دراسة بعنوان :
الانفعالات الإنسانية وضبطها
بتعلم القرآن الكريم
إعداد :
د . عبدالله بن عواد الرويلي
رئيس قسم التوجيه والإرشاد
بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الحدود الشمالية
( مقدمة للملتقى الثالث للجمعيات الخيرية
لتحفيظ القرآن الكريم بالمملكة )
* إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً O وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
(سورة الإسراء الآية :9-10)
* اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
(سورة الزمر الآية :23)
قائمة المحتويات
الموضوع ... رقم الصفحة
أولا : مدخل إلى الدراسة ... 4
مقدمة ... 4
أهداف الدراسة ... 4
أسئلة الدراسة ... 5
أهمية الدراسة ... 5
حدود الدراسة ... 5
منهج الدراسة ... 5
ثانيا : الانفعالات الإنسانية : ماهيتها ، أسباب حدوثها ، مكوناتها وعناصرها وتفسيرها وآثارها. ... 6
1- تعريف الانفعال ... 6
2- أسباب حدوث الانفعال : ... 7
3- عناصر الحالة الانفعالية ( مكونات وعناصر الانفعال ) . ... 7
4- العلاقة بين الانفعالات والدوافع . ... 9
5- الانفعالات والعواطف والمشاعر . ... 9
6- نظريات الانفعال . ... 10
7- آثار ونتائج الانفعالات . ... 11
ثالثا : الانفعالات في القرآن الكريم ... 12
1- انفعال الحب ... 12
2- انفعال الفرح ... 15
3- انفعال الحياء ... 15
4- انفعال الزهو والعجب بالنفس والكبر ... 16
5- انفعال الخوف ... 16
6- انفعال الغضب ... 17
7- انفعال الغيرة ... 18(1/1)
8- انفعال الحسد ... 18
9- انفعال الكره ... 19
10- انفعال الحزن ... 19
رابعا :ضبط الانفعالات وتربيتها من خلال حلقات تحفيظ القرآن الكريم : ... 21
أ- القرآن الكريم والآثار النفسية للإيمان به وتلاوته وتعلمه والعمل به ودور ذلك في ضبط انفعالات الإنسان ... 21
ب-المعلم المربي في حلقات تحفيظ القرآن الكريم والوسائل الداعمة لدوره
في ضبط انفعالات تلاميذه . ... 26
خامسا : التوصيات ... 32
قائمة المراجع ... 33
أولا : مدخل إلى الدراسة :
مقدمة :
الحمد لله وكفى وصلاة وسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن به اهتدى وبعد :
زود الله سبحانه وتعالى الإنسان بانفعالات تعينه على الحياة والبقاء ، فهي تساعده على مقاومة المواقف الخطرة ، أو الهروب منها ، أو مواصلة البذل والجهد للحصول على الشيء الذي يحتاجه . إن الانفعالات الإنسانية تمثل القلب بالنسبة للعقل وهي ضرورية لكل أحد للحفاظ على قدرته لأداء مهامه وأدواره في الحياة بشكل سليم . وهي تعبر عن أفكار الشخص تنشط و تندفع بسلوكه ، وقراراته غالبا ما تتخذ على مستوى انفعالي، فالانفعالات تقوم مشاركة مع الدافع بتوجيه السلوك .
إن الحفاظ على مستوى معين من الانفعالات مطلب ملح لحياة متزنة سعيدة ، فإن اختلت وخرجت عن وضعها الطبيعي زيادة أو نقصا كان الاضطراب وقد يكون المرض النفسي ، فمثلا الخوف الطبيعي انفعال ضروري لدينامية الشخصية وفعاليتها فإن زاد عن حده الطبيعي كان الخوف المرضي أو الرهاب ، والحزن قد يستفحل ويؤدي إلى الاكتئاب والفرح الزائد عن حده الطبيعي قد يؤدي إلى مرض الهذاء. على الإنسان تنظيم حياته الانفعالية تنظيما يسهم في تحقيق صحته النفسية وعليه عدم المغالاة والإسراف في الانفعال بدون مبرر أو فيما لا يتناسب مع الموقف المعاش فإن فعل ذلك كان الألم والاضطراب والمرض .(1/2)
إن لتلاوة القرآن الكريم وتعلمه وتدبر معانيه والعمل بما فيه آثارا تربوية ونفسية عظيمة منها ضبط الانفعالات والتحكم فيها والسيطرة عليها بطريقة نموذجية مميزة تنمي شخصية الإنسان وتسهم في تحقيق صحته النفسية ، فلقد أتى القرآن الكريم لهداية الناس ، ولدعوتهم إلى عقيدة التوحيد ، إلى الإيمان، ليتمتعوا بحياة متزنة الانفعالات سوية خالية من الأمراض والعلل ،ومن الانحراف والضلال والفرقة والانقسام ، وذلك بإرشادهم إلى السلوك السوي السليم الذي فيه صلاح الإنسان وخير المجتمع، ولتوجيههم إلى الطرق الصحيحة لتربية النفس وتنشئتها تنشئة سليمة تؤدي بها إلى بلوغ الكمال الإنساني الذي تتحقق به سعادة الإنسان في الحياة الدنيا وفي الآخرة ،قال تعالى : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً (سورة الإسراء الآية :82)
أهداف الدراسة :
1- الوقوف على دور الانفعالات وتأثيرها في حياتنا اليومية .
2- تحديد الانفعالات الإنسانية الواردة في القرآن الكريم .
3- الكشف عن دور تلاوة وتعلم القرآن الكريم في حلقات التحفيظ والعمل به في ضبط الانفعالات الإنسانية .
أسئلة الدراسة :
السؤال الرئيس الذي تحاول الدراسة الإجابة عنه :
ما دور تعليم القرآن الكريم في حلقات التحفيظ في ضبط الانفعالات الإنسانية ؟ ويتفرع من هذا السؤال الأسئلة التالية :
1- ما المقصود بالانفعال ؟ وما النظريات المفسرة له ؟ وما دوره في حياة الإنسان ؟
2- ما الانفعالات التي وردت في القرآن الكريم ؟ وكيف تم ضبطها والسيطرة عليها ؟
3- ما دور كل مما يلي في ضبط الانفعالات الإنسانية والسيطرة عليها :
- الإيمان بالقرآن الكريم وتلاوته .
- تعلم القرآن الكريم في حلقات التحفيظ والعمل به.
أهمية الدراسة :(1/3)
1- قلة المؤلفات الإسلامية وندرة الدراسات المتخصصة التي عُنيت بدراسة الانفعالات الإنسانية ودور القرآن الكريم في التربية على ضبطها.
2- تستمد هذه الدراسة أهميتها من بعديها المكونين لها ، فالانفعال يتحكم في توجيه السلوك الإنساني جنبا إلى جنب مع الدافع ،ويمثل جانبا مهما في الشخصية ويحدد كثيرا من سماتها وضبطه ضمن الإطار الطبيعي أساس في صحتها النفسية ، والقرآن الكريم يمثل المنهج القويم لحياة المسلم فهو نظام متكامل يرشد الإنسان إلى الطريق الصحيح وإلى السبل الأنجع في السيطرة على الانفعالات وضبطها،لأنه استجابة لتوازنه وحاجاته الأصلية قال تعالى : إ ِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (سورة الإسراء الآية :9) .
حدود الدراسة :
سوف تقتصر هذه الدراسة على الحدود الموضوعية في جوانب تلاوة القرآن الكريم وتعلمه في حلقات التحفيظ والعمل به ودور ذلك في ضبط الانفعالات الإنسانية التالية : الخوف ، الحزن ، الفرح ، الغضب، الحب ، الكره، الغيرة ، الحسد، الندم ..
منهج الدراسة :
استخدم الباحث المنهج الوصفي باعتباره أفضل المناهج وأنسبها لطبيعة الدراسة الحالية ، والمنهج الوصفي يمكن من خلاله الاستنتاج والاستنباط" فالأسلوب الوصفي لا يهدف إلى وصف الظواهر أو وصف الواقع كما هو بل إلى الوصول إلى استنتاجات تساهم في فهم هذا الواقع وتطويره" ( عبيدات وآخرون ، 1996 م : 23 ). واستخدم الباحث الطريقة الاستنباطية التي قام من خلالها ببذل أقصى جهد عقلي ونفسي عند دراسة النصوص بهدف استخراج مبادئ تربوية مدعمة بالأدلة الواضحة. كما قام الباحث وفق هذه الطريقة باستنباط واستخراج دور القرآن الكريم " تلاوة وتعلما وعملا " في ضبط الانفعالات الإنسانية من الآيات القرآنية .(1/4)
ثانيا: الانفعالات الإنسانية : ماهيتها ، أسباب حدوثها ، مكوناتها وعناصرها وتفسيرها وآثارها.
1- تعريف الانفعال EMOTION :
الانفعالية خاصية أساسية وطبيعية لكل موجود إنساني ، إنها تتيح له أن يستجيب إلى سائر المنبهات الخارجية أو الداخلية ، ويمكن أن نسمي جميع هذه المنبهات الظروف.
الانفعالية استجابة أولية تثيرها التغيرات المفاجئة أو المباشرة .
وتظهر الانفعالية باستجابات واسعة ، استجابات سيكولوجية وفسيولوجية وعصبية وعضلية وتعبيرية . الانفعالية استجابة أولية.ويمكن أن نميز منها أربعة أنماط رئيسة : اللذة والحزن والغضب والخوف.(داكو،د.ت:110 - 111).(1/5)
يميل أغلب علماء النفس إلى إطلاق اصطلاح الانفعال emotion على الانفعالات القوية التي يصاحبها اضطراب في السلوك كالخوف والغضب الشديدين .أما الشعور بحالات خفيفة من المشاعر الوجدانية مثل السرور والضيق أو الانشراح والكدر فيطلقون عليها اصطلاح الوجدان feeling . فالوجدان شعور ذو صبغة انفعالية خفيفة . أما الانفعال فيمكن أن يعرف بأنه اضطراب حاد يشمل الفرد كله ويؤثر في سلوكه وخبرته الشعورية ووظائفه الفسيولوجية الداخلية . وينشأ في الأصل عن مصدر نفسي .وهو حالة وجدانية تتسم بالاضطراب الشديد لدى الفرد. ويشتمل على ثلاثة عناصر هي السلوك والخبرة الشعورية والعمليات الفسيولوجية الداخلية.( قطامي وعدس،1423هـ:217 ) . ويعرف الانفعال بأنه : "حالة جسمية نفسية يصاحبها توتر شديد مع اضطرابات عضوية تغشى أجهزة الإنسان الدموية والتنفسية والعضلية والغدية والهضمية مع كيانه العصبي عموما فالانفعال أزمة نفسية طارئة مفاجئة لم يستطع صاحبه التكيف السريع معها (الهاشمي،1423هـ:166) . كما يعرف بأنه : " اضطراب حاد لأنه يتميز بحالة شديدة من التوتر والتهيج ، ولأنه أثناء الانفعال تتعطل جميع أنواع النشاط الأخرى التي يقوم بها الإنسان ن ويصبح نشاطه كله مركزا حول موضوع الانفعال". (نجاتي،1420هـ:114-115).
