أولاً: اغتنام الوقت في تحصيل أكبر قدر من الأجر، واجتناب الانشغال بسفاسف الأمور كتضييع الوقت في الطبخ والبحث عن الأطعمة، فكلْ مما تيسر، وكذلك الانشغال في الصفق في الأسواق، أسواق مكة، وتضيع الواجبات الأساسية والأهداف الأساسية من رحلة العمرة.
ثانياً: إطالة المكث في بيت الله الحرام ما أمكن، والاعتكاف فإن فيه أجراً عظيماً حتى لا يذهب الوقت في المساكن والشقق المستأجرة، فتعظم الخسارة فصل الصلاة بالصلاة، وطف، وانتظر الصلاة بعد الصلاة في المسجد الحرام، فمن جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة.
ثالثاً: عدم إضاعة الوقت بالكلام في الحرم مع الأصحاب والأصدقاء أو استقبال الغادين والرائحين واستيقاف الأصحاب والفرجة على الناس والطائفين، وإنما دع الوقت الأكبر لعبادة ربك والخلوة به.
رابعاً: ربط الحزام في مسألة النوم، وعدم الإكثار منه لأنك ستكون في حالة استنفار لأجل العبادة.
خامساً: عدم الاشتغال بالمفضول عن الفاضل، بأمور وأنشطة تعطل عن المقصود الأساسي لرحلة العمرة، فخذ من هذا وهذا، واجعل السهم الوافر للهدف الأساسي والأعظم أجراً.
سادساً: الاستعداد الدائم والتبكير للصلوات، لأن بعض الناس يضيعون تكبيرة الإحرام تقصيراً، ولا يعلم قدر ثواب إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في الحرم إلا الله عز وجل؛ فهنيئاً لمن طابت سفرته وعظمت عبادته وأصاب بعمرته السنّة.
ــــــــــــــــــ
الملل والفتور وقصور الهمة
محمد بن سليمان المهوس
الدمام
جامع الحمادي
الخطبة الأولى
أيها الناس، مشكلة عظيمة تواجه المسلمين جماعاتٍ وأفرادًا، وخصوصًا في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمغريات، ألا وهي مشكلة الفتور والملل وقصور الهمة، فالفتور وقصور الهمة والملل مسلك دنيء ومركب وطيء وخلق ساقط وعمل مرذول، لا يليق بأهل الفضل، ولا ينبغي من أهل النبل والعقل.(2/170)
الفتور وقصور الهمة شر عظيم وباب من أبواب انقطاع العمل، ومشكلة المشاكل التي تصاب بها أمة من الأمم عندما يكون أفرادها هِمَمُهم ضعيفة وعزائمُهم واهنة وآمالُهم قاصرة.
عباد الله، إذا تأملنا حالَ الكثير من المسلمين اليوم وخصوصًا ممن عُرفوا بالاستقامة والصلاح نجدُ أن هِمَمَهم قد قصرت وأعمالَهم قلّت، بل ربما تركوا أعمالاً صالحةً كانوا يعملونها، وما ذك إلا بسبب الملل والفتور وقصور الهمة، فمن ذلك ـ عباد الله ـ الكسل في العبادة وخصوصًا الصلاة، الكسل في الدعوة إلى الله، التهاون في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضَعف الغَيرة على الحق، الكسل في طلب العلم.
وفي المقابل نجد أعمالا لا تليق بالمسلم، فضلاً عن أهل الصلاح والاستقامة قد فُعلت من قبل بعضهم.
فنجد ـ عباد الله ـ من يتخلف عن تكبيرة الإحرام وربما عن صلاة الفجر، ونجد من قلّ حياؤُه وكثر كذبُه وزاد انشغاله بسفاسف الأمور، وكثر إقبالُه على الدنيا، وحمل من هذا الدين مظهرًا طيبًا ومخبرًا سيئًا، بل ربما نجد من أقبل على اللهو المحرم عن طريق التلفاز أو أطباقِ الشر الفضائية.
عباد الله، جاء في صحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عمل رسول الله دِيمَة، وفي حديث آخر: كان أحب العمل إلى رسول الله الذي يدوم عليه صاحبه، وكان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. رواه مسلم. وكان يقول لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل)) متفق عليه.
وإذا تأملنا حال أسلافنِا نجد أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالصبر والمصابرة وعلو الهمة، فتوحاتٌ ورحلات دعوية وسهر وتحقيق في المسائل، فكانوا من خير المجتمعات وأزكاها، تمثلوا أخلاقَ الإسلام وتعاليمه وآدابَه في جميع شؤونهم.(2/171)
كان العمل للإسلام يخالط شغافَ قلوبِهم، يترجم ذلك أقوالُهم وأفعالهم، يؤْثر الواحدُ منهم أخاه على نفسه، يطوي أحدُهم جائعًا حتى يشبع أخوه، يشتركون في الآمال والآلام، ويقبلون على العبادة إقبالَ الظمآن على الماء البارد حتى سادوا الأرض.
ركب عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما كان أميرًا على مصر بغلة قد تغيّر حالها، فقال له أحدهم: أتركب هذه البغلة وأنت من أقدر الناس على امتطاء أكرم فرس بمصر؟! فقال: لا ملَل عندي لدابتي ما حملت رحلي، ولا لامرأتي ما أحسنت عشرتي، ولا لصديقي ما حفظ سري، فإن الملل من كواذبَ الأخلاق.
عباد الله، ومن الأمور التي تعين ـ بعد الله ـ على علو الهمة والإقبال على الله بفعل الطاعة وترك الفتور والملل:
أولا: كثرة ُالدعاء والإلحاحُ على الله بالثبات على الهداية والاستقامة، وطلب الإعانة من الله على ذكره وشكره وحسن عبادته، ولهذا كان من دعاء عباد الله الصالحين أنهم يقولون: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، وإمامة المتقين من أعلى مراتب علو الهمة.
ثانيا: قراءةُ القرآن بتدبر وتعقل؛ فالقرآن يهدي للتي هي أقوم، وعلو الهمة من جملة ذلك، والقرآن هو الذي ربى الأمة َوأدبها، وزكى منها النفوس وصفى القرائح، وأعلى الهمم وغرس الإيمان في الأفئدة.
ثالثا: قِصَرُ الأمل وتذكر الآخرة، وهذا من أعظم الموقظات للهمة، ومن أكبر البواعث على الإقبال على الله؛ وذلك أن المرء إذا تذكر قِصَر الدنيا وسرعة زوالها أدرك أنها مزرعة الآخرة وفرصة لكسب الأعمال الصالحة، وتذكر ما في الجنة من النعيم المقيم وما في النار من العذاب الأليم، وزهد في متع الدنيا وأقصر عن الاسترسال في الشهوات، وانبعثت همته للأعمال الصالحة. قال ابن الجوزي رحمه الله: "من تفكر في عواقب الدنيا أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر".(2/172)
رابعًا: إدامة ُالنظر في السيرة النبوية؛ فحياة النبي كلها مليئة بالأحداث العظام التي تبعث الهمة وتوقظ العزيمة، حياة النبي مليئة بالجهاد والصبر والمصابرة وصدق العزيمة وعلو الهمة. ولا عجب في ذلك ـ عباد الله ـ فهو سيد البشر وخيرة الله من خلقه وقدوة الناس أجمعين.
خامسًا: مصاحبةُ الأخيار وأهلِ الهمم العالية؛ فهذا الأمر من أعظم ما يبعث الهمة ويربي الأخلاق الرفيعة في النفس، وذلك لأن الإنسان مولع بمحاكاة من حوله، شديدُ التأثر بمن يصاحبه.
سادسًا: التفاؤل؛ فإن ذلك مما يبعث الهمة، ويدعو إلى محاربة الفتور والملل، وإلى الإقبال على الجد والعمل. فإذا عمل المرء ما في وسعه واستنفد جَهده وطاقته فليثق بأن ربه لن يخذله ولن يضيع عمله، وليحذر من اليأس والقنوط والتشاؤم فإنها من أشد المثبطات وأكبر المعوقات.
اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا وعملاً صالحًا وتوبة نصوحًا قبل الممات.
-------------------------
الخطبة الثانية
أيها الناس، الوقت هو رأس مال الإنسان، وساعاتُ العمر هي أنفس ما عني بحفظه الإنسان، ليس يطغى أحدهما على الآخر.
حياة مقسمة تقسيمًا محدودًا: صِبًى، فشبابا، فكهولة، فشيخوخة. فإذا جاء الأجل فلا مفر من الموت، وما فات من الزمن لا يعود؛ فالصبى إذا فات فات أبدًا، والشباب إذا مرّ مر أبدًا، والزمن المفقود لا يعود أبدًا.
وإذا أرجعنا البصر في تاريخ علماء الأمة الذين رفعوا للحكمة لواء وجدناهم يبخلون بأوقاتهم أن يصرفوا شيئا في غير درس أو بحث أو عمل صالح، فهذا ابن عقيل الحنبلي رحمه الله يختصر وقتَ أكِله، فيختار سفَّ الكعك وتحسّيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، ولهذا خلَّف رحمه الله آثارا عظيمةً ككتاب الفنون الذي قيل عنه: إنه بلغ ثمانمائة مجلدة.(2/173)
فإذا كان الزمن بتلك المكانة والمنزلة فأجدر بالعاقل اغتنام وقته، والحذر الحذر من إضاعة الوقت بما لا ينفع أو بما يضر، حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ لَعَلّى أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99، 100].
اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ثبتْنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
ــــــــــــــــــ
مرتكزات للفهم والعمل
تزكية النفس والحذر من الفتور
بقلم: عبد الحكيم بن محمد بلال
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على نبي الهدى، ومن بهديه اهتدى ، وبعد:
فإن الفلاح مطلب العاملين ، وقد رتبه الله (تعالى) على تزكية النفس وتربيتها وتطهيرها ، فقال (عز وجل): ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)) [الأعلى: 14] ، وقال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)) [الشمس: 9 ، 10].
وقد بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - معلماً ومربياً ، فقال: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) [الجمعة: 2] ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يتعاهد نفوس أصحابه بالتربية والتزكية.(2/174)
وإن إصلاح النفوس وتزكيتها دأبُ السائرين إلى الله (تعالى): الأنبياء وأتباعهم ، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يكابد من دعوة قومه الشدائد ، فإذا أظلم الليل انتصب لربه راكعاً وساجداً ، يسأله ويرجوه ، ويخضع بين يديه ويتذلل له ، وقد كان قيام الليل واجباً على المسلمين عاماً كاملاً ، وذلك لما له من أثر في إصلاح القلب ، وانطلاقة المسلم وثباته ـ في آنٍ معاً ـ ، مما يجعله ضرورة ملحة لا غنى عنها.
ومن ثَم: كان واجب كل مسلم ، ـ وخاصة المشتغلين بالعلم والدعوة ـ أن يجعل من أكبر همه إصلاح نفسه وتهذيبها ، وتعاهدها في صلته مع الله ، وأخلاقه وسلوكه مع الخلق ، ويجعل من ذلك منطلقاً لدعوة الناس وإصلاحهم.
التخلية والتحلية والمجاهدة:
من أعظم قواعد تربية النفس: تخليتها من اتباع الهوى؛ فإن اتباع الهوى موجب لأمراض لا حصر لها ، وعلّة المرض لا تعالج إلا بضدها ، فالطريق لمعالجة القلوب: سلوك مسلك المضادة لكل ما تهواه النفس وتميل إليه ، وقد جمع الله ذلك كله في كلمة واحدة ، فقال (عز وجل):((وَأَمَّا منْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)) [النازعات:40،41]، وقال:((وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...)) [العنكبوت: 69].
والأصل المهم في المجاهدة: الوفاء بالعزم ، فإذا عزم على ترك شهوة،وابتلاه الله وامتحنه بتيسير أسبابها ، فالواجب الصبر والاستمرار ، فإن النفس إذا عُوِّدت ترك العزم ألفت ذلك ، فَفَسَدَت.(2/175)
ثم يتعين بعد ذلك: تحلية النفس وتعويدها على الخير ، حتى تألفه ويكون سجية لها ، قال: «إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحرّ الخير يُعطَه ، ومن يتق الشر يوقه»(1) ، فإن الأعمال لها أثر يمتد حتى يصل إلى القلب ، فكما أن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح: فإن كل فعل يجري على الجوارح قد يرتفع منه أثر إلى القلب ، والأمر فيه دَوْر ، وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح(2).
