الانْتِصار
لِكتَابِ العَزيز الْجبَّار
ولأصحابِ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - الأَخْيار - رضي الله عنهم -
على أعدائهم الأشرار
تأليف
رَبِيع بن هَادي بن عُمَيْر الْمَدْخلِي
الْحَمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
الْحَمد لله الذي بعث مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رحْمَةً للعالَمِين، أرسله بالْهُدى ودين الْحَقِّ ليظهره على الدين كله ولو كره الْمُشركون.
أرسله بأعظم كتاب وأعمِّه وأشْمَلِه،ضمَّ بيْن دفتيه أعظم العقائد وأجْمَل الأخلاق والْمَكارم وأكملها مثل الصدق والصبر والْحِلم والشجاعة والكرم، ونَهى عن الشرك والكفر والبدع والأخلاق القبيحة مثل: الكذب والكبر والعناد والبخل والْحَسد، لا سيما الكذب على الله والاستكبار على رسله ورسالاته وتكذيبها وتَحْريفها والبغي على أتباعها والطعن فيهم.
إنَّ أعظم رسول عرفته البشرية مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - وإنَّ أعظم كتاب عرفته البشرية هذا القرآن الذي جاء به هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال تعالَى:(الم*ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ*أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وهذه الصفات لا تنطبق على أحد كما تنطبق على أصحاب مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - .
وقال تعالَى:(وإنَّه لكتابٌ عزيز* لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).(1/1)
وما أحد من الأمة عرف قدر هذا الكتاب وحفظه وعمل بكل ما فيه واعتصم به مثل أصحاب مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - فحماهم الله من الضلال والشرك والبدع ومساوئ الأخلاق وألوان الباطل فكانوا كما وصفهم
عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حيث قال:"إن الله تعالى نظر فِي قلوب العباد، فوجد قلب مُحَمَّد خيْر قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثُمَّ نظر فِي قلوب العباد بعد قلب مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه الْمُسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيء". أخرجه الإمام أحْمَد فِي مسنده (1/379) والطيالسي فِي مسنده حديث (246)، وذكره شارح الطحاوية (ص532) وحسنه الألبانِي فِي تعليقه ثُمَّ قال: وصححه الْحَاكم ووافقه الذهبِي.
ولقد أثنى الله العزيز الْحَكيم عليهم وأشاد بِمَكانتهم ومنازلِهم فِي كتابه الْمُعجز الْمُحكم الذي لا يأتيه الباطل من بيْن يديه ولا من خلفه.
قال تعالَى:(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).
ففي هذه الآيات الكريْمَات إشادة الله بأصحاب مُحْمد - صلى الله عليه وسلم - فِي التوراة والإنْجِيل والقرآن وبيان لصدق إيْمانَهم وإخلاصهم ونصرهم لنبيهم - صلى الله عليه وسلم - وتكفيْر لِمَن يُكِنُّ الغيظ والبغضاء لَهُم.(1/2)
وقال تعالى:(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ).
وقال تعالَى:(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً).
وقال تعالى:(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
وفِي هذا النص تزكية عامة لأصحاب مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - .
وقال تعالَى:(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
فِي هذا النص بيان لرضى الله عن أصحاب مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - من الْمُهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.(1/3)
وقال تعالَى:(لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).
فهذا ثناء عظيم عليهم وبيان لِمَزاياهم وثناء على من يعرف منزلتهم ويستغفر لَهُم.
وقال تعالى:(لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
فهذا ثناءٌ على أصحاب مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - على تفاوت درجاتِهم ووعدٌ شاملٌ لَهُم جَميعاً بالْحُسنى.
وقال تعالى:(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ).
فقد حازوا الْخَيرية من كل جِهاتِها بشهادة الله لَهُم.
فهذه التزكيات الكثيرة والشهادات العظيمة من رب العالَمِين يكفيهم بعضها، ومن يعترض عليها فإنَّما هو مكذب لله ولكتابه ولرسوله، وكفى بذلك تكذيباً وكفراً.(1/4)
أضف إلَى هذه التزكيات العظيمة تزكيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصادق الْمَصدوق الذي لا ينطق عن الْهَوى إنْ هو إلا وحْي يوحى وتزكيات بعضهم لبعض وتزكيات أئمة أهل البيت لَهُم وتزكيات علماء الأمة.
- عن أبِي بردة عن أبيه -يعني أبا موسى الأشعري- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابِي فإذا ذهبت أتى أصحابِي ما يوعدون، وأصحابِي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابِي أتى أمتي ما يوعدون". أخرجه مسلم فِي فضائل الصحابة حديث (2531) وأحمد (4/399).
- وعن أبِي سعيد الْخُدري -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"يأتي على الناس زمان؛ يغزو فئام من الناس، فيقال لَهُم: فيكم من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقولون: نعم، فيفتح لَهُم. ثُمَّ يغزو فئام من الناس، فيقال لَهُم: فيكم من رأى من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقولون: نعم. فيفتح لَهُم. ثُمَّ يغزو فئام من الناس، فيقال لَهُم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقولون: نعم. فيفتح لَهُم". متفق عليه واللفظ لِمُسلم، أخرجه البخاري فِي فضائل الصحابة حديث (3649)، ومسلم فِي فضائل الصحابة حديث (2532).
- وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أيُّ الناس خيْر؟ قال: قرنِي، ثُمَّ الذين يلونَهُم، ثُمَّ الذين يَلونَهم، ثُمَّ يَجِيء قَوم تبدر شهادة أحدهم يَمِينه، وتبدر يَمِينه شهادته". رواه البخاري فِي فضائل الصحابة حديث (3651)، ومسلم فِي الفضائل (2533).
وروى البخاري ومسلم نَحْوه من حديث عمران بن حصيْن.
وروى مسلم نَحْوه من حديث أبِي هريرة ومن حديث عائشة -رضي الله عنهم أجْمَعين-.(1/5)
- واتَّفق العلماء على أنَّ خَيْر القرون قَرنه - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ الصحيح(1)أنَّ قرنه: الصحابة، والثانِي: التابعون، والثالث: تابعوهم.
- وعن أبِي سعيد الْخُدري -رضي الله عنه- قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"لا تسبوا أصحابِي، فلو أنَّ أحدكم أنْفق مثل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه". رواه البخاري فِي فضائل الصحابة حديث (3673)، ومسلم فِي فضائل الصحابة حديث (2540).
من مناقب أبي بكرالصديق -رضي الله عنه-
عن أبِي سعيد الْخُدري -رضي الله عنه- قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس وقال:"إنَّ الله خَيَّر عبداً بيْن الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يُخْبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله هو الْمُخَيَّر، وكان أبو بكر أَعٌلَمَناَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أمنَّ الناس عليَّ فِي صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربِي لاتَّخَذت أبا بكر خليلاًَ، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يَبقين فِي الْمَسجد بابٌ إلا سُدّ إلا باب أبِي بكر". متفق عليه، رواه البخاري فِي فضائل الصحابة حديث (3654)، ومسلم فِي فضائل الصحابة حديث (2382)، وعند مسلم فبكى أبو بكر وبكى فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :"لو كنت متخذاً خليلاً لاتَّخَذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي". رواه البخاري فِي فضائل الصحابة حديث (3656)، ورواه مسلم فِي فضائل الصحابة من حديث عبد الله بن مسعود حديث (2383)، وروى البخاري نَحْوه من حديث عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-.
__________
(1) إشارة إلى الاختلاف في المراد بالقرن.(1/6)
عن عروة بن الزبيْر قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع الْمُشركون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت عقبة بن أبِي معيط جاء إلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فوضع رداءً فِي عنقه فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربِي الله وقد جاءكم بالبيِّنات من ربكم). أخرجه البخاري (3678).
من مناقب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبِي طلحة وسَمِعتُ خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لِمَن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك فقال: عمر بأبِي وأمي يا رسول الله أعليك أغار". رواه البخاري (3679).
عن سعيد بن الْمُسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال:"بينا نَحْن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: بينا أنا نائم رأيتنِي فِي الْجَنَّة فإذا امرأة تتوضأ إلَى جانب قصر فقلت: لِمَن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غَيْرته فوليت مدبراً، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يارسول الله؟". أخرجه البخاري (3680).
وعن الزهري عن حَمْزة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"بينا أنا نائم شربت -يعني اللبن- حتى أنظر إلَى الري يَجْري فِي ظفري أو فِي أظفاري ثُمَّ ناولت عمر قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم". أخرجه البخاري (3681).(1/7)
وقال البخاري: حدثنا مُحَمَّد بن عبد الله بن نُمَير حدثنا مُحَمَّد بن بشر حدثنا عبيد الله قال: حدثني أبو بكر بن سالِم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"أريت فِي الْمَنام أنِّي أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر فنزع ذَنوباً أو ذنوبيْن نزعاً ضعيفاً والله يغفر له، ثُمَّ جاء عمر بن الْخَطاب فاستحالت غرباً، فلم أر عبقرياًّ يفري فريه حتى روي الناس وضربوا بعطن"، قال ابن جبيْر: العبقري عتاق الزرابِي، وقال يَحْيى: الزَّرابِيُّ الطنافسُ لَهَا خَمْلٌ رقيق مبثوثة كثيرة". أخرجه البخاري حديث (3682).
وعن مُحَمَّد بن سعد بن أبِي وقَّاص عن أبيه قال: استأذن عمر بن الْخَطاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتُهن على صوته، فلما استأذن عمر بن الْخَطاب قمن فبادرن الْحِجاب فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدخل عمر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، فقال: عمر أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي، فلمَّا سَمِعن صوتك ابتدرن الْحِجاب، فقال عمر: فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله، ثُمَّ قال عمر: يا عدوَّات أنفسهن، أتَهَبنني ولا تَهَبْن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلن : نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إيهاً يا ابن الْخَطاب! والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًا قط إلا سلك فجًّا غيْر فجّك". أخرجه البخاري حديث (3683).
حدثنا مُحَمَّد بن الْمُثنى قال: حدثنا يَحيى عن إسْمَاعيل قال: حدثنا قيس قال: قال عبد الله:"ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر". أخرجه البخاري حديث (3684).(1/8)
وعن ابن أبِي مليكة أنه سَمِع ابن عباس يقول: وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعنِي إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي بن أبِي طالب فترحَّم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحبّ إلَي أن ألقى الله بِمِثل عمله منك، وأيْمُ الله إن كنت لأظن أن يَجْعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أنِّي كثيرًا أسْمَع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر". أخرجه البخاري حديث (3685).
عن أبِي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجالٌ يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن فِي أمتي منهم أحد فعمر". البخاري فضائل الصحابة حديث (3689).
وروى البخاري بإسناده إلَى ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إنِي لواقف فِي قوم فدعوا الله لعمر بن الْخَطاب وقد وضع على سريره إذ دخل رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبِي يقول: رحِمَك الله، إن كنت لأرجو أن يَجْعلك الله مع صاحبيك؛ لأنِي كثيرًا ما كنت أسْمَع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كنتُ أبو بكر وعمر، وفعلتُ وأبو بكر وعمر، وانطلقتُ وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أن يَجْعلك الله معهما، فالتفت فإذا هو علي بن أبِي طالب".
فهذه شهادة علي -رضي الله عنه- لأخويه أبِي بكر وعمر بِمَكانتهما ومنزلتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقلها عنه ابن عمه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- .
فكيف يبغضهما وكيف يرفض بيعتهما حتى لا يبايعهما إلا مكرهًا شأن الْجُبناء؟! وكيف يزوج ابنته أم كلثوم عمر -رضي الله عنه-؟! حاشاه مِمّا ينسبه سلالات الْمَجُوس من الْحِقد والْجُبن والعداوة لإخوته الْمُؤمنين والْخُلفاء الراشدين الْمَهديين الفاتِحين بل كان علي من وزرائهم ومن كبار مؤازريهم ومستشاريهم فِي الْحُروب ومهام الأمور.(1/9)
هؤلاء يُصَوِّرون للناس أنه كان هناك معارك طاحنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ولاية علي وأهل بيته، والقرآن ينزل حول هذه المعارك ويلاحق أصحاب محمد الذين لا هَمَّ لهم إلا إزاحة علي عن هذه الولاية التي أقلقتهم وأقضَّت مضاجعهم وشحنت قلوبهم بالعداوة والبغضاء لعليّ، فهم يتآمرون فيما بينهم على ألا تكون لعلي وأهل بيته أبداً، والقرآن ينزل بكفرهم ويعاقبهم ويفضح هذه المؤامرات!! حتى يُخَيَّل للقارئ أن مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم ما بعثه الله إلا بِهذه الولاية!
وهذا الحسد لعليٍّ وأهل بيته بدأ من آدم من عالم الذرِّ وبسببه أخرج من الجنة وما قبل الله توبته إلا بعد أن توسل بعلي وأهل بيته!!
وعن سعيد بن الْمُسيب وأبِي سلمة بن عبد الرحْمَن قالا: سَمِعنا أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"بينما راعٍ فِي غنمه عدا الذئب فأخذ منها شاة فطلبها حتى استنقذها فالتفت إليه الذئب فقال له: من لَهَا يوم السبع؟! ليس لَهَا راع غيري فقال الناس: سبْحان الله! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإنِّي أومن به وأبو بكر وعمر وما ثَمَّ أبو بكر وعمر". أخرجه البخاري حديث (3690).(1/10)
عن ابن أبِي مليكة عن الْمِسور بن مَخْرمة قال: لَمَّا طُعِنَ عمر جعل يألَم، فقال له ابن عباس وكأنه يَجْزعه: يا أمير المؤمنين، ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسنت صحبته ثُمَّ فارقته وهو عنك راض، ثُمَّ صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثُمَّ فارقته وهو عنك راض، ثُمَّ صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون، قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضاه فإنَّما ذاك منٌّ مِنَ الله تعالَى منَّ به عليَّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبِي بكر ورضاه فإنَّما ذاك مَنٌّ مِنَ الله جل ذكره مَنَّ به عليَّ،وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أنَّ لِي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله -عزَّ وجلّ- قبل أن أراه قال حَمَّاد بن زيد حدثنا أيوب عن بن أبِي مليكة عن بن عباس دخلت على عمر بِهَذا". أخرجه البخاري حديث (3692).
وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"اللهم أعزَّ الإسلام بأحبِّ هذين الرجلين إليك بأبِي جهل أو بعمر ابن الْخَطاب"، قال: فكان أحبهما إليه عمر بن الْخَطاب. أخرجه الإمام أحْمَد فِي الْمُسند (2/95)، وفِي فضائل الصَّحابة بنفس الإسناد برقم (312)، وإسناده حسن.
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- جعل الْحَقّ على قلب عمر ولسانه". أخرجه الإمام أحْمَد فِي الْمُسند (2/95)، وفِي فضائل الصَّحابة بنفس الإسناد برقم (313)، والتِّرمذي (5/617)، وإسناده حسن.
وقال ابن عمر:"ما نزل بالنَّاس أمرٌ قطّ فقالوا فيه وقال فيه ابن الخطاب أو قال عمر إلاَّ نزل القرآن على نَحْو مِمَّا قال عمر". أخرجه الإمام أحْمَد فِي فضائل الصَّحابة برقم (314)، وأخرجه الترمذي (5/618) من طريق أبِي عامر، وإسناده حسن.(1/11)
وعن أبِي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"جُعِلَ الْحَق على لسان عمر وقلبه". أخرجه الإمام أحْمَد فِي الْمُسند (2/401)، وفي فضائل الصَّحابة برقم (315)، وإسناده حسن.
وعن غضيف بن الحارث قال: مررت بعمر ومعه نفرٌ من أصحابه فأدركني رجلٌ منهم، فقال : يا فتى، ادع لي بخيرٍ بارك الله فيك، قال: قلت: ومن أنت رحمك الله؟ قال: أبو ذر، قال: قلت: يغفر الله لك، أنت أحقّ، قال: إني سمعت عمر يقول: نعم الغلام، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إنَّ الله وضع الْحَق على لسان عمر يقول به". أخرجه الإمام أحْمَد فِي فضائل الصَّحابة برقم (316)، وإسناده حسن.
- من مناقب عثمان -رضي الله عنه -
قال البخاري -رحمه الله-: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"من حفر بئر رومة فله الجنَّة "، فحفرها عثمان، وقال:"من جهَّز جيش العسرة فله الجنة"، فجهَّزه عثمان، ذكرهما قبل حديث (3695).
وقال البخاريُّ: وقال عبدان: أخبرني أبي عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن أن عثمان -رضي الله عنه- حين حوصر أشرف عليهم وقال: أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(من حفر رومة فله الجنة) فحفرتها، ألستم تعلمون أنه قال:(من جهَّز جيش العسرة فله الجنة)، فجهَّزته، قال: فصدَّقوه بما قال" . البخاري حديث ( 2778).(1/12)
وقال الإمام أحمد في مسنده (1/59): ثنا أبو قطن ثنا يونس يعني ابن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: أشرف عثمان -رضي الله عنه- من القصر وهو محصور فقال: أنشد بالله من شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حراء إذ اهتزَّ الجبل فركله بقدمه ثم قال: اسكن حراء، ليس عليك إلا نبيٌّ أو صِدِّيقٌ أو شهيد وأنا معه، فانتشد له رجال، قال: أنشد بالله من شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إلى المشركين إلى أهل مكَّة قال: هذه يدي وهذه يد عثمان -رضي الله عنه- فبايع لي، فانتشد له رجال، قال: أنشد بالله من شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد ببيت في الجنة) فابتعته من مالي فوسعت به المسجد، فانتشد له رجال، قال: وأنشد بالله من شهد رسول الله يوم جيش العسرة قال:(من ينفق اليوم نفقة متقبلة) فجهزت له نصف الجيش من مالي، قال: فانتشد له رجال، وأنشد بالله من شهد رومة يباع ماؤها ابن السبيل فابتعتها من مالي لابن السبيل، قال: فأنشد له رجال". رواه الترمذي في المناقب حديث (3699) من طريق أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث أبي عبد الرحمن عن عثمان، ورواه النسائي في الأحباس وقف المساجد حديث (3609) من حديث أبي إسحاق عن أبي سلمة، ورواه من حديث الأحنف بن قيس، ومن حديث ثمانة بن حزن القشيري.
من مناقب الخلفاء الثلاثة -رضي الله عنهم-(1/13)
حدَّثنا يوسف بن موسى حدَّثنا أبو أسامة قال: حدَّثني عثمان بن غياث حدَّثنا أبو عثمان النهدي عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنت مع النبيِّ في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"افتح له، وبشره بالجنة"، ففتحت له فإذا أبو بكر فبشرته بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"افتح له، وبشره بالجنة"، ففتحت له فإذا هو عمر فأخبرته بما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فحمد الله، ثم استفتح رجل فقال لي:"افتح له، وبشره بالجنَّة على بلوى تصيبه"، فإذا عثمان فأخبرته بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحمد الله، ثم قال: الله المستعان" أخرجه البخاري حديث (3693).
من مناقب علي -رضي الله عنه-
قال البخاري -رحمه الله-: وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ:"أنت مني وأنا منك"، وقال عمر: توفي رسول الله وهو عنه راض.
وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كلهم يرجو أن يعطاها، فقال:"أين علي بن أبي طالب؟"، فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله، قال:"فأرسلوا إليه فأتوني به"، فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال عليّ:
يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال:"أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم للإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم". أخرجه البخاري في المناقب حديث (3701).(1/14)
وساق البخاري حديثاً نحوه من حديث سلمة بن الأكوع وفيه: لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله أو قال يحب الله ورسوله". انظر حديث (3702).
وعن سعد بن عبيده قال:"جاء رجل إلى ابن عمر -رضي الله عنهما- فسأله عن عثمان فذكر عن محاسن عمله قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: نعم، قال: فأرغم الله بأنفك، ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله، قال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: أجل، قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد عَليَّ جهدك". أخرجه البخاري (3704).
وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعليّ:"أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"، أخرجه البخاري (3706)، ورواه البخاري في الغزوات عن مصعب بن سعد عن أبيه أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى تبوك واستخلف علياً فقال: أتخلفني في النّساء والصّبيان؟ قال:"ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبيَّ بعدي". حديث (4416).
وعن ابن سيرين عن عبيدة عن علي-رضي الله عنه- قال: اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي"، فكان ابن سيرين يرى أنَّ عامَّة ما يُروى عن عليٍّ كذب. أخرجه البخاري ( 3707) .
وقول عليّ:(أو أموت كما مات أصحابي) يريد به الخلفاء الراشدين قبله، وفي هذا كراهة عليٍّ الاختلاف، وحبه لاجتماع كلمة المسلمين، ومن أجل ذلك يقدِّم اجتهاد إخوانه على اجتهاد نفسه.(1/15)
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ فاطمة عليها السلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي - صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - تطلب صدقة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا نورث، ما تركنا فهو صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال - يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل"، وإني والله لا أغير شيئاً من صدقات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كانت عليها في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتشهَّد عليٌّ ثم قال: إنَّا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك -وذكر قرابتهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحقهم- فتكلم أبو بكر فقال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب ُّإليَّ أن أصل من قرابتي ".
وعن ابن عمر عن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: ارقبوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - في أهل بيته. أخرجهما البخاري في المناقب (3711-3712-3713)، وأخرج مسلم الأول في فضائل الصحابة (1759).
من مناقب الزبير بن العوام -رضي الله عنه-
قال البخاري: وقال ابن عباس: هو حواريُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي حديثٍ طويلٍ يتعلَّق بعثمان -رضي الله عنه- قال في الزبير: أما والذي نفسي بيده، إنه لخيرهم ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1/16)
وعن جابر -رضي الله عنه- قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"إنّ لكلّ نبيٍّ حوارياً، وإنّ حواري(1)الزبير بن العوام". متفق عليه، أخرجه البخاري في المناقب (3719)، ومسلم في الفضائل (2415) بلفظ:"عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاس يوم الخندق، فانتدب الزبير، ثم ندبهم، فانتدب الزبير، ثم ندبهم، فانتدب الزبير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"لكلِّ نبيٍّ حواري، وحواري الزبير".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-:"أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير، فتحرَّكت الصَّخرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"اهدأ، فما عليك إلا نبيٌّ أو صدِّيقٌ أو شهيد".
من مناقب سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-
عن عائشة -رضي الله عنها – قالت: أرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فقال:"ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة"، قالت: وسمعنا صوت السَّلاح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من هذا ؟ قال: سعد بن أبي وقاص يا رسول الله، جئت أحرسك، قالت عائشة: فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سمعت غطيطه، وفي رواية: فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نام، أخرجه البخاري في الجهاد حديث (2885)، ومسلم في الفضائل (2410).
وعن عبد الله بن شداد قال: سمعت علياً يقول: ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه لأحد غير سعد بن أبي وقاص، فإنه جعل يقول له يوم أُحُد:"ارم فداك أبي وأمي". أخرجه البخاري (2905) ومسلم في الفضائل (6127).
وقال سعيد بن المسيب سمعت سعداً يقول: جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه يوم أحد". متفق عليه، رواه البخاري في فضائل الصحابة حديث (3725)، ومسلم (2412).
__________
(1) والحواريون هم الخلصاء .(1/17)
وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام. رواه البخاري (3726).
وعن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: ما أسلم أحدٌ إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام. أخرجه البخاري (3727).
من مناقب طلحة بن عبيد الله-رضي الله عنه-
قال البخاري: قال عمر:"توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عنه راض".
عن أبي عثمان قال: لم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير طلحة وسعد، عن حديثهما. أخرجه البخاري في فضائل الصَّحابة حديث (3723)، ومسلم في فضائل الصّحابة حديث (2414).
وعن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شلت". رواه البخاري في فضائل الصّحابة حديث (3724).
وعن الزبير قال: كان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد درعان، فنهض إلى الصَّخرة فلم يستطع، فأقعد تحته طلحة، فصعد النبي حتى استوى على الصخرة، قال: فسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:"أوجب طلحة ". رواه أحمد (1/165) والترمذي في المناقب (1692)، وهو حسن، وخرَّجه غيرهما من الأئمة مثل أبي يعلى وابن حبان والحاكم.
وعن جابر بن عبد الله قال: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله". صححه الألباني، انظر الصَّحيحة (126).
منقبة عظيمة وبشرى كبيرة للعشرة - رضي الله عنهم -(1/18)
عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمر بن نفيل في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة". رواه الإمام أحمد في مسنده (1/193) والترمذي في المناقب حديث (3747)، ورواه الترمذي من طريق عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد، وقال: هذا أصح من الأول، ونقل عن البخاري أنه أصح من الحديث الأول، وصحَّح الألباني الحديثين.
موقف الصَّحابة من أبِي بكرٍ وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -
عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال:"كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان -رضي الله عنهم-". أخرجه البخاري في فضائل الصَّحابة (3655).
ولا شكَّ أنَّ هذا يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقره، ويؤكده مبايعة عليٌّ لعثمان راضيًا ومبايعته وثناؤه على عمر وأبي بكر -رضي الله عنهما-.
موقف عليّ -رضي الله عنه- من أبي بكر وعمر وسائر الصَّحابة
عن أبي جحيفة قال: سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبو بكر، ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبي بكر؟ عمر -رضي الله عنه-".
وعن الشعبي عن وهب السوائي قال: خطبنا علي -رضي الله عنه- فقال: من خير هذه الأمة بعد نبيِّها؟ فقلت: أنت يا أمير المؤمنين، قال: لا، خير هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكر ثم عمر -رضي الله عنه-، وما نبعد أنَّ السَّكينة تنطق على لسان عمر -رضي الله عنه-.(1/19)
عن الشعبي حدثني أبو جحيفة الذي كان عليٌّ يسميه وهب الخير قال: قال علي -رضي الله عنه-: يا أبا جحيفة ألا أخبرك بأفضل هذه الأمَّة بعد نبيِّها؟ قال: قلت: بلى، قال: ولم أكن أرى أن أحداً أفضل منه، قال: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر -رضي الله عنه-، وبعدهما آخر ثالث ولم يسمه.
وعن أبي جحيفة قال: قال على -رضي الله عنه-: خير هذه الأمة بعد نبيِّها أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر -رضي الله عنه-، ولو شئت أخبرتكم بالثالث لفعلت.
وعن عون بن أبي جحيفة قال: كان أبي من شرط عليٍّ -رضي الله عنه- وكان تحت المنبر، فحدثني أبي انه صعد المنبر يعنى علياً -رضي الله عنه-، فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر -رضي الله عنه-، وقال: يجعل الله تعالى الخير حيث أحب.
انظر هذه الآثار في مسند الإمام أحمد (1/106).
وعن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثمَّ من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجلٌ من المسلمين.
انظر إلَى هذا الإنصاف والاحترام والتَّقدير لأبِي بكر وعمر، فيعلن عليٌّ أنَّهما خيرٌ منه، وهذا هو الْحَقُّ الذي دلَّت عليه أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، فهما وزيراه وصهراه وهُما أشدُّ النَّاس حبًا له ونصرًا ونصحًا له؛كما دلَّ عليه واقع الصَّحابة الذين اختاروهُمَا وقدَّموهُمَا على غيرهِمَا خليفتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم الأفضل ثُم بعده الأفضل، وكذلك عثمان -رضي الله عنه- اختارته الأمة خليفة لعمر؛ لأنَهم وجدوه أفضلهم -رضي الله عنهم جَمِيعاً-.
وانظر إلَى هذا التواضع حيث يقول:"ما أنا إلا رجل من الْمُسلمين"، وهذا فِي خلافته يقول هذا، وهو يعلم ويعلم الناس معه أنّه أفضل الْمَوجودين فِي وقته.(1/20)
قارن بين هذا الأسلوب الشريف اللائق بالشرفاء وبين ما ينسبه إليه الروافض من التمدح والتعالِي بـ(نحن) و(نَحن) فِي دعاوى عريضة، ومنازل فوق منازل الأنبياء، بل بأمور لا تليق إلا برب العالَمِين وإله الناس أجْمعين، وتلك لا يقولَها إلا الدجاجلة الأفاكون برأ الله علياً وأهل بيته منها.
وسترى من هذه الدعاوى ما تَمُجه أسْمَاع الفضلاء النبلاء وهو كثير وكثير ومُخْجل وأول ما يَخْجل منه هم أهل البيت الشرفاء.
بيعة علي لعثمان -رضي الله عنهما-
لَمّا فَرغ الصَّحابة من دفن عمر بن الْخَطاب -رضي الله عنه- اجتمع أهل الشورى الذين عيّنهم عمر بقوله:" ما أجد أحق بِهَذا الأمر من هؤلاء النَّفر أو الرَّهط الذين تُوُفِّيَ رسول الله وهو عنهم راضٍ، فسمى عليًا وعثمان والزبير وطلحة وسعدًا وعبد الرحْمَن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء، كهيئة التعزية له، لما اجتمعوا قال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلَى ثلاثةٍ منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلَى علي، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلَى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلَى عبد الرحْمَن بن عوف، فقال عبد الرحْمَن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم فِي نفسه؟ فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحْمَن: أفتجعلونه إلَيَّ والله عليَّ أنْ لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهِما فقال: لك قرابةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقَدَمُ فِي الإسلام ما قد علمْت، فالله عليك لئن أمرتُك لتعدِلَنّ، ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن، ثُمَّ خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايَعَه، فبايع له عليّ، وَوَلَجَ أهلُ الدار فبايَعوه.
وقتل عثمان -رضي الله عنه- مظلوماً فبايع الصَّحابة علياً -رضي الله عنه-؛ لأنه أفضل الموجودين في وقته.
موقف علي -رضي الله عنه- من طلحة والزبير(1/21)
وقد ورد عن علي -رضي الله عنه- إهانة قاتل الزبير، وروايات عديدة عنه تتعاضد، ومنها الصحيح أنه قال: إني أرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى فيهم:(ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخوانا على سرر متقابلين)، وقال مثلها في طلحة وابنه حاضر، وأهان من اعترض على قوله هذا، وقال مثلها في الزبير وأهان قاتله.
وانظر تفسير ابن جرير ( 14/36-37) والمستدرك للحاكم (2/353-354) والطبقات لابن سعد (3/168) وفي الرواة من وصف بالتشيع.
موقف أئمَّة أهل البيت
من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم
فهذا علي بن الحسين زين العابدين أفضل قريش وأهل البيت في عهده يقول فيه سعيد بن المسيب:(ما رأيت أورع منه)، ويقول فيه جويرية بن أسماء:(ما أكل علي بن الحسين بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً قط).
فكم من القناطير المقنطرة يأكلها الروافض باسم أهل البيت؟!
وقال أبو حازم: ما رأيت هاشمياً أفقه من علي بن الحسين، سمعته وقد سئل: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله؟ فأشار بيده إلى القبر، فقال:(بِمنزلتهما منه الساعة).
يحيى بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: جاء رجل إلى أبي فقال: أخبرني عن أبي بكر؟ قال:(عن الصدِّيق تسأل؟)، قال: وتسمِّيه الصدِّيق؟ قال:(ثكلتك أمُّك! قد سماه صديقاً من هو خير مني ؛
رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار، فمن لم يسمه صديقاً فلا صدق الله قوله، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما فما كان من أمر ففي عنقي).
وتكلم قوم عنده من أهل العراق فشتمهم.
وعن الحكم عن أبي جعفر قال:(إنا لنصلي خلفهم-يعني الأموية- في غير تقية، وأشهد على عليّ بن الحسين أنه كان يصلي خلفهم في غير تقية ). الطبقات (5/213).
وروى عمر بن حبيب عن يحيى بن سعيد قال: قال علي بن الحسين:(والله ما قُتل عثمان على وجه الحق). الطبقات (5/216).(1/22)
وقال أبو نعيم: حدثنا عيسى بن دينار - ثقة - قال: سألت أبا جعفر عن المختار، فقال: إنَّ علي بن الحسين قام على باب الكعبة فلعن المختار، فقال له رجل: جعلني الله فداك تلعنه وإنما ذُبح فيكم؟! قال:(إنه كان كذّابا يكذب على الله وعلى رسوله). الطبقات ( 5/213).
1- قال ابن سعد في الطبقات ( 5/214) : أخبرنا عارم بن الفضل قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال: سمعت علي بن حسين وكان أفضل هاشمي أدركته يقول: يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً.
2- أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن زيد قال: أخبرنا يحيى بن سعيد قال: قال: قال علي بن حسين: أحبونا حب الإسلام، فوالله ما زال بنا ما تقولون حتى بغّضتمونا إلى الناس.
3- أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب قال: جاء نفر إلى علي بن الحسين فأثنوا عليه فقال: ما أكذبكم وما أجرأكم على الله! نحن من صالحي قومنا وبحسبنا أن نكون من صالحي قومنا.
قال الذهبي:( وكان له جلالة عجيبة، وحُقَّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى؛ لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله).
وانظر كل هذه النصوص في سير أعلام النبلاء ( 4/391-398).
وقال ابن فضيل عن سالم بن أبي حفصة: سألت أبا جعفر وابنه جعفراً عن أبي بكر وعمر فقالا لي:(يا سالم، تولهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامَيْ هدى) .
قال الذهبي:(وكان سالم فيه تشيُّع ظاهر، ومع هذا فيثبت هذا القول الحق، وإنَّما يعرف الفضل لذوي الفضل ذو الفضل، وكذلك ناقلها ابن فضيل شيعي ثقة، فعثّر الله شيعة زماننا ما أغرقهم في الجهل والكذب فينالون من الشَّيخين وزيري المصطفى، ويحملون هذا القول من الباقر والصادق على التقية). انظر السير (4/402-403)، والطبقات لابن سعد (5/32).(1/23)
وروى إسحاق الأزرق عن بسام الصيرفي قال: سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر فقال: والله إني لأتولاهما وأستغفر لهما، وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما، السير (4/403)، والطبقات لابن سعد (5/32 ).
وعن جابر الجعفي عن محمد بن علي قال: أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون القول.
وإذن فأهل البيت يتولون أبا بكر وعمر وأجمعوا على أن يقولوا فيهما القول الحسن، فما بال الروافض الغلاة فيهم يخالفونهم .
قال الذهبي:"قلت: أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق هي صاحبة أبي جعفر وأم ولده جعفر الصادق". انظر السير ( 4/406).
عيسى بن يونس عن عبد الملك بن أبي سليمان: قلت لمحمد بن علي:(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا )، قال: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: إنهم يقولون: هو علي، قال: عليٌّ منهم). انظر السير (4/406) والحلية (3/185) .
شبابة أنبأنا بسام: سمعت أبا جعفر يقول: كان الحسن والحسين يصلِّيان خلف مروان يتبادران الصف، وكان الحسين يسبّ مروان وهو على المنبر حتى ينزل، أفتقية هذه؟! السير (4/407).
أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي جعفر محمد بن علي قال:(يزعمون أني المهدي، وإني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون). السير (4/407).
أقوال جعفر الصادق - رحمه الله -:
1- علي بن الجعد عن زهير بن معاوية قال: قال أبي لجعفر بن محمد: إنَّ لي جاراً يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر، فقال جعفر: برىء الله من جارك، والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر، ولقد اشتكيت شكاية فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم.
2- وقال ابن عيينة: حدثونا عن جعفر بن محمد ولم أسمعه منه، قال: كان آل أبي بكر يدعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وروى ابن أبي عمر العدني وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه نحو ذلك.(1/24)
3- محمد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفراً عن أبي بكر وعمر فقالا: يا سالم، تولهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى، ثم قال جعفر: يا سالم، أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما".
النصوص الثلاثة في السير (6/258) وتهذيب الكمال (5/80).
4- وقال حفص بن غياث سمعت جعفر بن محمد يقول:"ما أرجو من شفاعة علي شيئاً إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله لقد ولدني مرتين". تهذيب الكمال (5/82).
قال الذهبي:"وأمه (أي جعفر الصادق) هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان يقول ولدني أبو بكر الصديق مرتين". سير أعلام النبلاء (6/255) وتهذيب الكمال (5/82).
5- وساق الذهبي إسناده إلى الإمام الدارقطني ومنه إلى عبد الجبار بن العباس الهمذاني أنَّ جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة فقال: إنَّكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم فابلغوهم عني: من زعم أنِّي إمام معصوم مفترض الطاعة فأنا منه بريء، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه بريء". تهذيب الكمال (5/82)، وهذه الأقوال في تهذيب الكمال رواها المزي بأسانيده وعنه أخذ الذهبي.
6- وبه عن الدارقطني حدثنا إسماعيل الصفار حدثنا أبو يحيى جعفر بن محمد الرازي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا حنان بن سدير سمعت جعفر بن محمد وسئل عن أبي بكر وعمر فقال: إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة.
وبه حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا محمود بن خداش حدثنا أسباط بن محمد حدثنا عمرو بن قيس الملائي سمعت جعفر بن محمد يقول: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر.
قلت: هذا القول متواتر عن جعفر الصادق وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير منافق لأحد فقبح الله الرافضة. السير (6/259- 260).(1/25)
7- وروى المزي بإسناده إلى يحيى بن سليم عن جعفر بن محمد قال: إنَّ الخبثاء من أهل العراق يزعمون أنَّا نقع في أبي بكر وعمر-رضي الله عنهما- وهما والداي". تهذيب الكمال (5/82).
8- قال ابن سعد في طبقاته ( 5/319- 320): أخبرنا شبابة بن سوار الفزاري قال أخبرني الفضيل بن مرزوق قال: سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل ممن يغلوا فيهم:(ويحكم، أحبّونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا)، قال: فقال له رجل: إنكم قرابة رسول الله وأهل بيته، فقال:(ويحك، لو كان الله مانعاً بقرابة من رسول الله أحداً بغير طاعة الله لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أبا وأما، والله إني لأخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين، وإني لأرجو أن يؤتى المحسن منا أجره مرتين، ويلكم، اتقوا الله وقولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون، ونحن نرضى به منكم)، ثم قال:(لقد أساء بنا آباؤنا إن كان هذا الذي تقولون من دين الله ثم لم يطلعونا عليه ولم يرغبونا فيه!)، قال: فقال له الرافضي: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ:(من كنت مولاه فعلي مولاه)؟ فقال:(أما والله أن لو يعني بذلك الإمرة والسلطان لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم: أيها الناس هذا وليُّكم من بعدي، فإنَّ أنصح الناس كان للناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان الأمر كما تقولون: إنَّ الله ورسوله اختارا عليًّا لهذا الأمر والقيام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إن كان لأعظم الناس في ذلك خطيئةً وجرماً؛ إذ ترك ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيه كما أمره أو يعذر فيه إلى الناس).(1/26)
وهذا الكلام من هذا الهاشمي النبيل من الأدلة على أن ما يقوله الروافض عن أهل البيت من الولاية والإمامة وغيرهما كذب في كذب، وأن ذلك ليس من دين الله، وإنما هو من دين ابن سبأ وأتباعه، ولو كان من دين الله لصرح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة وأهل البيت، ولقام عليه إجماع الأمة، ولو كان من دين الله لقاتل عليه عليٌّ من أول يوم ولما بايع الخلفاء قبله.
فهؤلاء هم أهل البيت الشرفاء، وهذه أقوالهم اللائقة بهم وبشرفهم لا ما يفتريه عليهم أحطُّ خلق الله وأكذبهم من الأقوال المرذولة والأماني الكاذبة والدعاوى الفارغة التي يستحي من التفوه بها بل ببعضها من لا يدانيهم شرفاً ومنزلة فضلاً عن هؤلاء النبلاء.
إن عقيدة الروافض في الأئمة أنهم معصومون وأنهم يعلمون الغيب ويعلمون ما كان وما يكون وأنَّ كل ما يقولونه حقٌّ لهي والله عقيدةٌ فاسدةٌ باطلةٌ تأباها شريعة الإسلام وأهلها!
فأئمة البيت غير معصومين يذنبون كغيرهم من البشر ويصيبون ويخطئون ولا يعلمون شيئاً من الغيب! ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، فإن أحسنوا فلأنفسهم وإن أساؤا فعليها.
فهذا رسول الله أفضل البشر يأمره الله أن يقول:(وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ)[هود:31].
تنبيه
ليعلم أن أسانيد الروافض إلى أئمة أهل البيت كلها مبنية على قواعد باطلة، بالإضافة إلى أنَّ معظم أسانيدهم قائمة على الكذَّابين.
العقيدة الباطنية عند أئمة الرفض
وانطلاقهم منها في تفسير كتاب الله
وسأذكر هنا بعض الأمثلة الدالة على باطنيتهم:
1- قال العياشي (1/42):(1/27)
"عن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر عن تفسير هذه الآية في باطن القرآن (وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به) يعني فلاناً وصاحبه من تبعهم ودان بدينهم، قال الله يعنيهم يعني (ولا تكونوا أول كافر به)".
وأحال المحقق على البحار والبرهان وإثبات الهداة.
أقول: برَّأ الله أبا جعفر من هذا التفسير الباطني الذي يقصد به الباطنيون تكفير أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، إنَّ الخطاب في الآية وما قبلها لبني إسرائيل يأمرهم الله ويحثهم على الإيمان بالقرآن الذي أنزله الله مصدقاً لما معهم وهي التوراة التي نزلت على نبي الله موسى، وينهاهم عن الكفر بهذا القرآن العظيم المصدق لما معهم، فحرَّف الباطنيون كلام الله أشد من تحريف اليهود.
2- قال العياشي ( 2/16):
"عن محمد بن منصور قال: سألت عبداً صالحاً عن قول الله (إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) قال: إنَّ القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرم به في الكتاب هو في الظاهر والباطن من ذلك أئمة الجور.
وجميع ما أحل في الكتاب هو في الظاهر والباطن من ذلك أئمة الحق".
وأحال المحقق على البحار والبرهان.
أقول: لا ندري من هو هذا العبد الصالح! لكن الظاهر لنا أنه من كبار أئمة الباطنية، ويقصد هذا الباطني بأئمة الجور أبا بكر وعمر وعثمان في الدرجة الأولى! ويقصد بأئمة الحق أهل البيت الذين يتستر بهم الروافض الباطنية ليهدموا الإسلام ويحرفوا القرآن باسمهم.
والحق أنَّ المراد بما ظهر من الفواحش ما يعلن من المعاصي، وما بطن ما يعمل في الخفاء، والفواحش الخصال التي بلغت نهاية القبح؛ مثل الزنى ونكاح المحارم.
3- وقال العياشي (2/50):
"عن جابر قال سألت أبا جعفر-رحمه الله- عن تفسير هذه الآية في قول الله (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ).(1/28)
قال أبو جعفر-رحمه الله-: تفسيرها في الباطن يريد الله، فإنه شي ء يريده ولم يفعله بعد.
وأما قوله (يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) فإنه يعني يحق حقَّ آل محمد.
و أما قوله (بِكَلِماتِهِ) قال كلماته في الباطن علي هو كلمة الله في الباطن.
وأما قوله (وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) فهم بنو أمية، هم الكافرون يقطع الله دابرهم.
و أما قوله (لِيُحِقَّ الْحَقَّ) فإنه يعني ليحق حق آل محمد حين يقوم القائم.
وأما قوله (وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ) يعني القائم فإذا قام يبطل باطل بني أمية وذلك قوله:(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).
وأحال المحقق إلى البرهان والبحار وإثبات الهداة.
عن جابر عن أبي عبد الله جعفر بن محمد-رحمه الله- قال سألته عن هذه الآية في البطن (وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ولِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الأقْدامَ) قال: السماء في الباطن رسول الله، والماء علي -رضي الله عنه-، جعل الله عليا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذلك قوله (ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) فذلك علي يطهر الله به قلب من والاه.
وأما قوله (وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) من والى عليا يذهب الرجز عنه، ويقوى قلبه و(لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) فإنه يعني عليا، من والى عليا يربط الله على قلبه بعلي فثبت على ولايته.
أقول: انظر إلى هذا الفجور القائم على المنهج الباطني حيث:
1- جعل كلمات الله التي يحق بها الحق ويبطل بها الباطل جعلها عليّاً!
2- وفي الرواية الثانية السماء هي رسول الله والماء عليّاً يطهر الله به قلب من والاه!(1/29)
والآيات أوردها الله في قضية بدر وكيف أعلى الله فيها كلمته، ونصر دينه ورسوله والمؤمنين وعلى رأسهم رسول الله وأبو بكر وعمر وباقي العشرة المبشرين بالجنة، وأظهر بكلمته الحق على الباطل، وذكر الله من أسباب ومقدمات النصر:
1- أنه أنزل من السماء (والمراد به السحاب) ماء لغاية وهي أن يطهرهم به.
2- ويذهب عنهم رجز الشيطان.
3- ويثبت به أقدامهم.
4- وإنزال الملائكة لنصرهم.
5- وإلقاء الرعب في قلوب الكافرين.
فيأبى الباطنيون إلا تحريف آيات كتاب الله وصرفها عن معانيها العالية العظيمة إلى عقيدتهم الباطنية!!
4- وقال العياشي (2/123):
"عن جابر عن أبي جعفر -رحمه الله- قال سألته عن تفسير هذه الآية (لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) قال تفسيرها بالباطن أن لكل قرن من هذه الأمة رسولا من آل محمد يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، وهم الأولياء وهم الرسل.
وأما قوله (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) قال معناه أن الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله".
وأحال المحقق على البرهان والبحار والصافي.
- أقول:
انظر إلى هذا التحريف القائم على المنهج الباطني!
فالله سبحانه وتعالى يبين ما جرى للأمم الماضية من هلاك بسبب تكذيبها لرسلها، مثل: قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم من الأمم التي كذبت رسلها، ينزل الله عذابه بكل أمة عند الأجل الذي حدده لها فلا يستقدمون عنه ساعة ولا يستأخرون.
يذكر ذلك ليعتبر الناس بمصائر هؤلاء الهالكين؛ ليتجنبوا أسباب الهلاك، فيأتي الباطنيون فيحرفون كتاب الله بمنهجهم الباطني إلى عقائدهم، فيجعلون الأئمة الذين هم من أفراد أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - رسلاً؛ كل إمام رسول إلى القرن الذي عاشه!(1/30)
وهذا فيه إبطال لختم النبوة والرسالات برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد الإبطال لما دلت عليه الآية كما وضحناه.
وانظر مرة أخرى كيف أبطل دلالة قول الله (فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط) حيث جعل الرسل - أي الأئمة عنده- هم الذين يقضون بالقسط! وإنما الذي يقضي بالقسط بين الرسل وأممهم المكذبة هو الله، فقضاؤه وحكمه على الأمم الكافرة بالهلاك والدمار هو عين القسط والعدل، والأئمة وغيرهم لا يقضون بشيء؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضراً ولا نفعاً.
مكائد الروافض التي يجب التنبه لها
من مكائد الروافض أنهم لشدة فجورهم وحقدهم على القرآن والصحابة قد امتدت أيديهم الخائنة إلى القرآن العظيم تبدل فيه وتحرف وتزيد وتنقص منه كما تشاء لهم أهواؤهم المستمدة من الحقد ومن المنهج الباطني المدمر!!
وفي كتابي هذا -أيّها القارئ- بين يديك سترى الكثير والكثير من هذه الجرائم والخيانات التي لم يسبقهم إليها سابق ولا يلحقهم فيها لاحق.
وما أكثر تباكيهم الفاجر من تحريف القرآن -وهم المحرفون- ثم يرمون أفضل البشر بعد الأنبياء وهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بالتحريف والزيادة والنقصان، فيصدق عليهم المثل:(رمتني بدائها وانسلت).
ومن أوجب الواجبات على المسلمين جميعاً أن يدركوا أنَّ الروافض الباطنية هم صناع التبديل والتحريف، وسيرى القارئ الكريم هذا عياناً، وسيلمسه بيده لمساً.
هذه حقيقةٌ ما رأيت أحداً نبه عليها، وهي خطيرة جداً، وجريمة كبرى تخرج فاعليها من الإسلام وتطوح بهم بعيداً عن دائرة الإسلام، أعني الفاعلين لهذه الجريمة ومن دان بدينهم وسار على نهجهم في رمي الصحابة بالكفر بالله وبتحريف كتابه وتبديله ورميهم بعداوة أهل البيت واغتصاب حقهم في الولاية والسلطان.(1/31)
لقد ارتكب الروافض الباطنية كثيراً وكثيراً جداً من تحريف وتبديل لكتاب الله باسم الولاية والإمامة لأهل البيت، وباسم أنَّ الصحابة والأمة قد اغتصبوا حقهم وظلموهم في هذا الحق المزعوم المفترى الذي يقدمونه على حق الله وحق الأنبياء والرسل وما جاؤا به من عقائد وتشريعات.
وللشيعة عقائد كثيرة وكثيرة نشأت عن عقيدة الولاية والوصاية التي اخترعها لهم ابن سبأ الزنديق اليهودي.
وترى كثيراً من كُتَّاب الروافض البارعين في المكر والحيل وكثيراً من السياسيين أصحاب المصالح المتعاطفين مع الروافض يهونون من شأن خلافهم، ويقولون: إنَّ الخلاف بيننا وبينهم إنما هو في الفروع كالخلاف بين أئمة الإسلام الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة!
وقد رددت على هذه المراوغات في بعض كتاباتي، ومنها ما قلته لبعضهم في إحدى مقالاتي:
أ - حصرك الخلاف بين أهل السنة والشيعة في الفروع، وأنها من مواضع الاجتهاد.
ب- تمثيلك بالاختلاف في البسملة وبالاختلاف في الصوم والإفطار عند سقوط قرص الشمس وبالاختلاف في الخمس من حيث وجوبه في الغنائم فحسب، وقولك: أو أوسع من ذلك؛ كل ذلك لا يضر في وحدتنا الإسلامية بعد الإقرار بقطعية الأصول.
فهذا الحصر وهذا التمثيل غير صحيح، فإنَّ هناك خلافات جسيمة لا يجوز لك إغفالها؛ لأنها معروفة عند ألوف من علماء المسلمين وطلاب العلم والمثقفين وحتى اليهود والنصارى بأنها خلافات جسيمة واقعة بين أهل السنة والشيعة.
وأنا أسألك:
1- هل تجهل موقف الشيعة الإمامية والإسماعيلية من الصحابة؟!
2- وأسألك: هل الإمامة عند الشيعة من الفروع أو من الأصول؟!
3- وهل إيجاب معرفة الأئمة عند الشيعة من الفروع أو من الأصول؟!
4- وهل اعتقاد عصمة الأئمة عند الشيعة من الفروع أو من الأصول؟!
5- وهل الوصية لعليٍّ بالخلافة والقول بأن الصحابة اغتصبوها منه عند الشيعة من الفروع أو من الأصول؟!
6- وهل الإيمان بالمهدي المنتظر عند الشيعة من الفروع أو من الأصول؟!(1/32)
7- وهل الإيمان بالرجعة وما يتبعها وما يترتب عليها عند الشيعة من الفروع أو من الأصول؟!
8- وهل ادعاؤهم على الصحابة أنهم حرفوا القرآن من الفروع عند الشيعة وأهل السنة؟!
9- وهل اعتقادهم في الأئمة أنهم يعلمون الغيوب بل إنَّ لهم سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون من الفروع عند أهل السنة والشيعة؟!
10- وهل التقية عند الشيعة والسنة من الفروع؟!
كيف تكون التقية من الفروع وهي عندهم تسعة أعشار الدين ولا دين لمن لا تقية له؟! وينسبون إلى أبي جعفر أنه قال:" أبى الله عز وجل لنا ولكم في دينه إلا التقية"!!
وينسبون إليه أنه قال: التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له". انظر الكافي للكليني (2/217-219 ).
هذه العقائد يُكفِّر بها الشيعة من لا يدين بها بل يُكفِّرون بكل واحدة منها!
11- وهل تشييد القبور والطواف حولها والاستعانة بأهلها وتقديم الأموال الطائلة والنذور والقرابين لعتباتها من الفروع عند الشيعة؟!
12- نكاح المتعة رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند الحاجة والضرورة ثم نسخها الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن رواة تحريم المتعة علي -رضي الله عنه-، فاستباحها الشيعة، ورووا في فضلها روايات يرفضها الشرع والعقل، مثل قولهم:(من تمتع بامرأة مؤمنة كأنما زار الكعبة سبعين مرة).
وقولهم روى الصدوق عن الصادق-رحمه الله- قال:(إنَّ المتعة ديني ودين آبائي فمن عمل بها عمل بديننا ومن أنكرها أنكر ديننا واعتقد بغير ديننا)(1).
والمتعة عندهم من أعظم الأصول التي يكفر تاركها.
__________
(1) انظر من لا يحضره الفقيه ( 3/366 ) بواسطة كتاب (لله ثم للتاريخ كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار) للسيد حسين الموسوي (ص33).(1/33)
وهناك بعض الروايات عندهم ومنها:"من تمتع مرة كانت كدرجة الحسين -رضي الله عنه-، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن -رضي الله عنه-، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ومن تمتع بأربع فدرجته كدرجتي".
أقول:
فإذا تمتع المرء عشرات المرات فكم يكون التفاوت بينه وبين أعظم الرسل صلى الله عليه وسلم؟!!
هذه الفواقر تشكل كل واحدة منها عقبة كَأْدَاء أمام الوحدة، فإمَّا أنْ يدينها الشيعة ويتبرؤون منها باطناً وظاهراً، ويحكمون على قائليها ومعتقديها بما يستحقون، فتحصل الغاية المنشودة وهي الوحدة، وإما أن يُصِرُّوا عليها فيكونوا هم المسئولين عن الفُرقة وهم الذين وضعوا العقبات في وجه الوحدة والذين ينشدونها ويحرصون عليها.
ادّعاء الروافض ظلما وزورا أنَّ الصحابة قد حرّفوا القرآن
وحذفوا منه كل ما يتعلق بأهل البيت!!
قال القمي (1/100):
"وقوله (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) فلفظ الآية عام ومعناه خاص، و إنما فضلهم على عالمي زمانهم.
و قال العالم -عليه السلام- نزل (وآل عمران و آل محمد على العالمين) فأسقطوا آل محمد من الكتاب".
وقال العياشي (1/168):
"عن هشام بن سالم قال سألت أبا عبد الله -رحمه الله- عن قول الله (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً) فقال: هو آل إبراهيم وآل محمد على العالمين، فوضعوا اسما مكان اسم" وأحال المحقق على البحار والبرهان.
وقال (1/169):
"عن أيوب قال: سمعني أبو عبد الله -رحمه الله- وأنا أقرأ (إنَّ الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) فقال لي: وآل محمد كانت فمحوها وتركوا آل إبراهيم وآل عمران".
وأحال المحقق على البحار والبرهان وإثبات الهداة، وأورد العياشي رواية ثالثة بهذا المعنى.
أقول:(1/34)
لقد زاد هذان الباطنيان لفظة (آل محمد) في هذه الآية ثم افتريا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم أسقطوها، وأيدهما صاحب البرهان وصاحب الصافي وصاحب إثبات الهداة وهاشم المحلاتي، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون!!
- قال العياشي (1/180):
"عن حبيب السجستاني قال سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن قول الله (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ) فكيف يؤمن موسى بعيسى وينصره ولم يدركه؟ وكيف يؤمن عيسى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - و ينصره ولم يدركه؟
فقال: يا حبيب إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا حروف أخطأت بها الكتبة وتوهمها الرجال، وهذا وهم فاقرأها ( وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ).
هكذا أنزلها الله يا حبيب، فو الله ما وفّت أمة من الأمم التي كانت قبل موسى بما أخذ الله عليها من الميثاق لكل نبي بعثه الله بعد نبيها، ولقد كذبت الأمة التي جاءها موسى لما جاءها موسى ولم يؤمنوا به ولا نصروه إلا القليل منهم ولقد كذبت أمة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم يؤمنوا به ولا نصروه لما جاءها إلا القليل منهم.
ولقد جحدت هذه الأمة بما أخذ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الميثاق لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يوم أقامه للناس ونصبه لهم ودعاهم إلى ولايته وطاعته في حياته وأشهدهم بذلك على أنفسهم، فأي ميثاق أوكد من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فو الله ما وفوا به بل جحدوا وكذبوا ".
وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي.
- أقول :(1/35)
1- أصل الآية : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (آل عمران: من الآية81)
فزاد هؤلاء الباطنية لفظة ( أمم ) جرأة منهم على كتاب الله وتحريفاً له ليوافق عقائدهم الباطنية !.
2- ثم يتهمون أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الأمناء الصادقين يتهمونهم بالتحريف وبأنهم قد طرحوا من كتاب الله آيات كثيرة، وبرَّأ الله أصحاب محمد صلَّى الله عليه وسلَّم الأمناء، ولكن الزنادقة هم الذين يزيدون من عندهم زيادات تدفعهم إليها أحقادهم وزندقتهم ثم يقذفون أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنهم قد أسقطوا وطرحوا من القرآن آيات كثيرة، فالويل لهم مما يصفون، ويقولون ( إنه لم يزد في القرآن إلا حروف أخطأ فيها الكتبة ) ،وكذبوا فإن الله قد تعهد بحفظ كتابه من الزيادة والنقص، وإذا امتدت يد باطنية خبيثة بالزيادة والنقص فضحها الله وفاءً بوعده الصادق كما فعل بهؤلاء الروافض الباطنية.
3- ويفترون الولاية لعلي ويجعلون الميثاق بهذه الولاية أوكد من مواثيق الله للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويقذفون الصحابة بنكث هذا الميثاق ثم يكفرونهم به، ألا ساء ما يزرون ويفترون.
والملاحظ على هؤلاء أنه لا تثبت فضيلة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو للأنبياء أو لغيرهم إلاَّ وزجوا بعليٍّ وأهل البيت معهم، وقد يرجحون كفتهم على المزحومين، ووالله ما يرضى عليٌّ ولا أهل بيته بمثل هذا البغي والعدوان على كتاب الله وعلى رسله وأوليائه.
- قال القمي ( 2/285-286):
"و قوله (وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ)(1/36)
قال فإنه حدثني أبي عن وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن أبي الأعز عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في أصحابه إذ قال إنه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى ابن مريم فخرج بعض من كان جالسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليكون هو الداخل، فدخل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-فقال الرجل لبعض أصحابه أما يرضى محمد أن فضَّل علياًّ علينا حتى يشبهه بعيسى ابن مريم والله لآلهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية أفضل منه، فأنزل الله في ذلك المجلس «و لما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يضجون» فحرفوها يَصِدُّونَ وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إن علي إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل فمحي اسمه عن هذا الموضع".
- أقول:
1- برأ الله سلمان الصحابي الجليل من هذا الإفك والتحريف المخزي.
2- ألست قد صرحت بأن هذه السورة مكية، ألا تعلم أنت وغيرك أنَّ سلمان ما دخل في الإسلام إلا بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ولكن الله يريد أن يفضحك.
3- ماذا يستفيد الصحابة الذين تقذفهم من تحريف يضجون إلى يصدون.
4- افتراؤك على الصحابة أنهم قالوا:" لآلهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية أفضل منه" هل تريد به أنهم يفضلون الأوثان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو على عليّ ؟!
5- عيسى غلا فيه النصارى وقالوا فيه أنه هو الله أو ثالث ثلاثة أو هو ابن الله فبيَّن الله أنه عبد من عباده أنعم عليه بالنبوة والرسالة والمعجزات العظيمة وليس كما يدعون أنه ابن الله .... إلخ فيريد الباطنية تحويل هذه النعمة إلى عليٍّ-رضي الله عنه- .(1/37)
6- مما يدفع فريتكم وتحريفكم أنَّ المراد بقوله تعالى:(وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل) عيسى جعله الله مثلاً لبني إسرائيل، أيْ: آية ودلالة وحجة وبرهان على قدرة الله حيث خلقه من غير أب.
وقوله تعالى:(وإنه لعلم للساعة) يعني عيسى -عليه الصلاة و السلام- أنه ينزل من السماء في آخر الزمان فيكون نزوله من علامات الساعة الكبرى، أفتريدون سلب هذه المزايا عنه.
7- إنَّ عيسى كان رسولاً إلى بني إسرائيل خاصة، فجعله مثلاً لهم، أي: آيةً ودلالة، ورسالة محمد إلى الناس كافة، فكيف يكون علياً دون محمد وعيسى صلى الله عليهما وسلم مثلاً لبني إسرائيل، فهلا كان مثلاً للعالمين.
8- لقد حرف الباطنيون معنى الآية ولفظها وزادوا فيها، ثم يلصقون هذا الكفر بأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
- قال القمي ( 2/295) ساق إسناده إلى رجل مجهول:
"عن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال قلت هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، قال له إن الكتاب لم ينطق و لن ينطق ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الناطق بالكتاب قال الله هذا بكتابنا ينطق عليكم بالحق فقلت إنا لا نقرؤها هكذا فقال هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد ولكنه فيما حرف من كتاب الله".
- أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك والتحريف.
إنَّ الآية الكريمة من ضمن آيات يخبر الله فيها عمّا يحصل للكافرين المكذبين يوم القيامة من تقريرهم بأعمالهم وتقريعهم وتوبيخهم عليها وما يواجهون من الأهوال، والكتاب هنا كتاب الأعمال الذي لا يغادر من أعمالهم صغيرة ولا كبيرة، وليس المراد به القرآن أيها المحرفون الأفاكون، قال تعالى:(ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون*وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون* هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون).(1/38)
فيوم القيامة تدعى كل أمة إلى كتابها إلى كتب أعمالها التي سجلها عليهم الملائكة الكاتبون الحافظون، وأكد ذلك بقوله:(هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق)، أي يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص كقوله تعالى:(ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً)، وقوله تعالى:(إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون)، أي كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم، انظر تفسير ابن كثير (12/366).
انظر كيف قصد هذا الباطني إلى إبطال هذه المعاني التي تضمنتها هذه الآيات التي بين الله فيها ما يحصل للكفار من خسران وهوان وتوبيخ وذهب بها إلى عقيدته.
وقال الكليني في الكافي (1/228) باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة -رحمهم الله- وأنهم يعلمون علمه كله.
" محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر قال: سمعت أبا جعفر -رحمه الله- يقول: ما ادعى أحد أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذب وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده".
أقول :
وأين هو هذا القرآن الكامل الذي ما جمعه إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده؟!
وهل فات علياً منه أشياء ثم جمعها بعده الأئمة وهل يبقي كل إمام لمن بعده أشياء حتى يتم جمعه ، فنسأل متى تكامل جمعه، وهل الإمام الغائب لا يزال مشتغلاً بجمعه، ولماذا يتواطأ هؤلاء الأئمة على كتمانه عن أمة محمد؟! وهل يجوز لهم هذا الكتمان وهل يحمدون عليه؟!
لا يسعنا إلا أن نقول:
برَّأ الله أبا عبد الله والأئمة من هذا الإفك الذي يفتريه زنادقة الرفض على كتاب الله وعلى الأئمة، ولا يقصدون بذلك إلا الطعن في القرآن بأنه ناقص، ولا يقصدون إلا الطعن في عليٍّ وأهل بيته بأنهم خونة كاتمون لكتاب الله تلك الخيانة والكتمان والاحتكار التي يأنف من مثلها اليهود والنصارى.(1/39)
وساق الكليني أساطير كثيرة حول القرآن ومصحف فاطمة والجفر وعلوم أهل البيت المكتومة.
وقال الكليني ( 2/627):
"عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم وأبيه جميعاً عن ابن محبوب عن أبي حمزة عن أبي يحيى عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين يقول: نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدونا، وثلث سنن وأمثال وثلث فرائض وأحكام".
أقول:
وأين ذهب التوحيد والحديث عن الأنبياء ودعواتهم والجنة والنار؟ وما المراد بالثلث المشترك بين أهل البيت وأعدائهم؟ ولماذا لم يذكر فضائل الصحابة والثناء عليهم ومنهم علي -رضي الله عنه- وأبو بكر وعمر وعثمان؟ فهل عليٌّ يجحد ذلك؟
برَّأ الله علياً من هذا الإفك والافتراء على الله وعلى كتابه.
وقال الكليني ( 2/627):
"عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن علي بن عقبة، عن داود بن فرقد عمن ذكره عن أبي عبد الله قال: إن القرآن نزل أربعة أرباع، ربع حلال وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما بينكم".
أقول:
وأين نصيب أهل البيت وأين الكلام في أعدائهم وأين التوحيد والبعث والجزاء؟ وماذا نصنع في هذا الاختلاف الواضح بين قول علي -رضي الله عنه- وبين قول أبي عبد الله؟ لا نقول إلا برأهما الله من هذا الإفك والبهتان.
وقال الكليني ( 2/628):
" أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان عن إسحاق بن عمار عن أبي بصير، عن أبي جعفر قال: نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام.
أقول:
وأين نصيب التوحيد الذي هو محور دعوات الرسل جميعاً؟! وأين نصيب المعاد والجزاء؟! وأين وأين؟!(1/40)
ثم كيف نوفق بين هذه الروايات المتضاربة: رواية علي -رضي الله عنه- الأولى أنَّ القرآن نزل ثلاثة أثلاث ثلث فينا وفي عدونا، ورواية جعفر تفيد أنَّ القرآن نزل أربعة أرباع ربع فينا وربع في عدونا .. إلخ ولم ينزل الله في كتابه لا ربعاً ولا سدساً في أهل البيت ولا في عدوِّهم شيئاً من الطعن والتكفير.
ومقصود المفترى بالربع في عدو أهل البيت: الصَّحابة، لا المشركون واليهود والنصارى ولا المجوس، والمسلمون لا يجدون كلمة تفيد أنَّ الصحابة يكرهون أهل البيت أو ظلموهم حقهم، ولا يجدون في القرآن إلا ثناء عاطراً عليهم وتزكيات عظيمة لهم.
ونقول لهؤلاء المفترين: لماذا لم تذكروا نصيب التوحيد، ونصيب أعداء الصحابة من المشركين واليهود والنصارى والمجوس؟
الجواب: لأنكم أعداء التوحيد وأهله وأولياء المشركين واليهود .. إلخ وإن كابرتم وعاندتم.
وكيف تلومونهم على الشرك وأنتم أشد إغراقاً فيه منهم، وكيف تلومونهم على الكذب على الله وتحريف دينه وآياته وأنتم قد برزتم عليهم في هذا الميدان تبريزاً لا يمكن أن يلحقوكم فيه.
وطامة الطوام ما جاء به الكليني الذي يقول في الكافي (2/634):
"علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: إن القرآن الذي جاء به جبريل -عليه السلام- إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر ألف آية".
ومؤدَّى هذه الرواية أنَّ أصحاب محمد قد أسقطوا عشرة آلاف وثلاثمائة وأربع وثلاثين آية، إذ المشهور أن عدد آيات القرآن ستة آلاف وستمائة وستة وستين، أي أنهم أسقطوا أكثر القرآن، لماذا هذا كله؟ لأجل العداوة لأهل البيت!
وكَذَبَ الروافضُ الباطنيون، وما أكثر وأعظم كذبهم على الله وعلى رسوله وعلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .(1/41)
وقد وثَّق شيخهم المجلسي هذه الرواية في كتابه "مرآة العقول" (12/525)، فقال:"والحديث موثق"، ثم قال:"فالخبر صحيح، ولا يخفى أنَّ هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة المعنى". هذا بواسطة كتاب من (عقائد الشيعة) لعبد الله بن محمد السلفي (ص20).
وأقول:
نسأل هذا المجلسي: كيف تدَّعي التواتر على أنَّ القرآن الذي جاء به جبريل سبعة عشر ألف آية، فإذا كان القائل واحد والرواة عنه أفَّاكون فهل تصح هذه الدعوى حتى عند الكفار فضلاً عن المسلمين؟!
ثم نسأله: أنتم تزعمون أنَّ المصحف الكامل إنما هو عند أهل البيت، فإذا كان الله أرسل محمداً للعالمين فلماذا يكتمه أهل البيت منذ وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا؟ فأيُّ كتمان يفوق هذا الكتمان والله يقول في كتابه:(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون).
ألا يدرك العقلاء أنَّ الروافض يريدون بهذه الأكاذيب توجيه الطعن واللعن لأهل البيت الشرفاء الأبرياء، فهم يلعنون الصَّحابة صراحة ويلعنون أهل البيت ضمناً، وبرَّأهم الله جميعاً وأحل رضاه عليهم ولعن أعداءهم.
ثم إنَّ هذا التواتر المفترى إنما هو من جنس تواتر قتل المسيح وصلبه عند اليهود والنصارى، ومن جنس تواتر أنَّ عيسى ابن الله عند النصارى وأنَّ عزيراً ابن الله عند اليهود، إذ الجميع قائم على التواطؤ على الكذب وما من رواية للروافض إلا وهي من أكذب الكذب.(1/42)
ثمَّ إنَّ مدار هذه الأكاذيب على اثنين: أبي جعفر وأبي عبد الله، فهل هكذا يكون التواتر المسلَّم به؟ وتعريف التواتر أنه رواية عدد كثير أحالت العادة تواطؤهم واتفاقهم على الكذب رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء وكان مستند انتهائهم الحس أي السَّماع أو الرؤية، فالتواطؤ على الكذب من الروافض متوفر جداً، وبقية الشروط مفقودة، وأبو عبد الله وأبو جعفر يتبرآن من الروافضِ وغلوِّهم وأكاذيبهم على الله وعلى كتابه وأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وكما كذّب الله اليهود والنصارى في دعوى قتل المسيح وصلبه، فكلُّ آية من القرآن تكذب الروافض، قال تعالى:(إنا نحن نزَّلنا الذِّكر وإنَّا له لحافظون)، وإجماع الصحابة ومنهم عليّ وأهل البيت وإجماع الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها من القرن الأول إلى القرن الخامس عشر الهجري يكذبهم.
والذين يدعون تحريف الصحابة للقرآن والحذف منه والزيادة عليه ليسوا من أمة الإسلام، وعقائدهم الضالة وأعمالهم الفاسدة وأقوالهم الكاذبة على كتاب الله وعلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - تدينهم بأنهم ليسوا من أهل الإسلام.
والأدهى من هذا الإفك ما فعله وقاله النوري الطبرسي.
قال السيد حسين الموسوي في كتابه (كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار) ص79:
"والقرآن لا يحتاج لإثباته نص، ولكن كتب فقهائنا وأقوال جميع مجتهيدينا تنص على أنه محرَّف، وهو الوحيد الذي أصابه التحريف من بين كل تلك الكتب".(1/43)
وقد جمع المحدث النوري الطبرسي في إثبات تحريفه كتاباً ضخم الحجم سمَّاه:(فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب) جمع فيه أكثر من ألفي رواية تنصُّ على التحريف، وجمع فيه أقوال جميع الفقهاء وعلماء الشيعة في التصريح بتحريف القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين، حيث أثبت أنَّ جميع علماء الشيعة وفقهاءهم المتقدمين منهم والمتأخرين يقولون: إنَّ هذا القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين محرَّف.
وهذا الكتاب (فصل الخطاب) عندي منه نسخة، فإذا قال بعض الروافض: نحن لا نقول بأن الصحابة قد حرفوا القرآن؛ فلا تصدقهم، والذي ينكر منهم فإنما يستخدم التقية، وهو شر ممن لا ينكر، وأنا أقول: إن أيديهم القذرة هي التي امتدت إلى القرآن بالتحريف والتبديل والزيادة والنقص، ولكنَّ الله الذي وعد بحفظ كتابه يفضحهم ويخزيهم ويبين إفكهم على أيدي المؤمنين ويبقي كتابه بأيديهم كما أنزله غضاً طرياً إلى أن يرفعه.
تنبيهات
الأول: طريقة السلف عند ذكر رسول الله أو أحد الأنبياء أن يقال:"عليه الصَّلاة والسلام"، أو:"صلَّى الله عليه وسلم".
- وعند ذكر الصحابِي أن يقال:"-رضي الله عنه-" لا يفرقون بينهم وإن تفاوتوا فِي الفضل.
- وعند ذكر غير الصحابة من العلماء وغيْرهم من الْمُسلمين يقال:"-رحمه الله-".
أما الشيعة: فعند ذكر الصحابِي لا ترى إلا الطعن أو التكفير، وأحيانًا اللعن، إلا عددًا قليلاً فيقولون عند ذكر أبِي ذر مثلاً أو الْمُقداد:"-رحمه الله-".
وعند ذكر علي يقولون:"- عليه السلام-"!
وكذلك عند ذكر أيِّ واحد من الأئمة الإثني عشر عندهم يقولون:"فلان -عليه السلام-"، ويلتزمون ذلك، وجعلوه شعارًا لَهُم!
فأنا لا أجاريهم فِي ذلك، فأقول عند ذكر عليّ:"-رضي الله عنه-"؛ أسوةً بإخوانه الكرام من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإذا ذُكِرَ أحدٌ من أئمة أهل البيت أقول عند ذكره:"(1/44)
-رحمه الله-"، وإن قال الرافضي:"- عليه السَّلام-" فلا أجاريه فِي غلوِّه وشعاره، بل أسوِّيه بغيْره من علماء الْمُسلمين وفُضَلائهم وسائر الْمُسلمين.
فعلى هذا الأساس تعاملت مع غلوِّ القوم وجفائهم فيما نقلته عنهم وناقشته.
الثاني: لاحظت فِي معظم تفسير القمي أنه إذا شرع فِي تفسير الآية يقول:(قوله) ثُمَّ يسوق الآية، ولا يقول:"قول الله تعالى"، أو:"قول الله -عزَّ وجلّ-"، أو:"قول الله -تبارك وتعالى-"، مِمَّا يشعر القارئ أنَّ الرجل لا يعظِّم الله -تبارك وتعالى-! بينما هو لا يذكر أحدًا من أئمة أهل البيت إلا ويقول -عليه السلام-!!
الثالث: أقصد بهذا الكتاب شيوخ الرفض القدامى الذين أسَّسوا مذهب الرفض الذي يهدم الإسلام، ويتحرى هدم أصوله قبل فروعه، وينشئ أصولاً مدمرة تدمر الإسلام -كتاباً وسنة- وحملته من سادة القرون والأمم وخيارها بعد الأنبياء ألا وهم أصحاب محمَّد النُّجباء الذين اختارهم الله لصحبة نبيه خاتم الأنبياء وسيد الرسل ونصرته وحمل رسالته وتبليغها ونشرها باللسان والحكمة والبيان، والسيف والسنان، وملؤوا الدنيا عدلاً وإيماناً وأخلاقاً بصورة لا نظير لها في التاريخ البشري.
أقصد بما تضمنه هذا السفر من دفاع عن الكتاب والسنة بيان حال أعدائهم الألداء، وبيان دسهم ومكائدهم وافترائهم على الله وعلى كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وعلى رأس هؤلاء الأعداء مَنْ صَال وجَال على نصوص القرآن بالتحريف والإفك، وصَال وجَال على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بالطعن والتشويه والتكفير، مثل: علي بن إبراهيم القمي صاحب تفسير القمي المشهور المتوفى في حدود (307)، ومثل أبيه وشيوخه في التحريف والإفك، ومثل محقق هذا الكتاب (تفسير القمي ) ألا وهو المسمى بالطيب الموسوي الجزائري، وما هو بالطيب وما أبعده عن الطيب.
لقد غلا هذا الرجل في القمي وكتابه وأشاد به كما تراه في مقدمته الرافضية لهذا الكتاب.(1/45)
ومن إطرائه لتفسير القمي قوله بعد طرة الكتاب:"هو من أقدم التفاسير التي كشفت القناع عن الآيات النازلة في أهل البيت -رضي الله عنهم-".
والحق أنَّ القمي وشيوخه قد افتروا لأهل البيت هذه الآيات، وشوهوا كتاب الله بهذه الافتراءات التي يرفضها كتاب الله ويرفضها المؤمنون على امتداد التاريخ الإسلامي.
وأقصد النضر بن محمد بن مسعود العياشي صاحب التفسير المشهور عند الروافض المتوفى (320)، وشيوخه الأفاكين، ومحقق كتابه المسمى بهاشم الرسولي المحلاتي، ومن استقى من هذا الكتاب ما فيه من أكاذيب على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتحريفات لكتاب الله، وطعن في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مثل: المجلسي صاحب كتاب "بحار الأنوار" أو الظلمات، والحر العاملي صاحب "وسائل الشيعة"، وهاشم البحراني صاحب كتاب "البرهان"، والفيض الكاشاني صاحب كتاب "الصافي".
وأقصد محمد بن يعقوب الكليني الرازي المتوفى سنة (328-329) صاحب كتاب "الكافي"، ومحقق هذا الكتاب والمعلق عليه علي أكبر الغفاري، ومن دان بدينهم وسار على نهجهم من السابقين واللاحقين في تكفير أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وآمن بما يبهتهم به رؤوس الرفض من التحريف لكتاب الله وظلمهم لأهل البيت واغتصاب حقهم من الولاية والوصاية.
أقصد هؤلاء جميعاً وأعتقد أنهم كفار زنادقة، وقد كَفَّر علماء الإسلام من يكفِّر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف إذا كفرهم وأضاف هذه العقائد والأفاعيل العظيمة من تحريف كتاب الله وغيره مما رأيته وستراه في هذا السفر الذي أسأل الله أن ينفع به المسلمين وأن يرفع به إفك الأفاكين وظلم الظالمين وأن يجعله في ميزان حسناتي إنه سميع الدعاء.(1/46)
وهؤلاء الروافض يكفِّرون أهل السنة، ويرون أنهم أكفر من اليهود والنصارى، ويتعاونون مع كل عدو ضد المسلمين، فهم الذين خدعوا الخليفة العباسي وخانوه وجلبوا التتار بطرقهم الماكرة لقتله وإسقاط خلافته، فقتلوه وقتلوا الألوف من المسلمين، وأحرقوا وأغرقوا الكتب الإسلامية، ورفعوا من شأن الفلسفة وكتبها، ورفعوا من شأن النصارى وغيرهم من الكفار.
ولهم مواقف في نصر النصارى على المسلمين.
وفي العصر الحديث ساعدوا الأمريكان ضد حكومة طالبان والشعب الأفغاني بجيوشهم وإمكاناتهم وهم يفخرون بهذا! وهم الذين جلبوا الجيوش الأمريكية لاحتلال العراق ثم لإقامة دولتهم فعلام يدلُّ كلُّ هذا؟!
وهم في هذه الأيام يذبحون في أهل السنة في العراق، ويخربون مساجدهم ويستولون عليها، وكم أبادوا من أهل السنة بطريقتهم الوحشية التي يأنف منها اليهود والنصارى.
وهم أشد حقداً على المسلمين من اليهود والنصارى، ولهم مخططات هم ساعون وجادون في تنفيذها، والعجب كل العجب من كثير من أدعياء السنة أنهم يتباكون على الحزب الرافضي المسمى بـ(حزب الله)! في لبنان الذي أوجد المبررات لليهود لقتل الشعب اللبناني وتشريده وتدمير بناه ومؤسساته، ويتغافلون عن عمليات الإبادة التي يقوم بها الروافض من أشهر في العراق ضد أهل السنة، ولم تقف مخططاتهم ولن تقف عند حد مهما تباكى لهم التائهون العميان الجاهلون بتاريخ الروافض وعقائدهم وواقعهم ومخططاتهم المهلكة ضد المسلمين لا ضد اليهود والنصارى ولا غيرهم.
ونحن ضدّ اليهود، ونحث المسلمين على اجتماع كلمتهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى إعداد العدة لتحرير فلسطين بالإسلام الذي فُتِحَت به، لا بدين الروافض ولا بأيديهم الملوثة بالخيانات والغدر وبدماء المسلمين.(1/47)
وإليك أيها القارئ الكريم ما وعدتك به من بيان إفك الروافض الباطنية وتحريفهم الشنيع لكتاب الله والافتراءات الكثيرة على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى الصحابة وأهل البيت النبوي وسترى من إفكهم وتحريفهم مالا يخطر بالبال ولا يدور بالخيال.
بداية الرد على القمّي والعياشي ومن شايعهم وسار على نهجهم
ميزة هذا الكتاب
لقد تكلَّم الكثير من علماء السنَّة عن عقائد الرَّوافض وفصَّلوا فيها، ونِعْمَ ما فعلوا، فجزاهم الله خيرًا.
غير أنَّ كتابي هذا يبيِّن تحريف الرَّوافض لنصوص القرآن، ذلكم التَّحريف الذي لم يفعله اليهود ولا النَّصارى، ويكشف عقائدهم وأكاذيبهم عند كلِّ آية تناولوها بالتَّحريف، وهي كثيرةٌ جدًّا، ثمَّ يتوقَّحون فينسبون ما اقترفوه من التَّحريف والزِّيادة والنُّقصان إلى أصحاب محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم الأمناء الشُّرفاء الأبرياء الأطهار، وبهذا العمل يظهر جسامة وهول ما ارتكبوه في حقِّ الله تعالى وحقِّ كتابه ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وحقِّ عقيدة التَّوحيد.
ويكشف أكاذيبهم على أهل البيت، ولا سيَّما جعفر الصَّادق وأبوه محمَّد بن عليّ الباقر، ويكشف إسرافهم في الكذب على أصحاب محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم وإغراقهم في الطَّعن فيهم وتكفيرهم، ولا سيَّما الخلفاء الرَّاشدون، والحكم عليهم بأنَّهم أهل النَّار خالدين فيها أبداً! وأنَّ الجنان والنَّعيم للرَّوافض! وتكفيرهم للأمَّة؛ لمخالفتهم لأصولهم الباطلة المفتراة، الأمور التي لا يحتملها أقل النَّاس دينًا فضلاً عن حملة الإسلام وعلماء الأمَّة الغيورين على دين الله وعلى كتابه ورسوله والصَّحابة الكرام.
هذا ولم يتأتَّ لي استعراض ونقد كلّ ما اقترفوه من تحريف نصوص القرآن؛ لبعض المعوِّقات.
أسأل الله أنْ يهيِّء لي استكمال ما قمت به، وأسأله تعالى أنْ يجعل هذا العمل في صحيفة أعمالي، إنَّه جوادٌ كريم، وبرٌّ رحيم.
(تفسير سورة الفاتحة)(1/48)
تفسير القمي (1/28-29) (سورة الفاتِحَة):
تفسير قوله تعالى:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }(الفاتحة:6)، قال: الطريق إلى معرفة الإمام. نُسِب هذا إلَى أبِي عبد الله؛ يعني جعفر الصادق حيث قال:
وعن أبِي عبد الله: الصّراط المستقيم هو أمير المؤمنين، والدليل على أنه أمير المؤمنين قوله:{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}(الزخرف:4)، وهو أمير المؤمنين -رضي الله عنه- فِي أم الكتاب".
أقول:
وهذا تَحْريف شنيع لكتاب الله، مُخالف للسياق الظاهر الواضح؛ فقد بيَّن الله مراده بالصِّراط المستقيم بقوله:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صراط الذين أنعمت عليهم}(الفاتحة:6)، والذين أنعم عليهم هم مَنْ نَصَّ عليهم ربنا تبارك وتعالى في قوله المحكم:{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}(النساء:69).
فهذا يشمل كلّ الأنبياء والرسل وكل الصديقين والصالحين من أتباع الرسل ومن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة.
انظر كيف يفسر الروافض كتاب الله بأهوائهم الجامحة؟! فلو أنَّ مسلماً التزم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عقيدة وعمل صالح ولم يعرف علياً -رضي الله عنه- لما ضره ذلك.
لا يُسأل أحد يوم القيامة بل ولا في القبر عن علي -رضي الله عنه-، وإنما يسأل الله الناسَ عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمّا جاء به.
وقوله:"والدليل على أنه أمير المؤمنين قوله:{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }(الزخرف:4). وهو أمير المؤمنين في أم الكتاب".
أقول:(1/49)
إن هذا تحريف شديد وتلاعب بكتاب الله؛ فهذا إنما هو وصف للقرآن الكريم، قال تعالى:{حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ. إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}(الزخرف:1- 4)، فَحَمْلُ قوله تعالى:{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من التحريف والافتراء على الله وكتابه!!
وقال العياشي في تفسير قول الله تعالى:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}(الفاتحة:6) عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله قال:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}:"يعني أمير المؤمنين".
وفي تفسير قوله تعالى:{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}(الفاتحة:7)، قال: عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله:{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} قال:"هم اليهود والنصارى".
عن رجل عن ابن أبي عميرة رفعه في قوله:{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}.
وهكذا نزلت قال: المغضوب عليهم فلان وفلان وفلان والنُّصَّّاب والضالين الشُكَّاك الذين لا يعرفون الإمام" ( 1/24).
وقوله: (رفعه) الظاهر أنه يريد إلى أبي عبد الله جعفر الصادق، وبرّأه الله من سلوك طرق اليهود في التلاعب بكتاب الله، أتدري ماذا يريد هذا الرافضي الباطني بقوله:( فلان وفلان وفلان ) ؟! إنه يريد بهم أبا بكر وعمر وعثمان أفضل خلق الله بعد الأنبياء، ومكانتهم معروفة لدى أمة الإسلام.
والنُّصَّاب الظاهر أنه يريد بهم من يزعم الروافض أنهم أعداء أهل البيت الذين يسمونهم بالنواصب وهم الصحابة ومن تبعهم.
إنَّ سورة الفاتحة مكية، فإذا كان المراد بالمغضوب عليهم هؤلاء الثلاثة، فلماذا هاجروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟!
ولماذا استصحب أبا بكر معه في الغار والهجرة؟!(1/50)
ولماذا تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنتي أبي بكر وعمر؟!
ولماذا زوَّج ابنتيه عثمان؟!
ولماذا كان يستصحبهم في سفره وحضره وغزواته؟!
