الالتفات في البلاغة العربية
ونماذج من أسرار بلاغته في القرآن الكريم
د. طاهر عبد الرحمن قحطان
أستاذ مشارك بقسم اللغة العربية
كلية التربية – جامعة صنعاء
ملخص البحث :
تناول هذا البحث أحد المصطلحات البلاغية المهمة في البحث البلاغي الذي يمثل أحد أساليب العرب البيانية؛ وذلك لتفرده البياني ومدلوله البلاغي، مما جعل البلاغيين القدماء يعدونه من أجلِّ علوم العربية وأمير جنودها، وهو خلاصة علم البيان التي يدندن حولها البلاغيون والنقاد.
وقد أسموه (بشجاعة العربية) التي تعني الإقدام في كل أمر من الأمور، وحاله كحال الرجل الشجاع الذي يتقدم قومه في الأمور الصعبة.
أضف إلى ذلك فإن البلاغيين القدماء قصروا الالتفات على اللغة العربية دون غيرها من لغات الأمم الأخرى، وذلك لتفرده في الأسلوب والمدلول معاً. ومع ذلك فقد بيَّن الباحث أن هذه الدعوة ظنية قائمة على المبالغة.
وفي ضوء ما سبق نقول : إن الالتفات يعد أسلوباً بلاغياً من أساليب التعبير البيانية التي تميز بها القرآن الكريم، والتي لا تكاد تخلو منه سورة من سوره؛ لاسيما أساليب القول وطرقه، إذ ينتقل الكلام من التكلُّم إلى الخطاب وإلى الغيبة، ومن الخطاب إلى التكلم وإلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم وإلى الخطاب فهذه التقسيمات، ينتج عنها ستة أساليب بلاغية، تمثل أبرز أساليب الالتفات عند جمهور البلاغيين.
وهناك أساليب أخرى كثيرة للالتفات تضمنها البحث، وهي تعني : انتقال الفعل من المستقبل إلى الأمر، ومن الماضي إلى المستقبل، ومن المستقبل إلى الماضي. وأيضاً شمل الالتفات انتقال الكلام من خطاب الواحد إلى الاثنين، وإلى الجمع والعكس وهكذا ...
وخلاصة القول : فإن من أبرز أساليب الالتفات التي تناولها البحث تتلخص في الأمور الآتية :
الضمائر.
الأفعال.
الأعداد.(1/1)
وبالإضافة إلى ما سبق تناول البحث فوائد وأسراراً بلاغية تضمنها الالتفات ، ومن أبرزها : التعظيم، والمبالغة والاختصاص، والاهتمام، والتوبيخ، والمدح ... وغير ذلك من الأسرار البلاغية.
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد : فهدف هذا البحث، هومعرفة مفهوم الالتفات، ومكانته، وتطور مصطلحه البلاغي وذلك منذ نشأته؛ حتى نضجه واكتماله، وكذلك معرفة أسراره البلاغية في القرآن الكريم.
وقد حاول الباحث الإجابة عن الأسئلة الآتية :
ما مفهوم الالتفات ؟ وما الوظيفة البلاغية التي يؤديها ؟ ولماذا اهتم به البلاغيون ؟ ثم ما أسرار بلاغته في القرآن الكريم ؟
وإضافة إلى الإجابة عن تلك الأسئلة : فإن الالتفات من المباحث البلاغية التي تأخر نضج مصطلحها عند البلاغيين القدماء،مما جعل الباحث يعده جديراً بالبحث والاهتمام.
أضف إلى ذلك فإن النقاد والبلاغيين المعاصرين لم يكتبوا عن الالتفات بمفهوم جمالي إلا بعد عام (1990م)، مما يجعلنا نقول : إن الكتابة عن الالتفات هي محل إضافة في البحث البلاغي، أما من حيث المنهج فقد طبق الباحث فيه – ما أمكن – المنهج التحليلي الفني الذي يجمع بين النظرية والتطبيق، أضف إلى ذلك التزم الباحث بمفهوم البلاغيين القدماء للالتفات وأسلوب شرحهم له.
وقد اشتمل البحث على أربعة مباحث هي :
المبحث الأول : مفهوم الالتفات ونشأته وتطور مصطلحه.
المبحث الثاني : مكانة الالتفات عند البلاغيين.
المبحث الثالث : من بلاغة أساليب الالتفات في القرآن الكريم.
المبحث الرابع : فوائد بلاغية للالتفات في القرآن الكريم.
وفي نهاية البحث الخاتمة، ثم الهوامش والمصادر.
وأملي أن يكون البحث قد أفاد وأجاد.
المبحث الأول
الالتفات مفهومه ونشأته وتطور مصطلحه
أولاً : مفهومه :(1/2)
يُعد الالتفات فناً من فنون البلاغة العربية، وأسلوباً من أساليبها، وهو في اللغة، مأخوذ من التفات الإنسان ويمنة يسرة؛ حيث يقال : التفتَ بوجهه ، يمنة ويسرة ، مال به، ويقال : لَفَتَ وجهه عن القوم صرفه، ويقال : لفتُّ فلاناً عن رأيه صرفته عنه، ومنه الالتفات في المفهوم البلاغي. (1)
والالتفات في المفهوم الاصطلاحي عند البلاغيين هو التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة : التكلم، والخطاب والغيبة، وهو يعني هنا التحوّل من أسلوب في الكلام إلى آخر مخالف للأول.
وبهذا المفهوم يكون الالتفات عند البلاغيين القدامى، هو الانتقال في الكلام من وضع إلى وضع، أو من حالة إلى أخرى؛ كأن ينتقل الكلام من خطاب الحاضر إلى الغائب ومن خطاب الغائب إلى الحاضر، ومن خطاب المتكلم إلى المخاطب ، ومن المخاطب إلى الغائب ... إلى غير ذلك من صيغ الانتقال التي تعني التحول من صيغة إلى أخرى. (2)
ثانيا : نشأة الالتفات، وتطور مصطلحه
تنبه البلاغيون إلى الالتفات منذ وقت مبكر، فقد تنبه إليه أبو زكريا الفراء المتوفََّى سنة (207 هـ) في كتابه معاني القرآن، إذ أشار إلى معنى الالتفات من غيرأن ينص على تسميته، وذلك في تفسيره لقوله تعالى : "هذان خصمان اختصموا في ربهم " الآية (19) من سورة الحج. حيث قال : " لم يقل اختصما لأنهما جمعان ليسا برجلين ولو قيل اختصما كان صواباً " (3).
وأشار إليه أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفَّى سنة (209هـ) في سياق حديثه عن المجاز، حيث عدََّ ذلك من" مخاطبة الشاهد ثم حُولت إلى مخاطبة الغائب" (4) وذلك في تفسيره لمعنى قوله تعالى : " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم " الآية
(22) من سورة يونس.
