناء جميل ، في حق من سواهم.
ويختلف باختلاف الأمراض. فإن الحلاوات لأرباب الأمراض الحارة : طول مرض ، ونكد. وهو : جيد لأصحاب البرودات. كما أن الحامض ، لهم : جيد. ونكد لأصحاب البرودات.
ويختلف بالموت والحياة. فإن لبس الحرير ، أو الذهب : مكروه ، لمن لا يليق به من الرجال. وهو على الميت : دليل على أنه في حرير الجنة .
ويختلف باختلاف الفصول ؛ فإن الشجرة في إقبال الزمان : خير ، وفائدة مقبلة. وكذلك ظلها في زمن الحر. ويدل على النكد في غير ذلك.
قال المصنف : الشيء الواحد اعتبره باختلاف حال رائيه. فإن لبس الرفيع في الشتاء ، أو لمريض بالبرودة : نكد. وبالضد من ذلك في الصيف. ولأرباب الحرارة وللعزب : تزويج حسن هين لين. ولأرباب البنايات : أماكن حسنة ، ويدل على معاشرة من فيه خلق حسن. ولأرباب الأسفار : طريق سهلة. ولأرباب الحوائج : تيسير أمور. ولأرباب الخُرَاجات ، والقروح في البدن : عافية. ونحو ذلك. وبالعكس عكسه. فعلمنا بذلك أنه إذا أراه إنسان طرقاً ، أو رآه جماعة مختلفو الأحوال ، اختلف الحكم باختلاف الحال كما ذكرنا. والله تعالى أعلم. فافهم ذلك.
وإذا اشتركت أشياء في وصف واحد ، وتكررت في المنام ؛ الغالب أن يكون الحكم واحداً في الأشياء الردية.
واعتبر ألفاظ الناس بالنسبة إلى اصطلاح جنس الرائي. كما إذا دل البطيخ على النكد من بطاط أو خائن لاشتقاق ذلك. وهو عند بعض لغة الحجاز دال على النكد من محبة وعشرة ؛ لأنه بلغتهم حب حب. ونحو ذلك فافهم.
وإذا كان لأحد عادة بحلق رأسه أو لحيته وقد طالت في اليقظة – ولم يكن حدث نفسه بزوال ذلك – فهو دال من الخير على ما ذكرنا. ولو كان محلوقاً أو حدث نفسه بزواله فلا حكم له. كما أنها إذا كانت في اليقظة محلوقة ولم يكن أضمر بقاء الشعر دل على الدَّيْن والهموم والأمراض والكلام الردي. ونحو ذلك والعياذ بالله تعالى.
وحلق اللحية أو الرأس عند من يستحسن ذلك : خير وذهاب نكد. كما أن ذلك نكد وخسران عند من يكرهه.
وهذا الحكم أصل كبير. وهو مما يغفل عنه أكثر أرباب هذا الشأن. ولا يجوز إهماله أصلاً ، فإن أكثرهم حكم برداءة ذلك ، وليس بصحيح ، بل اعتبر ما ذكرناه من أحوال أولئك كما تقدم ، ولا تغفل عنه تخطئ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
واعتبر الحلاوات على ما ذكرنا. واليابسة للصحيح إذا جرحت فاه ، أو كسرت شيئاً من أسنانه ، أو لوثت شيئاً من ثيابه ، أعطت الرداءة والنكد فافهم ذلك. وإنما كان الحامض ردياً لما ذكرنا ؛ لانقباض البشرية وتغيرها عند أكله ، ولنفور النفوس منه عند أكله خالياً عن غيره ؛ لأن مجرد الحامض لا يؤكل بلا واسطة إلا لضرورة. والحلو بخلافه ، فهو كالمر والملح لا يؤكل كثيراً إلا لضرورة أو بواسطة.
__________
(1) وكمن كانت عادته لبس السواد فإنه دال له على الرفعة والعلو وسيادة الناس وتحسن أمور معايشه ، والنقيض لمن لم يكن معتادًا على لبسه في اليقظة ودال على الهموم والأحزان والأوجاع ، وقد كانت الرؤيا لها دخل بعادات الإنسان ، لأنها إنما تعتبر تعبير عن الذات في أحيان كثيرة.(1/4)
والشجرة في إقبال الزمان : خير وفائدة مقبلة. وإقبال زمان كل شجرة قرب انتفاع الناس بها فيما هي مرصدة له. فافهم جميع ما يمكن النفع فيها فذلك إقبال زمانها ، حتى إنك تقول لمن يريد الحطب عن الشجرة اليابسة : راحة مقبلة مُيَسّرة. ولمن يطلب ورقها كالتوت وقت ظهور الورق : فائدة مقبلة. ولمكن يطلب ثمرها : فائدة وقت ذلك على ما شرحناه في موضعه.
الفصل الثامن
وتعتبر عادات الناس وأديانهم. كمن يرى أنه يأكل الباقلاء الأخضر ، فإنه عند الصابئة : مال حرام ، ونكد ؛ لأنه محرم عليهم. والمجوس يحرمون لحوم البقر ، واليهود يحرمون لحوم الجزور ، وبعض اليونان يحرمون لحوم الدجاج ، والإسلام يحرمون الخمر ، فهذا وما أشبهه : حرام عند من يرى ذلك ، وأرزاق وفوائد عند من يحلها. كما أن المرأة إذا رأت أنها تزني ، والناس يبصرونها : فهي شهرة ردية ، ونكد. فإن كانت بالهند : دل على أنها تتقرب ، وتشتهر بعبادة ، وبر ، ويكون لها ثناء مليح ، لأنهم يتقربون إلى الله تعالى بالزنا. جل الله تعالى عن ذلك. كما أن المجوس تعبد النار ، فإذا رأى أحدهم كأنه قد أوقد ناراً ، أو صرف عنها الأذى ، أو سجد لها : كان ذلك عندهم جيداً ، وفائدة ، وعبادة. وكذلك عُبّاد الشمس إذا رأوها : في صفة حسنة.
وأما إن نزلت بأحدهم آفة : فنقصان يقع في دينهم ، وبلادهم. وكذلك كل من يعبد شيئاً ، كان حكمه كذلك ، سواءً كان في السماء ، أو في الأرض ، أو تُعظّمه. فإن نزلت بأحدهم نقصان ، فإنه يدخل عليهم في دينهم ، أو بلادهم ، أمر ردئ .
قال المصنف : الباقلاء الأخضر تحرمه الصابئة لكون من يعظمونه كان يقول : مبدأي من نواره ، وقوتي من أخضره ، ويابسه مباح لكم. وجميع أهل الأديان كلهم رسموا عادات لتباعهم ضبطاً لهم عن التعدي عن شرعهم ، فصارت قائمة مقام الدين المشروع عندهم .
وإنما ذكرت ذلك لئلا يقول قائل : هذا ليس بمحرم في أصل الشرع ؛ فكيف حكمت عليه بأنه حرام ، أو بدعة ، أو أنه مخالف ؟ فيكون الجواب ما ذكرناه لئلا يهمل في التأويل نفع الحكم عندها ، أو قريباً منها ، فاعلم ذلك.
والهنود اتخذت بيوت البُدِّ وهو من كان له مال بنى مكاناً ، وأوقف عليه جواري يمدحونه في أوقات مخصوصة بما كان يفعل. وعبادهم يقصدون هذه الأماكن ليترحموا على صاحبه. فلذلك العابد أن يزني مع أيٍ من اختار من تلك الجواري خاصةً ، يقصد بذلك إيصال الثواب لتلك الجارية ، فصار ذلك غير منكور عندهم. ولما أن عظم عباد الشمس والنار بالسجود لها ولسائر الأنوار إكراماً لخالقها عز وجل اعتقد جهالهم أنها آلهة ، صار حكمهم حكم الدين ، فلذلك مهما حدث فيهم من خير أو شر رجع إلى دينهم فاعرف ذلك.
الفصل التاسع
وتعلم أنه ربما رأى إنسان لنفسه ما يدل على الخير ، عاد حكمه إلى أقاربه وأصحابه ، المغتمين لغمه ، الفرحين لفرحه(1). ويكون ذلك شراً ، ونكداً ، في حق عدوه ؛ لكونه يغتم بخيره ، ويفرح بنكده . كما أنه إذا رأى لنفسه ما يدل على النكد ، عاد إلى أقاربه ، وأصحابه. ويكون خيراً لعدوه ، وراحة. وكذلك إذا نزل بعدوه في المنام أمر ردئ ، حصل للرائي فائدة ، وراحة. كما أنه إذا رئي له ما يدل على الخير : حصل للرائي نكد ؛ لكون الإنسان يتنكد براحة عدوه.
قال المصنف : لما أن اشترك الرائي مع ألزامه ومحبيه في الخير والشر صاروا كالشيء الواحد. كما أن صديق العدو ومحبه كالعدو. فإذا أردت أن تعرف أحكام أولئك فمثاله أن يقول لك الرائي : كان عليّ ملبوس حسن من حرير يليق به ، فتقول : هو للعزب زوجة ، وراحة للفقير ، وغنى من جليل القدر ، وفائدة من أصحاب وألزام مشتملين عليك. ثم تقول : يحصل لعدوك نكد. فإن كان من عمل إقليم مخصوص ، تقول : رجل من ذلك الإقليم أو تاجر يجيء من ذلك المكان ، أو من أجل تجارة. وإن جعلت ذلك امرأة فتقول : نكد من امرأة ، أو من معارفك ، أو من غلمانك ، أو من جليل القدر ، ونحو ذلك ؛ لكونه يتألم إذا رأى عليك ما يحسدك عليه. أو تقول : يحصل لمعارفه كذلك. فإن قيل : فأي شيء فيه من العلائم. فإن قال : كان طوق الفرجية فيه عيب. فقل : في وجهه ، أو رأسه علامة. وكذلك إن قال : في الكم ، تكون العلامة في يده. وفي الصدر ، تكون في فؤاده. ومن ورائه ، يكون كلاماً في عرضه ، أو عيباً في ظهره. وبالعكس من ذلك لو كان العدو في صفة لا تهون على الرائي حصل له من النكد على ما ذكرناه ، كما لو كان في صفة ردية ، فاحكم كما ذكرناه.
وهذا فصل مليح جداً فاعمل على ما شرحت لك فهو من غريب التفسير لم أُسبق إليه ، ولا شرحه أحد كذلك غيري من فضل الله تعالى وكرمه.
الفصل العاشر
__________
(1) وهذا باب آخر عظيم من أبواب الرؤيا ، وهو رد الرؤيا إلى غير رائيها ومن أمثلة ذلك أن يرى غلامًا صغيرًا ما يدل على الزواج ، فيفسر إلى أقرب أهله كأخيه أو أخته ، أو قريب حميم له ، ولا ينبغي الإسراع بقول إن ذلك دال على الوفاة كما يظن بعض الناس.(1/5)
المنام الواحد ربما كان للرائي وحده. وربما كان لمن يحكم عليه. كمنام
الأولاد ، والأزواج ، والعبيد ، والشركاء ؛ لاشتراك من ذكرنا في الخير ، والشر ، غالباً. وكذلك الحكم لكل جماعة معاشهم ، أو كسبهم ، بجهة واحدة ، أو في مكان واحد. كأرباب المدارس ، والخوانك ، والزوايا ، ونحوهم. فما أصاب أحدهم من خير أو شر ، ربما رجع إلى الجميع.
قال المصنف : لما أن اشترك من ذكرناهم في الفائدة والراحة على ما ذكرناه صاروا كأنهم كالرجل الواحد في غالب الحال. فإذا رأى أحد منهم مناماً فأعطه من الخير والشر ما يليق به في نفسه وأمواله وأولاده وملازماً. فإن لم تجد لذلك وجهاً فاردده إلى الجماعة المشتركين في المكسب والراحة على ما ذكرنا. وربما احتمل التفسير له ولأولاده ولأمواله وألزامه ولمن هو شريك معهم في الفائدة فافهم ذلك.
الفصل الحادي عشر
واعتبر الاشتقاق في الأسماء(1). فإن السوسة : تدل على السوء ، والسيئة. وكما أن الرياحين إذا أكلها العالم : دل على الرياء ، وتدل للمريض : على الخير. ومن هو خائف ، ورأى النارنج ، قيل له : النار ، فاطلب النجاة لنفسك. والنمام : يدل على النميمة. ومن طلب حاجة ، ورأى الياسمين : دل على الإياس ، والمين الذي هو الكذب. والفرجية : تدل على الفرج ، والرجيّة. ورؤية الفرج ، لمن هو في شدة : فرح ، وسرور. كما أن لبس الحصير ، أو الجلوس عليها ، لمن لا يليق به ذلك ، وأكل الحصرم فذلك وشبهه : دال على الحسرة ، والحَصَر ، والحِصَار ، ونحو ذلك.
قال المصنف : ربما أخفى الله تعالى الحكم مضمراً في الاشتقاق. وهو من أصول الرؤيا. فتارة تأخذ جميع الكلمة كمن معه عصا وهو يؤذي الناس بها بغير حق ، فتقول : هذا الرجل عاصي لكونه عصى بإساءته بغير حق. وكمريض قُدّمت له دواة ، فيقول : جاءته العافية. لأن دواءه قد جاءه.
وتارة يكون الاشتقاق من بعض الكلمة. كما قال لي إنسان كأنه وقع على عيني غمامة بيضاء. فقلت : يقع بعينيك عماء ، وربما يكون من بياض فكان كما قلت. لأن الغمامة بعضها عما وأسقطنا الباقي.
وربما كان في الكلمة اشتقاقان. كفرجية فتقول : فرج من شدة ، وأمر ترجوه يحصل لك على قدر الفرجية ، على ما يليق به.
وتارة يكون بالتصحيف كما قال شخص ظاهره ردئ : رأيت أنني سرقت برغيف ، وأكلٍته في فرد لقمة ، حتى كدت أموت. فقلت له : يحصل لك نكد لأجل سرقة فكان كما قلت.
الفصل الثاني عشر
واعتبر المعكوس ، كاللوز للمتولي ، أو لمن هو في شدة : زوال ، لأن عكسه زَوْل. كما أن نجم : مَجَنٌ. ودرهم : هَمٌّ دَرّ. وقباءٌ : أبِقٌ. وكما قال لي إنسان : وقع على رجلي عسل فأحرقها ، فقلت له : تتلف رجلك بلسع. وكما قال آخر : رأيت كأني آكل لحماً من خمر ، وأنا في غاية ما يكون من الجوع ، فقلت له : تحتاج فتأكل لحم رخم. وكما قال آخر : رأيت كأنني وقعت في الجب المعمول للسبح ، فقلت له : ربما تقع في جب حبس. وكما قال آخر : كأنني اشتريت
دلواً ، فقلت له : ترزق ولداً. فكان الجميع كما قلت. بحمد الله تعالى. وعلى هذا فقس.
قال المصنف : قد ذكرنا الاشتقاق من أول الكلمة إلى أن ذكرنا في هذا الفصل عكساً من آخر الكلمة بالكتابة إلى أولها. كما قال لي إنسان : رأيت كأن قطعة ليف من ليف النخل قد أدمت يدي ، قلت له : نخشى عليك من الفيل. فما مضى قليل حتى ضربه الفيل ضربة كاد يهلك منها. ورأى آخر كأنه يجمع حبراً من بحر في وعاء ، فقلت له : يحصل لك ربح من جليل القدر ، وربما يكون يعرف الكتابة. وقال آخر : رأيت كأني أودع أقواماً ، وهم الآن غياب ، قلت له : أبشر قد قرب مجيئهم ؛ لأن عكس الوداع عادوا. فذكر أنهم وصلوا عقيب ما ذكرته. فافهم جميع ما ذكرت في الاشتقاق طرداً وعكساً موفقاً إن شاء الله تعالى.
الفصل الثالث عشر
وأما المعكوس الخفي(2). فإن البحر. يدل على النار ، والنار : تدل على البحر. والحجامة : كتابة ، والكتابة : حجامة. والمشتري : بائع ، والبائع : مشتري. فعلى هذا إذا رأى الإنسان كأنه دخل النار : ربما سبح في البحر ، فإن احترق : غرق ، فإن مشى على الصراط : ركب في مركب. كما قال لي إنسان : رأيت كأن رجلي تلفت بماء البحر ، فقلت له : نخشى عليها حريقاً. فكان كما قلت. ورأى آخر كأنه يحتجم ، فقلت له : يُكتب مكتوب لأجل مال. وكما قال آخر : رأيت كأني أكتب على بدني ، فقلت : تحتجم. فكان كما ذكرت. وأما المشتري :
بائع ، والبائع : مشتري ، فهو لما خرج من يده ، ودخل إليها.
__________
(1) وهذا باب هام في الرؤيا ، ويجب أن تلجأ إليه إن استغلقت عليك رموز الرؤيا ، أو وجدت أسماء لا مدخل لها في الرؤيا.
(2) وهذا النوع يحتاج إلى معرفة كبيرة بنصوص الشرع ، ورموز النصوص ، واستعارات الكتاب والسنة.(1/6)
قال المصنف : لما أن دل البحر على الجليل القدر ودل على الرجل النافع وكذلك النار ودل على قاطع الطريق والمؤذي وكذلك النار وعلى وكذلك النار وما أشبههما ، قام كل واحد مقام الآخر في الحكم. فإذا رأى أحد أن البحر آذاه أو أغرقه وكان الرائي في مكان لا بحر فيه كأكثر أرض الشام والحجاز ونحو ذلك تكلمنا عليه بحسب ما يليق به ، ثم نقول وربما يحترق لك شيء. لأنه لما عدم ذلك البحر قامت النار مقامه لكونها عامة في موضع عدم فيه الماء لما ذكرنا من اشتراكهما في تلك الأحكام. ولأن الحجام يمسك بأنامله ويجعله سطوراً ويبقي الدم يجري كالمداد فأشبه الكاتب في ذلك ، فقام كل واحد منهما مقام الآخر. فهو معكوس في الحكم ، وهو خفي لقلة استعمال الناس له ، بل لعدم معرفة أكثرهم له. فافهم ذلك إن شاء الله تعالى.
الفصل الرابع عشر
من رأى رَبَّ صَنْعَة ، أو شيئاً من عُدَّته ، عبرَ إلى عنده ، أو خالطه : احتاج إليه ، أو إلى مثله ، لأمر ينزل به. كمن يرى أن عنده فقيهاً ، أو كتاب فقه : ربما تعلم ، أو احتاج إلى فتوى ، أو حكومة ، أو عقد نكاح. وكالطبيب ، للمريض : عافية ، وللمتعافي : مرض ، يحتاج فيه إلى طبيب. وكالبيطار : يحتاج إلى تداري أرباب الجهل ، أو يقع ببعض دوابه ما يحتاج فيه إلى البيطار. وكالجرائحي أو بعض عُدَّته : ربما نزل به ألم يحتاج إليه. وكالمجبر : يحتاج إليه في كسر ينزل به. كما حكى جالينوس أن إنساناً رأى فاصداً ، يفصده في العرق ، الذي بين الخنصر والبنصر من الرجل اليسرى ، فقال له الرائي : لم فعلت هذا. قال : لأنه ينفع الورم الذي بين الحجاب والكبد. قال فما مضى على الرائي قليل إلا وقع به ذلك
المرض ، وعجز الأطباء عن مداواته. فلما ذكر المنام وافتصد برىء.
هذه بشارة بعافية من مرض شديد لم يكن حدث بعد ولم تكن الأطباء تعرفه قبلُ فكشف الله تعالى له ذلك في المنام ، والمنام الثاني بشارة بخير تفيده من غير إنذار بشدة ولا ألم يقع فإذا ورد عليك المنام فاعتبر الأحوال كما ذكرناها موفقاً إن شاء الله.
ورأى آخر أنه أعطي حديدة لشق الأرض كالسكة : فصار زراعاً ، وأفاد من ذلك. وآخر رأى أن كحالاً عبر عنده فضاعت مكحلته : أنه وقع بعينه رمد فذهبت عينه ؛ لأنه لما ضاعت مكحلته التي تبرأ العين منها ، كان دليلاً على تلف عينه. وكمريض رأى كفناً ، أو مغسلاً ، عبر إلى عنده : فمات. وعلى هذا فقس.
قال المصنف : لما أن عُرف الصانع بما يعمله من الصنعة بالعدة المذكورة وصارت علامة عليه وعلى صنعته ، دل وجود ذلك في المنام على حادث يحدث للرائي إن كان غير محتاج إلى ذلك في اليقظة ، فإن كان الصانع يعمل الصنعة بشرطها أو العدة مليحة دل على حسن العاقبة ، وإن كان رأى ذلك محتاجاً إلى مثله في اليقظة دل على بلوغه مراده وعلى سُرعَة زوال شدته ، وإن كانت العدة أو الصانع ردياً دل على تأخير ذلك لعدم حسن ما يحتاج إليه في مثله. والله تعالى أعلم.
قد ذكرنا الفصول المقصودة معرفتها قبل الأبواب ، ونحن الآن نذكر الأبواب إلى آخر الكتاب ، إن شاء الله تعالى.
الباب الأول
في رؤية الباري جل وعلا(1) والملائكة والأنبياء عليهم السلام ، والصديقين ، والصحابة ، والتابعين رضي الله عنهم أجمعين .
رؤيتهم في الصفات الحسنة ، أو إقبالهم على الرائي : دليل على البشارة والخير والرحمة ، ورؤيتهم في الصفات الناقصة دال على النقص في الرائي.
فإذا رأى أحد الباري عز وجل – أو أحد هؤلاء – قد قرّبه ، أو أجلسه موضعه ، أو كلمه ، أو وعده بخير : فبشارة له برفع المنزلة. فإن كان يليق به
الملك : ملك ، أو الولاية : تولى ، أو القضاء أو التدريس : حصل له ذلك ، أو حكم على أرباب صنعته ، أو تقرب من الملوك ، أو الولاة ، أو القضاة ، أو العلماء ، أو الزهاد ، وأرباب المناصب. وربما نال خيراً من الحاكم عليه كأحد أبويه ، أو سيده ، أو أستاذه . وإن كان كافراً : أسلم. أو مذنباً : تاب ، أو يقصد أكبر مواضع عباداته. وإن كان مريضاً : مات.
__________
(1) قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه : من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي
الله تعالى ، و الله ينظر إليه، كأن الرائي من الصالحين، فرؤياه رؤيا
رحمة، و إن لم يكن من الصالحين فعليه بالحذر، لقوله تعالى: ( يوم يقوم
الناس لرب العالمين ) المطففين 6 فإن رأى كأنه يناجيه، أكرم بالقرب، و
حبب إلى الناس قال الله تعالى : ( و قربناه نجيا ) مريم 52. و كذلك لو
رأى أنه ساجد بين يدي الله تعالى، لقوله تعالى : ( و أسجد و اقترب )
العلق 19. فإن رأى أنه يكلمه من وراء حجاب حسن دينه، و أدى أمانة إن
كانت في يده و قوي سلطانه. و إن رأى أنه يكلمه من غير حجاب ، فإنه يكون
خطأ في دينه، لقوله تعالى : ( و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا
أو من و راء حجاب ) الشورى 51. فإن رآه بقلبه عظيما، كأنه سبحانه قربه
و أكرمه و غفر له، أو حسابه أو بشره، و لم يعاين صفة، لقي الله تعالى
في القيامة.(1/7)
وأما من رآهم في صفة ناقصة ، أو تهددوه ، أو أعرضوا عنه : تغير عليه
كبيره ، كالسلطان ، والحاكم ، والعالم ، والسيد ، والوالد ، والعريف ، ونحوهم. وربما تغير دينه.
مجئ البارئ عز وجل إلى المكان المخصوص ، أو تجليه عليه ، وهو في الصفات الحسنة : دال على نصر المظلومين ، وهلاك الظالمين ، وموت المرضى ؛ لأنه تعالى حق. وربما دل على خراب ذلك الموضع.
قال المصنف : لما أن اختص الله بأمور من جملتها العرش والكرسي والله واللوح والقلم والملائكة والأنبياء عليهم السلام ودليل ذلك أنه لم يرد في الأخبار أنه من عمل صالحاً أعطيناه كذا وكذا ملكاً من الملائكة بل اختصوا به سبحانه وتعالى وكذلك الأنبياء مختصون به – فصار حكمهم حكمه سبحانه وتعالى ، ولم يرد أن الله تعالى يعطي العرش لأحد ولا الكرسي ولا اللوح ولا القلم. وإذا كان ذلك كذلك دل على أنهم إذا أبصروا في المنام جعلناهم أعمال الرائي مما هو فيه من الحال ، وما يصير إليه أمره من خير الدارين. إلا أنهم في غالب الأحوال ليسوا ذلك المرئي حقيقة بل ضرب الله تعالى مثلاً بذلك من الخير والشر ، ولذلك إذا رأى أحد أنه صار واحداً منهم ما نقول له تصير واحداً منهم بل نعطيه من المناصب على قدر ما يليق به ، فإن كان في صفات حسنة نقول له أنت متولٍ فيك خير على قدر ذلك الحسن ، وإن كان في صفات ردية حذره من ذلك وقل له : ارجع عن كيت وكيت. وإذا عرفت ذلك. مثاله أن يقول رأيت أنني على العرش أو الكرسي وقد أتلفت بعضه برجلي ، تقول له : تخون كبيرك ، فربما يكون بوطىء حرام ؛ لأن الرجل محل الوطىء ، وإن أتلفه بيده فتكون الخيانة بالأخذ أو بالضرب أو بمن دلت عليه اليد ، وإن أتلفه بفمه كان بكلام أو بما يدل اللسان عليه ، وكذلك سائر الأعضاء . وإن كان ذلك في اللوح أو القلم ربما كانت في كتبه ، أو علماء يهتدي بهم ، أو كتَّابه ، أو الأمناء الحافظين لأسرار من دل الباري عز وجل عليه من الكبراء ، ونحو ذلك. فافهم وقس عليه إن شاء الله تعالى. وقد أنكر قوم رؤية الباري عز وجل في المنام وقال إنما هي وساوس وأخلاط لا حكم لذلك. وهذا الإمكان ليس بصحيح لأنا جعلنا ذلك أعمالاً للرائي ، ولا نكابر الرائي فيما يراه وغلب على ظنه ذلك ، بل نقول ربك عز وجل الحاكم عليك فننظر فيمن يحكم فنعطيه من الخير والشر على قدر ما يليق به من شهود الرؤيا ، وكذلك نقول إنه حق سبحانه ، فإن كان في صفات حسنة كنت على حق. وإن كان في صفات ردية ، فأنت على باطل. ونحو ذلك.
فصل : وتعتبر الملائكة ، والأنبياء عليهم السلام ، بما يليق بهم. فمن صار جبريل ، أو جاء إليه ، أو صار في صفته : دل على مجيء رسول من عند من دل الباري عز وجل عليه. كرسول من سلطان ، أو حاكم ، أو عالم ، أو ولد ، ونحو ذلك. فإن كان في صفة حسنة : فرسول بخير ، وإلا فلا. وإن صاحبه : صاحب إنساناً كذلك. وإن صار في صفته : ربما ترسّل لمن دل الباري عليه.
قال المصنف : جبريل » جبر « : عبد ، و » إيل « : هو الله تعالى ، بلسان السندي الأول وقيل بلسان آدم عليه السلام. ولما كان متولي الوحي من الله تعالى ورسوله إلى الأنبياء عليهم السلام دل على ما ذكرنا من أحكامه .
فَقِسْ عليه موفقاً إن شاء الله تعالى .
فصل : ميكائيل عليه السلام : دال على خازن ، أو منفق ، أو متصرف ، في بيت مال من دل الباري عليه. فمن أتاه في حالة جيدة : نال خيراً ممن ذكرنا ، وإلا فلا. ومن صار في صفته ، أو صاحبه : تولى منصباً يليق به ، أو صاحب إنساناً كذلك.
قال المصنف : لما أن كان ميكائيل متولي المياه ومراعاة النبات الذي هو حياة الحيوان ويصرف إلى كل أرض بما يصلح لها أشبه الخازن والمنفق والمتصرف فاعط لكل إنسان ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني ميكائيل ، قلت له : أنت رجل مغربل ، قال : نعم ، لأن المطر ينزل من السحب كما ينزل من الغربال. ومثله قال آخر ، قلت : أنت قطان تندف القطن ، قال نعم ، وذلك لأنه يجهز السحب تجري كالقطن المتطاير من الندف ، وصوت قوس الندف كالرعد. ومثله قال آخر ، قلت : عزمت على أنك تجهز الجمال ، قال : صحيح ، قال الله تعالى : ( كأنه جمالات صفر) يعني عن السحب. ومثله قال آخر ، قلت : أنت سقاء ، ومن تحت يدك سقاؤون ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تزرع وتغرس وتسقي ذلك ، قال : نعم. ومثله قال آخر قلت : عزمت على عمل ساقية ، قال : نعم. ومثله قال لي ملك مصر ، قلت : عزمت على أنك تمنع أن يمشي أحد في
الطرقات ، قال : صحيح ، لأن المطر الذي من تحت يد ميكائيل يمنع الطرقات. وعلى هذا فقس موفقاً إن شاء الله .
فصل : عزرائيل عليه السلام : تدل رؤيته على اجتماع الهموم ، وتفريق الجماعات ، وموت المرضى ، وخراب العامر ، وعلى الخوف.(1/8)
قال المصنف : لما أن كان عزرائيل متولي الموت والموتى ، وميتَّم الأولاد ، ومرمَّل النسوان ، ومفرَّق الأحباب ، أوجب ذلك خراب الديار ، فإذا رأه أحد فأعطه ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني ملك الموت ، قلت : أنت رجل جزار ، قال : صحيح ، وذلك لما يفني على يديه من الحيوان. ومثله قال
آخر ، قلت : أنت سفاك الدماء وقاطع الطريق ، فتاب عن ذلك. ومثله قال
آخر ، قلت : أنت تفرق بين الأصحاب فتب عن ذلك. ومثله قال لي ملك
مصر ، قلت تخرب بلاداً كثيرة ، ففتح بعد ذلك بلاداً وأخربها. وعلى هذا فقس موفقاً إن شاء الله تعالى.
وإسرافيل عليه السلام : بعكسه ، يدل على عمارة الخراب ، واجتماع
المتفرق ، وعافية المريض.
فمن صار واحداً منهم ، أو من بقية الملائكة : حصل له من الخير والشر على قدر ذلك. فافهم.
قال المصنف : لما كان إسرافيل عكس عزرائيل ، من كونه يحيي الموتى ، ويجمع المفرق ، ويصلح الأجساد ، أعطى ما ذكرنا. وعلى الواسطة الجيدة بين يدي من دل الباري عليه وبين العباد ، بشرط أن يكون في صفة حسنة ، فإذا رآه أحد فأعطه ما يليق به. كما قال إنسان : رأيت أنني صرت إسررافيل ، قلت : أنت تنفخ في الحلاوة التي بالقالب ، فتخرج منها صور مختلفة ، قال صحيح. ومثله قال آخر ، قلت : أنت مشبب ، قال : نعم لكون إسرافيل ينفخ في الصُوَر. ومثله قال آخر ، قلت : أنت طبيب ، لأن النفخة تصلح الأبدان بعد تلافها. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تنبش القبور ، قال : صحيح. ومثله قال لي ملك مصر ، قلت له : الساعة تجمع الخلق لحادث عظيم ، وتخرج أيضاً جماعة من السجون ، فجرى ذلك ، لأن إسرافيل ينفخ فيجمع الناس ، ويخرج من القبور. وعلى هذا فقس موفقاً إن شاء الله تعالى.
فصل : كل نبي اعتبر ما جرى له ، وأعط حكمه للرائي. فمن صار آدم ، أو في صفته ، أو صاحبه : انتصر عليه عدوه ، وأزاله من منصبه ، وربما خرج من مكان إلى آخر ، ويرزق أولاداً ، ويحصل له نكد من جهتهم. فإن أبصره ناقص الحال ، ربما نقص حال كبيره الحاكم عليه ، أو تغيرت مكاسبه ، أو صنعته. وإن كان في حال حسن ، عاد خيره عليه ، أو على من ذكرنا.
قال المصنف : من صار آدم(1) تولى منصباً مما يليق به ، فربما يكون هو أول من تولاه. وأعط كل إنسان ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني صرت آدم ، قلت : تسافر إلى الهند. ومثله قال آخر ، قلت : يقع في حقك نكد لأجل ثمرة أو زرع ، فكان كذلك. ومثله قال آخر قلت تفارق زوجتك أو جاريتك ، لكون آدم فارق حوّى. ومثله قال آخر ، قلت : تؤخذ ثيابك ، لأن آدم تعرى من ذلك. ومثله قال آخر ، قلت : يؤخذ منك بستان أو زرع ، لأن آدم أُخرج من الجنة. ومثله قال لي ملك مصر ، قلت : تعمر بلاداً جدداً وذلك لأن آدم لما أراد أن يحج كلما وطىء مكاناً صار بلداً. ومثله قال آخر ، قلت : في فؤادك ألم ، قال : نعم ، لأن آدم تألم من الجوع والعطش. ومثله قال آخر ، قلت : ما لك نسب معروف ، لأن آدم كان من تراب مختلف. والله أعلم.
فصل : من صار إدريس عليه السلام ، أو في صفته : كثر علمه ، أو تقرب من الأكابر ، ونال المنازل العالية. ومن صاحبه : صاحب إنساناً كذلك. وإن رآه ناقص الحال : عاد نقصُه إلى الرائي.
قال المصنف : إدريس كان ينسب إلى علم الرمل ، ودعا أن يخفف الله تعالى عن حامل الشمس ، وصعد إلى السماء ، ومات ثم عاش ، فأعط لرائي ذلك ما يليق به. كما قال إنسان : رأيت أنني صرت إدريس ، قلت : تمرض ، وبالحمام تتعافى ، لكون إدريس عبر النار وخرج. ومثله قال آخر ، قلت : تسكن في
بستان ، قال : نعم ، لكون إدريس سكن الجنة. ومثله قال آخر ، قلت : تعرف شيئاً من النجامة. ومثله فال آخر ، قلت : تعاشر أرباب النيران ، لكونه صاحب حامل الشمس. ومثله قال آخر ، قلت : تعبر أمكان غريبة ، لكونه طلع السموات. ومثله قال آخر ، قلت : تشفع لصديق لك ويُسمع منك ، لكون إدريس دعا لصاحب الشمس. ومثله قال آخر : رأيت أنني قتلت إدريس ، قلت : تتكلم في عرض رجل صالح أو عالم ، أو تؤذيه. ومثله قال آخر ، غير أنه قال : كان في صفة دونه ، قلت : تنتصر على رجل يعرف النجامة أو الكتابة ، ويكون الحق معك. فقس على هذا موفقاً إن شاء الله تعالى.
__________
(1) قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه : فإن رأى آدم عليه السلام على هيئته نال ولاية عظيمة إن كان أهلا لها ، لقوله تعالى :( إني جاعل في الأرض خليفة ) البقرة 30. فإن رأى أنه كلمه، نال علما لقوله تعالى: (علم آدم الأسماء كلها ) البقرة 31 ، و قيل: إن من رأى آدم اغتر بقول بعض أعدائه، ثم فرج عنه بعد مدة، فإن رؤي متغير اللون و الحال، دل ذلك على إنتقال من مكان إلى مكان، ثم على
العود إلى المكان الأول أخيرا.(1/9)
فصل : من صار من الأصحاء نوحاً عليه السلام ، أو صاحبه : طال عمره ، وربح في الخشب ، والشجر ، وما يعمل منه ، ونجا هو وأهل بيته ، أو رعيته من الشدائد ، وانتصر على أعدائه ، أو صاحب إنساناً كذلك. وربما دل على موت المريض.
قال المصنف : أعط لرائي نوح ما يليق به. كما قال إنسان : رأيت كأنني صرت نوحاً ، قلت : أنت نجار ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تبيع الحيوان أو الطيور ، قال : نعم ، لكون نوح جمع الناس في السفينة والجيوان. ومثله قال آخر ، قلت : أنت حاكم على مركب. ومثله قال آخر ، قلت : مات لك ولد ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : حصل لك نكد من نجار ، قال : نعم ، قلت : وربما كان أحدب ، قال : صحيح ، وذلك لأن نوحاً مر عليه نجار أحدب أعرج فضربه بعصاه. ومثله قال آخر ، قلت : تعرف تخبز في التنور ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعاشر أرباب النوح واللطم والملاهي ، قال : نعم. ومثله قال إنسان : رأيت أنني صرت نوحاً ، قلت : لك دكان تبيع فيها الحبوب ، قال : نعم ، لأن نوحاً جمع الحبوب في السفينة. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تلعب بالحمام ، لأن الحمام أرسلها نوح. ومثله قال آخر ، قلت : يطول عمرك. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تضحك الناس ، لأن قومه كانوا يضحكون منه. ومثله قال آخر ، قلت : يعيش لك ثلاثة أولاد ذكور. ونحو ذلك فقس عليه ، والله أعلم.
فصل : من صار في صفة إبراهيم عليه السلام ، أو صاحَبه : دل على البلاء من الأعداء ، لكن ينصر عليهم. وربما يلي ولاية ، أو إمامة ، ويكون عادلاً في ذلك. أو يصاحب إنساناً كذلك. وربما ... أو ولَّى على الناس من لهم فيه نفع ، ويرزق أولاداً بعد الإياس منهم ، وربما قدمت عليه رسل الأكابر بالبشارة.
قال المصنف : اعتبر رؤية إبراهيم. كما قال إنسان : رأيت أنني الخليل قلت : كنت ] على دِينٍ أو أعتقاد ثم رجعت عنه ؛ قال : نعم ! وذلك لأن الخليل عليه السلام رجع عن عبادة [(1) القمر والشمس . ومثله قال آخر ، قلت : تسافر ، لكون الخليل انتقل من إقليم إلى إقليم. ومثله قال آخر ، قلت : تكثر أغنامك ومواشيك ، لأنه عليه السلام كان كثير الأغنام. ومثله قال آخر ، قلت : ترزق ذرية لهم المناصب. ومثله قال آخر ، قلت : تخالف والديك. ومثله قال آخر ، قلت : تأخذ امرأة على زوجتك ، وربما تكون جارية ، فجرى ذلك كله. ولله الحمد.
فصل : من صار في صفة يعقوب عليه السلام ، أو صاحَبه : نال هموماً ، وفارق أحبته ويرجع يجتمع بهم ، ويتنكد من أولاده أو أقاربه. وربما ينزل ببصره آفة ، أو في رأسه. لكن ربما عوفي بعد ذلك.
قال المصنف : اعتبر يعقوب. كما قال إنسان : رأيت أنني صرت يعقوب ، قلت : هربت ، قال : نعم ، لأن يعقوب كان هرب من أخيه العيص. ومثله قال آخر ، قلت : ترمد وتخشى على بصرك ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : غاب لك ولد ، وقال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : تزوجت أو تسريت بأختين ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : طلبت امرأة وغدروا بك ، قال : نعم ، لأن يعقوب طلب من خاله البنت الصغرى على أجل من الرعي ، فلما فرغ قال : ما نزوج الصغرى والكبرى حاضرة ، فزاده أجلاً آخر ، وأخذ الأختين. ومثله قال آخر ، قلت : أنت صياد ، قال : نعم ، لأنه عليه السلام كان يصطاد فافهم ذلك.
وأما من صار في صفة يوسف عليه السلام : خشي عليه الأسر ، أو السجن ثم يخلص. وإن كان يليق به الملك : ملك ، أو يتولى ولاية تليق به. ويفارق أهله وأقاربه ، لنكد يقع بينهم ، ثم يجتمع بهم. ويتهم بامرأة ويكون منها برياً. وربما رزق معرفة علم المنامات ، أو التواريخ. فإن حصل له الملك ، وقع في أيامه غلاء عظيم.
قال المصنف : قال لي إنسان : رأيت أنني صرت يوسف ، قلت : اتهمت بسرقة ، قال : نعم ، لأنه عليه السلام اتهمه إخوته بالسرقة في حكاية جرت له مع جدته لما طلب يعقوب أخذه منهما يطول ذكرها. ومثله قال آخر ، قلت : سيرت دواء أو كحلاً لمريض ، قال : نعم ، لأنه بعث قميصه ليتعافى أبوه. ومثله قال
آخر ، قلت : أنت تدعي معرفة كلام الجن أو الشعبذة ، لأن يوسف نقر على الكيل وقال : أخبرني أنكم تعلمون كيت وكيت. ومثله قال آخر ، قلت : أنت ضامن الكيل ، قال نعم. ومثله قال آخر ، قلت : تحضر على قطع أيد أو أرجل ، لأنه حضر قطع النسوة أيديهن. ومثله قال آخر ، قلت : يتكلم في عرضك. ومثله قال آخر ، قلت : يعتذر إليك أعداؤك وتصفح عنهم ، قال : نعم. ومثله قال
آخر ، قلت : تقع في خصومة وتُقَطَّع ثيابك عليك. ومثله قال آخر ، قلت : يقال عنك أنك مت أو قتلت ولا يكون ذلك صحيحاً. فافهم ذلك موفقاً.
__________
(1) بياض في نسخة دار الكتب المصرية ، وأكملته من النسخة الأخرى التي تقع في مكتبة أحمد الثالث بتركيا ، وعنها مصورة في معهد المخطوطات بالقاهرة.(1/10)
فصل : من صار في صفة داود ، أو سليمان عليهما السلام : ملك ، أو تولى ولاية تليق به ، وحصل له نكد من جهة امرأة ، ويرزق العلم والعبادة ، وينتصر على أعدائه بعد ظفرهم به ، وتذلل له الأمور الصعاب. ومن صاحبهم : صاحب من دلوا عليه .
قال المصنف : اعتبر داود وسليمان بما يليق للرائي. كما قال إنسان : رأيت كأنني داود ، قلت : أنت حداد ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعمل العُدَد. ومثله قالت امرأة : أنني صرت داود فتعجبت من ذلك ، قلت لها : أنت امرأة تعملين النقش للنساء ، قالت : صحيح ، وذلك لأن داود يعمل الزرد الذي هو شبه النقش. ومثله قال آخر ، قلت : يجري لك نكد لأجل امرأة ، ومثله قال آخر ، قلت : تضرب بالمنجنيق أو بالمقلاع ، قال : صحيح ، وذلك لأن داود كان يرمي بالمقلاع .
وأما سليمان ؛ فقال لي إنسان : رأيت كأنني سليمان ، قلت أنت لك
مركب ، قال : نعم ، لأن سليمان كان يسير في الهواء. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تحكم على عمالين ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعرف بلغات كثيرة ، لأن سليمان كان يعرف بلغات الحيوانات. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تلعب بالطيور ، قال : نعم ، لأن سليمان كان يرسل الطيور. ومثله قال آخر ، قلت : تتزوج بامرأة جليلة. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تجمع الجان وتعمل شعبذة ، قال : نعم. فافهم ذلك.
فصل : موسى عليه السلام : من صاحَبَه ، أو صار في صفته ، أو ملك
عصاه ، أو لبس بعض ثيابه : ارتفع قدره ، وانتصر على أعدائه ، وربما اتهم
بتهمة ، وأخرج من بلده لأجل التهمة. وإن كان الرائي ملكاً ، طلب بلاد عدوه ، وقاتلهم فيها ، وافتتحها ، وأخذ سبيها. وإن كان متولياً ، قهر أرباب صنعته ، ويعاشر العلماء والزهاد ، وربما اجتمع بمن دل الباري عز وجل عليه ، لكون موسى كلم الله تعالى ، وربما كان في فمه أو رأسه عيبٌ.
قال المصنف : من صار في صفة موسى ؛ كما قال إنسان ذلك ، قلت : هربت لأجل تهمة ، قال : نعم ، ومثله قال آخر ، قلت : أنت تلعب بالزجاج على يديك ، قال : نعم ، لأن موسى كانت تضيء يده كالشمس في بعض الأوقات. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تلعب بالحيات ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت ساحر ومشعبذ. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعمل السيمياء(1). ومثله قال آخر ، قلت : كأن معك كتباً من جليل القدر أو ألواحاً تكسرت ، أو عدم ذلك ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، قلت : أنت راعٍ ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : سلمت تغرق مرة ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : هربت من حية ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : تربيت في بيت جليل القدر وكانت امرأة عندك تحسن إليك ، قال : صحيح.
وربما مرض رائي موسى بالحرارة ، لأنه لما وضعته أمه طلبه الذباحون ليقتلوه فألقته أمه في التنور وكان موقوداً ناراً ولم تشعر به حين رمته من الخوف فلما لم يره الذباحون انصرفوا فسمعت أمه بكاءه في التنور فقالت : وا ولداه ، ونظرت في التنور فإذا هو سالم ، يشرب من إحدى أصبعيه لبناً والأخرى عسلاً ، فسبحان الذي يقدر على كل شيء.
فصل : أيوب عليه السلام : تدل رؤيته ، أو لبس ثبابه على البلاء ، وفراق الأحبة ، وكثرة المرض ، ثم يزول ذلك جميعه. ويكون ممدوحاً عند الأكابر.
قال المصنف : وتدل رؤية أيوب على أنه يكون كريماً ، وربما جرت آفة على دوابه أو يموت له أولاد ثم يعوض عليه ذلك ، ويقع بينه وبين زوجته نكد ثم يصطلحان والظاهر أنه يكون ظالماً عليها ، وإن كان قد ترك عبادة أو ديناً أو خيراً كان يفعله عاد إليه لأنه عليه السلام كان أواباً ، وآب إذا رجع وتاب. فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
فصل : من صار عيسى عليه السلام(2)
__________
(1) فن قديم من فنون السحر ، وإن كان اهتمام هذا العلم ينصب بدرجة كبيرة على مسائل تحويل المعادن ، ولكن بطريقة سحرية تعتمد على التخييل ، وهو بهذا يخالف علم الكيمياء الذي يتناول من ضمن فنونه تحويل المعادن ولكن بصورة علمية حقيقية ، وبهذا يتبين خطأ بعض القدماء في عدم التفريق بين الكيمياء والسيمياء حيث اعتبروا الكيمياء والسيمياء فنان من فنون السحر ، وهذا غير صحيح فتأمل.
(2) قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه : و من رأى عيسى عليه السلام، دلت رؤياه على أنه رجل نفاع مبارك كثير الخير كثير السفر، و يكرم بعلم الطب، و بغير ذلك من العلوم. أخبرنا الشريف أبو القاسم جعفر بن محمد بمصر، قال حدثنا حمزة بن محمد الكناني، قال أخبرنا أبو القاسم عيسى بن سليمان البغدادي، قال حدثنا داود بن عمرو الضبي، قال حدثنا موسى بن جعفر الرضا عن أبيه عن جده، قال الحسن بن على رضي الله عنهما: رأيت عيسى بن مريم عليه السلام في النوم، فقلت يا روح الله إني أريد أن أنقش على خاتمي فما أنقش عليه قال أنقش
لا إله إلا الله الحق المبين، فإنه يذهب الهم و الغم.(1/11)
، أو لبس بعض ثيابه ، أو اتصف بصفة من صفاته : إن كان متولياً أو مخاصماً ، انتصر. وإن كان صاحب صنعة ، قهر في صنعته أربابها ، خصوصاً إن كان طبيباً ، ويكون كثير الأسفار ، لكونه إنما سمي المسيح لمسحه الأرض بكثرة سفره(1). ومن عنده حامل ، يدل على الولد الذكر. وربما يكون اسمه أحمد ، ويتهم تهمة يكون منها بريئاً. وإن كان الرائي عابداً ، كان مجاب الدعوة.
قال المصنف : وربما كان رائي عيسى ربي يتيماً أو مات أحد أبويه ، وكذلك من صار في صفة أمه مريم. وإن كان رائيها امرأة وقع في عرضها كلام ، وربما حملت حملاً مشكوكاً فيه. وإن كان ظاهر رائي ذلك جيداً كان الكلام باطلاً ، وعاشر أرباب الخير ، ولازم أماكن الخير والعبادة ، لكونها تربت في معبد الناصرة.
فصل : من صار في صفة أشرف المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - أو صاحَبه أو لبس بعض ثيابه : ارتفع ذكره ، وتشرف به أهله ومعارفه ، ويكون صالحاً في دينه ودنياه ، وأما إن أعرض عنه أو شتمه أو تغير عنه ، حصل للرائي نكد ، وربما كان على أمر مكروه. وكذلك الحكم لسائر الأنبياء عليهم السلام ، وللصديقين ، والصحابة ، والتابعين ، رضوان الله عليهم أجمعين. من صاحب واحداً منهم ، أو صار في
صفته ، أو لبس بعض ملبوسه فأعطه من أحكامه ما جرى لذلك ، على قدر ما يليق به من الخير والشر. والله تعالى أعلم بالصواب.
قال المصنف : رؤية سيد المرسلين عليه السلام(2) ورؤية سائر الأنبياء تختلف بالنسبة إلى أحوال الرائي لكونهم لا يُرَون حقيقة في كل وقت ، فإن الرائي يقول : رأيت النبي الفلاني فيفسر على ما اعتقد ، كما إذا قال : رأيت أنه أعمى فيقول : أنت على بدعة وضلالة أعمى عن الحق ونحو ذلك. وربما دل النبي عليه السلام على أمور. كما قال إنسان : رأيت كأني حامل للنبي عليه السلام فوقع من يدي مَات ، فقلت له : كان لك مصحف أو كتاب حديث فضاع ، قال : نعم ، قلت : وغفلت عن صلاتك ، وكان لك ولد فسافر ، قال : نعم ، قلت : وكان معك سراج فوقع تكسر ، فضحك وقال : صحيح ، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمى السراج المنير. ونحو ذلك فقس إن شاء الله تعالى.
الباب الثاني
في السماء وما فيها ، وما ينزل منها
وما يطلع إليها .
من طلع إلى السموات(3) من المرضى ولم يرجع ينزل منها ، مات ، وذلك للأصحاء : دال على الرفعة ودخول دور الأكابر ، ويدل على الزوجة والدور ، والسفر في البر والبحر ، وعلى كل مكان غريب.
فإن أصاب فيهن النور ، أو الملائكة الملاح ، أو وجد رائحة طيبة ، أو مأكولاً مليحاً ، ونحو ذلك ، حصل له فائدة وراحة ، إما من دور الأكابر ، أو من
الأملاك ، أو من الأسفار ، أو من زوجة ، أو من ولاية يتولاها ، أو من عالم أو حاكم يحكم عليه ، كالأب ، والوصي ، والسيد ، والزوج ، وأمثالهم.
وأما إن كان فيهن الظلام ، أو حيات ، أو عقارب ، أو جن ، أو دخان ، أو نار ، أو رائحة ردية : حصل له نكد ممن ذكرنا.
قال المصنف : دلت السماء على المرض الشديد وعلى الموت لكون الأرواح تطلع إليها ، ولكون الصاعد إليها غاب عن عيون أهل الأرض ، ولكونه فارق الأرض ومن عليها فأشبه الميت والنزول ضد ذلك. ودل على معاشرة الأكابر والرفعة لعلو الطالع ، ولكونها مقر الحاكمين على أهل الأرض المتصرفين – لهم وفيهم – بالمسرة والمضرة. ودلت على الأسفار لأن الطائرات في السماء يرجعن في غالب الأحوال ينزلن إلى الأرض. ودلت على البحار والمياه لأنها معدن الغيوم والأمطار. وربما دلت على معاشرة أرباب النيران ، وتدل على الأماكن الغريبة. كما قال لي إنسان : رأيت أنني طلعت إلى السماء وبقيت أتفرج في كواكبها وما فيها ، قلت له : عبرت إلى دار فيها تصاوير ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعرف النجامة(4)
__________
(1) في سبب تسمية المسيح عليه السلام بذلك الاسم أقوال كثيرة ومن أشهرها غير ما ذكره المصنف أنه ولد ممسوح أي : مختون ، أو لأن جبريل عليه السلام مسحه عند ولادته.
(2) قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه :
(3) أي تحسنت أحواله.
(4) قال النابلسي : تدل على نفسها ، فما نزل منها أو جاء من ناحيتها ، جاء نظيره منها من عند الله ، ليس للخلق فيه تسبب ، مثل أن يسقط منها ، نار في الدور ، فيصيب الناس أمراض وبرسام جدري وموت . وإن سقطت منها ، نار في الأسواق ، عز وغلا ما يباع بها من المبيعات . وإن سقطت في الفدادين والأنادر وأماكن النبات ، آذت الناس واحترق النبات وأصابه برد ، أو جراد ، وإن نزل منها ما يدل على الخصب والرزق والمال ، كالعسل والزيت والتين والشعير ، فإن الناس يمطرون أمطارا نافعة ، يكون نفعها في الشيء النازل من السماء ، وربما دلت السماء على حشم السلطان وذاته ،
لعلوها على الخلق وعجزهم عن بلوغها ، مع رؤيتهم وتقلبهم في سلطانها ، وضعفهم عن الخروج من تحتها ، فما رؤى منها وفيها ، أو نزل بها وعليها ، من دلائل الخير والشر ، وربما دلت على قصره ودار ملكه وفسطاطه وبيت ماله ، فمن صعد إليه بسلم أو سبب، نال مع الملك رفعة . وعنده ، وإن صعد
إليها بلا سبب ولا سلم ، ناله خوف شديد من السلطان ،ودخل في عزر كثير في لقياه أو فيما أمله عنده أو منه ، وإن كان ضميره استراق السمع ، تجسس على السلطان أو تسلل إلى بيت ماله وقصره ليسرقه . وإن وصل إلى السماء ، بلغ غاية الأمر ، فإن عاد إلى الأرض ، نجا مما دخل فيه ، وإن سقط من مكانه عطب في حاله ، على قدر ما آل أمره إليه في سقوطه ، وما انكسر له من أعضائه .(1/12)
، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : عبرت إلى مكان فيه قناديل وسرج تتفرج ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت عبرت تطلب مطلباً فلم تجد شيئاً ، قال : نعم ، ومثله قال آخر ، قلت : عبرت مكاناً تجري منه المياه ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : عبرت بستاناً مزهراً ، قال نعم. فافهم ذلك.
فصل : الشمس ، والقمر : كل واحد منهما دال على الجليل القدر.
كالملوك ، والولاة ، والآباء ، والأزواج ، والأبناء ، والأقارب ، والأموال
والأملاك ، والخير ، والمعيشة. فمن رأى أن الشمس عنده ، أو على رأسه ، أو كأنها بحكمه ، أو هي في داره ، أو كأنه يحملها ولم تؤذه بحرها : حصلت له فائدة ممن ذكرنا. فإن كان أعزب تزوج ، وإن كان عنده حامل ، رزق ولداً جميلاً ، حسن الصورة. هذا إذا رآها كأنها بالنهار ، ودرّت(1) معيشته مما يحتاج إلى الشمس ، كالقصارين والبنائين وأمثالهم ، خصوصاً إن كان ذلك في أيام الشتاء .
قال المصنف : إنما دل الشمس والقمر على الجليل القدر لعموم انتفاع الناس بهما ولضرر بعضهم منهما ، وعلى المعايش والأملاك لأن انتفاع الناس بهما في الزراعات والنبات في كل وقت ، وربما دلا على الغريمين. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني بين الشمس والقمر آخذ من هذا وأضعه في الآخر ، قلت : هذا دال على أمور ، أحدها : أن عندك كيسين أحدهما ذهب تصرف منه دراهم والآخر دراهم تصرف منه ذهباً ، فقال : نعم ، الثاني : أنك تسعى في الصلح بين جليلي القدر تحمل كلاماً من أحدهما إلى الآخر ، الثالث : أن رجلاً غنياً له على منكسر دين وأنت تأخذ من المنكسر البعض وتأخذ من الغني المسامحة بالباقي ، وذلك لأن القمر منكسر ما يزال يمتد من نور الشمس وهو تابع لها ، وقلت له : عندك مكحلتان كحل أصفر والآخر أحمر وأنت تداوي عينيك بذلك ، فقال في الجميع : صحيح ذلك. وقال آخر : رأيت أنني ربطت الشمس والقمر في خيط واحد وأنا أحملهما ، قلت له : تمسك جليلي القدر أشبه شيء بالملوك أو نوابهم ، فما مضى قليل حتى وقع مُصَاف ومسك أميران ، وقال : لي إن أحدهما ابن ملك. ورأى صغير أنه حملهما في خيط وأن أحدهما آذاه ، قلت له : من أين أخذتهما ؟ قال الصغير : كانا في حمام ، قلت له : أخذت سرطانين ، وربطتهما في حبل ، قال نعم ، قلت : عضك أحدهما ، قال : نعم ، وذلك لأن الشمس تلدغ بحرها والقمر فيه من الزرقة ما يشابه السرطان. وقال آخر : رأيت كأن الشمس والقمر كل واحد في حبل وأنا أُبرم حبل هذا مع حبل هذا ، قلت : أنت تسعى في إبرام عقد بين امرأة حسناء وبين رجل كذلك ، قال : نعم ، قلت : والرجل ربما في إحدى عينيه عيب ، قال : صحيح. ومثله رأى آخر – وكان ظاهره ردياً - ، قلت : أنت تقود بين اثنين ، فقال : أسْتغفِر الله تعالى ما بقيت أعود إلى ذلك. فافهم .
فصل : وأما إن أحرقته أو آذته ، حصل له نكد ممن ذكرنا ، خصوصاً في الصيف. وأما إن أحرقت الزراعات ، أو البساتين ، أو آذى الناس حرها ، دل ذلك على أمراض ووباء ، أو ظلم من الأكابر ، أو حوائج ، أو غلاء أسعار في المأكول ، ونحو ذلك.
فصل : فإن كان في السماء شموس ، وهي تؤذي الناس. فأقوام ظلمة ، وأرباب شر. وأما إن نفع ضوأهم : فأرباب عدل ، وربح وراحات ، وربما يكون في الزراعات والثمار وكل ما يحتاج إلى الشمس وكثرة الفائدة والخير. وكذلك القمر إلا أن دولته بالليل ، وهو أنزل منها مرتبة.
قال المصنف : إذا رؤي الشمس والقمر مجتمعين في مكان وكان صاحبه خائفاً أو مريضاً : خشي عليه لقوله تعالى { وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ } ] القيامة:9و10[.
ويدل أيضاً على خصام الزوجين والأخوين والولدين والغلامين والجاريتين وعلى مرض العينين ونحو ذلك.
واعتبر القمر بأحوال الرائي. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني آكل القمر ، قلت له : أبعت طبقاً أو مرآة وأكلت ثمن ذلك ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : يموت من يعز عليك وتأكل ميراثه ، فمات ولده. وقال آخر : رأيت وجه إنسان صار قمراً ، فقلت : نخشى عليه برصاً أو طلوعاً في وجهه ، فقال : جرى ذلك. وقال آخر ، رأيت كأنني وقعت في القمر وأنا في شدة ، قلت له : اترك القمار. ومثله قال آخر ، قلت له : تغرق ، فمات غرقاً. وقال آخر : رأيت كأنني أسبح في قمر وأنا ألتذ بذلك ، قلت له : تغرق. ورأى إنسان أن القمر قد صار له حرارة كحر الشمس ، قلت : يتولى بعض نواب الكبراء منصب من استنابة ، فإن نفع الناس ذلك الحر نالت رعيته به خيراً وإلا فلا. ورأى آخر أن ضوء الشمس صار بارداً وزال ذلك الحر ، قلت : إن كان ذلك في زمن الصيف عدل المتولي ونالت الرعية منه راحة ثم عن قليل يموت ، فمات قاضيهم بعد أن حَسُنَت سيرته ، وقلت : يقع مطر لا نفع فيه ، فوقع المطر وكان في الصيف خلاف العادة.
__________
(1) أي تحسنت أحواله.(1/13)
فصل : قتال الشمس مع القمر : دليل على حرب يقع ، وملوك تنتفع. فإن كان كأنه في نوم النهار : فالغلب للشمس ، يظهر أهل الحق. وإن كان كأنه في ليل : فالغلب للقمر ، ويظهر أهل الظلم ، لأنه متولي الظلمة ، والظلمة يشتق منها الظلم.
فصل : طلوع الهلال : دال على بشارة ، أو غائب يقدم من تلك الجهة. وهو لمن عليه دين : مطالبات ، وهموم ، ونكد. وربما دل على النكد ، ويدل على خلاص المسجون والمريض.
وأما كثرة الأهلة والأقمار : فدليل على الخوارج. فإن كان ضوؤهم ينفع الناس ، فذلك خير ، وراحة. وإلا فلا.
قال المصنف : وربما دل كثرة الأهلة في المكان على الفوائد ، كما قال لي إنسان : رأيت السلطان يفرق الأهلة على الناس ، قلت : تقع حركة ويفرق القسي على أصحابه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت كأنني أشرب من الأهلة عسلاً وقد طار منهم هلال وقع على رأسي ، قلت : أنت بيطار يحصل لك فائدة من صنعتك وتضربك دابة بحافرها في رأسك ، فجرى ذلك ، وذلك لأن النعال والحوافر يشبهون الأهلة. فافهم ذلك.
فصل : وأما النجوم(1) فكل واحد منهم دال على ما دل الشمس والقمر عليه ويدلون على العلماء لكونهم لا يظهرون إلا بالليل. فمن رأى أن النجوم جاءت إليه ، أو إلى داره ، أو اجتمعت عنده ، أو كأنه يرعاها ، أو يتحكم فيها ، ولم تؤذه ؛ فإن كان يصلح للملك ، ملك ، وإلا تولى ولاية تليق به ، وربما تزوج وجاء الكبراء إلى عنده ، أو يرزق ذرية ، أو أقارب ، أو أصحاب ، أو أموال ، أو عبادة ، أو تلاميذ. ويكون ذلك على قدر كثرتها وقلتها. أو دراهم ، أو دنانير. ونحو ذلك.
قال المصنف : وافقه في النجوم. قال رجل : رأيت كأنني صرت صائغاً وأنا آخذ النجوم وأعبر بهن في بيت النار ، قلت : أنت رجل خباز وأنت تقطع من الأرغفة وتخبأه فتب إلى الله ، فقال : ما بقيت أعود. فافهم ذلك. ولما رأى يوسف عليه السلام الشمس والقمر والنجوم له ساجدين فسره له والده عليه السلام بما فسره. وقسنا عليه الأقارب والمعارف والأموال والفوائد والعلوم والتقرب من الأكابر وعلو المنازل ، لأنه قال في تمام تفسيره : { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ }
] N:6[. إلى آخر الآية. ومن ذلك ؛ رأى إنسان كأنه سقط من الثريا نجم ، فقلت له : أنتم سبع إخوة ذكور ، قال : نعم ، قلت : يموت واحد منكم ، فمات. ومثله رأى آخر ، قلت : أنت خادم لا إخوة ولا أولاد لك ، لكن عندك سبعمائة درهم أو سبع آلاف يروح سبع ذلك ، فجرى ذلك. وقال آخر : أخذت من الثريا نجماً وخبأته ، قلت له : سرقت لؤلؤة من كلانبذٍ أو من حلقه ، فكان ذلك. ورأى آخر أنه حمل الثريا على عود فسقط منها نجم أتلف شعره ، فقلت : حملت شمعة لها شُعَب أحرق عمامتك بعض تلك الشعب ، قال : نعم. وقال آخر رأى أنه يسجد لبنات نعش ، قلت : أنت تحب امرأة غسالة للموتى أو بنت
غاسلة ، قال : نعم ، قلت : وهي تعبر دور الأكابر ، قال : صحيح ، وذلك لأن بنات نعش قريبات من قطب الفلك. وقال آخر : رأيت أنني ملكت القطب وبنات نعش ، قلت : يصير لك طاحون أو معصرة بحجر ، فجرى ذلك. وقال آخر : رآيت كأنني أدور مع بنات نعش وقد عضني نجم منهن ، قلت : أنت في مكان فيه جماعة يرقصون فحصل لك نكد من أحدهم ، فقال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني صرت من بنات نعش ، قلت له : قد قرب أجلك ، فمات بعد أربعة أيام. وقال آخر : رأيت كأنني آكل بنات نعش ، قلت : ترث جميع أولادك وأقاربك. ومثله قال آخر ، قلت : أنت حمال نعش الموتى ورزقك منه ، قال : نعم. ومثله قال
آخر ، قلت : تبيع النعش وتأكل ثمنه. ومثله قال آخر ، قلت : تبيع دواب طاحونك أو معصرتك وتأكل ثمن ذلك. وعلى هذا فقس موفقاً إن شاء الله تعالى.
وقائع ملاح في النجوم : رأى إنسان كأنه وضع على عينيه كوكبين وهو
__________
(1) قال النابلسي : من رأى الشمس والقمر والنجوم اجتمعت في موضع واحد وملكها ، وكان لها نور وشعاع ، فإنه يكون مقبول القول عند الملك والوزير والرؤساء . فإن لم يكن نور ، فلا خير فيه لصاحب الرؤيا . فإن رأى الشمس والقمر طالعين عليه ، فإن والديه راضيان عنه . فإن لم يكن لهما شعاع ، فإنهما ساخطان عليه.(1/14)
ينظر ، قلت : يطلع على عينيك بياض ، فوقع ذلك ، ودليله أن البياض في العين يسمى كوكباً في اللغة. ورأى آخر كأنه يأخذ الكواكب في يده يرمي بهم في العلو ثم يتلقاهم بيده وتاره بفمه وتارة يأكل بعضهم ، قلت : أنت تلعب بقناني الزجاج التي هي شبه الأكر ، قال : نعم ، قلت له : فرأيت كأنك تلعب في ليل لو نهار ، قال : كأنه في ليل ، قلت : تحصل لك فائدة وربح من ذلك. لأن الكواكب فعلها وضوؤها بالليل بخلاف النهار. ورأى بعض الأكابر كأن على ذراعيه كوكبين تحت الثياب وقد أكلتهما الحرباة ، فقلت له : على يديك جوهر مربوط ، قال : نعم ، قلت : يؤخذ منك في حرب ، فجرى ذلك. ورأى آخر كأنه جالس في وسط الهقعة ، قلت له : تجلس تبيع بميزان ، وكان صنعته تاجراً فما مضى قليل حتى صار عطاراً ، لأن العامة يسمونها موازين. ورأى آخر كأن بين يديه طبق نجوم وهو يأكل منهن فظهر له من نجم حية فضربته ، قلت : يعمل لك سم في بيض مقلي ، فعمل له ذلك ، ودليله أن البيض المقلي يسمى نجوماً. ورأى آخر أنه قائم بين النجوم فاحترق ثوبه ، قلت له : ضاع لك ثوب وأنت تتفرج في نبات وزهر ، قال : نعم ، ودليله أن النبات يسمى نجماً ، والزهر يشبه النجوم أيضاً. ورأى آخر كأنه جالس على رأس المنازل في السماء ، قلت : تتولى على طريق ، فإن كنت كأنك في ليل أفدت وإلا فلا. ورأى آخر كأنه يدور في القلب على جوهره ، قلت : لك محبوب وقد راح عنك وأنت كل وقت تذكره في قلبك ، قال : صحيح.
فصل : فأما إن آذت الرائي أو أحرقته أو ضيقت عليه : حصل له نكد ممن ذكرنا أو من غلمان الأكابر ، وإن كان مسافراً أو يطلب سفراً ، قطعت عليه الطريق أو يترك بمكانه أمر ردي من آفة وغيرها. فأما إن صار جسمه نجوماً ، كثرت عليه ديونه ومطالبات أو يتكلم الناس في عرضه أو يطلع في جسمه دماميل أو جُدَري أو طلوعات أو مرض ردي .
فصل : فإن رأى كأنه صار من النجوم ، عاشر من دلوا عليه. إما يعاشر الملوك أو الولاة أو العلماء أو الأكابر أو غلمان أولئك أو يعاشر قطاع الطريق أو أرباب الحرس ونحو ذلك على قدر ما يليق به. وأما سقوطها أو ضِرابها بعضها في بعض أو طلوعها والشمس طالعة : دال على الحروب والفتن والموت. قال الشاعر :-
تَبْدُو كَوَاكِبَهُ والشَّمْسُ طَالِعَةٌ ... لا النُّورُ نُورٌ وَلا الإظْلامُ إِظْلامُ
فصل : وأما من رأى كأنه يأكل النجوم وطعمها في فمه طيب : حصلت له فوائد ممن ذكرنا وربما صار منجماً أو حارساً. والكبار من النجوم أشراف الناس ، والصغار عوامهم ، والمذكر ذكور ، والمؤنث إناث كالزهرة والشعرى وبنات نعش والثريا والهقعة والهنعة ونحوهن.
فصل : وربما دل عطارد على الرجل المِعطَاء وربما كان يعرف الكتابة ، والمريخ على الأمراء والكبراء وسفاكي الدماء ، والمشتري على الأملاك والبيع والشرى والمخازن ، وزُحَل على الفقر والخسارات والشدائد. وعلى هذا فقس النجوم التي في البروج وغيرها.
فصل : وأما من رأى أنه يسجد للشمس أو للقمر أو لنجم ، خدم من دل عليه ، أو احتاج إليه ، وفسد معه دينه إن كان يعتقد تحريم السجود لذلك. وأما إن رأى كأنه بلع نجماً ، اعتقل إنساناً ، وربما أحب من دل النجم عليه. فإن أحرق شيئاً في فؤاده ، تنكد ممن ذكرنا وإلا فلا ، فإن أخرجه من فؤاده ، أخرج المعتقل ، أو ترك محبة من وقع بفؤاده ، أو زال النكد الذي بفؤاده ، والله أعلم.
الباب الثالث
في الحوادث في الجو
الرعود المزعجة أو الأمطار أو الجليد أو البرد المؤذي أو الصواعق المحرقة أو الرياح العظيمة أو البروق الكثيرة أو الغيوم السود الوحشة ؛ كل منهم دال على الخوف والحوادث العظيمة والأخبار الردية لمن رأى هذا في المنام خصوصاً للمسافرين ، فإن هدمت دوراً أو قلعت أشجاراً أو أهلكت شيئاً من الحيوانات النافعة ونحو ذلك فعدوٌّ أو أمراض أو وباء أو طاعون أو ظلم من الأكابر أو جوائح أو غلو أسعار أو أخبار ردية ونحو ذلك لمن أصابه في شيء مما ذكرنا ، وإن كان رائي ذلك مسافراً ، ربما قطعت عليه الطريق ، وربما حصل للرائي نكد من أستاذه أو أحد أبويه أو من معلمه أو بطلت معيشته .(1/15)
قال المصنف : لما أن ذكرنا الآثار العلوية الدائمة كل وقت ذكرنا ما بين العلوية والسفلية ، وإنما سميناها حوادث لكونها لا ثبات لها ولندرة وقوعها ، وذكرنا ما دلت عليه ، وربما دلت على الحوادث في ابن آدم ، كرجل رأى أن رعداً عظيماً أزعجه وكان في غير أوانه ، قلت : يقع بسمعك صمم ، فجرى ذلك. ورأى آخر كأنه تحت مطر عظيم وهو مكشوف الرأس ، قلت له : يقع برأسك نزلة عظيمة ، فجرى ذلك. ورأى آخر كأن برداً وقع عليه وانغرز بجسمه ورأسه ، قلت : يطلع في يديك ورأسك دماميل أو جدري ، فوقع ذلك. ومثله قال آخر : قلت : عزمت على السفر مع العسكر ، قال : نعم ، قلت : يقع فيك سهام أو حجارة أو جراحات ، فوقع ذلك ، ورأى إنسان كأنه قد صار صاعقة ، قلت له : أحرقت شيئاً أم لا ، قال : أحرقت شجرة زيتون ، قلت له : جرى منك أمور : أحدها أنك تكلمت في عرض امرأة طيبة الأصل ، قال : نعم ، قلت له : كنت غائباً عن بلد فيه زيتون قدمت عليه واشتريت ملكاً ، قال : نعم ، وذلك لأن الصاعقة تسكن في المكان الذي تقع فيه. ورأى آخر أن ريحاً دخلت في فمه حتى كادت تخرسه عن النطق ، قلت له : نخشى عليك من ريح القولنج ، فكان ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : نخشى عليك أن يطلع في عنقك ريح ، فجرى ذلك. ورأى آخر كأنه يغزل من الغيوم السود غزلاً مليحاً ، قلت : تحب امرأة سوداء وتغازلها بالأشعار ، قال : صحيح. ومثله رأت امرأة ، قلت : أنتِ ماشطة ، قالت : نعم ، قلت : تجمعين مالاً على قدر ما كان على المغزل ، فكان كذلك.
فصل : وعلى رأي اليونانيين من أحرقته الصاعقة إن كان فقيراً استغنى ، وإن كان غنياً افتقر ، وإن كان خائفاً أمن ، وإن كان آمناً خاف ، وإن كان عبداً
عتق ، وإن كان حراً أُسر أو حبس ، وإن كان مريضاً عوفي ، وإن كان سليماً مرض ، ونحو ذلك.
قال المصنف : إنما قال اليونانيون ذلك لكون أن رائي ذلك يعدم بخلاف الميت فإن جسمه باق ، وضد الأمن الخوف ، وضد الفقر الغنى ، وضد الحياة الموت ، فإذا عدم في المنام بالصاعقة أو النار ذهب ما كان فيه فدل على ما ذكرنا ، بخلاف الميت فإن جسمه باق في الوجود وتصرف الأصحاب والأعداء فيه نافذ من تغسيله وتكفينه ودفنه ونحو ذلك ، والمحرق بخلاف ذلك.
فصل : وأما الغيوم الملاح أو الرياح الطيبة والنور والأمطار المفيدة والثلوج في أماكن نفعها فدليل على الفوائد لمن ينتفع بها في المنام ، وعلى الِخصب والراحة ، وعدل الأكابر ، والأخبار الطيبة ، والفائدة ممن دلت السماء عليه.
قال المصنف : إذا كانت الغيوم وغيرها على العادة فلا كلام ، وإنما الكلام إذا أكل الغيوم وطعمها طيب ، دل على أمور منها : أنه يفيد من الأكابر ومن المسافرين ومن الزراعات والمياه ونحو ذلك. فأما إذا وضعه موضعاً لا يليق ، كما رأى رجل أنه أخذ سحابة وجعلها بين ثيابه ، قلت له : سرقت كيساً أو شقه من جليل القدر وخفت أن يظهر عليك فأعطيت ذلك لامرأة ، قال : نعم ، لأن السحاب أشبه شيء بما ذكرنا. قال آخر : رأيت أنني أبيع الغيوم ، قلت : أنت تبيع السفنج ، قال : نعم. لأن السفنجة تسمى غيمة. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تبيع القطن ، قال نعم.
فصل : من طار أو سار في السحب أو في الرياح فإن كان بجناح أو جالس على شيء يمسكه فهو سفر فيه راحة وعاقبته سليمة ، وهو بلا جناح ولا شيء يمسكه : قليلُ نكدِ أو تعب.
قال المصنف : إنما كان الطيران ردياً إذا لم يكن على شيء يمسكه ، لأن الريح والسحاب ليسا بجسم فالراكب على خطر. كما قال إنسان : رأيت أنني راكب على سحابه وقد تزلزلت فوقعت في وسطها ، قلت : اسمك سليمان ، قال : نعم ، قلت : عزمت على سفر في بحر ويخشى عليك الغرق وتنجو وتقع من أعلى المركب إلى آخرها ، فجرى ذلك.
فصل : إن نزل من السماء سمن أو عسل أو دقيق أو خبز أو شيء مما فيه نفع : فرزق ورخص وفوائد وتجارات قادمة فيها نفع ، ويدل على عدل الأكابر. كما أنها إذا نزل منها بَقُُّ أو براغيث أو حيات أو عقارب أو حجارة مؤذية أو نار أو دم ونحو ذلك كان دليلاً على الفتن والأمراض من جدري أو برسام أو طاعون أو وباء أو ظلم ممن دلت السماء عليه أو عدو يقدم إلى ذلك المكان ، فإن أتلف شيئاً أو آذى أحداً ، خيف على ذلك الموضع ، وربما كانت جوائح تضر بالغلال ، ونحو ذلك.