ولماذا كان يقدم أبا بكر في الصلاة؟!
ولماذا يؤمره في السنة التاسعة على الحجيج ويقدمه للصلاة بالصحابة في مرض موته؟!!
لماذا كل هذا وغيره من معاملة رسول الله لهم وهو يعلم أنهم مغضوب عليهم وضالون؟!!
إن هذا - والله - لطعن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يستحيل عليه ما هو دون هذا بمئات المراحل!!
(تفسير سورة البقرة)
قال القمي عند تفسير قوله تعالى:{الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}:"روى بإسناده إلى أبي عبد الله -رحمه الله- قال: الكتاب علي -رضي الله عنه- لا شك فيه، (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) قال:"بيان لشيعتنا"(1/30).
وقال العياشي (1/25-26):"عن سعدان بن مسلم عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله في قوله: (الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ) قال:"كتاب علي لا ريب فيه" (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) قال: المتقون شيعتنا، (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) ومما علمناهم ينبئون.
قال المحقق في الحاشية: (1) البحار ج 21:21. البرهان ج1/ 53. الصافي ج1 :58-59.
أقول:
وهكذا يفسر الروافض كتاب الله؛ الكتاب:(عليّ لاشك فيه)! والمتقون: هم الشيعة!! والصَّحابة وسائر المؤمنين يطاردون بل هم الضالون والمغضوب عليهم والمنافقون وأهل النار عند الروافض، ألا قاتل الله أعداء الله ورسوله والمؤمنين.
تفسير القمي الآيتين ( 26-27) (1/35) (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ):
قال : وحدثني أبي عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله -رحمه الله-(1/51)
أن هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين -رضي الله عنه- فالبعوضة أمير المؤمنين وما فوقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والدليل على ذلك قوله: (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) يعني أمير المؤمنين كما أخذ رسول الله الميثاق عليهم له (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) فرد الله عليهم فقال:(وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ) في علي، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، يعني من صلة أمير المؤمنين -رضي الله عنه- والأئمة -رحمهم الله-0 (وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
أقول :
لا شيء أصغر ولا أحقر من البعوضة، فتفسير البعوضة بعليٍّ، وما فوقها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحقيرٌ ما بعده تحقير، واستخفافٌ ما وراءه استخفاف، وتحريف لكتاب الله وأهدافه العظيمة إلى أهداف الباطنية الحقيرة التافهة!!
ومن أهداف الباطنية بهذا التحريف تكفير أفضل خلق الله بعد الرسل وأقوم الأمم بدين الله الحق وبهذا القرآن العظيم عقيدةً وعبادةً وجهاداً، الأمور العظام التي لم يسبقهم بعد الأنبياء بها سابق ولا يلحقهم فيها لاحق!
وفي الآيتين مدحٌ للمؤمنين عموماً وعلى رأسهم أصحاب محمد، فإذا ضرب الله مثلاً في القرآن آمَنوا به، وقالوا عن القرآن: إنه الحق، وذمٌّ للكافرين والمنافقين الذين يكذبون بالقرآن وما فيه من الأمثال ويستنكرونها والذين ينقضون عهد الله ؛ أي عهوده، ويقطعون كلّ ميثاق أبرموه مع الرسول صلى الله عليه وسلم أو مع غيره حتى فيما بينهم.
فأيّ عهد نقضه أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟! وأيّ أَمْرٍ أَمَر الله به أن يوصل فقطعوه أيها الزنادقة؟!(1/52)
إنَّ تحويل رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - الشاملة للناس جميعاً ولمصالحهم في دنياهم وأخراهم ودرء كل شر عنهم في دينهم ودنياهم إلى عليٍّ ووصايته المفتراة على الله لَزَندقةٌ واضحة تهدف إلى إبطال رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتصويرها في أسوأ الصور، وهي العصبية العمياء لعليٍّ وأهل بيته وأنَّ الله ما بعث محمداً إلا لتحقيق هذه العصبية العمياء التي لا نظير لها في العصبيات المتنكرة لأصحابه الذين قدّموا مهجهم وأموالهم لنصرة دين الله وإعلاء كلمته.
أيها الضلال الأغبياء متى تم هذا الميثاق؟(1)ومتى حصل نقض ميثاق الوصاية بالإمامة لعليٍّ وبعض أهل بيته ونقض هذا الميثاق أفي العهد المكي أو من أول العهد المدني؟!
إنَّ نزول سورة البقرة لفي أول العهد المدني فكيف بقيت العلاقة بين رسول الله وبين أصحابه وطيدة على أكمل وأروع الصور وهم كفار ومنافقون؟!
ومن أجرأ الناس على نقض المواثيق كما يصورهم الروافض؟!!
والله ما جنى على الإسلام وافترى على القرآن ومحمّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه وآل بيتِه مثل الروافض الباطنية لا يهود ولا نصارى ولا منافقون!!!
قال:"قوله:(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ) قال: يعني (أبا عبد الله) نزلت في القصاص والخطّاب وهو قول أمير المؤمنين -رضي الله عنه- وعلى كل منبر منهم خطيب مصقع يكذب على الله وعلى رسوله وعلى كتابه"، واستشهد بأبيات شعرية.
أقول:
إنَّ الآية فيها خطاب لليهود فيحولها الباطنية الروافض إلى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسهم أصحابه؛ لأنَّ اليهودية أصل نحلتهم ومنبعها!!
__________
(1) يزعم الأفاكون أنَّ هذا الميثاق حصل في عالم الذر! وأحياناً يقولون في غدير خم! وهذا وذاك من إفك الباطنية.(1/53)
وقال القمي (1/48) في تفسير الآية (48) (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)، قال: وهو قوله: والله لو أن كل ملك مقرب أو نبي مرسل شفعوا في ناصب ما شُفِّعوا ".
أقول :
إنَّ الآية خطاب لليهود وإن كانت تشمل غيرهم، لكنه أغفل اليهود، فلماذا؟!
وحرف الآية إلى ما يسميه الروافض بـ (النواصب): أي الصحابة ومن سار على نهجهم في صدق الإيمان والتوحيد والاحترام لأهل البيت فيجعلون منهم أعداءً لله أكثر من اليهود والنصارى، وينزلون آيات الكفر والوعيد عليهم!!
ووالله ما قال هذا الإفك عليٌّ ولا غيره من أهل بيته الكرام، وإنما يقوله زنادقة الروافض.
تفسير العياشي لقول الله تعالى:(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) الآية (37) (1/41) قال:
"عن عبد الرحْمَن بن كثير عن أبِي عبد الله -رحمه الله- قال إنَّ الله تبارك وتعالى عرض على آدم في الميثاق ذريته. فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على عليٍّ -رضي الله عنه- و فاطمة -رضي الله عنها-تتلوهما و الحسن و الحسين -رضي الله عنهما- يتلوان فاطمة فقال الله: يا آدم إياك أن تنظر إليهم بحسد أهبطك من جواري، فلما أسكنه الله الجنة مَثَّل له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم و علي و فاطمة و الحسن والحسين -رضي الله عنهم-، فنظر إليهم بحسد ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها، فلما تاب إلى الله من حسده وأقر بالولاية ودعا بحق الخمسة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم
وعلي وفاطمة والحسن والحسين -رضي الله عنهم- غفر الله له، و ذلك قوله ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) الآية".
وأحال المحقق على البحار والبرهان.
أقول:(1/54)
1- برأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك والتحريف لكتاب الله والافتراء على الله الذي يتضمن تكفير نبي الله آدم بإنكاره للولاية، وإنكارها عند الروافض كفر.
2- رمي آدم بالحسد لأهل البيت وهو من أقبح الأخلاق وأشدها ذمًا.
3- وعلى هذا يكون آدم قد سبق الشيطان إلى الكفر والحسد على منطق هؤلاء الضالين الباطنيين.
4- فيه تكذيب للنصوص القرآنية التي نص الله فيها على أنَّ معصية آدم وزوجه إنما كانت بأكلهما من الشجرة التي نهاهم الله عن الأكل منها فأزلهما الشيطان فأكلا منها.
قال تعالى: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ* فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة:(35-37).(1/55)
وقال تعالى: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ*وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ* قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ* قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)الأعراف: (19-24).
ففي هذه الآيات نصٌّ واضحٌ على أنَ معصية آدم وزوجه إنما كانت لأكلهما من الشجرة، وأنَّ ذلك كان بسبب كيد الشيطان ووسوسته لهما وتزيينه لهما الأكل من هذه الشجرة وتأكيده لهذا الإغراء والتزيين بالإقسام أنه لهما لمن الناصحين.
وفي الآيات بيانٌ للكلمات التي تلقياها من ربهما وهو قولهما:(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) لا التوسل بأهل البيت الذي افتراه هؤلاء الباطنيون.(1/56)
- تفسير قوله تعالى:(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، قال العياشي (1/41-42):"عن جابر قال: سألت أبا جعفر رحمه الله عن تفسير هذه الآية في باطن القرآن (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) قال: تفسير الهدى عليٌ -رضي الله عنه- قال الله فيه (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)".
أقول:
ومراده أنَّ الروافض هم أتباع عليٍّ، وأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون! وأما غير الروافض -وعلى رأسهم الصَّحابة- فمصيرهم إلى النار!! انظر إلى هذا التحريف والتلاعب.
الخطاب لذرية آدم -عليه السلام- من عهده إلى قيام الساعة، والهدى ماجاءت به رسل الله من الكتب ومنها القرآن، فحوَّلها الباطنية إلى هذا المعنى الضيق المفترى على الله!!
وقال في تفسير الآيتين (40-41):
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (البقرة: 40 – 41)، قال: عن سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله:(أَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) قال: "أوفوا بولاية علي فرضاً من الله أوف لكم الجنة". وأحال المحقق على البحار والبرهان وإثبات الهداة.(1/57)
وقال:"عن جابر الجعفي قال سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن تفسير هذه الآية في باطن القرآن (وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ) يعني: فلاناً وصاحبه ومن تبعهم ودان بدينهم، قال: الله يعنيهم (وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ) (يعني عليًّا).
وأحال المحقق على البحار والبرهان والوسائل.
انظر إلى هذا الإلحاد والزندقة في تفسير كتاب الله!!
الخطاب لليهود في هاتين الآيتين وما بعدهما واضح كالشمس، يأمرهم الله بالإيمان بالقرآن المصدق للتوراة وينهاهم عن الكفر بالقرآن ومحمّدٍ صلى الله عليه وسلم، فيحرف الباطنيون معاني هذه الآيات الكريمات إلى عقيدتهم الملحدة المتسترة بعليٍّ -رضي الله عنه- ورمي الصحابة -رضي الله عنهم- بالكفر وعلى رأسهم أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-!!
قال العياشي في تفسير الآية (47) (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) قال عن هارون بن محمد الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) قال: هم نحن خاصة.
عن محمد بن علي عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: سألته عن قوله (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) قال: هي خاصة بآل محمد -رضي الله عنهم-.
عن أبي داود عمن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا عبد الله؛ اسمي أحمد وأنا عبد الله؛ اسمي إسرائيل فما أمره فقد أمرني وما عناه فقد عناني".
وأشار المحقق إلى: البرهان ج1: 95 . البحار (ج7- 178).
أقول:
إنَّ بني إسرائيل الذين يخاطبهم القرآن المراد بهم اليهود، فمن يرضى من المسلمين أن يقول:(إنِّي من بني إسرائيل) ؟!! فكيف بآل محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم؟؟!!!(1/58)
كيف وقد ذمَّهم الله في القرآن كثيراً ومن ذلك قول الله تعالى:{وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}(المائدة:60).
كيف وهم قتلة الأنبياء؟! و{كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ}(المائدة:70).
وقال الله عنهم:{وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}(البقرة: 93).
وقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(يا إخوان القردة والخنازير).(1)
إنَّ هذا العمل من الرَّوافض ليدل على أنَّ هناك صلة بينهم وبين اليهود وأنَّهم يتقربون إليهم بوصف آل محمد بأنَّهم: بنو إسرائيل!!!
والمسلمون يعتبرون هذا إهانة كبيرة لأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأقول:
إنَّ هذه الآية ضمن الآيات التي خاطب الله فيها اليهود الذين كفروا بالله ورسوله وكتابه، فكيف يقول أبو عبد الله: إنَّ المراد بني إسرائيل هم نحن خاصة؟! وكيف يقول مرة أخرى: هي خاصة بآل محمد؟! ووالله ما قال رسول الله: أنا إسرائيل.
إنَّ المطلع على افتراءات الرَّوافض على الله وعلى رسوله وعلى التحريف الرهيب لكتاب الله ليدرك أنهم فاقوا اليهود والنصارى في الكذب على الله والتحريف لكتاب الله وإلصاق هذا الكفر بعليّ -رضي الله عنه- وأهل بيته برَّأهم الله!!
__________
(1) - أخرجه الحاكم في المستدرك (3/37)رقم (4332)مرفوعا وفي إسناده عبدالله بن عمر العمرى وهوضعيف وله شاهد عن مجاهد مرسلاً .
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/150) .
وله شاهد أخر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلاً أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (5/370).(1/59)
قال تعالى مخبراً عن تمرد بني إسرائيل على نبيهم:{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ* فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}(البقرة:58- 59).
قال العياشي في تفسيره (1/45):"عن سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن الرضا -رحمه الله- في قول الله:(وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) قال: فقال أبو جعفر -رحمه الله-: نحن باب حطتكم.
عن أبي إسحاق عمن ذكره (وَقُولُواْ حِطَّةٌ) مغفرة، حطّ عنا أي اغفر لنا.
عن زيد الشحام عن أبي جعفر -رحمه الله- قال:نزل جبرائيل بهذه الآية (فبدل الذين ظلموا) آل محمد حقهم (غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا) آل محمد حقهم (رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون).
عن صفوان الجمّال عن أبي عبد الله قال: قال الله لقوم موسى:(أدخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم) الآية".
وأشار المحقق إلى البحار (ج7/26) وج 7-277) و 7-136 والصافي ج1-96.
أقول :
1- برَّأ الله أبا عبد الله من هذه الافتراءات؛ فالآيتان في بني إسرائيل ومخالفتهم لموسى وبيان ما أنزل بهم من عقوبة على مخالفتهم وتبدليهم لقول الله ولا دخل لآل محمد فيها، فمن أكبر الكذب على الله أن يُقال أنها نزلت فيمن ظلمهم قبل أن يُولدُوا!!
2- من الكفر والكذب ما زاده هذا الرافضي في الآية: ظلموا آل محمد حقهم وأنه نزل بها جبريل، وهذا أخبث من تبديل بني إسرائيل لكلمة حطة.
وقال القمي ( 1/48):"وقوله (قولوا حطة) أي حط عنا ذنوبنا، فبدلوا ذلك وقالوا حنطة.(1/60)
وقال الله:(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ - آل محمد حقهم (رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)".
قال مصحح الكتاب والمعلق عليه السيد الطيب الموسوي الجزائري الملقب بحجة الإسلام معلقاً بقوله:
"وتفسير هذه الكلمة كما في تفسير الإمام العسكري -رحمه الله- أنه قيل لهم بالانقياد لولاية الله ولولاية محمد صلى الله عليه وآله وعليّ -رضي الله عنه-وآلهما الطيبين وأنهم لما لم ينقادوا وظلموا حق الله وحق محمد صلى الله عليه وسلم وآله أنزل الرجز عليهم من السماء".
أقول:
سبحان الله! الروافض تلاميذ ابن سبأ والأفاكين المحرفين لكتاب الله الرافضين لسنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم القائم دينهم على الأكاذيب والأساطير ينقادون لحقّ الله ولحقّ محمد - صلى الله عليه وسلم - ولحقّ آله!!
والصَّحابة إخوان رسول الله وأحباؤه وثمار تربيته العالية الفذّة على الإيمان والتوحيد والإخلاص لا ينقادون لله ولا لرسوله ولا للقرآن ولا لحق آل محمد الذي شرعه الله!!
إنَّ هذا لطعن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت ستار موالاة أهل البيت وحقوقهم التي افتراها الروافض ليتأكّلوا بها وليتوصلوا بها إلى مطامعهم السياسية وسفك دماء المسلمين وتكفيرهم واستحلال أموالهم!!(1/61)
ثم إنَّ الآيتين إنما هما في بني إسرائيل الذين أنزل الله عليهم الرجز وهو العذاب عقب عصيانهم فمتى نزل الرجز على أصحاب محمد؟! أما قال الله فيهم بعد نزول هذه الآيات في آخر حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة التوبة آية (100).
ونزل بعد هذه السورة (سورة البقرة) سور فيها تزكيات عطرة لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - منها قول الله تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}(الفتح:29)، ومنها قول الله تعالى:{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}(الحشر: 8).
- قال القمي في تفسير الآية (63) (1/51) {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ}(البقرة:84):(1/62)
"قال: وإنما نزلت في أبي ذر -رحمة الله عليه- وعثمان بن عفان وكان سبب ذلك لما أمر عثمان بنفي أبي ذر إلى الربذة دخل عليه أبو ذر وكان عليلاً متوكئاً على عصاه وبين يدي عثمان مائة ألف درهم قد حملت إليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون ويطمعون أن يقسمها فيهم فقال أبو ذر لعثمان: ما هذا المال؟ فقال عثمان: مائة ألف درهم حملت إليَّ من بعض النواحي أريد أن أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي، فقال أبو ذر يا عثمان! أيما أكثر مائة ألف درهم أو أربعة دنانير؟ فقال عثمان بل مائة ألف درهم ... إلخ".
أقول:
سبحان الله! نزلت هذه الآية في أبي ذر بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عهد عثمان أي بعد سنة أربع وعشرين ولعلها بعد الثلاثين من الهجرة.
فمن هو النبي الذي نزل عليه هذا القرآن؟!
ما أعلم هذا الرجل بالقرآن وأسباب نزوله وأوقات نزول الآيات!! ألا ما أجهل الروافض وما أسهل الكذب عليهم! الكذب على الله وعلى رسوله وعلى القرآن!
وعلق العلامة (!) حجة الإسلام الجزائري على هذا الكلام أن قصة عثمان وأبي ذر نالت من الشيوع والظهور مالا يكاد يخفى على من له مساس بالتاريخ ثم أحال على مصادر تاريخية؛ قال هذا مؤيداً لهراء القمي وكذبه في سبب نزول الآية وأنه أمر عثمان بنفي أبي ذر إلى الربذة.
ومن المصادر التاريخية التي أحال عليها: صحيح البخاري مع عمدة القاري، والطبقات لابن سعد، ومصادر شيعية غالية تذكر القصة (قصة أبي ذر مع عثمان) مليئة بالكذب وبدون أسانيد وهي تضر أبا ذر -رضي الله عنه- أكثر مما تضر عثمان، وسأنقل قصة أبي ذر مع عثمان عن أوثق المصادر التي أحال عليها هذا الرجل.(1/63)
قال الإمام البخاري في صحيحه (1406) من كتاب الزكاة: حدثنا علي سمع هشيما قال: أخبرنا حصين عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر -رضي الله- عنه فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان -رضي الله عنه- يشكوني، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذاك لعثمان، فقال لي: إنْ شئتَ تنحيتَ فكنتَ قريبا، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمَّروا عليَّ حبشيا لسمعت وأطعت.
وأخرج البخاري القصة مختصرة في التفسير حديث (4660)، ونحوه في الطبقات لابن سعد (4/226).
فكم الفرق بين نقل الثقات الأمناء وبين الحاقدين؟!
ثم يرى القارئ رفق عثمان بأبي ذر -رضي الله عنهما-، ويرى أدب أبي ذر مع عثمان -رضي الله عنهما-.(1/64)
ونقل البخاري بإسناده حديثاً آخر عن الأحنف بن قيس، قال الأحنف: جلست إلى ملأ من قريش فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم، ثم قال:"بشِّر الكانزين برضف يُحمى عليه في نار جهنم، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل" ، ثم ولى فجلس إلى سارية وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو، فقلت: له لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت، قال: إنهم لا يعقلون شيئاً، قال لي خليلي، قال: قلت: من خليلك؟ قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لِمَ يا أبا ذر، أتبصر أُحُداً"، قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار وأنا أرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرسلني في حاجة له، قلت: نعم، قال: ما أحب أنَّ لي مثل أُحُدٍ ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير"، وإن هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله. رواه البخاري في صحيحه: باب ما أدى زكاته فليس بكنز، (الصحيح باب ما أدى زكاته فليس بكنز (1407-1408)، وأخرجه مسلم في صحيحه: باب في الكنازين للأموال والتغليظ عليهم (2195).
فترى في هذا الحديث رأي أبي ذر -رضي الله عنه- وما فيه من دعوة إلى الزهد في الدنيا.
فهل شيوخ الروافض قد أخذوا بمذهب أبي ذر في هذا الزهد؟!
أما أهل السنة فيرون أن من استطاع أن يتزهد مثل أبي ذر فله ذلك، لكن الصواب مع إخوانه من الصحابة أنَّ المال إذا أديت زكاته وأخرجت منه الحقوق الواجبة فليس بكنز، ولهم أدلتهم على ذلك و-رضي الله عن الصَّحابة أجمعين-.
وأقول:(1/65)
ثم الظاهر من إشارة عثمان على أبي ذر بالتنحِّي إلى قريب من المدينة الرفق بأبي ذر والشفقة عليه من أذى بعض السفهاء وإساءتهم إليه وشماتتهم به؛ لأن الناس كثروا عليه كأنهم لم يروه قبل ذلك استغرابًا لرأيه؛ فليس هناك أسهل من أن يبتعد بنفسه عن أذى الناس، -رضي الله عن عثمان الرفيق الرحيم-، وعن أبي ذر المؤدّب الطائع الواثق بعثمان.
قال الحافظ:(وروينا في فوائد أبي الحسن بن حذلم بإسناده إلى عبد الله بن الصامت قال: دخلتُ مع أبي ذر على عثمان فحسر عن رأسه فقال: والله ما أنا منهم - يعني: الخوارج -، فقال: إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة، فقال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي بالربذة، قال: نعم.
ورواه أبو داود الطيالسي من هذا الوجه دون آخره، وقال بعد قوله: ما أنا منهم ولا أدركهم، سيماهم التحليق، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت). (فتح الباري)(3/274).
ونحبُّ أن نذكر لفظ حديث أبي داود الطيالسي بكامله:
حدثنا شعبة قال: أخبرني أبو عمران سمع عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: لما قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال: يا أمير المؤمنين، أتحسب أني من قوم، والله ما أنا منهم، ولا أدركهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يرجعون إليه حتى يرجع السهمُ على فوقه، سيماهم التحلق؛ والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي، ولو وثقتني بعرجون في قدمي ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلني).[مسند الطيالسي:451]، وهذا إسناد صحيح.
وهذه الروايات الصحيحة تقطع ألسنة المتخرصين والمتخبطين في قضية أبي ذر -رضي الله عنه- ، وتقطع دابر تلك الدعاوى الباطلة بأنَّ عثمان الخليفة الراشد -رضي الله عنه- قد نفى أبا ذر إلى الربذة، ألا ساء ما يظنّون(1).
__________
(1) انظر كتابي مطاعن سيد قطب في الصحابة (249-251).(1/66)
- الآية (124):{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}:
قال القمي في تفسيره (1/59):"هو ما ابتلاه الله مما أراه الله في نومه بذبح ولده فأتمها إبراهيم وعزم عليها فلما عزم وعمل بما أمره الله قال الله تعالى:(إني جاعلك للنَّاس إماماً) قال إبراهيم ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) لا يكون بعهدي إمام ظالم".
ويقصد بذلك الخلفاء الثلاثة ومن سار على دربهم، وقد علق مصحح الكتاب المسمى بحجة الإسلام الجزائري على قول القمي:(هو ما ابتلاه الله مما رآه في نومه) في الحاشية بقوله:"وفي تفسير الإمام العسكري -رحمه الله- مروياً عن الصادق -رحمه الله- أن المراد من تلك الكلمات؛ الكلمات التي تلقاها آدم -عليه السلام- من ربه فتاب عليه وهي أنه قال:(يارب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليَّ) قيل له يا ابن رسول الله فما يعني بقوله:فأتمهن قال يعني فأتمهن إلى القائم -رحمه الله-".
أقول: ما شاء الله! ما غفل عنه القمي يستدركه هذا الحجة بما فيه خرافة القائم!
وهل الأنبياء من عهد آدم يؤمنون بعقيدة الروافض بما فيها خرافة القائم ويتنزل القرآن بهذه العقيدة! وهل أهل البيت أفضل من خليل الله إبراهيم حتى يتوسل بهم؟!
فهل ترى افتراءً على الله وعلى كتابه وأنبيائه أشد من هذا الافتراء؟!
التوسل بالأشخاص من البدع التي تجر إلى الشرك، وبرأ الله منه آدم وإبراهيم وسائر الأنبياء.(1/67)
وقوله:(يعني فأتمهن إلى القائم)؛ كلامٌ سخيف، فالله ابتلى إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام- بشرائع من توحيد وأوامر ونواه، فقام بها على أتمِّ الوجوه وأكملها، فشكر الله له ذلك وأثنى عليه بهذه الآية، وبقوله تعالى في سورة النجم:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}، ونعوذ بالله من تحريف الروافض وإفكهم، فهل أحال إبراهيم بما كلفه الله من عقائد وشرائع إلى القائم الذي لا يوجد، فعلى هذا الإفك يكون إبراهيم قد تهرب عن القيام بما كلفه الله، وأحال بذلك إلى القائم المفترى، أليس هذا طعناً خبيثاً في إبراهيم؟ بلى، وهذا وأمثاله يدل العقلاء على أن الرافضة مفلسين من الإسلام وأن دينهم قائم على الكذب والتلاعب والتحريف لدين الله.
- قال العياشي في تفسير الآية (124) (1/57):"(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) قال: أتمهن بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وعليٍّ والأئمة من ولد عليٍّ -رضي الله عنهم-، في قول الله:{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وفسر قوله تعالى (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) بقوله قال:"يا رب ويكون في ذريتي ظالم؟! قال: نعم فلان وفلان وفلان ومن اتبعهم، قال: يا رب فعجل لمحمد وعلي ما وعدتني فيهما، وعجل نصرك لهما، وإليه أشار بقوله:{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، فالملة الإمامة" ... إلى أن يقول:"قال الله:(أُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، قال: يا رب ومن الذين متعتهم؟ قال: الذين كفروا بآياتي فلان وفلان وفلان".
أقول:(1/68)
سبحان الله! من عهد إبراهيم بدأ التنويه والعناية بمذهب الروافض الباطنية، فالكلمات الني أتمهن إبراهيم هي عليّ والأئمة من ولد عليّ، وليست عقيدة وعملاً وما يتبعها من الأمور المشروعة!!
والظالمون هم فلان وفلان وفلان ومن تبعهم، أي أبو بكر وعمر وعثمان -وقد نصَّ على ظلمهم من عهد إبراهيم- ومن تبعهم من أمة الإسلام من الصحابة والتابعين لهم بإحسان!! أما الروافض ولا سيما الباطنية فهم من أبرأ الناس من الظلم وأبعدهم منه، ألا إنه الغلو والشرك والكذب!!
وإبراهيم لا همَّ له إلا عليٌّ وما وعد الله من نصره لأجل الروافض!! ولا يغرنك ذكر محمَّد، فما هو إلاَّ ستارة يغطون بها أباطيلهم.
وملة إبراهيم التي تتابع عليها الأنبياء والرسل والكتب ما هي إلا الإمامة التي يدين بها الروافض وليست هي الدين الشامل للتوحيد ومحاربة الشرك والضلال والخرافات ..إلخ!!
- الآية (126) قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
قال العياشي في تفسيره (1/59):"عن عبد الله بن غالب عن أبيه عن رجل عن علي بن الحسين قول إبراهيم:(ربي اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله) إيّانا عنى بذلك وأولياءه وشيعة وصيه، فقال:(ومن كفر قال فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار) قال عنى بذلك من جحد وصيه ولم يتبعه من أمته وكذلك والله حال هذه الأمة).
أقول:
وهكذا يتعامل تلاميذ ابن سبأ مع القرآن، وهكذا يصوِّرون إبراهيم، لا همَّ له إلا الشيعة لا سيما إذا كانوا من الجنس الفارسي!
أما أمَّة محمد جميعها فمحكوم عليها بالكفر من عهد إبراهيم؛ لأنها لم تؤمن بعقيدة ابن سبأ اليهودي ولم تدن بعقيدة أفراخ اليهود!!(1/69)
- الآية ( 128)، ومنها قول الله تعالى مخبراً عن إبراهيم وإسماعيل أنهما قالا:{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}.
قال العياشي (1/60-61):"عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله قال قلت له: أمة محمد من هم؟ قال أمة محمد بنو هاشم خاصة قلت فما الحجة في أمة محمد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيره، قال قول الله:(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم* ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم)".
ثم واصل افتراءه على الله وعلى أبي عبد الله - برأه الله - وهو يريد بذلك إخراج أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من الإسلام وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار الذين
-رضي الله عنهم- ورضوا عنه، وما يدري أنه أخرج نفسه وروافضه من الإسلام من حيث لا يشعر، وما يدري أنه قد جحد رسالة محمد إلى العالمين، وأشار المحقق المصحح المحلاتي إلى البرهان والبحار والصافي مؤكداً ما قاله العياشي.
وقال العياشي في (1/61):" عن جابر عن أبي جعفر قال سألته عن تفسير هذه الآية من قول الله (إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً)، قال: جرت في القائم -رحمه الله-".
أقول:
أين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأين الصحابة وأين علي وأهل البيت بل أين أبناء يعقوب المخاطبون؟!(1/70)
برأ الله أبا جعفر من هذا الإفك، ووالله ما يعلم الغيب، ولا تحدث عن القائم ولا القاعد، ولا يدري ماذا يكسب غداً، وما هذا القائم إلا من افتراءات الروافض ليتأكلوا به ويأكلوا أموال الروافض الجهال باسمه وباسم الخمس الذي افتعلوه(1).
قال العياشي في تفسير الآية (136) (1/61-62):"عن الفضل بن صالح عن بعض أصحابه في قوله"(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط)، أما قوله (قولوا) فهم آل محمد، وقوله:(فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) فهم سائر الناس.
وعن سلام عن أبي جعفر في قوله:(آمنا بالله وما أنزل إلينا) إنما عنى بذلك علي والحسن والحسين وفاطمة وجرت بعدهم في الأئمة" أشار المحلاتي في الحاشية إلى البرهان والبحار والصافي.
أقول :
__________
(1) تحدث السيد حسين الموسوي في كتابه كشف الأسرار (ص65-73) عن الخمس وكيف تطورت أقوال الروافض إلى خمسة أطوار بحيث أن الفقهاء والسادة والمجتهدين منهم لا حقَّ لهم فيه وأنه حقٌّ خاصٌّ للإمام, ثم انتهى في الطور الأخير إلى أنه حقٌّ واجبٌ للفقهاء والمجتهدين, وهي أموال ضخمة جداً يتمتع بها هؤلاء الأحبار والرهبان.(1/71)
على الرواية الأولى أين رسول الله وأصحابه المؤمنون؟! وعلى الرواية الثانية أين رسول الله وصحابته الكرام وباقي أهل البيت من عهد الرسول إلى يومنا هذا؟! يا له من تحريف وتلاعب باطني بواضحات القرآن، فإنَّ الله تعالى يقول مخاطباً رسول الله وأصحابه:(فإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ) يعني الكفار من أهل الكتاب وغيرهم (بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ) يا أيها المؤمنون من الإيمان بجميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم (فَقَدِ اهْتَدَواْ) فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه (وَإِنْ تَوَلَّوْاْ) أي عن الحق إلى الباطل بعد قيام الحجة عليهم (فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ) أي فسينصرك عليهم ويظفرك بهم وهو السميع العليم، انظر تفسير ابن كثير (2/104-105) نشر دار الكتب.
وإذن فالخطاب في هذه الآية يبدأ بالرسول والمؤمنين جميعاً وينتهي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ووعده بالنصر والظفر على من يكفر بالله وبالرسل ويعاندهم.
تفسير الآية (138) قال تعالى بعد الآية السابقة:{صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ}.
قال العياشي ( 1/62):"عن عمر بن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي مولى أبي جعفر عن أبي عبد الله في قول الله (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً) قال: الصبغة معرفة أمير المؤمنين بالولاية في الميثاق" وأشار المحلاتي المحقق على البحار والبرهان والصافي.
لقد حُظِيَ الروافض وحدهم بهذه المنقبة وحرمها الصحابة الكرام ومن سار على نهجهم بل كفروا بعدم معرفتها!!
نقل ابن كثير عن ابن عباس وعدد من المفسرين أنَّ المراد بصبغة الله: دين الله، ويؤيده السياق القرآني.
وفسر القمي (صبغة الله) بالإسلام! ولعلها فلتة منه!(1/72)
- تفسير الآية (143) (1/63) قال القمي:"وأما قوله (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أي أئمة وسطا أي عدلاً وواسطة بين الرسول والناس والدليل على أن هذا مخاطبة للأئمة -رحمهم الله- قوله في سورة الحج (ليكون الرسول شهيداً عليكم) يا معشر الأئمة وتكونوا انتم شهداء على الناس وإنما نزلت: (وكذلك جعلناكم أئمة وسطاً)".
وقال القمي في تفسير سورة الحج ( 2/88):"وأما قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) فهذه خاصة لآل محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ،وقوله:(لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) يعني يكون على آل محمد (وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) أي آل محمد يكونوا شهداء على الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال عيسى ابن مريم:(وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) يعني الشهيد (وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وأن الله جعل على هذه الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - شهيداً من أهل بيته وعترته ما كان في الدنيا منهم أحد فإذا فنوا هلك أهل الأرض، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"جعل الله النجوم أماناً لأهل السماء وجعل أهل بيتي أماناً لأهل الأرض".
أقول:
أولاً – قوله:"وإنما نزلت أئمة وسطاً".
1- إن الآية مخاطبة لرسول الله وأمته وعلى رأسهم أصحابه الكرام بالقصد الأول وليس مخاطبة للأئمة؛ لأنهم لم يوجدوا بعد.
2- كَذِبٌ على الله وتكذيبٌ له حيث قال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.(1/73)
3- وفيه افتراءٌ على الصحابة بأنهم قد حرفوا القرآن.
4- وفيه طعن في إجماع الأمة على أن القرآن محفوظ فلم يزد فيه شيء ولم ينقص منه.
ثانياً – في هذه الآية بيانٌ لفضل هذه الأمة وخيريتها على سائر الأمم كما قال تعالى :{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.
والمراد بالوسط: أنهم عدول يقبل الله شهادتهم على الأمم، فتفسير كلمة "وسطاً" بأنَّ أهل البيت واسطة بين النبي والناس تحريفٌ وكذبٌ على الله وعلى رسوله ودفعٌ للأمة عن مكانتها، وقد فسَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هذه الكلمة، فقد روى الإمام أحمد عن أبي معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) قال:"عدلاً" المسند (3/9).
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يُدعَى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد! فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته، قال: فذلك قوله جل ذكره:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) قال: الوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم" المسند ( 3/32)، ورواه البخاري في التفسير، باب "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" حديث (4487)، والأنبياء (3339)، والترمذي في التفسير (2921)، ورواه النسائي وابن ماجه.
والآية من سورة الحج تؤكد ما دل عليه قوله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً).(1/74)
فلقد اجتبى الله أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - واصطفاها وفضلها على سائر الأمم وأكرمها بأعظم رسولٍ وأكملِ رسالة وقاموا بما كلفهم الله به من الرُّكوع والسُّجود وفعل الخير والجهاد في سبيله حتى فتحوا معظم المعمورة في وقتهم، وهدى الله على أيديهم أمماً وشعوباً، وبلغ ملكهم مشارق الأرض ومغاربها، وزكَّاهم وأخبر عن رضاه عنهم ووعدهم الحسنى وهي الجنة.
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :"لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"، هذا في خيار الأمة فكيف بأعدائهم الروافض؟!
والحديث الذي ذكره باطل؛ لمضادته لما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فضل أصحابه ومكانتهم حيث قال رسول - صلى الله عليه وسلم - :"النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون". أخرجه مسلم في الفضائل حديث (2531)، وأحمد في المسند (4/399).
وما أكثر فضائل أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم التي هي أعلى وأرسخ من الجبال الشوامخ، ولن يزيل شيئاً منها افتراءات الروافض وأشياعهم.
وقال العياشي (1/62-63): عن يزيد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر قال: قلت له: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) قال: نحن الأمة الوسطى ونحن شهداء الله على خلقه ،وحجته في أرضه. وعن أبي بصير سمعت أبا جعفر يقول: نحن نمط الحجاز، فقلت: وما نمط الحجاز؟ قال: أوسط الأنماط، إن الله يقول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)
ثم قال: إلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصر.(1/75)
وقال أبو بصير عن أبي عبد الله (لِتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) قال بما عندنا من الحلال والحرام وبما ضيعوا منه.
وعن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله قال: قال الله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)، فإن ظننت أن الله عنا بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين أَفَتَرى أن من لا يجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟! كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم.
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وهم الأمة الوسطى وهم خير أمة أخرجت للناس".
وأشار المحقق المصحح المحلاتي بهذه الروايات على البحار، والبرهان والصافي.
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر وأبا عبد الله من هذا الافتراء على الله وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فهما أنبل وأشرف من أن ينحدرا إلى هذا المستوى الهابط من الدعاوى الكاذبة والأماني الباطلة وإسقاط أمة محمد إلى هذه الدرجة.
أما أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن كان على ما هم عليه فتقبل شهادتهم على الأمم وللأنبياء أنَّهم بلَّغوا رسالات ربهم، وتقبل شهادتهم في كلِّ أمر مهما عَظُمَ وجلَّ من أمر الدِّين والدُّنيا، وتقبل شهادتهم فيما بلغوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي حثهم على التبليغ عنه؛ لثقتهم وعدالتهم عنده، ولم يحفظ عن أحدٍ منهم أنه كذب على رسول الله في حرف واحد.
والذين لا تقبل شهادتهم في شيء من أمر الدين والدنيا ولو في بيضة دجاجة هم الروافض الباطنية لجرأتهم في الكذب على الله وعلى رسوله وعداوتهم لأصحاب محمد ولأمة الإسلام وتكفيرهم لهم واستحلال دمائهم وأموالهم ظلماً وبغياً.(1/76)
- تفسير الآية (189) (1/68):(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا).
قال القمي:"نزلت في أمير المؤمنين-رضي الله عنه- لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أنا مدينة العلم وعلي بابها".
أقول:
لقد جمع القمي بين سوأتين عظيمتين:
– إحداهما: تحريف كلام الله عن موضعه وادعاؤه نزول الآية في عليّ.
– وثانيهما: استشهاده الباطل بهذا الحديث الموضوع المفترى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - !
- تفسير الآية (199) {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.
قال العياشي (1/71-73):"عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى) في علي -رضي الله عنه-، وعن حمران عن أبي جعفر -رحمه الله- في قول الله:(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) يعني بذلك نحن والله المستعان". ثم ساق إسناداً آخر إلى أبي عبد الله، قال:"نحن نعني بها والله المستعان إن الرجل منا إذا صارت إليه لم يكن له أو لم يسعه إلا أن يبين للناس من يكون بعده".
أقول:
إنَّ نصَّ الآية لواضح في أنَّ من يكتم ما أنزل الله على رسله سواءً القرآن أو التوراة والإنجيل من الآيات البينات والهدى في التوحيد والعبادات والحلال والحرام وسائر التشريعات ومن ذلك ما كتمه اليهود والنصارى من البشارات بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وصفاته في الكتابين، فيحول هذا الباطني ما دلت عليه الآية من المعاني العظيمة إلى ما يعتقده من معنى لا تدل عليه ولم يدل عليه كتاب ولا سنة من قريب ولا من بعيد!(1/77)
وانظر النص الأخير وما ينطوي عليه من أنَّ المراد بالآية تبشير كل إمام بمن بعده مما يضيع الإسلام ومعانيه العظيمة السامية.
قال:"ورواه محمد بن مسلم قال: هم أهل الكتاب"، ليته وقف عند هذا التفسير، ثم قال:"عن عبد الله بن بكير عمن حدثه في قوله (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) قال: نحن هم وقد قالوا: هوام الأرض".
قد يفهم منه أنَّ اللاعنين هم الأئمة، وقد يحتمل أن يكون الرجل وجّه اللعن إلى أهل البيت، ولا يستبعد هذا عن الباطنية، فإنهم يتظاهرون بحب أهل البيت فإذا وجدوا فرصة للطعن فيهم فعلوا ذلك(1).
قال:"وعن جابر قال سألت أبا عبد الله عن قول الله (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ) قال: فقال هم أولياء فلان وفلان وفلان من دون الإمام الذي جعل الله للناس إماماً، فلذلك قال الله تبارك وتعالى:(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)".
انظر إلى الآية تر فيها ذماً شديداً للمشركين الذين اتخذوا من دون الله أنداداً يغلون في حبهم كغلو الروافض في أهل البيت، وانظر إلى قوله:(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً)، فيجعل علياً بديلاً عن الله، فهل علي هو الله عند هذا الزنديق؟ لا يبعد، فإنَّ الزنادقة قد قالوها في عليّ، فاستتابهم فأصروا عليها فعاقبهم بالإحراق في النار، وانظر إليه كيف يرمي المسلمين وعلى رأسهم الصحابة بأنهم قد اتخذوا الخلفاء الثلاثة الراشدين أنداداً يحبونهم كحب الله، ويحكم عليهم وعلى الخلفاء بالعذاب الشديد والخلود في النار.
- تفسير الآية (208) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً}.
__________
(1) راجع كشف الأسرار للسيد حسين الموسوي لترى الطعن في الرسول وأهل البيت من (ص19-29).(1/78)
قال القمي:"في ولاية أمير المؤمنين".
ونقول لهذا الباطني:
أمر الله المؤمنين في هذه الآية أن يقوموا بكل شرائع الإيمان والإسلام، ولكن الباطني ضيع معنى الآية بهذا التفسير، فأين الإيمان بالله ورسوله؟ وأين القيام بشرائع الإسلام؟
ثم قال:"وعن منصور بن حازم قلت لأبي عبد الله وما هم بخارجين من النار، قال أعداء علي -رضي الله عنه-هم المخلدون في النار أبد الآبدين ودهر الداهرين". وأحال المحقق إلى البرهان والبحار.
أقول:
يعني الصحابة الكرام وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-، ووالله إنَّ الروافض لَهُمْ أعداءُ عليٍّ كما أنَّ النصارى أعداء عيسى، وأنَّ علياً وإخوانه لفي غاية المحبة والولاء لبعضهم بعضاً، وأنَّ أعداء الجميع لَهَؤُلاء الروافض الباطنية!
ثم أين الوعيد لأعداء الله وأعداء رسوله من الكفار والمشركين الذين أرادهم الله بهذا النص؟!
إنَّ الروافض لا يبالون ولا يقيمون وزناً لحق الله وحق رسله، ولذلك ربطوا كل شيء بعليّ وأهل البيت كذباً وفجوراً، وأهل البيت برءاء أشد البراءة من هذه الأعمال، ولا يرون أنفسهم إلا من أفراد المسلمين ومن إخوانهم ومحبيهم، ويعرفون قدر الصحابة ويعظمونهم ولا سيما الخلفاء الثلاثة.
ثم قال العياشي (1/76):"عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله قال: سألته عن قول الله (إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) قال: حق جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر، قال: قلت لذلك حد محدود؟ قال: نعم، قال: قلت كم؟ قال أدناه السدس وأكثره الثلث. وقال أيضاً عن سماعة عن أبي عبد الله في قوله: (إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) قال: شيئاً جعله الله لصاحب هذا الأمر، قال: قلت: فهل لذلك حد؟ قال: نعم قلت: وما هو؟ قال: أدنى ما يكون ثلث الثلث" وأشار المحقق في الموضعين إلى البحار والبرهان والصافي.
أقول:(1/79)
برّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك، لقد نص الله على الوصية للوالدين والأقربين ثم نسخت هذه الآية بآية المواريث، فما دخل ولي الأمر في هذه الوصية، إنّ هذا لمن دجل رؤوس الروافض ليتأكّلوا باسم صاحب هذا الأمر الذي اخترعوه واخترعوا باسْمِه حقوقاً منها الْخَمس الذي يفرضونه على أتباعهم الذين سلبت منهم عقولَهم وأموالَهم بل أرواحهم!!
تفسير الآية (193) {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}.
قال العياشي (1/87)"عن إبراهيم قال أخبرني من رواه عن أحدهما قال: قلت:(فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) قال: لا يعتدي الله على أحد إلا على نسل قتلة الحسين -رضي الله عنه- ".
أقول: تعالى الله وتقدس أن يوصف بالعدوان وأن يحصل منه ظلم واعتداء! {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}، ولا يظلم ربك أحداً، والعدوان أشد من الظلم، قاتل الله من لا يقدر الله حق قدره.
وأقول:
إنّ موضوع الآية هو الْجِهاد لإعلاء كلمة الله والقضاء على الشرك.
فيحول هذا الباطنِي هذا الْمَعنى العظيم إلَى إرواء غليله وشفاء صدور الْحَاقدين على الإسلام والْمُسلمين وعلى رأسهم الصحابة إلَى معنى باطل، والقوم لا يعرفون ولا يعترفون بالعدل والإحسان وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى.
ثُمّ من هو الذي تسبّب فِي قتل الْحُسين وشارك فِي قتله غير الشيعة؟!
والظاهر أنه يريد بنسل قتلة الْحُسين كل أهل السنة، والآية تنصّ على مشروعية الْجِهاد؛ ليكون الدين كله لله وهم لا يريدون أن يكون الدين كله لله.(1/80)
- تفسير الآية (203) {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
قال العياشي (1/100):"عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله:(فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ... ) الآية، قال: أنتم والله هم. إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يثبت على ولاية عليّ -رضي الله عنه- إلا المتقون".
أقول:
أين هذا الْحَديث الباطل عن مضمون الآية وما دلت عليه من أحكام الْحَجّ وما فيه من رحْمَة وسَمَاحة؟
كأنَّ معظم نصوص القرآن لا تَهْدف إلا إلَى ولاية علي، ولقد حُرِّف كثيْر من نصوص القرآن لأجل الروافض بِحُجة ولايتهم لعلي لا لله ولا لدينه ولا لرسوله لا يقصد منها إلا ولاية علي! وهم ليسوا لعلي بأولياء وهو منهم براء.
قال العياشي (1/ 102):
"عن أبي بصير سمعت أبا عبد الله -رحمه الله- يقول:(يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان) قال: أتدري ما السلم، قال: قلت: أنت أعلم قال: ولاية علي والأئمة والأوصياء من بعده، قال: وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان.
وأحال المحقق إلى إثبات الهداة والبحار والبرهان والصافي.
وعن جابر عن أبي جعفر -رحمه الله- في قول الله:(ادخلوا في السلم كافة) الآية قال: هم آل محمد صلى الله عليه وسلم أمر الله بالدخول فيه.
وعن جابر عن أبي جعفر قال السلم هو آل محمد أمر الله بالدخول فيه وهم حبل الله الذي أمر بالاعتصام به قال الله:(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله في قوله:(ولا تتبعوا خطوات الشيطان) قال: هي ولاية الثاني والأول.
وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي.(1/81)
ثم ساق إسناده إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال أمير المؤمنين: ألا إنّ العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين والمرسلين في عترة خاتم النبيين والمرسلين ، فأين يتاه بكم وأين تذهبون ...".
وهكذا يهدم الباطنيون دين الله وكتابه والصحابة الكرام باسم أهل البيت، وأهل البيت برءاء من الكفر والإلْحَاد، وهكذا يفضل الباطنيون آل البيت على جَمِيع الأنبياء والْمُرسلين!
فأي استهانة بالأنبياء والرسل أشد من هذه الاستهانة.
والله ما آل مُحَمّد - صلى الله عليه وسلم - إلا من أفراد الْمُسلمين، وفِي الْمُسلمين من هو أعلم منهم، وفِي الْمُسلمين من هو أفضل من أكثرهم، فضلاً عن الأنبياء والْمُرسليْن.
وقال العياشي (1/102):
"وعن جابر قال: قال أبو جعفر في قول الله تعالى:(في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر) قال: ينزل في سبع قباب من نور لا يعلم في أيها هو حين ينزل في ظهر الكوفة، فهذا حين ينزل.
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر قال: قال: يا أبا حمزة كأني بقائم أهل بيتي قد علا نجفكم فإذا علا فوق نجفكم نشر راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر".
وهكذا يُحَرف أعداء الله القرآن أخبث أنواع التحريف فالآية فيها الإخبار الصادق الْمُحكم عن مَجِيء الله لفصل القضاء ونزول الْمَلائكة فِي هذا اليوم فيحولَها الأفاكون إلَى مَجِيء أسطورتِهم التي اخترعوها لِحرب الإسلام والْمُسلمين.
وانظر كيف يرفعون من شأن نَجَفهم الشيطانِي ولقد نزل به الشيطان وجنوده ونشر رايته عليها من قرون منذ نَجم الرفض والغلو.
قال العياشي ( 1/104):
"عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله (كان الناس أمة واحدة) قال: كان هذا قبل نوح أمة واحدة فبدا لله فأرسل الرسل قبل نوح قلت: أعلى هدى كانوا أم ضلالة قال: بل كانوا ضلالاً كانوا لا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين.
وأحال الْمُحقق على الصافي.(1/82)
وعن يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد الله عن هذه الآية:(كان الناس أمة واحدة) قال: قبل آدم وبعد نوح ضلالاً فبدا لله فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين أما أنك إن لقيت هؤلاء قالوا إن ذلك لم يزل وكذبوا إنما هو شيء بدا لِلَّهِ فيه.
وأحال المحقق على البرهان.
وساق بعد ذلك رواية طويلة ذكر فيها البداء وأن شيثاً كان يعمل بالتقية والكتمان.
وأحال المحقق بهذه الروايات إلى البرهان والصافي.
وهكذا يقرر هؤلاء عقيدة اليهود في التنقص لله ورميه بالجهل وإنه يقر الشيء عن جهل ثم يبدو له فعل غيره.
وانظر إلى قوله: كانوا قبل آدم وبعد نوح ضلالاً.
كأن الناس خلقوا قبل آدم عكس ما هو معلوم للجن والإنس وعكس ما قرره القرآن من أنَّ الناس جميعاً من ذرية آدم.
وكلامه كله كذب، برَّأ الله منه أبا عبد الله، ومن كذبه أنَّ النَّاس من أصلهم ضُلاَّل.
وأقول :
إنما كان الناس على دين الحق على دين آدم وعلى الفطرة ثم اختلفوا فبعث الله إليهم الرسل مبشرين ومنذرين.
قال ابن جرير في تفسيره (4/275):
"حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود اخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين".
وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/546-547) بإسناده إلى محمد بن بشار وصححه فهذا هو الحق لا ما يقوله أهل الجهل والضلال.
وقال العياشي (1/128):
"عن زرارة عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله في قوله (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) قال الصلاة: رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين، والوسطى أمير المؤمنين، (وقوموا لله قانتين) طائعين للأئمة".
وأحال المحقق إلى البرهان والبحار.
أقول:(1/83)
ألا يؤكد هذا التفسير أنّ القوم باطنيون، ويظهر في هذا التفسير الباطني تفضيلهم علياً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقوم لا يحبون هذا ولا ذاك، بل أعداءٌ لله ولرسوله ولأهل البيت وإن ادعوا ما ادعوا، ومن يدرس حقيقة الباطنية يدرك هذا.
الزيادة في آية الكرسي
قال القمي (1/84):"وأما آية الكرسي، فإنه حدثني أبي عن الحسين بن خالد أنه قرأ أبو الحسن الرضا رحمه الله (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم مابين أيديهم وما خلفهم)"
زاد في هذه الآية الكريمة قوله (ألم) في أولها.
وزاد في أثنائها قوله (وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم).
وما الدافع لهذه الزيادة؟ إنه الزندقة والجرأة على الله وكتابه ورسوله!
وترى القوم يحرفون القرآن إلى درجة لم يصل إليها اليهود والنصارى ويزيدون فيه!
ثم يقذفون أصحاب محمد الصادقين الأمناء بأنهم قد زادوا في القرآن ونقصوا، وما هذه الزيادات والنقص التي يفترونها على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم إلا من أكاذيب الرافضة الباطنية واختلاقهم.
قال القمي (1/84-85):"(فمن يكفر بالطاغوت) وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم (فقد استمسك بالعروة الوثقى) يعني الولاية (لا انفصام لها) أي حبل لاانقطاع له يعني أمير المؤمنين والأئمة -رحمهم الله-
(الله ولي الذين آمنوا) وهم الذين اتبعوا آل محمد -رضي الله عنهم- (يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) هم الظالمون آل محمد والذين اتبعوا من غصبهم.
(يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والحمد لله رب العالمين) كذا نزلت!".
أقول:(1/84)
في هذا التفسير تحريفٌ رهيبٌ وتكفيرٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين آمنوا بالله وكفروا بالطاغوت، والله وليهم وهم أولياؤه، وقد أخرجهم الله من الظلمات إلى نور التوحيد والإيمان، وأنقذهم الله من النار بالقرآن وبمحمَّدٍ عليه الصلاة والسلام، وأعداؤهم هم أولياء الطواغيت من اليهود والنصارى والباطنية وعباد القبور والمشاهد فهي من طواغيتهم التي اتخذوها أولياء من دون الله، يتقربون إليها بالقرابين والأموال الطائلة، ويدعونها من دون الله، ويستغيثون بها في الشدائد، ويعتقدون في أهلها أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، وعليها يوالون ويعادون!!
فهم في ظلمات الجهل والشرك والضلال يتخبطون! والمسلمون وأهل البيت من أعمالهم بريئون.
ثم انظر إلى هذا الزنديق كيف زاد في هذه الآية الكريمة المحفوظة قوله:"والحمد لله رب العالمين" ويقول:" كذا نزلت"!
ألا ترى كيف يفتري القوم على الله وعلى كتابه ثم يتهمون أصحاب محمد بالزيادة والنقص من القرآن! ولكنَّ الله لهم بالمرصاد، يحبط مكائدهم، ويفضح خياناتهم وافترائهم عليه وعلى صحابة محمد أوليائه الأمناء الأتقياء.
الآية (269) قول الله تعالى:{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}.
قال القمي (1/92):"وقوله:(يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) قال الخير الكثير معرفة أمير المؤمنين والأئمة -رحمه الله- ".
أقول:
هذا التفسير للخير الكثير تفسير سخيف وتلاعب بمعاني كتاب الله، ومعرفة أمير المؤمنين وأهل البيت على حقيقتهم أمرٌ جيِّد ولكنه ليس من أركان الإسلام ولا من واجباته ولا من شروطه، وكلُّ شرط ليس في كتاب الله فهو باطل!!(1/85)
ومعرفة أمير المؤمنين والأئمة على طريقة الروافض تلك المعرفة التي تقتضي تكفير الصحابة وتحريف القرآن إلى آخر ترهاتهم أمر يحرمه الله ويبغضه، بل هو كفر بالله وبكتابه وبرسوله؛ لأن هذه المعرفة هَدْمٌ لكتاب الله وما حواه من عقائد وأعمال وعدل وإحسان.
(تفسير سورة آل عمران)
- قال تعالى:{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}.
قال العياشي (1/162):
"عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبد الله في قول الله:(هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ) قال أمير المؤمنين والأئمة -رحمهم الله- (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فلان وفلان وفلان (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أصحابهم وأهل ولايتهم (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ)" وأحال المحقق على البحار والبرهان.
أقول:
في هذا التفسير افتراءٌ على الله -عزَّ وجلّ-، وتحريف لكتابه، ومصادمةٌ واضحةٌ للنص القرآني.
فالله يقول لرسوله - صلى الله عليه وسلم - :(هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ) أي: واضحات بينات الدلالة، لا التباس فيها، وهي أصل الكتاب.
وقال:(وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) يعني أنّ بعض آيات القرآن يشتبه معناها على بعض الناس، والطريق الصّحيح أنْ يُرَدَّ المتشابه إلى المحكم، فمن فعل ذلك فقد اهتدى وجانبَ اتباع الهوى.
وهؤلاء الباطنية يتلاعبون بمحكمه، ويفسرونه بأهوائهم، ويفسرون المتشابه بأهوائهم أيضاً كما ترى.
فقد فسروا المتشابه من كتاب الله بأشخاص، وهم -كما يفترون- أبو بكر وعمر وعثمان بناءً على تكفيرهم لهم.
إنّ هذا لهو من شرِّ تفسير الباطنية أخزاهم الله.(1/86)
أما القمي فقد خص علم المحكم برسول الله والأوصياء من بعده، انظر تفسيره (1/96- 97)، فأين الصَّحابة وسائر علماء الأمة؟!
إنّ هذا التخصيص لَقَائِمٌ على الهوى والتلاعب بالمحكمات الواضحات، وإنّ في علماء الصحابة وعلماء الأمة لَمَنْ هو أعلم من الأوصياء، هذه الوصاية التي لا وجود لها في كتاب ولا سنة وإنما هي اختراع ابن سبأ اليهودي وتطوير الباطنية.
- تفسير قول الله تعالى:{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
قال العياشي (1/166):"قال(1)وأما قوله:(وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) فإنّ أولي العلم: الأنبياء والأوصياء وهم قيام بالقسط، والقسط هو العدل في الظاهر والعدل في الباطن أمير المؤمنين.
وعن مرزبان القمي قال:"سألت أبا الحسن رحمه الله عن قول الله:(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) قال هو الإمام".
وأحال المحقق هنا إلى الصافي والبرهان والبحار.
أقول:
القيام بالعدل هنا وصفٌ لله، أي قائماً بالعدل سبحانه في جميع أموره، أو مقيماً له، وانتصاب (قائماً) على الحال من الاسم الشريف، وجاز إفراده بذلك بدون ما هو معطوف عليه من الملائكة وأولي العلم؛ لعدم اللبس، وقيل: منصوب على المدح، وقيل: إنه صفة لقوله: إله؛ أي لا إله قائماً بالقسط إلا هو. انظر فتح القدير للشوكاني (1/422).
فتفسير هذا الرجل تفسير باطلٌ قائم على الهوى، وقوله:"والقسط هو العدل في الظاهر والعدل في الباطن أمير المؤمنين" تفسير الباطنية الملحدة، وهو استهزاء وتلاعب بالقرآن وتلاعب بعقول الروافض، وبرّأ الله منه أبا جعفر وسائر المؤمنين!!
__________
(1) يعني أبا جعفر.(1/87)
وقوله:"أولوا العلم هم الأنبياء والأوصياء" قول باطل، فالله أنزل الكتاب ليهتدي به الناس جميعاً وأمرهم بتدبره واتباعه والاعتصام به ولم يقصر علمه والاهتداء به على الأوصياء المزعومة وصايتهم، وفي هذه الأمة علماء عباقرة وهم كثير وكثير، وعلى رأسهم الصحابة الكرام وخيار التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يومنا هذا، وعجباً لعقائد الروافض يحتكرون العلم للأوصياء ثم يذكرون عنهم أنهم قد كتموا القرآن والعلوم التي عندهم، فما فائدة قصر العلم عليهم وما فائدة إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى العالمين بشيراً ونذيراً، فاختراع الوصاية إذاً لهدم الإسلام.
قال العياشي (1/166):"عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله قول الله:(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء) فقد آتى الله بني أمية الملك؟ فقال: ليس حيث تذهب الناس إليه، إن الله آتانا الملك وأخذه بنو أمية بمنزلة الرجل يكون له الثوب ويأخذه الآخر فليس هو للذي أخذه". وأحال المحقق على الصافي والبرهان.
أقول:
المُلْكُ لله وحده يؤتي الملكَ من يشاء مؤمناً أو كافراً؛ فقد آتى الله بني إسرائيل الملك، قال موسى:(وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً)، وآتى الله النمرود الملك، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ}، وآتى القبط الملك، ومنهم المَلِكُ في عهد يوسف، وفرعون في عهد موسى وغيرهم، وآتى داود وسليمان الملك، وغير مَنْ ذُكِر كثير من شتى الأمم وفي شتى الأجيال، وينزع الملك ممن يشاء ويؤتي الملك من يشاء على امتداد الزمان.(1/88)
والله يخبر عن عظمته وقدرته وغناه، وأنّ الملوك تحت قهره؛ يعطي من يشاء، ويسلب الملك ممن يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء، فأفسدتم معاني الآية، وصرفتم ما دلت عليه من عظمة الله وقدرته وعزته إلى معنى ضيق ليس عليه دليل من كتاب الله ولا من سنة رسول الله، بل أنتم افتعلتموه على أبي عبد الله -برّأه الله من كل افتراءاتكم عليه-، فلقد صورتموه وأهل بيته بهذه الأكاذيب في أقبح الصور، فلا يلحقهم أحدٌ في الدعاوى التي تمجّها أخلاق الشرفاء ويرفضها العقلاء، ولم يدل عليها شيء من الكتاب والسنة، حيث جعلوا كل شيء في الدنيا والآخرة لهم ولشيعتهم الضالين، فَهَوَيْتُمْ بهم بأكاذيبكم عليهم إلى حضيض الحضيض!!!
فهم على أكاذيبكم يزكّون أنفسهم تزكيات تفوق درجات الأنبياء، والملك كله لهم، والله يقول:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}، قال الله هذا إنكارًا على هذا الصِّنف، فما رَأَيْنا في تاريخ البشر عربهم وعجمهم ولا عشر معشار هذه الدعاوى المذمومة والتزكيات الخيالية البهلوانية فكيف نصدقها في أشرف الناس وأنبلهم؟!
ثم لو كان الملك خاصاً بآل محمد فلماذا بايع عليٌّ الخلفاء الثلاثة قبله فهل كان يبايع كفّاراً؟! ولِمَاذا رضي بالتحكيم لتختار الأمة الأفضل والأصلح لها؟ ولماذا تنازل الحسن لأخيه معاوية - رضي الله عنهما- وبايعه هو وبنو هاشم وفرحت الأمة بهذا الإنجاز العظيم؟ فهل سلَّم الحسن وبنو هاشم حقهم لكافر؟! وقد مدح رسول الله الحسن على هذا العمل، فهل يمدحه على التنازل عن ملك خصّه الله به لكافر؟! وهل يمدحه على عمل باطل؟!
ثم إنّ بني أمية لم يأخذوا ملكاً ثابتاً للأئمّة، بل أخذوه من ابن الزبير، وما كان هناك مُلْكٌ للأئمة حتى يقال أخذ بنو أمية ملكهم، فأنتم تكذبون على الله وعلى الأئمة وعلى التاريخ!!(1/89)
قال العياشي (1/166-167):"عن الحسين بن زيد بن علي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا إيمان لمن لا تقية له ويقول: قال الله (إلا أن تتقوا منهم تقاة)". وأحال المحقق على الوسائل والبرهان والصافي.
وأقول:
كذبتم على الله وعلى رسوله وعلى آل بيته وبرأ الله رسوله وأهل البيت من هذه التقية التي هي شرٌّ من النفاق، والتي تتضمن إخفاء الباطل والاعتقادات الكفرية وإظهار ما يوافق أهل الحق خبثاً ومكراً!!
التقية التي أباحها الله للمضطر خوفاً على نفسه من الكفار: أن يُظْهِرَ مِن موافقتهم ما يدفع به شرهم عن نفسه مع انطوائه على الدين الحق، والاعتقاد الصحيح، والإخلاص لله رب العالمين، وبغض ما عندهم من الكفر والشرك، كحال مؤمن آل فرعون.
أما تقية الروافض فهي تقوم على الانطواء على الباطل والشرك كحال عبد الله ابن أُبَيّ وأمثاله من المنافقين والزنادقة!
وقال القمي (1/100):"وقوله:(إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) فلفظ الآية عام ومعناه خاص، وإنما فضلهم على عالمي زمانهم، وقال العالم -رحمه الله- نزل (وآل عمران وآل محمد على العالمين) فأسقطوا آل محمد من الكتاب".
وقال العياشي (1/168-169):"عن هشام بن سالم قال سألت أبا عبد الله عن قول الله:(إن الله اصطفى آدم ونوحاً) فقال: هو (آل إبراهيم وآل محمد على العالمين)، فوضعوا اسماً مكان اسم".
وقال (1/169):"وعن أيوب قال سمعني أبو عبد الله وأنا أقرأ (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) فقال لي: وآل محمد كانت فمحوها وتركوا آل إبراهيم وآل عمران.(1/90)
وعن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: قلت له: ما الحجة في كتاب الله أن آل محمد هم أهل بيته؟ قال: قول الله تبارك وتعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد) هكذا نزلت (على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) ولا يكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلابهم".
وأحال المحقق على البحار والبرهان.
أقول:
كذبتم على الله وعلى القرآن وعلى أبي عبد الله وأهل بيته والأمة، ولم ينكر أحد نسب أهل البيت -رحمهم الله- حتى يتكلف أبو عبد الله إثبات نسبهم من القرآن، وحاشاه أن يفتري على الله أو على رسول الله حديثاً!!
وهذه الزيادة يشهد الله والمسلمون في كل الأجيال أنها من افتراء زنادقة الروافض الباطنية، ثم يدعي الزنادقة أنّ أصحاب محمد الأمناء الذين حفظ الله بهم القرآن وأمة الإسلام قد حذفوها!!
لقد اشتدت عناية أصحاب محمد بالقرآن والحفاظ عليه وعلى كلماته وأحرفه بما لم يوجد له نظير في أمة من الأمم؛ فلو زاد أحدٌ كلمة أو حرفاً لفضحه الله في أيّ مكان أو زمان كما فضح الله هؤلاء الباطنية.
بل لو افترى أحدٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً أو كلمةً أو نقص لأظهر الله ذلك على أيدي جهابذة الأمة؛ بل لو افترى أحد على رسول الله كلمة أو حرفاً لفضحه الله.
وقد فعل الله ذلك بالزنادقة والكذابين من الرافضة وغيرهم، وذلك مصداق قول الله:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، تلكم الآية العظيمة التي لم يؤمن بها الباطنية!!
- تفسير آية {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ } الآية.(1/91)
نقل العياشي في تفسيره (1/176-177) قول الله تعالى:(قلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) نقل عدة روايات منها عن أبي جعفر الأحول قال:" قال أبو عبد الله ما تقول قريش في الخمس؟ قال: قلت: تزعم أنه لَها، قال: ما أنصفونا والله لو كان مباهلة ليباهلنَّ بنا ولئن كان مبارزة ليبارزنَّ بنا ثم نكون وهم على سواء".
وأحال المحقق إلى البحار والبرهان والوسائل.
أقول:
إنَّ المبارزة يوم بدر بناء على طلب عتبة بن ربيعة وأخيه شيبة والوليد بن عتبة، فانتدب للمبارزة بعض الأنصار، فلما عرفوا أنهم من الأنصار قالوا: ما لنا بكم من حاجة أخرجوا لنا من بني عمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا عبيدة، وقم يا حمزة، وقم يا علي، فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما عليٌّ فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه، وكرَّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فدفَّفا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما رضي الله عنهم.
ولقد اشترك جميع المهاجرين والأنصار في معركة بدر فقتلوا من قريش سبعين وأسروا سبعين، وقَتَلَ رأس الفتنة أبا جهل شابان من الأنصار معاذ بن عمرو ومعوذ بن عفراء، وشارك المهاجرون من قريش وغيرهم والأنصار في كل الغزوات: أحد والخندق وحنين وغيرها، وشاركوا في حروب الردة وفي الفتوحات الواسعة وقوادها وجنودها مثل: خالد وأبي عبيدة وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان، ولم يشارك عليٌّ في هذه الحروب والفتوحات، فهل هذه المبارزة تجعل الخمس من حق أهل البيت إلى يوم القيامة ولو لم يشاركوا في الجهاد، والمسألة فيها خلاف ومن مسارح الاجتهاد.(1/92)
والجهاد يجب أن يكون خالصاً لله ولإعلاء كلمة الله لا من أجل المغنم، فهل أهل البيت ما يجاهدون إلا من أجل الخمس؟ حاشاهم من ذلك، وما طعنوا في قريش أيام الجهاد ولا جعلوه منطلقاً للشغب ولا للطَّعن في قريش، وإنما الروافض هم الذين يفتعلون الفتن ويعقدون أسباب العداوة بين أهل البيت وقريش وغيرهم من المسلمين لأجل مصالح والتأكل باسم أهل البيت.
وأقول:
اختلف العلماء في مصرف الخمس:
1- فقال مالك وأكثر السلف: إنَّ الخمس للإمام يتصرف فيه حسب المصلحة كما يتصرف في الفيء.
2- وقيل: إنَّ الخمس جميعه لذوي القربى، وهو قول لبعض أهل البيت.
3- وكان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح وكان علي أشدهم فيه، وهذا قول طائفة كبيرة من العلماء، وأما سهم ذوي القربى فإنه يُصرف لبني هاشم وبني المطلب، " انظر تفسير ابن كثير(7/85-86).
لكن الروافض يدَّعون أنه لأهل بيت علي، ثم حصروه في اثني عشر منهم، ثم حصروه في القائم ليستأثروا به؛ لأن قائمهم معدوم.
وقال العياشي ( 1/177):
"وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: قال: أنتم والله من آل محمد قال: فقلت: جعلت فداءك من أنفسهم؟ قال: قال من أنفسهم والله. قالها ثلاثا ثم نظر إلي فقال لي: يا عمر إن الله يقول {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}". وأحال المحقق إلى البحار والبرهان والصافي.
أقول:
حاشا هذا الهاشمي أن يتبرأ من قريش وعلى رأسهم أبو بكر وعمر، ويتولى الروافض الحاقدين والمكفرين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوليائه الذين لا يربطهم به دين ولا نسب، ويحلف على أنهم من آل محمد أنفسهم!(1/93)
ألا ما أكذب الروافض على الله وعلى رسول الله وعلى أهل البيت، وما كفاكم الالتصاق الكاذب بأهل البيت حتى أوصلكم الشيطان إلى الادّعاء بأنكم من آل محمد أنفسهم في الوقت الذي تكفرون فيه أصحابه ولا سيما عشيرته الأقربين قريش!!
وقال (1/177):
"عن علي بن النعمان عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قوله:(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) قال: هم الأئمة وأتباعهم". وأحال المحق على إثبات الهداة والبحار والبرهان.
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله وأهل بيته من هذا الافتراء، فأين الصَّحابة الكرام وأين أهل البيت أنفسهم من الصحابة ومن بعدهم، وأين المسلمون الصادقون من هذه الأمة؟!
ولنا أن نقول: إنَّ أولى الناس باليهود والمجوس والنصارى للذين اتبعوهم من الزنادقة والباطنية أعداء الله وأعداء الأنبياء وعلى رأس هؤلاء الأنبياء محمد وإبراهيم {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وأصحاب محمد ومن سار على نهجهم هم الْمُؤمنون حقاً وأتباع مُحمد وإبراهيم عليهما السلام.
قال القمي (1/106):"وأما قوله:{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} قال: فإن الله أخذ ميثاق نبيه أي محمد - صلى الله عليه وسلم - على الأنبياء أن يؤمنوا به وينصروه ويخبروا أممهم بخبره".
أقول:(1/94)
فلم يعجبه هذا التفسير إذ غلبت عليه باطنيته فقال: حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: ما بعث الله نبياً من لدن آدم فهلم جراً إلاَّ ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين -رضي الله عنه- وهو قوله:(لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) يعني رسول الله (وَلَتَنصُرُنَّهُ) يعني أمير المؤمنين -رضي الله عنه-، ثم قال لهم في الذر (قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) أي عهدي (قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ) الله للملائكة (فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ).
أقول:
ما أجرأ باطنية الروافض على الكذب على الله وعلى كتابه! وما أكثر ما يزاحمون محمداً - صلى الله عليه وسلم - أفضل الرسل بعلي -رضي الله عنه-، وقد يرجحون كفة عليٍّ تضليلاً للناس لا حباً في عليّ!!
إنَّ الله لم يبعث الأنبياء لنصرة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا لنصرة من سبقه كموسى وداود وسليمان عليهم السلام فكيف يبعثهم لنصرة عليّ؟! ألا ترى أنَّ الباطنية يفضلون علياً على رسول الله وعلى سائر الأنبياء، ثم هذا النصر على من؟ على الصحابة! وقريشٌ يبعثهم أيضاً لينتقم منهم الروافض والباطنية!!
ولماذا لم يبعث الله الأنبياء لنصرة عليّ في صفين وقتاله للخوارج، وهذا من أوضح الأدلة على أنَّ القول بالرجعة كفر ومن أكذب الكذب على الله.
ومعنى الآية: أنَّ الله أخذ الميثاق على الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً، وتصديق بعضهم بعضاً نصرة لبعضهم بعضاً.
وقولٌ آخر نُسب إلى عليٍّ وابن عباس -رضي الله عنهما-، وهو:(ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أُخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بُعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه).
انظر تفسير ابن كثير (3/100) ورجح ابن جرير القول الأول انظر تفسيره (3/332-333).(1/95)
وقال العياشي (1/180-181):"عن حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن قول الله:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ) فكيف يؤمن موسى بعيسى وينصره ولم يدركه؟! وكيف يؤمن عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم وينصره ولم يدركه؟! فقال: يا حبيب إن القرآن قد طُرِح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا حروف أخطأت بها الكتبة و توهمها الرجال، وهذا وهم فاقرأها (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ أمم النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) هكذا أنزلها الله يا حبيب، فو الله ما وفّت أمة من الأمم التي كانت قبل موسى بما أخذ الله عليها من الميثاق لكل نبي بعثه الله بعد نبيها، ولقد كذبت الأمة التي جاءها موسى لما جاءها موسى ولم يؤمنوا به ولا نصروه إلا القليل منهم ولقد كذبت أمة عيسى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يؤمنوا به ولا نصروه لما جاءها إلا القليل منهم ولقد جحدت هذه الأمة بما أخذ عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الميثاق لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يوم أقامه للناس ونصبه لهم ودعاهم إلى ولايته وطاعته في حياته، وأشهدهم بذلك على أنفسهم، فأي ميثاق أوكد من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فوالله ما وفّوا به بل جحدوا وكذبوا.(1/96)
- عن بكير قال: قال أبو جعفر -رحمه الله-: إن الله إذا(1)أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالإقرار له بالربوبية ولمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة، وعرض الله على محمد وآله السلام أئمته الطيبين وهم أظلة، قال وخلقهم من الطين(2)التي خلق منها آدم، قال وخلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام، وعرض عليهم وعرفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليا ونحن نعرفهم في لحن القول.
- عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر -رحمه الله- أرأيت حين أخذ الله الميثاق على الذر في صلب آدم فعرضهم على نفسه كانت معاينة منهم له؟ قال: نعم يا زرارة وهم ذر بين يديه وأخذ عليهم بذلك (ذلك خ ل) الميثاق بالربوبية له ولمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة، ثم كفل لهم بالأرزاق وأنساهم رؤيته وأثبت في قلوبهم معرفته، فلا بد من أن يخرج الله إلى الدنيا كل من أخذ عليه الميثاق، فمن جحد مما أخذ عليه الميثاق لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وآله لم ينفعه إقراره لربه بالميثاق، ومن لم يجحد ميثاق محمد - صلى الله عليه وسلم - نفعه الميثاق لربه.
- عن فيض بن أبي شيبة قال سمعت أبا عبد الله -رحمه الله- يقول وتلا هذه الآية (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ) إلى آخر الآية، قال لتؤمنن برسول الله ولتنصرن أمير المؤمنين -رضي الله عنه-، قلت: ولتنصرن أمير المؤمنين قال نعم من آدم فهلم جرا، ولا يبعث الله نبيا ولا رسولا إلا رُد إلى الدنيا حتى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين -رضي الله عنه-.
__________
(1) و (2) كذا!(1/97)
- عن سلام بن المستنير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: لقد تسموا باسم ما سمى الله به أحدا إلا علي بن أبي طالب وما جاء تأويله قلت: جعلت فداك متى يجي ء تأويله؟ قال: إذا جاء جمع الله أمامه النبيين والمؤمنين حتى ينصروه وهو قول الله (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ) إلى قوله (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) فيومئذ يدفع راية رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء إلى علي بن أبي طالب فيكون أمير الخلائق كلهم أجمعين يكون الخلائق كلهم تحت لوائه و يكون هو أميرهم فهذا تأويله ) .اهـ
وأحال المحقق بهذه الروايات على البرهان والبحار والصافي.
التعليق عليه:
1- قوله: مفترياً على أبي جعفر:(يا حبيب إن القرآن قد طرح منه آي كثير ولم يُزد فيه إلا حروف أخطأت بها الكتبة وتوهما الرجال).
2- وقوله:"وهذا وهم فاقرأها (وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيين)" إلى قوله:"هكذا أنزلها".
أقول:
إنَّ اليهود والنصارى ما بلغوا ما وصل إليه باطنية الروافض من الافتراء على الله وعلى كتابه وعلى رسوله!
فمن الذي طرح من القرآن آيات كثيرة؟! يقصد الباطنية أعداءُ الله بذلك أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان!!
لقد عاش عليٌّ ثلاثين سنة بعد وفاة رسول الله، وأصبح أمير المؤمنين، وبسط حكمه على معظم العالم الإسلامي سنوات من العراق إلى خراسان ومن الحجاز إلى مصر واليمن، فما الذي منعه وهو البطل الشجاع ومن ورائه الجيوش الجرارة أن يعلنها صريحة أنَّ القرآن قد طرح منه شيء كثير؟!!
وما الذي منعه أن يبرز مصحفه الكامل الذي يدعيه الروافض الباطنية؟!
لئن كان الأمر كما يدعي الروافض أنَّ الصحابة قد حذفوا من القرآن آيات كثيرة وأنَّ عند عليٍّ وأهل بيته مصحفاً كاملاً لم يعلنوه للناس ليؤمنوا بما فيه ويعملوا به.(1/98)
لئن كان الأمر كذلك فما عَرَفَتِ الأمم كلها بما فيها المسلمون خيانةً وكتماناً أكبر من هذا الكتمان والخيانة!! وحاشا علياً وأهل بيته من ذلك.
وقصد الروافض الباطنية من هذا أن يتهم عليٌّّ وأهل بيته بالخيانة والكتمان والجبن كما كفَّروا الصحابة واتهموهم بالزيادة في القرآن والنقصان منه!!
1- قوله: ولقد جحدت هذه الأمة بما أخذ عليها من الميثاق لعلي بن أبي طالب ...إلخ.
أقول:
أي ميثاق هذا الذي لا يعرف ميثاقٌ أوكد منه؟! لقد قلتم على رسول الله وأصحابه قولاً عظيماً لم يسبقكم إليه إلا إمامكم ابن سبأ اليهودي أخبث اليهود وأكذبهم.
فحديث غدير خم الذي رواه الإمام مسلم قد تضمن الوصية بالقرآن وبأهل البيت الكرام، فقام أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بحق القرآن وبحق أهل البيت، وأنتم نكثتم العهد بالقرآن وبأهل البيت، وبأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وبأمة الإسلام!!
الصحابة حفظوا القرآن، وحافظوا عليه، وعملوا به، وجاهدوا في سبيل الله في نشره وما تضمنه من عقائد وأخلاق وأعمال، وربّوا عليه أفضل الناس بعدهم من التابعين لهم بإحسان، وبلَّغوا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولاً وعملاً وتقريراً.
وأنتم أيها الروافض أهم أعمالكم الكذب، والتحريف للقرآن، وصدّ الناس عن سبيل الله والإسلام، ولم تعرفوا لأهل البيت حقهم الذي شرعه الله لهم، بل خذلتموهم وساعدتم على قتلهم وطعنتم فيهم.(1/99)
فلم تعترفوا بآل جعفر ولا بآل العباس ولا بآل عَقِيل ولا بأكثر أولاد عليّ؛ بل تطعنون في بعض أولاد عليّ -رضي الله عنه-!! ولم تعترفوا ببنات النبيّ صلى الله عليه وسلم واعترفتم باثني عشر رجلاً منهم أحدهم معدوم، وأضفيتم عليهم صفات الله، ورفعتموهم فوق درجات الأنبياء لأجل مصالحكم ومن أجل التأكل باسمهم، وفي عملكم هذا إهدار لحقهم الشرعي كما فعل النصارى بعيسى واليهود بعزير، فأي قيمة لتعلقكم بأهل البيت القائم على الأكاذيب والأساطير والتحريف لكتاب الله ودينه الحق؟!!
ونقله الكاذب عن أبي جعفر أنه قال: إنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالإقرار له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة، وعرض الله على محمد وآله السلام أئمته الطيبين وهم أظلة، قال (وخلقهم من الطين التي خلق منها آدم)(1)، قال وخلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام، وعرض عليهم وعرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلياًّ ونحن نعرفهم في لحن القول.
أقول:
هذه الخصوصيات للروافض الباطنية تميزوا بها من عالم الذر لا يلحقهم فيها لا يهود ولا نصارى ولا حتى إبليس وذريته، ونزَّه الله أبا جعفر عن هذه الأكاذيب والترهات، وهو لا يعلم الغيب ولا أهل البيت، وكم ينسب إلى هذا الرجل وأهل بيته من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله، قال تعالى:{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}النمل65.
وقال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ).
وقال تعالى عن نوح وهو يخاطب قومه:{وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} سورة هود (31).
__________
(1) كذا !(1/100)
وقال آمراً أفضل الرسل وأعلمهم:{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} سورة الأنعام (50) .
ولا أشدّ عمى من الروافض ولا أسخف عقولا، ولو كان عندهم مسكة من عقل لردعتهم مثل هذه الآيات التي تخص علم الغيب بالله، ويعلن الرسل براءتهم من ادّعائه! والروافض لعماهم وسخف عقولهم يدّعون للأئمة الذين أوسعهم الروافض من الظلم مالا تطيقه الأرض والسماوات؛ ادّعوا لهم أنهم يعلمون الغيب، وافتروا لهم من المنازل والمراتب، ومنها تصرفهم في الكون، بل يدّعون أنّ لهم سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون! فأي جناية على هؤلاء الأئمة، وأي ظلم لهم يفوق هذا الظلم الملصق بهم والمنسوب كذباً وزوراً إليهم؟!!
2- انظر إلى الروايتين الأخيرتين وما فيهما من أكاذيب:
أ- منها أنّ الله يبعث النبيين أجمعين وهم:(يبلغون مئات الآلاف) لنصرة علي -رضي الله عنه-، ولم يبين لنا على من ينصرونه، والظاهر أنه على الصحابة والأمة الإسلامية حسب اعتقاد الروافض.
ب- ومنها أنه يجمع الله النبيين والمؤمنين والخلائق أجمعين أمام علي -رضي الله عنه-، ويكونون جنوداً له طائعين، وتحت لوائه له منقادين.
رحمك الله يا أبا عبد الله، لقد أرهقوك وحمَّلوك من الأكاذيب الكبرى مالا تطيقه السماوات والأرض! ورحم الله جدك علياًّ -رضي الله عنه-، والله لو كان حياًّ واطلع على هذه الأكاذيب والأساطير التي نحلوه إياها لأبادهم وطهَّر الأرض منهم كما فعل بأسلافهم تلاميذ ابن سبأ!!
قال القمي في تفسيره (1/107):
"ثم قال عزّ وجلّ:(أفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ) قال: أغير هذا الذي قلت لكم أن تقروا بمحمد ووصيه، (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) أي فَرقاً من السيف".
أقول:(1/101)
انظر إلى هذا المفتري على الله كيف يضيع الإسلام ومعاني القرآن العظيمة ومقاصده الكبيرة، فدين الله يشمل كل ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عقائد وعبادات وأعمال وأحكام كالجهاد والعدل والإحسان وسائر أنواع البر والخير والنهي عن الشرك وعن المنكرات والشرور.
ويشمل الإيمان بالله وملائكته ورسله والقدر واليوم الآخر وأركان الإسلام: الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، فيضيع هذا الباطني السبئي كل هذه الأصول العظيمة والأعمال الجليلة ويحصر معنى الآية الذي يسع هذه الأمور كلها في الإقرار بوصية علي التي اخترعها ابن سبأ اليهودي! وما ذكر محمدًا إلا تمويهاً وتغطية لِهذا الإلحاد!!
وقوله: طوعاً وكرهاً ليس كما فسره، وإنما المراد بالإسلام كرهاً: الخضوع لأمر الله الكوني وقدره، فكل من في السماوات والأرض خاضعون لِمشيئة الله وتقديره لا يخرج عن ذلك أحد.
والظاهر من قوله:"فَرَقاً من السَّيف" أنه يقصد سيف عليّ، أي: أنه قد أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا فرقا من سيف عليّ.
ولا يستبعد هذا من مثل هذا الباطني.
وقال القمي (1/107):
((1/102)
ثم ذكر الله عز وجل الذين ينقضون عهد الله في أمير المؤمنين وكفروا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْ ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) فهذه كلها في أعداء آل محمد ثم قال:(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) أي لن تنالوا الثواب حتى تردوا على آل محمد حقهم من الخمس والأنفال والفي ء).اهـ
أقول:
انظر إلى عدوّ الله كيف حوّل معاني الآيات النازلة في المنافقين الذين كفروا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما جاءتهم البينات، ففيها ذم ووعيد شديد لهؤلاء المنافقين الذين كفروا بمحمد وبالإسلام كله؛ حوّلها إلى أمر خاص لا وجود له ولا مكان له في القرآن والسنة، وإنما هو من افتراءات ابن سبأ ومن اتبعه من الزنادقة، وجعلها بخبثه في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فحكم عليهم بالردة، وجعل لعنة الله والملائكة والناس أجمعين تنصب عليهم وحكم عليهم بالخلود في النار .... إلخ.