ويُروى أن أول من نص على تسميته الأصمعي المتوفَّى (216هـ) إذ يروى أنه قال للصولي أبي إسحاق : " أتعرف التفاتات جرير ؟ قلت : وما هي ؟ قال :
أتنسى إذ تودعنا سُليمى ... بعود بشامة سقي البشام ". (5)(1/3)
ولعل الأصمعي نظر هنا إلى التحول من معنى إلى معنى، إذ انتقل الشاعر من توديع سلمى له، إلى الدعاء للبشام وهو عود الأراك، " تراه مقبلاً على شعره إذ التفت إلى البشام فدعا له".
ولم يكن الأصمعي متفرداً في إشارته إلى الالتفات، بل شاركه النقاد والبلاغيون من بعده، فهذا (ابن قتيبة) المتوفى (276هـ) أشار إليه في باب " مخالفة ظاهر اللفظ معناه "، ومثل له بالآية السابق ذكرها. (6)
وقال عنه (المبرد) المتوفَّى (285هـ) : "والعرب تترك مخاطبة الغائب إلى مخاطبة الشاهد، ومخاطبة الشاهد إلى مخاطبة الغائب ". ومن أمثلته على ذلك، الآية السابقة " حتى إذا كنتم في الفلك ... " فأوضح أن المخاطبة "كانت للأمة، ثم انصرفت إلى النبي إخباراً عنهم " (7)
ومهما يكن من مفهوم الالتفات عند هؤلاء البلاغيين في هذه المرحلة – من تطور البحث البلاغي – فإنهم قد أشاروا إليه كفن بلاغي ينبغي الوقوف عليه والاهتمام به، وذلك بالنظر إلى المعنى وليس إلى اللفظ ، وهو ما فعله ابن المعتز في حصره لمصطلحات علم البديع، فقد جعله في مقدمة محاسن الكلام،
وقال عنه : "هو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، وعن الإخبار إلى المخاطبة ... " (8).
وأدخله قدامة بن جعفر في نعوت المعاني وقال : " هو أن يكون الشاعر آخذاً في معنى فكأنه يعترضه إما شك فيه أو ظن، بأن راداً يرد عليه قوله، أو سائلا ًيسأله عن سببه، فيعود راجعاً إلى ما قدمه، فإما أن يذكر سببه، أو يحل الشك فيه " (9)
والالتفات عند أبي هلال العسكري على ضربين : ضرب يتفق مع رأى ابن المعتز، وضرب يتفق مع ما قاله قدامة، ولم يضف شيئاً جديداً إلى أقوالهما. (10)
وذكر ابن رشيق أن ابن منقذ سماه "بالانصراف"، وسماه قوم"بالاعتراض".(11)(1/4)
وهذا الاختلاف في مفهوم الالتفات عند البلاغيين يؤكد ويبين أن التسمية كانت مضطربة، والمعنى غير واضح، مما يدل أن البلاغيين لم يستوعبوا مدلوله بشكل واضح، بل ولم يتعمقوا في مدلوله، وجعلوه من مباحث علم البديع ؛ حتى جاء الزمخشري فتعمق في مفهومه وعَرّفه تعريفاً بلاغياً مُعَللاً، إذ استوعب مدلوله اللغوي، ووظيفته البلاغية فقال : وهو يفسر قوله تعالى " إياك نعبد وإياك نستعين " الآية (5) من سورة الفاتحة.
"فإن قلت لمَ عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم ... وذلك على عادة تفتنهم في الكلام وتصرفهم فيه، ولأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطريةً لنشاط السامع، وإيقاظاً للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد ". (12)
وفي ضوء هذا المفهوم البلاغي للالتفات عند الزمخشري، نجد أن مصطلح الالتفات قد اكتمل مدلوله اللغوي والبلاغي معاً، وأصبح له قيمة بلاغية لم تكن موجودة عند البلاغيين من قبله، مما يجعلنا نقول : إن الالتفات وأسرار بلاغته من إضافة الزمخشري.
وخير شاهد على ذلك أن البلاغيين من بعده تمثلوا بمفهومه وبأمثلته وفي مقدمتهم السكاكي، وجمهور البلاغيين من بعده (13)، ولم نجد من يخالفه من البلاغيين إلا ابن الأثير؛ مع أنه تأثر به وسار على منهجه، ووجه المخالفة عند ابن الأثير هو أن الزمخشري نص على أن انتقال الكلام من أسلوب إلى أسلوب تطرية لنشاط السامع وإيقاظاً للإصغاء إليه. "
وهذا المفهوم لم يستحسنه ابن الأثير؛ لأن السر البلاغي عنده يتعلق بفائدة بلاغية ليس لها ضابط ولا تحد بحدٍ، ووراء ذلك أسرار بلاغية كثيرة لا تنحصر، وإنما يؤتى بها على حسب الموضع الذي ترد فيه، أو على حسب موقعها في البلاغة (14) وهو ما سيأتي معنا في شرح أساليب الالتفات بعد هذا.
?وقد رد العلوي على ابن الأثير بوجوه كثيرة من أهمها :(1/5)
"إن ما قاله الزمخشري لا غبار عليه وهو قول سديد يشير إلى مقاصد البلاغة.
إن ابن الأثير يجهل مقاصد البلاغة.
إن الالتفات يزيد من البلاغة ويحسنها.
إن كلام ابن الأثير لا وجه له، وما قاله الزمخشري خير مما أتى به ابن الأثير.