قال المصنف : قولي فيما تقدم إن نزل من الَسماء سمن أو عسل أو دقيق أو خبز أو شيء مما فيه نفع احتراز مما لو أتلف الزراعات أو الأُدُر أو الملابس أو شيئاً نافعاً صار ردياً. وإذا انتفع الناس بهذه المؤذية دل على الفائدة من حيث لا(1/16)
يحتسب ، وأمن من حيث يخاف ، ويدل على الحاجة أيضاً ، وأوقات الضرورة. كما قال إنسان : رأيت أنني آكل الحيات والعقارب ، قلت : أنت رجل حاوٍ. ورأى آخر أنه يآكل الموتى ، قلت : أنت تأخذ أكفان الموتى وأنت حفار القبور ، قال : نعم ، لأن وضعه الموتى في فؤاده كالدافن لهم. ورأى آخر أنه يأخذ الموتى يضعهم في فمه من غير أن يبتلعهم ثم يرمي بهم ، قلت : أنت مغسل الموتى ، قال نعم ، وكان دليله أن الريق في الفم كالماء الذي يغسل به الموتى. فافهم ذلك.
فصل : فإن طلع إلى السماء عصافير أو نحل أو ذباب فموت يقع في ذلك المكان الذي طلع منه على قدر كثرته وقلته ، أو رحيل يقع في ذلك المكان. وكذلك كل ما كان من الحيوانات النافعة.
قال المصنف : دل الطالع إلى السماء على ما ذكرنا لأنها أرواح صعدت إلى محل صعود الأرواح فدل على الموت ودل على الرحيل لنقلهم من الأرض إلى مكان آخر. وقال لي إنسان : رأيت كأن جميع الذباب الذي في بيتي قد طار جملة واحدة ، قلت له : عندك طيور مسجونة ودجاج ، قال : نعم ، قلت : يهرب الجميع أو يموتون أو يسرقون ، فذكر أن ولداً له صغيراً فتح أماكنهم فطار الجميع. فافهم ذلك.
فصل : وأما إن كان ارتفع أقسام الشر كالحيات أو العقارب أو الأسود أو الأوزاغ ونحو ذلك دل على هلاك المفسدين ، وراحة أهل ذلك المكان لذهاب الأذى عنهم.
فصل : وأما تفطر السماء أو دورانها فدليل على كثرة البدع والخوف ، وتغيير من دلت الأسماء عليه. وسقوطها دليل على سفر الأكابر والأولاد والأقارب ، وتغيير المعايش ، ويدل على كثرة الأمطار كما قال الشاعر :
إِذَا نَزلُ السَّمَاءُ بِأرْضِ قومٍ ... رَعَيْنَاهَ وإنْ كانُوا غِضَابًا
فأما إن سقطت وأهلكت الأُدر أو الزراعات أو أتلفت شيئاً أو ضيقت على الناس كان ذلك هماً وغماً ووباءً وجوائح وعدواً وأمراضاً في ذلك المكان الذي سقطت فيه.
قال المصنف : وتدل رؤية السماء على متاع الرائي ، وما في بيته ، كما رأى إنسان أن السماء انشقت ، قلت : ينشق سقف بيتك ، فجرى ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : ينفتح رأسك بضربة ، فجرى ذلك ، وكانت قرينة ذلك أنه رآها قريب رأسه. ورأى آخر أن السماء سقطت من يده وذهبت ، قلت : يقع من يدك إناء زجاج وينكسر ويكون لجليل القدر. ورأى آخر كأنه عريان وقد سقطت السماء على رأسه فأحرقت شعره ، قلت : يسقط على رأسك جَامة حمام وتفتح رأسك ويجري دمك. ورأى آخر أن السماء سقطت من دار جيرانه في داره فملأتها ، قلت : وقع من دار جيرانكم طبق نحاس أو طاسة ملأ صوتها داركم ، قال : نعم.
فصل : وأما الحر الشديد أو البرد الشديد فيدلان على الأمراض والأنكاد ، وبطلان المعايش.
وأما مجيء الليل أو الظلمة فيدل على ضيق الصدر ، وربما دل على فراغ الأعمال ، وأمن الخائف ، ومن أراد أن يعمل مستوراً تم له مراده.
وأما النهار والنور فيدلان على الهدى والخير والراحة ، وعلى خلاص المشدودين ، وعلى إظهار المستورين.
قال المصنف : ويدل مجيء الليل والظلمة على رمد العين لمن هو صحيح ، كما أن مجيء النهار والنور لمن هو مريض بوجع العين يدل على قوة مرضه وطوله ، فإن قوي ذلك خشي عليه ذهاب بصره. كما رأى إنسان أن شخصاً معه زناد وهو يقدح قدام الرائي قدحاً مليحاً يظهر منه نار مليحة ، وكان الرائي قد زال بصره بماء نزل في عينيه ، قلت له : اقدح عينك فإنك تعافى إن شاء الله تعالى ، ففعل ذلك فعوفي.
وأما كثرة الشهب إذا لم تؤذى الناس فدليل على صرف الآفات عن الملك ، وحراسته ، وظفره بأعدائه أو بجواسيس ، وعلى حوادث تحدث وتكون العاقبة سليمة. والله أعلم.
قال المصنف : إذا رؤيت الشهب في النهار دل على الحروب أيضاً كالنجوم. وإنما دلت على أن الملك أو الكبير بالمكان يظفر بجواسيس ؛ لأن الله تعالى جعلها رجوماً للذين يسترقون السمع فهمم كالجواسيس الذين يسترقون الأخبار. وأما حسن العاقبة في الحوادث لأن سقوط الشهب غير مؤذى بخلاف الصواعق. وقال : إنسان رأيت أنني خرج من فمي شهاب فعلا على مئذنة ، قلت : يطلع لك مؤذن بين أقوام مبتدعين. فافهم ذلك.
الباب الرابع
في الأرض وأشجارها وجبالها
وسهلها ووعرها وما يتعلق بها
الأرض(1) : تدل على الأب والأم والزوجة والمعيشة والقرابة والدواب وكل من فيه نفع. فمن ملك أرضاً مليحة أو زرعها ، نال فائدة ممن ذكرنا. وأما من زالت الأرض من تحته فارق من ذكرنا.
__________
(1) قال النابلسي : الأرض فتدل على الدنيا لمن ملكها ، على قدر اتساعها وكبرها وضيقها وصغرها ، وربما دلت الأرض على الدنيا ، والسماء على الآخرة ، لأن الدنيا أدنيت ، والآخرة أخرت ، سيما أن الجنة في السماء ، وتدل الأرض المعروفة على المدينة التي هو فيها ، وعلى أهلها وساكنها. وتدل
على السفر ، إذا كانت طريقا مسلوكا كالصحاري والبراري ، وتدل على المرأة إذا كانت مما يدرك حدودها ، ويرى أولها وآخرها . وتدل على الأمة والزوجة.(1/17)
قال المصنف : دلت الأرض على الأبوين لكون الإنسان خلق منها ، وعلى الزوجين لأجل الحرث والوطء كالنكاح ، والنبات منها كالولد ، وعلى المعايش والفوائد لانتفاع الناس والمخلوقات عليها وبها ، وعلى الدواب كذلك ، وتباع كالدواب ، ولمن عبر فيها على السفر فإن كان مريضاً فهو سفر للآخرة ، وإن كان سليماً فهو سفر فيه من الخير والشر على قدر ما وجد فيها ، وربما دل ذلك على الأرض والشجر وضيق النفس فافهم ذلك.
وأما إن صارت حجراً أو حديداً أو خشباً أو شيئاً لا ينبت ، دل على تلاف زرعه ، وبطلان معيشته ، أو يأس من حمل زوجته ، وربما مات أحد أبويه أو أقاربه ، أو وقع ببعض دوابه عيب ، لكون الأرض صارت في صفة لا تنفع كنفعها غالباً.
قال المصنف : إذا صارت حجراً ونحو ذلك مما لا نفع فيه أعطى ما ذكرناه ، وأما إن نفع كرجل رأى أن الأرض صارت حديداً ينتفع به قلت : تتحول صنعتك إلى عمل الحديد أو بيعه وتنتفع منه وتربح ، فجرى ذلك. وآخر يضرب اللبن
قال : رأيت كلما ضربت لبناً يصير خشباً ، قلت : تصير نجاراً أو تتجر في الخشب أو الشجر ، فذكر أنه انتقل إلى ذلك وأفاد منه.
فصل : وأما إن صارت دخاناً أو ناراً أو حيات أو عقارب أو شوكاً أو طيناً ردياً أو جِيَفاً أو رائحة ردية ونحو ذلك دل على نكد ، إما من مرض ، أو
خوف ، أو خسارة ، أو عدو ، أو مخاصمة ، أو أموال حرام.
قال المصنف : إذا صارت دخاناً أو شيئاً مما ذكرناه فانسب إليه ما يليق به. مثاله إذا جعلته نكداً من دخان فقل : من فران أو وقاد أو طباخ ونحو ذلك ، وإن جعلته مرضاً فقل : من غلبة السوداء وكذلك من النار إلا أن المرض يكون من الصفراء ، ومن الشوك فقل : ممن يتعانى بالأشجار والنبات ، وإن كان شوك سياج فقل : من ناطور بستان ، فإن جعلت النكد من طين فقل : من بَنّاء أو فاجْرانيّ أو صارت لبناً أو حِرَاثاً ونحو ذلك ، وإن جعلت النكد من جيف أو رائحة ردية فقل من لحام أو ممن يكنس المراحيض إو من دباغ ونحو ذلك ، وإن جعلته من دم فقل كذلك أو من حجام أو فاصد أو جرائحي ونحو ذلك. وتقول في المرض من غلبة الدم في مرضك. وربما جعلت في الدم بأن تقول من حرب لما فيه من قتل وجرح وسيلان الدماء ونحو ذلك. وهذا شرح مليح فافهمه موفقاً إن شاء الله تعالى.
فصل : وأما نباتها بالزهر أو الحشيش المليح أو حَسُنت بالروائح الطيبة أو تفجرت بالأنهار أو المياه النافعة أو صارت خبزاً أو عسلاً أو سمناً أو سكراً أو حلاوة أو دقيقاً والرائي أو الناس يأكلون أو يجمعون منها ، فأرزاق وفوائد من زراعات أو رُخص أو تجائر أو من أب أو أم أو دواب أو أولاد أو من كثرة المعايش والراحات أو من الأمن والعدل ونحو ذلك.
قال المصنف : أنسب الرائحة كما تقول في الزهر من رجل فكاهٍ أو عطار وكل من يتعانى بيع الطيب وعمله ، وكذلك في المياه ممن يتعاناها ، وفي الخبز فائدة من خباز أو من مخبز أو ممن يبيع الخبز. وتقول في العسل إن كان من عسل النحل فقل من مسافرين وأرباب البوادي. وإن كان من قصب السكر فانسب إلى من يتعانى ذلك. وربما دل الشيء على ما يقصد منه كما قال إنسان : رأيت أنني أجمع حِزَمًاً من زهر قلت : لك نحل قال : نعم ، قلت : يزيد وينمى ، ودليله كثرة قوت النحل من الزهر ومنه يبني بيوته ، فافهم ذلك.
فصل : وأما معادن الأرض لمن ملكها أو انتفع بها : كالذهب ، والفضة ، والقار ، والزفت ، والحديد ، والرصاص ، والزئبق ، والكبريت : فأرزاق لأرباب المعايش ، وبلاد للولاة ، والملوك ، وعلوم لمن يطلبها ، وللعابد أسرار ، وللأعزب زوجة ، ولمن عنده حامل ولد ؛ وتدل على الأخبار المفرحة والاجتماع بالأكابر والعلماء ونحو ذلك. وكذلك الحكم في الدفائن.(1/18)
قال المصنف : فإذا رأى أنه ملك واحداً من المعادن فأعطه ما يليق به. فتقول لمن ملك الذهب والفضة : ربما تصير أمين خزانة جليل القدر ، وتقول لآخر : تصير صيرفياً ، وتقوم لآخر تصير صائغاً. كما تقول لمن ملك الزفت ، والقار : ستفيد مما يعمل من ذلك كأرباب المراكب. وقال إنسان : رأيت أنني أخذت زفتاً من معدنه قلت له : أنت جندي ولك فرس مريض ، وقد وصف لك البيطار مغرفة زفت ، قال : نعم ، قلت : تعافى. وقال آخر : رأيت أنني جمعت رصاصاً من معدنه قلت : عزمت على عمارة حمام ، قال : نعم ، قلت : فيه راحة ، ودليله أن الحمام يحتاج إلى الرصاص. وقال آخر : رأيت أنني حكمت على معدن زئبق ؛ وكلما أخذت منه شيئاً ما يثبت في يدي ، قلت : أنت تصاحب إنساناً كثير المحال. وقال صغير : رأيت قدامي بركة زئبق ، قلت : يقع في رأسك ، أو ثيابك قمل يهب بالزئبق. ورأى إنسان أنه وقع في كبريت ، قلت : تحترق بالنار ، فجرى ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : يقع بك جرب تحتاج في مداواته إلى كبريت ، ودليله أنه قال كنت ألتذ بذلك فعلمت أن ذلك لذاذة حك الجرب. وربما دل على ما يتداوى به كرجل رأى أن عنده كبريتاً وقد ضاع منه ، قلت : لك جمل وقد جرب ، وقد عزمت على مداواته بالكبريت ، قال : نعم ، قلت : يموت الجمل أو يعدم.
وقال آخر : رأيت الكبريت الذي يوقد منه قد ضاع ، قلت : ينكسر لك سراج أو يعدم. فافهم ذلك.
فصل : من طلب معدناً فوجده حيات أو عقارب أو جيفاً أو روائحاً ردية أو دخاناً أو ناراً فإن جعلناه للملك بلدة كان بلد كفر بلا نفع وربما فتح عليه باب حرب ، وإن جعلناه علوماً كانت بدعاً ، وإن جعلناه تجائر فأموال حرام ، وإن جعلناه عبادة فبواطن ردية ، وإن جعلناه حملاً كان حملاً ردياً ، وإن جعلناه زوجة أو ولداً أو أخباراً كان ذلك كله ردياً.
قال المصنف : قد ذكرنا إذا تضرر بانقلاب المعدن حيات ونحو ذلك فأما إن انتفع بما صار إليه مثل إن طلب معدناً فوجده حيات وانتفع بذلك فتقول : تترك صحبة جليل القدر ، وتنال راحة من رجل حٍاو ، أو ممن يعمل الترياق. وتقول في الجيف من رجل لحام ، أو مُشاعِلي. وتقول في الدخان من طباخ ، أو فران ونحو ذلك. وفي النار فأعطه ما دلت النار عليه في موضعه. وإن وجده تراباً من غير جنس الأرض فقل من ملك جديد أو من سفر ، أو من رجل غريب ، أو امرأة كذلك. فافهم ذلك.
فصل : في الأشجار وثمارها(1). من ملك شجرة ، أو استظل بظلها أو انتفع بثمرها ، أو بشيء منها ، حصل له فائدة من جليل القدر ، أو من أحد أبويه ، أو من زوجه ، أو ولد ، أو معلم ، أو أستاذ ، أو معيشة ، أو ملك ، أو من دابة ، أو مملوك ؛ ونحو ذلك ، وإن كان الرائي أعزب تزوج ، ويكون ذلك على قدر حسن الشجرة ونفعها وعلوها بين الأشجار ، فإن كانت في إقبال الزمان كانت فائدة من دلت الشجرة عليه قريبةً ، وإن كان في أوان سقوط الورق وبطلان ثمرتها فراحة ذلك بعيدة متأخرة على قدر ما بقي لظهور ثمرتها.
قال المصنف : إنما دلت الأشجار على ما ذكرنا وشبهه لوجه الانتفاع ممن ذكرنا ، فإن الشجرة تراد تارة لثمرها ، وتارة لورقها ، وتارة لظلها ، تارة ولخشبها ، وتارة لحطبها ، وتارة للجمال بها ، وتارة للمجموع ؛ وكذلك الذين دلت عليهم ممن ذكرنا ، فإنهم أهل لوجود النفع على ما يليق أن ينتفع بهم الإنسان في كل وقت بوقته فافهم ذلك. وأوان إقبال كل شجرة بحسبها كما ذكرنا ويكون أيضاً أوان إقبالها على قدر حاجة الرائي إليها في المنام كمن خاف من سبع ، أو عدو ، أو سيل ، أو نار ونحو ذلك فصعد عليها ليتحصن من ذلك فوجدها عالية قويةً ثابتةً فذلك بلوغ مراد ، وقضاء حاجة وذهاب هم على يد من دلت الشجرة عليه. ومثله لو رأى كأنه في حر شديد فوجدها ذات ظلٍ مليح وكذلك لأجل مطر وكذلك لو طلبها لأجل ثمرها فوجدها مثمرة مليحة على غرضه ، وكذلك لو طلبها لأجل الوقود فوجدها يابسة سهلة الكسر ونحو ذل ، فعلمنا بذلك كله أن أوان إقبالها ذلك. فافهم.
__________
(1) قال النابلسي : المعروف عددها ، هوا لرجال ، وحالهم في ا لرجال بقدر الشجرة في الأشجار ، فإن رأى أنه زاول منها شيئا ، فإنه يزاول رجلا بقدر جوهر الشجرة ، فإن رأى له نخلا كثيرة ، فإنه يملك رجالا بقدر ذلك ، إذا كانت النخل في موضع لا يكاد النخل تكون في مثل ذلك الموضع ، وإن
كانت في مثل بستان أو أرض تصلح لذلك ، فإن جماعة النخل عند ذلك عقدة لمن ملكها ، فإن رأى أنه أصاب من ثمرها ، فإنه يصيب من الرجال مالا ، أو من العقدة مالا ، ويكون الرجال أشرافا ، والعقدة شريفة ، على ما وصفت من حال النخل وفضله على الشجر في الخصب والمنافع.(1/19)
فصل : فإن جعلناها ملكاً أوراقها سلاحه ، وبنودهَ ، وحسن جيوشه. وثمرها أمواله. وإن جعلناها عالماً كان ذلك كتبه وعلومه ، وإن جعلناها امرأة كان ذلك جهازها وأولادها ، وإن جعلناها تجارة كان ذلك أعدالَها ، وثمرُها البضاعة ، وإن جعلناه أولاداً أو أقارب كان الأوراق ملابسهم ؛ لأن الله تعالى جعل الأوراق سترة للثمرة من الشمس لئلا تحرقها ؛ ألا ترى أن الثمرة البارزة في الشمس يبان أثر الشمس فيها ولا يطيب طعمها غالباً ، وإن جعلناها عابداً كان ورقها تلاميذه ، أو نوافله. فما أصاب ذلك من خير ، أو شر نسبناه إلى من ذكرنا.
قال المصنف : واعتبر الفائدة والأحوال التي ذكرناها بالنسبة إلى أماكن نبات الأشجار والإقليم كامرأة رأت أنها أخذت جوزة هندية وقد أثقلها حملها قلت : ترزقين ولداً يكون أصله ، من الهند ، أو ممن يتردد إلى تلك البلاد فجرى ذلك. ومثله رأت أخرى قلت : يحصل لك نكد من جارية هندية قالت : صحيح. وقال آخر : رأيت أن في داري نخلة وعليها تمر صيحاني ، قلت : إن كنت عزباً تزوجت امرأة شريفة وأصلها من الحجاز وإن كنت مزوجاً قدم عليك إنسان من تلك الجهة فذكر المجموع. وذكر آخر أنه كان باليمن فرأى بعدن شجرة خيار سنبر وهي عالية قلت : قدم بعد ذلك رسول من مصر قال : نعم ، ودليله أن الغالب أنه لا ينبت إلا بمصر وكونه رسول لعلو كلمة الرسول. وقال آخر رأيت أنني عبرت داخل شجرة بندق وحولت منها ورقاً مختلف الألوان قلت له : ستروح إلى بلاد البندق ، أو بلاد الروم وتقدم معك ملابس مختلفة الألوان ، فإن كان الذي أخرجته مليحاً أفدت من ذلك وإلا فلا.
فصل : فإن كانت الشجرة سهلة التناول كان الذي دلت عليه سهلاً قريب الراحة ، وإن كانت صعبة أو لها شوك أو مرّة الثمرة ؛ أو تالفة الثمر كان من دلت عليه بخيلاً أو شَرِس الخلق أو خبيث المكاسب.
قال المصنف : فإن قصد أن يكون لها شوك به في تحويط حائط أو ليدفع به ضرراً ، أو طلب الحنطل للتداوي أو لنفع أو طلب حموضة الرمان فوجد ذلك وشبهه على ما قصده كان في هذه الأحوال جيداً يبلغ مراده ويصير ذلك كالرجل الجيد الذي يوجد عنده ما يقصده ، وأما إن وجد ذلك حلواً أو بلا شوك كان ذلك ردياً كما لو خاف أن يكون مراً أو حامضاً فوجده حلواً أو لا شوك له كان من حكم إنصلاح المفسود ووجود الضائع والصلح مع الأعداء والأمن في موضع الخوف ونحو ذلك.
فصل : وأما من غرس شجرة مليحة لنفع الناس فإن كان الغارس عالماً ، صنف كتاباً أو انتفع الناس بعلومه ، وإن كان عابداً ، انتفع الناس ببركته ، وإن كان تاجراً ، ربما وقف وقفاً. وبالعكس من ذلك لو غرس شجرة ردية أو في مكان يضيق على الناس.
قال المصنف : انظر إذا رأى كأنه غرس نبتاً في غير وقت الغراس كان الذي دل عليه قليل الثبات من خير وشر وإن غرسها ومثلها لا يعيش إلا بالسقي فغرسها في أرض لا ماء فيها كان ذلك أيضاً قليل البقاء ونكداً لمن دل عليه المغروس ، وربما دل على هلاكه. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني أزرع الريحان في تربة لا ماء فيها قلت له : اعتقلت رَحلاً قال : نعم قلت : يخشى عليه الهلاك ودليله عدم بقاء ذلك مع عدم الماء . ومثله رأى آخر قلت : له أنت تطلب الولد من امرأة لا يثبت معها . ومثله رأى آخر قلت له أنت توري أنك محسن وأنت مسيء في حق من دل الغراس عليه . ومثله رأى آخر قال : كنت أغرسه لتنفع رائحته أرجو أثواب الله قلت تتصدق أو تعبد الله سبحانه بما تعتقد أنه ينفع ولا نفع في ذلك ودليل ذلك كله كونه وضع الشيء في موضع يتلف مثله فيه فأفهم ذلك .
فصل : وأما من قطع شجرة تنفع الناس ، فعل فعلاً يتضرر الناس به ، وإن كانت الشجرة تضرهم فقطعها : أزال شدة عن الناس إما بعزل ظالم ، أو إزالة مظلمة ، أو بُطلان بدعة ونحو ذلك .
قال المصنف : انظر وصف الشجرة المقطوعة واطلب ذلك الوصف وإن كان خفيفاً ، كما قال لي إنسان : رأيت أنني قطعت شجرة زيتون مليحة ، قلت : كان في البلد غيرها ، قال : لا ، قلت : أنت مُتَوَلٍّ ، قال : نعم ، قلت : سعيت في قطع زيت لمسجد ، أو كنيسة ، قال : صحيح . وقال مريض رأيت أنني تحت شجرة تفاح أستظل بظلها فقطعتها ، قلت : كانت العافية في شراب التفاح فكيف قطعته ! فعاد إليه ، فعوفي . وقال آخر : رأيت أنني قطعت شجرة عنب كنت أسجد لها في المنام ، قلت : كنت تشرب الخمر وقد تبت منه ، قال : صحيح . وقال آخر : رأيت أن حلقي مسدود وأطلب النفَس لم أقدر عليه ، فقطعت شجرة توت وأدخلتها في حلقي فزال ذلك ، قلت : يقع بك خوانيق ولا تبرأ إلا بُربّ التوت ، فكان ذلك.
فصل : وأما من ملك جماعة من الشجر وكان الرائي متولياً ، ملك بلاداً أو جيوشاً أو غلماناً على قدر عددها ، وإن كان عالماً : فعلوم على قدرها ، وهي أعمال للعابد ، وربما كانت أولاداً أو أقارب أو معارف أو دوراً أو تجائر أو(1/20)
دواب ، وهي لرب المعايش فوائد ، وربما تكون للصعلوك دراهم على قدرها ، فما حدث فيها من صلاح أو فساد في المنام عاد إلى من ذكرنا.
قال المصنف : دلت على العلوم لحلاوة ما يجده الآكل وشفاء قلبه حتى إن الذي تغلب عليه الصفراء يلتذ بأكل الحامض فهو عنده أحسن من الحلو ، ودلت على أعمال العابد ؛ لأن الشجر منتصبة لذكر الله تعالى ؛ لأن سجودها دوران ظلها وتسبيحها صوتها حين تتحرك عند هيوب الرياح. والذي خفي علينا من تمجيدها لله تعالى أعظم مما عرفناه فسبحان الممدوح بكل صوت في كل وقت.
فصل في الثمار : الحلو من الثمار وغيره جيد إلا للمريض الذي لا تصلح له الحلاوة ، والحامض ردي إلا لمن تنفعه الحموضة ، وكل ثمرة مجتمعة كالعنب والرطب ونحوه فائدة ورزق هنيء ، وكل ما كان مفترقاً فرزق أتعب(1).
قال المصنف : إنما دل الحلو على الخير غالباً لكثرة استعمال الناس والدواب
له ؛ لأن عموم ما يؤكل ليس بحامض ، ولا يعني إلا ذلك ، وأكثر منه حلاوة. وإنمٍا صار الحامض ردياً لكونه لا يؤكل غالباً إلا بواسطة ، لأنه بمجرده تنفر النفوس منه ويضر الأبدان ، فصار ردياً. وإنما لم يذكر المر والمالح ؛ لأن ذلك لا يؤكل إلا أوقات الضرورة ؛ لأنا لما علمنا أن الحامض ردي مع استعمال الناس له عرفنا أن ذلك أولى بالردءاة ؛ فافهم ذلك.
فصل : كل ما بيننا وبينه حجاب ففيه من الصعوبة على قدر حجابه ، فعلى هذا التين والعنب والإجاص والتفاح والجميز وأمثالهم ، رزق لا نكد في أوله ولا آخره ، والحلو من المشمش والخوج والقراصيا وشبههم : أولها سهل وآخرها
تعب ، والموز والرمان والفستق والجوز واللوز وجوز الهند ونحوهم : فأرزاق أولها تعب وآخرها هنيء ، وبعضها أتعب من بعض على قدر قوة حجابه ، وأما الأترنج فأوله نكد لمرارة أوله ، ووسطه رزق هني لحلاوته ، وآخره نكد لحموضته.
قال المصنف : المشمش والخوخ ونحوهما آخره نكد لكونه في آخره النوايه التي لا تؤكل غالباً معه ، ويبقى الآكل لذلك يتوقاها خوفاً على أسنانه لئلا تؤذيها ، ويخاف أن يغفل يبتلعها فتقف في حلقه فتفضي به إلى الموت وإلى عذابه لصعوبة ازدراده ، فدل على النكد. وكذلك كل ما يشبهها من المآكل حكمه. ومما يشبه الذي أوله نكد ووسطه هنيء وآخره نكد الرمان ، أوله نكد لمرارة قشرة ، ووسطه هنيء لحلاوة حبه ، وآخره نكد لمرارة ما هو نابت فيه. وقد يكون للشيء حجابان كالجوز قشره الأول حجاب ، والصِفَاق الذي في قلبه حجاب آخر ، لأنه لا يؤكل هنيئاً إلا بزواله. وقد يكون الشيء أوله هنيئاً ، ووسطه نكداً. وآخره هنيئاً ، كالمشمش اللوزي أوله هنيء ووسطه نكد لنوائه ، وآخره هنيء لحلاوة لبه. ومما يشبه ذلك اللحم والمخ في العظم أوله هنيء ، ووسطه عظم نكد ، وآخره مخ هنيء. وقال لي إنسان رأيت أنني صرت عظماً وعليّ لحم وأنا آكل ذلك ، قلت : أول عمرك رزق ووسطه فقر وآخره رزق إن كان فيه مخ. فافهم.
فصل : كل ما كان له صوت عند أخذه أو كسره فهو مال بخصال أو من رجل بخيل.
قال المصنف : إذا جنى ثمرة من غير جنس أصلها كمن يأخذ التمر من الكرم ، والجوز من المشمش ، والباذنجان من اللفت ، ونحو ذلك فإن جعلتهم جيوشاً فمن غير جنسه ، ونفع من بلاد من غير جنس نفع ذلك البلد ، وتزويج وولادة من غير النسب. فإن كانت القرائن في المنام ردية كمن يرى ذلك الثمر تالفاً أو وسخاً أو منتناً أو مُسَوساً ونحو ذلك دل على الحمل والولادة من الزنا ، كما قالت امرأة : رأيت كأن عندي شجرة نخل عليها رطب وعليها عنب أسود ، قلت : فمن أيهما أكلتِ ، قالت : من العنب ، قلت : عندكم عبد أسود ، وقد مال قلبكِ إليه وحملتِ منه ، قالت : بغير اختياري ، قلت : لا تعودي إلى مثل ذلك. وقال آخر : رأيت أنني آكل رماناً من أصله ورماناً آخر نابتاً على جلد خنزير ، قلت : عندك امرأة بنكاح صحيح وامرأة أخرى نصرانية ، قال : نعم ، قلت : قد حملتا منك والنصرانيه بلا عقد نكاح قال : صحيحٌ ذلك.
فصل : من ملك أو تحكم فيما يجمع شيئاً بعد شيء كالعُصْفر والمقثاة والباذنجان ونحوهم فإن كان ملكاً فجيوش ، أو بلاد مترادفة النفع ، وذلك للتاجر تجائر مكسبة ، وللأعزب زوجة كثيرة الجهاز والنسل ، ولأرباب المعايش معيشة دَارَّة ، وهي للمريض الذي لا يصلح له الأكل منها أيام مرض متواصلة ، كل ذلك إذا ملكها أو أن إقبالها. وهي في إدبارها عساكر مولية أو تجارة خاسرة ، أو معيشة بطالة ، أو زوجة فقيرة أو لا نسل لها.
فصل : وأما حقل الفجل واللفت والخس والجزر والبصل ونحوهم ، فأرزاق لمن لا تضرهم لكنها غير مترادفة النفع ، وهي لمن لا تصلح له من المرضى أمراض غير متوالية .
__________
(1) أي أتعب في التحصيل.(1/21)
فصل : وأما اليابس من الثمار كالزبيب والتمر ، والحبوب كالقمح والشعير والأرز والفول والعدس والحمص والجُلْبَان ، ومن السائلات كالشيرج والزيت ونحوهم : فأرزاق وفوائد ، وأما التبن والحشيش لمن ملكه أو هو عنده : فأرزاق وأموال ، لكون الدواب يأكلونه فيعود سمناً ولبناً ولحماً وشحماً وزبلاً ينتفعون به.
فصل : كل ما دل من الثمار أكلُه ، أو ملكُه على الرزق أو النكد فقُرب تفسير ذلك على قدر قرب مجيء تلك الثمرة وبُعْدِها ، وعلى هذا يقاس جميع الثمار أو النبات والله أعلم.
قال المصنف : إذا أخذ ثمرة من غير جنسها كما ذكرنا فإن كانت أكثر فائدة من ذلك فأرزاق ومعايش دَارَّة ، وربما دل على تحول صنعته إلى ما هي أرفع منها ، كمن يرى أنه يأخذ من أصول التين تمراً أو زبيباً أو رماناً أو نحو ذلك ، وبالعكس من ذلك لو أخذ أدون من ثمرتها أو شيئاً لا ثبات له ، كمن يأخذ من أصول الزعفران ورداً طرياً أو من العصفر ياسميناً ونحو ذلك ، فإنه دال على عدم بقاء المعيشة في التي ينتقل إليها ، وإن دل على الولد كان قصير العمر ، وإن دل على النكد كان سريع الزوال. وأما إذا رأى أنه أخذ السائلات من الجماد أو الحيوان ولم يتلوث به فأرزاق وفوائد وخير ممن دل ذلك عليه ، وإن تلوث أو كان يضره فهو نكد ممن دل عليه ولم يدل ذلك على الزنا ولا الحمل منه. والفرق بينه وبين أخذ الثمار من أولئك لأن السائلات تؤخذ من الحيوانات كاللبن ، والعسل من النحل ، والماء العذب من الحجاة فافهم ذلك.
فصل في الجبال(1) : من ملك جبلاً أو طلع على رأس جبل ، تحكم من جليل القدر ، أو تولى ولاية تليق به ، أو قُضِيَت له حاجة ، وإن كان خائفاً أمن. فإن كان جبلاً مليحاً فيه أشجار نافعة أو عيون مليحة فالرجل المذكور حسن ، أو ولاية حسنة ، أو معيشة ، أو فائدة ، أو زوج جيد ، وأما إن كان أقرع ، أو فيه الحيات ، أو الوحوش المؤذية فرجل ردي ، أو ولاية نكدة.
قال المصنف : دل الجبل على الجليل القدر لعلوه وارتفاعه ، ودل على المنصب والولاية وقضاء الحوائج لكون الطالع قصده أعلى رأسه ، أو المكان الذي في خاطره وقد نال ذلك ، وإن كان خائفاً أمن لأن فيه أماكن يخفي الهارب فيها أكثر من الأرض المتواطئة ولأن الطالب لمن هو في أعلى الجبل يشق عليه إدراكه غالباً للراكب والماشي بخلاف الأرض ، ويدل لأرباب الرياضات على العبادة وحسن الانفراد ، ولمن يطلب العلوم على الاطلاعٍ على الأشياء الغريبة المليحة ؛ لأن العالي على الجبل ينظر الأماكن البعيدة ، وربما كان الواقف على الجبل جاسوساً لكونه يكشف البعيد ولا يعلم به غالباً ، وربما دل الصعود على الجبل والأماكن العالية على أمراض تحدث بالرأس أو بالعين خصوصاً إن كان واقفاً على مكان ضيق ؛ لأن الصاعد على مثل ذلك يدوخ رأسه ويخيل إليه أن الأرض تدور به ، ونحو ذلك. فافهمه موفقاً إن شاء الله.
وأما من طلع إلى رأس جبل(2) بطريق سهلة كان ذلك راحة وإن كان مريضاً ربما مات ، وأما إن لم يبلغ رأسه أو طلع طلوعاً مشقاً ، طال مرض المريض ، وخوف الخائف ، وتعسرت حاجة المذكور ، ولم يبلغ مراده.
قال المصنف : فإن طلع إلى الجبل ، أو المكان العالي بسلم فانظر من أي شيء السلم : من جديد ، أو من حجر ، أو خشب ، أو من حِبال ، أو من نُحاس ، أو من فضة ، أو ذهب ونحو ذلك ، وانظر علو الذي رقى إليه بالسلم ، فإن كان عالياً علواً لا يمكن أن يعمل له سلم دل على قضاء الحوائج لكن بغرامة على قدر
السلم ، ويدل على تسهيل الأمور من حيث لا يحتسب ، كما قال لي إنسان : رأيت بقرة وحش على رأس جبل عالٍ ، فطلبت أخذها فلم أقدر عليها ، فنصبت سلماً من ذهب ، وطلعت أخذتها ، قلت له : كم تقدير عدد درج السلم ، قال : خمس عشرة درجة ، قلت : طلبت تشتري جارية من جليل القدر وقد حصلت ثمنها ألف وخمسمائة درهم ، قال : صحيح ، قلت : تحصل لك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت كأنني نصبت سلماً إلى السماء من نحاس وأخذت النجوم التي تسمى الذراع ، قلت : أنت تعاشر المناحيس وقد طلعتم إلى دار جليل القدر ، أو تاجر ، أو خياط وأخذتم من داره لؤلؤاً ، أو مصاغاً قال : صحيح. وعلى هذا فقس.
فصل : وأما من هدم جبلاً : سعى في زوال من دَلّ الجبل عليه ، فإن كان جبلاً نافعاً ، سعى في زوال من فيه نفع الناس وإلا فلا ، وأما تقاتل الجبال ، أو مسيرها فدليل على قتال الأكابر ، أو سفرهم ، وأما ارتفاع الجبل فوق البلد ، أو فوق الإنسان فدليل على الخوف والشدة.
فصل : وأما تهدد الجبال ، أو طيرانها ، أو حرقها بالنار فدليل على فتن وأمراض تهلك فيها الأكابر.
__________
(1) الجبل : ملك أو سلطان قاسي القلب ، قاهر ، أو رجل ضخم على قدر الجبل وعظمه ، وطوله وقصوره ، وعلوه ، ويدل على العالم والناسك ،ويدل على المراتب العالية والأماكن الشريفة والمراكب الحسنة.
(2) وربما دل على الغايات والمطالب ، لأن الطالع إليه لا يصعد إلا بجاهه.(1/22)
قال المصنف : أنظر ما طَيَّر الجبل ، أو هده فإن كان بثلج ، أو جليد ، أو هواءٍ مزعج ونحو ذلك من الأشياء الباردة ، فأمراض باردة يهلك بها من دل الجبل عليه ، وإن كان من النيران فأمراض حارة ، وكذلك ما يدل على باقي الأخلاط وربما دل هلاكه على يد رجل يتعانى ذلك. مثاله إذا جعلته من رطوبة فقل : نكد ممن يتعانى المياه ، ومن الحرارة فممن يتعانى النيران ، وكذلك قس باقي الأخلاط على ما ذكرناه موفقاً إن شاء الله تعالى .
وأما الجبال المعظمة كعرفات والطور ولبنان وقاسيون وطور زيتا وجودي وأمثالهم ، فهم دالون على العلماء والزهاد والملوك وأماكن العبادة والخير ، فما حدث فيهم من خير ، أو شر نسبناه إلى عالم ، أو زاهد ، أو كبير ، أو ملك ذلك البلد.
قال المصنف : من صار في المنام كأنه جبل من هذه الجبال نال من العلوم ، أو عاشر أربابها ، أو طلع له ولد كذلك ، أو سافر إلى ذلك المكان ، أو اجتمع برجل كذلك من ذلك المكان ، وكذلك لو طلع عليه ، أو صار الجبل في مكانه ، أو جاء الجبل إلى عنده حصل له ما ذكرنا. فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله.
والكُدي والتلال حكمها حكم الجبال لكنها دونها في الرتبة.
قال المصنف : وربما دلت الكُدي والتلال(1) والصخور على قضاء الحوائج أكثر من الجبال ، كرجل طلب حاجة من جبل فرأى كأنه ضعيف ، أو لا يقدر على الصعود إلى ذلك فطلع إلى كدية ، أو تل أو حجر ووجد قصده على ذلك دل على بلوغ المراد من الرجل المتواضع القريب من الناس السهل المعاملة الذي لا تتعسر حوائج القاصد إليه بخلاف الجبل في هذه الحال التي ذكرناها ، وإذا كان عادة البلدان يدور حجره بالدواب فرآه يدور بالماء ، أو بالرياح ونحو ذلك ولم يعبر نفعه ففائدة من حيث لا يحتسب لكونه توفرت عليه علوفة الدواب وسقيها ، وأما إن نقصت عملها فنكد ممن دل ذلك عليه ، وإن رآها في صفة لا يثبت مثلها مثل الزجاج وهي تعمل جيداً ففائدة ممن لا يرجى ، وإن لم تعمل صارت ردية ، وأما إذا أكلها وطعمها طيب فهي دالة على الربح والفائدة ويدل أيضاً على أنه ربما باعها وأكل أثمانها ، وإن لم يكن طعمها طيباً دل على ضد ما ذكرنا. فافهم ذلك.
فصل : وأما الصخور فرجال قساة القلوب فمن ملك حجراً مما فيه نفع كحجارة الطاحون والمعصرة وحجر الماء وأمثالهم ففائدة من جليل القدر كالوالد ، والسيد ، والأستاذ ، والأخ ، والزوج ، والوالدة ، والقرابة ، والصديق ،
والصنعة ، وربما كان رجلاً كثير الأسفار ، وأما إن حمل حجراً ، أو وجد منه نكداً ، قاسى من قاسي القلب على قدر ما وجد من الخفة أو الثقل.
فصل : وأما الحجارة النافعة كحجارة الحصر والنافع لوجع العين ، أو الأذن ونحوهم فدالون على الأطباء ، والعلماء ، وأصحاب الجاه ، والراحات ، والفوائد ، والمعايش ، والصنائع المفيدة ، وكذلك سائر الجواهر والرخام ، ويدلون على الأموال.
قال المصنف : إذا ملك حجراً معروفاً بمنفعة لمرض ؛ فإن كان المالك له مريضاً بذلك المرض تعافى من ذلك المرض ، وإن كان يضره كان دليلاً على طول
مرضه ، وإن كان المالك له صحيحاً ؛ فهو إنذار له بمرض يحتاج في مداواته إلى مثل ذلك الحجر المذكور. ودلوا على العلماء لأنهم أطباء الأحكام ، ودلوا على أرباب الجاه لعلوهم في جنسهم ، ودلوا على المعايش والفوائد لكثرة أثمانهم ورغبة الناس في منافعهم وفوائدهم فافهم ذلك. وإنما يدلون على الأموال ، والنعم إذا ملكها من مواضع تليق بها ، وأما إذا رأى ذلك في موضع لا يصلح له مثل عملها في العصائب ، أو العمائم ، أو الكوافي ، أو في الحلي ، أو في السقوف دون الحيطان أعطى النكد ووضع الشيء في غير محله. وكذلك لو رأى الجواهر في الأرجل أو الأراضي ، أو في أسافل القماش دون موضعه ونحو ذلك دل على ما ذكرنا ، وعلى زوال منصب من دلوا عليه ، فافهم ذلك إن شاء الله.
فصل : وأما من أكل الحجارة ، أو الرمل ، أو التراب ، أو الخشب ونحوهم فإن صار في فمه طيباً ، أو عسلاً ، أو سمناً ، أو خبزاً ونحو ذلك ولم تؤذه فذلك أرزاق وفوائد ممن دلوا عليه ، أو من زراعات أو أملاك أو تجارات ، أو معيشة ، وبالعكس من ذلك لو لم يكونوا في فمه كما ذكرنا ، أو كسروا أسنانه ، أو جرحوا فمه ، دل على الأنكاد والفقر والتعب ونحو ذلك.
__________
(1) التل والرابية : إذا كانت الأرض دالة على الناس ، إذ منها خلقوا . فكل نشز منها وتل ورابية وكدية وشرف ، يدل على كل من ارتفع ذكره على ا لعامة ، بنسب أو علم أو مال أو سلطان . وقد تدل على الأماكن الشريفة والمراتب العالية والمراكب الحسنة . فمن رأى نفسه فوق شيء منها
، فإن كان مريضا كان ذلك نعشه ، سيما إن رأى الناس تحته . وإن لم يكن مريضا وكان طالبا للنكاح تزوج امرأة شريفة عالية الذكر ، لها من سعة الدنيا بقدر ما حوت الرابية من سعة الأرض ، وكثرة التراب والرمل.(1/23)
قال المصنف : وربما دل أكل الرمال على أنه يفيد من عمل الزجاج ، وأكل التراب من عمل الحديد ، والخشب من الثمار والحطب ، وأكل الحجارة لذوي الأقدار فائدة من البلدان ، والقُرى ، والقلاع ، ونحو ذلك.
فإن لم يكن جنس ذلك المأكول في بلده دل على الفائدة من أهل ذلك البلد الموجود فيه ذلك ، أو مما يُجلب منه إلى غيره ، أو يسافر إلى ذلك المذكور. وبالعكس من ذلك إذا لم يكن في فمه طيباً. فافهم ذلك.
فصل : وأما الحصى(1) فدال على عوام الناس وعلى الأموال والعبيد والخدم ونحو ذلك ، فإذا رأى كأن سيلاً أخذ حصى ذلك البلد ، أو التقطه طير ، أو أحرقته
نار ، نزل بعوام ذلك البلد آفة من مرض ، أو عدو ، أو طاعون ، أو وقعت في أموالهم خسارات ، أو ظلم ، أو نهب. وكذلك رجم المكان بالحجارة هموم وأحزان وأخبار ردية ، أو كلام ردئ في أعراض أهل ذلك المكان المرجوم ، وربما كانوا على بدعة ، أو فسوق ، أو كفر والله أعلم.
قال المصنف : دل الكبار من الحجارة على الأكابر ، ودل الحصى على العوام لكثرتهم لم يزالوا مرميين في الطرقات تحت الأرجل ولكونهم لا ينتفع بهم غالباً ، وإنما دل الحصى على الأموال إذا انتفع بهم في المنام ، وكذلك على العبيد والخدم ، فإن انقلب حصى المكان في صفة أحسن مما هو فيه مثل إن صاروا جواهر ، أو كبروا كبراً ينتفع بهم دل على صلاح أهل ذلك المكان ، إلا أن يكبروا كبراً يعوق المشي في الطرقات دل على أنهم قطاع طريق ونحو ذلك ، وإنما يدل الرجم على النكد إذا أضر بأهل المكان ، فأما إذا رجموا بالجواهر ، أو بالأحجار النافعة ، أو المآكل الطيبة ولم تؤذ أحداً دل على قدوم الأكابر إلى ذلك المكان ، أو تجار ، أو مماليك أو جوارٍ ، أو عبيد ، فإن انتفع الناس بهم نالوا راحة مما دلوا عليه ، وإن تضرروا حصل لهم النكد ، واعتبر الرجم أين وقع لهم فإن كان في آذانهم فقد نهوا عن سماع ما لا يليق ، وإن كان في أعينهم فعن نظرهم ، وفي أفواههم فعن
كلامهم ، أو طعامهم ، وفي أيديهم فعن أخذهم ، وعطائهم وضربهم ، وفي أرجلهم فعن سعيهم ، ونحو ذلك.
الباب الخامس
في مياه الأرض
من رأى أنه يشرب أو يأخذ ماءً حلواً من بحر(2) ، أو يصطاد منه شيئاً نافعاً ، أو يأخذ منه جواهر ، أو يطفئ به ناراً ، أو يتوضأ منه ، أو يغتسل ، أو يسبح فيه في زمن الصيف ، أو يسقي به زرعاً ، ونحو ذلك : دل على الفوائد من الملوك ، والأكابر كالوالد ، والولد ، والزوج ، والسيد ، والأخوة ، والأقارب ، أو المعارف ، أو من تجارات ، أو من معايش كل من هو على قدره .
قال المصنف : إذا قال لك إنسان : رأيت أنني أشرب ماءً في المنام ، فاسأله إن كان حين انتبه وجد نفسه عطشاناً ، فلا حكم له ، وإن لم يكن عطشاناً في اليقظة فإن كان التذ بشربه في المنام ، حصلت له راحة ، أو علوم ، أو خلاص من مرض إن كان المرض حاراً ينفعه شرب البارد ، وكذلك إن كان مرضه بارداً ، وشرب الماء الحار ، فإن رأى أنه يشرب على الريق ، وكان في زمن الخريف ، أو الشتاء يمرض قليلاً ، وربما أوجعه فؤاده لكون شربه في ذلك الوقت مضراً ، وهو في زمن الربيع راحة ولا ضرر فيه ، وذاك في زمن الصيف يدل على وجع الرأس لكونه يستحيل صفراءً عاجلاً ، وهي تتعلق بالرأس ، والماء الحار في الشتاء والخريف
جيد ، وفي الربيع والصيف ردي ، وأما إذا أبصر أنه يشرب عشاءً من غير عطش دل على الأنكاد ، والأمراض لضرر ذلك ، وعلى ضياع المال ، وعلى الزنا ، والتزويج بلا فائدة. فافهم ذلك .
فصل : وأما إن وجده مالحاً ، أو مراً ، أو منتناً ، أو كدراً ، أو سبح فيه في زمن الشتاء ، أو من هو مريض لا يوافق مرضه الماء البارد ، أو غرقه ، أو أتلف شيئاً للناس فيه نفع فذلك نكد ممن ذكرنا ، أو من عدو أو مرض وذلك للمريض دليل على طول مرضه .
قال المصنف : إذا انتفع بالماء المالح ، أو المر ، أو المنتن في غسل شيء من القماش ، أو الأجسام ، أو الجلود ، أو الأمتعة ونحو ذلك فهو جيد وراحة ، ومثله لو هرب من عدو فطلب مكاناً يستره ، أو طلب يستر عورته من الناس فنزل في الماء الكثير لأجل ذلك كان جيداً.
__________
(1) الحصى : يدل على الرجال والنساء ، وعلى الصغار من النساء ، وعلى الدراهم ابيض المعدودة ، لأنها من الأرض وعلى الحفظ والإحصاء ، لما ألم به طالبه من علم ، أو شعر ، وعلى الحج ورمي الجمار ، وعلى القساوة والشدة ،وعلى السباب والقذف.
(2) الماء : يدل على الإسلام والعلم ، وعلى الحياة والخصب والرخاء ، لأن به حياة كل شيء كما قال تعالى ( لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه ) ــ الجن : 17,16 . وربما دل على النطفة ، لأن الله تعالى سماها ماء ، والعرب تسمي الماء الكثير نطفة ، ويدل على المال لأنه يكسب به.(1/24)
فصل : وإذا جعلناه ملكاً كان سمكه رعيته ، أو غلمانه وجنوده ، وإن جعلناه عالماً فأولئك علومه وتلاميذه ، وإن جعلناه تاجراً كان ذلك تجاراته ومكاسبه ، وإن جعلناه زوجاً كان أولئك غلمانه ، أو أقاربه ، أو جهاز بيته ، وإن جعلناه معيشة كان أولئك عوام سوقة الذين لا يرحم صغيرهم كبيرهم ، فما حدث منهم من صلاح ، أو فساد عاد ذلك إلى من دلوا عليه.
قال المصنف : دلوا على الملوك لهيبته ويقتل أقواماً ويسلم منه آخرون ولعدم من يحكم على جميع ما فيه كالملوك الذين لا يحكم عليهم ، ودلالته على التاجر لكون التجار ، أو المراكب يمشون فيه ويؤخذ منه السمك واللؤلؤ والمرجان ونحو ذلك مما يباع ، ودلالته على الزوج للذة الاغتسال منه وهيبته والتجرد وكشف العورات عند الاغتسال ، ودلالته على المعايش لكون ما فيه من الحيوان ينتفع به غالباً ولما يخرج منه من الجواهر وغيرها ومما يحمله عليه ، أو يشرب منه ، أو يغتسل فيه – ويعبر ذلك الأسواق – وينادي عليه ويؤكل ويدخر ويلبس ونحو ذلك فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله.
فصل : فأما ما يؤكل منه من الدواب فأرزاق حلال ، فالذي هو قليل العظام فهو رزق هنيء ، والذي هو كثير العظام ، أو الشوك فرزق تعب ، أو فيه شبهة.
قال المصنف : إذا رأى كأنه يأكل من حيوان البحر وكأنه مقلي ، أو
مشوي ، أو مطبوخ في البحر ، حصلت له راحة من حيث لا يحتسب لكونه أخذه معدلاً من موضع لا يستوي مثله فيه ، وإن جعلته نكداً فهو أيضاً كذلك. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني آخذ سمكاً من بحر وهو مقلي في البحر ، قلت : تأخذ حُمّى عقيب غسلك بالماء ، فمرض بذلك ، ودليله أن السمك ما كان يوافقه فافهم ذلك.
وأما من رأى كأنه صار من حيوانات البحر ، أو يسبح معهم ، أو يعاشرهم دل على مخالطة الأكابر ، أو غلمانهم ، أو أرباب العبادات ، أو من في الأسواق فما حصل له منهم من خير ، أو شر عاد إلى ذلك ، وربما سُجن رائي المنام .
قال المصنف : اعتبر جنس الذي صار منهم ، كما قال لي إنسان : رأيت أنني صرت سلحفاة في البحر ، قلت : تصير حمالاً على أكتافك ، فصار كذلك ، لكون على قفى السلحفاة ذلك القشر وهي تمشي على أربع كالجمال إذا نهض بحمله. ومثله رأى آخر ، قلت : اشتريت جوشناً وهو ثقيل عليك ، قال : نعم. ومثله رأى آخر ، قلت : يقع بك مرض فتمشي على أربع ، وربما وقع عليك
هدم ، فوقعت عليه داره فآذت حجارتها ظهره وركبتيه فبقي يمشي على أربع.
فصل : وأما الأنهار والعيون والآبار فكل ذلك حكمه حكم البحار على ما ذكرنا إلا أنها أنزل مرتبة منه.
قال المصنف : إذا كانت الأنهار والآبار والعيون في المنام في أماكن عدم الماء كالبراري والرمال والمفاوز التي ليس فيها شيء من ذلك فهم دالون على ذوي الأقدار لعدم من يساويهم ، وهم في المواضع المعتادة لمثل ذلك فهم أنزل مرتبة مما ذكرنا لقلة هيبتهم وقلة سمكهم ودوابهم وقلة مشي الراكب فيهم فافترقوا لذلك.
وأما نشاف أحد ذلك فدليل على هلاك من دلوا عليه ، أو على تعطيل مكسبه.
قال المصنف : وربما دل نشاف أحدهم على قلة الأمطار في تلك السنة ، وكثرة الأمراض الحارة المعطشة ، وعلى قلة مجيء المراكب في موضع يصلح ذلك ، وعلى قلة مجيء الحيوان من تلك الجهة كالسمك ونحوه ، ويدل على قطع الطرقات لكونه بطل مشي المراكب أشبه بطلان مشي الأرجل من ذلك المكان ، ويدل على آفة تقع في الملابس لعدم ما يُقصر به ، أو يغسل فيه وعلى موت الحيوان لزوال ما كان يشرب منه وعلى تلاف الزرع والثمار التي كانت تسقى منه وكذلك يدل مصيرهم دماً ، أو تغيرهم في صفة لا تنفع كنفعه على ما دل عليه نشافهم فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
وأما هيجانه ، أو زيادته المضرة فنكد ، أو تغيير من دلوا عليه وميله إلى الجور والعداوة ، وأما مصيرهم دماً ، أو جيفاً ، أو ناراً وهو يؤذي أهل ذلك المكان فنكد ممن دلوا عليه ، أو عدو أو أخبار مؤذية ، أو أمراض متلفة ، أو حروب ، وربما مرض من دلوا عليه ، أو نزلت به آفة ، أو تعطلت معايش ذلك المكان.
وأما السيل : فرجل غريب ، أو قفل ، أو عسكر فيه من النفع والضرر على قدر انتفاع أهل ذلك الموضع به وضررهم.
قال المصنف : لما أن كان السيل لا أصل له ينبع منه بل هو مجمع من ها هنا وها هنا أشبه القفول والعساكر ، والرجل الغريب الذي لا يعرف من أين أصله ، فإن أتلف شيئاً خيف على ذلك المكان من لص ، أو هجام ، أو عدو يأتي بغتة ، فإن انتفع به الناس ربما كانت تجار ، أو عساكر ، أو رجلاً عالماً ، أو أمطاراً مفيدة فافهم ذلك.
فصل : جريان الأنهار ، أو العيون في الأماكن التي لا يليق بها – كوسط البيوت ، أو تنزل من السقوف ، أو تجمع فيه اجتماعاً يُضَيقّ ، أو يخلخل
الحيطان ، أو يتلف شيئاً من المتاع ، فدليل على النكد في ذلك المكان أو تجري فيه عيون باكية ، أو لصوص ، أو حوادث ونحو ذلك.(1/25)
قال المصنف : لما أن كانت البيوت لا يليق بها ذلك ؛ لأن السقوف جعلت لدفع الأمطار والحر وما جعلت لجمع المياه أعطى ما ذكرنا من النكد ؛ لأن ذلك يتلف الأمتعة ويمنع السكن ويضيق صدر أهل المكان ، بخلاف المواضع المصنوعة للماء ، كما قال إنسان : رأيت أن ماءً نزل من الحائط فأذهب المتاع الذي في البيت ، قلت : يروح بعض القماش الذي في المكان ، وربما يأخذه رجل سقاء ، فعن قليل سكر عندهم إنسان سقاء فنقب حائطهم وأخذ ما قدر عليه من متاع البيت. فافهم ذلك.
فصل : وربما دل البئر على كبير المكان ، فإن كان بئراً حلواً سهل التناول فرجل كريم حسن ، وإلا فلا ، وربما دلت البئر المبذولة في الحارة على المرأة الردية التي يأتي إليها كل أحد ، ويكون حبالها : غلمانها ، وأوانيها : الرجال المربوطين على محبتها ، فما حدث فيهم من خير ، أو شر رجع إلى ما ذكرنا.
قال المصنف : إذا رأى الأنهار ، أو العيون ، أو الآبار في جسده دلت على الخُراجات وطلوعات وعلامات تظهر في جسده. كما قال لي إنسان : رأيت كأن في ظهري بئراً حلواً وثيابي تتلوث منها ، قلت : يطلع عليك دمامل ، أو حمرة ، فجرى ذلك. ومثله قال آخر ، قلت : شربت منها ، قال : نعم ، قلت : يعيش لك ولد من ظهرك حتى تأكل من كسبه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت كأن في جسمي أنهاراً ، قلت : نخشى عليك مكاوي نار ، فبعد قليل مسكه عدوه وكواه بالنار.
فصل : من ملك سفينة ، أو ركب فيها ، أو تحكم عليها(1) ، فإن كان أعزب تزوج ، وإلا نال راحة من كبير ، أو من والديه ، أو زوجة ، أو دَرَّت معيشته ، أو ربحت تجارته ، أو اشترى دابة ، أو جارية ، فإن جعلناها بمنزلة الملك كان قلعها صاحب أمره ونهيه ، ومقاذيفها غلمانه وجنوده ودوابه ، ورجلها مقدم عسكره الذي يقومون بأمره . وإن جعلناها امرأة كان ذلك جهازها ، ورجلها : وليها وإمامها ، أو زوجها الذي لا يتحرك إلا بأمره ، وصاريها ولدها الذي في بطنها. وإن جعلناها معيشة كان جميع ذلك أسباب معيشته. فما حدث في شيء من ذلك من خير ، أو شر رجع إلى من ذكرنا. ويدل ركوبها على نجاز وعده.
قال المصنف : إذا ملك سفينة في بلد لا سفر فيه فمعيشة بطالة ، أو زوجة قليلة الحركة. أو دابة زمنة ، أو بعض ملكه معطل ، وربما سافر إلى مكان فيه سفن ، وتكون الراحة من المكان على قدر حسنها. وقال لي إنسان : رأيت كأنني سرقت سفينة وأكلتها ، قلت : سرقت دجاجة وما أكلت إلا السفينة ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت كأن دجاجة تمشي فخطفت رجلها وأكلتها ، قلت : سرقت رجل مركب وأكلت ثمنه ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت كأنني أكلت جناح طائر بريشه في المنام ، قلت له : أبعت قلع مركب وأكلت ثمنه ، قال : صحيح .
وأشبهت السفن الملوك لسلامة الراكبين فيها من الشدائد والغرق وأشبهت الزوجة لحملها في بطنها وخروج الناس منها كولادة الأولاد ، وأشبهت المعايش لحملها المأكول والمشروب والملبوس ونحو ذلك فيها وبيع الناس لذلك وربحهم وانتفاعهم به ، وتشبه أيضاً الدكاكين والمخازن التي فيها من كل نوع ، وأشبهت الطيور والحيوانات ، كما قال لي إنسان : رأيت كأن عندي ديكاً وقع في ماء فغرق ، قلت له : لك مركب مليح ، قال : نعم ، قلت : يغرق ، فجرى ذلك.
فصل : فمن رأى أنه ركب سفينة وانكسرت به ، أو أنها ناقصة العُدة : نقص من غلمانه ، أو من أولاده ، أو دوابه على قدر الناقص ، أو يموت من نُسِب إليه ذلك ، أو تبطل بعض فائدته. وأما إن كانت مليحة ، أو جديدة ، انصلح ذلك كله.
قال المصنف : اعتبر نقص الفائدة على ما يليق بالرائي في ذلك الوقت كما قال لي إنسان : رأيت عندي مركباً وقد انكسرت ، قلت : عندك جارية حامل ،
قال : نعم ، قلت : إن كان وقع ما في المركب أسقطت وإلا فلا. ومثله رأى
آخر ، قلت : كانت المركب جديدة ، قال : نعم ، قلت : أي شيء كسرها ، قال : حجر ، قلت : عندك بكر من النساء نخشى عليها زوال بكارتها ، فما مضى إلا قليلاً وذكر أن ذلك جرى. ومثله رأى آخر قلت : عندك إناء ملآن ، قال : نعم ، قلت : ينكسر ، فجرى ذلك.
__________
(1) السفينة : دالة على كل ما ينجي فيه مما يدل الغرق عليه ، لأن الله سبحانه نجى بها نوحا عليه السلام والذين معه مما نزل بالكفار من الغرق والبلاء . وتدل على الإسلام الذي به ينجي من ا لجهل والفتنة ، وربما دلت على الزوجة والجارية التي تحصن وينجى بها من النار والفتن ، لأن الله سبحانه سماها جارية . وربما دلت على الوالد والوالدة اللذين كانت بهما النجاة من الموت والحاجة ، لا سيما أنها كالأم الحاملة لولدها في بطنها . وربما دلت على الصراط الذي عليه ينجو أهل الإيمان من النار ، وربما دلت على السجن والهم والعقلة إذا ركدت ، لقصة يونس عليه السلام.(1/26)
وربما عاد النقص إلى بعض أطراف الدواب ، أو الغلمان كما قال لي إنسان : رأيت كأن لي مركباً يمشي بلا رجل ، قلت : عندك امرأة عرجاء وربما تكون جارية ، قال : صحيح. مثله قال آخر ، قلت : لك امرأة حرة قليلة الدخول والخروج ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، ولكن قال : ضاعت الرجل ، قلت : لك دكان ، قال : نعم ، قلت : تروح لك ميزان ، فعن قليل ضاع ميزانه.
فصل : فإن مشت به في البر ولم تنكسر دَل على تمشية أموره من حيث لا يحتسب لكونها سلمت في موضع يعطب مثلها فيه ، ومسيرها في الهواء دليل السفر. وأما إذا كانت واقفة لم تمش به فدليل على توقف معايشه ، أو على مرض ، أو سجن ، وإن كان مريضاً دل على طول مرضه وربما مات خصوصاً إن انكسرت به ، أو انكبت على وجهها. وأما المرسى فهو رجل صاحب أخبار والله أعلم.
قال المصنف : انظر بماذا مشت فإن مشت بالريح أعطى ما ذكرنا ، وإن مشت بالحبال ، أو بالحيوان تجرها ونحو ذلك أعطى ما ذكرنا ، لكن فيه تعب وغرامة بخلاف الريح. ورأى إنسان كأن له مراكب عدة في البحر وكأنه أراد أن يُوسِقَهُنَّ متاعاً ويركب فيهن ركاباً فقيل : إن تفعل ذلك رفعت القلوع وأقلعن وسرن بغير أمره ، قلت له : عندك جماعة من الطيور في مكان مسجونات والساعة يطير الجميع بغير اختيارك ، فما مضى قليل إلا وفتح القفص وطار الجميع كما ذكرنا ، فافهم ذلك.
وإذا كان المَرْسَى في مركب لا عادة له بمثله كَمَرْسَى الكبار في المراكب الصغار أعطى النكد لثقله وقلة نفعه ، وإن كان صغيراً في مركب كبير فكذلك. وكذلك إذا كان المرسى مما لانفع فيه مثل أن يكون زجاجاً ، أو طيناً ، أو فخاراً ونحو ذلك وإن كان من خشب كان من دل المرسى كثير الخلاف ؛ لأن القصد منه نزوله في الماء ليصل إلى القرار ليقف المركب والذي هو من خشب كلما غرقه لا يغرق في الماء فافهم ذلك.
الباب السادس
في الحيوانات
وهو أربعة أقسام(1) :
القسم الأول : خير مطلقاً وهو ما انتفع به بنو آدم غالباً كالخيل والبغال والحمير والغنم وأمثالهم.
القسم الثاني : الشر وهو ما يضر غالباً كالسباع والحيات والعقارب وأمثالهم.
القسم الثالث : ما فيه خير وشر كأدوات الصيد مثل الفهود والصقور والبزاة ونحوها.
القسم الرابع : لا خير فيه ولا شر كالذبابة والنملة والخنفسة.
فمن رأى عنده أو ملك واحداً من ذلك نسبته إلى ما ذكرنا.
قال المصنف : لما اختلف أغراض الناس في الحيوانات فمنهم من يركب عليه ويحمل ولا يأكل منه كالحمير والجمال عند اليهود والنصارى ، ومنهم من يأكله ولا يركب عليه ويبيعه كالغزلان والغنم والخنازير ونحو ذلك ، ومنهم من يأكل لحمه في وقت صحته ويمتنع منه وقت مرضه لكونه يضره ، ومنهم من يأكل لحمه ولا يأكل الناتج منه كمن لا يأكل الألبان والجبن والسمن ، ومنهم من يأكل الناتج منه ولا يأكل الحيوان كالنحل يأكل العسل منه وينتفع بشمعه ويبيع النحل ولا يأكله ، ولذلك قلنا : ما انتفع به بنو آدم حتى يشمل جميع ما ذكرنا فافهم.
ولما كان النفع في القسم الأول الذي ذكرناه غالباً كان الضرر فيه وجوده كعدمه ، ولما كان الضرر في القسم الثاني صار النفع فيه وجوده كعدمه فلا حكم له. وفي القسم الثالث لما أن كانت أدوات الصيد تحتاج إلى علوفة وكلفة وفيهن ممانعة وقوة نفس أعطى الشر كما أعطى ما يصطادونه الخير. ولما كان القسم الرابع إذا كان الفرد منه في البيت لا يخاف ولا يهرب منه أحد ولا يقصد لأجل تربيته ولا فائدة فيه فانتفى منه الخير والشر بخلاف أقسام الخير فإن يقصد ملكه وبقاؤه لأجل ما يطلب من نفعه. وكذلك أقسام الشر فإن الحية ، أو العقرب ، أو الأسد إذا كان في المكان تحذر منه النفوس وتهرب منه الناس فعلمنا أنه دال على النكد فافهم ذلك.
فصل : وهم في أربع جهات : في البلدان والبراري والهواء والماء. فنتكلم أولاً على ما في البلد :
__________
(1) صهيل الفرس : نيل هيبة من رجل ذي شرف ، وكلامه كما تكلم به ، لأن البهائم لا تكذب ، ونهيق الحمار ، تشنيع من رجل عدو سفيه . وشحيج البغل ، صعوبة يراها من رجل صعب . وخوار الثور ، وقوع في فتنة . ورغاء الجمل، سفر عظيم كالحج والجهاد وتجارة رابحة . وثغاء الشاة ، بر من رجل كريم . وصياح الكبش والجدي ، سرور وخصب . وزئير الأسد ، خوف من سلطان ظلوم ، وضغاء الهرة ، تشنيع من خادم لص . وصوت الضبي ، إصابة جارية جميلة عجمية . وصياح الثعلب ، كيد من رجل كاذب . ونباح الكلب ، ندامة من ظلم . وصياح الخنزير ، ظفر بأعداء جهال وأموالهم . وصوت الفأر ، ضرر من رجل نقاب سارق فاسق ، ووعوعة ابن آوى ، صياح النساء والمحبوسين
والفقراء . وصياح الفهد ، كلام رجل طماع . وصياح النعام ، إصابة خادم شجاع . وهدير الحمامة امرأة قارئة مسلمة شريفة ، وصوت الخطاف ، موعظة واعظ . وقيل : كلام الطير كلها صالح . ودليل على ارتفاع شأن صاحب الرؤيا.(1/27)
الغنم لمن ملكهم ، أو رعاهم ، أو تحكم فيهم غنائم وفوائد وأرزاق ونساء وعبيد ، والأبيض خير من الماعز. فمن ملك غنمة وكان أعزب تزوج ، فإن كانت ضأناً فهي امرأة لها جمال وجاه لحسن منظرها وكثرة صوفها وتكون مستورة بالإلية.
والكبش : فرجل جليل القدر صاحب أمر ونهي ، وإن كان بلا قرون فهو رجل مسلوب النعمة ذليل. وكذلك التيس. وأما الماعز فامرأة فقيرة لقلة شعرها ، وربما تكون ذات عيب لكونها مكشوفة العورة. فمن ملك قطيعاً من الغنم ، أو غيره من الحيوانات تولى على جماعة ولاية تليق به.
قال المصنف : إذا ملك الرائي شيئاً من هذه الحيوانات المذكورة قليلاً ممن لا يصلح له إلا الكبير دل على النكد ، كما أنه إذا ملك الكبير ممن لا يصلح له أعطى النكد. فإن جعلت الغنمة زوجة ورأى أنها تحولت في يده كبشاً فانظر فإن آذاه ، أو أتلف عليه شيئاً تنكد من زوجته ، وكذلك إن جعلتها معيشة تحولت إلى صفة دونٍة ، وإن لم يؤذه ذلك حملت زوجته بغلام ، أو تحولت معيشته إلى خير منها إن كانت الرغبة فيه كثيرة ، واعتبر أحوال الرائي إن تساوت الرؤيا كما قال لي إنسان : رأيت أنني أتيت إلى رأس غنم من الماعز إلْيَة في المنام قطعت تلك الإلية ، قلت : تلوثت بدم أم لا ؟ قال : تلوثت ، قلت أتيت إلى جمل سرقت منه خرجاً ، أو مخلاة ، أو نفجة قماش وكان ذلك في الطرق ، قلت : إن أبصر الناس الدم ظهرت عليك السرقة ، وإلا فلا. ومثله رأى آخر غير أنه قال : كانت الإلية على تيس وهي تمنعه من المشي ، قلت له : أنت رجل جرائحي تقطع سلعة وتبط دملاً ، أو خراجاً وتريح صاحبه من ألم ذلك ، قال : صحيح.
ولما كان أجناس الحيوان تختلف بساكنها ذلك ليسهل على طالب هذا العلم الكلام فيه ؛ لأن لكل جنس في مكانه ، أوصافاً تختص به دون غير مكانه فافهم.
فصل : البقر لمن ملكها معيشة ، أو امرأة ، أو دار ، أو سنة ، أو فائدة ، أو خدمة ، فإن كانت مليحة فذلك خير ، وإلا فلا. وكذلك الثور وهو دال على الرجل الكثير النفع ، فأما إن نطحه ، أو رفسه ، أو آذاه تنكد ممن دلوا عليه.
وأما من ذبح واحداً من ذلك ، أو مات عنده ذهب من ذلك المكان إنسان ، أو بطلت معيشة أهله. ويدل ذبحها في المكان الذي لم تجر به العادة على التهمة والخصومة.
والجواميس حكمها حكم البقر إلا أنها أرفع رتبة لكثرة درها ولبنها.
قال المصنف : إذا رأى أنه يأخذ صوفاً من البقر ، أو الجواميس ، أو حيوان لا يؤخذ ذلك من عليه فإن جعلت ذلك زوجة فهو حمل وأولاد من غير جنسه ، وإن جعلته فوائد فهي من حيث لا يحتسب ، وإن جعلته من تجائر فمن أقوام يجلبون ذلك من غير عادة منهم. كما قال إنسان : رأيت أنني آخذ صوفاً من بقر ورائحته ردية ، قلت : أقوام يسرقون شاء وتأخذه منهم وربما يكون غنماً ، قال : جرى ذلك. ورأى آخر أنه يأخذ من بقر صوفاً أسود وهو يتحول في يده ماءً ، قلت : أنت معلم مكتب ، قال : نعم ، قلت : الصغار كالبقر لا يعرفون شيئاً وأنت تأخذ مدادهم سرقة ، قال : ما بقيت أعود. ورأى آخر أنه يأخذ ريشاً من جاموس ، قلت : سرقت طيوراً من عند جليل القدر وما انتفعت بهن ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني آخذ حريراً من ظهر حيوان وأعمله أوتاراً في رقاب الحيوان وفي أرجلهم وهم ينطقون ، قلت له : أنت رجل تعلم الغناء والزمر والطرب لأرباب الجهل وسيصير لك شأن في ذلك. ومثله قال آخر : غير أنه قال : أجعل ذلك على أبواب المعابد ، قلت : أنت صوتك طيب في القرآن والأذان ينتفع الناس بصوتك على قدر حسن ذلك.
فصل في الخيل : الفرس دال على العز والجاه والفائدة والمعيشة والمرأة والجارية والولد والمنصب والنصر على الأعداء لمن ملكها ، أو ركبها ، فإن كانت مسرجة ملجمة فجاه تام ومعيشة دارّة ، أو امرأة بجهاز ، أو ولد فيه نفع ونصر قاهر. وكذلك الحصان لأنه تحصن من الأعداء ، والأسود من ذلك سُؤدد وخير ، والأصفر والأحمر والأشهب فرح .
قال المصنف : اعتبر عادات الناس في ركوب الخيل وغيرها وصفة ذلك فتجعل ركوبها عرياً لمن يعتاده فائدة وراحة ولمن لا عادة له بذلك ردياً ، كما جعلت ركوبها على جانب واحد ، أو مقلوباً لذي البوادي والمكارية وأصحاب الصنائع المهينة فائدة وإدرار معايش ، وكذلك إذا كان في عدّتها رداءه لأنهم لا ينكر عليهم ذلك ، وذلك للأكابر ولمن لا يعتاده شهرة ردية ونزول مرتبة وفعل ما لا يليق(1/28)
فعله ، وكذلك المريض الذي لا يصلح الحركة له فإن الركوب الردي يدل على طول المرض وتجديد ألم فإن قوي الردئ في المنام صار موتاً للمريض ، فافهم. واعتبر الصفات المقلوبة في المنام ، كما قال لي إنسان : رأيت أنني اشتريت حصاناً فلما ركتبه صار حماراً ، قلت له : استخدمت ، أو اشتريت غلاماً على أنه ذكي طلع حماراً لا ينفع وقت الحاجة ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني حملت على حمار ورقاً أبيض رأيته صار جملاً لا يروح ولا يجيء ، قلت : سيرت كتاباً صحبة إنسان وزعمت أنه يعرف المكان كان أَبْلَه ما درى أين سيرته ، قال : صحيح ، ودليله أنّ الحمار يعرف مكان صاحبه بخلاف الجمل فافهم ذلك .
ودلت الخيل على العزو والجاه لكونها مختصة غالباً بذوي الأقدار وأرباب الأموال ، ودلت البغلة على المرأة العاقراً والمعيشة التي لا تربح لكونها عاقر لا تلد أصلاً ، ودل الحمار والبغل على أرباب الجهل لكونهم لا يقبلون التعليم غالباً إلا بعد السفر والمشقة بخلاف الخيل ، ودل الحمار على الغلام الكثير العياط والكلام لكثرة ذلك منه بخلاف غيره. فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
فصل في البغل والحمار من ملكها ، أو ركبهما ممن يليق به ركوبهما دل على الفائدة والخير كما دلت الخيل ، إلا أنها دونها في الرتبة ، وربما كانت البغلة امرأة عاقراً ويدلون على أرباب الجهل ويدل الحمار على الغلام الكثير العياط وأما من ركبهما ممن لا يصلح له ذلك دل على النكد والفقر وزوال المنصب.
فصل : الجمل : جمال وخير لمن ملكه ، أو ركبه ، وربما كان رجلاً صبوراً لحمله الأثقال ، ويدل على السفر ، ومن ركبه من المرضى مات لكونه يظعن بالأحبة إلى الأماكن البعيدة ، ويدل على قضاء الحوائج ، فإن كان من العِراب فهو عربي ، وهو من البخت : أعجمي. والناقة امرأة أو فائدة ، أو معيشة ، فمن ركب شيئاً من ذلك ركوباً يليق به فإن كان في نفسه حاجة قضيت ، وإن كان أعزب تزوج ، وإن يطلب سفراً سافر ، أو اشترى جارية ، أو عبداً ، أو داراً ، أو سفينة ، أو بستاناً ، أو عاشر إنساناً كذلك. والهجين فرجل كثير الأسفار صبور محبوب عند الأكابر كثير الخدمة.
قال المصنف : إذا جعلت ركوب الجمل خيراً فانظر من أي جهة دل عليه ، فإن كان عليه تجارة كان من سفر ، أو مسافر وكذلك الكجاوة ، وإن كان من جمل يحمل الحطب ، أو التبن ، أو البر ، أو شيئاً من الحبوب فاطلب الزراعات والمزارعين ونحو ذلك ، وإن كان ممن يحمل الماء فاطلب المطر ، أو العيون ، أو البحار ، أو من يتعانى المياه مثل القصارين والصيادين للسمك والمسافرين في البحر ، وإن كان ممن يحمل التراب ، أو الحجارة ونحو ذلك لأن كل ما كان معدناً لشيء فاعتبره ، وكذلك إذا جعلته ردياً فانظر وجه الردى من أين أتى إلى الرائي على ما ذكرنا موفقاً إن شاء الله تعالى. وإنما دل الركوب على قضاء الحوائج لراحة الإنسان بالركوب كراحته إذا قضيت وحاجته ، ودل على التزويج للراحة وحاجة تقضى ولكونه راكباً فوق الآخر ، وإن كان الراكب امرأة فلكونها محمولة الكلفة كما يحمل زوجها كلفتها ، ودل على الأسفار لأنه معد لذلك ولكونه ينتقل بصاحبه من مكان إلى آخر ، ودل على الغلمان والجوار لكونهم في الحوائج وتحت أمر راكبهم ، ودلوا على باقي الفوائد لكونهم معدون للنفع فافهم ذلك.