الحذر من الفتور (3):
فإذا ما تمت تخلية النفس من اتباع الهوى وتحليتها بفعل الخيرات والفضائل: وجب بعد ذلك أن يَنْصبّ الاهتمام على متابعة النفس في فعل الواجبات والمستحبات،وترك المحرمات والمكروهات والنية في المباحات، فإن النفس من طبعها الكسل والتراخي والفتور.
قال: «لكل عمل شَرّة ، ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك» (4).
قال ابن القيم (رحمه الله): «تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه ، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ، ولم تخرجه من فرض ، ولم تدخله في محرم ، رُجي له أن يعود خيراً مما كان» (5).
درجات الفتور:
إذن: فالفتور أمر لا بد منه ، ولكن الفتور درجات وأقسام:
1- أخطرها كسل وفتور عام في جميع الطاعات ، مع كره لها ، وهذه حال المنافقين.
2- ثم كسل وفتور في بعض الطاعات ، مع عدم رغبة ، دون كره لها ، وهذه حال كثير من فساق المسلمين.
3- كسل وفتور سببه بدني، فهناك الرغبة في العبادة، ولكن الكسل والفتور مستمر، وهذه حال كثير من المسلمين.
والخطير في هذه الحالة أن العمر يمضي، والأيام تنصرم دون إنتاج ولا عمل يذكر،والأخطر من ذلك: الانتقال إلى حالة أشد منها، فتعظم المصيبة، أو يقع الشبه بالمنافقين في التكاسل عن الطاعات، والتثاقل عن الخيرات؛ لذا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من العجز ، ومن الكسل في الصباح والمساء ، ويعلم أصحابه أن يستعيذوا منه.(2/176)
وقد عاتب الله المؤمنين في تثاقلهم عن الجهاد،ودعاهم إلى المسارعة والمبادرة إلى الخيرات، ورغبهم في جزاء السابقين المسارعين إلى الخيرات ، وبيّنه لهم.
الداعية والفتور:
والفتور والكسل داء يدب في الناس على مختلف درجاتهم ، وأخطر ما يكون على الدعاة وطلبة العلم ، مما يجعل تفاديه قبل حلوله ، أو تلافيه بعد نزوله أمراً ضروريّاً ، والدفع أسهل من الرفع.
ومن هنا: وجب تعاهد النفس؛ لئلا تقع في فتور ينقلها من مرحلة إلى مرحلة، فيتعسر الداء، وتصعب المعالجة؛ لأن أمراض النفس كالنبتة ، أسهل ما يكون قلعها وإزالتها أول نباتها ، فإذا ما تركت أخذت في النمو والكبر والثبات في الأرض ، حتى يحتاج قلعها إلى الرجال والفؤوس، وكذلك أمراض القلوب: تبدأ في ظواهر يسيرة، فإذا أهمل صاحبها علاجها تمكنت منه حتى تكون هيئات راسخة ، وطباع ثابتة.
لذلك: كان الواجب علينا ـ معشر الدعاة ـ أن نتفحص أنفسنا ، ونتأمل أحوالنا: هل نجد شيئاً من مظاهر الفتور؟ ، فنبادر إلى معرفة الأسباب والسعي في العلاج.
مظاهر الفتور:
مظاهر الفتور كثيرة ، منها:
ـ التكاسل عن الطاعات ، والشعور بالضعف والثقل أثناء أدائها ، والغفلة عن الذكر ، وقراءة القرآن.
ـ الشعور بقسوة القلب ، وضعف تأثره بالقرآن والمواعظ .
ـ التساهل في ارتكاب المعاصي وإلفها.
ـ عدم استشعار المسؤولية والأمانة ، وضعف هم الدعوة في القلب.
ـ انفصام عرى الأُخُوّة بين المتحابين.
ـ الاهتمام بالدنيا ، والانشغال بها عن فعل الخير.
ـ كثرة الكلام الذي لا طائل تحته ، وكثرة الجدال والمراء ، والحديث عن الأمجاد ، والمشكلات ، والانشغال بذلك عن العمل الجاد والمثمر المفيد للأمة.
ـ ضعف جذوة الإيمان ، وانطفاء الغيرة على محارم الله.
ـ ضياع الوقت ، وعدم الإفادة منه.
ـ عدم الاستعداد للالتزام بشيء ، والتهرب من كل عمل جدي.
ـ الفوضوية في العمل.(2/177)
ـ خداع النفس؛ بأن يتوهّم بأنه يعمل ، لكنه في الحقيقة فارغ ، أو عمله بلا هدف.
ـ النقد لكل عمل إيجابي.
ـ التسويف ، والتأجيل ، وكثرة الأماني.
أسباب الفتور:
وإذا تساءلنا: ما أسباب هذا الفتور الذي نعاني منه ، وما دواعيه؟ ، فالجواب: إنها كثيرة ، متفاوتة في الأهمية ، ومنها:
ـ عدم الإخلاص في الأعمال ، أو عدم مصاحبته؛ بأن يطرأ الرياء على الأعمال.
ـ ضعف العلم الشرعي؛ فيضعف علم فضائل الأعمال وثوابها ، وفضل الصبر وأثره ، ونحو ذلك.
ـ تعلق القلب بالدنيا ونسيان الآخرة.
ـ فتنة الزوجة والأولاد ، فإنها ملهاة عن كثير من الطاعات ، إذا لم ينتبه لها.
ـ عدم فهم الدين نفسه ، وهذا غريب! ، والأغرب: أن يفهم طبيعة الدين ، ويتذوق حلاوة الإيمان ، ثم ينصرف عن العمل في ميدانه.
ـ الوقوع في شيء من المعاصي والمنكرات ، وأكل الحرام أو المشتبه بالحرام.
ـ عدم وضوح الهدف الذي يدعو من أجله ، وهو: طلب مرضاة الله ، وتعبيد الناس لرب العالمين ، وإقامة دين الله في الأرض.
ـ ضعف الإيمان بالهدف ، أو الوسيلة الدعوية التي يسلكها.
ـ الغلو والتشدد ، بحيث ينقلب ذلك سبباً للملل وترك العمل.
ـ العقبات والمعوقات الكثيرة في طريق الدعوة والداعية ، وتلك سنة الله في الدعاة والدعوات.
ـ الفردية وإيثار العزلة ، فيدركه الملل والسأم.
ـ الجمود في أساليب الدعوة وعدم التفكير في وسائل وأساليب توصل المقصود إلى المدعوين ، وتحافظ على أصول الدعوة وروحها ، ومن ذلك مثلاً: التنويع في أساليب مخاطبة الناس ، كلٍّ حسب مستواه: بالكلمة المسموعة ، والمقروءة ، بشتى صورها وأشكالها ، ومنه: التنويع في كيفية إلقاء دروس العلم والقرآن ، من حيث المكان والوسائل.
ـ عدم استحضار عداوة الشيطان المستمرة ، وأيضاً: عدم استشعار تحدي الكفار للمسلمين ، وأنهم يبذلون كل وسيلة لصد المسلمين عن دينهم والكيد لهم.(2/178)
ـ الأوهام ووساوس الشيطان التي تزرع الخوف في القلوب ، وتشكك الداعية في سلامة الطريق.
ـ أمراض القلوب: كالحسد ، وسوء الظن ، والغل ، وحب الصدارة ، والكبر...
ـ التقصير في العبادة وعمل اليوم والليلة من الرواتب والسنن والأذكار والورد اليومي...
ـ استبطاء النصر ، واستعجال النتائج.
ـ عدم الاستقرار على برنامج أو عمل معين ، وترك العمل قبل إتمامه ، ثم الانتقال إلى غيره.. وهكذا.
ـ النظر إلى مَنْ دونه في العلم والعبادة ، وذلك مثبط للهمم .
ـ الدخول على أهل الدنيا ومخالطتهم ، وفيه مفاسد عظيمة ، لا ينجو منها إلا من سلّمه الله.
ـ الفتور في معالجة الفتور .
علاج الفتور:
ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، والفتور من أشد الأمراض المعنوية، وتتأكد خطورته حينما لا يحس به الإنسان حتى ينقله إلى الانحراف ، فيقضي عليه ـ والعياذ بالله ـ ، ومن هنا تتأكد أهمية العلاج باتخاذ سبل الوقاية منه ابتداء ، أو عمل الأسباب التي تذهب به بعد وقوعه ، وأهم سبل العلاج: تلافي أسبابه ، وذلك أعظم وسيلة للنجاة ، وإن القناعة بخطورة هذا المرض ووجوب التخلص منه ـ وقاية وعلاجاً ـ أمر ضروري للإفادة من سبل العلاج ، ومنها:
ـ الدعاء والاستعانة؛ فإن الله يجيب المضطر إذا دعاه ، والمصاب بدينه الذي يخاف على نفسه: أعظم المضطرين ، والله هو المستعان على كل خير ، ولذا: أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً أن يقول دبر كل صلاة: «اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك».
ـ تعاهد الإيمان وتجديده ، والحرص على زيادته بكثرة العبادة؛ مما يكون زاداً للمؤمن ، ومخففاً عنه عناء الطريق.(2/179)
ـ مراقبة الله، والإكثار من ذكره ، ومراقبته تستلزم خوفه وخشيته ، وتعظيمه ، ومحبته، ورجاءه ، والإيمان بعلمه وإحاطته وقدرته ، أما الذكر: فهو قوت القلوب ، وبه تطمئن، وأعظم ذلك: الصلة بكتاب الله (تعالى): تلاوة ، وفهماً ، وتدبراً ، وعملاً ، وحكماً ، وتحاكماً ، فإن من لم ينضبط بالقرآن أضله الهوى.
ـ الإخلاص والتقوى؛ ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)) [الأنفال:29].
ـ تصفية القلوب من الأحقاد ، والغل ، والحسد ، وسوء الظن؛ مما يشرح الصدر ، ويسلم القلب.
ـ طلب العلم ، والمواظبة على الدروس وحلق الذكر والمحاضرات؛ فإن العلم طريق الخشية ، وهو قوت القلوب.
ـ الوسطية والاعتدال في العبادة ، وفي عمل الخير.
ـ تنظيم الوقت ، ومحاسبة النفس.
ـ لزوم الجماعة ، وتقوية روابط الأخوة.
ـ تعاهد الفاترين ومتابعتهم؛ لئلا يؤدي بهم الفتور إلى الانحراف.
ـ التربية الشاملة المتكاملة على منهاج النبوة التي تقي من الفتور ـ بإذن الله (تعالى) ـ.
ـ تنويع العبادة والعمل ، من: الذكر ، وقراءة القرآن ، والصلاة ، وقراءة الكتب المفيدة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وقضاء حوائج الناس ، وإغاثة الملهوفين...
ـ الاقتداء بالأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) ، والدعاة المخلصين.. في نشاطهم ، وحرصهم على أوقاتهم وأعمالهم.
ـ علو الهمة ونبل المقصد والأخذ بالعزيمة ، بأن يكون الهمّ: الجنة ، والمقصود: مرضاة الله ؛ بالسعي في العبادة حتى الموت.
ـ الإكثار من ذكر الموت،وخوف سوء الخاتمة، بزيارة المقابر، ورؤية المحتضرين، فإن ذلك يورث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة.. ونسيان الموت: يورث أضداها.
ـ جعل ذكر الجنة والنار من الإنسان على بال ، وقراءة صفة كلٍّ منهما في كتاب الله (تعالى) وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن ذلك يشحذ الهمم ويذكي العزائم.(2/180)
ـ الحرص على زيادة العمل ، والاستمرار فيه ، والحذر من التكاسل ، خاصة فيما حافظ عليه من عمل ، فإن من ترك سنة يوشك أن يترك واجباً.. وهكذا.
ـ الصبر والمصابرة؛ فإن طريق العلم والعبادة والدعوة إلى الله طريق شاق وطويل ، وكثير المتاعب والمصاعب.
نسأل الله (عز وجل) أن يثبتنا على دينه ويختم لنا بخاتمة الخير..
__________
1) انظر: صحيح الجامع ، ح/461.
2) انظر: تهذيب موعظة المؤمنين ، ص 221 ـ 225.
3) انظر: الفتور ، د. ناصر العمر.
4) المسند: 2/21 ، وصحح أحمد شاكر إسناده ، وانظر: صحيح الجامع ، ح/ 2152.
5) انظر أيضاً بمعنى هذا الكلام: مدارج السالكين ، جـ3 ، ص 121.1
مراجع أخرى مهمة:
1 - روحانية الداعية ، عبد الله ناصح علوان.
2 - الفتور ، جاسم الياسين.