وانظر إليه كيف حرف معنى قول الله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) إلى عقيدته الفاسدة في الفيء والخمس والأنفال!!
لماذا يفعل هذا؟ لأن رؤوس الرفض والزندقة يسلبون وينهبون أموال الأغبياء من أتباعهم باسم آل محمد وباسم الفيء والخمس والأنفال.(1/103)
وهذه كلها من ثمار الجهاد في سبيل الله، ومصارفها معروفة عند المسلمين، ولكن رؤوس الرفض والزندقة يفرضونها لأنفسهم بدون جهاد باسم آل محمد، بل هم لا يرون الجهاد في سبيل الله حتى يقوم مهديُّهم المعدوم الذي لن يوجد على الصفات التي اخترعوها، فكيف يقوم؟!
وقال العياشي (1/183):"عن رفاعة بن موسى قال سمعت أبا عبد الله -رحمه الله- يقول:(وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) قال: إذا قام القائم -رحمه الله- لا يبقي أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله".
وذكر روايتين إحداهما تربط الآية بعليّ والأخرى بالقائم على زعمهم، وهذا تحريف شنيع وتلاعب بمعاني القرآن ومقاصده الكبرى وإليك تفسير الآية.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- (3/102):(يقول تعالى منكراً على من أراد ديناً سوى دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي أسلم له من في السماوات والأرض أي استسلم له من فيهما طوعاً وكرهاً كما قال تعالى:(وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) الآية.
وقال تعالى:(أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه، والكافر مستسلم له كرهاً فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع).اهـ(1/104)
فهذا هو التفسير الحق، وانظر ماذا تضمن هذا التفسير من التوحيد والمعاني العالية النيرة، وقارن بينه وبين تفسير هذا الرافضي الباطني لترى مدى التلاعب بكتاب الله ومعانيه عند أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام بل وأهل البيت العظام.
وقال العياشي (1/184):
"عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال:(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا ما (!) تُحِبُّونَ) هكذا قرأها".
وأحال المحقق على البرهان والصافي.
أقول:
برّأ الله أبا عبد الله من هذا التحريف والكفر؛ فهل أبو عبد الله يبلغ به الجشع والطمع الْمَشين الذي لا حدود له في أموال الناس ليستولِي عليها كلها؟! كلا.
لقد جبل الإنسان على حب نفسه وماله، قال تعالَى:{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً}(الفجر:20)، وقال:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}(العاديات: 8)، فهل الله كلف الناس أو المؤمنين أن ينفقوا كل أموالهم في سبيل الله فضلاً أن تنفق كلها على بعض الناس؟! إنّ هذا التحريف الرهيب لَمِن فعل هذا الباطني وأمثاله، لا من أجل أهل البيت، ولكن من أجل كروشهم المتخمة بالسحت، ولو كان هذا التحريف من أجل أهل البيت أو من أجل غيرهم لكان كفراً!!
قال العياشي (1/184):(1/105)
"عن مفضل بن عمر قال: دخلت على أبي عبد الله -رحمه الله- يوماً ومعي شيء فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا؟ فقلت: هذه صلة مواليك وعبيدك، قال: فقال لي: يا مفضل إني لا أقبل ذلك وما أقبله من حاجتي إليه وما أقبله إلا ليزكوا به. ثم قال: سمعت أبي يقول: من مضت له سنة لم يصلنا من ماله قل أو كثر لم ينظر الله إليه يوم القيامة إلا أن يعفو الله عنه ثم قال: يا مفضل إنها فريضة فرضها الله على شيعتنا في كتابه إذ يقول:(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فنحن البر والتقوى وسبيل الهدى وباب التقوى ولا يحجب دعاؤنا عن الله، اقتصروا على حلالكم وحرامكم فاسألوا عنه وإياكم أن تسألوا أحداً من الفقهاء عما لا يعنيكم وعما ستر الله عنكم".
وأحال المحقق على البرهان.
أقول:
انظر إلى فعل الروافض الغلاة فتارة يدَّعون على أبي عبد الله أنه عدَّهم من آل محمد أنفسهم، وتارة يقولون إنهم عبيد وموالي أهل البيت!! وانظر كيف يفتري هذا الرجل على الله وعلى أبي عبد الله ويصوره في هذه الصورة من الجشع والتحايل لأخذ أموال الناس!!
وانظر كيف ينسب إلى أبي عبد الله أنه يقول:(من مضت له سنة لم يصلنا من ماله قلَّ أو كثر لم ينظر الله إليه)، وقد علم المسلمون أنّ الله حرّم الزكاة على آل محمد تنزيهاً لهم من أوساخ المسلمين فضلاً عن الروافض!! وكيف يدعي أنّ إعطاء هذا المال شريعةٌ فرضها الله على الشيعة في كتابه، ويستدل بقول الله تعالى:(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ونسي الأفاك أن يقول ما تحبون كما حرّفوها!!
وكيف يدّعي على أبي عبد الله أنه قال:(فنحن البر والتقوى وسبيل الهدى وباب التقوى) التفسير الذي لا يحتمله شرع ولا لغة ولا عقل.(1/106)
وانظر كيف يفتري على أبي عبد الله أنه ينهى شيعته أن يسألوا الفقهاء! وهذه محاصرة للشيعة ووضع للسدود بينهم وبين معرفة دين الله الحق عن طريق فقهاء المسلمي ! الأمر الذي يفضح الروافض ويبين ضلالهم في كل مجال.
قال العياشي ( 1/193):"عن الْحسين بن خالد قال: قال أبو الحسن الأول كيف تقرأ هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) ماذا؟ قلت: مسلمون، فقال سبحان الله! توقع عليهم الإيمان فسميتهم مؤمنين ثم يسألهم الإسلام والإيمان فوق الإسلام؟ قلت: هكذا يقرأ في قراءة زيد قال: إنما هي قراءة علي رضي الله عنه وهو التنزيل الذي نزل به جبرائيل على محمد -عليه الصلاة والسلام- (إلا وأنتم مسلمون لرسول الله ثم الإمام من بعده)". وأحال المحقق على البرهان والصافي.
أقول:
برّأ الله أبا الحسن من هذه الفرية العظيمة على الله وعلى كتابه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وبرّأ الله أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يزيدوا حرفاً أو ينقصوا منه، ففي هذا الكلام افتراء على الصحابة أنهم قد حذفوا منه ما ادّعاه هذا الأفاك وإنما هي زيادة زادها الباطنيون افتراءً على الله وطعناً في الصحابة والأمة.
ولم يأمر الله أن يسلموا لرسول الله ثم للإمام بعده، ولم يرد الإسلام في القرآن إلا لله، إذ هو الخضوع لعظمة الله وهو عبادته وحده، قال تعالى في مدح إبراهيم:{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(البقرة: 131).(1/107)
وقال تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - :{قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ}(الأنعام:14)، وقال تعالى:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ}(البقرة: 112)، وعلمنا رسول الله أن يقول أحدنا حينما يأوي إلى فراشه:( اللهم لك أسلمت)، فهذا الإسلام هو عبادة الله وإخلاص الدين له لا يَشْرَكه فيه أحد.
ورسل الله يطاعون، قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ)، وقال تعالى:{أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}(النساء: 59)، وقال تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}(النساء:80)، فهذه الطاعة هي الاتباع، وليست عبادة لا للرسول ولا لأولي الأمر.
ثم هذا الافتراء إنما ارتكبه هذا الرجل من أجل عقيدة الرفض في عليّ التي سنها لهم ابن سبأ.
عليّ -رضي الله عنه- ينبغي أن يُعرف أنه من قرابة رسول الله وأنه من الخلفاء الراشدين؛ فمن عرف هذا من طلاب العلم فلا يجوز له إنكاره، ومن لَمْ يعرف علياً ولا أهل بيته من جهال المسلمين فلا مسؤولية عليه، إنما السؤال في القبر والآخرة عن محمد وعما جاء به، وأما الإسلام لعليّ فهذا كذب على الله وعلى كتابه، ودعوة إلى عبادة عليّ، برّأه الله من الروافض وعقائدهم ومناهجهم.
قال القمي (1/108):
"وقوله:(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً) قال: التوحيد والولاية، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله (وَلاَ تَفَرَّقُواْ) قال: إنّ الله تبارك وتعالى علم أنهم سيتفرقون بعد نبيهم ويختلفون فنهاهم عن التفرق كما نَهى من قبلهم فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمد -رضي الله عنهم- ولا يتفرقوا".
أقول:(1/108)
الاعتصام بحبل الله هو الاعتصام بالكتاب والسنة وما فيهما من عقائد وأحكام ومعاملات وسياسة إلى آخر التشريعات، فيأتي هؤلاء الزنادقة فيصرفون الناس عن هذا الاعتقاد والعمل إلى عقائدهم الرافضية التي يحاربها القرآن والسنة والمسلمون وعلى رأسهم علي وأهل البيت!!
وإنّ علياً وأهل البيت -رضوان الله عليهم- لمأمورون بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ومنهيون عن التفرق، شأنهم شأن سائر المؤمنين، وهم بشر يصيبون ويخطئون، فما قالوه من حق مستمد من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وجب قبوله، وما أخطأوا فيه لا يجوز الأخذ به، شأنهم شأن سائر علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ كلٌّ منهم يؤخذ من قوله ويردّ.
وكَذَبَ الأفاك في قوله:(وأمرهم أن يجتمعوا على ولاية عليّ)، فالآية ومقاصدها العالية في واد وفرية هذا الباطني في واد بعيد عما أمر الله به ونهى عنه في الآية الكريمة وغيرها.
وقال العياشي (1/194):
"عن ابن يزيد قال: سألت أبا الحسن عن قوله (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً) قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حبل الله المتين.
عن جابر عن أبي جعفر -رحِمه الله- قال: آل محمد -رضي الله عنهم- هم حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به فقال (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)".
وأحال المحقق على البرهان والصافي والبحار وإثبات الْهُداة.
والإجابة على هذا الباطني ومن أيده هي الإجابة على صاحبه سلفاً.
قال القمي (1/109):
"وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر في قوله:(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) فهذه الآية لآل محمد ومن تابعهم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر".
أقول:(1/109)
هذه الآية فيها أمر للأمة أن تقوم بالأمر بالمعروف وهو التوحيد والعقائد الصحيحة والأعمال الصالحة التي أمر الله بها، وأن تنهى عن المنكر وهو الشرك والضلال والبدع وكل ما خالف شرع الله من كبائر الذنوب وصغائرها.
وهذه ميزة لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا قام بعض هذه الأمة بهذه الواجبات سقط الحرج عن الآخرين، وإذا تهاونوا وقصروا فإنّ المسئولية على الجميع.
والقول بأنّ هذه الآية لآل محمد ومن تابعهم من الافتراء على الله ومن التحريف لكلام الله عن مواضعه، وهذه طريقة اليهود، والحقّ أنّ الروافض ليسوا من أتباع أهل البيت، وإنما هم أتباع ابن سبأ اليهودي ومن سار على نهجه من رؤوس الرفض والزندقة، وهم دعاة إلى المنكر والشرك والكفر والضلال، وهم أعداء رسول الله وصحابته وأهل بيته، وما المعروف الذي يأمرون به إلا ما ذكرنا أنهم يدعون إليه!!
قال العياشي (1/195):
"عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال في قوله:(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ). قال: في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي؛ لأنه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الأمة التي وصفها الله لأنكم تزعمون أن جميع المسلمين من أمة محمد وقد بدت هذه الآية وقد وصفت أمة محمد بالدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن لم يوجد فيه الصفة التي وصفت بها فكيف يكون من الأمة وهو على خلاف ما شرطه الله على الأمة ووصفها به؟!".
وأحال الْمُحَقق على البرهان.
أقول:
فالقارئ يرى أنّ هذا الباطني يريد أن يكفر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالمعاصي وعلى رأسهم أصحاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم!!(1/110)
والْحَقيقة أنّ الروافض الباطنية هم الآمرون بأشد الْمُنكرات، والدعاة إليها، والناهون عن الْمَعروف وأشد الْمُحاربين له ولأهله وعلى رأسهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - !!
وما هي الْمَعاصي والْمُنكرات عندهم؟ إنَها مُخَالفة عقائدهم الضالة وأعمالَهم الفاسدة والْمَعروف عندهم هو ما أسلفنا ذكره من شرك وضلالات!!
قال القمي (1/110):
"وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان قال قُرئت عند أبي عبد الله -رحمه الله- (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) فقال أبو عبد الله رحمه الله:(خَيْرَ أُمَّةٍ) يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين -رضي الله عنهم-؟! فقال القارئ: جُعلت فداك كيف نزلت؟ قال: نزلت (كنتم خير أئمة أخرجت للناس) ألا ترى مدح الله لهم (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)".
أقول:
1- يؤكد هذا الباطني ويصرّ على تحريف القرآن.
2- الآية وصف مميز لهذه الأمة على سائر الأمم، وفي طليعة هذه الأمة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما عرفت البشرية بعد الأنبياء مثلهم، ولا كان ولا يكون مثلهم، فهم الذين يصدق عليهم في الدرجة الأولى من هذه الأمة أنهم المؤمنون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وقد زكاهم الله في آيات كثيرة، وزكاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث صحيحة على وجه العموم وعلى وجه الخصوص والتعيين، وشهد لأهل الحديبية بالجنة، وشهد للعشرة بالجنة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ -رضي الله عنهم- وقال الله لأهل بدر:(افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم).(1/111)
وهؤلاء العشرة هم أفضل هذه الأمة، ومن أَمْرِ أصحابِ محمد - صلى الله عليه وسلم - بالمعروف ونَهيِهِم عن المنكر: نشرُ التوحيد، والقضاء على الشرك والضلال في معظم المعمورة في وقتهم، والقضاء على الردة في الجزيرة، وانسياحهم في أرض فارس والروم يفتحونها بمهجهم وأموالهم حتى أضاءت الدنيا بنور الإسلام والتوحيد، وحتى تبددت ظلمات الشرك والكفر، كل ذلك على أيدي هؤلاء البررة الكرام والصحابة المجاهدين العظام، فماذا فعل الروافض؟! لقد فرقوا الأمة واجتهدوا في نشر الشرك والظلم والضلال، وما أحد آذى أهل البيت وخذلهم مثلهم حتى لم يستطيعوا أن يأمروا بالمعروف ولا أن ينهوا عن المنكر، وهذا أمر معروف ظاهر مشهور عند من له أدنى بصيرة وإدراك قد زخرت به كتب التاريخ!!
قال العياشي (1/195):"عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: في قراءة علي رضي الله عنه (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قال: هم آل محمد صلى الله عليه وسلم.
وأبو بصير عنه قال: إنما أنزلت هذه الآية على محمد صلى الله عليه وسلم فيه وفي الأوصياء خاصة فقال:(كُنتُمْ خَيْرَ أئمة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) هكذا والله نزل بها جبرائيل وما عنى بها إلا محمداً وأوصياءه -رحمهم الله-". وأحال المحقق إلى البرهان وإثبات الهداة والبحار والصافي.
- أقول :
أصل الآية : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) (آل عمران:110)(1/112)
فحرَّفها الروافض كما ترى إلى ( خير أئمة ) ليوافق عقائدهم الضالة وغلوهم الشنيع في الأئمة وهكذا ترى الرّوافض دعاةً إلى المنكر الأعظم، ومحرفين لكتاب الله بكلّ جرأة، فلا يلحقهم فيها يهود ولا غيرهُم !!
وبرّأ الله محمداً وجبريل والمسلمين وأهل البيت من هذا الإفك والتحريف الخطير، وإنما هذا من وحي الشيطان الرجيم إلى أوليائه وأنصاره وجنوده الروافض الباطنية عليهم من الله ما يستحقون.
وقال القمي (1/109-110):(1/113)
"عن علي بن إبراهيم في قوله (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) إلى قوله (فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) فإنه حدثني أبي عن صفوان بن يحيى عن أبي الجارود عن عمران بن هيثم عن مالك بن ضمرة عن أبي ذر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَرِد عليَّ أمتي يوم القيامة على خمس رايات؛ فراية مع عجل هذه الأمة؛ فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فحرفناه ونبذناه وراء ظهورنا وأما الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه، فأقول: رِدُوا النار ظِمَآء مظمئين مسودة وجوهكم. ثم يرد علي راية مع فرعون هذه الأمة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فحرفناه ومزقناه وخالفناه وأما الأصغر فعاديناه وقاتلناه، فأقول: ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد علي راية مع سامري هذه الأمة فأقول: لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فعصيناه وتركناه وأما الأصغر فخذلناه وضيعناه وصنعنا به كل قبيح فأقول: ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم. ثم ترد علي راية ذي الثدية مع أول الخوارج وآخرهم فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر ففرقناه (فمزقناه) وبرئنا منه وأما الأصغر فقاتلناه وقتلناه، فأقول: ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد علي راية مع إمام المتقين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ووصي رسول رب العالمين، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون أما الأكبر فاتبعناه وأطعناه وأما الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتى أهرقت فيهم دماؤنا. فأقول: ردوا الجنة رواء مرويين مبيضة وجوهكم.(1/114)
ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).اهـ
أقول:
انظر إلى هذا الباطني كيف يكفر أصحاب محمد ويرميهم بالكفر والخيانة والتحريف، ويحكم عليهم بالخلود في النار!!
1- ومراده بالعجل صاحب الراية الأولى: أبو بكر وأصحاب محمد الذين قضوا على أهل الردة!!
2- ومراده بصاحب الراية الثانية الذي وصفه المجرم بأنه فرعون هذه الأمة: الفاروق عمر بن الخطاب الذي قضى على المجوسية وملأ الدنيا عدلاً!!
3- ومراده بسامري هذه الأمة: عثمان الذي أجهز على المجوسية، والذي تستحي منه ملائكة الرحمن، والذي ثار عليه أصل الرفض ابن سبأ وشيعته!!
4- ومراده براية إمام المتقين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين: علي بن أبي طالب الذي برأه الله منهم والذي قتل أسلافهم، وانظر كيف وصفه بإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وهي صفات محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وبرّأ الله علياً من هذا الباطل!!
وانظر كيف يدّعي للروافض أنهم هم الذين قاموا بكتاب الله وحق أهل البيت، وأنهم هم الذين تبيض وجوههم ويدخلون الجنة، وأن الآية إنما تعنيهم بهذا الوصف، والذين تسود وجوههم هم أصحاب محمد ومن ناصرهم في الجهاد بالقرآن وفي الفتوحات الإسلامية الكبرى، فهؤلاء الروافض الباطنية هم وُرَّاث اليهود في الدعاوى الكاذبة حيث قالوا نحن: أبناء الله وأحباؤه، {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى}(البقرة: 111)، وقال الله تعالى مكذباً لهم:(تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)(البقرة: 111)، وهذا التكذيب من ربِّ العالمين ينطبق على هؤلاء الروافض الباطنية.(1/115)
قال العياشي (1/199):
"عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ قال: المقداد وأبو ذر وسلمان الفارسي ثم عرف أناس بعد يسير، فقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين -رضي الله عنه- مكرهاً فبايع وذلك قول الله:(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ).
عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قُبض صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة: علي والمقداد وسلمان وأبو ذر، فقلت: فعمار؟ فقال: إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شيء فهؤلاء الثلاثة".
أقول:
ما كان بين علي والمقداد وسلمان وأبي ذر والخلفاء الثلاثة إلا الأخوة والمحبة والولاء في الله.
وما كان بين عليّ وإخوانه أبي بكر وعمر وعثمان إلا المحبة والولاء، وعلى أي شيء يعاديهم عليّ -رضي الله عنه-؟! أعلى إسلامهم وهجرتهم وجهادهم بأموالهم وأنفسهم في حياة رسول الله؟! وبعد وفاته أيعادي أبا بكر وإخوانه من أجل قتالهم المرتدين والقضاء على الردة أم على فتوحهم للبلدان والقضاء على المجوسية في العراق والمشرق أم على فتح الشام ومصر والمغرب ونشر الإسلام فيها؟!
عليّ كان يقول كلمة الحق في إخوانه وفي نفسه -رضي الله عنه- .
ألم يتسرّى عليٌّ أمَّ محمد بن علي وهي من سبي أبي بكر؟ وكان يأخذ نصيبه من غنائم جيش عمر المجاهدين في العراق وفارس والشام، أرأيت لو كان عليٌّ يرى أبا بكر وعمر كافرين أكان يستحلّ من غنائمهما وسبيهما شيئاً؟!(1/116)
ولَمّا بُويع لعمر بن الخطاب بالْخِلافة ولَّى عليًا قضاء المدينة، (انظر البداية والنهاية-7/31)، وهو من كبار مستشاري علي -رضي الله عنه-، وكان يأخذ بفتاويه وآرائه، ولما أحضرت جنازة عمر تبادر عليّ وعثمان أيهما يصلي عليه، فصلى عليه صهيب بأمر عبد الرحمن بن عوف، ونزل عليّ وأهل الشورى قبر عمر حين دفنه مع ابنه عبد الله ما عدا طلحة حيث كان غائباً.البداية والنهاية (7-150).
ومن أخباره أنّ عمر وكّل خمسين رجلاً من المسلمين بأهل الشورى وجعل عليهم مستحثاً أبا طلحة الأنصاري والمقداد بن الأسود الكندي، وقال عمر: ما أظن الناس يعدلون بعليٍّ وعثمان أحدًا، ولما فرغ من شأن عمر جمعهم المقداد في بيت المسور بن مخرمة، ثم بعد تداول الأمر بين عبد الرحمن وإخوانه أهل الشورى الستة تمت البيعة لعثمان، ومن أوائل المبايعين له علي -رضي الله عنه-، ولم يتخلف عن بيعة عثمان أحدٌ من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ولما انتهى الجيش الاسلامي من فتح المدائن في خلافة عمر -رضي الله- عنه قام أميره سعد بن أبي وقاص بقسم الغنائم بين الجيش الاسلامي الفاتح، واستوهب سعد أربعة أخماس بساط كسرى ولبسه من الجيش ليبعثه إلى عمر -رضي الله عنه- والمسلمين بالمدينة؛ لينظروا إليه ويتعجبوا منه، فطيبوا له ذلك وأذنوا فيه، فبعثه سعد إلى عمر مع الخمس مع بشير بن الخصاصية، وكان الذي بشّر بالفتح قبله حليس بن فلان الأسدي، فروينا أنّ عمر لما نظر إلى ذلك قال: إنّ قوماً أدوا هذا لأمناء، فقال له علي بن أبي طالب: إنك عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعت.
ثم قسم عمر ذلك في المسلمين فأصاب علياً قطعة من البساط فباعها بعشرين ألفا.
وأما سلمان رضي الله عنه فكان في عهد عمر -رضي الله عنه- يشارك في الجهاد وفي الفتوحات، ولما عبر الجيش الإسلامي نهر دجلة بخيولهم عند اشتداد فيضانه كان سلمان يساير قائد الجيوش الاسلامية سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- في عبور هذا النهر.(1/117)
وأرسل سعد سلمان لدعوة الفرس إلى الإسلام، فدعاهم ثلاثة أيام، وكان سعد يسند إلى سلمان قسمة الغنائم بين المجاهدين.
انظر البداية والنهاية لابن كثير (7/71،69،67).
و تسرّى الحسين بن علي -رضي الله عنهما- سلافة بنت ملك الفرس يزدجرد وهي من سبي عمر حين فتح العراق وبلاد فارس؟!
فهذا واقع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أخوة ومحبة ووفاق واحترام بعضهم بعضا وانضباط عجيب، وهذا هو اللائق بهم وبمكانتهم وما هم عليه من دين وأخلاق وتقوى وإخلاص ومروءة وشرف، ومن يصورهم بغير هذه الصورة إنما هو عدو لله ثم لهم، يريد تشويه صورتهم الناصعة، وتشويه دينهم العظيم الذي تربوا عليه، وتشويه تاريْخهم الناصع الْمُنقطع النظير.
فأين هي العداوة وأين هو الحقد بين علي وبين إخوته وبين سلمان وبين إخوته من الخلفاء أو الصحابة الكرام؟! وكان عليّ يعرف لأبي بكر وعمر حقهما، ويفضلهما على نفسه، روى البخاري بإسناده عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت، قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين" (صحيح البخاري فضائل الصحابة حديث (3671).
فهذا عليّ يفضل بحقٍّ أبا بكر وعمر على نفسه وما يرى نفسه إلا رجلاً من المسلمين، ينقل عنه هذه الشهادة والتفضيل ابنه محمد بن علي، ويعلن عليّ على منبره تفضيل أبي بكر وعمر على نفسه، وذلك متواتر عنه وعن غيره، ولا يفتعل العداوة بينه وبين إخوته إلا أحفاد المجوس واليهود!!
- الآية (169):(1/118)
قال القمي (1/127):"وقوله (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: هم والله شيعتنا إذا دخلوا الجنة واستقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من المؤمنين في الدنيا (أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) وهو رد على من يبطل الثواب والعقاب بعد الموت".
أقول:
برّأ الله أبا عبد الله من هذه الدعوى العريضة للروافض! والذي نعتقده فيه أنه لا يجزم بالجنة لنفسه، فكيف يقول هذا في شر الخلائق: الروافض والباطنية؟!
وأقول:
برّأ الله أبا عبد الله من هذه المجازفة الكبرى التي لا يجوز أن يقولها أحد إلا الأنبياء بعد وحي الله لهم، وأبو عبد الله لا يقطع بهذا لنفسه، ولا يجوز له ذلك، فكيف يقطع بدخول الجنة لأضلّ الناس وأكذبهم وأشدّهم عداوة لأوليائه أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟!
وموضوع الآية: من يقتل في سبيل الله من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - مثل شهداء بدر وأحد وبئر معونة وحنين وغيرها، ويلحق بهم إن شاء الله من هو على عقيدتهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل التوحيد والإخلاص ممن يقاتل مخلصاً لله لإعلاء كلمة الله، وما نسب إلى أبي عبد الله واضح أنه من أكاذيب الروافض الذين لا يرون الجهاد في سبيل الله، ولا يقاتلون لإعلاء كلمة الله، وإن قاتلوا فلأجل أهوائهم وضلالاتهم!!
فموضوع الآية في واد وهم في واد آخر؛ في وادي الأماني الكاذبة التي تشبه أماني ودعاوى اليهود والنصارى، بل هم أجرأ على الكذب على الله وعلى تحريف كتاب الله من اليهود والنصارى!!
تفسير الآية (185)(1/119)
قال القمي (1/128):"قال علي بن إبراهيم: وأما قوله (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) أي نجا من النار (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ).
حدثني أبي عن سليمان الديلمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: إذا كان يوم القيامة يدعى محمد صلى الله عليه وسلم فيكسى حلة وردية ثم يقام على يمين العرش ثم يدعى بإبراهيم عليه السلام فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار العرش، ثم يدعى بعلي أمير المؤمنين -رضي الله عنه- فيكسى حلة وردية فيقام على يمين النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعى بإسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام على يسار إبراهيم، ثم يدعى بالحسن-رضي الله عنه- فيكسى حلة وردية فيقام على يمين أمير المؤمنين -رضي الله عنه- ثم يدعى بالحسين -رضي الله عنه- فيكسى حلة وردية فيقام على يمين الحسن -رضي الله عنه- ثم يدعى بالأئمة فيكسون حللا وردية ويقام كل واحد على يمين صاحبه، ثم يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم ثم يدعى بفاطمة ونسائها من ذريتها وشيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم ينادي مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة والأفق الأعلى: نعم الأب أبوك يا مُحَمَّد وهو إبراهيم ونعم الأخ أخوك وهو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ونعم السبطان سبطاك وهما الحسن والحسين ونعم الْجَنين جَنينك وهو مُحسن ونعم الأئمة الراشدون من ذريتك وهم فلان وفلان، ونعم الشيعة شيعتك ألا إن محمدا ووصيه وسبطيه والأئمة من ذريته هم الفائزون ثم يؤمر بِهم إلى الجنة)اهـ.
أقول:
برأ الله أبا عبد الله من هذا البهت العظيم.
انظر إلى هذا الإفك! عليٌّ والأئمة والروافض عن يمين العرش؛ إذ هم أمام الأئمة، وإبراهيم وإسماعيل فقط عن يسار العرش!(1/120)
فأين ذرية إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان وعيسى وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل؟!
وأين باقي الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؟!
وأين إبراهيم وأين محمد عليهما الصلاة والسلام؟! وأين بنات محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟! وأين بقية بني هاشم؟! بل أين بقية ذرية علي -رضي الله عنه-؟!
شيعة أهل البيت ونساؤهم في الجنة وأصحاب محمد وأزواجه في النار!! أو على الأصح تلاميذ ابن سبأ – أعني الروافض والباطنية- في الجنة وأصحاب محمد في النار!!
ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ويفترون على الله الكذب.
قال العياشي (1/200):
"عن الْحُسين بن الْمُنذر قال : سألت أبا عبد الله -رحِمَه الله- عن قول الله: (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) القتل أم الموت؟! قال: يعني أصحابه الذين فعلوا ما فعلوا".
وأحال الْمُحِقق على البحار والبُرهان.
أقول:
يعني الروافض الباطنية أنّ أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - هم الذين قتلوه!!
أصحاب محمد الذين كانوا يفدونه بأرواحهم وأنفسهم وهو أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم وأموالهم هم أعداؤه في نظر أرذل خلق الله وأحطهم وأشدهم كذباً وخيانةً وغدراً بالإسلام وبأهله وبأهل البيت!!
وهؤلاء الروافض وُرَّاث حقد اليهود والمجوس هم أحباؤه وأولياؤه والغيورون عليه!! لا يفوقهم في هذه الحال لا يهود ولا غيرهم!!(1/121)
أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين زكاهم الله في آيات كثيرة منها قوله:(محَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).
فهذه شهادة الله لهم في التوراة والإنجيل والقرآن يردها أعداء الله الذين يغيظهم ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وصفاتهم التي حلاّهم الله بها وشهد لهم بها، فهؤلاء كفار بشهادة الله عليهم؛ لأنهم أشد الناس بغضاً لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .
- تفسير الآية (144):
قال العياشي (1/200):"عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: تدرون مات النبي صلى الله عليه وسلم أو قتل؟ إن الله يقول:(أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) فسُمَّ قبل الموت إنهما سقتاه (قبل الموت) فقلنا: إنهما وأبوهما شر مَنْ خَلَقَ الله". وأحال الْمُحقق على البحار والبرهان والصافي.
وعلَّق على قوله:"سقتاه" بقوله:"وفي نسخة البحار (سَمَّتاه) بدل (سَقتاه) ومرجع الضمير كما قاله الفيض الإمرأتان".
أقول:
يعني الْمُجرمون عائشة وحفصة زوجتيْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال الخبثاء عن أبي بكر وعمر إنَهما شر من خَلَقَ الله!!
فهل وصل اليهود والنصارى وغيرهم إلى هذا الْخُبث وإلَى هذه العداوة لأصحاب أنبيائهم ولا سيما سادتهم مثل أبي بكر وعمر وعثمان.
وأقول:(1/122)
إنّ سيدتكم اليهودية هي التي سَمَّت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كذبت ولا افترت على أصحابه، وما أظنها هي واليهود قد بلغوا عشر معشار ما عندكم من العداوة والحقد على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل خلق الله بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
قال العياشي (1/210):"عن مُحَمَّد بن يونس عن بعض أصحابنا قال: قال لي أبو جعفر -رحمه الله- (كل نفس ذائقة الموت أو منشورة) (كذا) نزل بها على محمد صلى الله عليه وسلم: إنه ليس أحد من هذه الأمة إلا سينشرون، فأما المؤمنون فينشرون إلى قرة عين، وأما الفجار فينشرون إلى خزي الله إياهم". وأحال المحقق على البرهان والبحار.
أقول:
يقصد الأفاك أنّ أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قد حذفوا كلمة "منشورة" التي نزلت في جُمْلة هذه الآية، وهم الفجار سينشرون إلى خزي الله إياهم كما يفتري الروافض!! والروافض هم المؤمنون سينشرون إلى قرة عين كما يفترون هكذا يفعل الضلال والحقد بأهله!!
وقال في (1/211):
"عن يونس بن ظبيان قال: سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن قول الله (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) قال: مالهم من أئمة يسموهم بأسمائهم".
وأحال المحقق على البرهان والصافي.
أقول:
يقصدون الصحابة ومن تابعهم من المسلمين في التمسك بدين الله الحق وعدم الإيمان بأكاذيب الروافض، والآية في الكفار أي: ما لهم من مجير يجيرهم من عذاب الله، فيحملها الروافض على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - !!
وقال (1/211):"عن عمر بن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قوله: (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) قال: هو أمير المؤمنين نودي من السماء أن آمن بالرسول فآمن به". وأحال الْمُحقق على البحار والبرهان.
أقول:(1/123)
هل لم يؤمن بِمُحَمد - صلى الله عليه وسلم - إلا عليٌّ؟! وهل عليّ لَمْ يؤمن بالرسول حتى ناداه مناد من السماء؟! ألا ما أوقح الروافض وأجرأهم على الكذب وعلى تحريف القرآن!!
إنّ معنى الآية: أنّ المؤمنين سمعوا داعياً يدعو إلى الله وهو رسول الله فآمنوا به واتبعوه فحرَّف الروافض معنى الآية إلى ما ترى (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ)(البقرة79).
- الآية (195):
قال القمي (1/129):
"ثم ذكر أمير المؤمنين -رضي الله عنه- وأصحابه المؤمنين فقال:(فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ) يعني أمير المؤمنين وسلمان وأبا ذر حين أخرج".
أقول:
انظر إلى هذا التحريف!
الآية تعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ أخرجهم الكفار من ديارهم بمكة فهاجروا إلى المدينة وقاتلوا وقتلوا، فحولها الروافض إلى عليٍّ وأصحابه وهم فقط سلمان وأبو ذر، وسلمان لم يهاجر ولم يخرج من داره، وأبو ذر -رضي الله عنه- لم يخرج من داره، فقد أسلم قومه أو جُلُّهم على يديه قبل أن يهاجر إلى المدينة، وقد يقصد الرَّافضي خروجه إلى الربذة، فما أخرج قهراً، ولو كان كذلك فالآية لا تعني هذا الذي ذهب إليه هؤلاء الأفاكون لأنه ما حصل إلا بعد سنة ثلاثين من الهجرة.
فالآية تعني جميع المهاجرين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين تركوا ديارهم وأموالهم لله ثم للجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونصرته كما قال تعالى:(لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)(الحشر: 8).(1/124)
فهذه بعض تزكيات الله لهم وشهادته لهم.
يريد أعداء الله إبطالَها عداوةً لله ولرسوله ولأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وتكذيباً لله ولكتابه!!
ثم قال (1/129):"وأما قوله:(اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ) فإنه حدثني أبي عن أبو بصير عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: اصبروا على المصائب وصابروا على الفرائض ورابطوا على الأئمة -رحمهم الله-".
وقال العياشي (1/213) بعد أن ساق رواية وفيها:"(وَصَابِرُواْ) عدوكم ممن يخالفكم (وَرَابِطُواْ) إمامكم (وَاتَّقُواْ اللّهَ) فيما أمركم به وافترض عليكم".
قال:"وفي رواية أخرى عنه (اصْبِرُواْ) على الأذى فينا، قلت:(فصابروا)، قال: على عدوكم مع وليّكم قلت:(ورابطوا)، قال: المقام مع إمامكم...".
وقال:"وعن يزيد عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله: (اصبروا) يعني بذلك عن المعاصي و(وصابروا ) يعني التقية (ورابطوا) يعني الأئمة، ثم قال: تدري ما معنى لبد وما لبدنا، فإذا تحركنا فتحركوا (واتقوا الله ما لبدنا ربكم لعلكم تفلحون) قال: قلت: جعلت فداك إنما نقرؤها (واتقوا الله) قال: أنتم تقرؤونَها كذا ونحن نقرؤها كذا".
أقول:
1- إنّ الخطاب في الآية للمؤمنين، والأوامر موجهة إليهم، لكن الروافض الباطنية يحرفون كلام الله عن مواضعه افتراءً على الله!!
2- في الآية حثّ على الرباط في الثغور وفي المساجد للعبادة وقد ورد فيهما أحاديث، فما دخل الأئمة والروافض ولا سيما في عهد الرسول وأصحابه وعهد نزول القرآن؟!
ألا ترى أنّ القوم يستهزئون بالقرآن ويتلاعبون به!!
إنّ هذه الإمامة وما تبعها لا أصل لها في الإسلام وليست من أهدافه، وإنما هي من اختراعات أتباع ابن سبأ، والقوم لا رادع لهم من الكذب على الله وتحريف آياته عن مواضعها.
3- انظر كيف يفترون على الله ويقحمون في القرآن زيادات ومنها الزيادة في هذه الآية (ما لبدنا ربكم).(1/125)
هذا الكلام السخيف ولعلهم حذفوا شيئاً من هذه الزيادة كما يفهم من السياق!!
4- ما دخل التقية في هذه الآية الشريفة وتقيتهم هي النفاق والكذب والغش والحقد على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وتكفيرهم.
(تفسير سورة النساء)
- تفسير قول الله تعالى:(فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).
قال العياشي (1/221):
"عن عبد الله بن المغيرة عن جعفر بن محمد رحمه الله في قول الله:(فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم) قال: فقال: إذا رأيتموهم يحبون آل محمد فارفعوهم درجة".
أحال المحقق إلى البحار والبرهان.
أقول: إنّ حب الله وملائكته ورسله والصحابة وسائر المؤمنين أمر محتم ومن صميم الدين وآل محمد من المؤمنين، لكن هذا ليس هو معنى الآية، ولماذا يقدم في امتحانه آل محمد فقط إذا كان الامتحان لمعرفة إيمانه؟!
والمراد بالرشد في الآية (رشد اليتامى) الصلاح في دينهم، والأهلية لحفظ أموالهم، وبه يقول ابن عباس والمفسرون والفقهاء، انظر ابن كثير (3/354).
تفسير قول الله تعالى:(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء الآية (29).
قال العياشي (1/237):(1/126)
"عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: يا معاذ الكبائر سبع فينا أنزلت ومنا استخفت وأكبر الكبائر الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله وعقوق الوالدين وقذف المحصنات وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وإنكار حقنا أهل البيت، فأما الشرك بالله فإن الله قال فينا ما قال، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فكذبوا الله وكذبوا رسوله، وأما قتل النفس التي حرم الله فقد قتلوا الحسين بن علي -رضي الله عنه- وأصحابه، وأما عقوق الوالدين فإن الله قال في كتابه (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وهو أب لهم فقد عقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذريته وأهل بيته ، وأما قذف المحصنات فقد قذفوا فاطمة -رضي الله عنها- على منابرهم، أما أكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفيئنا في كتاب الله،وأما الفرار في الزحف فقد أعطوا أمير المؤمنين -رضي الله عنه- بيعتهم غير كارهين ثم فروا عنه وخذلوه، وأما إنكار حقنا فهذا مما لا يتعاجمون فيه".
أقول:
1- برّأ الله أبا عبد الله من هذا الافتراء والتحريف لكتاب الله، انظر كيف حرف معنى الآية! وانظر كيف فسر الشرك بالله الذي هو اتخاذ الأنداد مع الله في عبادته كدعاء غير الله والاستغاثة به والسجود والركوع لغير الله والذبح والنذر لغيره، وقد بعث الله جميع رسله لمحاربة هذا الشرك فيخترع له هذا الباطني معنى يفتريه لأهل البيت هو وأمثاله لا وجود له في الكتاب والسنة ألا وهو: الولاية والوصاية التي اخترعها ابن سبأ، فيجعل عدم الاعتراف بهذا الأمر هو الشرك بالله الذي حاربه محمد - صلى الله عليه وسلم - وجميع الأنبياء.
2- حصر قتل النفس في قتل الحسين وأصحابه! أما قتل عمر بن الخطاب وعثمان وعليّ وسائر من قتل ظلماً من الصحابة في المعارك ومن غيرهم فهذا أمر لا يستحق الذكر عند الروافض!!(1/127)
3- قوله: وأما عقوق الوالدين فإن الله قال في كتابه ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) وهو أب لهم فقد عقوا رسول الله في ذريته وأهل بيته .
أقول:
لقد حرف معنى الآية الذي أراده الله إلى معنى آخر لا يريده الله من هذه الآية؛ فحق الرسول هو الطاعة والاتباع والحب والتعزير والتوقير.
فَمَن أشد عصياناً لرسول الله من الروافض والباطنية في أبواب التوحيد والعقائد وأبواب الطاعة والاتباع بل والتصديق الصحيح للقرآن؟! ومن طعن في زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين مثل الروافض وافترى عليهن الافتراء العظيم؟! ومن أشد عصياناً من الروافض والباطنية لله ورسوله في حق أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث زكاهم الله ورسوله و-رضي الله عنهم- ووعدهم الحسنى، ونهى رسول الله عن سبهم فقال:(لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)؟!
فأبى الظالمون الروافض والباطنية إلا عصيان الله ورسوله وتكذيب القرآن والسنة ومعاندتهما حيث أبغضوا أصحاب محمد وكفَّروهم ولعنوهم وحكموا عليهم بالخلود في النار، ذلكم الإجرام الذي لم يرتكبه اليهود ولا النصارى ولا غيرهم في أصحاب أنبيائهم!!
ومن الذي أساء إلى أهل البيت وضيّع حقوقهم وشوّه صورتهم مثل الروافض والباطنية؟! فهم لا يعترفون إلا باثني عشر منهم، وأداروا ظهورهم لسائر بني هاشم، وإساءتهم إلى من اعترفوا بهم أعظم وأشد!! فكم افتروا عليهم من الأكاذيب الكفرية؟! إنه شيء لا تطيقه السماوات والأرض والجبال.
أما الصحابة وأهل السنة فقد عرفوا لهم حقهم المشروع، واعتبروه من عقائدهم، ومن قصَّر في حقهم أنكروا عليه، ومن أبغضهم مثل النواصب أبغضوه وحاربوه وبينوا ضلاله.(1/128)
ولم يجاروا الروافض في الغلو الكاذب في أهل البيت؛ لأن الله نهى عن الغلو حتى في الأنبياء، ونهى رسولُ الله عن الغلو فيه وإطرائه فقال:(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)، ولما قال له بعض الصحابة: أنت سيدنا وابن سيدنا قال:(لا يستجرينكم الشيطان إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله).
وقوله:"وأما قذف المحصنات فقد قذفوا فاطمة -رضي الله عنها- على منابرهم".
أقول:
ما أجرأكم على البهت! فلأول مرة أسمع هذه الفرية الكبرى على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - !!
فو الله ما كان هذا من أصحاب محمد وزوجاته ولا من أحد من المسلمين، وقد روت عائشة حديثَ:(أنَّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) وتداول أهل السنة هذا الحديث وغيره مما ورد في حق فاطمة -رضي الله عنها- في مؤلفاتهم، ويعتقدون ذلك في قلوبهم، ويذكرون ذلك بألسنتهم، فما أشدّ بهتكم وافتراءكم على الله وعلى رسوله وصحابته وسائر المؤمنين!!
فأنتم أيها الروافض الباطنية الذين تقذفون عائشة -رضي الله عنها- وتطعنون في زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعرضه وتقذفون أمهات المسلمين وتقولون عنهم أنهم أولاد زنا! وما تخفونه للإسلام والصّحابة والمسلمين أكبر مما تظهرون، وما ابتلي الإسلام والمسلمون بمثلكم، فما أنشئ دينكم القائم على الكذب والحقد الأسود إلا لهدم الإسلام والمسلمين!!
قوله:"وأما أكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفيئنا في كتاب الله".
أقول:
إنّ هذا القول تحريفٌ لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فاليتامى الذين حرم الله أكل أموالهم ظلماً: هم من فقدوا آباءهم ويحتاجون إلى من يصلح لهم أموالهم التي ورثوها من آبائهم من الأوصياء، وهم معروفون في لغة العرب والعجم، ومن أنزل أهل بيت الرسول منزلة اليتامى فقد أهانهم.(1/129)
وأما الفيء فقد قال الله تبارك وتعالى:{مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ}، فما خصه الله بأهل البيت بل لهم سهم بل جعل لذوي القربى خمس السهم.
ومَن هم ذووا القربى؟ إنهم بنو هاشم وبنو المطلب.
وكان أبو بكر وعمر وعلي -رضي الله عنهم- يجعلون سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكراع والسلاح وهو قول طائفة كبيرة من العلماء -رحمهم الله-.
وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب لأنهم وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي الإسلام، فأشركهم رسول الله مع بني هاشم، وقدمهم على بني نوفل وبني عبد شمس، وكانوا بمنزلة واحدة هم وبنو المطلب.
وقد انقطع كل من الفيء والخمس بضعف المسلمين عن الجهاد!
لكن الروافض فرضوا الخمس وغيره على أتباعهم بدون جهاد، واعتبروا هذا حقاًّ للأئمة الاثني عشر فقط، ثم حصروه في الإمام المعدوم دون سائر بني هاشم وبني المطلب، واحتكره رؤوس الرفض لأنفسهم دولة بينهم!!
وهكذا يأكلون السحت وأموال الناس بالباطل، ويصلون عند أتباعهم إلى مراتب فوق الملوك يقدسونهم ويعظمونهم ويقدمون أموالهم تقرباً إليهم، ثم يتباكون على أهل البيت كذباً وزوراً وهم الظالمون للمسلمين وللصحابة ولأهل البيت ولأتباعهم المستغفلين!!
قوله:"والفرار من الزحف فقد أعطوا أمير المؤمنين بيعتهم ثم فروا عنه وخذلوه".
أقول:(1/130)
إنّ من بايع علياً -رضي الله عنه- على الخلافة فما نكثوا بيعتهم ولا خذلوه، لكنهم اجتهدوا في طلب قتلة عثمان تلاميذ ابن سبأ، ودار الحوار بين طلحة والزبير ومن معهما من جهة وعلي -رضي الله عنه- ومن معه من جهة أخرى، وكادت كلمتهم أن تجتمع، فأحس تلاميذ ابن سبأ المدسوسون وهم أصول الرفض بالخطر، فأنشبوا القتال بين الفريقين مكيدة منهم وتفريقاً لكلمة الصحابة وسائر المسلمين، وحصل ما حصل من قتل طلحة والزبير من غير رضىً من علي -رضي الله عنه-، وقد ورد عن عليٍّ -رضي الله عنه- إهانة قاتل الزبير، وروايات عديدة عنه تتعاضد، ومنها الصحيح أنه قال: إني أرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى فيهم:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}. وقال مثلها في طلحة وابنه حاضر، وأهان من اعترض على قوله هذا، وقال مثلها في الزبير وأهان قاتله.
وانظر تفسير ابن جرير ( 14/36-37) والمستدرك للحاكم (2/353-354) والطبقات لابن سعد (3/168) وفي الرواة من وصف بالتشيع.
قوله:"وأما إنكار حقنا": فما هو الحقّ المزعوم الذي لا يدّعيه أهل البيت وإنما يفتريه لهم أعداء الله استغلالاً لاسم أهل البيت؛ لأنه يحقق لهم تجارات مالية ومناصب دينية وسياسية وليس لأهل البيت منه إلا السراب!!
فهذا عليّ يبايع الخلفاء الراشدين من قبله.
وهذا الحسن يتنازل عن الخلافة لمعاوية وجيوشُه أمثال الجبال! أيتنازل عن حقّه لكافر وقد مدحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تحقيق هذا الأمر فقال:(إنّ ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين). (البخاري: 2704)، فمدح الحسن وسمى الفئتين مسلمين؟!
ولم يسمّ رسول الله ولا الحسن ولا أهل البيت هذا الصلح اغتصاباً، وإنما يسمّيه أعداء الله اغتصاباً لأجل مصالحهم، وانظر موقف بقية أهل البيت من الخلفاء الراشدين والصحابة، انظر ص(32).(1/131)
قال العياشي (1/241):"عن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد الوالدين وعلي الآخر فقلت: أين موضع ذلك في كتاب الله؟ قال: اقرأ (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا).
وعن أبي بصير عن أبي جعفر -رحمه الله-: في قول الله (وبالوالدين إحسانا) قال:"إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد الوالدين وعليّ الآخر، وذكر أنها الآية التي في النساء" وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي.
أقول:
هذا كلام تقشعر منه الجلود، وما أستطيع التعبير عن معناه لخسته وخبث مفتريه.
ثم إنّ حق رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة عظيم وكبير، وقد أشرنا إلى هذا سلفاً.
واللهُ سبحانه أرسل محمداً رحمة للعالمين، فبيَّن حقّ الله وحقّ رسوله وحقوق المؤمنين بعضهم على بعض وحقوق الأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وحتى حقوق أهل الذمة من الكفار والمعاهدين وحتى حقوق الحيوانات والبهائم.
وهذه الآية أمر الله فيها بعبادته وحده، ونهى عن الشرك به، وأمر الناس بالقيام بحقوق الوالدين والإحسان إليهما، وقد كرّر الله هذه الأمور في محكم كتابه.
قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }(الإسراء: 23-24).(1/132)
وقال تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(لقمان:(14-15).
إلى آيات أخر وأحاديث يبيِّن الله فيها ورسوله حقّ الوالدين، فماذا يقول هذا المأفون في هذه الآية وما يماثلها مما فيه بيان حمل الأم ووضعها عند الوصية بالوالدين، وماذا يقول من يؤيده؟
وهكذا يحرف الروافض كتاب الله، ويهدرون حقوق عباد الله، بل ويهدرون حقوق الله تحت ستار عليّ وأهل البيت.
- تفسير الآية (41):
قال القمي (1/139):"وقوله:(فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) يعني الأئمة -رحمهم الله أجمعين- (وجئنا بك) يا محمد (على هؤلاء شهيدا) يعني على الأئمة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم شهيد على الأئمة وهم شهداء على الناس".
أقول:
انظر كيف حرَّف الآية وفسرها هذا التفسير الباطني الذي أضاع فيه حق رسول الله ومكانته، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله إلى الناس كافة أسودهم وأحمرهم بشيراً ونذيراً إلى يوم القيامة لا يشهد إلا على ثلاثة في زمانه وتسعة بعد وفاته!! والأئمة هم الذين يتولون هذه المهمة العظيمة الشهادة على الأمم من أولها إلى آخرها بما فيها هذه الأمة!!
وأضاع أيضاً حق الأنبياء ومكانتهم، فالأنبياء ليس لهم أي حق في الشهادة على أممهم، فإن الله قد أعطى هذا الحق للأئمة إكراماً للروافض.
ومعنى الآية واضح كالشمس أنّ الله يبعث الناس للحساب والجزاء، ويأتي الله بالأنبياء جميعاً ليشهد كل نبي على أمته أنه بلغها رسالات الله.(1/133)
قال تعالى في سورة الزمر:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ. وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}(الزمر: 69-70).
قوله:(وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ)، قال ابن عباس: يشهدون على أممهم بأنهم بلغوهم رسالات الله إليهم، (وَالشُّهَدَاء) أي الشهداء من الملائكة الحفظة على أعمال العباد من خير وشر، وقضي بينهم بالحق أي: بالعدل.
فهذا مراد الله من هذه الآيات، وهو اللائق بكلام الله واللائق بالأنبياء ومكانتهم عند الله وعند المؤمنين.
ولا يجوز لعاقل أن يرفع رأسه بدجل الروافض وتحريفهم لكلام الله.
وقال العياشي (1/242):"عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن قول الله (يوم نأتي من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال: يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة من كل أمة بشهيد بوصي نبيِّها وأوتى بك يا علي شهيدا (شاهداً خ ل) على أمتي يوم القيامة".
أقول:
ونص الآية:(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ)، ثم ما ذكره العياشي كلام سخيف وكذب على الله، النبيّ يأتي من كلّ أمة بشهيد، والشهيد هو الوصيّ، فليس الله هو الذي يأتي من كل أمة بشهيد وإنما الذي يأتي بهم النبي، والنبي يأتي بأوصياء الأنبياء ليشهدوا على أممهم لا بالأنبياء؛ لأن العقل الرافضي قد أبعدهم، ويؤتى النبي بوصيه عليّ ما يأتي به هو كما أتى بأوصياء الأنبياء، يؤتى بعليّ ليشهد على أمة محمد، ولا أدري لماذا استبعد العقل الرافضي محمداً - صلى الله عليه وسلم - عن أن يشهد على هذه الأمة؟!
وهل القرآن يدل على ما يقوله هذا الباطني دلالة مطابقة أو تضمن أو التزام من أنّ لكل نبي وصي، وهذا الوصي هو الذي يشهد على أمته، وذلك النبي معزول عن هذا الشرف العظيم ويحظى به وصيه.(1/134)
قال العياشي (1/245):"عن جابر عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: أما قوله (إنّ الله لا يغفر أن يشرك به) يعني: أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي، وأما قوله:(ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) يعني: لمن والى علياً -رضي الله عنه-" وأحال المحقق على البرهان والصافي.
أقول:
الشرك هو: اتخاذ أنداد مع الله في عبادته كدعاء غير الله والذبح له والركوع والسجود أو الرغبة والرهبة والتوكل، فمن صرف شيئاً من العبادات لغير الله فقد أشرك بالله، وهذا هو المقصود بهذه الآية وغيرها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهو الذي جاء الرسل جميعاً بمحاربته، والوعيد بالخلود في النار وعدم المغفرة إنما هو على هذا الشرك، ولا علاقة للآية بالولاية من قريب ولا بعيد.
فيأتي الزنادقة الباطنية فيحرفون آيات الله عن مواضعها ومقاصدها تضليلاً لأتباعهم، فتؤدي هذه التحريفات الخبيثة إلى إسقاط أعظم حقوق الله من إيجاب توحيده وإخلاص الدين له، وكم لهم من التحريفات الإجرامية التي تودي إلى إسقاط حقوق الله وتعظيمه وإجلاله وإسقاط حقوق الرسل -عليهم الصلاة والسلام- والمؤمنين، ومن أهدافهم في ذلك إثبات عقائدهم الخبيثة في أهل البيت، ثم تكفير الصحابة والمؤمنين من هذه الأمة الذين يعرفون للصحابة حقهم، ومنهم علي -رضي الله عنه- الذي ما هضم الصحابةُ والمؤمنون شيئاً من حقه، ولا غلوا فيه كما يفعل الروافض وزنادقتهم فرفعوه فوق منزلته، كما يعرفون لأهل البيت حقوقهم المشروعة دون إفراط أو تفريط.
قال القمي (1/139):
"وقوله:(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً) قال: يتمنى الذين غصبوا أمير المؤمنين -رضي الله عنه- أن تكون الأرض ابتلعتهم في اليوم الذي اجتمعوا فيه على غصبه وأن لم يكتموا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه".
أقول:(1/135)
انظر إلى هذا التحريف الباطني، إنّ موضوع الآية الكريمة ما يلاقيه الكفار الذين كذبوا الله ورسوله من الأهوال يوم القيامة، فينزلها هذا الباطني على أصحاب محمّد الذين آمنوا بالله ورسله وكتبه ...إلخ، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، ومات رسول الله وهو عنهم راض.
إنّ الخلفاء الراشدين لم يظلموا علياً – رضي الله عنه- ولا مثقال ذرة.
أرأيت لو كان الأمر كما ذَكَرَ هذا الأفاك المحرف أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسكت عنهم؟!
وهل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمرّ على مصاحبتهم وإكرامهم والإشادة بفضائلهم؟!
ولو كان الأمر كما ذكر هذا الباطني كيف يثني الله عليهم ويخبر عن رضوانه عنهم ويَعِدُهم جنات تجري تحتها الأنهار في سورة التوبة التي هي من أواخر السُّور نزولاً حيث قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة100)؟!
هكذا يفعل الحقد الباطني بأصحابه، فيهدرون ما أعطى الله لأصحاب محمد من الكرامة والمنزلة، فيكفرونهم، وينزلون الآيات التي في المشركين وفي اليهود والنصارى على هؤلاء الكرماء الذين -رضي الله عنهم ورضي عنهم رسوله، ولا تجد أكذب وأقبح من كلام من يطعن فيهم بعد ثناء الله ورسوله ووعد الله ورسوله لهؤلاء الصحابة الكرام، وما أجمل كلام خيار المؤمنين فيهم، ومن أجمله كلام أهل البيت فيهم، وقد قدمنا بعضه، ومن كلامهم الجميل ما قاله الحسن بن الحسن.(1/136)
قال ابن سعد في طبقاته (5/319- 320): أخبرنا شبابة بن سوار الفزاري قال أخبرني الفضيل بن مرزوق قال: سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل ممن يغلو فيهم:(ويحكم أحبّونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا، قال: فقال له رجل: إنكم قرابة رسول الله وأهل بيته، فقال: ويحك لو كان الله مانعا بقرابة من رسول الله أحدا بغير طاعة الله لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباً وأماً، والله إني لأخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين، وإني لأرجو أن يؤتى المحسن منا أجره مرتين، ويلكم اتقوا الله وقولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضى به منكم، ثم قال: لقد أساء بنا آباؤنا إن كان هذا الذي تقولون من دين الله ثم لم يطلعونا عليه(1)ولم يرغبونا فيه! قال فقال له الرافضي: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي:(من كنت مولاه فعلي مولاه)، فقال: أما والله أن لو يعني بذلك الإمرة والسلطان لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم: أيها الناس هذا وليكم من بعدي، فإنّ أنصح الناس كان للناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان الأمر كما تقولون: إنّ الله ورسوله اختارا عليًّا لهذا الأمر والقيام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إن كان لأعظم الناس في ذلك خطيئة وجرما، إذ ترك ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيه كما أمره أو يعذر فيه إلى الناس).
قال القمي (1/139):
__________
(1) وهذا الكلام من هذا الهاشمي النبيل من الأدلة على أنّ ما يقوله الروافض عن أهل البيت من الولاية والإمامة وغيرهما كذب في كذب, وأنّ ذلك ليس من دين الله وإنما هو من دين ابن سبأ وأتباعه, ولو كان من دين الله لصرح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة وأهل البيت, ولقام عليه إجماع الأمة, ولو كان من دين الله لقاتل عليه عليٌّ من أول يوم, ولما بايع الخلفاء قبله.(1/137)
"وقوله تعالى:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ) يعني ضلوا في أمير المؤمنين (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) يعني أخرجوا الناس من ولاية أمير المؤمنين وهو الصراط المستقيم).
أقول:
انظر هذا الزنديق كيف يهذي بهذه الولاية التي اخترعها ابن سبأ ويرفضها عليّ وأهل بيته والمسلمون جميعاً، ولقد طارد عليّ هذا اليهودي ابن سبأ ليقتله على أكاذيبه ومنها الوصية لعلي، فأبى الروافض إلا مخالفة علي والمسلمين والركض وراء ابن سبأ في أباطيله، بل زادوا عليه كثيراً، وحرفوا كثيراً من الآيات القرآنية لأجل هذه الفرية، ولينفذوا منها إلى تكفير الصحابة وسائر المؤمنين!!
الآية أيها الروافض أنزلها الله في ذم اليهود وتوبيخهم وتكفيرهم؛ لأنهم كفروا بالله وبرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به، وكفروا بما جاء في التوراة من البشائر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن صفاته وصفات أمته، فتأبى نفوسكم أن تنزلها على اليهود ولا تقر أعينكم إلا بإنزالها على أفضل الخلق عند الله بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأحبهم إلى الله ورسوله بعد الأنبياء، وأشد وأبغض الناس إلى الشيطان وأوليائه.
اليهود والنصارى والروافض هم الذين يريدون أن يضل الصحابة وسائر المؤمنين عن سبيل الله، وأصحاب محمد يريدون هداية الناس ويجاهدون في سبيل الله ليهدوا الناس السبيل: سبيل الله وصراطه المستقيم، وقد حقق الله لهم ما أرادوا وإن رغمت أنوف الروافض.
قال القمي (1/140):"وقوله:(ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء) قال: هم الذين سموا أنفسهم: بالصديق والفاروق وذي النورين".
أقول :(1/138)
إن الآية إنما هي في اليهود والنصارى الذين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه:{وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى}(البقرة111)، {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً}.
ويشبههم الروافض في تزكية أنفسهم وافترائهم على الله وعلى عليّ وعلى أهل البيت منازل لهم قد تفوق دعاوى اليهود والنصارى.
أما الصديق والفاروق وذو النورين فما زكّوا أنفسهم، ولا لقّبوا أنفسهم بهذه الألقاب، وإنما زكاهم بها رسول الله والمؤمنون الصّادقون.
قال:"وقوله (وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) قال القشرة التي على النواة ثم كنى عنهم فقال انظر كيف يفترون على الله الكذب وهم غاصبوا أهل محمد حقهم".
أقول:
1- إنّ الصديق والفاروق وذا النورين عثمان -رضي الله عنهم- لم يزكوا أنفسهم، بل كانوا من أشد الناس خوفاً من الله واتقاءً له، ومن يقرأ تاريخهم يعرف ذلك، ولم يقل أبو بكر: أنا الصديق، ولا قال عمر: أنا الفاروق، ولا قال عثمان: أنا ذو النورين، وإنما قالها من عرف حالهم ومنزلتهم وسيرتهم وأخلاقهم وأعمالهم من المؤمنين، وتلك عاجل بشرى المؤمن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
ولقد كان الصحابة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشهدون لهم بأنهم أفضل الأمة، وقد تواتر عن عليّ -رضي الله عنه- تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على نفسه.
2- إنّ الثلاثة الخلفاء الراشدين ما غصبوا آل محمد شيئاً، بل كانوا يكرمونهم، وكان عمر يقدم بني هاشم على أسرته بني عدي، ويقدم أسامة مولى رسول الله على ابنه عبد الله بن عمر.
__________
(1) بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما عليك نبي وصديق وشهيد".(1/139)
3- إنّ أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - هم أفضل الأمم وأبرها قلوباً وأصدقها ألسناً؛ فلم يُعْرَفْ عن أحد منهم كذبة - رضي الله عنهم-، فكيف يقول الباطنيون عنهم أنهم يفترون على الله الكذب؟! فما عرفت البشرية أكذب من الروافض ولا سيما باطنيتهم كهذا الأفاك الأثيم!!
قال القمي (1/140):"(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً) قال: نزلت في اليهود حين سألهم مشركوا العرب فقالوا: ديننا أفضل أم دين محمد؟ قالوا: بل دينكم أفضل، وقد روي فيه أيضاً أنها نزلت في الذين غصبوا آل محمد حقهم وحسدوا منزلتهم، فقال الله تعالى:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً} يعني النقطة في ظهر النواة، ثم قال: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) يعني بالناس ههنا أمير المؤمنين والأئمة -رحمهم الله- (عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً) وهي الخلافة بعد النبوة وهم الأئمة -رحمهم الله-".
أقول:
الآيات في اليهود تبين كفرهم وعنادهم وعداوتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين به وحسدهم له ولأصحابه ولأمته، وقد أشار إلى ذلك القمي ثم أبت عليه باطنيته ورفضه إلا أن يصرف الآيات ومقاصدها إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يفتري عليهم، ويصب عليهم أكاذيبه وحقده متستراً بأهل البيت وما يزعمه من حقهم المغصوب!!
ويجعل اللعن الموجه إلى اليهود لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو وأمثاله أحقّ باللعن والخذلان والذل والهوان في الدنيا والآخرة.(1/140)
ثم قال الباطني القمي (1/140-141):"قال علي بن إبراهيم في قوله (فمنهم من آمن به) يعني أمير المؤمنين -رضي الله عنه-، وهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار -رضي الله عنهم- (ومنهم من صد عنه) وهم غاصبوا آل محمد صلى الله عليه وسلم حقهم ومن تبعهم. قال: فيهم نزلت (وكفى بجهنم سعيرا) ثم ذكر عز وجل ما قد أعده لهؤلاء الذين قد تقدم ذكرهم وغصبهم فقال (إنّ الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا) قال: الآيات أمير المؤمنين والأئمة -رحمهم الله-، وقوله (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) فقيل لأبي عبد الله -رحمه الله-كيف تبدل جلود غيرها؟ قال: أرأيت لو أخذت لبنة فكسرتها وصيرتها ترابا ثم ضربتها في القالب أهي التي كانت، إنما هي ذلك، وحدث تغييرٌ آخر والأصل واحد.
ثم ذكر المؤمنين المقرين بولاية آل محمد -رحمهم الله- بقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) ثم خاطب الأئمة -رحمهم الله-، فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) قال: فرض الله على الإمام أن يؤدي الأمانة إلى الذي أمره الله من بعده ثم فرض على الإمام أن يحكم بين الناس بالعدل فقالك (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ثم فرض على الناس طاعتهم فقال:(ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) يعني أمير المؤمنين -رضي الله عنه-".
أقول:(1/141)
إنّ الرفض الحاقد على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ليمسخ العقول حتى يصير المصابون به أكذب الناس، وأحطهم أخلاقاً، وأشدهم على الله افتراءً وتحريفاً لكتابه العظيم، فالآيات في سياق طويل كلها تتحدث عن اليهود وكفرهم بمحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به، بل بكفرهم بما آتى الله إبراهيم وخيار ذريته من الأنبياء والمؤمنين، فيحولها الروافض إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لعناً وتكفيراً وتخليداً في النار، والمراد بالإيمان عندهم الإيمان بعليّ فقط والأئمة!! والمؤمنون فقط هم أربعة سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد!! فيهوون بمقاصد القرآن العظيمة الواسعة العالية التي أرادها الله وآمن بها المؤمنون إلى حضيض الرفض القذر وضيقه المهلك.
قال القمي (1/141):"وقوله:(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) فإنها نزلت في الزبير بن العوام فإنه نازع رجلاً من اليهود في حديقة ، فقال الزبير ترضى بابن شيبة اليهودي فقال اليهودي ترضى بمحمد؟ فأنزل الله (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا .....إلخ)".
أقول:
إنّ الآية نزلت في المنافقين أو في يهودي ورجل من الأنصار اختصما، قال ابن كثير: وقيل غير ذلك، والآية أعم من ذلك كله؛ فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هاهنا، ولهذا قال ها هنا (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت)، وساق بقية الآية.
أقول:
1- ما قاله ابن كثير جيد، ولكن سياق الآيات يؤيد أنها في المنافقين، ثم هي تعم من شابههم ومنهم الروافض الذين لا يرضون تحكيم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويرضون التحاكم إلى الأكاذيب والأباطيل.(1/142)
2- انظر كيف يجزم الرافضي ويؤكد أن الآية نزلت في الزبير -رضي الله عنه-! وانظر إلى إجرام هذا الرافضي، لقد اختصم الزبير ورجل من الأنصار في شراج الحرة فتحاكما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكان الحق مع الزبير.
عن الزُّهري عن عروة قال:"خاصم الزُّبير رجلاً من الأنصار في شراج من الحرَّة، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:"اسقِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك"، فقال الأنصاري: يا رسول الله، أنْ كان ابن عمَّتك؟ فتلوَّن وجهه، ثمَّ قال: اسقِ يا زبير، ثمَّ احبس الماء حتَّى يرجع إلى الجدر، ثمَّ أرسل الماء إلى جارك، واستوعى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للزُّبير حقَّه في صريح الحكم حين أحفظَه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمرٍ لهما فيه سعة، قال الزُّبير: فما أحسب هذه الآيات إلاَّ نزلت في ذلك:(فلا وربِّك لا يؤمنون حتَّى يحكِّموك فيما شجر بينهم). (رواه البخاري في التَّفسير، حديث (4585)، ورواه مسلم في كتاب الفضائل، حديث (2357).
فقلب القضية خبثاً وحقداً على هذا الصحابي الجليل.
3- إنّ الزبير لمن أفضل أفاضل أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو:
أ - من السابقين الأولين إلى الإسلام، أسلم وهو غلام.
ب – وممن هاجر الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة.
ج- وهو حواريّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمته.
د- وهو من أعظم الشجعان والأبطال، ومن أعظم المجاهدين في الإسلام، شارك في كل الغزوات، وشارك في الفتوح.
هـ- وهو من العشرة المبشرين بالجنة، وله الفضائل الكثيرة العظيمة.
فيرميه هذا الباطني بالكفر، ويدعي أنّ هذه الآية نزلت فيه! وهو وأمثاله أحقّ بها وأهلها، وبرّأ الله أصحاب محمّدٍ صلى الله عليه وسلم الذي زكاهم الله ورضي عنهم ووعدهم بالجنة.
قال القمي الباطني (1/142):(1/143)
"وقوله:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً) وهم أعداء آل محمد كلهم جرت فيهم هذه الآية".
أقول:
إنّ الآية كما أسلفت في المنافقين، وتنطبق على من شابههم كالروافض الباطنية، وهم أعداء الله وأعداء رسله والمؤمنين ومنهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وأهل البيت.
وقال الباطني (1/142):"وأما قوله:(فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً) فهذا مما تأويله بعد تنزيله في القيامة إذا بعثهم الله حلفوا لرسول الله إنما أردنا بما فعلنا من إزالة الخلافة عن موضعها إلا إحساناً وتوفيقا، والدليل على أن ذلك في القيامة ما حدثني به أبي عن ابن أبي عمير عن منصور عن أبي عبد الله -رحمه الله- وعن أبي جعفر قالا: المصيبة هي الخسف والله بالمنافقين عند الحوض، قول الله:(فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً) ثم قال الله (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) يعني من العداوة لعلي في الدنيا (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) أي أبلغهم في الحجة عليهم وأخّر أمرهم إلى يوم القيامة".
أقول:
ما زال السّياق في المنافقين الذين يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر والتكذيب، ويدبرون المكايد للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من أصحابه، ولا يرضون التحاكم إلى الله ورسوله، بل يرضون التحاكم إلى الطاغوت، وأقوالهم وأعمالهم هذه حاصلة في الدنيا.(1/144)
والمراد بالمصيبة هي التي تحصل لهم في الدنيا بسبب تحاكمهم إلى الطاغوت، وبسبب نفاقهم وذنوبهم التي يرتكبونها ثم يجيئون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا يحلفون له (إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً) أي ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا الإحسان لا الإساءة والتوفيق بين الخصمين لا المخالفة لك، فكذبهم الله بقوله:(أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) من النفاق والعداوة للحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي عن عقابهم أو عن اعتذارهم، (وَعِظْهُمْ) أي خوِّفهم من النفاق، (وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ) أي في حق أنفسهم، وقيل معناه: قل: لهم خالياً بهم ليس معهم غيرهم (قولاً بليغا(1) أي بالغاً في وعظهم إلى المقصود، مؤثراً فيهم، وذلك بأن توعدهم بسفك دمائهم وسبي نسائهم وسلب أموالهم". انظر فتح القدير (1/620).
هذا هو التفسير اللائق بكتاب الله، وهو الذي تدلّ عليه الآيات وسياقها وسباقها، ولا تعني أصحاب محمد من قريب ولا بعيد، ولا علاقة لها بخلافة عليّ ولا غيره ولا بإزالتها ولا بالإبقاء عليها.
وما افتراه الروافض على أبي جعفر وأبي عبد الله في تفسير هذه الآيات نقول: برّأ الله هذين الرجلين مما افتري عليهما، وإنّما هو تفسير الروافض الباطنية، ذلك التفسير الباطل الذي يهدف إلى الطّعن في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والطّعن في أهل البيت الذين تفترى عليهم هذه المخازي والأباطيل التي تربط معظم آيات القرآن بعلي والأئمة ومحبتهم وعداوتهم المفتعلة، وتخلية القرآن من مقاصده العظيمة، وتضيق ميادينه الواسعة من أمور الدين والدنيا والآخرة.
__________
(1) وأما جزاؤهم في الآخرة فقد ذكره الله في آيات أخرى, ومنها قوله تعالى:(إنَّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا).(1/145)
وقال القمي ( 1/142):"وقوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة، عن زرارة عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك يا علي فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما، هكذا نزلت".
أقول:
كَذَبَ أعداء الله على أبي جعفر الصادق البار، وحاشاه أن يفتري على الله هذا التفسير وهذه الزيادة في القرآن، وإنما هذا من افتراء أعداء الله الباطنية للطّعن في القرآن بأنه غير محفوظ، ولرمي أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم بأنهم خونة يزيدون في القرآن وينقصون كما يهوون، وما أكثر تحريف هؤلاء الرّوافض للقرآن، وما أكثر افتراءهم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورميهم لهم بالكفر!!
قال القمي (1/142):"ثم قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ) يا علي (فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك (ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ) عليهم يا محمد على لسانك من ولايته (وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) لعلي -رضي الله عنه-".
أقول:(1/146)
إنّ الآية فيها خطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله رحمة للعالمين، والآية نزلت لسبب معين، وهو اختلافٌ جرى بين الزبير بن العوام ورجل من الأنصار في شراج الحرة (مسيل الماء)، فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :(اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك)، فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك! فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ( اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ) ،واستوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه، وكان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السّعة للأنصاري وللزبير، قال الزبير -رضي الله عنه -: ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك، وقد روى هذا الحديث الإمام البخاري في كتاب الصلح وفي التفسير، والإمام أحمد في المسند، وغيرهما، وانظر تفسير ابن كثير ( 4/141-143).
فهذا سبب نزول هذه الآية، لكن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، فهي عامة في كل ما يجري من الخلافات بين الأفراد والجماعات في كل شؤون الدين والدنيا من العقائد والعبادات والمعاملات إلى قيام الساعة.
فيأتي الروافض فيعطلون هذه العمومات التي تحكم في كل خلاف، ويفتعلون أسباباً لا وجود لها في الإسلام لا في كتاب ولا سنة، كولاية علي التي افتراها ابن سبأ، فيحرفون معظم آيات القرآن الكريم لأجلها، ويعطلون أحكامه الأساسية المقصودة، ويفترون على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما لم يخطر بأذهانهم لا هم ولا أهل البيت.
انظر قوله:(حتى يحكموك يا عليّ) والخطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وإلى قوله (فيما شجر بينهم) يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك!!(1/147)
فالخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يُحَوَّل إلى عليّ! فأيّ افتراء وأيّ إسقاط لحقّ محمّد - صلى الله عليه وسلم - وابتزاز له؟! فهل علي -رضي الله عنه- وأهل البيت يرضون هذا الابتزاز؟!
ومتى أعطى الله ورسوله علياًّ هذا الحق الذي تعاهد أصحاب محمد وتعاقدوا على خلاف عليّ واغتصابه؟ هل حصل هذا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت عليه هذه الآية لتفضح هؤلاء المتعاهدين المتعاقدين؟! إنه الكذب الذي لا يستحي أهله من مخالفة البدهيات.
وانظر قوله:"(ويسلموا تسليما) لعلي!" فأين التسليم لله رب العالمين والاستسلام له والرضا بحكمه؟! فأي منازعة في حق الله وحق رسوله مثل هذه المنازعة التي يتقحمها الباطنيون؟!
قال القمي (1/142-143):"وأما قوله:{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}، قال:(النبييين) رسول الله صلى الله عليه وسلم (والصديقين) علي -رضي الله عنه- (والشهداء) الحسن والحسين -رضي الله عنهما- (والصالحين) الأئمة (وحسن أولئك رفيقا) القائم من آل محمد -رضي الله عنهم- ".
أقول:
وأين الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؟! وأين الشهداء من أصحاب محمد وغيرهم ومن سائر اتباع الأنبياء؟! وأين الصدّيقون من هذه الأمة وغيرها؟! وأين الصّالحون من هذه الأمة وغيرها؟!
وهل يكون هؤلاء مع القائم الذي لم ولن يوجد ؟! ومن يكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ؟ إنهم الروافض ! أما من عداهم فلا ولا سيما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم!!
ألا قاتل الله المبطلين المستهزئين بكتاب الله.(1/148)
قال العياشي ( 1/246-247):"وعن يزيد بن معاوية قال: كنت عند أبي جعفر -رحمه الله- فسألته عن قول الله:(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) قال: فكان جوابه أن قال:(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت):(فلان وفلان) (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) ويقول: الأئمة الضالة والدعاة إلى النار (هؤلاء أهدى من آل محمد وأوليائهم سبيلا) (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) يعني: الإمامة والخلافة (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) نحن الناس الذين عنى الله والنقير النقطة التي رأيت في وسط النواة (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) فنحن المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله جميعاً (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) يقول فجعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرون بذلك في آل إبراهيم وتنكرونه في آل محمد - صلى الله عليه وسلم - (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) إلى قوله (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) قال قلت قوله في آل إبراهيم (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) ما الملك العظيم؟ قال: أن جعل منهم أئمة، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم.(1/149)
قال: ثم قال (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) إلى (سَمِيعاً بَصِيراً) قال: إيّانا عنى أن يُؤدي الأول منا إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الذي في أيديكم، ثم قال للناس (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) إيانا عنى خاصة فإن خفتم (تنازعا في الأمر فارجعوا إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم)، هكذا نزلت وكيف يأمرهم بطاعة أولي الأمر ويرخص لهم في منازعتهم؟ إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ".
قال المحقق المحلاتي معلقاً على هذا الكلام:"في الصافي: لعل التخصيص لأجل أن الدنيا خُلِقت لهم والخلافة حقهم، فلو كانت الأموال في أيديهم لانتفع بها سائر الناس ولو منعوا عن حقوقهم لمنع سائر الناس فكأنهم كل الناس. وقد ورد: نحن الناس وشيعتنا أشباه الناس وسائر الناس نسناس"!!
أقول:
تفسير هذا الباطني الجبت والطاغوت بفلان وفلان يعني أبا بكر وعمر من الخبث الجسيم الذي تعجز العبارات عن تصويره، والآية إنما تعني اليهود، وحمله قوله تعالى:{وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} على الخلفاء الراشدين الذين وصفهم بأنهم الدعاة إلى النار وأنهم يقولون أنّ الكفار أهدى من آل محمد وأوليائهم سبيلا؛ كلُّ هذا من الإجرام والفجور الذي لا يخطر ببال اليهود فضلاً عن غيرهم!!(1/150)
الآية وما قبلها تبين واقع وحال اليهود وافتراءهم على رسول الله ودينه وصحابته الكرام وعلى رأسهم أبو بكر وعمر -رضي الله عنهم أجمعين-، فيحولها الباطنية إلى معركة بين الصّحابة وآل محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهي معركة لا وجود لها، وإنما اخترعها أعداء اللهِ ورسولِه والمؤمنين وأهلِ البيت.
ثم انظر إليه كيف يلصق الروافض بأهل البيت، فيقول:"من آل محمد وأوليائهم"، فالروافض هم الذين آمنوا!! وأولياء آل محمد وأصحاب محمد هم أعداء هؤلاء المؤمنين أي الروافض!!
وانظر إلى هذا الباطني ومن تابعه كيف ينزلون اللعن في الآية الموجه لليهود سادتهم!! ينزلونه على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته في إعلاء الدين وإظهاره على الأديان كلها ولو كره المشركون، ومنهم أعداؤهم الروافض الباطنية الحاقدون على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .
أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وزكّاهم وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار، كما سجّل لهم ذلك كتابُ الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وأقول:
إنّ هذه الآية من ضمن عدد من الآيات كلها في ذم اليهود، وبيان حربهم وعداوتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وتفضيلهم دين المشركين على دين الله الحق الإسلام الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وبيان شدة حسد اليهود لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله من النبوة والنصر وقهر الأعداء.
وقوله تعالى:(فقد آتينا آل إبراهيم) هذا إلزام لليهود بما يعترفون به ولا ينكرونه، أي ليس ما آتينا محمد وأصحابه من فضلنا ببدع حتى يحسدهم اليهود على ذلك، فهم يعلمون بما آتينا آل إبراهيم وهم أسلاف محمد - صلى الله عليه وسلم - . انظر (فتح القدير)(1/614).(1/151)
وكلّ ما آتى الله آل إبراهيم وما آتى محمداً وأصحابه أمرٌ واقعٌ ثابتٌ بالكتاب والسنة، وعداوة اليهود وحسدهم لهم أمرٌ واقعٌ وقد بينه الله في القرآن في غير ما آية.
أما ما نسبه هذا الباطني وأقره عليه وُرَّاثه من الروافض الباطنية فلا وجود له.
فالأئمة من بعد عليّ ما كان لهم ملك لا عظيم ولا غير عظيم، فكيف يحسدهم الناس على ملك لا وجود له؟! ثم هم من أفاضل المؤمنين وصالحيهم ويعيشون في ظل الخلفاء والأمراء الذين آتاهم الله الملك العظيم، وقهروا أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس، وما زال الإسلام عزيزاً في عهدهم كما نوه بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:(لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش)، وهم الذين حسدهم اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة والرَّوافض وسعوا في إزالة هذه العزة والملك العظيم وأشدهم وطأة على الإسلام الروافض والباطنية!!
قال العياشي (1/246-247):"قال: ثم قال:(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) إلى (سميعاً بصيرا) قال: أيّانا عنى أن يؤدي الأول منا إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) الذي في أيديكم".
أقول:
إنّ في هذه الآية لتشريعاً عاماً وعظيماً لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل الذي قامت عليه السماوات والأرض في اختلافاتهم وخصوماتهم الدينية والدنيوية.
فالأمانات المأمور بها تعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله – عزّ وجلّ– على عباده من الصّلاة والزّكاة والصّيام والكفّارات والنّذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير إطلاع بينة على ذلك. راجع تفسير ابن كثير (4/124-125) وغيره.(1/152)
فهذا التفسير السخيف المعتدي على كتاب الله لا يليق بكلام البشر فضلاً عن كلام الله رب العالمين، برّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك، ووالله ما عنى الأئمة بهذه الآية العظيمة، ثم ما هي هذه الكتب المخفية والعلم المكتوم والسلاح الموهوم الأمور التي يؤديها الأئمة بعضهم في الظلام على الطريقة الباطنية، وماذا تستفيد أمة محمد منها في مشارق الأرض ومغاربها على امتداد أربعة عشر قرناً؟!
فما فائدة هذه الكتب وهذا العلم وهذا السلاح أيها الباطنية أعداء الإسلام والمسلمين وأهل البيت؟
الجواب: لا شيء وإنما يأكل بها الروافض والباطنيون السحت من الأغبياء باسم أهل البيت!!
ثم إنّ الأئمة بعد علي -رضي الله عنه- إلى يومنا هذا لم يتولوا أمر المسلمين، وليس لهم شوكة، فكيف يحكمون بالعدل؟! فإذا كان هذا في إمكانهم ولم يقوموا به فهم أشد الناس ظلماً للناس وعصياناً لأمر الله، ولكن لم يكن ذلك بإمكانهم بسبب ابتلائهم بهؤلاء الروافض الذين شوهوهم وجعلوهم يعيشون في كثير من الأحيان في خوف من الحكام الذين تنقل لهم تحركات موهومة عنهم، وقد يكون هؤلاء الروافض جواسيس عليهم لهؤلاء الحكام ينقلون لهم تحركات وهمية لا تخطر ببال هؤلاء الأفاضل الأتقياء.
قال العياشي (1/247):"ثم قال للناس:(يا أيها الذين آمنوا) فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة (أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) أيانا عنى خاصة فإن خفتم تنازعاً في الأمر فارجعوا إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم هكذا نزلت.
وكيف يأمرهم بطاعة أولي الأمر ويرخص لهم في منازعتهم إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)".
وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي.
أقول:(1/153)
إنّ نص الآية:(فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) أي إن حصل نزاع بين المؤمنين ومنهم أولو الأمر فيجب رده إلى الله والرسول أي إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فجاء هذا الباطني ومن أيده من المستهزئين بكتاب الله والمتجرئين على تحريفه وتبديله فقالوا: فإن خفتم تنازعاً في الأمر فارجعوا إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم، ويقولون هكذا نزلت!
ويقرهم الروافض على هذا التحريف الخطير المتلاعب بمعنى الآية العظيم الذي لا تقوم حياة المسلمين إلا به ويذهبون به إلى الهلوسة والإلحاد الذي رأيت.
ومن معاني الآية ومقاصدها العظيمة طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة ولاة الأمور من حكام الأمة وعلمائها الراسخين، فإن حصل نزاع بين المسلمين في أيَّ شيء من العقائد والأصول والفروع فيجب عليهم لحل هذا النزاع الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله.
ثم إنّ طاعة ولاة الأمور أمر عظيم في الإسلام، تجتمع به كلمة المسلمين، وتقوى شوكتهم، وتعلو كلمتهم، ويرهبهم الأعداء، ويسود بذلك الأمن والأمان على دين المسلمين وأموالهم وأعراضهم، لذا جاءت هذه الآية حاضّة على هذه الطاعة، وجاءت أحاديث كثيرة بهذا الصدد تأمر بطاعة ولاة الأمور في طاعة الله وإن كانوا أمراء جور لكن لا طاعة لهم في معصية الخالق.
وولاة الأمور هم من ترضاهم الأمة وتبايعهم على السمع والطاعة على مقتضى الكتاب والسنة وإن قامت له شوكة ودولة عن طريق التغلب وجبت طاعته والالتفاف حوله؛ لما في ذلك من المصالح العظيمة ودرء المفاسد الخطيرة، لكن الروافض من أشد الناس تمرداً على هذه الآية وما في معناها من الأحاديث الصحيحة وما يؤيدها من إجماع علماء الأمة الراسخين المعتبرين، ومن أشد الناس تمرداً على الحكام وعداوة لهم وتآمراً عليهم.(1/154)
ومن هنا يحرفون معنى الآية بل القرآن، ويرفضون الأحاديث المتواترة، ويسعون في الأرض فساداً وتفريقاً وفتناً على أمة الإسلام لا تهدأ ولا تقف عند حد، فتراهم لا يعترفون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، ولا بخلافة بني أمية وبني العباس، وكم ثاروا وكم تآمروا على دول الإسلام وحكام المسلمين؟!!