فصل : الدجاجة امرأة فيها نفع كثيرة النسل لمن ملكها ، أو معيشة دارّة في وقت دون وقت. وكذلك الإوز. وصراخهن هموم وأحزان ونوائح.
قال المصنف : إذا صارت الدجاجة ديكاً انقطع نسل من هي عنده ممن دلت عليه ، وتدل على الولد الذكر ، وإن دلت على الفائدة بطلت الفائدة لكون الديك يبيض ، وإن دلت على المرأة العاقلة دل على أنها تصير كثيرة الكلام والنقاد ، بخلاف ما إذا صارت وزة طال عمرها لكبرها وقلت فائدتها ؛ لأن الدجاج أكثر بيضاً وفراخاً ، فافهم ذلك.
وأما الديك فرجل حسن الصوت فمن ملكه رزق ولداً ذكراً ، أو اشترى مملوكاً ، أو داراً ، أو درّت معيشته ، أو قدم عليه غائب ، أو خبر منه ، وربما كان من دل الديك عليه خطيباً ، أو سمساراً ، أو مؤذناً ، أو منادياً ، أو حارساً وأشباه ذلك فإن نقر إنساناً ، أو أزعجه بصوته حصل له نكد ممن ذكرنا.(1/29)
قال المصنف : إذا تحول ابن آدم ، أو غيره في صفة شيء من الطيور البلدية فأعطه من الأحكام على ما يليق برائيه ، كما قال لي إنسان : رأيت أنني صرت ديكاً كبيراً ، قلت له : فكان على رأسك عرف مثل الديك ، قال : نعم ، قال : وكأنني أعطي ريشي للنّاس ينتفعون به ، قلت : أنت الآن تبيع القماش ، قال : نعم ، قلت : إن راح الريش كله خسرت وتبقى قطعة لحم فقيراً ما لك حركة ولا حرمة ، وإن لم يكن راح فأنت تربح. وقال آخر : رأيت أنني صرت ديكاً بلا ريش وعلى رأسي عرف كبير ، قلت : يطلع في رأسك طلوع وكذلك في بدنك ويسيل ذلك دماً ؛ وذلك لأن مواضع الريش تبقى مثل الجدري والحب ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت ديكاً وأنا أنقر رمانة آكل بعضها ، قلت : أنت رجل مؤذن وقد نقبت مكاناً فيه جمع كالفندق ، أو الربع ، أو داراً جامعة وأخذت سرقة من بعض بيوتها ، وإياك أن يظهر عليك ، قال : كان ذلك من مدة. فافهم ذلك.
فصل : القط عبد ، أو ولد ، أو أخ ، أو أب ، أو زوج ، أو سيد نافع لمن ملكة. والقطة امرأة كذلك. وربما دلوا على المتولي الشاطر لقمعه الأعداء في البيت كالفأر والحيات والعقارب وأشباههم فهم بمنزلة اللصوص والمفسدين. فمن مات له سِنور في المنام مات له عبد أو مرض ، أو تعطلت فوائده ، أو صاحب فيه نفع واستولى المفسدون على ذلك المكان ، فأما إن أتلف شيئاً من البيت صار عدواً ، أو حرامياً ونحو ذلك.
قال المصنف : إنما دل القط على العبد والولد لخدمته وتألفه ، وكذلك دل على الزوج لجلوسه في الجحور ، ودل على الوالد لدورانه على أهل البيت في المصالح ، وكذلك الأخ والسيد ، فإذا جعلته متولياً فرأى كأنه يصطاد من البراري فهو رجل كثير الغارات على الأماكن البعيدة ، وإن اصطاد من داخل البلد كالأغنام والأبقار والدجاج ونحو ذلك فهو يؤذي أهل ذلك البلد ، وإن لم تجعله متولياً فهو رجل حرامي ، أو مفسد ، كما قال لي إنسان : رأيت كأَن لي قطاً وقد أرسلته في أرض فيها جوز مغروس يكسر الجوز ويأتي بقلبه ورائحته ردية ، قلت
له : عندك عبد ، أو غلام ينبش القبور ويأتيك بالأكفان ، قال : صحيح.
فصل : وأما الطيور التي في الأقفاص فهم جوارِ ، أو عبيد ، أو أُُسارى ، ويدلون على الأولاد والأموال المخزونة لمن ملكها ، فإن كان لهم صوت كالهزار والشحرور والبلبل والفواخِت والقماري وأمثالهم فهم خطباء ، أو وعاظ ، أو مناديه ، أو أرباب قرآن ، ويدلوا على أرباب الغناء والنوح أيضاً ، فمن كان عنده حامل ، أتاه ولد كذلك ، أو اشترى جارية تكون ذات صوت وحسن ، فإن صوّت لمن عنده مريض فبكى على صوته بلا صراخ : تعافى مريضه ، وإن كان بصراخ ، أو بضحك ، أو برقص ، أو لطم عند سماع صوته مات مريضه ، أو قدم نعي الغائب ، وربما تعطلت معيشته ، أو فارق زوجته ونحو ذلك.
قال المصنف : لما أن كانت الحيوانات الهوائية ، أو البرية معدة للإقامة عندنا على ما ذكرنا كان حكمها حكم الذين في البلد لكونها لا تأمل الخلاص بخلاف من هو سائب في مكانه ، ودلوا على الجوار والعبيد والأسارى لكونهم ابتاعوا وهم تحت الحكم والقهرية ، ودلوا على الأولاد لفرح النفوس بهم ، ويدلون على الأموال لكونهم يباعون ويشترون ويخزنون لنفع الناس بهم ، ودل من في القفص على الزوجة والمريض والمسجون والأسير لكونه ممنوعاً من التصرف وعن ما يحتاره من الدخول والخروج وكلفته على غيره. وقال لي إنسان : رأيت أنني صرت
طيراً ، قلت له : إن كنت من الطيور التي تطير كما تختار فإن كنت عبداً عتقت ، وإن كنت في شدة من أسر ، أو غيره خلصت ، وعلى العافية إن كنت مريضاً. وربما دل الطيران على الموت ، وإن كان في مركب بوقت عليهم الريح دل الطيران على السفر في البحر ، أو البر. وقال إنسان : رأيت كأنني صرت عصفور الدوري وأنا آكل العنكبوت ، قلت : أنت كثير الكلام وتأكل أموال الحاكة ، أو التجار وسرقت أيضاً متاع صيادين وأيضاً تعرضت إلى إنسان منقطع ، قال : أنا أتوب ، ودليله أن العنكبوت ينسج كالحائك وبيتها شبكة للصيد وهي منقطة ، فافهم ذلك.
واعتبر أصحاب الأصوات واعط الرائي على ما يليق به كما قال لي إنسان : رأيت كأن إلى جانبي هزّار مقطوع اللسان وأنا أعدل لسانه فاستوى ، قلت له : لك معرفة إما خطيب ، أو وأعظ ، أو مغنًّ ونحو ذلك وقد منع من الكلام وقد عزمت على أنك تشد منه حتى يعود إلى صنعته ، قال : صحيح ، قلت له : هل عرفت ما قطع لسانه في المنام ؟ قال : طارت قطعة زجاج من قنينة فقطعت(1/30)
لسانه ، قلت : هذا كان يشرب ، أو يعايشر من يعاني ذلك وربما كان ينكد من امرأة. وقال إنسان : رأيت كأن عندي آلة طرب وبعضها قد تكسر وبعضها يأكله عبدي ، قلت له : ترزق توبة ، وعندك طيور مسموعة ؟ قال : نعم ، قلت : يموت بعضها ، أو تبيعه وبعضها يأكله قط ، أو كلب ونحو ذلك ، وكان دليله أن ذهاب آلة الطرب توبة وترك ما هو عليه وذلك أيضاً يدل على بيعها ، أو تلفها كما ذكرنا ، والعبد قط كما دل القط على العبد في بابه فافهم ذلك.
فصل : وربما دل من في القفص على المسجون : فمن رأى أنه يطعم طيراً في قفص ، أو يكلمه ، أو يتعامل على خلاصه ، سعى في خلاص مسجون ، أو خدم مريضاً ، وربما إن طار من القفص بغير أمره مات مريضه ، أو فارق من يعز
عليه ، وربما هلك له مال ، أو فارق عبده ، أو ولده ، أو دابته.
وأما الطاووس إذا كان ريشها عليها فهي امرأة بجهاز ، أو جارية ، أو بنت مليحة ، أو معيشة مفيدة ، أو مركب ، أو بستان مليح ، فإن جعلناها امرأة كانت كثيرة التيه والدلال ، وإن كانت بلا ريش انعكس ذلك كله ، والذكر منه رجل.
قال المصنف : كل طير يقص ريشه للنفع ، أو لحسن منظره دل على الأموال لبيعه ورغبة الناس فيه ، ودل على النبات لكونه نابتاً ، والأولاد لكونهم من
ظهره ، وعلى القماش لكونه مستراً به ، وعلى الدور لكونه ساكناً في داخله ، وعلى العدد لكونه يدفع الألم ، خصوصاً القنفذ لكونه يقاتل به. فافهم ذلك.
فصل : وأما الحيوانات التي في البر فهم رجال البوادي والطرقات ، والمذكر ذكور والمؤنث إناث والمأكول لحمه فائدة حلال لمن ملكها ، أو انتفع بها كالغزلان والوعول وبقر الوحش والأرانب وأمثالهم فمن ملك واحداً من ذلك ، تزوج إن كان أعزب ، أو قدمت عليه فائدة من سفر ، أو يقدم عليه رجل مسافر ، أو يرزق ولداً ذكراً إن كان ذكراً ، وإن كان أنثى فأنثى ، وربما درت معيشته وكثرت عبيده ومشت أحواله ، وتكون كثرة الفائدة وقلتها على قدر كبر الحيوان وصغره.
قال المصنف : إذا صار الرائي من حيوان البر أعطه من أحكامه على ما يليق
به ، كما قال لي إنسان : رأيت كأنني صرت كبش جبل ، قلت : أنت تطلب العزلة والعبادة سترزق ذلك. ومثله رأى نصراني ، قلت له : ستصير راهباً في
قلالة ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت كأنني صرت أريل ، أو بقرة وحش ، قلت : عزمت على الخروج إلى البرية ، أو إلى مكان خراب لتصطاد الحيات ،
قال : صحيح. وقال آخر : رأيت كأنني صرت يربوعاً ، قلت له : أنت كثير الحذر والحيل وعليك مطالبات ولدارك أبواب كثيرة وتدخل من باب وتخرج من آخر كاليربوع ، قال : صحيح. فافهم ذلك.
وإذا دل الحيوان على الفائدة السهلة فرأى أنه تحول في صفة حيوان صعب المراس دل على التعب فيما دل عليه. كمن أبصر عنده غنمة يحلب منها ، أو يأخذ عنها صوفاً ، فرآها قد صارت في صفة فهد ، أو حية ، أو أسد دل على التعب فيما دل عليه بعد الراحة ، كما قال لي إنسان : رأيت أنّ عندي دجاجاً وأنا آخذ من بيضهن فتحولن في صفة حجل ، قلت : تحت يدك غلمان كانت لك منهم فائدة صاروا يخبؤون الفائدة وينكرونك ، قال : صحيح ؛ لأن الأنثى من الحجل تخبيء البيض لئلا يبصره الذكر فيشربه.
فصل : وأما الذين لا ينتفع بهم غالباً كالفيل لمن ركبه ، أو ملكه فرجل جليل القدر ، أو عبد من تلك الجهة ، ولمن هو خائف هلاكاً لقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } ] N:1[. ويدل على المركب والدار. وكذلك السد وهو يشبه الملوك ، وقطاع الطريق ، وأصحاب الأمر والنهي. وكذلك النمر إلا أنه يكون رجلاً كثير الحيل والمكر ردي المعاشرة. وأما الفهد فإنسان شرير شرس الأخلاق كثير العياط.
قال المصنف : إذا تحول الرائي ، أو حيوان له في صفة حيوان فأعطه ما يليق
به ، كما قال إنسان : رأيت أنني صرت فيلاً أسود وأنا أَنُطُّ من مكان إلى آخر في ظلام ، قلت : أنت الآن في غير بلاد الفيل نخشى عليك السجن ، أو تخفي
نفسك ، وربما تصبغ جسمك وتصير أسود ، وتهرب من مكان أنت مخفي فيه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن عندي غزالاً مليحاً تحول في صفة النمر ،
قلت : عندك ولد ، أو غلام يتعانى الشطارة ، قلت : ربما يبقى لصاً ، أو هجاماً ، قال : صحيح ، فافهم ذلك.
وإنما دلوا على الذين لا نفع منهم غالباً ؛ لأن الناس يقصدون النظر إليهم ، ومثله رأى آخر ، قلت : يآخذ ولدك إنسان ويسافر به ، فجرى ذلك. وقال إنسان : رأيت طائراً كاسراً نزل أرضاً فشرب جميع ما في بركتنا من الماء ، قلت : تتلف عينك وربما يكون بضربة حجر ، فجرى ذلك. ورأى آخر أن عيناً نبعت في داره ماء أسود وهو ضيق الصدر من ذلك فجاء طائر كبير نزل على تلك العين فشرب جميع ما فيها ، قلت : عندك واحد قد نزل بعينه الماء الأسود ، أو الأصفر ، قال : نعم ، قلت : سيأتي إليكم رجل خبير يقدح عليها ويمتص ما فيها من الماء المؤذي ويزول النكد ، فجرى ذلك ، وبرأت العين. فافهم ذلك.(1/31)
فصل : وأما من ملكهم ليصطاد بهم فإن اصطاد بهم ما يؤكل لحمه ، قضيت حاجته ، أو ربحت تجارته ، أو دَرَّت معيشته بمال حلال وإلا فلا ، وإن ربط
الطير ، أو جعله في قفص كان ممن دل الطير عليه كثير الإقامة عنده ، وإن طار فارق ذلك.
فصل : وأما التي يؤكل لحمها كالحجل والحمام والعصافير والكراكي والقطاء وأمثالهم ، فذلك لمن ملكها دال على الأولاد والأقارب والأموال والأملاك والغلمان والمعايش ، ويكون ذلك على قدر كثرتها وقلتها ، وربما كانت الحمامة امرأة صالحة ، وربما دلت على رسول الأكابر لكونها تحمل الكتب من مكان إلى مكان ، ولمن عنده مريض تدل على الموت ؛ لأنها بكسر الحاء حِمام وهو الموت.
قال المصنف : إذا جعلناهم أَقارب ، أَو معارف ربما كانوا كثيري السفر ، وإن جعلناهم أموالاً فربما كان المال والفائدة من الجهة التي منها الطائر ، كما قال إنسان : رأيت أنني صرت كركياً ، قلت له : تسافر إلى بلاد الترك ، فجرى ذلك. ومثله رأى إنسان بمصر ذلك ، قلت له : أكنت ذكراً أم أنثى ؟ قال : كأنني كنت أنثى ، قلت : تنفق مالك على أهل الشرق ، ودليله أنه يرعى قرط مصر ويبيض بالعراق. وقال آخر : رأيت أنني صرت بلشوناً وأنا قد ثقل جسمي ، قلت : ألزمك جماعة إلى ما لا طاقة لك به وتقول للناس بلشوني بما لا أقدر عليه. وقال آخر : رأيت أنني صرت بجعاً ، قلت : أنت تصطاد بالشبكة ، قال : نعم ، قلت : تربح. ومثله قال آخر ، وكان في بلد لا بحر فيه ، قلت : يطلع في حلقك ، أو فمك طلوع ، أو تنزل بك نزلة ، فجرى ذلك ، ودليله أن البجع إذا قبض صيده يبقى فكه السفلاني مدلاً كالمخلاة. ومثله قال آخر ، قلت : احترز لا يقع في
فمك ، أو حلقك عظم سمك ، فجرى ذلك.
وإذا جعلتهم فائدة تقول للملوك : تملك بلداً ، أو تمسك جليل القدر ، وتقول للأمير البطال : خدمة وخير على قدر الطائر الممسوك ، وتقول للتاجر : ألف
دينار ، أو مائة دينار ، وتقول للمتوسط مائة درهم ، ونحو ذلك على ما يليق به ، وهو للصعلوك المتوسط عشرة دراهم ، وتقول لمن هو دونه وللصغير دينار ، أو درهم ، وما أشبه ذلك من المتعامل في ذلك البلد. فافهم ذلك.
فصل : وربما كان العصفور إنساناً عامياً كثير الفرار والحذر ، ويدلون على الدراهم أيضاً. وأما الهداهد فيدلون على العابد الكثير السجود وعلى رسل الأكابر وعلى أصحاب العمائم والتيجان.
قال المصنف : إذا عرف الطائر فأعط رائيه حكم ذلك ، كما قال إنسان : رأيت أنني صرت هدهداً ، قلت : أنت مسحور لأن الناس يتعانون بعض أجزائه للسحر. ومثله رأى آخر ، قلت : أنت تمشي بين رجل وامرأة في تزويج ، قال
لي : هل يتم ذلك ، قلت : يتم بعد صعوبة ؛ لأن الهدهد كان رسولاً بين سليمان وبين بلقيس حتى تزوجها. ومثله رأى آخر – وكان ظاهره ردياً – قلت : أنت تمشي بين امرأة ورجل في أمر ردي. وقال إنسان : رأيت أنني صرت غراباً ،
قلت : تتغرب في البلاد. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تفرق بين الناس بكثرة كلامك ، فافهم.
وأما الغراب : يدل على افتراق المجتمع. وكذلك البوم ويدلون على خراب العامر وعلى المتكلم بالردى. والحدآة والرخم : فأقوام دنيؤو الأنفس أصحاب مكاسب حرام. والخطاف رجل عفيف عن أموال الناس كثير الأُنس. وأما الخشاف فامرأة قليلة الكسوة كثيرة الأمراض والعائلة ، وربما كان في عينها عيب.
قال المصنف : دلت الحدآة والرخم على دناءة النفس والمكسب الردئ لملازمتهم أكل الجيف والخطف مما في الدور وأيدي الناس ، ودل الخطاف على العفيف لكونه يسكن عندنا في البيوت ولا يتعرض لما فيها ، ودل الوطاوط على القليل الكسوة لكونه لا ريش عليه ، وكثرة العائلة لحمله أولاده على جسمه وهم كثيرون ، ودل على الضرر في العين لكونه لا يبصر بالنهار شيئاً ، فافهم ذلك.
فصل : وأما النحل : فدال على الزهاد وأرباب النفع الذين بذلوا خيرهم ومنعوا شرهم ، ويدلون على العساكر لكثرة جمعهم. وكذلك الجراد والزنابير وأمثالهم. فأما إن أتلفوا زرعاً ، أو أشجاراً ، أو قرصوا الناس فعساكر مؤذية ، أو أمراض ، أو جوائح ، أو حوادث. وأما إن قطع عسلاً من النحل ، أو أكل من الجراد ، فأرزاق وفوائد وعلوم. وأما الكوارة من النحل فامرأة حسنة ، وهي بلد ، أو مركب ، أو دابة ، أو معيشة ، أو دار بستان لمن ملكها.(1/32)
قال المصنف : دل النحل على الزهاد لكونهم في البراري غالباً وأخذهم من النبات والمباحات ، ودلوا على الذين فيهم الخير والنفع لكثرة ما ينتفع الناس بعسلهم وشمعهم ، ومنعوا شرهم لكونهم لم يؤذوا أحداً في مأكول ولا مشروب ولا غيره ، واشتركوا مع الجراد والزنابير في دلالة العساكر لكون عليهم مقدم يرجعون إلى أمره ، فإذا رأى أحد شيئاً من ذلك فأعطه ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني صرت نحلة ، قلت : أنت تعرف تعمل الشبك ، قال : صحيح. ومثله رأى آخر ، قلت : تعرف تعمل الآبار والمدافن الملاح ، قال : صحيح. ومثله رأى آخر ، قلت : أنت تتزهد وتنقطع لأخذ والمباحات . وقال آخر : رأيت أنني صرت جرادة ، قلت : أنت تأَخذ الزراعات والثمار ظلماً. وقال آخر : رأيت أنني صرت زنبوراً ، قلت : أنت تعرف ترمي بالنشاب ، أو بالنبل والناس يخافون شرك ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، قلت : في دبرك طلوع ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تؤذي أرباب الخير ، وكان دليله أن الزنبور يأكل النحل أَموال الحاكة والتجار الذين معهم القماش ، قال : أنا ضامن ذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت صرصوراً ، قلت : أنت معاشك من القنى والمواضع الدونة والمياه الردية ، قال : صحيح.
فصل : وأَما حيوان البحر فقد سبق الكلام فيه. وربما دلت الضفادع : على العباد وأهل التسبيح والقراءة والذكر ، وربما دلوا على العوام وأصحاب العياط.
وأما التماسيح وكواسر البحر فقطاع طريق ولصوص. والله أعلم بالصواب.
قال المصنف : دلت ضفادع الماء على ما ذكرنا لكثرة عياطهم ، بخلاف ضفادع التراب. كما قال إنسان : رأيت أنني صرت ضفدعاً ، قلت : تتعلم السباحة. ومثله رأى آخر ، قلت : تسافر في البحر. ومثله رأى آخر غير أنه قال : كأنني كنت في حر الشمس ، قلت : يقطع عليك الطريق وتعرى قماشك ، فجرى ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : كنت تمشي ، قال : لا ، قلت : يقع برجليك ألم وتمشي على أربع ، فجرى ذلك. وقال إنسان : رأيت أنني صرت تمساحاً ، قلت : تصير قاطع طريق ، وربما تكون بأَرض مصر. ومثله رأى آخر ، قال : كنت طيب الرائحة ، قلت : تتولى على بحر. وقال إنسان متولي : رأيت أنني صرت تمساحاً ، قلت : أنت كثير البرطيل. وقال آخر : رأيت أَن رأسي صار رأس تمساح ، قلت : يحدث برأسك عيب ، وربما يكون في الفم من طلوع ، أو جرح ، وربما يدود. ومثله قال آخر ، قلت : تسيء إلى من يحسن إليك ، ودليله أَن التمساح يقع في فمه دود ويصعد إلى البر ويفتح فاه ، فيرسل الله إليه طائراً فيلقط ذلك الدود ، فإذا فرغ طبق فاه على الطائر فيهلك ، فلذلك يقال : مكافأة التمساح. وقال إنسان – وكان بالشام - : رأيت عبر منزلي تمساحاً ، قلت : يعبر منزلك لص من مصر ويكون ذليلاً ، وذلك لأَن التمساح لا يكثر إلا في البحر دون البر ، فافهم ذلك.
الباب السابع
في الأكل والذبائح
من أكل لحم حيوان(1)
__________
(1) اللحوم : فأوجاع وأسقام ، وابتياعها مصيبة ،والطري منها موت ، وأكلها غيبة لذلك الرجل الذي ينسب إليه الحيويان . والملح من لحوم الشاء إذا أدخل الدار فهو خير يأتي أهلها بعد مصيبة كانت من قبل ، بقدر مبلغه ، والسمين منه خير من الهزيل وإن كان من غير لحم الشاء ، فهو رزق قد خمد ذكره . وقيل : الهزيل رجل فقير ،وقيل : هو خسران ، والقديد : غنيمة في اغتياب الأموات . وقيل : من أكل اللحم ، المهزول ا لمملح نال نقصانا في ماله ، ولحم الإبل : مال يصيبه من عدو قوي ضخم ما لم يمسه صاحب ، الرؤيا ، فإن مسه أصابه من قبل رجل ضخم قوي عدو .فإن أكله مطبوخا أكل
مال رجل ومرض مرضا ثم برئ . وقيل : من أكله نال منفعة من السلطان ، وأما لحم البقر : فإنه يدل على تعب ، لأنه بطيء الانهضام ، ويدل على قلة العمل لغلظه . وقيل : لحم البقر إذا كان مشويا أمان من الخوف . وإن كانت امرأة صاحب الرؤيا حاملا ، فإنها تلد غلاما ، لقوله تعالى ( أن جاء بعجل حنيذ) ـ هود : 69 . إلى آخر القصة . وكل شيء أصابته النار في اليقظة ، فهو في النوم رزق فيه إثم ، ومن رأى في النوم كأنه يأكل لحم ثور ، فإنه يقدم إلى حاكم . والعجل السمين : الحنيذ بشارة كبيرة سريعة ، وتكون البشارة على قدر سمنه ، وقيل : إنه رزق وخصب ونجاة من خوف ، والمطبوخ من لحم البقر فضل يسير إلى صاحب الرؤيا ، حتى يجب لله تعالى فيه شكر ، لقوله تعالى( وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا )ـ سبأ :13 . ولحم الضأن : إذا كان مشويا مسلوخا ، فرآه في بيته ، دلت رؤياه على اتصاله بمن لا يعرفه ويعمل ضيافة لمن لا يعرفه ، أو يستفيد إخوانا يسر بهم . فإن كان المسلوخ مهزولا ، دل على أن الإخوان الذين استفادهم فقراء لا نفع في مواصلتهم . وإن رأى في بيته مسلوخة غير مشرحة ، فإنها مصيبة تفجؤه . فإن كانت سمينة فهو يرث منن الميت مالا ، وإن كانت مهزولة لم يرثه ، وقيل : لحم الضأن إذا كان مطبوخا ، فهو مال في
تعب ، كحال النار . وإذا كان نيئا فهم وخصومة ، والفج غير النضيج ، هموم وبغي ومخاصمات .
= والعظام من كل حيوان عماد لما ملكته أيمانهم ، والمخ من كل حيوان ، مال مكنوز مدخور يرجوه . وقيل : إن المسلوخ رديء لجميع الناس ، ويدل على حزن يكون في بيت الرجل ، وذلك أن الكباش تشبه بالناس ، وليس تؤكل لحوم ا لناس . وكل اللحوم التي تؤكل جيدة خلا اليسير منها، وأما
اللحم الذي يرى الإنسان أنه يأكله نيئا فهو رديء أبدا ، ويدل على هلاك شيء يملكه ، وذلك أن طبيعته لا تقوى على الدنيء وهضمه . وقال بعض المفسرين : إنما اللحم النيئ رديء لمن يراه ولا يأكله . فأما من أكله فهو صالح له . فإن رأى أنه أكل لحما مطبوخا ازداد ماله . فإن رأى أنه يأكله مع شيخ ارتفع أمره عند السلطان ، وأما الجمل المشوي : فقد اختلف فيه ، فمنهم من قال : إن كان
سمينا فهو مال كثير ، وإن كان مهزولا فمال قليل ورزق في تعب . قال بعضهم : إن الجمل المشوي أمان نمن الخوف . وقال بعضهم : الجمل المشوي ابن . فإن رأى أنه يأكل منه ، رزق ابنا يبلغ ويأكل من كسب نفسه. وإن كان نضيجا رزق ولده الأدب وإن لم يكن نضيجا لم يكن كيسا في عمله .
وقيل : إن كان شواء السوق بشارة . فإن لم يكن نضيجا فهو حزن يصيبه من جهة ولده . ومن رأى كأن ذراع الشواء كلمة ، فإنه ينجو من المهلكة لقصة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في الذراع المسمومة التي كلمته.(1/33)
يعتقد حله فمال حلال إن كان مطبوخاً ، أو مشوياً ، أو قديداً وأخضره نكد ، أو مال بشبهة.
قال المصنف : قد سبق الكلام على الحلو والحامض في فصله ، وانظر المأكول من الحيوان وغيره وأعط المرائي ما يليق به في وقته. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني آكل أذن فرس ، وهي صفراء ، وكانت نية غير مطبوخة ، قلت : سرقت حلقة من أذن أنثى وتصرفت فيها ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني آكل أذناب الخيل وهي طيبة في فمي ، قلت : تعمل المناخل ، قال : نعم ، قلت : تفيد من ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : أنت تعمل السعادي وتبيعها ، قال : صحيح. فافهم ذلك.
فصل : والمأكول على قسمين : فالحلو خير ورزق ، إلا المريض تضره
الحلاوة ، فإنه يدل على طول مرضه. القسم الثاني : الحامض ردي إلا لمريض تنفعه الحموضة ، فإنه جيد له ، وهي على قسمين : فمنها ما يؤكل بنار وبلا نار ، كاللبن والعسل والتمر والحصرم والتفاح وقصب السكر والمشمش وأكثر الحبوب فهذه وما أشبهها أرزاق وفوائد كيف ما أكلت.
القسم الثاني : لا يؤكل إلا بالنار ، كاللحوم والأخباز والأرز والسلق وما أشبه ذلك ، إذا أكل قبل استوائه دل على النكد والتعب ، ويدل على الديون ، وبيع المتاجر قبل وقتها والخسارات ، ونحو ذلك.
قال المصنف : اعتبر أصل المأكول وما يصير إليه ذلك. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أتيت شجرة نخل فأكلت منها عسلاً بشهده ، قلت له : أخذت من امرأة ، أو من جليل القدر كوارة نحل ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني أشرب لبناً من كرمة وهو طيب ، قلت : أخذت من كريم بقرة ، أو شاة ، أو نحو ذلك ، قال : نعم ، قلت : تربح من ذلك. وقال آخر : رأيت أنني آخذ تمراً آكله يصير حصرماً وتفاحاً ، قلت : قايضت ببستان بستاناً آخر ، قال : نعم ، إيش يكون العاقبة ، قلت : إن كان البستان الذي لك في أرض فيها التمر كان الذي استبدلت به قليل الثبات والفائدة ، وإلا فلا بأس عليك.
فصل : وأما شرب الأدوية(1) ، أو الأشربة للمرضى الذين يوافق مرضهم ذلك دال على العافية ، وإن لم يوافقهم دل على طول المرض. وأما شربه للأصحاء فإنذار بمرض يحتاجون فيه إلى مثل ذلك.
قال المصنف : إذا جعلت الدواء جيداً كان الخير والعافية على يد رجل من إقليم الدواء ، وكذلك يكون حكم الرداءة. كما قال إنسان مريض بالحرارة : رأيت أنني شربت خيار سنبر ، قلت : لك العافية في ذلك ، وربما يقدم عليك طبيب من مصر ، أو أصله من ديار مصر تنال العافية على يديه ، فجرى ذلك.
وأما إن رأى أنه يشرب دواءً لداء يعتقد نفعه فظهر بخلاف ذلك قلنا : ارجع عما تتعاناه من المعالجة ، وإذا كان معوداً لدواء في اليقظة ، فرأى أنه يشرب دون ذلك ، قلنا : ربما تمرض في بلد تطلب الدواء المعتاد فما تقدر عليه ، فافهم ذلك.
فصل : شرب المسكرات(2) وأكلها مال حرام وفساد ، والاجتماع عليها فتنة وخصام ، إلا عند من يحللها فعز أو أرزاق وخير.
__________
(1) كل شراب أصفر اللون في الرؤيا فهو دليل المرض . وكل دواء سهل المشرب والمأكل فهو دليل على شفاء المريض ، وللصحيح اجتناب ما يضره ، وأما الدواء الكريه الطعم الذي لا يكاد يسيغه ، فهو مرض يسير يعقبه برء ، وقيل : إن الأشربة الطيبة الطعم السهلة المشرب والمأكل ، صالحة للأغنياء بسبب التفسح ، وأما الفقراء فهو رديء ، لأنهم لا يمدون أعينهم إليه بسبب مرض يعرض لهم ويضطرهم إلى شربها ، وأما السويق فحسن دين وسفر في بر لقوله تعالى ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) ـ البقرة: 197 ، ومن رأى كأنه شرب دواء فنفعه فهو صالح في دينه ، وشرب الفقاع
منفعته من قبل خادم ، أو خدمة من قبل رجل شديد ، وذهاب غم . وليس تأويل ما يخرج من الإنسان كتأويل ما يخرج بغير الدواء من الأحداث.
(2) الخمر في الأصل : مال حرام بلا مشقة ، فمن رأى أنه يشرب الخمر فإنه يصيب إثما كثيرا ورزقا واسعا ، لقوله عز وجل ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) البقرة : 219 . ومن رأى أنه شربها ليس له من ينازعه فيها ، فإنه يصيب مالا حراما ، وقالوا : بل مالا حلالا . فإن شربها وله من ينازعه فيها فإنه ينازعه في الكلام والخصومة بقدر ذلك . فإن رأى أنه أصاب نهرا من خمر ، فإنه يصيب فتنة في دنياه . فإن دخله وقع في فتنة بقدر ما نال منه ، وقال بعض ا لمعبرين : ليس كثرة شرب الخمر في الرؤيا رديئة فقط ، فإن رأى الإنسان كأنه بين جماعة كثيرة يشربون الخمر ، فإن ذلك رديء ، لأن كثرة الشراب يتبعه السكر ، والسكر فيه سبب الشغب والمضادة والقتال . وقال : الخمر لمن أراد الشركة والتزويج موافقة بسبب امتزاجها.(1/34)
قال المصنف : إنما دل أكل المسكرات وشربها على الحرام لأن العقلاء – ممن يعتقد تحريم ذلك ويحلله – أجمعوا على أن السكر ردئ ومنهي عنه ، ودل على الفساد لاختلاف تصرفات العقل الصحيح وقت السكر ، والاجتماع عليها دال على الفتن ؛ لأن الغالب من المجتمعين على ذلك إذا سكروا يضارب بعضهم بعضاً ويقع من الكلام ما لا يليق ، والحكم عند من يحلله أهون من ذلك عند من يحرمه. وقال إنسان : رأيت أنني أتيت إلى إناءٍ أعتقد أن فيه عسلاً فشربت منه فظهر لي في الأخير أنه خمر ، قلت : اجتمعت بمن تظن فيه خيراً فرأيت عند اجتماعك به بواطن ردية حتى تنكد خاطرك لذلك ، قال : صحيح ، قلت ، وأكلت شيئاً تظنه حلالاً فظهر أنه حرام ، قال : صحيح.
فصل : كل شيء ردي إذا صار جيداً ، أو المر أو الحامض إذا صارا حلوين ، دل على الأمن من الخوف ، وعلى الأرزاق والراحات من حيث لا يحتسب الإنسان ، ويدل على صلاح المفسود ، ووجود الضائع ، وزوال الشدائد. وكذلك أكل المحرمات في النوم لأجل الضرورات يدل على الرزق الحلال والفرج بعد الشدة.
قال المصنف : انظر إلى ما صار إليه وأعط الرائي ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أن عندي شجرة وعليها شوك تمنعني من الطلوع عليها ، قلت : امرأتك عليها جرب ، أو طلوع ، أو دماميل تمنعك الاستمتاع بها ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أن عندي ليمونة انقلبت صارت تفاحة ، قلت : عندك امرأة كثيرة اللوم لك ، الساعة تنصلح ، وقلت له أيضاً : عندك في أرضك نبات قليل النفع ، تقلعه وتزرع خيراً منه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني أتيت إلى حنطل أكلت منه فوجدته بطيخاً حلواً ، قلت : حاجة من جهة صعبة يهون الأمر وينقضي. وقال آخر : رأيت أنني آكل بطيخة حلوةً تحولت حنظلة ، قلت : يحصل لك نكد من معرفة ، وإن طلبت حاجة ما تنقضي ويجري فؤادك جرياناً كثيراً. وقال آخر : رأيت أنني عبرت حنظلة ، قلت : تصل في محبة امرأة صعبة المراس ، فجرى ذلك. فافهمه.
فصل : وأما الجيد إذا صار ردياً ، أو الحلو إذا صار حامضاً ، أو انفسد بعد صلاحه ، انعكس جميع ما ذكرنا.
فصل : كل حيوان دل على الخير إذا أتلف ، أو جرح إنساناً ، أو هدم
حائطاً ، ونحو ذلك ، صار حكمه حكم العدو. وكل حيوان دل على الردي إذا أعطى إنساناً ما يدل على الخير ، كالخبز ، أو كاللبن ، أو العسل ، أو أنقذه من شدة في المنام ، أو زرع له ، أو عاونه في فعل خير ، أو ركب عليه ، أو نجاه من نهر ، أو طين ، أو قاتل عنه ، أو أعطاه صوفاً ، ونحو ذلك : حصلت له فائدة من حيث لا يحتسب ، وأمنَ من حيث يخاف ، وصار حكمه حكم الصديق النافع.
قال المصنف : انظر تحول الحيوان الجيد. كما قال لي إنسان : رأيت عندي ديكاً له قرنان نطحني وما التفت عليه ، قلت : أنت تحب امرأة سمسار ، أو
مؤذن ، أو مناد وعنده تغفل عن زوجته ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني صرت ديكاً وأنا واقف على قرون ثور وتحتي سلة فيها دجاجة وأنا أنقرها وهي تعيط ، قلت : أنت تؤذن على منارتين ، وتنظر إلى امرأة في دار ، وأنت تنقر لها بكلام ردي ، فاخترز لئلا يظهر عليك. فافهمه.
وانظر ما تحول إليه الحيوان الردئ. كما قال إنسان : رأيت أن خنزيراً يعلمني أحرث في الأرض ، قلت له : تتعلم الخط على يد نصراني. وقال آخر : رأيت قردة تراودني عن نفسها ، فلما دنوت منها أعطتني لؤلؤاً كباراً ، قلت : تزوجت ، أو اشتريت جارية من اليمن ، أو الهند ، أو السودان وعندها فساد ، وقد رزقت منها أولاداً ، لكنهم يطلعون أرباب قرآن وعلم وخير ، قال : صحيح. هم يتلون كتاب الله تعالى ، قلت : وهم طوال الأعمار ، وذلك لكبر اللؤلؤ. وقال آخر : رأيت أنني غارق في طين وأطلب الخلاص فلم أقدر عليه فرأيت مسكت بأذنيه وخلصني من الطين ، قلت : كنت في سجن وأَيِسْتَ من الخلاص ، فجاء إلى عندك رجل كثير الحيل ، وقال لك أحكِ لي خبرك فحكيت له ، وسمع منك ، وكان الخلاص على يده. وقال آخر : رأيت أنني غارق في البحر وإلى جانبي مركب وكلما طلبت أمسكها لأركب فيها هربت مني فبقيت في شدة ، فجاء تمساح كبير فاتح فاه
فقال : اركب على قفاي ، فركبت فنجاني ، قلت : تخلص من شدة على يد
عدو ، وتنجو من ذلك. فافهمه.
فصل : وأما من ذبح حيواناً ، أو عقره ليأكله ، أو لينتفع به الناس ، كان ذلك خيراً وفائدة ، فإن كان الذابح ملكاً ، أو متولياً نالت رعيته به راحة.
قال المصنف : انظر هذا الذابح إن كان له عادة بما ذبح أو لا ، وأعطه على ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أذبح براغيثاً وآكلها ، قلت : أنت تأكل الفأر ، قال : نعم. قال آخر : رأيت أنني أذبح العصافير ، قلت : أنت لحام ،
قال : نعم ، قلت : تخسر في معاشك لأنها دون صنعتك. فافهمه.(1/35)
فصل : وأما من ذبح حيواناً من غير محل الذبح ، أو ذبح حيواناً محرماً ، وأطعمه للناس ، فهي أموال حرام. فإن كان الذابح قاضياً حكم بالباطل ، وإن كان تاجراً ، أو رب معيشة فما كسب فحرام ، وأما إن ذبح الحيوانات المؤذية ليدفع أذاها عن الناس كان الذابح للناس فيه راحة.
قال المصنف : إذا ذبح الحيوان في موضع لا يليق به ، كما قال لي إنسان : رأيت عندي حيواناً مجهولاً وقد ضيق عليّ ، ورائحته ردية ، وقد ذبحته من دبره ، وقد امتلأ المكان منه ، قلت له : عندك قناة قد انفسدت ، وضيقت المكان ، وفتحتها ملأت المكان ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت كبشاً من أذنه ووقع إلى الأرض ، قلت له : أتيت إلى جليل القدر نقلت إليه كلاما ردياً ، قلت له في أذنه فخاف من ذلك ومرض ، قال : جرى ذلك. وقال لي بعض الملوك : رأيت أنني أذبح إنساناً بقلم ، قلت : هذا تجعله قاضياً ، قال نعم ، ودليله قوله عليه السلام » مَنْ وَلِيَ القضاءُ فقد ذبحَ بغيرِ سكينٍ «. وقال إنسان : رأيت أنني ذبحت حيواناً في طهور ، قلت له : أنت عازب ، قال : نعم ، قلت : تتزوج ، وترزق ولداً ذكراً ويكبر حتى تطهره ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت خروفاً وأطعمته للقراة ، قلت : لك ولد ، قال : نعم ، قلت : يموت شهيداً في القتال ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت كبشاً أضحية ، قلت : أنت صعلوك ، وسيفتح الله لك بمال ، وتضحي ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت عجلاً وتصدقت بلحمه ، قلت : عندك مريض عزيز عليك ، قال : نعم ، قلت : يُعافى وقد نذرت عليه نذراً ، فإذا عوفي أَوفِ بنذرك. فافهمه.
فصل : وأما ذبح الضحاياَ والنذور وكل ما كان قربة : فسرور وخلاص من شدة ، أو من مرض ، ويدل على الرفعة والخير. وأما من ذبح حيواناً لا يليق به الذبح ، أو تلوث ذلك المكان بالدم ، دل على نكد يحصل في ذلك الموضع ، وربما مات فيه من دل الحيوان عليه ، فإن كان كبيراً مات كبير وإلا فصغير ، وإن كان ذكراً فهو ذكر وإلا فأنثى ، وإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى راح من فيه نفع.
قال المصنف : انظر المكان المذبوح فيه وأعط الرائي ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني ذبحت غزالاَ في حجري ، وتلوثت بدمه ، قلت : لا ترجع تقرب الذكران. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت بقرةً في وسط داري وهي صغيرة عن البقرة ، قلت له : ضربت امرأة في ذلك المكان ، وغشي عليها ، وكادت تموت ، قال صحيح وقالت امرأة : رأيت أنني ذبحت خنزيراً في فراشي وتلوثت بدمه ، قلت : نام معك في الفراش رجل نصراني ، قالت : جرى ذلك.
فصل : كلام الحيوان للإنسان ، أو تحوله في صفة الآدمي دال على الصُلح مع الأعداء من الخوف ، وقضاء الحوائج ، والاطلاع على الأخبار الغريبة.
قال المصنف : انظر الكلام من الحيوان والتحول في أي صفة كان. كما قال لي إنسان : رأيت عندي عجلاً صار جملاً ، قلت له : لك صديق يهودي ، قال : نعم ، قلت : يسلم ، ودليله أن اليهود ما يستحلون ذبحه ولا أكله والإسلام يبيح ذلك. وقال آخر : رأيت جملاً يصيح لي ، فقلت له : لبيك ووضعت يدي في
فمه ، فمسكها قلت له : أنت رجل مطالبي ، ومسكت مرة في ذلك ، قال :
نعم ، وكان دليله أن الجمل يسمى مطية ، وقال له : لبيك فصار مطالبي. وقال آخر : رأيت جرذوناً مقطوع الوسط ، وهو يناديني ، قلت له : نعم ، وكان دليله أنك إذا قسمت لفظ الحرذون يصير أوله حر : وهو الفرج ، وذون : دون.
فصل : وأما من دخل بطن حيوان ، أو في فمه ، أو في فرجه وكان مريضاً ولم يخرج : مات وكان ذلك قبره ، وإن كان سليماً مرض ، أو سجن ، أو جرت عليه آفة ، أو شدة ، وربما يكون ذلك في بلد الحيوان ، أو على يد إنسان من ذلك البلد ، كم عبر بطن فيل قلنا له ربما يحبس ، أو يناله شدة في الهند ، أو على يد هندي.
قال المصنف : انظر إذا عبر في حيوان من أي جهة ، ولاي شيء ، وتكلم عليه. كما قال لي إنسان : رأيت أنني عبرت بطن بقرة من فرجها ، وكان في بطنها أولاد أخذت جلودهم ، قلت له : عبرت على أقوام نيام ، أو مرضى أخذت قماشهم ، قال : صدقت. ومثله رأى آخر لكنه قال : من فمها ، قلت له : عبرت قبراً وجدت فيه موتى أخذت أكفانهم ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت له : دخلت على جماعة في حمام عرايا أخذت قماشهم ، قال صحيح.
وجلود الحيوان وأصوافها وأشعارها وأوبارها ؛ كلها أرزاق وأموال وفوائد .
فصل : السجود للحيوانات دال على خدمة من دل الحيوان عليه ، وعلى فساد دين الساجد ، أو بدعته ، وأما سجود الحيوان للإنسان فهو رفعة وخير وولاية وتذلل له الأمور الصعاب.
قال المصنف : انظر لمن سجد الحيوان ، ومن سجد له. كما قال لي إنسان : رأيت قطة تجيب لي رغيفاً بعد رغيف من دار معروفة ، وأنا أسجد لها ، قلت له : ثَمًّ امرأة تسرق من أهل المنزل وتعطيك ، وأنت تشكرها ، قال : نعم. وقال
آخر : رأيت فأراً صغيراً خلف جرذان كبير وأنا أسجد للصغير دون الكبير ،(1/36)
قلت : أنت تحب ابن حفار القبور ، أو ابن حجار ، أو ابن نقاب وتخدمه ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني صرت كركياً وأنا واقف على فرد رجل ، قلت له : تصير حارساً ، أو ناطوراً ، فصار كذلك ؛ لأن هذه الطيور لها ناطور كذلك ، فافهمه.
وأما من طلب حاجة من الحيوان فيدل على طلب حاجة من اللئام.
قال المصنف : إنما دل طلب الحاجة من الحيوان على الطلب من اللئام ؛ لأنهم لا يعرجون على قوله ولا يفهمونه.
فصل : وأما من بلع حيواناً حياً تزوج إن كان أعزب ، أو تحمل زوجته ، أو سريته ، ولمن عنده حامل دليل على ولد ، فإن كان بلع ذكراً فالحمل ذكر وإلاّ
فلا ، وربما أحب ، أو اعتقل من دل الحيوان عليه ، فإن كان أضر بالبالع ، أو أثقله مرض البالع ، أو تنكد ، فإن أخرجه زال ذلك جميعه ، والله أعلم.
قال المصنف : انظر ما بلع من الحيوان وتكلم عليه. كما قال لي إنسان : رأيت أنني بلعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قلت : قد سرقت كتاب حديث عنه ، قال : نعم. ومثله رأى آخر وكان ظاهره الدين ، قلت له : تصير محدثاً عنه عليه السلام. وقال آخر : رأيت أنني بلغت سعد بن عبادة وهو أحد العشرة رضي الله عنهم ، قلت له : أنت يعتريك صرع ، قال نعم ، قلت : تموت قتلاً بالنشاب ، فكان كذلك ، وكان دليله أن سعداً قتلته الجن بسهم من نشاب. ورأى آخر أنه بلع العرش ، قلت له : كنت في دار فيها جماعة يرقصون وسرقت منها مصحفاً ، قال : صحيح ، وكان دليله أن الملائكة حافين من حول العرش بالتسبيح والعبادة ، والدائرون من الإنس لا يكون إلا بالرقص ، ودل على المصحف ؛ لأن عكس عرش شرع وليس في الأرض شرع من الله تعالى إلا كلامه العزيز ، وكونه سرقه لأن العرش طاهر وخبأه في موضع يتخذ للدماء والبول. وقال آخر : رأيت أنني بلعت مصحفاً ، قلت : تحفظ القرآن ، لكونه صار في صدره. وقال آخر : رأيت أنني بعلت ديكاً ، قلت : هل آذاك ،
قال : لا ؛ لكنني فرحت به ، قلت له : أخليت بعض منازلك لعابد كثير السهر بالليل وكثير الذكر ، قال : نعم هو عندي. وقال آخر : رأيت أن عندي غزالاً حسن الصورة غير أنه ميت ، فأخذته وبلغته ، قلت : يموت لك ولد وتجعل قبره في دارك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني أبلع سمكة وهي تقف في حلقي ،
قلت : يقع في حلقك عظم سمكة ، أو قشرها وتجد ضرر ذلك ووجعه ، فكان كذلك.
الباب الثامن
في الأبنية
من بنى مكاناً قريه ، أو حكم عليه كالمساجد والمدارس والزوايا والخوانك وسور البلد والقناطر والبيمارستان والخانات للسبي ، أو حفر خندقاً ، أو بئراً لنفع الناس ، أو بركةً وما أشبة ذلك ، فإن كان أهلاً للولاية تولى ، وإن كان متولياً نصب للناس رجلاً ينتفعون به ، أو يشمل غيره أهل ذلك المكان ، وإن كان عالماً ربما صنف كتاباً فيه نفع ، أو نفع الناس بفتاويه ، وإن كان عابداً انتفع الناس بدعائه ، أو نصب للناس من يردهم إلى طاعة الله.
فصل : وأما إن كان صاحب مال انتفع بمعروفه ، وإن كان صاحب صنعة ، أو معيشة استفاد منها ، وإن كان فاعل ذلك فاسقاً ، أو كافراً تاب ورجع إلى الله تعالى ، وإن كان أعزب تزوج ، وإن كان متزوجاً رزق ذرية صالحين ، وإن كان فقيراً استغنى ، وإن كان مريضاً برئ وقدم الناس يبشرونه بالعافية ، هذا كله إن بناه بآلة تليق بمثله في ذلك المكان.
وإن بناه بآلة لا يليق به تقرب إلى الله تعالى ، أو إلى الأكابر ، أو إلى الناس ، أو تزوج بالأموال الردية.
وأما من هدم شيئاً من ذلك : سعى في زوال رجل للناس فيه نفع ، وربما مات كبير ذلك المكان.
قال المصنف : إنما دل البناء على الولاة كالملوك ونوابهم لأن الغالب أن ما يبنى أو يحكم على ذلك المذكورون ، وانظر إذا بنى أو تحكم على شيء من ذلك ، فأعطه على ما يليق به ، كما قال إنسان : رأيت أنني فوق خانقاه وأنا آمرهم وأنهاهم ، وعليّ ثياب ردية ، قلت : يحصل لأهل ذلك المكان نكد منك ، ويكون الذنب لك ، ودليله لكونك تحكمت على من لا يليق بك الحكم عليهم. وقال
آخر : رأيت أنني بنيت خاناً للسبيل ، قلت : من أعبرت إليه ، قال : عبر إليه غنم وذئاب ، قلت : أنت تجمع المفسدين وقطاع الطريق وأرباب الأموال وتحسن
إليهم ، وتعتقد أنك على الصواب ، وأنت على الخطأ ، ونخشى عليك نكداً من غرامة ، فعن قليل أضاف أقواماً مفسدين سرقوا ودائعَ كانت عنده ، وغرمها ؛ لأن الغنم كالوديعة في الخان والذئاب مفسدون لا يصبرون إذا رأوا الغنم. وقال آخر : رأيت أنني أبني لسيدي سوراً مليحاً وعلى دور ناس آخر ، قلت : ظاهرك الخير ، وأنت تدعو لأولئك ، وقد أفلحوا بك. ومثله قال آخر غير أنه قال : أبنيه حول امرأة ، قلت : بأي شيء كنت تبنيه ، قال : بزجاج ، قلت : أنت تحب هذه المرأة وتعمل لها كتاب سحر وما ينفع.(1/37)
ويدلون على العلماء وأرباب الدين لحراسة الناس بهم إما بدعائهم ، أو بفتاويهم التي تحرس من الوقوع في المحرمات ، ودلوا على الصنائع والأموال ؛ لأن الباني لذلك إنما يكون غالباً لمن له قدرة ، فتارة بالمال وتارة بالصنعة المحصلة للمال ، ويدلون أيضاً على دفع البلايا في الدنيا ، ويدلون على تزويج العزاب لأنه يقال للمتزوج : بنى فلان على أهله أي عبر عليها ، ودلوا على الذراري لكونه ثم ما عمله من الماء والطين ، وركوب الواحد فوق الآخر فأعطى الذرية فوق ما ذكرنا ، ودلوا على عافية المريض ؛ لأن المكان كجسم الرائي وقد تجدد له ذلك فأعطاه العافية.
وأما إذا بناه بآلة لا يليق به فتكلم عليه بما يصلح له. كما قال لي رجل تاجر : رأيت أنني أبني بركة بحجارة ملح وهي حجارة جياد ، قلت : عزمت على شري سكر وتحمله في مركب في البحر ، قال : نعم ، قلت : يلحقه الموج فيتلف ، أو يغرق ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني بنيت بيوتاً من عسل ، قلت : كانت في الشمس أم في الظل ، قال : بل في الشمس ، قلت : أنت تعرف تعمل الحلاوة التي تنفخ وتعمل منها كاللعب وكيزان الفقاع ونحو ذلك ، قال : نعم ، قلت : تمرض وتبطل فائدتك من ذلك ، فجري.
فصل : وأما من بنى فندقاً ، أو دكاناً ، أو حماماً ، أو فرناً ، أو مسلخاً ، أو طاحوناً ، أو ملكه ، أو تحكم فيه فإن كان أعزب تزوج ، وإن كان أهلاً للملك تملك ، أو للولاية تولى ، أو يرزق ولداً وإلا اشترى عبداً ، أو جارية ، أو دابة ، أو تجددت له معيشة دَارَّة ، وأما إن كان عابداً ترك العبادة ورجع إلى الدنيا ، وربما حصل للرائي نفع من أحد أبوايه ، أو من إخوته ، أو أقاربه ، أو من أملاكه ، وإن كان فقيراً استغنى ، أو تعرف بإنسان ينفعه.
فصل : ويدلون على الأكابر والملوك لما فيهم من الصندوق وجمع المال ، والحرس والأمناء ، ومجيء الناس إليهم ورجوعهم وقد قضيت حوائجهم. فإن جعلنا ذلك زوجاً كان لما في الحمام من اللذة والاعتسال ، وخروج العرق الذي هو بمنزلة المني وكثرة المياه. ولما في الطاحون من زوجي الحجارة ، وركوب الواحد فوق الآخر. ولما في الفندق من النوم والراحة للمسافر وما أشبه ذلك. وإن جعلنا كل واحد ملكاً ، أو عالماً ، أو عابداً لمجيء الناس إليه وانتفاعهم به.
قال المصنف : انظر إذا بنى شيئاً من ذلك وأعطه من الخير والشر ما يليق به في وقته. كما قال لي إنسان : رأيت أنني بنيت فندقاً ، قلت له : يحدث لك سفر جيد وإلا فلا. وقال آخر : رأيت أنني هدمت فندقاً ، قلت له : تجهزت للسفر والساعة يبطل سفرك ، فكان كذلك. وقال آخر : رأيت أنني جددت حماماً في داخل حمام ، قلت له : اغتسلت ثم شككت في غسلك فأعدته ثانياً ، قال نعم. ومثله رأى آخر ، قلت له : كان ماؤه حاراً ، قال نعم ، وكان في زمن الصيف ، قلت له : كان يعتريك حمى واحدة صارت تعتريك حماتان ، قال : نعم. ومثله رأى آخر : قلت له : أيما أحسن الحمام الداخلة ، أو الخارجة ، قال : بل الداخلة ، قلت له : ستحمل زوجتك بغلام ، فكان كذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : عندك امراتان وربما تكون إحداهن سرية ، قال : صحيح. وقال إنسان : رأيت أن فلاناً بنى له حماماً بماء حار وكان في الصيف ، قلت : أهو مريض أم لا ، قال : مريض ، قلت : بالحُمَّى
الحارة ، قال : نعم ، قلت : يموت ، فمات. ومثله رأى آخر إلا أنه قال : بماء حار في زمن الشتاء ، قلت له : يعافى من مرضه ، فعوفي. وقال آخر : رأيت أن حماماً على يدي فوقعت من يدي تهدمت ، قلت له : كان في يدك مجمرة ، أو كانون وقع من يدك وتكسر ، ضحك وقال : نعم. وقال آخر : رأيت على يدي حماماً وقد(1/38)
أكلته ، قلت : كان عندك غلاية بعتها ، وأكلت ثمنها ، قال : نعم. وقال إنسان : رأيت أن نجماً من السماء وقع على رأسي وأنا أغتسل فشجه ، قلت له : يقع على رأسك جامة من حمام فتؤذي رأسك ، فجرى ذلك. وقالت امرأة : رأيت أنني صرت ناطورة في حمام للرجال والنساء والوحوش ، قلت : الساعة تصيرين قابلةً تقبلين البنين والبنات وبعض أولاد الزنا ، فذكرت أنها صارت كما قلت لها. وقال آخر : رأيت أنني صرت حماماً ، قلت : يطلع على جسمك طلوعات ، فكان كذلك. ومثله رأى خر : قلت له يقع بفؤادك إسهال. ومثله رأت امرأة ، قلت : أنت كثيرة النكاح من كل جنس. وقال آخر : رأيت أنني افتح ميازيب الحمام والماء يجري منها بعد أن كانت مسدودة ، قلت : ستصير تحقن الناس ويكون خلاصهم من عسر البول على يدك ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت جُرنا في حمام والناس يغترفون مني ماء ، قلت له : ارجع إلى الله أنت بك البغاء ، فسكت وقال : اكتم ذلك. وقال آخر مثل ذلك غير أنه قال : كان في أسفل الجرن بخش لايمسك الماء ، قلت له : سيقع بك إسهال شديد بحيث لا يستمسك فؤادك ، فوقع به ذلك ، ومات منه. وقال آخر : رأيت أنني صرت ضامن حمام ، قلت له : أنت ضامن بحر تاخذ من كل من يجيء ويخرج ، فإن كانت الحمام مليحة ربحت وإلا فلا. وقالت امرأة : رأيت أنني رميت كبدي في قدر ماء يغلي ، قلت : أصحيحة أم مقطعة ؟ قالت : بل كانت صحيحة ، قلت : أنت حامل وستضعين في حمام ، فجرى ذلك. ومثله قالت أخرى ؛ قالت : رأيت كأنني رميت كبدي من دبري في ماء حار ، قلت تضعين خفية من الزنا ، وتربيه امرأة وقاد ، أو طباخ. وقالت أخرى : رأيت زوجي ينظر إليّ من جامات الحمام : ويقول ما هذا إلا كرب
عظيم ، قلت لها : لك غائب ، قالت : نعم ، قلت : هو مريض بالحمى والساعة يقدم ويموت ، فجرى ذلك. وقالت أخرى : رأيت بعض من يعين عليّ من جامات الحمام ، وهو يسجد للزهرة ، قلت لها : أخبرك منجم أنه يعرض عنك وهو مشتغل عَنك بحب امرأة أُخرى ، قالت : كذا قال ، قلت لها : فالمرأة ساحرة ، قالت : صدقت.
فصل : وأما إن كانت رائحتهم ردية ، أو نارهم مؤذية ، أو دخانهم مضراً ، أو فيهم الجيف ، أو الحيوانات المؤذية كالعقارب والحيات والسباع وأمثالهم ؛ دل على أماكن الظلمة وأرباب الفساد ومواضع علماء البدعة ، وعلى المتاجر بالأموال الردية ، والمعايش الدنية ، أو يبني مكان بدعة كالكنائس والسجون والحانات ونحوهم.
قال المصنف : دلت على أماكن الظلمة لأن الغالب أنها بضمان ، وهو خلاف الشرائع في أكثر ما يتعانى فيها ، ولكون الأوصاف المذكورة فيها مؤذية بغير حق. ودلت على أرباب الفساد لكونهم يتلقون الأجسام ، وعلى علماء البدعة من الذين بواطنهم ردية ، وعلى المتاجر والمعايش الردية لأن ذلك إذا بيع كان أكثره حراماً والنفوس تنفر منه ، ودلوا على أماكن البدع ونحوها لأن هذه الأوصاف المذكورة في المواضع المشار إليها مبتدعة ، خلاف العادة. كما قال لي إنسان : رأيت أن سَبُعًا جرحني في حمام ، قلت له : أين جرحك ، قال : في رأسي ، قلت له سرح إنسان رأسك بمشط حاد الأسنان فأسال دمك ، قال : صحيح ، لأن أسنان السبع تشبه أسنان المشط. وقال آخر : رأيت أنني في فرن فدخل في رجلي عود في رأسه نار فأحرقها ، قلت له : لسعتك حية في رجلك ، قال نعم. وقال آخر : رأيت أن حية لدغتني في فرن ، قلت له : تحترق بعود فيه نار فجرى ذلك.
فصل : من دخل حماماً واغتسل ، أو تنظف بما لا يضره كالبارد في الصيف ، أو الحار في الشتاء فهو دال على الغنى والخير وقضاء الديون والتوبة ، وعلى الخلاص من المرض والشدائد ، وعلى قضاء الحوائج وإن كان أعزب تزوج. وأما من اعتسل بالماء الحار في الصيف ، أو بالبارد في الشتاء انعكس ما ذكرنا.
قال المصنف : دل على الغِنى والخير لكونه قضيت حاجته ، وعلى قضاء الديون لإزالة الوسخ والمانع الذي كان عليه يضيق صدره أشبه الدين ، وعلى التوبة لكونه تنظف من الأوساخ وتطهر فصار كالتائب الذي لا ذنب عليه بوسخ آخرته. كما قال لي إنسان : رأيت أنني ملوث ببول وطوط ، فاغتسلت منه بماء حار ، أسخنته بحطب زيتون ، قلت له : أنت محب لامرأة ضعيفة العينين ، وأنت ملوث العرض بذلك ، قال : نعم ، قلت : الساعة ترزق توبة على يد رجل من أهل الشام ، فجرى ذلك وتاب.
ودل على الخلاص من الأمراض والشدائد لأن الإنسان لا يزال في تعب حتى يغتسل لأنه متعلق بالجسد ، كالمريض الذي لا يزال في شدة حتى يزول ما بجسمه ، ودل على تزوج العزب لكونه زال ما هو فيه من القشب ، ولأن الاغتسال – الذين يتزوجون – غالباً الماء الحار في الصيف والبارد في الشتاء مضيق للصدر مؤذ لبعض الأجساد لا يتعاناها أحد إلا لضرورة ، أو عادة ؛ والعادة لا حكم لها ولا كلام فيها والضروري يعطى عكس ما ذكرنا من الخراب.(1/39)
فصل : وأما من أتى إلى طاحون بحب فطحنه ، أو إلى فرن بعجين فخبزه ، أو إلى مدبغة بجلد فدبغه ، أو إلى مسلخ بحيوان فذبحه ، أو بلحم إلى طباخ فطبخه ، أو شواه ، أو بدابة إلى بيطار فأصلحها ، أو بثوب إلى خياط فخاطه ، وما أشبه ذلك ، فإن كان يطلب حاجة من كبير حصلت له ، أو يحتاج إلى عالم في أمر ، أو إلى عابد ، أو يتزوج ، أو يستغني بعد فقره ، أو يأَمن من خوفه ، أو يتعافى من مرضه ، أو يخلص من شدته ، أو يربح بعد خسارته ، كل إنسان على قدره وما يليق به. وأما إذا لم يكن تم له في المنام شيء مما ذكرنا لم يبلغ مراده.
قال المصنف : اعتبر لقاصد هذه الأماكن في طلب حاجة وتكلم عليه بما يليق به ، كما قال لي إنسان : رأيت أن طاحونة تطحن شعيراً كان معي والدقيق ينزل دقيق حنطة ، قلت له : فالشعير من عادتك تأكله ، قال : لا ، قلت له : تحتاج بعد غناك حاجة تأكل فيها خبز الشعير ، ثم بعد ذلك تستغني من عند إنسان كثير الرقص والطرب ، فكان كذلك ؛ لأن دوران الحجر كالراقص الذي لا يزال مكانه بعد دورانه. ورأى آخر أنه أتى إلى فرن بدقيق فخبزه من غير عجن ، قلت له : عندك مريض وأنت تطلب طبيباً ليداويه ، قال : نعم ، قلت : يبرأ قبل أن تمارس أموره. ومثله رأى آخر ، غير أنه قال : تلف الخبز ، قلت : عندك حامل ، قال : نعم ، قلت : تمرض بالحمى ويتلف الولد وربما يسقط ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني جئت بجلد ميتة أصلحه بالدباغ بدبغه ، قلت : لك مال فيه حرام ، أو لم تخرج زكاته عزمت على أنك تزكي وتعمل حيلة ليصير لك حلالاً ولا تبرئ ذمتك بالكلية ؛ لأن الناس اختلفوا في طهارة دباغ جلد الميتة. وقال آخر : رأيت أنني أخذت جلد جاموس من مدبغة ، قلت : أخذت ثوباً من تركة جليل القدر ، فإن كان بلا دباغ فقد أخذته بغير حقه. وقال آخر : أتيت بجلد يابس فوضعته في بركة مدبغة ، فجاء كلب فأكله ، قلت : عزمت على تطرية ثوب ، أو غسله ، قال : نعم ، قلت : يسرق منك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني خلعت جلدي وسيرته إلى المدبغة ، قلت له : تموت ويروح مالك إلى الحشرية ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني جئت دباغاً ليدبغ جلدي ، قلت : تمرض وتطلب طبيباً ، فجرى ذلك.
فصل : وأَما من عبر إلى هذه الأماكن ، أو تلوث بدم ، أو طين ، أو رائحة ردية ، أو احترق بنار ، ونحو ذلك ؛ حصل له نكد من كبير ، أو من ولد ، أو أقارب ، أو من زوج ، أو تنكد من مسافر ، أو من زانية ، أو تعطلت مكاسبه ، ونحو ذلك.
قال المصنف : أعطه من الأحكام على قدر ما تنكد من هذه الأماكن. كما قال لي إنسان : أدخلت يدي تحت رحاة تدور فأتلفتها ، قلت : تدخل روحك بين اثنين بما لا يليق تتنكد منهم. وقال آخر : رأيت أن ذكري تلوث بدم من مكان جزار وأنا ألعق ذلك الدم ، قلت : أنت تفسد من دار جرائحي ، أو فاصد ويعطونك أجرة ، وهي حرام ، قال : صحيح ، وأنا تائب. وقال آخر : رأيت خياطاً عمل على رأسي كوفية مليحة وخيطها في جلد رأسي وتألمت من ذلك ، قلت : عمل عليك إنسان كاتب في الاجتماع بامرأة ، إما بتزويج ، أو غيره ، وتألم خاطرك ، وتطلب الخلاص ما تقدر عليه ، قال : نعم.
فصل : وأما من بنى بيتاً، أو داراً ، بناءً مليحاً : حصل له من الخير على ما ذكرنا ، على ما يليق به. وربما كان ذلك للفقير ثوب ، أو كسوة. وأما من رأى بيته ، أو مجلسه ، أو إيوانه هدم ؛ مات مريض ذلك الموضع ، أو كبيره ، أو فارق ولده ، أو زوجته ، أو قرابته ، أو دابته ، أو تعطلت معيشته ، ونحو ذلك. وأما هدم المرحاض أو سَدُّه ؛ دليل على نكد أهل ذلك الموضع ، ويدل على فراق الزوجة ، أو السرية.(1/40)
قال المصنف : انظر هل بنى بنفسه ، أو بغيره ، وأعطه ما يليق به. كما قالت لي امرأة : رأيت إنساناً بنى على يدي سوراً وهو سور مليح ، قلت : يتزوجكِ ويشتري لك سواراً. ومثله رأت أخرى أن إنساناً عمل على أذنها قنطرة ، قلت لها : يعمل عليك حيلة وأوعدك بأن يشتري لك حلقاً في الأذن ، قالت : نعم ، قلت : لا تسمعي منه. وقال إنسان : رأيت أن لي مكاناً مليحاً ونقلت خزانة منه إلى المقابر ، قلت له : يروح لك مال يأخذه حفارو القبور ، أو مقربو الجنائز ونحو ذلك ، فما مضى قلبل إلاً وراح له ذلك من حفاري القبور. وقال جليل القدر : أبصرت أن السلطا بنى لي مكاناُ عالياً مشرفاً لأجل الفرجة وما فيه طاقة ، قلت : يوليك منصباً لا طاقة لك به ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن طاقة بيتي سدت ، قلت له : تنطرش أذنك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت باذهنجي انسد ، قلت : يقع بك زكام وينسد أنفك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت الباذهنج زال ، قلت : لك مركب ، قال : نعم ، قلت : يعدم القلع الذي له ، فعدم. ومثله رأى آخر ، قلت : يقع بأذنك عيب ، فقطعت. وقال آخر : رأيت أن بيت الراحة الذي لي انسد ببطيخة ، قلت : يطلع بدبرك طلوع ، ويعسر عليك البول ، وتقطعه بالحديد ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت مطبخي تعمل فيه حلاوة ، فجاءت وزغة رمت في الحلواء نقطة خل حامض فأفسدته ، قلت : عندك طباخة حائض ، قد سقط من حيضها نقطة دم في بعض ما تعلمه من المأكول فاحترز منه ، فراح من عندي وسأل عن ذلك فوجده صحيحاً.
فصل : وأما من انهدم بابه ، أو انكسرت سكرته ، أو انقلع قفله ، أو مسامير بابه ؛ فإن كان متولياً عزل ، أو يموت له غلمان كالبوابين والحراس والعبيد
والخدم ، أو فارق زوجته ، أو أهله ، أو معارفه الذين يسترونه بمعروفهم وحمايتهم له ، وربما دخل ذلك البلد ، أو المكان لص ، أو نهب ، أو يعدم منها شيء ، لزوال ما كان يحفظه.
قال المصنف : انظر ما جرى من هدم ، أو كسر ، أو قلع ، وتكلم عليه بما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أن بابي تلف ، قلت : يقع في فمك عيب ، فتكسرت أسنانه من وقعة. وقال آخر : رأيت شفتي زالت ، قلت له : تسرق فردة من بابك ، أو طاقة ، أو خزانة ونحو ذلك ، فسرق ذلك. وقالت امرأة : رأيت أن باب بيتي انهدم على ولدي قتله ، قلت لها : أنت حامل ، وحين تضعين الولد يمتسك معك ، ما يخرج إلا ميتاً ، فعن قليل جرى ذلك. وقالت أخرى : أبصرت في باب بيتي لعبة مليحة ، وأنا أفرح بها ، وقد منعت زوجي العبور ، قلت لها : قد خبأتِ إنساناً ، وربما تكون امرأة ، وقد قعد مكان زوجك ومنعتِ زوجك نفسك ، قالت : صحيح. وقال آخر : رأيت قد طلع في بابي عين كلما عبرت تلوثت ، قلت له : امرأتك كثيرة خروج الدم من فرجها من غير حيض وأنت تتلوث بذلك ، قال : صدقت. وقال آخر : رأيت أنني أنظر من طاقة البيت إذ رأيت سحابة بيضاء غطت الطاقة ، قلت له : ترمد إحدى عينيك ويقع عليها بياض يمنعك النظر بها ، فعن قليل جرى له ذلك. وقال آخر : رأيت أبواب الطاقات التي لنا سقطت ، قلت : تمرض وتسقط جفون عينيك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن عين ماء نبعت عند عيني وهي تقلب في داخل يدي فامتلأ فؤادي من ذلك وأثقلني ، قلت : تنقب دارك من عند بابها ، أو من عند طاقة ، ويعبر من ذلك اللص إلى منزلك ، أو ذويك ، فجرى له ذلك.
فصل : وأما من رأى مسجداً تهدم محرابه ، أو منبره ، أو وقعت قبته ؛ مات إمامه ، أو خطيبه ، أو كبير ذلك المكان. وكذلك إذا انهدمت مئذنته. وربما مات مؤذنه. وإن انكسرت قناديله ، أو تلفت حصره : ذهب علماء ذلك المكان والمتصدرون به لنفع الناس في ذلك المسجد ، أو مات غلمانه ، أو قومته ، أو بطلت أوقافه. وكذلك إذا انهدمت قواعده ، أو أعمدته. وإن كان المسجد الكبير الذي للصلاة ؛ ربما وقع في المسلمين نكد. وأما رؤي فيه من بناية ، أو سعة ، أو في بعضه ؛ عاد ذلك على من ذكرنا ، وربما قدمت على المسلمين بشارة.(1/41)
قال المصنف : ما حدث في أماكن العبادة من خير ، أو شر رجع إلى من فيه ، وإلى من عمله ، وإلى جنس ذلك الدين ، كما ذكرنا. كما قال لي إنسان : رأيت مسجداً انهدم ، قلت : كنت تلازمه ، قال : نعم ، قلت : تركت الصلاة فارجع إليها. وقال آخر : رأيت محرابه انهدم ، قلت : كنت تتعلم القرآن العزيز ، قال : نعم ، قلت : قد تركت ذلك ، قال : صحيح. وقال لي إمام مسجد : رأيت قبة مسجدي وقد اختطفها غراب ، قلت له : تخطف طاقيتك ، أو عمامتك أسود ، فما مضى قليل إلا وجرى ذلك. ورأى إنسان أن القنديل الذي بالمحراب زال وجعل موضعه قنديل نحاس ما يصلح للوقيد ، قلت : يموت إمامه ، أو يعزل ، ويأخذ مكانه رجل أعمى لا ضوء بعينه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني بعت بعض قومة جامع ، قلت : سرقت منه حصيرًا ، أو قنديلاً ، وبعت ذلك ، ضحك ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أن مئذنة الجامع انهدمت وأنا أقول : بطل الأذان ؛ قال لي آخر : ما بطل ، قلت له : يقع بسمعك طرش فيمنعك سماع الأذان ، فجرى ذلك. وقال مؤذن : رأيت أنني بنيت مئذنة داخل مئذنة ، قلت له : حملت زوجتك ولداً ذكراً وهو يطلع مؤذناً مثلك ، فما مات حتى جاءه ولد وصار مؤذناً مكانه ، وقال آخر : رأيت أنني وقعت في داخل قنديل وأكلت فتيلته ، قلت له : نزلت إلى جامع وسرقت ثياب إمامه ، قال : نعم. ومثله قال آخر غير أنه شرب الزيت الذي فيه ، قلت له : سرقت مخزن زيت والساعة تموت بوجع الرأس ، فعن قليل أوجعه رأسه ، ومات وبه ذلك.
فصل : وحكم الصوامع ، والكنائس ، والمعابد ، لأهلها ومن يتقرب بها حكم المسجد. فما نزل بها من خير أو شر ، نسبناه إليهم.
قال المصنف : وأعط كل ملة على يليق به. كما قال لي نصراني : رأيت أنني أكلت المسيح ، قلت له : سرقت صليبًا وبعته وأكلت ثمنه وكان ذهباً ، قال : نعم. وقال يهودي: رأيت أن موسى بن عمران وراء ظهري ، قلت له : كنت تحفظ بعض التوارة تركتها والساعة يتغير دينك ، فصار مسلماً. زقال حبيس نصراني : رأيت أن قلالتي تهدمت ، قلت : تترك العبادة وترجع إلى الدنيا. وقال لي سامري : رأيت أنني أكلت من التوارة عشر ورقات ، قلت : حلفت بالعشر كلمات وأنت كاذب لأجل ضرورة خفت على نفسك منها ، قال : صحيح. ومثل ذلك فاعمل موفقا إن شاء الله تعالى.
فصل : وأما هدم السجون ، ودور الفسق ، ومواضع الكفر ؛ فدليل على ظهور العدل ، والخير ، والأمن ، في ذلك المكان. كما أن تجديدهم ، وبناءَهم يدل على الضد من ذلك.
قال المصنف : وربما دل هدم السجون على ظهور المفسدين لزوال ما كان يردعهم. كما قال لي إنسان : رأيت أن في بيتي سجناً وقد انهدم وخرج منه دخان ، قلت : في بيتك حيوان مؤذ وتخشى خروجه عليكم ، وربما يكون حية سوداء ، فعن قليل خرج عليه من مكانه حية سوداء عظيمة كانت ساكنة فيه. وقال آخر : رأيت أن داري صارت كنيسة ، قلت له : يشتريها منك نصراني إن كان بها تماثيل وصور وإلا اشتراها يهودي ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت مجوسياً في بيتي مقطعاً قطعاً ، قلت : ينهدم عليك بيت ، أو مكان توقد فيه النار ، فجرى ذلك. فافهمه إن شاء الله تعالى.