يتبين مما سبق تباين العلماء في تعريف الانفعال ويعود ذلك إلى تباين الزاوية التي ينظرون منها إليه. ومما يساعد المعلم المربي في حلقات تحفيظ القرآن الكريم تكوين تصور إيجابي عن الانفعالات والتعامل إيجابيا مع انفعالات المتعلمين معرفة خصائصها المتمثلة فيما يلي :
الانفعال حالة تغير مفاجئ ؛ أي حالة شعورية يحس بها الفرد كله ولا تتيح له القدرة على التكيف مع الموقف .
الانفعال حالة تأخذ صورة أزمة عابرة لا تمكث طويلا فهي حالة مؤقتة .(1/6)
الانفعال ظاهرة نفسية ؛ أي حالة شعورية يحس بها الفرد ، ويستطيع وصفها ، وهي عادة تكون قوية ومصحوبة باضطرابات نفسية .
في بعض الحالات يكون للانفعال مظهر داخلي عضوي ، ويعمل على تنشيط الكيان العضوي للكائن الحي ويجعله في حالة تهيؤ .
الانفعال استجابة تتألف من ثلاثة مكونات : سلوكية وتتمثل في الحركات الجسمية ، ذاتية وتتمثل في حالة التهيؤ مثل سرعة دقات القلب وضغط الدم ، وهرمونية والمتمثلة في إفراز الهرمونات التي تعزز نشاطات المكون الذاتي .
إن الانفعالات تتصل بحياة الفرد اتصالا مباشرا ولها أهمية ودور كبير فيها . فالانفعالات عندما تكون في حالاتها الطبيعية المتزنة تستثير و تدفع الإنسان إلى العمل ومواصلته ، وتعطي السلوك قوة وزخما . كما أنها تساعد على تنظيم خبراته وتساعده في زيادة خصوبة خياله وتنشيط تفكيره ، وتشكيل إدراكه لذاته وللآخرين . والانفعالات تساعد على تحديد وتوجيه السلوك الذي يسهم في استمرارية الإنسان في الحياة .
2- أسباب حدوث الانفعال :
يفترض جيلفورد أن هناك عددا من المواقف أو الظروف التي نصبح فيها منفعلين وقد وصفها بالصورة التالية :
تتطور انفعالاتنا عندما تكون الدافعية قوية .
تتطور انفعالاتنا حينما نصل إلى حالة تحقيق الهدف أو فقدان الأمل لتحقيقه .
تتطور انفعالاتنا حينما نواجه إحباطا لدوافعنا . ( قطامي وعدس،1423هـ:218 ).
وقد ذكر ذلك عبدالحميد الهاشمي بصيغة أبسط حيث يرى أن الإنسان ينفعل في الحالات التالية :
عند استثارة دافع في الإنسان .
عندما يتم إشباع بعض دوافع الإنسان بصورة مفاجئة لا يرتقبها ، أو تتحقق بعض آماله بغتة .
إعاقة دافع أساسي بحيث يمنع الدافع من الوصول إلى هدفه . (الهاشمي،1423هـ:165-166) .(1/7)
إن إدراك المعلم المربي لتلك الأسباب عامل معزز لقدرته في تفسير حدوث انفعالات المتعلمين لديه ، ومساعدتهم في السيطرة عليها وضبطها وتهذيبها من خلال تكرار مثيراتها وظروف تشكلها وتخليصها من عيوبها .
عناصر الحالة الانفعالية ( مكونات وعناصر الانفعال ) :
لمعرفة كيفية تكون الانفعال لابد من استعراض تحليلي لجوانب الانفعال نفسه والتي تتمثل فيما يلي:
جانب المثير الذي يسبب الانفعال سواء أكان داخليا في الإنسان كألم في المعدة أو وجع في الأضراس أو تذكر حادثة ماضية تؤلمه وقد يكون المثير خارجيا كرؤية وحش كاسر مفترس هائج قادم نحو الإنسان أو إحاطة نار بالفرد.
جانب شعوري شخصي ذاتي في تكوين الإنسان نفسيا .. فهو يشعر باضطراب انفعالي . ويكون هذا الاضطراب شعوريا يحسه الفرد أول الأمر ويمكن أن يدركه عن طريق التأمل الباطني إذا كان الشعور معتدلا . . أما إذا تطرف الانفعال فقد يفقد الفرد الوعي الكافي أو التوازن الإدراكي .
جانب تعبيري ظاهري خارجي مما يصدر عن المنفعل من كلمات وحركات وإشارات وتعبيرات في قسمات الوجه وما إليه .. وهذا الجانب يساعدنا في معرفة الانفعال عند الآخرين من الناس .. قياسا مع أنفسنا .
جانب عضوي داخلي في أحشاء الإنسان المنفعل .. في تغيرات هامة في نشاط القلب والدم والتنفس والضغط والغدد .. وهذا جانب يمكن ملاحظته بأجهزة علمية متخصصة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجوانب في تحليل الانفعال هي جوانب متفاعلة يؤثر بعضها في بعض كما يتأثر بها ؛ لأن الإنسان وحدة متكاملة فهو كله الذي يفرح أو يبكي . وهو كله الذي يغضب أو يرضى ويحب أو يكره (الهاشمي،1423هـ:166-167) .
ويرى أبو حامد الغزالي أن عناصر الانفعال " الهيجان " ثلاثة : الإنسان ، المثير ، الاستجابة ) :
الإنسان : يتوقف انفعال الإنسان على أربعة عوامل هي :(1/8)
لا يكفي أن يكون المثير مخيفا أو مغضبا في ذاته ، بل لا بد من توافر عنصر المعرفة بأن هذا المثير يتطلب ذلك .
حساسية الشخص : وهي التي نعبر عنها بقولنا : إنه سريع الانفعال أو بطيئة ، مرح أو كئيب، ويسمى ذلك "الطبع " .
استعداده للانفعال : ويتوقف ذلك على حالته العصبية ويسمى ذلك "المزاج " .
اعتياد على الانفعال : فإنه يظهر عند المحاربين الذين تمرسوا رؤية القتلى في ساحة الحرب وألفوا هذه المناظر .. فلم يعد يروعهم منظر شخص قتيل .
المثير : يكون خارجيا كمنظر السبع أو الأفعى ، كما يكون داخليا كتوقع أمر يخشى وقوعه ، فعدم الشعور بالأمن يولد انفعالي الخوف والغضب .
الاستجابة : وهي رد الفعل الذي يقفه الكائن الحي من الإثارة ، فنحن نبكي في الحزن ونضحك في الفرح ونعبس في الغضب . الغزالي:(زريق ، 1414هـ : 55-56).
أما محمد نجاتي فيرى أن الانفعال يتكون مما يلي:
أ- إدراك الموقف الانفعالي . ب- التغيرات الفسيولوجية الداخلية . ج- التغيرات البدنية الخارجية .
د- الخبرة الشعورية. هـ- التوافق للموقف الانفعالي . (نجاتي،1420هـ:116).
وحتى يحدث المعلم المربي تغييرا إيجابيا مرغوبا في انفعالات طلابه لا بد أن يقف على كل مكون من مكونات
الانفعال ويقومه فقد يكون أحدها العامل المؤدي إلى الانفعال بصورة غير مرغوبة .
4- العلاقة بين الانفعالات والدوافع :
اختلف العلماء في النظر إلى الصلة بين الانفعال والدافع MOTIVE فيرى مكدوجل أن الانفعال هو الجانب المركزي الثابت للغريزة . وترى مدرسة التحليل النفسي أن الغرائز تبدو في صورة حاجات فسيولوجية ونفسية . ويصاحب ظهور الحاجات نوع من الانفعال يتدرج بين اللذة والألم تبعا لما يتوقعه الفرد من إشباع أو إحباط . وتهتم هذه المدرسة بالانفعالات الأليمة وعلى رأسها القلق .(1/9)
ويرى دريفر أن الانفعال ينتج عن إحباط الدوافع وإعاقة السلوك الغريزي . ويرى كانز أن الانفعال رد فعل طبيعي يصدر عن الفرد بأسره لمواجهة الطوارئ (راجح،1999م:155).
إن الانفعال يدفع الإنسان إلى القيام باستجابات توافقية معينة ، وهناك علاقة كبيرة بين الدوافع والانفعالات ، فالدوافع تكون عادة مصحوبة بحالة وجدانية انفعالية ، فحينما يشتد الدافع ويعاق الإشباع فترة من الزمن تحدث في الجسم حالة من التوتر . وتصاحبها حالة وجدانية مكدرة . وإشباع الدافع يكون مصحوبا بحالة وجدانية سارة. ثم إن الانفعال يقوم بتوجيه السلوك مثل الدافع . (نجاتي،1409هـ:66) . من خلال إيضاح العلاقة بين الانفعالات والدوافع تبرز أهمية ضبط وتربية العواطف باعتبارها جانب مهم في ضبط سلوك وأخلاق المتعلمين، ولنتذكر أن كل سلوك يكون في العادة مصحوبا بحالة انفعالية أو وجدانية معينة يتم من خلالها الحكم عليه .
5- الانفعالات والعواطف والمشاعر :
العاطفة SENTMENT " نشاط نفسي متعلم مكتسب بعوامل التربية والتنشئة والثقافة وهي : استعداد نفسي (ذهني وانفعالي ) مكتسب مرتبط بموضوع معين ويؤدي إلى دفع الإنسان للقيام بأنواع من السلوك المناسب المرتبط بذلك الموضوع".(الهاشمي،1423هـ: 183) .وتعرف بأنها :" استعداد انفعالي مركب وتنظيم مكتسب لبعض الانفعالات الموجهة نحو موقف أو موضوع معين.في حين أن الانفعال حالة طارئة مؤقتة غير مقيدة بموضوع معين " (الزغول والهنداوي،2004م:419) . والعاطفة ظاهرة نفسية مكتسبة تمتزج فيها بعض الدوافع ببعض الانفعالات في حياة الناس العملية واليومية . من سماتها :
العاطفة تتكون عادة من عدة انفعالات متمازجة تتجمع حول شخص أو شيء مادي أو معنوي .
العاطفة في حقيقتها ميل استعدادي كامن مستتر ولكنه مهيأ للتنشيط إذا استثير .
العاطفة تتميز عن الانفعال بأنها ذات ثبات نسبي واستقرار إلى حد كبير .(1/10)
العاطفة عموما تتولد وتنبع أساسا من دوافع عامة قد يكون بعضها فطريا كدافع الأمومة . وقد يكون بعضها من دوافع ثانوية اجتماعية كحب الصداقة (الهاشمي،1423هـ: 182).
والعواطف ذات أهمية كبرى في حياة الإنسان فهي تساعده على تنظيم دوافعه و انفعالاته وما يتصل بها من أنماط سلوكية نحو موضوع ما وتنسيقها بشكل متوازن ، وتسهم بتزويده بالتعليل المنطقي والتبرير الفكري لانفعالاته المتكررة ولذلك يطلق عليها أحيانا في علم النفس بالعادات الانفعالية .
أما المشاعر FEELINGSفهي حالة ذهنية انفعالية قصيرة المدى ، معتدلة المستوى تمر بصورة عابرة في النفس،فهي أشبه بتيار ماء في النهر يتدفق متتابعا ويتغير دائما دون توقف(الهاشمي،1423هـ: 190). وهي نوع من الأحاسيس المدركة مصحوبة بانفعال معتدل من الرضا أو اللذة أو الارتياح .أو مصحوبة بانفعال معتدل من الكدر أو الألم أو عدم الارتياح (الهاشمي،1423هـ: 191) .