ومعروف من سعى في إسقاط الدولة الأموية، ومن تآمر وحالف كثيراً ومزَّق الخلافة العباسية كالعبيديين والبويهيين وغيرهم، والسعي في إسقاط الخلافة العباسية على أيدي التتار الهمج، ولا يزالون إلى يومنا هذا على هذا النهج المهلك!!
ثم ساق العياشي روايات كثيرة بأسانيد هالكة إلى أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن أن المراد بقول الله تعالى:(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) أن المراد بأولي الأمر الأوصياء أو الأئمة! وفي بعض الروايات إخراج أولاد العباس وأولاد عقيل، وفي بعضها إخراج أولاد عليّ من غير فاطمة، كل ذلك لترسيخ الإفك الرافضي الباطني في أذهان الأغبياء من أتباعهم.
ويؤكد المحقق هذه الروايات بعزوها إلى البرهان والبحار وتارة الصافي والفيض، إلى أن قال في (ص256):"عن جابر عن أبي جعفر -رحمه الله-:(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ولا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضى محمد وآل محمد ويسلموا تسليما)".
أقول:
هكذا (ولا يجدوا) بدل (ثم لا يجدوا)، و(مما قضى محمد) بدل (مما قضيت)! وإضافة آل محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنَّ آل محمد عندهم معصومون، ولهم حقّ التشريع، ويجب على الأمة أن تسلم لهم كما يسلموا لله ثم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - !!
وهو أمر لا يدّعيه آل محمد أبداً وبرأهم الله منه وممن افتراه لهم!!(1/155)
ثم قال في (1/256):"عن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله-:(ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم) للإمام تسليما (أو اخرجوا من دياركم) رضا له ما فعلوه إلا قليل منهم (ولو أن -أهل الخلاف- فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم) يعني في علي".
أقول:
الظّاهر أنه يدعي أنّ كلمات (للإمام) و(رضا له) و(لو أن أهل الخلاف) أنها من القرآن، فإن لم يقصد ذلك فإنه تفسير باطني مفترى على الله وعلى القرآن، ولا دلالة للآية عليه من قريب ولا بعيد.
ثم هل ربّ العالمين وأرحم الراحمين يكتب على الأمة أن تقتل نفسها لأجل الإمام المزعوم أو لأي أحد غيره سبحانه وتعالى؟! كلا، وإنما هو افتراء وتحريف الباطنية.
وقوله تعالى:(ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) أي لو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركوا ما ينهون عنه من المحرمات (لكان خيراً لهم) أي من مخالفة أوامر الله واجتناب نواهيه، لا كما يزعم هذا الباطني.
قال العياشي (1/256):
"عن عبد الله بن جندب قال عن الرضا -رحمه الله- قال: حقٌّ على الله أن يجعل ولينا رفيقاً للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا".
أقول:
حاشا موسى الرضا أن يوجب على الله أن يجعل الروافض مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة!!
وكم للروافض من الدعاوى الكبيرة المفتراة على الله وعلى دينه وعلى أهل البيت!!
ثم قال (1/256):"عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) الآية. فرسول الله في هذا الموضع النبي ونحن الصدّيقون والشهداء وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله)".
أقول:
وهذا افتراء عظيم على أبي عبد الله، وحتى أبو بصير الكذاب أعتقد أنه لا يجرؤ على مثل هذا الكذب الكُبّار.(1/156)
وقد أحال المحقق بهذين النصين إلى البحار والبرهان والصافي، هذا مع اعتقاد هؤلاء الروافض أنّ أصحاب محمد كفار وفي النار خالدين فيها!! فيا للدواهي!!
وقال العياشي (1/ 257):"عن حمران عن أبي جعفر -رحمه الله- قال:"(المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) إلى (نصيراً)، قال: نحن أولئك وساق إسناداً إلى أبي عبد الله بهذا المعنى".
أقول:
حاشا أبا جعفر وأبا عبد الله من هذا السخف، فتارة ينسبون إليه أنّه يقول نحن الأئمة ونحن الأوصياء وأنهم يعلمون الغيوب، وتارة ينسبون إليه أنّ الأئمة وأهل البيت هم المستضعفون من الرّجال والنّساء والولدان)!!
إنّ موضوع الآية هم المستضعفون من المؤمنين في مكة، والله حرّض المؤمنين الذين بالمدينة على الجهاد في سبيله وعلى السّعي لاستنقاذ المستضعفين بمكة، وهذا أمرٌ معروف، ولكن الروافض لا يتركون آيةً في القرآن غالباً إلاّ ويعبثون بمعناها، ولو كان في هذا التفسير امتهان لأهل البيت!!
قال العياشي (1/259):
"عن زرارة عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأنبياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، ثم قال: إن الله يقول:
(من يطع الرسول فقد أطاع الله) إلى (حفيظا)، أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالة منه إليه ما كان له على الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان ثم قال أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضله ورحمته" وأحال المحقق على الصافي والبرهان والبحار.
أقول:
برّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك الذي لا يصدر إلا من الرافضة الباطنية، ولو قاله لكان كلاماً باطلاً مفترى على الله يحاسبه الله عليه.(1/157)
وذروة سنام الأمر في الإسلام الجهاد في سبيل الله كما قال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، ورضا الرحمن في الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته وفي طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - واتباع كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وليس معرفة الإمام الذي اخترعه الروافض بشرط في صحة الإيمان، ولا يتوقف رضا الله على هذه المعرفة.
ولو جهل الناس هذا الإمام المخترع ما آخذهم الله على عدم هذه المعرفة، وكانت طاعتهم المنبثقة من الكتاب والسنة مقبولة عند الله والحسنة بعشر حسنات إلى سبع مئة إلى أضعاف كثيرة رغم أنوف الروافض.
ولو آمن أحد بهذا الإمام على طريقة الروافض وأعطاه المنزلة التي اخترعوها له لكان من الروافض الضالين الهالكين.
ثم ساق بعد هذا الإفك إفكاً آخر مثله في حقّ هذا الإمام المخترع!
قال العياشي (1/260):
"وعن زرارة عن أبي جعفر -رحمه الله- وحمران عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قوله تعالى:(ولولا فضل الله عليكم ورحمته) قال: فضل الله رسوله ورحمته ولاية الأئمة -رحمهم الله-" وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي.
أقول:
إنّ الأئمة بعد عليّ لم تكن لهم ولاية على الناس ولا سلطان فضلاً عن المخاطبين بهذه الآية وغيرهم من الصحابة الكرام، ولا شاع علمهم في الناس، بل ما أشاع الروافض عنهم إلا الأباطيل التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فتبين كذب هؤلاء الباطنية.
ثم قال في (1/261):
"عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن في قوله (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) قال: الفضل رسول الله عليه وآله السلام ورحمته أمير المؤمنين -رضي الله عنه-.
ومحمد بن الفضيل عن العبد الصالح قال: الرحمة رسول الله عليه وآله السلام والفضل علي بن أبي طالب".
وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي.
وقال القمي (1/145):"قال الفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم والرحمة أمير المؤمنين -رضي الله عنه-"
أقول:(1/158)
أي أن الأمر مقسوم بين رسول الله وبين أمير المؤمنين، ولعل نصيب علي أعظم وأرجح!!
فبأي الأقوال يأخذ الروافض؟! فتارة الفضل رسول الله والرحمة عليّ.
وتارة العكس، فنعوذ بالله من الكذب على الله وتحريف كتابه العظيم.
وأقول:
إنّ فضل الله ورحمته هي إرسال رسوله، وإنزال كتابه المشتمل على العقائد العظيمة والموجه إلى الأخلاق العالية والأعمال الصالحة، وتوفيق الله المؤمنين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم بإحسان للقيام بهذه العقائد والأخلاق والأعمال.
قال القمي (1/149) :
"وقوله:(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) قال: نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين -رضي الله عنه- ولم يقاتل معه، فقالت الملائكة لهم عند الموت (فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ) أي لم نعلم مع من الحق، فقال الله:(أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) أي دين الله وكتاب الله واسع فتنظروا فيه (فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً)".
أقول:
1- سبحان الله! هؤلاء الباطنية يتناسون الله ورسوله والإسلام، ويربطون كلّ شأن في القرآن بعليّ رضي الله عنه الذي يقول: إنما أنا رجل من المسلمين، ويحارب الغلو أشد الحرب، ومن ذلك قتله لأسلاف هؤلاء.
2- إنّ سبب الآية معروف لدى علماء الإسلام والمفسرين للقرآن لا هؤلاء الكذابين المحرفين لكتاب الله عن مواضعه.
إنّ سبب نزول الآية كما رواه البخاري في التفسير حديث (4596) عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثِّرون سواد المشركين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يأتي السهم فيُرْمَى به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب عنقه فيُقتل، فأنزل الله (إنّ الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم).
فقول هذا الأفاك أنها نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين ولم يقاتل معه من أسمج الكذب!!(1/159)
3- إنّ هذا القتال بين عليّ ومن خالفه لم يرغِّب فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقد سئل عليّ هل عنده شيء من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القتال فقال: لا.
بل جاءت الأحاديث الصحيحة تحذر منه، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرف له، فمن وجد منها ملجأ أو معاذاً فليعذ به" رواه البخاري في الفتن حديث ( 7081) ومسلم في الفتن حديث (2886) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ورواه مسلم أيضاً من حديث نوفل بن معاوية الديلي -رضي الله عنه-.
وقريب منه حديث أبي بكرة؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا تواجه المسلمان بسيفهما فكلاهما من أهل النار، قيل فهذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه" متفق عليه عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة -رضي الله عنه-، رواه البخاري في الفتن حديث (7083) ومسلم في الفتن حديث (2888).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يخطب فجاء سبطه الحسن -رضي الله عنه- فقال - صلى الله عليه وسلم - :"إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". (البخاري: 2704).(1/160)
فهذه الأحاديث تدل على أنّ رسول الله ما كان يرضى بهذا القتال، وبسببها توقف من توقف من أفاضل الصحابة وفقهائهم كسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد، ولم يكونوا من المستضعفين، ولا يدعي لهم هذا أحد، فقد كانت لهم منازل عظيمة لدى الأمة الإسلامية، وبسببها كان الحسن رضي الله عنه يكره القتال، ولما آل الأمر إليه -رضي الله عنه- أنهى القتال بتنازله لأخيه معاوية، فتحقق فيه قول رسول الله:"إنّ ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". (البخاري: 2704)، وشكرته الأمة الإسلامية على ذلك لما تحقق به من الخير الكثير، ومنه جمع كلمة المسلمين، وحقن دمائهم، وإعادة مسيرة الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله.
فأي فجور ارتكبه هذا الباطني في قوله: إنّ هذه الآية نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين ...إلخ؟!
وأفجر منه قوله:"فقالت لهم الملائكة عند الموت:(فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض) أي لم نعلم مع من الحق، فقال الله (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) أي دين الله واسع فتنظروا فيه".
فأيّ جرأةٍ على تحريف كتاب الله أشدّ من هذه الجرأة؟! وأيّ تقوّل على الله وملائكته أشدّ من هذا التقوّل؟!
فهل نزلت هذه الآية أيام الجمل وصفين؟!
وهل شاهد هذا الأفَّاك الملائكةَ عند موت كلّ أحد اعتزل القتال مع عليّ -رضي الله عنه-؟!
وهل سمع اللهَ يقول لهم:(ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) وعلم أنَّ الله يقصد بهذا القول أنَّ دين الله واسع فتنظروا فيه؟!
ألا إنه إفك الباطنية وانتهاكهم لحرمة كتاب الله واستهزاؤهم به، (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون).
قال القمي (1/156):
"وقوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً}.(1/161)
قال: نزلت في الذين آمنوا برسول الله إقرارا لا تصديقاً ثم كفروا لما كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردوا الأمر إلى أهل بيته أبداً، فلما نزلت الولاية وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الميثاق عليهم لأمير المؤمنين -رضي الله عنه- آمنوا إقراراً لا تصديقاً، فلما مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا وازدادوا كفراً (لََمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)" يعني طريقاً إلا طريق جهنم.
أقول:
قاتلك الله ما أجرأك على الكذب على الله وعلى رسوله وعلى تحريف كتاب الله وعلى تكفير أفضل البشر بعد الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام!
في أيّ تاريخ كانت كتابة هذا الكتاب؟ ومتى كانت هذه المؤامرة التي لا يفعلها إلا الباطنيون أمثالكم اللاهثون وراء الدنيا والملك والفتن؟
إنّ الأمر لخطير؛ لأنكم تصورون رسول الله أنه ما بُعِثَ إلا من أجل أن يشيد الملك إلى الأبد لأهل بيته.
فتحولون رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - التي جاءت بالشمول وبالسماحة والرحمة للعالمين والزهد والورع والصدق والأخلاق العالية إلى غاية لا تختلف عن غايات طلاب الدنيا والملك، مثل الأكاسرة والقياصرة الذين يحتكرون الملك والسيطرة والتسلط على رقاب الناس وتعبيدهم لأسرهم واستلاب أموالهم، بل جعلتم باسم آل محمد الدنيا والآخرة لهم ولكم كذباً وافتراءً على الله وعلى رسوله وكتابه، بل وعلى أهل البيت أنفسهم، فوالله ما يدعون هذا الملك وهذه الولاية وهذا الاستعباد للناس لأنفسهم!!
ومتى كان هذا الميثاق الذي نزل القرآن بسببه بتكفير أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أشد أنواع التكفير؟!
إنّ هذا الافتراء لمن وحي الشيطان.
والله إن أكاذيبكم هذه لمن أشد الطّعون في الرّسول والإسلام والقرآن!!
وقال العياشي (1/281):(1/162)
"عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قول الله:(إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا) نزلت في فلان وفلان آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية حيث قال:"من كنت مولاه فعلي مولاه" ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين -رضي الله عنه- حيث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله فبايعوه ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقروا بالبيعة ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء".
وأحال المحقق على البرهان والصافي والبحار.
هكذا يفعل أعداء الله الباطنية: يكفرون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وبقية أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين أعلى الله بهم الإسلام وقمع بهم المشركين والمجوس واليهود والنصارى والمرتدين.
وقد ساق قبل هذا تفسيراً أطول من هذا في هذا المعنى تركته اختصاراً، ونقدُه واضح مما سلف.
قال القمي ( 1/156):"وقوله:(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ ) قال: آيات الله هم الأئمة -رحمهم الله-".
أقول:
إنّ آيات الله هي آياته القرآنية المنزلة على محمد - صلى الله عليه وسلم - لهداية الناس، المتضمنة للتوحيد ومحاربة الشرك والضلال والجهل، والمبينة للحلال والحرام ومكارم الأخلاق والمقبحة للكذب والافتراء على الله وتحريف آياته كما يفعل اليهود والروافض سيراً على منهج اليهود.
المستهزئون بآيات الله هم الكفار في العهد المكي بل والعهد المدني قبل أن يولد الأئمة.
المستهزئون بآيات الله بعد موت رسول الله هم الروافض الباطنية، وما أكثر استهزاءهم بآيات الله، ومنه هذا الاستهزاء الذي نفضحه هنا!!(1/163)
فما بلغ المشركون واليهود وغيرهم من أعداء الله ما بلغه الروافض الباطنية من الاستهزاء بآيات الله، وما أشد وأكثر استهزاءهم.
قال القمي (1/156):"وقوله (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) يعني القوة.
قال: نزلت في بني أمية، حيث خالفوا نبيهم على أن لا يردوا الأمر في بني هاشم".
أقول:
برّأ الله أبا عبد الله من هذا الافتراء على الله!!
إنّ الباطنية ليصورون القرآن في معركة مع بني أمية الذين لم يكن ولدوا من أجل بني هاشم الذين لم يكن ولدوا أيضاً.
إنّ هذه الآية لتفضح المنافقين أسلاف الباطنية الذين كانوا يفسرون العزة عند الكفار، فما تفعل الباطنية والروافض حيث يفسرون العزة عند اليهود والنصارى والتتار وغيرهم ويتقوون بهم ضد المسلمين.
قال القمي (1/159):"وقوله (لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: إنما أنزلت (لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً)، وقرأ أبو عبد الله -رحمه الله- (إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا)".
أقول:(1/164)
لقد جمع هذا الباطني في تفسير هذه الآية بين الافتراء على الله بزيادة قوله " في علي" وزيادة "آل محمد حقهم" بعد قول الله تعالى (وظلموا) كذباً على الله وبين تحريف دلالة الآية!! إذ المقصود بها تقرير رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وشهادة الله له والملائكة بأنه رسول الله رداً على الوثنيين واليهود الذين كذبوا هذه الرسالة العظيمة الشاملة لخيري الدنيا والآخرة المهيمنة على كل الرسالات، فيأتي هذا الباطني فيصرفها إلى معنى لا وجود له في هذه الرسالة المباركة ولا يليق بها؛ لأنه يؤدي إلى اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بأنه ليس مرسلاً من الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإنما جاء لتأثيل وتأسيس ملك مؤبد لأهل بيته، وهذا من مقاصد هؤلاء الباطنية الذين سعوا ويسعون في هدم الإسلام وأهله وتكفيرهم والحكم عليهم بالخلود في النار وعلى رأسهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم!!
قال القمي (1/159):
"وقوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً) فالنور إمامة أمير المؤمنين - رضي الله عنه - ثم قال (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ) وهم الذين تمسكوا بولاية أمير المؤمنين والأئمة -رحمهم الله-".
أقول:
قوله:"فالنور إمامة أمير المؤمنين" من أقبح الكذب والافتراء على الله وكتابه، فالمراد بالنور هذا القرآن الذي هدى الله به رسوله والمؤمنين وعلى رأسهم الصَّحابة الكرام ومنهم عليٌّ -رضي الله عنه-.
والذين آمنوا بالله واعتصموا به أي بالله أو بكتابه هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان، وليس الروافض والباطنية الذين اخترعوا هذه الإمامة، بل اخترعها لهم أخبث اليهود ابن السوداء عبد الله بن سبأ الذي اخترع ديناً للروافض والباطنية كما اخترع بولص ديناً للنصارى!!
قال العياشي (1/283-284):(1/165)
"عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قول الله (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) قال هو رسول الله صلى الله عليه وسلم". وأحال المحقق على البحار والبرهان.
ثم قال:"عن المفضل بن محمد قال سألت أبا عبد الله -رحمه الله- عن قول الله (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال: هذه نزلت فينا خاصة إنه ليس رجل من ولد فاطمة يموت ولا يخرج من الدنيا حتى يقر للإمام بإمامته كما أقر ولد يعقوب ليوسف حين قالوا (تالله لقد آثرك الله علينا)". وأحال المحقق على البحار والصافي والبرهان.
وعلق المحقق بقوله:"قال في الفيض: يعني أنّ ولد فاطمة هم المعنيون بأهل الكتاب هنا وذلك لقوله سبحانه (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) فإنهم المرادون بالمصطفين هناك.
وعن ابن سنان عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قول الله في عيسى (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) فقال: إيمان أهل الكتاب إنما هو بمحمد صلى الله عليه وسلم ".
وقال العياشي:
"عن المشرقي عن غير واحد في قوله:(وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) يعني بذلك محمدا صلى الله عليه وسلم أنه لا يموت يهودي ولا نصراني أحد أبدا حتى يعرف أنه رسول الله وأنه قد كان به كافراً " وأحال المحقق على البحار والبرهان.(1/166)
وعن جابر عن أبي جعفر رحمه الله في قوله (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) قال: ليس من أحد من جميع الأديان يموت إلا رأى رسول الله وأمير المؤمنين -رضي الله عنه- حقا من الأولين والآخرين". وأحال المحقق على البحار والبرهان.
أقول:
إنّ هذا الرجل وأمثاله قد وضع على عاتقه ألا يأتي إلى آية إلاّ وتناولها بالتحريف بما يوافق ضلاله! فهذه الآية وما قبلها في شأن عيسى-عليه الصلاة و السلام-، ومعنى الآية: وإن من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به أي بعيسى - عليه الصلاة و السلام- قبل موته أي قبل موت ذلك الكتابي يهودياً كان أو نصرانياً، أو ما من أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى في آخر الزمان إلى الأرض إلا ليؤمنن بعيسى قبل موته أي موت عيسى-عليه الصلاة و السلام- ،هذا معنى الآية، فيأتي هذا الباطني فيتلاعب بمعنى الآية ويكذب على أبي عبد الله.
فتارة ينسب إليه بأن المراد رسول الله.
وتارة يجعلها لأهل البيت وبشكل عجيب!!
وتارة يقول: ليس من أحد من جميع أهل الأديان يموت إلا رأى رسول الله وأمير المؤمنين حقا من الأولين والآخرين.
وبرّأ الله أبا عبد الله من هذا الكذب والاضطراب السخيف!!
(من تفسير سورة المائدة)
قال القمي (1/160):
"وأخبرنا الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري عن ابن أبي عمير عن أبي جعفر الثاني -رحمه الله- في قوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ).
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد عليهم لعلي بالخلافة في عشرة مواطن، ثم أنزل الله (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين)".
أقول:(1/167)
انظر إلى هذا الباطني الأفاك كيف افترى على الله عز وجل؟! فزاد في آية العقود (التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين)، وينسب فريته هذه إلى أبي جعفر الثاني برّأه الله من هذا الإفك والكفر!!
ثم أقول:
سبحان الله!
أصحاب رسول من المهاجرين والأنصار الذين زكاهم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لإيمانهم الصادق، وإخلاصهم لله، وحسن بلائهم، وصبرهم على صنوف الأذى والأهوال من الأعداء، وجهادهم في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وبذلهم الغالي والنفيس في ميادين الجهاد، وطاعتهم التي لا نظير لها، وحبهم له أكثر من أنفسهم وأبنائهم وآبائهم وأموالهم، وقتلوا وقاتلوا عشائرهم بل آباءهم وأبناءهم، وطاعتهم له في السراء والضراء، حتى إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليؤمِّر عليهم مثل أسامة بن زيد أصغرهم سناً ومنزلة فيتقبلون هذه الإمرة بصدور رحبة، وهذا أمر معروف عنهم لا ينكره عنهم إلا أشد الناس لؤماً ومكابرة!!
كيف يتصور من هؤلاء السّادة النبلاء أن ينكثوا عهداً ولو كان بينهم وبين أكفر الناس أو أصغرهم وأقلهم شأناً؟! من يقبل ويصدق هذا الفجور والإفك الذي يدعي هذا الحقير الباطني أنّ رسول الله عقد عليهم لعليّ بالخلافة في عشرة مواطن فينقضونها كلها؟! والله لا يتصور منهم نقض عقد واحد ولو على أقل شيء فكيف ينقضون عشرة عهود يعاهدهم عليها رسول الله في أمر عظيم كالخلافة؟! فمن نقض منهم بيعة أبي بكر أو عمر أو عثمان حتى تقبل دعوى نقض عشرة عقود من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين هم أعلم الناس بمنزلته وأعلم الناس بخطورة نقض العهود مع من هو دونه فكيف به وبيعاته - صلى الله عليه وسلم - ؟!
وإذا كانت قد تمت عشر بيعات لعليّ فلماذا بايع أبا بكر وعمر وعثمان ومعه بنو هاشم والحسن والحسين في بيعة عثمان بعد بلوغهما سن الرشد؟!(1/168)
ولماذا كان يصلي وراء هؤلاء الأئمة، ويحج معهم، ويصوم بصيامهم، ويفطر بفطرهم، ويجلس في مجلس شوراهم، ويبدي لهم آراءه، ويأخذ هو وبنو هاشم والحسن والحسين حقهم من العطاء والغنائم، ويحتكم هو والعباس إلى عمر -رضي الله عنه –؟!
ألا يدل كل هذا على كذب الروافض الباطنية وأنهم يفتعلون العداوة بين عليّ وإخوانه ويختلقون الولاية والخلافة والوصية بهما وأخذ العهود والمواثيق على ذلك ؟! ثم تكفرون به أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ونسألهم هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ به الحرص على تثبيت الملك في أهل بيته إلى هذه الدرجة أيها الأفاكون؟ وأين هذه المواطن العشرة التي تمت فيها هذه العقود؟ هل قم والنجف من هذه المواطن؟! وفي أي زمن تمت هذه البيعات والعقود؟!!
ألا شاهت وجوه أعداء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، لو أدرك عليٌّ هذا النوع من الباطنية الأفاكين واستطاع إبادتهم لأبادهم كما أباد أسلافهم.
قال القمي (1/162):
"وقوله:(اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) قال: ذلك لما نزلت ولاية أمير المؤمنين -رضي الله عنه -".
أقول:
أين هي الآية أو الآيات النازلة بهذه الولاية؟! ومتى وأين؟! أما علي -رضي الله عنه- وأهل بيته فلا يعرفون هذا وكذلك الصحابة وسائر المؤمنين في بقاع الأرض كلها وعلى امتداد تاريخ الإسلام.
ولكن هذه الدعوى ومثلها لم تصدر إلا من ابن سبأ اليهودي، فهنيئاً للروافض والباطنية هذه المكرمة!!
ثم إنّ هذه الآية من أكبر الحجج على الرّوافض والباطنية الذين يحكمون على أصحاب رسول الله بأنهم قد ارتدوا وكفروا!(1/169)
إذ معنى الآية أنّ الكفار قد حصل لهم اليأس من إبطال الإسلام وأن يردوا المسلمين إلى الكفر والشرك، وأكد الله تعالى ذلك بقوله:(فلا تخشوهم)(1)أي لا تخافوا أن يغلبوكم أو يبطلوا دينكم. انظر فتح القدير (2/15)، وهذا هو واقع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولو كره الرّوافض والباطنية.
قال القمي (1/162):
"وأما قوله:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) فإنه حدثني أبي عن صفوان بن يحيى عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: آخر فريضة أنزلها الله الولاية ثم لم ينزل بعدها فريضة(2)ثم أنزل:(اليوم أكملت لكم دينكم) بكراع الغميم فأقامها رسول الله بالجحفة فلم ينزل بعدها فريضة".
أقول:
إنّ هذه الآية تتضمن أعظم نعم الله على هذه الأمة وعلى رأسهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم ذاقوا هذه النعمة وشاهدوها وعاصروها نصراً على الأعداء، وظهوراً للإسلام على الأديان كلها، وكمالاً للدين كله من عقائد وتشريعات عظيمة شاملة لأحكام الدنيا والآخرة.
وكان نزول هذه الآية في حجة الوداع قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحوالي مائة يوم، وقد حضر هذه الحجة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حوالي مائة ألف صحابي، والآية خطاب لهم جميعاً وامتنان عليهم جميعاً.
__________
(1) هذا خطاب لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .
(2) أقول: ما أنزل الله بهذه الولاية من سلطان وإنما أوحاها إليكم الشيطان لتحرفوا بها القرآن وتكفروا بها أصحاب - صلى الله عليه وسلم - .(1/170)
وقد أدرك علماء اليهود عظمة هذه النعمة على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وعلى هذه الأمة فقال أحدهم لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب:"يا أمير المؤمنين لو أنّ علينا نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) لاتخذنا ذلك اليوم عيداً"، فقال عمر -رضي الله عنه-:(إني لأعلم أيّ يوم نزلت هذه الآية، نزلت يوم عرفة في يوم جمعة) رواه البخاري في الاعتصام حديث (7268)، وأخرجه أيضاً في المغازي ثم التفسير حديث (3017)، وأحمد في المسند (1/28) وغيرهما.
ذكر ابن كثير أنّ نزول هذه الآية كان في حجة الوداع في يوم جمعة، وأنّ ذلك أمرٌ مقطوع به لم يختلف أحد من أصحاب المغازي والسير ولا من الفقهاء، وقد وردت في ذلك أحاديث متواترة. تفسيره (5/49)، ثم ساق بعض الروايات عن الصحابة رضوان الله عليهم، وذكر رواية عن ابن مردويه في إسنادها أبو هارون العبدي متروك، وفي هذه الرواية أنّ الآية نزلت في غدير خم، ورواية أخرى أيضاً ضعيفة ثم قال عقبها (ص54):"ولا يصح هذا ولا هذا، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية أنها نزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان وترجمان القرآن عبد الله بن عباس وسمرة بن جندب -رضي الله عنهم-، وأرسله الشعبي وقتادة بن دعامة وشهر بن حوشب وغير واحد من الأئمة العلماء، واختاره ابن جرير-رحمه الله –".(1/171)
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره (5/46) بعد أن ساق هذه الآية الكريمة:"هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف، كما قال تعالى:(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) أي صدقاً في الأخبار عدلاً في الأوامر والنواهي، فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة، ولهذا قال تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) أي فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه، وبعث به أفضل الرسل الكرام وأنزل به أشرف كتبه".
والحاصل أنّ هذا خطاب وامتنان من الله على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وذاقوا حلاوة الإيمان، وظهرت عليهم آثار القرآن الذي أدركوا عظمته وإعجازه وصدق من جاء به فدانوا به عقيدة وعبادة وجهاداً، قدموا فيه مهجهم وأموالهم في شتى الميادين، وطبقوه عملياً آية آية، وكذلك دانوا بسنته أقوالاً وأفعالاً وتقريراً، وقد زكاهم الله في غير ما آية، وزكاهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - في مئات الأحاديث أفراداً وجماعات.(1/172)
وكل ذلك يغيظ الرّوافض الباطنية، ومن ذلك قوله تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}(الفتح:29).
هؤلاء هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين يكنّ لهم الروافض أشدّ ألوان العداء، وأخبث أنواع الغيظ والبغضاء! وقد كفرهم الإمام مالك وغيره بهذه الآية؛ لأنهم أشدّ الناس بغضاً لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وحنقاً وغيظاً عليهم وتكفيراً لهم، وما أكثر طعنهم فيهم واتهامهم بتحريف القرآن بالزيادة والنقصان، ولقد ردوا رواياتهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبذلك أصبح لهم دين آخر –يقوم على الأكاذيب– من أشدّ الأديان مضادةً للإسلام الحقّ الذي أنزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - وآمن به الصحابة ومن اتبعهم بإحسان حق الإيمان، والتزموه باطناً وظاهراً حق الالتزام، نسأل الله أن يحيينا ويميتنا على دينهم، وأن يحشرنا في زمرتهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
قال العياشي (1/ 292):
"عن عمرو بن شمر عن جابر قال: قال أبو جعفر -رحمه الله- في هذه الآية:(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) يوم يقوم القائم يئس بنو أمية فهم الذين كفروا يئسوا من آل محمد -رحمهم الله-".
أقول:(1/173)
انظر إلى هذا الكذب وهذا التحريف الغبي!! نصّ الآية (اليوم يئس الذين كفروا) وقد نزلت هذه الآية في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أظهر الله دينه ورسوله وكبت أعداءه المناوئين.
وهذا الغبي يقول: يوم يقوم القائم! يفتري هذه الفرية ليكفر بني أمية! ومن يكفر أصحاب محمد ويحرف القرآن ويزيد فيه وينقص لا يستكثر منه تحريفه القرآن ليكفِّر بني أمية!! وما أتفه هذه العقيدة المخترعة التي يحرف من أجلها كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن يحاول إدخال أي باطل عليه فضحه الله كما فضح هؤلاء الباطنية.
وقال العياشي (1/292-293):
"عن زرارة عن أبي جعفر قال: آخر فريضة أنزلها الولاية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) فلم ينزل من الفرائض شيء بعدها حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم".
أقول:
انظر إلى هذا الرافضي الباطني كيف يحرف كلام الله فيقلب معنى الآية العظيم إلى ما اخترعه لهم ابن سبأ، فذهب يحرف هو وأشياعه معظم القرآن إلى هذا الأمر المخترع الولاية والوصاية؟!!
قال:"عن جعفر بن محمد الخزاعي عن أبيه قال: سمعت أبا عبد الله يقول لما نزل رسول الله عرفات يوم الجمعة أتاه جبريل- عليه السلام- فقال له: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك: قل لأمتك:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بولاية علي بن أبي طالب وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) ولست أنزل عليكم بعد هذا قد أنزلت عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج وهي الخامسة ولست أقبل هذه الأربعة إلا بها".
أقول:
قد تكرر كلامي على اختراعهم لهذه الولاية التي يحرفون من أجلها كلام الله كثيراً.(1/174)
والجديد هنا أنه أسقط شرائع الإيمان هنا إلا هذه الأربعة، وجعل الولاية بديلاً عنها، ومن هذه الشرائع شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وأركان الإيمان: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره والجهاد في سبيل الله وغير ذلك من الشرائع!! فأيّ افتراء على الله وتلاعب بدينه يلحق هذا الافتراء والتلاعب.
قال القمي (1/164) في تفسير قول الله تعالى:(قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ):"يعني بالنور أمير المؤمنين والأئمة -رحمهم الله-".
أقول:
إنّ هذا لمن الإفك والجرأة على تحريف كتاب الله!
فالنور هو الإسلام والكتاب المبين هو القرآن.
وفي (1/167) ذكر القمي عن أبي عبد الله قصة خرافية عن ابن آدم الذي قتل أخاه، وأنه بالهند أو من وراء الهند، وأنه موكل به عشرة يعذبونه باستقبال الشمس حين تطلع وحين تغيب وبالماء البارد في البرد وبالحار في الحر، وسأله رجل فأجابه: إني قائم هنا منذ قامت الدنيا ما سألني أحد غيرك، من أنت؟ ثم قال: يزعمون أنه ابن آدم.
ولما أدرك مصحح الكتاب وهو الموسوم بالسيد الطيب الجزائري أنّ هذا خبر منكر علق عليه بقوله:"هذا من الأخبار الغريبة حيث لم يشاهد مثل هذا الشخص المعذب أي مكان ولو كان لَبَان"، ثم ذهب يتأوله! ومن تأويله يجوز أن يكون العشرة الموكلون به من الأجنة(1)المخفية عن أنظار عامة البشر فلذا لم يطلّعوا عليه وعلمه الإمام رحمه الله لأنه عالم بخبايا الأمور!!
__________
(1) هكذا ويقصد بها الجن.(1/175)
وهذه عقيدة الروافض في الأئمة أنهم يعلمون الغيوب، ويتصرفون في الكون، فيصفونهم بصفات الله العظيمة وخصائصه التي انفرد بها، فلا يدعيها ملك مقرب ولا نبي مرسل، بل ينفون عن أنفسهم هذه الصفات الربانية، قال محمد صلى الله عليه وسلم:(قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ...)(الأنعام: آية50)، وقال نوح -عليه الصلاةوالسلام- مثل ذلك.
والله يقول:{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}(النمل:65).
قال القمي (1/171):(1/176)
"وقوله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) قال: نزلت هذه الآية في علي (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) قال: نزلت هذه الآية في منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة.(1/177)
فكان من قوله بمنى أن حمد الله و أثنى عليه ثم قال (أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه عني فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، ثم قال هل تعلمون أي يوم أعظم حرمة قال الناس هذا اليوم، قال فأي شهر قال الناس هذا، قال وأي بلد أعظم حرمة قالوا بلدنا هذا، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت أيها الناس؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وكل مأثرة أو بدعة كانت في الجاهلية أو دم أو مال فهو تحت قدمي هاتين، ليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وكل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول موضوع منه ربا العباس بن عبد المطلب، ألا وكل دم كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول موضوع دم ربيعة، ألا هل بلغت؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ولكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم، ألا وإنه إذا أطيع فقد عبد، ألا أيها الناس إن المسلم أخو المسلم حقا، لا يحل لامرئ مسلم دم امرئ مسلم وماله إلا ما أعطاه بطيبة نفس منه، وإني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، ألا هل بلغت أيها الناس ؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال أيها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي وافهموه تنعشوا ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا، فإن فعلتم ذلك ولتفعلن لتجدوني في كتيبة بين جبرائيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف، ثم التفت عن يمينه فسكت ساعة ثم قال إن شاء الله أو علي بن أبي طالب، ثم قال ألا و إني قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا فمن اعتصم بهما فقد(1/178)
نجا ومن خالفهما فقد هلك ألا هل بلغت؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وإنه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني، فأقول: رب أصحابي، فقال يا محمد إنهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك فأقول: سحقا سحقا.
فلما كان آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله:(إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعيت إلي نفسي ثم نادى الصلاة جامعة في مسجد الخيف فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال نضر الله امرأ، سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم.(1/179)
أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين، قالوا يا رسول الله وما الثقلان؟ قال: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين، وجمع بين سبابتيه ولا أقول كهاتين وجمع سبابته والوسطى، فتفضل هذه على هذه، فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته فخرج أربعة نفر منهم إلى مكة ودخلوا الكعبة وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتابا إن مات محمد أو قتل أن لا يردوا هذا الأمر في أهل بيته أبدا فأنزل الله على نبيه في ذلك (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد المدينة حتى نزل منزلا يقال له غدير خم، و قد علم الناس مناسكهم و أوعز إليهم وصيته إذ نزلت عليه هذه الآية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس هل تعلمون من وليكم؟ فقالوا نعم الله ورسوله، ثم قال أ لستم تعلمون أني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا بلى، قال اللهم اشهد فأعاد ذلك عليهم ثلاثا كل ذلك يقول مثل قوله الأول ويقول الناس كذلك ويقول اللهم اشهد، ثم أخذ بيد أمير المؤمنين -رضي الله عنه- فرفعها حتى بدا للناس بياض إبطيهما ثم قال (ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و انصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبه ثم رفع رأسه إلى السماء فقال اللهم اشهد عليهم و أنا من الشاهدين) فاستفهمه عمر فقام من بين أصحابه فقال يا رسول الله هذا من الله و من رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم من الله ورسوله إنه أمير(1/180)
المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة و أعداءه النار.
فقال أصحابه الذين ارتدوا بعده قد قال محمد في مسجد الخيف ما قال وقال هاهنا ما قال وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له فاجتمعوا أربعة عشر نفرا وتآمروا على قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقعدوا في العقبة، وهي عقبة هرشى [أرشى] بين الجحفة والأبواء ، فقعدوا سبعة عن يمين العقبة و سبعة عن يسارها لينفروا ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما جن الليل تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة العسكر فأقبل ينعس على ناقته، فلما دنا من العقبة ناداه جبرائيل يا محمد إن فلانا و فلانا [و فلانا] قد قعدوا لك، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال من هذا خلفي؟ فقال حذيفة اليماني(1)
__________
(1) الصواب ابن اليمان ..(1/181)
أنا يا رسول الله حذيفة بن اليمان، قال سمعت ما سمعت؟ قال بلى قال فاكتم، ثم دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم فناداهم بأسمائهم، فلما سمعوا نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم فروا ودخلوا في غمار الناس و قد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها ولحق الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلبوهم وانتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رواحلهم فعرفهم، فلما نزل قال ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن مات محمد أو قتل ألا يردوا هذا الأمر في أهل بيته أبدا، فجاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلفوا أنهم لم يقولوا من ذلك شيئا ولم يريدوه ولم يكتموا شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله:(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا) أن لا يردوا هذا الأمر في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) من قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة و بقي بها محرم والنصف من صفر لا يشتكي شيئا ثم ابتدأ به الوجع الذي توفي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "اهـ.
أقول:
تضمن هذا الكلام المفترى أكاذيب كثيرة لا يجرؤ عليها إلا الروافض الباطنية، وقد لفق هذا الكلام من عدة أحاديث أصلها صحيح، ثم دسّ فيها ألفاظاً غريبة ومقاطع منكرة، مثل قوله:"فإن فعلتم ذلك ولتفعلن لتجدوني في كتيبة بين جبريل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف"!!(1/182)
وقوله:"ثم التفت عن يمينه فسكت ساعة ثم قال: إن شاء الله أو علي بن أبي طالب"، كيف يقول رسول الله إن شاء الله أو علي بن أبي طالب؟!! إنّ في هذا لطعناً في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله:" ثم قال: ألا وإني قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ألا من اعتصم بهما فقد نجا ومن خالفهما فقد هلك، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال اللهم اشهد".
أقول:
أصل الوصية بكتاب الله وأهل البيت صحيح، ولكنّ الروافض طوّروا هذه الوصية، وأضافوا إليها أشياء، وحصروها في بعض أهل البيت كعادتهم في التلاعب بالنصوص!
فأصل هذه الوصية ما رواه مسلم بإسناده إلى يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمَّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال:(أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به)، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال:"وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي".
فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، لكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.
فالقارئ يرى في هذا النص :
1- أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خص الهدى والنور بكتاب الله، ثم حثهم على الأخذ به والاستمساك به.
أمّا أهل البيت فقال في شأنهم:"أذكركم الله في أهل بيتي"، ثلاث مرات، وهذه وصية بهم وليس فيها أن علياً وصياً على الأمة وأنّ رسول الله أوصى في هذه المناسبة وغيرها بأنه الخليفة بعده.(1/183)
2- وفيه بيان من هم أهل البيت، بأنهم زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر ثابت بالقرآن الكريم كما في سورة الأحزاب.
3- وفيه أنّ أهل البيت هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، وكلّ المسلمين من الصحابة وغيرهم يعترفون بأنّ هؤلاء جميعاً من أهل البيت إلا الروافض فقد أخرجوا هؤلاء من أهل البيت: زوجات الرسول وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس وأكثر آل علي، وخصّوا أهل البيت بمن سموهم الأئمة، وهم اثنا عشر رجلاً فقط، فغلوا فيهم غلواً شديداً، وجعلوا الدنيا والآخرة لهم، وأنهم يعلمون الغيوب، ويتصرفون في الكون، بل تخضع لهم كل ذرة من ذرات الكون، وأوجبوا طاعتهم المطلقة على الأمة، وأوجبوا لهم من الحقوق على الأمة مالم يأمر به الله ورسوله، مع أنّ حديث رسول الله لا يتجاوز الوصية بأهل البيت، وهم من ذكرهم زيد بن أرقم.
قلنا: أصل الحديث في الوصية بأهل البيت صحيح، لكن قوله:"ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ... إلخ " لا يثبت بحال، رواه أحمد (3/17،14) وابن أبي عاصم (1553-1554) بلفظ:( إنِّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ).
فالوصية بالكتاب وأهل البيت ثابتة كما في حديث زيد بن أرقم السالف الذكر.
وأما قوله:(ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) فلا يثبت لأن في إسنادها عطية بن سعد العوفي.(1/184)
قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب:"صدوق يخطئ كثيراً، كان شيعياً مدلساً"، وقال فيه الذهبي في الميزان (3/78-79):"تابعي شهير ضعيف"، وقال أبوحاتم:"يكتب حديثه، ضعيف"، وقال سالم المرادي: كان عطية يتشيع، وقال ابن معين: صالح، وقال أحمد: ضعيف الحديث، وكان هشيم يتكلم في عطية، وروى ابن المديني عن يحيى، قال: عطية وأبو هارون وبشر بن حرب عندي سواء، وقال أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي، فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنى بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد.
وجاءت هذه الزيادة من طريق أخرى عن زيد بن أرقم، حيث روى ابن أبي عاصم طرفاً من حديث ابن أرقم، وفيه هذه الزيادة التي رواها عطية بن سعد وزيادة أخرى، وهما:(... ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض وإن الله مولاي وأنا ولي المؤمنين، ثم أخذ بيد علي -رضي الله عنه- فقال: من كنت وليه فعلي وليه ...)، وفي إسنادهما زيد بن عوف أبو ربيعة، قال فيه الذهبي: تركوه، وقال الدارقطني: ضعيف، وكتب عنه أبو حاتم وقال: يعرف وينكر، وقال الفلاس: متروك، وذكره أبو زرعة، واتهمه بسرقة حديثين، الميزان (2/105).
وإذن فلا تصلح هذه الرواية للاستشهاد بها.
يؤكد هذا أنه رواها بإسناده عن زيد بن أرقم، وحديث زيد في صحيح مسلم وغيره ولم ترد فيه هاتان الزيادتان.
ويؤكد عدم ثبوتها أنها مخالفة لما رواه مالك أنه بلغه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه". (الموطأ)(2/899).
ورواه الحاكم عن ابن عباس، وهو جزء من حديث:"يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله وسنة نبيه". وحسنه الألباني.
قوله بعد أكاذيب ولا سيما على عمر في عليّ أنه أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين يقعده الله يوم القيامة فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.
أقول:
ماذا أبقى هذا الأفاك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل وللأنبياء؟!(1/185)
وحديثه عن المنافقين الذين تآمروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرقه من موضع وزمان إلى موضع وزمان آخر!!
فقصة هؤلاء المنافقين كانت في مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك.
وقد روى هذه القصة الإمام أحمد في مسنده (5/453)، قال: حدثني يزيد (يعني بن هارون) أنا الوليد يعني ابن عبد الله بن جميع عن أبي الطفيل قال: لما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أمر منادياً فنادى: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ العقبة فلا يأخذها أحد، فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوده حذيفة ويسوق به عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل غشوا عمارا وهو يسوق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة قَدٍ قد حتى هبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما هبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل ورجع عمار فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا عمار هل عرفت القوم؟ فقال قد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون، قال هل تدري ما أرادوا؟ قال الله ورسوله أعلم ، قال أرادوا أن ينفروا برسول الله فيطرحوه ...الحديث. وانظر السيرة للحافظ ابن كثير (4/34-38)، وهذا هو المعروف المشهور عند أصحاب المغازي والسير وغيرهم، فنقلها هذا الأفاك عن زمانها ومكانها من أجل ما يفتريه وأمثاله من الولاية ويحولها عن المنافقين إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - !!
وأنهم ضاقوا ذرعاً بهذه الولاية بل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهم تآمروا عليه ليقتلوه!! ستكتب شهادتهم ويسألون.
وبعد هذه الأكاذيب جاء برواية عن ابن مسعود تهدم أكاذيبه!(1/186)
فقال:"حدثني أبي عن مسلم بن خالد عن محمد بن جابر عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من حجة الوداع يا ابن مسعود قد قرب الأجل ونعيت إلي نفسي فمن لذلك بعدي فأقبلت أعد عليه رجلا رجلا، فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ثكلتك الثواكل فأين أنت عن علي بن أبي طالب لم لا تقدمه على الخلق أجمعين يا ابن مسعود؟ إنه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الأمة أعلام، فأول الأعلام لوائي الأعظم مع علي بن أبي طالب والناس أجمعين تحت لوائه ينادي مناد هذا الفضل يا ابن أبي طالب. ثم نزل كتاب الله يخبر عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي لا يكون اختبار ولا يمتحنهم الله بأمير المؤمنين -رضي الله عنه- (فَعَمُوا وَصَمُّوا) قال حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) حين قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقام أمير المؤمنين -رضي الله عنه- عليهم فعموا وصموا فيه حتى الساعة".
فكيف بعد هذه الخطب والإعلانات بولاية علي والمؤامرات على قتله - صلى الله عليه وسلم - يستشير ابن مسعود فيمن يخلفه؟!
جاء بهذه القصة ليفتعل ما بعدها من أنّ الناس جميعاً تحت لواء عليّ، وهناك من ينادي هذا الفضل يا ابن أبي طالب ليسلب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقام المحمود.
ثم يقول بعد هذه الفرية الكبرى:"ثم نزل كتاب الله بخبر عن أصحاب رسول الله فقال:(وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا)"، والآية في سادته اليهود، فيذهب يحولها إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! وهل هذه الآية نزلت بعد موت رسول الله؟! ألا إنه الكذب الذي يرافقه الغباء الشديد!!
وقال العياشي (1/331-334) (يا أيها الرسول بلغ) بعد ذكره عدداً من الروايات المفتراة على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام:(1/187)
"عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله تعالى نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن ينصب علياًّ
-رضي الله عنه- علما للناس ليخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقولوا حامى ابن عمه وأن يطغوا في ذلك عليه فأوحى الله إليه (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بولايته يوم غدير خم.
عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: لما نزل جبرائيل -عليه السلام- على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بإعلان أمر علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) إلى آخر الآية.
قال: فمكث النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا حتى أتى الجحفة فلم يأخذ بيده فَرَقا من الناس، فلما نزل الجحفة يوم الغدير في مكان يقال له مهيعة، فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :(من أولى بكم من أنفسكم)؟ قال فجهروا فقالوا الله ورسوله، ثم قال لهم الثانية، فقالوا الله ورسوله، ثم قال لهم الثالثة، فقالوا الله ورسوله، فأخذ بيد علي-رضي الله عنه- فقال (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله، فإنه مني و أنا منه، و هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)".
أقول:
كل هذا لم يكن منه شيء، فلم ينزل جبريل بهذا الإعلام!!(1/188)
"عن عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد الله -رحمه الله- ابتداء منه: العجب يا أبا حفص! لما لقي علي بن أبي طالب، أنه كان له عشرة ألف(1) شاهد لم يقدر على أخذ حقه، والرجل يأخذ حقه بشاهدين، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة حاجا و معه خمسة آلاف، ورجع من مكة وقد شيعه خمسة آلاف من أهل مكة، فلما انتهى إلى الجحفة نزل جبرائيل بولاية علي، وقد كانت نزلت ولايته بمنى و امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من القيام بها لمكان الناس، فقال (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) مما كرهت بمنى فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقمّت السمرات فقال رجل من الناس أما والله ليأتينكم بداهية، فقلت لعمر من الرجل ؟ فقال: الحبشي ".
وأحال المحقق إلى البحار والبرهان وإثبات الهداة.
أقول:
كل هذا لم يكن منه شيء، بل هو إفك مفترى على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى جبريل -عليه الصلاةوالسلام-، ولا أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيد علي-رضي الله عنه- ولا يعرف الصحابة وعليّ منهم مِنْ هذا شيء إلا قوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي حين خلفه عن غزوة تبوك وتألم عليّ لذلك فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)، ولا يدري أحد عن هذه الشهادة المزعومة، ولا يقولها أبو عبد الله، برّأه الله من هذا الإفك!!
التعليق على ما في ص (334):
انظر كيف يفتري على الله هذا الباطني فيزيد في الآية (إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين)!!
والآية فيها حث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ جميع ما أنزل عليه من القرآن كله والسنة كلها في العقائد والعبادات والمعاملات.
__________
(1) - كذا(1/189)
ولم ينزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - كلمةً واحدةً تخصّ ولاية علي أبداً، وإنما هذا أصله افتراء ابن سبأ ثم طوره الباطنية فحرفوا له كثيراً وكثيراً من آيات القرآن، وافتروا على الله وعلى رسوله وأهل البيت الكثير والكثير!!
وانظر إليه كيف يدفع هذه الآية عن اليهود (وحسبوا ألا تكون فتنة)، وكيف يفسرها فيحولها ويحرفها إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟!
قال العياشي (1/344) في تفسير قول الله في جزاء الصيد (يحكم به ذوا عدل منكم):"عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عن قول الله (يحكم به ذوا عدل منكم) قال: العدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإمام من بعده.
ثم قال: هذا مما أخطأت به الكُتَّاب.
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر في قول الله (يحكم به ذوا عدل منكم) يعني رجلاً واحداً يعني الإمام -رحمه الله-.
وعن زرارة قال: سمعت أبا جعفر يقول (يحكم به ذوا عدل منكم) قال: ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام من بعده، فإذا حكم به الإمام فحسبك".
وأحال المحقق على البحار والبرهان.
أقول:
لقد تضمن كلامه هذا:
1- تحريف كتاب الله، حيث افترى (ذا عدل) بدل (ذوا عدل) مكذباً قول الله:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، ومكذباً إجماع الأمة على نقله جيلاً عن جيل، ومكذباً إجماع الأمة على أنّ الله تعهد بحفظ هذا القرآن من التغيير والتبديل.
2- لم يبال بالتناقض والاختلاف بين الروايات، فتارة يقول: العدل رسول الله والإمام، وتارة يعني رجلاً واحداً يعني الإمام.
3- إبطال عدالة المؤمنين من الصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة، وتخصيص الحكم في جزاء الصيد بالرسول والإمام بدون دليل إلا الأهواء الباطنية، وقد حكم الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتضى الآية وعمومها، وقرر علماء الأمة هذا الحكم الذي يتناول كل عدلين من المؤمنين إلى يوم القيامة.
4- كذبه على أبي جعفر حماه الله من هذا الإفك.(1/190)
وقال العياشي (1/349):
"عن يزيد الكناسي قال: سألت أبا جعفر، عن هذه الآية (يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا) قال: يقول: ماذا أجبتم في أوصيائكم الذين خلفتم على أمتكم قال: فيقولون: لا علم لنا بما فعلوا من بعدنا".
وأحال المحقق على البرهان والبحار.
أقول:
برّأ الله أبا جعفر من هذا الافتراء على كتاب الله.
ومعنى الآية أنّ الله يجمع رسله يوم القيامة ليسألهم عن إجابات أممهم لدعواتهم إلى الله وإلى توحيده وشرائعه وعما أخبروهم من البعث والحساب والجزاء، وفي سؤال الله لرسله أمام أممهم في ذلك اليوم المهول تبكيتٌ وتوبيخٌ لمن كذّبهم وكفر بهم وبما جاؤوا به، ولسوف يسأل الله الرسل ويسأل أممهم أيضاً كما قال تعالى:{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}(الأعراف:6)، وكما قال:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ. فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ}(القصص: 65-66).
فهل لا يسأل الله الرسل إلا عن أوصيائهم تلك الفكرة اليهودية التي اخترعها ابن سبأ فقام الروافض الباطنية بتحريف كتاب الله من أجلها وما تفرع عنها من الأباطيل؟!!
تفسير سورة الأنعام
قال العياشي (1/356):
"عن زرارة وحمران، عن أبي جعفر وأبي عبد الله -رحمهما الله- في قوله:(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ)، يعني الأئمة من بعده وهم ينذرون به الناس.
وعن أبي خالد الكابلي قال: قلت لأبي جعفر -رحمه الله-:(وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) حقيقة أي شيء عنا بقوله "ومن بلغ" قال: فقال: من بلغ أن يكون إماماً من ذرية الأوصياء فهذا ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1/191)
عن عبد الله بن بكير عن محمد عن أبي جعفر في قول الله: ( لأنذركم به ومن بلغ ) قال: علي ممن بلغ".
أقول:
إنّ سورة الأنعام من السّور المكية، فعلى هذا التفسير يكون القرآن قد كان من العهد المكي يمهد للمذهب الرافضي ويبشر به، قتل الخراصون الأفاكون وبرّأ الله أبا جعفر وابنه أبا عبد الله الشريفين من هذا الإفك القذر السخيف.
فالله تعالى يخبر في هذه الآية الكريمة بعموم رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأنها عامة للبشرية والجن، فمن بلغه القرآن العظيم من الجن والإنس عربهم وعجمهم أحمرهم وأسودهم وأبيضهم فقد قامت عليه الحجة الرسالية بعد فهمها، وليست رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة بقريش ولا بالعرب، فالإنذار بهذا القرآن للمخاطبين من أهل أم القرى ومن حولها ولمن يبلغه هذا القرآن من موجود حين ذاك ومن معدوم سيوجد.
قال الشوكاني في تفسير الآية:" أي وأوحى الله إليَّ هذا القرآن الذي تلوته عليكم لأجل أن أنذركم به وأنذر به من بلغ إليه، أي كل من بلغ إليه من موجود ومعدوم سيوجد في الأزمنة المستقبلة، وفي هذه الآية من الدلالة على شمول أحكام القرآن لمن سيوجد كشمولها لمن كان موجوداً وقت النزول" فتح القدير (2/132).
وواضح لمن يفهم لغة العرب أنَّ (من) في قوله (ومن بلغ) معطوف على الضمير المفعول في أنذركم، لا على فاعل الإنذار والقائم به وهو رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأنّ علياً وذريته داخلين في المنذرين الذين ينذرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - .(1/192)
فتفسير هذا الباطني إفساد شنيع لمعنى الآية، إذ يريد أن يجعل علياً -رضي الله عنه- والأئمة من ذريته شركاء لرسول الله في الإنذار وعلى وجه خاص بهم، لا أنهم من جملة الأمة المنذرين، ويريد أيضاً أن يحصر التبليغ فيهم، وهذا من الكذب على الله والتحريف لكتابه، فأما تبليغ رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - فليس خاصاً بعلي ولا بالأوصياء المخترعة وصايتهم، وإنما يجب على كل من بلغته رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - من عربي وعجمي أن يبلغها، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"بلغوا عني ولو آية"، فمن بلغه شيء مما جاء به محمد ولو آية وجب عليه تبليغها، وقد أثنى الله على هذه الأمة أعطر الثناء فقال:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، وهذا تبليغ منهم لرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومن الأمر بالمعروف الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، ومن النهي عن المنكر النَّهي عن الشرك والبدع والضلال.
والله يقول:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(آل عمران:104)، فهذه المحاصرة لرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - العامة للجن والإنس إيماناً وقبولاً ودعوة إلى أصولها وفروعها لمن أعظم أنواع التعطيل والهدم لهذه الرسالة.
وفي كلامه هذا طعن في الأئمة، فهل قاموا بتبليغ الجن والإنس في مشارق الأرض ومغاربها، إنّ الأئمة جزء من الأمة العظيمة التي بلغت رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى مشارق الأرض ومغاربها، وجاهدوا في سبيل الله، واستشهد منهم الكثير وهم يبلغون هذه الرسالة.
قال القمي (1/196) الآية (27):(1/193)
"وقوله:{وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال نزلت في بني أمية، ثم قال:{بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ}، قال: من عداوة أمير المؤمنين -رضي الله عنه- (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون)".
أقول:
الآيتان يذكر الله فيهما حال الكفار الذين كذبوا الرسل فيما جاؤوا به من التوحيد والنهي عن الشرك بالله، وكذبوا بما جاؤوا به من الكتب وما تضمنته من أخبار عن البعث والجزاء والحساب والجنة وما فيها من نعيم للمؤمنين والنار وما فيها من الأهوال والسلاسل والأغلال، فلما شاهدوا ذلك قالوا وهم في غاية الحسرة والندامة (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بكل ما جاءت به الرسل.
فيأتي هذا الباطني إلى هاتين الآيتين العظيمتين اللتين تضمنتا هذه المعاني وما يلاقيه الكفار أعداء الرسل فيحولها إلى ما اخترعه الباطنيون والروافض إلى بني أمية وعداوتهم لأمير المؤمنين أي لعقائدهم الباطلة، ويسدل الستار على كل الكفار أعداء الرسل الذين كذبوهم وعاندوهم ورموهم بالسحر والكذب وسموا ما جاءوا به أساطير!! ويسدل على ما تضمنته الآيتان من الوعيد الشديد لهؤلاء الكافرين المكذبين للرسل، وفي عمله هذا من الكذب على الله وعلى القرآن ومن تضييع ما فيه من المقاصد والفوائد ما يدركه من قدر الله حق قدره وقدر القرآن حق قدره وقدر رسول الله حق قدره.
قال القمي (1/199):
"أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن علي بن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله رحمه الله في قوله:(وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) بولاية علي -رضي الله عنه -".
أقول:(1/194)
الآية من ضمن آيات تتعلق بالكفار المشركين الذين كذبوا الرسل الكرام، وكذبوا بما جاءوا به من التوحيد، واتخذوا مع الله شركاء يعبدونهم من دون الله، وأن الله سيوبخهم ويتهكم بهم ويوبخهم بسؤالهم عن شركائهم الذين كانوا يزعمون أنهم شركاء مع الله في العبادة والتعظيم، فيقسمون بالله أنهم ما كانوا مشركين.
قال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}(الأنعام: 22-24)، فجاء الباطنيون فحرفوها وذهبوا بمعانيها بعيداً إلى أمر لم يرد في كتاب ولا سنة وإنما اخترعه اليهودي الكائد للإسلام ابن سبأ، ففرح به أعداء الإسلام الباطنيون، فيمموا شطر القرآن يحرفونه لهذا المعنى المخترع، وكفروا كل من لم يؤمن به، وأنزلوه منزلة لا إله إلا الله محمد رسول الله من لم يؤمن بها فقد أشرك بالله، وجعلوه أعظم وأهم من أركان الإسلام التي من لم يؤمن بها فقد كفر وأشرك!!
ولم يهتموا بالرسالات ومن أعظمها رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - كاهتمامهم بهذه الإمامة المخترعة، بل لم يعطوها إلا قدراً بسيطاً لعله من الفلتات مما أعطوا هذه الإمامة! فقد صدق عليهم قول الله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ}(يونس:17) فلا أحد يلحق هؤلاء في الكذب على الله!!
قال القمي (1/199) في تفسير الآية (39):(1/195)
"حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الكريم قال: حدثنا محمد بن علي قال حدثنا محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن قول الله عز وجل:(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) فقال أبو جعفر: نزلت في الذين كذبوا بأوصيائهم، صم بكم كما قال الله في الظلمات، من كان من ولد إبليس فإنه لا يصدق بالأوصياء ولا يؤمن بهم أبداً وهم الذين أضلهم الله، ومن كان من ولد آدم آمن بالأوصياء كلهم".
أقول:
برّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك والتّحريف لآيات الله!!
وقَصَد الباطنية بهذا التكفير: الصّحابة وسائر المسلمين!!
ثم إنّ الآية نزلت في العهد المكي قبل أن يولد الأوصياء الذين افتريت لهم الوصية والولاية وقبل أن يتزوج علي بفاطمة، فمتى كان هذا التكذيب الذي ينزل الله فيه الآيات القرآنية أيها الأفاكون الأغبياء؟! ثم إنّ المقصود بهذا التكفير الصحابة فهم في الظلمات والروافض أتباع ابن سبأ اليهودي المجرم على صراط مستقيم!! وفي هذا الإفك طعن في الرسول ورسالته، فقد قال الله عز وجل:{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(إبراهيم:1).
وقال تعالى مخاطباً أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}(الأحزاب:43)، فقد -والله- أخرجهم الله من ظلمات الكفر والشرك كما وعد سبحانه وتعالى وهو لا يخلف الميعاد وقد شملتهم -رحمة الله-.
فيأبى الظالمون الرّوافض الباطنيّون إلا تكذيباً لله، ويأبى الظالمون إلا كفورا بهذه الآيات!!
وهم الذين يتخبطون في الظلمات والضلال حقاً!
قال القمي (1/200):(1/196)
"حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن قول الله عز وجل{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}، قال: أما قوله (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ) يعني فلما تركوا ولاية علي أمير المؤمنين -رضي الله عنه- وقد أمروا به (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) يعني دولتهم في الدنيا وما بسط لهم فيها وأما قوله (حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) يعني بذلك قيام القائم حتى كأنهم لم يكن لهم سلطان قط، فذلك قوله بغتة فنزلت بخبره هذه الآية على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقوله (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)".
ثم تحدث الفاجر عن الورع وإنكار المنكر وأنّ من لم ينكره فقد أحب أن يعصي الله، (والمنكر عندهم اغتصاب ملك آل محمد - صلى الله عليه وسلم - )!! وليس هناك غاصب ولا مغصوب، ولكن لا يكفون عن الكذب والافتراء على الله، ولا يكفون أنفسهم عن تحريف كتاب الله أشنع أنواع التحريف.
قال:"ومن أحب أن يعصى الله فقد بارز الله بالعداوة ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصى الله، إن الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين".
أقول:
تقدم شيء من الرد على هذا الإفك والتحريف.(1/197)
ونؤكد هنا على أنّ القوم أهل فجور شديد وغباء شديد، فالآيات هذه مكية، وهي حديثٌ عن تكذيب الأمم الماضية للرسل الكرام، وقد مضى على هلاكهم قرون، والله يسوق أخبارهم في هذه الآيات للاتعاظ والاعتبار، فيحولها الأغبياء الفجار إلى صراع سياسي على الحكم والكراسي بين أبناء فاطمة وبين الصحابة وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قطع الله فعلاً دابر تلك الأمم المكذبة بالعذاب المحسوس كالطوفان والصيحة وإرسال الحاصب وسائر ما ذكره الله من صنوف العذاب الظاهر في هذه الدنيا للعبرة والاتعاظ.
وهذا الغبي يرى أنّ العذاب سينزل بالصّحابة وبني أمية وبني العباس عند خروج القائم، وذلك أمر لن يكون، وإنما ذلك من خرافاتهم وأساطيرهم!
قال العياشي (1/360) في تفسير الآية (44):
"عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر في قول الله تعالى (فلما نسوا ما ذكروا به) قال: لما تركوا ولاية علي وقد أمروا بها أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) قال: نزلت في ولد العباس.
وعن منصور بن يونس عن رجل عن أبي عبد الله في قول الله (فلما نسوا ما ذكروا به إلى قوله:(فإذا هم مبلسون ) قال : أخذ بني أمية بغتة ويؤخذ بني العباس جهرة".
وأحال المحقق على البرهان والبحار والصافي وإثبات الهداة.
أقول:(1/198)
إنّ هذه الآية جاءت في سياق آيات يخبر الله فيها رسوله - صلى الله عليه وسلم - بواقع أمم سابقة ومصائرهم من الهلاك، حيث أرسل الله إليهم رسله ليؤمنوا به ويعبدوه ويتقوه ويتبعوا رسله وشرعه، فكذبوهم استكباراً وعتواً وعلواً في الأرض، فأنزل الله بهم بأسه أمةً إثر أمة، قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأنعام: 42-45).
فالحديث عن أمم كذبت رسلها، وكفروا بما جاءوا به، مثل قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب وآل فرعون الذين كذبوا موسى وغيرهم من الأمم التي أرسل الله إليها الرسل تترى فكذبوا هؤلاء الرسل، وكفروا بما جاءوا به، فأنزل الله بهم بأسه، وقد ذكر الله قصصهم في سور كثيرة، ومنها هذه الآيات من سورة الأنعام المكية.
فيأتي هذا الباطني إلى هذه الآيات فيحرفها عن معانيها ومقاصدها التي أرادها الله وفقهها المسلمون إلى مقاصد رافضية، وصراعات سياسية، يصورها إفكاً بين أهل البيت بني فاطمة والصّحابة، وبينهم وبين بني أمية وبني العباس، وبينهم وبين الأمة، لا حقيقة لها ولا يريدها بنو فاطمة ولا الأمة كلها، حرّف من أجلها كتاب الله وسنة رسوله، وشوّه بها تأريخ الأمة الإسلامية، نسأل الله أن يقطع دابر هذه الفتنة وأهلها، وأن يريح الإسلام والمسلمين من شرها.
قال القمي (1/203):(1/199)
"وقوله (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) يعني عالم الغيب (لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) قال: الورقة السقط، والحبة الولد ،وظلمات الأرض الأرحام ،والرطب ما يبقى ويحيا، واليابس ما تغيظ الأرحام، وكل ذلك في كتاب مبين".
أقول:
هذا تفسير باطني لا تدل عليه اللغة، ولا يؤيده القرآن ولا السنة، ولا يقول به مسلم!!
وفسر العياشي هذه الآية بنحو من هذا التفسير الباطني، وأسند هذا التفسير إلى أبي عبد الله وإلى أبي الحسن.
وأحال المحقق على البحار والبرهان ثم الصافي.
وقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معنى قوله في هذه الآية:(وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) بقوله صلى الله عليه وسلم:"مفاتح الغيب:{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(لقمان:34)". رواه البخاري في التفسير حديث (4627) وأحمد (2/122) وغيرهما من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
فقوله تعالى في هذه الآية (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) تضمّن هذه الخمس التي وردت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله:(مَا فِي الْأَرْحَامِ) واحد منها، وهو يشمل الولد والسقط وما تغيض الأرحام ..إلخ، والورقة هي الورقة المعروفة من أوراق الشجر والنبات، والحبة واحدة الحبوب المعروفة عند العرب، وظلمات الأرض هي المعروفة عند الناس، والرَّطْب هو الرَّطْب، واليابس معروف في لغة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم.(1/200)
والله سبحانه وحده الذي يعلم الغيب، وهو علام الغيوب، وقد أحاط علمه بكل شيء من الأزل إلى الأبد، ومن علمه الذي انفرد به ما ذكره سبحانه في هذه الآية الكريمة على التفصيل الذي ذكره، فما من شيء في البر من مخلوقات من الحيوانات والجمادات إلا يعلمه، وما من ورقة من أوراق الشجر تنمو وتسقط إلا وهو يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض وأعماقها إلا يعلمها، ولا رَطْب من الأشجار والنبات في بقعة من بقاع الأرض إلا يعلمه سبحانه وتعالى، ولا شيء في البحار وفي أعماقها إلا يعلمه سبحانه وتعالى، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عددا، ًوكلّ ذلك في كتاب مبين.
وقد ضيع الباطنيون هذه المعاني التي تضمنتها الآية الكريمة تحريفاً للقرآن، وحباً للإغراب على الهمج من أتباعهم!
قال القمي (1/209) بعد تفسير قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ..) الآية، وهو تفسير غريب:"ثم قال عز وجل (ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ)، يعني الأنبياء الذين قد تقدم ذكرهم (لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) ثم قال:(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء) يعني أصحابه وقريش ومن أنكر بيعة أمير المؤمنين -رضي الله عنه- (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ) يعني شيعة أمير المؤمنين-رضي الله عنه-".
أقول:
لم ينسب هذا التفسير إلى أحد من أهل البيت كعادته!(1/201)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره:(وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) تشديد لأمر الشرك، وتغليظ لشأنه، وتعظيم لملابسته، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ }(الزمر:65)، الآية، وهذا شرط، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع، كقوله:{قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ }(الزخرف:81)، وساق مثالين آخرين.
وقول القمي:"ثم قال (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء) يعني أصحابه وقريش ومن أنكروا بيعة أمير المؤمنين".
أقول:
قاتلك الله! ما أجرأك على تحريف كتاب الله وعلى تكفير أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين لا يعرف التاريخ البشري بعد الأنبياء والرسل أصدق إيماناً وإخلاصاً منهم لله، ولا أفضل ولا أكمل منهم، ولا أصدق وأقوى منهم في نصرة دين الله!!
وما دخل بيعة أمير المؤمنين هنا أيها الباطني! ومتى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه البيعة؟!
إنّ الضمير في قوله تعالى:(بها) يرجع إلى الكتاب والحكم والنبوة، فمن أين جئت بالبيعة؟!
وإنّ الإشارة بهؤلاء إلى كفار قريش المعاندين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن على شاكلتهم لا إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، برّأهم الله مما تقول.
وقوله تعالى:(فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ) هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة، لا يجحدون منها شيئاً، ولا يردون منها حرفاً واحداً، بل يؤمنون بجميعها محكمها ومتشابهها، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه وإحسانه. قاله الحافظ ابن كثير في تفسيره (6/109)، وهو الحق الذي يدين به كل مؤمن ويأباه الرّوافض الباطنية.(1/202)
قال الباطني في تفسير قوله تعالى (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ):"يعني شيعة أمير المؤمنين"!!
انظر إليه كيف يحكم على أصحاب محمد بالكفر ويزحزحهم عن منزلتهم التي أنزلهم الله إياها ويُنْحِلها شيعة أمير المؤمنين في زعمه! برّأ الله أمير المؤمنين من هؤلاء الروافض الملتصقين فيه ظلماً وزوراً، وإنما هم شيعة إبليس وجنوده!!
وقال العياشي (1/367-368):
"عن محمد بن حمران قال كنت عند أبي عبد الله فجاءه رجل وقال له: يا أبا عبد الله ما يتعجب من عيسى بن زيد بن علي ، يزعم أنه ما يتولى علياًّ-رضي الله عنه- إلا على الظاهر....(1).
قال: فقال: وما أصنع؟ قال الله:(فإن يكفر بها هؤلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ) وأومأ بيده إلينا، فقلت: نعقلها والله".
قال المحقق معلقاً هنا:"البرهان والبحار وقال المجلسي بعد نقل الخبر ما لفظه فسر -رحمه الله- القوم بالشيعة أولاد العجم كما ورد في خبر آخر .... إلى أن قال: وأما عيسى بن زيد المذكور في الرواية فهو عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي -رحمه الله- وعده الشيخ (ره) في رجاله من أصحاب الصادق ،وظاهره كونه إمامياً لكنه خبيث تدل على ذمه روايات كثيرة مذكورة في محالها .... إلى أن قال: وأظهر الزيدية ثم توارى إلى أن مات بالكوفة".
أقول:
برّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك! إذ المقصود بهذا الكلام المفترى عليه أنه يقول بهذه الولاية المخترعة، وأنه يكفر من لا يؤمن بها باطناً وظاهراً.
وانظر لهذا التأييد من صاحب البحار والبرهان!
وانتبه لنقل المجلسي تفسير (القوم) بالشيعة أولاد العجم أولاد الفرس، أي أنّ الصحابة كفروا وقد وكّل الله بها قوماً من الشيعة أولاد العجم أولاد الفرس!
__________
(1) هنا كلام لم تحتمل نفسي ذكره, لا سيما وهو مكذوب على عيسى بن زيد.(1/203)
لكننا نقول أما الصحابة فقد وكلهم الله بالكتاب والحكم والنبوة، وأمّا الشيعة أي الروافض أولاد الفرس فقد آمنوا بالولاية التي اخترعها لهم ابن سبأ! ويكفي هذا الفرق بين الفريقين.
وساق العياشي روايات باطلة حول الولاية والإيمان بها والكفر بها، فنعوذ بالله من هذا الضلال البعيد!
قال العياشي (1/370) في تفسير الآية (93):
" عن أبي بصير عن أبي جعفر -رحمه الله-:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ) قال: من ادعى الإمامة دون الإمام رحمه الله " وأحال المحقق على البرهان والصافي واثبات الهداة.
أقول:
إنّ هذه الآية في محاربة الشرك والضلال الذي بعث الرسل جميعاً لمحاربته، فمن جعل لله شريكاً في العبادة أو في الخلق والإيجاد أو ادعى أن لله ولداً، فلا أعظم منه ظلماً، ولا أشد منه كذباً.
أو ادعى النبوة وأنّ الله يوحي إليه فهو من أشد الناس ظلماً وكذباً، وكذلك من يدعي أنّ لديه قدرة على معارضة القرآن وأنه قادر على إنزال مثل هذا القرآن فهو من أشد الناس كذباً وظلماً.
وتنطبق هذه الآية على الروافض الذين أنزلوا الأئمة منزلة الأنبياء الذين اختصهم الله بالوحي، بل زادوا على ذلك فادعوا لهم أنهم يعلمون الغيب، ورواياتهم عنهم والمكذوبة عليهم كلها قائمة على هذه العقيدة الكفرية.
فانظر كيف حرّف هذا الباطني هذه المعاني التي يخجل منها الكافرون الأفاكون في هذه المجالات إلى معنى لا وجود له في شرعة الإسلام، وإنما شرعه ابن سبأ اليهودي وتابعه الروافض والباطنية!!
وأما القمي فقد قال في (1/210):"إنها نزلت في عبد الله بن سعد ابن أبي سرح وكان أخا عثمان من الرضاعة".
وذكر له قصة، وقصده الطّعن في عثمان -رضي الله عنه-.
ثم قال القمي في (1/211):(1/204)
"ثم حكى عز وجل ما يلقى أعداء آل محمد عليه وآله السلام عند الموت فقال:(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ –آل محمد حقهم– فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ)، قال: العطش (بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)، قال: ما أنزل في آل محمد تجحدون به".
أقول:
قوله تعالى:(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ.. ) الآية هو من تمام الآية السابقة التي أسلفنا بيان معانيها، فالظالمون هنا هم الكفار المشركون الذين هم موضوع الإخبار عنهم، وهنا ذكر ما يلقونه عند الموت، وعلى كلٍّ فالروافض لا يهمّهم الكفر والشرك بالله، وكأنهم لا يرون أنّ الكفار المشركين يستحقون هذا الجزاء المذكور في الآيات! فلذا يوجهون دائماً ما يستحقه الكفار والمنافقون إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن سار على نهجهم بدعوى أنهم ظلموا آل محمد واغتصبوا حق آل محمد وأنكروا ولاية الأئمة أو وصاتِهم! ويجعلون هذه الفرى محاور للقرآن الكريم!!، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فما أظن أنّ اليهود والنصارى بلغوا هذا المبلغ في الجرأة على تحريف كتب الله!
وما أنزل الله آية واحدة في ولاية آل محمد، وما جحد أصحاب محمد شيئاً يخصّ آل محمد، بل هم يكرمونهم ويحبونهم، وهذه الآيات في الكفار، وما قال أبو عبد الله هذا في حق معاوية وبني أمية، حاشاه أن يقول هذا الإفك!!
لقد جعل هؤلاء الباطنية حق أئمتهم المفترى أعظم من حق الله بما لايقاس، ومن هنا حرفوا الآيات الدالة على توحيد الله وسائر حقوق الله إلى الولاية والإمامة، وحرفوا الآيات الدالة على القيامة والبعث والجزاء إلى قيام قائمهم المفترى، وجعلوا الأئمة فوق الأنبياء.
قال الباطني القمي (1/211):(1/205)
وقوله:(إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) قال الحب ما أحبه والنوى ما ناء عن الحق، وقال أيضاً: الحب أن يفلق العلم من الأئمة، والنوى ما بعد عنه.
قال القمي:"(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) قال النجوم آل محمد -رضي الله عنهم-".
أقول:
تعالى الله وتنزه عما يقول الظالمون الباطنيون! إنّ كتاب الله لبيِّنٌ، وإنّ آياته لواضحات يخاطب بها جميع البشر، ولم يخاطب الباطنية بأساليبهم ورموزهم وطلاسمهم، بل هو آيات بينات.
فالحب والنوى معروفان للخاص والعام، والنجوم معروفة، وهي من نعم الله على عباده مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمنون يشكرونه على هذه النعم، والكافرون يذكِّرهم الله بهذه النعم لعلهم يشكرون وإلى دينه يرجعون.
وقال العياشي (1/370) في تفسير قوله تعالى فالق الحب والنوى:
"عن صالح بن سهل رفعه إلى أبي عبد الله -رحمه الله- في قول الله:(فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) الحب ما حبه، والنوى ما نأى عن الحق فلم يقبله.
وعن المفضل قال: سألت أبا عبد الله -رحمه الله- عن قوله:(فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) قال الحب المؤمن، وذلك قوله:(وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي)، والنوى هو الكافر الذي نأى عن الحق فلم يقبله".
وقال القمي الباطني (1/214) في تفسير قوله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً):"يعني ما بعث الله نبياً إلا وفي أمته شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض أي يقول بعضهم لبعض لا تؤمنوا بزخرف القول غروراً، فهذا وحي كذب".(1/206)
ساق إسناده إلى أبي عبد الله -رحمه الله- قال:"ما بعث الله نبياً إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه ويضلان الناس بعده، فأما صاحبا نوح فقنطيفوص وخرام، وأما صاحبا إبراهيم فمكثل ورزام، وأما صاحبا موسى فالسامري ومرعقيبا، وأما صاحبا عيسى فبولس ومريتون، وأما صاحبا محمد فحبتر وزريق".
أقول:
حاشا أبا عبد الله من هذا الإفك! فإنه لا يعلم الغيب، وما هذا إلا من وحي شياطين الروافض والباطنية، ليتوصلوا به إلى الطعن في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم!!
انظر إلى الآية حيث تذكر أعداء الأنبياء بصيغ الجمع:(شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ)، فلكي يتوصل هذا الباطني إلى صب حقده الباطني على أبي بكر وعمر اخترع لكل نبي اثنين كما ترى، ثم نفذ إلى أبي بكر وعمر بقوله: وأما صاحبا محمد فحبتر وزريق يعني أبا بكر وعمر!!
لماذا؟ لأنهما قضيا على فتنة الردة التي يقودها أسلاف الروافض والباطنية: مسيلمة الكذاب والأسود العنسي، ولأنهما مهدا لإسقاط ملك جدهم كسرى الفارسي، ولإسقاط ملك أصدقائهم وسادتهم الروم.
من أي شيء يخلق الله الأئمة وماذا يُكتب بين أعينهم؟
وماذا يعطيهم الله من المنازل؟
قال القمي (1/214-215):
"وقوله:(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فحدثني أبِي عن ابن أبِي عمير عن ابن مسكان عن أبِي عبد الله -رحمه الله- قال: إذا خلق الله الإمام فِي بطن أمه يكتب على عضده الأيْمَن (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وحدثني أبي عن حميد بن شعيب عن الحسن بن راشد، قال: قال أبو عبد الله -رحمه الله-: إن الله إذا أحب أن يخلق الإمام أخذ شربة من تحت العرش من ماء المزن أعطاها ملكا فسقاها إياه ،فمن ذلك يخلق الإمام.(1/207)
فإذا ولد بعث الله ذلك الملك إلى الإمام أن يكتب بين عينيه (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فإذا مضى ذلك الإمام الذي قبله رفع له مناراً يبصر به أعمال العباد ،فلذلك يحتج به على خلقه".
أقول:
برّأ الله أبا عبد الله المؤمن الصادق أنْ يقول مثل هذا الإفك على الله! وأن يفسر كتابه بهذا الأسلوب الباطني! الذي يقتضي أنّ الأئمة الذين هم من أفراد المسلمين ومن البشر أفضل من الأنبياء من أصل تكوينهم! فلم يكرم الله الأنبياء بهذه المكرمة، بل اختص بها الأئمة، بل يرفع الأئمة إلى مرتبة الألوهية والربوبية فيطلعون على أعمال العباد ويبصرونها، فهم الرقباء على العباد، وإذن فهم شركاء الله، في الاطلاع على المغيبات ومعرفة ما في الضمير ومراقبة أعمال العباد!!
افهم هذا التفسير الباطني ومقاصده وأهدافه! واستمع إلى تفسير المؤمنين الذي يتناسب مع جلال كلام الله وتعظيمه، قال ابن كثير –رحمه الله-:"وقوله تعالى:(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً)، قال قتادة: صدقاً فيما قال، (يعني في كل أقواله)، وعدلاً (فيما حكم)، أي في جميع أحكامه الكونية والشرعية، ثم قال ابن كثير: يقول صدقاً في الأخبار وعدلاً في الطلب، فكل ما أخبر به فحق لا مرية فيه ولا شك، وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه، وكل ما نهى عنه فباطل، فإنه لا ينهى إلا عن مفسدة، كما قال تعالى (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ)، (لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ) أي: ليس أحد يعقب حكمه تعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة، (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوال عباده، (الْعَلِيمُ) بحركاتهم وسكناتهم الذي يجازي كل عامل بعمله".(1/208)
فهذا تفسير أهل الإيمان والتوحيد، فيه تعظيم الله وتوحيده وتعظيمٌ لكلامه وتوضيح مشرق لمعانيه.
وذاك تفسير أهل الإلحاد والشرك الذي يتعمد فيه تحريف معاني القرآن وكلمات الله، بل إبطال معانيه واستحداث معاني باطلة ما أنزل الله بها من سلطان!!
قال القمي (1/215):
"ثم قال عز وجل لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - :(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ) يعني يحيروك عن الإمام، فإنهم مختلفون فيه (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) أي يقولون بلا علم بالتخمين والتقريب".
أقول:
سبيل الله هو دينه الذي شرعه لعباده، ومنه التوحيد وسائر التشريعات التي شرعها الله.
ثم هل بدأ الخلاف في الإمام بين أكثر أهل الأرض من العهد المكي، وأنّ الإمام كان هو محور القرآن من ذلك العهد، وأنّ الصراع على الإمامة كان محتدماً بين الناس من ذلك العهد الأمر الذي يؤدي إلى حيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الإمام؟!
ألا شاهت وجوه الكذابين الخراصين الأغبياء.
ثم إنّ من الفوائد التي تضمنتها الآية أنّ الحق ليس مرتبطاً بالكثرة، فقد تكون الكثرة على الضلال والباطل، ويكون الحق مع أهل القلة، وقد جاءت آيات قرآنية بمثل ما تضمنته هذه الآية الكريمة ليكون ميزان المؤمن هو الحجة والبرهان لا الكثرة، وفي هذا حجة دامغة لمن يرجحون بكثرة الأصوات مهما كان مصدر هذه الأصوات دون التفات إلى هذا المنهج!!
قال القمي (1/220):
"ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:قل لهم (تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) قال الوالدين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمير المؤمنين صلوات الله عليه)".(1/209)
أقول: هذا تفسير عجيب! وقد بين الله في آيات كثيرة حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطاعة، والتحذير من مخالفته، والأمر بتعزيره وتوقيره، وغير ذلك من حقوقه، وبيَّن حق الأبوين الذكر والأنثى في آيات، ومنها هذه الآية، أفرسول الله بحاجة إلى أن يُحرّف من أجله القرآن؟!
وانظر كيف يجعل عليا ندًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بل ما حرف الآية إلا من أجله.
وقال في (1/221):
"وقوله:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ)، قال:(الصراط المستقيم) الإمام (فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ) يعني غير الإمام، (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) يعني لا تفرقوا ولا تختلفوا في الإمام، إن تختلفوا في الإمام تضلوا عن سبيله.
أخبرنا حسن بن علي عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن أبي خالد القماط عن أبي بصير عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) قال: نحن السبيل فمن أبى هذه السبل فقد كفر".
أقول :
فاعجب لهذا الضلال والإفك والتناقض!!
فالله ينهى عن اتباع السبل، وينسبون كذباً لأبي جعفر أنه قال: نحن السبل، وهنا من يجعل السبل أبا بكر وعمر، وسيأتي وتأتي بقية المناقشة.