فصل : وأما الطاحون في البلد تطحن بني آدم ، أو الحجارة ، أو النار ، أو الجيف. أو الفرن يحرق الناس ، أو يؤذيهم بدخانه. أو المسلخ يذبح فيه الناس ؛ أو إساخة تؤذي الخلق. أو المرحاض يتدفق في الطرقات. أو الحداد المجهول يعبر الناس في النار ، أو يؤذيهم بشرره. أو الماء يهدم الدور ، أو يغرق الزراعات ، أو الناس ، أو أمتعتهم. أو كان في البلد مكان تخرج منه الحيات ، أو السباع ، أو العقارب ، أو أشباه ذلك ؛ فذلك كله دليل على الحروب ، والأعداء ، والفتن ، والأمراض ، كالجدري ، والبرسام ، والطاعون ، والفتن ، ونحو ذلك. والله أعلم.(1/42)
قال المصنف : اعتبر الضرر من أي جهة دلت على ما يليق به. فإن كان من طاحون ، أو فرن فمن أجل المأكول يكون الوباء والمرض وغلو الأسعار والموت ونحو ذلك ، وإن جعلته من عدو فربما مَنعوا مجيء القوت من مكانه ، أو يتلقون الغلات والنبات ، وإن جعلته من المسلخ فمن أجل حروب ودماء تقع ثَمَّ وربما كان النكد لأجل حيوان ، وربما كان المرض والوباء والمرض من اللحوم ، وإن جعلته من المرحاض فربما كان الوباء والمرض في هبوب رياح ردية وربما كان من أكل شيء مفسود ، وإن جعلته من الحداد فربما كان الوباء والمرض بحمايات حادة خصوصاً إن كان ذلك في الصيف ، وإن جعلته من البحار ونحوها فيكون الوخم والمرض من المياه ، أو ما يخرج منها كالسمك وما يؤكل من المياه. كما قال لي إنسان : رأيت أن رغيفاً أتلف لي طاحونة وكسرها ، قلت له : يتلف ضرسك بحصاة تكون في الخبز ، فعن قليل جرى ذلك ، لأن الضرس طاحون. وقال آخر : رأيت جزاراً ضربني في فمي بيده ؛ أدماه ، قلت : يتألم فمك بسكين ، أو سيف ، فعن قليل شال لحمة على رأس سكين وأدخلها في فمه فجرحته في لسانه جرحاً ردياً. وقال آخر : رأيت أن في فمي فرناً توقد النار فيه ، قلت له : تأكل ، أو تشرب شيئاً حاراً ويؤلمك ألماً شديداً ، فجرى ذلك. ومثله قال صغير : رأيت أن في فمي فرناً وبلعته ، قلت له : أنت في صغرك تلعق المداد وفي كبرك ترزق من عمل الخبز ، فكبر وصار خبازاً. فافهم ذلك.
الباب التاسع
في الملابس(1)
كل من لبس ما لا يليق به فهو شهرة ردية في حقه. والملابس للعزاب من الرجال نساء ، وللنساء رجال. وملابس الشتاء في الصيف ، أو لمن مرضه بالحرارة دالة على الهموم ، والديون ، وطول مرضه. كما أنهم في الشتاء ، أو لمن مرضه بالبرودة جيد.
قال المصنف : دلت الملابس على تزويج العزاب لكونها سترة ، ودلت على الأمراض والأنكاد في غير وقتها لنفرة النفوس منها وعجز الأبدان عن مثل ذلك غالباً ، فأعطى ما ذكرناه. فإذا رأى أحد في الشتاء كأنه في المنام في حر شديد وقد لبس فروة ، أو جبة أو تدفأ بنار ، أو بشمس ونحو ذلك ؛ فقل له : نخشى عليك نكداً ما من مرض ونحوه ؛ لكن فيه تأخير إلى أوان الصيف ، وكذلك لو رأى أنه في شتاء ومطر وبرد تعرى ، أو اغتسل بماء بارد ، أو لبس ثوباً شفافاً لا يرد ذلك ؛ قلت له نكدك ، أو مرضك يكون في زمن الشتاء ، أو بالبرودة ، وعكسه لو رأى كأنه في حر وكرب ونزع ما عليه ولبس ما يليق به ، أو اغتسل بما يصلح لمثل
ذلك ؛ قلنا : راحتك متأخرة إلى زمن الصيف ، وكذلك لو كان في زمن الصيف ورأى كأن مطراً ، أو برداً شديداً ونحو ذلك ولبس ما يصلح له كالجباب والفري والأكسية ونحو ذلك ؛ قلنا له : تتجدد لك راحة ويكون في ذلك تأخير على قدر ما بقي للشتاء ، وكذلك باقي الفصول ، فاعتبره. كما قال لي إنسان : رأيت أنني وقعت في طين ، قلت : الطين من مطر ، قال : نعم ، قلت : تقع في مرض ، أو شدة في زمن الشتاء ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني لبست ثوباً من قشور البطيخ الأصفر ، قلت : تمرض في ذلك الزمان وربما يكون الغالب عليك في مرضك الصفراء ، فجرى.
فصل : الغالي من الثياب ، والعمائم ، وما يكون على الرأس ؛ دل على أشرف قومه ، وأعز ماله الظاهر ، وعلى جاهه. فإن احترق ، أو سرق ، أو توسخ ، أو تقطع ، ونحو ذلك ؛ نقص عزه ، أو ماله ، أو وقع كلام في عرضه ، أو تغير بعض أولاده ، أو أقاربه ، بمرض ونحوه. أو بموت مريضة ، أو وقع له نكد في دوره ، أو بساتينه ، أو غلمانه ، أو عبيده.
قال المصنف : اعتبر الملابس من الثياب بأوصافها ، واعمل كما أعمل ، يقع على صفات من دلت عليه. فإذا قال إنسان : رأيت أن عليّ ملبوساً ، فاسأل عن جنسه وصفاته ، فإذا قال : كان على ثوب صوف ، قل له : عمل أي جهة ، فإذا قال : مثلاً عمل الشام ، فإن قال : في طوقه قطع ، أو تلوث ، أو وسخ ونحو
__________
(1) أنواع الثياب أربعة : الصوفية والشعرية والقطنية والكتانية ، المتخذة من الصوف مال ، ومن الشعر مال دونه ، والمتخذة من القطن مال ، ومن الكتان مال دونه ، وأفضل الثياب ما كان جديدا صفقا واسعا ، وغير المقصور خير من المقصور ، وخلقان الثياب وأوساخها فقر وهم وفساد الدين ، والوسخ والشعث في الجسد والرأس هم.(1/43)
ذلك ، ولا يليق بالرائي لبس ذلك ، قل له : يحصل لك نكد على يد رجل من الشام ، ويكون في وجهه علامة ، وفي رأسه أثر ضربة ، أو طلوع ، أو فمه عيب كنقص الكلام ، أو كثرة الكذب ، أو رثة في لسانه ، أو عيب في أسنانه ، ونحو ذلك ، فإن قال : العيب في صدره ، قلت : يكون اعتقاده ردياً ، وفي أحد ثدييه ، أو في صدره علامة كشامة ، أو طلوع ، أو ضربة ، أو حرق نار ، ونحو ذلك ، وإن لم تجد ذلك فقد تألم في ذلك بمرض ، أو يتألم ، فإن ذكر العيب في أكمامه جعلت العلائم في يديه ، فإن كان في ذيله فاجعلها في وسطه وفرجه وساقيه وفخذيه ونحو ذلك ، فإن ذكر ذلك في أكتافه جعلته في كتفيه ، وكذلك إذا كانت في جنبيه فاطلب العلائم في جانبيه على ما ذكرت لك ، واطلب العلائم أيضاً في جسم لابسه ، أو في جسم زوجته وأولاده وأصحابه ، تجد ذلك ، وهذا مذهبي سلكته دون من تقدمني فأي من سلك مسلكي في ذلك اطلع على ذلك ، ولا يحرم عليه أصلاً ، وكذلك تعتبر الملابس من سائر البلدان كما ذكرت لك أولاً ، فافهم ذلك.
فصل : لبس الأسود من القماش للخطباء ، أو للخلفاء ، أو من يعتاده ؛
راحة ، وسؤدد. ولبس الأبيض وقت الخطابة ردي ، زوال منصب. كما أن لبس السواد ، لمن لا عادة له به هموم ، وأحزان ، وأنكاد ، وأمراض ، ونحو ذلك.
فصل : المذكر من الملبوس : رجال. والمؤنث : نساء. فمن ملك ثوباً ، أو قباءً ، أو إزاراً ، أو لحافاً ، أو كساءً ، أو مَسْنداً ، وما أشبه ذلك ؛ فإن كان أعزب
تزوج ، أو تعرف بمن ينفعه ، وإن كان عنده حامل رزق ولداً ذكراً ، أو اشترى غلاماً ، أو حصلت له فائدة من أبويه ، أو أولاده ، أو أقاربه ، أو معارفه ، أو ملك بيتاً ، أو داراً ، أو بستاناً ، أو حصل له درهم ، أو دينار. كل من هو على قدره وما يليق به.
قال المصنف : اعمل كما ذكرت لك في أول شرح الباب. كما قال لي
إنسان : رأيت أن عليّ ثوباً ؛ وراءه إلى وجهي ووجهه إلى ورائي ، قلت : عندك زوجة ، أو امرأة حولاء ، أو في عينها عيب ، قال : صدقت. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تأتي زوجتك من ورائها ، أو تأتي الذكران ، قال : ما بقيت أفعل ذلك. وقال آخر : رأيت أن عليّ ملبوساً قباء مليح ، قلت : عليه طرز ، قال : نعم ، قلت : لون واحد الطرز أم لا ؟ قال : أحدهما ذهب ، والآخر حرير ، قلت له : أنت تصاحب إنساناً جليل القدر ، له ولدان من امرأتين ، الواحدة جارية بيضاء وربما يكون اسمها الطون ، قلت : وهي بلا عتاقة ، قال : صدقت ، قلت : والمرأة الأخرى مولدة مليحة ، والولد منها أسمر مليح ، وهي حرة ما هي مملوكة ، قال : صحيح ، قلت : واسمها علمية ، أو عليمة ، أو شيء فيه عين ، قال : صدقت ، قلت : يموت ولد الطون ، ويعيش ولد هذه المولدة السمراء ، وأنت تربي الاثنين ، وتحملهم على أكتافك ، قال : صدقت ، قلت : أنت في الظاهر محسود ، وفي الباطن أنت متنكد ، قال : صدقت ، وكان دليل ذلك أن الطون من أسماء الذهب ، والفضة شبهه ، والحرة من الحرير ، والأسمر من سواد الحرير ، وموت ولد الطون يذهب من كونه ذهبًا ؛ فذهب أي مات. وقال آخر : رأيت عليّ فرجية من حرير طوقها مليح ملون وفيها أزرار ملونة مليحة ، قلت : عندك امرأة في وجهها شامة وأثر مليح ما هو ردئ ، قال : صدقت ، قلت : وفي بزها الواحد علامة ، قال : صدقت ، قلت : هي كثرة وجع الرأس ، قال : صدقت ، قلت : إن كانت جديدة فما تفارقها بل تبقى عندك. وقال آخر : رأيت عندي كساءً مليحاً جديداً وفيه رقوم عدة ، قلت له : عزمت على شراء دار تستتر فيها ، قال : نعم ، قلت : تشتري داراً مليحة فيها تزويق بدهان وصبغ وغير ذلك ، فاشترى ذلك ، قلت له : بعت غنماً ، أو خيلاً ، أو دواباً ونحو ذلك واشتريت به ذلك ، قال : نعم. ومثله رأى آخر غير أنه قال : تغطيت به وكربت منه ، قلت له : أنت تحت حكم رجل كثير الحيوان حاو المنظر حسن الظاهر ردئ الباطن ، في حقك تارة يكون معك وتارة يكون عليك ، لأن الكساء نافع في وقت دون وقت. وقال لي جليل القدر : رأيت أن فلاناً سير إليّ كساءه وهو مقطع لونه حائل ، قلت له : لفظه كسى شكى ، هذا شكى إليك تحول حاله في ورقة ، قال : هذه الورقة عندي.
فصل : وإن ملك ما يدل على المؤنث ، مثل كوفية ، أو فرجية ، أو مخدة ، أو طراحة ، أو دراعة ، أو ملوطة ، ونحو ذلك : دل على الفوائد. من الجوار ، والنساء ، والأراضي ، والزراعات ، والأقارب ، والمعارف. وربما كان السروال امرأة ، أو
عبداُ ، أو جارية ، أو مطلعاً على الأسرار ، أو دابة. فإن كان فيه تكة ؛ كان ملك ذلك صحيحاً ، طويل الإقامة. وإن كان بلا تكة : كان في ملكه نقص ، أو امرأة حرام. لأن التكة عصمة.(1/44)
قال المصنف : دل السروال(1) على الدابة لكونه مركوباً ، وكذلك على المرأة ، ودل على المطلع على الأسرار لكونه مختصاً بستر العورة ، فاعتبر ما يحدث فيه. كما قال لي إنسان : رأيت أنني رقعت سراويلي بكوفيتي ، قلت له : زوجت أباك بجارية من عندك ، وهما مختلفان ؛ ما عندهم وفاق ، وأنت تعبان بينهم ، قال : صدقت. وقال آخر : رأيت رقعت فرجيتي بسروالي ، قلت له : عندك بنتك وهي رَاجع ، زوجتها بغلامك ، وذكر أن الثوب والسروال كانا شبهًا واحداً ، قلت : وهما متفقان لا خلف بينهما ، قال : صدقت. فافهم ذلك.
فصل : وأما من لبس الحرير ، أو الملون ، أو المذهب من اللباس ، فهو لمن يليق به عز وغنى. وهو لمن لا يليق به شهرة ردية ، أو بغي ، أو مخالفة الشرائع. وأما لبس الأحمر ، أو الأصفر ، وغيره ، للنساء والصبيان فرح وسرور.
قال المصنف : دل على العز والغنى لأنه لا يلبسه إلا الأغنياء ، أو أصحاب الدنيا. كما قال إنسان : رأيت أن عليّ ثوباً حريراً وكان يتعاطى العبادة ، قلت له : تترك العبادة ، وترجع إلى طلب الدنيا ، فجرى ذلك. وكما قالت امرأة تعاطت العفة : رأيت عليّ ملبوساً مذهباً ، قلت لها : كان لك عادة بلبسه ، قالت : أوقات كنت أتعانى اللعب والجهل ، قلت : احترزي لا تعودين إلى ما كنت عليه ، فمضت مدة وقال : رأيت عليّ ثياب صوف مليحة ، وقالت : يا سيدي صح الذي قلت من اللعب ، قلت لها : النوبة ترزقين توبة مليحة ويكون قوتك من النبات ، فمضت وتابت توبة حسنة. ورأت امرأة أخرى أن جلدها صار ذهباً ، قلت : يموت زوجك ، ويسرق لك ملبوس ، ويقع بجلدك حكة ، فجرى ذلك. فافهمه موفقاً إن شاء الله.
فصل : وأما لبس الحوائص ، والكمارنات ، والخفاف ، والمداسات ، والزرابيل ، والجربانات ، ونحوهم ، لمن يصلح له ذلك ؛ عز وجاه ، وغنى وزوج ، أو عبيد ، أو أولاد ، أو معايش ، أو فوائد ، أو أقارب ، أو معارف. فما نزل بشيء من ذلك ، من خير أو شر ، عاد على من دل عليه. وأما من لبس شيئاً من ذلك ، ممن لا يليق به فهو مكروه.
قال المصنف : وربما دل ذلك على أنه يطأ أرضاً جديدة ، أو يملك داراً كذلك ، لكونه وطئ بقدمه في مكان غريب ، أو جديد. كما قال لي إنسان : رأيت أنني لبست خفاً جديداً ، قلت : كان ضيقاً ، قال : نعم ، قلت : تسجن لأجل
حيوان ، فجرى ذلك. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تطلب سفراً ، قال : نعم ، قلت : يبطل سفرك ، لأن الضيق في الرجل يمنع الرواح والمجيء. وقال آخر : رأيت أن في رجلي مداساً ضيقة وهي كلما مشيت بها يطلع لها صوت ، قلت : عندك امرأة قد ضيقت عليك ، وهي كثيرة العياط ، وقولك : فيها قطع من ظاهرها ، في وجهها علامة ، وفي عينها عيب ، قال : صحيح ، وقولك : أنها بلا كعب ، قلت : هي ما تحفظك خلفك. وقال آخر : رأيت في وسطي حياصة مذهبة مليحة لكنها تحت الثياب وأنا أفرح بها ، قلت له : فيها علاقين ، قال : لا ، قلت : أنت تجتمع بامرأة جندي خفية ولا يعلم بك أحد ، وهي طويلة القامة دقيقة البشرة ، ولها ولد صغير يجيء معها ، قال : صدقت ، قلت : تحدثت أنت وإياها سراً في التزويج ، قال : نعم ، قلت : يتم ذلك. وقال آخر : رأيت أنني أعبرت حياصة في سروالي مكان التكة ، قلت له : في وسط دارك طبقة أطلعت إليها امرأة من نساء الجند وما وافقتك على مرادك ، قال : صحيح ، وكان دليله أن مجرى التكة مثل الطبقة المخفية ، وكونها لم توافقه لأن الحياصة لا تجري موضع التكة بل تتعسر. وقال
__________
(1) السراويل : امرأة دينة أو جارية أعجمية ، فإن رأى كأنه اشترى سراويل من غير صاحبه ، تزوج امرأة بغير ولي . والسروال الجديد امرأة بكر ، والتسرول دليل العصمة عن المعاصي . وقيل : السراويل دليل صلاح شأن امرأته وأهله . ولبس السراويل بلا قميص فقر ، ولبسه مقلوبا ارتكاب فاحشة من أهله . وبوله فيه دليل حمل امرأته . وتغوطه فيه دليل غضبه على حمل امرأته . وانحلال سراويله ظهور امرأته للرجال ، وتركها الاختفاء والاستتار عنهم . وقيل : إن السراويل تدل على سفر إلى قوم عجم
، لأنه لباسهم . وقيل : السراويل صلاح شأن أهل بيته وتمدد سرورهم . والتكة : تابعة للسراويل ، وقيل : إنها مال ، وقيل : من رأى في سراويله تكة ، فإن امرأته تحرم معليه ، أو تلد له ابنتين إن كانت حبلى ، وإن رأى كأنه وضع تكته تحت رأسه ، فإنه لا يقبل ولده . وإن رأى كأن تكته انقطعت ، فإنه يسيء معاشرة امرأته أو يعزل عنها عند النكاح . فإن رأى كأن تحته حية ، فإن صهره عدو له . ومن رأى كأن تكته من دم ، فإنه يقتل رجلا بسبب امرأة ، أو يعين على قتل امرأة الزاني . ومن رأى أنه لبس رانا فإنه يلي ولاية على بلدة إن كان أهلا للولاية ، ولغير الوالي امرأة غنية ليس لها حميم ولا قريب.(1/45)
آخر : رأيت أن مداساً جديداً عضني في رجلي ، قلت له : يقع برجلك حريق ، أو يطلع بها طلوع. وقال آخر : رأيت أنني أمسح مداس الملك ، قلت له : تصير له غلاماً. وقال آخر : رأيت أنني قدمت للملك مداساً مليحة ، قلت يروح منه مركبان ، فجرى ذلك فافهمه.
فصل : كل ملبوس دل على النكد(1) ، فعتيقه أهون على الرائي من جديده. ومن باع من الملبوس ، وغيره ، وما يدل على الفائدة ، أو وهبه ، أو ضاع منه ؛ فاتته راحة وربح وخير. كما أنه إذا باع شيئاً مكروهاً ، أو وهبه ، أو ضاع منه : زال عنه هم ونكد. وحصل له فائدة وخير.
فصل : وكل ملبوس يحتاج إلى أزرار ، فرؤيته بلا أزرار تدل على النقص فيه ، وكل ملبوس لبس في غير موضعه ، كالعمامة في الرجل ، أو التعمم بالسراويل ، ونحوه ؛ ربما دل ذلك على الفقر ، أو وضع الشيء في غير موضعه. وكل من لبس من القماش ، الضيق ، ما لا عادة له به فهو نكد ، أو حبس ، أو مرض ، أو
ضيقة ، ونحو ذلك. كما أن من لبس من الواسع ما لا يليق به دل على النكد ، والحِيَرة ، والتبدد.
قال المصنف : اعتبر النقص والوضع في غير محله وتكلم عليه. كما قال لي إنسان : رأيت عليّ قباء بلا أزرار ، قلت له : عندك امرأة عقيم لا أولاد لها ، قال : نعم ، قلت : وهي أيضاً بلا أسنان ، ضحك وقال : صدقت ، وقد حنثت فيها بالطلاق ، وقد انحل نكاحك ، قال : نعم ، قلت له : وأنت أصابع يديك ، أو رجليك قد ذهب بعضها ، فأراني ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : عندك شجرة مثمرة والساعة يتلف ثمرها ، فجرى ذلك. ومثله قال لي صاحب حَلب ، قلت له : عسكرك مقابل عسكر مصر ، وهذا وقت صنف ، ما الحاجة داعية إلى أن تزور ، الساعة يقع الصلح ، وينصرف العساكر من طلب الواحد الآخر ، ويروح هذا
الزر ، فجرى ذلك. ورأى آخر أنه تعمم في رجليه بعمامته ولوثها ، قلت له : أنت وطئت أمك ، فقال : كنت سكران ، قلت : لا ترجع تعود. ومثله قال آخر ،
قلت : يقطع رأسك في قتال ويصير تحت الرجلين. وقال آخر : رأيت أنني لبست مداسي فوق رأسي ، قلت له : أبصرك أحد ، قال : نعم ، قلت : يقع لك ألم برأسك ، وربما يكون ضرباً بالمداس ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني تعممت بسروالي فوق رأسي ، قلت له : لك ابن وبنت ، قال : نعم ، قلت : الساعة تزوجهما وتسكنهما فوق رأسك ، قال : هذا عزمي. وقال آخر : رأيت أن الملك سير إلى سروالي ، قلت له : تتولى وتصير والياً ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن عليّ جوخة ضيقةً كثيراً ، قلت : كان في الصيف ، قال : نعم ، قلت : يخشى عليك سجن عند إفرنج ، أو على يد إفرنجي ، فحبسه الإفرنج. فافهم ذلك أن شاء الله تعالى.
فصل : وأما البسط والحصر ، والأخراج ، والأعدال ، والغرائر ، والبراذع ، ونحوهم ؛ فيدلون على النساء والخدم ، والعبيد ، والغلمان ، وعلى العز ، والغنى ، والفقر. فمن له عادة بالبسط ، ورأى أنه على أدون منها ، أو على الحصر : دل على الفقر ، ونزول المرتبة ، والتحول من حال إلى حال أردى منه. كما أن من له العادة بالفرش الدونه ، أو بالحصر ، فرأى أنه على أحسن منها نال عزاً ، ورفعة ، وغنى ، وراحة. وأما تلاف أحد هؤلاء ، أو سرقته ، أو خطفه ، أو ضياعه ؛ دل على فراق من دل عليه ، ممن ذكرنا. والله أعلم.
قال المصنف : دلوا على الخدمة والنساء والغلمان بكثرة استعمالهم ، وكثرتهم وحسنهم على العز والمال على ما بينا. وقال إنسان : رأيت أنني ملكت بساطاً رُوميًّا منقوشاً ، قلت له : يتجدد لك بستان مليح على قدر حسنه ، فاشتري
__________
(1) الخلقان من الثياب عن ، فمن رأى كأنه لبس ثوبين خلقين مقطعين أحدهما فوق الآخر ، دل على موته . وتمزق الثوب عرضا تمزق عرضه . وتمزق الثوب طولا دليل الفرج مثل البقاء والزواج .فإن رأت امرأة قميصها خلقا قصيرا ، اقتصرت وهتك سترها . ومن مزق قميصه على نفسه ، فإنه يخاصم أهله وتبطل معيشته . فإن لبس قمصانا خلقانا ممزقة بعضها فوق بعض ، فإنه فقره وفقر ولده . فإن رأيت الخلقان على الكافر ، فإنها سوء حاله في دنياه وآخرته ، وقيل : الثياب المرقعة القبيحة : تدل على خسران وبطالة ، والوسخ هم سواء كان في الثوب أو في الجسد أو في الشعر . والوسخ في الثياب بغير دسم يدل على فساد الدين وكثرة الذنوب ، وإذا كان مع الدسم فهو فساد الدنيا ، وغسلها من الوسخ توبة ، وغسلها من المني توبة من الزنا ، وغسلها من الدم توبة من القتل ،ـ وغسلها من العذرة توبة من الكسب الحرام . ونزع الثياب الوسخة زوال الهموم، وكذلك إحراقها.(1/46)
ذلك ، لأن أكثر هذه البسط فيها التصاوير. وقال آخر : رأيت أنني أقلع صوراً من بساط ، قلت : فسهل ذلك عليك ، قال : نعم وما تعسر ، قلت أنت رجل كثير الصيد من البساتين وستربح من ذلك. وقال آخر: رأيت أنني أنسج بساطاً محفوراً ، قلت : عملت فيه تصاوير ، قال : نعم ، قلت : أنت عزمت على عمل صنعة الدهان والتزويق ، قال : نعم ، قلت : إن كان تم ربحت وإلا فلا. وقال آخر : رأيت أني قد تجدد في بيتي بساط مليح فيه صور ملامح ، قلت : تتزوج امرأة وترزق منها ذرية ، فجرى ذلك ، ويكون أصلها من البلد الذي تعمل فيه. وقال آخر : رأيت عندي برذعة مقطعة ، قلت : لك دابة ، قال : نعم ، قلت : يحدث بها عقور. ومثله قال آخر ، قلت : تشتري دابة فيها عيب. وقال آخر : رأيت أن عندي خرجاً وأنا أنزل في عينه الواحدة تارة وفي الأخرى تارةً ، قلت : أنت تنكح أختين ، قال : صحيح ماتت امرأتي وأخذت أختها. ومثله قال آخر غير أنه قال : كان فيهما تراب وأنا أرفعه ، قلت : أنت رجل تحفر الآبار ولك في ذلك يد. وقال آخر : رأيت أن على كتفي خُرجاً قد أثقلها ، قلت : يقع بها جرح يؤذيها. وقال آخر : رأيت أنني بلعت خرجاً خفية ، قلت له : أنت سرقت ميزاناً وبعته وأكلت ثمنه ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أن عندي حصراً مقطعة وأنا أسدها
ببساط ، قلت له : جمعت مالاً وقت الغنى وأنت تنفقه وتستر حالك في أوقات الفقر بثمنه ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني بلعت حماراً وقد رجع أطلعوه من فمي بذنبه ، قلت : سرقت برذعة حمار فعرفك أصحابها فأعادوها منك ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني بلعت عدلاً ملآن قماشاً ، قلت له : سرقت دار أحد العدول وما عرف بك أحد ، قال : صدقت ، وقال آخر : رأيت أنني أنكح برذعة ، قلت : أنت نكحت دابة ، فاستغفر الله وضحك. وقال آخر : رأيت أنني رفعت ستراً مصوراً لأصطاد به الطيور وقد تعلق به من جملة الطيور طير عظيم مليح وقال : اخبأه لي لا تعطيه لغيري ، قلت له : أنت رجل تعرف تلعب بخيال الظل ، وكنت في الأول تلعب به للعامة والخاصة والساعة تلعب به قدام جليل القدر كالملوك ومن يعاشرهم ، وتختص بلعبك ويغنيك عن الناس ، فجرى ذلك. فافهمه.
الباب العاشر(1/47)
الباب العاشر
في الصنائع والصُّنَّاع(1)
__________
(1) رأيت من باب الفائدة أن أورد مختصرًا لكل صنعة وما تدل عليه :البناء باللبن والطين: رجل يجمع بين الناس بالحلال . والبناء بالآجر والجص وكل ما يوقد تحته النار ، فلا خير فيه . ومن رأى أنه يبني فإن كان ذا زوجة وإلا تزوج وابتنى بامرأة . والطيان رجل يستر فضائح الناس ، فمن رأى أنه يعمل عملا في الطين ، فإنه يعمل عملا صالحا . والجصاص رجل منافق مشعب معين على النفاق . والنقاش إن كان نقشه بحمرة ، فإنه صاحب زينة الدنيا وغرورها ، وإن كان نقشه للقرآن في الحجر ، فإنه معلم لأهل الجهل . وإن كان نقشه بما لا يفهم في الخشب ، فإنه منقص لأهل النفاق ، مداخل أهل الشر . وناقض البناء ناقض العهود وناكث للشروط. وضارب اللبن ، جامع للمال . فإن رأى أنه ضرب اللبن وجففه وجمعه ، فإنه يجمع مالا . فإن مشى فيها وهي رطبة ، أصابته مشقة وحزن والنجار : مؤدب للرجال مصلح لهم في أمور دنياهم ،. والخشاب يترأس على أمل النفاق . والحطاب ذو نميمة وشغب . والحداد ملك مهيب بقدر قوته وحذقه في عمله ، ويدل على حاجة الناس إليه لكون السندان تحت يده . والسندان ملك . والحديد رأسه وقوته ، فإن رأى كأنه حداد يتخذ من الحديد ما يشاء ، فإنه ينال ملكا عظيما. وربما دل الحداد على صاحب الجند للحرب . لأن النار حرب وسلاحها الحديد . وربما دل على الرجل السوء العامل بعمل أهل النار ، لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، شبه الجليس السوء بالحداد إن لم يحرقك بناره أصابك من شره . وإن قيل في المنام : إن فلانا دفع إلى حداد أو دفع أمره إليه ، فإنه يجلس إلى رجل لا خير فيه ، فكيف به إن أصابه شيء من دخانه أو ناره أو شراره ، فضر بذلك ببصره أو ثوبه أو ردائه . فأما من عاد في منامه حدادا ، فإنه ينال من وجوه ذلك مات يليق به مما تأكدت شواهده . والخباز : صاحب كلام وشغب في رزقه ، وكلي صنعة مستها النار فهي كلام وخصومة . وقيل : الخباز سلطان عادل ، الحناط : ملك تنقاد له الملوك ، أو تاجر يترأس على التجار . أو صانع تطيعه الأجراء . فمن رأى كأنه ابتاع من حناط حنطة ، فإنه يطلب من سلطان ولاية فإن رأى كأنه باعه من غير أن رأى الثمن ، فإنه يتزهد في الدنيا ويشكر ا لله تعالى على نعمه ، لأن كل شيء شكره . ومن رأى كأنه يملك حنطة ولا يمسها ولا يحتاج إليها ، فإنه يصيب عزا وشرفا ، لأن الحنطة أشرف الأطعمة.فإن رأى كأنه سعى في طلبها واحتاج إليها أو مسها ، أصابه خسران وهوان ، وعزل إن كان واليا ، وفرق بينه وبين أقاربه ، بدليل قصة آدم عليه السلام .وبياع الدقيق والشعير مثل الحناط والطحان رجل مشغول برمة نفسه ودنياه ، فإن رأى شيخا طحانا فإنه جد الرجل ، وتدل رؤياه على أنه يصيب رزقه من جهة صديقه. فإن رأى شابا طحانا فإنه ينال رزقه بمعاونة عدوه إياه . فإن رأى أنه طحان وقد طحن طعاما بقدر كفايته ، فإن معيشته على حد الكفاية . فإن طحن فوق الكفاية كانت معيشته كذلك . ومن رأى أنه طحان ، فإنه قيم نفسه وقيم أهله. والقصاب : ملك الموت ، فمن رأى كأنه أخذ من قصاب سكينا أصابه مرض ثم يبرأ ،ويصيب في حياته قوة ، فإن رأى كأنه ذبح ما لا يحل ذبحه من البهائم ، فهو دليل ظلمه والتباس عمله فيما بينه وبين الله تعالى . فإن رأى كأنه ذبح أباه ، فإنه يبره وصله إذا لم ير دما ،وإن رأى دما لم تحمد رؤياه ،وقيل : إن القصاب دليل الشدة في جميع الأحوال ، إلا في الحالين ، حال الدين فإنه يدل على قضائه ، وحال القيد فإنه يدل على فكه . والقصاب المنسوب إلى ملك الموت هو المجهول ، وأما المعروف فهو قاسم الأموال بين الأيتام والورثة . وقيل : هو السفاك ، وقيل : هو صاحب السيف .ومن رأى أنه يقسم اللحوم فإنه يمشي بين الناس بالنميمة . ومن رأى كأنه يقسم لحم بقر بين أقربائه ، فإن كان من أهل الخير والصلاح ، فإنه يصل رحمه ويقسم ماله بين ورثته بالعدل في حياته ، ويزوج أولاده . والسلاح : رجل ظالم كالشرطي أو التاجر الذي يمنع الحقوق عن الناس ، ويذهب بأموالهم . والشواء مؤدب ، فمن رأى كأنه يشتري قطعة من شواء ، فإنه يستأجر حاذقا . وقيل : إن الشواء رجل في كلامه شغب . والطباخ وكل من يعالج في صناعته النار ، أصحاب كلام وخصومات وشر وآثام ، كخدمة السلطان وأعوان الحكام وسماسرة الأسواق. والكيس : يدل في الأشياء على الأسرار ، وانكشافها إظهار اليسر وخيانة في الأمانة . والبقلي : رجل دنيء الكلام صاحب هموم وأحزان .والبطيخي رجل ممراض . و الباقلاني يسمع كلام السوء ويسمعونه أسوأ منه . وحلاب الأغنام جماع الأموال . وحالب البقر رجل يطالب العمال . وحالب الغنم رجل حسن الذكر عامل بالفطرة ، جامع للمال الحلال طالب للعلم . والهراس رجل مشغب وقيل : هو ضراب لسلطان جلاد وعيشه من ذلك . والسماط خائن أو عيار ظالم، لسمطه الناس من أموالهم ، لأن الصوف والشعر والوبر والريش أموال . وهو وصي يأكل أموال اليتامى ظلما . والناطفي والحلاوي ذوو كلام حلو وخلق لطيف ، وقيل : هو مصنف العلوم ، وقيل : هو رجل يسوق لنفسه بإلقاء العداوة بين الناس والنميمة. والكامخي ممراض . وعصار الدهن إن كان من سمسم ، فإنه رجل ذو رياسة ومال ، وإن كان من حبوب ، فإنه رجل يجمع مالا يتعب فيه ومشقة . والسماك رجل نخاس الرقيق ، لأن السمكة جارية أو امرأة ، والسكري رجل لطيف فإن رأى أنه يبيع سكرا ويأخذ ثمنه دراهم ، فإنه يلطف الكلام للناس فيتلطفون له بالجواب . والسمان رجل موسر يعيش في ظلمه من تبعه ، والرأس رئيس الرؤساء ، فإن رأى كأنه اشترى رأسا من رآس ، فإنه يطلب من رئيس أن يشغله بخدمة ينتفع ويرتفق بها . والذباح : رجل ظالم. والإسكاف المجهول رجل قاسم المواريث عادل فيها . وكذلك الصرام ، فإن جلود الحيوان مواريث . والحذاء نخاس الجواري يزين أمور النساء ، لأن النعل امرأة ، والخياط رجل مؤلف في صلاح تعم بركته الشريف والوضيع، وتلتئم على يديه أمور متفرقة ، فإن خيط لنفسه ، فإنه يصلح دنيا نفسه في صلاح الدين ، فإن رأى كأنه يخيط ثوب امرأته ، فإنه يصيبه محنة . والبزاز : رجل يحسن ويهدي الناس إلى الرشاد في أمر المعاش والمعاد ما لم يأخذ عنه ثمنا ، فإن أخذ عنه ثمنا دراهم ، دل على أنه يعمل الإحسان رياء . وإن أخذ ثمنه دنانير ، دل على قال وقيل وغرامة . والخلقاني رجل متوسط الحال، وابتياعه الخلقان يدل على فقر ، وبيعه يدل على زوال الفقر ، والجزار مثل الإسكاف ،وقيل مثل الحذاء . وبياع الطيور نخاس الجواري والخواص . والطرائفي والأكافي أيضا نخاس الجواري ، لأن الأكاف امرأة عجمية . والبيطار رجل يعين الجند وكبراء الناس على أمورهم ، وقيل : هو طبيب ومصلح وجابر وحجام وشعاب ، لأنه بيطار الأجسام . والتاجر : فإن رأى رجل أنه قاعد على حانوت وخوله متاع التجار وعليه زي التاجر وهو يتجر ويأمر وينهى ، فهو رياسة في تجارته ، وإذا لم يكن التاجر من أكابر التجار فرأى بيده شيئا من أدوات التجار ، ميزان أو رزمانج أو رمانة قبان أو دواة أو قلم ، فإنه يأمن من الفقر. والجوهري : صاحب نسك وعبادة . وحكاك الفصوص رجل يسيء القول للناس . والسمسار رجل يدعي السخاء وتأمن الناس به . والحلواني رجل بار لطيف إذا لم يأخذ ثمنا ، فإن أخذ ثمنا فهو مراء . والخمار : صاحب مال حرام ومكسب فاسد يحث الناس على الأباطيل . والحمال صاحب هموم وحمل . والجمال والحمار والمكاري والبغال ولاة أمر الجند والتدبير . وكذلك السائس والجوشني داعي الناس إلى الألفة وحسن الصحبة . والنبلي : زاهد عابد ، وقيل : جاسوس . والقواس رئيس الفرج . والتراس سلطان قوي يغري العساكر بأعدائهم . والرماح صاحب ولاية . والزراد معلم دال إلى الخير ،وقيل ذو سلطان . والسراج نخاس لأن السرج امرأة أو جارية ، لأنه مقعد الرجل . والجوالقي رجل يحرض الناس على السفر ،وقيل : هو رجل يفشي الناس إليه أسرارهم . وجزار الشعور : رجل يضر الأغنياء وينفع الفقراء . وجالب الأمتعة جامع الدنيا . والنحاس صاحب عشور . والحارس يدل على ظهور الأسرار . والحمام جامع بين الناس على معصية ، وهو أيضا قيم من يدل الحمام عليه ، لأن الحمام يدل على أشياء كثيرة. والحفار : رجل صاحب مكر وخديعة حتى يظهر الماء ، فإن ظهر الماء فهو حينئذ عقده إن كان ذلك له ،والأصل في الحفر المكر . وحفار الجبال رجل يزاول رجالا عظاما ، وقيل : إن الحفار رجل في عناء ومشقة لا ينجو من ذلك ما عاش ،فإن رأى كأنه يحفر في الثرى ، فإنه يشرع في باطل لا ينتفع به ، وقيل : إن الحفار رجل حقود مكار . والحجام : رجل يدل على متحكم في رقاب الناس ومهجهم وشعورهم وأبشارهم، كالسلطان والعالم والحاكم والطبيب . وكاتب الشروط والصكاك في الأعناق ، فمن رأى حجاما حجمه نظرت في أمره ، فإن كان مطلوبا بدم أو في جهاد ، قتل وسال منه دم بالحديد من عنقه ، وإذا كان مريضا شفي على يد الطبيب ، فإذا كان مطلوبا بمال في عنقه كالأمانة والدين ، أداه على يد حاكم ، وإن كان يرغب في النكاح تزوج امرأة وكتب كاتب الشروط في عنقه ، وإلا باع سلعة أو اشتراها أو قبض دينا أو عامل بدين ، وكتب عليه شروط. والحراث : ذو أخطار ،وقيل : مشتغل بعمل صالح . والحلاق رجل يصلح أمور الناس عند السلطان . ورائق الجراحات داعي الناس إلى خير وألفة ، وراقي الحيات رجل غدار ، والرقية في المنام إذا كان فيها اسم الله تعالى نجاة من الهموم. والخازن : رجل منافق يجمع عنده مال حرام . والخراط رجل يقاتل رجالا فيهم نفاق ويسرق أموالهم . والدلال غير محمود ، والريحاني رجل صابر على المصائب راض بالقضاء. والرفاء معتذر بعد الرمي بما لا عذر فيه ، وصاحب خصومة ، فإن رفأ ثوب امرأته بعد أن ظهرت عورتها، فإنه ينسبها إلى فاحشة ثم يعتذر إليها من الكذب . فإن رفأ ثوب نفسه خاصم بعض أقربائه وصاحب من لا خير فيه . والراعي صاحب ولاية ، ويدل على معلم الصبيان ، وعلى من يتولى أمر السلطان أو الحاكم ، ومن رأى أعرابيا يرعى الغنم فإنه يقرأ القرآن ، ولا يحسن معانيه ، وراعي البخاتي وال على العجم . والرائض : صاحب ولاية . وبياع الرصاص صاحب أمر ضعيف . والزجاج نخاس الجواري . والسقاء رجل ذو دين وتقوى يجري على يديه الخير ما لم يأخذ عليه أجرا ، فإن ملأ سقاء الملاء وحمله إلى منزله ولم ينو شربه ، فإنه يجمع مالا يأكله غيره . فإن حمل الماء إلى رجل وأخذ عليه ثمنا ، فإنه يحمل وزرا وينال المحمول إليه مالا من جهة سلطان ، لأن النهر سلطان ، والماء في الإناء مال مجموع والذي يسقي الناس بالكؤوس والكيزان صاحب أفعال حسنة ودين كالعالم والواعظ ، وأما من يحمل القرب والجرار فهو المأمون على الأموال والودائع . والوراق : محتال . والسقطي عالم بالترهات . والصيرفي عالم لا ينتفع بعلمه إلا في غرض الدنيا ،وهو الذي صنعته تصاريف الكلام والجدل والخصام والسؤال والجواب لما في الدنانير والدراهم التي يأخذها ويعطيها من الكلام المنقوش ، كالقاضي ، وميزانه حكمه وعدله ، وربما كان ميزانه نفسه ولسانه ، وكفتاه أذناه ، وصنجتاه ، وأوزانه عدله وأحكامه ، والدراهم والدنانير خصومات الناس عنده ، وقيل : هو الفقيه الذي يأخذ سؤالا ويعطي جوابا بالعدل والموازنة ،وهو المعبر أيضا لاعتباره ما يرد عليه ، ووزنه وعبارته ، فيأخذ عقدا كالدنانير ويعطي كلاما مصرفا كالدراهم ، أو يأخذ كلاما متفرقا كالدراهم ، ويعطي عبارة مجموعة كالدنانير ، فمن صرف في منامه دينارا من صيرفي وأخذ منه دراهم نظرت في حاله ، فإن كان في خصومة نقصت . وإن كان عنده سلعة باعها وخرجت من ملكه ، وإلا نزلت به حادثة يحتاج فيها إلى سؤال فقيه ، أو يرى رؤيا يحتاج فيها إلى سؤال معبر ، ويأتيه في عواقب ما ذكرناه ما يكرهه ويحزنه ، لأخذه الدراهم ، لأنها دار الهموم فاتنة القلوب والهم يشتق من اسمها ، إلا أن يكون له عادة حسنة في رؤيا الدراهم قد اعتادها في سائر أيامه وماضي عمره . وكذلك لو قبض ذهبا ودفع دراهم ، لأن الذهب مكروه وغرم في التأويل لاسمه ، ومنفعته لا تصلحه ، وكذا عادة الذي رآه . والناطور : صاحب ولاية وإن كان على شجرة جوز كانت ولايته على عجم بخلاء . والسكاكيني رجل يعلم الناس والحذق والكياسة. والسائل الفقير : طالب علم ، فإن أعطي ما سأل نال ذلك العلم ، وخضوعه وتواضعه ظفر . والسابح طالب العلوم ، وأمور الملوك . والساحر فتان . والشعاب رجل شريف مصلح نفاع مؤلف بين الشريف والدنيء . والصياد قد قيل : إنه رجل يميل إلى النساء ويحتال في طلبهن ، لأن كسبه في صورة خادع ، وربما دل الصياد على النخاس ، وربما دل على صاحب الحمام ، ومعلم الكتاب ، وكل من يترصد الناس ويصيدهم بما معه من الصناعة والحلية . وربما دل الصياد على القواد ، فمن خالط صيادا أو عاد صيادا ، فاستدل على صلاح ما يدل صيده عليه من فساده ، وبصفة صيده وزيادة منامه وقدرة في نفسه ، وما يليق بمثله . فإن كان صيده في البحر أو بما يجوز له في البر، فدلالة الصيد صالحة . وإن كان في الحرم أو بما لا يجوز في البر من التعذيب فهو رديء . وصياد السباع سلطان قوي عظيم يكسر العساكر ويقهر السلاطين الظلمة . وصياد البزاة والبواشق سلطتن عظيم بمكر وخداع للسلاطين الغشمة الماردين . وصياد الطيور والعصافير رجل تاجر يمكر ويخدع أشراف الناس . وصياد الوحوش يمكر بأقوام عجم ويقهرهم . وصياد السمك مع النساء والجواري خاصة ومعاملتهم . والشاهد : المعدل رجل يظفر بالأعداء . والكاتب رجل ذو حيلة كالحجام ، وقلمه مشرطه ، ومداده دمه . وكالرقام ونحوهم ، وربما دل على الحراث ، فقلمه سكته ومداده البذر والكتاب المطوي خبر مخفي ، والكتاب المنشور خبر مشهور. والصفار : رجل صاحب دنيا يؤثر الشر على الخير ، وقيل : هو رجل غاش خائن، وقيل رجل صاحب خصومة . فإن رأى من كان يريد التزويج أنه يعمل عمل الصفارين ، دلت رؤياه على حسن خلق المرأة على أنها تكون لسنة . والصباغ : صاحب بهتان ، فمن رأى صباغا في منزله يتخذ له الصبغ فهو الموت ، وربما كان الصباغ يجري على يديه الخير . والصائغ شرير كذوب لا خير فيه ، لأنه يصوغ الكلام مع دخانه وناره ، وإن كان معه ما يدل على الصلاح ، وإن كان في مسجد أو تاليا القرآن ، فهو دال على كل حائك وجابر وعلى كل من صناعته إخراج شيء من شيء . والصقيل : وزير مهيب له أمر ونهي ممن يضر وينفع ، كالسلطان وسيوفه جنده ، ورجاله أوامره . ويدل أيضا على الفقيه أو الحاكم ، وسيوفه فتواه وأحكامه والواعظ ، وسيوفه قلوب الناس عنده يجلوها ويزيل صدأها ويدل على الطبيب وسيوفه عقاقيره القاطعة للأمراض . فمن عاد في المنام صقيلا ، عمل من وجوه ذلك ما يليق به . ومن جرت بينه وبين صقيل مجهول معالجة أو معاملة حراما ، يدل على اليقظة بينه وبين من يدل عليه الصقيل في التأويل مثله ، بما يطول شرحه . وأما ضراب الدراهم والدنانير : فقد قال ابن سيرين : إنه صاحب نميمة وغيبة ينقل ا لكلام . وقيل : إن الضراب رجل بار لطيف الكلام إذا لم يأخذ عليه أجرا ، وقيل : هو رجل يفتعل الكلام جيدا حسنا . فإن رأى أنه يضرب الدنانير والدراهم بباب الإمام وكان أهلا للولاة نالها. وقيل : إن ضراب الدنانير يحافظ على الصلوات ويؤدي الأمانة وضرب الدراهم الرديئة كلام رديء وقول بلا عمل . والطبيب : عالم فيه الدين ، ويدل على كل مصلح ومدار لأمور الدين والدنيا كالفقيه والحاكم والواعظ الذي وعظه مرهم ودرباق ، مثل المؤدب والسيد والدباغ المصلح لجلود الحيوان . ويدل أيضا على الحجام لما في الحجم من شفاء. فمن رأى قاضيا أو عالما عاد طبيبا كثر رفقه وعظم نفعه . ومن رأى طبيبا عاد قاضيا أو فقيها فإن كان مسلما حكيما زاد ذكره وعظمت مرتبته وعلت درجته في صناعته ، وإن كان على خلاف ذلك نزلت به بلايا ، ولعله يهلك أحدا بطبه لجهله وجراءته ، لأنه سما في المنام إلى ما ليس له. ومن رأى طبيبا يبيع الأكفان فليحذر منه ، فإنه سفاك خائن في طبه ، لا سيما إن كانت الأكفان التي باعها مطوية ، فهو أدل على تدليسه في دوائه وغلط عامة الناس فيه ، ومن رأى طبيبا عاد دباغا للجلود فهو دليل على حذاقته وكثرة من يبرأ على يديه ، إلا أن يرى أن دباغه فاسد عفن ، فهو جاهل مدلس . والمطرز : عالم مكار مزوق كلام ، والعلاف رجل كثير المال . والعطار أديب أو عالم أو عابد ، والأصل أنه رجل يثنى عليه الثناء الحسن . والشعار رجل دخل في أمور غيره . وبيع الغزل يدل على السفر . والغواص ملك أو نظير ملك ، فمن رأى أنه غاص في البحر فإنه يدخل في عمل ملك أو سلطان . فإن رأى كأنه استخرج لؤلؤة ، فإنه ينال من الملك جارية تلد له ابنا حسنا ، لقوله تعالى ( كأنهم لؤلؤ مكنون ) ـ الطور : 24 . وتدل رؤيا الغواص على طلب العلم الغامض ، وعلى طلب مال في خطر ، ويصيب ما يطلبه على قدر ما يطيب اللؤلؤ . والقصار رجل مذكر واعظ يتوب بسببه قوم من معاصيهم . وقيل : هو رجل يجري على يديه صدقات الناس أو يفرج الكربات ، لأن الوسخ في الثوب ذنوب أو هموم . وأما القفال : فإنه رجل دلال ، فمن رأى أنه قفل باب حانوته فإنه دلال متاع . فإن رأى أنه قفل باب دار ، فإنه دلال تزويج . والقلانسي رئيس . وأما الفراش : فنخاس الرقيق ، وهو الذي يلي أمور النساء . والفحام : سلطان جائر يفقر رعيته ، لأن الأشجار رجال ، والنار سلطان . فإن رأى كأن الفحم نافق في سوقه ، فإنهم أقوام قد افتقروا من جهة السلطان ، ويرد عليهم أموالهم. والقدوري: رجل طويل العمر ، لقوله تعالى ( وقدور راسيات ) ـ سبأ : 13 . والقطان رجل صاحب مال وتعب . والكيال : وال عادل لم يبخس في كيله . والكاهن رجل صاحب أباطيل وغرور. والكحال : رجل داع إلى الخير مصلح للدين. والمساح : رجل يتفقد أحوال الناس ويحب الوقوف عليها ، فإن رأى كأنه مسح أرضا مزروعة فإنه يتفقد أحوال أهل الصلاح ، وإن مسح كرما فإنه يتفقد حال امرأته ، فإن مسح شجرا فإنه يتفقد أحوال رجال فيهم دين ، فإن مسح شارعا فإنه يسافر بقدر ذلك الطريق الذي مسحه . وإن كان في وجه الحج فإنه يحج ، فإن مسح مفازة فإنه يفوز منغم ، وإن مسح أرضا مخضرة لم يعرف صاحبها فإنه يصير ذا نسك وصلاح . واللص : هو الرجل المغتال الطالب ما ليس له ، وربما دل على المفسد لنساء الرجال ، والمخالف إلى فرشهم ، أو الصائد لدواجنهم أو حمامهم . واللص المجهول دال على ملك الموت لاختفائه في حين قبضه ، ونزوله في المنزل بغير إذن. والأموال والأرواح شركاء في التأويل . وربما دل اللص على السبع والحية والسلطان ، وقيل : إن اللص الأسود سوداوي ، والأبيض بلغم ،والأحمر دم ، والأصفر صفراء . وإن رأى لصا دخل منزلا فأصاب منه شيئا وذهب به ،فإنه يموت إنسان هناك . فإن لم يذهب بشيء فإنه إشراف إنسان على الموت ثم ينجو. والمصور : كاذب على ا لله تعالى ذو البدعة ، وربما دل على الشاعر والزامر والمغني وأمثالهم ، ممن يأخذ المال على الباطل الذي يختلقه بيده أو فمه . والمعلم سلطان ذو صنائع ، والمعلم للصبيان المجهول ، يدل على الأمير والحاكم والفقيه ، وعلى كل من له صولة ولسان وأمر ونهي ، وربما دل على السجان لحبسه لأهل الجهل ، وعلى صياد العصافير وبائعها وأمثال ذلك . ومن رأى كأنه عاد معلما نظرت في حاله وأي شيء يليق به مما ينسيه إليه المؤدب ، وقد يدل المعلم المجهول على الله تعالى كما دل القاضي ، لقوله تعالى ( الرحمن * علم القرآن ) ـ الرحمن : 1 ـ 2 . فهو معلم الخلق أجمعين. والبحاث : يقاتل أقواما منافقين ،ويأخذ منهم أموالا بالمكر . والنباش طالب علم غامض،وإن لم يكن من أهله فهو قواد ، ويدل أيضا عن الباحث عن الأمور المستورة المخفية والكنوز . والسائل عن الناس في الشهادات ، فإن نقل الموتى فإنه ينال ما يتمناه ، وإن نبش عن ميت فهو وباحث عن علم في طلب الدنيا . وإن كان مالا فهو حرام . فإن كان الميت حيا فإن ا لعلم زيادة في الدين ، وإن كان مالا فهو حلال . ومن رأى كأنه يحدث الموتى في حوائجه قضيت حوائجه . ونخاس الجواري صاحب أخبار ، لأن الجواري أخبار . ونخاس الدواب صاحب ولاية ، والنداف صاحب خصومات تجري على يديه أهوال ، فإن رأى أنه يندف دخل في خصومة ، فإن رأى أنه لا يحسن الندف غلبه خصمه . والناقد : رجل يختار من كل شيء أجوده ، كالحاكم العادل ، والفقيه العالم والورع ،والعابر الحاذق ، والعابد المحترس من خداع الشيطان ، ومثل من لا يجوز عليه التدليس . والنعال رجل يعذب الناس لأجل المال ، فإن رأى كأنه ينعل كما ينعل الدواب ، فلم يجد له ألما نال مالا ، فإن ناله ألم ناله ضرر . والمعبر : يدل على الحاكم والفقيه والطبيب وكل من يحزن الإنسان عنده ويفرح ، وربما دل على المسجد ، وقارئ القرآن لأنه مبشر ومنذر . وربما دل على الوزان وعلى كل من يعالج الميزان والأوزان كصاحب المعيار والصيرفي ، وربما دل على من تولى الكشف للحاكم ، فإنه يبحث عن عورات الناس ، وربما دل على القصار والغسال وجزاز الشعور وكل من يسلي هموم الناس على يديه ، وربما دل على قارئ كتب الرسائل وسجلات الملوك القادمة من البلدان ، لأنه يعبر عن الرؤيا المنقولة عن المنام فيخبر بما يؤول إليه فمن عاد في النوم عابرا فإن حاق به القضاء ناله ، وإن كان طالبا للعلم والقرآن حفظه ، وإن كان موضعا للكتابة نالها ، فإن كان طالبا لعلم الطب حذقه ، وإلا عاد صيرفيا أو مكثفا أو قصارا أو غسالا أو وجزازا أو قارئا على قدر الأيام وزيادة الأحلام. وأما من قص في المنام مناما على معبر ، فما عبر له فهو ما كان موافقا للحكمة جاريا على السنة ، وإن لم يعقل سؤاله ولا فهم عبارته ، فلعله يحتاج إلى بعض من يدل العابر عليه في صناعته ، فيقف إليه في حاجته . وقال بعضهم : المعبر رجل يطلب عثرات الناس . المجبر : ملك و صنائع يؤلف الحقوق والحكام على الاستقامة ، وهو في الأصل صالح لاسمه دال على كل من تجري الخيرات على يديه في الدين والدنيا ، كالسلطان والحاكم والفقيه والكثير الصدقة ، وكالإسكاف والخياط والشعاب والبناء والبيطار وأمثالهم . فمن رأى أنه وقف إلى جابر في داء نزل به أو كسر أصابه ، فانظر إلى حال السائل وحقيقة الداء ومكانه ، حتى تعلم من الجابر بذلك من إشراكه في التأويل ، فإن قال رأى قرحة خرجت في عنقه ، فوقع على جابر ففتحها له بالحديد حتى سال جميع ما فيها ، فيكون ذلك شهادة في عنقه أو نذرا أو دينا يفرج عنه منه على يد حاكم أو عالم . ومن رأى مفاصله تفصلت أو عظامه تفرقت فضمها المجبر بعضها إلى بعض حتى عاد جسمه صحيحا ، دل على أنه يفصل ثوبا ويدفعه إلى خياط يخيطه ، وإن كان ذاك في اليد اليمنى خاصة فعمل عليها المجبر جبارة وربطها إلى عنقه ، فإنه رجل يجبره بمعروفه فيعتق يديه عن الصانع والأعمال ويمنعها عن قبول الصدقات . وإن كان ذلك في رجليه جميعا أو في إحداهما ، فإن تأويله في نحو ذلك إلا أن يكون له دابة فإني أخشى أن تنزل بها حادثة ،فيحتاج فيها إلى البيطار . والمغازلي رجل يفشي أسرار الناس . والمشاط رجل يجلي هموم الناس . والفصاد إن فصد بالطول ، فإنه يتكلم بالجميل ويؤلف بين الناس ، وإن فصد بالعرض فإنه يلقى العداوة بينهم وينم ويطعن على أحاديثهم. والفتح مساح كما أن المساح فتح . والخوزي رجل يلي أمور الناس ويعمل في ترتيبها . وجلاء الصفر رجل يزين متاع الدنيا ويحببه إلى نفسه ، والملاح رجل سجان ،وقيل : هو سائس الملك ،وقيل : هو وزيره وصاحب جنده ومدبر عسكره والمتوسط بينه وبين رعيته ، وربما دل على الجمال والبغال والحمار والمكاري والسائس . وبياع الملح صاحب أموال من الدراهم . والمساميري : يأمر الناس بالتودد . والبائع والمشتري مختلفين ، فمن رأى أنه يبيع شيئا أو يشتريه فإنه مضطر محتاج ، لأن الإنسان لا يبيع إلا وقت اضطراره فإذا اضطر باعه واشترى شيئا ، والاضطرار يخرج الإنسان إلى الحيل . ومن رأى أنه باع شيئا من نوع محبب فإنه يقع في تشويش واضطراب ومخاطرة ويرجو بذلك ظفرا ونجاة من المهلكة . فإن رأى أنه باع شيئا مكروها فلا خير ف يه . فإن اشترى شيئا من نوع محبوب فإن ذلك التدبير نجاة مما يحاذره . فإن كان من نوع مكروه فإن ذلك التدبير خطأ ويناله منه هم وحزن . وأما محيي الموتى فهو رجل يخلص الناس من يد السلطان ،وقيل : إن محيي الموتى دباغ الجلود ، وصانع الموازين حتى يعلق الكفتين ويعتدلا ، هو بمنزلة الحداد . وأما النساج : فهو الجماع الكداد في عمله ، الذي يسعى في طلبه أو يحث في عمله ، كالمسافر ، والمجالد بالسيف فوق الدابة ورجله في ا لركاب ، وربما دل النساج على البناء فوق الحائط ، المؤلف للطاقات المناول من تحته من بينه في حائط الذي علا عليه ، ووزنه بميزانه وخيطه ، وضربه بفأسه . وربما دل على الناسج والمصنف والحراث . وقد دل المنسج على ما الإنسان فيه من مرض أو هم أو سفر أو خصومة أو قراءة أو كتابة . فمن قطع منسجه فرغ همه وعمله وسفره وما يعالجه وإلا بقي له بقدر ما بقي من تمامه في النول ، وقيل : النسج سفر ، وقيل النسج خصومة ، وأما المسدي فهو الذي لا يستقر به قرار ، والذي عيشه في سعيه كالمنادي والمكاري ، وقد يدل على الساعي بين الاثنين ، وعلى ذو الوجهين . والفتال هو الماسح والسائح والمسافر ، وربما دل على كل من يبرم الأمور ويحكم الأسباب ، كالمفتي والقاضي وذي الرأس ، فمن فتل في المنام حبلا سافر إن كان من أهل السفر ، أو مسح أيضا إن كانت تلك صناعته ، أو أحكم أمرا هو في اليقظة على يديه أو يحاوله أو يؤلمه ، إما شركة أو نكاحا أو اجتماعا على عهد وعقد أو ائتلافا. والمكاري : والجمال والبغال والحمار ، فإنهم ولاة الأمور ومقدمو ا لجيوش ، والمكلفون بأمور الناس ، كصاحب الشرطة والسعاة ، لأنهم يدبرون الحيوان ويحملون الأموال. وضارب البربط : يفتعل كلاما باطلا . والطبال يفتعل كلاما باطلا . والزامر ينعى إنسانا . والراقص رجل تتابع عليه مصيبات . وصاحب البستان قيم امرأة . والحطاب ذو نميمة . وصاحب الدجاج والطير نخاس الجواري . والفاكه ينسب إلى الثمرة الذي باعها . ومن باع مملوكا فهو صالح له ولا خير فيه لمن اشتراه ، ومن باع جارية فلا خير فيه وهو صالح لمن اشتراه . وكل ما كان خيرا للبائع فهو شر للمبتاع . وأما الدهان : فهو يعمل أعمالا خفيفة يزين بها ، ومطرز مصلح ومفسد ، كالمنافق المرائي والمتصنع المداهن والمدلس والمادح والمطري يستدل على صلاح عمله من فساده ونفعه وضره ، بحسب دهنه واعتداله وموافقته للمدهون ، وبالمكان الذي يعالج فيع ، وبلون الدهن وما جرى فليه من الكتاب والصور ، فإن كان قرآنا أو كلام بر فهو صالح ، وما كان سورا أو شعرا من باطل فهو فاسد. والسباك : هو المسبوك في صناعته ، والمبتلى بالسنة أهل وقته للفظ ا لسبك والسنة النار ، فربما دل على المحتسب الفاصل بين الحق والباطل . وربما دل على الغاسل والقصار ومصفي الثياب وأمثالهم .(1/48)
كل من عمل عملاً أرفع من عمله نال عزاً ، ورفعة ، وغنى. كالفقيه ، يرى أنه يدرس ، أو يخطب ، أو يؤم بالناس ، أو كأنه يقضي. وكمن يكتب على الطرقات ، أو خطاً دوناً ، فيرى أنه يكتب أحسن مما يكتب ، أو في ورق أحسن من ورقه. أو كخياط ، يخيط القماش الردي ، يرى أنه يخيط الرفيع. وكبائع الخلقان ، يرى أن له دكاناً ، فيها بز مليح. وكبائع الحلاوة الدونة ، يرى أنه يبيع حلواء السكر ، وكناسج المشاق ، يرى أنه ينسج الكتان ، أو الحرير. وأمثالهم.
قال المصنف : قال لي إنسان : رأيت أنني أخطب على منبر حجر وكأنني قد تحولت منه إلى منبر خشب مليح ، قلت له : خطبت امرأة فقيرة وما تم مرادكم ، ثم تحولت إلى خطبتة امرأة غنية ، قلت له : أين كان المنبر قال : كان في غير جامع ، قلت له : صنعة ابنها نجار ، أو يخدم البساتين وربما يتاجر في الخشب ، قال : صحيح المجموع فيه ، ودليله لو كان المنبر في أماكن العبادة قلنا : بيت عالم ، أو جليل القدر ونحو ذلك فلما لم نجده كذلك أعطى أنه التزق إلى من يعمل الخشب ، أو يربح منه. وقال لي خطييب : رأيت أن منبري صار جديداً ، قلت له : يتجدد لك توقيع بمنصب جديد وربما تتولى قطراً ، فجاءه توقيع بالنظر. وقال لي ناسخ : رأيت أنني أكتب في ورق فيصير ألواحاً ، قلت له : تنتقل من النسخ وتصير معلم مكتب. وقال آخر : رأيت أنني آخذ نبتاً من الأرض وأكتب عليه ، قلت : تتولى على دار الخضر ، أو موضع تباع فيه الفواكه ، فصار كذلك. ومثله رأت امرأة ، قلت : تصيرين ماشطة تكتبين للنساء والبنات في الأفراح وتنقشينهن ، فصارت كذلك. فافهمه.
فصل : من عمل عملاً دون عمله دل على الفقر ، والنكد ، ونزول المرتبة ، والتنقل من حال إلى حال أردى منه. كمن نعته صياغة الفضة ، أو الذهب ، فيرى أنه يصوغ الحديد. أو كطباخ ، يطبخ لحوم الغنم ، فيطبخ لحوم الإبل ، أو البقر. وكبائع الجواهر ، واللؤلؤ ، يرى أنه يبيع الخرز ، أو الخزف. وكتاجر القماش المليح يرى أنه يبيع الأكسية ، أو المشاق ، وأمثال ذلك. لأن كل من فعل فعلاً ، لا يليق به فهو شهرة ردية في حقه.
قال المصنف : وأما إذا عمل دون عمله فاعتبره. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أكتب الورق مقلوباً قلت : إن كنت مزودجاً فأنت تأتيها مقلوباً وإلا تعايثت الذكران. وقال آخر : رأيت أنني أمد بذنب قلم ثم ألعق ما عليه فأجده حلواً ، قلت له : عندك غلام وهو يفسد ويجيب لك من كسب فساده وأنت تأكل من ذلك ، فسأل عن كسب غلامه فوجده كما ذكرت له ، فامتنع. وقالت امرأة : رأيت كأنني قاعدة على ورق فجاء قلم يكتب على الورق فدخلت في القلم وهي تمشي بي ، قلت لها : تتزوجين برجل فقيه أو كاتب ويسافر بك. وقال آخر : رأيت أنني صرت قلماً وأنا أكتب ، قلت : تصير سقاءً تحمل الماء وتسقي. ومثله قال آخر : قلت : كان قصباً مليحاً ، قال : نعم ، قلت : تصير كاتباً جليل القدر على قدر حسنه. وقال لي صائغ : رأيت أنني كلما عملت ذهباً ، أو فضة يصير نحاساً ، قلت له : أنت تبدل الجيد بالردي ، قال : صدقت ، وأنا تائب إلى الله تعالى. وقال آخر – وكان طباخاً - : رأيت أنني أخذت رأس غنم بالحياة فرميته في القدر ، قلت له : أنت طبخت مرة رأسا فطيساً وأخفيت أمره ، قال : صدقت ، ثم تبت من ذلك. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت جملاً في قدري ، قلت له : عملت حيلة على جمال ، أو بدوي وقدرت عليه ، وأخذت ماله وروحه خفية ، وكان في غير هذا البلد ، قال : صحيح ، وقت الجهل. وقال آخر : رأيت أنني أتيت إلى بطن بقرة من داخل فأخذت كبدها وطنحته في بطنها ، قلت له : عملت حيلة على امرأة وداخلتها في البواطن وأفسدت ولدها – وربما كانت بنيتاً – وسرقت لهما أعز متاعهما من حمام وهي عريانة ، وأهريت كبدها ، قال : صدقت. وقال آخر : رأيت أنني آخذ القماش المليح وأطوي في باطنه الجوز واللوز ، قلت ، أنت تتجر في القطايف والخشكنانك ، قال : صحيح ، قلت : تبطل فائدتك ، لأن القماش لا يؤكل فبطلت. فافهم ذلك إن شاء الله تعالى.
فصل في الصنائع : من صار قاضياً ، أو طبيباً ، أو كحالاً ، أو مجبراً ، أو جرائحياً ، أو عطاراً ، ونحو ذلك : وتولى منصباً ، على قدر ما يليق به. أو درّت معيشته ، أو ربحت تجارته ، أو أفادت أملاكه ، وترادفت راحته. فإن قاضياً ؛ وعليه لبس حسن ، أو طبيباً ؛ وهو يفرق على الناس في المنام أدوية نافعة ، أو إذا رأى كأنه جرائحي وهو يداوي الجراحات بما صلح لها ، أو مجبر ؛ وهو يجبر كسر الناس ، أو كحال ، وهو يداوي أبصار الناس : فإن جعلنا ذلك متولياً ، كان حسناً ، فيه خير وراحة وعدل. وإن جعلناه مالاً فمال مفيد. وإن جعلناه راحة كانت راحة مترادفة ، أو معيشة دارة ، من وجه جيد.(1/49)
قال المصنف : انظر ما صار إليه من المناصب والصنائع واعتبره بحكم يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني صرت إماماً أصلي بالناس ، قلت : عزمت على حفظ القرآن العزيز ، قال : نعم ، قلت : تحفظه ، فحفظه. وقال آخر : رأيت أنني صرت قاضياً أحكم على البراري ، قلت : تقتل في سفر ، فقتل. وقال آخر : رأيت أنني أنا واثنان نمشي فوقع رفيقي في بستان ووقعت أنا والآخر في أتون نار ، قلت : تتولون ثلاثتكم القضاء لأنكم علماء ، أما الذي وقع في البستان فيقع في منصب حسن ؛ وربما يكون يحكم بالحق ، وأنت ورفيقك قاضيان في النار فتتوليان منصبين رديين ؛ وربما تحكمان بغير الحق ، لأن البستان يسمى جنة وأنتما في النار ، فاتقيا الله فيما تتوليان ، فعن قليل تولوا كما ذكرنا. وقال لي إنسان : رأيت أنني صرت حائكاً وأنا أنسج قلت : في أي شيء كنت تنسج ، قال : ما كان قدامي شيء ؛ إلا أنا أحرك يدي ورأسي كالحائك ، قلت : يقع بك مرض ارتعاش في الرأس واليدين. ومثله قال آخر غير أنه عقل على المكوك في يده يرميه إلى اليد الأخرى ، قلت له : لك غريم قد سرق لك شيئاً من الملبوس ، وأنت كثير الالتفات في طلبه ؛ أنت وآخر ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت كأن في يدي قلماً وأنا ألقط به قلوباً من صحن فيه طعام ، وآخذ به لحماً أيضاً ، قلت : تصير كاتباً على بحر. ومثله قال آخر ، قلت : تصير صياداً من الماء ، فصار كذلك. وقال لي كاتب : رأيت أنني صرت جرائحياً وعندي أنواع من المراهم وهي زفرة ، قلت : عندك من المرأة التي عندك همٌّ عظيم لأجل طلوعات بها ، قال : نعم ، قلت : ستعافى ، فعوفيت. وقال آخر : رأيت أنني أعمل عنبراً والناس يشترون مني ذلك ، قلت : تعجن الطين وتعمل منه إما أواني وإما طوباً وتفيد في ذلك ، وقال آخر : رأيت أنني أستخرج الماورد بأواني زجاج ونار على العادة ، والناس يزدحمون على الأخذ مني ، قلت له : تضمن حماماً. ومثله قال آخر – وكان كبير القدر - ، قلت : تملك أو تبني حماماً ، وتكون فائدته كثيرة. ومثله قال آخر ؛ وزاد فيه أنه يكتوي من الماء الخارج ، قلت له : كي ماء أنت تعاني الكيمياء ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني صرت مجبراً ، قلت : أنت رجل بناء ماهر في صنعتك ، إذا وقع بالنباء عيب ترده ، قال : صحيح ، قلت : يعلو قدرك في ذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت كحالاً ، قلت له : صنعتك في عمل الآبار والعيون والسواقي ونحو ذلك ، ولك خبرة في صرف المياه وكنس الآبار وإدرار جريان المياه ، قال : نعم ، قلت : ستحتاج الناس إليك ، فجرى ذلك.
فصل : وأما إن كانت رائحة من صار قاضياً ردية ، أو كان يطعم الناس
الميتة ، أو الجيف ، أو كان لبسه ، ردياً ، أو كان الطبيب يفرق السمومات ، أو العقاقير الردية ، أو كان الكحال يقلع أعين الناس ، أو يكحلهم بالحجارة ، أو التراب ، أو الخشب ، أو المجبر يكسر أعضاء الناس ، أو عظامهم ، أو الجرائجي يمزق لحوم الناس ، أو يُسَيّل دماءهم من الأعضاء الصالحة ، أو العطار يبيع الأشياء الردية ، أو الشرابات الردية. فإن جعلناه متولياً ، كان ظالماً. وإن جعلناه مكسباً ، كان مكسباً حراماً. وإن جعلناه فائدة ، كانت بنكد. ونحو ذلك.(1/50)
قال المصنف : وأما من صار فعله ، أو صفته ردية فيما صار إليه من الصنعة في المنام فأعطه ما يليق به. كما قال لي طبيب : رأيت أنني صرت قاضياً ولبسي ما هو جيد ، قلت له : تقضي على المرضى في طبك بما لا يصلح لهم ، وأخشى عليك. وقال آخر : رأيت كأنني طبيب وأنا أفرق السمومات والناس يأخذون منها ، قلت له : أنت رجل حاوى تجمع الحيات ونحو ذلك ، قال : نعم ، قلت : تفيد من ذلك. ومثله قال آخر ؛ غير أنه قال : أبيع هذه السمومات وما أرجع أبيع شيئاً ، قلت له : كان السم سائلاً ، قال : نعم. كأنه زيت ، قلت : والذي أعطيتهم تعرفهم ، قال : لا ، لكنهم أشكال ردية ، قالت له : أنت ملك ستظفر ببعض أعدائك بأن ترسل عليهم المياه فتهلكهم في منازلهم ، فما مضى قليل إلا غرق جماعة وهرب جماعة وقعوا في الماء فهلكوا ، وأرسل على بعضهم ماء في مكان ما قدر يصل بنفسه إليهم فأهلكهم ، وكان دليله أن عبور السم في الأبدان يتلفها من داخل كالماء في البنيان. وقال آخر : رأيت أنني صرت كحالاً وكلما أتيت إلى عين أذر عليها ذروراً فتعجبني فآكلها ، قلت : أعين بني آدم ، قال : لا ، قلت : فادوا فؤادك ، قال : انتفخ نفخاً شديداً نبهني من كثرة ألمه ، قلت له : أنت مغرم بأكل البيض عيوناً ، وسيحدث لك منه قولنج. وقال لي ملك : رأيت أنني أكحل العيون التي تنظر إليّ بالتراب ، قلت : تظفر بجواسيس ، قال : صدقت. وقال إنسان : رأيت أنني جرائحي وأنا أفرق لحوم الناس وغيرهم ، قلت : أنت قاطع طريق بالسلاح. ومثله قال آخر : قلت : أنت رجل شاعر تمزق أعراض الناس بمبضع لسانك. وقال آخر : رأيت أنني أعمل الشراب فيتلف ويجيء شراباً ردياً ، قلت : إياك أن تتجر في الثمار ، أو السكر والعسل ونحو ذلك تخسر فيه ، فما قبل مني ، فقال لي أنه غرم كثيراً. فافهم ذلك.
فصل : كل من يتعانى عمل الحديد ، كالحدادين ، والمسامريين فهم أصحاب أمر ، ونهي ، وقوة ، وبأس. النحاس صاحب أخبار. والنجار رجل يقمع المنافقين. والشواء ، والقلاء ، والرواس ، والطباخ ، وبائع الخبز ؛ أصحاب ولايات على الأرزاق ، ولهم ذكر دون. والصائغ رجل يعاشر الأكابر ، ويتصرف فيهم. وربما كان كذاباً كالدهان والمزوق.
قال المصنف : اعتبر أصحاب الصنائع وغلمانهم. كما قال لي إنسان : رأيت أنني صرت حداداً ، قلت : الساعة تصير في باب جليل القدر وتكون تضرب الناس ، لأن نزول المطارق على الحديدة الممسوكة بالكلبتين يشبه الممسوك والناس يضروبونه. وقال آخر : رأيت أنني أنفخ في كير حداد بلا نار ، قلت له : لك زوجتان ، أو سريتان ، فإن كنت عملت حديداً ، أو عمل على نفخك رزقت منهن الأولاد وإلا فلا ، لأن الكير فيه أبنوبان عابران في بيت النار كالذكر في فرج المرأة واستواء الحديد كاستواء الولد.