ــــــــــــــــــ
الفتور .. لماذا!؟
أم عبد الله ـــ الرياض(2/181)
عندما تسمو الأهداف يسري في الجسد حماس لا ينطفئ ونشاط لا يخبو؛ لأن الأهداف السامية ترقى بك في درجات الهمة العالية والرفعة درجةً درجة تجعلك دائماً تتطلع إلى الأعلى؛ فحينما يضطلع الداعية همَّ الدعوة ويكون هدفه الأسمى رضى الله فإن نشاطه وحماسه لا يخبو، وسيجد في نفسه شعوراً بالتقصير تجاه الدعوة يدفعه إلى استنفار كل طاقاته وإمكاناته المادية والمعنوية، فتجده يجود بماله وبدمه وبوقته في سبيل الدعوة إلى الله متدرعاً بالصبر مبتغياً ما عند الله غير آبه ولا مُكترث لما قد يحدث له أو ما قد يفوته من حظوظ الدنيا، تجده في عمله في غاية السعادة بالرغم من الصعاب أو العوائق أو المثبطات التي تواجهه في ليله ونهاره، والتي قد تجعله أحياناً حبيساً، أو أن تكبل دعوته وتقطع وسائلها؛ بل تكون هذه الصعاب شاحذة لهمته، لا يعرف الملل ولا الإدلال بالعمل إليه طريقاً، ويظل نور ذلك الهدف السامي يبعث في جوانحه أملاً ببلوغ الخير للناس وإن طال الزمن محسناً الظن بالله: (($ولا تيأسوا من روح الله)) [يوسف: 87]. أمَّا ذلك الصنف من الذين أحبوا الدعوة ومنحوها كثيراً من إمكاناتهم ثم بعد فترة بدأ الفتور يدب في أوصالهم، وضعفت الهمة وفقد الحماس للدعوة؛ فهل كانت أهدافهم سامية أم أن سلوك طريق الدعوة كان يحقق لهم بعض الشعور بالرضى، أي إنهم يبحثون عن أنفسهم من خلال العمل للدعوة؛ فهذا الصنف يدب الملل في أوصاله إن لم يجد ما كان يحلم به، أو ما كان ينتظره من الناس، أو إن عرضت له بعض المثبطات، أو شعر بما يهدد أسباب معيشته أو راحته، أو إذا تعرض للنقد؛ لأنه باحث عن نفسه في كل حركاته بالرغم من أنه يشعر في نفسه أنه يخدم الدعوة في سبيل الله، لكن إحساسه بمصلحته أعظم من شعوره تجاه الدعوة، فتضيع جهوده التي يعتقدها في الدعوة في ثنايا البحث عن مصلحته الشخصية، فلا غرابة أن يرى التخاذل بعد الجهد والعمل؛ لأن الهدف هو وقود الحركة، فكلما كان الهدف(2/182)
سامياً كلما كان وقود العمل يتجدد ولا ينضب، وكذلك كلما كان الهدف دنيوياً فإن الوقود سوف يكون زائفاً، فلا يستمر الحماس ويذبل العمل ويقف السائر على درب الدعوة في الطريق. هذا إن لم تصحح الأهداف والنوايا: ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) [الرعد: 11].
ــــــــــــــــــ
الفتور المظاهر - الأسباب – العلاج
أ. د .ناصر بن سليمان العمر
أولاً: مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)([1]).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)([2]).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)([3]).
أما بعد، أيها الأخوة المؤمنون: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته:(2/183)
بادئ ذي بدء أشكر الله -جل وعلا- الذي يسر وسهل وأعان لهذا اللقاء، وأسأله التوفيق والتمام، ثم أشكر مكتبة "دعوتي" في شرق الرياض في منطقة "النسيم" وما حولها الذين نظموا هذا اللقاء، وأخص بالشكر القائمين على هذا المسجد؛ فهم لهم السبق -جزاهم الله خيرا- باستضافة هذه الحلقة التعليمية التربوية، فلهم مني جزيل الشكر والدعاء، ولكم - أيها الأحبة -؛ حيث جئتم لسماع هذه الكلمات، التي أسأل الله -جل وعلا- أن تكون خالصة موفقة نافعة بإذن الله.
وإن كان لي من عتب فهو على أخي الشيخ محمد في تقديمه -حفظه الله- فلست أهلا لهذه المقدمة التي قالها.
ولا أقول هذا -أيها الأخوة- والله تواضعا، ولكنها الحقيقة، ولكنني ألتمس منه وادعوه أن يرفق بإخوانه، فإن النفس البشرية ضعيفة، ونسأل الله الثبات.
ثانياً: لمن هذا الموضوع؟
أيها الأحبة: هذا اللقاء هو لقاء مع موضوع عشت معه سنوات طويلة، ولا أكتمكم إذا قلت: إن بداية اهتمامي بالموضوع تربو على أربع سنوات؛ لأنني كنت مقتنعا بأهمية هذا الموضوع وخطورته، ولكنني لم أكن، ولكنني لم أجد أن الوقت قد حان لإلقائه لسببين:
السبب الأول: أنه لم يكتمل بالصورة التي أريدها ولا أدعي -أيضا- كماله في هذا اليوم.
والسبب الثاني: أنني وجدت الحاجة ماسة -أكثر من أي وقت مضى- للوقوف مع موضوع الفتور؛ حيث بدأت ألمس وأرى وأشاهد هذه المظاهر في واقع المسلمين، وفي شباب الصحوة على وجه الخصوص، فقلت: لا بد من تدارك الأمر قبل استفحاله، لنعالج هذه القضية التي قد لا يحس بها كثير من الناس.
إن من أخطر مظاهر الفتور: أن الكثير لا يدركون خطورته إلا بعد فوات الأوان؛ فلذلك رأيت أن الوقت قد حان للوقوف معه، ونظرا لطول الموضوع ولأهميته لم أرض أن ألقيه في محاضرة تكون مختصرة، وإنما رغبت أن يكون في دروس متصلة، أقف وقفات متأنية لنلامس، ونعالج هذه المشكلة معالجة، لعلها تساعد وتعين في التخلص من هذا الداء، وهذا البلاء.(2/184)
وهنا يأتي سؤال -أيها الأحبة-: لمن هذا الموضوع؟ موضوع الفتور لمن؟
قد يتصور البعض أن موضوع الفتور يصلح لمن أصيب بداء الفتور، وأذكر أن أحد الأحبة علم اهتمامي بالموضوع، فقال: إنني أريد أن أدعو مجموعة من الأخوة الذين أحس أن الفتور قد دب في أوصالهم، لتتحدث معهم، قلت له: لا، اجمع لي أنشط الأخوة فهم أحوج إلى هذا الموضوع من الذي دب الفتور فيهم؛ لأن الذي قد دب الفتور فيه، أو بعبارة أصح: "قد تأصل فيه" أمره وشأنه أقل خطرا -في رأيي- من الذي لم ينتبه إلى خطورة الفتور، فيقع فيه.
أن أقف مع أولئك الشباب، وأولئك من طلاب العلم والعلماء، والدعاة الذين في قوة نشاطهم وعزيمتهم، هم أحوج إلى هذا الموضوع ممن دب الفتور في أوصاله، أو تمكن فيه؛ فلذلك أقول:
إن هذا الموضوع هو: لطلاب العلم، وللدعاة وللمربين وللشباب الذي يفتقدون حماسا،
أخيرا هو للفاترين: فليسوا عندي عندما وجهت هذا الموضوع لهم بالدرجة الأولى إنما وجهته لغيرهم وأخص المربين بصفة أخص.
نقطة أخرى: إن درس اليوم -أيها الأخوة- عن تعريف الفتور ومظاهره، أعتبره مقدمة لما يأتي بعده، وأخص درس الغد.
فإن أسباب الفتور التي سأتحدث فيها غدا -إن شاء الله- هي لب الموضوع وأساسه؛ ولذلك آمل ألا يتعجل متعجل، أو أن يدب الفتور فيه وهو يستمع إلى هذه المقدمة، فأقول له: رويدك، وآمل أن تواصل المشوار حتى ننتهي، ولك الحكم بعد ذلك؛ لأن أسباب الفتور هي التي جلست معها قرابة أربع سنوات، أعالجها وأبحث فيها، وأتلمس أسبابها من أطرافها.
ولهذا فأقول: إنه من الاعتراف بالحق، لا أدعي أنني أتيت بهذا الموضوع من جهدي الخاص لا، بل لقد التقيت خلال هذه السنوات بعدد كبير من المشايخ والعلماء، وطلاب العلم، والدعاة وبعض الشباب، وقرأت أغلب ما كتب في موضوع الفتور، فما ألقيه عليكم هو جهد شارك فيه غيري، فجزاهم الله عني وعنكم خير الجزاء.(2/185)
ومع ذلك هو جهد بشر يعتريه النقص، ويعتريه التقصير، ويأبى الله الكمال إلا لكتابه -جل وعلا-.
النقطة الأخيرة: أقول: هذا الموضوع هو موضع علمي تربوي يلامس الواقع ويعالجه؛ ولذلك آمل أن تجدوا ما جئتم تبغونه من خلال هذه الساعات التي نقضيها هذا اليوم، وبعد اليوم بإذن الله.
ثالثاً: تعريف الفتور
فأقول مستعينا بالله -جل وعلا- ومتوكلا عليه ومصليا ومسلما على رسوله - صلى الله عليه وسلم -
ما هو الفتور؟
قبل أن أعرفه من الناحية اللغوية، أريد أن أنبه أن تركيزي في هذه الدروس يتعلق بالفتور في طلب العلم، والدعوة إلى الله، وسيدخل في ذلك تبعا وضمنا بقية أنواع الفتور، كالفتور في العبادة ونحوها، ولكن التركيز ينصبُّ على هذين الأمرين، كما ستلاحظون بإذن الله عند الحديث في مظاهر الفتور وأسبابه وعلاجه.
ما هو الفتور؟
عرف علماء اللغة الفتور بعدة تعريفات متقاربة، يكمل بعضها بعضا، ويوضح بعضها بعضا.
قال في مختار الصحاح: الفترة: الانكسار والضعف، وطرف فاتر: إذا لم يكن حديدا، أي قويا، وقال ابن الأثير: والمفتر الذي إذا شرب أي الذي إذا شرب أحمى الجسد، وصار فيه فتور، وهو ضعف وانكسار؛ ولذلك يسمى الخمر من المفترات، وبعض الحبوب، وبعض المسكرات التي يستخدمها بعض الناس تسمى من المفترات؛ لأنها تحدث في الجسم ضعفا وخورا وفتورا.
يقال: أفتر الرجل فهو مفتر: إذا ضعفت جفونه، وانكسر طرفه وقال الراغب: الفتور، تعريف جميل للراغب -رحمه الله- الراغب الأصبهاني في مفردات القرآن قال: الفتور: سكن بعد حدة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة، قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ)([4]) أي سكون حال عن مجيء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله: لا يفترون، أي لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة.
وقال ابن منظور: وفتر الشيء، والحر، وفلان يفتر فتورا وفتارا: سكن بعد حدة، ولان بعد شدة.(2/186)
ونخلص من هذا: إلى أن الفتور: هو الكسل والتراخي، والتباطؤ بعد الجد، والنشاط والحيوية.
نخلص بعد هذا من هذه التعريفات إلى أن الفتور: هو الكسل والتراخي والتباطؤ بعد الجد والنشاط والحيوية.
قال ابن حجر -رحمه الله، ورحم من سبقه-: الملال استثقال الشيء، ونفور الناس عنه بعد محبته، وهو داء يصيب بعض العباد والدعاة وطلاب العلم، فيضعف المرء ويتراخى ويكسل، وقد ينقطع بعد جد وهمة ونشاط.
رابعاً: أقسام المصابين بداء الفتور
المصابون بداء الفتور ثلاثة أقسام:
القسم الأول: قسم يؤدي بهم الفتور إلى الانقطاع كلية، وهم كثير، قسم يؤدي بهم الفتور إلى الانقطاع يكون من العباد، فيترك العبادة يكون من طلاب العلم الجادين، فيترك طلب العلم، يكون من الدعاة المعروفين، فينقطع نشاطه.
النوع الثاني: قسم يستمر في حالة الضعف والتراخي دون انقطاع، وهم الأكثر، أكثر من يصاب بالفتور يبقى معه بعض الأثر من جده ونشاطه، ولكن ينخفض نشاطه وعلمه وجده كثيرا إلى أكثر من نسبة سبعين أو ثمانين بالمائة، إذا أردنا أن نستخدم نسبة الأرقام.