إن ما أراده الزمخشري يليق بالبلاغة ويزيدها قوة، وما ذكره ابن الأثير عماية ولا يُدرك له نهاية، وما عابه إلا لأنه لم يدرك أسراره وينطبق عليه قول الشاعر :
وكم من عائبٍ قولاً سليماً ... وآفتُهُ من الفهم السقيم". (15)
ومع كل ما قلناه هنا عن الالتفات، فإن الزمخشري هو أول من بيَّن القيمة البلاغية له وأظهر جماله ومحاسنه، بل وأدرك أسراره وفوائده البلاغية بصورة متفردة لم يسبقه إليها أحد من البلاغيين ؛ وهذا ماأكده الخطيب القزويني حيث يقول : " واعلم أن الالتفات من محاسن الكلام ،ووجه حُسنه على ما ذكره الزمخشري " (16) ، أضف إلى ذلك فإن جمهور البلاغيين بنوا رأيهم في الالتفات على ما قاله الزمخشري، وفي مقدمتهم السكاكي والبلاغيون من بعده، وقد كانت إضافتهم تقوم على التأصيل لمفهوم المصطلح من غير أن يضيفوا إليه شيئاً جديداً يغير من مفهومه أو مدلوله، وإذ كان هناك من إضافة لهم فهي تتمثل في كونهم جعلوه من مباحث علم المعاني. (17)
المبحث الثاني
مكانة الالتفات عند البلاغيين
سبق القول : إن مصطلح الالتفات قد اكتمل مدلوله اللغوي والبلاغي عند الزمخشري، وأصبح له قيمة بلاغية لم تكن موجودة عند البلاغيين من قبله، ولهذا يصفه العلوي بأنه " من أجلِّ العلوم البلاغية وأمير جنودها، والواسطة في قلادتها وعقودها ". (18)(1/6)
وهو عند ابن الأثير " خلاصة علم البيان التي حولها يدَندَن، وإليها تستند البلاغة "، ولهذا وصفه وصفاً عجيباً يميزه عن المصطلحات البلاغية الأخرى، إذ سماه " بشجاعة العربية " والتي تعني الإقدام، وذلك "أن الرجل الشجاع يركب مالا يستطيعه غيره، ويتورَّد ما لا يتورده سواه " ثم قصره على اللغة العربية دون غيرها من اللغات. (19)
وهذا ما استحسنه العلوي وأكد عليه قائلاً : "ولاشك أن الالتفات مخصوص بهذه اللغةالعربية دون غيرها" (20) ، وهذه الدعوى من ابن الأثير والعلوي هي دعوى ظنية؛ إذ لا يمكن أن يكونا قد أحاطا معاَ بكل اللغات،ولعل دعواهما هذه من باب المبالغة وليس على سبيل الجزم.
وتأتي مكانة الالتفات من وظيفته البلاغية كما سبق أن ذكرنا، وهذا ما بينه الزمخشري قائلاً : " هو فن من الكلام فيه هز وتحريك من السامع، كما أنك إذا قلت لصاحبك حاكياً عن ثالث لكما : إِن فلاناً من قصته كيت وكيت، فقصصت عليه ما فرِط منه، ثم عد لت بخطابك إلى الثالث فقلت يا فلان، من حقك أن تلزم الطريقة الحميدة في مجاري أمورك، وتستوي على جادة السداد في مصادرك ومواردك، نبهته بالتفاتك نحوه فضل تنبيه، واستدعيت إصغاءه ... وأوجدته بالالتفات من الغيبة إلى المواجهة، هازاً من طبعه ما لا يجده على لفظ الغيبة، وهكذا الافتنان في الحديث، والخروج منه من صنف إلى صنف يستفتح الآذان للاستماع، ويستهش الأنفس للقبول " (21).
وخير شاهد على مكانة الالتفات عند البلاغيين، امتداح السكاكي له وهو الذي انتهت إليه البلاغة العربية، إذ يؤكد أن هذا الفن " لا ينقاد إلا للبلغاء والمهرة في فن البلاغة والعلماء النحارير، ومن اختص وقعه بشيء من ذلك كساه فضل أبهة ورونقاً وأورث السامع زيادة هزة ونشاط ... إن كان ممن يسمع ويعقل" وهو مما يشهد له الوجدان في نظره، ويغنيه عن شهادة من سواه. (22)(1/7)
وأيضاً مما يميز الالتفات في نظر السكاكي أن القرآن الكريم اكتسى بحلاوته وطلاوته وثمرته، بل وأساليبه ، وفي ذلك يؤكد "على أن كلام رب العزة وهو قرآنه الكريم وفرقانه العظيم، لم يكتس تلك الطلاوة، ولا استودع تلك الحلاوة، وما أغدقت أسافله، ولا أثمرت أعاليه، وما كان بحيث يعلو ولا يُعلى، إلا لانصبابه في تلك القواليب، ولوروده على تلك الأساليب". (23)
ومهما يكن من القيمة البلاغية للالتفات عند السكاكي فقد ربطه البلاغيون ببلاغة العرب وعاداتهم وأساليبهم، ولهذا فهم يستكثرون منه؛ لكونه أجمل في القبول عند السامع، وأحسن تطرية لنشاطه، وأعظم للإصغاء إليه، " وإذا كانوا يستحسنون قَري الأضياف وهو دأبهم ... وعاداتهم فيخالفون فيه بين لون ولون وطعمِ وطعم‘أفلا يستحسنون نشاط الأفئدة وملاءمة القلوب بالمخالفة بين أسلوب وأسلوب ؟ بل يكون هذا أجدر، فإن اقتدارهم على مخالفة أساليب الكلام أكثر من اقتدارهم على مخالفة الأطعمة؛ لأن البلاغة في الكلام عليهم أيسر، وهم عليها أمكن وأقدر". (24)
ويمكننا القول بعد هذا إن الالتفات ارتبط بأساليب القرآن الكريم وإعجازه وبلاغته، وهذا يكفيه مكانة في البحث البلاغي.
المبحث الثالث
من بلاغة أساليب الالتفات في القرآن الكريم
يُعد الالتفات أسلوباً رفيعاً من أساليب القرآن الكريم ، وهو يعني انتقال الكلام أو الحديث من أسلوب إلى آخر أو من حالة إلى أخرى كما سبق أن ذكرنا، وأكثر وروده في الأمور الآتية :
أولاً : في الضمائر
أجمع البلاغيون على ورود الالتفات في الضمائر، ويكون في انتقال الكلام أو التعبير من التكلم إلى الخطاب، ومن التكلم إلى الغيبة، ومن الخطاب إلى التكلم، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم، وإلى الخطاب، بشرط أن يعود الضمير الثاني على الضمير الذي يعود عليه الضمير الأول. فهذه التقسيمات ينتج عنها ستة أساليب بلاغية للالتفات.(1/8)
وتقوم تلك الأساليب على انتقال المعنى من ضمير إلى آخر، وتشمل ضميرَ المتكلم وضمير المخاطب وضمير الغائب. (25)، وفائدة الانتقال في الكلام هنا كما ذكر الزمخشري، هو تجديدٌ ونشاطٌ لحال السامع والمتكلم من السأم والضجر من اتباع أسلوب واحد، وهذا ما أكده حازم القرطاجني حيث يقول : "وهم يسأمون الاستمرار على ضمير متكلم أو ضمير مخاطب، فينتقلون من الخطاب إلى الغيبة، وكذلك ... يتلاعب المتكلم بضميره فتارة يجعله تاءً على جهة الإخبار عن نفسه، وتارة يجعله كافاً فيجعل نفسه مخاطباً، وتارة يجعله هاءً فيقيم نفسه مقام الغائب، فلذلك كان الكلام المتوالي فيه ضمير متكلم أو مخاطب فقط لا يُستطاب؛ وإنما يحسُن الانتقال من بعضها إلى بعض". (26)
وهذا هو ما استحسنه صاحب البرهان ، وأكد عليه بقول الشاعر :
لا يُصلحُ النفس إن كانت مصرَفةً ... إلا التنقلُ من حالٍ إلى حالِ (27)
وفيما يلي بيان وتفصيل لذلك :
1 – الالتفات من التكلم إلى الخطاب.