قال العياشي (1/383):
"عن بريد العجلي عن أبي جعفر -رحمه الله- قال:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) قال: أتدري ما يعني بصراطي مستقيماً؟ قلت: لا. قال: ولاية علي والأوصياء، قال: وتدري ما يعني (فاتبعوه)؟ قال: قلت: لا، قال: يعني علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
قال: وتدري ما يعني (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)؟ قلت: لا، قال: ولاية فلان وفلان والله.(1/210)
قال: وتدري ما يعني (فتفرق بكم عن سبيله)؟ قلت: لا، قال: يعني سبيل علي-رضي الله عنه-".
وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي واثبات الهداة.
أقول:
برّأ الله أبا جعفر الهاشمي من هذا الإفك!
فالصّراط المستقيم هو الإسلام الذي تضمنه الوحي الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - قرآناً وسنة.
وقد أمر الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن يصرح بأنه لا يتبع إلا الوحي الذي أوحاه الله إليه، قال تعالى لهذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - :{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ}(الأحقاف:9).
وأمره الله باتباع الوحي الذي يوحى إليه فقال تعالى:{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}(يونس:109)، والرسول الكريم يهتدي بالوحي، وأمته كذلك، قال تعالى آمرًا له - صلى الله عليه وسلم - :{قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}(سورة سبأ 50).
وأمر الله أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - باتباع هذا الوحي، فقال جل وعلا:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}(الأعراف: 3)، فالأمة كلها وعليٌّ واحدٌ منها مأمورةٌ باتباع هذا الكتاب وهذا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - .
وإذا حصل نزاع بين عليّ وغيره فيجب الاحتكام إلى الله والرسول.(1/211)
وقال تعالى:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الأنعام:155)، وقال تعالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(سورة النساء:59).
فلو تنازع علي -رضي الله عنه- وغيره لوجب عليه وعلى من ينازعه أن يرجعا إلى الله والرسول، وليس علي بمعصوم من الخطأ، فكيف يكون كما يقول الباطنية –هو الصراط المستقيم-؟!! بل كيف يكون من تزعم لهم الوصاية هم الصراط المستقيم؟!!
وانظر إلى هذه الزندقة التي تجعل علياً ومن يزعم الروافض أنهم أوصياء هم الصراط المستقيم، وتجعل أفضل الأمة بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - هم السبل؛ سبل الضلال والكفر التي تفرق الأمة وتبعدها عن سبيل الله!!
قاتل الله الزنادقة أنى يؤفكون.
قال القمي (1/222):
"وقوله (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) قال: فارقوا أمير المؤمنين - رضي الله عنه - وصاروا أحزابا.
حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن معلي ابن خنيس عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قوله (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً) قال: فارقوا(1)القوم – والله- دينهم)".
أقول:
نعم، إنّ الشيعة فرقوا الدين، وكانوا شيعاً، وفارقوا علياً وغيره، والغلاة منهم كالباطنية فارقوا الدين كله وحاربوه وحاربوا أهله!!
(تفسير سورة الأعراف)
قال العياشي (2/2):
__________
(1) كذا).(1/212)
"عن أبي جمعة رحمة بن صدقة قال أتى رجل من بني أمية وكان زنديقا إلى جعفر بن محمد -رحمه الله- فقال له قول الله في كتابه المص أي شي ء أراد بِهذا وأي شي ء فيه من الحلال والحرام وأي شي ء في ذا مما ينتفع به الناس قال فأغلظ ذلك جعفر بن محمد -رحمه الله- فقال أمسك ويحك الألف واحد، واللام ثلاثون والميم أربعون، والصاد تسعون، كم معك فقال الرجل مائة وإحدى وستون، فقال له جعفر بن محمد -رحمه الله- إذا انقضت سنة إحدى و ستين ومائة ينقضي ملك أصحابك، قال فنظرنا فلما انقضت إحدى وستون ومائة يوم عاشوراء دخل المسودة الكوفة و ذهب ملكهم.
- خيثمة الجعفي عن أبي لبيد المخزومي قال قال أبو جعفر -رحمه الله-يا با لبيد إنه يملك من ولد العباس اثنا عشر، يقتل بعد الثامن منهم أربعة فتصيب أحدهم الذبحة فتذبحه، هم فئة قصيرة أعمارهم، قليلة مدتهم، خبيثة سيرتهم منهم الفويسق الملقب بالهادي، والناطق والغاوي، يا لبيد إن في حروف القرآن المقطعة لعلما جما، إن الله تبارك و تعالى أنزل «الم ذلِكَ الْكِتابُ»، فقام محمد صلى الله عليه وسلم حتى ظهر نوره وثبتت كلمته، و ولد يوم ولد، وقد مضى من الألف السابع مائة سنة وثلاث سنين، ثم قال و تبيانه في كتاب الله في الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار، و ليس من حروف مقطعة حرف ينقضي أيام الأيام إلا وقائم من بني هاشم عند انقضائه، ثم قال الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون والصاد تسعون، فذلك مائة وإحدى وستون، ثم كان بدو خروج الحسين بن علي -رضي الله عنه-الم الله، فلما بلغت مدته قام قائم ولد العباس عند «المص»، ويقوم قائمنا عند انقضائها ب الر فافهم ذلك و عه واكتمه.
فانظر إلى هذا الفقه -اليهودي(1)- من الحروف المقطعة وادعائه أنّ فيها علماً جماً.
1- ثم تحدث عن دولة عبد المطلب ومدتها وليس له دولة ولا ملك.
__________
(1) انظر إلى ما يشبه هذا التفسير اليهودي (فتح القدير) للشوكاني (1/53).(1/213)
2- ثم عن دولة الرسول وأول قيامها عند نزول (الم ذلك الكتاب)، فقام محمد حتى ظهر نوره، وذكر تاريخ ولادته بناء على فقه الحروف المقطعة أي على طريق كهنة وسحرة اليهود، وساق الدليل على ذلك من الحروف الأبجدية.
والواقع أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس ملكاً ولا رئيس دولة، وإنما هي النبوة، وخلافة الخلفاء الراشدين ليست ملكا وإنما هي خلافة نبوة.
3- قوله:"لا تنقضي حروف مقطعة إلا وقائم من بني هاشم".
وأقول: لماذا أدخل بني العباس في بني هاشم هنا والملك خاصّ بالأئمة؟ ومن دقته في الحساب القائم على صدقه (!) أنه ذكر أنّ قيام دولة الحسين كان في سنة إحدى وستين ومائة، فزاد مائة سنة فقط، فهل امتد عمر الحسين إلى ما بعد سقوط الدولة الأموية إلى ثلاثين سنة!!
4- تحدث عن دولة الحسين –رضي الله عنه-، والواقع أنه لم تقم للحسين دولة، ومع ذلك فالرجل جعل مدة دولته إلى قيام دولة بني العباس، ونذكِّر القراء أنّ دولة بني أمية التي بدأت سنة أربعين وانتهت بسنة اثنين وثلاثين ومائة كان الإسلام وأهله في أيامها في غاية القوة والعزة، وامتدت فتوحاتها إلى الصين شرقاً وإلى المحيط الأطلسي غرباً، ثم تآمر الروافض عليها ليقيموا دولة للعلويين، بل دولة للروافض الباطنية، ولكن الله الذي يؤتي الملك من يشاء والذي وعد بنصر الإسلام أنقذ الأمة على يدي الخليفة المنصور العباسي (على ما فيه) بقتله أبا مسلم الخراساني الباطني الذي كان يهدف إلى القضاء على الإسلام ثم لاحق ابنه المهدي الزنادقة يقتلهم ويشرد بِهم من وراءهم من الروافض الباطنية وغيرهم من الزنادقة.
5- تحدث عن الدولة الأموية وسقوطها عن طريق الحروف.
6- تحدث عن الدولة العباسية وقال: ثم قائم ولد العباس عند (المص) ويقوم قائمنا عند انقضائها.(1/214)
ولقد كان انقضاؤها سنة ست وخمسين وستمائة على يدي هولاكو بتخطيط وتدبير ومكايد الرافضة الباطنية، فكانت المذابح الشهيرة في بغداد وغيرها وقتل الخليفة المستعصم العباسي وأسرته والعلماء كما هو معروف، ولم يقم قائم الروافض إلى يومنا هذا عام (1427هـ).
ب- ذكر أنه يملك من ولد العباس اثنا عشر، وهذا كلام باطل، وهو من أعرف الناس ببطلانه، وذلك أنه قد عاش في الدولة العباسية وعاصر الخليفة الثامن عشر من خلفاء بني العباس ألا وهو المقتدر بالله الذي توفي سنة عشرين وثلاثمائة وهي السنة التي توفي فيها العياشي.
أما الثاني عشر من الخلفاء العباسيين فهو المستعين بالله الذي توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
وعلى حسابه يكون قيام القائم في هذا التاريخ، لكنه قد مضى على هذا الموعد خمس وسبعون سنة ومائة سنة بعد الألف (1175هـ) ولم يخرج هذا المهدي المنتظر، ألا يدل هذا على إفك شيوخ الرفض ونسجهم للأساطير التي يكذِّبُها العقل والشرع ويفضحها التاريخ ثم يلصقونها بأهل البيت برّأهم الله من ذلك.
فهل يدرك الروافض أنّ شيوخ الرفض أفاكون دجاجلة فيتحررون من إفكهم وأسرهم واستعبادهم، وهل يدركون أنهم إنما يدعونهم إلى النار وبئس القرار فيجمعون لهم بين خزي الدنيا وخزي الآخرة.
القمي (1/224) فسَّر قوله تعالى:(ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) قال:"بالأئمة يجحدون".
أقول:
وهذا تحريف باطني، وما أوجب الله الإيمان بالأئمة، فمن لا يعرفهم لا يسأل عنهم، ومن أنكر إمامتهم التي يفتريها لهم الروافض والباطنية فهو المحق، ومن استهان بحق قرابتهم فهو آثم.(1/215)
أما الآيات التي توعد الله من ظلم بها فهي آياته الكونية، خاصة المعجزات الدالة على صدق رسله، وآياته الشرعية التي أنزلها في كتبه على رسله التي تتضمن الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك وتتضمن الأخبار عن الجنة والنار والحساب والجزاء وغير ذلك مما جاءت به الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام.
وقال العياشي (2/9):"وعن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: الصراط الذي قال إبليس (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) الآية وهو علي -رضي الله عنه-".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك والسخف! فصراط الله المستقيم هو دين الإسلام الذي شرعه الله من عهد آدم إلى خاتم رسله - صلى الله عليه وسلم - وقد بينا ذلك فيما سلف.
قال:"وعن موسى بن محمد بن علي عن أخيه أبي الحسن الثالث -رحمه الله- قال الشجرة التي نهى الله آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضل الله عليه وعلى خلائقه بعين الحسد ولم يجد الله له عزما". وأحال المحقق على البرهان والبحار.
أقول:
هذا من إفك الباطنية الذي ينسبونه إلى أهل البيت!
وقد تقدم النقل من هذا الأفاك عن أبي عبد الله بما هو أوسع من هذا النص، وفيه أنّ المحسود هو رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وكان هذا الحسد على الولاية التي اخترعها ابن سبأ وطورها الروافض والباطنية.
ذلك أنّ الولاية عندهم أفضل من النبوة والرسالة، فلذا حسدهم آدم عليها!!
قال القمي (1/230):"وأما قوله:(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ).
فإنه حدثني أبي عن فضالة عن أبان بن عثمان عن ضريس عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: نزلت هذه الآية في طلحة والزبير والجمل جملهم".
أقول:(1/216)
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك والافتراء على الله وكتابه!
إن الآية:
أولاً: مكية.
ثانياً: هي في الكفار الذين كذبوا بآيات الله واستكبروا على رسله.
ثالثاً: إنّ تنزيلها على طلحة والزبير خاصة -وهما من سادة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن العشرة المبشرين بالجنة ومن السابقين الأولين- لَدليلٌ على الحقد الفارسي الباطني على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، بل من الحقد على الإسلام ورسول الإسلام!
ولا يقول: إنّ الجنة للرّوافض والباطنية، والنار لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - (!) إلا مَن هو مِن أشد أعداء محمد وأشدهم إفكاً.
قال العياشي في تفسيره ( 2/12) الآية (29-31):"عن الحسين بن مهران عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قوله (وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قال: يعني الأئمة". وأحال على البرهان والبحار والصافي.
عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا -رحمه الله- في قول الله (خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قال: هي الثياب" . وأحال على البرهان والبحار.
وعن الحسين بن مهران عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قول الله (خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قال: يعني الأئمة". وأحال المحقق على البرهان والبحار.
أقول:
هذا تحريف متعمّد لكتاب الله!
قال الشوكاني -رحمه الله-"أي توجهوا إليه في صلاتكم إلى القبلة في أي مسجد كنتم أو في كل وقت سجود أو في كل مكان سجود، على أنّ المراد بالسجود الصلاة.
والمراد بالزينة ما يتزين به الناس من الملابس، أمر الناس بالتزين عند الحضور إلى المساجد للصلاة، وقد استدل بالآية على وجوب ستر العورة في الصلاة وإليه ذهب الجمهور". فتح القدير (2/244-246).(1/217)
فما المراد بهذا التفسير الباطني إلا تحريف كتاب الله وإيقاع عوام الشيعة في الغلو في الأئمة وعبادة مشاهدهم وإبطال مقاصد القرآن وأحكامه! وكيف كان حال المسلمين من الصحابة وغيرهم الذين خوطبوا بهذا الخطاب قبل أن يولد الأئمة؟! وهل يتصور أن يأمر الله باتخاذ الأئمة زينة عند كل مسجد؟ هذا بهتان عظيم، ويرفضه العقل والواقع.
قال العياشي (2/16):"عن محمد بن منصور قال : سألت عبداً صالحاً عن قول الله (إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) قال إن القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرم به في الكتاب: هو في الظاهر ،والباطن من ذلك أئمة الجور وجميع ما أحل في الكتاب هو في الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق". وأحال المحقق على البحار والبرهان.
أقول:
وهذا تفسير باطني مضيع لمعنى الآية! وهو غير معقول، فمن الحلال كل المطعومات والمشروبات والملبوسات والمركوبات، فهل الأئمة داخلون في هذه الأنواع؟! إنّ في هذا التفسير لاستهزاء بكتاب الله وبالأئمة رحمهم الله!!
وتفسيرها: ما ظهر ما أعلن من المعاصي، وما بطن ما أسر منها، ونصّ الآية:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(الأعراف: 33).
قال العياشي (2/17):"عن منصور بن يونس عن رجل عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قول الله (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ). نزلت في طلحة والزبير والجمل جملهم". وأحال المحقق على البرهان.
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك العظيم!(1/218)
إنّ طلحة والزبير لمن أكابر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن سادة المهاجرين، ومن العشرة المبشرين بالجنة، والزبير حواري رسول الله وابن عمته، ولكن يأبى الظالمون الباطنيون الروافض إلا تحريف آيات الله وتكفير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحكم عليهم بالخلود في النار!
ونسألهم: إنَّ الآية مكية فإذا كانت هي وأمثالها قد نزلت في مكة وعلم بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلماذا لم يحل بينهم وبين الإقامة في المدينة؟
ولماذا يصاحبونه في السفر والحضر ويجاهدون معه في المعارك؟!
ولماذا لم يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته بأنّ هذه الآية نزلت في فلان وهذه نزلت في فلان ...إلخ؟!
ثم لماذا لا تجوز هذه الأمور العظيمة إلا عند الروافض الباطنية وأعداء الله ورسوله والصحابة وسائر المؤمنين؟!
وقال العياشي (2/17):"عن محمد بن الفضل عن أبي الحسن الرضا -رحمه الله- في قوله:(فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) قال: المؤذن أمير المؤمنين -رضي الله عنه- " وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي.
أقول:
إنّ القوم يفترون على أهل البيت! ولو فرض أنّ أبا الحسن الرضا فسر الآية الكريمة بهذا التفسير لا يقبل منه إلا بدليل عن الله أو عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، يدل أنّ عليا قد اختص بهذه المنزلة دون الأنبياء وسائر المؤمنين.
قال العياشي (2/18):"عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي -رضي الله عنهم- قال: أنا يعسوب المؤمنين وأنا أول السابقين وخليفة رسول رب العالمين وأنا قسيم الجنة والنار وأنا صاحب الأعراف".
أقول:(1/219)
برَّأ الله علياً -رضي الله عنه- من هذه الدعاوى البهلوانية السخيفة، إذ في هذه الدعاوى تفضيلٌ لعليّ على كل المؤمنين بما فيهم الرسل الكرام، وإسقاط لخلافة الخلفاء الراشدين الذين بايعهم عليّ وهو من الراضين، ويعترف بأنّ أبا بكر وعمر أفضل منه.
وأما أنه قسيم رب العالمين فهذه الفرية فيها دعوى أنه شريك لله في الجنة والنار، إذ القسيم هو الشريك.
وقوله: وأنا صاحب الأعراف فمصادم للآية إذ فيها:(وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ)، لا صاحب الأعراف، وفيها مصادمة لما يأتي في رواية سلمان المفتراة عليه إضافة إلى تحريف معنى الآية الحقيقي.
قال العياشي (2/18):"عن زاذان عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي أكثر من عشر مرات: يا علي إنك والأوصياء من بعدك أعراف بين الجنة والنار لا يدخل الجنة إلا من عرفكم وعرفتموه، ولا يدخل النار إلا من أنكركم وأنكرتموه" وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي.
أقول:
إنّ هذا لمن الإفك! فالمؤلف باطني كثير الافتراء على الله وعلى كتابه، والإسناد منه إلى زاذان لا يُعرف رجاله! ومع ذلك فإنّ زاذان وإن كان صدوقا فإنه شيعي يرسل، وقد روى هنا ما يوافق بدعته!!
وقال (2/18):"وعن سعد بن طريف عن أبي جعفر -رحمه الله- في هذه الآية (وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) قال: يا سعد هم آل محمد، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه".
أقول:
في هذا الإسناد العياشي وهو باطني أفاك، وبينه وبين سعد بن طريف مفاوز، وسعد بن طريف شيعي ومتروك، بل رماه ابن حبان بالوضع، وأبو جعفر برىء من هذا الإفك، ولو قال هذا لما جاز لنا أن نقبل منه إلا بدليل واضح، ولا دليل!!
وأقول:(1/220)
روي موقوفا ومرفوعاً أنّ أصحاب الأعراف قومٌ استوت حسناتهم وسيئاتهم فبقوا على الأعراف، وهو مكان مشرف تل أو نحوه، فيرون أهل الجنة فيقولون لهم:(أنْ سلامٌ عليكم لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ. وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ).
فهؤلاء هم أصحاب الأعراف، فإذا قال الروافض: إن آل محمد هم أصحاب الأعراف وقد عرفنا أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم تبدد غلوهم في أهل البيت وأنهم معصومون وأن الجنة لهم ولشيعتهم، كيف لا وأهل الجنة الذين لا سيئات لهم أو من رجحت حسناتهم على سيئاتهم قد دخلوا الجنة وآل محمد محبوسون على الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون!! كيف لا وقد روى هذا الغبي ما يؤكد التفسير الصحيح لأصحاب الأعراف حيث قال (2/18):"عن الطيار عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: قلت له: أي شيء أصحاب الأعراف؟ قال: استوت الحسنات والسيئات فإن أدخلهم الجنة فبرحمته وإن عذبهم لم يظلمهم". ثم ساق بعدها روايات تتعلق بالأعراف كلها هذيان وكذب.(1/221)
قال العياشي (2/28):"عن أبي حمزة عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال في الجفر: إن الله تبارك وتعالى لما أنزل الله الألواح على موسى-عليه الصلاة و السلام- أنزلها عليه وفيها تبيان كل شي ء كان أو هو كائن إلى أن تقوم الساعة فلما انقضت أيام موسى أوحى الله إليه أن استودع الألواح وهي زبرجدة من الجنة جبلا يقال له زينة، فأتى موسى الجبل فانشق له الجبل، فجعل فيه الألواح ملفوفة فلما جعلها فيه انطبق الجبل عليها، فلم تزل في الجبل حتى بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، فأقبل ركب من اليمن يريدون الرسول صلى الله عليه وسلم ،فلما انتهوا إلى الجبل انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفة كما وضعها موسى، فأخذها القوم، فلما وقعت في أيديهم ألقى الله في قلوبهم الرعب أن لا ينظروا إليها وهابوها حتى يأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله جبرائيل على نبيه فأخبره بأمر القوم، وبالذي أصابوه، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأهم فسألهم عما وجدوا فقالوا وما علمك بما وجدنا؟ قال أخبرني به ربي وهو الألواح قالوا نشهد إنك لرسول الله، فأخرجوها فوضعوها إليه فنظر إليها وقرأها وكانت بالعبراني ثم دعا أمير المؤمنين -رضي الله عنه- فقال دونك هذه ففيها علم الأولين وعلم الآخرين، وهي ألواح موسى وقد أمرني ربي أن أدفعها إليك فقال يا رسول الله! لست أحسن قراءتها، قال إن جبرائيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت رأسك كتابك هذه الليلة فإنك تصبح و قد علمت قراءتها، قال فجعلها تحت رأسه فأصبح وقد علمه الله كل شي ء فيها، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخها فنسخها في جلد شاة وهو الجفر، وفيه علم الأولين والآخرين وهو عندنا والألواح عندنا، وعصا موسى عندنا، ونحن ورِثْنَا النبيين صلى الله عليهم أجمعين، قال: قال أبو جعفر -رحمه الله-: تلك الصخرة التي حفظت ألواح موسى تحت شجرة في واد يعرف بكذا".
أقول:(1/222)
1- هذه أسطورة لا يقبلها إلا أهل الضلال!
2- ثم ما فائدة إنزالها إلى موسى إذا كان الله أنزلها إليه ثم يأمره بدفنها في جبل؟!
3- ثم إنّ موسى كان يعيش في سيناء ثم الشام، فكيف لا يستودع هذه الألواح إلا جبلاً في اليمن أو في طريق أهل اليمن؟!
4- ثم كيف لا تصل إلى رسول الله إلا عن طريق هؤلاء القادمين من اليمن؟ ومن هم هؤلاء؟ أليس أبو موسى ومن هاجر معه كانوا أولى بهذه المكرمة؟!
5- ثم إنّ من الخبث الباطني في هذه الأسطورة أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ ما في هذه الألواح وهي باللسان العبراني، والرسول الكريم أمي لا يقرأ ولا يكتب، فكان القرآن من أعظم معجزاته وأعظم دلائل نبوته، ولو كان يقرأ ويكتب بالعربية لاتهمه أعداؤه فكيف إذا كان يقرأ بالعبرية، أليس في هذه تطريقاً لليهود والنصارى أنْ يتهموا رسول الله أنّ الذي جاء به إنما أخذه من هذه الألواح التي قرأها ومن غيرها من كتبهم؟!
إنّ القرآن ليكذب هذه الأسطورة ومن افتراها، قال تعالى{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}(العنكبوت: 48).
والله سبحانه وتعالى وصف رسوله بأنه أمي، قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ}(الأعراف: 157). والأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب.
ثم يريد القوم أن يتهموا رسول الله بالكتمان! قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(المائدة: 67).(1/223)
فإذا كان الرسول كتم هذا الخير العظيم عن أمته ولم يطلع عليه إلا عليًّا فقط! فهذا هو الغاية في الكتمان وعدم التبليغ! وبرَّأ الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما يفتريه عليه الظالمون.
عن منصور بن حيان حدثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت عند علي بن أبي طالب وأتاه رجل فقال: ما كان النبي يسر إليك؟ قال فغضب وقال: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسر إليَّ شيئاً يكتمه الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع قال فقال: ما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال:(لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غيَّر منار الأرض). صحيح مسلم كتاب الأضاحي، حديث (1978). ثم ساقه مسلم من طريق أخرى عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل عن علي -رضي الله عنه-، ورواه أحمد (1/118) والنسائي (7/232) حديث (4422) وفيه:"فغضب عليّ حتى احمر وجهه وقال: ما كان يسرّ إليّ شيئاً دون الناس، غير أنه حدثني بأربع كلمات وهو في البيت" وذكرها.
وهذا ما قصد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخص به عليا -رضي الله عنه- وإنما حدثه به في البيت ثقةً في عليّ -رضي الله عنه- أن يبلغها كما يحدث زوجاته -رضي الله عنهن- كل واحدة في بيتها ليبلغن عنه، وكما يحدث ابن مسعود وأبا ذر وأنس وغيرهم ليبلغوا أمته ما حملوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله:"ثم دعا أمير المؤمنين-رضي الله عنه- فقال دونك هذه ففيها علم الأولين والآخرين، وهي ألواح موسى وقد أمرني ربي أن أدفعها إليك".(1/224)
مقصود الروافض الباطنية من هذا أن تسهل دعاواهم عند أتباعهم الأغبياء أنّ الأئمة يعلمون الغيب وعلوم الأولين وعلم ما كان وما يكون، فيصبحوا عند هؤلاء لا فرق بينهم وبين ربّ العالمين الذي أحاط بكل شيء علماً، فإذا ضموا إلى هذا اعتقاد أنّ للإمام سلطة تكوينية على كل ذرة من كل ذرات الكون لم يبق عندهم فرق بينهم و بين رب العالمين! وهؤلاء الأئمة المفترى عليهم ظلماً وإفكاً وزورا يبرؤون منه ويبرؤهم الله والمؤمنون من هذا التأليه.
وقوله:"فأصبح وقد علمه الله كل شيء فيها فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنسخها فنسخها في جلد شاة وهو الجفر، وفيه علم الأولين والآخرين وهو عندنا والألواح عندنا وعصا موسى عندنا ونحن ورثنا النبيين صلى الله عليهم أجمعين".
وإذن فعند الأئمة ما ليس عند أعظم الأنبياء كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم! لأنهم جمعوا ما عند الأنبياء أجمعين بما فيه علوم هؤلاء المذكورين فإذا زدنا على هذا مصحف فاطمة الذي اختصوا به ظهرت الفروق الكبيرة بينهم وبين الأنبياء، ومن هنا تراهم يفضلون الأئمة على الأنبياء ويرفعونهم إلى درجة رب العالمين!
ولا ندري لماذا ادخروا عصا موسى هذه القرون كلها ولم يضربوا بها بحراً لإهلاك أعدائهم، ولم يفضحوا بها السحرة من اليهود وغيرهم، ولم يفجروا بها الأنهار، ولم يدمروا بها الصواريخ وأهلها ليريحوا شيعتهم من المتسلطين عليهم، وخاصة الإمام الذي دسوه في السرداب خوفاً عليه من أعدائه قروناً متطاولة، فهل هذا الإمام أشد صبراً من الأنبياء الذين أهلك الله أعداءهم بدعواتهم؟ وهل هو أشد صبراً من موسى الذي أهلك فرعون وقومه بدعواته كما هزمه وسحرته بالعصا؟!!
قال العياشي (2/31):"عن أبي بصير في قول الله (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ) قال أبو جعفر رحمه الله: النور علي -رضي الله عنه-".
أقول:(1/225)
إنّ هذه الآية العظيمة فيها بيان واضح لما قام به أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من إيمان به - صلى الله عليه وسلم - ، ومن نصر عظيم له على أعدائه، ومن تعزير له - صلى الله عليه وسلم - وتوقير، ومن اتباع وتمسك بما جاء به من النور والهدى، ألا وهو هذا القرآن المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - :{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}(الشعراء: 193-195)، ثم شهد لهم بالفلاح في الدنيا والآخرة.
فجاء الروافض الباطنية بتحريف مراد الله من النور الذي اهتدى به أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - واتبعوه إلى علي -رضي الله عنه-! وما هو إلا واحد ممن اهتدى بهذا النور المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ولو لم يهتد به لهلك وما كان شيئاً.
وغاية هؤلاء الباطنية صرف الأنظار عن هذه الشهادة العظيمة والتزكية الكريمة لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - والشهادة لهذا القرآن بأنه نور من الله يهتدي به المهتدون ويفلح به المتبعون.
قال العياشي (2/32):
"عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً خمسة عشر من قوم موسى الذين يقضون بالحق و به يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف ويوشع وصي موسى ومؤمن آل فرعون وسلمان الفارسي وأبا دجانة الأنصاري ومالك الأشتر". وأحال المحقق على البحار والبرهان وحاشية الصافي وإثبات الهداة، وعلق على كلمة الكعبة بقولة:"في نسخة البرهان: (الكوفة) بدل الكعبة.
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك والهذيان!(1/226)
ولعل الباطنيين إذا سئلوا من أين هذا العلم الغيبي يقولون هذا من الجفر! ثم لماذا لم يختر هذا القائم أحداً من أهل البيت ولماذا استكثر من بني اسرائيل؟! وهل يوشع نبي الله سيكون تحت راية هذا القائم؟! ولماذا خصّ الله هذا القائم بجنود يبعثهم الله بعد موتهم بقرون ولم ينصره بجنود من الأحياء كما كان نصر محمد - صلى الله عليه وسلم - ويوشع وداود وسليمان بجنود من الأحياء من أممهم آمنوا بهم وبدعوتهم وجاهدوا لإعلائها؟! أتدري من يقاتلون؟ إنهم يقاتلون أصحاب محمد وعلى رأسهم أبو بكر وعمر، يبعثهم الله ليشفي قلوب الروافض والباطنية ويذهب غيظهم بقتلهم على يدي القائم كما يفترون! والحقّ أنّ المسألة كذب في كذب ودجل في دجل يتأكّلون به.
قال العياشي (2/35):
"عن هارون بن عبيد رفعه إلى أحدهم قال: جاء قوم إلى أمير المؤمنين-رضي الله عنه- بالكوفة وقالوا له: يا أمير المؤمنين إن هذه الجراري تباع في أسواقنا، قال: فتبسم أمير المؤمنين-رضي الله عنه- ضاحكاً ثم قال: قوموا لأريكم عجباً ولا تقولوا في وصيكم إلا خيراً فقاموا معه فأتوا شاطئ بحر فتفل فيه تفلة، وتكلم بكلمات، فإذا بجرية رافعة رأسها فاتحة فاها، فقال له(1)أمير المؤمنين: من أنت؟ الويل لك ولقومك! فقالت: نحن من أهل القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يقول الله في كتابه (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً) الآية، فعرض الله علينا ولايتك فقعدنا عنها فمسخنا الله، فبعضنا في البر وبعضنا في البحر، فأما الذين في البحر فنحن الجراري، وأما الذين في البر فالضب واليربوع قال: ثم التفت أمير المؤمنين-رضي الله عنه- إلينا فقال: أسمعتم مقالتها؟ قلنا: اللهم نعم قال: والذي بعث محمداً بالنبوة لتحيض كما تحيض نساؤكم".
وأحال المحقق على البحار والبرهان و الوسائل.
أقول:
قوله:"رفعه إلى أحدهم" الظاهر أنه يريد أحد أئمتهم.
وأقول:
__________
(1) كذا.(1/227)
إنّ هذه أكذوبة كبيرة، فقوله:"ولا تقولوا في وصيكم إلا خيراً" ينزه عنه عليّ -رضي الله عنه- أن يزكي نفسه، ويدعي للناس أنه وصي رسول الله، ويستخدم أسلوب المشعوذين في ادعاء الكرامات والمباهات بها، فيذهب بهم إلى شاطئ البحر ليثبت لهم أنه وصي رسول الله، فيتفل في البحر تفلة، ويتكلم بكلمات، فتأتيه جرية رافعة رأسها فاتحة فاها، فقال له (الصواب: لها): أمير المؤمنين، من أنت؟ فتكلمه قائلة: نحن من أهل القرية التي كانت حاضرة البحر أي أنها من أهل القرية من بني إسرائيل الذين مسخهم الله إلى قردة خاسئين!!
ومن أعظم الإفك دعوى أنهم ما مسخوا إلا لإنكارهم ولاية علي، وقد تبين مسخهم وهو الاعتداء.
قال تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}سورة البقرة (65)
وقال تعالى في سورة الأعراف:{واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(سورة الأعراف:163-166).
فالله تبارك وتعالى بيّن في كتابه أنه ما مسخهم إلا من أجل اعتدائهم، ولم يمسخهم إلى أسماك! فإن الجري نوع من السمك! وهذا كله مما يبين كذب هذه الحكاية الشوهاء!
والسّمك من صيد البحر الذي أحله الله قال تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً}(المائدة:96).
فصيد البحر وطعامه حلال حتى للمحرم بحجّ أو عمرة فضلاً عن غيره، وقال - صلى الله عليه وسلم - :(أحل لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان: فالجراد والسمك، وأما الدمان: فالكبد والطحال). (روي مرفوعاً وموقوفاً، والراجح الوقف، لكن له حكم الرفع).(1/228)
ومما يبين كذب هذه الرواية على عليّ -رضي الله عنه- قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :( إنّ الله عز وجل لم يهلك قوماً أو يعذبهم فيجعل لهم نسلاً، وإنّ القردة والخنازير كانوا قبل ذلك ).
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك جواباً لرجل قال: يا رسول الله! القردة والخنازير هي مما مسخ ؟ فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بما سلف. رواه مسلم في صحيحه كتاب القدر حديث (2663) من حديث ابن مسعود، وفي رواية له:( إنّ الله لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً، وكانت القردة والخنازير قبل ذلك )، فقوله - صلى الله عليه وسلم - :(لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً )، المراد به: كل أنواع الممسوخات، ورواه الإمام أحمد (1/413) من حديث ابن مسعود.
... وروى ابن جرير بإسناده عن الضحاك عن ابن عباس:"فمسخهم الله قردة بمعصيتهم يقول: إذ لا يحيون في الأرض إلا ثلاثة أيام قال: ولم يعش مسخ فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل، وقد خلق الله القردة والخنازير في الستة أيام التي ذكرها الله في كتابه، فمسخ هؤلاء القوم في صورة القردة، وكذلك يفعل بمن يشاء ويحوله كما يشاء" رواه ابن جرير (1138).
وقد عرفت منهج القوم في تحريف كتاب الله! وأنه يقوم على الكذب والافتراء على الله لتحقيق غايات لهم ومصالح دنيوية! وقد أسرفوا وأسرفوا في ذلك كثيراً، ومن غاياتهم الطعن في دين الله وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإيهام الناس أنّ أعظم محاور القرآن هم: عليّ وبعض أبنائه من فاطمة -رضي الله عنها-! والمسلمون يعلمون براءة أهل البيت من هذا الباطل والضلال والكفر والتحريف المشين، والذي نعتقده فيهم أنهم أشد الناس بغضاً لهذه الأعمال المخزية، ومن آل محمد بنو العباس وبنو عقيل وبنو جعفر، والروافض يعادونهم ويطعنون فيهم، بل من آل عليّ من يطعنون فيه!
قال القمي (1/246):(1/229)
"وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله:(والذين يمسكون بالكتاب) قال: نزلت في آل محمد وأشياعهم".
أقول:
إنَّ الآية عامة في كل من تمسك بما جاءت به الرسل، ومنهم هذه الأمة العظيمة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وتخصيصها بآل محمد من أكذب الكذب على الله!!
قال العياشي (2/41):
"عن جابر قلت لأبي جعفر -رحمه الله- متى سمي أمير المؤمنين أمير المؤمنين؟ قال: والله نزلت هذه الآية على محمد صلى الله عليه وسلم:(وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمد رسول الله نبيكم وأن علياً أمير المؤمنين)، فسماه الله واللهِ أمير المؤمنين".
عن جابر قال: قال لي أبو جعفر -رحمه الله- يا جابر لو يعلم الجهال متى سمي أمير المؤمنين علي لم ينكروا حقه قال: جعلت فداك متى سمي؟ فقال لي قوله:(وإذ أخذ ربك من بني آدم) إلى (ألست بربكم وأن محمدا نبيكم رسول الله وأن علياً أمير المؤمنين) ثم قال لي: يا جابر هكذا والله جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك المبين على الله وعلى كتابه الذي يعرفه حتى العوام، وحتى جابرٌ على كذبه لا يجرؤ على مثل هذا الإفك، وإنما هو من إفك الباطنية العياشي وأمثاله!!
زاد المجرمون في الآية:(وأن محمدا رسول الله نبيكم وأن علياً أمير المؤمنين)! زيادة:(وأن محمدا رسول الله نبيكم) إنما زادوها ستارة وتمويها! إذ الهدف (وأن عليا أمير المؤمنين)، وأين الأنبياء والمرسلون؟! لماذا لم يؤخذ على بني آدم الميثاق لهم بأنهم رسل الله وأنبياؤه؟! وإنما يؤخذ عليهم الميثاق أن يؤمنوا بأنّ عليا أمير المؤمنين! الجواب عند الباطنية لأنه أفضل من الأنبياء والمرسلين! إنّه الإفك والكفر المتراكم، ولقد ضيعوا معنى الآية ومقصودها ألا وهو تقرير ربوبيته وألوهيته وتوحيده لتقرير أصول أفكهم ورفضهم وعداوتهم لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .(1/230)
الآية مكية، وقد قرأ القرآن في حياة رسول الله الرجال والنساء والأحرار والعبيد والصبيان، فهل تواطؤوا كلهم على حذف (وأن محمدا رسول الله نبيكم وأن علياً أمير المؤمنين)؟!
ولماذا لم يعدها عليّ إلى موضعها ويشهر بمن حذفوها على المنابر وقد آلت إليه إمرة المؤمنين وتحت رايته الجيوش الجرارة؟!
وقال العياشي (2/41):
"عن ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي جعفر -رحمه الله- قال : قال رسول الله صلى اله عليه وسلم : إن أمتي عرضت عليّ في الميثاق، فكان أول من آمن بي عليّ وهو أول من صدقني حين بعثت، وهو الصديق الأكبر والفاروق يفرق بين الحق والباطل"
أقول:
إنَّ المقصود بهذا الإفك السّطو على ما تميز به أبو بكر الصديق الأكبر، والسّطو على ما تميز به الفاروق عمر! وقد وصفهما بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون، وأضاف الأفاك رواية عن علي -رضي الله عنه-:"إن الله كلم أهل الميثاق في عالم الذر وكلموه فقال لهم إني أنا الله الرحمن الرحيم فأقروا له بالطاعة والربوبية وميز الرسل والأنبياء والأوصياء وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلك في الميثاق".
وأقول:
إذاً فمذهب الرفض قد قرر من عالم الذر! فعلى الناس أن يؤمنوا به!! قاتل الله الأفاكين.
وانظر إلى قوله: فقال لهم إني أنا الله الرحمن الرحيم وقارنه بالآية (ألست بربكم) لترى كيف يسهل الكذب والتحريف على الروافض الباطنية!!
قال القمي (1/247):(1/231)
"فلما خرج الأمر من الله وقع إلى أوليائه -رحمهم الله-، فقال الصادق -رحمه الله-: كان الميثاق مأخوذا عليهم لله بالربوبية ولرسوله بالنبوة ولأمير المؤمنين والأئمة بالإمامة؛ فقال: ألست بربكم ومحمد نبيكم وعلي إمامكم والأئمة الهادون أئمتكم؟ فقالوا بلى شهدنا فقال الله تعالى (أن تقولوا يوم القيامة) أي لئلا تقولوا يوم القيامة (إنا كنا عن هذا غافلين) فأول ما أخذ الله عز وجل الميثاق على الأنبياء له بالربوبية وهو قوله (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) فذكر جملة الأنبياء ثم أبرز أفضلهم بالأسامي فقال: ومنك يا محمد ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أفضلهم ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم فهؤلاء الخمسة أفضل الأنبياء ورسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلهم، ثم أخذ بعد ذلك ميثاق الرسول صلى الله عليه وسلم على الأنبياء بالإيمان به وعلى أن ينصروا أمير المؤمنين-رضي الله عنه- فقال (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتؤمنن به ولتنصرنه) يعني أمير المؤمنين-رضي الله عنه-وأخبروا أممكم بخبره وخبر وليه من الأئمة -رحمهم الله- حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله -رحمه الله- وعن أبي بصير عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله (لتؤمنن به ولتنصرنه) قال قال: ما بعث الله نبياً من لدن آدم فهلم جراً إلا ويرجع إلى الدنيا فيقاتل وينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين -رضي الله عنه-ثم أخذ أيضاً ميثاق الأنبياء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون".
أقول:(1/232)
1- برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الافتراء على الله وعلى كتابه وعلى رسوله! فهذا الإفك يقتضي تفضيل عليّ والأئمة على الأنبياء والمرسلين، وأنّ الله أخذ الميثاق عليهم أن يؤمنوا بإمامة عليّ والأئمة، فما أظن اليهود والنصرى يصلون إلى هذا الغلو والإفك المبين وإهانة الأنبياء والمرسلين!!
2- وعلى أن ينصروا أمير المؤمنين فعلى قولهم الأثيم يكون الأنبياء لم يفوا بهذا الميثاق حيث لم ينصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته وجهاده ومعاركه، ولم ينصروا عليا في صفين ولا على الخوارج المارقين بل ولا على الغلاة فيه من الملحدين!
3- وانظر إلى هذا الإفك "ثم أخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله على الأنبياء بالإيمان به وعلى أن ينصروا أمير المؤمنين" إلى آخر هذه الفرية التي يخجل الشيطان من افترائها!
4- ويؤكد هذا الإفك المبين بقوله:"ما بعث الله نبياً من لدن آدم فهلم جراً إلا ويرجع إلى الدنيا فيقاتل وينصر رسول الله وأمير المؤمنين" فلماذا ما بعث الأنبياء لنصرة رسول الله في مكة والطائف وبدر وأحد والأحزاب وسائر المعارك التي خاضها؟! ولماذا ما بعثهم الله لعلي في قتاله للخوارج وسائر خصومه؟!
إنّ أسطورة الرجعة لمن أحطّ الأساطير والمهازل التي يخجل منها اليهود والنصارى والهنادك، ولهذا كفَّر الروافضَ بها من كفَّرهم من أهل العلم، لاسيما ومن أساطيرهم أنّ الله يبعث أبا بكر وعمر وعثمان ليشنقهم وليقتلهم قائم الروافض!!
قال العياشي (2/42):"عن سليمان اللبان قال: قال أبو جعفر -رحمه الله-: أتدري ما مثل المغيرة بن شعبة؟ قال: قلت: لا، قال: مثله مثل بلعم الذي أوتي الاسم الأعظم الذي قال الله (آتيناه آيتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين). وأحال على البحار والبرهان والصافي.
أقول:(1/233)
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك! فأنتم أولى بهذا الذي بهتم به المغيرة -رضي الله عنه-، فإنه من أفاضل أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وموقفه في الحديبية معروف، وموقفه من أجدادكم الفرس معروف.
روى البخاري حديث (3159) عن زياد بن جبير عن جبير بن حية قال: ندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن، حتى إذا كنا بأرض العدو وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم، فقال المغيرة: سل عما شئت، قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد، وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرضين – تعالى ذكره وجلت عظمته – إلينا نبياً من أنفسنا، نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبينا رسول ربنا - صلى الله عليه وسلم - أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن رسالة ربنا أنه من قُتِلَ منا صار إلى الجنة في نعيمٍ لم ير مثلها قط، ومن بقى منا ملك رقابكم".
ثم قال العياشي (2/42):
"عن محمد بن أبي يزيد الرازي عن من ذكره عن الرضا -رحمه الله- قال: إذا نزلت بكم شدة فاستعينوا بنا على الله وهو قول الله (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) قال: قال أبو عبد الله: نحن والله الأسماء الحسنى الذي لا يقبل من أحد إلا بمعرفتنا ،قال: فادعوه بها".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله والرضا من هذا الإفك الذي يخجل منه اليهود! أما كفاكم الاعتداء على الأنبياء والصحابة فتسلبونهم منازلهم وصفاتهم حتى وصل بكم الخبث إلى أن تنقضوا على أسماء الله الحسنى فتجعلونها للأئمة الضعفاء الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، وتنسبون إليهم هذا الإفك، وأنهم يستعان بهم على الله! يريد الجهلاء التوسل بهم إلى الله، ولا يستبعد أنهم يريدون الاستغاثة! وتريدون تكفير المسلمين بعدم معرفتهم للأئمة!(1/234)
والله ما أوجب ذلك، ولن يسأل الله الناس عنهم، وإنما يسألون عن إيمانهم بالأنبياء وبما جاءوا به ومنهم الأئمة سيسألون عما سئل عنه غيرهم.
قال العياشي (2/42):"عن حمران عن أبي جعفر -رحمه الله- في قول الله (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) قال: هم الأئمة. وقال محمد بن عجلان عنه: نحن هم". وأحال المحقق على البحار والصافي واثبات الهداة ومجمع البيان.
أقول:
هذه الأمّة المذكورة في الآية هي أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسها أصحابه الكرام وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-، وقد هدى الله بهم أمماً وشعوباً وملأوا الدنيا عدلا وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وتحقَّق بهم وعد الله في قوله عزّ وجلّ:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(النور: 55).
قال العياشي (2/43):
"عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله في قول الله (خذ العفو وأمر بالعرف) قال بالولاية (وأعرض عن الجاهلين ) قال عنها: يعني الولاية".
أقول:
أعاذ الله أبا عبد الله العربي الهاشمي من هذا الإفك والإسفاف في تحريف القرآن! وإنما هذا وغيره مما نسب إليه إنما هو من إفك الروافض الباطنية!(1/235)
ومعنى الآية عظيم وعظيم؛ لأنه كلام ربّ العالمين، وعظيم يناسب عظمة القرآن وعظمة من جاء به ويناسب رسالته العظيمة، فالله يوجه رسوله الكريم في هذه الآية العظيمة أنْ يأمر بالعرف أي بتوحيد الله وإخلاص الدين له وحده وطاعته سبحانه في امتثال كل أوامره، واجتناب كل نواهيه وزواجره، ويأمره بالأخلاق العالية من الصبر والحلم والصفح، فلا يتأتى الإعراض عن الجاهلين إلا ممن يتمتع بهذه الأخلاق الرفيعة، وأمته مأمورون بكل ما تضمنته الآية الكريمة، فيأتي هؤلاء الباطنية الروافض فتحملهم عقائدهم السخيفة إلى مثل هذا التفسير الذي قدمه العياشي الأعمى والمغلق الذهن والذي يعمي أمثاله عن عظمة القرآن وعظمة مقاصده!!
تفسير سورة الأنفال
قال العياشي (2/46):
"عن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: سمعته يقول: من قرأ سورة براءة والأنفال في كل شهر لم يدخله نفاق أبداً وكان من شيعة أمير المؤمنين-رضي الله عنه- حقاً وأكل يوم القيامة من موائد الجنة مع شيعته حتى يفرغ الناس من الحساب. وفي رواية أخرى عنه: في كل شهر لم يدخله نفاق أبدا وكان من شيعة أمير المؤمنين-رضي الله عنه- حقاً". وأحال المحقق على البحار والبرهان ومجمع البيان والصافي.
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك السّخيف! وكلّ مؤمن يعتقد أنّ مثل هذه الأمور الغيبية والوعود الضامنة بالجنة لا تكون إلا من الله، ولا يبلغها إلا الرسل الكرام، وقد انقطع الوحي بموت خاتم الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - .
فهذا وكلّ ما ينسبه الرّوافض إلى عليّ -رضي الله عنه- وأبي جعفر وأبي عبد الله وغيرهم من أهل البيت من الإفك المبين يبرئهم الله والمؤمنون منه.
انظر إلى هذا الإفك!
فالنّفاق لا يوجد في الفرق الضالة مثلما يوجد في الشيعة (الروافض)، وهم يؤمنون بالتقية، ويعتبرونها تسعة أعشار الدّين، وهي أعظم غطاء لنفاقهم!(1/236)
وأهل السنة -والله- أولى بأمير المؤمنين وأهل بيته من الروافض الذين يدعون أنهم شيعة أهل البيت وأتباع أهل البيت! وهم أعداء أهل البيت حقاً شاءوا أم أبوا، فكم جنوا على أهل البيت، وكم شوهوهم بالأكاذيب والافتراءات التي يتنزهون عنها وكل مؤمن بالله.
انظر إلى الأفاك ومن أيده حيث يزعمون أنّ شيعتهم لا يحاسبون! فالناس كلهم بما فيهم أصحاب محمد يحاسبون وهم يأكلون من موائد الجنة حتى يفرغ من الحساب! ونقول ما الذي أهلكم لهذه المنزلة: أهو الشرك والضلال والإفك والزور والأمور التي لا تلحقون فيها أم أمور أخرى؟!
قال العياشي:(2/47):"عن بشير الدهان قال: سمعت أبا عبد الله -رحمه الله- يقول: إن الله فرض طاعتنا في كتابه فلا يسع الناس جهلنا (حملنا خ ل) لنا صفو المال ولنا الأنفال ولنا قراين (كرائم خ ل) القرآن.
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك المبين!
فالله سبحانه ما فرض معرفة جميع الأنبياء، قال تعالى في شأنهم:(مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)، فمن ذكره الله منهم في القرآن وجب على الناس الإيمان به بعينه، ومن جحده فقد كفر، ومن لم يذكرهم وجب على الناس الإيمان بهم في الجملة.
وما فرض الله طاعة أهل البيت مطلقاً، فمن تولى منهم أمر المسلمين وجبت طاعته في طاعة الله، وتجب معصيته في معصية الله، ومن لم يتولّ أمر المسلمين منهم وجب عليه أن يطيع من ولاّه الله أمر المسلمين في طاعة الله ولو كان مسلماً جائراً، ولا يجوز له معصيته ولا الخروج عليه إلا أن يرى منه الكفر البواح، وهذا أمرٌ شرعه الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن لم يرضه فهو من أهل الضّلال كائناً من كان من أهل البيت أو غيرهم.
انظر إلى هذا القول السّخيف القائم على الجشع والهوس والطمع فيما في أيدي الناس (لنا صفو المال ولنا الأنفال)!(1/237)
فوالله ما يقول هذا الكلام الخسّيس إلا أخسّاء الروافض والباطنية، ولا يقوله أبو عبد الله ولا غيره من المسلمين الصادقين، قاتل الله هؤلاء الضلال كم افتروا على أهل البيت، وكم شوّهوهم بمثل هذه الصّور المزرية، كلّ ذلك ليتأكلوا باسم أهل البيت!!
وقال العياشي (2/48) بعد أن ذكر رواية عن أبي جعفر تتعلّق بالفيء:
"وفي رواية أخرى عن الثمالي قال: سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن قول الله (يسألونك عن الأنفال) قال: ما كان للملوك فهو للإمام".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك!
فلذوي القربى جميعاً الخمس من الغنائم وليس للإمام وحده! فكيف يقول هذا أبو جعفر الصادق الشريف النزيه العفيف الذي لم يأكل درهماً باسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟! وكيف يستأثر بنصيب الفقراء والمساكين وابن السبيل بعد الاستئثار بنصيب ذوي القربى؟! وقد تقدم الكلام في هذا (ص76).
ثم إنّ إمام المسلمين ما يكون بمجرد الدعاوي، وإنما يكون إمامهم إذا بايعوه فتولى أمورهم من إقامة العدل فيهم، وإقامة الحدود، وحفظ الثغور، وتسييير الجيوش للجهاد، وإقامة الجمعة والجماعة والحج، وأخذ الزكاة، وقسم الفيء والغنائم في مصارفها، أو تغلَّب عليهم وصار له شوكة، فيُطاع في طاعة الله؛ جمعاً لكلمة المسلمين، وحقناً لدمائهم، وحفظاً لأعراضهم وأموالهم.
هذا هو الإمام في شرعة الإسلام.
أما شرعة الروافض التي تناقض شرعة الإسلام وتخالفه في أصوله وفروعه فشيءٌ آخر يبرأ منه الإسلام والمسلمون ومنهم أهل البيت الشرفاء.
قال القمي (1/255):
"وقوله (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) إلى قوله (لهم درجات عند ربهم ومغفرة وأجر عظيم). فإنها نزلت في أمير المؤمنين-رضي الله عنه- و أبي ذر وسلمان".
أقول:
لم يسند هذه الفرية إلى إمام، ولم يذكر لها إسناداً! فمن أين له تخصيص هذه الآية العظيمة الشاملة للأنبياء والصديقين والصالحين والشهداء بعليٍّ وثلاثة معه؟!(1/238)
هكذا يحتكر الجنة بهواه لإخراج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين تشملهم الآية بحقٍّ بعد الأنبياء ويدخلون فيها دخولاً أولياً، ألا بعداً وسحقاً لمثل هذه العقول ومناهجها وعقائدها الفاسدة!!
وقال العياشي الباطني (2/50):
"عن جابر قال: سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن تفسير هذه الآية في قول الله (يريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) قال أبو جعفر -رحمه الله-: تفسيرها في الباطن: يريد الله فإنه شيء يريده ولم يفعله بعد، وأما قوله (يحق الحق بكلماته) فإنه يعني يحق حقّ آل محمد، وأما قوله:(بكلماته) قال: كلماته في الباطن علي هو كلمة الله في الباطن. وأما قوله:(ويقطع دابر الكافرين) فهم بنو أمية هم الكافرون يقطع الله دابرهم وأما قوله (ليحق الحق) فإنه يعني ليحق حق آل محمد حين يقوم القائم -رحمه الله-، وأما قوله (ويبطل الباطل) يعني القائم، فإذا قام يبطل باطل بني أمية، وذلك قوله (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)" وأحال المحقق على البحار والبرهان وإثبات الهداة للحر العاملي.
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك الباطني!(1/239)
وهذه الآية من ضمن آيات ذكرها الله في وقعة بدر وما جرى فيها من جدال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعض أصحابه، إذ كان بعضهم يكره لقاء النفير ويرغبون في لقاء العير؛ لأنهم يحصلون على الغنيمة بدون قتال، قال تعالى:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}، إلى قوله:(وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)، وكان الله قد وعدهم إحدى الطائفتين: إمّا العير وإمّا النفير، وكان بعضهم يحبّ لقاء العير، والله بعلمه وحكمته يريد لقاء النفير؛ ليحقّ الحق وهو دينه يريد نصره وظهوره، ويريد أن يبطل الباطل وهو الكفر ويقطع أعداءه الكافرين، فكان ما أراده سبحانه من نشوب القتال بين أولياء الله رسول الله وأصحابه وبين أعدائه أبي جهل وصناديد قريش، فنصر الله رسوله وجنده، فانهزم الكفار بعد أن قتل منهم سبعون وأسر سبعون، وظهر الحق وبطل الباطل، فذلك معنى قوله تعالى:(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).(1/240)
والمجرمون الروافض الباطنية يكرهون أن يكون هذا النصر لمحمد وأصحابه، وأن يحقّ الله الحقّ ويبطل الباطل على يديه - صلى الله عليه وسلم - وأيدي أصحابه الكرام، فجاءوا بهذا التفسير الباطني الباطل، وجعلوا الحقّ حقّ آل محمد دون حقّ الله!! وجعلوا كلمات الله التي يحقّ بها حقّه وينصر بها جنده جعلوها علي بن أبي طالب إفكاً منهم وإلحاداً! وأوّل من يبغض هذا الإفك الباطني من المسلمين عليّ وأهل بيته الكرام! وجعلوا الذي يبطل الباطل هو القائم -الأسطورة التي اخترعوها ولن توجد ولن تقوم-، وهذا القائم يأتي لإهلاك بني أمية والقضاء على دولتهم التي انتهت من قرون، وبنو أمية هم الكفار المجرمون لا اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا الزنادقة! ولعل هؤلاء سيكونون هم جيش القائم المفترى بفضل شيعته وبركتهم ولا سيما الباطنية منهم!!
برَّأ الله الإسلام والمسلمين وأهل البيت منهم.
إنّ المهدي الحقّ إذا جاء يَقتل ويقاتل اليهود والنصارى والوثنيين ويملأ الدنيا عدلاً، ولا يقتل بني أمية ولا غيرهم من المسلمين.
واللهُ هو الذي يحقّ الحقّ ويبطل الباطل، وقد أنجز ذلك على أيدي محمد وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم-، ولا يُوقف هذا النصر على ظهور قائم الروافض والباطنية الذي لا حقيقة له! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ثم ماذا يستفيد أهل البيت الذين ماتوا قبل خروج القائم المزعوم بقرون وقرون؟!
1- قال القمي (1/270): في تفسير قول الله تعالى:(ويريد الله أن يحق الحق بكلماته) قال: الكلمات: الأئمة -رحمهم الله-".
أقول:
الظاهر أنه يقصد بقوله:(قال) أبا عبد الله جعفر الصادق.
وأقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك الباطني! فكلمات الله هي كلامه اللائق به الذي أوجد به الكائنات كلّها، وشرع بها الشّرائع كلّها.(1/241)
قال تعالى:(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي) وقال تعالى:(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ).
... 2- قال القمي (1/271):"حدثنا أحمد بن محمد عن جعفر بن عبد الله عن كثير بن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) يقول ولاية علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-فإن اتباعكم إياه وولايته أجمع لأمركم وأبقى للعدل فيكم".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك والتحريف!
انظر كيف يتعمّد إبطال معاني نصوص القرآن ويعطل عموماتها!
فالمراد بما يحيي الناس هو الإسلام الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - بعقائده وما تضمنه من عبادات وأخلاق ومعاملات وجهاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر، والآية لا تعني من قريب ولا بعيد ما افتراه هذا الباطني!
وما دعا رسول الله أبداً إلى هذه الولاية التي اخترعها ابن سبأ وذهب الباطنيون والروافض إلى تحريف جُلِّ آيات القرآن من أجلها!
3- (1/ 279) ساق القمي إسناده إلى أبي جعفر أنه قال في قوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) قال أبو جعفر: نزلت في بني أمية فهم شر خلق الله هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا التحريف الباطني!(1/242)
موضوع الآية: الكفار، ومن شرهم الباطنية الذين يكيدون للإسلام، ويحرفون كتاب الله، فهم شر أنواع الكفار وأضرهم على الإسلام والمسلمين، وما يحقدون على بني أمية إلا لأنهم ممن أعزّ الله بهم الإسلام، وأذلّ بهم المجوس واليهود والنّصارى، فهم مسلمون، ومنهم صحابة من أفاضل الصحابة كانوا من القيادات الفذة في الجهاد والفتوح، ومنهم ملوك الإسلام الذين واصلوا الفتوحات في الشرق والغرب ودينهم ودستورهم الإسلام الذي لا يرضون به بديلاً، وفيهم من هو ظالمٌ لنفسه ولكنه يعتزّ بالإسلام.
قال العياشي (2/50):
"عن جابر عن أبي عبد الله جعفر بن محمد -رحمه الله- قال سألته عن هذه الآية في البطن (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) قال: السماء في الباطن رسول الله والماء علي -رضي الله عنه-، جعل الله علياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله:(ماء ليطهركم به) فذلك علي يطهر الله به قلب من والاه، وأما قوله:(ويذهب عنكم رجز الشيطان) من والى علياً يذهب الرجز عنه ويقوّى قلبه و(يربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) فإنه يعني علياً من والى علياً يربط الله على قلبه بعلي فثبت على ولايته". وأحال المحقق على البرهان.
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر الهاشمي السني النزيه من هذا الإفك المبين!
وهذا التفسير لهذه الآية وعلى هذه الصّورة وما سبقها يظهر منه جلياً أنّ العقيدة الباطنية قد تغلغلت في نفوس الروافض وفي عقيدتهم ومنهجهم وسيطرت على عقولهم!!(1/243)
فالسّماء في هذه الآية المراد به السّحاب، إذ السّماء تطلق على كل ما علا، وليست السّماء محمداً! والماء هو الماء الذي ينزله من السّحاب، والمراد به الماء الذي أنزله على جنده المؤمنين أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ ليطهرهم به، وليذهب عنهم رجز الشيطان، وليربط على قلوبهم، ويثبت به أقدامهم، وليس المراد بذلك أعداءهم الروافض والباطنية الذين يغيظهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ويغيظهم كل فضيلة ومنقبة يذكرها الله ورسوله لهم!!
... انظر مرة أخرى إلى هذا التفسير الباطني كيف أضاع هذه المعاني العظيمة الجليلة المضيئة، وحوّلها إلى هذه الصّورة المظلمة الشّوهاء! فهل عليّ وأهل بيته يرضون بهذه الزندقة التي يلصق الباطنية أنفسهم وباطنيتهم بهم؟! كلا وحاشا!!
قال العياشي (2/53):
"عن عبد الرحمن بن سالم عنه في قوله (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) قال: أصابت الناس فتنة بعدما قبض الله نبيه حتى تركوا علياً وبايعوا غيره، وهي الفتنة التي فتنوا بها، وقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع علي والأوصياء من آل محمد -رحمهم الله-".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله الصّادق من هذا الإفك! وما أصابتهم فتنة ببيعة أبي بكر وعمر وعثمان، وإنما أنعم الله عليهم، وأعزهم، وأكرمهم، وأعلى الله بهم دينه، وقهر بهم الجبابرة، وأظهر بهم دينه على الأديان كلها، فتحقّق بهم قول الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة:33).(1/244)
ونصرهم باجتماع كلمتهم عليهم، وطاعتهم لهم، وعليٌّ وأهل البيت من ضمن هؤلاء المؤمنين الذين أنعم الله عليهم بهذه البيعة والاجتماع، ولم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم باتّباع عليّ والأوصياء! ولو أمرهم ببيعة حبشي مجدّع الأطراف لما عصوه ولا خالفوا أمره فكيف بعليّ؟! وأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر؛ لأنه أفضلهم، ولم يبعث محمد ليعبّد الناس لأهل بيته، وإنما جاء ليعبّدهم لله وحده، وأما البيعة فتركهم أحراراً يبايعون من اختاروه ورضوا به، فاختاروا أفضلهم وأكملهم.
وقد كان رسول الله يلمّح ببيعة أبي بكر -رضي الله عنه –، ومن ذلك تأميره عليهم في الحج، وأمره له أن يصلي بالناس في مرض موته، وغير ذلك، فظهر بذلك وباختيار الصحابة له كفاءة أبي بكر -رضي الله عنه-، ولا سيما في موقفه من أهل الردة وتصميمه على قتالهم حتى رجع الصحابة إلى قوله السديد الرشيد، فقاتلهم حتى رجعوا إلى حظيرة الإسلام، ولما اجتمع أهل جزيرة العرب على الإسلام دفع بهم إلى قتال الفرس والروم، مما يدلّ على شجاعة هذا الإمام وكماله وكمال إيمانه وتوكله على الله، فكانت بيعته وخلافته وجهاده وأعماله كلّها من أعظم نعم الله على المسلمين ولو كره المشركون ولو شرق بذلك وكرهه الروافض والباطنية.
وانظر إلى قوله:"وقد أمرهم رسول الله صلى الله وآله وسلم باتباع علي والأوصياء من آل محمد"!
وأقول:
هب أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بذلك فلماذا تُحرِّفون القرآن هذا التّحريف الرّهيب، والحقّ أنّ هذه الدعاوى إنّما هي أكاذيب، فالله لم يأمر بذلك ولا رسوله من قريب ولا من بعيد، وإنما هي أمورٌ شرعها لهم ابن سبأ، فطوّروها وحرّفوا من أجلها القرآن تحريفاً لا يُعهد له نظير في تاريخ البشر.
...
تفسير سورة التوبة
قال القمي (1/282):(1/245)
"وحدثني أبي عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن حكيم ابن جبير عن علي بن الحسين -رضي الله عنهما- في قوله (وأذان من الله ورسوله) قال: الأذان أمير المؤمنين-رضي الله عنه-. وفي حديث آخر قال أمير المؤمنين-رضي الله عنه-: كنت أنا الأذان في الناس".
أقول:
برَّأ الله علي بن الحسين وجده علياً من هذا الإفك!
الأذان هنا هو إعلام من الله ورسوله وإنذار إلى الناس بأنّ الله بريء ورسوله من المشركين، ودعوة لهم إلى التوبة من الشرك، وإنذار شديد لهم إن تولوا فلم يسلموا.
قال الإمام البخاري في التفسير حديث (4655): حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: بعثني أبو بكر -رضي الله عنه- في تلك الحجة في المؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد: ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة.
قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان".
أقول:
كان أبو بكر هو أمير الحج، وجميع من حج من المسلمين تحت إمرته، يقود الحجيج ويصلي بهم، وأردف النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً ببراءة والإمرة لأبي بكر، وكان المؤذنون ومنهم عليّ وأبو هريرة يؤذنون بهذه الكلمات بأمر أبي بكر -رضي الله عنه- وتحت إمرته، فلماذا يكتم هذا الباطني كل هذا؟! ولِمَ يكتم فضيلة أبي بكر وواقعه وإمرته في هذه الحجة ويدفع عنه هذا الشّرف والمنزلة؟ ولماذا يفسّر كلام الله هذا التفسير السخيف الذي لا يقبله عقل ولا تدلّ عليه لغة القرآن ولا تؤيده السنة؟!
وقال العياشي (2/76):(1/246)
"عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين -رحمه الله- في قول الله:(وأذان من الله ورسوله) قال: (الأذان) أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- " وأحال المحقق على البرهان والبحار والوسائل. وعن جابر عن جعفر بن محمد وأبي جعفر -رحمه الله- في قول الله (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) قال: خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه" وأحال المحقق على البرهان وإثبات الهداة.
أقول:
فأي الروايتين أعجب؟! وأيهما نصدق؟! وإن كانت الأخيرة أدهى وأمر!
وهكذا يتداولها الروافض الباطنية من غير نكير:{كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}(المائدة: 79).
قال العياشي (2/77):(1/247)
"عن حنان بن سدير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: سمعته يقول: دخل علي أناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة والزبير فقلت لهم كانا إمامين من أئمة الكفر إن عليأً -رضي الله عنه-يوم البصرة لما صف الخيول قال لأصحابه لا تعجلوا على القوم حتى أعذر فيما بيني وبين الله وبينهم فقام إليهم، فقال: يا أهل البصرة هل تجدون عليّ جوراً في الحكم؟ قالوا: لا. قال: فحيفا في قسم؟ قالوا: لا، قال: فرغبة في دنيا أصبتها لي ولأهلي بيتي دونكم فنقمتم علي فنكثتم علي بيعتي؟ قالوا: لا، قال فأقمتم فيكم الحدود وعطلتها في غيركم؟ قالوا: لا. قال: فما بال بيعتي تنكث وبيعة غيري لا تنكث؟ إنى ضربت الأمر أنفه وعينه فلم أجد إلا الكفر أو السيف، ثم ثنى إلى أصحابه فقال: إن الله يقول في كتابه:(وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ)، فقال أمير المؤمنين-رضي الله عنه-: والذي فلق الحبة وبرء النسمة واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بالنبوة إنكم لأصحاب هذه الآية وما قوتلوا منذ نزلت" وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي.
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك والتحريف لكتاب الله، ومن تكفير طلحة والزبير وأهل البصرة، وما هو بالرافضي الكاذب الحاقد على خيار أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وبرَّأ الله علياً من هذا الإفك.
وقد قدمنا بيان منزلة أخويه طلحة والزبير عنده، وإهانته لخصومهما، وقوله:"إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}(الحجر: 47)".(1/248)
وما كان يكفر أهل البصرة، ولا قاتلهم على الكفر أيها الباطنيون، ولا استشهد بهذه الآية على قتالهم، وما كان له ولا لطلحة والزبير من رغبة في القتال، ولكن أسلافكم تلاميذ ابن سبأ هم الذين كانوا حريصين على القتال، وأنشبوا القتال بين الطائفتين فعلاً، فأصبح كلّ فريق يدافع عن نفسه.
ثم لو قاتلهم على الكفر فلماذا لم يغنم أموالهم ولم يسب نساءهم؟! ولماذا بقوا تحت حكمه بعد انتهاء القتال بدون توبة من الكفر؟! فهل أقرهم على الكفر؟! ويؤمِّر عليهم ابن عباس يصلِّي بهم ويخطبهم في الجمع باسم المسلمين ولا يدعوهم إلى التوبة من هذا الكفر!!
ألا يدلُّ كلّ هذا على إفك الروافض على عليٍّ وإخوانه؟!!
ثم إنّ الآية من ضمن آيات تتعلق بالمشركين وعهودهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والله يبين لرسوله وللمؤمنين كيف يتعاملون معهم.
نسوق منها هذه الآيات:{اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ . لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ. فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ. أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ}(التوبة: 9-13).
أقول:
كيف ينزِّل الروافض هذه الآيات على طلحة والزبير ومن معهما من المسلمين وهي في المشركين وعهودهم وأحكام الله عليهم؟!(1/249)
ومن جرائم هؤلاء المشركين إخراجهم لرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من ديارهم، ومنها أنهم بدؤوا المسلمين بالقتال، فهل هذه من أعمال طلحة والزبير وإخوانهم؟!
قاتل الله أعداء الله وأعداء دينه ورسوله وأصحاب رسوله الكرام.
قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: مر سعد برجل من الخوارج، فقال الخارجي: هذا من أئمة الكفر! قال سعد: كذبتَ أنا قاتلت أئمة الكفر.
أقول:
وكذا طلحة والزبير قاتلا أئمة الكفر، فإذا كفّر الخوارج عليّاً وكفّر الروافض أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - نقول: كذبتم وقلتم قولاً عظيماً.
قال القمي (1/283):
"وأما قوله (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) فإنها نزلت في أصحاب الجمل.
وقال أمير المؤمنين-رضي الله عنه- يوم الجمل: والله ما قاتلت هذه الفئة الناكثة إلا بآية من كتاب الله عز و جل يقول الله (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) إلى آخر الآية. فقال أمير المؤمنين-رضي الله عنه- في خطبته الزهراء (والله لقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث ولا أربع فقال: يا علي إنك ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين أفأضيع ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أكفر بعد إسلامي؟!".
أقول:
1– قد سبق أنّ علياً -رضي الله عنه- سئل: هل خصّكم رسول الله بشيء؟ فغضب حتى احمر وجهه، وقال: ما خصّنا رسول الله بشيء، غير أنه حدثني:"لعن الله من لعن والديه ..."الحديث.
2- ومن الإفك المبين أن يقال: إنّ هذه الآية نزلت في أهل الجمل، وقد سبق بيانها وأنها في الكفار، وكيف يقول مسلم عاقل: إنّ الآية نزلت في أصحاب الجمل، وقصّة أصحاب الجمل ما وقعت إلا بعد موت رسول الله خاتم النبيين بحوالي خمس وعشرين سنة؟!(1/250)
3- وأصحاب الجمل ليسوا بكفار ولا ناكثين ولا مارقين ولا قاسطين، وإنما هم مؤمنون مخلصون مجتهدون كاجتهاد عليّ، إذ عليّ يعترف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عهد إليه بشيء، وهذا هو الحق، وما يفتريه أهل الرّفض والباطنيون لا يجوز لمسلم أن يصدقه بل عليه أن يكذبه.
4- تقدم قول علي في طلحة والزبير:"إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}".
فهم إخوان في الله في الدنيا والآخرة وإن رغمت أنوف أعدائهم وأعداء الله ورسوله المتأكلين بهذا الدجل والكذب.
5- وقول هذا الأفاك عن علي:(أو أكفر بعد إسلامي) يوحي بأنّ ترك قتالهم كفر، وحاشا علياً أن يقول هذا! وإلا فما باله يتفاوض معهم على الصلح حتى غدر بالجميع تلاميذُ ابن سبأ، فأنشبوا القتال بين الطائفتين؟ وما باله صالح أهل صفّين؟ وما بال الحسن يتنازل لمعاوية عن الخلافة ويترك القتال؟ وفوق هذا كله قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن:(إنّ ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين). (البخاري: 2704).
لكن هؤلاء الروافض الباطنية يكذبون بالحق ويصدقون الباطل والكذب رغبة في إشعال الفتن واستمرارها لأن لهم في ذلك مصالح مادية معروفة.
قال القمي (1/283):"وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) يعني بالمؤمنين آل محمد، والوليجة البطانة".
أقول:
حاشا أبا جعفر العالم الزاهد الهاشمي الأبي أن يفتري على الله، ويحرف كتابه، ويسلب أصحاب الرسول مكانتهم ويلغي منزلتهم ويستأثر بالإيمان دونهم!(1/251)
فالآية خطابٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وحثٌّ لهم على الجهاد في سبيل الله، والموالاة فيه، والبعد عن موالاة أعداء الله اليهود وغيرهم، والصّبر على المحن والابتلاء، قال تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}(التوبة: 16).
وللآية نظائر منها قول الله تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}(آل عمران: 142).
ولقد صبر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - على الشدائد والمحن، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم في حياة رسول - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته، وأثبتوا ولاءهم لله وفيه، وولاءهم لرسوله، ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة، بل ما عندهم إلاَّ النصح لله باطناً وظاهراً، وزكّى الله ورسوله هؤلاء الصحابة الكرام، ورضي عنهم، وأثنى عليهم في آيات كريمة، منها قولة تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}(آل عمران: 110)، وميّز الله المنافقين فما كان عددهم يتجاوز خمسة عشر رجلاً.
فما يضرهم أن يطعن فيهم أعداء الله من اليهود والنصارى والروافض والباطنية وأن يكفروهم، فإنّ ذلك ما يزيدهم عند الله وعند المؤمنين إلا رفعة فرضي الله عنهم وأرضاهم.
وقال العياشي (2/83):
"عن ابن أبان قال: سمعت أبا عبد الله -رحمه الله- يقول: يا معشر الأحداث اتقوا الله ولا تأتوا الرؤساء دعوهم حتى يسيروا أذناباً، ولا تتخذوا الرجال ولايج من دون الله أنا والله خير لكم منهم، ثم ضرب بيده إلى صدره. وأحال المحقق إلى البحار والبرهان.(1/252)
عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو جعفر -رحمه الله-: يا أبا الصباح إياكم و الولايج فإن كل وليجة دوننا فهي طاغوت [أو قال ند]". وأحال المحقق إلى البحار والبرهان والصافي.
أقول:
برَّأ الله هذين الشريفين الكريمين من هذه الأنانية، ومن صدّ الناس عن موالاة المؤمنين، ومن صدّهم عن العلم والعلماء، ومن تأليب الأحداث على حكام المسلمين ونزع أيديهم من الطاعة؛ الأمور التي تؤدي إلى الجهل والفوضى وسفك الدماء وهوس البغضاء والشحناء؛ تلك الأمور التي هي من طباع الروافض والباطنية!
هل يعقل أن يعتبر أبا جعفر موالاة المؤمنين طواغيت وأنداداً؟!
إنّ سيرة أبي جعفر وبغضه للفتن وصداقته لعبد الملك بن مروان معروفة، وورعه وزهده معروف -رضي الله عنه- وطهره من عقائد ومناهج الروافض.
قال القمي (1/283):
"وأما قوله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) فإنه حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي جعفر رحمه الله قال: نزلت في علي وحمزة والعباس وشيبة، قال العباس: أنا أفضل لأن سقاية الحاج بيدي، وقال شيبة: أنا أفضل لأن حجابة البيت بيدي، وقال حمزة: أنا أفضل لأن عمارة البيت بيدي، وقال علي: أنا أفضل فإني آمنت قبلكم ثم هاجرت وجاهدت فرضوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حكماً فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) إلى قوله (عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).(1/253)
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر -رحمه الله- قال نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-قوله:(كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ثم وصف علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-(الَّذِينَ آمَنُوا وهاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)".
أقول:
1- ذُكرت روايات في سبب نزول هذه الآيات، أصحها ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده إلى النعمان بن بشير الأنصاري -رضي الله عنهما- قال:"كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه، فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام، وقال الآخر: بل الجهاد في سبيل الله خيراً مما قلتم، فزجرهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل:(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ)، الآية إلى آخرها. ورواه ابن جرير في تفسيره (14/169).
2- ومن عجيب جهل هذا الرجل أن يذكر حمزة في هذه المجادلة وأنه قال: أنا أفضل؛ لأنّ عمارة البيت بيدي، ومعلوم أنّ حمزة آمن بالله واليوم الآخر، وهاجر وجاهد في بدر، وجاهد في معركة أحد واستشهد فيها -رضي الله عنه-، وما كانت عمارة المسجد الحرام بيده، وما نزلت هذه الآية إلا بعد استشهاده بسنوات، مما يفضح أهل هذه الفرية، ومعلوم أنّ سورة التوبة آخر ما نزل من القرآن، وكيف يقول كل واحد من هؤلاء الشرفاء العقلاء أنا أفضل؟!(1/254)
والحق أنّ هؤلاء المذكورين لا دخل لهم في هذه المحاورة.
3- ومما يدلّ على كذب هذه الرواية قوله: نزلت في عليّ بن أبي طالب، وقد عرفت الصّواب في سبب نزول الآية.
4- إنّ الآية وما فيها من ثناء على المؤمنين وعلى المجاهدين والمهاجرين تتناول كلّ من آمن وجاهد وهاجر من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وتخصيصها بعليّ من ورائه قصدٌ رافضي باطني خبيث يشير إلى تكفير أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وحرمانهم من هذا المدح الجليل الرباني.
5- وقوله:"ثم وصف ما لعلي عنده فقال:(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ)".
أقول:
تخصيص عليّ بالرحمة والرضوان وجنات النعيم مع أنّ الآية عامة لكلّ من اتصف بهذه الصفات من أعظم الكذب على الله، ومن تحريف آياته، ومن الحجر على (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، قاتل الله الأهواء وأهلها، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ).
وقال العياشي (2/83):
"عن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: إن أمير المؤمنين -رضي الله عنه- عليه قيل له: يا أمير المؤمنين أخبرنا بأفضل مناقبك؟ قال: نعم؛ كنت أنا وعباس وعثمان بن أبي شيبة في المسجد الحرام، قال عثمان بن أبي شيبة: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم الخزانة يعني مفاتيح الكعبة، وقال العباس أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم السقاية وهي زمزم ولم يعطك شيئا يا علي، قال فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ)(1/255)
عن أبي بصير عن أحدهما في قول الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال: نزلت في علي وحمزة وجعفر والعباس وشيبة أنهم فخروا في السقاية والحجابة فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ) إلى قوله (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية، فكان علي وحمزة وجعفر والعباس -رحمهم الله- الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله لا يستوون عند الله".
أقول:
1- عثمان بن أبي شيبة العبسي الكوفي المتوفى سنة مائتين وتسع وثلاثين لم يولد إلا بعد وفاة أبي عبد الله بسنوات!
2- يستبعد من أصحاب محمد -رضوان الله عليه- مثل هذه المفاخرة.
3- والحجابة كانت في بني عبد الدار من أيام الجاهلية، فأقرها رسول الله فيهم، ومنهم شيبة بن عثمان الحجبي، والسقاية لبني هاشم فأقرها رسول الله فيهم، ومنهم العباس، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين توفي سنة ثمان من الهجرة قبل نزول سورة التوبة، وحمزة قد ذكرت أنه استشهد في معركة أحد في السنة الثالثة مما يدل على زيف هذه الرواية!
وعليّ أجلّ وأنبل من أن يدخل في مثل هذه المفاخرات، وكذلك من ذُكِرَ معه في هذه المفاخرة، وأبو جعفر وأبو عبد الله هما أعقل وأنبل من رواية ما لا أصل له وهو من الواهيات والبواطيل.
قال القمي (1/289):
"قال علي بن إبراهيم في قوله:(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) فإنها نزلت في القائم من آل محمد وهو الذي ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله".
أقول:
إنَّ هذا التأويل والتحريف لَمِنْ أشد الافتراء على الله! وكم من الآيات قد حرفها الروافض والباطنية لأجل هذا القائم المعدوم والذي لن يوجد!
ثم هل يوقف الله إظهار دينه على من اخترعه الروافض ولا يحقق هذا الظهور على يدي محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الرسل؟!
الجواب:(1/256)
لقد كذب الروافض على الله، ولقد حقق الله النصر والظهور على الدين كله ولو كره المشركون، وأنجز الله ما وعد به رسوله وجنده أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنّ الروافض والباطنية مما يسوؤهم هذا النصر المؤزر لرسول الله وأصحابه، فيذهبون يحرفون كتاب الله إلى أهوائهم ومعتقداتهم الباطلة!
لقد فضحهم الله، وبيّن كذبهم، وجعلهم سخرية للمسلمين وغيرهم، فلقد مرّ على أسطورتهم ألف ومائة وسبع وستون سنة ويزعمون أنه لم يخرج طوال هذه المدة خوفاً على نفسه رغم أنه قامت للروافض دول رافضية وباطنية قوية ومع ذلك لم يتشجع بها فيخرج لشدة خوفه الذي لا يعرف له نظير! فهل يصلح مثل هذا أن يكون جندياً فضلاً أن يكون إماماً يقود الجيوش ويخوض المعارك؟! ألا ترعوون أيها الروافض عن التمادي في هذا الباطل، وترجعون إلى دين الله الحق، وتتركون عداوتكم لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين، وتكفون ألسنتكم وأقلامكم عن تحريف كتاب الله والافتراء على الله ورسوله وعلى آل محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟!
وقال العياشي (2/87):"عن أبي المقدام عن أبي جعفر -رحمه الله- في قول الله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) يكون أن لا يبقى أحد إلا أقر بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال في خبر آخر عنه قال:(ليظهره الله) في الرجعة.
وعن سماعة عن أبي عبد الله رحمه الله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال: إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم ولا كافر إلا كره خروجه". وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي وإثبات الهداة.
أقول:(1/257)
تفيد الرواية الثانية أنّ هذا الوعد قد ربطه الله بالرجعة التي افتعلها دجاجلة الرّوافض والباطنية، والرواية الثانية لا تبشرنا بظهور دين الله على الأديان، وإنما تذكر لنا أنّ الكفار والمشركون لا يكرهون إلا خروجه.
قال العياشي (2/87):"عن معاذ بن كثير صاحب الأكسية قال سمعت أبا عبد الله -رحمه الله- قال: موسّع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتيه فيستعين به على عدوه وذلك قول الله (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)" وأحال المحقق على البحار والصافي.
أقول:
أعاذ الله أبا عبد الله من هذه الجرأة على كتاب الله وربط هذه الآية بالقائم المزعوم!
ثم إنه ليس بمشرِّع يحلل ويحرم، لا سيما وقد فسر قول الله تعالى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ}(التوبة: 31) بأنهم ما صلوا لهم، ولا صاموا لهم، ولكنهم أحلوا لهم حراماً، وحرّموا عليهم حلالاً، فاتبعوهم.
ثم ما بال أئمّة الرّفض يفرضون الخمس على أتباعهم بل وغير الخمس، وقد شرع لهم أبو عبد الله أنهم موسع عليهم أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف إلى خروج القائم؟!
أقول:
هذا على منطقهم! لأنهم يعتبرون أئمتهم معصومين، وأنّ لهم حقّ التشريع، وهذه هي عقيدة اليهود والنصارى في أحبارهم ورهبانهم، وهذا من اتخاذهم آلهة، فإلى متى يضحك رؤوس الرفض على أتباعهم فيفسدون عليهم دينهم ويأكلون أموالهم؟!
قال العياشي (2/ 88- 89):(1/258)
"عن عبد الله بن محمد الحجال قال كنت عند أبي الحسن الثاني -رحمه الله- ومعي الحسن بن الجهم، قال له الحسن: إنهم يحتجون علينا بقول الله تبارك وتعالى (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) قال: وما لهم في ذلك؟ فو الله لقد قال الله:(فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ) وما ذكره فيها بخير، قال: قلت له: أنا جعلت فداك وهكذا تقرءونها؟ قال: هكذا قرأتها. قال زرارة: قال أبو جعفر -رحمه الله-:(فأنزل سكينته على رسوله) ألا ترى أن السكينة إنما نزلت على رسوله (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) فقال: هو الكلام الذي تكلم به عتيق. رواه الحلبي عنه". وأحال المحقق على البحار والبرهان والصافي.
أقول:
1- برَّأ الله أبا جعفر وأبا الحسن من هذا الإفك العظيم! وأنت ترى أنّ هذا الباطني قد حرّف كلمة (عليه) إلى قوله:(على رسوله) على أنها من القرآن، أو أنه هو الذي زادها وأقره عليها رؤوس الرفض.
2- إنّ هذه الآية لمن أعظم مناقب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فهو في هذا السّياق الكريم عدّه الله ثاني رسوله صلى الله عليه وسلم في حال الشدّة الحالكة، وتكالب الكفار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والبحث عنه؛ لقتله، أو أسره، والحيلولة بينه وبين الهجرة لإعلاء كلمة الله وإعزاز دينه.
3- نَصَّ الله في هذه الآية الكريمة على صحبة أبي بكر الصديق لرسوله الكريم في حال الشدة، وذلك من أعظم الأدلة على إخلاص أبي بكر وحبه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونصحه له في صحبته باطناً وظاهراً.
4- اختيار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له ليكون رفيقاً له في الغار وفي الهجرة من الأدلة الواضحة الجلية أنّ له مكانة عند الله وعند رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فيا لها من مكانة لم ينلها غير أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.(1/259)
5- خوفه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحزنه عليه من الأدلة الجليَّة على صدق إيمانه وإخلاصه لربه ووفائه وحبه لهذا الرسول الكريم.
6- قول رسول الله لأبي بكر:(لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)، وهذه المعية عظيمة؛ لأنها معية الحفظ والنصرة والمحبة والولاء التي شملت رسول الله وأبا بكر، وذكر الله ذلك تنويهاً بهذه المعية العظيمة.
وعن ثابت عن أنس -رضي الله عنه- أنّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- حدثه قال:"نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال: يا أبا بكر ما ظنك (باثنين الله ثالثهما)(1).
أي ثالثهما بالمعونة والحفظ والنّصرة والتّسديد.