وانظر ما يعمل وتكلم عليه فالذي يعمل السكك للزرع يخدم من دلت الأراضي عليه وسكك الخيل للأجناد ، والذي يعمل ذلك لأجل القباقيب يخدم من يلبس أولئك ، والذي يعملهم لأجل المراكب فلذوي الأمانة والحفظ ، ونحو ذلك. وشبه الخشب بالمنافق لكونه يسوس ويقع على غفلة فيحسبه الإنسان ثابتاً ولا ثبات له ، وكذلك أيضاً تهرى أطرافه في البنيان فيقع على غفلة ، وأيضاً يبصر ظاهر الخشبة مليحاً فيكشفها النجار فما يجدها تنفع. وقال إنسان : رأيت أنني صرت
قلاء ، قلت : تحت يدك ولاية ترمي الناس في عذاب ويكثرون صراخهم. وقال آخر : رأيت أنني صرت شَوَّى ، قلت : أنت سجان وتدخل بعضهم الجب وتنزع
قماشهم ، فارجع عن ذلك ، فتركه. وقال آخر : رأيت أنني صرت رواساً ، قلت : أنت تصطاد من المياه وتتعيش ، قال : صدقت. ومثله قال آخر ، قلت : تصير قيماً في حمام تحلق رؤوس الناس ، فصار كذلك.
لما أن كان باطن ما يعمله الدهان والمزوق والصائغ خلاف ظاهره أشبه الكذب.
فصل : النقاش ، والرفاء ، والمشعب ، والخياط : أصحاب مداراة ، واجتماع متفرق. فإن نقش ما لا يليق ، أو رفأ ثوباً بخيط دون ، أو خاط قطعة مع أخرى لا يليق بها انعكس ذلك. وربما دلوا في هذا الحال على القوادين.(1/51)
قال المصنف : دل النقاش والرفاء والمشعب والخياط ونحوهم على ما ذكرنا لإصلاح ما عملوه ، وجمع ما افترق ، وحفظ ما خشي إتلافه. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أشعب الأواني للماء ، قلت : تصير بناء ، وتحسن تصلح المصانع. وقال إنسان : رأيت أنني أنقش ألواحاً ، قلت : أنت معلم مكتب ينصلح على يديك جماعة من المتعلمين إن كان نقشك جيداً. وقال آخر : رأيت أنني صرت رفاء ، قلت : تصير جرائحياً تصلح أجسام الناس ويبقى مكان ذلك أثره في الجسد ، فصار كذلك. ومثله قال آخر : قلت له : فما رفيت ، قال : قماشاً رفيعاً ، قلت : أنت تصلح ما تشعث من دور الأكابر ، قال : نعم. ومثله قال آخر : قلت : فما الذي رفيت ، قال : الأمتعة للغطاء ، قلت : أنت تتعلم إسقاف البيوت. وقال لي إنسان : رأيت أنني أخيط فيصير شبكة ، قلت له : تتعلم عمل الحزاكي. ومثله قال آخر : قلت : تتعلم عمل الغرابيل والمناخل. ومثله قال آخر : قلت : تصير صياداً بالشباك. ومثله قال آخر : قلت : تتعلم عمل التكك ، فصار كذلك.
والفراء : صاحب مال ، وفوائد ، في زمن الشتاء. وهموم في الصيف. صانع الزجاج ، والفخار : أصحاب تدبير ، ومراراة ، وطب. وبائع ذلك : يدل على بائع الغلمان ، والجوار. وكذلك كل بائع أواني ، أو أدوات ، أو ملبوس مخيط.
قال المصنف : دل الزجاج والفاخوري على ما ذكرناه للطف صنعتهم وحسن مداراتهم فيما يعملونه.
الدباغ : رجل مصلح ، أو طبيب ، أو متصرف ، في تركات الهالكين.
قال المصنف : قال لي إنسان : رأيت أنني صرت دباغاً ، قلت : تصير قيماً تغسل الثياب للمرض ، فصار بالمارستان. ومثله قال آخر : قلت تصير تنقي الأراضي الدُونة من الدغل والحشيش الذي بها ، فصار كذلك. فافهمه.
فصل : الجزار رجل مهاب ، يقهر أرباب الجهل. وربما دل على الظالم ، أو قاطع الطريق ، وذلك لما يفنى على يديه من الأرواح. ومعلم المكتب مصلح لأهل الجهل ، أو سجارن. وحلاج القطن ، والمغربل ، والذي ينخل الدقيق : مصلح ، مفرق بين الجيد والردي. والمنجم : رجل خبير بأحوال الأكابر ، ويدل على الكذاب. والحجار : رجل خبير ، بمداراة قساة القلوب والأكابر.
قال المصنف : قال لي إنسان : رأيت أنني صرت جزاراً ، قلت : تتعلم الشعر وتتكلم في أعراض الناس ، أو تمشي بالنميمة ، فصار كذلك. ومثله قال آخر ،
قلت : تصير فاصداً ، أو حجاماً وتريق دماء الناس لأجل المنفعة ، فصار كذلك. ومثله قال آخر ، قلت : تنبش القبور وتأخذ ما في داخلها. ومثله قال آخر غير أنه قال : كأنني أنفخ في كعب المذبوح وما علمت أنني ذبحته ، قلت : أنت تفرق بين المجتمعين والأقارب بكلامك. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعمل الزجاج وتنفخ فيه. ومثله قال آخر : قلت : أنت تتعانى عمل الظروف وتربح منها ، فصار كذلك. وقال لي إنسان : رأيت أن عندي قفصاً فيه عصافير وقد أطلقتهم ، قلت : أنت معلم مكتب سيبطل مكتبك ويتفرق صغارك ، فجرى ذلك. ومثله قال آخر : قلت : أنت سجان وسيروح من في سجنك ، فجرى ذلك. وقال لي آخر ؛ وكان لا يعرف الخط : رأيت أنني معلم مكتب والصبيان يقروؤن بصوت طيب ، قلت : أنت تعلم الناس الغناء والزمزمة ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أحلج القطن ، قلت : أنت متولي حسن ، طول نهارك تكبس المفسدين وتخرجهم من بلادك ، قال : نعم. وقال إنسان : رأيت أنني أغربل قمحي ، قلت : أنت عزمت على إخراج زكاته ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : عزمت على أنك تجهز جماعة إلى جليل القدر يعزرهم ويؤدبهم ، فضحك وقال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أنخل الدقيق ، قلت : عزمت على عمل معجنة طين وتعملها لبناً بالنارٍ تعمل دورك به ، قال : نعم ، وتعجب من ذلك. وقال إنسان : رأيت أن الأمطار بحكمي ، قلت : تصير مغربلاً ، أو تنخل الدقيق ، وتفيد من ذلك ، فصار كذلك.
ودل المنجم على الكذاب لكونه يتكلم على من لا عاشره ولا خبره حق خبرته. وقال آخر : رأيت أنني صرت منجماً أتصرف في النجوم وأرتبها ، قلت : أنت تصير خبيراً بعمل جامات الحمام وستفيد من ذلك ، فصار كذلك. فافهمه موفقاً إن شاء الله.
فصل : المكاري ، والمسدي ، والحمال ، والساعي ، والحراث ، وأمثالهم : أصحاب سفر ، وتعب.(1/52)
قال المصنف : دل المكاري ومن بعده على ما ذكرنا لكثرة رواحهم ومجيئهم. وقال إنسان : رأيت أنني صرت مسدياً ، قلت : تصير خطاطاً ، فصار كذلك. ومثله قال آخر : قلت : كان في يديك قصب عليه غزل ، قال : نعم ، قلت : كان لذلك صوت ، قال : نعم ، قلت : تتعلم اللعب بالبنّازات ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت مكارياً ، قلت : تتعلم علم هندسة الأراضي ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت حمالاً ، قلت : على رأسك ، قال : نعم ، قلت : يقع برأسك ألم يوجعه. وقال آخر : رأيت أنني حملت على رأسي رؤوساً في إناء فوقعوا مني ، قلت : تحمل فخاراً يقع منك ، فيتكسر ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت ساعياً أحمل الكتب ، قلت : أنت جاسوس ومعك كتب خفية ، فأراني ذلك. وقال إنسان : رأيت أنني صرت حراثاً ، قلت : لك مال عزمت على دفنه. ومثله قال آخر : قلت : عزمت على تسيير مالك إلى بلد في
بحر ، أو تقطع ماءً ، قال : نعم ، قلت : تربح. فافهم ذلك.
ومُوِقد النار لمصلحة : خادم الأكابر ، المتقرب إليهم في نفع غيره. فإن كان ذلك في زمن الشتاء ، كان بلا تعب ، وينال راحة. وإن كان في زمن الصيف ، كان بتعب ، وغرامة. ولكثرة عرقه ، الذي هو بمنزلة المال.
فصل : وأما موقدها للمضرة ، كمن يريد يحرق مال الناس ، أو دُورَهم ، أو ثيابهم : فهو رجل ردئ مثير الفتن. وأما موقدها للهداية : فرجل أشبه شيء بالعلماء ، وأرباب الخير.
قال المصنف : انظر إذا أوقد النار وتكلم عليه. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أوقدت ناراً لأطبخ عليها رؤوساً ، قلت : عزمت على أنك تتعانى عمل الفخار ، أو الطوب المشوي ، أو الجير ونحو ذلك ، قال : نعم ، قلت : تفيد. وقال آخر : رأيت أنني أوقدها لأضيء على الناس ، قلت : تصير خادم مسجد ، أو بيعة تعدّل القناديل لذلك. وقال آخر : رأيت أنني أوقدها لأحرق بها الدور ، قلت : تتكلم في أملاك الناس وتؤذيهم ، فارجع عن ذلك.
البستاني : رجل يخدم من دلت الأشجار عليه ، من الدنيا والدين.
قال المصنف : قال لي إنسان : رأيت أنني صرت بستانياً وكان البستان ما هو لي ؛ وأنا أربط حزم البقل ، قلت : عزمت في ولايتك على أنك تكبي بلداً ، وتجيء بهم أسارى مربوطين وتبيعهم ، قال : صحيح ، قلت : اعزم تأخذهم.
وثقات اللؤلؤ ، والجواهر ، والخرز : رجل ممهد ، ومصلح ، ومؤلف بين الأكابر ، وأصحاب الخير.
فصل : دقاق القماش : مصلح لمن دل القماش عليه. والرسام : رجل صاحب أمر ، ونهي ، وربما كان مهندساً. والمطرز : رجل بناء ، أو حراث ، أو خادم ، لمن دلت الثياب عليه. والبناء : رجل لا يشبع من الدنيا ، لكثرة قوله » هات ، هات « المبيض ، والمطري ، والصيقل ، والجلاء رجال أصحاب صلاح ، وسداد. وربما دلوا على المدلس.
وعلى هذا فقس باقي أصحاب الصنائع. والله تعالى أعلم.
قال المصنف : قالت لي امرأة : رأيت أنني صرت أدق القماش ، وأخرى
قالت : أنني صرت رسامة ، قلت لكل واحدة : تصيرين ماشطة ، فصارتا كذلك. ومثله قال آخر : قلت : قطعت القماش ، قال : نعم ، قلت : تصير جلاداً قدام جليل القدر وتمزق جلود الناس ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت أنني أرسم على صوف ، قلت : تأمر فلا يسمح منك ، لأن الصوف غالباً لا يثبت عليه الرسم. وقال آخر : رأيت كأنني أرسم على أرض مليحة ، قلت : تصير بستانياً تسقي الزرع.
ودل المطرز على البناء لأن التطريز كالبناء شيء جانب بعضه إلى بعض ، وعلى الحراث لعبور الإبرة في الثوب كالسكة العابرة في الأرض وطلوع الخيط والإبرة كالنبات ، وعلى خادم من دلت عليه الثيات لأن الثوب المقصود منه الطراز لا تميل النفوس إليه حتى يتم ذلك. وقال إنسان : رأيت أنني تعلمت التطريز ، قلت : تتعلم الكتابة. وقال آخر : رأيت أنني أطرز أشكال الحيوان ، قلت : تصير دهاناً وتصور في صنعتك تصويراً على حسن ما طرزت. وقال آخر : رأيت أنني صرت أطرز بالزركش ، قلت : تصير بناءً للملوك الأكابر. وقال آخر : رأيت أنني أعمل بيدي زركشاً في قماش غيري والذهب من عندي ، قلت : تغير متاعك كذلك في فرح وتجمله به ، فجرى ذلك. وقال صبي : رأيت أنني صرت بناءً ، قلت : تتعلم صنعة التطريز ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت أبيض الغزل في مرجل وهو يتلف ، قلت : تتحايل على النسوان وتأخذ ما تعبوا عليه وتتلفه عليهم ، فجرى ذلك. وقال إنسان : رأيت أنني أصقل السيوف ، قلت : تصير مغسلاً ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت مطرياً ، قلت : تصير تتعانى عمل الجلود البانية. وقال آخر : رأيت أنني صرت مبيضاً ، قلت : تتعلم صنعة الورق ، فصار كذلك. ومثله قال آخر : قلت : تتعلم عمل الرقاق والكفافة ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت جلاء ، قلت : تصير كحالاً تجلي أبصار الناس ، فصار كذلك. فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
الباب الحادي عشر(1/53)
الباب الحادي عشر
في الأدوات(1)
__________
(1) الطست : جارية أو خادم . فمن رأى كأنه يستعمل طستا من نحاس ، فإنه يبتاع جارية تركية ، لأن النحاس يحمل من الترك . وإن كان الطست من فضة ، فإن الجارية رومية . وإن كان من ذهب ، فإنها جميلة تطالبه بما لا يستطيع وتكلفه ما لا يطيق . وقيل : إن الطست امرأة ناصحة لزوجها تدله على سبب طهارته ونجاته . والباطية : جارية مكرة غير مهزولة . والبرمة : رجل تظهر نعمه لجيرانه . وقيل : إن القدر قيمة البيت . والكانون زوجها الذي يواجه الأنام ويصلي تعب الكسب ، وهو يتولى في الدار علاجها مستورة مخمرة . وقد يدل الكانون على الزوجة ، والقدر على الزوج ، فهي أبدا تحرقه بكلامها وتقضيه في رزقها ، وهو يتقلى ويتقلب في غليانها داخلا وخارجا . ومن أوقد نارا ووضع القدر عليها وفيها لحم أو طعام ، فإنه يحرك رجلا على طلب منفعة . فإن رأى كأن اللحم نضج وأكله ، فإنه يصيب منه منفعة ومالا حلالا ، وإن لم ينضج فإن المنفعة حرام ، وإن لم يكن في القدر لحم ولا طعام ، فإنه يكلف رجلا فقيرا ما لا يطيقه ولا ينتفع منه بشيء . وقدر الفخار : رجل تظهر نعمته للناس عموما ولجيرانه خصوصا . والمرجل : قيم البيت من نسل النصارى . والمصفاة : خادم جميل . واللجام : هو حبيب الرجل والمحبوب منه يقدم عليه من ا لحلاوة ، وذلك لأن الحلو على اللجام يدل على زيادة المحبة في قلب حبيبه له . فإن قدم اللجام وعليه شيء من البقول أو من الحموضات فإنه يظهر بلي بيت حبيبه منه عداوة وبغضاء. والزنبيل : يدل على العبيد . والسلة : في الأصل تدل على التبشير والإنذار ، فإن رأى فيها ما يستحب نوعه أو جنسه أو جوهره فهي مبشرة ، وإن كان فيها ما لا يستحب فهي منذرة . الصندوق : امرأة أو جارية . وذكر القيرواني الصندوق بلغته وسماه التابوت ، فقال : إنه يدل على بيته وعلى زوجته وحانوته وعلى صدره ومخزنه ، وكذلك العتبة . فما رؤي فيه أو خرج منه إليه رآه فيما يدل عليه من خير أو شر على قدر جوهر الحادثة ، فإن فيه بيتا دخلت صدره غنيمة . وإن كانت زوجته حاملا ولدت ابنا . وإن كان عنده بضاعة خسر فيها أو ندم عليها وعلى نحو هذا . والتابوت : ملك عظيم ، فإن رأى أنه في تابوت نال سلطانا إن كان أهلا له لقوله تعالى ( إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت ) الآية ــ البقرة : 248 . وقيل : إن صاحب هذه الرؤيا خائف من عدو وعاجز عن معاداته ، وهذه الرؤيا دليل الفرج والنجاة منشر بعد مدة . وقيل إن رأى هذه الرؤيا من له غائب قدم معليه . وقيل من رأى أنه على تابوت فإنه في وصية أو خصومة ، وينال الظفر ويصل وإلى المراد . والحقة : قصر ، فمن رأى كأنه وجد حقة فيها لآلئ ، فإنه يستفيد قصرا فيه خدم . والسفط : امرأة تحفيظ أسرار الناس . والصرة : سر ، فمن رأى أنه استودع رجلا صرة فيها دراهم أو دنانير أو كيسا ، فإن كانت الدراهم أو الدنانير جيادا فإنه يستودعه سرا حسنا ، وإن كانت رديئة استودعه سرا رديئا . فإن رأى كأنه فتح الصرة فإنه يذيع ذلك السر . والقربة : عجوز أمينة تستودع أموالا . والقارورة والقنينة : جارية أو غلام ،وقيل : بل هي امرأة ،لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم ،(رفقا بالقوارير ). والكيس : يدل على الإنسان ، فمت رآه فارغا فهو دليل موت صاحب الكيس . وقيل إن الكيس سر كالصرة . وقيل من رأى كأن في وسطه كيسا ، دل على أنه يرجع إلى صدر صالح من العلم ، فإن كانت فيه دراهم صحاح فإن ذلك العلم صحيح ، وإن كانت مكسرة فإنه يحتاج في عمله إلى دراسة. وحكي أن رجلا أتى أبا بكر رضوان الله عليه فقال : رأيت كأني نفضت كيسي فلم أجد فيه إلا علقة . فقال : الكيس بدن الإنسان ، والدرهم ذكر وكلام ، والعلقة ليس لها بقاء ، فإن رأى الإنسان أنه نفش كيسه أو هميانه أو صرته ، مات وانقطع ذكره من الدنيا . قال : فخرج الرجل من عند أبي بكر ، فرمحه برذون فقتله . الهميان : جار مجرى الكيس . وقيل : إن الهميان مال ، فمن رأى كأن هميانه وقع في بحر أو نهر ، ذهب ماله على يدي ملك . وإن رأى كأنه وقع في نار ، ذهب ماله على يد سلطان جائر. والمقراض : رجل قسام ، فمن رأى كأن بيده مقراضا اضطر في خصومة إلى قاض . وإن كانت أم صاحب الرؤيا في الأحياء فإنها تلد أخا له من أبيه . وقيل : إن المقراض ولد مصلح بينا لناس ، وقال القيرواني : من رأى بيده مقراضا فإن كان عند ولد أتاه آخر ، وكذلك في العبيد والخدم ، وإن كان عازبا فإنه يتزوج ، وأما من سقط عليه من السماء مقراض في مرض أو في وباء ، فإنه منقرض من الدنيا . وأما من رأى أنه يجز به صوفا أو وبرا أو شعرا من جلد أو ظهر دابة ، فإنه يجمع مالا بفهمه وكلامه وشعره وسؤاله أو بمنجله وسكينه . وأما من جز به لحى الناس وقرض به أثوابهم ، فإنه رجل خائن مغتاب . وأما الإبرة : فدالة على المرأة والأمة لثقبها ، وإدخال الخيط فيها بشارة الوطء وإدخال غير الخيط فيها تحذير ، لقوله تعالى ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط )ـ الأعراف : 40 . وأما من خاط بها ثياب الناس فإنه ينصحهم أو يسعى بالصلاح بينهم ، لأن النصاح هو الخيط في لغة العرب،والإبرة المنصحة ، والخياط الناصح . وإن خاط ثيابه استغنى إن كان فقيرا ، واجتمع شمله إن كان مبددا ، وانصلح حاله إن كان فاسدا . وأما إن رأفأ بها قطعا فإنه يتوب من غيبة أو يستغفر من إثم إذا كان رفوه صحيحا متقنا ، وإلا اعتذر بالباطل وتاب من تباعة ولم يتحلل من صاحب الظلامة ، ومنه يقال من اغتاب فقد خرق ، ومن تاب فقد رفأ . والإبرة رجل مؤلف أو امرأة مؤلفة ، فإن رأى كأنه يأكل إبرة فإنه يفضي بسره إلى ما يضره به . وإن رأى كأنه غرز إبرة في إنسان فإنه يطعن ويقع فيه من هو أقوى منه . وحكي أن رجلا حضر ابن سيرين فقال : رأيت كأني أعطيت خمس إبر ليس فيها خرق . فعبر رؤياه بعض أصحاب ابن سيرين فقال : الإبر الخمس التي لا ثقب فيهن أولاد ، والإبرة المثقوبة ولد غير تمام ، فولد له أولاد على حسب تعبيره . وقال أكثر المعبرين : إن الإبرة في التأويل سبب ما يطالب من صلاح أمره أو جمعه أو التئامه ، وكذلك لو كانت اثنتين أو ثلاثة أو أربعة ، فما كان منها بخيط فإن تصديق التئام أمر صاحبها أقرب ، ومبلغ ذلك بقدر ما خاط به . وما كان من الإبر قليلا يعمل به ويخيط به ، خير من كثير لا يعمل بها ، وأسرع تصديقا ، فإن رأى أنه أصاب إبرة فيها خيط أو كان يخيط بها ، فإنه يلتئم شأنه ويجتمع له ما كان من أمره متفرقا ، ويصلح . فإن رأى أن إبرته التي يخيط بها أو كان فيها خيط انكسرت أو انخرمت ، فإنه يتفرق شأنه من شأنه . وكذلك لو رأى أنه انتزعت منه أو احترقت ، فإن ضاعت أو سرقت فإنه يشرف على تفريق ذلك الشأن ثم يلتئم. والخيط : بينة ، فمن رأى أنه أخذ خيطا فإنه رجل يطلب بينة في أمر هو بصدده لقوله تعالى ( حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) ـ البقرة : 187 . فإن رأى كأنه فتل خيطا فجعله في عنق إنسان وسحبه أو جذبه ، فإنه يدعو إلى فساد ، وكذلك إذا رأى أنه نحر جملا بخيط . وأما الخيوط المعقدة فتدل على السحر . ومن رأى أنه يفتل حبلا أو خيطا أو يلوى ذلك على نفلسه أو على قصبة أو خشبة أو غير ذلك من الأشياء أو غير ذلك من الأشياء ، فإنه سفر على أي حال كان . فإن رأى أنه يغزل صوفا أو شعرا أو مرعزا مما يغزل الرجال مثله ، فإنه يصيب خيرا في سفره ، فإن رأى أنه يغزل القطن والكتان أو القز وهو في ذلك متشبه بالنساء ، فإنه ينال ذل ويعمل معملا حلالا غير مستحسن للرجال ذلك . فإن رأت امرأة أنها تغزل من ذلك شيئا ، فإن غائبا لها يقدم من سفر . فإن رأت أنها أصابت مغزلا فإن كانت حاملا ولدت جارية ،وإلا أصابت أختا ، فإن كان في المغزل فلكة تزوجت بنتها أو أختها ، فإن انقطع سلك المغزل أقام المسافر عنها ، فإن رأت خمارها انتزع منها أو انتزع كله فإنها يموت زوجها أو يطلقها . فإن احترق بعضه أصاب الزوج ضر وخوف من سلطان . وكذلك لو رأت فلكتها سقطت من مغزلها ، طلق ابنتها زوجها أو أختها . فإن كان خمارها سرق منها وكان الخمار من ينسب إليه في التأويل إلى رجل أو امرأة ، فإن إنسانا يغتال زوجها في نفسه ، أو في ماله أو في بعض ما يعز عليه من أهله . فإن كان السارق ينسب إلى امرأة ، فإن زوجها يصيب امرأة غيرها حلالا أو حراما ، وكذلك مجرى الفلكة . . وقال القيرواني : الحبل سبب من الأسباب ، فإن كان من السماء ، فهو القرآن والدين وحبل الله المتين الذي أمرنا أن نعتصم به جميعا ، فمن استمسك به قام بالحق في سلطان أو علم . وإن رفع به مات عليه ، وإن قطع به ولم يبق بيده منه سلطانه وبقي عقده وصدقه وحقه. فإن وصل له وبقي على حاله عاد إلى سلطانه ، فإن رفع به من بعد ما وصل له غدر به ومات على الحق . وإن كانا لحبل في عنقه أو على كتفه أو على ظهره أو في وسطه ، فهو عهد يحصل في عنقه وميثاق ، إما نكاح أو وثيقة أو نذر أو دين أو شركة أو أمانة ، قال الله تعالى ( إلا بحبل من الله وحبل من الناس ) ـ آل عمران : 112 . وأما الحبل على العصا فعهد فاسد وعمل رديء وسحر ، قال الله تعالى(فألقوا حبالهم وعصيهم) ــ الشعراء : 44 . وأما من فتل حبلا أو قاسه أو لواه على عود أو غير ، فإنه يسافر ، وكذلك كل لي وفتل . وقد يدل الفتل على إبرام الأمور والشركة والنكاح . وأما مغزل المرأة ولفاظاتها : فدالان على نكاح العزب وشراء الأمة وولادة الحامل أنثى . وأما من غزل من الرجال ما يغزله الرجال ، فإنه يسافر أو يبرم أمرا يدل على جوهر المغزول ، أو يتغزل في شعر . فإن غزل ما يغزله النساء ، فإن ذلك كله ذلة تجري عليه في سفر أو في غيره ، أو يعمل عملا ينكر فيه عليه ، وليس يحرام، وأما غزل المرأة فإنه دليل على مسافر يسافر لها أو غائب يقدم عليها ، لأن المغزل يسافر عنها ويرجع إليها ، وإلا أفادت من عمل يدها وصناعتها . وقد حكي عن ذي القرنين أنه قال : الغزل عمر الرجل . فإن رأى كأنه غزل أو نسج وفرغ من النسج ، فإنه يموت . وفكه المغزل زوج المرأة ، وضياعها تطليقه إياها ، ووجودها مراجعته إياها ، ونقضها الغزل نكثها العهد . وأما المشط : فمنهم من قال يدل على سرور ساعة لأنه يظهر وينظف ويزين زينة لا تدوم . وقيل : المشط عدل . وقيل : إن التمشيط يدل على أداء الزكاة والمشط بعينه يدل على العلم وعلى الذي ينتفع بأمره وكلامه كالحاكم والمفتي والمعبر والواعظ والطبيب ، فمن مشط رأسه أو لحيته فإن كان مهموما سلى همه ، وإلا عالج زرعه ونخله أو ماله مما يصلحه ويدفع الأذى عنه من كلام أو حرب ونحوه . وأما المرآة : فمن نظر وجهه فيها من العزاب فإنه ينكح غيره ويلقى وجهه ، وإن كان عنده حمل أتى مثله ذكرا كان الناظر أم أنثى ، وقد يدل على فرقة الزوجين حتى يرى الناظر في بيته وجها غير وجهه . وأما المسافر فإن ذلك دليل له على الرحلة حتى يرى وجهه في أرض غيره وفي غير المكان الذي هو فليه ، وقد تفرق فيه بنية ا لناظر فيها وصفته وآماله ، فإن كان نظره فيها ليصلح وجهه أو ليكحل عينيه ، فإنه ناظر في أمر اخوته مروع متسنن وقد تدل مرآته على قلبه ، فما رأى عليها من صدأ كان ذلك إثما وغشاوة على قلبه . والناظر في مرآة فضة يناله مكروه في جاهه . والنظر في المرآة للسلطان عزله عن سلطانه ، ويرى نظيره في مكانه ، وربما فارق زوجته وخلف عليها نظيره . وقيل : المرآة مروءة الرجل ومرتبته على قدر كبر المرآة وجلالتها ، فإن رأى وجهه فيها أكبر فإن مرتبته فيها ترتفع ، وإن كان وجهه فيها حسنا فإن مروءته تحسن ، فإن رأى لحيته فيها سوداء مع وجه حسن وهو على غير هذه الصفة في اليقظة ، فإنه يكرم على الناس ويحسن فيهم جاهه في أمر الدنيا . وكذلك إن رأى لحيته شمطاء مكهلة مستوية . فإن رآها بيضاء فإنه يفتقر ويكثر جاهه ويقوى دينه . فإن رأى في وجهه شعرا أبيض حيث لا ينبت الشعر ، ذهب جاهه وقوي دينه ، وكذلك النظر في مرآة الفضة يسقط الجاه . وقال آخر : المرآة امرأة ، فإن رأى في المرآة فرج امرأة أتاه الفرج . والنظر في المرآة المجلوة يجلو الهموم ، وفي المرآة الصدئة سوء حال . فإن رأى كأنه يجلو مرآة فإنه في هم يطلب الفرج منه . فإن لم يقدر على أن يجلوها لكثرة صدئها فإنه لا يجد الفرج . وقيل : إذا رأى كأنه ينظر في مرآة فإن كان عازبا تزوج ، وإن كانت امرأته غائبة اجتمع معها . وإن نظر في المرآة من ورائها ارتكب من امرأته فاحشة ، وعزل إن كان سلطانا ،ويذهب زرعه إذا كان دهقانا . والمرأة إذا نظرت في المرآة وكانت حاملا فإنها تضع بنتا تشبهها أو تلد ابنتها بنتا . فإن لم يكن شيء من ذلك تزوج زوجها أخرى عليها نظيرها ، فهي تراها شبهها . وكذلك لو رأى صبي أنه نظر في مرآة وأبواه يلدان ، فإنه يصيب أخا مثله ونظيره . وكذلك الصبية لو رأت ذلك أصابت أختا نظيرتها ، وكذلك إذا رأى رجل ذلك وكانت عنده حبلى ولد له ابن يشبهه . والمذبة : دالة على الرجل الذاب والرجل المحب . وأما المروحة : فتدل على كل من يستراح إليه في الغم والشدة . والدرج : بشارة تصل بعد أيام ، خصوصا إذا كان فيه لؤلؤ وجوهر . وكذلك تحت الثياب . والخلال : لا تستحب في التأويل لتضمنه لفظ الخلل ،وقيل : إنه لا يكره لأنه ينقي وسخ الأسنان ، وهي في التأويل أهل البيت ، فكأنه يفرج الهموم عن أهل البيت . فإن فرق به شعره افترق ماله وأصابته فيه ذلك ، وإن خلل به ثوبه انخل ما بينه وبين أهله وحليلته. والمكحلة : وأما من أولج مرودا في مكحلة ليكحل عينه ، فإن كان عازبا تزوج ، وإن كان فقيرا أفاد مالا ، وإن كان جاهلا تعلم ، إلا أن يكون كحله رمادا أو زبدا أو رغوة أو عذرة أو نحوه ، فإنه يطلب حراما من كسب أو فرج أو بدعة . والمكحلة في الأصل امرأة داعية إلى الصلاح . والميل : ابن ،وقيل : هو رجل يقوم بأمور الناس محتسبا . والمقدمة : خادمة . والمهد : بركة وخير وأعمال صالحة . والصفحة والطبق : حبيب ا لرجل ، والمحبوب ما يقدم عليه شيء حلو وأما السكين : فمن أفادها في المنام أفاد زوجة إن كان عازبا ،وإن كانت امرأته حاملا سلم ولدها ، وإن كان معها ما يؤيد الذكر فهي ذكر ، وإلا فهي أنثى . وكذلك الرمح . وإن لم يكن عنده حمل وكان يطلب شاهدا بحق وجده . فإن كانت ماضية ، كان الشاهد عدلا ، وإن كانت غير ماضية أو ذات فلول ، جرح شاهده ، وإن غمدت له ستر له أو ردت شهادته لحوادث تظهر منه في غير الشهادة . فإن لم يكن في شيء من ذلك فهي فائدة من الدنيا ينالها ، أو صلة يوصل بها ، أو أخ يصحبه ، أو صديق يصادقه ، أو خادم يخدمه ، أو عبد يملكه على إقرار الناس . وإن أعطى سكينا ليس معها غيرها من السلاح ، فإن السكين حينئذ من السلاح هو سلطان ، وكذلك الخنجر . والسكين حجة ، لقوله تعالى ( وآتت كل واحدة منهن سكينا ) ـ يوسف : 31 . وقيل : من رأى في يده سكين المائدة وهو لا يستعملها ، فإنه يرزق ابنا كيسا. فإن رأى كأنه يستعملها ، فإنها تدل على انقطاع الأمر الذي هو فيه . والشفرة : اللسان ، وكذلك المبرد . وأما المسن : فامرأة ، وقيل : رجل يفرق بين المرء وزوجه وبين الأحبة . وأما الموسى : فلا خير في اسمها من امرأة أو خادم أو رجل يتسمى باسمها أو مثلها ، إلا أن يكون يشرح بها لحما أو يجرح حيوانا ، فهي لسانه الخبيث المتسلط على الناس بالأذى. والميسم : يدل على ثلب الناس ووضع الألقاب لهم ، وقيل : إنه يدل على برء المريض . وأما الفأس : فعبد أو خادم ، لأن لها عينا يدخل فيها غيرها . وربما دلت على السيف في الكفار إذا رؤيت في الخشب ، وربما دلت على ما ينتفع به لأنها من الحديد . وقال بعضهم : هو ابن . وقال بعضهم : هو أمانة وقوة في الدين ، لقوله تعالى في قصة إبراهيم ( فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم ) ـ الأنبياء : 58 . وإنما جذذهم بالفأس . وأما القدوم : فهوا لمحتسب المؤدب للرجال المصلح لأهل الاعوجاج ، وربما دل على فم صاحبه وعلى خادمه وعبد . وقيل : هو رجل يجذب المال إلى نفسه ، وقيل : هو امرأة طويلة اللسان . والساطور : رجل قوي شجاع قاطع للخصومات . والمنشار : يدل على الحاكم والناظر الفاصل بينا لخصمين ، المفرق بين الزوجين ، مع ما يكون عنده من الشر مع اسمه وحسبه ، وربما دل على القاسم وعلى الميزان ، وربما دل على المكاري والمسدي والمداخل لأهل النفاق ، والجاسوس على أهل الشر المسيء بشرهم ، وربما دل على النكاح لأهل الكتاب لدخوله في الخشب . وقيل : هو رجل يأخذ ويعطي ويسامح . والمطرقة : صاحب الشرطة. وأما المسحاة : فإنها خادم ومنفعة أيضا ، لأنمها تجرف التراب والزبل ، وكل ذلك أموال ، ولا يحتاج إليها إلا من كان ذلك عنده . وهي للعزب ولمن يؤمل شراء جارية نكاح تسر ، ولمن تعذر عليه رزقه إقبال ، ولمن له سلم بشارة يجمعه ، ولمن له في الأرض طعام دلالة على تحصيله . فكيف إن جرف بها ترابا أو زبلا أو تبنا فذلك أعجب في الكثرة ، وقد يدل الجرف بها على الجبانة والمقتلة ، لأنها لا تبالي ما جرفت ، وليست تبقى باقية . وربما دلت على المعرفة . وقيل : هي ولد إذا لم يعمل بها ، وإن عمل بها فهي خادم . والمثقب : رجل عظيم المكر شديد الكلام ، ويدل على حافر الآبار ،وعلى الرجل النكاح ، وعلى الفحل من الحيوان . والأرجوحة المتخذة من الحبل ، فإن رأى كأنه يتأرجح فيها فإنه فاسد الاعتقاد في دينه يلعب. والجواليق والجراب : يدلان على حافظ السر ، وظهور شيء منها يدل على انكشاف السر ، وقيل : إنها خازن الأموال . والزق : رجل دنيء ، وإصابة الزق من العسل غنيمة من رجل دنيء وكذلك السمن . وإصابة الزق من النفط مال حرام من رجل شرير . والنفخ في الزق ابن ، لقوله تعالى ( فنفخنا فيه من روحنا ) ـ التحريم : 12 . والنفخ في الجراب كذلك . والنحى : زق السمن والعسل ، فإنه رجل عالم زاهد . والوطب : رجل يجري على يديه أموال حلال يصرفها في أعمال . وأما النطع : فهو دال على الرجل ، لأنه يعلو على الفراش ويقيه الإدناس . وقد يدل على ماله الذي تتمعك في المرأة وولدها . وربما دل على السرية المشتراة ، وعلى الحرة المؤثرة عليها . وقد يدل على الخادم لأن خادم الفراش يدفع الأوساخ عنه . والوضم : رجل منافق يدخل في الخصومات ويحث الناس عليها . والسفود : قيم البيت ،وهو خادم ذو بأس يتوصل به المراد . والتور : خادم : والجونة : خازن . والمنخل : رجل يجري على يديه أموال شريفة ، لأن الدقيق مال شريف ، ويدل على المرأة والخادمة التي لا تحمل ولا تكتم سرا . والغربلة : تدل على الورع في المكسب ، وتدل على نفاد الدراهم والدنانير ، والمميز بينا لكلام الصحيح والفاسد . وقفص الدجاج : يدل على دار ، فإن رأى كأنه ابتاع قفصا وحصر فيه دجاجته ، فإنه يبتاع دارا وينقل إليها امرأته . وإن وضع القفص على رأسه وطاف به في السوق فإنه يبيع داره وتشهد به الشهود عليه . والقبان : ملك عظيم ، ومسماره قيام ملكه ، وعقربه سره ، وسلسلته غلمانه وكفته سمعته ، ورمانته قضاؤه وعدله . والميزان : دال على كل من يقتدي به ويهتدي من أجله كالقاضي والعالم والسلطان والقرآن ، وربما دل على لسان صاحبه ، فما رؤي فيه من اعتدال أو غير ذلك عاد عليه في صدقه وكذبه وخيانته وأمانته ، فإن كان قاضيا ، فالعمود جسمه ، ولسانه لسانه ، وكفتاه أذناه ، وأوزانه أحكامه وعدله ،والدراهم كلام الناس وخصوماتهم ،وخيوطه أعوانه ووكلاؤه . والمكيال : يجري مجراه . والعرب تسمي الكيل وزنا . والميزان عدل حاكم ، وصنجاته أعوانه ، وميل اللسان إلى جهة اليمين يدل على ميل القاضي إلى المدعي، وميله إلى اليسار يدل على ميله إلى المدعى عليه،واستواء الميزان عدله ، واعوجاجه جوره ، وتعلق الحجر في إحدى جهتيه للاستواء دليل على ككذبه وفسقه . وقيل إن وفور صنجاته دليل على فقه القاضي وكفاءته ، ونقصانها دليل على عجزه عن الحكم . فإن رأى كأنه يزن فلوسا فإنه يقضي بشهادة الزور . وميزان العافين خازن بيت المال . والميزان الذي كفتاه من جلد الحمار يدل على التجار والسوقة الذين يؤدون الأمانة في التجارات . والمهراس : رجل يعمل ويتحمل المشقة في إصلاح أمور يعجز غيره عنها . والمسمار : أمير أو خليفة ،ويدل على الرجل الذي يتوصل الناس به إلى أمورهم كالشاهد وكاتب الشروط ،ويدل على الفتوة الفاصلة ، وعلى الحجج اللازمة ،وعلى الذكر . ويدل على مال وقوة . وأما الوتد : فمن رأى كأنه ضربه في حائط أو أرض ، فإن كان عازبا تزوج ، وإن كانت له زوجة حملت منه . وإن رأى نفسه فوقه تمكن من عالم ، أو مشى فوق وجبل ،وقيل : الوتد أمير فيه نفاق . وإن رأى كأنه غرسه في حائط فإنه يحب رجلا جليلا . فإن غرزه في جدار بيت فإنه يحب امرأة . فإن غرسه في جدار من خشب فإنه يحب غلاما منافقا . فإن رأى كأن شيخا غرز في ظهره مسمارا من حديد ، فإنه يخرج من صلبه ملك أو نظير ملك أو عالم يكون من أوتاد الأرض . فإن رأى أن شابا غرز في ظهره وتدا من خشب فإنه يولد له ولد منافق يكون عدوا له . فإن رأى كأنه قلع الوتد فإنه يشرف على الموت . وقيل : من رأى أنه أوتد وتدا في جدار أو أرض أو شجرة أو اسطوانة أو غير ذلك ، فإنه يتخذ أخبية عند رجل ينسب إلى ذلك الشيء الذي فيه وتد . والحلقة : دين . والجلجل : خصومة وكلام في تشنيع . والجرس : رجل مؤذ من قبل السلطان . والراوية والركوة : للوالي عامرة ، وللتجار تجارة شريفة . المندفة : امرأة مشنعة ، ووترها رجل طنان ،وقيل هو رجل منافق . والمنفخة : وزير . والعصا : رجل حسيب منيه فيه نفاق . فمن رأى كأن بيده عصا فإنه يستعين برجل هذه صفته ، وينال ما يطلبه ويظفر بعدوه ويكثر ماله . فإن رأى العصا مجوفة وهو متوكئ عليها فإنه يذهب ماله ويخفي ذلك من ا لناس . فإن رأى كأنها انكسرت فإن كان تاجرا خسر فلي تجارته ، وإن كان واليا عزل . وإن رأى كأنه ضرب بعصا أرضا فيها تنازع بينه وبين غيره ، فإنه يملكها ويقهر منازعه . وإن رأى كأنه تحول عصا مات سريعا . وأما الكرسي : لمن جلس عليه فإنه دال على الفوز في الآخرة إن كان فيها ، وإلا نال سلطانا ورفعة شريفة على قدره ونحوه . فإن كان عازبا تزوج امرأة على قدره وجماله وعلوه وجدته . ولا خير للمريض ولا لمن جلس داخلا فيه لما في اسمه من دلائل كرور السوء ، لا سيما إن كان ممن قد ذهب عنه مكروه مرض أو سجن ، فإنه يكر راجعا . وأما الحامل فكونها فوقه مؤذن بكرسي القابلة التي تعلوه عند الولادة عند تكرار التوجع والألم ، فإن كان على رأسها تاج ولدت غلاما ، أو شبكة بلا رأس أو غمد سيف أو زوج بلا رمح ولدت جارية. وقيل : من رأى أنه أصاب كرسيا أو قعد عليه ، فإنه يصيب سلطانا على امرأة وتكون تلك في النساء على قدر جمال الكرسي وهيئته . وكذلك ما حدث من الكرسي من مكروه أو محبوب فإن ذلك في المرأة المنسوبة إلى الكرسي . والكرسي امرأة أو رفعة من قبل سلطان . وإن كان من خشب فهو قوة في نفاق ، وإن كان من حديد فهو قوة كاملة . والجالس على الكرسي وكيل أو وال أو وصي إن كان أهلا لذلك ، أو قدم على أهله إن كان مسافرا ، لقوله تعالى ( وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ) ــ ص : 34 . والإنابة الرجوع . والقمع : رجل مدبر ينفق على الناس بالمعروف . ودخول الكندوخ مصيبة . واللوح : سلطان وعلم وموعظة وهدى ورحمة ، لقوله تعالى (وكتبنا له في الألواح )ـ الأعراف:145. وقوله ( في لوح محفوظ ) ـ البروج :22 . والمصقل منه يدل على أن الصبي مقبل صاحب دولة ، والصدئ منه يدل على أنه مدبر لا دولة له . وإذا لوحا من حجر فإنه ولد قاسي القلب ، وإذا كان من نحاس فإنه ولد منافق ، وإذا كان من رصاص فإنه ولد مخنث . والمحرضة : خادم يسلي الهموم. والمسرجة : نفس ابن آدم وحياته ، وفناء الدهن والفتيلة ذهاب حياته ، وصفاؤها صفاء عيشه ، وكدرهما كدر عيشه ، وانكسار المسرجة بحيث لا يثبت فيها الدهن علة في جسده . بحيث لا تقبل الدواء . والمسرجة قيم البيت . والمكنسة : خادم . والخشنة : خادم متقاض . وأما من كنس بيته أو داره فإن كان بها مريض مات ، وإن كان له أموال تفرقت عنه ، وإن كنس أرضا وجمع زبالتها أو ترابها أو تبنها ، فإنه يفيد من البادية إن كانت له ، وإلا كان جابيا أو عشارا أو فقيرا سائلا طوافا . الممخض : رجل مخلص ، أو مفت يفرق بين الحلال والحرام . فإن رأى كأنه ثقب الممخض فإنه لا يقبل الفتوى ولا يعمل بها. وأما القصعة : فداله على المرأة والخادم ، وعلى المكان الذي يتعيش فيه وتأتي الأرزاق إليه . فمن رأى جمعا من الناس على قصعة كبيرة أو جفنة عظيمة ، فإن كان من أهل البادية كانت أرضهم وفدادينهم ، وإن كانوا أهل حرب داروا إليها بالمنافقة ، وحركوا أيديهم حولها بالمجادلة على قدر طعامها وجوهرها ، وإن كانوا أهل علو تألفوا عليه إن كان طعامها حلوا ونحوه .. وإن كانوا فساقا أو كان طعامها سمكة أو ولحما منتنا تألفوا على زانية . وأما الطاجن : فربما دل على قيم البيت ، وربما دل على الحاكم والناظر والجاني والعاشر والماكس . والسفافيد أعوانه ، وقد يدل على السجان وصاحب الخراج والطبيب وصاحب البط . والحصير : دال على الخادم ، وعلى مجلس الحاكم والسلطان . والعرب تسمي الملك حصيرا ، فما كان به من حادث فبمنزلة البساط . وأما التحافه : فدال على الحصار ، والحصر فيا لبول ، وأما من حمله أو لبسه فهو حسرة تجري عليه وتناله ويحل فيها من تلك الناحية ، أو امرأة أو مريض أو محبوس . وأما الزجاج : وما يعمل منه ، فحمله غرور ، ومكسوره أموال . والظرف : منه آنية أو زوجة أو خادم أو غيرهن من النساء . وككثرته في البيت دالة على اجتماع النساء في خير أو شر . وأما العروة : فمن تعلق بعروة أو أدخل يده فيها فإن كان كافرا أسلم واستمسك بالعروة الوثقى ، وإن استيقظ ويده فيها مات على الإسلام . ويدل على صحبة العالم وعلى العمل بالعلم والكتاب . والمنقار : دال على ذكر صاحبه وفمه ، وعلى عبده وخادمه الذي لا يستقيم إلا بالصفع ، وحماره الذي لا يمشي إلا بالضرب . القفل والمفاتيح : وأما من فتح قفلا فإن كان عازبا فهو يتزوج ، وإن كان مصروفا عن عروسه فإنه يفترعها ، فالمفتاح ذكره ، والقفل زوجته . إلا أن يكون مسجونا فينجو منه بالدعاء ، قال الله تعالى ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ـ الأنفال : 19 .أي تدعوا فقد جاءكم النصر . وإن كان في خصومة نصر فيها وحكم له ، قال الله تعالى ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) ـ الفتح :1 . وإن كان في فقر وتعذر فتح له من الدنيا ما ينتفع به على يد زوجة ، أو من شركة أو من سفر ، وقفول . وإن كان حاكما وقد تعذر عليه حكم ، أو مفت وقد تعذرت عليه فتواه ، أو عابر وقد تعذرت عليه مسألة ، ظهر له ما انغلق عليه وقد يفرق بين زوجين أو شريكين بحق أو باطل على قدر الرؤيا . وأما المفتاح : فإنه دال على تقدم عند السلطان والمال والحكمة والصلاح . وإن كان مفتاح الجنة نال سلطانا عظيما في الدين ، أو أعمالا كثيرة من أعمال البر ، أو وجد كنزا أو مالا حلالا ميراثا . فإن حجب مفتاح الكعبة حجب سلطانا عظيما أو إماما ، ثم على نحو هذا في المفاتيح. والمفاتيح سلطان ومال وخطر عظيم ، وهي المقاليد . قال الله تعالى (له مقاليد السموات والأرض)ـ الزمر:63.يعني سلطان السموات والأرض وخزائنهما . وكذلك قول الله تعالى في قارون ( ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ) ـ القصص : 76 . يصف بها أمواله وخزائنه ، فمن رأى أنه أصاب مفتاحا أو مفاتيح فإنه يصيب سلطانا أو مالا بقدر ذلك . وإن رأى أنه يفتح بابا بمفتاح حتى فتحه ، فإن المفتاح حينئذ دعاء يستجاب له ولوالديه أو لغيرهما فيه ، ويصيب بذلك طلبته التي يطلبها ، أو يستعين بغيره فيظفر بها . ألا ترى أن الباب يفتح بالفتاح حين يريد ، ولو كان المفتاح وحده لم يفتح به ، وكان يستعين في أمر ذلك بغيره . وكذلك لو رأى أنه استفتح برجا بمفتاح حتى فتحه ودخله ، فإنه يصير إلى فرج عظيم وخير كبير بدعاء ومعونة غيره له . والقفل : كفيل ضامن ، وإقفال الباب به إعطاء كفيل ، وفتح القفل فرج وخروج من كفالة . وكل غلق هم ، وكل فتح فرج ، وقيل : إن القفل يدل على التزويج ، وفتح القفل قد قيل هو الافتراع ، والمفتاح الحديد رجل ذو بأس شديد ومن رأى أنه فتح بابا أو قفلا ، رزق الظفر لقوله تعالى ( نصر من الله وفتح قريب ) ــ الصف : 13 ..(1/54)
المذكر منها رجال. والمؤنث نساء. فالمسبحة امرأة صالحة ، أو معيشة حلال ، أو عساكر نافعة ، لمن ملكها ، أو سبح بها. والدواة منصب وعز ، أو امرأة ، أو مركب ، أو معيشة. وأما إن تلوث بها صارت نكداً ، ممن تدل عليه. من كتب بقلم ، أو ملكه تحكم من جليل القدر ، أو يرزق ولداً كاتباً. وهو ولاية ، ومنصب. ويدل على العبد ، والجارية ؛ لكثرة الرواح والمجيء ، والمطّلع على الأسرار.
قال المصنف : اعتبر الأدوات واحكم فيها على ما يليق بالرائي في وقته. وتدل المسبحة أيضاً على .... وقال لي تاجر : رأيت أن في يدي سبحة من لؤلؤ ، قلت : أنت تسافر في طلب مماليك وتكسب فيها. وقال آخر : مثله ؛ غير أنه قال : سبحة من أَنبوش ، قلت : أنت متولي وستغير على بلاد وتأخذ جماعة أسارى مربوطين في الحبال ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت كأن في يدي سبحة عقيق ، قلت : ستعمل ساقية بدولاب وتكون بقواديس حمر ، وتفيد من ذلك. وقال آخر : رأيت كأن في يدي سبحة من دموع داود عليه السلام وهي معمولة في وسطي ، قلت : عندك امرأة صالحة كثيرة البكاء ، قال : صدقت.
ودلت الدواة على المناصب لأن أرباب المناصب لا يستغنون عنها ، وعلى المرأة لأن القلم كالذكر فيها ولكونها تحمل في بطنها ، وكذلك أيضاً دلت على المركب والأقلام فيها شبه المقاذيف. وقال إنسان : رأيت أنني أتيت إلى دواة عليها غطاء ففتحتها ورميت ما فيعا من الأقلام ، قلت له : نبشت قبوراً مدفونة ورميت ما بها من الموتى لتعمل لك قبراً ، أو بئراً ، أو بركة ونحو ذلك ، قال : صدقت. وقال لي إنسان : رأيت أنني أعطي كل من يجيء إلى عندي دواة مليحة ، قلت له : تتعلم الطب وكل مريض يجيء إلى عندك يلقى دواءه كما يجب ، فصار كذلك. وقال إنسان : رأيت أن فلاناً وقع في دواة بغطاء وانطبقت عليه ، قلت : الدواة قبره فمات ثاني يوم. وقال آخر : رأيت أني سرق من بيتي دواة بغطاء ، قلت : يروح من عندك صندوق فراح. وقال آخر : رأيت أنني نفضت دواة فيها أقلام وقع ما فيها ، قلت : ضربت حاملاً وأسقطت ما في بطنها ، قال : صحيح. وقال لي
متولي : رأيت أني كسرت رأس قلم ، قلت : قطعت لسان إنسان وربما كان
كاتباً ، قال : صدقت. وقال آخر : رأيت أنني قطعت قلمي ورميته ، قلت له : تعرف الخط ، قال : لا ، قلت : قد خصيت نفسك ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني صرت قلماً مبرياً ، قلت : تصير سباحاً وتكون كثير الغطاس على
رأسك ، وتصير في ذلك أستاذاً ، فصار كما ذكرنا. فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله.
فصل : الأسرة والمنابر والكراسي والمراتب : عز وجاه ، لمن ملكهم ، أو جلس عليهم. أو تزويج ، ومال ، وفائدة. وكذلك من تحكم فيهم. كما أنهم : هم ، ونكد ، لمن لا يليق به الجلوس عليهم. الشمعة : امرأة ، أو جارية حسناء. فإن كانت على نور كانت بجهاز ، أو من بيت كبير ، وهي غنى للفقير ، وهداية للجاهل. وكذلك القنديل والسراج. ويدلون على الأولاد ، والعلماء ، والأقارب ، لمن ملكهم ، أو اهتدى بنورهم ، في الظلام. وإن كانوا موقودين بالنهار دل على ضياع المال ، بلا فائدة أو علم ، عند من لا يحتاج إليه. وهم بالنهار ، وبلا وقود تجائر ، أو علوم. أو أولاد ، ومعايش ، ومتاجر ، ترجى منفعتهم فيما بعد.(1/55)
قال المصنف : دلت الأسرة والمنابر والكراسي ونحو ذلك على العز والجاه لاختصاص الأكابر بهم في خاصتهم ، ويدلون على غير ذلك. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أمير على سرير مشبك وهو على وجه الماء ، قلت : تصير أمينًا على مركب حطب ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت أن فلاناً على سرير ، قلت : هو مريض ، قال : نعم ، قلت : يحمل على سرير المنايا ، فمات عقيب المنام. وقال آخر : رأيت أنني راكب على سرير صغير على جمل في برية ، قلت : تسافر في تجارة. وقالت امرأة : رأيت أنني أخطب بالرجال ، قلت : تشتهرين بمحبة واعظ ، أو خطيب ، أو فقيه ، وتتنكدين من ذلك ، فجرى عليها نكد بذلك السبب. ومثله قالت أخرى غير أنها قالت : أخطب بالنساء ، قلت : تتزوجين برجل كذلك ، فتزوجت. وقال إنسان : رأيت أنني صرت شمعة ، أو قنديلاً ، قلت له : بين الناس ، قال : نعم ، قلت : بالنهار ، قال : نعم ، قلت : تُعَزّر ، أو تُضرب وتسيل دموعك. وقال آخر : رأيت أنني صرت سراجاً على منارة نحاس مليحة ، قلت : بالليل ، قال : نعم ، قلت : تصير مؤذناً ، أو واعظاً وينتفع بك الناس. ومثله قال آخر ، قلت : أين كنت ، قال : في دكان ، قلت : تصير منادياً ، أو حارساً على .... للذي كان في الدكان وتجلب الناس إلى ذلك الجنس. وقال آخر : رأيت أنني صرت سراج معصرة أدور حيث دار الحجر ، قلت : تصحب جليل القدر وتسافر حيث يسافر وربما تحمل قدامه نوراً وتكون لا تفارقه ، فصار يحمل الشمع قدام الملك. وقال إنسان : رأيت أنني أسبح في قناديل ملآنة حتى آتي إلى فتائلها آكلها وطعمها طيب ، قلت : ترزق من أخذ النوفر الذي تحارف في برك الماء رزقاً جيداً. فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
فصل : لبس الحلي لمن يليق به دليل على تزويج العزاب ، وأولاد للمزوجين ، وغنى للفقراء. أو أعمال حسنة ، وعز ، وجاه ، ومعايش ، وعبيد ، ودور ، ونحو ذلك. وأما الحياصة : فخدمة للبطال ، وعساكر ، وغلمان ، لمن يليق به ذلك. وتعاليقها : كبراء غلمانه. وإن جعلناها امرأة ، فتعاليقها : جهازها. فمن عدمت حياصته ، أو انكسرت ، أو تلف شيء منها : دل على نكد. وإن كانت للملك : ذهبت جيوشه ، أو بعضها. ولغيره : غلمانه ، وللمزوج : زوجته ، أو جاريته ، أو معيشته ، ونحو ذلك.
والمذكر من الحلي ، كالسوار والخلخال ، والقرط : ذكور. والمؤنث ،
كالحلقة ، والجوهر ، ونحوها : إناث.
قال المصنف : اعتبر ما كان عليه من الحلي والحلل. كما قال لي إنسان : رأيت أن في يدي سواراً والناس يبصرونه ، قلت له : سوء يبصره الناس في يدك ، فعن قليل طلع في يده طلوع. ومثله قال آخر ؛ لكن لم يبصره الناس ، قلت : تتزوج امرأة حسنة وتكون رقيقة. ومثله قال آخر غير أنه قال كان منفوخاً ، قلت : عندك امرأة بها مرض الاستسقاء. وقال لي إنسان : رأيت أني أتيت إلى شجرة لآكل من ثمرتها فلم أقدر فلقيت على الأرض دملجاً مرمياً فجعلته تحت رجلي وأكلت من الثمرة ، قلت : أنت تطلب حاجة من جليل القدر وتخاف أن لا تقضى ، قال :
نعم ، قلت : دم ولج في طلبها تقضى ، وتكون على يد امرأة وخادم ، فجرى ذلك.
ودلوا على تزويج العزاب لكونهم من آلات التزويج ، وأولاد لتجمل الناس بهم وطول بقائهم عنده ، وعلى الغنى لأن ذلك لا يعمل إلا بعد فضله وغنى عنه ، ويدل على الأعمال لأنه غالباً لأنه من أعمال الرائي إما بنفسه ، أو بامرأة ، وعلى العز والجاه لأن ذلك غالباً مختص بذوي القدر ، وعلى المعايش لكونهم يباعون ، وعلى العبيد لخدمتهم لمالكهم باستعماله لذلك ، وعلى الدور لكون الأعضاء تغبر في ذلك. ودلت الحياصة على الخدمة لأنها غالباً لا تكون إلا في وسط من يخدم ، والبطال لا يلبس ذلك ، وعساكر وغلمان لمن يصلح له ذلك لكونه يشد وسطه
بها ، ومنها الأعمدة الواقفة إلى جانب بعضها بعض كالجيوش والغلمان ، وعلى جهاز المرأة لأنها مؤنثة ، وعمدها والتعاليق كالسيور والأواني المصفوفة والمعلقة ، وتدل أيضاً للمرأة على زوجها وللرجال على ملبوسه. وقال لي إنسان : رأيت كأن في عنقي .... لازماً ، قلت له : في رقبتك حق لإنسان وسيلازمك في طلبه ،(1/56)
فقال : صحيح. وقال آخر : رأيت كأن في رجلي خلخالاً ، قلت : تتخلخل رجلك بألم ، فكان كذلك. وقال آخر : رأيت أني قد سرق لي خلخال ، قلت : يعدم لك قبقابُ ، أو مداس لها صوت. وقال آخر : رأيت كأن في يدي خلخالاً وآخر قد مسكه وأنا ماسكه وأزعق عليه وأقول اترك خلخالي فتركه ، قلت : فكان الخلخال أملس في يدك ، قال : بل كان خشناً تألمت منه مرة بعد مرة وفيه شراريف ، قلت : أمك شريفة وكذلك خالك ، وأنت لست بشريف ، قلت : واسمك عبد القاهر ، قال : صدقت ، قلت : ولسان خالك لسان نحس ردي يتكلم في عرضك ويأخذ مما في يدك ، قال : نعم ، قلت : ثم إنه يقع في يد ظالم متعدًّى فيحتمي بك فتشد أنت منه وتقول : خلَّ خالي ، فعن قليل جرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن الشمس عندي وكأن سحاباً أخفاها عني فَدَوَّرت عليها فلقيتها مخبوءة في وسط عقد جواهر ، قلت له : كان عندك قطعة ذهب فيها نقش أشبه شيء بالدينار ، والنقش منفعة كبيرة ، جعلتها في شيء معجون لتأكل ، ذلك ، والمعجون لمنفعة ، فطلبتها فلم تجدها ، فبعد قليل عرفت أن سنوراً ابتلع ذلك فصار الضائع جواهر ، فراح من عندي ، فوجد ذلك صحيحاً. وقال إنسان : رأيت أن في أنفي حلقة ذهب وفيها حب مليح أحمر ، قلت له : يقع بك رعاف شديد ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت كلاب كلابنذ معلق في شفتي ، قلت له : يقع بك ألم تحتاج إلى الفصد في شفتك لأجل ذلك فجرى ذلك.
وقد مضى بعض الكلام في الخاتم خاصة ، وذكر ما فيه في » الحلي «.
وكل موضع دل الحلي والحلل على الخير والشر فطول ذلك وقصره على قدر ثبات ذلك وذهابه ، كما تقول الحلي من الزجاج لا ثبات له ، وكذلك من الرصاص ، وكذلك من الشمع ، ونحوه ذلك. بخلاف الذهب والفضة والنحاس والحديد استعمله أكثر الناس. كما قال لي إنسان : رأيت أن في يدي خاتماً من الرصاص ، قلت : عندك امرأة تلوث عرضك – لأن الرصاص يلوث الإنسان – ولا ثبات لها عندك – لعدم بقائه -.فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
فصل : ولبس الحلي ، والحلل ، لمن لا يليق به دال على النكد ، والذلة من الأكابر. وأما لبس الخاتم ، فيدل لمن لبسه ، ممن يصلح له على تزويجه ، إن كان أعزب. أو يتسرى بجارية. فإن كان بفص رزق ولداً. وربما تكون المرأة ذات جهاز ومال. ويد على الولاية ، لختم الأموال ، والكتب ، ونحوها. فمن كسر خاتمه ، أو ضاع : زالت ولايته. وإلا فارق زوجته ، أو جاريته ، أو بعض أولاده ، وأقاربه ، أو معارفه. أو تعطلت معيشته. ونحو ذلك.
فصل : ربط اليدين ، أو الرجلين ، أو القيد ، أو اللبنة ، ونحو ذلك ، دال على عزل المتصرفين ، وتعويق المسافرين ، وطول سجن المسجونين ، ومرض المرضى ، وتزويج العزاب ، وتعطيل عبادة العابدين ، وتوبة الفاسقين وكف أكف الظالمين. وذلك في اليدين ، فقر الأغنياء.
وأما الغل ، والربط ، في العنق ، دال على الذنوب ، والأنكاد.
قال المصنف : دل الربط والقيد على ما ذكرنا من العزل وترك السفر وطول المرض والسجن لكون ذلك يمنع الحركات ، ومن ذلك أيضاً ترك عبادة العابد ، ودل على التزويج لكون اليدين ، أو الرجلين اجتمعا وهما ذكر وأنثى ، ودل على توبة الفاسقين وكف ظلم الظالمين لكون كل واحد انكف عما هو فيه من الحركات. وانظر صفة القيد والذي ربط به وتكلم عليه. كما قال لي إنسان : رأيت أن في رجلي قيد ذهب ، قلت : يمنعك عن سفرك شيء يذهب لك ، فجرى ذلك. ومثله قال آخر ، قلت : يمنعك جليل القدر. ومثله قال آخر : قلت : تتزوج من بيت جليل القدر.
والقيد أهون من اللبنة كما رآها إنسان في رجله ، قلت : تتقيد بجليل القدر ويمنعك عن تصرفك كما تريد. وقال آخر : رأيت أن يدي مربوطة بخيط حرير ، قلت : يذهب مالك على إنسان جليل القدر. ومثله رأى آخر ، قلت : تتوب على يد رجل هين لين. فافهم ذلك موفقاً.
فصل : الذهب ، والدراهم ، والفلوس ، ونحوهم ، لمن ملكهم ، ممن يليق به : دليل على أخبار ، أو غائب ، أو ولد ، أو معرفة. ويكون فيهم نفع. وأما من أخذهم ، ممن لا يليق به ، أو كانوا في الكثرة خارجاً عن العادة : فأنكاد ، وهموم ، ونحو ذلك.
قال المصنف : دل الذهب والدراهم والفلوس وشبههم على الكتب لكون الكتابة عليهم ، وعلى الأخبار لأن بهم يعلم الإنسان ذلك ، وعلى مجيء الغُيّاب لأن الحاجة غائبة حتى يروح أحد من أولئك يحضر ، وعلى الأولاد والأقارب لنفعهم ، وعلى المعارف النافعين لما ذكرنا. فإن خرجوا في الكثرة عن عادة مثل ذلك أعطوا الأنكاد لوجوه : الأول : لثقل حملهم ، ولتعسر حفظ مثل ذلك على من ملكه ممن لا يصلح له ذلك ، الثالث : لكون الحقوق ترتب فيها ، الرابع : لطلب اللصوص والحرامية والطماعين لمن معه ذلك.
وكذلك الحكم إذا كانوا في القلة عند من لا يليق به ذلك ، كالفلوس والدراهم والدنانير في يد ملك وهو يفتخر بين الناس بذلك ، وكذلك من دونه من ذوي الرتب الذين لا يصلح لهم ، يدل على : الأنكاد والفقر ونزول المرتبة ونحو ذلك. فافهم ذلك.(1/57)
فصل : أواني البيت ، كالمسرجة ، والزبدية ، والطبق ، والقدرة ، والمكنسة ، وأمثالهم : كل واحد منهم دال على صاحب الدار ، وزوجته ، وأولاد ، وعبيده ، ودوابه ، وفوائده ، ومعايشه. كما أن المطارق ، والمنفخ ، والكلبتين ، وأمثالهم ، للبيطار ، والحداد ، والنجار ، والصائغ ، وأمثالهم : دال على معايشهم ، وغلمانهم ، وأولادهم. وربما كان المنشار ، والمثقب ، والمنقار ، والإبرة ، ومكوك الحائك ، وسهم المنسج ، وأمثالهم : أصحاب سفر ، ومداخلات في الأمور. وربما دلوا على الجواسيس ، لدخولهم في البواطن ، وخروجهم.
قال المصنف : اعتبر ما في البيوت ، وهم دالون على صاحب الدار والزوجة والأولاد والعبيد والدواب والمعايش ، ونحو ذلك ، لانتفاع أهل المنزل بذلك ، والأواني المعمولة من النحاس دالة على طوال الأعمار وذوي القدر ، ودون ذلك الحديد لكونه لا يستعمل غالباً ، وأضعف من ذلك وأرفع منزلة الرصاص في الأواني. كما قال لي إنسان : رأيت أن عندي قدراً برأسين ، قلت : عندك امرأة حامل بتوأم ، فعن قليل وضعت توأماً. وقال لي إنسان : رأيت أن قدامي زبدية كبيرة وأنا أعمل فيها الشعر في رق ، قلت : تصير تبيض الغزل. ومثله قال آخر ، قلت له : تملك مبلة كتان. وقال آخر : ريت أن قدامي بركة وقد انكسرت وراح الماء الذي فيها ، قلت له تنكسر منك زبدية ويذهب ما فيها. وقال آخر : رأيت أن قدامي طبقاً فيه ططماج وأنا آكل منه دراهم ودناير ، قلت له : أنت صنعتك تعمل الورق ، قال : صحيح ، قلت : تفيد منه. وقال آخر : رأيت أنني أعمل في ورَّاقة وتنكسر في ضمانها ، فجرى ذلك كله. وقال آخر : رأيت أن منفخي انكسر ، قلت تقع باذهنجك. ومثله قال آخر : قلت يقع في أنفك زكام. وقال آخر : رأيت أني قد راح منه كلبتين ، قلت : يموت لك أولاد توأم ، فماتا. وقال لي ملك : رأيت أن منشاراً لي إنكسر ، قلت تقع بعض شراريف السور ، فوقع ذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت منشاراً واثنان ينشران بي ، قلت : تقع بين اثنين في رسالة وتتعب بينهما ، فجرى ذلك. فافهمه موفقاً إن شاء الله تعالى.
فصل : المبرد ، والفأرة ، والمصقلة ، وآلة التبييض ، وأمثالهم : يدلون على المصلحين ، والمهدين. والمفتاح : دال على الحاكم على الأموال ، وغيرها. وعلى الخبير بفتح الأماكن ، وتسهيل الأمور الصعاب. ويكون صاحب أمر ، ونهي. كما أن الميل : صاحب سفر لكونه يغيب ، ويجيء بالمطلوب. وأما المغرفة ، والغربال ، والمنخل ، والمصفاة : فأقوام متوسطون بالخير.
قال المصنف : قال إنسان : رأيت أنني صرت مبرداً ، قلت : يطلع عليك جرب ، فطلع. ومثله قال لي جليل القدر ؛ قال : كنت أبرد الحديد ، قلت : تلبس جوشناً في حرب وتنتصر. ومثله قال آخر ؛ غير أنه قال : كنت أبرد حوافر الخيل ، قلت له : تصير بيطاراً. ومثله قال آخر : قلت : تصير ركاب دار. ومثله قال آخر ؛ غير أنه قال : كنت أبرد خشباً قرب السيوف والسكاكين ، قلت : تعمل الحصون والعدد للأكابر. وقال إنسان : رأيت أنني صرت مفتاحاً لباب ، قلت : تصير
بواباً ، فصار كذلك. ومثله قال جليل القدر ، قلت : تتولى منصباً عالياً على قدر حسن الباب. وقال آخر : رأيت أنني صرت سناً في مفتاح ، قلت : فتحت شيئاً ، قال : نعم ، قلت : ستعبر نقباً وتقاوم أصحاب المكان وهم من فوقك ثم تأخذ النقب من أسفل وتصعد وينفتح لك المكان. وقال لي إنسان : رأيت أن مفتاحي بلا أسنان ، قلت : تتلف أصابع يديك ، فجرى ذلك. ومثله قال آخر : قلت : تذهب أسنانك ومثله قال آخر : قلت : يعدم بستانك.
والمنقار إنسان مغصوب على الدخول في الأماكن الصعبة ، وإبر الذي يعمل الجلود كالخفاف والمداسات ونحو ذلك دال على الغلامين الذي يمشي كل واحد ضد ما يمشي صاحبه في طلب المصلحة. والميل الذهب أجود من الفضة ، والفضة أجود من النحاس ، ودونهم الميل من الزجاج. وقال لي إنسان : رأيت أن عندي بعض ميل ذهب وأنا أكحل به أعين الدواب ، قلت : عندك صبي تعلمه بيطاراً فاسأل عنه فهو ابن ملك ، فسأل عنه فوجده كذلك. قال آخر : رأيت أن معي ميلاً من ذهب وأنا ألعب به في التراب ، قلت : عندك جليل القدر تستعمله فاعلاً في عمل التراب. وقال آخر : رأيت معي أميالاً عديدة ، قلت : يكثر الرمد ووجع العيون عندكم ، فجرى ذلك. ومثله قال آخر : قلت : عندك جماعة عزمت على سفرهم. ومثله قال آخر : قلت : عزمت على أخذ مطامير. وقالت امرأة : رأيت أن ميلي ضاع ، قلت : يأخذ زوجك غيرك ، فيهجرك في الفراش ، فجرى ذلك. والله أعلم.
فصل : كل ما كان معداً للخبايا ، أو للحفظ : فهو دال على الأمناء ، والحراس ، والأماكن الحصينة. كالخزائن ، والصناديق ، وأمثالهم. والقبان ،
والميزان : يدلان على القضاة ، والولاة ، وكل من يقبل قوله. فلسانه : هو
المتوسط ، والشاهد بالحق. والصنع : غلمانه ، وأعوانه.(1/58)
قال المصنف : وقال لي إنسان : رأيت أنني أزن ذهباً قبان ما هو معدٌ له ، قلت : تسلم أقواماً أكابر إلى من لا يغرف قدرهم ، ولا يلتفت عليهم ليختبرهم ، وما يحصل لك مقصود. وقال لي إنسان قيم مسجد : رأيت أنني أزن في ميزان الدراهم فلوساً وقد تلف ، قلت : تبدل القناديل الجياد بدونها ، فارجع إلى الله عن ذلك. والله أعلم.
فصل : النظر في الأشياء الصقلة ، كالزجاج ، والماء ، والمرآة ، وأمثالهم : دال على تزويج العزاب ، وموت المرضى ، والأسفار. وربما رزق الرائي ولداً ، على شكله. وأما إن نظر ليصلح وجهه ، أو حاله ، فإن أصلحه : تعافى المريض ، وخلص المسجون ، وقدم الغائب ، وقضيت حاجة المحتاج.
قال المصنف : دل النظر في الأشياء الصقلة على : تزويج العزاب لكونه يبقى وجه مقابل وجه يحبه ، وعلى موت المرضى لكونه صار وجهه في مكان لا تصل يده إليه ولا يقدر عليه ، ومن ذلك دل على السفر. فإذا جعلته تزويجاً ، أو تسرياً فهي امرأة دونه ، وإن جعلته موتاً فحذره من الآخرة الردية ، وإن جعلته سفراً فامنعه من ذلك ؛ فهو غير مرضي. وقولنا : يرزق الناظر مثله إن كانت امرأة وهي حامل فالحمل أنثى ، وإن كان الناظر رجلاً وعنده حمل فالولد ذكر ، وإن لم يكون حمل فالمرأة تحمل بذلك.
فصل : كل ما يغتسل به ، من الأواني كالإبريق ، والطاسة ، والشربة ، وأمثالهم : دال على الأصحاب ، المطلعين على الأسرار ، الكاتمين لها ، الدافعين الأذى. والغلاية : امرأة ، أو بنت ، أو جارية ، فيها نفع. وربما تكون تعرف صنعتين. وربما تكون كثيرة الأمراض ، لجمعها الماء والنار في بطنها.
قال المصنف : قد سبق الكلام في الأواني ، والإبريق دال على الكثير السجود والخدمة. كما قال لي إنسان : رأيت أنني آكل إبريقاً ، قلت له : بعت ديكاً وأكلت ثمنه ، قال : صحيح. وقال إنسان : رأيت أنني صرت إبريقاً ، قلت : تصير صاحب صوت كالمؤذن والحارس والمغني ونحو ذلك ، فصار مؤذناً ، وكان دليله أن الماء إذا قلب فيه يبقى له صوت.
دلت أواني الاغتسال على المطلعين على الأسرار لقربه من العورات ، الدافعين الأذى لزوال الوسخ بهم ، الكاتمين الأسرار لكونهم لا ينطقون بما يجاورونه. واعتبر الجمع في الأواني. كما قال لي إنسان : رأيت إنساناً أهدى لي شربات ، قلت : كانوا ملاحاً ، قال : لا ، قلت : احترز منه فإنه بيَّت لك على شر. وقال إنسان : رأيت أنني ملكت غلاية ، قلت : تملك حماماً ، فملكه. وقال إنسان : رأيت أن ولدي يشرب من غلاية ، قلت : تمرض أمه بالحمى ويرضع ذلك. ومثله قال آخر ، قلت : ابنك مريض بالحمى الباردة ، قال : نعم ، قلت : فشرب من الغلاية ماءً حاراً ، قال : نعم ، قلت : يتعافى ، فعوفي. وقال آخر : رأيت أنني جاءني غلاية ، قلت له : أهدي لك نعامة ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أن عندي نعامة آكلها ، قلت : : عندك غلاية ، والساعة تبيعها وتأكل ثمنها ، فجرى ذلك. وأشبهت النعامة لأن النعامة تأكل النار ، وتشرب الماء في بطنها ، فأشبهت الغلاية التي جمعت في بطنها بين الماء والنار. وقال إنسان : رأيت أنني صرت غلاية ، قلت : تمرض بوجع الفؤاد ، وتصير أيضاً ضامن حمام ، فجرى له ذلك. ومثله قال آخر ، قلت
له : تأكل أموال اليتامى ، فكان كذلك ، لأن الله تعالى يقول { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } ] النساء:10[. وقال آخر : رأيت أنني صرت زيرًا كبيرًا والسقاؤون يقلبون فيًّ الماء وهو كدر ، قلت : نخشى عليك أن تعذب بسقاية الحل والجِير ونحو ذلك ، فجرى له ذلك. وقد سبق الكلام على الحكم في الزرابيل والقباقيب ونحو ذلك فافهمه.
فصل : الجرار ، والخوابِي ، وآنية الماء : دالون على أهل النفع ، والخير والقبقاب : ولد ، أو عبد ، أو دابة ، أو مال طويل الإقامة. وهو لمن لا يعتاده : نكد ، وتعويق من أمور. ويدل على إظهار الأمور الخفية. وهو لمن يمشي به في الطين : خلاص من نكد ، أو سفر فيه راحة. فجميع ما ذكرنا فهم أيضاً : دالون على الدواب ، والدور ، والعبيد ، والملابس ، والمعايش ، والأقارب. وهم للعزاب زوجات. وكذلك كل ما أشبههم. فما حدث فيهم من صلاح ، أو فساد عاد إلى من ذكرنا.(1/59)
فصل : وأما الملاهي(1) ، كالطبل ، والزمر ، والدف ، وشبههم : فلهو ، وأخبار باطلة. وأما العود ، والجنك ، وأمثالهم : فأناس مسموعو القول ، لا دين لهم. وأما النقارات : فأخبار ، وتجهيز جنود. وكذلك البنود. وأما من غنى في المنام : فكل من سمع صوته ، اطلع على أسراره. وأما الرقص ، لمن لا عادة له به : هموم ، وأنكاد ، وأسفار مشقة.