تتمثل بلاغة هذا الأسلوب في حث السامع على الاستماع للمتكلم كقوله تعالى " ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ". الآية (22) من سورة ياسين.
والالتفات في الآية الكريمة هنا، هو في انتقال الكلام من المتكلم في (مالي لا أعبد) إلى المخاطب وهو (ترجعون).
وأصل الخطاب كان يقتضي (وإليه أرجع) لكي يتناسب مع المتكلم، لكنه هنا انتقل إلى الخطاب لسر بلاغي، هو حث السامع على الاستماع إلى المتكلم؛ لأنه أقبل عليه، وذلك لمزيد من العناية والاهتمام بالمخاطب من قبل المتكلم.
ولهذا أُخرج الكلام هنا في سياق مناصحة المتكلم لنفسه، وهو يريد نصح قومه تلطفاً وإعلاماً أنه يريده لنفسه، ثم التفت إليهم لغرض تخويفهم ودعوتهم إلى الله. (28)
2 – الالتفات من أسلوب التكلم إلى الغائب(1/9)
هذا الأسلوب كثير في القرآن الكريم، ومن أمثلته قوله تعالى " إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر ". الآيتان (1) و(2) من سورة الكوثر، وخطاب القرآن جاء هنا بأسلوب التكلم فقال (أعطيناك) ثم انتقل إلى الغيبة فقال (لربك) ولم يقل (لنا)، والالتفات هنا في (أعطيناك) وفي (لربك).
ووجهه أن يفهم السامع قصد المتكلم من كلامه حضر أو غاب، والسر البلاغي هو التحريض على فعل الصلاة لحق الربوبية؛ لأن من يربيك يستحق العبادة. (29)
ومن هذا الأسلوب في الالتفات قوله تعالى " يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ... فآمنوا بالله ورسوله. " الآية (158) من سورة الأعراف.
الالتفات في الآية انتقل من قوله تعالى (إني رسول الله) إلى قوله تعالى (فآمنوا بالله ورسوله)، وهو ما يقتضيه السياق القرآني المعجز، وفي هذا سران بلاغيان :
جراء تلك الصفات على الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي أكبر دليل على صدقه.
أن يدفع عنه تهمة التعصب لنفسه، بل للخصائص التي وردت في الآية الكريمة (30)
3 – الالتفات من الخطاب إلى التكلم.
ومن أمثلته قوله تعالى : " قل الله أسرع مكراً إن رسلنا يكتبون ما تمكرون". الآية (21) من سورة يونس.
وقد جاء الالتفات في أول الآية بأسلوب الخطاب وهو (قل الله) ثم التفت إلى التكلم (إن رسلنا) على أنه سبحانه نزل نفسه منزلة المخاطب.
والسر البلاغي هنا هو تهديد من الله للمشركين على مكرهم؛ لأنه أسرع مكراً من مكرهم، ومن ذلك قوله تعالى : " واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ". الآية (90) من سورة هود.
والالتفات في الآية جاء في أولها بأسلوب الخطاب وهو (واستغفروا ربكم)، ثم انتقل في آخرها لأُسلوب التكلم، (إن ربي رحيم ودود)، وكان الظاهر أن يقول: (إن ربكم) والسر البلاغي هنا هو الإشارة إلى أن ربكم وربي واحد.
4 – الالتفات من الخطاب إلى الغائب.(1/10)
ومن الشواهد على هذا الأسلوب قوله تعالى : "حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة. " الآية (22) من سورة يونس.
الالتفات في الآية جاء بأسلوب الخطاب في قوله (إذا كنتم) ثم انتقل إلى الغائب (وجرين بهم)، وكان مقتضى الظاهر أن يقول (وجرين بكم)، والعدول هنا من الخطاب إلى الغيبة؛ لسر بلاغي هنا هو للتعظيم والتعجب من فعل الكفار.
ويرى الزركشي الآتي :
كان الخطاب مع الناس مؤمنهم وكافرهم، بدليل قوله تعالى " وهو الذي يسيركم في البر والبحر "، فلو قال (وجرين بكم) للزم الذم للجميع.
لأنهم وقت الركوب خافوا الهلاك وتقلب الرياح بهم، فناداهم نداء الحاضرين؛ ولما جرت بهم الرياح ذكرهم الله بصيغة الغائب. (31) وهذا الأسلوب من الالتفات هو أول ما تنبه له البلاغيون القدامى منذ وقت مبكر كما ذكرنا، وإن لم يكن بهذا المفهوم.
5 – الالتفات من الغيبة إلى التكلم.
ومن هذا الأسلوب قوله تعالى " وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا ". الآية (12) من سورة فصلت.
انتقل الخطاب هنا من قوله (وأوحى) وهو أسلوب غيبة، إلى قوله (وزينا) وهو أسلوب تكلم، وقد عقب ابن الأثير على هذه الآية فقال : "فانظر إلى هذه الالتفاتات المترادفة في هذه الآية الواحدة التي جاءت لمعانٍ اختصت بها، يعرفها من عرفها ويجهلها من جهلها" (32).
ومن هذا قوله تعالى " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله". الآية (1) من سورة الإسراء.
والالتفات في الآية هو بين (أسرى) وهو يدل على الغيبة وبين (باركنا) وهو يدل على التكلم، والسر البلاغي يتمثل في التعظيم.
ومن هذا القبيل أيضاً قوله تعالى " وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى. " الآية (53) من سورة طه.
الالتفات هنا بين (أنزل) وهو يختص بالغيبة وبين (أخرجنا) وهو يختص بالمتكلم.
والسر البلاغي هنا هوالتنبيه على تخصيص الله سبحانه وتعالى بالمقدرة. (33)(1/11)
6 – الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.
هذا الأسلوب يأتي في مقدمة أساليب الالتفات التي نص عليها الزمخشري
(34)، وقد مثل له بقوله تعالى : " مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين.. " الآيتان (4 و5) من سورة الفاتحة، فقد التفت عن الغيبة، وهي "مالك يوم الدين "إلى الخطاب، وهو "إياك نعبد وإياك نستعين"
وسر هذا الالتفات أن الحامد لما حمد الله تعالى ووصفه بعظيم الصفات ، بلغت به الفكرة منتهاها فتخيل نفسه في حضرة الربوبية فخاطب ربه بالإقبال ، ولذلك تخلص الكلام من الثناء إلى الدعاء ، والدعاء يقتضي الخطاب. ومثل هذا قوله تعالى : "وسقاهم ربهم شراباً طهوراً، إن هذا كان لكم جزاءً. " الآيتان (21 و22) من سورة الإنسان.