وليس في قول الله تعالى:(فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) ما يمسّ منزلة أبي بكر، ولا صرفاً للخير عنه، ولا نفياً لنزول السَّكينة عليه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ إثبات شيءٍ لشخص لا ينفيه عن آخر، والصِّيغة ليست صيغة حصر كما يفهم ذلك العرب الأقحاح لا حثالات العجم المبغضين لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! إنّ ما يقوله أعداؤه يدفعه قول رسول الله:"لا تحزن إنَّ الله معنا"، وذكر الله ذلك تأكيداً له وتنويهاً به، ويدفعه إثبات الله صحبته لرسوله ولو كان أبو بكر ليس أهلا لذلك لما وصفه الله بهذا الوصف ولما اختاره لصحبة رسوله في هذه الظروف التي أحدقت فيها الأخطار برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
7- مرافقته لرسول الله في الهجرة.
__________
(1) -رواه البخاري في المناقب حديث (3653) ومسلم في فضائل الصحابة حديث (3381) وأحمد (1/4).(1/260)
8- ماذا يقول أعداء الله وأعداء الصحابة الكرام في قول الله تعالى في سورة الفتح التي نزلت في عام الحديبية:{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ}، وقوله تعالى في هذه السورة:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}، وقوله في هذه السّورة:{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى}.
فهل يفهم مسلم أنّ الله أنزل السكينة على المؤمنين ثلاث مرات وعلى رسول الله مرّة واحدة فقط؟! الجواب: لا؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحقّ وأولى منهم بهذه المكرمة.
يا أيها القوم! إنّ طعنكم في أبي بكر بهذه الآية إساءةٌ إلى الله، وسوءُ ظنٍّ به، وهو الرّؤوف الرّحيم، الشّكور الحليم، الذي وسعت رحمته كل شيء؛ يحرم أبا بكر من رحمته وشكره وقد خاطر بنفسه لأجل الله، ثم لأجل رسوله ودينه، ويخاف أشد الخوف على رسول الله لا على نفسه، ويحزن عليه أشد الحزن لا على نفسه، ثم لا يشكر الله له كل ذلك، ثم يحرمه الله في هذه الظروف من منِّه وجوده بالسَّكينة! إذن فلا أحد أسوأ ظناً بالله منكم، ولا أفسد عقولاً وفطرةً منكم!!
وقد ذُكِرَ بعض فضائله في المقدمة.
قال العياشي (2/95):(1/261)
"عن جابر الجعفي قال قال أبو جعفر -رحمه الله-: نزلت هذه الآية(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ) إلى قوله (نُعَذِّبْ طائِفَةً) قال: قلت لأبي جعفر -رحمه الله-: تفسير هذه الآية؟ قال: تفسيرها والله ما نزلت آية قط إلا و لها تفسير ثم قال نعم نزلت في التيمي والعدوي والعشرة معهما أنهم اجتمعوا اثنا عشر، فكمنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة وائتمروا بينهم ليقتلوه، فقال بعضهم لبعض إن فطن نقول إنما كنا نخوض ونلعب، وإن لم يفطن لنقتلنه، فأنزل الله هذه الآية (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ) فقال الله لنبيه (قُلْ أَبِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) يعني عليا أن يعف عنهما في أن يلعنهما على المنابر ويلعن غيرهما فذلك قوله تعالى (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً)". وأحال المحقق على البحار والبرهان.
وعلق على قوله (والعشرة معهما) بقوله:"وفي بعض النسخ هكذا" نزلت في عدد بني أمية والعشرة معها ولكن الظاهر هو المختار".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك، وتباً وسحقاً للمنافقين أعداء الله ورسوله وأعداء أفضل الخلق بعد الأنبياء!
فو الله لأنتم في نظري شرّ من عبد الله بن أبيّ رأس النفاق، فما بلغ جهده في حرب رسول الله والإسلام عشر معشار ما ارتكبتموه في حرب رسول الله وحرب القرآن وحرب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - البررة الكرام!(1/262)
العشرة هم أفضل أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقد شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وهم من أهل بدر، ومن أهل الحديبية الذين -رضي الله عنه- وأنزل عليهم السكينة، وهم في أوائل من صلّى إلى القبلتين، إلى غير ذلك، ومنهم علي بن أبي طالب أيها الباطنيّ!!
إنك لتكذب الله ورسوله، وترد شهادتهما لهؤلاء العشرة، وترد تزكية الله ورسوله لهم، فأيُّ تكذيبٍ وأيُّ نفاقٍ يفوق هذا؟!
التَّيمي أبو بكر والعدوي عمر لهما شهادات وتزكيات من الله(1)، ومن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن الصَّحابة أجمعين، ومن أهل بيت الرسول صلى الله عليه سلم وعلى رأسهم عليّ وأبو جعفر، فكيف ترد شهادات الله ورسوله وشهادات هؤلاء الصادقين العدول أيها الباطني المنافق؟! لا يقبل طعنك هذا في من زكاهم الله ورسوله والمؤمنون إلا الباطنية من أمثالك!!
أسألك أيها المنافق وأمثالك بعد هذا الذي قررته: إذا كان أبو بكر كما وصفته فكيف يؤمِّره بعد هذا العمل على الحج، ويأمُرُه أن يبعث المؤذنين في الحج ألاّ يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان؟!!
وكيف يقدّمه على الصّحابة كلهم فيأمره في مرض موته أن يؤم الناس في الصّلاة إلى أن توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويبايعه المسلمون، فيستمر في الصلاة بهم إلى أن مات -رضي الله عنه-؟!
وكيف إذا كان كما ذكرت يصمّم على قتال أهل الردة ويقول:"والله لو منعوني عقالاً أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها"؟!
وكيف يجهز الجيوش بعد ذلك إلى قتال المجوس والنصارى واليهود حتى يسلموا أو يؤدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون؟!
__________
(1) لأنّ أبا بكر وعمر في طليعة من زكاهم الله في كتابه من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - , وقد قدمنا بعض الآيات القرآنية في تزكيتهم وبيان فضائلهم -رضي الله عنهم-.(1/263)
وكيف يبايعه عليّ وأهل البيت عن رضا -رغم أنوف المنافقين-، ويصلون وراءهم راضين، ويأخذون حظهم من غنائم جهاده حلالاً طيباً كما شرع الله ذلك؟!
كيف وكيف؟؟
أسئلة لا تنتهي لا يجيب عنها أهل النفاق الحقيقي إلا بالأكاذيب والمراوغات!!
وكيف يبايع عليّ عمر بن الخطاب، ويصلي وراءه، ويكون من كبار مستشاريه، ويزوجه ابته راضياً لأنه كفؤ كبير؟!
وكيف يفتح عمر الفتوح في العراق والشام ومصر وغيرها للإسلام ويحكم بالعدل بشريعة الإسلام حتى ضرب الناس بعطن؟!
وكيف يزكيه رسول الله التزكية تلو التزكية، ويزكيه المؤمنون ومنهم علي وأهل بيته أروع التزكيات؟!
في غزوة تبوك قدم أبو بكر كل ماله، وقدم عمر نصف ماله.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(من يجهز جيش العسرة وله الجنة)(1)، فجهزه عثمان، وفي رواية أنه جهزهم بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(من يحفر بئر روما وله الجنة)(2)فحفره عثمان سقاية للمسلمين.
وهاجر الهجرتين، وزوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنتيه عليه وعليهما الرضوان من الله.
وفضائل هؤلاء لا تحصى، وأعظم من الجبال.
قال - صلى الله عليه وسلم - :"لا تسبوا أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
والله لو كنتم تحبون رسول الله وتحترمونه لما أهنتم أصغر أصحابه وخدمه، فكيف تكفرون أعظم أصحابه وأجلهم نصراً لله ولرسوله وللإسلام، كل ذلك لإعلاء كلمة الله، وتصديقاً لرسول الله، وطلباً لرضى الله وحسن جزائه؟! كيف يتآمرون مع العشرة ومنهم عليّ على قتل رسول الله؟!
__________
(1) و (2) أخرجهما البخاري معلقين تعليقاً مجزوماً به في مناقب عثمان، قال الأحنف: إنَّ الناس فزعوا إلى المسجد ...إلخ. فضائل الصحابة لأحمد (1/507), وقد ذكرنا بعض فضائل عثمان في المقدمة.(1/264)
تقيسون أفضل خلق الله ديناً وأخلاقاً ووفاءً على أنفسكم اللئيمة التي نشأت على الكذب والنفاق والخيانة والغدر!!
قال العياشي (2/96):"عن صفوان الجمال قال قلت لأبي عبد الله -رحمه الله-: بأبي أنت وأمي تأتيني المرأة المسلمة قد عرفتني بعملي وعرفتها بإسلامها، وحبها إياكم وولايتها لكم وليس لها محرم، قال فإذا جاءتك المرأة المسلمة فاحملها فإن المؤمن محرم المؤمنة، وتلا هذه الآية:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ)" وأحال المحقق على البرهان.
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك!
ولم يذكر آخر الآية (ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، فإنّ هذه الفتوى تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، ولعلها تجر إلى الإباحية، وهي مكملة لمذهب الروافض في المتعة المحرمة بإجماع الأمّة، ولا عبرة بخلاف الروافض.(1/265)
أعتقد أنَّ هؤلاء لا يرفعون رأساً بأحاديث الرَّسول الثابتة! كقوله - صلى الله عليه وسلم - :"لا يخلونّ رجل بامرأة"، وقوله:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا ومع ذي محرم"، وقد حدّد الله المحارم في كتابه فقال –عزّ وجلّ-:(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: الآية 31).
فقد نص الله على المحارم في هذه الآية الكريمة.
ألا ترى ما يفعل الرفض بأهله من مخالفة كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين؟!
أليس في قول هذا الرافضي ومن أيده:(فإن المؤمن محرم المؤمنة) أعظم افتراء على الله، واستباحة لما حرم الله؟! وأليس استشهاده بقول الله:(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) أعظم تحريف لكتاب الله وتلاعباً به.
قال القمي (1/301):
"وقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) قال إنما نزلت (يا أيها النبي جاهد الكفار بالمنافقين) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاهد المنافقين بالسيف.(1/266)
قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ بإلزام الفرائض".
أقول:
لا أدري من المقصود بقوله (قال)!
وعلى كل حال فقوله:"قال إنما نزلت (يأيها النبي جاهد الكفار بالمنافقين)" تحريفٌ لكلام الله لا يصدر إلا من زنديق، ولا يقبله إلا باطني.
فإنّ المقصود بهذا التحريف الباطني أنّ المنافقين هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ! فجهاد رسول الله كلُّه وفي كلّ المعارك والغزوات ما قام -على هذا التحريف الباطني-! إلا على كواهل المنافقين عند الروافض الباطنية! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا!
وقوله مرة أخرى:(قال جاهد الكفار والمنافقين بإلزام الفرائض) لا أدري ما يقصد به، أتغطية لجريمته الكبرى السّابقة! أو قصده إسقاط الجهاد بالسّيف وإبطال الجهاد في سبيل الله! أو هو توضيح لجهاد المنافقين!
وعلى كل حال فجريمة هذا التحريف هنا وغير هنا منهج مألوف عند الروافض الباطنية!!
قال القمي (1/301):
"وقوله (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) قال نزل في الذين تحالفوا في الكعبة ألا يردوا هذا الأمر في بني هاشم، فهي كلمة الكفر ثم قعدوا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في العقبة وهموا بقتله وهو قوله (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا).(1/267)
حدثنا أحمد بن الحسن التاجر قال حدثنا الحسن بن علي بن عثمان الصوفي قال حدثنا زكريا بن محمد عن محمد بن علي عن جعفر بن محمد -رحمهما الله- قال لما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين وهم فلان وفلان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة و سالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة قال الثاني أ ما ترون عينه كأنما عينا مجنون يعني النبي الساعة يقوم ويقول قال لي ربي فلما قام قال: أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم قالوا الله و رسوله قال اللهم فاشهد. ثم قال: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه وسلموا عليه بإمرة المؤمنين فنزل جبرائيل وأعلم رسول الله بمقالة القوم فدعاهم وسألهم فأنكروا و حلفوا فأنزل الله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا إلخ".
أقول :
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك الذي يخجل منه اليهود والنصارى فضلاً عن المسلمين!
وأقول:
1- كيف سلم عثمان وبنو أمية من الدخول في هذه المؤامرة السياسية؟!
2- إنّ المفتري لهذه الأكذوبة مغفل، وإلا لو كان ذكياً لذكرهم!
3- والمفتري مغفل، ولذا لم يضبط التاريخ! فوصيّة رسول الله بأهل البيت كانت يوم غدير خم في رجوعه من حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة، ومؤامرة المنافقين كانت عند قفوله من غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، وكل كلامه خلط وخبط من رافضي بليد، بناهما على وصية رسول الله في غدير خم بكتاب الله ثم بأهل البيت، هذا أصل القصّة فبنى عليها كل ما تراه من إفك لم يخطر ببال أحد حتى المنافقين، ومن هذا الإفك السّمج أنّ بعض الصّحابة تحالفوا عند الكعبة ألا يردوا هذا الأمر إلى بني هاشم! فهذا التّحالف كان قبل الوصية بغدير خم، فكيف علم هؤلاء أمراً لم يحدث؟! إنّ عقول الروافض تقبل هذا!!(1/268)
4- تجرأ عدو الله الباطني أنْ يصم هؤلاء الأخيار من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنهم منافقون، ومعظمهم من المبشرين بالجنة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر!
5- تريد أنت أيها الباطني أنْ ترمي رسول الله بالجنون، وتفتري هذا على العبقري عمر الذي يحب رسول الله أكثر من نفسه التي بين جنبيه، ويعظمه ويعظم ما جاء به، ولهذا تفتري على رسول الله كلاماً يأنف منه كل العقلاء، وذلك أنّ هذا الإلحاح على الله بهذه الصّورة لا يشبه من قريب ولا من بعيد أخلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا صلة له بدعوته العظيمة ورسالته الكريمة ومنهجه الفذ، بل لا تشبه أخلاق عامة الصحابة الكرام ومنهم علي وبنو هاشم!
وعلى كل حال إنّ أعداء الرسول ورسالته وصحابته يلصقون برسول الله ما يثير الاستغراب والشبه على رسول - صلى الله عليه وسلم - ، ويفتح الباب على مصراعيه لطعن الأعداء فيه! وهذا بيت القصيد عند الروافض والباطنية الموتورين من الإسلام وحملته الكرام وعلى رأسهم الصّحابة العظام.
6- المعروف عند المسلمين أنّ فكرة ولاية عليّ وإمرته إنما اخترعها ابن سبأ اليهودي! فجاء تلاميذه من الرّوافض والباطنية فأقاموا بها الدنيا ولم يقعدوها، وحرفوا بها القرآن تحريفاً لا يعهد من اليهود ولا النصارى لكتب الأنبياء! وانظر هذه القصة هنا وكيف يصوّرون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقد اهتمّ بها أكثر من كل ما جاء به من توحيد وتشريعات للإنسانية عامة لم يعهد لها نظير، لماذا كل هذا؟! عند الروافض هذا قليل في خدمة فكرة ابن سبأ! وحتى جبريل يصعد ويهبط من أجلها، فيا لها من كارثة لم يصب الإسلام والمسلمين بمثلها!!
قال القمي (1/303) :(1/269)
"(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) وهم النقباء أبو ذر والمقداد وسلمان وعمار ومن آمن وصدق وثبت على ولاية أمير المؤمنين-رضي الله عنه- (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي من(1)تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)".
أقول:
1- لم ينسب هذا التفسير الذي يلغي الصّحابة الكرام الذين بلغ تعدادهم في حجّة الوداع ما يقارب مائة ألف! فيهم المهاجرون إلى الحبشة، والمهاجرون إلى المدينة الذين أوذوا في سبيل الله فتركوا ديارهم وأموالهم، يبتغون فضلاً من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصّادقون، وفيهم الأنصار الذين تبوؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في أنفسهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، أتقبل شهادة الله ورسوله لهم وتزكية الله ورسوله لهم وثناء الله ورسوله والمؤمنين عليهم، أم تشك فيها وتردّها لقول الروافض الباطنية الأفاكين؟!
2- كلٌّ من أبي ذرّ وسلمان والمقداد وعمّار من خيار أصحاب محمد -رضي الله عنهم-، ونحبهم ونجلهم، ولكننا نرفض الكلام الباطل الذي لا يقبله مسلم حتى هم يرفضونه -رضي الله عنهم-!
أيرضون هذا الأسلوب القائم على تكفير أئمتهم وإخوانهم ومن هم أفضل منهم وأسبق منهم إسلاماً وهجرة وأعظم أثراً في نصرة الإسلام ونشره وإعلائه؟!
ثم هل يرضون عن هؤلاء الروافض الذين يكفرون إخوانهم ويتظاهرون كذباً بتعظيمهم؟!
لا ورب السماء والأرض، بل سيعدونهم من ألد أعدائهم وأعداء دينهم!
ما دليلك على تخصيص هؤلاء أيها المفتري على الله وعلى كتابه؟ (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) هكذا يعلمنا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) زاد في الآية كلمة (من ) إذ نصها ( جنات تجري تحتها الأنهار ) .(1/270)
3- إنّ أبا ذر توفي في خلافة عثمان -رضي الله عنه- سنة اثنين وثلاثين، والْمقداد سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان، وسلمان توفي سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان أيضاً قبل ظهور فرية ولاية عليّ -رضي الله عنه-، وقبل ظهور فتنة ابن سبأ الذي اخترع ولاية عليّ، فكيف يتصور تصديقهم وإيمانهم بشيء لم يوجد؟! وكيف يتصور ثباتهم عليه وهو ما وجد ولم يوجد!! إنَّ أعداء الله يحاولون تكفير أصحاب محمد بأيّ وسيلة.
4- إنّك حين لا تذكر من الصّحابة من لا يوالي علياً إلا هؤلاء الأربعة تتنقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ تحكم عليه وعلى تربيته وجهاده بالفشل!
وتتنقص علياً حين تصوّر كل الصّحابة أعداءً له إلا هؤلاء الأربعة، فمعناه أنه يفقد الصّفات الكريمة التي تجذب القلوب إليه وتحبّبه إليهم!
وأعتقد أنّ الروافض الباطنية لا يبالون أن ينتقصهما أتباعهم، وأن يحكموا عليهما بهذه الأحكام، بل هذا من أعظم أهدافهم!!
أمّا الله ورسوله والصّحابة والمسلمون يأبون هذا أشدّ الإباء، ويؤمنون بأنّ رسول الله ترك في الأرض آثاراً عظيمةً غيّرت مجرى التاريخ البشري، وخلّف أمّةً عظيمةً لا يعرف التاريخ لهم نظيراً بعد الأنبياء في الإيمان والقوة والكثرة، وقد شهد الله لهم بذلك رغم أُنوف أعدائهم، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، ويشهد لهم بذلك المؤمنون العدول أهل الإيمان الصّادق والعقول الزكية الناضجة، بل يشهد كثير من الأعداء لهم بهذه المزايا إلا الروافض والباطنية، ولا عبرة بشهادتهم، إذ لا تقبل في أتفه الأشياء، فكيف إذا عارضت شهادة الله ورسوله والمؤمنين؟!
6- أتدري من يقصد بقوله:"ومن آمن وصدق وثبت على ولاية أمير المؤمنين"؟(1/271)
إنه يريد الروافض والباطنية الذين يسميهم بشيعة عليّ وآل البيت، فهم أهل الجنة! وهم المتبعون بإحسانٍ الذين -رضي الله عنهم- ورضوا عنه!
فيكفي هؤلاء الإيمان بالولاية المفتراة والثبات عليها، وهذا يكفي لبيان فجورهم وعداوتهم للإسلام وسادة المسلمين.
وقال القمي (1/304):
"حدثني أبي عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قوله (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) الْمؤمنون هاهنا: الأئمة الطاهرون -رحهم الله-.
وعن مُحمد بن الحسن الصفار عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: إن أعمال العباد تعرض على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كل صباح أبرارها وفجارها فاحذروا فليستحيي أحدكم أن يعرض على نبيه العمل القبيح. وعنه صلوات الله عليه وآله قال: ما من مؤمن يموت أو كافر يوضع في قبره حتى يعرض عمله على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى أمير المؤمنين-رضي الله عنه- وهلم جرا إلى آخر من فرض الله طاعته فذلك قوله (وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ)".
أقول:
أعاذ الله أبا عبد الله من هذا التّخريف والمجازفات!
إنّ الله يخاطب أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم عند عودتهم إلى المدينة من غزوة العسرة (غزوة تبوك)، يخاطبهم في شأن المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد بعد إعذار المرضى ومن به عرج والضّعفاء والذين لا يجدون ما ينفقون، قال تعالى يعني المنافقين المتخلّفين بغير عذر:{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(التوبة:94).(1/272)
فالخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللصّحابة المؤمنين المجاهدين، وما كان الأئمة مشاركين في هذا الجهاد، بل كان هذا الحدث قبل أن يولد أكثرهم، والحسن والحسين حينذاك في عداد الأطفال!
والمقصود أنّ الله سيفضح المنافقين، ويظهر أعمالهم، ويبين خبثهم ونفاقهم في الدّنيا.
يريد هذا الباطني الرافضي أن يسقط أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - المقصودين بالخطاب في هذه الآية حقداً عليهم وانتقاماً منهم، (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد).
وأمّا مسألة عرض أعمال المؤمنين والكفّار كل صباح على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى الأئمّة، وعرض أعمال كلّ من مات من مؤمن وكافر قبل أن يوضع في قبره؛ فَمِنْ افتراء الرّوافض، ومِنْ جَعْلِ الأئمة أنداداً لله!
والثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو عرض الأعمال على الله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"تُعرض الأعمال في كلّ خميس واثنين، فيغفر الله عزّ وجلّ في ذلك لكلّ امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أتركوا هاذين حتى يصطلحا". رواه مسلم في البر حديث (2565).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، وأحبّ أن يعرض عملي وأنا صائم". أخرجه الترمذي في الصّيام (747)، وقد روى معنى هذا الحديث أسامة بن زيد وجابر بن عبد الله وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم.
فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن تعرض أعماله على الله كلّ اثنين وخميس، وعليّ وأهل البيت تعرض أعمالهم على الله كسائر المكلفين من البشر، وأعوذ بالله من الكذب على الله ورفع منازل العباد إلى المساواة بربّ العالمين!!
قال العياشي (2/97-100):(1/273)
"عن جابر بن أرقم قال بينا نحن في مجلس لنا وأخو زيد بن أرقم يحدثنا إذ أقبل رجل على فرسه عليه هيئة السفر فسلم علينا ثم وقف، فقال أ فيكم زيد بن أرقم؟ فقال زيد: أنا زيد ابن أرقم فما تريد؟ فقال الرجل: أتدري من أين جئت؟ قال: لا، قال: من فسطاط مصر لأسألك عن حديث بلغني عنك تذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له زيد: وما هو؟ قال حديث غدير خم في ولاية علي ابن أبي طالب-رضي الله عنه-، فقال: يا ابن أخ إن قبل غدير خم ما أحدثك به أن جبرائيل الروح الأمين صلوات الله عليه نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بولاية علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فدعا قوما أنا فيهم فاستشارهم في ذلك ليقوم به في الموسم فلم ندر ما نقول [له]، و بكى صلى الله عليه وسلم فقال له جبرائيل ما لك يا محمد أ جزعت من أمر الله ؟ فقال: كلا يا جبرائيل ولكن قد علم ربي ما لقيت من قريش إذ لم يقروا لي بالرسالة حتى أمرني بجهادي(1)وأهبط إلي جنودا من السماء فنصروني فكيف يقروا لي لعلي من بعدي.
__________
(1) كذا عند العياشي.(1/274)
فانصرف عنه جبرائيل ثم نزل عليه (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) فلما نزلنا الجحفة راجعين وضربنا أخبيتنا نزل جبرائيل-عليه السلام- بهذه الآية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فبينا نحن كذلك إذ سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ينادي: أيها الناس أجيبوا داعي الله أنا رسول الله فأتيناه مسرعين في شدة الحر، فإذا هو واضع بعض ثوبه على رأسه وبعضه على قدميه من الحر وأمر بقمّ ما تحت الدوح فَقُمّ ما كان ثمة من الشوك والحجارة، فقال رجل: ما دعاه إلى قم هذا المكان وهو يريد أن يرحل من ساعته ليأتينكم اليوم بداهية، فلما فرغوا من القم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤتى بأحلاس دوابنا وأثاث إبلنا وحقائبها فوضعنا بعضها على بعض، ثم ألقينا عليها ثوبا ثم صعد عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه نزل علي عشية عرفة أمر ضقت به ذرعا مخافة تكذيب أهل الإفك حتى جاءني في هذا الموضع وعيد من ربي إن لم أفعل. ألا وإني غير هائب لقوم ولا محاب لقرابتي.(1/275)
أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله قال: اللهم اشهد وأنت يا جبرائيل فاشهد حتى قالها ثلاثا ثم أخذ بيد علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- فرفعه إليه، ثم قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله قالها ثلاثا ثم قال: هل سمعتم؟ فقالوا: اللهم بلى قال فأقررتم؟ قالوا: اللهم نعم ثم قال: اللهم اشهد وأنت يا جبرائيل فاشهد، ثم نزل فانصرفنا إلى رحالنا.(1/276)
وكان إلى جانب خبائي خباء نفر من قريش وهم ثلاثة، ومعي حذيفة بن اليمان فسمعنا أحد الثلاثة وهو يقول: والله إن محمدا لأحمق إن كان يرى أن الأمر يستقيم لعلي من بعده، وقال آخرون: أ تجعله أحمق ألم تعلم أنه مجنون قد كاد أن يصرع عند امرأة ابن أبي كبشة؟ وقال الثالث: دعوه إن شاء أن يكون أحمق وإن شاء أن يكون مجنونا والله ما يكون ما يقول أبدا، فغضب حذيفة من مقالتهم فرفع جانب الخباء فأدخل رأسه إليهم وقال: فعلتموها ورسول الله عليه وآله السلام بين أظهركم، ووحي الله ينزل عليكم، والله لأخبرنه بكرة بمقالتكم، فقالوا له يا أبا عبد الله وإنك لها هنا وقد سمعت ما قلنا اكتم علينا فإن لكل جوار أمانة، فقال لهم: ما هذا من جوار الأمانة ولا من مجالسها ما نصحت الله و رسوله إن أنا طويت عنه هذا الحديث، فقالوا له: يا أبا عبد الله فاصنع ما شئت فو الله لنحلفن إنَّالم نقل، وأنك قد كذبت علينا أ فتراه يصدقك ويكذبنا ونحن ثلاثة؟ فقال لهم أما أنا فلا أبالي إذا أديت النصيحة إلى الله وإلى رسوله فقولوا ما شئتم أن تقولوا، ثم مضى حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي -رضي الله عنه- إلى جانبه محتب بحمائل سيفه فأخبره بمقالة القوم، فبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتوه فقال لهم ماذا قلتم؟ فقالوا: والله ما قلنا شيئا فإن كنت بلغت عنا شيئا فمكذوب علينا، فهبط جبريل بهذه الآية (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) وقال علي -رضي الله عنه- عند ذلك: ليقولوا ما شاءوا والله إن قلبي بين أضلاعي، وإن سيفي لفي عنقي ولئن هموا لأهمّن فقال جبرائيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - اصبر للأمر الذي هو كائن، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - علياًّ-رضي الله عنه- بما أخبره به جبرائيل، فقال إذا أصبر للمقادير.(1/277)
قال أبو عبد الله -رحمه الله- وقال رجل من الملأ شيخ: لئن كنا بين أقوامنا كما يقول هذا لنحن أشر من الحمير، قال و قال آخر شاب إلى جنبه: لئن كنت صادقا لنحن أشر من الحمير"
عن جعفر بن محمد الخزاعي عن أبيه قال سمعت أبا عبد الله -رحمه الله- يقول: لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال في غدير خم، وصار بالأخبية مر المقداد بجماعة منهم وهم يقولون: والله إن كنا وقيصر لكنا في الخز والوشي والديباج والنساجات وإنا معه في الأخشنين نأكل الخشن ونلبس الخشن حتى إذ دنى موته وفنيت أيامه وحضر أجله أراد أن يوليها عليا من بعده، أما والله ليعلمن ،قال فمضى المقداد وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - به، فقال: الصلاة جامعة، قال فقالوا: قد رمانا المقداد فقوموا نحلفه عليه قال: فجاءوا حتى جثوا بين يديه فقالوا بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا والذي بعثك بالحق، والذي أكرمك بالنبوة ما قلنا ما بلغك، لا والذي اصطفاك على البشر قال فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :(بسم الله الرحمن الرحيم: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بك يا محمد ليلة العقبة وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) كان أحدهم يبيع الرؤوس وآخر يبيع الكراع ويفتل القرامل فأغناهم الله برسوله، ثم جعلوا حدهم وحديدهم عليه.
قال أبان بن تغلب [عنه] لما نصب رسول الله عليا يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه فهمّ رجلان من قريش رؤوسهما وقالا: والله لا نسلم له ما قال أبدا فأخبر النبي عليه وآله السلام فسألهما عما قالا فكذبا وحلفا بالله ما قالا شيئا، فنزل جبرائيل على رسول الله عليه وآله السلام (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا)[الآية] قال أبو عبد الله -رحمه الله- لقد توليا و ما تابا".
أقول:
أمامك ثلاث روايات متضاربة:(1/278)
أ- ففي رواية زيد بن أرقم وجابر بن أرقم أنّ المعارضين في ولاية علي ثلاثة.
ب- وفي رواية جعفر بن محمد الخزاعي عن أبيه عن أبي عبد الله:"أن المقداد مرّ بجماعة"، وأبو عبد الله لا يعلم الغيب، ولا أدرك المقداد.
ج- وفي رواية أبان بن تغلب أنّ المعارضة كانت من رجلين، وأبان شيعي متكلم فيه، وهو من أتباع التابعين، فكيف يقبل كلامه في أمر لَمْ يدركه هو ولا أبوه؟
د- وكيف نقبل نقل العياشي الباطني عنه وبينهما أكثر من مائة وخمسين سنة، ثم إنّ بين هذه الروايات اختلافاً في الأساليب، فكيف نقبل هذه النّقول المتضاربة القائمة على أشدّ أنواع الإقك في الطّعن في أصحاب مُحَمّد وتكفيرهم.
وقد تضمنت الرّواية الأولى:
1- أن رجلا أتى من مصر إلى الحجاز، لا يسأل عن شيء من دينه وإنما يسأل عن ولاية عليّ التي افتراها اليهودي عبد الله بن سبأ!
2- وأن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بولاية عليّ!
3- الأمر عظيم، يلجأ فيه رسول الله إلى استشارة زيد بن أرقم وغيره، فلم يدر القوم ما يقولون، فبكى رسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ الأمر لا يطاق!!
يبكي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعظمة الأمر ومشقته وهوله، فقال له جبريل: مالك يا محمد أجزعت، فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كلا يا جبريل ولكن قد علم ربي ما لقيت من قريش ... إلخ!! فانصرف جبريل ثم نزل عليه:(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ).
ولما وصل رسول الله الجحفة نزل جبريل - عليه السلام- بهذه الآية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ).
هذه المرة الثالثة ينزل فيها جبريل -عليه السلام- بولاية عليّ في أيام متقاربة، والأمر صعبٌ جداً على رسول الله أن يبلِّغه!! وأصحاب محمد غير مستعدين لقبول هذه الولاية كما يعتقد أتباع ابن سبأ!!(1/279)
ويعلن رسول الله قوله: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فشهد جبريل ثلاث مرات! وكأنَّه لا همَّ لجبريل ولا لرسول الله إلا ولاية عليّ! فلا وصية بالقرآن ولا بالعقيدة ولا بالجهاد ولا بأصحابه، كأن رسول الله ما بعث إلا بهذه الولاية!
ولكنّ المصيبة على الرّوافض أنه ما أمرالصحابة عليّ، ولا قال هو الخليفة من بعدي، ولا أوصى بالأئمة بعد عليّ -رضي الله عنه-!
وانصرف الناس فإذا بثلاثة(1)يطعنون في رسوله، ويرمونه بالحمق والجنون، ويؤكدون أنه لا يتمّ هذا الأمر لعليّ، كأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ربّاهم إلاّ على التنافس على الدنيا والملك!! ويذهب حذيفة يخبر رسول الله بما بيّته هؤلاء، فبعث إليهم رسول الله فسألهم عما قالوا، فحلفوا أنهم ما قالوا، فنزل جبريل بهذه الآية:(يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ)، ثم تأكد جبريل أنّ القوم لن يسلموا الأمر لعليّ، فيأمر رسول الله بالصبر! ويأمر رسول الله علياً بالصبر! وبعد موت رسول الله بايع الناس أبا بكر ثم عمر ثم عثمان، وبايع عليّ الثلاثة، وبايعهم جميعاً أبو ذر والمقداد وسلمان وعمار، ألا يدل كل هذا على أنّ هذه الأكاذيب من نسج الرّوافض والباطنية.
وحديث غدير خم الذي يرويه زيد بن أرقم يكذبهم وقد قدمناه، وعلاقة عليّ بإخوانه من الصحابة تكذبهم، وتاريخ الأمة والصّحابة خاصّة يكذبهم!
وقد تركت مناقشة الرّوايتين الأخريين لظهور بطلانهما وكذبهما، ولتجنب البحث عن التطويل.
__________
(1) في الرواية الثانية أنهما اثنان من قريش لا ثلاثة, وكلتا الروايتين كذب في كذب.(1/280)
قال القمي (1/306):"وأما قوله (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) قال: نزلت في الأئمة فالدليل على أن ذلك فيهم خاصة حين مدحهم وحلاهم ووصفهم بصفة لا يجوز في غيرهم فقال:(التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ) فالآمرون بالمعروف هم الذين يعرفون المعروف كله صغيره وكبيره ودقيقه وجليه والناهون عن المنكر هم الذين يعرفون المنكر كله صغيره وكبيره والحافظون لحدود الله هم الذين يعرفون حدود الله صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليها ولا يجوز أن يكون بهذه الصفة غير الأئمة -رحمهم الله-".
أقول:
هذا التفسير من التحريف الناشئ عن نفسٍ ظالمة حاقدة على من خاطبهم الله بهاتين الآيتين، وهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهم الذين بايعوا رسول الله مراراً على التوحيد والجهاد والنّهوض بسائر شرائع الإسلام، وقد وفّوا بهذه المبايعة، فجاهدوا في سبيل الله في عدد من المعارك، فقاتلوا، واستشهد منهم الكثير في المعارك في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته، فنصرهم الله على أعدائه وعلى أعدائهم، وأعلى الله بهم كلمته، وأذلّ بهم أعداءه.
وتتناول هذه الآية من اتصف بهذه الصّفات، وعمل هذه الأعمال، لا فرق بين أهل البيت وغيرهم، ولا بين أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - وأتباع إخوته من الأنبياء، ومن قصرها على الأئمة فقد افترى على كلام الله، وأساء الظنّ به، وكذب بقول الله:(وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ).
وقوله:(ووصفهم بصفة لا تجوز في غيرهم فقال: التائبون العابدون إلى قوله والناهون عن المنكر).(1/281)
أقول: حجرت واسعاً، وأسقطت معظم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسهم أصحاب محمد ومن تبعهم بإحسان، تلك الأمة العظيمة التي زكاها الله بقوله:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، وقال في محمد وأصحابه:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}، إلى آخر السورة، فهذه تزكية الله لأصحاب محمد فلا يجحد بها إلا الظالمون!
قال العياشي (2/112-113):
"عن أبي بصير عن أبي جعفر -رحمه الله- قال سألته عن قول الله (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) الآية. قال: يعني في الميثاق، قال ثم قرأت عليه (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) فقال أبو جعفر: لا ،ولكن اقرأها (التائبين العابدين) إلى آخر الآية، وقال: إذا رأيت هؤلاء فعند ذلك هؤلاء اشترى منهم أنفسهم و أموالهم يعني في الرجعة.
محمد بن الحسن عن الحسين عن خرزاد عن البرقي في هذا الحديث ثم قال: ما من مؤمن إلا وله ميتة وقتلة، من مات بعث حتى يقتل، ومن قتل بعث حتى يموت.
صباح بن سيابة في قول الله (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ) قال ثم قال ثم وصفهم فقال (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ) الآية، قال هم الأئمة -رحمهم الله-".
أقول:
1- برَّأ الله أبا جعفر من هذا التحريف ومن الإيمان بالرجعة!(1/282)
وقوله:"يعني الميثاق" إن قصد به الميثاق في عالم الذر فنصّ الآية:(وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى)، وهذا لا يشمل البيعة على الجهاد، وآية التوبة (وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ)، ولم يقل في الميثاق، وكأنّ هذا القصد من هذا العمل معارضة النصّ القرآني!
2- وقوله: ما من مؤمن إلا وله قتله وميتة .. إلخ! هذا من الإفك، والقصد منه تقرير مذهب الرجعة!
قال الإمام أحمد: ثنا علي بن عبد الله المديني ثنا سفيان ثنا محمد بن علي ابن ربيعة السلمي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: قال لي رسول الله:"أما علمت أنّ الله أحيا أباك، فقال: تمن عليّ، فقال: أرد إلى الدنيا فأقتل مرة أخرى، فقال: إني قضيت الحكم أنهم إليها لا يرجعون". السند (3/361)، ورواه الترمذي بإسناد آخر ولفظ أوسع.
فهذا النص يدفع باطلهم.
وقوله:"ثم وصفهم فقال: التائبون العابدون الحامدون قال: هم الأئمة".
أقول:
هذا من الإفك والتحريف المقصود به جحد فضائل أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقد تقدم دحض هذا الباطل آنفاً.
قال القمي (1/307):
"وقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) يقول: كونوا مع علي ابن أبي طالب وآل محمد -رحمهم الله- والدليل على ذلك قول الله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) فهو حمزة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) وهو علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- يقول الله (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) وقال الله تعالى:(اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) وهم آل محمد -رحمهم الله- قال علي بن إبراهيم في قوله:(يا أَيُّهَا آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) هم الأئمة -رحمهم الله- وهو معطوف على قوله (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)".
أقول:(1/283)
في الآية الأخيرة سقط.
وإنّ تخصيص الكون مع الصّادقين بعلي وآل محمد من تحريف كلام الله، والافتراء على الله، فالصّادقون على رأسهم الأنبياء جميعاً وعلى رأسهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فالمطلوب من المؤمنين أن يؤمنوا بالله حقاً، وأن يكونوا مع الصادقين عموماً، أن يكونوا معهم في الإيمان بكل ما شرعه الله، والتزام خلق الصدق كما التزموه.
وكذلك أصحاب محمد كلهم صادقون عدول، فالمطلوب من المؤمنين أن يكونوا على منهجهم في الإيمان والتصديق والأخلاق.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"عليكم بالصّدق، فإنّ الصّدق يهدى إلى البر، وإنّ البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرّجل يصدق ويتحرى الصّدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً، وإياكم والكذب، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً" (صحيح مسلم ج4/ص2013).
ولا أكذب في الفرق الضالة من الرّوافض، ولا سيما في الكذب على الله وعلى كتابه، وقد رأى القارئ من أكاذيبهم ما لا يخطر على البال، ولا يدور بالخيال إلا خيال هؤلاء الفجار!!
... قال القمي (1/307):
"وقوله (وما(1)كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) يعني إذا بلغهم وفاة الإمام يجب أن يخرج من كل بلاد فرقة من الناس و لا يخرجوا كلهم كافة، ولم يفرض الله أن يخرج الناس كلهم فيعرفوا خبر الإمام ولكن يخرج طائفة ويؤدوا ذلك إلى قومهم (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) كي يعرفوا اليقين".
أقول:
__________
(1) ساق هذه الآية بلفظ ( ما كان المؤمنون ) فأسقط الواو .(1/284)
إنَّ هذا التفسير للآية الكريمة لَمِنْ شرّ أنواع الاستهزاء بآيات الله وتحريفها! فالآية فيها حث للمؤمنين أن يهتمّوا بالجهاد وبالعلم بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والنَّفْر لهذا أو لهذا على تفسيرين للسّلف، مؤداهما: الاهتمام بهذين الأمرين العظيمين، والنَّفْر لهما من كل فرقة طائفة والتي تنال شيئاً من الفقه تبلغه قومها، فجاء هذا الباطني المشوّه العقل فشوّه الآية الكريمة، وأضاع هذين الأمرين اللذين لا يقوم الإسلام ولا تقوم الأمة إلا بهما.
فو الله ما فرض الله على الناس معرفة حياة الإمام، ولا معرفة موته، فكيف يكلفهم بالرحيل ليعلموا وفاته، وليعرفوا من بعده، ويأتون أقوامهم بخبر وفاة هذا وخلافة ذاك؟!
والله ما استهزأ المتنبئون والمنافقون بكتاب الله مثل هذا الاستهزاء الذي يقوم به الروافض والباطنية!!
وحَذَف الواو من قوله تعالى:(وماكان المؤمنون) كما ترى.
وقال العياشي (2/118):"عن عبد الله بن سليمان عن أبي جعفر -رحمه الله- قال تلا هذه الآية:(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) قال من أنفسنا قال (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) قال ما عنتنا قال (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) قال علينا (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) قال بشيعتنا رءوف رحيم فلنا ثلاثة أرباعها، و لشيعتنا ربعها" وأحال المحقق إلى البرهان والصافي.
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك وهذه الأنانية! فالآية إمّا خطابٌ للعرب جميعاً، فقوله تعالى:(من أنفسكم) معناه: من جنسكم في كونه عربياً، ويقوِّيه قول الله تعالى:(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)(الجمعة:2).(1/285)
وقوله تعالى في معرض الحديث عن إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت ويدعوان الله تبارك وتعالى ومن دعائهما:(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)(البقرة128-129).
وإلى هذا المعنى ذهب جمهور المفسرين، وقال الزجاج: هي خطاب لجميع العالم، والمعنى: لقد جاءكم رسول من جنسكم في البشرية.
وقوله:(عزيز عليه ما عنتم) شاقّ عليه عنتكم؛ لكونه من جنسكم، ومبعوثاً لهدايتكم، والعنت التعب والمشقة عليهم بعذاب الدنيا والآخرة، (بالمؤمنين) منكم أيها العرب أو الناس. راجع (فتح القدير)(2/506-507) .
قال الرافضي الباطني:"(بالمؤمنين رؤوف رحيم)، قال: بشيعتنا رؤوف رحيم فلنا ثلاثة أرباعها ولشيعتنا ربعها!".
أقول:
كأنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرأف ولا يرحم أصحابه الذين آمنوا به، وعزروه، ونصروه، وأحبوه أكثر من أنفسهم وأبنائهم وأموالهم، وفدوه ورسالته بمهجهم وأموالهم! لا يحبهم ولا يرحمهم! وادّخر هذه الرأفة والرحمة للروافض الحاقدين على أصحابه والمحرفين لكتاب ربه!! فاعتبروا يا أولي الأبصار!
برَّأ الله من هذا الإفك أبا جعفر وأهل بيته الشّرفاء الكرام.
تفسير سورة يونس
قال القمي (1/ 309):
"وقوله (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي لا يؤمنون به (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) قال: الآيات أمير المؤمنين والأئمة -رحمهم الله-والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين - رضي الله عنه - (ما لله آية أكبر مني)".
أقول:(1/286)
إنَّ هذا التفسير لآيات الله لمن أكبر الأدلة على أنّ الرافضة والباطنية قد فاقوا اليهود والنصارى في تحريف كتاب الله!!
إنّ المراد بالآيات هنا الآيات الكونية، وذلك بأنّ الله تبارك وتعالى قد ذكر خلقه للسّموات والأرض في ستة أيام، وذكر استواءه على العرش وتدبيره لأمر الكون، وذكر تعالى أنه جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً، وبين الحكمة في ذلك، ثم قال تعالى:(مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ* إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ* أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)(يونس5-8).
فالمراد بالآيات التي يغفل عنها الكفار هي الآيات التي سلف الحديث عنها في الآيات السابقة والتي ذكر الله أنه يفصّلها لقوم يعلمون، وأنها آيات لقوم يعقلون، وقال عن الكفار الذين لا يعلمون ولا يعقلون:(إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).
فهذه هي آيات الله التي من آمن بها وعمل برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - تميز عن الكافرين الغافلين عن هذه الآيات.
والذي يحرّف كتاب الله لأجل عقيدة ابن سبأ في الولاية ويجعل هذه الآيات هي أمير المؤمنين، ويفتري على أمير المؤمنين أنه قال:"ما لله آية أكبر مني"! لأشد إفكاً من هؤلاء الغافلين!(1/287)
ونسأل هذا الباطني وأمثاله هل عليّ أكبر من آيات الله كلها بما فيها العرش والكرسي والسموات والأرض وما فيها والجنة والنار وما فيها؟! أعتقد أنه ما وصل الهندوك واليونان في أساطيرهم عن آلهتهم إلى ما وصل إليه هذا الباطني وأمثاله من الملحدين!!
وقال العياشي (2/120):
"عن الثمالي عن أبي جعفر -رحمه الله- في قول الله (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) قالوا: بدل مكان علي أبو بكر(1)أو عمر اتبعناه". وأحال المحقق إلى البرهان والبحار . وقال:"عن أبي السفاتج عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قول الله (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) يعني أمير المؤمنين -رضي الله عنه- " وأحال المحقق إلى البرهان والبحار.
... قال القمي (1/310) بعد أن فسر الآية تفسيراً معقولا فأبت عليه باطنيته إلا أن يفسرها على طريقته الباطنية فقال:
"وأما قوله (أَوْ بَدِّلْهُ) فإنه أخبرني الحسن بن علي عن أبيه عن حماد بن عيسى عن أبي السفاتج عن أبي عبد الله رحمه الله في قول الله (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
-رضي الله عنه- (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) يعني في علي بن أبي طالب أمير المؤمنين -رضي الله عنه-".
أقول:
إنَّ إطلاق القرآن على عليّ -رضي الله عنه- لأسلوب باطني رافضي لا يقبله عقل ولا شرع ولا لغة! ونزَّه الله أبا جعفر وأبا عبد الله عن هذا التحريف الرافضي الباطني! فإنهما أتقى لله وأشرف من أن ينحدرا إلى هذا المستوى الهابط إلى أعماق الضّلال والإفك.
__________
(1) كذا! والعبارة مع ما تنطوي عليه من الإفك ركيكة في لفظها ومعناها.(1/288)
إنّ الله يخبرنا عن واقع المشركين من قريش الذين يسوؤهم ذكر التّوحيد والمعاد والجنّة والنّار والوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين، ويزعجهم ذكر معبوداتهم بسوء والحكم عليهم بالشّرك والضّلال، وتوعدهم على ذلك بالخلود في النار والسّلاسل والأغلال، فإذا سمعوا آيات الله العظيمة المعجزة تنطق بما تقدم ذكره مما يقهرهم ويسوؤهم ويتهددهم قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(ائت بقرآنٍ غير هذا أو بدِّله)؛ لأنّهم يريدون كلاماً يمدح جاهليتهم وآلهتهم وشركهم، ولا يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته وحده وخلع أندادهم البائرة، ولا يريدون ما تضمنه القرآن العظيم من المعاني الرفيعة والمقاصد العالية الشريفة.
ونسأل الروافض هل الصّراع على الإمامة بدأ في العهد المكي، فالرسول يدعو إلى إمامة عليّ، والقرآن لا محور له إلا هذه الإمامة، وقريش من ذلك الوقت ينزعجون فيطالبون بولاية أبي بكر وعمر بدلاً من ولاية علي؟!!
فتباً وسحقاً لعقول الروافض التي ترفض حديث القرآن عن التوحيد، وعن إعجاز القرآن في نظمه وألفاظه ومعانيه وتشريعاته، ومدح حملته من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فيضيقون بذلك ذرعاً، فلا يجدون سبيلاً يصد الناس عن دين الله الحق والإيمان بمعاني كتاب الله ومقاصده وتشويه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا سبيل التحريف والإفك.
قال العياشي (2/122):"عن عمرو بن أبي القاسم قال سمعت أبا عبد الله -رحمه الله- و ذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) إلى قوله (يحْكُمُونَ) فقلنا من هو أصلحك الله؟ فقال: بلغنا أن ذلك علي -رضي الله عنه-".
أقول:(1/289)
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا التحريف! فإنّ المراد بالذي يهدي إلى الحق في هذا السّياق هو الله ربّ العالمين، والمراد بالهداية هنا هداية التوفيق؛ لأنّ السياق القرآني إنما كان لإبطال الشّرك والضّلال وبيان حقارة الأوثان التي يعبدها المشركون، فساق الله عددا من الحجج القاطعة القاصمة للشّرك والمشركين وشركائهم.
قال تعالى:(قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ)، أي من بدأ خلق هذه السماوات والأرض، ثم ينشئ ما فيهما من الخلائق، ويفرق أجرام السموات والأرض، ويبدلهما بفناء ما فيهما، ثم يعيد الخلق خلقاً جديداً، (قُلِ اللّهُ) الذي يفعل هذا ويستقل به وحده لا شريك له.
وآلهتهم لا تبدي شيئاً ولا تعيده ولو ذرة، فأين تذهب عقولكم وأين تصرف عن إدراك هذه الأمور العظيمة التي تجعلكم تعظمون الله وتوحدونه وحده وتكفرون بعبادة ما سواه؟!
ثم قال تعالى في هذا السياق لتقرير التوحيد وإبطال الشرك والشركاء:(قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) ببيانه وإرشاده وبإلهامه وتوفيقه، قل الله وحده (يَهْدِي لِلْحَقِّ) بالحجج والبراهين وبالإلهام والتوفيق.
(أمّن لا يهدِّي) أي لا يهتدي (إلا أن يُهْدَى) لعدم علمه وضلاله، وهي شركاؤهم التي لا تهدي ولا تهتدي إلا أن تهدى، (فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)، أيْ أيُّ شيء جعلكم تحكمون هذا الحكم الباطل بصحة عبادة أحد مع الله بعد ظهور الحجة(1).
__________
(1) انظر تفسير ابن كثير (7/362) وتفسير السعدي (ص372) مؤسسة الرسالة.(1/290)
فالله تبارك وتعالى في هذا السياق العظيم يسوق حججه الدامغة لتقرير توحيده وعبادته وحده لا شريك له، وإبطال الشرك، وإهانة المشركين والشركاء وإخزائهم، وهذا لا يُعجب الروافض والباطنية، فيحرفون آيات الله العظيمة التي تضمنت هذه الأمور والمعاني العظيمة إلى ما يوافق عقائدهم الفاسدة وعقولهم الكاسدة، فيجعلون علياً -رضي الله عنه- وبرّأه منهم في مقام رب العالمين في الهداية إلى الحق!! وينزلون الصحابة في منزلة المشركين!! نزَّه الله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عما يقذفهم به الظالمون.
قال القمي (1/312):
"وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) فأما من يهدي إلى الحق فهم محمد وآل محمد من بعده وأما (من لا يهدى إلا أن يهدى) فهو من خالف من قريش وغيرهم أهل بيته من بعده".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا التحريف الكبير والافتراء على الله وكتابه! إذ المراد بمن يهدي إلى الحق في هذه الآية هو الله، (إلا أن يهدى) هي الأنداد.
فالهداية هنا من خصائص الله لا يشركه فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فكلهم فقير إلى هذه الهداية، قال تعالى في سورة الأنعام بعد أن ذكر ثمانية عشر نبياً:(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)، وقال لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - :(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ)، فنفى هذه الهداية وهي هداية التوفيق عن رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وأثبتها لنفسه.(1/291)
والمراد بقوله (أمن لا يهدِّي إلا أن يهدى) فالمراد به الأنداد والأوثان، ومن قال أعداء آل محمد ويريد به الصحابة فقد افترى على الله، وحرف كتابه، وقوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي من بدأ خلق هذه السموات والأرض، ثم ينشىء ما فيهما من الخلائق، ويفرق أجرام السموات والأرض، ويبدلهما بفناء ما فيهما، ثم يعيد الخلق خلقاً جديدًا، (قل الله) الذي يفعل هذا ويستقل به وحده لا شريك له.
قال القمي (1/312):
"وقال علي بن إبراهيم في قوله:(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)، أي: لم يأتهم تأويله، (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) قال: نزلت في الرجعة كذبوا بها أي أنها لا تكون، ثم قال:(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ)
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله:(وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) فهم أعداء محمد وآل محمد من بعده (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) والفساد المعصية لله ولرسوله".
والمقصود الحديث عن القرآن وإعجازه وما تضمنه من علوم وعقائد .. إلخ، والمكذبون به هم الذين كفروا بمحمد وبهذا القرآن.
قال العياشي (2/122):
"عن حمران قال سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن الأمور العظام من الرجعة و غيرها؟ فقال: إن هذا الذي تسألوني عنه لم يأت أوانه، قال الله:(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من الإيمان بما اخترعه الرّوافض من الرجعة المحتوية على الكفر والإفك والأساطير!(1/292)
فهذه الآية من ضمن آيات بين الله فيها أنّ هذا القرآن المعجزة الذي تحدى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله، فعجزوا عن الإتيان بشيء مما تحداهم به، مما يدل العقلاء على أنّ هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله، ولا يمكن للبشر أن يأتوا بسورة من مثله فضلاً عن أن يأتوا بمثله في فصاحته وبلاغته وإيجازه وحلاوته وطلاوته واشتماله على المعاني الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة، الأمور العظيمة التي لا تكون إلا من عند الله الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين(1).
قال تعالى:{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ. وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}(يونس: 37-40).
ألا يرى المسلم العاقل أنّ هذا السياق كله في القرآن وبيان إعجازه وفي تحدي الكفار المكذبين؛ أنه من عند الله.
(أن يأتوا بسورة من مثله) أي من جنسه إن كان محمد قد افتراه - وحاشاه ثم حاشاه -، فعجزوا مع فصاحتهم وقوة بلاغتهم أن يأتوا بأقصر سورة من مثله.
__________
(1) انظر تفسير ابن كثير(7/363).(1/293)
ثم قال:(بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)، أي: كذبوا بالقرآن حال كونهم لم يفهموا تأويل ما كذبوا به ولا بلغته عقولهم، والمعنى: أنّ التكذيب منهم وقع قبل الإحاطة بعلمه، وقبل أن يعرفوا ما يؤول إليه من صدق ما اشتمل عليه من حكاية ما سلف من أخبار الرسل المتقدمين والأمم السابقين، ومن حكايات ما يحدث من الأمور المستقبلة التي أخبر عنها قبل كونها أو قبل أن يفهموه حق الفهم وتتعقله عقولهم، فإنهم لو تدبروه كل التدبر لفهموه كما ينبغي، وعرفوا ما اشتمل عليه من الأمور الدالة أبلغ دلالة على أنه كلام الله، وعلى هذا فمعنى تأويله ما يؤول إليه لمن تدبره من المعاني الرشيقة واللطائف الأنيقة.
(كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) أي مثل ذلك التكذيب كذب الذين من قبلهم من الأمم عند أن جاءتهم الرسل بحجج الله وبراهينه، فإنهم كذبوا به قبل أن يحيطوا بعلمه، وقبل أن يأتيهم تأويله.
(فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) من الأمم السالفة من سوء العاقبة كالخسف والمسخ ونحو ذلك من العقوبات التي حلت بهم كما حكى ذلك القرآن عنهم واشتملت عليه كتب الله المنزلة عليهم". الشوكاني (فتح القدير)(2/539-540).
فالحديث عن القرآن وعظمته وإعجازه، وتحديه للكافرين المكذبين به بعجلة وجهل وعدم إحاطة بما تضمنه من علوم وأحكام وعقائد، وأخبار عن الأمم السابقة التي كذبت رسلها، فأنزل الله بهم بأسه، وما تضمنه من وعد ووعيد وبعث وجزاء وجنة ونار ونعيم أهل الجنة وشقاء وعذاب أهل النار بأصناف التعذيب.
وما في هذا القرآن كلمة واحده عن الرجعة ولا عن القائم المزعوم!
وبهذا يتبين كذب القوم على الله وعلى كتابه، وجرأتهم على تحريف هذا الكتاب العظيم!
قال القمي (1/312):(1/294)
"وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ - يا محمد - بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من الرجعة وقيام القائم (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل ذلك (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ).
و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله:(قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً) يعني ليلا (أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة و هم يجحدون نزول العذاب عليهم .
قال علي بن إبراهيم في قوله:(أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) أي صدقتم في الرجعة فيقال لهم (آلْآنَ) تؤمنون يعني بأمير المؤمنين-رضي الله عنه-(وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) آل محمد حقهم (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) .
أقول:
تعالى الله وتقدس من أن يكون قصده بهذا الكلام الرباني ما تأفكه الروافض والباطنية من الرجعة التي نشأت عن الحقد على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وخيار المؤمنين.
وفي الآية وعيد للكفار الذين كذبوا رسول الله وما جاء به: إما أن ينزل بهم بعض العقاب على تكذيبهم في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو ينزل بهم عقابه بعد بعثهم ورجوعهم إلى الله، والله مطلع على أفعالهم الكفرية، وسوف يجازيهم بها جزاء وفاقا.(1/295)
انظر إلى هذا الإفك على الله حيث يتوعد الله الكافرين بمحمد في العهد المكي فيحول كلام الله إلى ما يوافق عقيدته الفاسدة من أنّ العذاب سينزل بفسقة هذه الأمة من أجل أنهم لم يصدقوا بالإمامة التي اخترعها اليهودي ابن سبأ! وهذا ليس بذنبٍ بل تكذيبُ ابن سبأ والباطنية فيه من الواجبات العظيمة لما ترتب على هذه العقيدة من الكفر والتكفير والضلال والفتن ما لا يحيط به إلا الله، والتكذيب بعقيدة الرجعة من أوجب الواجبات لما يترتب عليها من المفاسد العظيمة والكفر والتكفير للأمة وتحريف كتاب الله وآيات البعث والجزاء في اليوم الآخر من أجلها وجعلها فوق عقيدة البعث والجزاء التي جاء بها جميع الرسل والأنبياء، فتحرف الآيات الدالة على البعث واليوم الآخر والداعية إلى الإيمان به وبما فيه من نعيم للمتقين وجحيم للكافرين إلى هذه العقيدة الأسطورية أو المهزلة والتمثيلية!
ثم انظروا إلى هذا الإفك والتحريف الكبير والكثير من أجل الإمامة التي اخترعها اليهودي ابن سبأ، وكيف يكفر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من أجلها، وتحرف نصوص الوعيد لأعداء الله الذين كذبوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - ، وكذبوا القرآن، وكذبوا بالبعث والجزاء إلى آخر كفرياتهم، وآذوا أصحاب محمد، ونكلوا بهم، واضطروهم إلى الهجرة بدينهم، ونصرة الله، ونصرة نبيهم، وقدموا مهجهم وأموالهم لإعلاء هذا الدين العظيم، وحقق الله على أيديهم وبسيوفهم وأرواحهم غاياتهم في إعلائه على الدين كله.
ينزل الباطنيون الآيات التي يتوعد الله فيها أعداءه على أصحاب محمد البررة الأوفياء لربهم ودينهم ونبيهم، الذين ما عرفت الإنسانية بعد الأنبياء أفضل ولا أنبل ولا أعدل منهم!
وقال القمي الباطني (1/313):(1/296)
" قال: (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) يا محمد أهل مكة في علي (أَحَقٌّ هُوَ) أي إمام (قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) إمام ثم قال (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) آل محمد حقهم (ما فِي الْأَرْضِ جميعا لَافْتَدَتْ بِهِ) في ذلك الوقت يعني الرجعة ".
وقال العياشي (2/123):
" عن يحيى بن سعيد عن أبي عبد الله -رحمه الله- عن أبيه في قول الله (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي ) فقال: يستنبئك يا محمد أهل مكة عن علي بن أبي طالب إماما هو؟ (قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ)".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله وأبا جعفر من هذه السخرية بكتاب الله وتحريفه، وإنما هذا من سخرية الباطنية الروافض وتحريفهم.
فهل أعلن رسول الله إمامة عليّ وملكه من العهد المكي؟!
وهل كان الصراع بين رسول الله وقريش صراعاً سياسياً من ذلك العهد؟!
وهل بدأ ظلم الناس لآل محمد واغتصاب حقهم في الملك من ذلك العهد؟!
يالها من سخرية برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وبكتاب الله وبعقول الناس!!
لقد كانت دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوال العهد المكي إلى توحيد الله وعبادته وحده، وإلى نبذ عبادة غير الله من الأوثان وغيرها، وإلى الإيمان بالبعث والرسل ... إلخ، ولم تشرع في هذا العهد من الشرائع إلا الصلاة، وقد ناله وأصحابه من ألوان الأذى ما لا تطيقه الجبال.(1/297)
وكانت هذه الدعوة العظيمة شديدة على كفار قومه، فإذا قال لهم: قولوا لا إله إلا الله قالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}(ص: 5)، وقال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}(الصافات: 35)، وقال تعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}(الزمر:45)، هذا ما يفيده القرآن ويفيده التاريخ والسيرة النبوية الشريفة وتحترمه العقول السليمة.
والله سبحانه يأمر رسوله أن يقول:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}(ص:86). وقال تعالى:{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}(الطور:40)، فكيف يطلب الملك لنفسه أو لأقاربه؟! ولقد عُرِض عليه الملك والمال ليتنازل عن دعوته ورسالته فأبى صلوات الله وسلامه عليه أشد الإباء.
الأئمة عند الرافضة: رسل الله!!
- قال العياشي (2/123):
" عن جابر عن أبي جعفر -رحمه الله- قال سألته عن تفسير هذه الآية (لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ) قال: تفسيرها بالباطن أن لكل قرن من هذه الأمة رسولا من آل محمد يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، وهم الأولياء وهم الرسل، وأما قوله (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) قال: معناه إن الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله وأحال المحقق إلى البحار والبرهان والصافي.
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك والتحريف والاعتقاد الكفري في أهل البيت!(1/298)
فظاهر القرآن أنّ المراد بالرسل الرسل المعروفون كنوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم من الرسل، وهذا عند الله وعند رسوله والمؤمنين وعلمائهم، أما عند الباطنية فالمراد بالرسل هم من آل محمد يبعث الله لكل قرن رسولاً منهم!
ومن عقائد الباطنية أنّ الأئمة من آل البيت أفضل من الرسل والملائكة، وأنهم يعلمون الغيوب ما كان منها وما يكون، وأنّ لهم سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون، وإذن فهم آلهة عند الباطنية الروافض!! فهل بعد هذا الكفر كفر؟!
ثم لم يدرك هؤلاء الأغبياء أنّ هذه العقيدة تهدم عقيدتهم في الأئمة الإثني عشر ومنهم القائم الذي ينتظرونه من قرون! ويقولون: اللهم عجل خروجه! لأنه إذا كان الله يبعث في كل قرن رسولاً من آل محمد فلا داعي لانتظار القائم، بل هذا الاعتقاد يهدم الاعتقاد بأنّ الأئمة اثنى عشر الذين كان الحادي عشر منهم قد توفي في حدود مائتين وستين!
ومع هدم هذه العقيدة يكون الاثنى عشرية أنفسهم قد كفروا بهؤلاء الرسل!
فإن قالوا: نحن نؤمن بهم جميعاً، قلنا: فقد كفرتم! لأنّ محمدا خاتم الرسل، وثبت أنكم باطنيون!
ونحن ننصحكم بأن تسلكوا سبيل المؤمنين في الإيمان بالقرآن، وبأنّ محمدا خاتم النبيين، وأن تعتقدوا في نصوصه العقائدية والعملية ما يعتقده محمد وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وأن تتخلصوا من عقائدكم الفاسدة التي أدت إلى تكفير الصحابة، وإلى تحريف كتاب الله، وإلى عدم الالتزام بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي تناقلها العدول الضابطون عن العدول الضابطين.
ونعود إلى بيان معنى الآية الذي آمن به الصّحابة والمسلمون.(1/299)
قال الشوكاني -رحمه الله-:"(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم الخالية في وقت من الأوقات (رسُولٌ) يرسله الله إليهم، ويبين لهم ما شرعه الله لهم من الأحكام على حسب ما تقتضيه المصلحة، (فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ) إليهم وبلغهم ما أرسله الله به فكذبوه جميعاً (قُضِيَ بَيْنَهُم) أي بين الأمة ورسولها (بِالْقِسْطِ) أي العدل، فنجا الرسول، وهلك المكذبون له، كما قال سبحانه:(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)، ويجوز أن يراد بالضمير في (بينهم) الأمة على تقدير أنه كذبه بعضهم، وصدقه البعض الآخر، فيهلك المكذبون، وينجو المصدقون، (وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) في ذلك القضاء فلا يعذبون بغير ذنب، ولا يؤاخذون بغير حجة، ومنه قوله تعالى:(وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم)، وقوله تعالى:(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ)" فتح القدير (2/542-543).
فهذا المعنى هو الذي دلّ عليه القرآن في عدد من الآيات النيرة، ويفهمه المؤمنون.
والمراد بالرسل هم من اصطفاهم الله لحمل رسالاته وتبليغها إلى أممهم، وهذا المعنى يؤمن به المؤمنون وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، فبعداً للباطنيين.
قال القمي (1/313) بعد كلام ساقه:
رجع إلى رواية علي بن إبراهيم بن هاشم قال ثم قال (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ثم قال: قُلْ لهم يا محمد (بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) قال الفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحمته أمير المؤمنين-رضي الله عنه-(فبذلك فليفرحوا)، قال فليفرح شيعتنا هو خير مما أعطوا(1)أعداؤنا(2)من الذهب و الفضة".
أقول:
هذا تحريف شنيع لكلام الله، واتباع للهوى المهلك!
__________
(1) , (2) كذا .(1/300)
ففضل الله هو: تفضله على عباده في العاجل والآجل بما لا يحيط به الحصر، والرحمة: رحمته لهم، وروي عن ابن عباس أنه قال:(فضل الله: القرآن، ورحمته: الإسلام)، والأَولى حمل الفضل والرحمة على العموم ويدخل في ذلك ما في القرآن منهما دخولاً أولياً. فتح القدير للشوكاني (2/547).
وقال العياشي (2/124):
"عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين-رضي الله عنه- في قول الله (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) قال: فليفرح شيعتنا هو خير مما أعطي عدونا من الذهب و الفضة" وأحال المحقق على البرهان والصافي.
عن أبي حمزة عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: قلت:(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فقال: الإقرار بنبوة محمد عليه وآله السلام والإتمام بأمير المؤمنين-رضي الله عنه- هو خير مما يجمع هؤلاء في دنياهم". وأحال المحقق على البرهان والصافي البحار.
أقول:
برَّأ الله علي بن أبي طالب وأبا جعفر من هذا التحريف القائم على إسقاط أتباع محمد حقهم وهم أصحابه ومن تبعهم بإحسان، وإحلال الروافض أتباع الشياطين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا!!
وانظر إلى هذا القول المنسوب إلى أبي جعفر الذي تضمن مجرد الإقرار بنبوة محمد فقط، أما الاتباع فلأمير المؤمنين!! هذا هو معنى النص القرآني عند هؤلاء الباطنية!!
ادِّعاء الروافض أنهم أولياء الله!!
وقال العياشي (2/124):(1/301)
عن عبد الرحمن بن سالم الأشل عن بعض الفقهاء قال: قال أمير المؤمنين (إِنَّ(1)أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ) ثم قال: تدرون من أولياء الله؟ قالوا: من هم يا أمير المؤمنين؟ فقال: هم نحن وأتباعنا، فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا طوبى لنا و طوبى لهم وطوباهم أفضل من طوبانا، قيل: ما شأن طوباهم أفضل من طوبانا؟ أ لسنا نحن و هم على أمر؟ قال: لا؛ لأنهم حملوا ما لم تحملوا عليه وأطاقوا ما لم تطيقوا". وأحال المحق على البرهان والصافي والبحار.
أقول:
برَّأ الله أمير المؤمنين من هذا التحريف السخيف الذي لا يتفوه به إلا الروافض الباطنية، وأمير المؤمنين هو أمير المؤمنين حقاً، وبرّأه الله من الروافض والباطنية كما برّأ عيسى من النصارى.
كيف يكون الروافض الباطنية هم أولياء الله وأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم بإحسان هم أعداء الله؟! سبحان الله وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وانظر كيف يفضل المتأخرين من الروافض الباطنية على عليٍّ ومن في عهده، وتفطَّنْ لما يرمي إليه هؤلاء الباطنيون!!
وأولياء الله هم خُلَّص المؤمنين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وخلص أتباع الأنبياء الذين آمنوا بكل شرع الله وقاموا بأوامره واجتنبوا نواهيه، فلهم البشرى التي تضمنها القرآن بالفوزبالنجاة من النار، وبالفوز بجنات النعيم التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومنها ثناء الله عليهم، وثناء المؤمنين عليهم، ومنها الرؤيا الصالحة.
هذا ما تضمنته الآية من الثناء على أولياء الله، وما وعدهم الله به من الجزاء في الدنيا والآخرة، وذلك يغيظ أعداءهم ولا سيما الروافض الباطنية، فيحاولون السطو على حق غيرهم، وهيهات هيهات لهم بذلك!!
فرية الروافض أن كلمات الله هي الإمامة !
قال القمي (1/314):
__________
(1) ونص الآية (ألا إن أولياء الله) فأسقط (ألا).(1/302)
"وقوله (الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا (وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ) قال: البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الحسنة يراها المؤمن وفي الآخرة عند الموت وهو قول الله (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) و قوله (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ) أي لا تغير الإمامة والدليل على أن الكلمات الإمامة قوله (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) يعني الإمامة".
أقول:
إنّ هذا التحريف لكلمات الله دافعه الهوى!
إنّ المراد بكلمات الله هنا هي وعد الله للمؤمنين المتقين بالبشرى، وهي الجنة والرؤيا الصالحة.
واستدلاله بقوله تعالى:(وجعلها كلمة باقية في عقبه) تحريف آخر (!) يرده سياق النص القرآني، قال في سورة الزخرف (26-29):(وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون. إلا الذي فطرني فإنه سيهدين. وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون).
فالكلمة الباقية هي كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وهي معنى قوله:(إنني براء مما تعبدون. إلا الذي فطرني)، والضمير في (جعلها) عائد إلى هذه الجملة (إنني براء) الآية.
فانظر إلى هذه الباطنية التي تجعل الإمامة التي اخترعها ابن سبأ اليهودي بدل كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) التي خلق الله من أجلها الجن والإنس، وأرسل بها الرسل ومنهم خليل الله إبراهيم الذي واجه قومه بهذه الكلمة، وجعلها باقية في ذريته، فلا تزال في ذريته إلى أن بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - ، ولا تزال في أمته إلى قبيل قيام الساعة!!
قال العياشي (2/124-126):(1/303)
"عن عبد الرحيم قال: قال أبو جعفر -رحمه الله-: إنما أحدكم حين يبلغ نفسه هاهنا فينزل عليه ملك الموت، فيقول له أما ما كنت ترجو فقد أعطيته، وأما ما كنت تخافه فقد أمنت منه، ويفتح له باب إلى منزله من الجنة، ويقال له: انظر إلى مسكنك من الجنة، وانظر هذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلي والحسن والحسين -رضي الله عنهم- رفقاؤك وهو قول الله (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).(1/304)
عن عقبة بن خالد قال: دخلت أنا والمعلى على أبي عبد الله -رحمه الله- فقال: يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الدين الذي أنتم عليه، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينيه إلا أن يبلغ نفسه إلى هذه وأومأ بيده إلى الوريد، ثم اتكأ وغمزني المعلى أن سله فقلت: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغت نفسه إلى هذه فأي شي ء يرى؟ فقال: يرى، فقلت له بضع عشر مرة: أي شي ء يرى؟ فقال في آخرها: يا عقبة! فقلت: لبيك وسعديك، فقال: أبيت إلا أن تعلم؟ فقلت: نعم يا ابن رسول الله إنما ديني مع دمي فإذا ذهب ديني كان ذلك. فكيف بك يا ابن رسول الله كل ساعة وبكيت فرقّ لي، فقال: يراهما والله، فقلت: بأبي وأمي من هما؟ فقال: رسول الله وعلي -رضي الله عنه-، يا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتى تراهما، قلت: فإذا نظر إليهما المؤمن أيرجع إلى الدنيا؟ قال: لا مضى أمامه إذا نظر إليهما مضى أمامه فقلت له: يقولان له شيئا جعلت فداك؟ فقال: نعم فيدخلان جميعا على المؤمن فيجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأسه وعلي -رضي الله عنه- عند رجليه فيكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: يا ولي الله، أبشر بأني رسول الله إني خير لك مما تترك من الدنيا، ثم ينهض رسول الله عليه وآله السلام فيقوم علي -رضي الله عنه- حتى يكب عليه فيقول: يا ولي الله أبشر أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبني، أما لأنفعنك ثم قال أما إن هذا في كتاب الله، قلت: جعلت فداك أين في كتاب الله؟ قال: في يونس (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) إلى قوله (الْعَظِيمُ).(1/305)
عن أبي حمزة الثمالي قال قلت لأبي جعفر -رحمه الله- ما يصنع بأحد عند الموت؟ قال: أما والله يا أبا حمزة ما بين أحدكم و بين أن يرى مكانه من الله ومكانه منا يقر به عينه إلا أن يبلغ نفسه هاهنا، ثم أهوى بيده إلى نحره، ألا أبشرك يا أبا حمزة فقلت: بلى جعلت فداك، فقال: إذا كان ذلك أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي -رضي الله عنه- معه، قعد عند رأسه فقال له إذا كان ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أما تعرفني؟ أنا رسول الله هلم إلينا فما أمامك خير لك مما خلفت، أما ما كنت تخاف فقد أمنته، وأما ما كنت ترجو فقد هجمت عليه، أيتها الروح أخرجي إلى روح الله و رضوانه، ويقول له علي -رضي الله عنه- مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال يا أبا حمزة ألا أخبرك بذلك من كتاب الله؟ قوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) الآية. وأحال المحقق على البرهان والبحار والصافي.
أقول:
1- برَّأ الله أبا جعفر من هذا التحريف لكلام الله، ونزّهه الله وأهل بيته من الكذب لأجل أضلّ الطوائف وأكذبها، ونزَّه الله رسوله وعلياً والحسن والحسين من أن يعرضوا عند موت كل رافضي هالك، وأرجو الله أن يصدق فيهم قوله تعالى:(ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون).
2- في النص الثاني أنّ الله لا يقبل إلا الدين الذي عليه الروافض الباطنية، أما الدين الذي عليه رسول الله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان فلا يقبله الله في اعتقاد الروافض، وبرَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك!!
3- وفيه أنّ رسول الله وعلياً يحضران موت كل رافضي فيجلس رسول الله عند رأسه وعلي عند رجليه فيكب عليه رسول الله فيقول: يا ولي الله أبشر بأني رسول الله ...إلخ، ويأتي علي فيكب عليه ويقول يا ولي الله أبشر ...إلخ.(1/306)
ويقول أبو عبد الله: إن هذا في كتاب الله ثم يقرأ (الذين آمنوا وكانوا يتقون..) الآية، فيا له من كذب على الله وكتابه ورسوله وأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - !!
ومما يوضح كذب هؤلاء أنّ في الرواية الأولى يحضره خمسة: رسول الله ومن ذكر معه، وفي النص الثاني يحضره اثنان رسول الله وعليّ!!
4- والنص الثالث يختلف فيه الكلام عن النصين السابقين، وأنّ رسول الله وعلياً هما اللذان يأمران روح الرافضي بالخروج لا ملك الموت!! وكأن هذه الروح الرافضية لا تأبه بقول رسول الله لها: أخرجي حتى يأمرها عليّ بالخروج، ألا شاهت وجوه المفترين!!
يحل الروافض لآل علي الجماع
في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - !
- وقال العياشي (2/127):
"- عن أبي رافع قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: أيها الناس إن الله أمر موسى وهارون أن يبيتا لقومها بمصر بيوتا وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء إلا هارون وذريته، وإن عليا مني بمنزلة هارون وذريته من موسى فلا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجدي ولا يبيت فيه جنبا إلا علي وذريته فمن ساءه ذلك فهاهنا وأشار بيده نحو الشام". وأحال المحقق على الصافي.
وعلق المحقق على قوله:(فمن ساءه فهاهنا مقره) أي البرهوت أو الشام مثل قوله:"فمن ساءه ففي السقر أو في جهنم" ثم قال: (عن هامش الصافي).
أقول:
أين الإسناد إلى أبي رافع الذي لا يعلم الغيب، وما هو بالمعصوم كما تدعون العصمة للأئمة، ولا يعلم الغيب كما تدعون علم الغيب للأئمة أيضاً؟ ومن أجل هذا الاعتقاد الباطل تروون عنهم الأكاذيب بالأسانيد التي لا تقوم إلا على الروافض الكذابين، وتكون في الوقت نفسه من المراسيل والمنقطعات والمعلقات، حتى قال بعض العلماء: أسانيد الروافض تشبه أسانيد اليهود والنصارى، يعني أنها مراسيل ومنقطعات ومكذوبات!!(1/307)
والمقصود أنّ إسناد العياشي إلى أبي رافع لا تقوم به حجة؛ لأنه معلق بينه وبين أبي رافع مفاوز تنقطع فيها الأعمار، وهو مكذوب على أبي رافع قطعاً، وفي الباب حديث عن عائشة -رضي الله عنها-: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إني لا أحلّ المسجد لحائض ولا جنب". رواه أبو داود وابن ماجة والطبراني، وصححه ابن خزيمة، وحسنه ابن القطان، وأخذ به الجمهور من أهل العلم، فلا يجوز عندهم أن يدخل المسجد جنب ولا حائض، ولم يستثن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحداً فيدخل فيه علي -رضي الله عنه- وذريته.
فلا يحلّ لهم دخول المسجد وهم على جنابة أي مسجد كان فضلاً عن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويريد الأفاكون أن يحلوا لعلي وذريته المبيت في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم مجنبون، بل يريدون أن يحلوا لهم الجماع في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويأبى الله ورسوله والمؤمنون وعليّ وذريته هذا الاستخفاف ببيوت الله، وخاصة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بل الاستخفاف بعليّ وذريته، فهل يقبل عليّ وذريته هذا الإفك السخيف؟!
وانظر كيف يتكئون على حديث:(أنت مني بمنزلة هارون من موسى) فينطلقون منه إلى دعوى الوصية والإمامة ومثل ما يفترونه في هذا الحديث!
معنى الآيات عند الروافض الباطنية
قال القمي (1/320):
"وقوله (قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون).
ساق القمي إسناده إلى داود بن كثير الرقي قال: سألت أبا عبد الله -رحمه الله- عن قول الله (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) قال: الآيات الأئمة والنذر الأنبياء عليهم السلام".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك والتحريف لآيات الله!(1/308)
إنّ المراد بآيات الله هنا الآيات الكونية في السماوات والأرض، قال تعالى{قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ. فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ}(يونس: 101-102).
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآيات الكريمات (7/405و406):(يرشد الله تعالى عباده إلى التفكر في آلائه، وما خلق الله في السماوات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب، مما في السماوات من كواكب نيرات ثوابت وسيارات، والشمس والقمر والليل والنهار واختلافهما، وإيلاج أحدهما في الآخر حتى يطول هذا ويقصر هذا ثم يقصر هذا ويطول هذا، وارتفاع السماء واتساعها وحسنها وزينتها، وما أنزل الله منها من مطر فأحيا به الأرض بعد موتها وأخرج فيها من أفانين الثمار والزروع والأزاهير وصنوف النبات، وما ذرأ فيها من دواب مختلفة الأشكال والألوان والمنافع، وما فيها من جبال وسهول وقفار وعمران وخراب، وما في البحر من العجائب والأمواج وهو مع هذا مسخر مذلل للسالكين يحمل سفنهم ويجري بها برفق بتسخير القدير له، لا إله إلا هو، ولا ربّ سواه.
وقوله:(وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ)، أي: وأي شيء تجدي الآيات السّماوية والأرضية والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على صدقها عن قوم لا يؤمنون، كقوله:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}(يونس: 96-97)".(1/309)
انظر إلى تفسير المؤمنين الصّادقين الأبرار، وإلى تفسير الباطنية الفجار! لترى الفروق الهائلة بين التفسيرين، تفسير يتفق مع عظمة الله وعظمة كلماته وما تدل عليه من مقاصد عالية ومعان جليلة تنير قلوب المؤمنين وتملؤها إيماناً ويقيناً، وتعمى عنها بصائر وأبصار الكافرين والملحدين، فلا يزدادون إلا استهزاء بآيات الله واستكباراً عنها وتحريفاً لها وتلاعباً بمعانيها.
تفسير سورة هود
رمي الصحابة بالنفاق وببغض علي!
- قال القمي (1/321):
" (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) فهو علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- وقوله (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) قال: الدخان والصيحة وقوله (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) يقول يكتمون ما في صدورهم من بغض علي.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن آية المنافق بغض علي فكان قوم يظهرون المودة لعلي -رضي الله عنه- عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسرون بغضه فقال:(أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) فإنه كان إذا حدث بشي ء من فضل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أو تلا عليهم ما أنزل الله فيه نفضوا ثيابهم ثم قاموا يقول الله (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ) حين قاموا (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)".
أقول:
لم ينصّ هذا الباطني على القائل وهل هو من الأئمة أو غيرهم؟ ولا يبعد أن يكون هو المُفْتري لهذا التحريف!
وبسياق الآيات القرآنية من صدر سورة هود وتفسيرها يتبين لك خبث هذا الرجل، وأنه يصرف الآيات الداعية إلى التوحيد والزاجرة عن الشرك والضلال والمتضمنة للتبشير والإنذار والوعد والوعيد عن معانيها إلى ما يناسب عقيدته الفاسدة!(1/310)
قال تعالى:{الَر. كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ. وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ . إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}(هود: 1-5).
فهذه الآيات الكريمات تضمنت أموراً عظيمة تملأ قلب من تأملها إيماناً ويقيناً:
1- الإيمان بهذا القرآن العظيم الذي أعجز البشر أن يأتوا بسورة من مثله، وصفه الله بأنه قد (أحكمت آياته)، فلا يعتريها نقص ولا نقض لإحكامها وقوة بلاغتها وإعجازها، ثم فصلت ببيان الوعد والوعيد والحلال والحرام، كما قال تعالى:(مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)، (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً).
2- بيّن أنّ الذي أحكمه وفصله هو الله الحكيم في خلقه وشرعه، الخبير العالم بكلّ شيء دقيق وجليل، العالم بمواقع الأمور.
3- دعا الله الذي أحكم آيات هذا الكتاب العظيم المعجز الحكيم الخبير الناس إلى عبادته وحده، وتخصيصه وحده جل جلاله بالعبادة، فلا يشركون به أحداً، والخطاب للناس جميعاً، وفي طليعة المخاطبين أهل مكة في الدرجة الأولى؛ لأن هذه السورة مكية، والمسلمون فيها قليل مستضعفون في الأرض، والصولة والجولة والسيطرة للكافرين المعاندين.(1/311)
فالدعوة موجهة لهم في الدرجة الأولى، وكثير من الآيات القرآنية الداعية إلى التوحيد والناهية عن الشرك والتي تنطوي على الوعيد والتهديد إنما هي في مواجهتهم، وآيات النفاق برَّأ الله منها أصحاب محمد، وهي متوفرة في الروافض الباطنية، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)، وعن أبي هريرة قال: قال - صلى الله عليه وسلم - :(آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)، فهذه الحال وأسوء منها متوفرة فيهم!
4- ثم وصف الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأنه بشير ونذير لهم، أي ينذر من أشرك بالله ولم يعبده ولم يطع رسوله ويتبعه؛ عذاب يوم كبير الذي فيه النار والسلاسل والسعير؛ لأنه إليه المرجع، وله القدرة على كل شيء، ومنه بعثهم وجزاؤهم على ما كفروا وأشركوا وكذبوا بما تقدم ذكره.
ثم ذكر أنهم لم يستفيدوا من هذا الإنذار والوعيد الشديد، بل هم مصممون على الاستكبار والعناد، فقال:(ألا إنهم يثنون صدورهم)، يقال: ثنى صدره إذا اِزْورّ عن الشيء أعرض عنه وانحرف عنه، (ليستخفوا منه) ليستخفوا من الله الذي لا تخفى عليه خافية، والله يعلم كل أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم وما يسرون وما يعلنون، وسوف يحاسبهم ويجازيهم عليها.
والْحَاصل أنّ في هذه الآيات الثناء على القرآن الكريْم، والدعوة إلى عبادة الله وحده، ونبذ الشركاء، وإثبات أسماء الله الحسنى وصفاته من الحكمة وكونه الخبير بكل شيء، ومن العلم بكل شيء، والقدرة على كل شيء، وفيها إثبات رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتصديقه بأنه بشير من الله ونذير، وإثبات المعاد والجزاء.(1/312)
فيعمي هذا الرجل هواه وضلاله عما تضمنته هذه الآيات من المعاني العظيمة والعقائد الجليلة، ويقحم فيها عقيدته الفاسدة من تكفير أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - والافتراء عليهم بأنهم يحسدون علياً ويبغضونه من العهد المكي، (كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كذبا)! فوالله ما بيْن علي -رضي الله عنه- وبين إخوانه من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا المحبة والمودة والإخاء، كيف والقرآن ينزل على نبيهم وهم يَحْفظونه، ويربون أنفسهم على عقائده وأخلاقه، علاوة على تربية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم على القيم الرفيعة والأخلاق العالية.
الأمة المعدودة هم أصحاب القائم !
- قال القمي (1/322) :
" وقوله (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) قال: إن متعناهم في هذه الدنيا إلى خروج القائم فنردهم ونعذبهم (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) أي يقولون: أما لا يقوم القائم ولا يخرج على حد الاستهزاء فقال الله:(أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) ثم ساق إسناده المأفوك إلى علي -رضي الله عنه- قال: الأمة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر".