هؤلاء هم الأكثر بحيث تجد أن الشخص من الدعاة، أو من طلاب العلم، فبدل أن كان عنده مثل خمسة دروس في الأسبوع إذا هو يقتصر على درس واحد، بدل أن كان يعمل في اليوم قرابة عشر ساعات إذا هو يعمل ساعة أو أقل، وهلم جرا، بدل إن كان ينفق في سبيل الله كثيرا إذا هو لا ينفق إلا القليل، هذا هو النوع الثاني.
النوع الثالث: قسم يعود إلى حالته الأولى، أو بعبارة أصح إلى قرب حالته الأولى؛ لأنه قليل أو نادر أن يعود إلى حالته الأولى، قسم يعود إلى قرب حالته الأولى وهم قليل جدا؛ لأن أثر الفتور قد يبقى، ويؤثر في الإنسان.(2/187)
أدلة الفتور من الكتاب والسنة: وأريد أن أشير قبل أن أتجاوز أقسام الناس في الفتور إلى أن هناك قسم بعض الناس يؤدي به الفتور -والعياذ بالله- إلى الانحراف، ولكن لم أتحدث عن هذا النوع؛ لأن غالبا النوع الذي يؤدي به الفتور إلى ترك العمل هم منهم قسم كبير يؤدي بهم الأمر إلى الانحراف -والعياذ بالله- فقد رأينا أناسا كانوا في غاية النشاط، والعبادة والصلاح، ورأيناهم بعد حين، وقد انحرفوا عن الجادة -والعياذ بالله-.
لا زلت أتذكر شابا، دخلت في مسجد من المساجد في يوم من الأيام قبل صلاة المغرب، فإذا هو في المسجد عليه آثار الانكسار والذل والخشوع بين يدي الله وآثار العبادة عليه بادية، فوالله لقد أثر علي مشهده ومنظره، ثم مضت السنوات فرأيته، وليتني لم أره رأيته شابا قد وقع فيما يغضب الله -جل وعلا- وانحرف، نسأل الله الثبات والعافية.
أنا لا أتحدث هنا عن الانحراف، ولكنني أنبه إلى أن الفتور من أعظم أبواب الانحراف.
إن الفتور مرحلة وسطية بين العبادة والدعوة والعلم والانحراف، قل أن تجد إنسان عابدا وداعية ومعلما أو متعلما وينحرف مباشرة، أقول: موجود، ولكنه قليل جدا.
إن ما يحدث أن يفتر أولا، أن يضعف أولا، ويعيش سنوات في ضعف، ثم الإنسان لا يستقر على حالة واحدة، إن لم يتداركه الله برحمته، ويعود يستمر في الانحدار حتى يقع في الانحراف -والعياذ بالله-.
خامساً: أدلة الفتور من القرآن
أدلة الفتور من الكتاب والسنة:
ورد لفظ الفتور، ومعناه في عدة آيات وأحاديث من الكتاب والسنة، وسأذكر بعض هذه النصوص، لإلقاء مزيد من الضوء حول معنى الفتور، وسيكون ذكري لها باختصار، دون تعليق طويل، وإن كنت سأفصل فيها -بإذن الله- عند ذكر الأسباب
قال الله -تعالى- مثنيا على الملائكة: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ)([5]).
أي لا يضعفون ولا يسأمون، وجاء في آية مشابهة:
((2/188)
يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ)([6]) والسأم هو الفتور، وقال سبحانه -مما يدل على معنى الفتور-: (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ)([7]) كتابة الديون يفتر الإنسان عنها؛ ولذلك نبه الله -جل وعلا- قال: (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ)([8]).
لو سألت الأخوة، قد تجد كل واحد من الموجودين، أو بعبارة أصح أن أغلب الموجودين إما له دَين أو عليه دَين، ولكن كم منهم يكتب هذا الدَّين؟ قليل جدا، قليل من يسجل ما له، وما عليه؛ ولذلك تلاحظون في الإعلانات بعد أن يتوفى بعض الناس يعلن أهله وورثته: من له عليه أو من له على فلان دين فليأت، ما معنى هذا؟ أنه لم يسجل ولم يقيد؛ فلذلك نبه الله إلى هذه النقطة الخفية، التي أقول: إن أغلبنا قد وقع فيها (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ)([9]).
السأم هو الفتور، قد يتحمس الآن الواحد، ويخرج ويكتب مرة ويكتب مرتين، ويكتب ثلاثا ثم بعدين -إن شاء الله- غدا بعد غدٍ ثم ينسى ويسأم، ثم تقع المشكلات بعد ذلك، ويقع الخلاف ويقع الخصام.
أيضا يقول -جل وعلا-: (لا يَسْأَمُ الْأِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ)([10]) صحيح نعم، وهو قول الباري -جل وعلا- الإنسان لا يفتر من دعاء الخير لنفسه، دائما يدعو الله -جل وعلا- فيما يخصه من الخير، أما غير ذلك من العبادات، فالسأم والفتور موجود.(2/189)
وقال -جل وعلا- عن أهل النار: (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)([11]) النار مستعرة شديدة لا يمكن أن تقل أو تضعف لحظة واحدة (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ)([12]) لا تنقطع ولا تضعف ولا تخبو لحظة واحدة (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)([13]) وقال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ)([14]) وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ)([15]) أي انقطاع، ومما يدل في معنى قوله تعالى يصف المؤمنين: (وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)([16]).
سادساً: أدلة الفتور من السنة
أما الأحاديث: فهي كثيرة جدا، وأذكر بعض هذه الأحاديث، وهي نص في الموضوع، أو في معناه عن أنس رضي الله عنه قال: " دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا حبل ممدود بين ساريتين " ([17]) دخل المسجد، فإذا حبل ممدود بين ساريتين " فقال: ما هذا الحبل؟ " يقول - صلى الله عليه وسلم - " قالوا: هذا حبل لزينب " ([18]) زينب: هي زوجة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أمهات المؤمنين " هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به " ([19]) تقوم تصلي، فإذا فترت فترت، وكسلت تعلقت بالحبل حتى تنشط.
وأذكر أنني كنت في زيارة للجنوب لجيزان، فزرت بيت الشيخ الإمام العلامة: حافظ حكمي -رحمه الله- وقابلت أخاه هناك في بيته، فذكر لي أن الشيخ حافظ كان يجلس يكتب في الليل المناهج والكتب ويؤلف، فإذا أحس بتعب قد علق حبلا في خشبة وتعلق به حتى يذهب النوم ويعود على الكتابة، من جده؛ ولذلك تعرفون أن العلامة حافظ حكمي توفي وعمره خمسة وثلاثون سنة، وخلف هذا الأثر العظيم من العلم والكتابة والتلاميذ، مع أن سنه خمس وثلاثون سنة عندما توفي -رحمه الله-.(2/190)
كان يعمل الليل والنهار، وقد، وهو لا ينطبق عليه هذا الحديث لاختلاف الموضعين، واختلاف الحال والمحل وحاجة الناس فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لما قال: لماذا هذا الحبل؟ قالوا: لزينب فإذا فترت تعلقت به، أنشط لها ولإذهاب الفتور، قال - صلى الله عليه وسلم - " لا، حلوه، ليُصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد " ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر وتعب وكسل فلينم، وهذه من رحمة الله -جل وعلا-.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استمعوا يا شباب، استمعوا يا أصحاب الجد، انظروا كيف يخبرنا الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - وكيف يدلنا على العلاج، يقول - صلى الله عليه وسلم - " إن لكل شيء شرة، ولكل شرة فترة، فإن صاحبها سدد وقارب فأرجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه " ([20]).
وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى " لكل عمل نشاط " فترة شرة ونشاط وقوة " ولكل شرة فترة " ([21]) كل عمل -هذا كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
وأذكر أن أحد الأخوة يقول: كان في غاية نشاطه، هذا الكلام منذ ثلاث سنوات، كان قويا ونشيطا، وكنت وكنا وقوفا، فجاء أحد الأخوة وسلم عليه، وقال: يا فلان -فلان من كبار العلماء، لا أريد أن أذكر اسمه- أحد كبار العلماء يبلغك السلام، ويقول لك: إنني أدعو لك بالتوفيق، ولكنني أذكرك بحديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - " إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة " ([22]).
يقول هذا الأخ: لما انصرف المُبلغ، يقول: صحيح بلغ الحديث، لكن هل يمكن أن أفتر؟ يقول -عن نفسه-: كان في غاية النشاط، ما مر على هذا الكلام إلا سنتان، فإذا هو قد فتر قليلا، وخف نشاطه.
إذا " لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة " ([23]) وفي الحديث الآخر عن ابن عباس رضي الله عنه في نفس نص الحديث، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لكل عالم شرة، ولكل شرة فترة، فمن فتر إلى سنتي فقد نجا، وإلا فقد هلك " ([24]).(2/191)
وقال - صلى الله عليه وسلم - عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " كانت مولاة للنبي - صلى الله عليه وسلم - تصوم النهار، وتقوم الليل، فقيل له: إنها تصوم النهار، وتقوم الليل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لكل عمل شرة، والشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك، فقد ضل " وفي رواية: " فقد هلك " .
وعن عبد الله بن عمرو قال: " ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قوم يجتهدون في العبادة اجتهادا شديدا فقال: تلك ضراوة الإسلام وشرته، ولكل عمل شرة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد فنعماه، ومن كانت فترته إلى المعاصي، فأولئك هم الهالكون " ([25]).
" وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها امرأة فقال: من هذه؟ قالت: هذة فلانة تذكر من صلاتها فقال: مه " ([26]) عائشة -رضي الله عنها- أثنت عليها ثناء كثيرا، أنها تصلي، وتقوم الليل، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مه أي اسكتي، كفى عن هذا المدح " مه: عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا " ([27]).
وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه.
وأختم بهذا الحديث: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فتركه " ([28]).
إذا -أيها الأخوة-: هذه أحاديث ونخلص من هذه الأحاديث إلى:
أن كل إنسان يصاب بالفترة لكن -وبالفتور- هناك من يصاب بالفتور قليلا، ثم يعود كما كان أو أحسن، وهناك من يصاب بالفتور، وهو الهلاك، وهو الذي نقصده في هذا الحديث.
ليس حديثي عن الذي يصاب بالفتور قليلا ثم ينشط، هذا ليس هو مجال حديثي، ولا يخلو منه أحد، ولا يسلم منه أحد، كما بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكنني أتحدث عن النوع الآخر من الفتور؛ أولئك الذين يفترون عن العمل، ويضعفون ثم يهلكون -والعياذ بالله-.(2/192)
سابعاً: آثار عن السلف في الفتور
انظروا بعض الآثار عن السلف:
قال ابن مسعود: لما بكى في مرض موته رضي الله عنه إنما قيل له: ما يبكيك؟ قال: إنما أبكي؛ لأنه أصابني في حال فترة، ولم يصبني في حال اجتهاد، لما أصابه مرض الموت بكى قال: لأنه أصابني المرض، وكنت في حال فترة، ضعف، ويا ليت المرض أصابني وأنا في حال اجتهاد، وفرق بين من يصاب بمرض وهو في حال نشاط واجتهاد، وبين من يصاب بمرض وهو في حال فتور؛ لأن المريض والمسافر يكتب له ما كان يعمل في حال صحته، فبكى رضي الله عنه.
وعنه رضي الله عنه قال: " لا تغالبوا هذا الليل فإنكم لن تطيقوه، فإذا نعس أحدكم فلينصرف إلى فراشه، فإنه أسلم له " .
وقال الإمام النووي شارحا لحديث عائشة -رضي الله عنها-:
فيه الحث، الذي هو حديث عائشة، عندما قال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مه، فيه الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق، والأمر بالإقبال عليه بنشاط، وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور.
قال ابن القيم، خذوا هذه الكلمات من الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، السالكين العباد طلاب العلم تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيرا مما كان.
ابن القيم وضع لنا حدا قال: إذا أصيب أحدكم بفتور، لا بد أن يصاب بالفتور، المهم ألا توصله حدا وضعه ابن القيم -رحمه الله-، وهو من معنى الأحاديث السابقة لا توقعك في محرم، ولا تجعلك تتخلى عن فرض.