عبر عن المعنى أولاً بطريق الغيبة، فقال : "ربهم " ثم التفت ثانياً فعبر بطريق الخطاب فقال : " لكم" وكان مقتضى السياق أن يقال : " لهم ". والسر البلاغي هنا هو لتعظيم شأن المخاطب.
ثانياًً : في الأفعال.
ينتقل الالتفات في الأفعال من الماضي إلى المستقبل، ومن المستقبل إلى الماضي ومن المستقبل إلى فعل الأمر، ومن الفعل الماضي إلى فعل الأمر وهكذا ...
وفيما يلي الأمثلة على ذلك :
1 – انتقال الكلام من الفعل الماضي إلى فعل الأمر.
كقوله تعالى " قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجدٍ وادعوه " الآية (29) من سورة الأعراف.
ولو جاء به على أسلوب واحد في الآية هنا لقال :
(أمر ربي بالقسط، وأمركم أن تقيموا وجوهكم) فعدل عن ذلك إلى فعل الأمر للعناية في توكيده في نفوسهم، فإن الصلاة من أو كد فرائض الله على عباده.
وهذا الأسلوب في نظر البلاغيين لا يتوخاه إلا العارف برموز الفصاحة والبلاغة الذي استطاع أن يطلع على أسرارها ويفتش عن دفائنها، وهو من دقيق علم البلاغة (35)، والسر البلاغي هنا هو حث المسلمين على التوجه إليه بالعبادة الصادقة.
2 – انتقال الفعل من المستقبل إلى الأمر :(1/12)
كقوله تعالى : " قال إني أُشهدُ اللهَ واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيد وني جميعاً ثم لا تنظرون " الآيتان (54 و 55) من سورة هود.
الالتفات في الآية (أُشهدُ الله واشهدوا) ولم يقل (وأشهدكم) كما كان يقتضي سياق المساواة بين الفعلين، فلذلك عدل عن اللفظ الأول؛ لاختلاف ما بينهما وجيء به على لفظ الأمر، وهذا النوع يكون لسر بلاغي هو لغرض التفخيم والتعظيم في البلاغة العربية. (36)
3 – انتقال الفعل من الماضي إلى المستقبل :
كقوله تعالى" والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلدٍ ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور " الآية (9) من سورة فاطر.
والالتفات في الآية هنا بين الفعل (أرسل) الدال على الماضي وبين الفعل (فتثير) الدال على المضارع، والسر البلاغي هو استحضار الصورة البديعية الدالة على قدرة الله وكأنها مشاهدة؛ لأن التعبير بالفعل المضارع عن الماضي يدل على الاستمرار والتجدد واستحضار الصورة، وكأنها مشاهدة (37).
وهذا الأسلوب يكثُر دورانه في القرآن الكريم، ويرى البلاغيون أن الفائدة البلاغية في الفعل الماضي، إذا أخبر به عن المستقبل يكون أعظم وابلغ موقعاً كما هو الحال في هذه الآية (38)، كما أنه يدل على التأكيد في تحقق وقوع الفعل.
4 – انتقال الفعل من المستقبل إلى الماضي.
وهذا النوع يساوي في بلاغته النوع السابق، ومن أمثلته قوله تعالى : " ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض " الآية (78) من سورة النمل. والالتفات في الآية هنا في الفعل المضارع (ينفخ) وفي الفعل الماضي (ففزع).
ويعلل الزمخشري هنا قائلاً " فإن قلت لم قيل ؟ (ففزع) دون (يفزع) ؟ قلت : لنكتة وهي الإشعار بتحقق الفزع وثبوته، وأنه كائن لا محالة واقع على أهل السماوات والأرض لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعاً به(1/13)
(39)، وخلاصة القول بعد هذا ، فأسرار الالتفات في الأفعال كثيرة، وما ذكرناه هنا يُعد بعضاً منها.
ثالثاً : في الأعداد :
يتمثل الالتفات في الأعداد في انتقاله من خطاب الواحد إلى الاثنين، ثم إلى الجمع والعكس وهكذا ...
وقد توسعتُ في استخراج بعض الأسرار البلاغية من الشواهد واختصرت في البعض الأخر وذلك لوضوحها؛ ولأن كتب التفاسير لم تنص عليها، وفي ما يلي توضيح لذلك :
1 – الانتقال من خطاب الواحد إلى خطاب الاثنين ، ومن ذلك قوله تعالى : "قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا، وتكون لكما الكبرياء في الأرض " الآية (78) من سورة يونس.
يتمثل الالتفات هنا في انتقال الخطاب من الضمير في (أجئتنا) وهو مفرد إلى المثنى في (وتكون لكما الكبرياء)، والسر البلاغي هنا يتمثل في التوبيخ والإنكار، وذلك في انتقال الخطاب من المفرد إلى المثنى.
2 – الالتفات من خطاب الواحد إلى خطاب الجمع :
كقوله تعالى " يا أيها النبيُ إذا طلقتم النساء" الآية (1) من سورة الطلاق.
الالتفات هنا في انتقال الخطاب من المفرد وهو (النبي) إلى الجمع وهو (طلقتم النساء)، والسر البلاغي هنا يتمثل في التعظيم، وذلك في اشتمال الخطاب للنبي ولأمته من بعده.
3 – الالتفات من خطاب الاثنين إلى خطاب الواحد :
كقوله تعالى " فمن ربكما يا موسى "، وكقوله تعالى " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى "الآيتان (49 و 117) من سورة طه.
انتقل الخطاب في الآيتين هنا من خطاب الاثنين إلى خطاب الواحد في قوله تعالى (ربكما) ، (ويخرجنكما) إلى المفرد وهو (فتشقى) الالتفات يتمثل في الخطاب إلى موسى وأخيه. (40)
4 – الالتفات من خطاب الاثنين إلى الجمع :
كقوله تعالى " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين " الآية (87) من سورة يونس.
الالتفات يتمثل في الخطاب إلى موسى وأخيه بأن (يتبوءا) وهما مثنى إلى الجمع وهو (اجعلوا).(1/14)
والسر البلاغي هنا يتمثل في حكمة التثنية كما يرى الزركشي وهو. "أن موسى وهارون هما اللذان يقرران قواعد النبوة، ويحكمان في الشريعة، فخصهما بذلك". (41)
5 – الالتفات من خطاب الجمع إلى الواحد :
كقوله تعالى" وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين" الآية السابقة، الانتقال من (أقيموا إلى وبشر)
وكقوله تعالى : (قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم منى هدىً)، الآية
(38) من سورة البقرة
قال في الآية (مني) ولم يقل (منا) كما كان يقتضي السياق هنا، وذلك لسر بلاغي يتمثل في المناسبة للواقع؛ لأن الهدى لا يكون إلا من الله.
6 – الالتفات من خطاب الجمع إلى التثنية : كقوله تعالى " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا ... "إلى قوله "فبأي آلاء ربكما تكذبان ". الآيتان (33 و34) من سورة الرحمن.