نخلص إلى أن الشعور انفعال ذهني بسيط أولي ، بينما العواطف مجموعة من الانفعالات الممتزجة الموجهة نحو موضوع معين . وحتى نستطيع تشكيل نظام عاطفي ثابت نسبيا يسهم في تحقيق توازن الفرد النفسي والسلوكي لا بد من ضبط وتربية ركائزه ومكوناته المتمثلة بضبط مجموعة الانفعالات المكونة لكل عاطفة فيه.
6: نظريات الانفعال
الانفعال خبرة نفسية معقدة تتكون من عدة مكونات وقد اختلف علماء النفس في تحديد طريقة تفاعل هذه المكونات وطريقة تسلسلها في تكوين الاستجابة الانفعالية . فهل إذا حدث الإدراك لموقف ما يحدث الانفعال ثم تحدث بعد ذلك التغيرات الفسيولوجية والعضلية والقيام بالاستجابة الانفعالية ؟ أم أن التغيرات الفسيولوجية والعضلية تحدث أولا، ثم يحدث الانفعال الذي يساعد الفرد في القيام بالاستجابة الانفعالية والتعامل مع الموقف (نجاتي،1420هـ:124). وفيما يلي عرض موجز لأهم النظريات التي تناولت تفسير الانفعال والاستجابة الانفعالية:(1/11)
نظرية جيمس – لانج : يرى أصحاب هذه النظرية أن الانفعالات تحدث عندما يحدث مثير في البيئة تغيرات فسيولوجية لدى الفرد ، ويدرك الانفعال من التغذية الراجعة الناشئة عن هذه التغيرات والمرسلة إلى الدماغ من الأعصاب الحسية للجسم . طبقا لهذه النظرية فإن الإنسان لا يرتعش لأنه يخاف ، بل يشعر بالخوف لأنه يرتعش . بمعنى آخر أن الانفعال يحدث نتيجة الشعور بالاستجابات الفسيولوجية والعضلية التي يثيرها الموقف الخارجي وليس نتيجة إدراك الموقف الخارجي .
نظرية كانون – بارد : يرى أصحاب هذه النظرية أن الانفعال ينتج عندما يحدث مثير في البيئة أنماطا من النشاط العصبي في المهيد ( الهيبوتلاموس ) . هذه الأنماط ذات تأثيرين متأنيين :
ترسل أنماط النشاط العصبي إلى الجهاز العصبي المستقل حيث تنبه التغيرات الفسيولوجية والعضلية للانفعال .
ترسل أنماط النشاط العصبي أيضا – وفي نفس الوقت – إلى النخاع المخي حيث تسبب الإدراك .
إن إدراك الموقف الانفعالي - حسب هذه النظرية – هو الذي يحدث التغيرات الفسيولوجية والعضلية. وليست التغيرات الفسيولوجية والعضلية هي التي تحدث الانفعال ، ولكنها تساعد على زيادة الشعور به.
ج- النظرية المعرفية : ترى هذه النظرية أن الانفعال يتكون من معلومات معقدة كثيرة تتضمن ما يلي :
معلومات عن الأحداث البيئية التي تصل إلى النخاع المخي عن طريق أعضاء الحس .
المخزون الدماغي من المعلومات الذي يساعد على تقدير وتفسير الأحداث الجديدة .
أنماط النشاط العصبي في الهيبوتلاموس وباقي الجهاز العصبي الطرفي الذي ينبه الجهاز العصبي المستقل لإحداث التغيرات الفسيولوجية والعضلية .(1/12)
وحسب هذه النظرية فإن الانفعال يتقرر عن طريق النشاط المعرفي الناتج عن المثير الذي أحدث التغيرات الفسيولوجية والعضلية والموقف البيئي الكلي الذي تحدث فيه . وعليه فإن شعور الإنسان بالانفعال يكون نتاج تفسيره للموقف المثير للانفعال (موسى،1405هـ: 333- 342 )،(راجح،1999م:158-162)،(نجاتي،1420هـ:124-126).
د- نظرية تومكينز في التغذية الرجعية من تعبيرات الوجه : يرى تومكينز أن التغيرات الفسيولوجية الداخلية وتعبيرات الوجه مصاحبة بطريقة فطرية لبعض الانفعالات الأساسية مثل الخوف والحزن والسعادة والخوف والغضب، ويعني ذلك أنه إذا حدثت تعبيرات الوجه التي تميز انفعالا معينا ، فإن ذلك يؤدي إلى حدوث الاستجابات الفسيولوجية الداخلية المصاحبة لهذا الانفعال،وإلى الشعور بالخبرة الانفعالية(نجاتي،1420هـ: 126-127) .
7- آثار ونتائج الانفعالات :
إن السيطرة على الانفعالات وضبطها وتربيتها ضرورة ومطلب للحياة السوية والصحة النفسية لأي أحد من بني البشر فالانفعالات طاقة نفسية تؤثر في جميع أنشطة الإنسان ويبرز ذلك فيما يلي :
الانفعال يؤثر في السلوك : حيث يعتبر الانفعال من أهم الدوافع الشعورية فحالات الخوف أو الغضب أو الحسد أو الفرح أو المحبة هي في حقيقتها حالات من التوتر النفسي القوي أو الضعيف الذي يدفع صاحبه إلى سلوك يضمن له إشباع ذلك الدافع لتخفيف شدة ذلك التوتر وتنفيس طاقته .
الانفعال يؤثر في التفكير : الانفعال هو طاقة مخزونة تندفع في توتر نحو إشباع عاجل تناله . وهذه الطاقة هوجاء لا تريد إلا التحرك والإشباع العاجل وبأقصر طريق . ولهذا الاندفاع الأعمى الأهوج أثره البعيد في سلامة التفكير ومستواه . وكلما كان الانفعال أكثر هيجانا كان مستوى التفكير أكثر بدائية وضعفا .(1/13)
الانفعال يؤثر في الصحة النفسية : إن كثيرا من الأمراض النفسية مصدرها انفعالات أصابها أحد عاملين مهمين ..أولها أنها انفعالات متطرفة أرهقت أعصاب صاحبها ، وثانيها محاولة الكبت الصارم للانفعالات الصحية الفطرية والسعي لقمعها والذي يقود إلى تحويل هذه الانفعالات إلى هم وغم واكتئاب وتشاؤم وانطواء وقد ينتهي ذلك إلى نقمة على النفس .
الانفعال يؤثر في بعض الأمراض الجسمية : هناك حقيقة إحصائية تقول : " أن غير قليل من الذين يترددون على المصحات والعيادات والمستشفيات لا يعانون من أمراض جسمية واضحة . رغم أعراضها البدنية والعضوية " وهناك حقيقة أخرى تؤكد على أن بعض الأمراض الجسدية ذات أصل انفعالي ، فبعض أسباب القرح المعدية والمعوية تعود إلى اضطراب الحياة المزمنة.(الهاشمي،1423هـ:172-175).
أن الانفعالات تتصل بحياة الفرد اتصالا مباشرا ولها أهمية ودور كبير فيها . فالانفعالات عندما تكون في حالاتها الطبيعية المتزنة تستثير و تدفع الإنسان إلى العمل ومواصلته ، وتعطي السلوك قوة وزخما . كما أنها تساعده في تنظيم خبراته وتساعده في زيادة خصوبة خياله وتنشيط تفكيره ، وتشكيل إدراكه لذاته وللآخرين . والانفعالات تساعد على تحديد وتوجيه السلوك الذي يسهم في استمرارية الإنسان في الحياة . ومن مميزاتها أنها تنمو وأنها قابلة للتطوير والتعديل والتغيير من خلال التعليم والتدريب وعلى المعلم المربي في حلقات تحفيظ القرآن الكريم استغلال الحلقة في إكساب المتعلمين مهارات تساعدهم في السيطرة على انفعالاتهم وضبطها ليجنوا ثمارها وآثارها الطيبة في تفكيرهم وسلوكهم وحياتهم .
ثالثا : الانفعالات في القرآن الكريم
اشتمل القرآن الكريم على الكثير من الانفعالات التي تشتمل على مظاهر البهجة والسرور أو مظاهر الألم وعدم ارتياح النفس .
ومن تلك الانفعالات ما يلي :
انفعال الحب : لانفعال الحب دور بارز في حياة الإنسان ومن صوره ما يلي :(1/14)
حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ذروة الحب وأكثره صفاء ونقاء هو حب الله فهو الرباط الوثيق الذي يربط الإنسان بربه ، وهو الأساس الذي يبني عليه صرح شخصيته ويسمو بأخلاقها ويقّوم ما يصدر عنها من سلوك .
قال تعالى : قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( سورة آل عمران الآية :31) يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي : " وهذه الآية فيها وجوب محبة الله وعلاماتها ، ونتيجتها ، وثمراتها . وهذه المرتبة العالية لا يكفي فيها مجرد الدعوى بل لا بد من الصدق فيها . وعلامة الصدق إتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ، من أقواله وأفعاله ، في أصول الدين وفروعه ، في الظاهر والباطن . فمن اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم دل على صدق دعواه محبة الله تعالى ، وأحبه الله وغفر له ذنبه،ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته(السعدي،1422هـ:133) . وعليه فإن حب الله سبحانه وتعالى ينمي انفعال حب رسوله صلى الله عليه وسلم وهو من لوازم الإيمان بالله والشعور به والاطمئنان،ويتطلب ذلك أن يتخذ كل مؤمن من الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى وأن يقتدي به في جميع أقواله وأعماله ، ويهتدي بسيرته المباركة قال تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (سورة الأحزاب الآية:21). وحينما يخلص الإنسان في حبه لله يصبح هذا الحب القوة الدافعة الموجهة له في حياته، وتخضع كل أنواع الحب الأخرى لهذا الحب ، ويصبح إنسانا يفيض بالحب للناس وجميع مخلوقات الله والكون بأسره إذ يرى في كل الموجودات من حوله آثار ربه الذي تشده إليه أشواقه الروحية وتطلعاته القلبية(نجاتي،1409هـ:85) وحب المؤمن لربه يجب أن يفوق أي نوع من أنواع الحب الأخرى قال تعالى : قُلْ إِن(1/15)
كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (سورة التوبة الآية :24) ، وقال تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (سورة البقرة الآية:165) .