__________
(1) ضرب العود فكلام كذب ، وكذلك استماعه . ومن رأى كأنه يضرب العود في منزله أصيب بمصيبة ، وقيل : إن ضرب العود رياسة لضاربه ، وقيل : إصابة غم . فإن رأى كأنه يضرب فانقطع وتره ، خرج من همومه . وقيل : إن فقره يدل على ملك شريف قد أزعج من ملكه وعزه . وكلما تذكر ملكه انقلبت أمعاؤه ، وهو للمستور عظة ، وللفاسق إفساد بشيء يقع على أمعائهم . وهو للجائر جور يجور على قوم يقطع به أمعاءهم . ومن رأى أنه يضرب بباب الإمام من الملاهي شيئا من المزمار والرقص مثل العود والطنبور والصنج ، نال ولاية وسلطانا إن كان أهلا لذلك ، وإلا فإنه يفتعل كلاما . والمزمار ناحية ، فمن رأى : إن ملكا أعطاه مزمارا نال ولاية إن كان من أهلها ، وفرجا إن لم يكن من أهلها . ومن رأى أنه يزمر ويضع أنامله على ثقب المزمار ،فإنه يتعلم القرآن ومعانيه ويحسن قراءته . وقيل : إن رأى مريض كأنه يزمر فإنه يموت . والصنج المتخذ من الصفر يدل على متاع الحياة الدنيا ، وضربه افتخار بالدنيا . وصوت الطبل صوت باطل ، فإن كان معه صراخ ومزهر ورقص ، فهو مصيبة ، والطبال رجل بطال ويفتخر بالبطالة ، والطبل رجل صفعان، فمن رأى أنه تحول طبلا صار صفعانا . وطبل المخنثين امرأة لهيا عيوب يكره تصريحا لأنها عورة وفضيحة ، إذا فتش عنها شنعة كانت عليها ، لأن ارتفاع صوته شناعة ، وكذلك حال هذه المرأة ، وطبل النساء تجارة في أباطيل قليل المنفعة كثيرة الشنعة . وضرب الدف : هم وحزن ومصيبة وشهرة لمن يكون معه ، فإن كان بيد جارية ، فهو خير ظاهر مشهور على قدر هيئتها وجوهرها ، وهو ضرب باطل ومشهور ، وإن كان مع امرأة فإنه أمر مشهور وسنة مشهورة في السنين كلها . وإن كان مع رجل فإنه شهرة ، والمعازف والقيان كلها في الأعراس مصيبة لأهل تلك الدار . وأما الغناء فإن كان طيبا دل على تجارة رابحة ، وإن لم يكن طيبا دل على تجارة خاسرة . وقال بعضهم : إن المغني عالم أو حكيم أو مذكر ، والغناء في السوق للأغنياء فضائح وأمور قبيحة يقعون فيها . وللفقير ذهاب عقله . ومن رأى كأن موقعا يغنى فيه ، فإنه يقع هناك ككذب يفرق بين الأحبة ، وكيد حاسد كاذب ، لأن أول من غنى وناح إبليس لعنه الله . وقيل : الغناء يدل على صخب ومنازعة ، وذلك بسبب تبدل الحركات في المرقص . ومن رأى كأنه يغني قصائد بلحن وصوت عال ، فإن ذلك خير لأصحاب الغناء والألحان ولجميع من كان منهم . فإن رأى كأنه يغني غناء رديئا فإن ذلك يدل على بطالة ومسكنة . ومن رأى كأنه يمشي في الطين ويغني ، فإن ذلك خير ، وخاصة لمن كان يبيع العيدان . والمغني في ا لحمام كلام متهم . وقيل : الغناء في الأصل يدل على صخب ومنازعة . وأما الرقص فهو هم ومصيبة مقلقة ، والرقص للمريض يدل على طول مرضه . وقيل : إن رقص الفقير غنى لا يدوم . ورقص المرأة وقوعها في فضيحة . وأما رقص من هو مملوك فهو ويدل على أنه يضرب . وأما رقص المسجون فدليل الخلاص من السجن وانحلاله من القيد ، لانحلال بدن ا لراقص وخفته ، وأما رقص الصبي فإنه يدل على أن الصبي يكون أصم أخرس . ويكون إذا أراد الشيء أشار إليه بيده ويكون على هيئة الرقص . وأما رقص من يسير في البحر ، فإنه رديء ويدل على شدة يقع فيها . وإن رقص إنسان لغيره ، فإن المرقوص عنده يصاب بمصيبة يشترك فيها مع الراقص ، ومن رأى كأنه يرقص في داخل منزله وحوله أهل بيته وحدهم ليس معهم غريب ، فإن ذلك خير للناس كلهم بالسواء . والضارب الطنبور : رجل رئيس صاحب أباطيل مفتعل في قوم فقراء ، أو ساعي الدراهم السكية ، أو زان يجتمع مع النساء ، لأن الوتر امرأة . وضرب الطنبور مصيبة وحزن تلتف له الأمعاء وتلتوي ، لأن صوته يخرج من الأمعاء التي فتلت وجففت وأخرجت من الموطن . ونقره ذكر ما رأى من الرفاهية والعز والدلال ، فإن رأى سلطان أنه يسمع الطنبور ، فإنه يسمع قول رجل صاحب أباطيل . .(1/60)
قال المصنف : دلت أصوات الطرب على الباطل من القول لأنه لا حقيقة لذلك فالطبل يدل على الرجل الجسيم المنظر العديم المخبر ؛ باطنه ولاشٍ. والزمر : ناقل للكلام ، لكونه مختصاً بالفم ، ويكون كلاماً غير مفيد ، وربما كان الزمر ترجماناً. والدف : رجل مرفوع على الرؤوس. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أسجد لدف ، قلت : تحب غلاماُ في آذانه حلق وهو كثير الضحك مدور الوجه وكثير البكاء أيضاً لكثرة ما يضرب ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أسجد لجنك ، قلت : أنت تحب إنساناً تركمانياً أو بدوياً على رأسه طرطور ، قال : صحيح. وقال لي ملك : رأيت أنني نصبت جنوكاً على البلد ، قلت : تحاصر بلداً وتنصب المناجنيق عليه ، لأن الأوتار فيه شبه حبال المنجنيق. وقالت امرأة : رأيت في حجري عوداً أضرب به ، قلت : ترزقين ولداً وتناغنه وهو في حجرك. وقال آخر : رأيت أنني صرت عوداً ، قلت تلوى عليك المعاصير وتزعق من ذلك.
والمغني في المنام هو شاكي مظهر لما في قلبه من الأسرار ، فإن كان يغني لغيره بصوت مليح فهو رجل حلو اللسان ، خبير بإخراج ما في القلوب والبواطن من الأسرار ، ويدل أيضاً على أنه يقع بفؤاده ألم ، أو بحلقه ، أو برأسه ؛ لتألم أولئك من كثرة الغنى. كما دل الرقص على كثرة التعب من كثرة الترداد ، وعلى وجع الرأس لغلبة الدوخة في الرأس عند كثرة الحركات ، والأسفار. فافهم ذلك موفقاً.
فصل : اللعب بالنرد ، والشطرنج ، ومثله : يدل على المقاتلة مع غيره ، وعلى الشبه في المكاسب. وعلى تعطل العبادة ، والانتقال من مكان إلى آخر في طلب غريم. وإن كان مريضاً ، وتم اللعب مات ، لأن آخره شاه مات. وإن كان سليماً بلغ مراده. وروية الملاهي ، والنوائح ، أو الصوائح ، أو اللطم ، أو السواد ، في المكان الذي ليس له عادة بذلك ، فهو دال على الهموم ، والأحزان ، وخراب المكان ، وفراق الأحبة.
قال المصنف : دل اللعب بالشطرنج والنرد وشبهه على المقاتلة لكون كل خصم مجتهداً في غلب غريمه ، وعلى الشبهة في المكاسب لكون أخذ الرهن عليه بغير حق ، وعلى ترك العبادة لكون لعباً واللعب ضد العبادة ، وعلى كثرة الأسفار في طلب الغرماء لأن اللاعب ينقل ما بين يديه شبه الغرماء الطالبين بعضهم بعضاً ، فافهمه. ودلت الملاهي على الأنكاد لما يغرم عليها ، ولما يحصل من تغير العقل والحركات عند سماعها ، ولما يلهي الإنسان عن أشغاله ، ولأن العقلاء يرون تركها إلا من ضرورة ، وتذهل سمع السامع ، وترجف من لا عادة له بها ، وإذا كانت هذه مع استعمال الناس لها تعطي الأنكاد فمن طريق الأولى علامات الحزن التي ذكرناها على الأفراح. كما قالت لي امرأة حامل : رأيت عندي زمراً وطبلاً ، قلت : ترزقين ولداً ذكراً ، وتفرحين به. وقال إنسان : رأيت عندي نقارات وبنوداً ، قلت : أنت جندي تتقدم وترزق الإمرة ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن عندي جنكاً وعوداً يضربان خفية ، قلت : أنت تشرب خفية ، قال : نعم.
فصل : وأما السكر(1) من أكل شيء ، أو شرب شيء ، لمن يحرمه : هموم ، وأحزان ، وزوال عز ، ومطالبات بديون ، وغيرها. لكون فاعل ذلك يطلب بالتعزيز ، أو بالحد. وأما السكر ، من غير شيء يدل على قضاء الديون ، والخلاص من الشدائد. لكونه لا يكلف في حال سكره بشيء. هذا إذا لم يتخبط. وأما إن تخبط كان ردياً.
__________
(1) من رأى أنه يعصر خمرا فإنه يخدم سلطانا ويجري على يديه أمور عظام . والخمر في الأصل : مال حرام بلا مشقة ، فمن رأى أنه يشرب الخمر فإنه يصيب إثما كثيرا ورزقا واسعا ، لقوله عز وجل ( يسألونك عن ا لخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) ـ البقرة : 219 . ومن رأى أنه شربها ليس له من ينازعه فيها ، فإنه يصيب مالا حراما ، وقالوا : بل مالا حلالا . فإن شربها وله من ينازعه فيها فإنه ينازعه في الكلام والخصومة بقدر ذلك . فإن رأى أنه أصاب نهرا من خمر ، فإنه يصيب فتنة في دنياه . فإن دخله وقع في فتنة بقدر ما نال منه .
وقال بعض ا لمعبرين : ليس كثرة شرب الخمر في الرؤيا رديئة
فقط ، فإن رأى الإنسان كأنه بين جماعة كثيرة يشربون الخمر ، فإن ذلك
رديء ، لأن كثرة الشراب يتبعه السكر ، والسكر فيه سبب الشغب والمضادة
والقتال . وقال : الخمر لمن أراد الشركة والتزويج موافقة بسبب
امتزاجها.(1/61)
قال المصنف : اعتبر السكر من الجامدات والسائلات ، وتكلم عليه. ومن الأصوات أيضاً. كما قال لي إنسان : رأيت أن هدهدًا يترنم بصوت مليح وأنا أطرب ، قلت : تمايلت ، قال : نعم ، قلت : قدام الناس ، قال : نعم ، قلت : خلاف عادتك ، قال : نعم ، قلت : تحصل لك نكد من جليل القدر ، وربما تكون رسولاً بكلام يهددك به ، قال آخر ، عير أنه قال ما كان بين الناس ، قلت : قدم عليك بشارة على يد إنسان على رأسه طرطور ، ومعه كتاب ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني أكلت من رطب نخلة فسكرت منه ، قلت : يحصل لك نكد من امرأة ، وربما تكون اسمها مريم ، أو لها بنت اسمها كذلك ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أكلت زيتاً فسكرت منه ، قلت له : تتنكد بمرض في رأسك أصله صفراء. وقال آخر : رأيت أن نخلة ضربتني فسكرت من ضربتها ، قلت له : يقع في رأسك سهم نشاب ، أو حجر فتتنكد منه ، فجرى ذلك. وعلى هذا فقس.
وأما السكر من خوف الله تعالى ، أو قراءة قرآن ، أو سماع موعظة : فدال على العبادة ، والرفعة.
قال المصنف : دل السكر من خوف الله تعالى وقراءة كلامه العزيز واستماعه الموعظة على العبادة والرفعة لاشتغال الباطن وحجب الظاهر عن أمور الدنيا ، ويدل على الراحة ، وقضاء الديون ، وتوبة الفاسق ، والانتقال من دين إلى دين أحسن مما هو عليه في حق الكافر ، ويدل في ذلك أيضاً على أنه ينال راحة ممن دل الباري عز وجل عليه ، ومن أهل قراءة كلامه العزيز. كما قال لي بعض المتعبدين : رأيت أنني سكران من خوف الله تعالى وأنا أتواجد ، قلت : تزداد عبادة وبراً ويتجدد لك في اعتقادك أحسن مما كنت عليه ، قال : صحيح ، قلت : وتموت شهيداً ، فمات قتل الكفار في سبيل الله تعالى. ومثله رأى آخر ، قلت : يأتي إليك أحد نواب الملوك ويعطيك راحة من الدنيا تبقى فرحان بها ، فجرى له ذلك. وقال آخر : رأيت أنني أقرأ { تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا } ] القصص:83[. وأنا سكران من قراءتها ، قلت له : أنت رجل متولي ، ولك أملاك ودور ، وقد تحدثت أنت وشخص ممن يتلو الكتاب العزيز في أن تترك الولاية ، وتوقف أحسن أملاكك ، قال : نعم ، قلت : وصفة الفقيه مصفر اللون طويل القامة ، واسمه سليمان ، قال : نعم ، وهو يصنع المراوح ، قال : نعم ، وكان دليله أن المتقين غالباً عندهم خوف ، وفي وجه الخائف أبداً اصفرار ، وكونه طويل القامة لأن القرآن كثير الإقامة بين أظهر الناس إلى يوم الدين ، والباقي في سورة النمل وفيها سليمان وعمله. فافهم ذلك.
وأما الجنون : فدال على النكد ، وأقوام كفار ، أو فساق.
قال المصنف : دل الجنون على النكد من قوم كفار لكونهم مستورين ؛ والكفر في اللغة هو الستر ، أو من لأن الغالب على الجن الذين يؤذون الفسق.
فصل : الإغماء ، والنوم(1) : كل منهم دال على راحة التعبان ، وخلاص من هو في شدة. وتعطيل المسافر عن سفره ، وللعابد عن عبادته. وعلى نكد يقع بالحراس. وعلى أمن الخائف. فإن نام في موضع لا يليق به : دل على النكد. وربما دل ذلك على السفر.
قال المصنف : دل النوم والإغماء على ما ذكرناه لما علمنا أنه يريح الأبدان ، ونكد بالحراس لأن من شأنهم السهر فإذا ناموا عوقبوا ، ودل على السفر لكون روح النائم تسرح في أماكن غير مكانه الذي هو فيه.
فصل في الطاعات :
الصلوات المشروعة : دالة على التقرب إلى الله تعالى ، وعلى العز والجاه ، والرفعة ، والغنى ، وقضاء الحوائج ، والديون. فإن تمت له : تم له ما ذكرنا.
وأما النوافل ، والتطوعات يدلون على زيادة الخيرات ، ودفع البلايا من حيث لا يحتسب. ويدلون على ما دلت عليه الفروض .
__________
(1) النعاس : أمن ، لقوله عز وجل ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ) ـ الأنفال : 11 . والنوم غفلة ، وقد قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ( الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا) وورد في الدعاء نبهنا من نوم الغافلين. ومن رأى كأنه مستلق على قفاه قوي أمره وأقبلت دولته وصارت الدنيا تحت يده ، لأن الأرض مسند قوي ، ولأن من استلقى على قفاه وكان فمه منفتحا فخرج منه أرغفة ، فإ‘ن تدبيره ينتقص ، ودولته تزول ، ويفوز بأمره غيره . فإن رأى كأنه منبطح ، فإنه يذهب ماله وتضعف قوته ، ولا يشعر بجري الأحوال ، ولا يدري كيف تصرف الأمور . وذلك أنه إذا نام على هذه الصفة جعل وجهه في الأرض فلا يدري ما وراءه . والانتباه من النوم : يدل على حركة الجد وإقباله ، وقال القيرواني : إن النوم على البطن ظفر بالأرض والمال والأهل والولد .. والرقاد على الظهر : تشتيت وذلة وموت ، وربما دل على فراغ الأعمال والراحة من الأحزان إذا كان حامدا لله عز وجل . والنوم على الجنب خير أو مرض أو موت . ومن رأى أنه مضطجع تحت أشجار كثر نسله وولده.(1/62)
وأما الوضوء : فدال على شرح الصدر ، وقضاء الدين والحوائج ، وخدمة الأكابر. وعلى التوبة. فإن صلى حصل له ما ذكرنا ، وإلا تأخذ أكبر مطلوبه.
قال المصنف : دلت الطاعات على التقرب إلى الله تعالى ، دليلها ظاهر. ودلت على العز والرفعة لكون مخدومه راضياً عليه ، ومن واضب ذلك أحبه الله وأحبه الناس ، وأعطى العز والرفعة. ودل على الغنى لأن الطاعات مدخرة للإنسان إلى يوم الحاجة ، فهو كالغني الذي له ذخائر يجدها. ودل على قضاء الحوائج لتقربه من ربه عز وجل ، أو لمن دل الباري عليه ، ومن تقرب قبل في غالب الأحوال. وعلة قضاء الديون لأنها واجبة في ذمته ، وقد برأت ذمته بأدائها.
وإذا رأى كأنه يقضي ما فاته من الفروض دل على استدراك ما فاته من
الفوائد ؛ كالخاسر في مكاسبه دل على الخلف عليه مما فات ، وكالغافل عن زكاته وحفظ ماله دل على براءة ذمته بعد شغلها وحرز ماله بعد ضياعه ، وإيصاله بالخدم والأكابر بعد انقطاعه عنهم وإدراك من سبقه في العمل. حتى قال لي إنسان : رأيت كأنني أقضي فوائت كثيرة ، قلت : تهاونت في عمارة مكان حتى سبقك خصمك وعمر ، قال : نعم ، قلت : عزمت على العمارة ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، قلت : طلبت سفراً وكسلت فسبقك القوم ثم تجهزت للسفر ، قال : تعم ، فلت : يحصل لك. ومثله قالت جارية ، قلت لها : كنتِ بعيدة من مولاكِ مهجورة غافلة عن خدمته ، قالت : صحيح ، قلت : تُقربين بَعد ، وتُوصَلِين بعد هجر.
والنوافل دالة على زيادة الخيرات لأن الفروض رؤوس الأموال والنوافل زيادة على ذلك فهو ربح ، ودفع البلايا ، فإن كان له أولاد رزق عليهم ولدين ذكرين ، وربما يكونان توأماً ؛ لقوله تعالى { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً }
] الأنبياء:72[ ، ودل على باقي الخيرات لكثرة ما ورد عن الله تعالى في ثواب ذلك.
ودل الوضوء على شرح الصدر لزوال الوسخ ، وحسن البدن بعد رداءة منظره. وكذلك الغسل من الجنابة والحيض. ودل على باقي أحكامه من قضاء الديون والحوائج ونحو ذلك كما دلت الفروض. فإن صلى لما توضأ له بلغ مراده وإلا فلا. وتكلم على ما توضأ. كما قال إنسان : رأيت أنني أتوضأ لأصلي صلاة الكسوف ، قلت : عزمت على السعي في خلاص مسجون ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : صليت ، قال : نعم ، قلت : خلصت غريقاً. ومثله قال آخر ، قلت : سعيت في رد معزول إلى منصبه ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : شفعت في عود إنسان إلى بلده ، أو منزله ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني توضأت لأصلي على جنازة ، قلت : شفعت في مسافر إلى عند مخدومه ، قال : نعم. وقال آخر : توضأت لأصلي صلاة الاستسقاء ، قلت : أنقذت إنساناً من ألم العطش ، قال : نعم. وقلت لآخر : شفعت في خلاص حق لإنسان من المياه ، قال : نعم.
وإذا فسد وضوءه ، أو صلاته بما سيأتي لم يتم له شيء مما قصده.
فصل : فإن توضأ بما لا يصح الوضوء به ، أو صلى إلى غير القبلة ، أو على غير طهارة ، أو قرأ بالأعجمية لمن يقدر على العربية ، أو بالأشعار ، لم يتم له شيء من ذلك. ويكون على بدعة ، أو ضلالة ، وهو يعتقد أنه على الصواب.
وأما التيمم : دال على ما دل عليه الوضوء ، إلا أنه أنقص منه. ويدل على السفر ، وعلى مرض السليم ، وعافية السقيم. وأما التيمم ، مع وجود الماء : يدل على الأعمال الباطلة.
قال المصنف : قال إنسان : رأيت أنني أقرأ في الصلاة بالأشعار ، قلت : تتقرب إلى الأكابر بالشعر ، ولا يقبلونك. وآخر قال : كنت أقرأ بالأعجمية ، قلت : تصير ترجماناً ، وتقف قدام جليل القدر ، وتتكلم بخلاف المقصود منك. وقال آخر : رأيت أنني أصلي إلى غير قبلتي ، قلت : يأمرك كبيرك بأمر تفعل
خلافه ، وتعتقد أنك ممتثل. ومثله قال آخر ، قلت له : ينتقل دينك إلى الجهة التي صليت إليها.
ودل التيمم على ما دل الوضوء عليه لكونه تُؤَدَّى به الفروض والنوافل ، ودل على السفر لأن الغالب استعماله في الأسفار ، ولمن هو في عافية دال على مرضه إذا لم يكن مسافراً ؛ لأن المريض يباح له استعمال ذلك إذا عجز عن الوضوء كما قلت لمن صلى جالساً إنذار بمرض ، ودل التيمم على عافية المريض لأن التعب في حركات الوضوء كثير والتيمم أنزل منه ، وإذا بطل عنه التعب زال عنه تعب المرض فافهم ذلك.
فصل : من قرأ القرآن ، أو شيئاً من الكتب التي يعتقد فيها : فانظر فإن كانت آيات رحمة فبشره ، وإن كانت تخويفاً فحذره ، وإن لم يعرف ما كانت فذلك خير وفائدة. خصوصاً إن كان بصوت مليح ، والناس يستمعون ، ويتلذذون به : فإنه يدل على المنزلة ، والصيت الحسن.
وأما الأذان ، أو رفع الصوت بذكر الله تعالى ، وهو مكشوف العورة : دال على اشتهار ، ونكد ردي.(1/63)
قال المصنف : إنما دل الأذان والذكر على ما ذكرنا لكثرة ميل النفوس الشريفة إلى استماعه والعمل به ، فإن فعل ذلك من لا يليق به دل على النكد. كما قال لي إنسان : أرى كثيراً أنني أُؤَذن في غير الوقت ، قلت له : أنت كثير الكذب في أقاويلك. وقال آخر : رأيت أنني أذنت على دار عالية في بلد كفر بصوت
ردي ، قلت له : يقع لك نكد بطريق امرأة في ذلك المكان. وقال آخر : رأيت أنني أُؤَذن فجاء إنسان فقطع عليّ الأذان وضربني وأسال دمي ، قلت له : تقع في حرب وتذهب أذناك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن امرأتي تؤذن ، فقلت : هي عجوز ، قال : نعم. فافهمه.
فصل : الحج ، أو زيارة الأماكن الشريفة ، كالقدس ، وقبور الأنبياء والصديقين : فهو دال على ما دلت عليه الصلوات. وعلى رفع المنزلة ، والأمن من الخوف ، وعلى خدمة الأكابر ، والتقرب منهم. وعلى التزويج ، وكثرة الفوائد. وقضاء الديون ، والحوائج. فإن تم ذلك : تم له مراده ، وإلا فلا.
قال المصنف : اعتبر بما يليق أن تفعل كل أمة في حجها ، وأعطه من أحكامه على ما يليق به. كما قال مسلم : رأيت أنني سجدت لقبر موسى بن عمران ، قلت له : تذل في خدمة ليهودي ، أو سامري. قال لي يهودي : رأيت أنني أكنس حول قبر محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت له : تسلم وتجاور عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكان كما ذكرت. وقال آخر : رأيت أنني أبني قبر أيوب عليه السلام ، قلت له : أصحلته جيداً ،
قال : نعم ، قلت له : أنت تداوي مريضاً ، وهو يتعافى ، فكان كذلك.
فصل : وأما السجود إلى غير جهة العبادة ، أو ممن هو جالس ، أو نائم ، وهو قادر على القيام ؛ فدليل على فساد دينه ، وبدعته. وربما دل السجود للأصنام ، أو الشجر ، أو القبور ، على الخدمة لمن لا ينفعه.
قال المصنف : إذا سجد لغير جهة العبادة من غير عذر ، دل على التقصير في دين الساجد ، وربما دل ذلك على السفر ، أو المرض الذي يوجب ذلك. كمن رأى أنه سجد بين قبلتي المسلمين والنصارى ، قلت له : تخدم مكاناً فيه مسلم وذمي ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني أسجد لصنم وأنا أبكي ، قلت له : تخدم ميتاً ، وتبكي عليه. ومثله قال آخر ، قلت : تخدم رجلاً جاهلاً لا ينفع معه الخير. ومثله قال آخر ، قلت له : كان الصنم لك ، قال : نعم ، قلت : عندك
ولد ، أو قرابة أخرس ، أو زمن ، وأنت تعبان في خدمته ، ضيق الصدر لأجله ، قال : صحيح.
وأما صلاة الخوف : فتدل على الحروب ، والمخاوف. وأما صلاة الكسوف : فتدل على أن المصلي يسعى في خلاص من دل الشمس ، أو القمر ، عليه.
قال المصنف : اعتبر الخوف هل هو من بني آدم ؛ أو من غيرهم ، أو خاف أن يدركه غريمه ؛ أو يفوته بهربه ، فاحكم عليه بما يليق به. كما رأى إنسان أن غزالة تطلبه وهو هارب منها وصلى صلاة الخوف ، قلت : تسافر من خوف امرأة. وقال آخر : رأيت أنني صليت كذلك من خوف أشجار تطلبني ، قلت : تهرب من ضمان بستان ، أو ثمن خشب ، أو فواكه ، فكان كذلك. قال آخر : رأيت كأنني صليت صلاة الخوف في طلب نجوم تهرب مني حتى أمسك واحداً منهن ، فقلت
له : لك على أحد من أرباب نجامة حق وقد هرب منك ، قال : نعم ، قلت : إن كنت مسكت منهن شيئاً حصل لك قصدك وإلا فلا. ومثله قال آخر ، قلت له : لك حق على منجم بأشهرٍ وقد استحق وهو يهرب منك ، فكان كذلك.
وأما الصلاة من خوف الله تعالى تدل على الأمن والظفر بالحاجة فافهم ذلك.
واعتبر صلاة الكسوف. كمن رأى أن الثريا انكسفت ، قلت له : تسعى في خلاص امرأة من شدة. وقال آخر : رأيت الهقعة كسفت وصليت لذلك ، قلت : يذهب لك ميزان ، ثم تلقاه. ومثله قال آخر ، قلت : يعدم لك صغير ثم تلقاه ، فكان كذلك ، لأنها كالميزان عند العامة وشكلها كابن آدم. فافهم ذلك.
فصل : الصيام : يدل على ما دلت العبادات عليه. وهو لمن يطلب سفراً : بطالة من سفره ، أو شدة يلقاها في سفره. ويدل على عافية المريض ، الذي لا يصلح له الأكل. ولمن يصلح له الأكل : موت. وربما دل الصيام على قطع علائق الدنيا ، أو بطلان المعايش.
قال المصنف : واعتبر حال الصائم. كمن رأى أنه كثير الصوم وهو لا يليق به ذلك ، قلت له : يقع في فمك عيب يمنعك الأكل. وقال آخر : رأيت كل من عندي صياماً ، قلت له : دوابك وكل من عندك لم يحصل لهم شيء من الأكل ، فقال : نعم ، لأن الشاعر يقول :
خيلٌُ صيامٌُ وخيلٌُ غيرُ صائمةٍ
وكآخر قال : رأيت أنني صمت يوم العيد ، قلت : تفعل مكروهاً عكس ذلك. وقال إنسان : رأيت أنني استفرغت جميع أواني البيت وبطون الأولاد
والأهل ، قلت : ألزمتهم جميعاً بالصوم ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، قلت له : غضبت على من عندك فمنعتهم الأكل ، قال : نعم. وعلى هذا فقس.
فصل : وأما الاعتكاف والرباط : فيدلان على ما دلت عليه العبادات. وعلى خدمة الأكابر ، ممن فيهم الراحة. وعلى تعطيل المعايش. وربما دل الرباط على حدوث حروب.(1/64)
قال المصنف : اعتبر الاعتكاف والرباط. كما قال ذمي : رأيت أنني اعتكفت في مسجد قلت : يحبسك مسلم على حق ، فكان كذلك. ومثله قال آخر ، قلت له : فكنت تخدم المسجد وأنت فرحان في النوم ، قال : نعم ، قلت : تحب مسلماً ؛ إما مقرئ ، أو مؤذن ، فقال : صحيح. وقال آخر : رأيت كأنني مرابط في مركب في بحر ، قلت : فأعجبك المركب ، قال : نعم ، قلت : تحب إما رئيس مركب ، أو نوتياً ، فقال : أنا أحب صبياً نوتياً. فافهم.
وأما الجهاد للكفار ، أو لعدو ظاهره ردي : فدليل على تعب ، ونكد ، من ذوي البدع. لكن العاقبة سليمة ، لمن كان له الغلب.
قال المصنف : اعتبر المجاهد ولمن يجاهد. كمن قال : رأيت أنني أجاهد مسلمين وأعتقد أنهم قد صاروا مجوساً ، قلت : يحصل لك خصام مع أقوام يعتقدون حل نكاح المحارم ؛ كالأم والأخت ونحو ذلك ، قال : جرى ذلك. ومثله قال آخر ، قلت له : يقع لك نكد مع منجمين وممن يتعانى الشمس والنار ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أقاتل الملائكة ، قلت له : أنت تتعانى صيد الطيور ، قال : صحيح. ومثله رأى آخر جليل القدر ، قلت له : يقع لك خصام مع حاشية الملك ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أجاهد الحواريين ، قلت له : تخاصم أقواماً قصارين ، فكان كذلك. وقال لي نصراني : رأيت أنني أقاتل النصارى وكأنني مسلم ، قلت له : أنت تتعانى العلوم ، قال نعم ، قلت له : تخاصم أرباب دينك على التوحيد ، قال : صحيح.
فصل : وأما الزكاة ، والصدقة ، والهداية ، يدلون لمن فعلهم على كثرة الفوائد ، والراحات ، ورفع المنزلة. وعلى دفع البلايا ، لأنه يقال في المثل السائر : الهدية تدفع بلاء الدنيا ، والصدقة تدفع بلاء الدنيا والآخرة.
قال المصنف : واعتبر المخرج للزكاة ، وعمن زكى ، ومن أين أخرج. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أخرج بعيراً من ثلاثة أبعرة زكاة ، قلت له : أنت متولي ، قال : نعم ، قلت : سلمت غزلاً إلى غير مستحقه ، أو عبداً إلى غير مالكه ، لأن الثلاثة لا زكاة فيها. وقال آخر : رأيت أنني أسرق وأخرج منه الزكاة ، قلت : أنت تتقرب إلى الله عز وجل بالحرام. وقال آخر : رأيت أنني أخرج من الفضة والذهب حيواناً ، قلت له : عندك عبيد أو ماشية للتجارة وأنت تكاسر عن الزكاة فأخرجها ، ففعل ذلك. وقال آخر : رأيت أنني أخرج الزكاة تمراً وأرجع آكله ، قلت : تعمل حيلة على الفقراء فيما تعطيهم وتصالحهم عليه ، فقال : ما بقيت أعود إليه. وقال آخر : رأيت أنني أخرج الزكاة وأزرعها ، قلت : أنت حاكم تتصرف في أموال الأيتام والمساكين بما لا يحل لك. فافهمه.
وأما من أخذ الصدقة ، ممن لا تحل له : دل على عزل المتولي ، وفقر الغني. وعلى الأموال الحرام.
قال المصنف : اعتبر من أخذ الصدقة. كمن قال : رأيت أنني أخذت غنمة من الصدقة ، قلت : يحصل لك نكد لأجل امرأة. وأما دلالته على عزل المتولي وما ذكرناه ؛ فلكونه فعل ما لا يليق به. ورأى بعض الأكابر أنه عبر إلى غنم للحسين رضي الله عنه فأخذ منها رأساً قهراً وقال : هذه زكاة ، قلت له : تظلم بعض الأشراف وتأخذ ما ليس لك ، فكان كذلك. ورأى شريف أنه أخذ ناقة من الزكاة وأعجبته وركب عليها مقلوباً ، قلت : أنت تحب امرأة أصلها من البوادي وتركب منها ما لايليق ذكره ، فقال : صحيح ، ورجع عن ذلك. فافهمه.
فصل : وأما من تصدق ، أو أهدى ما لا نفع فيه كالجيف ، واللحوم المحرمة ، فإن كان متولياً كان ظالماً ، يحصل للناس منه أنكاد ، وعلى بدعة المهدي إليه : نكد من المهدي. وأما الوديعة : فهي سر المودع ، يطلع عليه المستودع.
قال المصنف : اعتبر ما أودع ، ولمن أودع. كما قال لي إنسان : رأيت أن إنساناً أودعني قضيباً وهو يغني ، قلت : أجَرَك صغيراً غير أنه يضرب بالعود ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أن إنساناً أودع عندي شيئاً فيه جماعة من الحيوان وبني آدم ؛ وقال : هذا عملي ، قلت : اطلعت على أنه يصور ، قال : نعم. وقال آخر : أودع عندي إنسان أقفاصاً فيها طيور ذوات صوت ، قلت : اطلعت على أن عنده أرباب طرب وغناء ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : اطلعت على أنه يحكم على سجون ومعتقلين ، قال : صحيح. فافهمه.
فصل : الدعاء ، والاستغفار ، والتسبيح : دال على النصر ، ودفع البلايا ، ورفع المنزلة ، وغنى المحتاجين ، وقضاء الحوائج. لقوله تعالى : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ] غافر:60[. وربما دل الدعاء : على نزول حادثة ، لقوله تعالى : { فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } ] الأنعام:43[. والله أعلم.(1/65)
قال المصنف : اعتبر بما دعى ، ولمن دعى ، وأعطه ما يليق به ، كما ذكرنا. وإن دعى بغير الله تعالى كان الأمر مما ذكرنا. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني أدعو الشمس وأطلب منها ، قلت : تذهب إلى اعتقاد عباد الشمس. ومثله قال آخر ، قلت : تطلب من امرأة حاجة ، ويبعد أن تقضى. وقال آخر : رأيت أنني أدعو إلى الفلك ، قلت له : تحتاج إلى أرباب طواحين ، أو دواليب تدور ، فكان كذلك.
وأما إن استغفر ، أو طلب المغفرة من الله تعالى فاعتبر ذلك على ما يليق ، كمن رأى أنه يستغفر من صنم ويقول : اغفر لي ؛ فإنه يعتذر إلى من لا يفعل معه ذلك. وقال إنسان : رأيت أنني أقول لشجرة : اغفري لي ، قلت له : أنت أفسدت بمكان فيه شجر ، فاستغفر الله تعالى ، قال : صحيح ، قال آخر : رأيت أنني أقول لحيوان اغفر لفلان ، قلت له : يشفع عندك جاهل في ستر عيب لمن طلبت المغفرة له ، فكان كذلك.
الباب الثاني عشر(1/66)
الباب الثاني عشر
في رؤية بني آدم(1)
__________
(1) قال الأستاذ أبو سعيد رحمه الله : من رأى رجلا يعرفه، دلت رؤياه على أنه يأخذ منه أو من شبيهه أو من سميه شيئا. فإن رأى كأنه أخذ منه ما يستحب جوهره نال منه ما يؤمله، فإن كان من أهل الولاية، و رأى كأنه أخذ منه قميصا جديدا فإنه يوليه. فإن أخذ منه حبلا، فإنه عهد. فإن رأى كأنه أخذ منه مالا يستحب جوهره أو نوعه، فإنه يأس منه، و يقع بينهما عداوة و بغضاء. ورؤيا الشيخ و الكهل المجهولين، تدل على جد صاحبها. فإذا رآهما أو أحدهما ضعيفا، فهو ضعف جده. و إذا رآهما أحدهما قويا، فهو قوة جده. فإن رأى شابا كأنه تحول شيخا، فإنه يصيب علما و أدبا، فإن رأى كأنه اتبع شيخا، اتبع خيرا و خصبا، فإن رأى شيخا رستاقيا ( أسودا ) اتخذ صديقا غليظا. و من رأى شيخا تركيا، اتخذ صديقا فإن كان مسلما سلم من شره. و الشاب في التأويل عدو الرجل، فإن كان أبيض، فهو عدو مستور. و إن كان أسود فهو عدو غني، و إن كان أشقر، فهو عدو شيخ. و إن كان ديلميا ( بلاد معروفة ) فهو عدو أمين و إن كان رستاقيا فهو عدو فظ . فإن كان قويا فهو شدة عداوته و إن كان مجهولا. و إن كان معروفا فهو بعينه، فمن رأى أنه تبعه شاب، فإنه عدو يظفر به، فإن رأى شيخا أشرف عليه، فإنه يمكنه من الخير. و إن كان شابا أشرف عليه، فإنه عدو يتمكن منه، لأنه علاه. و إن رأى شيخا كأنه صار شابا فقد اختلف في تأويل رؤياه، فقال بعضهم: إنه له سرور، و قال بعضهم: إنه يظهر في دينه و دنياه نقص عظيم، و قال بعضهم : إن رؤياه تدل على حرصه، لأن قلب الشيخ شاب على الحرص و الأمل. فإن رأى شابا مجهولا فأبغضه، فإنه يظهر له عدو بغيض إلى الناس. فإن أحبه فإنه يظهر له عدو محبوب. فإن رأى جارية متزينة مسلمة، سمع خبرا سارا من حيث لا يحتسب. و إن كانت كافرة، سمع خبرا سارا خنا ( فحش ) فإن رأى جارية عابسة الوجه، سمع خبرا وحشا، فإن رأى جارية مهزولة، أصابه هم و فقر. فإن رأى جارية عريانة خسر في تجارته و افتضح فيها . فإن رأى أنه أصاب بكرا ملك ضيعة ( أرض ) مفلة (أي مغتصبة) و أتجر تجارة رابحة، و الجارية خير على قدر جمالها و لبسها و طيبها، فإن كانت مستورة فإنه خير مستور مع دين، و إن كانت متبرجة فإن الخير مشهور. و إن كانت متنقبة ، فإن الخير متلبس. و إن كانت مكشوف، فإنه خير يشيع، و الناهد خير مرجو، و من رأى امرأة حسناء دخلت داره، نال سرورا و فرحا، و المرأة الجميلة مال لا بقاء له، لأن الجمال يتغير. فإن رأى كأن امرأة شابة أقبلت عليه بوجهها أقبل أمره بعد الإدبار. و المرأة العربية الأدماء ( السوداء ) المجهولة الشابة المتزينة، يطول وصف خيرها و نفعها في التأويل، و السمينة من النساء في التأويل خصب السنة، و المهزولة جدبها، و أفضل النساء في التأويل العربيات الأدم ، و المجهولة منهن خير من المعروفة، و أقوى. و المتصنعات منهن في الزينة و الهيئة، أفضل من غيرهن. و كل موتاة العربيات و الأدم و معاملتهن في التأويل خير بقدر مواتاتهن، و لهن فضل على من سواهن من النساء. و إذا رأت امرأة في منامها امرأة شابة، فهي عدوة لها على أية حال رأتها. و إذا رأت عجوزا فهي جدها. و أما العجوز فهي دنياه، فإن رآها متزينة مكشوفة نال دنياه مع بشارة = عاجلة . و إن رآها عابسة دلت على ذهاب الجاه لأجل الدنيا. و إن رآها قبيحة انقلبت عليه الأمور ، و إن رآها عريانة فإنها فضيحة. و إن رآها متنقبة فإنه أمر مع ندامة. فإن رأى كأن عجوزا دخلت داره، أقبلت دنياه، و إن رآها خرجت عن داره زالت عنه دنياه. فإن لم تكن العجوز مسلمة، فهي دنيا حرام. فإن كانت مسلمة فهي دنيا حلال. و إن كانت قبيحة فلا خير فيها. و العجوز المجهولة في التأويل أقوى. فإن رأت امرأة شابة في منامها كأنها قد تحولت عجوزا، دلت رؤياها على حسن دينها. فإن رأى الرجل عجوزا لا تطاوعه و هو يهم بها فهي دنيا تتعذر عليه، فإن طاوعته نال من الدنيا بقدر مطاوعتها. و أما الصبي في التأويل، فعدو ضعيف يظهر صداقة ثم عداوة. فإن رأى رجل كأنه صار صبيا، ذهبت مروءته، إلا أن رؤياه تدل على الفرج من هم فيه. فإن رأى كأنه يحمل صبيا، فإنه يدير ملكا. و من رأى كأنه يتعلم في الكتب القرآن أو الأدب، فإنه يتوب من الذنوب و من رأى كأنه ولد جملة أولاد، دلت رؤياه على هم، لأن الأطفال لا يمكن تربيتهم إلا بمقاساة الهموم. و حكي أن رجلا أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأن في حجري صبيا يصيح فقال: اتق الله و لا تضرب بالعود، و قيل من رأى له ولدا صغيرا بعد لا يخالط جسده، فهو زيادة ينالها أو يغتم. و قيل الصبيان الصغار يدلون على هموم يسيرة. و الصبية في المنام خصب و فرج، و يسر بعد عسر ينمو و يزيد، و الوصيفة خير محدث فيه ثناء حسن و خير مرجو، و من رأى كأنه اشترى غلاما، أصابه هم، و من اشترى جارية أصابه خير، و إن رأى العبد غير البالغ كأنه أدرك الحلم فإنه يعتق، فإن رأى كأنه أدرك و طرح عليه رداء أبيض، فإنه يتزوج امرأة حرة. و إن رأى كأنه طرح عليه رداء أسود، فإنه يتزوج مولاة. و من رأى كأنه طرح عليه رداء أرجواني (اسم بلدة يجلب منها الثياب) تزوج بامرأة شريفة الحسب، فإن رأى مثل هذه الرؤيا شاب دلت رؤياه على أن ابنه يبلغ و إن رآها شيخ ، دلت رؤياه على موته، و عن رآها مرتكب لمعصية خفية، فإنه يفتضح. و من رأى أنه أصاب ولدا بالغا، فهو له عز و قوة، و أمه أولى به في أحكام التأويل من أبيه. و إذا رأت امرأة ذكرا أمرد فهو خير يأتيها على قدر حسنه أو قبحه، و قيل: من كان له ابن صغير، و أي أنه قد صار رجلا، دلت رؤياه على موته، و قيل: من كان من الصبيان قد أدرك و لحق بالرجال . فإنه يدل على تقوية و مساعدة، و من الناس من يرى أنه ولد له غلام وكانت امرأته حبلى، فإنها تلد جارية، و يرى أنها ولدت جارية فتلد غلاما. و ربما اختلفت الطبيعة في ذلك، فيرى أنه ولد له غلام، أو يرى أنه ولد له جارية فهي جارية، فسل عن ذلك الطبائع، فإنها تخبرك.(1/67)
وهي على خمسة أقسام :
فالصغير الذى لا ينفع – كأربع سنين فما دونها – من حمله ، أو صار له ، أو تحول في صفته : دل على نكد ، لأنه صغار ، ويحتاج إلى كلفة ، ولا ينفع في شيء ، ولأن عنده من الجهل ما لا يعرف الجيد من الردئ.
قال المصنف : الكلام في رؤية بني آدم يحتاج إلى فكرة كثيرة لكثرة ما يجب فيه من الجنايات والديات ونحو ذلك. كما قال لي إنسان : رأيت أنني ملكت جماعة من بني آدم ، قلت : تحسن إلى الناس. ومثله قال آخر - غير أنه - قال : صاروا تماسيح ، قلت : يكافؤك من تحسن إليه مكافأة التمساح. وقال آخر : رأيت أنني ملكت جماعة صغاراً عرايا ، قلت : عليك نذر كسوة الصغار ، أو المحتاجين ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، قلت : تفتح مكتباً ، أو دكاناً تعلم فيه صغاراً ، فكان كذلك. وقال آخر : رأيت إنساناً قد ملكوه جماعة من الصغار ، قلت : يقع به جنون ويعبث به الصغار. ومثله قال آخر ، قلت له : تبتلى بحب الصبيان ويحصل لك نكد ، فكان كذلك. وقال آخر : رأيت أنني صغير ، قلت : يخشى عليك زوال عقل ، أو سجن ، فكان كذلك.
القسم الثاني : من له خمس سنين فصاعداً : فهو دال على الفوائد والراحة ، لكونه ينفع في قضاء الحوائج.
قال المصنف : إذا ملك ابن الخمس فصاعداً إن كانت له حوائج قضيت وتيسرت أموره. فإن خرجوا في الكثرة عن عادة لا يليق بمثله دل على النكد والغرامة ، لكونه يجب عليه نفقتهم. وأما إن ملك جماعة من الشباب تمكن من أعداء وأطاعوه.
القسم الثالث إذا بلغ : صار عدواً ، لكونه لا يلتفت على قول من تأمر عليه وينهاه.
القسم الرابع : الكهل : إن كان السواد في لحيته أكثر فالجهل فيه أكثر وإن كان الشيب أكثر ، فالخير والعقل أكثر.
قال المصنف : إذا حكم على كهول إن كان يطلب حاجة تيسر بعضها ، وإن كان يحكم على جيش ، أو جماعة حصل له نكد من بعضهم ، وإن كان يطلب علماً ، أو صنعة حصل له أكثرها.
القسم الخامس : الشيخ ؛ من صاحبه ، أو كلمه ، أو حكم عليه وكان في صفة حسنة ؛ دل على العز والجاه ، لكونه في منزله العارف بالأمور ، المجرب الذي لا يأمر إلا بما فيه نفع ، هذا كله في الآدمي المجهول.
قال المصنف : المشائخ يدلون على كمال ما يطلب ، واتفاق أصحابه وجنده ، هذا إذا كان المشائج في صفة حسنة. وأما إن كانوا في الضعف ، أو المرض إلى حال ردئ ؛ انعكس ذلك كله. وأما إن رأى الشيخ أنه اسودت لحيته سواداً ملحيًا كان جيداً. كما قال لي شيخ : رأيت أن لحيتي اسودت ، قلت له : لك بساتين ، أو زراعات أشرفت على التلف من عطش ، أو غيره وقد رجعت انصلحت ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ؛ وكان مريضاً - : قلت : تعافى من مرضك ، فكان كذلك ، لأنه عاد من بعد الضعف قوة. فافهم ذلك.
فصل : من رأى من الصبيان ، أو النساء له لحية مليحة ، ولم يستحي بها ولا أبصرها من ينكر عليه ذلك ؛ فإن كان أعزب تزوج ، وهي للحائل حمل ، وللحامل ولد ، ولمن له غائب يقدم عليه ، وللفقير كسوة ، أو زراعات ، أو أقارب ، أو معارف يعتز بهم ؛ لأن اللحية جمال وهيبة. وأما إن رآها ردية ، أو في مجامع
الناس ، أو بين من ينكر عليه ظهورها ، فهي والعياذ بالله هموم ، وأنكاد ، وأمر يستحي فيه.
قال المصنف : وأما أن يتعانى حلق اللحية فطلوعها لهم دال على الردي. كما قال لي إنسان يتعانى حلقها : رأيت أن لحيتي طالت : قلت له : بقع بزرعك ، أو بستانك خراب ويكثر فيه الشوك والحشيش. ومثله قال آخر ، قلت : يضيع الموسى ، أو المقص الذي تحلق به ، قال : ضاع. ومثله قال آخر ، قلت : تسافر إلى بلد لا تتمكن من حلق ذلك. واعتبر الرداءة في اللحية واحكم بذلك. كما قال لي إنسان : رأيت أن أولادي شيوخ بذقون طوال ، قلت : تمرضون مرضاً طويلاً ثم تعافون. وقال آخر : رأيت أنني عبرت على نسوة ولهن ذقون ردية ، قلت له : تدخل على نساء مفسدات ، فكان كذلك. وقال آخر : رأيت لحيتي قد طالت زائدًاًً عن الحد وبها قمل وصيبان ، قلت : ينزل بزرعك ، أو بستانك ، أو دورك مفسدون وتتألم لذلك ، فكان كذلك. فافهمه.
فصل : من رأى من الشباب من يصلح له الشيب – كالعلماء والفقراء وأرباب الدين – أن لحيته قد شابت : حصل له خير وجاه ورفعة ، لأن الخليل عليه السلام لما رأى ابتداء الشيب في لحيته قال : يارب ما هذا ؟ فأوحى الله إليه أن أشقك وقاراً يا إبراهيم ، فقال : اللهم إن كان هذا وقاري فزدني وقاراً ، فأصبحت لحيته بيضاء كالقطنة.
وأما من لا يؤثر الشيب – كالجند والنساء وأمثالهم – فذلك له هموم ونكد ، وتبطيل معايش ، وخصام بين الزوجين ، لكراهية النساء في الشيب.(1/68)
قال المصنف : اعتبر من شاب في المنام على ذكرنا. وكمن رأى أنه شاب – وكان ممن يليق به ذلك – قلت : يحصل لك ثوب أبيض ، فكان كذلك. ومثله قال آخر ، قلت : يحصل لك من جليل القدر ملبوس. ومثله قال آخر – وكان لا يؤثر ذلك – قلت : يحصل لك ثوب أبيض ، فكان كذلك. ومثله قال آخر ، قلت : يحصل لك من جليل القدر ملبوس. ومثله قال آخر – وكان لا يؤثر ذلك – قلت : يموت من تلبس عليه أبيض للحداد. ومثله قال آخر ، قلت : يشتغل لك مكان بالنيران. ومثله قال صبي ، قلت : يتلف لكم زرع. وقال آخر : رأيت أنني آكل شيبتي ، قلت : تبيع شجرك وقت نواره ؛ أو زرعك قبل استوائه ، وتأكل ثمنه ، فكان كذلك.
فصل : من جاءه بنت ، أو ملكها ، أو افتضها – ولم ينزل في اليقظة - دل على دنيا طائلة ، على قدر حسنها ، وتكون هنية ، لذاذة افتضاض الأبكار ، وربما كان فيها صعوبة ، لكثرة ممانعتهن. وكذلك حكم المرأة إلا أنها أهون. وأما العجوز فدنيا ذاهبة ، أو فائدة قليلة.
قال المصنف : انظر من أين جاءته البنت ، وفسر له على قدر ذلك. كمن
قال : رأيت أنني وضعت بنتاً مليحة ، قلت : تفيد من زرع ونبات ، قال : عزمت على ذلك. وقال آخر : رأيت أنني جاءتني بنت من فيله والبنت حامل ، قلت : يقدم مركب موسق من بلاد فيها سودان. وقال لي بعض الملوك : رأيت أن خنازير حبالاً وقد وصنعوا لي بنات ملاحاً ، قلت له : تفتح عدة أماكن للكفار وتغنم ما فيها من مال ، فكان كذلك. وقال لي مرة أخرى : رأيت أنني أخرج من بطون الخنازير غزلاناً ، قلت : تأخذ جماعة من الأسرى. وقال آخر : رأيت أن بنتاً خرجت لي من إناء الماء وهي وحشة وقد كسوتها بقماش مليح ، قلت : إلى جانب دارك بحر ، أو بئر ، قال : نعم ، قلت : يطلع إليك من ذلك لص يأخذ أثاث البيت ، فجرى له ذلك. وقال آخر : رأيت أن قد جاءتني بنت وحشة من قوس القطن ، قلت : يحصل لك نكد من جنكي ، أو جمكية ؛ قلت : وهي كبيرة وصوتها متغير ، قال : صحيح.
وأعط لمن ملك العجائز على ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أن لي عجائز كثيرة ، قلت : ييبس شجرك ، أو زرعك ، أو يبطل حمله. وقال آخر : رأيت أن لي بنات وقد وطأهن إنسان ، قلت : أنت تبيع الأوانِ ، قال : نعم ، قلت : ينكسر لك أوانٍ على قدر عددهن. وقال آخر : رأيت أنني أطأ العجائز كثيراً ، قلت : أنت مغرم بوطئ الأعاجز ، قال : ما بقيت أعود إلى ذلك. وقال آخر : رأيت أن عجائز يقطعونني ، قلت : نخشى عليك في أيام الأعجاز إما موت ببرد ، أو مرض بارد يمنعك من الحركات ، فكان كذلك.
فصل : وأما وطئ المحرمات عليه – كالأم ، والأخت ، والبنت ، والعمة ، والخالة ، ونحوهن - يدل على الحج ، لكون كل واحدة حراماً ، كالبلد الحرام. وإن كان عليه ديون قضاها. أو عنده ودائع ، أو أمانات ، أو نذور أَدَّاها ، لكون الذكر عاد إلى أهله. وإن كان غائباً عن بلده اجتمع بهم ، أو رجع إلى بلده ، لأنه اجتماع. وإن كان مريضاً مات ، لقوله تعالى : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } ] طه:55[. وإن كان عاقٍّا لوالديه ، أو بينه وبين أقاربه خصومة ، أو منافرة ؛ واصلهم ، وأحسن إليهم ، لكون الوطيء إحسان إلى النساء. وإن كان خلص من سجن ، أو مرض عاد إليه. ويدل على بطلان عبادة العابد ، أو فائدة تحصل
له ، لأن النكاح من ملاذ الدنيا.
قال المصنف : اعتبر صفة وطئ المحرمات. كما قال لي إنسان : رأيت أنني قد وطئت أمي وتلوثت بدمها ، قلت : تحج ويجب عليك دم. ومثله قال آخر ، قلت : عليك نذر ذبح حيوان ، قال : صحيح. ومثله قال آخر مريض ، قلت : يموت ويذبح في عزائه دم. وقال آخر : رأيت أنني أطأ جدتي وبنتي وأختي ولا أجد لذة لكثرة الدم فيهن ، قلت : بينك وبين أقاربك خصام لأجل دماء وقتلى بينكم وكلما أردت الصلح كما ينفق كما ينبغي ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أطأ أمي وهي بمسجد وآكل ما يخرج من فرجها ، قلت : تحج وتأكل الحرام في حجك ، قال : صدقت. وقال رجل متعبد : رأيت أنني أطأ عدة من نساء المحارم ، قلت : تبطل عبادتك بزرع أشجار ونبات وسقي ذلك ، فكان كما قلت. فافهم ذلك.
فصل : وطئ الميت للمرأة الحية : راحة وفائدة ، من جهة ذلك الميت ، أو من ورثته. وأما وطئ الحي للميتة : فدليل على برها ، وصدقته عنها ، أو قرآن يهديه
لها ، أو ديون يوفيها عنها ، أو إحسان إلى ورثتها.
قال المصنف : أما كٍون الوطئ من الميت للمرأة الحية راحة لأن المني يمنزلة المال ، ولأنه يخلق منه الولد الذي يفرح به. وربما دل أيضاً على النكد ، كما قالت لي امرأة : رأيت أن ميتاً وطأني وحبلت منه ، قلت : يقدم عليك غائب يحصل لك منه كلام يؤلم باطنك ، فجرى ذلك. ومثله رأت أخرى إلا أنها قالت : ولدت منه غلاماً ، قلت : لك ولد غائب وقد أيست منه ، قالت : الساعة يقدم عليك ، فكان كذلك.(1/69)
وربما دل وطئ الحي للميتة على ضياع مال ووضع الشيء في غير محله. كما قال لي إنسان : رأيت أنني وطئت امرأة ميتة وأنزلت فيها منياً كثيراً ، قلت : تدفن مالاً لك في مقبرة ويروح عليك ، فكان كذلك. ومثله قال آخر ، قلت : عزمت على أنك تسير مالاً إلى غائب ، قال : نعم ، قلت : لا تفعل يروح عليك ، فسيره فعدمه.
فصل : وأما وطئ الميت للميتة فورثة كل واحد منهما ، تحصل له راحة من الآخر. وأما من وطأهم في الدبر ، فدليل على أن الواطئ يسيء إلى ورثة الموطأ ، أو يتكلم في عرضه.
فصل : وأما من وطئ ذكراً في الدبر : فإن كان معروفاً أساء إليه ، أو تكلم في عرضه ، أو اطلع منه على عيب. وإن كان مجهولاً : أحسن إلى من لا ينفع معه الإحسان ، وربما انتصر على عدوه.
قال المصنف : وربما دل وطئ الدبر على ضياع المال فيما لا فائدة فيه ، وعلى تلاف ما يبذره ، أو يغرسه ، لكون النطفة وقعت في مكان لا ينفع. وقال لي إنسان : رأيت أنني أطأ في الدبر وآكل مما يخرج منه ، قلت : أنت صنعتك كنس المراحيض ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أطأ دبراً وانقطع ذكري فيه ، قلت : يقع لك ولد في مرحاض ، فكان كذلك. فافهمه.
فصل : وأما المساحقة بين النساء : فهي كوطئ الذكر للذكور ؛ يحسن كل واحد منهما إلى من لا يتفع معه ذلك ، أو يطلع كل واحد منهما على عيب الآخر ، أو تقع بينهما خصومة.
وأما التزويج – بغير ملاهٍ ولا لعب - فخير وفائدة ، على قدر حسن الزوجة.
قال المصنف : إنما دلت المرأة على الدنيا لكثرة ميل الناس إليهن ، وكذلك الزوج للمرأة. كما قال لي إنسان : رأيت أنني تزوجت امرأة وحشة وعليها ثوب أصفر ، قلت : تغرم في شيء للصبغ. وقالت امرأة : رأيت أنني تزوجت رجلاً قبيح المنظر وعليه زردية ، فقلت : يحصل لك نكد ممن يقاتل ، أو من حداد ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني تزوجت امرأة مليحة ، قلت : أنت مشتغل بالآخرة ، قال : نعم ، قلت : ستترك العبادة وتشتغل بالدنيا ، فكان كذلك.
فصل : حَبَلُ الرجل : هموم ، وأحزان ، وكلام ردي في قلبه ، أو عدو وسط داره.
والولادة – إذا لم تكن بعياط ولا بين الناس - خلاص وفرج ، وإن كان بين الناس زال النكد بنكد. وأما حبل المرأة ، أو الطلق في مكان يليق بها ، فذلك للعزبة زوج ، وحمل للحائل ، وللحامل ولد. والولادة خلاص من شدة ، أو يقدم عليها غائب.
قال المصنف : وربما دل الحبل على المرض ، كما قال لي رجل : رأيت أنني حبلت ، قلت : نخشى عليك مرض الاستسقاء ، فمرض بذلك. وأما الولادة – بالصراخ ، أو في المكان الذي لا يليق به - فهم ونكد. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أطلق بصراخ ، قلت : يحصل لك مغص في فؤادك. ومثله قال آخر ، قلت : ينزل بمكانك لص ، ويقع ثم عياط ، فكان كذلك.
والولادة قدوم غائب. كما قال لي إنسان : رأيت أنني ولدت ثوراً ، قلت : لك حيوان غائب وسيحضر ، فكان كذلك. وقالت امرأة : رأيت أنني ولدت غزالاً ، قلت : لك ولد غائب سيقدم ، فقدم.
ويدل الطلق على الطلاق. فافهمه.
فصل : في الفرج : دال على الفرج ، لمن هو في شدة. وأما من صار له فرج : إن كان أعزب تزوج. وإن رآه الناس : نزلت به آفة ونكد ، وربما رزق بنتاً. وأما الذكر للمرأة ؛ زوج ، وللحائل حمل ، وللحامل ولد ذكر ، وإن أبصره الناس فشهرة ردية.
قال المصنف : واعتبر الفرج والذكر ؛ إن كان في مكانه ففسره بما يليق به. كما قالت لي امرأة : رأيت أن قد طلع في رأسي ذكر ، قلت : يطلع به طلوع ، فجرى ذلك. وقالت أخرى : رأيت أن ذكراً طلع في رجلي ، قلت : تطئين على ثعبان. وقال رجل : رأيت قد طلع لي فرج بين كتفي وفيه نمل ، قلت : تنقب دارك وينزل بها سراق ، فكان كذلك. وقال آخر : رأيته صار في رأسي قلت : يقع به ضربة تفتحه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن ذكري في داخل فرجي ، قلت : عندك ولد مريض يعبر قبره ، فمات من ليلته. وقالت امرأة : رأيت فرجي في كفي ، قلت : تشتكين أنت ، أو بنت لكِ في برج ، له شرافات. وعلى هذا فقس موفقاً إن شاء الله.
الباب الثالث عشر
في أعضاء بني آدم
وما يحدث منهم(1)
__________
(1) قال الأستاذ أبو سعيد رحمه الله : بشرة الإنسان و جلده ستره، و سواد البشرة في التأويل سؤدد في ترك الدين، فمن رأى كأنه أسود وجهه و هو لابس ثيابا بيضا دلت رؤياه على أنه يولد له ابنة، فإن رأى أن وجهه أسود و ثيابه وسخة، دلت رؤياه على أنه يكذب على الله. فإن رأى كأن وجهه
أسود مغبر، دلت رؤياه على موته ، و قيل: إن الشجاع إذا رأى في منامه أن وجهه أسود، دل ذلك على أنه يصير جبانا. و حمرة اللون وجاهة و فرح، و قيل: إن كان مع الحمرة بياض، نال صاحبها
عزا، و صفرة اللون مرض، و قيل: من رأى وجهه أصفر فاقعا، فإنه يكون وجيها في الآخرة، و من المقربين. و أما بياض اللون ، فمن رأى كأن وجهه أشد بياضا مما كان، حسن دينه و استقام على الإيمان. فإن رأى أن لون خده أبيض، فإنه ينال عزا و كرما. و حكي أن رجلا شابا رأى كأنه وجهه قد لطخ بالحمرة مثل النساء و كأنه قاعد في مجمع النساء، فعرض له من ذلك أنه زنى فافتضح.
و أما الرأس في التأويل فرئيس الإنسان الذي هو تحت يده، و رأس ماله وجده، فمن رأى كأن رأسه أعظم مما كان، ذاد شرفه، و من رأى كأن رأسه أصغر مما كان نقص شرفه، و من رأى كأن له رأسين أو ثلاثة، فإنه ينال ظفرا بالأعداء، إن كان مبارزا، و إن كان فقيرا استغنى، و إن كان غنيا يكون له أولاد بررة، و إن كان عزبا يتزوج و ينال ما يريد. فإن رأى تاجر كأنه منكوس الرأس، خسر في تجارته، فإن رأى الرجل أنه منكوس الرأس معلق، طال عمره، في جهد و توبيخ، لقصة هاروت و ماروت، فإن رأى كأنه منكوس الرأس منحن في ملأ، فقد عمل خطيئة و هو نادم عليها تائب
منها. و اصل هذه الرؤيا تدل على طول العمر، لقوله تعالى :( و من نعمره ننكسه في الخلق ) يس 68. وقيل من رأى رأسه مقلوبا، فإن ذلك يدل ، فمن يريد سفرا، على مانع يمنعه من خروجه، على أنه لا يرى ما يتمناه عاجلا لكن آجلا ، ويدل لمن كان مسافرا غريبا على رجوعه إلى بلده بعد إبطاء على غير طمع و الرأس و العنق، إذا رآهما الإنسان و كان فيهما قرحة أو ألم، فإن ذلك مرض يمون في جميع الناس بالسوية. فإن رأى أن رأسه مثل رأس الكلب أو الحمار أو الفرس أو غيرهما من الأنعام، فإنه يصير إلى الكد و التعب و العبودية. و من رأى كأن رأسه استحال رأس فيل أو أسد أو نمر أو ذئب، فقد قيل: إنه يأخذ في إنشاء أمور أرفع من قدره و ينتفع بها و ينال الرياسة و الظفر على الأعداء. فإن رأى أن رأسه رأس طير دلت رؤياه على كثرة الأسفار. فإن رأى رأسه مطيبا مدهونا، دلت رؤياه على حسن جده. فإن رأى رؤوسا مقطوعة، دلت رؤياه على خضوع الناس له. فإن رأى كأنه أكل رأس إنسان نيئا، فإنه يغتاب رئيسا، ويصيب مالا من بعض الرؤساء. فإن رأى كأنه أكله مطبوخا، فهو مال ذلك الرجل إن كان معروفا و إلا فهو مال نفسه يأكله. فإن رأى كأنه أخذ رأسه
ماله بيده، فهو مال يصير إليه، أكثره دية و أقله ألف درهم، و هذه الرؤيا تدل على وقوع صلح بينه و بين رجل له عليه دين، لقوله تعالى :( وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم ) البقرة 279. فإن رأى كأنه رأسه بان عنه من غير ضرب، فإنه يفارق رئيسه، فإن حمل رأسه من ذلك الموضع ، ذهبت رياسته. فإن كان رأسه قطع، فأخذه و وضعه فعاد صحيحا كما كان، فإنه يقتل في الجهاد. و من رأى كأن رأسه بان عنه فأحرزه، أصاب مالا بقدر ديته، وعوفي إن كان مريضا. والرأس على الرمح أو خشبة رئيس مرتفع الشأن، و من رأى كأن رأسا من رؤوس الناس في وعاء عليه دم، فهو رجل رئيس يكذب عليه، و من رأى كأن رقبته ضربت و بان رأسه عنه، فإن كان مريضا شفي، أو كان مديونا قضي
دينه، أو صرورة حج، و إن كان في كرب أو حرب فرج عنه، فإن عرف الذي ضربه ذلك يجري على يدي من ضربه، فإن كان الذي ضربه صبيا لم يبلغ، فإن ذلك راحته و فرجه مما هو فيه من كرب أو مرض ، و هو موته على تلك الحال. وكذلك لو رأى و هو مريض قد طال مرضه، و تساقطت عنه ذنوبه أو معروف بالصلاح، فهو يلقى الله على خير حالاته و يفرج عنه. و كذلك المرأة النفساء، و المريض المبطون، أو من هو في بحر العدو، مما يستدل به على الشهادة. فإن رأى ضرب العنق لمن ليس به كرب و لا شيء مما وصفت، فإنه ينقطع ما هو فيه من النعيم، و يفارقه بفرقة رئيسه، و يزول سلطانه عنه، و يتغير حاله في جميع أمره. فإن رأى أن ملكا أو واليا يضرب عنقه، فإن الوالي هو الله ينجيه من همومه، و يعينه على أموره. فإن رأى ملكا ضرب رقاب رعيته، فإنه يعفو عن المذنبين و يعتق رقابهم. و ضرب الرقبة في المماليك، يدل على العتق. وقيل: من رأى أن رقبته تضرب، إما بحكم الحاكم، و أما بقطع الطريق، و إما في الحرب أو غيره، فإن ذلك مذموم لمن كان أبواه باقيين، و كان له ولد وذلك أن الرأس يشبه بالوالدين، لأنهما سبب الحياة، و يشبه أيضا بالأولاد من أجل الصورة. فإن رأى ذلك خائف، أو من حكم عليه بالقتل، فهو محمود، لأن البلاء يصيب الإنسان مرة واحدة، ليس يصيبه مرة ثانية، فأما في الصيارفة و أرباب رؤوس أموالهم، و يدل في المسافرين على رجوعهم، و في المخاصمين على الغلبة،لأن البدن إذا قطع رأسه عدم الشفاء. و إن رأى أن رأسه في يده، فذاك صالح لمن لم يكن له ولد، و لم يقدر على الخروج في سفر. و إذا رأى كأن في يده رأسه و رأس آخر طبيعي، دل ذلك على أنه يقاوم شيئا من الآفات التي تكتنفه، و يصلح شيئا من أموره الرديئة التي في
تدبيره. ومن رأى رؤوس الناس مقطوعة بيده في محله، فإن الناس ينقادون إليه ويأتون ذلك الموضع، و ربما اجتمع الناس هناك. فإن رأى أنه ملك رأسا، فإنه مال يصير إليه أقله ألف درهم و أكثره ألف دينار. فإن رأى الإمام في رأسه عظما فهو زيادة و قوة في سلطانه. فإن رأى كأن رأسه كبش، فإنه
يعدل و ينصف. فإن رأى كأن رأسه رأس كلب، فإنه يجور و يعامل رعيته بالسفه. و شعر الرأس مال و طول عمر، و الجمة ( مجتمع شعر الرأس ) تختلف بإختلاف صاحب الرؤيا، فإن رآها صاحب صلاح على رأسه، فهو زيادة و وقاية و هيبة له، و إن رآها غني فهو ماله. و إن رآها فقير فهي ذنوبه، و حسن شعر الرأس شرف و عز، فإن رأى شعره جعدا و سبطا فإنه يشرف و يعز، فإن رأى شعره الجعد سبطا فإنه يتضع و يصير دون ما كان. و إن رآه سبطا طويلا متفرقا، فإن مال رئيسه يتفرق، و إن كان ناعما لينا فإنه زيادة مال رئيسه. و قيل: من رأى كأن له شعرا طويلا و هو مسرور به، فإنه محمود و خاصة في النساء، فإنهن يستعملن شعور غيرهن في الزينة.
و أما المرأة إذا رأت شيب جميع رأسها دلت رؤياه على فسق زوجها. فإن كان زوجها صالحا، فإنه يغايرها بامرأة أخرى أو جارية. و إن لم يكن كذلك فإنه يصيبه منها غم أو حزن، و أما الذؤابة ( المضفور ) للرجل، فإنه ابن مبارك إن كان متزوجا، و إن كان عزبا فهي جارية جميلة يشتريها بعد كل ذؤابة. كذلك هي للمرأة ابن رئيس، و تدل على خصب السنة، و أما سواد شعر المرأة، فيدل على شيئين: أحدهما:
محبة زوجها لها، و الثاني استقامة أحوال زوجها. فإن رأت كأنها كشفت شعرها، فإن زوجها يغيب عنها. فإن رأت كأنها لم تزل مكشوفة الرأس فإن زوجها لا يرجع إليها. و إن لم يكن لها زوج، لم تتزوج أبدا فإن رأت شعرها كثيفا و أبصر الناس ذلك منها، فإنها تفتضح في أمر ، فإن رأى الرجل كأن على رأسه قرونا، فإنه رجل منيع، فإن رأى كأنه شعر مقدم رأسه انتثر، أصابه ذل في الوقت. فإن رأى كأن شعر مؤخر رأسه قد انتثر دل على هوان يصيبه في حال شيبه. فإن رأى كأنه شعر الجانب الأيسر من رأسه انتثر، دل على أنه بالذكور، و من أقربائه، فإن كان شعر الجانب الأيسر انتثر، فإنه يصاب بالإناث من أقربائه. فإن لم يكن له قرابة من الرجال و النساء رجع الضرر إلى نفسه ، وأما حلق الشعر للرجال في الحج، و تقصيره، فهو التأويل أمن و فتح وقضاء دين و فرج، لقوله تعالى:( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم و مقصرين لا تخافون ) الفتح 27. و في غير الحج كذلك، إلا أنه في الحج أقوى هذا إذا لم يكن صاحب الرؤيا رئيسا، فإن كان رئيسا وحلق في غير الموسم، دلت رؤياه على إفتقاره أو عزله أو هتك ستره، فهذه الرؤيا للفقير قضاء دين، و للغني نقصان مال. و إن كان صاحب الرؤيا من أهل الصلاح، ضعف بطشه، و إن لم ير أنه لم يحلق رأسه، لكن رأى أنه محلوق الرأس، ظفر بالأعداء و نال قوة و عزا. و قال بعضهم: إنما يصلح الحلق في
التأويل، لمن عادته الحلق، و لا يصلح لمن عادته غير الحلق. و قيل: إن حلق الرأس للمحارب يوجب الشهادة في التأويل. فإن رأت امرأة شعرها محلوقا، يخلعها زوجها، أو تموت. فإن رأت كأن زوجها حلق رأسها، أو جز شعرها في الحرم، دلت رؤياها على قضاء دينها و أداء أمانتها. و إن رأت أن زوجها حلق رأسها في غير الحرم، دلت رؤياه على أنه يحبسه في منزله، فإن الطائر يبقى في عشه إذا قطع جناحه. و قيل: إن حلقه إياها، يدل على هتك سترها. و إن رأت كأن إنسانا دعاها إلى جز شعرها، فإنه يدعو زوجها إلى غيرها من النساء سرا منها، و يقع بينها و بين ذلك الإنسان عداوة و شحناء و قيل: من رأى ذوائب امرأة مقطوعة، فإنها لا تلد ولدا أبدا. أما الدماغ فإنه يدل على العقل، و من رأى أن له دماغ كبيرا، دل على كثرة عقله، فإن رأى كأنه لا دماغ له، دل على جهله و قلة عقله. و قيل: إن الدماغ مال نزر مدخور طاهر . فإن رأى كأنه أكل دماغه أو مخ بعض عظامه، فإنه يأكل ماله، و قال بعضهم: أكل دماغ الميت ، يوجب سرعة الموت. والطرة ( كفة الثوب ) الحسنة مال و عز، و قيل إن صاحب الرؤيا يتزوج امرأة، جمالها حسب جمال الطرة التي رآها. والجبهة جاه الرجل و هيبته، و العيب فيها نقصان في الجاه و الهيبة. والزيادة فيها إذا لم تتفاحش، توجب أن يولد له ابن يسود أهل بيته، و قيل : من رأى جبهته من حديد أو نحاس أو حجر، فإن ذلك محمود للشرط أو
السوقة. و لمن كان تدبير معاشه من قمحه، و أما الباقون فهذه الرؤيا تبغضهم إلى الناس. وأما الصدغان فابنان شريفان مباركان و الحاجبان سمت ( هيئة ) الرجل وحسن دينه و جاهه و النقصان فيهما نقصان في هذه. و قيل : إذا كان الحاجبان متكاثفي الشعر فهما محمودان، من أجل النساء يسودن حواجبهن طلبا للزينة. وأما العين فدين الرجل و بصيرته التي يبصر بها الهدي و الضلالة، فإن
رأى في جسده عيونا كثيرة، دل على زيادة صلاحه و دينه. فإن رأى كأن بطنه انشق فرأى في باطنه عيونا، فإنه زنديق، لقوله تعالى :( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) الأحزاب 4. فإن رأى كأن عينيه عينا إنسان آخر غريب مجهول، دلت رؤياه على ذهاب بصره، و يكون غيره يهديه الطريق، فإن كان معروفا فإن صاحب الرؤيا يتزوج ابنته و تصيب منه خيرا، فإن رأى كأن عينيه ذهبتا ، مات أولاده، و من رأى أنه أعمى العينين و هو في غربة، دل على امتداد غربته إلى أن يموت. فإن رأى كأن عينيه من حديد، ناله هم شديد يؤدي إلى هتك ستره، فإن رأى أنه فتح عينيه على رجل، فإنه ينظر في أمره يعينه و إن رأى كأنه نظر إليه شزرا، فإنه يحقد عليه، و من رأى كأنه يسمع بالعين و ينظر بالأذن، فإنه يحمل أهله و ابنته على ارتكاب المعاصي و من رأى على كفه عين رجل أو عين بهيمة، نال مالا عيناً، و من رأى كأنه نظر إلى عين فاستحسنها، فإنه يعمل يضر بدينه، و العين السوداء الدين، و الزرقاء البدعة، والشهلاء مخالفة الدين، و الخضراء دين يخالف الأديان، فإن نظر أنه زنى
بالعين، فإنه ينظر النساء، فإن رأى أن عينه مسمرة، فإنه ينظر بريبة إلى امرأة صديقه، و حدة البصر محمودة لجميع الناس و من كان له أولاد و رأى هذه الرؤيا، دل على أنهم يمرضون، لأن الأولاد بمنزلة العينين محبوبتان وأهداب العينين في التأويل و قاية للدين. فإنه أوقى للعينين من الحاجبين و قيل: الصلاح و الفساد فيهما راجعان إلى الولد و المال، فإن رأى كأن أهداب عينيه كثيرة حسنة، فإن دينه حصين، فإن رأى كأنه قعد في ظل أهداب عينيه، فإن كان صاحب دين و علم، فإنه يعيش على ظل دينه، و إن كان صاحب دنيا، فإنه يأخذ أموال الناس و يتواري، فإن رأى كأنه ليس لعينيه هدب، فإنه يضيع شرائع الدين. فإن نتفها إنسان، فإن عدوه ينصحه في دينه، فإن رأى كأن أشعاره ابيضت دل ذلك على مرض يصيبه من الرأس أو العينين أو الأذنين أو الضرس. وحسن الوجنة في النوم دليل الخصب و الفرج، و قبحها دليل السقم و الضر ، والخذلان عمل الرجل، فإن رأى الإمام في وجنته فوق القدر فهو زيادة وعزة و بهائه ، أما الأنف فيقال: إنه جمال للرجال، و يقال: هو قرابة الرجل، فإن رأى كأنه لا أنف له، فلا رحم له. فإن رأى كأن له أنفين، فإنه يدل على اختلاف يقع بينه و بين الأهل، لأن الأنف ليس بغريب، فإن شم له رائحة طيبة، دلت على فرج يصيبه. و إن كانت امرأة صاحب الرؤيا حبلى، فإنها تلد ولدا سارا. و يقال: إن الأنف ولد، و يقال الجاه و الحسب. و يقال:
الأبوان، و تأويل ما يدخل في الأنف يجري مجرى الدواء، و ما يدخل فيه مكروه، فهو غيظ يكظم، و من رأى كأن له خرطوما دل على أن له حسبا قويا ، والفم فاتحة أمر صاحبه، و خاتمته، فإن رأى كأنه خرج من فمه شيء، فهو يدل على الرزق من خير أو شر، فإن رأى فمه متعلق أو مقفل عليه، دلت
رؤياه على الكفر. و الشفة صديق الرجل الذي يتجمل به، و عونه و معتمده.