ولذلك ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن النفس لها إقبال وإدبار، لاحظوا كلام جميل من الإمام علي رضي الله عنه النفس لها إقبال وإدبار، فإذا أقبلت فخذها بالعزيمة والعبادة، وإذا أدبرت فأقصرها على الفرائض والواجبات، أو كما قال رضي الله عنه لاحظتم هذه القاعدة وهي مهمة ستأتي -إن شاء الله- في أسباب الفتور لكنني أؤكدها هنا.(2/193)
بعض الناس تكون نفسه منصرفة، فيه ثقل، فيجبر نفسه على ماذا؟ على النوافل ما الذي يحدث؟ يبدأ يحس بثقل شديد في النوافل، حتى بعد فترة طويلة، لا، إذا قصرت نفسه وثقلت، فاتركها لكن لا تتخلى عن الفرائض والواجبات، وإذا أقبلت نفسك، انشرحت فخذها بالعزيمة.
أحيانا تجد من نفسك رغبة في الصلاة، العبادة، فإذا وجدت هذه الرغبة، خذ النفس فيها، وأحيانا تحس بثقل، فأقصرها على الأقل، ولو تقصرها على الوتر ثلاث ركعات، أو ركعة واحدة.
أحيانا تجد عندك النفس مقبلة لقراءة كتاب الله -جل وعلا- فخذها، ولو تقرأ في اليوم عشرة أجزاء، وأحيانا تجد ثقلا فأقصرها على وردك اليومي، وحتى لو تركت الورد، وإن كان هذا يحدث خللا كما ذكر ابن تيمية، فإنك تعود أقوى -بإذن الله- إلى ذلك.
النفقة: أحيانا تجد في نفسك إقبالا على النفقة في سبيل الله، فخذها دون إفراط، وأحيانا تجد ثقلا فأقصرها على ما تستطيع وترغب ولا تكرهها؛ لأن هذا تكون آثاره خطيرة بعد ذلك.
ثامناً: مظاهر الفتور
التكاسل عن العبادات والطاعات
بعد ذلك أنتقل إلى النقطة التي -المسألة التي أيضا- رأيت في الإعلان عنها، وهي مظاهر الفتور:
بعد هذه المقدمات بتعريف الفتور، وأدلة الفتور من الكتاب والسنة، وتعريف العلماء وكلام العلماء والسلف في الفتور، نقف الآن حسبما يناسب المقام مع مظاهر الفتور، وإن كنت -أيها الأخوة- وأنا أنبه الآن إلى مظاهر الفتور أقول لكم: إن هذه المظاهر اجتهدت في تلمسها من الواقع، وفي بعض ما ذكره طلاب العلم، ولكن قد يكون الذي يصاب بالفتور أدرى الناس بالفتور الذي يصاب به، لماذا؟
طالب العلم الداعية يدرك الفتور من أول ما يقع فيه، بينما الذي يراقب الحالة، كالمربي والمعلم والشيخ، قد يجلس فترة طويلة حتى يكتشف الفتور، فأقول: يا أخي الكريم من هذا الكلام أنت أدرى الناس بمظاهر الفتور، ومع ذلك سأجتهد أن أبين هذه المظاهر لسببين:(2/194)
للإنسان نفسه إن كنت وقعت في هذا الداء الذي سأشير إلى بعضه فانتبه لنفسك.
وثانيا: هي للدعاة وللمربين، انتبه يا أخي الكريم، أيها الداعية، يا طالب العلم، أيها المربي، انتبه لمن حولك من طلابك وتلاميذك.
أيها الأب: انتبه لأولادك، إن وجدت شيئا من هذا الداء فإنه قد بدأ المرض يدب في أوصاله، فتداركه قبل فوات الأوان.
أبرز مظهر من مظاهر الفتور كلنا نعرف: التكاسل عن العبادات والطاعات، مع ضعف وثقل أثناء أدائها، ومن أعظم الصلاة، قال -سبحانه وتعالى- واصفا المنافقين (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً)([29]).
وقال -جل وعلا-: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ)([30]) هذا مظهر يا أخي إذا كنت تجد وأنت تقوم إلى الصلاة الفريضة ثقلا، فأنقذ نفسك، تدارك نفسك؛ لأن هذه صفة من صفات المنافقين -والعياذ بالله-.
لأن الصلاة -أيها الأخوة- والفرائض والواجبات لا مجال للفتور فيها، انتبهوا قد نتجاوز عن فتورك في بعض النوافل، قد يتجاوز عن فتورك في بعض الطاعات، قد يتجاوز عن فتورك في بعض العبادات والأعمال، لكن في الفرائض فلا، إن وجدت أنه إذَا أذّنَ قلت: باقي ثلث ساعة، ثم قلت: سألحق تكبيرة الإحرام، وإذا ذهبت فإذاك تقول: متى يأتي الإمام، وإذا تأخر دقيقة فنجد الدقة المتناهية عندك، تدرك كم تأخر الإمام دقيقة أو دقيقتين، وأنت تضيع الساعات، الساعة والساعتين.
وإذا أطال الإمام الصلاة، متوسط الصلاة سبع دقائق مثلا، نَقُل: صلاة العصر أو الظهر فتجد البعض اليوم يقول: الإمام طول، أصبحت تسع دقائق، لكنه لو يسمح له، ويقال: أنت لك غدا موعد مع وزير من الوزراء، أو مسئول من كبار المسئولين، لك ربع ساعة، قال: ما تكفي، فإذا دخل وجلس نصف ساعة قال: والله كأنها دقيقة، نصف الساعة كأنها دقيقة.(2/195)
سبحان الله!، مع الله -جل وعلا- الصلاة صلة بين العبد وربه تحصي الفرق الدقيق أن الإمام زاد نصف دقيقة أو دقيقة أو دقيقتين، وما شاء الله تجد الحفظ الدقيق للأحاديث التي فيها الأمر بتخفيف الصلاة، حافظ هذه الأحاديث يمكن بأسانيدها، لكن اسألوا عن الأحاديث التي فيها إطالة الصلاة لا يعرف منها شيئا، ففيه ثقل في العبادة.
أقول: أنقذ نفسك، التثاقل عن الصلاة صفة من صفات المنافقين، ومظهر من أبرز مظاهر الفتور، ويدخل في هذا تبعا الضعف عن قيام الليل، وصلاة الوتر، وأداء السنن الرواتب، وبخاصة إذا فاتته، فقلّ أن يقضيها، ومن ذلك الغفلة عن قراءة القرآن وعن الذكر.
ومثل ذلك الشيطان هو الشيطان على كل حال، لا شك هو خبير، إذا جئت تنام أردت أن توتر قال: لا الوتر آخر الليل أفضل لك، إي والله صحيح أفضل، ثم إذا نمت وأردت أن تقوم قبل الفجر، قال: نام بَكِّرْ، إذا أذن الفجر قال: ما ينجيك، ويكرر هذا الأمر مرارا، ولا نتوب ولا نتعود.
والعلاج، قد تسألني: ما العلاج؟ يا أخي أقول لك: العلاج كما أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة " أوصاني خليلي بثلاث " ([31]) - صلى الله عليه وسلم - منها: " وأن أوتر قبل أن أنام " ([32]) نعم، وإذا هيأ الله لك أن تقوم آخر الليل، ما فيه مانع تقوم سواء أوترت، وهناك العلماء ذكروا كيف يوتر الإنسان، ولو أوتر آخر الليل، أما يتخذ الشيطان هذه الوسيلة قبل أن تنام يقول: لا آخر الليل أفضل لك، هو عارف أنك ما أنت قايم، وإلا حقيقة لو يعرف أنك ستقوم قال: لا، أفضّلُ لو توتر أول الليل، أخشى ما تقوم، خبير في هذه الأمور.(2/196)
ولذلك مما ذكر ابن الجوزي أن زكريا -عليه السلام- لم يقم في ليلة من الليالي لقيام الليل، فجاءه الشيطان وقال له: أتعلم لماذا لم تقم الليل؟ قال: لا، قال: لأنك أكثرت طعاما كثيرا، أكلت طعاما كثيرا فأكثرت، قال: والله لا أكلت طعاما بعدها قبل أن أنام، قال الشيطان: وأنا -والله- لا أنصح أحدا بعدك بعد اليوم.
الله، مشكلة هذه، ما دام ثقل الطعام سيسبب أنه ما يقوم، وهذا فعلا سبب صحيح، قال: ما راح آكل طعاما أبدا، وفعلا جرب نفسك لا تأكل يوما من الأيام، أو كل المغرب، كما كان آباؤنا يفعلون، ما شاء الله، ما في أخف من قيام الليل، وما في أسهل من قيام لصلاة الفجر.
لكن الواحد إذا جاء، وأكل مما لذ وطاب كيف يقوم؟ فأقول: هذا مظهر من مظاهر الفتور.
الشعور بقسوة القلب وخشونته
من مظاهر الفتور: الشعور بقسوة القلب وخشونته، فلم يعد يتأثر بالقرآن والمواعظ، ورانت عليه الذنوب والمعاصي، قال سبحانه: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)([33]) ويكاد يصدق عليه وصف الله لقلوب اليهود (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً )([34]).
ويصل من قسوة قلبه ألا يتأثر بموت، ولا ميت، ويرى الأموات، ويمشي في المقابر وكأن شيئا لم يكن، وكفى بالموت واعظا، وأعظم من ذلك عدم تأثره بآيات الله -جل وعلا- وهي تتلى عليه، ويسمع آيات الوعد والوعيد فلا خشوع ولا إخبات، والله -جل وعلا- يقول: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)([35]) ويقول -جل وعلا-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً)([36]).(2/197)
وصلت الحال الآن من مظاهر الفتور في المقابر بعض الناس يأتون تبع جنازة، ويبيعون ويشرون في المقبرة، طبعا حريصون على عدم تضييع الوقت -جزاهم الله خيرا- نعم يبيعون ويشترون وهم تابعون جنازة، يخرجون من المقبرة، ويتحدثون في الدنيا ويأتون إلى الجنازة، ويتحدثون في الدنيا، وكأن شيئا لم يكن، حتى رأيتهم في مقبرة العود يدفنون الجنازة، والدخان بأيديهم، هذا ما هو فتور، هذا تعدى حدود الفتور -والعياذ بالله-.
لكن ألا تلمسون من أنفسنا أننا نتبع بعض الجنائز، وقل منا من يتأثر، والله أبدا ما سمعت الجيد الذي يتأثر أثناء الخبر، وبعد ربع ساعة يرجع إلى بيته وكأن شيئا لم يكن، ويذهب إلى أهله ولا يحس أهله بشيء، لا يحس أهله بشيء، أرأيتم هذا المرض؟
إلف الوقوع في المعاصي والذنوب
من مظاهر الفتور:
ويصل الفتور إلى درجة أبعد، إذا ألف الوقوع في المعاصي والذنوب وقد يصر على بعضها ولا يحس بخطورة ما يفعل، ويقول: هذه صغيرة، وتلك أخرى وهلم جرا، وقد يصل به الأمر إلى المجاهرة.
والمصطفى - صلى الله عليه وسلم - يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " ([37]) وأشير هنا إلى أن هناك فرقا بين الفتور والانحراف، ولكنني قد بينت هذا قبل قليل.
عدم استشعار المسئولية الملقاة على عاتقه
ومن أبرز مظاهر الفتور: عدم استشعار المسئولية الملقاة على عاتقه، والتساهل والتهاون بالأمانة التي حمله الله إياها، فلا تجد لديه الإحساس بعظم هذه الأمانة، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)([38]).(2/198)
أرأيتم -أيها الأخوة- هذا المظهر هو مما نشكو منه الآن، وهذا من أخطر الأدواء: عدم إحساس كثير من الناس بالمسئولية التي ألقيت على عاتقهم، يسمع أخبار المسلمين فلا يتأثر، يسمع أحوال أمته فلا يتحرك قلبه، قد يرى مظاهر تحدث في الشوارع من بعض السفهاء ولا يقشعر قلبه.
أنا أسألكم أعطيكم مقياسا عمليا قريبا خلال اليومين الماضيين، أو الثلاثة الأيام الماضية رأيتم بعض تصرفات بعض السفهاء، وسمعتم، وأنا رأيت بعيني بعض هذه التصرفات، وغيري رأى تصرفات يندى لها الجبين، والله والصحف نشرت صورا لمثل هذه التصرفات، من منا تحرك قلبه؟ وعندما تحرك قلبه ماذا فعل؟
هل حافظ على أبنائه لا يقعوا في هذا البلاء؟ هل زار العلماء والمشايخ ونبههم إلى خطورة ما يجري؟ ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)([39]).