انفعال حب الذات فكل إنسان يحب الحياة ويحب أن يجلب كل ما فيه خير وأمن وسعادة لذاته ويسعى لتهيئة سبل الراحة والرفاهية لها قال تعالى : وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (سورة العاديات الآية :8) ، ويجنبها ما يسوؤها أو يضرها . ويؤكد ذلك قول الحق سبحانه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم : قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (سورة الأعراف الآية :188) .(1/16)
انفعال الحب المتبادل بين الزوجين : يرتبط هذا النوع من الحب بالدافع الجنسي ، إن تآلف واتحاد الذكر والأنثى في رباط الزوجية يسهم في إشباع الدافع الجنسي لكل من الزوج والزوجة ، ويعمل على استمرار النوع الإنساني وتكاثر النسل .قال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( سورة الروم :21) .(1/17)
انفعال حب الوالدين : حب الوالدين انفعال فطري يبدأ مع الإنسان – ذكرا أو أنثى- منذ شهور مهده الأولى غير أنه يتركز في البداية نحو أمه باعتبارها المصدر البيولوجي الوحيد لحاجاته العضوية والنفسية ، ثم تتسع دائرة الجانب النفسي للطفل ، فيشعر بمشاركة الأب مع الأم في إشباع حاجاته النفسية ، فيتركز نحو ذات الأب انفعال حب طفله له ، ومع تقدم العمر الزمني للطفل وترقي المستوى الإدراكي والشعوري تتسع دائرة انفعال الحب ويتجرد عن مظهر الإشباع البيولوجي لحاجاته رويدا رويدا ، ويستمر ترقي وارتباط حبه لأمه وأبيه بجوانب الإشباع النفسية (الزعبلاوي،د.ت:270 ) . يمثل هذا الحب النامي المتسامي للعلاقة الوثيقة للإنسان بوالديه استجابة فطرية لقوله تعالى : وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ( سورة لقمان الآية : 14) . وحب الأب والأم لأبنائهما انفعال يدفع الأم و الأب للحنو والعطف عليهم ورعايتهم وإبعادهم عن الأخطار والمهالك . وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قصة نوح إذ طلب من ابنه أن يركب معه في السفينة لينجو من الغرق قال تعالى : وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ( سورة هود الآية : 42) ، ويظهر الحب الأبوي جليا في حب يعقوب عليه السلام لابنه يوسف عليه السلام وأخيه الأصغر قال تعالى : إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين ٍ ( سورة يوسف الآية : 8).(1/18)
انفعال حب الناس: يعتبر هذا الانفعال مطلبا نفسيا واجتماعيا لكي تعم الألفة والانسجام مع الآخرين . والموازنة بين حب الذات وحب الآخرين والتعاون معهم وتقديم المساعدة والعون لهم . قال تعالى : وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(سورة آل عمران الآية:103) وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على إيثار الأنصار لإخوانهم المهاجرين إليهم من مكة على أنفسهم قال تعالى : وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( سورة الحشر الآية : 9 ) .
من خلال ما سبق نجد أن الحب كانفعال جزء مهم في شخصية الإنسان وموجه لسلوكه لجلب الخير والمنفعة له ودفع الشر و الضرر والخطر عنه. وهنا تبرز أهمية تربية انفعال الحب عند المؤمن وضبطه بغرس حب الله ورسوله في نفسه وتقويته وتنميته بإتباع الأساليب التي تتلاءم مع شخصيته وطبيعته باعتبار أن جميع أنواع الحب الأخرى تتوازن وتتناغم لتسخير جميع طاقاته الجسدية والنفسية والفكرية لتساعده في جني ثمار حياته والوصول إلى غايته العظمى بها وهي العبودية الحقة لربه والظفر بالجنة والنجاة من النار في الآخرة .(1/19)
2- انفعال الفرح: الفرح من الانفعالات الإنسانية الفطرية التي لابد أن تنتاب كل أحد في فترة من فترات حياته بأيامها وساعاتها قال تعالى : وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ( سورة النجم الآية :43 ) ، لقد بين لنا القرآن الكريم المنهج السليم الذي يجب أن يقوم عليه الفرح لدى الفرد ، فالفرح أمر نسبي يتوقف على أهداف الإنسان في الحياة ، فمن كان هدفه الحصول على شيء من متاع الدنيا فقط وهذا حال الكثيرين ومنهم الكفار، كان نجاحه في تحقيق أهدافه باعثا على فرحه وسروره قال تعالى: وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ( سورة الرعد الآية :26)،وهذا النوع لا ينعم في الواقع بالحياة السعيدة المطمئنة المستقرة،فإذا أنعم الله عليه بنعمة الصحة وسعة الرزق ووفرة المال شعر بالفرح والسعادة،وإذا ما أصابه ضرر أو بلاء وفقد بعض النعم التي كان يتمتع بها أوعجز عن تحقيق هدف يأمل به تملكه الاكتئاب واليأس والاضطراب وجحد بالنعم الأخرى (نجاتي،1409 هـ:86 -87) . وهكذا يعيش هذا النوع في هم وغم وكآبة وقلق أغلب أوقاته ، الشاهد قوله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌOوَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (سورة هود الآية : 9– 10) .(1/20)
لقد بين القرآن أن الفرح والسرور والسعادة الحقة ذلك الذي يكون نتاج العمل الصالح . وأن تمسك الإنسان بالإيمان والتقوى والعمل الصالح هو السبيل للحصول على السعادة في الحياة الآخرة والأمن والطمأنينة والسرور والفرح الدائم قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( سورة النحل الآية :97) ، وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ O قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( سورة يونس ا لآية : 57- 58 ) .
3- انفعال الحياء : الحياء " انفعال مركب فيه عناصر من الخجل والخوف ، وهو يعتري الإنسان إذا خاف أن يرى الناس فيه ما يمكن أن يعاب أو يذم ، وهو من السمات الإنسانية؛ لأنه يدفع الإنسان إلى تجنب الأفعال القبيحة المعيبة (نجاتي،1409 هـ:98) .ومن المواضع التي ذكر فيها انفعال الحياء في القرآن الكريم قصة سقاية موسى عليه السلام لفتاتين كانتا تنتظران بجانب البئر في أرض مدين ، وجاءته إحداهن بعد ذلك تمشي على استحياء ودعته لمقابلة أبيها . قال تعالى : فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (سورة القصص الآية : 25 ) .(1/21)
4- انفعال الزهو والعجب والكبر: الزهو هو الإعجاب بالنفس والتعاظم والكبرياء . والعجب ظن كاذب بالنفس باستحقاق مرتبة غير مستحقة لها وحقيقة على من عرف نفسه أن يعرف كثرة العيوب والنقائص التي تعتريها فإن الفضل مقسوم بين البشر لا يكمل الواحد منهم إلا بفضائل غيره ، وكل من كانت فضيلته عند غيره فواجب عليه أن لا يجب نفسه (الزعبلاوي،د.ت:130-131 ). والكبر : انفعال ناتج عن غريزة حب السيطرة (الرشودي،1420هـ:254). وقد ذم القرآن الكريم الزهو والكبر والتعالي على الناس ومعاملتهم في تحقير واستكبار . قال تعالى : وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (سورة الإسراء الآية : 37 ) وقال تعالى : وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (سورة لقمان الآية : 18 ) وقال تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (سورة المنافقون الآية : 5 ). ولعل في شخصية فرعون النموذج الأبرز للزهو المتطرف والتكبر والتعالي الإنساني . قال تعالى : فَحَشَرَ فَنَادَىO فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (سورة النازعات الآية : 23-24 ) . وقال تعالى : وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (سورة القصص الآية : 38 ) ، وقال تعالى : وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (سورة الزخرف الآية :51).(1/22)
5-انفعال الخوف : الخوف اضطراب القلب وحركته مع تذكر المخوف. والخوف قوة العلم بمجاري الأحكام وقيل هو هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره ( ابن القيم،1425هـ:361) . والخوف " انفعال يحدث في النفس لتوقع ما يرد من المكروه أو يفوت من المحبوب . وهو نوعان خوف من الله عز وجل ومظهره طاعة الله والخشية له والحذر من مخالفته والثاني خوف من سواه ومظهره الترقب والانتظار لحلول مكروه. " (الزعبلاوي،د.ت:141) . ومن الأمثلة على النوع الأول قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (سورة الأنفال الآية : 2) وقوله تعالى : تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (سورة السجدة الآية : 16 )" ومن أمثلة النوع الثاني خوف من سواه ومظهره الترقب والانتظار لحلول مكروه ومثاله قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (سورة النساء الآية : 77 ). وانفعال الخوف حالة من الاضطراب الحاد الذي يشمل الفرد كله . وقد وصف القرآن الكريم هذا الاضطراب بالزلزال الشديد الذي يهز الإنسان هزا شديدا فيفقده القدرة على التفكير والسيطرة على النفس قال تعالى : إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ(1/23)
وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا O هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (سورة الأحزاب الآية 10 -11 ) .
6- انفعال الغضب : عرف ابن مسكويه الغضب بأنه حركة النفس ، يحدث لها غليان دم القلب شهوة الانتقام(زريق،1414هـ: 57-58).الغضب انفعال تفرضه الطبيعة السوية للإنسان إذ يساعده على المواجهة إذا ما اعتدي عليه والدفاع عن نفسه أو عن عقيدته أو وطنه فيتهيأ لعملية الدفاع أو درء الخطر. ولقد أقر القرآن الكريم هذا النوع من الغضب في حق من عاند وكفر وأعلن بالخصومة للمسلمين . قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( سورة التوبة الآية :73 ) . ويرى أبو حامد الغزالي أن الغضب قوة كامنة في النفس لا تثار إلا بمثير يفجر ثباتها حيث يقول : " وفي هذه القوة إفراط واستيلاء يجذب على المهالك والمعاطب وفيها تفريط وخمود يقصر عن المحامد من الصبر والحلم والحمية والشجاعة ومن الاعتدال يحصل أكثر محامد الأخلاق من الكرم والنجدة وكبر النفس والاحتمال والحلم والثبات والشهامة والوقار ... والأسباب المهيجة للغضب هي : الزهو والعجب والمرح ، والهزل والتعبير ، والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على المال والجاه. وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعا وعقلا ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من إزالة أسبابها بأضدادها "(الغزالي،1425هـ،ج1: 1014-1022) . ولقد جاء في القرآن الكريم وصف لانفعال الغضب وتأثيره على السلوك وذلك في غضب موسى عليه السلام حينما عاد إلى قومه فوجدهم يعبدون العجل الذي صنعه السامري وكان عليه السلام شديد الغضب لله سبحانه وتعالى وللعقيدة . قال تعالى " وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن(1/24)
بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (سورة الأعراف الآية : 150 ) وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (سورة الأعراف الآية : 154 ). لقد أكد القرآن الكريم أن الغضب حالة طارئة يحركها موقف مناف للرغبة أو ما يعوق تحقيقها وأن من رحمة الله تعالى أن لا تدوم انفعالات الغضب طويلا فلو أنها كانت تدوم لانقرض المخلوق الإنساني أو على الأقل تتعطل مسيرة الحياة ، وما أراد الله لها أن تدوم، فالله سبحانه وتعالى يعلم طبيعة الإنسان وما يحدث له من التغيرات الفسيولوجية المصاحبة للانفعال كاضطراب التنفس وسرعة ضربات القلب وارتفاع نسبة الأدرينالين الذي يؤثر على الكبد ويضطره لإفراز كميات كبيرة من السكر ليحافظ على مستوى الاتزان في الجسم ليتهيأ لبذل المجهودات المضادة لدفع موضوع الانفعال ، ودائما يلاحظ على الإنسان عقيب الانفعال شيء من الإعياء نتيجة كثرة احتراق الطاقة الداخلية (الزعبلاوي،د.ت:288).إن سكون الجسم بعد مدة قصيرة من الانفعالات أثبتها القرآن الكريم ضمن حقائقه الثابتة ، والتي قد اكتشفها علماء النفس حديثا حيث ظهر لهم أهمية سكون الجسم بعد الانفعال وعودته إلى حالته الطبيعية وأن الإنسان يمكنه أن يقوم بأنماط سلوك أخرى طبيعية (الزعبلاوي،د.ت:286)(1/25)
7- انفعال الغيرة : انفعال الغيرة انفعال مركب من حب التملك ، وشعور بالغضب لأن عائقا ما وقف دون تحقيق غاية مهمة . ولا يعترف الفرد عادة بالغيرة ، وسبب هذا ما تتضمنه من الشعور الناتج من الإخفاق بل كثيرا ما تكبت الغيرة لأن النفس الشعورية لا تقبل ألم الخيبة ولا شعور النقص (القوصي،1982م:401). وغالبا ما تكون الغيرة مصحوبة بالكره والحقد والرغبة في إيذاء الشخص الذي يثير الغيرة . ونظرا لتعقد الغيرة نجد أن مظاهرها تتعدد وتختلف فمن مظاهرها الغضب بمظاهره المختلفة من ضرب أو سب أو هجاء أو تشهير ، أو نقد ، أو مضايقة ، أو تخريب ، أو ثورة ، أو عصيان ، أو ما يشبه ذلك .. . ومن مظاهرها أيضا الميل ، أو التهجم ، أو الابتعاد ، أو الانزواء ، أو الإضراب عن الأكل ، أو فقد الشهية ، أو التسليم،أو النكوص،أو الشعور بالخجل،أو شدة الحساسية إلى غير ذلك من مظاهر الشعور بالنقص (القوصي،1982م:402).. وقد وصف القرآن الكريم الغيرة في نفوس إخوة يوسف عليه السلام منه بسبب حب أبيهم يعقوب عليه السلام له ولأخيه الأصغر وتفضيله لهما عليهم قال تعالى: إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (سورة يوسف الآية : 8 ).(1/26)
8- انفعال الحسد : حسده تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته ، أو يسلبهما (الفيروز آبادي،2004م: 374) . والحسد انفعال يشعر فيه الإنسان بكراهية رؤية غيره أفضل منه في نعمة ما. ولذلك فهو يتمنى الحصول عليها ، مع تمني زوالها عن الغير . والحسد مذموم ومنهي عنه شرعا. وقد ورد ذكر الحسد في القرآن الكريم في قوله تعالى : أَمْ يَحسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ( سورة النساء الآية : 54 ) ، وقد وصف القرآن الكريم حسد اليهود والمشركين للنبي صلى الله عليه وسلم على ما خصه الله به من فضل النبوة وحسدهم للمؤمنين على ما خصهم الله به من فضل الإيمان والهداية قال تعالى : وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (سورة البقرة الآية : 109 ). ولقد أمرنا ربنا عز وجل أن نستعيذ به من الحسد قال تعالى : وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (سورة الفلق الآية : 5 ).(1/27)
9- انفعال الكره : الكره مضاد للحب وهو عبارة عن شعور بعدم الاستحسان ، وعدم التقبل ، أو الشعور بالنفور والاشمئزاز ، وبرغبة في الابتعاد عن الموضوعات التي تثير هذا الشعور ، سواء أكانت أشخاصا أو أشياء أو أفعالا . وقد ورد انفعال الكراهية في مواضع عدة في القرآن الكريم منها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (سورة النساء الآية : 19 ). وقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ Oهَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور Oإِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (سورة آل عمران الآية : 118 – 120 ) .(1/28)
10- انفعال الحزن : الحزن انفعال مضاد للفرح والسرور ، وهو يحدث إذا فقد الإنسان شخصا عزيزا أو شيئا ذا قيمة كبيرة ، أو حلت به كارثة ، أو فشل في تحقيق أمر مهم، ولذلك ينفر الإنسان منه ولا يحبه . يبين ابن قيم الجوزية رحمه الله أن " الحزن موقف مسير، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره ، ويوقفه عن سلوكه ، فالحزن ليس بمطلوب ، ولا مقصود ولا فيه فائدة " ويضيف رحمه الله : أن الهم قرين الحزن ، والفرق بينهما أن المكروه الذي يرد على القلب إن كان لما يستقبل أورثه الهم ، وإن كان لما مضى أورثه الحزن وكلاهما مضعف للقلب عن السير (ابن القيم،1425هـ:356). ويوضح رحمه الله أن " الحزن توجع لفائت وتأسف لممتنع " يعني : " ما يفوت الإنسان قد يكون مقدور عليه ، وقد لا يكون ، فإن كان مقدورا توجع لفوته ، وإن كان غير مقدور تأسف لامتناعه " (ابن القيم،1425هـ:358). والحزن انفعال طبيعي ، يكون مصحوبا في أغلب الأحوال بفقد المصادر الهامة لإشباع الرغبات أو الحاجات، " ويرى البعض انه انخفاض مفاجئ في مستويات التعزيز ، ويعتبر الأبوان ، الأزواج ، الأطفال، أهم المصادر لإشباع الحاجات والرغبات وفقدهم أو بعدهم ذو فعالية خاصة في ظهور الحزن "(موسى،2001م:44-45). يخلط كثير من الناس بين مفهومي الاكتئاب والحزن ، ويرون أن كلا منهما مرادف للآخر ، وهذا خطأ كبير . لقد أوضح عبدالله الخاطر رحمه الله أن الحزن والاكتئاب لفظان بمعنى واحد ، ولكنهما يختلفان في الشدة والمدة الزمنية ، فالحزن تُعّرفه العرب فيقولون حزن الرجل حزنا وحزن بمعنى اغتم . أما الاكتئاب فتقول العرب كئب الرجل أي تغيرت نفسه ، وانكسرت من شدة الهم والحزن (الخاطر،د.ت:15). فالأول انفعال والثاني مرض . إذن الحزن انفعال فطري ، ينتاب كل البشر عندما تقابلهم متاعب الحياة الدنيا ، وقد وصف الله سبحانه وتعالى حزن يعقوب عند فقد يوسف- عليهما السلام – في(1/29)
قوله تعالى:وَتَوَلَّىعَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (سورة يوسف الآية :84) ، كذلك وصف الله سبحانه وتعالى حالة الحزن التي أصابت المؤمنين الفقراء الذين جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى : وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (سورة التوبة الآية :92). الحزن تكدير للحياة وتنغيص للعيش ، وهو مصل سام للروح ، يورثها الفتور والنكد والحيرة ، ويصيبها بوجوم قاتم متذبل أمام الجمال، فتهوي عند الحسن ، وتنطفئ عند مباهج الحياة ، فتحتسي كأس الشؤم والألم. فعلى الإنسان جلب السرور واستدعاء الانشراح وسؤال الله الحياة الطيبة والعيشة الرضية . وصفاء الخاطر ، وراحة البال ، فإنها نعم عاجلة حتى قال بعضهم : إن في الدنيا جنة ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة (القرني،1426هـ: 43 – 46).
ويبقى على المعلم المربي السعي للاستفادة القصوى من هذه النماذج الرائعة المذكورة في القرآن الكريم للانفعالات الإنسانية وكيفية ضبطها ، والتركيز عليها في عملية التدريس والتعليم وتحليل مواقفها،وتسليط الضوء عليها وعلى دورها في الرقي الفكري والسلوكي الأخلاقي للشخصية الإنسانية.
رابعا:ضبط الانفعالات وتربيتها من خلال حلقات تحفيظ القرآن الكريم :
تبين لنا فيما تقدم أن السيطرة على الانفعالات وضبطها وتربيتها ضرورة ومطلب للحياة السوية والصحة النفسية لأي أحد من بني البشر . وفي هذه الجزئية سيتم تسليط الضوء على ما يلي :
القرآن الكريم والآثار النفسية للإيمان به وتلاوته وتعلمه والعمل به ودور ذلك في ضبط انفعالات المسلم .
المعلم المربي في حلقات تحفيظ القرآن الكريم والوسائل الداعمة لدوره في ضبط انفعالات تلاميذه .(1/30)
ودور تعلم القرآن الكريم في حلقات تحفيظ القرآن الكريم في ضبط الانفعالات وتربيتها دور عظيم يتميز على أي دور في مؤسسة أخرى سواء كانت أسرة أو مدرسة أو غيرها .. وذلك من الجوانب التالية:
منهجه وموضوعه ومادته القرآن الكريم الذي يمثل المنهج القويم لحياة المسلم وهو نظام متكامل يرشد الإنسان إلى الطريق الصحيح وهو علاج حقيقي لأمراضه ومشكلاته ، لأنه استجابة لتوازنه وحاجاته الأصلية.قال تعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً O وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (سورة الإسراء الآية :9-10) . وقال تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ( سورة يونس الآية : 57 ) .
المتعلم فيه مدفوع أو محفز . فلا إجبار من جهة الحلقة والقائمين عليها بل يكون التحاقه إما من تلقاء نفسه رغبة في حفظ كتاب الله وتعلمه وتدارسه وتعلم العلم الشرعي أو بسبب تحفيز أسرته أو أصدقائه أو معلميه له .
مكانه المسجد بما يفيض به من روحانية وما يوفره من هدوء وسكينة واطمئنان .
الجمعيات المشرفة عليه والمنظمة لحلقاته والمتابعة لأنشطته جمعيات تتسم بالخيرية مدعومة بسخاء ماديا ومعنويا من قبل ولاة الأمر في هذه البلاد المباركة .
القرآن الكريم والآثار النفسية للإيمان به وتلاوته وتعلمه والعمل به ودور ذلك في
ضبط انفعالات الإنسان .
لتعلم القرآن الكريم وتلاوته وتدبر معانيه والعمل بما فيه ، آثار تربوية ونفسية عظيمة ، لقد نزل القرآن الكريم فوجه الإنسان إلى الطرق الصحيحة لتربية نفسه وتنشئتها تنشئة سليمة ، يبلغ بها ذروة الكمال الإنساني ويتحقق له بها(1/31)
الشفاء والعلاج و الصحة النفسية والسعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة منها .
قال تعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ( سورة الإسراء الآية :9) ،وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (سورة يونس الآية :57) ، وقال تعالى : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً (سورة الإسراء الآية :82) ، وقال تعالى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (فصلت:44).