و السفلى أقوى في التأويل من العليا، و قيل: الشفة في التأويل القرابة، والعليا صديقه الذي يعتمد عليه في جميع أموره فما حدث فيهما من حدث فيما وصفت، فإن رأى فيهما الماء، فإن أمر الأصدقاء ليس يجري على ما ينبغي ، أما اللسان فترجمان صاحبه، و مدبر أمره، و المؤدي لما قلبه و جوارحه، من صلاح أو فساد، يجري ذلك على ترجمته بما ينطق. فإذا كان فيه زيادة من طول أو عرض، أو انبساط في الكلام عند الحجج، فهو قوة و ظفر. وإن رأى كأن لسانه طويلا لا على حال المخاصمة و المنازعة، دل على بذاءة اللسان ، وقد يكون طول اللسان ظفر صاحبه في فصاحته و منطقه و علمه و أدبه و
عظته، فإن رأى الإمام كأن لسانه طال، فإنه يكثر أسلحته، و يدل على أنه ينال مالا بسبب ترجمان له ، واللسان المربوط في التأويل، دليل على الفقر و دليل المريض، فإن رأى كأنه نبت على لسانه شعر أسود، فهو شر عاجل. و إن كان شعرا أبيض فهو شر آجل ، فإن رأى كأن له لسانين، رزق علما على علمه، و حجة إلى حجته و ظفرا على أعدائه، و قيل المعتدل المقدار في الفم الصحيح، محمود لجميع الناس. أما اللهاة، فإذا رأى أنها زادت حتى كادت تسد حلقه، دلت رؤياه على حرصه
على جمع المال، و تضيق النفقة على نفسه، و قد دنا أجله. وأما الأسنان فإنهم أهل بيت الرجل، فالعليا هم الرجال من أهل البيت والسفلى هم النساء، فالناب سيد بيته، و الثنية اليمنى الأب، و الثنية
اليسرى العم و إن لم يكونا فأخوان و ابنان، فإذا لم يكن فصديقان شقيقان، و الرباعية ابن العم، و الضواحك الأخوال و الخالات، و من يقوم مقامهم في النصح، و الأضراس الأجداد، و البنون الصغار، و الثنية السفلى اليمنى الأم، و اليسرى العمة.فإن لم يكونا فأختان أو ابنتان أو من يقوم مقامهما، و الرباعية السفلى بنات العم و بنات العمات، و الناب السفلى سيدة أهل بيتها، و الضواحك السفلى بنات الخال و الخالة و أضراس السفل الأبعدون من أهل بيت الرجل، من النساء و البنات الصغار.
و حركة بعض الأسنان، دليل على من هو تأويله في المرض، و سقوطه و ضياعه دليل على موته أو غيبته غيبة من لا يعود إليه، فإن أصابه بعدما فقده فإنه يرجع. وتآكله دليل على بلاء يصيب من ينتسب إليه. و اصطكاك الأسنان دليل على جدال بين أهل بيته. فإن رأى في أسنانه قلحا ( صفرة ) فهو عيب بأهل بيته يرجع إليه،و نتن الأسنان قبح الثناء على أهل البيت، و كلال ( ضعفها ) الأسنان ضعف حال أهل بيته و تنقية الأسنان من القلوحة ( صفرة ) يدل على بذل المال في نفي الهموم عنهم، و بياض الأسنان و طولها وجمالها، زيادة قوة و مال و جاه لأهل البيت، فإن رأى كأنه نبت مع ثنية
مثلها، فإن أهل بيته يزيدون، فإن رأى كأن النابت معها يضرها، كأن الزائد في أهل البيت عارا و وبالا عليه. فإن رأى كأنه قلع أسنانه، دلت رؤياه على قطع رحمه ، أو ينفق ماله على كره منه . فإن رأى كأنه يرمي أسنانه بلسانه، فسدت أمور أهل بيته بكلام يتكلم به، فإن رأى كأن أسنانه من ذهب، فإن كان من أهل العلم و الكلام حمدت رؤياه، و إلا فلا تحمد، لأنها تدل في غير العلم و أهله، على مرض أو حريق، فإن رأى كأنها من فضة، دلت على خسران في المال. فإن رآها من زجاج أو خشب، دلت على الموت، فإن رأى مقاديم أسنانه سقطت فنبتت مكانها أخرى، دلت على تغيير أموره و تدابيره ، وقيل : أن من رأى أسنانه العليا سقطت في يده، فهو مال يصير إليه. فإن رآها سقطت في حجره، فهو ابن، لقوله تعالى :( و يكلم الناس في المهد ) آل عمران 46. يعني في الحجر. فإن رآها سقطت إلى الأرض، فهي الموت. فإن رأى كأنه أمسك الساقط من أسنانه فلم يدفنه، فإنه يستفيد من هو مثله في الشفقة و النصيحة. و كذلك التأويل في سائر الأعضاء إذا أصابتها آفة فلم يدفنها. فإن رأى أنه نبت في قلبه أسنان، دل على موته، و قيل: إن سقوط الأسنان يدل على عائق يعوق فيما يريده، و قيل: هو دليل قضاء الديون. فإن رأى كأن جميع أسنانه سقطت و أخذها في كمه أو حجره، فإنه يعيش عيشا طويلا حتى تسقط أسنانه، و يكثر عدد أهل بيته، و إن رأى كأن جميع أسنانه سقطت و ذهبت عن بصره، فإن أهل بيته يموتون قبله، و ربما كان ذلك موت ذوي سنه من الناس، و أقرانه في العمر، فإن رأى كأن الناس يلوكوه بأضراسهم أو يعضوه، فإنه يمكنه أن يتضع للناس فلا يتضع، و قيل: ينبغي أن يجعل الفم بمنزلة المنزل، و الأسنان بمنزلة السكان، فما كان فيها من ناحية اليمنى فهو يدل على الذكور، و ما كان من اليسرى فهو يدل على الإناث، في جميع الناس إلا قليلا منهم. و قيل من رأى أسنانه تنكسر فإنه يقضي دينا قليلا قليلا. فإن تساقط أسنانه بلا وجع، يدل على أعمال تبطل. فإن رأى كأنها تسقط مع وجع، دل على ذهاب شيء مما في منزله، و مقاديم الأسنان إذا سقطت، منعت من أن يفعل الإنسان شيئا مما يعمل بالكلام و القول. فإن كان مع ذلك وجع أو خروج دم أو لحم، فإن ذلك يبطل أو يفسد الأمر الذي يراد. و أما الأصحاء و الأحرار و المسافرون، إذا سقطت جميع أسنانهم، دل على مرض طويل و وقوع في السل من غير أن يموتوا، و ذلك أن الإنسان لا يمكنه أن ينال الغذاء القوي بلا أسنان، لكنه يستعمل الاحساء و العصارات، وإنما لا يموتون لأن الموتى لا تسقط أسنانهم، و الشيء الذي لا يعرض للموتى هو ملخص للمريض فلهذا السبب صار محمودا في المرضى و إن تساقطت أسنانهم جميعا يدل على سرعة نجاتهم من المرض، و أما التجار المسافرون فيدل على خفة حملهم، و خاصة إن رأى كأن بعض أسنانه قد طال عظما، و دل على جدال و خصومة في منزل. و من كانت أسنانه سودا متآكله، معوجة، فرأى سقوطها، فإنه ينجو من جميع الشدائد، فإن رأى كأن أسنانه تسقط و هو يأخذها بيده أو بلحته و في حجره، فذلك يدل على أن أولاده تنقطع، فلا يولد له، و ما يلد ما يبقى و لا يتربى . والذقن في التأويل سيد عشيرته، و صاحب نسل كثير. و الأذن امرأة الرجل أو ابنته، فإن رأى كأن له ثلاث آذان، دلت على أن
له امرأة و ابنتين، فإن كان له أربع آذان، دلت على أحد خصلتين، إما أن يكون له أربع نسوة، أو أربع بنات لا أم لهن ، فإن رأى كأن أذنه بانت ( قطعت ) منه فإنه يطلق امرأته أو تموت ابنته. فإن رأى كأن له أذن واحدة، فلا يعيش له قريب فإن رأى كأن له نصف أذن، دلت الرؤيا على موت
امرأته و تزويجه بأخرى. فإن رأى كأن في أذنه خاتما معلقا، فإنه يتزوج ابنته رجلا فتلد له ابنا. و قيل: الدين الأذن فإن رأى كأن حشا أذنيه بشيء، دلت رؤياه على الكفر. و إن رأى كأن له آذانا كثيرة، فإنه يعرض عن الحق فلا يقبله، لقوله تعالى :( أم لهم آذان يسمعون بها ) الأعراف 195 ، وقيل: إن الغني إذا رأى آذانا حسانا متشاكلة، سمع أخبارا حسانا سارة، فإذا لم تكن متشاكلة حسانا، سمع أخبارا كثيرة كريهة، و من رأى كأن في أذنيه عينين فإنه يعمى و يعاين الأشياء التي كان يعاينها بعينيه ويسمعها بأذنيه، و قيل من رأى كأن له آذان كثيرة، فذلك محمودا لمن أراد أن يكون له إنسان يطيعه، مثل المرأة و الأولاد و المماليك و أما الأغنياء فإنها تدل على أخبار تأتيهم محمودة إذا كانت الآذان حسانا أشكالا. و إذا لم تكن حسانا و لا جيدة الأشكال، فإنها أخبار مذمومة . وأما المماليك و أصحاب الخصومات المدعي منهم، فإنها تدل على أن عبوديته تدوم، و يسمع و يطيع، و يدل المدعي على أن الحكم يلزمه. وحكي أن إنسانا رأى أن له اثني عشر أذنا أو أكثر، فقص رؤياه على معبر، فقال: إن كان صاحب مماليك و حشم، فإنه دليل خير كثير يناله، و إن كان غنيا، فإنه يأتيه أخبار على قدر عدد الآذان من البلدان، بسبب المعاش، و إن كان مملوكا أصابه مذمة و غم و إن كان له خصوم، حكم عليه القاضي بأحكام كثيرة، و سمع كلاما رديئا، و إن كان في خصومة، ظفر
بخصمائه, وأما اللحية فمن رأى كأنها طالت فوق قدرها، دلت رؤياه على أنها دين و غم. فإن طالت حتى سقطت على الأرض، دلت على الموت، لقوله تعالى :( منها خلقناكم و فيها نعيدكم ) طه 55. فإن طالت حتى التصقت ببطنه، أصاب مالا وجاها يتعب فيه بقدر ما كان منها على بطنه، فإن رأى طولها قدر حسن موافق، نال مالا و جاها و عيشا طيبا، و قيل: إنها إن طالت حتى بلغت السرة، دل على أنه في غير طاعة الله. فإن رأى أن جوانبها طالت دون وسطها، فإنه ينال مالا يستمتع به غيره. و لا تحمد اللحية في التأويل للصبي غير البالغ، فإن رأى أنه أخذ لحية غيره بيده و جرها، فإنه يرث ماله و يأكله. و نقصان اللحية إذا لم يكثر، دليل على اليسر و قضاء الدين و الفرج، و إذا كثر نقصانها، دل على الهوان و ذهاب المال و الجاه، فإن رأى كأن كوسجا يكلم امرأته، تشوش عليه أمره بقدره، و يفرق بينه و بين أحبابه، لأن إبليس لعنه الله كلم حواء في صورة كوسج. وسواد شعر اللحية يدل على الاستغناء إذا كان حالكا، فإذا ضرب السواد إلى الخضرة، نال ملكا و مالا كثيرا، لكن يكون طاغيا، لأنها صفة لحية فرعون، و صفرتها دليل على الفقر و القلة، و أما الحمرة فدليل الورع، وإذا رأى كأنه تناول لحيته و انتثر شعرها بيده، و امسكه و لم يرم به، فإنه يذهب من يده مال ثم يعود إليه، فإن رأى كأنه رمي به، ذهب منه مال ولا يعود إليه. وزيادة شعر الشارب مكروهة، و نقصانه و تأويل نتف اللحية للغنى إسرافه في ماله، و للفقير يدل على غمين يجتمعان عليه، و يدل على أنه يستقرض من إنسان شيئا فيقرضه لآخر، و حلق اللحية ذهاب المال و الجاه. فإن رأى كأنه قطع من لحيته، ما فضل عن قبضته، فهو يؤدي زكاة ماله، و الشيب في اللحية و قار و هيبة. والخضاب ستر، و إذا كان الخضاب بالحناء، دل على تمسكه بالسنة. فإن رأى كأنه خصب رأسه دون لحيته، فإنه يحفظ سر رئيسه،فإن رأى كأنه خضبهما جميعا فإنه يجتهد في إخفاء فقره، و يطلب القدر عند الناس، و إن قبل
الشعر الخضاب فإنه يرجع جاهه و لا يبقي كثيرا، و يتجمل بالقناعة ثم ينكسف، فإن رأى كأنه يخضب بطين أو جص فإنه يطلب محالا و يشتهر أمره، ولحية المرأة تدل على أنها لا تلد أبدا، و قيل: تدل على مرضها، و قيل: تأويلها زيادة مال زوجها و ابنها و شرف ولدها، و قيل: إنها إن كانت
متزوجة دلت على غيبة زوجها. و إن رأت ذلك حبلى فإنها تلد ابنا و يتم أمره، و قيل: من طالت لحيته و كثر شعره طال عمره و زاد ماله.
و قيل: إن الشيء الذي يكون قبل وقته، يدل على الشر، مثل أن يرى للصبيان الذكور لحية أو بياض في الشعور، و للإناث من الصبيان الصغار عرس أو ولد، و كذلك جميع ما يكون في غير وقته ما خلا النطق، فإن النطق هو دليل خير، لأن الإنسان بالطبيعة حيوان ناطق، فإن رأى غلام لم يبلغ الحلم أن
له لحية، فإنه يموت و لا يبلغ الحلم، و ذلك أنه قد سبق الوقت الذي كان ينبغي أن يكون له فيه، لحية. فإن لم يكون الغلام بعيدا من وقت نبات اللحية، فذلك دليل على أنه ينفرد و يقوم بأمر نفسه،
و من رأى نصف لحتيه محلوقة، فإنه يفتقر و يذهب جاهه. فإن حلقها شاب مجهول، ذهب جاهه على يد عدو يعرفه، أو سميه أو نظيره، فإن حلقها شيخ، ذهب جاهه بحده المقدور، و إن كان مجهولا، فإنه يذهب جاهه على يدي رئيس مستغل قاهر، لا يكون له أصل، فإن رأى أنها حاقت، فهو ذهاب وجهه في عشيرته، و مقدرته من ماله. و الحلق أيسر من النتف، و ربما كان النتف صلاحا لبعض أمره، و إذا لم يشن الوجه، إلا أن ذلك الصلاح فيه مشقة عليه ، وحكي أن رجلا أتى ابن سيرين، فقال : رأيت كأني قابض على لحية عمي وقرضتها حتى استأصلتها، فقال: إنك تأكل ميراث عمك و لا يكون له وارث غيرك، فإن تناولت منها شيئا ورث بقدر ذلك، و من رأى أن لحيته بيضاء براقة نال عزا و جاها و اسما و ذكرا في البلاد،لأن لحية إبراهيم عليه السلام كانت بيضاء. فإن رأى أنها شمطاء فإنه يصيب جاها و وقارا. فإن رأى أنها أشد سوادا و أحسن مما كانت في اليقظة فإن يصيب هيبة و عزا وجاها و جمالا. فإن رأى أنها شابت و بقي من سوادها شيء، فإنه وقار. فإن لم يبق من سوادها شيء، فإنه يفتقر و يذهب جاهه. و أتى ابن سيرين رجل فقال رأيت أن لحيتي بيضاء و أني أخضبها فلا يعلق بها الخضاب. و كان الرجل شابا أسود اللحية، فقال: البياض نقص في ملكك، و أنت تريد ستره، و
قد علم به. قال: صدقت. وأما العنق فموضع الأمانة، و زيادتها زيادة في الدين و أداء الأمانة،
ونقصانها نقصان في أداء الأمانة، فإن رأى كأن في عنقه حية مطوقة، فإنه لا يزكي ماله، لقوله تعالى :( سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) آل عمران 180. فإن رأى كأن ودجيه ( عرقين في العنق ) انفجرا دما، فإنه يموت. فإن رأى الإمام في عنقه غلظا، فهو قوته في عدله، و قهره لأعدائه، والغلظ في القفا قوة على ما قلده الله، و حسن القفا يدل على الفرار والهرب، و شعر القفا يدل على أن له مالا و عليه مال. و حلق القفا أداء الأمانة و قضاء الدين، فإن رأى كأن لا شعر عليه، دل على إفلاسه، و رأى رجل كأن عنقه لا بطويل و لا بقصير، فقص رؤياه على معبر، فقال: إن كنت سيئ الخلق حسن خلقك، و إن كنت شجاعا ازدادت شجاعتك، و إن كنت رديء الطبع كرمت ، وأما العاتق فصديق أو شريك أو أجير و كتفه امرأة و منكبه زينته وجماله فما رأى بهما من حال أو حدث، فهو بهؤلاء. و قيل: إذا كانت العواتق غلاظا حسنة اللحم، دل على رجولة و قوة في الأعمال، و يدل في المحبوسين على طول اللبث، في الحبس، حتى يمكنهم أن يحملوا ثقل قيودهم. فإن رأى كأن في عاتقه علة، فإنه يدل على مرض الاخوة أو موتهم لأن العاتقين إخوان. و رأى رجل كأنه يريد أن يرى أحد كتفيه فلا يقدر على ذلك، فعرض له أنه انعور، ذلك بالواجب، لأنه لم يقدر أن يرى الكتف في جانب العين العوراء.
و أما اليد اليمنى فسبب لمعاش الرجل و ماله و احسانه، و طول اليد في التأويل للوالي ظفر، و للتاجر ربح، و للسوقي حذق، و قيل: إن طول يدي الإمام و قوتهما يدل على قوة أعوانه و زيادة عمره، و رؤية عظمها زيادة في ماله. فإن رأى كأنهما تحولتا رخاما، طال عمره في سرور. وقيل: صحة اليدين في التأويل و حسنهما يدل على حسن الأخذ و حسن الإعطاء، و قيل: اليمنى تدل على الأقرباء من الرجال، و اليسرى تدل على النساء منهم، فإن رأى كأنه فقد إحدى يديه، فإن ذلك يدل على فقد بعض أقربائه، بغيبة أو موت. فإن رأى كأنه أدخل يده تحت إبطه، فأخرجها و لها نور، فإنه ينال
علما و إن كان من أهله، أو ربحا إن كان تاجرا، و إن خرجت و لها نار، فإنه ينال قوة و غلبة و عز في أمره الذي يتعاطاه، و إن أخرجها و لها ماء، فإنه مال. وأما اليد الزائدة مع اليدين، فإنها زيادة دولة و قوة، و تدل على ولد أو قدوم غائب، أو يولد له أخ. فإن رأى كأنه أعسر، فإنه يعسر عليه أمره،
فإن رأى أنه يعمل بيده اليسرى على جهد منه، نال حاجته أخيرا. و بسط اليدين يدل على السخاء، فإن رأى كأنه يمشي على يديه، فإنه يعتمد أمره على بعض أقاربه. فإن رأى كأنه يبصر بيديه كما يبصر بعينيه، فإنه يعتمد في أمره على بعض أقاربه. فإن رأى كأن يده اليمنى كلمته كلاما حسنا، فإن
معيشته تحسن. فإن رأى كأن الشمال كلمته بالخير، شكرته أقاربه، و إن كلمتاه أو إحداهما بالتوبيخ، دل ذلك على سوء فعله، فإن رأى كأن يمينه من ذهب، مات شريكه أو امرأته. و من رأى يده تحولت يد سلطانه، فإنه ينال سلطانا، و يجري على يديه ما يجري على يد ذلك السلطان، من عدل أو جور.
فإن رأى كأن له جناحين، ولد له ابنان. وأما العضد فإنه أخ، فمن رأى في عضده زيادة، فهي صلاح أمر أخيه أو ابنه البالغ، و من رأى في عضده نقصانا، فهو مصيبة فيهما بقدر النقصان والزيادة. و رأى إنسان كأنه نقص العضد، فقص رؤياه على معبر، فقال قليل العقل كثير الزهو. وأما الساعدان في التأويل، فقريبان أو صديقان مثل الأخ و الولد البالغ، ينتفع منهم و يعتمد عليهم. فإن رأى رجل امرأة حاسرة الذراعين، فإنها الدنيا، لحديث النبي صلى الله عليه و سلم ليلة المعراج. و الذراع إذا ألمت، فإنها تدل على حزن، و بطلان الأشياء التي تعمل باليد و على عدم الخدم. و الشعر على الذراعين دين.
و انبساط الكف سعة الدنيا، و انقباضها ضيق الدنيا، و الشعر على الكف دين و حزن. و قيل هو مال ينبو عن يده، و الشعر على ظاهر الكف، ذهاب مال. وأما الأصابع، فولد الأخ، على القول الذي قيل: إن اليد أخ. و تشكيلها من غير عمل بها ضيق اليد، و الاشتغال بشغل أهل البيت، و بني الأخوة،
بأمر قد حز بهم يخافون منه على أنفسهم، و قد تظاهروا في دفعة و كفايته. وقيل: أصابع اليد اليمنى، هي الصلوات الخمس، و الإبهام صلاة الفجر والسبابة صلاة الظهر، و الوسطى صلاة العصر، و البنصر صلاة المغرب، و الخنصر صلاة العتمة، و قصرها يدل على التقصير و الكسل فيها، و طولها يدل على محافظته على الصلوات، و سقوط واحدة منها، يدل على تلك الصلاة. ومن رأى إحدى الأصابع موضع الأخرى، فإنه يصلي تلك الصلاة في وقت الأخرى. فإن رأى كأنه عض بنان إنسان، يدل على سوء أدب المعضوض، ومبالغة العاض في تأديبه، فإن رأى كأنه يخرج من إبهامه اللبن، و من سبابته الدم، و هو يشرب منهما يباشر أم امرأته أو أختها. و فرقعة الأصابع تدل على كلام قبيح بين أقربائه. فإن رأى الإمام زيادة في أصابعه، كان ذلك زيادة في طعمه و جوره و قلة إنصافه ، الأظافر مقدرة الرجل في دنياه، و بيض الأظافر يدل على سرعة الحفظ و الفهم، و رؤية الأظافر فِي مقدارها صلاح الدين و الدنيا. و المعالجة بها دليل الإحتيال في جمع الدنيا، و طولها مع حسنها مال و كسوة، و إعداد سلاح للعدو، أو حجة مال، يتقي بذلك شرهم. و طولها بحيث يخاف انكسارها، دليل على تولي غيره إفساد أمر بيده، لإفراطه في استعمال مقدرته، فإنه يخرج زكاة الفطر. فإن رأى كأن شيخا أمره بقلمها، فإن وجده يأمره بالقيام بتعهد نفسه و صيانة جاهه. و خضاب أصابع الرجل بالحناء، دليل على كثرة التسليح، و خضاب أصابع المرأة بالحناء يدل على إحسان زوجها إليها. فإن رأى كأنها خضبتها فلم تقبل الخضاب فإن زوجها لا يظهر حبها. فإن رأى الرجل كفه مخضوبه خضابا وحشا، نال كدا في معاشه، فإن كانت يده اليمنى مخضوبة خضابا وحشا، دلت رؤياه على أنه يقتل رجلا. فإن رأى كأن يديه مخضوبتان بالحناء، فإنه يظهر ما في يده من خير أو شر، أو من ماله أو من مكسبه أو صناعته، فإن رأى يديه منقوشتين بالحناء، فإنه يحتال حيلة من البيت، ليصرف بعض أثاث البيت في نفقته لقلة كسبه، و يشمت الأعداء به عدوة، و يناله ذل. فإن رأت امرأة يدها منقوشة، فإنها تحتال لزينتها في أمر هو حق، فإن كان النقش بالطين، دل على كثرة تسبيحها. فإن رأت نقش يديها قد أختلط بعضه ببعض، أصيبت بأولادها، فإن رأت كأنها يدها مخضوبة بالذهب أو منقوشة به، فإنها تدفع مالها إلى زوجها أو يصيبها منه فرح، فإن رأى رجل أنه مخضوب أو منقوش بالذهب، فإنه يحتال حيلة يذهب فيها ماله أو معيشته. و أما شعر الإبط فإن طوله دليل على نيل الحاجة، لقوله تعالى :( و اضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء ) طه 22. و يدل على دين صاحبه و كرمه. فإن رأى شعر إبطه كثيرا، فإنه رجل يطلب بجلادته جمع المال في العلم و الولاية و التجارة و غيرها، و لا يرجع إلى المروءة و الدين. فإن كان فيه قمل كثير دل على كثرة العيال. و أما الظهر فظهر الرجل و سنده و قيمته و ملتجؤه الذي يستظهر به، و موضع قوته. فإن رأى أن ظهره منحن، أصابته نائبة، و قيل: هو دليل الشيب. و رؤية ظهر الصديق، إعراضه و هجرانه، و رؤية ظهر العدو الأمن من شره، و رؤية ظهر المرأة النصف ( أي متوسطة العمر ) دليل على طلب أمر قد تعسر عنه، و تولى عنه الأمر. و الصلب موضع الرزانة، و موضع الولد و القوة، فمن رأى صلبه قويا، رزق عقلا، و قيل: ولدا قويا، و قيل: الصلب رجل شديد يعتمد عليه. و طول القد ( القامة ) بالمقدار محمود، و فوق الحد دليل على قرب الأجل، و ذهاب الحياة، و كذلك قصر دليل على قصر العمر و الجاه. و السمن و القوة في البدن قوة الدين و الإيمان، فإن رأى كأن جسده جسد حية فإنه يظهر ما يكتم من العداوة. فإن رأى كأن له ألية كألية الكبش، فإن له ولدا مرزوقا يعيش بعده. و من رأى أن جسده من حديد ـو من حجارة، فإنه يموت. فإن رأى زيادة في جسده من غير مضرة، فهو زيادة، في النعمة عليه، و جاء رجل خامل الذكر، قليل المال لمعبر فقال: رأيت كأن جسدي ازداد و تضاعف، فقال المعبر ستكون أهلا لذلك، و تصيب ملكا و تصير ذا مال و عز. فلم يلبث أن خرج مع الغزاة، و كان شجاعا، فهزم المشركين و نال مالا و غنائم. و أما شعر الجسد فبنيانه للرجل حمل امرأته، و كثرة شعر الجسد للمكروب زيادة كربة و تساقطه ذهاب كربه. و كثرة شعر الجسد للمسرور زيادة سرور و غنى، و سقوطه ذهاب غناه، و زيادة شعر البدن للغني مال، و للفقير دين يجتمع، من تنور و كان غنيا، فإنه يذهب ماله بالاستيلاء، و إن كان فقيرا، فإنه يقضي دينه بالجد و التعب، و المطالبة فإن رأى شعر جسده أبيض، فإنه إن كان غنيا نال خسرانا في ماله، و أشرف على الفناء. و إن كان فقيرا فإن دين يمكنه قضاؤه. و أما استحالة شعر جسده شعر بهيمة أو سبع، فتدل على وقوعه في الشدائد. ضيق الصدر ضلال. فإن رأى ذمي أن صدره ضيق، نال خسرانا في ماله، و قيل: إن سعة صدر الإنسان سخاوة، و ضيقه بخله، و كثرة الشعر على الصدر دين يركبه، فإن كأن صدره تحول حجرا فإنه يكون قاسي القلب. و قيل: إن رأى رجل في ثديه لبنا، فإن كان عذبا فإنه يتزوج و يولد له، و إن كان فقيرا دل على يساره، و إن كان شابا دل على طول عمره، و أما المرأة الشابة إذا رأت ذلك دلت على حملها و ولادتها، و أما العجوز فإن رأته دل على فقرها و ذهاب مالها، و العذراء إذا رأته دل على عرسها، و الصغيرة إذا رأته دل على موتها. و طول ثدي الرجل حتى يضرب صدره، دليل على هوى في غير رضا الله تعالى ، و قيل: هو دليل على الموت للأولاد. فإن لم يكن له ولد دل على الفقر و الحزن. و طول ثدي المرأة فوق الحد، دل على غاية الحزن. فإن النساء إذا أصابهن حزن جذبن أثدائهن و خدشنها، و من رأى كأنه يرتضع امرأة فإنه يمرض، و إلا تكون امرأته حبلى فإنها تلد ابنا، و إن كان صاحب الرؤيا امرأة تلد بنتا. و البطن: من ظاهر و من باطن مال الرجل و ولده، أو قرابة من عشيرته، أو خزانه و مأوى عياله، و صغره قلة هؤلاء و كبره كثرة هؤلاء. و صغره من غير جوع قلة المال، فإن رأى أنه جائع، فإنه يكون حريصا، و يصيب مالا بقدر من الجوع منه. و قيل : إن عظم البطن أكل الربا، و المشي على البطن اعتياد على المال. فإن رأى أن بطنه صار صغيرا، فإنه يكون كثير الأمتعة. و الشبع ملاله من المال، و العطش سوء حال في دينه، و الرأي صلاح دينه. و القلب: شجاعة الرجل، و سماحته و جراءته و جلادته و جوده، و سخاؤه و غلظته و صلاحه و فساده راجع للبدن، لأن ملك البدن، و القائم بتدبيره. و خروج القلب من البطن، حسن الدين و الإخلاص و التفريغ عنه هو الإهتداء إلى الحق. و قيل: القلب يدل على امرأة صاحبة الرؤيا، فإنها هي المدبرة لأموره، فإن رأى كأن قلبه تقطع، فإن كان عليلا برئ و شفى و فرج عن كربه. و الكبد: موضع الغضب و الرحمة، و قيل: الكبد تدل على الأولاد و الحياة و خروج الكبد من البطن ظهور مال مدفون. فإن رأى أنه يأكل كبد إنسان و أصابها، فإنه يصيب مالا مدفونا و يأكله. فإن كانت أكبادا كثيرة مطبوخة و مشوية و نيئة، فهي كنوز تفتح له و يصيبها. و أكباد البهائم و الآدميين سواء، و أكل كبد الإنسان المعروف أكل ماله، فإن نظر في كبده فرأى وجهه فيها كما يفعل بالمرآة، فإنه يموت. و قوة الطوحال : فرج فإنه قوام البدن، و من رأى كأن إنسانا قطع مرارة إنسان بأسنانه فمات فيه، فإن القاطع يحقد عليه حقدا عظيما يهلكه فيه، فإن خرج دمه و شربه القاطع، فإنه يحلل ماله على نفسه لجهله و شره. و أما صلاح الرئة : فهو طول العمر، و فسادها قصر العمر، لأنها موضع الروح. و الكليتان : موضع الغنى و الصواب و البيان و الخطأ، فإن رآهما شحميتين فإنه رجل غني صاحب نطق و صواب. و هزالهما فقر، و خطأ رأيه. و قيل، الكلى القربات، و صلاحها و فسادها يرجعان إلى ذلك. و ظهور الأمعاء: أو شيء منه مما في جوفه، ظهور ماله المدخور ، أو يظهر من أهل بيته أحد يسود. أو هو بنفسه، و أكل الرجل أمعاء نفسه، دليل على أنه يأكل مال نفسه، و كذلك لو رأى أنه يأكل أمعاء غيره، أو شيئا مما فيه فهو يصيب من ذلك مالا مدخورا و يأكله. و قيل خروج الأمعاء يدل على أن ابنته تخطب، و من رأى كأن أمعاء بطنه أو سائر ما في بطنه خرج فغسل بطنه و أعيدت إليه أو لم تعد، فهو موته في رضا الله تعالى. فإن خروج شيء من جوفه، فإن عنده وصية لرجل، و بنتا لصاحب وصية و هو على تزويجها. و قيل: إن خرج ما في البطن، دل على هتك الستر. فإن رأى كأن شق بطون رعيته، فإنهم تفتش بطونهم، فإن أخذ ما في بطونهم، أخذ أموالهم. فمن رأى كأن كأنه يشق بطنه أو أحشاؤه في موضعها المعروف فإن ذلك محمود لمن لا ولد له، و للفقير ، لأنها تدل على أن من لا ولد له يولد له و تدل للفقراء أن يستغنوا؛ لأن الأولاد بمنزلة الأحشاء. و قياس الأحشاء في البطن كقياس متاع المنزل في المنزل. و إذا رأى إنسان كأن غيره يكشف أحشائه و يظهرها، فإن ذلك أمر رديء، يدل على أنهم يسيرون إلى الخصومات، و تكشف أمور مستورة من أمورهم، فإن رأى الإنسان أن جوفه انشق و هو فارغ ليس فيه شيء فإن ذلك يدل على خراب منزله و وحشته و هلاك أولاده. و في المريض على أن يموت. و أما السرة فامرأة الرجل و حبيبته من جواريه و همته. فما رأى بسرته من قبح الحال أو جمال أو سوء حال، فهو فيهن. و قيل: من كان له والدان فرأى سرته عليلة، فإن ذلك يدل على علة الوالدين، و من لم يكن له والدان، فإن ذلك يدل على أوطانهم التي ولدوا فيها، و أما من كان في غربة، فإنه يدل على رجوعه. و أما المراق و ما يلي السرة، فإن أعلاه و أسفله يدل على قوة البدن و على الملك. فمتى كان في شيء من أجزائه وجع، فإن ذلك مرض لصاحب الرؤيا و فقره. و أما الضلع: فهو المرأة ، لأنها خلقت منها فما حدث فيها فهو في النساء. و أما العورة: فظهورها هتك الستر، و شماتة الأعداء، و هي ما بين السرة و الركبة، فمن رأى أنه أبداها أو كشفت عنها ثيابه أو بعضها، فإنه يظهر منه بقدر ما بدا منها. و إذا كانت عليه من الثياب شيء قليل قدر ما يسترها خاصة، فإنها قدر قد تجرد في أمر أمعن فيه، و إن كان كذلك في معصية، فإنه يبلغ في معصية، و كان الموضع الذي تجرد فيه مثل السوق أو وسط الملأ، و العورة بارزة يراها بعينه، كأنه مستح منها، و عليه بعض ثيابه، و لم ير مع ذلك شيئا يدل على أعمال البر، فإنه يهتك ستره، و لا خير فيه. و إن كان تجرده على ما وصفت، و لم ير العورة بارزة، و لم يصر على الإستيحاء منها، و لم يكن عليه من ثيابه شيء، فإنه يسلم من أمر هو به مكروب، و إن كان مريضا شفاه الله، و إن كان مديونا قضى دينه، و إن كان خائفا أمن، و إن لم يكن عليه من الثياب شيء، فهو يسقط من رجاء من كان يرجوه، أو يعزل من سلطان هو فيه، أو ينتقض عليه أمر هو مستمسك به. و كل ذلك إذا كانت عورته بارزة ظاهرة، و هو كالمستحي منها. فإن لم تكن العورة ظاهرة، و لا مستح منها، فإن تحويل حالته التي وصفت، يدل على حال السلامة، و لا يشمت به عدو إن شاء الله. و التجرد مع الاشتغال بعمل، دليل على تجلده فيه و ظفره بمراده. فمن رأى كأنه عريان متجرد من ثوبه، فإن له أعداء في الموضع الذي رأى فيه، و هو يغلبهم. فإن لم تكن عورته مكشوفة، فإنه لا يغلبهم. فإن غطى عورته بشيء أو بيده، فإنه ينقاد لهم و يهرب منهم. فإن رأى على وسطه مئزرا فقط، فإنه يجتهد في العبادة. و إن رأى نفسه متجردا في طال شيء، نال ذلك الشيء بقدر تجرده. و أما العرى إذا لم يكن معه اشتغال بعمل، فهو محنة و ترك طاعة و هتك ستر. و أما الذكر : فإنه ذكر الرجل في الناس و شرفه أو ولده. و الزيادة و النقصان فيه في ذلك. و قيل إنه إذا رآه طال فوق المقدار، نال هما. فإن رأى له ذكرين أصاب ولدا مع ولده، و ذكرا في الناس مع ذكره، و شرفه، فإن كان قلعة بيده أو قلع بعضه، ثم أعاده إلى مكانه، مات له ابن و استفاد بدله، و ذهب ماله ثم رجع إليه. و انقطاعه حتى تبين منه دليل على موته أو موت ولده، لأن ذكره ينقطع بموته. و قيامه قوة الجد، و حركته نشاطه، و سعة دنياه، و ربما انقطاع ذكره، و انقطاع اسمه و ذكره من ذلك البلد أو المحلة. و ذلك مع انقطاع ما يدل على السلامة و الخير، و لا يكون معه ما يدل على موت. و الذكر إذا نقص أو زاد أو عظم أو صغر، بعد أن يكون له طرف واحد، فإن عامة تأويله في الولد و النسل. و إذا تشعب فكانت له شعب كثيرة أو قليلة، فإن عامة تأويله في شرفه و ذكره في الناس، بقدر ذلك، لأن شعبه انتشار ذكره. و ضعف الذكر، دليل على مرض الولد أو إشرافه على سقوط جاهه. فإن رأى كأنه مص ذكر إنسان أو حيوان، عاش الماص بذكر صاحب الذكر، و اسمه، فإن رأى أنه خنثى حسن دينه. و من رأى كأن عورته ظاهرة و لم ينظر إليها و لم يستحي منها، ولم يلتفت إليها أحد، فإنه يسلم من أمر هو فيه مكروب من مرض أو هم أو خوف أو دين. و الإمناء دليل على نيل المنى، من دينار إلى مائة ألف على قدر الرجل في الناس، فإن رأى كأنه قد عقد على ذكره، اشتد عليه عيشه، و تعسر عليه أمره، و سخر بولده. و من رأى كأنه كأن ذكره دخل جوفه، دل ذلك على أنه يكتم شهادة. و من رأى كأنه يقبل إحليله، فإن لم يكن له ولد فإنه يولد له ولد، فإن كان له أولاد هم مسافرون، فإنهم يرجعون إليه، و يقبلهم. و رأت امرأة كان الشعر على احليل ابنها، فقصتها على معبر، فقال لها: قد فني عمره، فلما لبث إلا قليلا حتى مات. و رأى آخر كأن على احليله شعرا كثيرا إلى طرفه، فقص رؤياه على معبر فقال: يدل على فجورك. و انهماكك في الفساد، و رأى آخر كأنه أطعم إحليله طعاما، فعرض له أنه مات ميتة سوء، لأن الطعام ينبغي أن يقدم إلى الفم، كأن لم يكن له وجه و لا فم. و فرج المرأة : فرج، فإن رأت كأن الماء دخل فرجها، رزقت ابنا. و رؤية فرجها من حديد أو صفر يدل على الإياس من نيل المراد. و من رأى أنه يعالج فرج امرأة بدون الذكر، فإنه ينال فرجا من قبلها فيه نقص و ضعف. و من رأى أنه عض فرج امرأة مجهولة، فإنه يأتيه فرج في أمر دنياه، فإن رأى فرج جارية يأتيه خير و فرج، فإن رأى أنه مس فرج امرأته و كان مصمتا من صفر، فإنه يطلب منها فرجا و ييأس منها. فإن رأى فرجها من خلفها، فإنه يرجو خيرا و مودة تصير إلى عدوه. فإن كان الفرج صغيرا غلب عدوه، و إن كان كبيرا غلبه عدوه. و من رأى أن ذكره استحال فرجا، عجز بعد القوة. فإن رأى لامرأة ذكرا كذكر الرجل، فإن كان لها ولد أو في بطنها، فإنه يبلغ و يسود أهل بيته. و إن لم يكن لها ولد ولا في بطنها ولد، فإنها لا تلد ولدا أبدا. و إن ولدت مات الولد قبل بلوغه و ربما انصرف التأويل في ذلك عنها إلى قيمها أو مالكها. فيكون له ذكر في الناس و شرف بقدر الذكر. فإن رأى للرجل سوأة كسوأة المرأة. فإنه يصيبه ذل و خضوع. فإن رأى أنه ينكح في ذلك الفرج، فإن الفاعل به يظفر بحاجته منه أو من سميه، إن لم يكن لذلك موضعا. و قيل: إن استحالة فرج المرأة ذكرا. دليل على بذاءة لسانها و تسلطها على زوجها بالكلام. و من رأى أنه يمتص فرج امرأة، نال فرجا ضعيفا قليلا. و من نظر إلى فرج امرأة أو غيرها نظر شهوة أو مسه، فإنه يتجر تجارة مكروهة. و الخصيتان عرى الأعداء التي يتصلون بها إليه، فإن رأى خصيتيه قطعتا من غير أن ينتنا أو ينالهما مكروه، فإن أعداؤه يظفرون بقدر ما نيل من خصيتيه، ولو رأى أن خصيتيه عظمتا أو لهما قوة فوق قدرهما، فإنه يكون منيعا لا يصل إليه أعداؤه بسوء. و ربما كان انقطاعهما انقطاع الإناث من الولد، إذا كان في الرؤيا ما يدل على الخير، لأن الخصيتين هما الأنثيين، و البيضة اليسرى يكون الولد منها، فإن رأى أنها انتزعت منه مات ولده، و لم يولد له من بعده. فإن رأى أنه وهبها لغيره بطيبة نفس منه، و بانت منه، فإنه يولد له لغير رشد و ينسب الولد إلى غيره. فإن رأى أن خصيتيه في يد رجل معروف، فإن ذلك الرجل يظفر به. فإن كان رأى الرجل شابا فهو عدوه، و من رأى أنه آدر ( فتق )، فإنه يصيب مالا لا يؤمن عليه أعداؤه. و رأى رجل كأن له عشر ذكور و ليست له خصية، فقص رؤياه على معبر فقال له: يولد لك عشر بنين ، و لا يولد لك أنثى. و أما العانة: فنقصانها صالح في السنة. و زيادتها مال و سلطان يناله من جهة رجل أعجمي. فإن رأى كأنه نظر إلى عانته فلم ير عليه شعرا كأنه لم ينبت قط. دل على حجر عليه في المال أو خسران يقع له. فإن كان عليه شعر كثير حتى تسحبه في الأرض، فإنه ينال مالا كثيرا مع فساد دين، و تضيع سنين و مروءة. و العجز: هو مال امرأة فإن كان كبيرا لامرأته مالا كثيرا. و إن رأى عجز نفسه كبيرا، فإنه يسود بمال امرأته، و يصيب من ذلك خيرا. و من رأى رجلا كشف له عن نفسه و رأى عجزه، فإنه يطعمه دسما و منفعة، ثم يشرف على أدبار فيها. فإن رأى دبره فإنه يناله من أدبار، إن كان شابا. و إن كان شيخا معروفا، فإنه يوقعه هو بعينه في أدبار، و إن كان مجهولا فإنه ينال إدبارا من حيث لا يشعر. فإن كشف عن رجل حتى أظهره عجزه. فإنه يفضحه في أهله. فإن رأى امرأته كشف عن عجزها حتى رأى دبرها، فإن الأمر ينسب إلى ذلك يشرف على الإدبار و يلحقه دين من تجارة أو ولاية، و من نكح امرأة في دبرها، فإنه يطلب أمرا من غير وجهه و لا ينتفع به، لأن النكاح في الدبر ليس له ثمر، و من رأى أنه يسحب على عجزه أو دبره، فإنه يضطر. و أما الفخذ: فعشيرة الرجل، فإن رأى أن فخذه قطعت و بانت، فإنه يتغرب عن قومه و عشيرته، حتى يكون موته في الغربة، لأن الفخذ إذا قطعت وبانت لا ينجبر صاحبها و لا يلتئم، فذلك لا يرجع إلى قومه أبدا. فمن رأى كأن فخذيه نحاسا فإن عشيرته تكون جريئة على المعاصي . و حكي أن رجلا أتى بان سيرين فقال : رأيت فخذي حمراء و عليها شعرا نابت، و أمرت رجلا فقص ذلك الشعر. فقال : أنت رجلا عليك دين يؤديه عنك رجل من قرابتك. و العصب : سيد قومه و المؤلف بين القربات. و العروق أهل بيته مما ينسب إلى ذلك العضو. و جمالها جمالهم، و فسادها فسادهم. فإن رأى أنه فصد عرقا بالعرض، فهو موت قريب من أقربائه بمنزلة ذلك العرق. و ربما كان هو نفسه المنقطع عن أقربائه بموت، و إذا كانت الرؤيا في تأويلها ما يدل على مكروه أو معصية. و إن كان ذلك في مكروه التأويل، فهو فراق ما بينه و بينهم. و ربما كان فراق بغير موت. و الركبة: كد الرجل و نصبه في معاشه و مطلبه، فإن رأى بها حدثا، فإنه تنسب إليه الركبة. و قوة جلدها قوة معيشته و انسلاخ جلدها زيادة كد و تعب. و غلظ جلدها قوة معيشته، أو ظهور الورم فيها إصابة مال من تعب، و قيل: أن المريض إذا رأى في ركبته الماء أو علة، دل على موته، و قيل: إن الركبتين ينبغي أن يجعل تأويلهما على قوة البدن و حركته و جودة عمله. و لهذا السبب متى كانتا صحيحتين قويتين، فإن ذلك دليل على سفر أو حركة أخرى، و على أعمال يعملها صاحب الرؤيا على صحة البدن، و إن رأى فيهما علة و ألما، فإن ذلك يدل على ثقل الركبتين في الأعمال . و الرجل: قوام الرجل و ماله و معيشته التي عليها اعتماده و ربما كانت الساق عمر صاحبها. فإن رأى أن ساقه من حديد، طال عمره و بقي ماله. و إن رأى أن ساقه من قوارير، لم يلبث أن يموت و يذهب ماله و قوامه؛ لأن القوارير لا بقاء لها. فإن رأى رجله قطعت، ذهب نصف ماله. فإن قطعتا جميعا ذهب ماله و قواه، أو مات كل ما بانت منه. و قيل: الرجلان الأبوان، و المشي حافيا يدل على التعب و المشقة، و قيل: من رأى له أرجلا كثيرا، فإن كان مسافرا سهل عليه سفره، و نال خيرا، و إن كان فقيرا نال ثروة ، و إن كان غنيا مرض، و رؤية الرجلين مخضوبتين منقوشتين للرجل، موت الأهل و المرأة موت بعلها. و من رأى كأنه رفع ساقا و مد ساقا فالتفت إحدى ساقيه بالأخرى، فإنه قرب أجله ، و يلقاه أمر صعب، و يدل على أن صاحب الرؤيا كذاب، و رؤية الرجل ساق امرأة دليل على التزوج، و كشف المرأة عن ساقها حسن دينها و إصابتها أمرا خيرا مما كانت فيه. و الكعب : ولد مقامر، و قيل الكعب موت أو غم. و انكسار عقب سعي في أمر يورث الندم. و القدم: زينة الرجل و ماله ، و أصابعها جواريه و غلمانه، فإن رأى بعض أصابعه صعد إلى السماء، مات بعض غلمانه أو جواريه. و الشعر على القدمين : دين غالب. و من رأى كأن رجليه صعدتا إلى السماء و بانا منه، مات ولداه، فإن رأى يزني برجله، فإنه يمشي خلف النساء حراما. و من رأى له أرجلا كثيرة، فقيل: إنه للغني مرض لأنه يحتاج إلى أرجل كثيرة تنوب عنه، و ربما دلت على ذهاب البصر حتى احتاجوا إلى من يقودهم. و دلت في الشرار على الحبس حتى يكون عليهم حفظة، فلا يمشون منفردين، و رأى رجل كأن إحدى رجليه صارت حجرا، فجفت تلك الرجل بعينها . و رأى رجلا كأنه يركل الملك برجله، فأصاب و هو يمشى دينارا و عليه صورة الملك. و حكي أن رجلا أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأن على ساقي رجل شعرا كثيرا، فقال: يركبه دين و يموت في السجن، فقال : لك رأيتها. فاسترجع ابن سيرين، ثم إنه مات في السجن و عليه ألف درهم، فقضاها عنه بعد موته. و رأى رجل كأنه معوق الساق، فعبره لها معبر فقال: إنك تصير زانيا. فأخذ بعد ذلك مع امرأة. و أتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأن إصبع رجلي على جمر، فإذا وضعتها عليه طفئ، و إذا رفعتها عنه عاد كما كان، فقال : هذا صاحب هوى، فقال: ليس هو صاحب هوى و لكنه يتكلم في القدر. فقال: و أي شيء هو أشد من القدر؟. و رأت امرأة كأن إبهام رجلها قطعت، فقصت رؤياها على ابن سيرين فقال: تصلين قوما قطعتيهم . و أصابع القدمين زينة مال صاحبها، و أعمال البر، و عظام ماله الذي به اعتماده و معيشته.(1/70)
الرأس : دال على رئيس الإنسان ، والحاكم عليه ، كوالديه ، وأستاذه ومعلمه ، ووصيه ، ويدل على الولد ، والأخ ، والقرابة ، والصديق ، وعلى رأس المال ، والدور ، والمعايش.
فمن رأى أن رأسه صار مليحاً : حَسُن حال من ذكرنا.
وإن قطع رأسه ، أو نزلت به آفة : فارق من ذكرنا ، أو تنكد ، أو افتقر بعد غناه.
وإن كان الرائي مريضاً ، أو في حرب : مات.
قال المصنف : إنما دل الرأس على ما ذكرنا لكونه قوام البدن ، وربما دل على غير ما ذكرنا. كما قال لي إنسان : رأيت أنني بعت رأسي وهو مقطوع ، قلت : تبيع ملبوساً على الرأس. وقالت امرأة : رأيت أنني قد قلعت رأسي وجعلت مكانه رأساً جديداً ، قلت : جرى لك ثلاثة أمور : حصل لك كسوة على الرأس ، ومات لكِ ولد ورزقت غيره ، وفارقت رجلاً وأخذت غيره ، قالت : صحيح ذلك كله. وقال فقير : رأيت رأسي قد تكسر ، قلت له : أنت ساكن في قبة والساعة تنهدم ، فكان كذلك. وقال لي صغير : رأيت أن قد وقع من يدي رأس وتكسر ، قلت له : وقع من يدك قدرة لها آذان وتكسرت ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، قلت له : وقع منك رأس بطيخ وتكسر ، قال : صحيح.
فصل : وأما حسن الشعر وطوله لمن يليق به : فائدة وراحة ، وكسوة ، وللأعزب : زوج ، وفائدة من زراعات ، أو بساتين. وأما إن دهنه دهناً معتاداً بحيث أنه لا يسيل على وجهه ، ولا ثيابه ؛ فإن كان الداهن متولياً : أحسن إلى غلمانه ، ورعيته. وإن أخرج القمل منه ، أخرج المفسدين من بلاده. وإن كان صاحب تجارة ، أو معايش ، أو زراعة ، انصلحت ، أو تنصلح أقاربه ، ومعارفه.
قال المصنف : إنما دل الشعر على ما ذكرنا لرغبة الناس فيه ، ودل على المعايش لكون الغلام والجارية يكثر الرغبة فيهم ؛ ويزيد ثمنهم ، فافهمه.
فصل : وأما إن سال الدهن حتى لوث ثيابه ، أو على وجهه ، أو طال شعره طولاً ردياً ، أو نزل على عينيه ، أو قصر شعره ، أو حلقه ، لمن لا يليق به ذلك : دل على الهموم ، والأنكاد. وأما إن كان يليق به حلق الشعر ، أو تقصيره ، أو مريض يصلح له ذلك : دل على فائدة ، وراحة ، وخلاص من شدة ، أو من مرض. وكذلك إذا سرح شعره : تساقط. وربما دل ذلك على طلاق الزوجة. وأما كثرة القمل ، والصيبان ، أو الوسخ : فهم ، ونكد ، وشدة ، وعيال. فإن غسله ، استراح من ذلك.
قال المصنف : وربما دل طلوع الشعر الردي على المرض. كما قال إنسان : رأيت قد طلع عليّ شعرة طويلة وحشة ، قلت : تقع في مرض فيه رعشة. وقال آخر : رأيت أنني يخرج من فمي شعر كثير والناس يأخذون منه ، قلت : تصير شاعراً. وقال آخر : رأيت أنني أسجد لشعرة وهي تتلون ، قلت : أنت تخدم النجم الذي يقال له الشعرى بالأبخرة ، قال : صحيح. وقالت امرأة : رأيت أن عليّ شعراً كثيراً وهو يطير بي ، قلت : تتزوجين بمن يسكن البادية وتبقين في بيت شعر. فافهم ذلك.
واعتبر لما دهن ولمن دهن. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أدهن رأسي وهو ينزل من فمي وأنفي ، قلت : ينزل برأسك نزلة. ومثله قال آخر ، قلت تلف عليك سقف البيت. وقال آخر : رأيت أنني أدهن رؤوس الناس بشيء يصبغ ، قلت : أنت تتعانى طلاء الخوذ. وعكسه قال إنسان : رأيت أنني أصبغ لون الخوذ ، قلت : أنت قيم حمام تعمل في رؤوس الناس شيئاَ من الصبغة. وقال آخر : رأيت أنني أدهن قبة بيت المقدس ، قلت : تغسل رأس ملك ، أو رجل صالح عظيم. وقال آخر : رأيت أنني أدهن رأس ملك دمشق ، قلت : تعمل عملاً في قبة الجامع بها ، فكان كذلك.
وأما كثرة القمل في الرأس والصيبان والوسخ فنكد لضرر الإنسان به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أقتل قملاً من رأسي ، قلت : تقتل جماعة من المفسدين وربما كانوا في أرض ذات شجر ، أو قصب كثير. ومثله قال آخر ، قلت : يخرج عليك منك جماعة يؤذونك وتنتصر عليهم.
ودل القملُ والصيبان على الدين والمطالبة من العيال لكون لهم أقمام يطالبون ما عندهم من الدم. ودل الوسخ على الدين لأنه يقال عليّ شيء من وسخ الدنيا. وتساقط الشعر بالتسريح : طلاق ، لقوله تعالى : { تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }
] البقرة:229[.
فصل الجبهة : يدل حسنها على جاه الإنسان ، وغناه ، وثناه المليح ، وتمام فرائضه ، وعلومه. وقبحها ورداءتها دال على عكس ذلك.
قال المصنف : دلت على الفرائض لأن ما كتب على جبين الإنسان مطلوب به ، ولسجوده عليه الله عز وجل. وربما دلت على مكاتيبه. كما قال لي إنسان : رأيت أن جبهتي انكسرت ، قلت : يذهب لك كتاب ، أو لوح. ومثله قال آخر ، قلت : إن كانت وحشة يروح عندك مكتوب ردي. وعكسه قال إنسان : رأيت أن لوحي انكسر ، قلت : يقع بجبهتك ألم ، فكان كذلك.
فصل : الحاجبان يدلان على تجمله بولدين ، أو أبوين ، أو أختين ، أو زوجتين ، أو غلامين ، أو قرابتين ، ويدل للملك على حجابه وعساكره. فالميامن ذكور ، والمياسر إناث. وأما قبحهما فدال على فراق ، أو نكد ، ممن دلوا عليه.(1/71)
وكذلك الحكم لكل ما في الإنسان منه اثنان كالأذنين ، والعينين ، والخدين ، والشفيتن ، واليدين ، ونحو ذلك.
قال المصنف : وربما دل حسن الحاجبين على عافية مريض مخصوص. كمن خيف عليه الجذام والعياذ بالله تعالى فرأى أن حاجبيه قويا وحسنا ، قلت : تعافى ، فعوفي. وآخر رأى أنهما قد سقطا ، قلت : نخشى عليك الجذام ، فكان كذلك.
وكذلك في الأهداب للعين والأنف حكم الحاجبين ، لأن علامة نزول الجذام تغير أولئك مع باقي الوجه. كما أن قوتهم وحسنهم يدل على العافية من ذلك غالياً. وقال لي إنسان : رأيت أن عيني صارت في أذني ، قلت : لك غائب وعينك إلى ما تسمع عنه من الأخبار. وقال لي ملك : رأيت أن عيني صارت فوق حاجبي ، قلت : تجعل على مقدم عساكر عيناً ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أن خدي قد تقطع ، قلت له : أنت تضرب بالبوق ، قال : نعم ، قلت : تبطل معيشتك لأن الخد يجمع لك الهواء وقد تمزق. وقال آخر : رأيت أن شفتي السفلى قد نبت عليها شعر ، قلت : تهجر دارك حتى تنبت في عتبتها الحشيش. ومثله قال آخر ، قلت له : ترزق عمل الأشعار. ومثله قال آخر ، قلت : يحصل لك نكد لأجل كلام.
وأما الأنف : فولد ، أو والد ، أو أخ ، أو زوج ، أو صديق ، أو منفعة ، أو قرابة ، أو مال ، أو صنعة. فما نزل من حسن ، أو قبح عاد إلى من دل عليه.
قال المصنف : وربما دل الأنف على مواضع الريح وبيت الراحة. كما قال لي إنسان : رأيت أن أنفي سقط ، قلت : تنهدم لك مرحاض. ومثله قال آخر ، قلت : ينهدم لك باذهنج ، فكان كذلك.
فصل : السمع والبصر والذوق والشم : كل واحد منهم دال على العز ، والراحة ، والهداية ، والمكاسب ، والفوائد ، والأمن ، والفرح ، والغنى. فإن ذهب أحدهم : خشي عليه من مرض ، أو سجن ، أو شدة ، أو نكد. كما أنهم إذا حَسُنوا ، أو أحدهم : نال صاحِبه عزاً ، وجاهاً ، وخلاصاً من شدة ، أو مرض.
وربما دلت الأذنان على أصحاب الأخبار. والعينان على الجواسيس.
قال المصنف : إنما دل السمع والبصر والذوق والشم على ما ذكرنا لزيادة قيمة من له ذلك ، ولتعب من يعدم أحدهما. كما قال لي واعظ : رأيت أن ذوقي قد عدم ، قلت : ما يبقى لكلامك ذوق. ورأى من يتعانى التجارات أن سمعه قد انسد ، قلت : يبطل سفر مركبك وتتعطل معيشتك ، لعدم الربح الذي تجد منه راحة. وكمسافر رأى أن بصره تلف ، قلت : يقطع عليك الطريق وتنهب وتقاسي شدة. كما أن حسنهم دال على الخير.
فصل : من رأى في عنقه ما يليق به كالقلائد ، والعنابر والهياكل ، ونحوهم أو قد حَسُن : فإن كان أعزب تزوج ، وللحائل حمل ، وللحامل ولد. فإن كان ذلك مذكراً كان الولد ذكراً ، وإلا فأنثى. وإن كان يصلح للولاية ، تولى ، وإلا درت أرزاقه ، ومعايشه. وأما إن رأى عنقه قد رق ، أو نبت فيه خراجات ، أو قروح ، أو في صفة ردية : فهموم ، وديون ، وأعمال ردية ، وتعطلت عليه معايشه ، وفوائده.
قال المصنف : واعتبر الحوادث في العنق. كما قال لي إنسان : رأيت أن عيني في عنقي ، قلت : يطلع فيه طلوعات. وقالت امرأة : رأيت شخصاً عينه في عنقي ، قلت : له أولاد عندك ؟ قال : نعم ، قلت : فاعملي معهم خيراً. ومثله رأت أخرى ، قلت : هذا عينه فيك. وقال آخر : رأيت أن جلد عنقي قد سقط ، قلت : تقع قناة دارك. ورأى قاضٍ أن عنقه قد راح ، قلت : تعزل ويؤخذ ما في عنقك من الأمانات والودائع. ورأى رجل مسخرة أن عنقه قد تمزق ، قلت : تتوب ويبطل صفعك عنقك. ورأت امرأة أن عنقها ملآن جدري ، وهو مليح ولم يؤلمها ، قلت : يفتح عليك برزق تشترين قلادة فيها جواهر ، أو خرز مليح ، فكان كذلك.
فصل : الكف والأصابع : يدلون على ما دلت عليه اليد ، وعلى الصلوات. فمن رأى أن أصابعه تقطعت ، أو نزل بها آفة ، فذلك ضعف في عساكره ، أو أولاده ، أو معايشه ، أو أقاربه ، أو معارفه. وربما بطلت عباداته.
فالإبهام : صلاة الظهر ، والسبابة : العصر ، والوسطى : عشاء المغرب ، والبنصر : عشاء الآخرة ، والخنصر : الصبح لقصرها.
وربما دل قطع اليد : على العزل من التصرفات ، وللفقير : يغنيه – من قطعها – على الطلب.(1/72)
قال المصنف : واعتبر فضل الكف والأصابع لكل إنسان على قدره. كما قال لي امرأة : رأيت أنه قد صار على كل أصبع من أصابع يدي مئذنة مبنية ، قلت : كان لك أولاد وماتوا ، لكون الأصابع إذا دعى أحد ، أو تمنى رفعها ؛ فقد رفع أولادها على أعواد المنايا ، وقلت لها : نعم ، لأن المنارة مبنية كالسطور وكونها مصاحف الذي لم تم ، قلت : وقد بقي من الأولاد بنت ؛ لقصر الإبهام ، وأنت معك موآذن ستأذنون في تزويجها ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أكلت كف ابن آدم ، قلت : أخذت ملعقة ، أو مغرفة حراماً وبعتها وأكلت ثمنها. وقال آخر : رأيت أنني قطعت كفاً لمن لا أعرفه وأحرقته ، قلت : قطعت شجرة بغير أمر صاحبها. وقال آخر : رأيت أنني آكل كفي اليمين ، قلت : تحلف يميناً كاذبة. ومثله قال آخر ، قلت : ترث أخاً لك ، أو أولادك. وقال آخر : رأيت أنني بعت كفي ، قلت : عندك ترس ، أو طارقة تروح منك. ومثله قال آخر ، قلت : عندك شيء تعلق فيه الحوائج والكيزان يذهب منك.
فصل : من رأى أنه يشرب من ثدييه لبناً ، أو عسلاً ، أو رأى كأنه يأكل منهما شيئاً حسناً : فإن كان أعزب : تزوج ، وإن كان مزوجاً : رزق أولاداً ، ومعايش ، وكان له أولاد : عاش حتى يأكل من كسبهم ، أو من كسب أقاربه ، أو معارفه ، أو من أملاكه. وأما إن أكل منهما ما لا يصلح كالمرارة ، والحوامض ، والدم ، والصديد ؛ حصل له نكد ممن دلوا عليه ، أو تعطلت معايشه. وأما إن أكلهما ، أو أحدهما ، مات من دلوا عليه ، وأكل ميراثه ، أو باع دوره ، أو بساتينه ، وأكل أثمانها ، أو رأس ماله.
قال المصنف : واعتبر رؤية الأبزاز. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أسقي الناس من بزي لبناً حلواً ، قلت : ستعمل أبزازاً في حائط يتجرع الناس منها الماء كاللبن من البز. وقال آخر : رأيت أنني أصنع للناس أبزازاً في صدورهم وهي تجري باللبن ، قلت : أنت تعمل نوفراً لبرك ينبع الماء منها. وقال آخر : رأيت أنني أشرب لبناً من أبزاز الناس متغيراً ، قلت : أنت تحجم الناس وتفصدهم ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني عبرت إلى دار وقطعت منها بزاً وأكلته ، قلت : سرقت نوفرة بركة ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أقطع أبزاز الناس وآكلها ، قلت : أنت جرائجي تأكل من قطع الطلوعات في البدن. فافهمه.
فصل : اتساع الصدر ، أو البطن ، وحسنهم : دليل على الفوائد ، والراحة ، والأخبار الحسنة ، والخلاص من الشدة. وضيقهما ، ورداءتهما : دال على الهم ، والنكد.
قال المصنف : واعتبر الصدر والبطن. كما قالت لي امرأة : رأيت أنني عبرت صدر رجل ، قلت : تقع محبتك في صدره. وقالت أخرى : رأيت أنني عبرت في صدر ديك ، قلت : يحبك رجل له صوت وعياط. وقال آخر : رأيت أنني أرمي في صدور الناس شيئاً أسود ، قلت : أنت تعلم الناس العقائد الردية وتلقي في صدورهم من الكلام الذي يغير خواطرهم. وقال آخر : رأيت أنني جلست على صدر إنسان ولم يؤذه ولا أعرفه ، قلت : يحصل لك منصب تصدير.
وأما البطن : فقال إنسان : رأيت أنني أكل من بطن إنسان شيئاً حسناً ، قلت : بغير أمره ، قال : نعم ، قلت : تأخذ له من كيس شيئاً وهو لا يعلم. وقال آخر : رأيت أنني أوقد ناراً على بطون الناس ، قلت : أنت تداوي أفئدة الناس بكي النيران. وقال آخر : رأيت أنني أضرب على بطون أناس لا أعرفهم ، قلت : أنت تضرب بالطبول. وقال آخر : رأيت أنني أخرق بطون الناس وهم لا يعلمون وآخذ ما فيها من دم ، قلت : أنت رجل بطاط فتب إلى الله تعالى.
فصل : طلوع الشعر على البدن : للأغزب : زوج ، وللمزوج : حمل ، ولمن عنده حامل : ولد. فإن أبصره على المرأة ، من لا يليق به أن يبصره عليها : فنكد ، وشهرة ردية. وأما إن طلع على الفقير – وكان ذلك في زمن الشتاء - فكسوة ، وفائدة ، وخلاص من مرض ، أو شدة. وطلوع ذلك في الصيف ، أو لمن مرضه بالحرارة : فهموم ، وديون ، أو طول مرض. وزواله : عكس ذلك كله.
قال المصنف : إذا طلع الشعر الردي ؛ كالشيب لمن لا يليق به. كامرأة رأت أنه طلع عليها شعر أبيض ، قلت : نكد من شيخ. ومثله قالت أخرى ؛ وكانت فقيرة غير أنها قالت : كان في زمن الشتاء ، قلت : يحصل لكِ كسا أبيض وربما يكون من عند شيخ. وقال إنسان : رأيت أن قد طلع في كفي شعر – وكان ممن يفتل الحبال والخيوط بكفه – قلت : تبطل معيشتك. وقال آخر : رأيت قد طلع شعر على جبيني وغطى عيني وهو شعر مليح ، قلت : ترمد وتحتاج إلى شعرية على عينك. وعكسه رجل رأى أن على جسده شعراً وهو يتساقط ، قلت : يذهب لك شيء من النبات. ومثله قال آخر – وكان في زمن الشتاء – قلت : يذهب لك ملبوس وربما يكون كساءً. فافهم ذلك.(1/73)
فصل : ذكر الإنسان : دال على ذكره ، وجاهه ، وولده ، وزوجته ، وماله ، ومعايشه ، وحياته. فمن رأى ذكره قائماً ، أو طويلاً ، أو مليحاً ، - ولم يكن مكشوفاً عند من لا يليق به كشفه عندهم - دل على الرفعة ، والمنزلة ، وولد يرزقه ، وللأغزب : زوجة ، وللمريض : عافية ، وغنى للفقير ، وفرج لمن هم في شدة ، لكون انتشاره لا يكون إلا عند فراغ الخاطر. فإن شرب منه ما يدل على النكد : كان مكروهاً ، وأما إن أكله كله : كان كأكل الثديين. وأما إن نبت عليه ذكر آخر لا يمنع نفعه ، أو طلع عليه زرع ، أو شجر ولم يؤذه ، فذلك : أولاد ، وفوائد ، ورزق. وأما إن أضره ذلك : صار ردياً. وقطع الذكر : يدل على عكس ذلك. وأما إن انقطع في فرج امرأة : حملت ، أو أخذت ولد المذكور ، أو ماله.
قال المصنف : واعتبر الحوادث في الذكر. كما قال لي إنسان : رأيت أن ذكري حديد وهو قائم ولا أقدر أجامع به ، قلت : يقع به فالج ، أو يزمن لك ولد. وقال آخر : رأيت ذكري وعليه بناية ، قلت : يموت لك من تبني عليه مكاناً. وقال آخر : رأيت أن ذكري يشرب من دم حيوان ، قلت : أنت جامعت في الحيض ، أو وطئت دابة ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أكلت ذكري ، قلت : احتجت حتى بعت نوفرة بركة. ومثله قال آخر ، قلت : بعت ولدك وأكلت ثمنه. وقال آخر : رأيت أن ذكري في يدي وأنا أكنس به القنى ومجاري المياه ، قلت : أنت تداوي الناس بالحقن النافعة. ومثله قال آخر غير أنه تلوث بالوسخ ، قلت : أنت كثير النكاح ، وربما يكون أكثره حراماً. وقال آخر : رأيت أن معي ذكوراً عدة والناس يفزعون منها ، قلت : أنت تلعب بالحيات. وقال لي مزارع : رأيت ذكري قد قطع ، قلت تنكسر الحديدة التي تحرث بها. وقال آخر – وكان كاتباً - : رأيت أن ذكري قد ضاع ، قلت : يعدم لك قلم عزيز. ومثله قال كحال ، قلت : يعدم لك ميل. ومثله قال آخر – وكان نجاراً - ، قلت : يذهب لك مثقب. ومثله قال آخر ، قلت : يعدم لك مفتاح. وقال لي فقير : رأيت ذكري قد راح ، قلت : يذهب لك سواك. ومثله قال آخر ، قلت : يروح لك دبوس ، فكان كذلك.
فصل : طول العانة والشارب والأظفار ، أو شعر الإبط : هموم ، وأنكاد ، وديون ، لكون ذلك مخالفاً للشرائع. وحلق ذلك وقصه : فرج من الهموم ، والأحزان ، وزيادة في المال ، وقضاء الديون ، واتباع الشرائع وكذلك الختان عند من يرى أنه قربة.
قال المصنف : واعتبر النكد من العانة والشارب ونحوهما. كما قال لي إنسان : رأيت أن عانتي قد طالت كثيراً ، قلت : يقع بينك وبين زوجتك نكد. ومثله قالت امرأة ، قلت : تفارقين الزوج. ومثله قالت امرأة زانية ، قلت : ترزقين توبة.
وأما طول الشارب فنكد من كلام ، ويدل على المرض لكون طوله يمنع لذة الأكل. وأما الأظفار وزوالها ؛ كما قال لي إنسان : رأيت يدي بلا أظفار ، قلت : تصلي الفروض غير مكملة. ومثله قال بعض الأمراء ، قلت : يذهب لك عدد وربما تكون طوارق ، لأن الأظفار إذا عدمت ضعف حيل اليد ؛ لأنها وقاية لها. ومثله قال خياط ، قلت : تبطل معيشتك.
وأما طول ذلك ردي يدل على نقص في صلاته لكون الوسخ يبقى تحتهن يمنع وصول الماء إلى ذلك. وقال لي إنسان : رأيت أنني أقطع أظفار الناس ، قلت : أنت تخطف ما على الرؤوس.
وأما شعر الإبط فدون ذلك في النكد ، وكذلك الختان ، لأن غالب الناس يقصون الشارب والأظفار ويأخذون ما تحت الإبط ، وطوائف كثيرون لا يختتنون ولا يرونه قبيحاً فكان أخف في النكد.
فصل : والخصيتان والفخذان والساقان والقدمان : يدلون على ما ذكرنا ، وعلى العبيد ، والدواب ، والأشجار ، والغلمان. فما نزل بهم من قوة ، أو ضعف عاد إلى من ذكرنا. وأصابع الرجلين أولاد من دلوا عليه ، وقطع ذلك كقطع اليد على ما ذكرنا. وأما قطع القدم ، فيدل على موت المريض ، وفسق التائب ، وتوبة الفاسق ، وإسلام الكافر ، لكونه قطع القدم التي كان عليها. وقطعها للفقير : غتى عن السعي. كما أن حسنها : يدل على عكس ذلك كله.
قال المصنف : واعتبر ما في الإنسان منه اثنان. كما قال لي إنسان : رأيت خصيتي قد قطعت ، قلت : يعدم لك خرج. وقال صغير : رأيت أنني أخذت خصيتي رجل ، قلت : سرقت بيضاً من تحت دجاجة. وقال آخر : رأيت بيضتي الواحدة قد راحت ، قلت : عندك امرأتان تذهب أحداهما. وقال آخر : رأيت كأن خصيتي قد صارتا فوق ذكري ، قلت : تحكم عليك امرأتان. وقال آخر : رأيت أنني أحمل خصيتي على كتفي وقد التقطهما طائر أسود ، قلت : يخطف لك خرج عن كتفك وربما يأخذه أسود.(1/74)
وأما الفخذان والساقان : فقال لي إنسان : رأيت أن فخذي قد وقعتا ، قلت : كان لك دار تحتها عمد ؛ وقد وقع العمد ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أن ساقي الواحد قد ذهب ، قلت : يعدم من عندك رجل ساقي. ومثله قال آخر ، قلت : يذهب أحد عبيدك ، أو دوابك. وأما أصابع الرجلين : قلت : أنت معاشك من السفر ، قال : نعم ، قلت : أنت تتقوت من النبات الذي لم يزل في الأرض. ومثله قال آخر : وزاد أن لهم عيوناً ، قلت : أنت تأكل من الحيات التي رؤوسهن في الأرض دائماً ، قال : صحيح.
فصل : الأسنان : يدلون على الأولاد ، والأهل ، والأقارب ، والفوائد ، والغلمان ، والمعارف ، والدواب ، وكل شيء فيه نفع.
فالميامن : ذكور. والمياسر : إناث. وأما الأضراس : أكابر من دلوا عليه.
فمن رأى أن أسنانه حَسُنت ، أو قويت : فإن كان أعزب : تزوج ، وإلا فرح من جهة من دلوا عليه. وأما إن اسودت ، أو سوست ، أو سقطت ، أو انكسرت ، أو نزلت بها آفة : تنكد ممن ذكرنا. وكذلك إذا قلع واحد منهم : مات ، أو فارق من دل عليه. وأما تلافهم للمريض : موت. وربما كان سقوطهم : دال على السفار ، لكونه بطل رزقه من المكان الذي فيه.
قال المصنف : قد ذكرنا جميع ظاهر البدن فرجعنا إلى باطنه ، فابتدأت بذكر الأسنان والأضراس ، فاعتبر ما يليق بالرائي. كما قال لي إنسان : رأيت أن أسناني قد سقطوا ، قلت : يفرق أناس كانوا ينفعونك. وقال آخر : رأيت أنني عبرت فم إنسان فأخذت ما فيه من أسنان ، قلت : دخلت إلى بيت وقلعت ما به من مسامير وأوتاد ، قال : نعم. أما الأضراس : فرأى إنسان أن ضرسه انكسر ، قلت : يبطل لك طاحون. ومثله قال آخر ، قلت : يبطل لك حجر معصرة. عكس ذلك رأى إنسان أن طاحونه انكسرت ، قلت : يعدم لك ضرس. وكون سقوط الأسنان دل على المرض لامتناع الأكل غالباً ، ودل على السفر لكونه لما بطل أكله لعدمهم فهو ضرب مثل بانقطاع الرزق من ذلك المكان فدل على التحول منه.