انتقل الخطاب هنا من الجمع إلى التثنية في قوله : (ربكما تكذبان). والسر البلاغي في الآية يتمثل في التعجيز.
تلكم هي أبرز أساليب بلاغة الالتفات عند الجمهور، وما خرج عنها عندهم فيدخل في مصطلحات بلاغية أُخر " كالخروج عن مقتضى الظاهر وأسلوب الحكيم، وكذلك التجريد، إلى غير ذلك من الأساليب والأسرار البلاغية.
أضف إلى ذلك فإن ابن الأثير قد توسع في أساليب الالتفات حيث عدَها كثيرة " لا تحد بحد، ولا تضبط بضابط، ولكن يشار إلى مواضع منها ليقاس عليها غيرُها " (42)
المبحث الرابع
فوائد بلاغية للالتفات في القرآن الكريم
في ضوء ما سبق نخلص إلى القول : إن للالتفات فوائد وأسراراً بلاغية، منها فوائد عامة، ومنها فوائد خاصة.
أما الفوائد العامة فهي في التفنن في انتقال الكلام من أسلوب إلى آخر لما في ذلك من تنشيط للسامع، واستجلاب لصفائه، واتساع لمجاري الكلام عنده، وتسهيل للوزن والقافية.(1/15)
وخير شاهد على ذلك أن الإنسان كثير التقلب، وقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء، فالإنسان يكون غائباً، فيحضر بكلمة واحدة، ويكون حاضراً فيغيب، والدليل على ذلك ما شرحناه في أساليب الالتفات التي نص عليها جمهور البلاغيين، والتي تعني الانتقال من أسلوب إلى آخر.
أما الفوائد الخاصة فهي المتمثلة في كل جزئية من جزئيات الالتفات، التي تشمل مواقع الكلام وأحواله وما يقصده المتكلم، وكذلك الغرض البلاغي لكل نوع من أنواع الالتفات، وقد ذكر الزمخشري الكثير من الأسرار والأغراض البلاغية في كتابه الكشاف ، وكذلك الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن، ومن أهم تلك الأغراض الآتي :
1– لغرض تعظيم شأن المخاطب كقوله تعالى : "الحمد لله رب العالمين "
فالحمد لله تدل على اختصاصه سبحانه بالحمد، فإذا انتقل إلى قوله "رب العالمين " دل على ربوبيته للجميع، ولهذا قال : "الحمد لله" ولم يقل الحمد لك، ولفظ العبادة مع الخطاب، فقال : "إياك نعبد وإياك نستعين " ليناسب تعظيم حال الخطاب. (43).
ومن الفوائد البلاغية الخاصة لغرض التعظيم ما جاء في قوله تعالى : " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول " ولم يقل : واستغفرت لهم، والغرض البلاغي هنا يتمثل في تعظيم الاستغفار. (44)
الآية (64) من سورة النساء.
وقد يعدل المتكلم إلى الاسم الظاهر لغرض التفخيم، كقوله تعالى : " يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً، الذي له ملك السماوات والأرض، لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي ". الآية (158) من سورة الأعراف. وفي هذا يقول الزمخشري : " فإن قلت : هلا قيل : فآمنوا بالله وبي بعد قوله : "إني رسول الله إليكم جميعاً " قلت : عَدلَ عن المضمر إلى الاسم الظاهر لتجري الصفات التي أجريت عليه، ولما في طريقة الالتفات من مزية البلاغة" (45)(1/16)
2– لغرض المبالغة، ومنها قوله تعالى : "حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم " الآية (22) من سورة يونس، وقد قال الزمخشري في هذا " فإن قلت : ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة ؟ قلت : المبالغة كأنه يذكر لغيرهم حالهم ... ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح. " (46)
3– لغرض الاختصاص كقوله تعالى : "والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها " الآية (9) من سورة فاطر. عدلت الآية هنا عن لفظ الغيبة إلى التكلم؛ لأنه أدخل في الاختصاص والدليل على ذلك (فسُقنا) و(أحيينا). (47)
4 – لغرض التتميم، كقوله تعالى : " فيها يُفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم " الآيات (4 – 6) من سورة الدخان.
أصل العبارة كما يرى الزركشي "إنا كنا مرسلين رحمة منا" فوضع الظاهر وهو (رحمة من ربك) موضع المضمر للإنذار بأن الربوبية تقتضي الرحمة للمربوبين للقدرة عليهم ... ثم التفت بإعادة الضمير إلى الرب الموضوع موضع المضمر" (48)
5 – لغرض الاهتمام كقوله تعالى : "ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً، قالتا أتينا طائعين فقضاهُن سبع سماوات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم ". الآيتان (11 و 12) من سورة فصلت.
فقد عدل عن الغيبة في (قضاهن) و(أوحى) إلى التكلم في "زينا الدنيا للاهتمام بالإخبار عن نفسه، بجعل الكواكب في سماء الدنيا للزينة والحفظ؛ لأن هناك طائفة اعتقدت أن النجوم ليست في سماء الدنيا، فلذلك عدل إلى التكلم في وزينا السماء الدنيا. (49)
6 – لغرض التوبيخ. كقوله تعالى : " وقالوا اتخذ الرحمن ولداً، لقد جئتم شيئاً إداً " الآيتان (88 و 89) من سورة مريم.(1/17)
لقد عدلت الآية الثانية عن الغيبة إلى الخطاب للدلالة على أن قائلاً مثل قولهم، ينبغي أن يكون موبخا ، وتوبيخ الحاضر أبلغ في الإهانة من الغائب.
ومن هذا قوله تعالى : (إن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون، وتقطعوا أمرهم بينهم) الآيتان (92 و 93) من سورة الأنبياء.
عدلت الآية (93) عن المخاطب إلى الغائب لغرض التوبيخ قائلاً لهم : " ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله فجعلوا أمر دينهم به قِطعاً تمثيلاً لأخلاقهم في الدين. (50)
7 – لغرض التنبيه على الضلال، ومن ذلك قوله تعالى : (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون، وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا). الآيتان (169 و 170) من سورة البقرة. والضمير في "لهم " عائد على الناس، وفي ذلك عدول من الخطاب إلى الغيبة على طريقة الالتفات.
وهذا في نظر الزمخشري " نداء على ضُلاّلهم ؛ لأنه لا ضلالة أضل من المقلد. كأنه يقول : للعقلاء انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يقولون " (51).
8 – لغرض المدح، كقوله تعالى : "وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ". فهذا كما يرى الزمخشري "التفات حسن ... فهو أمدح لهم من أن يقول : " فأنتم المضعفون ". (52)
9 – لغرض زيادة الإنكار واللوم. كقوله تعالى : "عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى" الآيات (1 – 3) من سورة عبس.