فالقرآن يربي على الحياة المستقيمة ، والأخلاق القويمة لما فيه من العبر والحكم والتشريع العظيم ، وكفى به أنه من الله العزيز الحكيم العليم ، حكيم يضع التشاريع والعبر في مواضعها ، عليم بطباع الناس وما يصلحهم ، والإيمان بأن القرآن الكريم من عند الله تعالى هو الذي يجعله مقوما لحياة الفرد والمجتمع يعلو بفكره ويضبط انفعاله ويزين سلوكه.(1/32)
تربية الانفعالات والعواطف الربانية : من خوف وخشوع ورغبة ورهبة ، وترقيق للقلب والمشاعر وغيرها،فالقرآن يوقظ هذه الانفعالات ويصف آثارها عند من يتلون القرآن حق تلاوته قال تعالى : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (سورة الزمر الآية :23) ، ومن حسن تلاوته أنه إذا تلا المؤمن آية فيها دعاء دعا ربه ، وإذا تُليت آية فيها تهديد أو عذاب ، استعاذ بالله منه ، وإذا تلا آيات تدل على عظمة الله تعالى خشع قلبه ودمعت عينه وهذا لا يساعده على ضبط انفعالاته بل على السمو بها والتنفيس عن طاقتها استجابة في أحلى حلة ، قال تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( سورة البقرة الآية :121) ، ويربي القرآن الكريم الانفعالات والعواطف لتدعم توجه الإنسان للعمل الصالح ومحبة الله تعالى والعمل الصالح ومحبة الله تعالى ، قال تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ( سورة البقرة الآية :165)، وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ(1/33)
لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (سورة المائدة الآية :54) ، لقد بينت هذه الآية والآيات السابقة بعض الآثار العملية لتربية الانفعالات والدوافع وتوجيهها نحو السواء بالخوف من الله والخشوع له وتعظيمه وتقديسه والتذلل إليه وإحياء الأمل في ذات الإنسان وفي نظرته للحياة ، وتحقيق الصحة النفسية ليس له فقط بل لكل أحد ، ويرافق ذلك تربية العقل الإنساني بمطالبته بالتدبر والتفكير في القرآن الكريم ، قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (سورة محمد الآية:24)، ففي ذلك تربية للإنسان على إعمال عقله ، وتربية ذهنه على التأمل والاستنتاج والقياس والاستقراء . وبالإضافة إلى تربية الشخصية الإنسانية بتربية عواطفها وانفعالاتها ومشاعرها ، وتربية ذهنها وعقلها وتفكيرها ، فإن تعلم وتلاوة القرآن الكريم والعمل به يربي على آداب سلوكية عظيمة تعلمنا غض البصر ، والغض من الصوت ، والقصد في المشي ، وبر الوالدين والتواضع للمسلمين ، وعدم انتهار الأيتام ، وإخفاء الصدقات ، وعدم إبطالها بالمن والأذى .. (النحلاوي،1399هـ: 86 – 87 ) .(1/34)
نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن : فعن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة ، وفرسه مربوطة عنده ، إذ جالت الفرس ، فسكت وسكتت الفرس ، ثم قرأ فجالت الفرس ، فانصرف ، وكان ابنه يحيى قريبا منها ، فأشفق أن تصيبه ، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى يراها ، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال " اقرأ ابن حضير ، اقرأ ابن حضير " قال : فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى ، وكان منها قريبا ، فرفعت رأسي فانصرفت إليه ، فرفعت رأسي إلى السماء ، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها ، قال : " ولا تدري ما ذاك " . قال : لا ، قال " تلك الملائكة دنت لصوتك ، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها ، لا تتوارى منهم "0(البخاري، د . ت،رقم الحديث5018،ص:997) ، تعتبر السكينة مطلبا وهدفا ، فهي مطلب لكل مضطرب انفعالي ، وهي هدف تسعى لاكتسابها كل نفس . إن ذلك يمثل دعوة سامية لتحقيق الصحة النفسية ومعالجة اضطرابات النفس الإنسانية بالقرآن الكريم و حسن تلاوته، وتدبره والعمل به كمنهج حيوي لا غنى للإنسانية عنه .(1/35)
وللقرآن فضائل عديدة تعود على النفس البشرية بالخير العظيم والصلاح والإصلاح ، ولقد فضل القرآن على سائر الكلام ،فعن أبي موسى الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة ، طعمها طيب وريحها طيب ، والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة ، طعمها طيب ولا ريح لها ، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الريحانة ، ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ، طعمها مر ، ولا ريح لها " (البخاري، د . ت،رقم الحديث5020،ص:997)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق ، له أجران " (الحجاج،1419هـ،رقم الحديث244 " 798 "،ص: 312) ، فهنيئا للماهر بالقرآن هذه المنزلة والفضل . ولقارئ القرآن هذا الأجر ، والقرآن الكريم يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه كما أنه يحفظ الإنسان من الشرور ، فعن أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ، اقرؤوا الزهراوين : البقرة وسورة آل عمران ، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان ، أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف ، تحاجان عن أصحابهما ، اقرؤوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة " ، قال معاوية ابن سلام : بلغني أن البطلة السحرة رواه مسلم (الحجاج،1419هـ،رقم الحديث252" 804 "،ص: 314) والغياية : كل ما أظلك من شيء (ابن تيمية،1414هـ:50 ). ولقراءة وتلاوة القرآن الكريم أجر عظيم ففي كل حرف حسنة والحسنة تتضاعف إلى عشرة أمثال ، يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم(1/36)
حرف" قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، صححه الألباني . (الترمذي ،د.ت،رقم الحديث 2910،ص: 465) . وفي ذلك حث على قراءته وتلاوته ومبعث للراحة والطمأنينة في إشغال الوقت فالحافز ( الأجر ومضاعفة الحسنات ) موجود كما في الحديث ، والدافع الديني الداخلي ينمو . ومما يبرئ النفس من اضطراباتها والبدن من أسقامه والقلب من أمراضه،أن يعي الإنسان ويدرك أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته كما أخبر البشير المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله عزَّ وجلَّ أهلين من الناس " ، قال: قيل: من هم يا رسول الله قال : " أهل القرآن هم أهل الله وخاصته " (حنبل،2004م، رقم الحديث 12317 " 12292 "،ص: 846) ، وبعد الوعي والإدراك يأتي العمل ليتحقق الهدف وتجنى الثمرة ، وما أعظمها من ثمرة أن يكون الإنسان من أهل الله تعالى وخاصته.(1/37)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في فضائل القرآن الكريم: لا يخفى على أولي الألباب أن المقصود بنزوله إتباعه والعمل فيه ، إذ العاملون به هم الذين جعلوا أهله ، وأن المطلوب من تلاوته تدبره ، وفهم معانيه ولذلك أمر الله بترتيله والترسل فيه ليتجلى أنوار البيان من مشارق تبصرته ، ويتحلى بآثار الإيمان من حقائق تذكرته ، فإنه يشترك المؤمن والمنافق والمطيع والمارق في تلاوته وقراءته ، كما يشمل جميع الناس بتبصرته وبيانه لإقامة حجته وإبانة برهانه ، وإنما يفترقون في نفعه وثمراته وهداه ورحمته وشفائه وموعظته ، فالاعتبار بقصصه وأمثاله والاستبصار لخدمه ، وجلاله والأذكار بوعده ووعيده ، والازدجار بحفظ حدوده ، وإيثاره على كل ما سواه ، فإنه كلام الله الذي أنزله على رسوله حضيره ، قدسه لإقامة الدين الذي ارتضاه لنفسه ، قال سبحانه : كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَOاتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ (سورة الأعراف الآية : من 2 – 3 ) ، وقال سبحانه : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (سورة طه الآية : 123)، وقال تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ (سورة البقرة الآية : 121) ، (ابن تيمية،1414هـ:54).(1/38)
أما سؤالك : كيف انتفع بالقرآن الكريم ؟ فقد أجاب عليه تلميذ ( شيخ الإسلام ابن تيمية ) العالم الرباني ( ابن القيم الجوزية ) : إذا أردت الانتفاع بالقرآن : فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه ، وألق سمعك ، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم منه إليه ؛ فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (سورة قّ الآية :37) ، وذلك تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ، ومحل قابل ، وشرط لحصول الأثر ، وانتفاء المانع الذي يمنع منه ، تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد فقوله تعالى : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى (سورة قّ الآية : 37) ، إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا ، وهذا هو المؤثر .وقوله تعالى : لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ( سورة قّ الآية :37)، فهذا هو المحل المقابل ، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله ، كما قال تعالى : إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ Oلِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً ( سورة يّس الآية : 69 -70 ) ، أي حي القلب .
وقوله : أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (سورة قّ الآية :37) ، أي وجه سمعه ، وأصغى إلى ما يقال له ، وهذا شرط التأثر بالكلام ، وشهيد أي شاهد القلب ، حاضر غير غائب.(1/39)
فإذا حصل المؤثر وهو القرآن ؛ والمحل القابل ، وهو القلب الحي ؛ ووجد الشرط وهو الإصغاء ؛ وانتفى المانع ، وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر ، حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر . ويضيف رحمه الله : فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين معاني القرآن ؛ فيجدها كأنها قد كتبت فيه ، فهو يقرؤها عن ظهر قلب . ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد ، واعي القلب ، كامل الحياة ؛ فيحتاج إلى شاهد يميز له بين الحق والباطل ، ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وزكاء ( طهارة ) فطرته مبلغ صاحب القلب الحي الواعي ؛ فطريق حصول هدايته أن يفرغ سمعه للكلام ، وقلبه لتأمله والتفكر فيه وتعقل معانيه ؛ فيعلم حينذ أنه الحق .
فالأول : حال من رأى بعينه ما دعي إليه وأخبر به .
والثاني : حال من علم صدق المخبر وتيقنه وقال يكفيني خبره ؛ فهو في مقام الإيمان ، والأول مقام الإحسان .
هذا وقد وصل إلى علم اليقين وترقى قلبه منه إلى منزلة عين اليقين . وذاك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في الإسلام .
فعين اليقين نوعان : نوع في الدنيا ، ونوع في الآخرة . فالحاصل في الدنيا نسبته إلى القلب كنسبة الشاهد إلى العين . وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة بالأبصار ، وفي الدنيا بالبصائر ؛ فهو عين يقين في المرتبتين (ابن القيم،2004م:9-11).
فهذا الانتفاع بالقرآن الكريم وآليته بعناصرها وشروطها ، وإن تحققت لدى الإنسان فإنها ستثمر سعادة في نفسه وبهجة في قلبه ، فيتحول ظلامه الداخلي ، نورا يستضيء هو فيه ، وغيره به .
وحتى تحقق حلقات تحفيظ القرآن أهدافها وتسهم في ضبط انفعالات طلابها لا بد من تعاون الأطراف التالية : إدارة الحلقة ، والمعلم ، والطالب وولي أمره أو أسرته . ونركز هنا على دور المعلم " والمشرف عليه " في تنمية شخصيات طلابه بجميع جوانبها المعرفية والمهارية والانفعالية الوجدانية.(1/40)
المعلم المربي في حلقات تحفيظ القرآن الكريم والوسائل الداعمة لدوره
في ضبط انفعالات تلاميذه .
من أهم مميزات الانفعالات التي استنتجت في نهاية الجزء الأول أن يمكن تعديله وتطويره وتنميته بالتربية والتعليم والتدريب ، وعلى المعلم المربي في حلقات تحفيظ القرآن الكريم دور عظيم في الرقي بانفعالات طلابه .ومن العوامل التي يرى الباحث أنها ستسهم بإذن الله في نجاح المربي في حلقات تحفيظ القرآن الكريم والمؤسسات التربوية في مساعدة أبنائه على ضبط انفعالاتهم وتربيتها والسيطرة عليها ما يلي :
الإيمان بالدور العظيم للتعليم والتدريب في ضبط الانفعالات والسيطرة عليها ،وذلك بعد الإلمام الدقيق بمستوى الانفعالات المرغوبة المعتدلة والمتزنة للأبناء ومعرفة أن لكل مرحلة خصائصها الانفعالية المميزة لها . ومن المفيد في هذا الجانب أن يسعى المربي إلى الوصول بالمتعلمين إلى مرحلة النضج الانفعالي التي تعتبر شرطا من شروط الصحة النفسية للإنسان . ومن أهم علامات النضج الانفعالي ما يلي :
مناسبة مستوى وشدة ودرجة الانفعال لحجم وشدة المثير ؛ فلا تثير الإنسان مثيرات الانفعال الطفلية أو مثيرات تافهة .
تعبير الإنسان عن انفعالاته بصورة متزنة بعيدة عن التعبيرات البدائية الطفلية للانفعال ؛ فلا ينم سلوكه على أنه مقسور أو مذعور أو واقع تحت ضغط شديد ، ولا يتشنج ولا يثور بل يفرض ويرفض في هدوء وثبات وإصرار .