فصل : وأما ضَرَس الأسنان : فإن جعلناهم جيوشاً ، أو غلماناً : فهم مخامرون ، لا ينفعون وقت الحاجة. وإن جعلناهم أقارب ، أو معارف : فلا خير فيهم. وربما دل ضرسهم على المرض. وأما وجع واحد منهم ، فنكد ممن ذكرنا.
قال المصنف : وأما ضرسهم فكما قال لي إنسان : رأيت أن أسناني ضرست ، قلت : يقع بدوابك مرض ، ثم يزول. ومثله قال آخر ، قلت : لك دواب وقد أمرت بإنعالهن ، قال : نعم ؛ هن حفاة إلى الآن.
فصل : اللسان دال على الوالد ، والولد ، والقرابة ، والصديق ، والجاه ، والكسب ، والعبادة. فما رؤي فيه من خير : عاد إلى من ذكرنا. وأما إن قطع ، أو اسود ، أو تعطل نفعه ، أو تقطع ، أو نزلت به آفة : بطلت عبادته ، أو فارق
ولده ، أو والده ، أو أستاذه ، أو صديقاً ، أو قرابة فيه نفع ، أو زال جاهه ، أو تعطلت معيشته ، أو غلب في مخاصمته. وأما الحلق فدال على ما دلت عليه العنق.
قال المصنف : واعتبر اللسان. كما قال لي إنسان : رأيت أنني عبرت فم إنسان وأكلت لسانه ، قلت : سرقت ميزاناً ، أو قباناً وبعته وأكلت ثمنه. ومثله قال آخر ، قلت : سرقت طائراً ناطقاً كالدرة ، أو من له صوت كغيرها من الطير. وقال
آخر : رأيت أن لي لسانين ملاح لم يمنعوني الكلام ، قلت : يبقى لك ترجمانان. ورأى آخر أن لساناً آذاه ، قلت : تتنكد لأجل كلام. ومثله قال آخر ، قلت : يلسعك حيوان. ومثله قال آخر ، قلت : ينفرك طائر له صوت كالديك ونحوه. وقال آخر : رأيت أنني أعمل للناس ألسنة ، قلت : تتعلم عمل المبارد. ومثله قال آخر ، قلت : تصنع الموازين. ومثله قال آخر ، قلت : تعلم الناس حجتهم في كلام. ومثله قال آخر ، قلت : تعمل أسنة الرماح. وقال آخر : رأيت أنني أخرج من الألسنة ماءً حلواً والناس ينتفعون به ، قلت : أنت تستخرج ماء اللسان والماورد ونحو ذلك ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني أجيء إلى أفواه الناس وأحتال على أخذ الألسنة ، قلت : أنت رجل حاوٍ تطلب الحيات في أمكانها ،
قال : نعم.
فصل : وأما القلب ، والكبد ، والطحال ، والمعدة ، والرئة ، والمصارين ، والأضلاع : فكل واحد منهم دال على الأولاد ، والمعايش ، والأقارب ، والأصدقاء ، والجاه ، والدور ، والدواب ، والعبيد ، والآباء ، والأستاذين. فمن رأى واحداً منهم تقطع ، أو سقط ، أو احترق ، أو اختطفه شيء ، أو نزلت به
آفة : عاد حكمه على ما ذكرنا ، وربما مات رائي المنام.
قال المصنف : اعتبر الحلق والقلب والكبد ونحو ذلك. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أعمل للناس حلوقاً ، قلت : أنت تحلق شعور الناس. وقال آخر : رأيت أنني وقعت في حلق إنسان ، قلت : تسقط في قناة. ومثله قال آخر ، قلت : تقع في تنور. وقال لي ملك : رأيت أنني أعمل للناس حلوقاً وأجعل فيها مأكولاً ، قلت : ستعمل حلقاً على الصيود وتطعم الناس منها.(1/75)
وأما القلب فقال إنسان : رأيت أنني أغسل قلوب الناس ، قلت : تنفع وتطيب قلوبهم بخير تفعله. وقال آخر : رأيت أنني أبصر قلوب الناس ، قلت : أنت كثير الاطلاع على الأسرار.
وأما الكبد فقالت امرأة : رأيت أنني أدخلت رأسي في فرجي وأخذت بفمي من كبدي قطعة وقطعتها ثلاث قطع ، قلت : لك ولد بدمشق ، قالت : نعم ، لأن الكبد ولد ؛ وحواليها دم ؛ والفرج شق ؛ فدل على أن الولد في بلد في اسمه دم وشق ، قلت : وقد بلغك أنه مريض ، قالت : نعم ، لأن الكبد ولد وقد نقصت بأخذها منها ؛ والكبد إذا نقصت دلت على المرض ، قلت : وقد سير إليك شيئاً تقوتين به نحوه – وكانت يومئذ بمصر – قالت : نعم. قلت : ثلاثمائة الثلاث قطع ؛ والزائد لكون القطع لم يكن على حد سواء ، قلت : ووصل إليك ثوب أحمر وأبيض ، لأنها لما قطعت الكبد وهي رطبة تبقى حمرتها على بياض الأسنان ؛ شبه الثوب الأحمر والأبيض ، قلت : وربما يكون ولدك ساكناً عند باب الفرج ، قالت : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني أكلت كبدي ، قلت : بعت مطبخاً ، أو فرناً ونحو ذلك. وقال آخر : رأيت أنني أطبخ كبود الناس ، قلت : تؤذي كبود الناس بكلامك.
وأما الطحال فهو يُروّح على الكبد. قال لي إنسان : رأيت أنني أبيع الأطحلة ، قلت : أنت تبيع المراوح. وقال آخر : رأيت كأنني حملت طحالي وأثقلني ، قلت : يحصل لك نكد من محبوبك ، لأن محبوب الإنسان يسمى طحالة.
وأما المعدة : فقال إنسان : رأيت أن معدتي تقطعت ، قلت : ينكسر لك قدر. ومثله قال آخر ، قلت : يخرب لك مطبخ ، لأن الكبد تطبخ كل ما يجيء إليها. ورأى إنسان أنه عبر دار إنسان أخذ منها مصارين ، قلت : سرقت خيوطاً ، أو حبالاً. وقال آخر : رأيت أنني آخذ من تحت التراب مصارين ، قلت : معاشك من نبش القنى.
وأما الأضلاع فقال إنسان : رأيت أنني آكل أضلاع إنسان ، قلت : عبرت إلى دار وأخذت خشبها وبعته وأكلت ثمنه ، قال : صحيح.
فصل : وأما ما رؤي فيهم من قوة ، أو حُسن ، أو صلاح : رجع إلى من دل عليه. وإن كان مريضاً تعافى. وربما دل زوال القلب ، أو قطعه على الخوف وترك العبادة. وكذلك إذا تكسر واحد من الأضلاع.
فصل : وأما الدبر : دال على منافع صاحبه ، ومواضع راحته. فإن انسد ، أو تقطع ، أو نزلت به آفة مات إن كان مريضاً ، وإلا حصل له نكد. وإن كان مما يفسد به دل ذلك على توبته. وإن وقع به نار ، أو دود ، أو حكة فدليل على الداء النحس. والعياذ بالله تعالى. وكذلك إذا وقع في فرج المرأة ذلك : دل على الزنا ، وعلى النكد ممن دل الفرج عليه.
قال المصنف : واعتبر الدبر والفرج. كما قال لي إنسان : رأيت أنني وقعت في دبر إنسان ، قلت : تسقط في مستراح. ومثله قال آخر ، قلت : نخشى عليك أن تجامع في الدبر. وقال آخر : رأيت أن دبري قد انسد ، قلت : تنسد قناة مرحاضك. وقال آخر : رأيت أنني آكل لحم الدبر ، قلت : معاشك من المراحيض. ومثله قال آخر ، قلت : أخذت خرزة بئر وبعتها وأكلت ثمنها.
وأما الفرج فقال لي بعض الملوك : رأيت أنني صرت دابة وكأنني آتي فروح النساء أقبلهن وآخذ الأولاد ، قلت : تتحايل على أخذ عدة حصون وتفتحها ، لأن المرأة كالقلعة ، والولد كمن فيها ؛ والفرج باب القلعة ؛ والقابلة كل من يخرج من بطن المرأة ويشده بالقماط مثل الأسارى الذين يخرجون من القلاع ويربطونهم ؛ ودم الولاة القتال. وقال إنسان : رأيت أنني عبرت فرج امرأة من الخوف ، قلت : تختبيء في واد من الخوف. ومثله قال مريض ، قلت : تموت ، لأنه قد عاد إلى موضع خلق منه. ومثله قال آخر ، قلت : تحبس في مكان عليه بابان.
فصل : في الحوادث في ابن آدم ومنه :
المرض : دال على تعويق المسافر ، وبطلان المعايش ، وعلى توبة الفاسق ، وفسق التائب ، لكون المريض يبطل عن فعله. وأما إن كان المرض في فرد عضو : نزلت آفة بمن دل العضو عليه.
قال المصنف : واعتبر كل مرض. كما قال لي إنسان : رأيت أن عيني عميت ، قلت : تروح لك مرآة تبصر بها. وقال آخر : رأيت كأن عيني رمدت ، قلت : تصدأ لك مرآة. وقال آخر : رأيت أن عيني انفقأت ، قلت : تنكسر لك مرآة. وقال آخر : رأيت أن عيني سالت ، قلت : يتلف شجرك ، أو زرعك ، لكون العين بقيت بلا ماء. وقال آخر : رأيت أن عينيَّ سالتا ، قلت : يموت لك من تسيل العيون عليه دموعاً كثيرة. ورأى ملك أنه عمي ، قلت : تنقطع عنك الأخبار بمسك جواسيس. ورأى فقير أن عينه ذهبت ، قلت : يعدم لك سراج ، أو قنديل.
فصل : والسعال دال على ما دل عليه المرض ، وربما دل على الأمور المزعجة ، وعلى أن من أراد أن يخفي عملاً ظهر عليه.
قال المصنف : ورأى إنسان أنه وقع بالناس سعال شديد ، قلت : يقع بالناس زلازل كثيرة. ورأى آخر أن زلازلَ كثيرة في الصيف ، قلت : يقع بالناس سعال.
وأما العطاس فدال على الفرج من الشدائد ، وأما المخاط والبصاق إذا سالا كثيراً : فهموم ، وأنكاد ، خصوصاً إن لوثا ثيابه. وربما دل البصاق : على الكلام الردي.(1/76)
قال المصنف : رأى إنسان أنه يبصق على الناس ، قلت : أنت كثير الأذى لهم بالكلام الردي. ورأى إنسان أن يمخط كثيراً ، قلت : عندك قناة مسدودة وعزمت على كنسها ، قال : نعم. ورأى آخر أن في أنفه مخاطاً كثيراً لا يقدر على إزالته ، قلت : يقع بك ضيق النفس. فافهم ذلك.
فصل : القيء : يدل على عافية المريض الذي ينفعه ذلك. فإن لم ينفعه طال مرضه ، أو مات. ويدل على رد المظالم ، والودائع ، وإظهار ما في القلب ، وعلى فطر الصائم ، وعلى إظهار شيء من المال. فإن كان القيء باختياره : كان ذلك بأمره. وإن تقيأ في مكان لا يليق به – مثل بين الناس ، أو على الثياب ، أو
البسط - : حصل له نكد من غرامة مال ، أو إظهار سر ، أو لأجل كلام يتكلم به.
قال المصنف : واعتبر القيء ، وما تقايأه. كما قال لي إنسان : رأيت أنني تقايأت جميع ما في فؤادي من الأمعاء ، قلت : تذهب جميع حوائجك من بيتك. ومثله قال لي بعض الملوك ، قلت : تخرج جماعة من السجون. وقال آخر : رأيت أنني أتيت إلى فم إنسان مجهول فتقيأ عليّ ولوثني ، قلت : تنفتح عليك قناة وسخ فتلوثك. وقال آخر : رأيت أنني تقايأت بغير اختياري ، قلت : بين الناس ، قال : نعم ، قلت : يظهر عنك سر ردي. ورأى جليل القدر كأنه يقيء الناس ، قلت : تتحايل على إخراج المخبأ والمدفون.
فصل : وأما طلوع الدمامل والجدري والبثور في البدن – إذا لم تلوث
الثياب - : فٍفوائٍد ، وخير ، وهموم ذاهبة ، لأنها مذهبة للأوجاع من البدن. وأما إن كان في الوجه ، أو العنق ، أو تسيل شيئاً منتناً ، أو لوثت ثيابه : دلت على الديون ، والهموم ، والكلام الردي في العرض ، لكثرة نفور الناس من ذلك. وأما من أكل ما تقيأه ، أو ما خرج من الزوائد في البدن : فأموال حرام ، وفقر بعد
الغنى ، ورجوع فيما وهبه ، أو وقفه ، أو ترد عليه سلع باعها بوكس ، أو تقدم عليه غياباً يجد لهم ألماً.
قال المصنف : واعتبر الطلوعات في البدن. كما قال لي إنسان : رأيت أن قد صار لي حَدبة من خلف ، قلت : يخرج بعض حيطانك ؛ ونخاف يقع ، قال : قد خرج. ومثله قال آخر : كان بين كتفي حدبة وقد جاء شيء اختطفها ، قلت : كنت حاملاً شيئاً على ظهرك فجاء إنسان فخطفه ، قال : نعم. وقال إنسان : رأيت أنني أعمل للناس دماميل وأخرج منها المياه المليحة ، قلت : أنت تستخرج ماء الورد وغيره بزجاج وإناء ببق ، قال : صحيح. وعكسه قال إنسان : رأيت أن لي نساء كثيرات عليهن دماميل وخراجات كبار وأنا أغسلهن في الماء ، قلت : تملك ، أو تضمن بستاناً فيه أترنج ونارنج ورمان وتتولى سقيه وعمارته ، لأن النساء على الصفة المذكورة كالشجر ، والدماميل والخراجات كالثمر المذكور. وقال آخر : رأيت أنني قتلت امرأة وقطعتها وعليها خراجات كبار ، قلت : قطعت شجرة عليها ثمرتها. وقال آخر : رأيت كأنني آخذ من لحوم الناس ومن دماميلهم وأطعم لحم كل واحد لآخر ، قلت : تتكلم في عرض هذا عند هذا. ومثله قال
آخر ، قلت : تتعلم تركيب الأشجار وتطعَّم بعضها في بعض. ومثله قال آخر ، قلت : تسرق ثمار الناس وتطعمها لبعضهم بعضاً. ومثله قال آخر تاجر ، قلت : تأخذ من مال هذا فتضعه في مال هذا. وقال آخر : رأيت أنني أشرب ما في دماميل الناس ، قلت : أنت حجام تمص كاسات الفصاد ، قال : نعم.
فصل : خروج الدم بالحجامة ، أو الفصد ، أو التشريط في الأذن : عافية للمريض الذي ينفعه خروج الدم ، وقضاء الديون ، وزوال النكد. وهو لمن لا يصلح له : نكد ، وذهاب مال ، أو موت. وكذلك خروجه للصحيح. فإن كان ذلك بأمره : كان عن اختياره. وإن كان في زمن الصيف ، أو كأنه في المنام كان مريضاً : كان خروج المال منه لأجل فائدة. وإن كان في الشتاء : كان ذلك كلاماً ردياً ، لكون الأجسام محتاجة إلى حفظ الدماء. وأما إن كان الخارج منه الدم في حرب ، أو سفر : جرح ، أو قطعت عليه الطريق.
قال المصنف : واعتبر خروج الدماء بما ذكرنا وغيره. كما قال لي إنسان : رأيت أن الدم يخرج من عيني ، قلت : تفارق من تحبه وتبكي عليه كثيراً ؛ كما يقال : بكيت بدل الدمع دماً. وقال آخر : رأيت أنني احتجمت في لساني ، قلت : يكتب عليك مكتوب لأجل كلامك. ومثله قال آخر ، قلت : يكتب عليك لأجل ميزان ، أو قبان. وقال آخر : رأيت أنني قد ركبت كاسات للحجامة كثيرة على بدني ، قلت : يطلع عليك طلوعات ، أو حريق في بعض بدنك. وقال آخر : رأيت أنني أشرط ألسنة الناس بمشراط الحجامة وأستخرج منها زيتاً ، قلت : يصير لك أمر على استخراج دهن البلسان ، فكان كذلك. وقال آخر : رأيت أنني أشرط الناس في آذانهم ، قلت : تسمع الناس كلاماً ردياً.(1/77)
خروج العرق ، أو البول ، أو الغائط : دال على الراحة ، والفرج. فإن كان كثيراً خلاف العادة ، أو تلوث به ، أو رائحته ردية ، أو بال والناس ينظرون إليه – وهو لا يليق به ذلك - فنكد ، وإظهار سر يفتضح به. وكذلك إن سمع الناس صوت خروج الريح ، أو وجدوا لها رائحة ردية. وتدل على البناء الردي. وإن لم يكن شيء من ذلك ، كان خروجها : راحة ، وفائدة. وأما أكل الغائط ، أو شرب البول : فبدل على الشبه ، والأموال الردية ، وعلى وقوع الشدائد ، لكونه لا يستعمل إلا وقت الشدة. والله أعلم.
قال المصنف : واعتبر خروج العرق : كما قال لي صعلوك في زمن الشتاء : رأيت أنني عرقت عرقاً كثيراً ، قلت : يحصل لك كسوة ، لأن العرق لا يكون إلا عند دفء الجسم. وقال آخر : رأيت أنني عريان بين الناس وقد عرقت قلت : يخشى على جسمك أن يسيل دماً من ضرب ، أو غيره. وقال آخر : رأيت أنني عرقت وأنا سابح فيه سباحة شديدة ، قلت له : فخلصت منه ، قال : نعم ، قلت : يخشى عليك الغرق ثم تنجو.
وأما البول : فقال لي إنسان : رأيت أنني أبول من فمي فيقع على الناس ، قلت : تتكلم بكلام ردي في أعراضهم. وقال آخر : رأيت أن الناس يبولون في آنية وأنا أحركها وأشرب منها ، قلت : تصير طبيباً وتأتي إليك قوارير البول تنظرها ، وتأكل من أجرتك على ذلك.
وأما الغائط إذا لوث ، أو أبصره الناس ، أو كثر خلاف العادة ، فكل ذلك نكد كما ذكرنا ، لنفور الناس منه ، ولقبح منظره وريحه. والبول أهون منه لأن الغالب من الناس أنهم يبولون في الطرقات وبين الناس ، ولا يستحيي من ذلك غالباً ، ويذهب عاجلاً ، والغائط ما يفعله في هذه الأحوال إلا من لا خلاق له ، وكذلك لا يخرج ريحاً بين الناس ، ويبقى أثر الغائط في المكان مضراً لمن يقع عليه.
وإذا لم يكن شيء من ذلك فاعتبر الراحة بخروجه. كما قال لي إنسان : رأيت أنني تغوط كثيراً ووجدت به راحة ، قلت : تفرح بخروج مسجون. وقال آخر : رأيت أنني أرقت بولاً كثيراً من ذكري بعد تعب ووجدت به راحة ، قلت تبرأ من هذا الاستسقاء الذي بك ، فبرئ. وقال آخر : رأيت أنني في شدة من كثرة ريح في فؤادي فأتيت بين حيوانات فأخرجتها واسترحت ، قلت : تستريح قليلاً بإخراج ما في فؤادك من الكلام الذي يؤلم ، ويطلع على سرك من لا ينقله عنك. فافهم ذلك.
الباب الرابع عشر
في الموت والنزاع
النزاع: دال على قرب فرج من هو في شدة ، وعتق العبد ، أو بيعه ، وعلى توبة الفاسق ، وإسلام الكافر ، وعلى المنازعة ، وحدوث خوف للآمن ، وأمن للخائف ، والنقلة من مكان إلى آخر ، وربما دل على الاجتماع بالغياب.(1/78)
فصل : الموت(1)
__________
(1) قال الأستاذ أبو سعيد رحمه الله: الموت في الرؤيا ندامة من أمر عظيم، فمن رأى أنه مات ثم عاش، فإنه يذنب ذنبا ثم يتوب، لقوله تعالى :( ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا ) غافر 11. و من مات من غير مرض و لا هيئة من يموت، فإنه عمره يطول. و من رأى كأنه يموت، فقد دنا أجله. و إن ظن صاحب الرؤيا في منامه أنه لا يموت أبدا، فإنه يقتل في سبيل الله عز وجل، و من رأى أنه مات، و رأى لموته مأتما و مجتمعا و غسلا و كفنا، سلمت دنياه و فسد دينه. و من رأى أن الإمام مات، خربت البلدة. كما خراب البلدة دليل على موت الإمام. و من رأى ميتا معروفا، مات مرة أخرى و بكوا عليه من غير صياح و لا نياحة، فإنه يتزوج من عقبه إنسان، و يكون البكاء دليل الفرج فيما بينهم. و قيل: من رأى ميتا مات موتا جديدا، فهو موت إنسان من عقب ذلك الميت و أهل بيته، حتى يصير ذلك الميت كأنه قد مات مرة ثانية. فإن رأى كأنه قد مات و لم ير هيئة الأموات و لا جهازهم، فإنه ينهدم من داره جدار أو بيت. فإن كانت الرؤيا بحالها، و رأى كأنه دفن على هذه الحالة. من غير جهاز و لا بكاء، ولا شيع أحد جنازته، فإنه لا يعاد بناء ما إنهدم، إلا إذا صار في يد غيره. و من رأى وقوع الموت الذريع في موضع، دل على وقوع الحريق هناك، فإن رأى كأنه مات و هو عريان على الأرض، فإنه يفتقر. فإن رأى كأنه على بساط، بسطت له الدنيا، أو على سرير نال رفعة، أو على فراش نال من أهله خيرا، فإن رأى كأنه وجد ميتا، فإنه يجد مالا. فإن غاب، فإنه يأتيه خبر بفساد دينه و صلاح دنياه. فإن رأى كأن ابنه مات، تخلص من عدوه، و إن رأى كأن ابنته ماتت، أيس من الفرج. فإن رأى كأن رجلا قال لرجل: إن فلان مات فجأة فإنه يصيب المنعي غم مفاجأة، و ربما مات فيه، فإن رأت حامل أنها ماتت و حملت و الناس يبكون عليها من غير رنة و لا نوح، فإنها تلد ابنا و تسر به، و قال بعضهم رؤيا العزب الموت دليل على التزويج، و موت المتزوج دليل على الطلاق، فإن بالموت تقع الفرقة و كذلك رؤيا أحد الشريكين موته دليل فرقة شريكه. و أما النياحة، فمن رأى كأنه موضعا يناح فيه، وقع في ذلك الموضع تدبير شؤم يتفرق به عنه أصحابه, و قيل إن تأويل النوح الزمر، و تأويل الزمر النوح. و أما البكاء: حكى عن ابن سيرين أنه قال: البكاء في النوم قرة عين، و إذا اقترن بالبكاء النوح و الرقص، فلم يحمد، فإن رأى كأنه مات إنسان يعرفه، و هو ينوح عليه و يعلن الرنة، فإنه يقع في نفس ذلك الذي رآه ميتا أو في عقبه مصيبة أو هم شنيع. فإن رأى كأنهم ينوحون على وال قد مات، و يمزقون ثيابهم و ينفضون التراب على رؤوسهم، فإن ذلك الوالي يجور في سلطانه. فإن رأى كأن الوالي و هم يبكون خلف جنازته من غير صياح، فإنهم يرون من ذلك الوالي سرورا. و من رأى كأنه بين قوم أموات، فهو بين أقوام منافقين يأمرهم بالمعروف فلا يأتمرون بأمره قال الله تعالى:( فإنك لا تسمع الموتى ) الروم 52. و من رأى كأنه لقي معهم ميتا فإنه يموت على بدعة أو يسافر سفرا لا يرجع منه، و من رأى كأنه لقي معهم ميتا فإنه يموت على بدعة أو يسافر سفرا لا يرجع منه، و من رأى كأنه خالطهم أو لا مسهم، أصابه مكروه من قبل أراذل. و حكي عن بعضهم أن من رأى كأنه يصاحب ميتا، فإنه يسافر سفرا بعيدا، يصيب فيه خيرا كثيرا. فإن حمل ميتا على عنقه، نال مالا و خيرا كثيرا، و إن أكل الميت طال عمره، و رؤية موت الوالي دليل على عزله، و سكر الميت لا خير فيه، و أما غسل الميت فمن رأى ميتا يغسل نفسه، فهو دليل على خروج عقبه من الهموم، و زيادة في مالهم. فإن غسله إنسان تاب على يد ذلك الإنسان رجل دينه فساد. و المغتسل في الأصل تاجر نفاع ينجو بسببه أقوام من الهموم، و رجل شريف يتوب على يديه أقوام من المفسدين، فمن رأى كأنه على المغتسل، ارتفع أمره و خرج من الهموم. فإن رأى بعض الأموات يطلب من غسل ثيابه، فإن ذلك فقره إلى دعاء و صدقة، و قضاء دين، أو إرضاء خصم أو تنفيذ وصية. فإن رأى إنسانا غسل ثيابه، فإن ذلك خيرا يصل إلى الميت من الغاسل. و أما الكفن فقد قيل: هو دليل الميل إلى الزنا، فإن رأى كأنه لم يتم لبسه، فإنه يدعى إلى الزنا فلا يجيب، و من رأى كأنه ملفوف في الكفن كما تلف الموتى، دلت رؤياه على موته، فإن لم يغط رأسه و رجليه فهو فساد دينه، و كلما كان الكفن على الميت أقل، فهو أقرب إلى التوبة، و ما كان أكثر فهو أبعد من التوبة. و من رأى كأن قوما مجهولين زينوه و ألبسوه ثيابا فاخرة، من غير سبب موجب لذلك من عيد أو عرس، و إنهم تركوه في بيت وحيدا، فذلك دليل موته، و الثياب الجدد البيض تجديد أمره. و أما الحنوط فدليل التوبة للمفسد، و الفرج للمغموم، و الثناء الحسن، و من رأى ذلك كأنه استعان برجل يشتري له الحنوط، فإنه يستعين به في حسن محضر، و ذلك أن الحنوط يذهب نتن الميت. و أما النعش، فمن رأى كأنه حمل على نعش ارتفع أمره، و كثر ماله، لأن أصله من الإنتعاش. و من رأى كأنه على الجنازة فإنه يواخي إخوانا في الله تعالى؛ لقوله تعالى عز وجل :(إخوانا على سرر متقابلين ) الحجرات 47. و قال بعضهم: إن الجنازة رجل موفق يهلك على يديه قوم أردياء. فإن رأى كأنه موضوع على جنازة و ليس يحمله أحد فإنه يسجن. فإن رأى كأنه حمل على الجنازة فإنه يتبع ذا سلطان، و ينتفع منه بمال، فإن رأى كأنه رفع و وضع على الجنازة، و حمله الرجال على أكتافهم، فإنه ينال سلطانا و رفعة، و يذل أعناق الرجال و يتبعه في سلطانه بقدر من رأى من مشيعي جنازته. فإن رأى أنهم بكوا خلف جنازته، حمدت عاقبة أمره، و كذلك إن أثنوا عليه، الجميل أو دعوا له. فإن رأى كأنهم ذموه و لم يبكوا عليه، لم تحمد عاقبته، فإن رأى كأنه اتبع جنازة، فإنه رأى كأنه اتبع جنازة، فإنه يتبع سلطان فاسد الدين. فإن رأى جنازة في سوق فإن ذلك نفاق ذلك السوق، فإن رأى كأن جنازة حملت إلى المقابر معروفة، فإنه حق يصل إلى أربابه، فإن رأى كأن جنازة تسير في الهواء، فإنه يموت رجل رفيع في غربة، أو رئيس أو عالم رفيع يعمى على الناس أمره، فإن رأى أنه على جنازة يسير على الأرض، فإنه يركب في سفينة. فإن رأى جنائز كثيرة موضوعة في مكان، فإن أهل ذلك المكان يكثرون ارتكاب الفواحش، فإن رأت امرأة أنها ماتت و حملت على جنازة، فإن لم تكن ذات زوج تزوجت، و إن كانت ذات زوج فسد دينها. فإن رأى أنه حمل ميتا أصاب مالا حراما. فإن رأى أنه جر الميت على الأرض، اكتسب مالا حراما فإن رأى ميتا تعلق بفاسد، فإنه يصيد فارا، فإن رأى أنه نقل ميتا إلى المقابر فإنه يعمل بالحق. فإن رأى أنه نقل ميتا إلى السوق نال حاجة و ربحت تجارته و نفقت.(1/79)
: محقق لما دل عليه النزاع ، مما ذكرنا. ويدل : على سجن ، أو مرض الأصحاء ، وعلى التجهز إلى ملاقاة الأكابر ، وما أشبه ذلك. فإن كان في موته متوجهاً إلى جهة يعتقد أنها تقربه إلى ربه عز وجل ، أو كان صورته حسنة ، أو طيب الرائحة ، أو أن حواليه أرباب صلاح ، أو نور : حصلت راحة للمسافر ، وخلاص من مرض ، أو سجن ، أو ملاقاة الأكابر بكل خير ونحو ذلك. وإن كان خلاف ذلك : حصل له نكد فيما ذكرنا.
قال المصنف : الموت والنزاع : يدل على الشيء وضده فيهما ، لمن لا هو في شدة دال على النكد ، ولمن هو متنكد على قرب زوال ذلك ، لأن الموت خلاص والنزاع قريب من الموت. وعلى عتق العبد لكونه لم يبق عليه حكم لأحد ، وعلى بيعه لكونه ينتقل من موضعه. وعلى المنازعة للاشتقاق. وعلى التوبة لأن من قرب من هذه رجع غالباً عن الردي. وعلى الأسفار. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أنازع ، قلت : أنت تتجهز للسفر. وقال آخر : رأيت أنني مت ثم عشت ، قلت : سافرت ثم رجعت. ومثله قال آخر ، قلت : سجنت ثم خلصت. ومثله قال آخر إلا أنه قال : وقفت بين يدي رب العزة سبحانه ثم عشت – قلت : رحت اجتمعت بكبير القدر ثم رجعت ، قال : نعم. وقال آخر : كل وقت أبصر أنني أموت ثم اعيش ، قلت : تصرع كل وقت ثم تفيق ، قال : صحيح. ومثله قال
آخر ، قلت : أنت كثير الرمد حتى ما تبصر بعينك شيئاً ، ثم تعافى ، قال : صحيح.
وقد ذكرنا الشروط قبل الموت وبعده فافهم ذلك.
فصل : من اغتسل غسل الموت بماء نظيف بارد في الصيف ، أو يُسخن في الشتاء : دل على وفاء الديون ، وقضاء الحوائج ، وملاقاة الأكابر بكل خير. وأما إن اغتسل بالماء الكر ، أو بالبارد في الشتاء ، أو بالحار في الصيف : دل على النكاد ، والفقر ، والأمراض ، أو السجن ، أو سفر ردئ.
قال المصنف : دل غسل الموت بشروطه المذكورة على قضاء الديون والحوائج ، لذهاب الوساخ التي تضيق الصدر. وعلى حسن ملاقاة الأكابر ، لكونه يقف بين يدي ربه عز وجل بهذه الصفة المليحة.
وكذلك الحكم لكل ملة ودين يجهزون موتاهم بغير الغسل.
واعتبر الغاسل. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أغسل الموتى ، قلت : تصير قيماً في حمام. ومثله قال آخر – وكان متعبداً – قلت : تكثر من تطلب التوبة والأعمال الصالحة على يدك ، وتطهر بواطنهم وظواهرهم بحسن مداراتك لهم ، لأن التلميذ بين يدي معلمه كالميت بين يدي الغاسل. ومثله قالت امرأة ، قلت : تصيرين قابلة تدورين بالصغار الذين لا حكم لهم ولا عقل فصارت كذلك.
فصل : من تكفن في المنام بكفن مليح : تزوج إن كان أعزب ، أو استغنى إن كان فقيراً ، أو اشترى جارية ، أو داراً ، أو اكتسى إن كان عرياناً. وإن كان مريضاً : مات. وأما إن كان الكفن ردياً ، أو كره الرائحة ، أو ممزقاً : انعكس ذلك كله.
قال المصنف : دل الكفن على التزويج لأنه لباس. والله تعالى يقول : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } ] البقرة:187[. ودل على الغنى لكونه استتر حاله. ودل على الدار لكونه بقي داخل الكفن كالدار. وعلى موت المريض لأنه من علامات الموت. وربما دل الكفن على ما قال لي إنسان : رأيت أنني تكفنت ، قلت : عندك مكان تريد أن تبيضه ، أو تليسه ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : تنعزل من منصبك ، لكون الكفن يربط على الميت فلا تتحرك أعضاؤه. ومثله قال آخر ، قلت : تسجن.
فصل : الحمل فوق النعش – صراخ ولا عياط - : دال على الولاية ، والرفعة ، والسفر المليح ، وعلى غنى للفقير ، وزيادة فائدة الغني ، والاجتماع بالأحبة. وكذلك الصلب. وجميع ذلك بالعياط ، أو اللطم ، أو سواد الوجه ، أو كونه مكشوف العورة ، أو كأنه يضحك ضحكاً مكروهاً ، أو يكون رأسه إلى موضع رجليه ، أو كأنه ملقى على وجهه ، وما أشبه ذلك. دل على الفضائح ، والأنكاد.
قال المصنف : واعتبر من حمل على النعش. كما قال لي إنسان : رأيت أنني على نعش وقد طارت به الريح ، قلت : تسافر في مركب. وقال آخر : كأنني على نعش تحمله الحيوانات : قلت تركب على عجل.
ودل ركوبه بالشروط المليحة على الولاية لكون الناس يمشون بين يديه ومن خلفه ، وعلى الرفعة لأنه ارتفاع ، وعلى السفر لكونه ينقل الأجساد إلى أماكن أخر ، وعلى غنى الفقير لكون الناس يعلمون ما يحتاج إليه ، وعلى الاجتماع بالأحبة والغياب لكونهم يؤديهم إلى المقابر التي هي منزل الأحبة والغياب.
ومثله الصلب : وربما دل الصلب على مرض يقع بالعنق ، كالخانوق ونحوه. والجميع في الصفات الردية دال على ما ذكرناه في باقي الفصل.(1/80)
فصل : الدفن في القبر(1) : موت للمريض ، وتزويج للأعزب ، لأنه سترة ، وسفر ؛ لأنه انتقل إلى أرض أخرى ، وعزل للمتولي ، وفقر للغني ، ومرض للصحيح ، أو سجن. فإن كان قبراً واسعاً ، أو وجد رائحة طيبة ، أو خضرة مليحة ، أو ثوباً ، أو مأكولاً ، حسناً : كان عاقبة ذلك كله إلى خير. كما أنه إذا كان
ضيفاً ، أو فيه دخان ، أو حيوان مؤٍذ ، أو ضربه منكر ، أو نكير ، أو احترق بنار ، أو رأى جيفاً ، وما أشبه ذلك : كان ردياً. فإن جعلناه موتاً : كان عاقبته إلى العذاب. وإن جعلناه سفراً : قطعت عليه الطريق. وإن جعلناه تزويجاً : كان عاقبته خصاماً. وإن جعلناه أمراضاً : كانت أمراضاً مؤلمة ، أو موتاً.
قال المصنف : واعتبر القبر وأحواله. كما قال لي إنسان : رأيت أنني هارب من ثعبان كبير فرمتني امرأة في قبر ، قلت : عبرت عندها وخفت فجعلتك في صندوق خوفاً من عدو ، قال : صحيح. وقالت امرأة : رأيت أنني في قبر مليح ، قلت : الساعة تتزوجين. وقال آخر : رأيت أنني أدفن نساء كثيرة في قبور ، قلت : أنت كثيراً ما تجهز العرائس. وقال آخر : رأيت أنني أنبش صناديق الناس وأخرج ما
فيها ، قلت : أنت نباش القبور وترمي الموتى. وقال بعض الملوك : رأيت أنني نبشت القبور وأخرجت من فيها من الموتى : قلت : تطلق أهل السجون. وقال إنسان : رأيت أنني أكسر البيض وأرمي صفره وآكل بياضه ، قلت : أنت تأخذ أكفان الموتى وترمي بالموتى. وقال صغير : رأيت أنني أكلت عشرين قبراً ، قلت : تعرف أصحاب القبور قال : نعم ، قلت : سرقت لهم عشرين بيضة ، قال : صحيح.
فصل : حكم الحفائر إذا وقع فيها حكم القبر ، إلا أنها أهون منه. وأما إذا حفرها ليؤذي بها إنساناً ، أو في مواضع تؤذي الناس : فهو رجل ردي. وربما وقع في المكر ، والخديعة التي عملها . قال - صلى الله عليه وسلم - : » من حفر لأخيه قليباً أوقعه الله عز وجل فيه قريباً «. وقال الشاعر :
يَاحَافِرَ البِئْرِ وَسِّعْ في مَرَاقِيها
. ... مَن يحفِرِ البئرَ يُوشكُ أنْ يقعْ فِيهَا
والله أعلم(2).
الباب الخامس عشر
في الساعة وأشراطها
طلوع الشمس ، أو القمر ، من المغرب : دال على رجوع الغياب ، والأكابر من أسفارهم ، وعلى عود المتولي إلى ولايته ، والمريض إلى مرضه ، ومن خرج من سجن : عاد إليه ، وعلى توبة الفاسق ، وعلى الأخبار المؤلمة ، والخوف ، وعلى نصر المظلومين.
__________
(1) قال الأستاذ أبو سعيد : من رأى كأنه مات و دفن، فإنه يسافر سفرا بعيدا يصيب فيه مالا، لقوله تعالى:( ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره ) عبس 21، 22. و من رأى كأنه دفن في قبر من غير موت، دلت رؤياه على أن دافنه يقهره أو يحبسه، فإن رأى أنه مات في القبر بعد ذلك، فإنه يموت في الهم، فإن لم ير الموت في القبر نجا من ذلك الحبس و الظلم. و قال بعضهم: من دفن فإن دينه يفسد. و إن رأى أنه خرج من القبر بعدما دفن، فإنه يرجى له التوبة، فإن رأى أنه حثي على رجل التراب أو سلمه إلى حفيرة القبر، فإنه يلقيه في هلكة، فإن رأى كأنه وضع في اللحد، فإنه ينال دارا، فإن سوي عليه التراب نال بقدر ذلك التراب مالا. و أما القبور المحفورة في الأصل، فقيل: هو السجن في التأويل، كما أن لون السجن القبر. فمن رأى أنه يريد أن يزور المقابر، فإنه يزور أهل السجن، فإن رأى أنه حفر قبرا على سطح، فإنه يعيش عيشا طويلا. و القبور الكثيرة في موضع مجهول تدل على رجال منافقين، و من رأى كأن القبور مطرت، نال أهلها الرحمة. فإن رأى قبرا في موضع مجهول، فإنه يخالط رجلا منافقا، و أما المقابر، المعروفة فإنها تدل على أمر حق و هو غافل عنه، فإن رأى كأنه يحفر لنفسه قبرا فإنه يبني لنفسه دارا. و إن رأى كأن قبر الميت حول إلى داره أو محله أو بلده، فإن عقبه يبنون هناك دارا. فإن رأى كأنه دخل قبرا من غير أن كان على جنازة اشترى دارا مفروغا منها. و من رأى كأنه قائم على قبر، فإنه يتعاطى ذنبا، لقوله تعالى: ( و لا تقم على قبره ) التوبة 84. فإن رأى رجلا موسرا في مقبرة يطوف حول القبور فيسلم عليها، فقيل إنه يصير مفلسا يسأل الناس الفساد، لأن المقبرة موضع المفاليس.
(2) لم يذكر المصنف تأويل رؤيا الصلاة على الميت مع أن الأليق ذكرها في هذا المكان ، وها هي على وجه الاختصار قال الأستاذ أبو سعيد : الصلاة على الميت، فكثرة الدعاء فيه و الإستغفار له، فإن رأى كأنه الإمام عليه عند الصلاة عليه، ولى ولاية من قبل السلطان المنافق. و من رأى كأنه خلف إمام يصلي على ميت، فإنه يحضر مجلسا يدعون فيه الأموات .(1/81)
قال المصنف : واعتبر أشراط الساعة. كما قال لي إنسان : رأيت في زمن البرد أن الشمس رجعت ودفئت بحرها ، قلت : قد ضاع لك ثوب ، أو كساء وسيعود. ومثله قال آخر ، قلت : أنت مريض بالحمى الباردة ، الساعة تعود إلى العافية ، فعاد. وقال آخر : رأيت القمر قد غاب ثم عاد ، قلت : ضاعت لك مرآة ، قال : نعم ، قلت : ستعود فعادت. ومثله قال آخر ، قلت : ضاع لك قطعة فضة ، وستعود. وقال آخر : رأيت أنني فرحت بمغيب الشمس في المنام ثم طلعت فحزنت لذلك ، قلت : أردت أنك تعمل شيئاً مخفياً ما تم لك مراد ، قال : صحيح. فافهمه.
فصل : ظهور الدابة ، أو عصا موسى عليه السلام : دال على ما دلت عليه الشمس ، أو القمر ، وعلى ظهور ملك جديد عادل ، وعلى أخبار غريبة. وأما ظهور يأجوج ومأجوج : فدليل على ظهور عدو يخرج من الجهة التي قدموا منها.
قال المصنف : واعتبر الدابة. كما قال لي ملك مصر : رأيت أن الدابة قد ظهرت ، قلت : يقدم عندك حيوان غريب ، فعن قليل قدم الكركيد ولم يكون أبصره. وقد تدل على الجراد أيضاً. وقال بعض العامة : رأيت الدابة تحكي والناس ينظرون إليها ، قلت : أنت تفرج الناس على الدب ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أن بنتي قد صارت الدابة المذكورة في القرآن العزيز ، قلت : تصير واعظة فصارت. وقالت أخرى : رأيت أنني صرت الدابة والناس يهربون مني ، قلت : تصيرين نائحة في الأعزية ، فصارت.
وأما عصا موسى فقال إنسان : رأيت أنها في يدي وهي ملوية ، قلت : أنت رجل تلعب بالحيات. وقال آخر : رأيت أنني أسجد لها ، قلت : يفسد دينك لأجل يهودي. وقال آخر : رأيت أنني ركبتها ، قلت : أنت تجامع امرأة يهودية. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تتعانى السيمياء.
ودلت الدابة والعصا على الملوك لكون الدابة تأمر وتنهى والعصا انتصر بها موسى عليه السلام.
واعتبر ظهور يأجوج ومأجوج. كما قال لي إنسان : رأيت أن يأجوج ومأجوج قد كثروا في البلد ، قلت : نزل مكانك منهم أحد ، قال : نعم ، قلت : ينزل بها لصص ، أو أقوام مفسدون فاحترز. ومثله قال آخر ، قلت : يخرج من في السجون من المفسدين. ومثله قال آخر ، قلت : تنكسر طائفة من دين النصرانية ، فكان كذلك ، لأن عيسى عليه السلام يهرب بالناس من يأجوج ومأجوج إلى الطور.
فصل : النفخة الأولى : تدل على أخبار وأراجيف ، وعلى قرب عافية المريض ، وخلاص المسجونين ؛ وكل من هو في شدة.
والنفخة الثانية : تدل على حركات تقع بالناس ، وربما تجهزت عساكر لحادث يحدث ، ويدل ذلك على عافية المرضى ، وخلاص كل من هو في شدة ، وأمراض وسجن لمن هو خالص منها ، وهو فقر للأغنياء ، وعلى الأسفار الطويلة ، وعلى شدائد وفتن عظيمة. فإن كان مع ذلك نور ، أو رائحة طيبة ، أو يذكرون الله
تعالى : فالعافية في ذلك سليمة.
قال المصنف : دلت النفخة الأولى على عافية المريض لأنها تجمع الأجسام. وعلى خلاص المسجون لقرب خروجه من القبر كالسجن. وتدل على الحوائج. كما قال لي إنسان : رأيت النفخة الأولى وهي قوية ، قلت : تسقط ثمار البساتين لأجل ريح شديدة. ومثله قال آخر ، قلت : عندك حامل ، قال : نعم ، قلت : تسقط الحمل. ومثله قال آخر ، قلت : يقع بينك وبين أقاربك ، أو معارفك نكد ويتبرؤون منك ، لقوله تعالى : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ } ] المؤمنون:101 [.
وأما النفخة الثانية : على ما ذكرنا. وكما قال لي إنسان : رأيت النفخة الثانية عظيمة ، قلت : يعدم ملك كبير ويطلع في السماء شيء غريب ويعجب الناس من نظر ذلك ، لقوله تعالى : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ }
] الزمر:68 [.
وأما إن وجد الله متغيراً عليه ، أو وجد ظلاماً ، أو دخاناً ، أو ناراً ، أو شمساً أحرقه ضوؤها ، أو اسود وجهه ، أو أخذ كتابه بشماله ، أو من وراء ظهره ، أو ختم على فيه ، ونحو ذلك : كان عكس ذلك.
فصل : الميزان : رجل متوسط بين الناس ، وبين من دل الباري عز وجل عليه. فإن رجح ميزانه نال خيراً ، وإلا فلا.
قال المصنف : واعتبر حكم الميزان ، فإن رجح لمن يطلب فائدة ، وإلا فلا.
وأما من حكم على ميزان الآخرة ، فالحكم فيه ، كما قال لي إنسان : رأيت أنني أزن بميزان الآخرة ، قلت : تأخذ الحق من حمام ، لأن الناس يوم القيامة عرايا ، وهم في حر الشمس والعرق كالحمام. ومثله قال آخر ، قلت : تبقى ضامن ، أو كاتب سجن يعرض عليك أصحاب الذنوب والحسنات. وقال آخر : رأيت أنني أزن بميزان الآخرة ، قلت : أنت تصنع الصغار في مرجوحة كالميزان ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني حكمت على ميزان الآخرة ، قلت : تبقى تعدل الناس وتجرحهم عند متولي. فافهم ذلك.
فصل : العُبور على الصراط : دال على الأسفار ، وعلى الدخول في الأعمال الخطيرة ، وعلى الأمراض ، والسجون ، والشدائد. فإن عبره سليماً : كان عاقبة ذلك سليمة ، وإن وقع عنه : حصل له نكد على ما ذكرنا.(1/82)
قال المصنف : واعتبر الصراط. كما قال لي إنسان : رأيت أنني حاكم على الصراط ، قلت : تصير حاكماً على جسر ، أو معدية. وقال آخر : رأيت أنني نصبت الصراط ، قلت : تعمل جسراً ، أو معدية. وقال آخر : رأيت أنني نصبته ومشيت عليه ، قلت : أنت تنصب الحبال وتمشي عليها كالبختيار(1).
ودل عبوره على الأعمال الخطيرة لقلة من يسلم عليه ، وعلى الأمراض والشدائد ؛ لأن الناس يقاسون عليه شدائد كالمرضى والسجون.
فصل : وأما الوقوف بين الجنة والنار : فدال على تعويق المسافرين ، ووقوف الحوائج ، والمعايش ، وطول المرض ، والشدة ، لمن هو في ذلك. ويدل على الأعمال الجيدة ، والردية. وعلى معاشرة أهل الخير ، والشر.
قال المصنف : دل الوقوف بين الجنة والنار على تعويق المسافرين ، وتعطيل المعايش والحوائج ، لكونه لم يبلغ مراده من الجنة. ودل على الأعمال الجيدة والردية لأن حسناته تمنعه عبور النار ، وسيئاته تمنعه عبوره إلى الجنة. وقال إنسان : رأيت أنني واقف بين الجنة والنار ، قلت : يحبسك كبيرك في مكان لا رديء ولا جيد. ومثله قال آخر ، قلت : تعاشر أقواماً فيهم خير وشر. ومثله قال آخر ، قلت : لا تسافر ؛ تعوق في بعض الطريق.
فصل دخول النار : دال على الأمراض ، والسجون ، والشدائد ، وفقر الأغنياء ، وعزل المتولين ، وفراق الأحبة ، والأسفار المتلفة ، ومعاشرة أرباب الجرم ، والفساد. فإن أحرقته في أذنه : كان لأجل سماعه. أو في فمه : فلأجل كلامه ، أو ما أكله. وكذلك بطنه. أو في عينيه : فلأجل نظره. أو في يده : فلأجل ما أخذت ، أو أعطت ، أو ضربت. أو في صدره ، أو قلبه : فلأجل اعتقاده. أو في فرجه : فلأجل نكاحه. أو في رجله : فلأجل سعيه. وأما إن احترق جميعه كان ردياً.
قال المصنف : واعتبر النار. والعياذ بالله. كما قال لي إنسان : رأيت أنني حاكم على جهنم ، قلت : أنت رجل سجان. ومثله قال آخر ، قلت : أنت رجل شوّى ، أو طباخ. ومثله قال آخر ، قلت : أنت متولى عذاب الناس ، فاتق الله. ومثله قال آخر ، قلت : تحكم على مارستان. ومثله قال آخر ، قلت : أنت قاطع طريق تقتل الناس وتطمرهم. وقال آخر : رأيت أن جهنم قد جاءت وصرخت صوتاً عظيماً ، قلت : يدل على عزل الأكابر ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : » تَزْفَرُ جهنم يوم القيامة فتساقط الأنبياء عن منابرهم «. ومثله قال آخر ، قلت : يجيء حر شديد يتلف الغلات ويكثر الحمايات. وقال آخر : رأيت أنني سقطت في النار ، قلت : تقع في أتون ، أو فرن ونحوهم ، فوقع. وقال آخر : رأيت أنني متصرف في جهنم ، قلت : أنت رجل متخلف قد ضمنت دار فسق وقمار ، فتاب ورجع عن ذلك. نعوذ بالله الكريم الرؤوف الرحيم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، إنه على كل شيء قدير.
__________
(1) ما يعرف في عصرنا بالبهلوان الذي يمشي على الحبال.(1/83)
فصل : دخول الجنة(1) : دال عل عكس ما دلت عليه النار ، وعلى تزويج الأعزب ، والأعمال الجيدة ، وتوبة الفاسق ، والتمكن من دور الأكابر.فإن كان معه في الجنة كتاب فتعلمه : دخلها. وإن كان مصلياً ، أو مسبحاً ، أو مؤذناً ، ونحو ذلك من آثار الدين : فبالعبادة دخلها. وإن كان بشيء من العدد : فبالجهاد نالها. ويدل دخولها : على الأمن من الخوف ، والاجتماع بالغياب ، ونحو ذلك. نسأل الله الفوز بالجنة ، والنجاة من النار.
قال المصنف : دخول الجنة دال على الضد مما دلت عليه النار. وأعط كل إنسان ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني ملكت الجنة ، قلت : تملك ، أو تحكم على بستان. ومثله قال آخر ، قلت : تحكم على كتاب فيه منافع وفرج. وقال كافر : رأيت أنني طردت من الجنة ، قلت : لك دار مليحة مزوقة فيها نبات ستؤخذ منك وتتنكد عليك دنياك ، لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. وقال إنسان : رأيت أنني عبرت الجنة وأخذت منها شيئاً وهربت ، قلت : عبرت دار جليل القدر ، أو بستاناً وسرقت شيئاً ، قال : صدقت. وقال آخر : رأيت أنني دخلت في الجنة مع أهلها ، قلت : تعبر بلداً فيه مسافرون من كل مكان وتطلع على أخبار غريبة. وقال آخر : رأيت أنني في الجنة وهي متغيرة ، قلت : تعبر مكاناً فيه تزاويق وأصوات حسنة وصور ملاح. وقال لي مريض بالحرارة : رأيت أنني عبرت الجنة ، قلت : تعافى ، فكان كذلك.
نسأل الله الفوز بالجنة والنجاة من النار بفضله وإحسانه.
__________
(1) قال الأستاذ أبو سعيد رحمه الله: من رأى الجنة و لم ير دخولها، فإنه رؤياه بشارة له بخير عمل عمله أو يهم بعمله، و هذه رؤيا متصف ظالم، و قيل : من رأى الجنة عيانا، نال ما اشتهى و كشف عنه همه. فإن رأى كأنه يريد أن يدخلها فمنع فإنه يصير محصرا عن الحج و الجهاد، بعد أن يهم بهما ، أو يمنع من التوبة من ذنب هو عليه مصر. يريد أن يتوب منه، فن رأى بابا من أبواب الجنة أغلق عنه، مات أحد أبويه، فإن رأى أن بابين أغلقا عنه، مات أبواه. فإن رأى كأن جميع أبوابها تغلق عنه، و لا تفتح له، فإن أبويه ساخطان عليه، فإن رأى كأنه دخلها من أي باب شاء، فإنهما عنه راضيان، فإن رأى كأنه دخلها، نال سرورا و أمنا في الدارين، لقوله تعالى :( ادخلوها بسلام آمنين ) الحجر 46. فإن رأى كأنه أدخل الجنة، فقد قرب أجله و موته، و قيل إن صاحب الرؤيا يتعظ و يتوب من الذنوب على يد من أدخله الجنة، إن كان يعرفه. و قيل من رأى دخول الجنة، نال مراده بعد احتمال المشقة، لأن الجنة محفة بالمكاره، و قيل: إن صاحب هذه الرؤيا يصاحب أقواما كبارا كراما، و يحسن معاشرة الناس، و يقيم فرائض الله تعالى فإن رأى كأنه يقال له:ادخل الجنة، فلا يدخلها، دلت رؤياه على ترك الدين لقوله تعالى :( و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) الأعراف 40. فإن رأى أنه قيل له: إنك تدخل الجنة، فإنه ينال ميراثا، لقوله تعالى :( و تلك الجنة أورثتموها ) الزخرف 72. فإن رأى أنه في الفردوس نال هداية و علما. فإن رأى كأنه دخل الجنة مبتسما، فإنه يذكر الله كثيرا. فإن رأى كأنه سل سيفا و دخلها، فإنه يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و ينال نعمة و ثناء و ثوابا.فإن رأى كأنه جالس، تحت شجرة طوبى، فإنه ينال خير الدارين لقوله تعالى:( طوبى لهم و حسن مئاب ) الرعد 29. فإن رأى كأنه في رياضها رزق الإخلاص و كمال الدين. فإن رأى كأنه أكل من ثمارها، رزق علما بقدر ما أكل. و كذلك فإن رأى كأنه متكئ على فراشها، دل عفة لامرأته و صلاحها. فإن كان لا يدري متى دخلها، دام عزه و نعمه في الدنيا ما عاش. فإن رأى كأنه منع ثمار الجنة، دل على فساد دينه، لقوله تعالى :( من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ) المائدة 72. فإن رأى كأنه التقط ثمار الجنة و أطعمها غيره، فإنه يفيد غيره، فإنه يفيد علما يعمل به و ينتفع، و لا يستعمله هو و لا ينتفع به، فإن رأى كأنه طرح الجنة في النار، فإنه يبيع بستاناً و يأكل ثمنه. فإن رأى كأنه يشرب من ماء الكوثر، نال رياسة و ظفرا على العدو، لقوله تعالى :( إنا أعطيناك الكوثر . فصل لربك و أنحر ) الكوثر 1،2. و من رأى كأنه في قصر من قصورها نال رياسة أو تزوج بجارية جميلة، لقوله تعالى :( حور مقصورات في الخيام ) الرحمن 72. فإن رأى كأنه ينكح من نساء الجنة، و غلمانها يطوفون حوله، نال مملكة و نعما لقوله تعالى :( و يطوف عليهم ولدان مخلدون ) الإنسان 19 ، و إن رأى رضوان خازن الجنة، نال سرورا و نعمة و طيب عاش ما دام حيا، و سلم من البلايا، لقوله تعالى :( و قال لهم خزنتها سلام عليكم ) الزمر73.فإن رأى الملائكة يدخلون عليه و يسلمون عليه في الجنة، فإنه يصير على أمر يصل الجنة، لقوله تعالى :( و الملائكة يدخلون عليهم من كل باب ) الرعد 23. و يختم له بخير.(1/84)
فصل : من ضرب من هو أكبر منه ، أو أعلى قدراً : تكلم في عرضه ، أو يحصل للضارب نكد. وكذلك إن جلس في موضع لا يليق به الجلوس فيه. وأما إن ضرب الأكبر ، أو الأعلى لمن هو دون – ولم يجرحه ، ولا قطع ثيابه ، ولا كان بين الناس - : فذلك خير ، وفائدة للمضروب ، وربما كان كسوة. وأما إن جرحه ، أو كسر فيه شيئاً ، أو كشف عورته ، ونحو ذلك : نزل بالمضروب آفة.
قال المصنف : كون الضارب يتكلم في عرض المضروب لأنه مما يؤلمه. وحصل النكد للمضروب لكون الأعلى لا يسكت عن مجازاة الضارب في غالب ما يؤذيه. وأما إن كان الضارب هو الأعلى إذا ضرب الأدنى ظلماً : يندم ويحسن إلى المضروب ، ولو بكلام طيب. وكون المضروب يحصل له كسوة – خصوصاً إن كان في الشتاء – لثوران الحرارة وورم البدن ، كالكسوة. فافهم ذلك.
فصل : من ملك – من الأموال ، أو المواشي ، أو المآكل ، أو الملابس – ما لا يقدر على حفظه ، أو على حمله : كان نكداً.
قال المصنف : إنما دل ملك ما لا يقدر على حمله ، أو حفظه على النكد ؛ لأنه يتعلق به حقوق الله تعالى من الزكوات والعشر فيطالب بذلك. وأيضاً يكثر طمع الناس فيما عنده ، فهو أيضاً يريد مداراة لأرباب الطمع. وكونه لا يقدر على حفظه ولا حمله يضيق صدر مالكه ما يهون عليه أن يأخذ أحد منه شيئاً وهو لا يسلم له ، والعشر والزكاة ما يتركان نكداً.
فصل : لفظة الثلاثة ، أو الثلاثين ، أو الثلاثمائة ، أو الأربعة أو الأربعين ، أو الأربعمائة ، ونحو ذلك : تدل على الوفاء بالمواعيد ، قضاء الحوائج ، لقوله تعالى :
{ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } ] هود:65 [. ولدليل الآية في الأريعين.
قال المصنف : لفظة : الثلاثة ، والثلاثمائة ، ونحوهما ، لقوله تعالى : { ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } . والأربعة ، والأربعين ، ونحوهما ، كذلك ، لقوله تعالي : { فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } ] الأعراف:142 [. والله أعلم.
فصل : من دخل في بعض أعضائه :
فإن كان في أذنه : فخبر من قرابته ، أو صديق يجيء. فإن سد أذنه : كان خيراً ردياً ، وإلا فلا.
فإن دخل في عينه فأتلفها : فنكد يبصره في أقاربه ، أو ماله ، أو معارفه ، أو نفسه. وإن لم يتلفها فغائب يقدم.
وإن دخل في أنفه ، ولم يمنعه النفس ، ولا تلوث بمخاطه : فركوب في بحار ، أو طرق صعبة. وأما إن منعه النفس : سجن ، أو مرض ، أو قهر في خصومة.
وإن دخل في فيه ، ولم يؤذه : أكل رأس ماله ، أو قدم عليه كلام طيب ، أو غائب فيه نفع. وإن آذاه كان ردياً.
وإن دخل في ذكره ، وآذاه ، تنكد ممن دل الذكر عليه.
وكذلك الدبر والفرج.
وإن لم يؤذه ذلك : دخل الرائي في مداخل لا يليق به.
وربما دل ذلك جمعيه على أنه ربما عبر داره ، من غير بابها ، ونحو ذلك.
قال المصنف : أما دخول ابن آدم في بعض أعضائه فلم أعلم أن أحداً ذكره من المتقدمين ، ولا من المتأخرين. ولما تكرر رؤية بعض الناس لذلك فسرت بما ذكرته في الفصل. والمنكر لذلك معترض على الله ، جاهل بأحكام الرؤيا ، فاعتبر ما ذكرنا. كما قال لي إنسان : رأيت أن رأسي مدهون وكأنني نزلت فيه إلى وسطي ، قلت : لك أشجار ، أو زرع وقد سقيته بالماء وجلت في طين ذلك ، قال صحيح. وقال آخر : رأيت أنني وقعت بين أصابع يدي ووجدت مشقة ، قلت : تقع من بين شرافات مكان عالٍ. وقال آخر : رأيت أنني وقعت في كفي والطبق عليّ أصابعي ، قلت : يتعصب عليك أولادك ، أو أولادهم ، أو أولاد أخيك ، فكان كذلك. وقال آخر : رأيت أنني داخل فؤادي بين أمعائي وقد عرقت عرقاً كثيراً ، قلت : عبرت مع عيالك وصغارك ونسائك حماماً وكان الجميع عرايا وأنت بينهم ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني داخل جوفي وقد قطعت جميع الأمعاء بالسكين ، قلت : أنت رجل قتلت جماعة من أهل دارك ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني عبرت فمي وأكلت أضراسي وأسناني ، قلت : بعت جميع مالك من طواحين ورفوف ومجارف وقداديم وأوتاد ونحو ذلك ، وأكلت ثمنه. وقالت امرأة : رأيت أنني أدخلت يدي في فرجي خلاف العادة ، قلت : قد وطئك بعض من تحزنين عليه ، قالت : غصبني عن نفسي ، واعترفت بذلك أمها عندي. وقال آخر : رأيت أن ذكري عبر في دبري ولم أعلم ، قلت : قد وطأت بعض المحرمات عليك – وربما كان ذكراً – وأنت لا تعلم ، قال : كنت سكران. وقال آخر : رأيت أنني آخذ الحيوانات وأعبرها جوفي وأذبحها وآخذ جلودها ، قلت : أنت تعمل الحيلة على الناس تقتلهم في منزلك وتأخذ ما عليهم ، فما كان عن قليل حتى مسكه ملك مصر لأجل ذلك.(1/85)
وأما دخول بعض أعضائه في بعض : كما قال لي إنسان : رأيت أن عيني اليمين تدخل في اليسار واليسار تدل فى اليمين ، قلت : اطلعت على امرأتين عندك يتساحقان ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أصبعي أتلفت عيني ، قلت : عندك ولد وقد كشف وجه أخته ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني انسخلت مني ، قلت : حفظت شيئاً من الكتاب العزيز ثم أنسيته ، قال : نعم لقوله تعالى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا } ] الأعراف:175 [. وقال لي بعض الملوك : رأيت أنني بدلت أسناني ، قلت : تغير جماعة من بابك وعسكرك.
وعلى هذا فقس موفقاً إن شاء الله تعالى.(1/86)
وقد ذكرت ما يسر الله تعالى عليّ من كتابي » البدر المنير في علم التعبير «. ولم أذكر فيه شيئاً من الكلام والحكابات إلا ما فتح الله عليّ من بعض ما جرى من تفسير الناس. ولم أرغب في التطويل في ذلك ليسهل تناوله على حافظه والناظر فيه. والله أعلم بالصواب(1)
__________
(1) لم يذكر المصنف شيئًا هامًا يكثر السؤال عنه وهو رؤيا تلاوة القرآن ، ورؤيا سور القرآن وهاهي ذا إتمامًا للفائدة : من رأى كأنه يقرأ القرآن ظاهرا، فإنه يكون مؤديا لأمانات مستقيماً على الحق يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، لقوله تعالى :( يتلون آيات الله ) إلى قوله تعالى :( و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ) آل عمران114،113 . فإن رأى أنه اشترى مصحفا، انتشر عمله في الدين و الناس، و أفاد خيرا. فإن رأى أنه باع مصحفا، فإنه يحتقب الفواحش. فإن رأى أنه أحرق مصحفا أفسد دينه . فإن رأى أنه سرق مصحفا نسي الصلاة. فإن رأى في يده كتابا أو مصحفا ، فلما فتحه لم يكن فيه كتابة دل على أن ظاهره بخلاف باطنه. فإن رأى أنه يأكل أوراق المصحف ، فإنه يكتب المصاحف بأجر، و يطلب رزقه من غير وجهه. فإن رأى أنه يقبل المصحف، فإنه لا يقصر في أداء الواجبات. فإن رأى أنه يكتب القرآن في خزف أو صدف فإنه يقول القرآن برأيه. فإن رأى أنه يكتبه على الأرض فهو ملحد. و قد حكي أن الحسن البصري رحمه الله، رأى كأنه يكتب القرآن في كساء فقص رؤياه على ابن سيرين فقال : اتق الله و لا تفسر القرآن برأيك، فإن رؤياك تدل على ذلك. فإن رأى كأنه يقرأ القرآن و هو متجرد، فإنه صاحب أهواء. و من رأى كأنه يأكل القرآن، فإنه يأكل به. و من رأى كأنه متوسد مصحفا فإنه رجل لا يقوم بما معه من القرآن لقوله صلى الله عليه و سلم : " لا تتوسدوا بالقرآن " و من رأى أنه حفظ القرآن و لم يكن يحفظه، نال ملكا لقوله تعالى :( إني حفيظ عليم ) يوسف 55. و من رأى كأنه يسمع القرآن ، قوي سلطانه و حسنت خاتمته . و من رأى أن المصحف أخذ منه، فإنه ينتزع منه علمه و ينقطع عمله من الدنيا. و من رأى أنه يتلى عليه القرآن و هو لا يفهمه، أصابه مكروه، إما من الله أو من السلطان. لقوله تعالى :( و قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) الملك 10. و من رأى آية رحمة، فإذا وصل آية عذاب ، عسرت عليه قراءتها، و أصاب فرجا. و من رأى أنه يقرأ آيه عذاب، فإذا وصل إلى آية رحمة، لم يتهيأ لها بقي في شدة. من رأى أنه يختم القرآن ظفر بمراده و كثر خيره . و حكي أن امرأة رأت كأن في حجرها مصحفا، و هي تقرب منه، فجاءت فروجتان يلتقطان كل كتابة فيه، حتى استوفتا جميع كتابته أكلا، فقصت رؤياه على ابن سيرين فقال : ستلدين ابنين يحفظان القرآن. فكان كذلك ، وأما سور القرآن فمن رأى أنه يقرأ فاتحة الكتاب فتحت له أبواب الخير و أغلقت عنه أبواب الشر. و من رأى كأنه يقرأ سورة البقرة طال عمره و حسن دينه. و من رأى كأنه يقرأ سورة آل عمران صفا ذهنه و زكت نفسه، و كان مجادلاً لأهل الباطل. و من قرأ سورة النساء فإنه يكون قساماً للمواريث صاحب حرائر من النساء، و جوار، يرث النساء بعد عمر طويل . و من قرأ سورة المائدة علا شأنه و قوي يقينه و حسن ورعه . و من قرأ سورة الأنعام كثرت أنعامه و دوابه و مواشيه و رزق الجود . و من قرأ الأعراف لم يخرج من الدنيا حتى يطأ قدمه طور سيناء. و من قرأ سورة الأنفال رزقه الله الظفر بأعدائه، و رزق الغنائم . و من قرأ سورة التوبة عاش في الناس محمودا و مات على توبة . و من قرأ سورة يونس حسنت عبادته و لم يظهر كيد و لا سحر . و من قرأ سورة هود كان مرزوقا من الحرث و النسل . و من قرأ سورة يوسف ظلم أولا ثم يملك خيرا، و يلاقي سفرا يقيم فيه. و من قرأ سورة الرعد كان حافظا للدعوات، و يسرع إليه الشيب . و من قرأ سورة إبراهيم حسن أمره و دينه عند الله . و من قرأ سورة الحجر كان عند الله و عند الناس محمودا . و من قرأ سورة النحل رزق علما، و إن كان مريضا شفي . و من قرأ سورة بني إسرائيل كان وجيها عند الله و نصره على أعدائه, و من قرأ سورة الكهف نال الأماني و طال عمره حتى يمل الحياة و يشتاق إلى الموت . و من قرأ سورة مريم أحيا سنن الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، و يكذب عليه ثم تظهر براءته. و من قرأ سورة طه لم يضره سحر ساحر . و من قرأ سورة الأنبياء نال الفرج بعد الشدة و اليسر بعد العسر، رزق علما و خشوعا . و من قرأ سورة الحج رزق الحج مرارا إن شاء الله تعالى . و من قرأ سورة المؤمنين قوي إيمانه و ختم له به . و من قرأ سورة النور نوّر الله قلبه و قبره . و من قرأ سورة الفرقان كان فارقا بين الحق و الباطل . و من قرأ سورة الشعراء عصمه الله من الفواحش . و من قرأ سورة النمل أوتي ملكا . و من قرأ سورة القصص رزق كنزا حلالا . و من قرأ سورة العنكبوت كان في أمان الله و حرزه إلى أن يموت . و من قرأ سورة الروم فتح الله على يديه بلاد المشركين، و هدى على يديه قوما. و من قرأ سورة لقمان أوتي الحكمة . و من قرأ سورة السجدة مات في سجدته و من الفائزين عند الله . و من قرأ سورة الأحزاب كان من أهل التقى و اتبع الحق . و من قرأ سورة سبأ يزهد في الدنيا، و آثر الزلة . و من قرأ سورة فاطر فتح الله عليه باب النعم . و من قرأ سورة يس رزق محبة أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم. و من قرأ سورة الصافات رزقه الله ولدا صاحب يقين طائعا له . و من قرأ سورة ص كثر ماله و حذق في صناعته . و من قرأ سورة الزمر خلص دينه و حسنت عاقبته . و من قرأ سورة المؤمن رزق رفعة في الدنيا و الآخرة، و تجري الخيرات على يديه . و من قرأ سورة حم السجدة يكون داعيا إلى الحق و يكثر محبوه . و من قرأ سورة حم عسق عمر عمرا طويلا إلى غاية . و من قرأ سورة الزخرف كان صادقا في أقواله . و من قرأ سورة الدخان رزق الغنى . و من قرأ سورة الجاثية فإنه يخشع لربه ما عاش . و من قرأ سورة الأحقاف رأى العجائب في الدنيا . و من قرأ سورة محمد صلى الله عليه و سلم حسنت سيرته . و من قرأ سورة الفتح وفق للجهاد . و من قرأ سورة الحجرات يصل رحمه . و من قرأ سورة ق وسع عليه رزقه . و من قرأ سورة الذاريات كان مرزوقا من الحرث و الزرع . و من قرأ سورة الطور دلت رؤياه على أنه يجاور مكة . و من قرأ سورة النجم رزق مولودا جميلا وجيها . و من قرأ سورة القمر فإنه يسحر و لا يضره . و من قرأ سورة الرحمن نال في الدنيا نعيما و في الآخرة رحمة . و من قرأ سورة الواقعة كان سباقا إلى الطاعات . و من قرأ سورة الحديد كان محمود الأثر صحيح البدن . و من قرأ سورة المجادلة كان مجادلا لأهل الباطل قاهرا لهم بالحجج. و من قرأ سورة الحشر أهلك الله أعدائه . و من قرأ سورة الممتحنة نالته محنة و أجر عليها . و من قرأ سورة الصف استشهد . و من قرأ سورة الجمعة جمع الله له الخيرات . و من قرأ سورة المنافقين بريء من النفاق . و من قرأ سورة التغابن استقام على الهدى . و من قرأ سورة الطلاق دل على النزاع بينه و بين امرأته يؤدي ذلك إلى الفراق . و من قرأ سورة الملك كثرت أملاكه . و من قرأ سورة نون رزق الكتابة و الفصاحة . و من قرأ سورة الحاقة كان على الحق . و من قرأ سورة المعارج كان آمنا منصورا . و من قرأ سورة نوح كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر مظفرا على الأعداء. و من قرأ سورة الجن عصم من شر الجن . و من قرأ سورة المزمل وفق للتهجد . و من قرأ سورة المدثر حسنت سيرته و كان صبورا . و من قرأ سورة القيامة فإنه يجتنب الحلف فلا يحلف أبدا . و من قرأ سورة هل أتى وفق للسخاء و رزق الشكر و طابت حياته . و من قرأ سورة المرسلات وسع عليه في رزقه . و من قرأ سورة عم يتساءلون عظم شأنه و انتشر ذكره بالجميل . و من قرأ سورة النازعات نزعت الهموم و الخيانات من قلبه . و من قرأ سورة عبس فإنه يكثر إيتاء الزكاة و الصدقة . و من قرأ سورة التكوير كثرت أسفاره في ناحية الشرق و كثرت أرباحه في أسفاره . و من قرأ سورة الإنفطار قربه السلاطين و أكرموه . و من قرأ سورة المطففين رزق الأمانة و الوفاء و العدل . و من قرأ سورة الإنشقاق كثر نسله و ولده . و من قرأ سورة البروج فاز من الهموم وأكرم بنوع من العلوم وقيل ذلك علم النجوم . و من قرأ سورة الطارق الهم كثرة التسبيح . و من قرأ سورة سبح تيسر عليه أموره . و من قرأ سورة الغاشية ارتفع قدره و انتشر ذكره و علمه . و من قرأ سورة الفجر كسي البهاء و الهيبة . و من قرأ سورة البلد وفق لإطعام و إكرام الأيتام و رحمة الضعفاء . و من قرأ سورة الشمس أوتي الفهم و ذكاء الفطنة في الأشياء . و من قرأ سورة الليل وفق لقيام الليل و عصم من هتك الستر . و من قرأ سورة الضحى فإنه يكرم المساكين و الأيتام . و قد حكى بعض العلوية رأى في منامه مكتوبا على جبينه صورة الضحى فأخبر بذلك ابن المسيب فعبرها بدنو الأجل، فمات العلوي بعد ليلة . و من قرأ سورة ألم نشرح فإن الله يشرح للإسلام صدره، و ييسر عليه أمره و تنكشف عنه همومه . و من قرأ سورة التين عجل له قضاء حوائجه، و سهل له رزقه، و من قرأ سورة اقرأ رزق الكتابة و الفصاحة و التواضع . و من قرأ سورة القدر طال عمره و علا أمره و قدره . و من قرأ سورة لم يكن هدي الله على يديه قوما ضالين . و من قرأ سورة الزلزلة زلزل الله به أقدام الكفر . و من قرأ سورة العاديات رزق الخيل و ارتباطها . و من قرأ سورة القارعة أكرم بالعبادة و التقوى . و من قرأ سورة التكاثر كان زاهدا في المال تاركا لجمعه . و من قرأ سورة العصر وفق الصبر و أعين على الحق، و يناله خسران في تجارته، و يتعقبه ربح كثير. و من قرأ سورة الهمزة فإنه يجمع مالا ينفعه في أعمال البر . و من قرأ سورة الفيل نصر على الأعداء و جرى على يديه فتوح في الإسلام. و من قرأ سورة قريش فإنه يطعم المساكين و يؤلف الله بينه و بين قلوب عباده في المحبة. و من قرأ سورة أرأيت فإنه يظفر بمن خالفه و عانده . و من قرأ سورة الكوثر كثر خيره في الدارين . و من قرأ سورة الكافرون وفق لمجاهدة الكافرين . و من قرأ سورة النصر نصره الله على أعدائه، و هذه الرؤيا تدل على قرب وفاة صاحبها فإنها سورة نعي النبي صلى الله عليه و سلم إلى نفسه. و قد حكي أن رجلا أتى ابن سيرين فقال : إني رأيت في المنام كأني أقرأ سورة الفتح، فقال عليك بالوصية فقد جاء أجلك، فقال: و لم ؟ قال لأنها آخر سورة نزلت من السماء. و من قرأ سورة تبت يدا فإن بعض أهل النفاق يتشمر لمعاداته و طلب عثراته ثم يهلكه الله عز وجل . و من قرأ سورة الإخلاص نال مناه و عظم ذكره، و وقي زلات توحيده، و قيل : يقل عياله و يطيب عيشه، و قد قيل : إن قراءتها أيضا دليل على اقتراب الأجل . و قد حكى بعض الصالحين رأى سورة الإخلاص مكتوبة بين عينيه فقص ذلك على سعيد بن المسيب فقال: إن صدقت رؤياك فقد دنا موتك. فكان كما قال. و من قرأ سورة الفلق فإن الله يدفع عنه شر الإنس و الجن و الهوام و الحساد. و من قرأ سورة الناس عصم من البلايا و أعيذ من الشيطان و جنوده و وسواسهم. قال أبو سعيد رضي الله عنه: و الأصل في هذا النوع من الرؤيا، أن يتدبر المعبر رؤيا القاص عليه في هذا ، فإن كانت الآية التي رأى أنه قرأها آية رحمة مبشرة، بشره بالرحمة و النعمة و الأمن و الغبطة، و إن كانت عقوبة، حذره ارتكاب معصية يستحقها بها، و أشار عليه بترك معصية هو فيها أو هام بها قاصدا لها.(1/87)
.
نستغفر الله من كل ذنب ، ونعوذ به من العمل الذي لا يقرب إليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.(1/88)