سفه والله يندى له الجبين، فهل هذا أثر في حياتنا أو أننا نتسلى في هذه الأخبار؟ أو أننا ربما نتحمس ونقول: والله تصرفات من شباب لا يقدرون المسئولية، شباب لم يربهم أهلهم، شباب فعلوا، بعدين ماذا فعلنا بعد ذلك ما هي النتيجة؟ هل كان هذا الأمر موجودا قبل سنوات؟ لا فهذا مقياس أنا أعطيك إياه ليدل على: هل أنت عندك فتور أو ما عندك فتور؟ عدم استشعار المسئولية.
نسمع عن مصائب إخواننا في الصومال وفي البوسنة والهرسك، فهل هذا يؤثر فينا؟ وصلت إخوانكم في البوسنة والهرسك إلى أنهم لا يجدون ما يأكلون، البيضة بلغت اثني عشر ريالا، ومن يجد اثني عشر ريالا وأنتم تجتمعون طبق البيض بسبعة ريالات، والريالات موجودة في جيوبكم أيضا، هم لا يجدون شيئا، انتهاك الحرمات في البوسنة، اغتصاب النساء هل أثر فينا أو ما أثر؟.(2/199)
هذا مقياس، إذن استشعار المسئولية هذا من المقاييس المهمة، ومن أسوأ المظاهر انفصام عرى الأخوة بين المتحابين، وضعف العلاقة بينهم، بل قد يصل الأمر إلى الوحشة بينهم، ومن ثم التهرب والصدود والبعد والجفا، وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - استمعوا إلى هذا الأثر، هذا الحديث أنه قال: " ما تواد اثنان في الله عز وجل أو في الإسلام، فيفرق بينهما أول ذنب " ([40]) وفي رواية " ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما " ([41]).
استوحاش الأصحاب الصالحين
من علامات الفتور: أن الإنسان يكون له أصحاب، إذا وجدهم فرح بهم، إذا كلموه بالهاتف لمس أهله السرور على وجهه، وبعد فترة وبعد زمن فإذا هو يتوحش ويستوحش منهم، إذا قيل له: إن فلانا على الهاتف قال: اصرفوه، إذا قيل له: إن فلانا عند الباب قال: اعتذروا منه، إن لاقاه في الشارع أو في مناسبة من المناسبات فإذا بينهما وحشة، ومجاملة وثقل ويتمنى متى ينصرف عنه، هذه من علامات الفتور.
فبعد الحب وبعد اللقاء وبعد الأخوة في الله -جل وعلا- فإذا هو يتحول إلى جفاء، وإلى نفور، وإلى وحشة، بسبب ذنب أحدثه أحدهما أو كلاهما.
فيميل الإنسان إلى العزلة، أو يستعين بإخوانه السابقين، آخرين يسجون وقته ويستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهذه هي المشكلة، يبدأ الشاب يتهرب عن زملائه، كان مع زملائه في المدرسة، كان مع إخوانه في الكلية، كان مع أصحابه في المسجد كان، فإذا بدأ هو يتهرب شيئا فشيئا، والنتيجة أحد أمرين: إما عزلة وانقطاع وهذا قليل، الأكثر الإنسان مدني بطبعه يبحث عن رفقة آخرين فيقع في يد رفقة سيئة يؤدون به -والعياذ بالله- إلى الانحراف.
فتجد هذا الشاب الذي كان محبا نشيطا، فإذا هو قد فتر وضعف ثم انحرف -والعياذ بالله-.
الاهتمام بالدنيا والانشغال بها عن العبادة وطلب العلم(2/200)
من مظاهر الفتور: الاهتمام بالدنيا، والانشغال بها عن العبادة، وطلب العلم والدعوة إلى الله، والدنيا حلوة خضرة، فقلّ أن ينجو منها أحد.
عرفنا أناسا بطلب العلم، عرفناهم بالدعوة إلى الله، عرفناهم بالنشاط، عرفناهم في مكتبات المساجد، عرفناهم في جمعيات المدارس، الآن ما هي أخبارهم؟ اللهاث وراء الدنيا، نحن لا نقول: إن طلب الدنيا حرام، لا، لكن بدلا إن كان يكتفي من الدنيا بالكفاف فإذا هو يلهث وراء هذه الدنيا، وإذا هو قد ترك العمل الذي هو فيه، وإذا هو حتى قد ترك العلم، وما بقي معه من العلم إلا قليلا، أو لم يبق معه شيء، وإذا هو يكتفي بالحوقلة والاستعاذة، هذا مظهر من مظاهر الفتور.
كثرة الكلام دون عمل يفيد الأمة وينفع الأجيال د
من مظاهر الفتور: كثرة الكلام دون عمل يفيد الأمة، وينفع الأجيال، فتوجد هذا النوع يتحدثون عما عملوا سالفا وكنا وكنا، وكنت وكنت، ويتسلون بهذا القول عن العمل الجاد المستمر، والله -جل وعلا- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)([42]) وهذا مصداق قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل " ([43]).
هذا النوع الآن كثير، شباب طيبون، ما شاء الله فيهم خير، والله لكن تجد جلساتهم أحاديث وكنا وكنا وكنا، ونفعل، وأذكر منا ممن درسنا بعض مشايخنا جاءوا من دولة عربية أو من بعض الدول العربية، وكانوا دائما يقول لنا: ونحن في الكلية عندما كنا دعاة، عندما كنا دعاة، عندما كنا مع الدعاة، سبحان الله، والآن فعلا هم لم يعودوا دعاة، ويتسلون ويحدثوننا عما فعلوا طيب لماذا لا تحدثوننا عما تفعلون الآن وعما ستفعلون غدا؟.(2/201)
ما عندهم شيء كنا كذا، كنا نفعل كذا، كنت عندما كنت طالبا أفعل كذا، كنت خطيبا في مسجد، ووالله حتى أصبحت نكتة على أمثال هؤلاء، كنت وكنت، هذا بلاء موجود الآن، هناك نوعية الآن من الناس فئة من الشباب يتسلون بالماضي، لكن لا تجد عندهم عملا في الحاضر، ولا عملا في المستقبل، هذا مظهر من مظاهر الفتور.
الغلو والاهتمام بالنفس
من مظاهر الفتور: الغلو والاهتمام بالنفس، مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا، فبعد أن كان لا يلقي لهذه الأشياء بالا إلا في حدود ما شرع الله، فإذا هو قد أصبح يبالغ فيها، يبالغ في ثيابه، يبالغ في مسكنه، بدل ما كان لا يبالي إلا في حدود الشرع (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)([44]) فإذا السيارة ما شاء الله من أحسن السيارات، وتنظيفها يوميا، والثوب كل يوم يغيره، أو كل يومين، والله أذكر أنني لقيت داعية، أو واحدا من هؤلاء، مع أن فيه خيرا كثيرا، لكن لم يعد هو الذي كنا نعرفه قبل سنوات.
إذا سافر لمدة عشرين يوما يأخذ أكثر من عشرين أو خمسة عشر ثوبا، عنايته بثيابه عجيبة جدا، نحن ما نقول: إن الإنسان لا يلبس الجميل، لا والله لا، لكن في حدود الكفاف " البذاذة من الإيمان " ([45]) في حدود الكفاف.
النظافة مطلوبة نعم، لكن ادخل إلى بيته، تجد البيت الذي كأنه من القصور، فالعناية، الاهتمام الزائد، المبالغة، الغلو فبعد أن كان هذا الشخص لا يلقي لهذه الأمور بالا، وينشغل في العبادة وفي العلم وفي الدعوة إلى الله.
أحد السلف قيل له ابن عقيل الحنبلي لماذا تسف الكعك، وتلتهمه وتلحقه بالماء، ولا تغط الخبز بالمرق؟ قال: وجدت بيْن لَهْمِ الكعك أي سف الكعك، وإلحاقه بالماء، وغط الخبز بالمرق قراءة خمسين آية، طيب وين ابن عقيل عن وجباتنا، كم عندنا من نوع؟ وكم عندنا من الطعام؟ وكم نجلس على المائدة؟.(2/202)
شيء عجيب يا إخوان، فبعد أن كان هذا الشاب يأكل ما يأتي، ولا يفكر الآن يقيم الدنيا مع أهله ومع زوجته، الله يعين زوجته عليه، الطعام فيه كذا، ولماذا الطعام ما فيه كذا؟ لماذا ما وضعت إلا نوعين أو ثلاثة؟ سبحان الله الملابس لو يأتي يوم يجد الثوب ما كوي لو يجد الثوب، تأخرت زوجته أو أخته أو أمه بكي الثوب أقام الدنيا ولم يقعدها، لكن الأمر بسيط، والمسألة سهلة حفظك الله.
فالعناية، حتى وصلت والله ببعض الشباب، وهم طيبون فيهم خير، فيهم صلاح يعتنون بملابسهم والله أكثر من بعض النساء، نعم وتجده أمام المرآة يهتم في مظهره، لا يا أخي الكريم، لا تبالغ هذه المبالغة (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)([46]).
فمن مظاهر الفتور: العناية الزائدة في المأكل، والملبس والمركب والمسكن، هذا نوع من أنواع يصاب به الإنسان.
انتفاء الغيرة، وضعف الإيمان، وعدم الغضب إذا انتهكت محارم الله
أيضا: انتفاء الغيرة، وضعف الجذوة -الإيمان- وعدم الغضب إذا انتهكت محارم الله، فيرى المنكرات ولا تحرك فيه ساكنا، ويسمع عن الموبقات وكأن شيئا لم يكن، وقد يكتفي بالحوقلة والاسترجاع إن كان فيه بقية
ما لجرح بميت إيلام ... ... من يهن يسهل الهوان عليه
أكمل -إن شاء الله- ما باقي إلا القليل بعد الأذان مباشرة -إن شاء الله-.
بسم الله الرحمن الرحيم.
وقبل أن أبدأ أذكر الإخوان بسنة نسيها الكثير، وهي الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد انتهاء الأذان.
السُّنَّة أن نتابع المؤذن، وأن نقول مثلما يقول إلا في الحوقلة، إلا في الحيعلة فإن الإنسان يحوقل، فإذا انتهى أكثر الناس مباشرة يقول:(2/203)
اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، وأنا أقول: هذا من تأثير ما يسمعون أحيانا في الإذاعات أو غيرها، ولا بأس هذا الدعاء وارد، لكن السنة أن نصلي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم نقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة الدعاء المأثور، فمحافظة على السنة وإحياء لها بارك الله فيكم.
ضياع الوقت وعدم الإفادة منه
أقول: أختم هذه المظاهر بهذه المظاهر السريعة من مظاهر الفتور:
ضياع الوقت وعدم الإفادة منه، وتسجيته بما لا يعود عليه بالنفع، وتقديم غير المهم على الأهم، والشعور بالفراغ الروحي، والوقت وعدم البركة في الأوقات، وتمضي عليه الأيام لا ينجذ فيها شيئا يذكر.
الآن كثير من الناس، وهو مصاب بداء الفتور يقول: والله تغير الزمان، أنا ما أستفيد من وقتي، لا يا أخي الكريم ما تغير الزمان العيب فيا:
وما لزماننا عيب سوانا ... ... نعيب زماننا والعيب فينا
ولو نطق الزمان بنا هجانا ... ... ونشكو ذا الزمان بغير حق
فمن مظاهر الفتور: ضياعة الوقت، وهذه شكوى عامة، دليل أن هناك بلاء؛ ولذلك نجد أن الجادين ما عندهم وقت.
أعطيكم مثالا واحدا:
سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -حفظه الله- وثبته على الحق وبارك في عمره، يقول أحد من يعرفه معرفه جيدة: إنني منذ عدة سنوات والله ما رأيته أضاع خمس دقائق، خمس دقائق التي هي ثلاثة مائة ثانية، مع أنه يعمل يوميا قرابة ثمانية عشر ساعة في الدعوة، والعلم والعبادة، وعمره فوق الثمانين، بارك الله في عمره، هل يمكن أن نقول عن سماحة الشيخ: عبد العزيز أنه فتر؟ أبدا لكن أولئك الذين يضيعون أوقاتهم أمرهم عجيب.
المظهر الثاني من مظاهر الفتور: الأخيرة لأني أعطيتها أرقاما جديدة مظهر انتبهوا له يا شباب أنا نعم أركز، اسمحوا لي أخص الشباب لأسباب هم يعرفونها، لكثرة ما يقعون في هذا الأمر، ولأن من شبَّ على شيء شاب عليه.