القدرة على ضبط النفس في المواقف التي نثير الانفعال ، أي البعد عن التهور والاندفاع وتأجيل التعبير المباشر عن الانفعال بما يتيح للإنسان التفكير واختيار أنسب الاستجابات ، وتغليب الأهداف البعيدة على الأهداف القريبة وتأجيل اللذات العاجلة من أجل الظفر بلذات آجلة ، والقدرة على تحمل الإحباط والحرمان .(1/41)
الثبات المزاجي بحيث تكون الحياة الانفعالية رزينة لا تتذبذب لأسباب تافهة بين المرح والاكتئاب ، بين الضحك والبكاء بين التحمس والفتور .. (راجح،1999م:177).
استحضار أساليب القرآن الكريم في ضبط الانفعالات الإنسانية والإفادة منها في تربية انفعالات المتعلمين في حلقات تحفيظ القرآن الكريم والتركيز عليها أثناء الدروس ومن نماذجها ما يلي :
السيطرة على انفعال الخوف : بين القرآن الكريم أن الحياة الدنيا حياة فانية ونعيمها زائل وأن الحياة الآخرة هي الباقية الخالدة ولذلك فإن المؤمن الصادق لا يخاف الموت قال تعالى : وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (سورة الأنعام الآية : 32 ) وقال تعالى : وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (سورة العنكبوت الآية : 64 ) ، والمؤمن الحق يعلم أن الموت حق . قال تعالى : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (سورة العنكبوت الآية : 57 ) وقال تعالى : كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (سورة آل عمران الآية : 185 ) وقال تعالى : أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (سورة النساء الآية : 78) . كذلك فإن القرآن الكريم قد وجه إلى السيطرة على الخوف من(1/42)
الفقر قال تعالى : اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( سورة العنكبوت الآية : 62 ) ، وقال تعالى : مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (سورة فاطر الآية : 2 ) .
السيطرة على انفعال الغضب : قال تعالى : وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (سورة فصلت الآية : 34 ) وقال تعالى : وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (سورة الشورى الآية : 37 ) وقال تعالى : وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (سورة الشورى الآية : 43 ) ، وقال تعالى : الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (سورة آل عمران الآية :134).(1/43)
السيطرة على انفعال الحب : يؤكد القرآن الكريم على أن حب الله تعالى يفوق أي حب آخر قال تعالى : لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (سورة المجادلة الآية : 22 ).أوصى القرآن الكريم بضبط انفعال الحب والتحكم في حب الأهل والمال حتى يكون حب الله وطاعته هو السامي فوق أي حب آ خر . قال تعالى : قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (سورة التوبة الآية : 24 ).
السيطرة على انفعال الحزن والفرح : قال تعالى : مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ Oلِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (سورة الحديد الآية : 22-23 ) .(1/44)
السيطرة على انفعال الزهو والعجب بالنفس : فقد ذمها القرآن الكريم وحذر منها قال تعالى : وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (سورة لقمان الآية : 18 ) ، كما ذم الكبر وأوضح ثواب من يتجنب ذلك قال تعالى : تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (سورة القصص الآية : 38 )
تربية الانفعالات بالقدوة الحسنة : التربية بالقدوة أسلوب تربوي إسلامي عظيم ؛ فعلى المربي والمعلم في حلقات تحفيظ القرآن الكريم أن يكون قدوة لأبنائه في ضبط انفعالاته والسيطرة عليها في تعامله معهم أو مع زملائه في الحلقات ، وعليه أن يتحلى بالأخلاق الحميدة وأن يقرن القول بالعمل فإن " التناقض بين القول والعمل والظاهر والباطن، وازدواجية التوجيه وتناقضه كل ذلك من أكبر مشكلات الجيل المعاصر " (الدويش 1416هـ:49). وليغرس في نفوسهم وشخصياتهم الإقتداء والتأسي بالقدوة والأسوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والقدوة المثلى في الكمال الإنساني المتمثلة بالسلف الصالح من صحابة رسول الله المقتدين به صلى الله عليه وسلم .(1/45)
إتباع أسلوب تربية الانفعالات وضبطها بالترغيب والترهيب " الثواب والعقاب التربوي ". التربية بالترغيب والترهيب أسلوب تربوي قرآني تكرر كثيرا في القرآن الكريم قال تعالى : لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَOوَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (سورة يونس الآية : 26-27 ) وقال تعالى : غافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (سورة غافر الآية : 3 ). إن إتباع المربي لهذا الأسلوب يسهم في تنمية وتقوية انفعال الخوف من الله سبحانه وتعالى والخوف من العقوبات المتنوعة ورجاء مغفرته و ثوابه وجنته .والذي إن تحقق فإنه سيسهم في ضبط كافة أنواع الخوف الأخرى في منظومة انفعالية سليمة متزنة . وحتى يحقق هذا الأسلوب فاعليته وتجنى ثمراته لابد أن يتلاءم وخصائص المتعلمين وطبيعة المواقف بلا إفراط ولا تفريط سواء كان ذلك إثابة أم عقوبة . ويؤكد الباحث على أهمية تعزيز استخدام أسلوب الترغيب والإثابة في حلقات تحفيظ القرآن الكريم وتنويعه، وتجنب العقاب البدني لما له من أثر سلبي عميق في شخصية المتعلم بشكل عام وانفعالاته بشكل خاص ، وفي ذلك يقول ابن خلدون : " ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر ، وضيق عن النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ، ودعا إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث ، وهو تظاهر بغير ضميره " (ابن خلدون،1425هـ:692) . ويؤكد على ذلك الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله إذ يقول : ( أيها(1/46)
الآباء الكرام إذا أردتم صلاح أولادكم في حاضرهم ومستقبلهم ، فإياكم والشدة عليهم والضغط على إرادتهم وأفكارهم ؛ فإن الشدة تميت الأفكار وتحدث الخلل في العقل والهمة ، وربما أدت إلى الانفجار والعقوق الضار " . فعلى المربي الحاذق استخدام أسلوب الترغيب والترهيب المتوازن الذي يسهم في تنمية شخصية المتعلم ويساعده على ضبط انفعالاته والسيطرة عليها لتكون جندا من جنده في هذه الحياة لا عونا لأعدائه عليه .
تربية الانفعالات بالممارسة العملية واستغلال مواقف التعلم والتعليم : على المربي في حلقات تحفيظ القرآن الكريم إقران ما يتم تعلمه واستنباطه في الحلقة من فوائد عقدية إيمانية و أخلاقية ونفسية ووجدانية من الآيات الكريمة التي يتم تلاوتها أو من الدروس والمواقف بالعمل والممارسة . فإن التوجيه إلى مكارم الأخلاق والتعامل مع المواقف وضبط الاستجابات الانفعالية بما يتناسب مع تلك المواقف لا يغرس في نفوس المتعلمين إلا إذا دعم بالتدريب والممارسة والمتكررة . ومن الجميل هنا أن يشير المعلم ويركز انتباه أبنائه على تلك النماذج الانفعالية الرائعة التي تصدر من بعضهم ففي ذلك تدعيم لمن صدرت عنهم وتعزيز لها ، وتزويد لزملائهم بنماذج حية لاستجابات مرغوبة . ولا ينبغي أن يكون الوضع كذلك في حال صدور انفعالات بصورة غير مرغوبة من بعض المتعلمين فهنا ينبغي إتباع أساليب أخرى بعيدة عن التشهير بهم أمام زملائهم مما قد يزيد الأمر سوءا . فيستعاض عن ذلك بأساليب الإرشاد غير المباشر أو الإرشاد الفردي في التعامل مع مثل هذه المواقف ووضع الخطط العلاجية اللازمة المناسبة لمعالجة الوضع والرقي بالانفعال إلى المستوى المرغوب .(1/47)
تربية الانفعالات بالقصة : يعتبر أسلوب التربية بالقصة من أكثر الأساليب تأثيرا في النفوس ولا أدل على أهميته من كثرة وروده في القرآن الكريم والسنة النبوية . ففي القرآن الكريم جاء ذكر الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم بأسلوب قصصي تعليمي . " واستخدم القرآن القصة لجميع أنواع التوجيه التي يشملها منهجه التربوي : تربية الروح، وتربية العقل ، وتربية الجسم ، والتوقيع على الخطوط المتقابلة في النفس والتربية بالقدوة ، والتربية بالموعظة فهي سجل حافل لجميع التوجيهات " كما جاءت السنة بذلك الأسلوب في أحوال وهيئات متعددة (الرشودي،1420هـ:382).
إلمام المربي بالقواعد الصحيحة في التعامل مع الأخطاء في تعامله مع استجابات وأخطاء أبنائه من العوامل الرئيسة في تنمية شخصياتهم وتربية انفعالاتهم وتهذيبها ، ومن شأن ذلك بإذن الله الإسهام في توفير جو تربوي تعليمي مناسب يتم فيه اكتساب المهارات اللازمة للنمو الانفعالي وضبط الانفعالات والسيطرة عليها ومن هذه القواعد ما يلي:
الخطأ طبيعة بشرية فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة .وحسنه الألباني (الترمذي،د.ت،رقم الحديث2499،ص:407) . وتذكر أن الخطأ ليس نهاية المطاف بل هو بداية التصحيح .
تجنب الانتصار للنفس والتركيز على كسب الأشخاص أكثر من كسب المواقف ، والتركيز في السعي على تنمية شخصيته بكافة جوانبها .
اللين والرفق والهدوء في التعامل مع المتعلمين .
عدم التعجل في إصدار الأحكام على ما يصدر من المتعلمين ، وعدم استعجال النتائج .
السعي لمعالجة الخطأ والتركيز في المحافظة على علاقة طيبة مع المخطئ وتقدير مكانته ، والعمل على تعزيز قنوات التواصل معه وتدعيم عوامل بناء الثقة فيما مع بينهما .
إعطاء الخطأ حجمه الطبيعي وعدم تضخيمه أو إهماله .(1/48)
مراعاة الطبيعة التي نشأ فيها الخطأ .
اختيار الوقت والمكان المناسب لمواجهة المخطئ بالخطأ الصادر عنه .
الإطلاع على خصائص النمو الانفعالي للطلاب الملتحقين بحلقات تحفيظ القرآن الكريم بمراحلهم المختلفة والتوجيهات التربوية في التعامل معهم . وفهم تصرفاتهم ومعالجة استجاباتهم الانفعالية باستخدام أساليب تتناسب مع خصائصهم وتلبي احتياجاتهم وتسهم في تربية وضبط انفعالاتهم ومن ذلك : المعالجة بالتوجيه المباشر ، أو بالتعريض ، أو المعالجة بانتهاز المناسبة ، أو معالجته بالمكافأة ، أو بالتكرار ، أو بالحوار الهادف البناء ، أو بالتدرج .
تزويد المتعلمين بقواعد السيطرة على الانفعالات وإتاحة مساحات عملية لتطبيقها والتدريب عليها ومن هذه القواعد:
التنفيس عن الطاقة الانفعالية في أعمال مفيدة والتدريب على تمارين الاسترخاء . ينتج عن الانفعال طاقة إضافية في الجسم لمساعدته في القيام على الأعمال العنيفة . كممارسة الأنشطة الرياضية ، أو التجول في أرجاء الحلقة لفترة وجيزة ، أو التوجيه بالقيام بالأدوار الاجتماعية النافعة كزيارات المرضى والغائبين من الزملاء و... ، أو إنجاز الأعمال الخاصة بالحلقة " إعداد النشرات وتوزيعها ، القيام بالأعمال الإدارية كإعداد الجداول المنظمة لعمل اليوم والأسبوع .. " . كما أن تعلم أساليب وتمارين الاسترخاء المختلفة والتدريب عليها وممارستها فذلك يسهم في تهدئة الانفعال وزوال أثره تدريجيا .