الالتفات هنا من الغيبة في الشطر الأول وهو (أن جاءه الأعمى) إلى الخطاب في الشطر الثاني وهو (وما يدريك) " دليل على زيادة الإنكار كمن يشكو إلى الناس جانياً جنى عليه، ثم يقبل على الجاني بالتوبيخ وإلزام الحجة. " (53)
والحق بعد هذا نقول : إن أسلوب الالتفات في القرآن الكريم يُعد فناً جمالياً اختص به وازدهر في ظلاله أكثر من الشعر.(1/18)
والسؤال الذي يضع نفسه بعد هذا، لماذا ازدهر مصطلح الالتفات في ضوء شواهد القرآن الكريم ولم يزدهر في الشعر العربي مع أن الالتفات أسلوب من أساليب العرب، وعادة من عاداتهم كما ذكرنا ؟ .
وللإجابة عن هذا السؤال، نقول : إن مصطلح الالتفات لم يُحدد مفهومه كمصطلح بلاغي إلا في وقت متأخر، وفي مقدمة من حدد ذلك المصطلح بمدلول بلاغي (الزمخشري المتوفى سنة 538هـ)، حيث كان مفهوم المصطلح قبل ذلك متداخلاً مع بعض المصطلحات البلاغية الأخرى : كالاعتراض، والتجريد، والتذييل، والاستدراك؛ وذلك على الرغم من إشارة النقاد إليه في الشعر العربي منذ وقت مبكر؛ إلا أن شواهده في الشعر العربي ظلت محدودة ؛ ومنها ما استشهد به الزمخشري لامرئ القيس : (54)
تطاول ليلك بالإثمد
وبات وباتت له ليلة
وذلك من نبأ جاء ني ... ونام الخلي ولم ترقد
كليلة ذي العائر الأرمد
وخُبِّرته عن أبي الأسود
فإنه التفت من خطاب نفسه إلى المخاطب فقال : (ليلك) ومقتضى السياق أن يقول : (ليلي) وقال : (ولم ترقد) ومقتضى السياق أن يقول : (ولم أرقد)، ثم قال: (وباَتَ) التفات من الخطاب إلى الغيبة، ومقتضى السياق أن يقول : (بتُ) و(باتتْ) ثم قال : (جاءني) التفات من الغيبة إلى التكلم.
وإذا انتقلنا إلى ابن الأثير، فسنجده يؤكد على وروده في فصيح الشعر العربي، ويمثل له بقول أبي تمام : (55)
يُصرِّف مسرا ها جذ يلُ مشارقٍ
إذا العيسُ لاقتْ بي أبا دُلَفٍ فقدْ
هُنالِك تَلْقى الجودَ من حيث قُطِّعت ... إذا آبهُ همٌّ عُذ يقُ مغاربِ
تقطّعَ ما بيني وبين النّوائبِ
تمائمُهُ والمجدَ مُرخَى الذوائِبِ
(الجذيل) تصغير جذل، وهو عود ينصب للجربى من الإبل لتحتك به، و(عذيق) تصغير (عذق) وهو الفرع من النخلة و(آبه) أتاه ليلاً. و(التمائم) خرزات تعلق في عنق الصبي لدفع المكروه عنه.(1/19)
والشاهد " قال في الأول : " يصرف مسرا ها" مخاطبةً للغائب، ثم قال بعد ذلك : "إذا العيس لاقت بي مخاطباً نفسه ... فقال : لها بالبعد عن المكروه والقرب من المحبوب، ثم جاء بالبيت الذي يليه معدولاً به عن خطاب نفسه، إلى خطاب غيره ... فقال : "هنالك تلقى الجود " والفائدة بذلك أنه يخبر غيره بما شاهده ،كأنه يصف له جواد الممدوح ، وما لاقاه منه إشادة بذكره ، وتنويهاً باسمه ، وحملاً لغيره على قصده".
وأيضاً يمثل له بقول تأبط شراً : (56)
بأني قد لقيتُ الغُولَ تهوي
فأضرِبهَا بلا دهشٍ فَخرّتْ ... بسهبٍ كالصحِيفةِ صَحْصحَانِ
صريعاً لليدينِ وللجران
(السهب) : الأرض المستوية. (الصحصحان) الأرض الواسعة. (الجران) مقدَّم عنق البعير.
وقد أراد الشاعر "أن يصور لقومه الحالة التي تشجَّعَ فيها على ضرب الغول، كأنهُ يبصرهم إياها مشاهدةً، للتعجب من جراءته على ذلك الهول " إذ التفت من الفعل الماضي في (لقيت) ، إلى المضارع، فقال : (فأضربها) ، ولم يقل : (فضربتها) ؛ لأن الفعل المضارع كما ذكرنا يدل على استحضار الصورة وكأنها مشاهدة. والسر البلاغي هنا هو التعجب من جرأته.
والحق بعد هذا نقول : إنه على الرغم من وجود الالتفات في الشعر العربي كظاهرة بلاغية إلا أنه لم يُدرِك أسراره وجماله إلا في ضوء دراسة شواهد القرآن الكريم ، وروعة بيانه وجمال أسلوبه.
خاتمة البحث :
اشتمل البحث على مقدمة وأربعة مباحث على النحو الآتي :
المقدمة وتضمنت الهدف من البحث ومنهجه، وقيمته البلاغية، وكذلك خطة البحث ومباحثه؛ إذ اشتمل المبحث الأول على مفهوم الالتفات ونشأته وتطور مصطلحه حتى نضجه واكتماله عند الزمخشري.
وأشتمل المبحث الثاني على مكانة الالتفات في البحث البلاغي، في ضوء أقوال البلاغيين وامتداحهم له.
أما المبحث الثالث فتناول أهم أساليب الالتفات وبلاغتها عند الجمهور من خلال شواهد القرآن الكريم.(1/20)
وأما المبحث الرابع فقد تناول فوائد بلاغة الالتفات، والمتضمنة فوائد عامة وفوائد خاصة اشتملت على الكثير من الأغراض البلاغية.
وأخيراً أجاب البحث عن سؤال وضع نفسه، لماذا تطور وازدهر مصطلح الالتفات في ضوء شواهد القرآن الكريم ولم يزدهر في الشعر العربي ، مع أن الالتفات أسلوب من أساليب العرب، وهو عادة من عاداتهم ؟ .
الهوامش والمراجع :
انظر مادة (لفت) في : لسان العرب، لابن منظور، والصحاح للجوهري، وكذلك القاموس المحيط.
انظر شروح التلخيص 1/ 462، والمصباح لابن مالك ص 34، ومعجم المصطلحات البلاغية د. بدوي طبانة ص 614 ، ومعجم مصطلحات النقد العربي للدكتور / أحمد مطلوب ص 102.