على ما كان عوده أبوه ... ... وينشأ ناشئ الفتيان منا(2/204)
عدم الاستعداد للالتزام بشيء والتهرب من كل عمل جدي
من مظاهر الفتور: عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدي خوفا من أن يعود إلى حياته الأولى، هكذا يسول له شيطانه زخرف القول غرورا، يتهرب ما يلتزم بشيء، مستعد يذهب مع زملائه في رحلة، مستعد يحضر بعض الدروس، لكن دون التزام أبدا، ما يريد أن يلتزم بشيء لا بدرس ثابت، ولا بعمل معين، هذا مظهر من مظاهر الفتور، حتى ولو رأيناه في صفوف، ولو رأيناه في حلق العلم، ولو رأيناه في مقاعد الدراسة.
هذا مظهر، فإذا رأيت الذي يتهرب دون أن يلتزم فقد بدأ فيه الداء، الفوضوية في العمل، فلا هدف محدد، ولا عمل متقن، أعماله ارتجالية، أعماله ارتجالا يبدأ في هذا العمل ثم يتركه، ويشرع في هذا العمل، الأمر ولا يتمه، ويسير في هذا الطريق ثم يتحول عنه، وهكذا دواليك، نعم مظهر من مظاهر الفتور:
عدم الاستقرار على عمل معين.
خداع النفس من مظاهر الفتور بالانشغال، وهو فارق وبالعمل وهو عاطل ينشغل في جزئيات لا قيمة لها، ولا أثر يذكر ليس لها أصل في الكتاب أو السنة، إنما هي أعمال يقنع نفسه بجدواها ومشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع.
النقد لكل عمل إيجابي
اسمعوا إلى هذا المظهر: النقد لكل عمل إيجابي، دائما ينقد، أيش رأيك والله في العمل الفلانى؟ هذا فيه كذا وكذا، ما رأيك في الدروس عند الشيخ فلان؟ والله بس عليها الملاحظات الفلانية، ما رأيك في المحاضرات؟ فيها كذا وكذا، طيب لماذا لا تشارك في مكتب الدعوة؟ قال: والله لاحظت عليهم الملاحظات الفلانية.
ما شاء الله جاهز للنقد، النقد لكل عمل إيجابي تنصلا من المشاركة، والعمل وتضخيم الأخطاء والسلبيات، تبريرا لعجزه وفتوره.
تراه يبحث عن المعاذير، ويصطنع الأسباب للتخلص والفرار: (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)([47]).
التسويف والتأجيل وكثرة الأماني(2/205)
وأخيرا من مظاهر الفتور:
وقلّ منا من يسلم إلا من سلمه الله: التسويف والتأجيل وكثرة الأماني، وأحلام اليقظة، يبني مشاريع من سراب، ويقيم أعمالا من خيال، عمل اليوم يؤخره أياما، وما يمكن أن يُؤدَّى في أسبوع يمكث فيه أشهرا، وفي كل يوم يزداد إفلاسا وفتورا.
هذه مظاهر أو هذه بعض مظاهر الفتور.
اختصرتها بما يناسب المقام، وغدا -بإذن الله- سنقف مع صلب الموضوع -كما قلت- وإن كانت هذه المقدمة أصل في الموضوع مع أسباب الفتور؛ لأننا إذا عرفنا الأسباب سنعرف العلاج بإذن الله.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] - سورة آل عمران آية : 102 .
[2] - سورة النساء آية : 1 .
[3] - سورة الأحزاب آية : 70-71 .
[4] - سورة المائدة آية : 19 .
[5] - سورة الأنبياء آية : 20 .
[6] - سورة فصلت آية : 38 .
[7] - سورة البقرة آية : 282 .
[8] - سورة البقرة آية : 282 .
[9] - سورة البقرة آية : 282 .
[10] - سورة فصلت آية : 49 .
[11] - سورة الزخرف آية : 75 .
[12] - سورة الزخرف آية : 75 .
[13] - سورة الزخرف آية : 75 .
[14] - سورة آل عمران آية : 64 .
[15] - سورة المائدة آية : 19 .
[16] - سورة آل عمران آية : 146 .
[17] - البخاري : الجمعة (1150) ومسلم : صلاة المسافرين وقصرها (784) والنسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1643) وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1371) وأحمد (3/101) .
[18] - البخاري : الجمعة (1150) .
[19] - البخاري : الجمعة (1150) .
[20] - الترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2453) .
[21] - أحمد (2/210) .
[22] - أحمد (2/210) .
[23] - أحمد (2/210) .
[24] - أحمد (2/188) .
[25] - أحمد (2/165) .
[26] - البخاري : الإيمان (43) والنسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1642) وابن ماجه : الزهد (4238) وأحمد (6/51) .
[(2/206)
27] - البخاري : الإيمان (43) ومسلم : صلاة المسافرين وقصرها (785) والنسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1642) والإيمان وشرائعه (5035) وابن ماجه : الزهد (4238) .
[28] - البخاري : الجمعة (1152) ومسلم : الصيام (1159) .
[29] - سورة النساء آية : 142 .
[30] - سورة التوبة آية : 54 .
[31] - البخاري : الجمعة (1178) والنسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1677) وأبو داود : الصلاة (1432) وأحمد (2/258 ,2/489 ,2/499) والدارمي : الصلاة (1454) .
[32] - البخاري : الصوم (1981) .
[33] - سورة المطففين آية : 14 .
[34] - سورة البقرة آية : 74 .
[35] - سورة ق آية : 45 .
[36] - سورة الأنفال آية : 2 .
[37] - البخاري : الأدب (6069) ومسلم : الزهد والرقائق (2990) .
[38] - سورة الأحزاب آية : 72 .
[39] - سورة الإسراء آية : 16 .
[40] - أحمد (5/71) .
[41] - أحمد (2/67) .
[42] - سورة الصف آية : 2-3 .
[43] - الترمذي : تفسير القرآن (3253) وابن ماجه : المقدمة (48) .
[44] - سورة الأعراف آية : 31 .
[45] - أبو داود : الترجل (4161) وابن ماجه : الزهد (4118) وأحمد (5/270) .
[46] - سورة الأعراف آية : 31 .
[47] - سورة التوبة آية : 81 .
ــــــــــــــــــ
المدرس والفتور
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحاتُ، وبفضلِهِ وكرمِهِ تُضاعف الحسناتُ، وتُكفَّرُ السيئاتُ، والصلاة والسلام على خير البريات، والشفيع في العرصات، محمد وعلى آله وصحبه مصابيح الظلمات،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الوقوف بين يدي مالك الأرض والسماوات.
أمَّا بعدُ:(2/207)
فإن هناك مشاكل كثيرة تُواجه العاملين، فتؤثر على عملهم وإنتاجهم سلباً، ومن هذه المشاكل مشكلة فتور الهمة التي حذَّر منها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(لكل عالم شرة،ولكل شرة فترة؛ فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك)(1).
فكثيراً ما تجد شخصاً شاباً فتاتاً شيخاً تجده نشطاً متحمساً في العبادة والتمسك بالكتاب والسنة، كان يقوم الليل، ويكثر من نوافل الصلاة، وكان يصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وكان ذا تخشع وتأله لله -تعالى-، ثم فجأة نراه قد نقص منه ذلك النشاط كله ، ثم تدريجياً تجده قد ترك نوافل العبادات، بل ربما تساهل في بعض الواجبات، وهكذا.. والمدرس والمعلم والذي قد خصصنا حديثنا عنه في هذه العجالة للحديث بمثل ذلك، فكثيراً ما تجد مدرساً شاباً متحمساً لتعليم القرآن الكريم، يقدم ويضحي في سبيل ذلك بماله ووقته، ويبذل أقصى ما يستطيع من جهد لإنجاح عمله، ولخدمة الآخرين، يعطيك أنموذجا ً عملياً للشمعة التي تحترق لتضيء الطريق للآخرين، فقد نراه ممن يضع الخطط والبرامج للنشاطات القرآنية، ويقضي جُل- بل كل- وقته مع الطلاب تعليماً وتربية ونشاطاً، وإذا خاطبك رأيته يفيض حيوية وحماساً، وفجأة نرى عزيمته تتراخى، وهمته تتناقص، ويتسلل إليه الإحباط واليأس حتى ينتهي به الأمر إلى الواقع والانسحاب من ساحات خدمة القرآن الكريم(2)- نسأل الله العافية والسلامة-.
وفي المقابل فأننا كثيراً ما نرى ونلاحظ مدرساً يدرس بلا رغبة، متأخراً متكاسلاً، لا يشارك في حوار، ولا في صنع قرار، وإذا سئل من يعرفه عنه قال: لم أعهدْهُ كذلك، وإنما كان شعلة من نشاط وحماس، و و إلخ(2/208)
ومرجع ذلك كله إلى هذه المشكلة أو هذه الظاهرة، ولا شك أن لهذه الظاهرة أسباب قد يكون بعضها ظاهراً، وقد يكون بعضها الآخر غامضاً. فمن أسباب هذه المشكلة- مشكلة الفتور- ما يلي:
1. عدم تعاون بعض المشرفين تعاوناً إيجابياً مع المدرسين مما يضعف من همتهم، ويوهن من عزائمهم.
2. الخلل في إلتزام المؤسسة بالناحية المادية كعدم التزام المؤسسة - أو الجمعية- بالمواعيد المحددة للرواتب والحوافز والهدايا ونحوها.
3. يأس المدرس من تحسين مستوى الطلاب؛ فهو يبذل كل الجهود- حسب ادعائه- في سبيل رفع مستواهم، ولكنها لم تؤت ثماراً.
4. عدم اريتاح المدرس في الأصل إلى العمل في هذه المنطقة، أو المؤسسة - المعينة-، التي يعمل فيها وذلك لبعدها عن بيته، أو لوجود عادات وتقاليد لم يعْتَدْ عليها.
5. عدم تقدير جهود المدرس وتشجيعها من قبل الآخرين.
6. عدم فهم المدرس لمهمته الحقيقية في عمله، وعدم إدراكه لما أعد الله من الثواب الجزيل لمعلم القرآن الكريم.
7. حدوث مشاكل شخصية خاصة به؛ كتأخير زواج، أو خيبة أمل في أمر من الأمور، أو وفاة عزيز عليه ولا يجد من يفتح قلبه له ليسمع منه.
هذه من أبرز أسباب المشكلة، أما سبل العلاج لهذه الظاهرة فيكمن من خلال فهم هذه الأسباب الآنفة الذكر سبباً سبباً؛ فإن كان السبب في الفتور مثلاً موقف المشرف فعليه أن يعدله، وإن كان السبب من المؤسسة فعليها معالجة هذا الأمر بسرعة قبل أن تخسر أكثر، فإنه مؤشر خطر على وجود خلل إداري، وإن كان الأمر يتعلق بالشخص نفسه، فهو أمام أربعة خيارات:
أ . أما أن يتنحى عن هذا العمل ويبحث عن مكان آخر يرتاح فيه نفسياً.
ب . وإما أن يغير من سيرته وطريقته ويعيد برمجة حياته من جديد، ليعود إلى سالف عهده من الهمة والعزيمة، والحماس الوقاد.
ت . وإما أن يصارح المشرف بمشكلته الخاصة ويتشاور معه في حلها، فما من مشكلة إلا ولها حلٌّ.(2/209)
ث . وإما أن يستمر كما هو متكاسلاً، فاتراً، يدع الأمور تمشي، ولا يقدم شيئاً سوى ذلك الحضور الجسدي الروتيني. ولا شك أن هذا الخيار مرفوض لدى كل الأطراف المعنية3.
هذا والله نسأل أن يثبتنا على الدين القويم إنه سميع قريب مجيب الدعاء. والله من وراء القصد.
0000000000000
1 - رواه أحمد، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، رقم(6664).
2 - راجع رسالة لطيفة بعنوان: " الفتور في حياة الدعاة" لم يعرف مؤلفها.
3 - انظر :" فن الإشراف على الحلقات والمؤسسات القرآنية" صـ(211- 212).
ــــــــــــــــــ
الفتور الزوجي.. هل يحتاج إلى عيد لإنعاشه؟!
مصطفى الأزهري 24/1/1427
23/02/2006
هناك حالة شبه عامة لا تكاد تخلو منها حياة زوجية، مهما تكون حالة الحب والتوافق والانسجام التي تظلل حياة الزوجين فيها، فهناك شكوى متكررة من حالة فتور أو خمول أو تراخٍ تصيب مشاعر الزوجين بعد مرور وقت على الزواج، طال هذا الوقت أم قصر، المهم أن هذا الإحساس يحدث بالفعل، وقد يهدد العلاقة الزوجية نفسها في بعض -أو ربما- في كثير من الأحيان. ومن هنا كان هذا التساؤل فإن الأمر يحتاج إلى وقفة تأمل وبحث في الأسباب المؤدية لهذا الفتور في حياة الأزواج، وكيف يمكن تدارك ذلك وعلاجه.