توجيه الانتباه إلى أشياء أخرى . وخاصة إذا تم توجيه انتباه المتعلمين إلى أشياء تنال اهتمامهم وتحوز على رضاهم فذلك يسهم في توجيه الطاقة الزائدة والاستفادة منها بما يعود على المتعلم وشخصيته ومجتمعه بالخير والإيجابية ، ويساعده على الهدوء ويجنبه استنهاض طاقة أخرى إضافية تنتج عن عمق التفكير في الموقف المسبب للانفعال .(1/49)
محاولة تغيير آلية التفكير أو زاوية النظر للموقف سعيا لاستثارة استجابات معارضة للانفعال : على المربي في حلقات تحفيظ القرآن الكريم تدريب طلابه على توسيع دائرة التفكير في المواقف التي تثير فيه الانفعالات غير المقبولة ويحرص على التركيز في الجوانب الأكثر إشراقا وإيجابية التي من الممكن استخراجها من الموقف وتثير لديه استجابات حسنة ومعتدلة . ففي حالة الحزن الشديد لحدوث مصيبة يوجه تفكير المتعلم على الفوائد التي يمكن استنباطها وجني ثمارها من تلك المصيبة إضافة إلى استحضار الأجر والثواب في تعامله الحسن مع الموقف المتمثل في الصبر والرضا والشكر .. وتعزيز الجوانب والسمات الإيجابية في حالات الشعور بالنقص والإخفاق في بعض جوانب التعليم وتوجيه تركيز المتعلم على سبل الاستفادة منها بدلا من الغوص في انفعالات الحزن والشعور بالنقص والكره وتأنيب الذات وجلدها بصورة تجعله اقل تفاعلا إيجابيا مع المواقف ... . وتوجيه تركيز المتعلم على المزايا التي يتمتع بها في حالات الغيرة من الأقران وتبصيره بأهمية التنافس الشريف وسبل تحقيق ما حققه الآخرون .
تجنب اتخاذ قرارات مهمة أثناء الانفعال : يوسم كثيرون بأنهم انفعاليون وعاطفيون في اتخاذ قراراتهم . ففي حالة الانفعال في مستواه غير الطبيعي يتشتت الفكر وتغيب قدرة الإنسان على التركيز ورؤية الأشياء بمنظار صحيح والتفكير بزاوية ضيقة جدا ؛ ولذلك يجب تعويد المتعلم وتدريبه على تجنب اتخاذ قرارات مهمة وراسمة لخطوط حياته الحالية والمستقبلية في حالات الانفعال ومعاودة التفكير في ذلك بعد هدوء الانفعال وزواله .
فإن لم يستطع المتعلم ضبط انفعالاته فيجب توجيهه إلى تدوين وحصر المواقف التي تسبب الانفعال والعمل على تجنبها في حياته .(1/50)
الرفق والعطف والمحبة بالمتعلمين : لقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم الرفق قانونا لازما في كل شيء فقال : " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شأنه . إن الرفق والعطف ومحبة المتعلمين أركان أساسية في التربية السليمة عامة وفي تربية الانفعالات وضبطها خاصة . إن القسوة على المتعلم وحرمانه من العطف وعدم الحب يحدث آثارا سلبية في التكوين النفسي للمتعلم . ولتقوية الصلة بين المربي وتلاميذه في حلقات تحفيظ القرآن الكريم : تشجيعه ماديا ومعنويا ، والابتسامة والمباسطة معه ومصاحبته ، والإحسان إليه وتلبية رغباته في حدود النظام والمستطاع . وحتى يشيع جو المحبة والألفة في حلقات التحفيظ ويزول الضغن والحقد من قلوبهم ؛ لا بد من العدل بين المتعلمين والمساواة بينهم في المعاملة.
زرع الثقة المتبادلة بين المربي وتلاميذه . ومن الوسائل التي تعين على تدعيم ذلك ما يلي : محبة المتعلم واحترامه وتقبله كما هو لا كما نريد وبعد ذلك يسعى المربي لتحسين انفعالات المتعلم وضبطها كما ينبغي ، وإتاحة الفرصة له ليتحمل المسؤولية وتدريبه عليها ، ومشاورته ومحاورته في مشكلاته، وما تعترضه من عقبات أو تواجهه من صعوبات ، والحرص في عدم الإفراط في نقده والتغاضي عن أخطائه البسيطة ، ومساعدته في تكوين صورة طيبة ومشرقة عن نفسه .
خامسا : توصيات الدارسة :
1- ضرورة تنمية مهارات واستراتيجيات التدريس الفعال لمعلمي ومشرفي حلقات تحفيظ القرآن الكريم وذلك بالتعاون مع إدارات التربية والتعليم وإلحاقهم بالدورات التدريبية التي تقام فيها تحت إشراف الجهات المتخصصة (التدريب التربوي – الإشراف التربوي ) أو غيرها من الجهات المتخصصة في التدريب .(1/51)
2- تنظيم برامج عملية محددة يتم فيها تدارس مواقف وأحداث وتجارب معاشة تثير انفعالات إنسانية معينة ( الغضب ، الحزن ، الحسد، الكره ، الكبر ، الحب ، الحياء ... ) وتوجيه المتعلمين لتحليل المواقف واستنباط سبل ضبط تلك الانفعالات ، وربط ذلك بما ورد في القرآن الكريم ، واستحضار النماذج الرائعة للتعامل معها من قبل سلف الأمة الأخيار ، وتعزيز الممارسة العملية الداعمة لذلك .
3- تنويع البرامج والأنشطة في حلقات التحفيظ وتوفير عنصر التشويق والتنافس الشريف بإقامة المسابقات ، وتنظيم زيارات للحلقات الأخرى القريبة والوقوف على إنجازات أبنائها ، وتنويع طرق متابعة حفظ المتعلمين وإتاحة الفرصة للمتعلمين لتقييم حفظ زملائهم بطريقة مشوقة بعيدة عن المشاحنات والتوتر ...
4- إنشاء لجنة خاصة تضم متخصصين وخبراء بعلم النفس تعنى بالتربية النفسية للمتعلمين في حلقات التحفيظ بالمناطق والمحافظات وتسهم في وضع الخطط والبرامج الكفيلة بتنمية شخصيات الطلاب بجميع جوانبها المعرفية والمهارية والانفعالية الوجدانية وتحديد الاحتياجات النفسية للمتعلمين وسبل تلبيتها، ومجالات وعناوين المحاضرات واللقاءات والدورات التدريبية اللازمة والضرورية للمتعلمين ومعلميهم .
قائمة المراجع :
ابن تيمية ، أحمد بن عبدالحليم ( 1414 هـ ) . قاعدة في فضائل القرآن . دراسة وتحقيق : سليمان بن صالح القرعاوي ، الأحساء : مكتبة الظلال .
ابن القيم ، شمس الدين محمد بن أبي بكر ( 1425 هـ ) . مدارج السالكين بين منازل " إياك نعبد وإياك نستعين " . تحقيق : محمد المعتصم بالله البغدادي ، بيروت: دار الكتاب العربي .
ابن القيم ، شمس الدين محمد بن أبي بكر .( 2004 م ) . الفوائد . تحقيق : محمد بن عبدالقادر الفاضلي ، صيدا –بيروت : المكتبة العصرية .
البخاري ، محمد بن إسماعيل (د . ت ). صحيح البخاري .عناية : أبو صهيب الرومي،لبنان : بيت الأفكار الدولية.(1/52)
الترمذي ، محمد بن عيسى (د . ت ) . جامع الترمذي . لبنان: بيت الأفكار الدولية .
الحجاج ، مسلم (1419 هـ ) . صحيح مسلم .عناية : أبو صهيب الرومي ، الرياض : بيت الأفكار الدولي.
حنبل ، أحمد ( 2004 م ). مسند أحمد بن حنبل . لبنان : بيت الأفكار الدولية .
الخاطر ، عبدالله ( د . ت ) . الحزن والاكتئاب في ضوء الكتاب والسنة. الرياض : المنتدى الإسلامي .
خلدون ، عبدالرحمن ( 1425 هـ ).مقدمة ابن خلدون . تحقيق حامد بن أحمد ظاهر،القاهرة :دار الفجر الحديث.
داكو ، بيير ( د . ت ) . الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث . ترجمة : وجيه أسعد ، بيروت : مؤسسة الرسالة، ط2.
الدويش ، محمد عبدالله ( 1416 هـ ) . المدرس ومهارات التوجيه . الرياض : دار الوطن ، ط2 .
راجح ، أحمد عزت ( 1999م ) أصول علم النفس . القاهرة : دار المعارف .
الرشودي ، عبدالعزيز عبدالله ( 1420 هـ ) . الفكر التربوي عند الشيخ عبدالرحمن السعدي . الرياض : دار ابن الجوزي .
زريق ، معروف ( 1414 هـ ) . علم النفس الإسلامي .دمشق : دار المعرفة.
الزعبلاوي ، محمد السيد ( د .ت ) . تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس . بيروت : مؤسسة الكتب الثقافية .
الزغول ، عماد و الهنداوي ، علي ( 2004 م ) . مدخل إلى علم النفس . العين : دار الكتاب الجامعي .
السعدي ، عبدالرحمن بن ناصر ( 1422 هـ ) . تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان . تحقيق : عبدالرحمن بن معلا اللويحق ، الرياض : دار السلام .
عبيدات ، ذوقان وآخرون (1996م ) . البحث العلمي . الرياض : دار أسامة .
الغزالي ، أبو حامد محمد بن محمد ( 1425 هـ ) . إحياء علوم الدين . بيروت : دار المعرفة ، ج 1 . 1022 .
الفيروز آبادي ، مجد الدين محمد (2004 م ). القاموس المحيط . بيروت : بيت الافكار الدولية .
القرني ، عائض عبدالله ( 1426 هـ ) . لا تحزن . الرياض : مكتبة العبيكان . ط 16.(1/53)
قطامي ، يوسف و عدس ، عبدالرحمن (1423 هـ ) . علم النفس العام . عمان : دار الفكر . ص : 217 .
القوصي ، عبدالعزيز(1982م).أسس الصحة النفسية. القاهرة : مكتبة النهضة المصرية .
موسى ، رشاد علي ( 2001م ) . أساسيات الصحة النفسية والعلاج النفسي . القاهرة : مؤسسة المختار .
موسى ، فاروق عبدالفتاح( 1405 هـ ).أسس السلوك الإنساني . مدخل إلى علم النفس العام . الرياض: عالم الكتب .
نجاتي ، محمد بن عثمان ( 1420هـ ) . علم النفس والحياة ، مدخل إلى علم النفس وتطبيقاته في الحياة . الكويت : دار القلم ، ط 19 .
نجاتي ،محمد بن عثمان ( 1409هـ ) . القرآن وعلم النفس ،القاهرة:دار الشروق. ط 4 .
النحلاوي ، عبدالرحمن ( 1399 هـ ) . أصول التربية الإسلامية وأساليبها : في البيت والمدرسة والمجتمع . دمشق : دار الفكر .
الهاشمي ، عبدالحميد بن محمد ( 1423هـ ) . أصول علم النفس العام .جدة : دار الشروق ، ص : 166 .(1/54)