معاني القرآن للفراء 2 / 22. بتحقيق محمد علي النجار، ط. أولى.
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 11، ط. أولى.
انظر العمدة لابن رشيق 2/45، وإعجاز القرآن للباقلاني ص 121.
تأويل مشكل القرآن، شرح أحمد صقر ص 275.
الكامل، 2/ 902 تحقيق أحمد محمد الدالي ط أولى.
البديع لابن المعتز ص 58 (باب الالتفات).
نقد الشعر لقدامة بن جعفر ص 150 – 151. طبعة أولى، الكليات الأزهرية القاهرة.
انظر كتاب العمدة لابن رشيق 2/ 45.
الصناعتين لأبي هلال العسكري تحقيق محمد علي البجاوي ص 392، ط. 1986 بيروت.
الكشاف للزمخشري 1/ 64 ط. أولى، مصطفى الحلبي القاهرة، وانظر المباحث البلاغية في ضوء قضية الإعجاز القرآني د. أحمد جمال العمري ص 186، ط. الخانجي القاهرة 1990م.
انظر المفتاح للسكاكي ص 199، وشرح التلخيص للشيخ محمد بن أحمد البابرتي ص225.
المثل السائر 2/ 269.
الطراز 2/ 133 – 135.
تلخيص المفتاح ص (94)، والإيضاح 2/ 85.
انظر شروح التلخيص 1/ 466، وبغية الإيضاح 1/ 152، والطراز 2/ 132وما بعدها، وأساليب بلاغية د. أحمد مطلوب 271 وما بعدها ط، 1980.
انظر الطراز 2/ 131.
المثل السائر 2/ 167 – 168.
الطراز 2/ 132.(1/21)
الكشاف 1/ 224، وانظر البلاغة القرآنية للزمخشري ص 445 ط. أولى مكتبة وهبة القاهرة.
المفتاح ص 201.
المفتاح ص 205.
المصباح لابن مالك ص 30، وانظر الطراز 2/ 141.
انظر المصباح لابن مالك ص 31 وما بعدها، ومواهب المفتح لابن يعقوب المغربي في شروح التلخيص 1/ 467، والبرهان في علوم القرآن للزركلي ص 315، وانظر المعاني في ضوء أساليب القرآن الكريم د. عبد الفتاح لاشين ص 189 – 190.
منهاج البلغاء وسراج الأدباء لحازم القرطاجني ص348.
البرهان في علوم القرآن ص315.
انظر شروح التلخيص 1/467، والبرهان في علوم القرآن 3/ 328، وبغية الإيضاح 1/153.
انظر وجوه بلاغية ودلالية في سورة الكوثر، د. عمر الكبيسي، مجلة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، العدد الثاني ص184، وانظر البرهان في علوم القرآن 3/ 317، وانظر إعراب القرآن الكريم لمحيي الدين الدرويش 10/ 599 ط. دار اليمامة وابن كثير بيروت 1988م.
انظر المثل السائر لابن الأثير 2/ 179، والبرهان في علوم القرآن 3 / 317.
البرهان في علوم القرآن 3/ 318.
المثل السائر 2/ 172.
انظر البرهان في علوم القرآن 3/ 321.
الكشاف 1/ 64.
انظر المثل السائر 2/ 180.
البرهان في علوم القرآن 3 /336، وانظر صفوة التفاسير 2/ 21 ط. بيروت.
انظر الكشاف 3/ 269، والطراز 2/ 138، وانظر البلاغة تطور وتاريخ ص 250.
انظر المثل السائر 2/ 181، والطراز 2/ 137 – 139، والبرهان في علوم القرآن 3/333.
انظر الكشاف 3/ 270ط. دار المعرفة بيروت.
البرهان في علوم القرآن 3/ 335.
انظر شروح التلخيص للشيخ البابرتي 1/ 261، وعروس الأفراح ضمن شروح التلخيص1/ 480 وما بعدها، وراجع أيضا الطراز 2/ 132، والبرهان في علوم القرآن 3/ 326 وما بعدها.
المثل السائر 2/ 169 وما بعدها.
البرهان في علوم القرآن 3/ 326.
نفسه 3/ 328.
الكشاف 2/ 123، وانظر البرهان في علوم القرآن 3/ 328.
نفسه 2/ 131.
نفسه 3/ 301.
البرهان في علوم القرآن 3/ 329.(1/22)
نفسه 3/ 330.
نفسه 3/ 330.
الكشاف 1/328.
نفسه3/ 224.
نفسه 4/218.
نفسه 1 / 64.
المثل السائر 2/ 175 – 176.
نفسه 2/ 183.
قائمة المصادر :
القرآن الكريم.
إعجاز القرآن للباقلاني ، تحقيق الشيخ عماد ، ط. بيروت 1986م.
الإيضاح للخطيب القز ويني، ط. الكليات الأزهرية، القاهرة.
البديع لابن المعتز، ط. دار الميسرة، بيروت 1982م.
البرهان في علوم القرآن للزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة.
الطراز للعلوي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1983م.
العمدة لابن رشيق، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ط. دار الجيل بيروت 1981م.
لكامل للمبرد، تحقيق محمد أحمد الدالي، ط. مؤسسة الرسالة بيروت 1986م.
الكشاف للزمخشري، دار المعرفة بيروت، ط. أولى.
المثل السائر لابن الأثير، تحقيق د. أحمد الحوفي ود. بدوي طبانة ط. دار نهضة مصر.
المصباح لابن مالك ، تحقيق د. حسين عبد الجليل، ط. مكتبة الآداب القاهرة 1989م.
بغية الإيضاح، شرح تلخيص المفتاح، لعبد المتعال الصعيدي، ط. الثامنة.
تلخيص المفتاح للخطيب القز ويني.
شروح التلخيص القاهرة، الطبعة الأولى.
شروح التلخيص للبابرتي تحقيق محمد مصطفى صوفيه، ط. أولى طرابلس، ليبيا.
مشكل القرآن لابن قتيبة، شرح د. أحمد صقر، ط. دار التراث، القاهرة 197م.
لسان العرب لابن منظور، ط. دار المعارف القاهرة
مصطلحات النقد العربي، للدكتور أحمد مطلوب، ط. مكتبة لبنان بيروت 2001م.
معجم المصطلحات البلاغية، د. بدوي طبانة ط. دار المنارة جدة 1988م.
معاني القرآن للفراء ، تحقيق محمد علي النجار ط. أولى دار الكتب المصرية القاهرة.
مفتاح العلوم للسكاكي، شرح نعيم زرزور، ط. دار الكتب العلمية بيروت 1983م.
مناهج البلغاء وسراج الأدباء لحازم القرطاجني، تحقيق محمد الخوجة، ط. دار الغرب الإسلامي بيروت.(1/23)