وقال العياشي (2/140-141):
"عن عبد الأعلى الحلبي قال: قال أبو جعفر -رحمه الله-: أصحاب القائم -رحمه الله- الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا، هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) قال يجمعون في ساعة واحدة قزعا كقزع الخريف". وأحال المحقق على البرهان والبحار والصافي.
قال:"وعن الحسين عن الخراز عن أبي عبد الله -رحمه الله- (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) قال: هو القائم وأصحابه". وأحال المحقق على البرهان والبحار والصافي.
أقول:(1/313)
أترى أشد إفكاً على الله تعالى وعلى كتابه الكريم وعلى عليّ -رضي الله عنه- وذريته من هؤلاء الروافض الباطنية؟!
فهل القرآن يشيد بالقائم المزعوم من العهد المكي؟! فإنّ سورة هود من السّور المكية، وهل كان الصراع بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش من أجل القائم الذي اخترعه الأفاكون بعد مائتين وستين عاماً من هجرة الرسول الكريْم وأصحابه؟!
يا له من إفك سخيف لا تجد له نظيراً إلا في أساطير اليونان والهندوك عن آلهتهم الْمُفتراة!!
إنّ هذه الآية من ضمن الآيات التي سلف ذكرها، وفيها بيانٌ لِحَال الْمُشْركين الْمُكذبين الْمُستهزئين بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن وما فيه من الوعيد بالعذاب الشديد في الدّنيا والآخرة واستعجالهم به، يقول تعالى:(ولئن أخرنا عنهم العذاب) الذي تقدم ذكره (إلى أمة معدودة) إلى طائفة من الأيام قليلة (ليقولون ما يحبسه) أي: أي شيء يمنعه من النزول استعجالاً له على جهة الاستهزاء والتكذيب.
(أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) أي ليس محبوساً عنهم، وأحاط بهم ما كانوا به يستهزئون، وهو العذاب الشديد.
فضيَّع الرّوافض هذه المعاني الجليلة الرهيبة بمعانيهم الفاسدة، وعقائدهم الخرافية الكاسدة!!
نزول جبريل بولاية علي عشية عرفة كما زعم الروافض!(1/314)
- قال العياشي (2/141-143): عن جابر بن أرقم عن أخيه زيد بن أرقم قال إن جبرئيل الروح الأمين نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بولاية علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عشية عرفة فضاق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة تكذيب أهل الإفك والنفاق فدعا قوما أنا فيهم فاستشارهم في ذلك يقوم به في الموسم فلم ندر ما نقول له و بكى صلى الله عليه وسلم، فقال له جبرئيل: ما لك يا محمد أ جزعت من أمر الله؟ فقال: كلا يا جبرئيل، ولكن قد علم ربي ما لقيت من قريش إذ لم يقروا لي بالرسالة حتى أمرني بجهادهم وأهبط إلي جنودا من السماء فنصروني فكيف يقرون لعلي من بعدي، فانصرف عنه جبرئيل فنزل عليه (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)".(1/315)
عن عمار بن سويد قال سمعت أبا عبد الله -رحمه الله- يقول في هذه الآية (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) إلى قوله (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل غديرا قال لعلي -رضي الله عنه-: إني سألت ربي أن يوالي بيني وبينك ففعل، وسألت ربي أن يواخي بيني وبينك ففعل، وسألت ربي أن يجعلك وصيي ففعل، فقال رجلان من قريش: والله لصاع من تمر في شن بال أحب إلينا مما سأل محمد ربه، فهلا سأله ملكا يعضده على عدوه أو كنزا يستعين به على فاقته، والله ما دعاه إلى باطل إلا إجابه له، فأنزل الله عليه (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) إلى آخر الآية قال ودعا رسول الله عليه وآله السلام لأمير المؤمنين في آخر صلاته رافعا بها صوته يسمع الناس يقول: اللهم هب لعلي المودة في صدور المؤمنين والهيبة والعظمة في صدور المنافقين، فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) بني أمية فقال: والله لَصَاعٌ من تمر في شن بال أحب إلي مما سأل محمد ربه، أفلا سأله ملكا يعضده أوكنزا يستظهر به على فاقته، فأنزل الله فيه عشر آيات من هود أولها (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) إلى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ولاية علي (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) إلى (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) في ولاية علي (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) لعلي ولايته (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) يعني فلانا وفلانا (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) رسول الله صلى(1/316)
الله عليه وسلم (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) أمير المؤمنين -رضي الله عنه- (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) قال كان ولاية علي في كتاب موسى (أولئك يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) في ولاية علي (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) إلى قوله (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) هم الأئمة -رحمهم الله- (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) إلى قوله (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر-رحمه الله- قال: الذي على بينة من ربه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين -رضي الله عنه- ثم أوصياؤه واحد بعد واحد.
عن جابر عن عبد الله بن يحيى قال سمعت علياًّ-رضي الله عنه-وهو يقول: ما من رجل من قريش إلا وقد أنزلت فيه آية أو آيتان من كتاب الله، فقال له رجل من القوم فما نزل فيك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أ ما تقرأ الآية التي في الهود (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) محمد صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه، وأنا الشاهد.
عن أبي عبيدة قال سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن قول الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) إلى قوله (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) فقال هم أربعة ملوك من قريش يتبع بعضهم بعضا".
- قال القمي (323-324):
" قوله (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ).(1/317)
فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن عمارة بن سويد عن أبي عبد الله -رحمه الله- أنه قال: سبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فقال لعلي يا علي إني سألت الله الليلة بأن يجعلك وزيري ففعل وسألته أن يجعلك وصيي ففعل وسألته أن يجعلك خليفتي في أمتي ففعل فقال رجل من أصحابه المنافقين: والله لصاع من تمر في شن بال أحب إلي مما سأل محمد ربه أ لا سأله ملكا يعضده أو مالا يستعين به على ما فيه ووالله ما دعا عليا قط إلى حق أو إلى باطل إلا أجابه فأنزل الله على رسوله (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) الآية
و قوله:(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعني قولهم: إن الله لم يأمره بولاية علي-رضي الله عنه- وإنما يقول من عنده فيه فقال الله عز وجل (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ) أي ولاية أمير المؤمنين -رضي الله عنه- من عند الله وقوله (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) قال: من عمل الخير على أن يعطيه الله ثوابه في الدنيا أعطاه ثوابه في الدنيا وكان له في الآخرة النار. وقوله (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) إلى قوله (لا يُؤْمِنُونَ).(1/318)
فإنه حدثني أبي عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن أبي بصير و الفضيل عن أبي جعفر -رحمه الله- قال إنما نزلت (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويتلوه شاهد منه إماما و رحمة) ومن قبله كتاب موسى أولئك يؤمنون به فقدموا وأخروا في التأليف.
وقوله:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) يعني بالأشهاد الأئمة -رحمهم الله- (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) لآل محمد صلى الله عليه وسلم حقهم وقوله (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً) يعني يصدون عن طريق الله وهي الإمامة (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) يعني حرفوها إلى غيرها وقوله (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) قال ما قدروا أن يسمعوا بذكر أمير المؤمنين-رضي الله عنه- و قوله (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ) أي بطل (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) يعني يوم القيامة بطل الذين دعوا غير أمير المؤمنين-رضي الله عنه- وقال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) أي تواضعوا لله وعبدوه وقوله (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ) يعني المؤمنين و الخاسرين".
وأقول:
في هذه النقول من الكذب والبهت على الله وعلى كتابه وعلى رسوله وعلى جبريل وعلى موسى والتوراة، وفيه من الطعن في الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ ما يخجل منه اليهود والنصارى!!
إنّ ولاية عليّ التي حرف لها دين الله وكتابه لمن افتراء الزنديق اليهودي ابن سبأ عليه لعائن الله، عليه وعلى من سار على نهجه ومات عليه!
وقد تقدم الكلام كرات ومرات على مثل هذا الإفك، فتذكر.(1/319)
وقال العياشي (2/144):"عن أبي الطفيل عن أبي جعفر عن أبيه -رحمهم الله- في قول الله (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) قال نزلت في العباس". وأحال المحقق على البرهان والصافي.
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر وأباه من هذا الإفك السّخيف!
إنّ الله تبارك وتعالى ذكر هذا القول عن نبيه نوح- عليه الصلاة والسلام- قاله لقومه الكافرين أظلم الأمم وأطغاها، والعباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصنو أبيه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجله إذ كان من أفاضل أصحابه، وكان الصحابة يوقرونه، وكان علي –رضي الله عنه– يوقره توقير الإبن لأبيه، وكذلك أهل البيت الكرام الشُّرفاء يوقرونه ويعرفون له منزلته من رسول اله - صلى الله عليه وسلم - .
قال العياشي (2/164):
"عن عبد الله بن غالب عن أبيه عن رجل قال: سألت علي بن الحسين رحمه الله عن قول الله (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) قال: عنى بذلك من خالفنا من هذه الأمة، وكلهم يخالف بعضهم بعضا في دينهم، وأما قوله (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ) فأولئك أولياؤنا من المؤمنين (ولذلك خلقهم) من الطينة الطيبة أما تسمع لقول إبراهيم (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ) قال: إيانا عنى و أولياءه و شيعته و شيعة وصيه قال (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) قال عنى بذلك والله من جحد وصيه ولم يتبعه من أمته، وكذلك والله حال هذه الأمة".
ثم ساق أيضاً خبراً آخر عن سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين نحو هذا النص.
أقول:
برَّأ الله الشّريف الصالح الورع المحبّ للصّحابة وخيار الأمة المحمدية من هذا الإفك والتحريف الذي ينضح حقداً على خيار هذه الأمة!!(1/320)
والرّوافض الباطنية لا يتولاهم عليّ بن الحسين ولا غيره من أهل البيت الأخيار، وحاشا علي بن الحسين أن يفتري على خليل الله إبراهيم فيقول عنه: إيانا عنى وأولياءه وشيعته وشيعة وصيه! فهل عليّ وصي إبراهيم أيضاً؟! وهل إبراهيم يخص بدعائه الروافض والباطنية؟! لقد استجاب الله دعوة إبراهيم في محمد وأصحابه الكرام وعلى رأسهم أبو بكر وعمر، والسيد الشريف علي بن الحسين يؤمن بهذا ويوقر أبا بكر وعمر وعثمان وسائر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويبغض من يبغضهم كالروافض وأمثالهم، ولا يؤمن بهذه الوصية التي افتراها ابن سبأ اليهودي وتابعه أحطُّ الخلائق الروافض.
قال تعالى:{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(هود: 118-119).
خلاصة معناهما: قال ابن كثير –رحمه الله- (7/488و489):"يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة من إيمان أوكفران، كما قال تعالى:{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً}(يونس: 99).
وقوله (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ) أي ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم.
وقال عكرمة: مختلفين في الهدى، وقال الحسن البصري: مختلفين في الرِّزق يسخّر بعضهم بعضاً، والمشهور الصّحيح الأول.(1/321)
وقوله:(إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ) أي: إلا المرحومين من أتباع الرسل، الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين، أخبرتهم به رسل الله إليهم، ولم يزل ذلك دأبهم حتى كان النبي الأمي خاتم الرسل والأنبياء، فاتبعوه وصدقوه ونصروه ووازروه، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة؛ لأنهم الفرقة الناجية، كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن من طرق يشدّ بعضها بعضاً:"إنّ اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإنّ النصارى افترقوا على اثنتين وسبعين فرقه، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحده، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي" رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة".
تفسير سورة الرَّعد
تفسير جنات عدن عند الروافض
- قال القمي (1/365):"وقوله (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)
قال: نزلت في الأئمة عليهم السلام و شيعتهم الذين صبروا.
وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال نحن صبرنا وشيعتنا أصبر منا لأنا صبرنا بعلم وصبروا على ما لا يعلمون.
وقوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ) قال: الذين آمنوا الشيعة، وذكر الله أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام ثم قال:(أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ)".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك والجهل والطّمع فيما في أيدي الناس واجتلابه بالحيل والدّجل كما يفعله رؤوس الروافض! وليست هذه الصلة هي ما يعطيه الروافض لرؤوسهم ولا هي الزكاة المفروضة وإنما هي صلة الأرحام والإحسان إليهم وإلى الفقراء والمساكين وبذل المعروف.
وأقول:(1/322)
هذه الآية من ضمن آيات في مدح المؤمنين الذين يعلمون أنّ ما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - حقّ لا شك فيه ولا باطل ولا تناقض، وهم أولوا الألباب أي العقول والنُّهى، لا في الروافض الذين هم ضد هؤلاء المؤمنين في كل صفاتهم.
قال تعالى:{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ. وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ. وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ. سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}(الرعد: 20-24).
ولما كان الروافض بضد هذه الأخلاق فروا من ذكرها بعد أن اختطفوا منها ما يمكن أن يلبسوا به على أتباعهم الجهلة العميان، ثم حرفوا معنى ما اختطفوه زاعمين أنه في الروافض وصارفين معناه عن أهله وهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعه بإحسان وتحلى بهذه الأخلاق الحسان!
ثم انظر كيف يفضل صبر الروافض على صبر الأئمة، وعلى ماذا صبروا؟! إنّ صبرهم على الباطل والإصرار عليه والتربص بالأمة الدوائر ثم تحيُّن الفرص، كما يفعل أعداء الإسلام من اليهود والمنافقين، فإذا سنحت لهم الفرص فعلوا بالأمة الأفاعيل من سفك الدماء وهتك الأعراض، كما يشهد عليهم واقعهم وتاريخهم وتاريخ المسلمين، فهذا الصبر لا يؤهلهم إلا للنار دار الفجرة الأشرار!!(1/323)
ثم قال القمي (1/365):
" ثم قال (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) أي حسن مرجع.
وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي ابن رئاب عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: طوبى شجرة في الجنة في دار أمير المؤمنين –رضي الله عنه- وليس أحد من شيعته إلا و في داره غصن من أغصانها وورقة من أوراقها يستظل تحتها أمة من الأمم.
وعنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر تقبيل فاطمة عليها السلام فأنكرت ذلك عائشة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إني لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فأكلت فحول الله ذلك ماء في ظهري فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فما قبلتها قط إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك السخيف!
طوبى في دار أمير المؤمنين في الجنة وأغصانها وأوراقها في دور الروافض؟!!
كيف تعطى هذه الميزة لعليّ وحده دون الأنبياء والمرسلين ومنهم محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الرسل عليهم الصلاة والسلام .
وتعطى هذه الميزة للروافض دون أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه المخلصين ودون أصحاب الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ودون الصديقين والشهداء والصالحين من أمم الأنبياء وهذه الأمة؟!(1/324)
ومن أقوال العلماء: أنّ طوبى هي سدرة المنتهى التي ذكرت في القرآن والسنة، قال تعالى عن رسوله ليلة الإسراء:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}(النجم: 11-18). فنص الله على هذه الشجرة بأنها سدرة المنتهى، وروى البخاري في كتاب بدء الخلق حديث (3207) حديث الإسراء عن أنس -رضي الله عنه- عن مالك بن صعصعة وهو حديث طويل ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - :"ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنه قلال هجر، وورقها كأنه آذان الفيول"، فهذه الشجرة وهي سدرة المنتهى نؤمن بما وصفها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنّ نبقها كأنه قلال هجر، وأنّ ورقها مثل آذان الفيلة.
... وما ذكر أنها في دار أمير المؤمنين، ولا ذكر أنها خاصة بعليّ وبشيعته المزعومين، ولا أنّ ورقة من أوراقها تستظلّ بها أمة! فوَصْفُ رسول الله هذه الشجرة وعدم تخصيصها بأحد يدلّ على كذب هذا الرجل وافترائه على أبي عبد الله، وعلى دسه هذا الكذب في تفسير كتاب الله، وما أكثر كذبه على الله وعلى كتابه وعلى أهل البيت!! وما أكثر تحريفه لكتاب الله!!
3- وقوله:(إن رسول الله كان يكثر من تقبيل فاطمة) افتراءُ عملٍ لا يليق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولعل القصد منه الطعن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - !(1/325)
4- وما نسبه إلى رسول الله من أنه أكل من شجرة طوبى فحوّل الله ذلك ماءً في ظهره فلما هبط إلى الأرض واقع خديجة فحملت بفاطمة فما قبلها قط إلا وجد رائحة شجرة طوبى منها (!)؛ فمن الكذب الواضح، إذ إنَّ الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه كان في حدود السنة العاشرة من الهجرة، وكانت ولادة فاطمة -رضي الله عنها- قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنوات، فعلى هذا القول تكون قصة الإسراء وعمر فاطمة خمس عشرة سنه، وقيل: إنها ولدت بعد البعثة بعام، فعلى هذا القول يكون عمرها تسع سنوات، وتوفيت وعمرها ثلاثون سنة في قول عبد الله بن الحسن بن الحسن، وفي قول: إنّ عمرها كان خمسا وعشرين سنة، وكلا القولين يفيد أنّ ولادتها قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إننا ننزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا الكلام الذي لا يقوله من هو دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف يقوله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتربع قمة الشرف والغيرة؟!
وقال العياشي (2/212):
"عن أبان بن تغلب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر تقبيل فاطمة، قال: فعاتبته على ذلك عائشة، فقالت: يا رسول الله إنك لتكثر تقبيل فاطمة فقال لها: ويلك لما أن عرج بي إلى السماء مر بي جبرئيل على شجرة طوبى، فناولني من ثمرها فأكلتها، فحول الله ذلك إلى ظهري، فلما أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة –رضي الله عنها- فما قبلت فاطمة إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها.
عن أبي حمزة عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: طوبى هي شجرة تخرج من جنة عدن غرسها ربنا بيده.
عن أبي قتيبة تميم بن ثابت عن ابن سيرين في قوله:(طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ) قال: طوبى شجرة في الجنة أصلها في حجرة علي و ليس في الجنة حجرة إلا فيها غصن من أغصانها". وأحال المحقق بهذه الروايات إلى البحار والبرهان.
أقول:(1/326)
وقد تقدم بيان زيف هذا الكلام في التعليق على رواية القمي، وفي روايات العياشي: أنّ الله غرس شجرة طوبى بيده، وفيها: أنّ في كل حجرة في الجنة غصن من أغصانها ولم يخصصها بالشيعة ولعل هذا بناء على أن الجنة كلها للشيعة!!
وما أدري كيف أدخل الروافض ابن سيرين معهم في هذا الإفك؟! ولعله لترويج كذبهم!
وقال العياشي (2/211):
"عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه عن آبائه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ذات يوم إذ دخلت عليه أم أيمن في ملحفتها شي ء فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم أيمن أي شي ء في ملحفتك؟ فقالت يا رسول الله: فلانة بنت فلانة أملكوها فنثروا عليها فأخذت من نثارها شيئا ثم إن أم أيمن بكت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ فقالت: فاطمة زوجتها فلم ينثر عليها شيئا(1)فقال لها رسول الله: لا تبكين(2)فو الذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا، لقد شهد أملاك فاطمة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في ألوف من الملائكة ولقد أمر الله طوبى فنثرت عليهم من حللها وسندسها وإستبرقها ودرها وزمردها وياقوتها وعطرها، فأخذوا منه حتى ما دروا ما يصنعون به، ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة، فهي في دار علي بن أبي طالب". وأحال المحقق إلى البحار والبرهان.
أقول:
ولماذا لا تكون هذه الشجرة في دار فاطمة؟! ولماذا لم يحصل مثل هذا الاحتفال الملائكي في زواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخديجة أو بعائشة؟! ولماذا لم يحصل مثله في ملاك بنات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟! وأين ذهبت هذه الحلل؟! وأين ذهب السندس والاستبرق والدرر والزمرد والياقوت؟! ولماذا لم يعلم الناس هذا الاحتفال وما رافقه ويختص بعلمه العياشي عن طريق عمرو بن شمر وجابر الجعفي؟!!
الظاهر أن هذه المكرمات كلها إنما هي من أجل الروافض والباطنية!!
__________
(1) كذا .(1/327)
وساق رواية أخرى عجيبة، وفيها أنّ طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار أمير المؤمنين! وأخرى عن عليّ -رضي الله عنه- وأنّ أصل شجرة طوبى في دار رسول الله! وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها! ولا ندري أي الروايات أرجح عند الروافض؟!
وقال العياشي (2/218):"عن إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد -رحمه الله- قال: ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته، فإن علم الله أنه من شيعتنا حجبه عن ذلك الشيطان وإن لم يكن من شيعتنا أثبت الشيطان إصبعه السبابة في دبره فكان مأبونا وذلك أن الذكر يخرج للوجه فإن كانت امرأة أثبت في فرجها فكانت فاجرة، فعند ذلك يبكي الصبي بكاء شديدا إذ هو خرج من بطن أمه، و الله بعد ذلك يمحو ما يشاء و يثبت وعنده أم الكتاب".
أقول:
لا يسع العاقل مسلماً كان أو غيره إلا أن يقف مبهوتاً أمام هذا الكلام الدال على خسة وفجور مفتريه!! وبرَّأ الله أبا عبد الله الشريف الأبيّ أن يقول هذا الكلام في تفسير كلام الله! وقد أحال المحقق على البحار والبرهان، وهذا أصبح عقيدة عند الروافض، إذ إنَّ عقيدتهم تتسع لمثل هذا الإفك المنحط ولأسوأ منه!
تفسير سورة إبراهيم
قال القمي (1/367) مفسراً قول الله تعالى (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) بقوله:"والصراط الطريق الواضح وإمامة الأئمة -رحمه الله-" وهذا تحريف لكلام الله، وقد ناقشناه في ما سلف.
... ثم قال:"وقوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ) قال أيام الله ثلاثة: يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة.
أقول:(1/328)
ما أقبح هذا التحريف! وإذا كان يوم القائم مراداً بهذه الآية فهل هو أعظم عند الله من محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن الأنبياء الذين بعثوا بعد موسى وقبله، فالآية لا تتناولهم في الدين الرافضي.
قال الشوكاني في فتح القدير (3/112):"أي بوقائعه، قال ابن السكيت: العرب تقول: الأيام في معنى الوقائع، يقال: فلان عالم بأيام العرب أي بوقائعها، وقال الزجاج: أي ذكرهم بنعم الله عليهم، وبنقم أيام الله التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود، والمعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد، (إنّ في ذلك) أي: في التذكير بأيام الله أو في نفس أيام الله (لآيات) لدلالات عظيمة دالة على التوحيد وكمال القدرة، (لكل صبار) أي كثير الصبر على المحن والمنح، (شكور): كثير الشكر للنعم التي أنعم الله بها عليه".
قارن بين تفسير أهل العلم والدين والتقى والاحترام لكلام الله وبين تفسير أهل الضلال والفجور والأهواء التي لا زاجر لها من التحريف والتلاعب.
وقال القمي (1/368):
"وقوله:(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) قال من لم يقر بولاية أمير المؤمنين -رضي الله عنه- بطل عمله مثل الرماد الذي يجي ء الريح فتحمله".
أقول:
هذا تلاعب بكلام الله وتحريف شنيع!
وفي هذه الآية مثل لضياع أعمال الكفار الذين كفروا بالله وباليوم الآخر وكذبوا الرسل وما جاؤوا به في كل زمان ومكان.
ولم يجىء رسول الله بولاية عليّ، ولا أوجب الله الإيمان بها، وإنما اخترعها ابن سبأ اليهودي الزنديق، فَيحَرّفُ كتاب الله عن معانيه العظيمة إلى ما افتراه هذا اليهودي وأتباعه الروافض الباطنية.
وقال العياشي (2/223-224):
"عن حريز عمن ذكره عن أبي جعفر في قول الله (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ) قال: هو الثاني وليس في القرآن شيء (وقال الشيطان) إلا وهو الثاني.(1/329)
عن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- أنه إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس في سبعين غلا وسبعين كبلاً فينظر الأول إلى زفر في عشرين ومائة كبل وعشرين ومائة غلّ فينظر إبليس فيقول: من هذا الذي أضعفه(1) الله له العذاب وأنا أغويت هذا الخلق جميعًا؟ فيقال: هذا زفر، فيقول: بما حدّدَ له هذا العذاب؟ فيقال: ببغيه على علي -رضي الله عنه- فيقول له إبليس: ويل لك وثبور لك، أما علمت أن الله أمرني بالسجود لآدم فعصيته، وسألته أن يجعل لي سلطاناً على محمد وأهل بيته وشيعته فلم يُجْبني إلى ذلك، وقال:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} وما عرفتهم حين استثناهم إذ قلت:(ولا تجد أكثرهم شاكرين) فَمنّتك به نفسك غروراً فتوقف بين يدي الخلائق فقال له: ما الذي كان منك إلى علي وإلى الخلق الذي اتبعوك على الخلاف ؟ فيقول الشيطان -وهو زفر- لإبليس: أنت أمرتني بذلك، فيقول له إبليس: فلم عصيت ربك وأطعتني؟ فيرد زفر عليه ما قال الله:(إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ) إلى آخر الآية. وأحال المحقق على البرهان والبحار.
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر وأبا عبد الله من هذا الإفك الذي لا يصدر مثله إلا من باطني حاقد على أفضل الخلق بعد الرسل عليهم الصلاة والسلام ألا وهما أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
__________
(1) - كذا(1/330)
وانظر إلى هذا الباطني كيف يفتري على الله وعلى كتابه، فيقول:"وليس في القرآن شيء (وقال الشيطان) إلا وهو الثاني (!)" يعني عمر هادم الصلبان ونيران المجوس، فحقد هذا المجوسي يدفعه إلى هذا الإفك الكبير الذي لا يدور بخيال اليهود والنصارى، ولهذا لا يذكر الشيطان هنا إلا باسم إبليس، فما قوله في قول الله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ}، وقول الله تعالى في حديثه عن آدم وحواء:{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}، وقوله تعالى:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا}، وقوله تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} .
الشيطان في هذه الآيات هو إبليس شيخ القمي وفرعون وكل أفاك أثيم، والآيات كثيرة في إطلاق لفظ الشيطان على إبليس اللعين في قصص إبراهيم وموسى وأيوب وغيرهم وفي مناسبات أخرى، ألا يدلّ هذا على أنّ الرجل مع إفكه الشّديد من أجهل الناس بالقرآن.
وانظر إلى هذا الباطني الحاقد كيف يسمي عمر- رضي الله عنه- له وعليه وعلى أبي جعفر بأنّ عذابه أشد من عذاب الشيطان! فالشيطان يؤتى به في سبعين غلا وسبعين كبلا وينظر الشيطان إلى زفر يعني عمر في عشرين ومائة كبل وعشرين ومائة غل (!) فيقول إبليس: من هذا الذي أضعف الله له العذاب وأنا أغويت هذا الخلق جميعاً؟ فيقال: هذا زفر! فيقول: بِمَ حدد له هذا العذاب؟ فيقال: ببغيه على عليّ!!(1/331)
وفي هذا الإفك أنّ الله شديد الظلم تعالى الله عن إفك عبيد الشيطان، فإبليس أضل معظم خلق الله فأوقعهم في الكفر والشرك والفواحش والزنا وشرب الخمر وعبادة البشر والأحجار والأشجار وقتل النفوس ...... إلخ، وعمر-رضي الله عنه- ذنبه أنه بايعه أصحاب محمد باختيارهم ورضاهم ومنهم عليّ وقد برهن على كفاءته العالية -رضي الله عنه- بعلمه وفقهه وعدله للقضاء على عباد الصليب في الشام وعلى الْمَجوسية وعباد النار فِي الْمَشرق، وله الفتوحات الواسعة التي ملأها عدلا، فهذا هو ذنب عمر -رضي الله عنه- عند أبناء المجوس وتلاميذ اليهود!
3- يقول الْخَسيس على لسان شيخه إبليس: إنّ الشيطان ما أذن له بإغواء أصدقائه الروافض، وبرَّأ الله أهل بيت مُحَمّد - صلى الله عليه وسلم - منهم، وما يضحك الشيطان على أمة من أهل الضلال كما يضحك ويغوي الروافض الباطنية، وهذا الكلام الذي نُحَاربه ما هو إلا قطرة من بَحْر إضلاله للروافض الباطنية.
وباقي هرائه غنيّ عن التعليق، ونقول: ألا لعنة الله على الظالِمِين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونَها عوجا، ولا أظلم لأصحاب مُحمد - صلى الله عليه وسلم - وخيار أمته من الروافض الباطنية، ولا أشد صدًا عن سبيل الله والقرآن منهم.
قال القمي (1/369):
" ثم قال عز و جل (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).(1/332)
... فحدثني أبِي عن الْحَسن بن مَحْبوب عن أبِي جعفر الأحول عن سلام بن الْمستنير عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: سألته عن قول الله (مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً) الآية قال الشجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلها نسبه ثابت فِي بَني هاشم وفرع الشجرة علي بن أبِي طالب-رضي الله عنه- وغصن الشجرة فاطمة -رضي الله عنها- وثَمرتَها الأئمة من ولد علي و فاطمة -رحمهم الله- وشيعتهم ورقها وإن المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة وإن المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة قلت: أرأيت قوله (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) قال يعني بذلك ما يفتون به الأئمة شيعتهم في كل حج وعمرة من الحلال والحرام.
ثم ضرب الله لأعداء محمد مثلا فقال (وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ).
و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: كذلك الكافرون لا تصعد أعمالهم إلى السماء و بنو أمية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد أعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم".
... وقال العياشي (2/224):"عن محمد بن علي الحلبي عن زرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله رحمهما الله في قول الله (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ) قال: يعني النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده هم الأصل الثابت والفرع الولاية لمن دخل فيها.
عن محمد بن يزيد قال سألت أبا عبد الله -رحمه الله- عن قول الله (وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلها، وأمير المؤمنين -رضي الله عنه- فرعها، والأئمة من ذريتهما أغصانها، وعلم الأئمة ثمرها، و شيعتهم ورقها، فهل ترى فيها فضلا؟ قلت: لا والله قال: والله إن المؤمن ليموت فتسقط ورقة".
أقول:(1/333)
1- برَّأ الله أبا جعفر من هذا التفسير للآية الكريمة الذي نسبه إليه القمي!
وذلك أنه راعى فيه النّسب الهاشمي، وأخرج بعض بني هاشم وفيهم حمزة بن عبد المطلب والعباس وذريته وآل عقيل وآل جعفر وآل علي من غير فاطمة وأكثر ذرية فاطمة! حيث لم ينص إلا على الأئمة الذين يغلو فيهم الروافض! أضف إلى ذلك أنه ما نصّ على النسب الهاشمي إلا لإخراج الصحابة من قريش وغيرهم، وإخراج سائر أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأدخل فيه الروافض فقط!
2- انقطعت فتوى الأئمة بموت الحسن العسكري من قرون متطاولة، فمن يفتي الشيعة طوال هذه القرون؟! إن قالوا: إنّ المهدي المنتظر هو الذي يفتيهم من سردابه، قلنا: هاتوا فتاواه وعلومه، وإن قالوا: يفتيهم نوابه، قلنا: كذبتم، فهاتوا الأدلة على هذه النيابة، ثم إنَّ النواب غير معصومين، فكيف تقبلون فتاواهم، فهل تعتقدون فيهم العصمة أيضاً؟!
3- يفتري القمي على أبي جعفر أنه حمل معنى الشجرة الخبيثة على أعداء محمد، ويقصد بهم الصحابة الكرام ومن سار على نهجهم! فهم كفار عند الروافض! ونقول: رمتني بدئها وانسلت، فشجرة الرفض من أخبث أنواع الضلال وأقذرها.
4- في الرواية الأولى للعياشي أنّ الأصل الثابت هو النبي والأئمة، والفرع هو الولاية فهي مخالفة لرواية القمي.
5- ورواية العياشي الثانية أنّ الأصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وعليّ هو الفرع، والأئمّة هم الأغصان، وهي مخالفة لما عند القمي وللرواية الأولى للعياشي نفسه! أضف إلى أنه أسقط فاطمة حيث اعتبرها في رواية القمي هي الغصن.
والروايات كلها كذب وتَحريف لكتاب الله، ومُخالفة لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1/334)
فالشجرة الطيبة المذكورة في الآية هي النخلة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آتى بقناع بسر فقال: مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة، قال:"هي النخلة". رواه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه، ورجح الترمذي وقفه على أنس.
يؤكده ما رواه الشيخان البخاري في التفسير حديث (4698) ومسلم حديث (2811) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"أخبروني بشجرة تشبه المؤمن أو كالرجل المسلم، لا يتحات ورقها لا صيفاً ولا شتاء، وتؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربها، قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم فلما، لم يقولوا شيئاً، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هي النخلة".
والشجرة الخبيثة فسرت بالحنظلة عند ابن حبان وغيره، فسقطت تهاويل الباطنية وأكاذيبهم.
قال القمي (1/371):
وأما قوله (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ) قال: إنما نزلت (ولولدي إسماعيل و إسحاق)". ...
وقال العياشي (2/235):
"عن جابر قال سألت أبا جعفر -رحمه الله- عن قول الله (رب اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ) قال: هذه كلمة صحفها الكتاب، إنما كان استغفاره لأبيه عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ وإنما قال (رب اغفر لي ولولدي) يعني إسماعيل وإسحاق، والحسن والحسين والله ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك والتحريف لكتاب الله! وإنما هذا من قول الباطنية وتحريفهم، وانظر إلى القمي حيث جعل كلمتي إسماعيل وإسحاق من الآية، أما العياشي فجعل إسماعيل وإسحاق تفسيراً لـ(وَلدَيّ).(1/335)
قال العياشي (2/235):"عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي(1)قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) إنما هي طاعة الإمام و طلبوا القتال فلما كتب عليهم القتال مع الحسين ( قالوا ربنا لو لا أخرتنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ ) أرادوا تأخير ذلك إلى القائم -رحمه الله-".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا التفسير الباطني!
1- انظر إلى هذا الباطني حيث فسر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المطلوبان من المؤمنين وهما أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين فسرها بطاعة الإمام! أليس هذا من أوضح الواضحات على باطنيته؟!
2- إنّ سورة إبراهيم مكية، وقد تلاعب بهذه الآية من سورة إبراهيم فحذف صدرها، وركب السياق من جزء من آية من سورة النساء، ومن جزء من سورة إبراهيم كما ترى!
ونص الآية من سورة إبراهيم:{وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ}(إبراهيم:44)، ثم قال تعالى في الآية بعدها:{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ}(إبراهيم: 45).
__________
(1) كذا! ونص الآية: (ألم تر إلى الذين)، وهي من سورة النساء فظنها من سورة إبراهيم!(1/336)
فالآيتان فيهما إنذار الكفار المكذبين للرسل وما جاءوا به والمنكرين للبعث والجزاء، وفيهما بيان حال الكفار عند مشاهدة العذاب، حيث يطلبون عند مشاهدته أن يرفع عنهم العذاب حتى يستجيبوا لدعوة الرسل ويؤمنوا بهم وبكل ما جاءوا به مما كانوا ينكرونه ويكذبون به، وفيها تقريع وتوبيخ لهم بقوله:{أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ}، والمراد أنهم كانوا ينكرون البعث والجزاء، ويعتقدون بأن ليس هناك إلا الحياة الدنيا، ومن تأنيبهم وتوبيخهم قوله تعالى:{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ}، أي إنكم قد علمتم ما أنزل الله بالكافرين المكذبين للرسل كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب من الهلاك والاستئصال والدمار، وعرفتم مساكنهم التي صرعوا فيها، فلم تعتبروا، ولم تنزجروا، فلا تنفعكم الأماني الآن، ولن يرفع عنكم العذاب الشديد، فمن أين أخذ هذا الباطني طاعة الإمام وطلب القتال مع الحسين وطلبهم المهلة إلى قيام القائم المزعوم؟! ألا إنها جرأة الملحدين في الكذب على الله، والجرأة على تحريف آياته، وإبطال معانيها التي أرادها الله!!
تفسير سورة النحل
قال القمي (1/383):
"وقوله عز وجل (وَعَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله -رحمه الله- قال: النجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلامات الأئمة -رحمهم الله-".
وقال العياشي (2/255):
"عن المفضل بن صالح عن بعض أصحابه عن أحدهما -رحمهما الله- في قوله (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) قال: هو أمير المؤمنين -رضي الله عنه-.(1/337)
عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قوله (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) قال: النجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلامات الأوصياء بهم يهتدون.
وساق روايات من هذا النوع من الإفك.
ثم قال:"وعن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قول الله (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) قال هم الأئمة".
وساق رواية في أن المراد بالنجم هو الجدي به يهتدون إلى القبلة.
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا التحريف والإفك الباطني! فالله يعدد نعمه على عباده ليعبدوه ويشكروه، ومن هذه النعم خلق السموات والأرض الدالة على قدرته، وخلق الإنسان، والأنعام منها يأكلون ولهم فيها منافع وجمال، وخلق الخيل والبغال والحمير ليركبوها وزينة، وبيّن أنه ينزل ماء منه شراب، ومنه شجر فيه يسيمون، وينبت الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات.
ثم قال:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، ثم قال:(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ)، وذكر تسخير البحر والجبال، ثم قال:(وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ).
ذكر الله هذه المخلوقات الكثيرة والعظيمة الدالة على علم الله الشامل، وقدرته التي لا يستعصي عليها شيء، وفي هذه المخلوقات نعم عظيمة على الإنسان تستوجب شكر الله بعبادته والخضوع والانقياد له ونبذ عبادة ما سواه؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا يملكون ذلك لغيرهم.(1/338)
وفي هذه الآيات من النعم العظيمة التي لا يدركها إلا المؤمنون العقلاء الشاكرون، ولا تدركها ولا الغاية منها العقول الجاهلة المنكوسة كعقل هذين الباطنيين الذين لم يستفيدا من هذه الآيات العظيمة، ذلك لأنهما مشدودان إلى عقيدتهما الباطلة في الأئمة، فذهبا يحرفان ما زين لهما الشيطان تحريفه، ألا وهو قوله:(وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) فقال القمي:"النجم هو رسول الله! والعلامات الأئمة!"، وتخبط العياشي في ذلك، فتارة يقول:"النجم هو الإمام!"، وتارة يقول:"النجم هو رسول الله، والعلامات الأوصياء!"، وتارة يقول:"الجدي"!! .
والحق أنّ المراد بالنجم جنس النجوم يهتدون بها في أسفارهم، والعلامات الجبال ومعالم الطرق، وهي أيضاً مما يهتدون به في أسفارهم كما بين الله حكمته في كل ما عدده من المخلوقات.
فقال في الأنعام:(وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ).
وقال:(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً).
وهكذا بيّن الحكمة من كل المخلوقات التي عددها الله في هذه السورة.
فعدد هذه المخلوقات التي سخرها للإنسان وأنعم بها عليه، وبيّن حكمتها ومنافعها.
قال القمي (1/383):(1/339)
"حدثني جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر -رحمه الله- يقول في قوله (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) يعني أنهم لا يؤمنون بالرجعة أنها حق (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) يعني أنها كافرة (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) يعني أنهم عن ولاية علي مستكبرون (لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) عن ولاية علي و قال نزلت هذه الآية هكذا (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم في علي قالوا أساطير الأولين).
و قال علي بن إبراهيم فقال الله عز و جل (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) قال يحملون آثامهم يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين -رضي الله عنه- وآثام كل من اقتدى بهم.
وهو قول الصادق -رحمه الله- والله ما أهريقت محجمة من دم ولا قرع عصا بعصا ولا غصب فرج حرام ولا أخذ مال من غير حله إلا ووزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العاملين بشي ء".
أقول: برَّأ الله أبا جعفر الصادق من هذا الإفك والتحريف لكتاب الله!
1- انظر أي جريمة ارتكبها هذا الباطني! آيات تقرر التوحيد والبعث والجزاء، وتندّد بالشرك، وتقرع الكافرين على كفرهم وشركهم، وتذمهم ذما شديدا، وتصفهم بأنّ قلوبهم منكرة وهم مستكبرون، وتتوعدهم الوعيد الشديد على كفرهم وأعمالهم وأقوالهم الكفرية، فيحرفها إلى عقيدته الخبيثة!(1/340)
قال تعالى:(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ. لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ. وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ. لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ)(سورة النحل: 20-25).
2- انظر إلى هذه العقائد والمعاني التي تزلزل الجبال، وترتجف عندها قلوب الذين يخشون ربهم وتخشع قلوبهم وأجسادهم، كيف يتجرأ هذا الباطني فيحرف ويخرف بأكاذيبه ويذهب بِمعانيها إلى عقائده التي أملاها على الروافض الشياطين واليهود، ومنها الرجعة والولاية التي يطعنون بها في أفضل خلق الله بعد الأنبياء؟! انظر إلى قوله الأثيم فيهم حيث حول وعيد الله للكفار عبدة الأوثان والمنكرين للبعث والجزاء كبراً وعناداً يحول ذلك عنهم إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - !!
3- انظر إلى قوله في تفسير قول الله عن الكفار:(لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم) كيف يحملها على أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم! فيدعي عدو الله أنهم غصبوا علياًَّّ حقه، وأنهم يحملون آثامهم وآثام من اقتدى بهم، وينسب ذلك إلى جعفر الصادق -برَّأه الله-، فيقول على لسانه:"والله ما أهريقت محجمة من دم ...إلخ"ً!!(1/341)
وكذب عدو الله القمي الباطني، فالآية نزلت في العهد المكي، وما فيها من وعيد فإنما هو وعيد للكفار الذين كذبوا رسول الله، وكذبوا أبا بكر وأصحابه، وآذوهم أشد ألوان الأذى، وقد تحمل أبو بكر وإخوانه ألوان الأذى في سبيل الله وفي نصرة رسوله في العهد المكي والمدني وبعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقاموا بأعباء الجهاد ونشر الإسلام في أصقاع الأرض، وهدى الله على أيديهم أمماً، فلهم أجرهم إن شاء الله وأجر كلّ من هدى الله على أيديهم. ...
وعلى هذا الباطني إثمه الذي يفوق آثام عتاة اليهود والنصارى، وإثم من اتبعه في كفره وضلاله وتضليله وتحريفه إلى يوم القيامة، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"منّ سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من تبعه إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من تبعه إلى يوم القيامة".
وقال تعالى هنا في أمثال هذا الباطني من المضلين:(لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم).
قال العياشي (2/256-257):(1/342)
"عن جابر عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: سألته عن هذه الآية (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيام يبعثون) قال: الذين يدعون من دون الله الأول والثاني والثالث كذَّبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله والوا علياً واتبعوه فعادوا علياً ولم يوالوه ودعوا الناس إلى ولاية أنفسهم فذلك قول الله (والذين يدعون من دون الله) قال: وأما قوله:(لا يخلقون شيئاً) فإنه يعني لا يعبدون شيئاً (وهم يخلقون) فإنه يعني وهم يعبدون، وأما قوله (أموات غير أحياء) يعني كفار غير مؤمنين، وأما قوله (وما يشعرون أيام يبعثون) فإنه يعني أنهم لا يؤمنون أنهم يشركون، إلهكم إله واحد، فإنه كما قال الله، وأما قوله:(الذين لا يؤمنون) فإنه يعني لا يؤمنون بالرجعة أنها حق ، وأما قوله (قلوبهم منكرة) فإنه يعني قلوبهم كافرة، وأما قوله (وهم مستكبرون) فإنه يعني عن ولاية علي مستكبرون، قال الله لمن فعل ذلك وعيداً منه (لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين) عن ولاية علي -رضي الله عنه-".
أقول:(1/343)
1-كذب عدو الله البليد، فالآية مكية وهي تحمل تحقيراً للأوثان التي كان يعبدها من كذَّب رسول الله فيما جاء به من عقائد التوحيد والإيمان والبعث والجزاء والحلال والحرام، وما ذكر الله في القرآن كله كلمة واحدة في ولاية عليّ، ولا ذكر رسول الله كلمة واحدة في ولايته، وإنما اخترع ذلك ابن سبأ، وقد ترك رسول الله لأصحابه العقلاء النّجباء النّزهاء حريّة اختيار من شاؤوا لخلافته للقيام بأعباء الإسلام، فاختاروا أفضلهم وأعلمهم وأشجعهم وأكفأهم، ألا وهو أبو بكر الصديق، فأثبت جدارته وكفاءته بأعماله الجليلة، ومنها تصميمه على قتال أهل الردة، فقاتلهم حتى قتل عتاتَهم، وعاد الباقون إلى حظيرة الإسلام، واختار لهم أكفأ الناس عمر الفاروق الذي فتح الفتوحات الإسلامية الكبرى، وملأ الدنيا عدلاً، واختار أصحاب محمد بعده عثمان الذي تستحي منه الملائكة، وفتح الفتوحات، ونشر العدل، فتألب عليه السفهاء والمنافقون ممن تأثروا بفكر ابن سبأ ليقتلوه، فأقام عليهم الحجج، وأبطل دعاواهم وشبهاتهم، ولكن القوم صمَّموا على قتله، فلم يدافع عن نفسه، ولم يسمح لأحد أن يقاومهم؛ حقناً منه للدماء، فقتل مظلوماً شهيداً.
وجاءت نوبة عليّ، فعرف الصحابة أنه أحقهم بالخلافة فبايعوه، وواجه فتناً، وأشدها فتنة الخوارج، فقتلهم، وأشدها أيضاً عليه فتنة من كان يظهر له الولاء من الشيعة، فمنهم من أظهر إلحاده فأحرقهم بالنار، ومنهم من كان يخذله في وقت الجد حتى قتل شهيداً –رضي الله عنه-.
والشاهد أنّ قضية الولاية لعليّ والوصاية له لا وجود لها في القرآن والسنة، وإنما في الإسلام الولاية للأكفاء باختيار المسلمين، ولما جاءت نوبة عليّ اختاره الصحابة وبايعوه، كما اختاروا من سبقهم وبايعوهم باختيارهم.(1/344)
فانظر إلى هؤلاء الروافض الباطنية كيف ملأوا الدنيا كذباً وزوراً بهذه الولاية، وفرقوا بها الأمة، وأفسدوا أجيالاً، وحرفوا القرآن الكريم ولا سيما آيات التوحيد وآيات الذم والتكفير والوعيد؛ لأجل الولاية التي افتعلها الزنديق اليهودي ابن سبأ، وتابعه شرار خلق الله الروافض، فارتكبوا الْمُقحمات من تحريف كتاب الله ومن طعن وتكفير لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير أمة أخرجت للناس ظلماً من الروافض الباطنية وبغياً.
2- إنّ الله يريد تسفيه الكفار عباد الأصنام والأوثان، ويريد بيان جهلهم وضلالهم وعدم إدراكهم حتى للبدهيات، كيف يَدْعون أي: يعبدون من دون الله من لا يخلق شيئاً من ذرة فما دونها، بل هم مخلوقون، بل هم مما صنعته أيدي هؤلاء المشركين! ومن كفرهم وضلالهم تكذيب القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث عن البعث والجزاء، واستكبارهم واستنكار قلوبهم لذلك، إلى آخر ما ذم الله به المشركين.
انظر إلى تحريف الباطنية لهذه البدهيات، فجعلوا دعاء المشركين لمعبوداتهم بيعة أبي بكر وعمر وعثمان، وفسروا قوله تعالى عن الأصنام:(لا يخلقون شيئاً) بقوله لا يعبدون شيئاً، وفسروا قول الله عن الأصنام بقوله:"فإنه يعني وهم يعبدون.."، إلى آخر تَحريفاته الْمُستهترة بكتاب الله والْمُخزية لفاعليها.
قال القمي (1/384) بعد طعن خبيث فٍي أبي بكر وبني أمية:(1/345)
"وحدثني أبِي عن مُحمد بن أبِي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر - رحمه الله- في قوله (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) قال ثبت مكرهم أي: ماتوا فألقاهم الله في النار وهو مثل لأعداء آل محمد عليه وعليهم السلام (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَ يَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) قال الذين أوتوا العلم الأئمة –رحمهم الله- يقولون لأعدائهم أين شركاؤكم و من أطعتموهم في الدنيا ثم قال فيهم أيضا (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) أي: سلَّموا لما أصابهم من البلاء ثم يقولون (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) فرد الله عليهم فقال (بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)ثم ذكر المؤمنين فقال (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قوله طَيِّبِينَ قال هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم في الدنيا".
أقول:(1/346)
هذه الآية نزلت في العهد المكي في ذم الكفار وتحذيرهم مما نزل بأعداء الرسل في الدنيا من العذاب والبطش الشديد وفي وعيدهم، وإنّ الله سيقرعهم ويوبخهم يوم القيامة على كذبهم وشركهم ومكرهم وتكذيبهم لرسله عليهم الصلاة والسلام، وقد استفاد الصّحابة الكرام من هذه الآيات وما شابهاها فاستقامت حياتهم وعقائدهم وأخلاقهم، واستفاد منها أتباعهم المخلصون، وضل بها الروافض والباطنية، فلم يستفيدوا منها، ولم يهتدوا بهداها، فذهبوا يحرفونها ويقلبون معانيها على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فكل آية فيها وعيد وذم يجعلونها في أصحاب محمد، وكل آية فيها تكفير يجعلونها في أصحاب محمد، وكل آية فيها مدح ووعد يجعلونها لهم ولآل محمد فقط، والصالحون من آل محمد يستحقون المدح والثناء، لكنهم مع الصحابة وسائر المؤمنين، لا مع الروافض الباطنية وأتباعهم.
... انظر إلى ما فعل هذا الباطني الحاقد:
1- جعل أصحاب محمد أصحاب مكر، أي بعليّ وأهل البيت.
2- حمل قول الله للمشركين:(أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) على أصحاب محمد! والشركاء يعني بهم أبا بكر وعمر وعثمان!
3- وحمل قوله تعالى:(قال الذين أوتوا العلم) على الأئمة فجوراً منه، إذ المقصود بالعلماء الأنبياء والعلماء العاملون من أتباعهم وعلى رأسهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فتخصيص العلماء بالأئمة كذب على الله يضاف إلى أكاذيب وترهات لا تصدر إلا من أمثال هذا الباطني الحاقد، وإن الخزي والسوء يوم القيامة إن شاء الله لنازل بهذا الباطني وأمثاله.(1/347)
4- انظر إلى قوله:"(طيبين) قال هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم في الدنيا"، فإنه يريد بهم الروافض الذين يستبيحون الزنا باسم المتعة، فإنهم عند الروافض هم الذين طابت مواليدهم، أما غيرهم من المؤمنين أهل السنة فهم عندهم كفار! وأبناء زنى! ونساؤهم زوان! ورجالهم لوطيون! ولقد مر بك وبغيرك هذا الإجرام الذي يتنزه عنه اليهود والنصارى وسائر الوثنيين.
وقال القمي (1/385):
"وقوله (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
فإنه حدثني أبي عن بعض رجاله يرفعه إلى أبي عبد الله –رحمه الله- قال: ما يقول الناس فيها؟ قال: يقولون نزلت في الكفار قال: إن الكفار كانوا لا يحلفون بالله و إنما نزلت في قوم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قيل: لهم ترجعون بعد الموت قبل القيامة فحلفوا أنَهم لا يرجعون فرد الله عليهم فقال:(لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) يعني: في الرجعة يردهم فيقتلهم و يشفي صدور المؤمنين فيهم".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك والتحريف الْمُخزي، فإنّ الآية إنما يقصد الله بها الكفار الذين كذبوا الرسل فيما جاؤوا به من التوحيد، والنهي عن الشرك، وما جاؤوا به من أخبار الوعيد والبعث والجزاء يوم القيامة التي يبعث الله فيها الأولين والآخرين، ويجازيهم على ما قدموا في الحياة الدنيا من خير وشر، ثم الآيات في العهد المكي قبل أن يولد من يدّعى له الرجعة الموصوف بالقائم بأكثر من مائتين وستين سنة.
إذ الرجعة لهذا القائم إنما افتعلها الروافض الباطنيون من بعد هذا التاريخ، وهي منأاكذب الكذب، وأفجر الفجور، لا حقيقة لها وأبداً لن تكون(1).
__________
(1) وإن كان أصلها مأخوذ عن ابن سبأ اليهودي الزنديق.(1/348)
وانظر إلى الحقد الكامن في نفسه ونفوس الروافض حيث يقول: فيقتلهم ويشفي صدور المؤمنين، أي فيقتل أبا بكر وعمر وستة آلاف من قريش ليشفي صدور الروافض والباطنية، وهو من أوقح الأكاذيب التي يضحكون بها على أتباعهم المغفلين.
وقوله:(إن الكفار ما كانوا يحلفون بالله) كذبٌ منه ومكابرة، فهم يعرفون الله ويتقربون إليه بالحج وأنواع من البر، ويحلفون ويقولون عن شركائهم:(مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى).
وقال تعالى عنهم:(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، وهناك آيات من هذا النوع.
قال العياشي (2/257):" عن أبي حمزة عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: نزل جبرئيل هذه الآية هكذا (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم) في علي (قالوا أساطير الأولين) [يعنون بني إسرائيل].
عن جابر عن أبي جعفر -رحمه الله- في قوله (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ في علي قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) سجع أهل الجاهلية في جاهليتهم، فذلك قوله:(أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). وأما قوله (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) فإنه يعني ليتكلموا الكفر يوم القيامة و أما قوله:(وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعني يتحملون كفر الذين يتولونهم".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك والافتراء على الله، وإنما هذا من إفك الباطنية الروافض الذين قام دينهم على الكذب على الله، وتحريف كتابه، وتكفير خير أمة أخرجت للناس: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والافتراء عليهم، وتقويلهم ما لم يقولوا.
انظر كيف أقحم الأفاكون اسم عليّ في كلام الله كذباً على الله وافتراء؛ ليتوصلوا بذلك إلى تكفير أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ولتثبيت فرية ابن سبأ في الولاية.(1/349)
ووالله إنّ كذبهم على الله ليفوق الأساطير، وإنّ من كذب هؤلاء وتحريفهم صرف الكفر والتكذيب عن أهله الذين كذبوا القرآن وقالوا عنه أساطير الأولين إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين آمنوا بالقرآن كله وحفظوه ونشروه كما أنزل الله، وجاهدوا الناس ليؤمنوا وليعملوا، فهدى على أيديهم أمما وشعوبا، فآمنوا بهذا القرآن وعملوا به.
قال العياشي (2/259):
"عن أبي بصير عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قوله (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ) قال: ما يقولون فيها؟ قلت: يزعمون أن المشركين كانوا يحلفون لرسول الله إن الله لا يبعث الموتى قال تبا لمن قال هذا ويلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات و العزى قلت: جعلت فداك فأوجدنيه أعرفه، قال: لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قبايع سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا، فيقولون بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم فيبلغ ذلك قوما من أعدائنا فيقولون يا معشر الشيعة ما أكذبكم، هذه دولتكم و أنتم تكذبون فيها، لا والله ما عاشوا ولا تعيشوا إلى يوم القيامة، فحكى الله قولهم فقال:(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ)". وأحال المحقق إلى البرهان والبحار ، وذكر روايتين أخريين تدوران حول الرجعة.
أقول:
انظر إلى الفرق بين هذا النص والنص الذي قبله، وكلاهما منسوبان إلى أبي عبد الله الصّادق برّأه الله مما فيهما من الكذب على الله وعلى كتابه .
وقد تكلمنا في الرد على هذا الإفك والتحريف، وبيّنا خرافة الرجعة فيما سلف مرات عديدة، ويعجبني قوله في هذه الشيعة: ما أكذبكم! وهذا حقّ فإنهم أكذب البشر، ومن كذبهم هذه الروايات والأساطير أو الأسطورة التي بين أيدينا.
وقال العياشي (2/ 259-260):(1/350)
"عن سيرين قال كنت عند أبي عبد الله -رحمه الله- إذ قال ما يقول الناس في هذه الآية (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ) قال: يقولون لا قيامة ولا بعث ولا نشور، فقال: كذبوا والله إنما ذلك إذا قام القائم وكر معه المكرون فقال أهل خلافكم قد ظهرت دولتكم يا معشر الشيعة وهذا من كذبكم، يقولون رجع فلان وفلان وفلان لا والله لا يبعث الله من يموت ألا ترى أنهم قالوا (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) كانت المشركون أشد تعظيما باللات والعزى من أن يقسموا بغيرها فقال الله:(بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)"(1).
__________
(1) هكذا نص الآية ولكن العياشي كتبها (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا لِنُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وليس بغريب منه ولا من الروافض.(1/351)
وقال العياشي (2/261):"عن إبراهيم بن عمر عمن سمع أبا جعفر -رحمه الله- يقول إن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين -رضي الله عنه-، ثم صار عند محمد بن علي -رضي الله عنه-،ثم يفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة رجل ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم عامدا إلى المدينة حتى يمر بالبيداء فيقول هذا مكان القوم الذين خسف الله بهم، وهي الآية التي قال الله:(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ)
عن ابن سنان عن أبي عبد الله -رحمه الله- سئل عن قول الله (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) قال هم أعداء الله وهم يمسخون ويقذفون ويسيحون في الأرض".
أقول:
هذه الرواية تهدم عقيدة الروافض بأنّ عدد أئمتهم اثنا عشر إماماً، فهذه الرواية تحصر إمامتهم في خمسة: عليّ والحسن والحسين والاثنين المذكورين في هذه الرواية، فحتى أبو عبد الله جعفر الصادق لا يدخل في الأئمة ولا يعتبر من المعصومين عندهم، فكل ما ينقلونه من أقوله التي لم تصله بالأسانيد الصحيحة إلى رسول الله تكون باطلة وما أكثرها.
هذا وإن كنّا نعتقد أنّ كل ما ينسبونه إلى الأئمة كذب إلا أنّ هذه الرواية تهدم أكثر أباطيلهم على مذهبهم.
أقول:
يقصد العياشي في هذه الرواية أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وكل من يخالف دينهم من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا من فجور الرافضة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه عمداً كحال أسلافهم اليهود، قال الله تعالى فيهم:{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.(1/352)
... ووالله إنّ الروافض الباطنية لأكثر وأكثر وأشدّ تحريفاً لكلام الله من اليهود والنصارى، وفي هذه الرواية أنّ عدد أصحاب القائم المزعوم حين يقوم ثلاثمائة، وفي بعض رواياتهم ثلاثمائة، وفي بعضها أنّ عدد الملائكة الذين يكونون جنوداً له خمسة آلاف وعلى رأسهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وهؤلاء غير جنوده الذين يفرقهم في الأرض.
وفي بصائر الدرجات:"إن في المشرق مدينة اسمها جابلقالها (12000) باب من ذهب على كل باب برج فيه (12000) مقاتل يسحذون السيوف ينتظرون قائماً" بواسطة كتاب تبديد الظلام ص/57.
وهذه القوة الضاربة التي لا نظير لها كلها تنتظر قائم الروافض، ومع طول انتظارهم وتعبهم في شحذ سيوفهم لم يخرج هذا المهدي! ألا يدلّ هذا على إفك شيوخ الرفض! ذلك الإفك الذي لا يلحقهم فيه أمة من أمم الضلال! فبأيّ الروايات يأخذ أتباعهم؟!
قال العياشي (2/258):
"عن خطاب بن مسلمة قال: قال أبو جعفر –رحمه الله- ما بعث الله نبيا قط إلا بولايتنا والبراءة من عدونا، وذلك قول الله في كتابه (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا منهم أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) بتكذيبهم آل محمد، ثم قال:(فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(1)".
وأحال المحقق على البرهان والصافي.
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك المخزي.
__________
(1) هكذا نص الآية ولكن العياشي كتبها (قل سيروا) .(1/353)
إنَّ الله خلق الجن والإنس لعبادته وحده، ونبذ عبادة ما سواه، ووعد المؤمنين بتوحيده وعبادته وبسائر ما جاءت به الرسل بجنة عرضها السموات والأرض، وأعد للمكذبين بتوحيده وبما جاء به الرسل والعابدين للطواغيت بنار وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين، وما بعث الله أحداً أبداً بما قاله هذا الأفاك، ولا كان للرسل علم به أبداً، ولا خطر على بال أحدهم، ولا على بال أحد من أتباعهم، ولا على بال رسول الله وأصحابه، ولا على بال أهل البيت أنفسهم هذا الحقد الذي اخترعه لهم الروافض والباطنية، وعلى أهل البيت أن يؤمنوا بالرسل وبما جاؤا به من التوحيد وغيره، وأن يحاربوا الشرك الذي يمارسه الوثنيون والروافض.
ثم إنّ أهل البيت ما هم إلا من أفراد المسلمين، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين.
انظر مرة أخرى كيف يحاول الروافض الباطنيون أن يضيّعوا حقّ الله الذي ما خلق السّماوات والأرض وخلق الجن والإنس إلا لأجله، وما أرسل الرسل وأنزل الكتب وشرع الجهاد إلا لإعلاء كلمة التوحيد، فيأتي هذا الباطني فيجحد حقّ الله العظيم على جميع خلقه أولهم وآخرهم، ويتقرب بهذا الجحود إلى آل محمد، ويجعل الأنبياء كلهم مجندين لولاية آل محمد التي افتعلها الروافض، وعلى الأنبياء جميعاً أن يعادوا من لم يؤمن بهذه الخرافة، فهي واجب الرسل جميعاً أولهم وآخرهم عند الروافض، ولا عليهم على مذهب هذا الباطني ألاَّ يدعوا الناس إلى عبادة الله وحده وإلى اجتناب الطواغيت! قاتل الله الضلال وأهله كيف يتلاعب بهم الشيطان! وكيف يجندهم لتحريف كتاب الله!
قال العياشي (2/261):
"عن أبي بصير قال سَمِعت أبا عبد الله –رحمه الله- يقول:(وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ) يعني بذلك ولا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد".
وأحال المحقق على البرهان والصافي.
أقول:(1/354)
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك والتحريف العظيم الذي يتقاعس عن مثله اليهود والنصارى.
إنّ الله يريد بهذه الآية تقرير ألوهية الله وعبادته وحده ونبذ عبادة ما سواه من الأوثان وغيرها، فيأتي الروافض الباطنيون الذين يبدو من تحريفهم لآيات التوحيد أنهم لا يؤمنون بألوهية الله وإنما يؤلهون علياً تحت ستار الإمامة، وإلا فما هذه المحاربة للقرآن ولآيات التوحيد؟! وما هذه الجرأة التي تفردوا بها على تحريف كتاب الله إلى هذه الدرجة؟!
قال القمي (1/387):
"وحدثني أبي عن الحسن بن علي الوشاء عن رجل عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله –رحمه الله- في قوله (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) قال نحن النحل التي أوحى الله إليها (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة وَ(مِنَ الشَّجَرِ) يقول من العجم (وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) يقول: من الموالي و الذي (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) العلم الذي يخرج منا إليكم".
قال العياشي (2/263):
"عن محمد بن يوسف عن أبيه قال سألت أبا جعفر –رحمه الله- عن قول الله (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) قال إلهام.
عن أبي بصير عن أبي عبد الله –رحمه الله- قال لعقة العسل فيه شفاء قال:(مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ).(1/355)
عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله -رحمه الله - في قوله (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) إلى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فالنحل الأئمة والجبال العرب، والشجر الموالي عتاقه، ومما يعرشون يعني الأولاد والعبيد ممن لم يعتق، وهو يتولى الله ورسوله و الأئمة، والثمرات المختلف ألوانه فنون العلم الذي قد يعلم الأئمة شيعتهم، (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) يقول: في العلم شفاء للناس، والشيعة هم الناس، وغيرهم الله أعلم بهم ما هم؟ (ولو كان كما يزعم أنه العسل الذي يأكله الناس إذا ما أكل منه و لا شرب ذو عاهة إلا برأ لقول الله (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) ولا خلف لقول الله، وإنما الشفاء في علم القرآن لقوله:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) فهو شفاء ورحمة لأهله لا شك فيه و لا مرية. وأهله الأئمة(1)الهدى الذين قال الله:(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا)".
أقول:
برَّأ الله أبا جعفر وأبا عبد الله من هذا الإفك والافتراء على كتاب الله وتحريفه على طريقة الزنادقة الباطنية، فكم وكم افتروا عليهما من الأكاذيب والتحريفات الباطنية لكتاب الله العزيز.
النّحل نوع من الذباب، فكيف يقول أبو جعفر وأبو عبد الله إننا أهل البيت من أنواع الذباب.
والجبال التي أمر الله النّحل أن يتخذوا منها بيوتاً هي هذه الجبال التي هي من آيات الله ونعمه على عباده، حيث جعلها رواسي وأوتادا لهذه الأرض التي يعيشون عليها.
__________
(1) كذا.(1/356)
والشّجر هو من نعم الله التي أنعم بها على عباده، والثّمرات كذلك، والشّراب المختلف ألوانه هو العسل المعروف عند الناس، وفيه شفاء للناس بإذن الله، وهذا شيءٌ ملموسٌ يؤمن به المؤمنون ويعيشونه، ولو فهم منه العموم -وليس كذلك- كسائر العمومات ينطبق عليها القول: لكل قاعدة استثناء، وكذلك العمومات كقوله تعالى عن الريح التي أهلك بها عاداً قوم هود:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}، فاستثنى من عموم "كل شيء" المساكن.
وكقوله تعالى عن ملكة سبأ:(وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ)، أي مما يحتاجه الملوك، مع أنّ ملكها ضئيل جداً أمام ملك سليمان -عليه الصلاة والسلام–، ولذا بهرها بعض ما شاهدت من ملك سليمان، فقالت:(رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
قررتُ هذا لإبطال ما قاله العياشي من تكذيب للقرآن:"ولو كان كما يزعم أن العسل الذي يأكله الناس إذا ما أكل ولا شرب ذو عاهة إلا برئ لقول الله (فيه شفاء للناس)"، ونقول صدق الله وكذب هذا الباطني وأمثاله، فإنَّ الله قال:(فيه شفاء)، وهو لا يفيد العموم، إذ النكرة في سياق الإثبات لا تفيد العموم، هذا من الناحية اللغوية.
قال بعض من تكلم في الطب النبوي:"لو قال فيه الشّفاء للناس لكان دواء لكلّ داء، ولكن قال:(فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) أي يصلح لكل أحد من أدواء باردة، فإنه حار والشيء يداوى بضده(1)".
__________
(1) تفسير ابن كثير (8/326).(1/357)
وقد نصح به رسول - صلى الله عليه وسلم - مريضاً مصاباً بالإسهال فقال لأخيه اسقه عسلاً، فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يارسول الله سقيته عسلاً فما زاده إلا استطلاقاً، فقال رسول الله:"اذهب فاسقه عسلاً"، فذهب فسقاه، ثم جاء فقال: يا رسول الله ما زاده إلا استطلاقاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلاً" فذهب فسقاه فبرأ. أخرجه البخاري في الطب (5684).
نعود إلى كشف هذا الإفك الباطني، قال تعالى معدداً نعمه على عباده:(واللّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ * وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل:65-69) .(1/358)
أما المؤمنون فيدركون أنّ هذه الأمور التي عددها الله في هذه الآيات -نِعَمٌ من الله على عباده ونِعَمٌ الله التي عددها في القرآن وفي هذه السورة من أولها إلى آخرها- يدركون أنها نعمة من الله، ويذكرون عظمة الله وقدرته وفضله على عباده، فيسمعون سماع المؤمنين، ويعقلون عقل المؤمنين، ويتفكرون تفكر الواعين، فيشكرون ربهم على هذه النعم العظيمة، والآيات الدالة على قدرته وعلمه وربوبيته لكل شيء، وأنه مستحق للعبادة وحده؛ لأنه خالق هذه السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما من الآيات والنعم.
... أما أعداء الله فلا يسمعون ولا يعقلون ولا يتفكرون ولا يشكرون الله.
وأسوأ حالاً منهم من يتجرأ على كلام الله فيوسعه تحريفاً وتبديلاً وتكذيباً وتجاهلاً، كما يفعل هؤلاء الباطنيون، ولا سيما الآيات الدالة على توحيده تعالى وتعظيمه، فإنهم لا يرفعون بها رأساً، فإما أن يفروا منها كأنهم حمر مستنفرة، وإما أن تمتد إليها أيديهم بالبغي والتبديل والتحريف، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
قال القمي (1/387):
"ثم ضرب الله مثلا في الكفار فقال (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال كيف يستوي هذا وهذا الذي يأمر بالعدل أمير المؤمنين والأئمة –رحمهم الله-".
أقول:
هذا التفسير افتراء على الله وعلى كتابه، فهل الأمر بالعدل خاص بأمير المؤمنين والأئمة؟! الله يأمر بالعدل وأقام السماوات والأرض على العدل، وقال تعالى:(إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان)، ورسل الله يأمرون بالعدل، والصحابة وأتباعهم يأمرون بالعدل.
قال ابن عباس: هذا مثل للمؤمن والكافر، وقال مجاهد: هو مثل مضروب للحق تعالى.(1/359)
والوثن: قال ابن كثير يعني أنّ الوثن أبكم لا يتكلم ولا ينطق بخير ولا بشيء، ولا يقدر على شيء بالكلية، فلا مقال ولا فعال، وهو مع هذا كلٌّ أي عيال وكلفة على مولاه. تفسير ابن كثير (8/334).
أقول:
ولا أظلم ولا أبعد عن العدل وقول الحقّ من الروافض.
قال القمي (1/388):
"وقوله:(يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) قال: نعمة الله هم الأئمة والدليل على أن الأئمة نعمة الله قول الله تعالى(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً)قال الصادق -رحمه الله- نحن نعمة أنعم الله بها الله بها على عبادة وبنا فاز من فاز".
وأسند العياشي في (2/266) إلى موسى بن جعفر أنه سئل عن هذه الآية (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) الآية قال: عرفوه ثم أنكروه" وأحال المحقق على البرهان والصافي.
أقول:
يعني علياً -رضي الله عنه-.
أقول:
كذب الباطنيون على الصّادق وعلى موسى بن جعفر.
فالله سبحانه يوبخ المشركين الذين يعرفون أنّ الله هو الذي خلق السماوات والأرض وما فيها وأنه هو المسدي للنعم كلها ومع ذلك يعبدون غيره.
والله سبحانه وتعالى قد عدد نعماً كثيرة على عباده في هذه السورة من أولها إلى هنا، ثم قال تعالى: {واللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}.
فالمراد بنعمة الله هذه النعم المذكورة في هذه الآيات وغيرها من نعم الله التي لا تحصى، كما قال:(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار).(1/360)
فمن السخف والتحريف والجحود لنعم الله أن يقال: إن المراد بالنعم الأئمة! والأئمة من عباد الله الذين يجب عليهم أن يعرفوا نعم الله عليهم وأن يشكروها.
الأئمة يعلمون ما في السماوات وما في الأرض عند الروافض !!
وقال العياشي (2/266):
"عن منصور عن حماد اللحام قال: قال أبو عبد الله –رحمه الله- نحن والله نعلم ما في السماوات وما في الأرض وما في الجنة وما في النار وما بين ذلك، قال فبهت انظر إليه، فقال يا حماد إن ذلك في كتاب الله ثلاث مرات قال ثم تلا هذه الآية:(يَوْمَ نَبْعَثُ(1)فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) إنه من كتاب الله فيه تبيان كل شي ء.
عن يونس عن عدة من أصحابنا قالوا قال أبو عبد الله –رحمه الله- إني لأعلم خبر السماء وخبر الأرض و خبر ما كان و خبر ما هو كائن كأنه في كفي، ثم قال من كتاب الله أعلمه إن الله يقول (فيه تبيان كل شي ء(2)".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك والسخف، فوالله لا أبو عبد الله ولا الرسل الكرام يعلمون الغيب، ولا يعلمون ما في السماوات والأرض والجنة والنار وما فيها، ولا يدعي أحد منهم ذلك، بل ذلك من خصائص الله التي انفرد بها، والذي يدعي ذلك فقد جعل من نفسه شريكاً لله في العلم بكل شيء، وهذا رسول الله الذي أنزل عليه الكتاب لا يدعي مثل هذه الدعوى التي افتراها الروافض على أبي عبد الله وأهل البيت.
قال الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - :(قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ).
__________
(1) كذا ونص الآية (ويوم نبعث ..... الآية).
(2) ونص الآية (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء).(1/361)
وقال نوح لقومه:(وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ)(هود:31).
وقال تعالى:(قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ).
وقال تعالى:(وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(هود: 123).
وقال لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - :(قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) والآيات في الباب كثيرة.
... ويؤمن بأنّ الغيب لله وحده كلُّ الملائكة وكلُّ الأنبياء والرسل وكلُّ المؤمنين بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، ولا يجحد بهذه العقيدة إلا الضالون الظالمون الذين يريدون أن يجعلوا من عبيد الله الضعفاء الفقراء إلى الله أنداداً مع الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا.(1/362)
والقرآن الذي نزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال في شأنه:(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) لم يدفع محمداً إلى شيء من هذه الدعاوى وحاشاه - صلى الله عليه وسلم - ، وتنزَّه الله أن يقول مثل هذه الأقوال التي يفتريها أهل الرفض والإفك، وعلماء الإسلام وعلى رأسهم الصحابة الكرام قرؤوا القرآن وحفظوه وتفقهوا فيه، لم يدَّع أحد منهم بعض هذه الدعوى، وفي علماء الإسلام من هو أعلم بكتاب الله وسنة رسوله من أبي عبد الله وأكثر الأئمة، وبارك الله في علومهم، وهيأ لها الانتشار في الأمة، والانتفاع بها أكثر بكثير من علم الأئمة الذين يغلوا فيهم الروافض، ويرفعونهم إلى درجة ربّ العالمين.
نحن نحترم أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وننزلهم منازلهم التي يستحقونها، ولكن نبغض الغلو فيهم، بل نبغض الغلو في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لأن الله قد نهانا عن الغلو، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذَّر من الغلو الذي أهلك من قبلنا وأهلك الروافض ومن سار على نهجهم.
وقال القمي (1/388):
"قوله:(ويوم نبعث من كل أمة شهيداً) قال لكل زمان وأمة إمام يبعث كل أمة مع إمامها، وقوله:(والذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب) قال كفروا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وصدوا عن أمير المؤمنين عليه السلام (زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون) ثم قال (ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم) يعني من الأئمة ثم قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - (وجئنا بك -يا محمد– شهيداً على هؤلاء) يعني على الأئمة فرسول الله شهيد على الأئمة وهم شهداء على الناس".
أقول:
إنّ الرجل يريد أنّ لكل أمة وصي كما يقرر الروافض كذباً على الله وتحريفاً لكتابه وتضليلاً لأتباعهم المغفلين.(1/363)
إنّ المراد بالشهداء في القرآن إنما هم الرسل الذين اصطفاهم الله واختارهم لرسالاته، يشهدون على أممهم أنهم بلغوهم هذه الرسالات، وبينوا لهم ما أوجبه الله عليهم وشرعه لهم من حق الله وحقوق العباد، وبينوا لهم طريق الجنة وطريق النار، وأقاموا عليهم حجة الله، كما قال تعالى:(رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
والحقّ أنّ الرّوافض تسلطوا على كتاب الله يحرفونه ويبدلونه كما شاءت لهم شياطينهم وأهوائهم.
... فهذه الآية من جملة آيات يبيّن الله فيها مصير المشركين المكذبين للرسل وجزاءهم، وبراءة معبوداتهم منهم، وبراءتهم من معبوداتهم؛ حينما عاينوا الحق الذي كانوا يكذبون به ويكذبون الرسل الذين أخبروهم بالبعث والجزاء والجنة والنار وما فيها من الأهوال، فيأتي الروافض ليسدلوا الستار على هذه العقائد والأحوال والأهوال؛ ليبرزوا عقيدتهم التي شرعها لهم زنديق اليهود ابن سبأ، وجعلوا هذه العقيدة السبئية معولاً يهدمون به الإسلام، ويحرفون به القرآن، وانظر إلى القمي كيف يصرف الوعيد عن الكفار أعداء الله ورسوله الذين يصدون الناس عن سبيل الله أي دينه الذي بعث به رسوله إلى أولياء الله وأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين بذلوا أنفسهم وأمولهم في نصرة دين الله، وإعلاء كلمته، واجتهدوا في نشر الإسلام لإصلاح الناس وهدايتهم إلى دين الله وما يسعدهم في الدنيا والآخرة!
ألا ساء ما فعل الروافض وما يفعلون!
قال القمي (1/ 388):
"وقوله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ) قال: العدل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإحسان: أمير المؤمنين والفحشاء والمنكر والبغي فلان وفلان وفلان".
- وقال العياشي (2/267):(1/364)
"عن سعد عن أبي جعفر –رحمه الله- (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ) قال: يا سعد إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وهو محمد، وَالْإِحْسانِ وهو علي، وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى و هو قرابتنا، أمر الله العباد بمودتنا وإيتائنا، ونهاهم عن الفحشاء و المنكر، من بغى على أهل البيت و دعا إلى غيرنا".
وساق رواية أخرى عن أبي عبدالله فسر فيها العدل بشهادة أن لا إله إلا الله والإحسان بشهادة أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال فيها "وإيتاء ذي القربى حقه فزاد في الآية كلمة "حقه" افتراء على الله وتلاعبًا بكتاب الله وفسر هذا الحق بأداء إمامة إلى إمام بعد إمام وفسر الفحشاء والمنكر بولاية فلان وفلان وفلان يعني أبا بكر وعمر وعثمان.
وأحال المحقق على البرهان و البحار والصافي.
وجاء برواية ثالثة "عن علي -رضي الله عنه– أنه فسر العدل بالإنصاف والإحسان بالتفضيل" وأحال المحقق على البرهان فقط.
وجاء برواية رابعة "عن جعفر فسر فيها العدل بشهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان بولاية أمير المؤمنين"، وهذه تفيد أنّ ولاية أمير المؤمنين عند الروافض أهم من رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وفي هذه الرواية فسر الفحشاء بالأول والمنكر بالثاني والبغي بالثالث أي أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- وأخزى وأذل الروافض الباطنية أعداءهم بل أعداء الله ورسوله وأهل البيت أنفسهم.
فكم شوهوهم بهذه الأكاذيب الباطنية، وكم أساؤا إليهم بها، وكم كفّروا أصحاب محمد وافتروا عليهم وبغوا عليهم شرّ أنواع البغي، وأفحشوا في الإفك عليهم، وأتوا في حقهم بالمنكرات والمنكرات التي لا نظير لها عند اليهود والنصارى، أمّا تحريف القرآن وتبديل معانية فحدّث ولا حرج!(1/365)
قال القمي (1/389):"وقال علي بن إبراهيم في قوله (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا)
فإنه حدثني أبي رفعه قال قال أبو عبد الله -رضي الله عنه- لما نزلت الولاية وكان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خم سلموا على علي بإمرة المؤمنين فقالوا أمن الله ورسوله فقال لهم نعم حقا من الله ورسوله، فقال إنه أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة ويدخل أعداءه النار وأنزل الله عز وجل (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها...) إلخ
يعني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله ورسوله ثم ضرب لهم مثلا فقال (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر-رضي الله عنه- قال: التي نقضت غزلها امرأة من بني تيم بن مرة يقال لها رابطة [ريطة] بنت كعب بن سعد بن تيم بن كعب بن لؤي بن غالب كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلت نقضته ثم عادت فغزلته فقال الله (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) قال: إن الله تبارك وتعالى أمر بالوفاء ونهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلا.
رجع إلى رواية علي بن إبراهيم في قوله (أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم) فقيل يا ابن رسول الله نحن نقرؤها (هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّة) قال ويحك وما أربى وأومأ بيده بطرحها.
((1/366)
إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ) يعني: بعلي بن أبي طالب –رضي الله عنه- يختبركم (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) قال على مذهب واحد وأمر واحد (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) قال يعذب بنقض العهد (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) قال يثيب (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ) قال هو مثل لأمير المؤمنين-رضي الله عنه- (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) يعني: بعد مقالة النبي صلى الله عليه وسلم فيه (وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) يعني: عن علي (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا) معطوف على قوله (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ)".
وقال العياشي (2/268):(1/367)
"عن زيد بن الجهم عن أبي عبد الله –رحمه الله- قال سمعته يقول: لما سلموا على علي -رضي الله عنه- بإمرة المؤمنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأول قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين فقال أمن الله و من رسوله يا رسول الله فقال نعم من الله و من رسوله، ثم قال لصاحبه قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين، فقال من الله ومن رسوله قال نعم من الله و من رسوله، ثم قال يا مقداد قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين قال فلم يقل ما قال صاحباه، ثم قال قم يا با ذر فسلم على علي بإمرة المؤمنين فقام وسلم ثم قال قم يا سلمان و سلم على علي بإمرة المؤمنين، فقام وسلم حتى إذا خرجا وهما يقولان لا والله لا نسلم له ما قال أبدا فأنزل الله تبارك و تعالى على نبيه (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا) بقولكم أمن الله ومن رسوله، (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم)".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله وأبا جعفر مما يفتريه عليهما هؤلاء الباطنيون!
وأقول:
1- والله ما نزل على محمد حرفٌ واحدٌ بهذه الولاية التي افتراها ابن سبأ ونفخ فيها الروافض فملأوا بها الدنيا، وأهلكوا بها الحرث والنسل، وكفروا بها أصحاب محمد وأتباعهم بإحسان.
لم تكن في غدير خم ولا في غيره، ولا حصل إنكار لها من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وكيف ينكرون شيئاً لم يوجد، ولم يحصل منهم إنكار ولا استنكار.(1/368)
2- انظر إلى هذا الباطني كيف يصف علياً بصفات محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فيصفه بأنه إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وأنه يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة أي الروافض! ويدخل أعداءه النار يقصد الباطني أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وكل هذا إفكٌ مبينٌ وافتراءٌ على رب العالمين وعلى رسوله الآمين.
وهل للروافض نصيب من هاتين الصفتين: (المتقين) فليسوا والله منها بشيء (والغر المحجلين) فإنهم من أبعد الناس عنها! فإنها من صفات هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، ومن ميزاتهم أنهم يعرفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم غر محجلون من آثار الوضوء.
والروافض لا يوضئون أرجلهم كبراً وعناداً لكتاب الله وسنة رسوله التي داوم عليها، وعمله تفسير لآية الوضوء، ومنها:(وأرجلكم إلى الكعبين)، فالكعبان داخلان مع الرجلين في أعضاء الوضوء التي يجب غسلها، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى بعض أصحابة يتوضأ وبقيت أعقابهم تلوح أي لم يعمّوها بالغسل فقال - صلى الله عليه وسلم - :(ويل للأعقاب من النار)، فصار هذا درساً قوياً للأمة إلا الروافض فلم يرفعوا بقوله وعمله وبالقرآن رأساً، متعلقين بشبهة يردها عليهم عمل رسول الله المتواتر المستمر إلى آخر حياته - صلى الله عليه وسلم - ، ويردها عليهم فقه الصحابة وعلماء الإسلام وعملهم.
فكيف يكون الروافض هم الغر المحجلين وهذا حالهم وواقعهم، بالإضافة إلى عقائدهم وأعمالهم المنكرة التي تقوم على أكاذيب الأفاكين؟!!
3- انظر إلى تحريفهم لكتاب الله وتبديله تشييداً لأباطيلهم وضلالاتهم، فالآية نصها:(أن تكون أمة هي أربى من أمة)، فحرفها بغياً وافتراء ًعلى الله (أن تكون أئمة أزكى من أئمة)! وينسبون ذلك إلى أبي عبد الله الصادق برأه الله مما يقوله الأفاكون.(1/369)
فهذا وغيره كثير من إفكِ وكذبِ وتحريفِ الروافض الباطنية، قاتلهم الله أين يذهبون وكم يفترون ويأفكون ويحرفون.
4- قوله (أن تكون أئمة أزكى من أئمة) تحريف خبيث، ومعنى باطل، ينزه عنه كلام العقلاء فضلا عن كلام الله عز وجل! ونص الآية:(أن تكون أمة هي أربى من أمة)، ومعناها لا تنقضوا العهود اغترارا بالكثرة؛ بأن تحمل كثرة العدد والمال والعدة أحد الطرفين على نقض العهود والمواثيق.
5- تفسير (إنما يبلوكم الله به) يعني علي بن أبي طالب؛ من أكذب الكذب على الله، ومن أشدّ أنواع التحريف لكتاب الله!
قال الشوكاني في تفسيره:"(إنما يبلوكم الله به) أي يختبركم بكونكم أكثر وأوفر لينظر هل تتمسكون بحبل الوفاء أم تنقضون اغتراراً بالكثرة، فالضمير في (به) راجع إلى مضمون جملة (أن تكون أمة هي أربى من أمة) أي إنما يبلوكم الله بتلك الكثرة ليعلم ما تصنعون أو إنما يبلوكم الله بما يأمركم وينهاكم".
أقول:
وحاصل الآيات هو أن الله يربي هذه الأمة كلها على مكارم الأخلاق من التزام الصدق والوفاء بالعهود، والتحذير من الكذب والغدر ونكث المواثيق على مستوى الأفراد والجماعات والدول، فيأتي هؤلاء الباطنيون فيحرفون القرآن و مضامينه الكبيرة العالية إلى هوة عقائدهم الباطلة كما رأيت وقرأت!!
تفسير سورة الإسراء
قال القمي (2/14):(1/370)
"وأما قوله (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) أي أعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل وخاطب أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) يعني فلانا وفلانا وأصحابهما ونقضهم العهد (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) يعني ما ادعوه من الخلافة (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) يعني يوم الجمل (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) يعني أمير المؤمنين -رضي الله عنه- وأصحابه (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) أي طلبوكم وقتلوكم (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا) يعني يتم و يكون (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) يعني بني أمية على آل محمد (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) من الحسن والحسين ابنا علي وأصحابهما فقتلوا الحسين بن علي و سبوا نساء آل محمد (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) يعني القائم و أصحابه ( لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ) يعني يسودون وجوههم (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأمير المؤمنين -رضي الله عنه- وأصحابه (وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرا)ً أي يعلوا عليكم فيقتلوكم ثم عطف على آل محمد صلى الله عليه وسلم فقال (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) أي ينصركم على عدوكم ثم خاطب بني أمية فقال (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) يعني عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) أي حبسا يحصرون فيها".
وقال العياشي (2/281-282):(1/371)
"عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله -رحمه الله- في قوله (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) قتل علي وطعن الحسن (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) قتل الحسين ( فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) إذا جاء نصر دم الحسين (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم لا يدعون وترا لآل محمد إلا حرّقوه (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا) قبل قيام القائم (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) خروج الحسين في الكرة في سبعين رجلا من أصحابه الذين قتلوا معه، عليهم البيض المذهب لكل بيضة وجهان المؤدّى إلى الناس إن الحسين قد خرج في أصحابه حتى لا يشك فيه المؤمنون وأنه ليس بدجال ولا شيطان الإمام الذي بين أظهر الناس يومئذ، فإذا استقر عند المؤمن أنه الحسين لا يشكون فيه وبلغ عن الحسين الحجة القائم بين أظهر الناس و صدقه المؤمنون بذلك، جاء الحجة الموت فيكون الذي غسله وكفنه وحنطه وإيلاجه في حفرته الحسين، ولا يلي الوصي إلا الوصي. وزاد إبراهيم في حديثه ثم يملكهم الحسين حتى يقع حاجباه على عينيه.
عن حمران عن أبي جعفر -رحمه الله- قال: كان يقرأ (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) ثم قال: وهو القائم وأصحابه أولي بأس شديد.
عن رفاعة بن موسى قال: قال أبو عبد الله -رحمه الله-: إن أول من يكرّ إلى الدنيا الحسين بن علي -رضي الله عنه- وأصحابه ويزيد بن معاوية وأصحابه فيقتلهم حذو القذة بالقذة ثم قال أبو عبد الله -رحمه الله-:(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)".
أقول:(1/372)
قاتل الله الباطنية ما أشد جرأتهم على تحريف كتاب الله، وما أقل حياءهم عند تحريف البدهيات!!
فهذه الآيات كلها في بني إسرائيل وفي أمور وأحداث جرت عليهم فعلاً، فلشدة خبث هؤلاء الباطنية وشدة حقدهم على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يرتكبون أشنع وأبشع أنواع التحريف لكتاب الله، غير مبالين بما يفضحهم وما يخزيهم ويكشف عوارهم!!
لقد أوحى الله إلى بني إسرائيل يخبرهم بأنه سيحصل منهم طغيان واستكبار وعتو في الأرض أرض الشام وبيت المقدس بعد أن كانوا أذلاء مستعبدين بمصر، يذبح الفراعنة أبناءهم، ويستحيون نساءهم، ويكلفونهم بالأعمال الشاقة التي تذلهم، فحصل منهم ما أخبر الله به من الإفساد في الأرض والبغي فيها في المرة الأولى، ومن ذلك قتل بعض الأنبياء، فبعث الله عليهم جالوت وجنوده وهم أصحاب قوة وبطش، فجاسوا خلال ديارهم، أي ترددوا لطلبهم ليقتلوهم ويسبوهم ويذلوهم، وتم ذلك، ومرّ عليهم هذا الذل والهوان مدة طويلة.
قال الله تعالى:(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ) أي الدولة والغلبة (عَلَيْهِمْ) بقتل جالوت وهزيمة جنوده وأمد الله بني إسرائيل بالمال والبنين وجعلهم أكثر نفيراً.
ثم قال الله تعالى مخاطباً بني إسرائيل بواسطة أنبيائهم:(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) أي عليها، (فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ) أي المرة الآخرة لفسادكم وطغيانكم ومن ذلك قتل نبي الله يحيى عليه السلام (بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد ليسوؤوا وجوهكم) يُخْزونكم بالقتل والسبي (وليدخلوا المسجد) الأقصى ويخربوه كما فعلوا أول مرة (وليتبروا ما علوا تتبيرا) أي هلاكا، وقد حصل كل ذلك على يد بختنصر الجبار وجنوده وأذل بقية بني إسرائيل بالسبي والاستعباد. ...(1/373)
فهذا حاصل معنى هذه الآيات وما أراد الله بها، فأي جريمة ارتكبها الباطنيون بتحريفها إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته، وصرفها عن سادتهم بني إسرائيل، وهكذا يفعلون بكتاب الله وأصحاب محمد، وجعلوا ذلك ديدنهم من أول كتاب الله إلى آخره!!
... انظر إلى فريته الكبيرة في قوله انقطعت مخاطبة بني إسرائيل وخاطب أمة محمد، فقال (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) يعني فلانا وفلانا، فهل توجد في مخاطبة العقلاء –فضلاً عن ربِّ العالمين– مثل هذه المخاطبة؟!
(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)، بماذا قضى إليهم الله رب العالمين؟
عند المسلمين قضى إليهم بقوله:(لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً)، وهاتان المرتان نص عليهما القرآنُ وكتبُ بني إسرائيل وكتبُ التاريخ، لكن الحقد الرافضي الباطني يجعل مخازي اليهود على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كما رأيت! و يأبى الله إلا أن يخزي هؤلاء الباطنية كما أخزى أسلافهم اليهود.
وانظر قوله الساقط المتهافت:(فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) يعني أمير المؤمنين وأصحابه!
إن أصحاب علي هم أنفسهم أصحاب أبي بكر وعمر، ولم تكن بينهم إلا الأخوة والمودة والنصرة والتعاون على البر والتقوى.
ألا تراه قد جعل علياً وأصحابه بدل الوثنين جالوت وبختنصر بحقده وحماقته!!
هذا ما فعله القمي!
أما صاحبه العياشي (2/281) فقد فسر الإفساد مرتين بقتل علي وطعن الحسن!
والذي قتل علياً هم الخوارج، والذي طعن الحسن وغدر به هم الشيعة.
وفسر قول الله تعالى:(وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً) بقتل الحسين!
وفسر قوله (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا) بقوله: نصر دم الحسين!
(بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ) قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم!(1/374)
وفسر قول الله تعالى (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) خروج الحسين في الكرة في سبعين رجلا من أصحابه الذين قتلوا معه، عليهم البيض المذهب .. إلى آخر هذيانه السخيف الذي يخجل منه اليهود وأكذب الناس!!
كيف قتل الحسين وأصحابه أحوج ما يكونون إلى النصرة ولباسهم لباس التقوى ثم ينصرون في هذه الكرة وهم لابسون للذهب المحرم؟! وإذا بلغ القائم الحجة ودفنه الحسين فما فائدة انتظار القائم قروناً متطاولة إذا كان مهمته أن يبلغ الناس بأن هذا الذي خرج هو الحسين ثم يموت؟!
أساطير وأكاذيب سخيفة لا يقول بمثلها شرع ولا يقبلها عقل!! وقد أحال المحقق على البرهان والصافي والبحار وإثبات الهداة، يعني أنهم كلهم قد رحبوا بهذا الإفك والتحريف! وما أعتقد أن رافضياً يرفض هذا الإفك وأمثاله!!
قال العياشي (2/260):
"عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله قال: سمعته يقول: من قتل النفس التي حرم الله فقد قتل الحسين في أهل بيته".
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك، ولماذا يخص الحسين من بين قتل الأنبياء وقتل أصحاب محمد والذين يأمرون بالقسط من الناس؟
وهل الحسين عند الروافض أفضل من علي وقد قتل مظلوماً؟
لماذا تدوركل أراجيف الروافض حول الحسين؟
وأقول:
الذي يقتل نفساً حرم الله قتلها قد قال الله فيه:(مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)، فكأنما قتل الناس جميعا بما فيهم الحسين وأهل البيت.
وقال العياشي (2/290):
"عن جابر عن أبي جعفر –رحمه الله- قال نزلت هذه الآية في الحسين -رضي الله عنه- " وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ "قاتل الحسين إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً" قال الحسين –رضي الله عنه-".
أقول:(1/375)
برَّأ الله أبا جعفر من هذا الإفك والتحريف، ومن الكذب على الله أن يقال: إن هذه الآية نزلت في الحسين وإنما هي قاعدة لعموم الناس، يؤكده أنها نزلت في جملة تشريعات نزلت في العهد المكي، ومن هذه التشريعات تحريم الشرك والإحسان إلى الوالدين وبر الوالدين وإكرامهما وإيتاء ذوي القربى حقهم والأمر بالتوسط بالإنفاق، والنهي عن التبذير، والنهي عن أكل مال اليتيم، والنهي عن قتل الأبناء عادة أهل الجاهلية، والنهي عن قتل النفس، والنهي عن الكبر والاختيال، وهذه تشريعات للمسلمين عموماً في كل زمان ومكان ولا تخص الحسين ولا غيره.
ولكن الروافض يتعمدون التلاعب بنصوص القرآن ومقاصده العظيمة وتشريعاته العامة، وهذا كثير منهم وكثير.
وأحال المحقق بهاتين الروايتين إلى البرهان والبحار والصافي.
وقال العياشي (2/290):
"عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر- رحمه الله - في قوله (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) قال هو الحسين بن علي -رضي الله عنه- قتل مظلوما ونحن أولياؤه، والقائم منا إذا قام منا طلب بثار الحسين، فيقتل حتى يقال قد أسرف في القتل، وقال المسى(1)المقتول الحسين -رضي الله عنه-ووليه القائم والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله أنه كان منصورا، فإنه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما". وأحال المحقق على البرهان والبحر واثبات الهداة مختصراً.
أقول:
1- برَّأ الله أبا جعفر التقي النقي من هذا الإفك الجاهلي.
2- إن الإسراف في القتل كما أنطق الله هذا الباطني به هو أن يقتل غير قاتله، فالقائم على زعمكم يقتل في الناس في آخر الزمان حتى يقال قد أسرف، وهذا القتل قطعاً لأناس لا ناقة لهم ولا جمل في قتل الحسين.
__________
(1) كذا .(1/376)
إن قاتل الحسين هو الفاجر عبيد الله بن زياد، والأفجر منه الشيعة الذين غرروا بالحسين واستخرجوه من مكة إلى الكوفة وقد بايعوه، ثم لما جاءهم غدروا به وقتلوه هو وأسرته، فلماذا هذا التباكي طوال هذه القرون وأسلافكم الخونة هم الذين غدروا به ثم سلّوا عليه سيوفهم فقتلوه ومن معه من بني هاشم وغيرهم.
4 – ثار المختار بن أبي عبيد باسم الثأر للحسين وأهل البيت، وعاث في الأرض فساداً، وأسرف في القتل تحت هذا الشعار، ثم كشف الله حقيقته، فإذا به زنديق يدعي النبوة وأنه ينزل عليه الوحي ثم قطع الله دابره فقتل.
أما يكفيكم هذا، لكن الذين يلهجون بالحسين وبالثأر له أسوأ وأكذب من المختار، وإن لم يدعوا النبوة وقد ملأوا الأسفار الكثيرة بأكاذيبهم وأضلوا أجيالاً وأجيالاً.
قال العياشي (2/261):
"عن حمران عن أبي جعفر -رحمه الله- قال قلت له يا ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زعم ولد الحسن عليه السلام أن القائم منهم وأنهم أصحاب الأمر، ويزعم ولد ابن الحنفية مثل ذلك، فقال رحم الله عمي الحسن -رضي الله عنه- لقد غمد الحسن -رضي الله عنه- أربعين ألف سيف حين أصيب أمير المؤمنين -رضي الله عنه-، وأسلمها إلى معاوية ومحمد بن علي سبعين ألف سيف قاتله، لو خطر عليهم خطر ما خرجوا منها حتى يموتوا جميعا، وخرج الحسين -رضي الله عنه- فعرض نفسه على الله في سبعين رجلا من أحق بدمه منا، نحن والله أصحاب الأمر وفينا القائم ومنا السفاح والمنصور وقد قال الله (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) نحن أولياء الحسين بن علي -رضي الله عنه- وعلى دينه. وأحال المحقق على البرهان والبحار.
أقول:(1/377)
1- برَّأ الله أبا جعفر العالم السني من هذا الإفك وهذه الدعاوى الباطلة، إنّ في كلام هؤلاء الباطنية طعناً مغلفاً في الحسن وفي محمد بن الحنفية -رضي الله عنهما-، ما أعقلهما وما أحسن موقفهما ضد الفتن وسفك الدماء، وما أحرصهما على البعد عن الفتن، وما أحرصهما على حقن دماء المسلمين وحفظ أعراضهم، وما أحرصهما على جمع كلمة المسلمين، هذه الصفات النبيلة لا ترضي الروافض الحاقدين على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم لتعطشهم وحبهم للفتن وسفك الدماء البريئة ولحرصهم على المناصب وسلب الأموال باسم أهل البيت وكثرة الجعجعة بهم لتحقيق أهدافهم الخبيثة.
2- لقد أثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحسن بن علي ذي الحلم والعقل والخلق النبيل فقال:"إنَّ ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
فصدق الحسن النبيل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، فتنازل عن حقه في الخلافة وهو في أوج القوة بجيوشه الجرارة، وذلك مما سر به المسلمون، وأثلج صدورهم، وشكروا للحسن بن علي هذا العمل العظيم والتصرف الحكيم.
وشرق به الروافض الحاقدون في ذلك العهد وفي كل عهودهم إلى يومنا هذا؛ لأنه من أعظم الحجج عليهم وعلى أكاذيبهم ودعاواهم.
3- ثم لماذا يلهج الروافض بالأخذ بثأر الحسين ولا يلهجون بثأر علي -رضي الله عنه- المقتول ظلماً وهو أفضل من الحسين بمراحل؟!! لا ندري ما هو السر.
4- وما كان لمحمد بن الحنفية أي تفكير في الأخذ بثأر علي ولا بثأر أخيه الحسين، والظاهر أن قصدهم بالسبعين ألف سيفٍ جيش المختار الدجال الذي كان يتكلم على لسان وباسم محمد بن الحنفية الشهم النبيل، وكان هذا الشهم يتبرأ من أفاعيل المختار ويبغضها، فله الشكر الجزيل من الله ومن المسلمين.(1/378)
ولكن الروافض قتلة الحسين لا يعجبهم هذه المواقف النبيلة من أهل البيت الشرفاء، فيحطون من شأن الحسن بن علي ومحمد بن علي، ويتشبثون بأذيال قتل الحسين؛ لمآرب ومقاصد دنيئة سياسية ومالية وقبلها التعطش لشفاء غيظهم بسفك دماء المسلمين الأبرياء من دم الحسين والأبرياء من ظلم أهل البيت، وما سفك دم الحسين إلا الروافض، وما ظلم أهل البيت إلا الروافض الذين يستغلون مكانتهم وشرفهم في تحقيق مآربهم الشيطانية التي ذكرناها مراراً.
5- قولهم:"وخرج الحسين فعرض نفسه على الله في سبعين رجلاً".
أقول:
الصواب والحق فيما فعله الحسن -رضي الله عنه- ذلك الفعل الذي أثنى به عليه جده المصطفى الرحيم الحكيم وشكره عليه المسلمون وعقلاؤهم وعلماؤهم.
ولقد غرَّر شيعة السوء والشر به ثم غدروا به، ولما اكتشف غدرهم وخيانتهم ندم -رضي الله عنه-، وطلب من جيش ابن زياد السماح له بالعودة إلى مكة أو الذهاب إلى أحد الثغور أو الذهاب إلى يزيد فأبى هذا الجيش الذي قوامه شيعة السوء كل هذه المطالب ثم قتلوه.
ولم يطلب بثأره أحد من بني هاشم لا إخوانه ولا أبنائه ولا أحفاده.
ولكن الذين يطالبون بثأره ويتأكلون باسمه هم الروافض.
6- إن أبا جعفر وأباه وأسرته لا يعرفون هذا القائم الذي يفتريه الروافض، فكيف يقول: وفينا قائم؟ وكيف يفتخر بشيء لم يقم به ولم يفكر فيه وهو أمر قبيح ومحرم في شريعة الإسلام؟
7- من هو السفاح ومن هو المنصور؟ إن كان يقصد السفاح والمنصور العباسيين فلماذا تطعنون فيهما وفي بني العباس الطعن الشنيع القائم على الفجور، والناس يعرفون ما ينسب إلى السفاح والمنصور ما حصل لبني أمية وغيرهم من المسلمين، ولكن تلك الأفعال الشنيعة كان يرتكبها أو غالبها الروافض الحاقدون ثم ينسبونها إلى بني العباس، ومع ظلم المنصور فإن له منقبة عظيمة هي إنقاذه بفضل الله وقوته الإسلام والمسلمين من قبضة أبي مسلم وأشياعه الروافض الغلاة والباطنية.(1/379)
8- قول الفجار على لسان أبي جعفر: نحن أولياء الحسين بن علي وعلى دينه".
أقول:
إذا كنتم تحترمون أبا جعفر وأباه وأسرته مع أنهم فعلاً أولياء الحسين فلماذا لم تسلكوا طريقتهم ومنهجهم الشريف فلا نواح ولا تباكي على قتل الحسين ولا تفكير في الطلب بثأره.
ثم هل أبو جعفر يعتقد أنّ خروج القائم إنما هو للإنتقام من قتلة الحسين كما تعتقدون؟ وهل من العدل الذي سيحققه المهدي قتل أناس أبرياء ولدوهم وآباؤهم وأجدادهم بعد قرون من قتل الحسين؟ وهل لأبي جعفر –برأه الله- دين غير دين الحسن وابن الحنفية؟ الذي نعتقده أن دينهم جميعاً الإسلام، والمغاير لدينهم إنما هو دين الروافض.
قال العياشي (2/317):"عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله -رحمه الله- يقول (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قال خلق عظيم أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد عليه وآله السلام، ومع الأئمة يسددهم وليس كما طلب وجد. وأحال المحقق على البرهان والصافي .
أقول:
برَّأ الله أبا عبد الله من هذا الإفك.
فالروح من أمر الله فعلاً، وكونها ملك أو روح بني آدم أو غير ذلك فيه اختلاف، لكن الإفك في قولهم: عن هذا الملك لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد ومع الأئمة يسددهم.
وبيت القصيد عند الروافض كونه مع الأئمة ولم يكن مع الأنبياء؛ لأن الأئمة عندهم أفضل من الأنبياء ومزاياهم على الأنبياء كثيرة وهذه منها!!
تزعمون أن عند الأئمة الجفر الذي فيه علم ما كان وما يكون وعندهم مصحف فاطمة وغيره.
فما كفاهم كل هذا لتسديدهم، فما هي طباعهم التي لا يكفيها كل هذا حتى يرسل الله إليهم ملكاً أعظم من جبريل وميكائيل يلازمهم ليسددهم؟!
وقال العياشي (2/317):"وعن أسباط بن سالم عن أبي عبد الله قال: خلق أعظم من جبريل وميكائيل مع الأئمة يفقههم وهو من الملكوت" وأحال المحقق على البرهان.
أقول:(1/380)
وأين ذهبت علومهم وأين ذهبت علوم الجفر التي عندهم ومصحف فاطمة؟! ألا يستفيد العاقل من هذه المجازفات أنكم أكذب البشر على الله وعلى دينه وكتابه وأهل البيت.
قال العياشي (2/317):
"- عن أبي حمزة عن أبي جعفر -رحمه الله- قال نزل جبرئيل بهذه الآيات هكذا (فأبى أكثر الناس ولاية علي إلا كفورا".
وأحال المحقق على البرهان والبحار والصافي.
أقول:
نزَّه الله أبا عبد الله من هذا الإفك والتحريف لكتاب الله والدس فيه، وإنما هذا من دس الروافض الباطنية.
والله لو وقف عامي على الفطرة لأدرك بفطرته هذا الدس الديني لولاية علي، وانظر كيف تغير جلال كلام الله المعجز في نظمه ومعناه بهذا الدس.
وكم دس هؤلاء الباطنية في نصوص القرآن ما يوافق عقائدهم اليهودية السبئية، ولكن النصوص الربانية تأبى ذلك وتنادي على أفاعيلهم بما يفضحهم ويخزيهم.
يفعلون هذه المخازي ثم يقذفون أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بالتحريف والنقصان من القرآن.
إذ كلام الله الذي بلغ غاية الإعجاز لا يشبه كلام البشر، فلو حاول عدو من أعداء الله أن يدس فيه كلمة أو حرفاً لفضحه هذا الإعجاز الذي أعجز الجن والإنس، فكيف لا يفضح دسائس الروافض الساقطة الركيكة التي يرتكبونها ثم ينطلقون منها إلى الطعن في صحابة محمد الأمناء ورميهم بالخيانة والحذف من نصوص القرآن.
فأخزى الله هؤلاء الأعداء في الدنيا وسوف يخزيهم أشد الخزي في الآخرة بما ارتكبوه.
من تفسير سورة الفلق
- قال القمِّي في (2/449):
"سورة الفلق مكية آياتها خمس
((1/381)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) قال: الفلق جب في جهنم يتعوذ أهل النار من شدة حره، فسأل الله أن يأذن له أن يتنفس، فأذن له، فتنفس فأحرق جهنم، قال: و في ذلك الجب صندوق من نار يتعوذ أهل الجب من حر ذلك الصندوق، و هو التابوت و في ذلك التابوت ستة من الأولين و ستة من الآخرين، فأما الستة التي من الأولين، فابن آدم الذي قتل أخاه، و نمرود إبراهيم الذي ألقى إبراهيم في النار، و فرعون موسى، والسامري الذي اتخذ العجل، والذي هود اليهود، والذي نصر النصارى، وأما الستة التي من الآخرين فهو الأول والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم لعنهم الله".
أقول:
من أين جئت بهذا الكلام الخطير والإفك المبير؟! لقد كنت تنسب أكاذيبك إلى أهل البيت تستُّرًا بهم، فما بالك الآن لا تتستَّر بهم؟ لعلَّ السِّرَّ في ذلك أنَّك قد وثقتَ أنَّ الرَّوافض الباطنيَّة سيتقبَّلون افتراءك دون اللُّجوء منك إلى التستُّر بأهل البيت، وليس بغريب منهم أن يقبلوا منك هذا الافتراء؛ لأنَّهم كالأنعام أو أضلُّ سبيلاً!
أيُّها الأفَّاك، لقد وعد الله عمومَ أصحاب محمَّد بالجنَّة، والثَّلاثة من أصحاب محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم هم على رأس هؤلاء الصَّحابة الكرام الموعودين بالجنَّة، ثمَّ وعد أهل بيته بالجنَّة، وهؤلاء الثَّلاثة على رأسهم، ثمَّ وعد العشرة المشهورين بالجنَّة وعلى رأسهم هؤلاء الثَّلاثة، وهذا أمرٌ يدين به الصَّحابة الكرام والتَّابعون لهم بإحسان، أليس في كذبك هذا وافترائك تكذيباً لكتاب الله ولسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ومخالفةً فاجرةً لأمَّة الإسلام؟! وما أكثر كذبك وتكذيبك لكتاب الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم!
الذب عن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها –(1/382)
1- روى فلان في تفسيره المسمى بالصافي (2/108) عن محمد الباقر أنه قال: أما لو قام قائمنا ردت الحميراء (أي أم المؤمنين عائشة الصديقة -رضي الله عنها-) حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد صلى الله عليه وآله فاطمة -رضي الله عنها- منها، قيل: ولم يجلدها؟ قال: لفريتها على أمِّ إبراهيم، قيل: فكيف أخره الله للقائم ؟ قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة، وبعث القائم عليه السلام نقمة(1)".
أقول:
عائشة -رضي الله عنها- المؤمنة الصادقة أم المؤمنين الشريفة الطيبة النزيهة التي اختارها الله لرسوله فكانت أحب أزواجه إليه، ومات في بيتها وبين حاقنتها وذاقنتها؛ لحبه إياها وإكرامه لها، برأها الله من فوق سبع سماوات في عشر آيات يتلوها المؤمنون من عهد نزولها في مشارق الأرض ومغاربها.
__________
(1) بواسطة كتاب "الشيعة وأهل البيت" للشيخ إحسان إلهي ظهير (ص220) .(1/383)
قال الله تبارك وتعالى:(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) الآيات (11-20) من سورة النور.
فالمؤمنون من عهد الصحابة إلى يومنا هذا يُحسنون الظن بأم المؤمنين قبل أنفسهم، ويقولون فيما رُميت به: هذا إفك مبين، ويقولون عند تلاوة هذه الآيات ردّاً على الأفَّاكين:(سبحانك هذا بهتان عظيم).(1/384)
أمَّا أعداء الله تعالى فيحبُّون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا، ويُؤكدونها بافتراءاتهم على عرض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
والمؤمنون من عهد نزول هذه الآيات إلى يومنا هذا يؤمنون ببراءة عائشة زوج رسول الله الطاهرة -رضي الله عنها-، ويحبونها ويعتبرونها أم المؤمنين وأفضل زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهن وأتقاهن، ويختلف العلماء أيهما أفضل عائشة أو خديجة -رضي الله عنهما-.
والله يقول في سورة النور:(الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة وأجر كريم)(سورة النور:26)، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الطيبين، وزوجه عائشة من أفضل السيدات الطيبات بشهادة الله لها وإبرائه إياها، والذي يطعن فيها إنما يقصد الطعن في رسول الله ويقصد تكذيب الله وما أنزل الله في شأنها من قرآن.
ولا يطعن في عرض رسول الله إلا المنافقون أخبث الخبثاء والخبيثات.
فانظر هذا الحط على رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن فيه، فعائشة -رضي الله عنها- طعن فيها المنافقون - وبرأها الله -، ووراثهم يطعنون فيها.
من سورة النُّور
2- قال القمي في تفسيره (2/99):"وأما قوله:(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) فإنَّ العامة -(ويقصد بهم الصحابة وأهل السنة)- رَوَوْا أنَّها نزلت في عائشة وما رُمِيَت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة.
قال: وأما الخاصة -(ويقصد بهم الروافض)- فإنَّهم رَوَوْا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة (والمنافقات)" اهـ.
والظاهر أنه يقصد بالمنافقات زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/385)
وساق قصة مكذوبة على عائشة -رضي الله عنها- مدارها على زرارة الرافضي الأفاك فقال: حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال قال حدثنا عبد الله (محمد) بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر –رحمه الله- يقول: لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن عليه حزنا شديدا فقالت عائشة ما الذي يحزنك عليه فما هو إلا ابن جريح، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا و أمره بقتله فذهب علي -رضي الله عنه- إليه و معه السيف و كان جريح القبطي في حائط و ضرب علي -رضى الله عنه- باب البستان فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب فلما رأى عليا -رضى الله عنه- عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا و لم يفتح الباب فوثب علي -رضى الله عنه- على الحائط و نزل إلى البستان و اتبعه وولى جريح مدبرا فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة و صعد علي –رضى الله عنه- في أثره فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فإذا ليس له ما للرجال و لا ما للنساء فانصرف علي -رضى الله عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالمسمار المحمي في الوتر أم أثبت قال فقال لا بل اثبت، فقال والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال و لا ما للنساء فقال رسول الله صلى عليه وسلم الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت.
أقول:
وحاشا أبا جعفر الشريف الهاشمي من هذه الفرية.
وأهداف الروافض من هذه الفرية:
1- أن عائشة ما زالت متهمة بالزنا عند الروافض؛ لأن هذه الآيات العشر لم تنزل في براءتها وإنما نزلت في براءة مارية التي قذفتها عائشة كما يفتري عليها الروافض.(1/386)
2- الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدرجة الأولى؛ لأن عائشة بقيت في عصمته ست سنوات بعد قصة الإفك إلى أن مات في بيتها وهي في عصمته، وهذا رمي من الخبثاء لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرفه وكرامته ورسالته ورجولته، إذ من عنده أدنى رجولة وشهامة لا يبقي في عصمته امرأة رميت بالزنا ولم تثبت براءتها، وهذا ما يهدف إليه الروافض، وهذا حالها عند الروافض، فأي طعن خبيث في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم يفوق هذا الطعن.
3- وما اكتفى الخبثاء حتى افتروا على عائشة أنها قذفت مارية بالزنا؛ ليصوروا للناس -بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطهر بيت على وجه الأرض-بأنه شر بيت فيه شر النساء! ألا ساء ما يزرون وما يأفكون، فزوجات رسول الله قال الله فيهن:(يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن)، فكنّ رضوان الله عليهن أفضل النساء تقوى وأخلاقاً، وسماهن الله بأمهات المؤمنين تكريماً لهن، قال تعالى:(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وقال تعالى فيهن:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإنَّ الله أعدَّ للمحسنات منكن أجرا عظيماً)(الأحزاب: 28-29).
4- فما كان منهن -رضي الله عنهن- لما عرض عليهن رسول الله هذا التخيير إلا أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وعلى رأسهن وفي مقدمتهن عائشة -رضي الله عنها-.
والروافض تغيظهم هذه المكرمة العظيمة لزوجات رسول الله الشريفات المطهرات ولا يعترفون بها.(1/387)
وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائل عائشة -رضي الله عنها- وأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وفضائلها كثيرة وكانت أعلم نساء العالمين، وكان الصحابة يعظمونها ويعترفون بمنزلتها العلمية ويرجعون إليها فيما يشكل عليهم ويختلفون فيه، ويثقون بحديثها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية الثقة.
5- مما يبطل فرية الروافض - في أن قول الله تعالى في سورة النور:(إنَّ الذين جاؤُوا بالإفك عصبة منكم ...) الآيات العشر إنما نزلت في تبرئة مارية مما قذفتها به عائشة -(وحاشاها ألف مرة)- أن حديث الإفك ونزول هذه الآيات كان في غزوة بني المصطلق سنة أربع أو خمس أو ست على أقوال وأرجحها أنه كان في سنة خمس، وأن بعث المقوقس بمارية القبطية إلى رسول الله كان عام مكاتبة رسول الله ملوك الأرض سنة سبع أو ثمان أرجحهما أنه كان سنة ثمان وذلك بعد غزوة بني المصطلق التي حصل فيها القذف والتي سلف آنفاً تاريخها، فنزول الآيات في براءة عائشة كان قبل مجيء مارية بحوالي ثلاث سنوات، فكيف ينزل في شأنها قرآن وهي في مصر على دين قومها، وكيف حصل هذا القذف المزعوم وهي في بلادها من وراء السهوب والبحار.
وإذاً فالقرآن والسنة والواقع التاريخي وإجماع الأمة كلها تفضح الروافض وترد كيدهم وإفكهم على أفضل رسول وأفضل وأطهر بيت عرفه التاريخ وعرفته الدنيا، فهذا موقف الإسلام وما يدين به المسلمون من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامه وتنزيه عرضه مما يدنسه أو يمسه من قريب أو بعيد وإكرام أهل بيته وأزواجه وصحابته الكرام.
وذلك ضد وخلاف ما يرتكبه الروافض من بهت وإفك وتشويه بالطرق الواضحة والخفية والملتوية، واللهُ لهم ثم المؤمنون بالمرصاد، يفضحون مكائدهم وحربهم على الإسلام والمسلمين بشتى الطرق ومختلف الأساليب.(1/388)
ولم يكتف الروافض بهذا البهتان العظيم، بل أضافوا إلى ذلك أن جعلوا عائشة -رضي الله عنها- طاعنة في عرض رسول الله الآخر مارية أم إبراهيم، ويهدفون من ذلك إلى رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يقر هذا الطعن ولا يقيم الحد؛ لأنه كما زعموا جاء بالرحمة لتمرير طعنهم فيه، وتناسوا أنه أشد الناس غيرة لمحارم الله، وأقوم الناس بحدود الله على من يستحق أن يقام عليه الحد، حتى قال لأسامة حِبه وابن حِبه:(أتشفع في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، ويزعم هؤلاء الروافض أن إمامهم المعدوم المزعوم أنه سيقيم الحد عليها الذي لم يقمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل ترى أشدَّ منهم حقداً وافتراءً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشد طعناً فيه وفي أهل بيته؟!
فقبح الله وأخزى الروافض الحاقدين على رسول الله والطاعنين فيه، ووالله ما يقصدون بالطعن في أصحاب رسول الله وزوجاته بل الطعن في القرآن إلا الطعن في رسول الله ورسالته العظيمة.
وأما العداوة التي يفتعلها الروافض بين فاطمة وعائشة -رضي الله عنهما- فيدحضها موقف عائشة -رضي الله عنها- البريء الشريف من فاطمة -رضي الله عنها- وروايتها لفضائلها.(1/389)
قال الإمام البخاري -رحمه الله-: حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن فراس عن عامر الشعبي عن مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:"أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"مرحباً يا ابنتي"، ثم أجلسها عن يمينه – أو عن شماله-، ثم أسر إليها حديثاً فبكت فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها، فقالت: أسر إليَّ إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، فبكيت فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة -أو نساء المؤمنين- فضحكت لذلك"، صحيح البخاري، المناقب (3623) (3624)، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة برقم (2450) وبالرقم الخاص 97-98-99 وأحمد في المسند (6/ص282).
فانظر إلى هذه الفضائل العظيمة التي ترويها لنا عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها ما تصف به فاطمة عن قناعة بها.
كما روت عائشة -رضي الله عنها- فضائل خديجة، ومن ذلك "بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ببيت بالجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب"، رواه الترمذي المناقب عن رسول الله - فضل خديجة -رضي الله عنها- (3876)، وقال هذا حديث صحيح، وقال عقبه: من قصب: إنما يعني به قصب اللؤلؤ.
فهذا من أعظم الأدلة على منزلة فاطمة وأمها عند عائشة وحبها وتقديرها لهما، ونقول مثل ذلك في فاطمة -رضي الله عنها- أنها تحب عائشة وتقدرها .(1/390)
ولا يفتعل العداوة بينهما إلا الروافض كما يفتعلون العداوة بين أهل البيت وبين الصحابة، وتاريخ الجميع الصحيح يفضح الروافض أعداء الجميع، ويكفي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأزواجه تزكية الله وتزكية رسوله لهم وشهادة الله لهم بالجنة والرضوان وتعظيم المسلمين حقاً لهم، ولا يضرهم حقد وأكاذيب الأعداء ومن على نهجهم.
من سورة الحجرات
وقال القمي (2/318-319):
"وقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ فإنها نزلت في مارية القبطية أم إبراهيم ع
وكان سبب ذلك أن عائشة قالت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إن إبراهيم ليس هو منك و إنما هو من جريح القبطي فإنه يدخل إليها في كل يوم، فغضب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم و قال لأمير المؤمنين -رضي الله عنه- خذ السيف وأتني برأس جريح فأخذ أمير المؤمنين -رضي الله عنه- السيف ثم قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنك إذا بعثتني في أمر أكون فيه كالسفود المحماة في الوبر فكيف تأمرني أثبت فيه أو أمضي على ذلك فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بل تثبت، فجاء أمير المؤمنين -رضي الله عنه- إلى مشربة أم إبراهيم فتسلق عليها فلما نظر إليه جريح هرب منه وصعد النخلة فدنا منه أمير المؤمنين -رضي الله عنه- و قال له انزل، فقال له يا علي اتق الله ما هاهنا أناس، إني مجبوب ثم كشف عن عورته، فإذا هو مجبوب، فأتى به إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما شأنك يا جريح فقال يا رسول الله إن القبط يجبون حشمهم و من يدخل إلى أهليهم و القبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين فبعثني أبوها لأدخل إليها و أخدمها وأؤنسها فأنزل الله
عزو جل» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ« الآية(1/391)
وفي رواية عبد الله [عبيد الله] بن موسى عن أحمد بن رشيد [راشد] عن مروان بن مسلم عن عبد الله بن بكير قال قلت لأبي عبد الله -رحمهم الله-جعلت فداك كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمر بقتل القبطي و قد علم أنها قد كذبت عليه، أ و لم يعلم و إنما دفع الله عن القبطي القتل بتثبت علي -رضي الله عنه- فقال بلى قد كان و الله أعلم و لو كانت عزيمة من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم القتل ما رجع علي -رضي الله عنه- حتى يقتله، و لكن إنما فعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لترجع عن ذنبها، فما رجعت ولا اشتد عليها قتل رجل مسلم بكذبها".
أقول:
1- إن الخطاب في الآية لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الدرجة الأولى.
فهذه شهادة من الله لهم بالإيمان، وتربية لهم على مواجهة أخبار الفاسقين حتى لا يظلموا بها أحداً، والروافض لا يؤمنون بتزكيات الله ورسوله لهؤلاء الصحابة النبلاء، وهم أشد الناس تقبلاً لأخبار الكذابين الفاسقين!
2- إن الحادثة التي نزلت هذه الآية بسببها قد ذكرها كثير من المفسرين، وأنها نزلت في الوليد بن عقبة لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ الصدقة من بني المصطلق فخافهم ورجع مدعياً أنهم منعوا الزكاة، وإن كان لبعض العلماء نظر في هذا النبأ، وعلى كل حال فإن نسبتها إلى الوليد بن عقبة أهون ملايين المرات من نسبتها إلى الشريفة الطاهرة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم البريئة المبرئة مما رماها المنافقون أسلاف هؤلاء الزنادقة الحاقدين.
3- إن عائشة –رضي الله عنها– بريئة من قذف أي مؤمن أو مؤمنة، بل قذف أي كافر أو كافرة، فكيف تقذف سرية سيد الأنبياء وأم إبراهيم ابن محمد صلى الله عليه وسلم.(1/392)
4- إن الروافض هم أشد الناس فسقاً وكذباً وفجوراً، فلا يجوز لمسلم أن يقبل لهم شهادة ولو في أتفه الأشياء، ولا يجوز أن يقبل لهم خبراً ولو في أخس الأشياء، فكيف بأخبارهم عن الصحابة؟! بل كيف بطعنهم في الصحابة وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وزوجاته صلى الله عليه وسلم؟! لأن من طعن فيهن فإنما يطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من سورة التَّحريم
وقال القمي (2/377):
"قال علي بن إبراهيم في قوله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا ثم ضرب الله فيهما مثلا فقال ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فقال والله ما عنى بقوله فَخانَتاهُما إلا الفاحشة وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق وكان فلان يحبها فلما أرادت أن تخرج إلى... قال لها فلان لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم فزوجت نفسها من فلان".
أقول:
قاتل الله هذا الباطني كيف يرمي زوجتي نوح ولوط بالفاحشة ليتوصل بذلك إلى الطعن في زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة الطاهرة التي برأها الله في عشر آيات من كتابه، إن هذا لهو الكفر الغليظ و هو طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وزوجات الأنبياء لا يزنين بالإجماع، وخيانة زوجة نوح هي قولها عن نوح: إنه مجنون، وخيانة زوجة لوط بدلالتها على ضيوفه لا بالزنا، وانظر إلى هذه الافتراءات على أم المؤمنين -رضي الله عنها-.
1- قوله:" وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت "في طريق".
أي أنها - برأها الله- ارتكبت الفاحشة في طريق، ما أدري ماذا يريد: أطريق البصرة حينما ذهبت للصلح بين المسلمين أو أي طريق؟!
2- قوله:"وكان فلان يحبها فلما أرادت أن تخرج إلى "يعني الخبيث إلى البصرة" قال لها فلان لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم فزوجت نفسها من فلان ".(1/393)
لا ندري من هو هذا المفتي الذي أفتاها بعدم الخروج، والظاهر أنه يعني الصحابي الجليل الزبير بن العوام -رضي الله عنه- وبرأه الله.
ويقصد الخبيث الأفاك بالذي يحبها وتزوجت به الصحابي الجليل طلحة، برأه الله وأخزى قاذفه وقاذف أم المؤمنين الطاهرة المبرأة.
فوالله ما وصل اليهود وخبثاء المنافقين إلى هذه الدركة من الإفك والبهت، وانظر إلى هذه الهمهمات والزمزمات الدالة على أنه أفاك:" ليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق"!
فمن هو الذي يقيم الحد؟ ومن هي التي يقام عليها الحد؟ وفي أي طريق أتت ما يوجب الحد؟ إنها لزمزمات وهمهمات المجرمين.
ما هذا الإفك والبهت على زوجات الأنبياء؟! أليس هذا طعناً في سيد الرسل صلى الله عليه وسلم وفي أخويه النبيين الكريمين: نوح ولوط الذي أهلك الله قومه بدعوته لما كذبوه وأصروا على ارتكاب فاحشة اللواط.
ثم أقول:
لماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم عائشة -رضي الله عنها- ويحبها إلى أن مات وهي هذا حالها؟!! أليس هذا طعناً في شرفه ورسالته ورجولته؟
ولماذا يكرمها علي –رضي الله عنه- بعد وقعة الجمل ويعيدها مكرمة معززة وقد فعلت ما فعلت وزوجت نفسها كما يفتري عليها هذا الأفاك، والله يقول:(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)، ويقول تعالى:(وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما).
إن هذا الزواج والله لم يقع؛ لأنه كفر كبير يحجز عنه إيمان زوجات رسول الله المتين، ويحجز عنه إيمان الصحابة وسيوفهم –رضي الله عنهم-.
ثم لماذا يقر عليٌّ هذه الأفعال العظيمة فلا يغضب لله ولا لرسوله ولا لدينه وهو الخليفة الذي يخضع لخلافته وحكمه معظم العالم الإسلامي في وقته؟!! ألا يدل عدم هذا على إفك الروافض.
ثم أليس هذا طعناً في علي -رضي الله عنه- بل طعن في أهل البيت وفي الصحابة جميعاً.؟!!(1/394)
وبعد فهذا هو دين الروافض وتعظيمهم لكتاب الله تعالى ولرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولعلي رضي الله عنه الذي يتظاهرون بحبه وتعظيمه.
قصة مارية القبطية
أم إبراهيم بن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها الجم الغفير من العلماء.
منهم الإمام مسلم-رحمه الله- في صحيحه (كتاب التوبة -حديث 2771):
من طريق: حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس:"أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، فَأَتَاهُ عَلِيٌّ فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ اخْرُجْ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَهُ ذَكَرٌ".(1/395)
ومنهم الإمام الطحاوي روى بإسناده إلى محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه - عن أبيه عن جده قال: كان الناس قد تجرؤوا على مارية في قبطيّ كان يختلف إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انطلق"، فإن وجدته عندها فاقتله، فقلت: يارسول الله أكون في أمرك كالسكة المحماة وأمضي لما أمرتني لا يثنيني شيء أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال:"الشاهد يرى ما لا يرى الغائب"، فتوشحت سيفي، ثم انطلقت فوجدته خارجاً من عندها على عنقه جرة، فلما رأيته اخترطت سيفي، فلما رآني إياه أريد ألقى الجرة وانطلق هارباً فرقى في نخلة، فلما كان في نصفها وقع مستلقياً على قفاه، وانكشف ثوبه عنه، فإذا أنا به أجبُّ أمسح ليس له شيء مما خلق الله للرجال، فغمدت سيفي، وقلت مه؟ قال: خيراً رجل من القبط، وهي امرأة من القبط، وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم احتطب لها واستعذب لها، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت. شرح مشكل الآثار (12/473-474) ورواه أبو نعيم في الحلية (7/92-93) والبزار في مجمع البحار (2/237) وفيه بهذا الإسناد: قال علي -رضي الله عنه-: أُكثِر على مارية أم إبراهيم في قبطي ابن عم لها كان يزورها ويختلف إليها، وفيه: فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما رآني أقبلت نحوه تخوف أنني أريده، فأتى نخلة فرقى فيها ثم رمى نفسه على قفاه ثم شغر برجله، فإذا هو أجب أمسح ماله قليل ولا كثير، إلى قوله الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت.
ماذا في هذه الروايات:
1- في رواية مسلم عن أنس أن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله.
2- وفي رواية الطحاوي عن علي قال: كان الناس قد تجرؤوا على مارية في قبطي كان يختلف إليها.
3- وفي رواية البزار عن علي -رضي الله عنه- أُكثر على مارية أم إبراهيم في ابن عم لها كان يزورها ويختلف إليها.
فمن هم هؤلاء المتهمون لمارية؟(1/396)
فهل قال أنس أو علي: إنها عائشة؟!! حاشاها وحاشاهما مما يأفكه الزنادقة المستهترون بعرض أفضل الرسل والبشر جميعاً، ثم إن ألفاظهما عامة ومن قول علي كان الناس قد تجرؤوا على مارية.
لقد كانت مارية تسكن بالعالية من المدينة بعيدة عن عائشة وزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهن في الحجاب.
والذي نعتقده أن المنافقين هم الذين كانوا يشيعون الأخبار الكاذبة عن مارية برأها الله.
يقول المنافقون ذلك طعنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل رأس النفاق عبد الله بن أبي بعائشة قبلها وقد برأها الله، والذي يؤمن برسول الله ويحترمه لا يجعل زوجاته بين قاذفة ومقذوفة لا سيما بعد ما نزلت براءة عائشة في قرآن يتلى في مشارق الأرض ومغاربها إلى يوم القيامة، ويؤمن ببراءتها وفضلها ومكانتها وما أنزل في شأنها من قرآن كل مؤمن، ولا يقدح فيها إلا كل زنديق حاقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أسرته وأصحابه.
ولا أجد ما أحكم به على هذا الصنف أولى من قول الله:(إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدلهم عذابا مهينا) ولقد أجمعت الأمة على كفر قاذف عائشة -رضي الله عنها-.
اللهم إنا نشهدك أننا نحب رسولك محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وزوجاته الشريفات وأهل بيته الكرام فنسألك اللهم التوفيق لطاعة هذا الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم في كل أمورنا وإتباعه في عقائدنا ومناهجنا وأخلاقنا.
ونسألك أن تُثبِّتنا على ذلك إنَّك جواد كريم، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
4/رمضان/1427هـ
فهرس الموضوعات
(ق): رمز القمِّي، و(ع) رمز العياشي.
الموضوع ... الصَّفحة
ثناء الله على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ... 2
ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه رضي الله عنهم على وجه العموم. ... 4
من مناقب أبي بكر -رضي الله عنه-. ... 5
من مناقب عمر -رضي الله عنه-. ... 5(1/397)
من مناقب عثمان -رضي الله عنه-. ... 8
من مناقب الخلفاء الثلاثة – رضي الله عنهم-. ... 9
من مناقب علي- رضي الله عنه-. ... 10
من مناقب الزبير -رضي الله عنه-. ... 11
من مناقب سعد -رضي الله عنه-. ... 12
من مناقب طلحة –رضي الله عنه-. ... 12
منقبة كبيرة للعشرة. ... 13
موقف الصحابة من أبي بكر وعمر وعثمان –رضي الله عنهم-. ... 13
موقف علي –رضي الله عنه- من أبي بكر وعمر وسائر الصحابة -رضي الله عنهم-. ... 14
بيعة علي لعثمان -رضي الله عنهما-. ... 15
موقف علي – رضي الله عنه- من طلحة والزبير –رضي الله عنهما-. ... 16
موقف أئمة أهل البيت من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ... 16
إجماع أهل البيت على تولي أبي بكر وعمر –رضي الله عنهما-. ... 18
تنبيه. ... 20
انطلاق الروافض في تفسير القرآن من قواعد باطنية. ... 20
مكائد الروافض التي يجب التنبه لها. ... 23
ادعاء الرَّوافض ظلمًا وزورًا أنَّ الصَّحابة حرَّفوا القرآن. ... 26
تنبيهات. ... 34
ميزة هذا الكتاب. ... 37
الردّ على القمِّي والعياشي ومن شايعهم. ... 38
ق ، ع - تحريف قوله تعالى:( اهدنا الصراط المستقيم ) حيث جعل علياً هو الصراط. ... 38
ع - تحريف قوله تعالى:( غير المغضوب عليهم ) حيث فسرها بفلان وفلان وفلان ... إلخ يعني أبا بكر وعمر وعثمان. ... 39
ق ، ع – تحريفهما قوله تعالى:( الم ذلك الكتاب ) حيث فسرا الكتاب بعلي. ... 40
ق ، ع – تحريفهما قول الله تعالى:( هدى للمتقين ) حيث فسرا المتقين بالشيعة. ... 40
ع – تحريف قوله تعالى:( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) إلى قوله ( ومما علمناهم ينبؤن ). ... 40
ق – تحريف قول الله:( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ) حيث فسر البعوضة بعلي، وما فوقها بمحمد صلى الله عليه وسلم. ... 40
ق – حكمه على الصحابة بأنهم كفار فاسقون خاسرون؛ لأنهم نقضوا عهد علي ولم يصلوه هو والأئمة. ... 40
ق – تحريف قول الله تعالى:( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) إلى القصَّاص والخُطاب. ... 41(1/398)
ق – تحريفه قول الله:( واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ) حيث فسرها بقوله "والله لو أن كل ملك مقرب ونبي مرسل شفعوا في ناصب ما شفعوا". ... 42
ع – رميه لآدم بأنه حسد النبي وعلياً والحسن والحسين ولم يقر بالولاية، فرمته الجنة بأوراقها ... إلخ وإنكار الولاية عند الروافض كفر. ... 42
ع – تصريحه بما يدل على أنه يسلك في تفسير القرآن مسلك الباطنية، وتكفيره الصحابة بالولاية المزعومة. ... 44-45
ع – افتراؤه على أبي عبد الله بأن خطاب الله لبني إسرائيل إنما هو لأهل البيت. ... 44
ع – افتراؤه على أبي جعفر بأنه قال : ( نحن حِطتكم ) تفسيراً لقول الله يعالى لبني إسرائيل: ( وقولوا حطة ). ... 45
ع – قال المحقق الموسوي معلقاً على قول الله: ( فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم ) بأن المبدلين هم الصحابة وعليهم أنزل الله الرجز بإسناد ذلك إلى العسكري. ... 46
ق - تحريف قول الله في اليهود:( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ) الآية إلى قصَّة عثمان وأبي ذر – رضي الله عنهما-. ... 47
ق والمحقق – تحريفهما لقول الله تعالى:( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) إلى ما افتروه من توسل آدم بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. ... 50
تحريف آخر لقوله تعالى:( فأتمهن ) بقوله " فأتمهن إلى القائم " يعني المهدي. ... 50
ع – حرَّف قوله تعالى:(فأتمهن ) بقوله " بمحمد وعلي والأئمة من ولد علي. ... 50
ع – فسر قوله تعالى:( لا ينال عهدي الظالمين ) بالخلافاء الثلاثة ومن تبعهم ناسباً ذلك إلى الله وإلى إبراهيم. ... 50
ع – تحريفه لقوله تعالى:( ومن يرغب عن ملة إبراهيم ) حيث فسر الملة بالإمامة. ... 50
ع – تحريف قوله تعالى:( رب اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله ) قال: إيانا عنا بذلك وأولياءه وشيعة وصيه. ... 51(1/399)
ع – تحريف قول الله تعالى:( ومن كفر فأمتعه قليلاً ... ) الآية حيث قال:"عنا بذلك من جحد وصيه ولم يتبعه من أمته وكذلك والله حال هذه الأمة" أي أنهم كفار. ... 51
ع – يفتري العياشي على أبي عبد الله أن الأمة المسلمة في دعوة إبراهيم وإسماعيل إنما هم بنو هاشم خاصة. ... 51
ع – تفسير قول الله عن يعقوب أنه قال لبنيه:( ما تعبدون من بعدي ...) الآية بأنها جرت في القائم أي المهدي المزعوم. ... 52
ع – تحريف قول الله للمؤمنين جميعاً:( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ... ) الآية إلى آل محمد بل علي والحسن والحسين وفاطمة وجرت بعدهم في الآئمة. ... 52
ع – تحريف قوله تعالى:( صبغة الله ... ) الآية أن صبغة الله هي معرفة أمير المؤمنين بالولاية في الميثاق. ... 53
ق – تحريف قول الله:( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) إلى أئمة وسطا، ويدعي أنها هكذا نزلت. ... 53
ق، ع – تفسير قوله تعالى لأمة محمد:( لتكونوا شهداء على الناس ) قالا:" أي آل محمد يكونون شهداء على الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلَّم". ... 53
ق- تفسير قوله تعالى:( وأتوا البيوت من أبوابها ) بعلي. ... 56
ع- تحريف قوله تعالى:( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات ... الآية ) إلى علي وأهل بيته. ... 56
ع- تحريف قوله تعالى:( أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ). ... 57
ع- تحريف قوله تعالى:( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ) بقوله:"هم أولياء فلان وفلان وفلان" يعني الخلفاء الثلاثة. ... 57
ق – تحريفه لقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) بقوله "ادخلوا في ولاية أمير المؤمنين". ... 57
ع – تفسيره لقول الله تعالى:( إن ترك خيراً الوصية للوالدين ... الآية ) بأنها حق جعله الله لصاحب هذا الأمر. ... 58
ع – وصف الله تعالى بالعدوان على نسل قتلة الحسين. ... 58
ع – السلم ولاية علي والأوصياء، وخطوات الشيطان هم فلان وفلان وفلان يعني الخلفاء الثلاثة. ... 59(1/400)
ع – تحريف قوله تعالى:( في ظلل من الغمام والملائكة ) إلى القائم وجنده الملائكة. ... 60
ع – قوله بالبداء، وأن الناس قبل نوح كانوا ضلالاً . ... 60
ع – تحريفه لقول الله تعالى:( حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى ) حيث قال: الصلاة رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والوسطى أمير المؤمنين، وهذه هي الباطنية. ... 61
ق – الزيادة المتعمدة في آية الكرسي. ... 62
ق – تفسير الطاغوت بأصحاب محمد صلَّى الله عليه وسلَّم بأنهم في زعمهم اغتصبوا حق آل محمد صلى الله عليه وسلم. ... 62
ق – تفسير العروة الوثقى بأمير المؤمنين، والمعتصمون به هم الروافض. ... 62
ق – تفسير قوله تعالى:( الله ولي الذين آمنوا ) بالروافض. ... 62
ق – تفسير قوله تعالى:(الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ) بالظالمين آل محمد حقهم المزعوم. ... 62
ق – تفسير قوله تعالى:( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ) بأن الخير الكثير معرفة الإمام والأئمة. ... 63
ع – تحريف الآيات المحكمات إلى أمير المؤمنين والأئمة. ... 64
ع – تحريف الآيات المتشابهات إلى فلان وفلان وفلان يعني الخلفاء الثلاثة. ... 64
ع – تحريف قوله تعالى:( والذين في قلوبهم زيغ ) إلى أصحاب هؤلاء الخفاء. ... 64
ق – تخصيص معرفة المحكم برسول الله والأوصياء. ... 64
ع – جعل وَصْفَ الله بالقيام بالقسط لأمير المؤمنين. ... 65
ع – تحريف قول الله:( قل اللهم مالك الملك ... الآية ) وأن الملك لأهل البيت واغتصبه بنو أمية. ... 65
ع – يقول: لا إيمان لمن لا تقية له. ... 66
ق ، ع – زيادة الأفاكين "وآل محمد" في قوله تعالى:( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) واتهام الصحابة بإسقاطها. ... 67
ع – إدخال قضية الخمس في آية المباهلة بطريقة كاذبة وبيان الحق في ذلك. ... 68
ع – إدخال الروافض في آل محمد صلى الله عليه وسلم. ... 69
ع – تخصيص قول الله:( إن أولى الناس بإبراهيم ... الآية ) بالأئمة وأتباعهم؛ لإخراج أصحاب محمد. ... 69(1/401)
ق – أخذ الله الميثاق على النبيين من عالم الذر لينصرن علياً. ... 69
ع – دعوى العياشي الأفاك أن القرآن قد طرح منه شيء كثير. ... 71
ع – الأنبياء يبعثون لنصرة علي وقد أخذ عليهم الميثاق بذلك. ... 72
ق – تحريف القمي لقول الله تعالى:( أفغير دين الله يبغون ). ... 75
ق – تحريفه لقول الله:( وله أسلم من في السماوات والأرض ). ... 75
ق – تكفير أصحاب محمد وإنزال الوعيد واللعن عليهم. ... 75
ق – تحريف وحذف في قول الله تعالى:( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ). ... 75
ع – تحريف قول الله:( وله أسلم من في السموات والأرض ) بجعل ما يخص الله للقائم . ... 76
ع –تحريفه لقوله تعالى:( حتى تنفقوا مما تحبون ) لفظاً ومعنى. ... 77
ع – تحريفه لقوله تعالى:( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) بسلب حق الله وبالزيادة الكفرية. ... 78
ق، ع – تحريف قول الله تعالى:( واعتصموا بحبل الله جميعاً ) إلى معنى شركي رافضي. ... 79
ع – تكفيره للأمة أخذاً من قول الله تعالى:( كنتم خير أمة ...) الآية. ... 80
ق – تحريفه لقول الله تعالى:( كنتم خير أمة ) بقلبها لفظاً ومعنى. ... 81
ق – توجيه قول الله تعالى:( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مع كلام خبيث في أبي بكر وعمر وعثمان. ... 82
ع – حكمه بالردة على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم. ... 83
ق – تنزيله قول الله تعالى:( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ) على الروافض. ... 85
ق – كذبه على الله في تفسير قول الله تعالى:( كل نفس ذائقة الموت ... الآية، وفي كذبه تفضيل أهل البيت على الأنبياء. ... 86
ع – افتراؤه على أصحاب رسول الله بأنهم هم الذين قتلوه صلى الله عليه وسلم. ... 87
ع – افتراؤه مرة أخرى بأن زوجتيه قد سمتاه صلى الله عليه وسلم. ... 88
ع – تحريفه قول الله:( وما للظالمين من أنصار ). ... 89
ع – تحريفه لقول الله تعالى:( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان ). ... 89(1/402)
ق – تخصيصه لقوله تعالى:( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم ...) الآية بعلي وسلمان وأبي ذر. ... 89
ق – تفسيره لقول الله تعالى:( اصبروا وصابروا ورابطوا ) قال : رابطوا على الأئمة وفيه إبطال الرباط في الجهاد. ... 90
ع – تفسيره للآية السابقة بأسوأ من تفسير القمي، ومنه التقية وزيادة ( مالبدنا ربكم ) في الآية. ... 90
تفسير سورة النِّساء. ... 92
تفسير رشد اليتامي بحب آل محمد صلى الله عليه وسلم. ... 92
ع – تحريف قوله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم ) إلى عقيدة الرفض. ... 92
ع – يقذفون عائشة ويفترون على أهل السنة أنهم قذفوا فاطمة. ... 94
ق ، ع – تحريفهما لقوله تعالى:( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) إلى الأئمة. ... 96و97
ع – تحريفه وعيد الله للمشركين إلى الكفر المزعوم بولاية علي. ... 98
ق – تحريفه وعيد الله للكافرين إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم باسم اغتصاب ولاية علي. ... 98
ق – تحريفه لقوله تعالى:( ألم تر إلى الذين يشترون الضلالة .... الآية ) بالضلال عن علي رضي الله عنه. ... 100
ق – تحويله قوله تعالى:( ألم تر إلى الذين يزكون ... الآية ) إلى الخلفاء الثلاثة. ... 100
ق – تحريفه لقوله تعالى:( ألم تر إلى الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت ) إلى أصحاب محمد وتنزيل اللعن عليهم. ... 101
ق – تحريفه لقوله تعالى:( أم يحسدون الناس ) من قصد اليهود إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كما يفتري حسدوا علياً . ... 101
ق – تحريفه لقول الله:( فمنهم من آمن به ) حيث قال: يعني بأمير المؤمنين. ... 102
ق – تحريفه لقوله تعالى:( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات ...الآية) إلى الروافض. ... 102
ق – تحريفه لقوله تعالى:( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) إلى الزبير. ... 103
ق – تحريفه لقوله تعالى:( رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ) إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ... 104
ق – تحريفه لقوله تعالى:( ... ثم جاؤك يحلفون بالله ... الآية ) إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ... 104(1/403)
ق – تحريفه لقول الله تعالى في حق محمَّد صلى الله عليه وسلم:( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك ) إلى علي. ... 105
ق – جعله هذه الآية ذماً لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان لله جعلوه لعلي. ... 106
ق – تحريفه الشنيع لقول الله تعالى:( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ... الآية ) وإدخال القائم المفترى فيها. ... 106و107
ع - تحريفه لقول الله تعالى:( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )، ورميه للصحابة بالجبت والطاغوت، وتنزيل اللعن عليهم. ... 107
ع – تحريفه لقوله تعالى:( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات ... الآية )، فالأمانات عنده هي الإمامة والعلم والسلاح التي تتداولها أئمتهم. ... 109
ع – تحريفه لقوله تعالى:( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر ) وزيادته فيها. ... 110
ع – تحريفه لقوله تعالى:( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ... الآية ). ... 112
ع - تحريفه لقوله تعالى:( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ) بإدخاله الروافض فيهم مع العلم أنه يكفر الصحابة. ... 112
ع - تفسيره لقوله تعالى:( إلا المستضعفين من الرجال والنساء ... الآية ) بحملها على أهل البيت. ... 113
ع – تحريفه لقوله تعالى:( من يطع الرسول فقد أطاع الله ... إلى ( حفيظا ) إلى تكفير من لا يعرف ولاية ولي الله ولو قام ليله وصام نهاره ... إلخ. ... 113
ق ، ع – تحريفهما لقوله تعالى:( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ) حيث قالا: فضل الله رسول الله ورحمته ولاية الأئمة وتفسير آخر. ... 114
ق – تحريفه لقوله تعالى:( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ... الآية ) إلى من اعتزل أمير المؤمنين. ... 115
ق ، ع – تنزيلهما قوله تعالى:( إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا ) على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ... 116و117(1/404)
ق – تحريفه لقوله تعالى:( وقد نزل عليكم في الكتاب ان إذا سمعتم آيات الله يكفر بها .. الآية ) حيث قال: آيات الله هم الأئمة. ... 118
ق – تحريفه لقول الله تعالى:( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ) حيث قال: النور إمامة أمير المؤمنين. ... 119
ق – تحريفه لقوله تعالى:( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به ... الآية ) حيث حولها للروافض. ... 119
ع – تحريفه لقوله تعالى:( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به ... الآية ) حيث جعلها في الإقرار بإمامة الإمام، ومرة جعلها في رسول الله صلى الله عليه وسلم. ... 119و120
تفسير سورة المائدة. ... 121
ق – تحريفه لقوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) حيث قال: العقود التي عقدت لأمير المؤمنين، زادها من عنده وحرَّف المراد من الآية. ... 121
ق – تحريفه لآية:( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) إلى ولاية أمير المؤمنين. ... 122
ق – تحريفه لآية:( اليوم أكملت لكم دينكم ... الآية ) إلى الولاية. ... 123
ع – تحريفه لآية:( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) حيث قال:"يوم يقوم القائم يئس بنو أمية فهم الذين كفروا". ... 125
ق – تحريفه لقوله تعالى:( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) حيث قال: نزلت هذه الآية في علي، وذكر خطبة طويلة أدخل فيها ما يريد. ... 126-129
ع – ربط قوله تعالى:( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) بولاية علي. ... 132
ع – تحريفه آية:( يحكم به ذوا عدل ) حيث قال: العدل رسول الله والإمام بعده، ثم قال: وهذا ما أخطأت به الكُتَّاب، ثم قال بعد الآية: يعني رجلاً واحداً يعني الإمام ... إلخ. ... 134
ع – تحريفه لآية:( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ) حيث قال : يقول : ماذا أجبتم في أوصيائكم ... إلخ. ... 135
تفسير سورة الأنعام. ... 136
ع – تحريفه لقوله تعالى:( لأنذركم به ومن بلغ ) حيث قال : الأئمة بعده وهم ينذرون به الناس، وذهب يهذي. ... 136(1/405)
ق – تحريفه لآية:( ولو ترى إذ وقفوا على النار ... الآية ) إلى بني أمية. ... 137
ق- تحريفه لقوله تعالى:( بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ) حيث قال : من عداوة لأمير المؤمنين. ... 137
ق – تحريفه لآية:(والله ربنا ما كنا مشركين ) إلى أن المراد ولاية علي. ... 138
ق – تحريفه لآية:( والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات ... الآية حيث قال : نزلت في الذين كذبوا بأوصيائهم ثم وصفهم بأنهم من ولد إبليس وبالضلال. ... 138و139
ق ، ع – تحريفهما لآية:( فلما نسوا ما ذكروا به ... الآية ) بأنهم تركوا ولاية علي. ... 139و140
ق – تحريفه لآية:( وعنده مفاتح الغيب ... الآية ) تحريفاً باطنياً. ... 141
ق – تحريفه لآية:( أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء ) قال: أصحابه وقريش ومن أنكر بيعة أمير المؤمنين. ... 142
ق – حرف قوله تعالى:( فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) إلى الروافض. ... 143
ع – طعنه في عيسى بن زيد بن علي ورميه بالخبث وهو من أولاد فاطمة. ... 143
ع – تحريفه لقول الله تعالى:( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ...) الآية حيث قال : من ادعى الإمامة دون الإمام. ... 144
ق – تحريفه لقوله تعالى:( ولو ترى إذ الظالمون - آل محمد حقهم – في غمرات الموت ) زاد آل محمد تحريفاً فحرف بقية الآية لآل محمد. ... 145
ق – تحريفه لآية:( إن الله فالق الحب والنوى ، حيث قال : الحب ما أحبه الله والنوى ما بعد عنه تحريفاً آخر لأهل البيت. ... 145
ع – حرَّف هذه الآية أيضاً. ... 146
ق – تحريفه لقوله تعالى:( وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الجن والإنس ) إلى الطعن في أبي بكر وعمر. ... 146
ق – تحريفه لقوله تعالى:( وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً )، حيث ذكر الأفاك من أي شيء يخلق الله الأئمة وماذا يكتب بين أعينهم وأنهم يبصرون أعمال العباد. ... 147
ق – تحريفه لقول الله:( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك الآية) حيث قال : يعني يحيروك عن الإمام. ... 148(1/406)
ق – تحريفه لقوله تعالى:( وبالوالدين إحسانا ) حيث جعل الوالدين رسول الله وعلياً. ... 148
ق – تحريفه لقوله تعالى:( وأن هذا صراطي مستقيماً ) حيث جعل الصراط الإمام. ... 148
ق - تحريفه لقول الله تعالى:( ولا تتبعوا السبل ) حيث قال يعني غير الإمام وروى عن أبي جعفر أنه قال " نحن السبيل فمن أبى هذا السبيل فقد كفر ". ... 148و149
ع – فسر الصراط بولاية علي والأوصياء، وفسر ( ولا تتبعوا السبل ) بولاية أبي بكر وعمر. ... 149
ق – فسر قول الله تعالى:( إن الذين فرقوا دينهم ... الآية ) بمفارقة أمير المؤمنين. ... 150
تفسير سورة الأعراف. ... 151
ع – فسر قوله تعالى:( المص ) بدولة عبد المطلب ودولة الرسول ودولتي بني أمية وبني العباس على الطريقة اليهودية. ... 151
ق – فسر قوله تعالى:( ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ) بقوله : قال بالأئمة يجحدون. ... 153
ع – فسر الصراط المستقيم بعلي. ... 153
ق – فسر قوله تعالى:( ... ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) بالزبير وطلحة. ... 153
ع – حرَّف قوله تعالى:( وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ) حيث قال : يعني الأئمة. ... 154
ع – تحريفه لقوله تعالى:( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) بأن القرآن له ظاهر وباطن، فالمحرمات جميعاً هي أئمة الجور في الباطن، والحلال جميعه أئمة الحق في الباطن. ... 155
ع – حرَّف قوله تعالى:( ... ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) إلى طلحة والزبير. ... 155
ع – حرَّف قوله تعالى:( فأذن بينهم مؤذن ... الآية ) إلى علي. ... 156
ع – افتراء على علي بأنه قال : أنا يعسوب المؤمنين وأنا أول السابقين ... وأنا قسيم الجنة والنار وأنا صاحب الأعراف. ... 156
ع – علي والأوصياء أعراف بين الجنة والنار، ولا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه. ... 156
ع – قوله بأسطورة الجفر الذي فيه علوم الأولين والآخرين ويعلم أهل البيت هذه العلوم. ... 157(1/407)
ع – تفسيره لقول الله تعالى:( فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ) بأن النور هو علي. ... 160
ع – قال : إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً خمسة عشر من قوم موسى ... إلخ. ... 160
ع – الجري ( نوع من السمك والضب واليربوع كانوا بشراً فمخسوا إلى هذه الأصناف لأنهم لم يعترفوا بولاية علي ). ... 161
ق – تحريفه لقول الله تعالى:( والذين يمسكون بالكتاب ) حيث قال : نزلت في آل محمد وأشياعهم ( يعني الروافض ). ... 163
ع – علي آمن بالنبي زمن الميثاق وهو الصديق الأكبر وهو الفاروق. ... 164
ق – أخذ الله الميثاق على بني آدم من عالم الذر أن يؤمنوا بإمامة علي والأئمة. ... 164
ع – العياشي يشبه المغيرة بن شعبة ببلعم الكافر. ... 166
ع – الأئمة هم الأسماء الحسنى. ... 166
ع – تحريفه لقوله تعالى:( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق ... الآية ) حيث فسره بالأئمة . ... 167
ع – تحريفه لقوله تعالى:( خذ العفو وأمر بالعرف ) إلى الولاية والأعراض عنها. ... 167
تفسير سورة الأنفال. ... 168
ع – من قرأ الأنفال في كل شهر صار من شيعة أمير المؤمنين والناس يحاسبون والشيعة يأكلون من موائد الجنة. ... 168
ع – لا يسع الناس جهل الأئمة ولهم صفو المال والأنفال. ... 168
ع – ما كان للملوك فهو للأئمة. ... 169
ق – تحريف قوله تعالى:( إنما المؤمنون إذا ذكر الله ... الآية ) إلى الإمام وأبي ذر وسلمان. ... 170
ع – كلمات الله في الباطن هي عليٌّ. ... 170
ق – تحريف قول الله تعالى:( ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ) بقوله : الكلمات الأئمة. ... 171
ق – تحريفه قول الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحيكم ) إلى ولاية علي . ... 172
ق – تحريفه قول الله:( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا ) إلى بني أمية. ... 172
ع – تحريفه قوله تعالى:( وينزل من السماء ماء ليطهركم به ) حيث فسر السماء بالرسول صلى الله عليه وسلم والماء بعلي. ... 172(1/408)
ع – تحريفه لقوله تعالى:( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا ) إلى جعل الفتنة هي مبايعة غير علي. ... 173
تفسير سورة التَّوبة. ... 175
ق ، ع – تحريفهما لقوله تعالى:( وأذان من الله ... الآية ) حيث جعلا هذا الأذان هو علي، وجعله (ع) خروج القائم. ... 175
ع – حكمه على طلحة والزبير بأنهما إماما كفر. ... 176
ق – تحريفه لقوله تعالى:( وإن نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم ... الآية ) بقوله : إنها نزلت في أصحاب الجمل. ... 177
ق – تحريفه لقول الله تعالى:( ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ) حيث قال : يعني بالمؤمنين آل محمد. ... 178
ع – كل وليجة دون أهل البيت فهي طاغوت. ... 179
ق ، ع – تخصيصهما علياً بقوله تعالى:( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله ... الآية ). ... 180و181
ق ،ع – حملهما قول الله تعالى:( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) على القائم والرجعة. ... 182و183
ع – ربطه قول الله تعالى:( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ) بالقائم المعدوم. ... 183
ع – تحريف قوله تعالى:( فأنزل الله سكينته عليه ) إلى على. ... 184
ع – تحريف قوله تعالى:( وجعل كلمة الذين كفروا هي السفلى ) إلى أبي بكر. ... 184
ع – حمل قوله تعالى:( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ) على أبي بكر وبقية العشرة بالجنة وصرفها عن المنافقين. ... 185
ع – تحريفه لقوله تعالى:( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) إلى معنى دنيء. ... 188
ق – تحريفه قوله تعالى:( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ) حيث قال: إنما نزلت ( يا أيها النبي جاهد الكفار بالمنافقين ). ... 189
ق – تكفيره لأفاضل أصحاب رسول الله بقوله تعالى:( ولقد قالوا كلمة الكفر ) وربطه هذه الآية بالولاية. ... 189
ق – تخصيصه قوله تعالى:( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) بأبي ذر والمقداد وسلمان وعمار. ... 191(1/409)
ق- تخصيصه قول الله تعالى:( ... فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) بالأئمة. ... 192
ع – اختراعه لروايات حول غدير خم وولاية علي رضي الله عنه، وفيها طعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ... 194-196
ق – تحريفه قوله تعالى:( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ... الآية ) إلى الأئمة. ... 197
ع – تحريفه الآية السابقة إلى الميثاق المزعوم والرجعة. ... 198
ع – تحريفه لقوله تعالى:( التائبون العابدون ... الآية ) إلى الأئمة. ... 198
ق – تحريفه لقول الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) بقوله كونوا مع علي بن أبي طالب وآل محمد. ... 199
ق – تحريفه لقوله تعالى:( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ... الآية ) حيث قال: يعني إذا بلغهم موت الإمام يجب أن يخرج من كل بلاد فرقة من الناس. ... 200
ع – تحريفه لقول الله تعالى:( لقد جاءكم رسول من أنفسكم .. الآية ) إلى أهل البيت. ... 200
ع – تحريفه قول الله تعالى:( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) حيث قال: بشيعتنا. ... 201
تفسير سورة يونس. ... 202
ق – تحريفه لقول الله تعالى:( والذين عن آياتنا غافلون ) حيث قال: الآيات أمير المؤمنين والأئمة. ... 202
ع – تحريفه لقوله تعالى عن الكفار:( ... ائت بقرآن غير هذا أو بدله ... ) الآية حيث قالوا: بدل مكان علي أبا بكر وعمر وجعلوا علياً هو القرآن. ... 203
ع – تحريفه لقول الله:( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ) حيث جعل علياً بدل رب العالمين وفي مقامه في هداية التوفيق. ... 204
ق – جعل الهداية في الآية السابقة لمحمد وآله من بعده وهي هداية التوفيق التي لا يقدر عليها إلا الله. ... 205
ق ، ع – تحريفهما لقوله تعالى:( بل كذبوا بمالم يحيطوا بعلمه ) حيث جعلاها دالة على الرجعة المفتراة. ... 205و206
ق – تحريفه لقوله تعالى:( وإما نرينك بعض الذي نعدهم ) حيث فسرها بالرجعة وقيام القائم وجاء في هذا السياق بطوام. ... 207(1/410)
ق – تحريفه لقوله تعالى:( ويستنبئونك أحق هو ) إلى الإيمان بعلي. ... 208
ق – الأئمة هم رسل الله. ... 209
ق – تحريفه لقول الله تعالى:( قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا ) حيث قال: الفضل رسول الله ورحمته أمير المؤمنين والفرح للروافض. ... 211
ع – ادعاؤه أن أولياء الله هم الأئمة وأتباعهم أي الروافض. ... 212
ع – كلمات الله هي الأئمة عند الروافض. ... 213
ع – عند هذا الباطني لا يقبل الله يوم القيامة إلا دين الرَّوافض. ... 213
ع – عند تفسير قوله تعالى لموسى وهارون:( ... واجعلوا بيوتكم قبلة ) حكى أنه يحل لآل محمد الجماع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبيتهم فيه وهم مجنبون. ... 215
ق – تحريفه لقوله تعالى:( ... وما تغني الآيات والنذر ...) الآية حيث قال: الآيات الأئمة والنذر الأنبياء. ... 216
تفسير سورة هود. ... 218
ق – تخصيصه لقوله تعالى:( ويؤت كل ذي فضل فضله ) بعلي. ... 218
ق – حمله قوله تعالى في الكفار:( ألا إنهم يثنون صدورهم ... الآية ) على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ... 218
ق ، ع– تحريفهما لقوله تعالى:( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ) إلى أصحاب القائم المفتر. ... 220
ق ، ع _ تحريفهما لقوله تعالى:( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك ) إلى ولاية علي وساقا روايات مفتراة بهذا الصدد. ... 221-223
ق ، ع – تحريفهما آيات أخر من سورة هود إلى ولاية علي. ... 221و222
ق – تحريفه لقوله تعالى:( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة ) حيث قدم فيها وأخر وحرف معناها. ... 223
ق – حمله قوله تعالى في الكفار:( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ... 223
ق – حمله قوله تعالى:( ألا لعنة الله على الظالمين ) على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ... 223
ق – حمله سبيل الله على الإمامة، والذين يصدون عنها هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ... 223(1/411)
ق- تحريفه لقوله تعالى:( ما كانوا يستطيعون السمع ) حيث قال: ما قدروا أن يسمعوا بذكر أمير المؤمنين إلى تحريف آخر. ... 223
ع – تحريف قوله تعالى عن نوح عليه السلام:( ولا ينفعكم نصحي ) حيث حكى نزولها في العباس. ... 223
ع – تحريفه لقوله الله تعالى:( ولا يزالون مختلفين ) حيث حكى أن ذلك فيمن خالف أهل البيت والشيعة أي الروافض. ... 224
تفسير سورة الرَّعد. ... 226
ق – تحريفه لقوله تعالى:( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من أبائهم ...) الآية إلى الأئمة وشيعتهم أي الروافض. ... 226
ق – تحريفه قول الله تعالى:( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ) إلى الروافض، قال: وذكر الله أمير المؤمنين والأئمة. ... 226
ق – طوبى شجرة في الجنة في دار أمير المؤمنين وليس أحد من الشيعة إلا وفي داره غصن من أغصانها. ... 227
ق – فاطمة خلقت من ماء ثمار شجرة طوبى. ... 227
ق – كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من تقبيل فاطمة! قبح الله القائل. ... 228
ع – جاء بمثل إفك القمي. ... 228
ع – شجرة طوبى تنثر في عرس فاطمة الحلل والسندس والدر والياقوت، ويحضر هذا العرس جبريل وميكائيل وألوف من الملائكة. ... 229
ع – الشيطان يثبت أصبعه في دبر كل مولود إلا أبناء الروافض. ... 230
تفسير سورة إبراهيم. ... 231
ق - صراط العزيز الحميد عنده الطريق الواضح وإمامة الأئمة. ... 231
ق – قول الله لموسى:( ... وذكِّرهم بأيام الله ) فسرها ثلاثة أيام: يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة. ... 231
ق- تحريفه لقوله تعالى:( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ) حيث قال : من لم يقر بولاية أمير المؤمنين بطل عمله ... إلخ. ... 231
ع- تحريفه لقوله تعالى:( وقال الشيطان لما قضي الأمر ) حيث قال : هو الثاني وليس في القرآن وقال الشيطان ألا وهو الثاني يعني الفاروق عمر. ... 232
ع – تعذيب أبي بكر ضعف تعذيب إبليس . ... 232(1/412)
ق – تحريفه لقوله تعالى:( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة ...) الآية حيث حكى أن الشجرة رسول الله وفرعها علي وغصنها فاطمة وثمرتها الأئمة وشيعتهم ورقها. ... 233
ق – حمله قوله تعالى:( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ) على أعداء محمد ويعني بهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ... 234
ع – فسر الشجرة الطيبة بالنبي صلى الله عليه وسلم والأئمة من بعده هم الأصل الثابت، الفرع الولاية لمن دخلها وله تفسير آخر. ... 234
ق – تحريفه لقول الله تعالى عن إبراهيم:( ربنا اغفر لي ولوالدي ) حيث قال إنما نزلت ولولدي والمراد بولدي إسماعيل وإسحاق والحسن والحسين. ... 235
ع – تحريف باطني واضح لقول الله:( ... وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) حيث فسر الصلاة والزكاة بطاعة الإمام. ... 236
ع – تحريفه لقوله تعالى:( فلما كتب عليهم القتال ) حيث قال القتال مع الحسين ... 236
تفسير سورة النحل. ... 237
ق - تحريف قوله تعالى:( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) حيث قال النجم رسول الله والعلامات الأئمة. ... 237
ع – تحريف العياشي للآية السابقة حيث قال : النجم رسول الله والعلامات الأوصياء وفسر النجم أيضاً بأمير المؤمنين. ... 237
ق – تحريفه لقوله تعالى:( فالذين لا يؤمنون بالآخرة ) بقوله "لا يؤمنون بالرجعة" كفر بها الصحابة ومن لا يؤمن بالرجعة وذهب يهذي بالتكفير بالرجعة. ... 238
ع – تحريفه لقوله تعالى:( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً .. الآية ) بقوله "يدعون من دون الله الأول والثاني والثالث الخلفاء الثلاثة". ... 239و240
ع – تحريفه لقوله تعالى:( لا يخلقون شيئاً ) بقوله: " لا يعبدون شيئاً ". ... 240
ق – تحريفه لقوله تعالى:( قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم ...) الآية إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعهم. ... 241
ق – تحريفه لقوله تعالى:( الذين توفاهم الملائكة طيبين ... الآية ) إلى الرافضة. ... 241(1/413)
ق – تحريفه لقوله تعالى:( وأقسموا بالله جهد إيمانهم لا يبعث الله من يموت ...) الآية إلى تكفير من لا يؤمن بالرجعة . ... 242
ع – تحريفه لقوله تعالى:( وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ) إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ... 243
ع – تحريفه لقوله تعالى:( وأقسموا بالله جهد إيمانهم لا يبعث الله من يموت ) إلى الرجعة وهذيانه بافتراءات حولها. ... 244
ع – مواصلة خرافاته حول الرجعة. ... 244و245
ع – أساطير حول جنود القائم. ... 246
ع – تحريفه لقوله تعالى:( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ...) الآية بقوله:" بتكذيبهم آل محمد " فحول دعوة الرسل إلى التوحيد ومحاربة الشرك إلى أكذوبة الروافض حول آل البيت. ... 246
ق و ع – تحريفهما لقوله تعالى:( وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد ) بقوله: " يعني لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد "، فأحل الإمامة المفتراة محل الدعوة إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة وحده. ... 247
ق و ع – تحريفهما لقوله تعالى:( وأوحى ربك إلى النحل ... الآية ) إلى أن النحل هم أهل البيت، والجبال أتباعهم من العرب، والشجر أتباعهم من العجم، والشراب المختلف ألوانه إلى علم أهل البيت. ... 247و248
ق – تحريفه لقوله تعالى:( وضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً ) إلى قوله:( هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل ) حيث فسر العدل بأمير المؤمنين والأئمة. ... 250
ق ، ع- تحريفهما لقوله تعالى:(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا)، بقوله:"نعمة الله هم الأئمة"، وقال العياشي:"عرفوه ثم أنكروه - يعني عليًّا رضي الله عنه-". ... 250
ع- يدعي للأئمة أنهم يعلمون ما في السماوات وما في الأرض وما في الجنة والنار وما بين ذلك ويفتري ذلك على أبي عبد الله. ... 251
ق- تحريفه لقوله تعالى:(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) إلى الأئمة وتكفير الصحابة. ... 252(1/414)
ق- تحريفه لقوله تعالى:(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) حيث فسَّر الإحسان بأمير المؤمنين والفحشاء والمنكر والبغي بالخلفاء الثلاثة. ... 253
ق- تحريفه لقوله تعالى:(وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ)الآية؛ إلى ولاية عليٍّ - رضي الله عنه – وأنه أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغرِّ المحجَّلين وأنَّه يُدخل أولياءه الجنَّة وأعداءه النَّار. ... 254
ق- تحريفه لقوله تعالى:(أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ) إلى قوله:"أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم". ... 254
ق- تحريفه لقوله تعالى:(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) إلى الطعن في أبي بكر وعمر وأصحابهما. ... 258
ق- تحريفه لقوله تعالى في بني إسرائيل:(وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً) إلى الطعن في الخلفاء الثلاثة. ... 258
ق- تحريفه لقوله تعالى في بني إسرائيل:(فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا) حيث قال:"يعني يوم الجمل". ... 258
ق- تحريفه لقوله تعالى عن بني إسرائيل:(بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا) حيث قال:"يعني أمير المؤمنين وأصحابه" ثم استمرَّ في تحريف الآيات في هذا السِّياق تارةً يذكر الحسن والحسين، وتارةً بذكر القائم. ... 258
ع- تحريفه للآية السَّابقة بأسلوبٍ آخر حيث فسَّر قوله تعالى:(لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) بقتل عليٍّ وطعن الحسن إلى تحريفات أخرى حول القائم والحسين. ... 258
ع- ينقل كذبًا عن أبي عبد الله أنه من قتل النَّفس التي حرَّم الله فقد قتل الحسين في أهل بيته. ... 261
ع- تحريفه لقوله تعالى:(وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً) الآية حيث ادَّعى أنَّها نزلت في الحسين والآية مكيَّة. ... 261
ع- لماذا لا يكون القائم المفترى إلاَّ من ذريَّة الحسين؟ ... 262(1/415)
ع- "الروح أعظم من ميكائيل وجبريل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمَّد والأئمة" قال هذا عند تفسير قوله تعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الآية. ... 265
ع- قال إفكًا:"قال: نزل جبريل بهذه الآية هكذا (فأبى أكثر النَّاس ولاية عليٍّ إلاَّ كفورًا)". ... 265
ق- من سورة الفلق، والفلق عنده جب في جهنم وفيه صندوق فيه الخلفاء الأربعة وغيرهم. ... 267
الذبّ عن عائشة رضي الله عنها. ... 268
طعن الفيض الكاشاني صاحب تفسير الصَّافي في عائشة رضي الله عنها ... 268
ق- من سورة النُّور، طعنه الشَّنيع في عائشة وبيان أنَّ الطَّعن في عائشة رضي الله عنها إنَّما هو طعنٌ في عرض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. ... 269
ق- من سور الحجرات، طعن آخر في عائشة رضي الله عنها. ... 273
ق- من سورة التَّحريم، طعن له آخر في عائشة بالفاحشة أخزاه الله. ... 274
قصَّة مارية القبطيَّة رضي الله عنها. ... 276
فهرس الموضوعات. ... 278(1/416)