السعادة الزوجية بين مدّ وجزر
السعادة الزوجية هدف يسعى إليه كل من يفكر في الزواج؛ فالهدف من إنشاء هذه العلاقة أصلاً هو نشدان الاستقرار النفسي والوصول إلى حالة الأمن العاطفي، لكن في ذات الوقت علينا أن نعترف بأن السعادة الزوجية مفهوم نسبي لا يسهل قياسه وتعميمه.. وهو يعني فيما يعني رضا الزوجين عن حياتهما الزوجية بشكل عام وبدرجة عالية..(2/210)
وتقييم العلاقات الزوجية بأنها سعيدة أو تعيسة، لابد له أن يرتبط بمرحلة زمنية معينة تمر فيها هذه العلاقة.. وبعض العلاقات تكون في قمة السعادة الزوجية في فترة معينة.. ثم تتغير الأمور والأحوال.. وهناك لحظات سعيدة جداً.. أو ساعات، أو أيام، أو أسابيع، أو سنوات.. أو العمر كله... وبالطبع كلما طالت المدة السعيدة كلما كان ذلك أفضل.
وترتبط السعادة الزوجية بنجاح العلاقة الزوجية في وظائفها ومهماتها والتي تتمثل في الجوانب التالية:
تأمين العيش المشترك، والسكن والحب، وتلبية الرغبات النفسية والعاطفية والجنسية للطرفين، وفي إنجاب الأطفال وتربيتهم، وفي تلبية متطلبات المنزل والمعيشة، وفي تحقيق المتطلبات والأدوار الاجتماعية المتنوعة، وغير ذلك.
وتتأثر السعادة الزوجية بالنجاح أو الإخفاق (النسبي) في تحقيق الوظائف السابقة بالنسبة للزوج أو الزوجة أو كليهما وبشكل مُرض ومقنع.. وبعض العلاقات تنجح في تحقيق عدد من الوظائف الزوجية، ولكنها تخفق في بعضها الآخر.. ولا بد من القول بأن العلاقة الزوجية هي مشروع طويل الأمد يتطلب الإعداد والجهد والجد، وفيه مسؤوليات متنوعة .. وكلما أُنجزت مهمات معينة ظهرت مهمات ومسؤوليات أخرى يجب إنجازها..
من أين يأتي الفتور الزوجي؟!
إذا قلنا إن السعادة الزوجية هدف نهائي ترمي إليه الأسرة بركنيها الأساسيين: الزوج والزوجة، فإن تلك السعادة تتأثر بعدد من المشكلات الحياتية التي يمكن أن تجعل من هذا الزواج زواجاً تعيساً أو مضطرباً..
فمثلاً الشخصية النكدية، أو الشخصية الأنانية، أو الشخصية العدوانية المضطربة، أو الشخصية ضعيفة المهارات، أو المفرطة في الحساسية نحو الآخر.. يمكن لها إذا كانت تنطبق على أحد الزوجين، أن تحوّل الحياة الزوجية إلى لغم موقوت، وإلى مشكلات لا تنتهي.(2/211)
ويلعب الملل الزوجي أو الفتور الزوجي دوراً كبيراً سلبياً في التعاسة الزوجية.. وأسبابه متنوعة، وبعض أسبابه ترتبط بالمجتمع وثقافته، وتكوين الزوجين وثقافتهما وعقدهما النفسية وتاريخهما الأسري..
وفي حالات الملل الزوجي تزداد المشكلات الزوجية، ويزداد الخصام والصراخ والسلبية وابتعاد كل طرف عن الآخر في نشاطاته وأهدافه اليومية.. ويلجأ البعض إلى الاستغراق في العمل أو في هوايات أو نشاطات خاصة يهدف من خلالها أن يثبت نفسه، وأن يخفف من إحباطاته، وأن يعطي نفسه شيئاً من التوازن والمتعة والتجديد، ولكنه يضيف بذلك مزيداً من الضغوط على علاقته الزوجية، ويساهم بزيادة تسميم أجوائها، ومن ثم ينشأ في نفس طرفي هذه العلاقة "جدار عازل" يحول بين الأمل الجميل الذي كان، والواقع الجاف الكائن فعلاً،
ومن الممكن أن يتورّط أحد الزوجين ـ إن لم يكن هناك سياج حافظ من الدين والتقوى ـ في علاقة عاطفية مخفقة أو مزيفة أو متسرعة.. يمكنها أن تضيف إلى مشكلات العلاقة الأصلية المضطربة، وربما تؤدي إلى مرحلة اللا عودة أو الطلاق.
ترميم العلاقة وتجديدها
ومن الممكن بالطبع حدوث الترميم أو الإصلاح أو التجدد خلال مرحلة الملل الزوجي.. وربما يكون الملل والروتين والجمود دافعاً طبيعياً إلى تجدّد العلاقة، وإلى اقتراب الزوجين من بعضهما في كثير من الحالات..(2/212)
وأخيراً.. لا بد من التأكيد على أن السعادة الزوجية والعلاقة الزوجية الناجحة ترتبط مفاتيحها بعدد من الأمور والصفات والسلوكيات، ومنها: المسؤولية، والتفاعل، والتعاون، والمشاركة، والحوار، و الصداقة، والحب، والحساسية للطرف الآخر، وعين الرضا، والتكيف، والتوافق، والتكامل، والمرونة، والواقعية، ولعل الحفاظ على نبع المودة والرحمة هو ما يضمن لهذه العلاقة الاستمرار والتجدّد حتى وإن وصلت إلى حد الفتور؛ فالعاطفة المشبوبة المتوهجة ليست أبدية، وجذوتها ليست مشتعلة باستمرار؛ لكن الأبقى هنا هو "المودة والرحمة"، وهي صفات إنسانية تمثل وقاية وحماية لمشاعر الزوجين من التآكل والانهيار. ولعل هذا ما أشارت إليه الآية الكريمة في قول الله تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة..).
وأيضاً فإن العلاقة الزوجية تبدأ وتكبر وتنضج وتشيخ وتموت.. ولابد من التنبه لهذه الدورة الطبيعية والتدخل المستمر لرعايتها وتصحيح أخطائها ومشكلاتها وضمان حياتها لسنوات طويلة..
حساسية المشاعر وعدوى السعادة(2/213)
وفي تشخيصه لأسباب إصابة الأزواج بالفتور العاطفي وكيفية علاج هذه المشكلة يقول د. إلهامي عبد العزيز ـ أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس ـ: إن هناك حقائق تتعلق بالعلاقة العاطفية لا يدركها الكثير من الناس ومنها: أن هذه المشاعر تتسم بالحساسية الشديدة وسرعة التأثر، فهي بالضبط كالزهور أو النباتات إذا لم تلق الاهتمام والعناية والمناخ الملائم سرعان ما تذبل وتموت.. وفي رأيي ـ يضيف د. إلهامي ـ فإن أول أسباب الفتور للعلاقة العاطفية بعد الزواج هو عدم وجود أحلام جديدة مشتركة بين الزوجين يسعيان لتحقيقها. فقبل الزواج كان لهما حلم وحيد هو الارتباط، فلا بد أن تستمر الأحلام بعد الزواج ومنها: الحفاظ على الحب وإنجاب أطفال ناجحين في الحياة وتحقيق نجاحات عملية في مجال العمل، وغير ذلك من الطموحات والأحلام المشروعة.
من جانبها، ترى د. سهير عبد العزيز ـ مدير مركز دراسات الأسرة بجامعة الأزهر ـ أن سعادة أحد الزوجين أو حزنه ينعكسان بشكل مباشر على الآخر، وصدق من يقول: إن السعادة عدوى والحزن عدوى أيضاً.. وعلى كل منهما أن يحرص على السعادة النفسية والانسجام الذاتي مع نفسه أولاً، وذلك بتحقيق علاقة طيبة مع الله، ومصارحة مع النفس والرغبة الحقيقية في إسعاد الزوج واعتباره طريقاً لإرضاء الله تعالى. . وتضيف د. سهير: إن من بين وسائل تحقيق السعادة الذاتية "الكلمة الطيبة" لما لها من أثر طيب في دعم المشاعر بين الزوجين، وفي تخفيف كل منهما عن الآخر؛ فالكلمة الطيبة ـ كما تؤكد د. سهير عبد العزيز ـ إلى جانب تأثيرها الطيب فهي في الآخرة صدقة باقية.. إلى جانب العناية بالنفس والتزين، وكلها أمور حث عليها الدين لدعم الرابطة العاطفية بين الزوجين.
والكلمة الطيبة لها دورها دائماً.. وكذلك الحوار والتفاهم ورفع الظلم وتعديله، وأخذ كل ذي حق حقه.. وتبقى السعادة الزوجية مطلباً وحلماً يسعى الجميع نحوه.
ــــــــــــــــــ
الفتور(2/214)
يتناول الدرس الكسل، أو التراخي،أو الانقطاع بعد النشاط الدائب، والحركة المستمرة، وماهي أسباب ذلك، وأثر الفتور على العاملين وعلى العمل الإسلامي، وما هي مظاهر الفتور، وأهم الوسائل المعينة على علاجه .
معناه:
لغة : يطلق الفتور لغة على معنيين: الانقطاع بعد الاستمرار، أو السكون بعد الحركة. والكسل، أو التراخي، أو التباطؤ بعد النشاط والجد.
اصطلاحا: ' هو داء يمكن أن يصيب بعض العاملين، بل قد يصيبهم بالفعل، أدناه : الكسل، أو التراخي، أو التباطؤ، وأعلاه: الانقطاع، أو السكون بعد النشاط الدائب، والحركة المستمرة'. قال تعالى عن الملائكة :} وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ[19]يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ[20]{ [سورة الأنبياء"] أي: [ أنهم في عبادة دائمة ينزهون الله عما لا يليق به، ويصلون، ويذكرون الله ليل نهار، لا يضعفون ولا يسأمون] .
أسباب الفتور:
1- الغلو والتشدد في الدين : بالانهماك في الطاعات، وحرمان البدن حقه من الراحة والطيبات؛ فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى الضعف، أو الملل؛ إذ للإنسان طاقة محدودة، فإذا تجاوزها اعتراه الفتور، فيكسل أو ينقطع؛ ولعل ذلك هو السر في تحذير الإسلام الشديد، ونهيه الصريح عن الغلو، والتنطع، والتشديد:
إذ يقول - صلى الله عليه وسلم - : [...إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ] رواه النسائي وابن ماجه. ويقول - صلى الله عليه وسلم - :"هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا" رواه مسلم وأبوداود وأحمد. يعني: المتعمقين المجاوزين الحدود في أقوالهم، وأفعالهم.(2/215)
وَعَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ فَقَالَ: [ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي] رواه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد.
وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ: [مَنْ هَذِهِ] قَالَتْ: فُلَانَةُ تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا قَالَ: [ مَهْ عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا] وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. رواه البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجه والنسائي وأحمد.
2- السّرف ومجاوزة الحد في تعاطي المباحات : وهذا من شأنه أن يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن، وسيطرة الشهوات، وبالتالي التثاقل، والكسل، والتراخي- إن لم يكن الانقطاع، والقعود- ولعل ذلك هو السر في نهي الله ورسوله، وتحذيرهما من السرف:(2/216)
قال تعالى:} يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[31]{ [سورة الأعراف].
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : [مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ...] رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد .
وقد أدرك سلف الأمة ما يصنعه السّرف، والتوسع في المباحات بصاحبه؛ فحذروا منه، إذ يقول عمر رضي الله تعالى عنه: [ إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما؛ فانه أصلح للجسد، وأبعد من السرف، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين، وإنّ الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه ] .
3- مفارقة الجماعة، وإيثار حياة العزلة والتفرد: ذلك أن الطريق طويلة الأبعاد، متعددة المراحل، كثيرة العقبات، في حاجة إلى تجديد، فإذا سارها المسلم مع الجماعة؛ وجد نفسه دوماً متجدد النشاط، قوي الإرادة، صادق العزيمة، أما إذا شذ عن الجماعة وفارقها، فإنه سيفقد من يجدد نشاطه، ويقوي إرادته، ويحرك همته، ويذكره بربه؛ فيسأم ويمل، وبالتالي يتراخى ويتباطأ، إن لم ينقطع ويقعد .. ولعل هذا بعض السر في حرص الإسلام وتأكيده على الجماعة، وتحذيره من مفارقتها، والشذوذ عنها:
إذ يقول الله تعالى:} وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا...[103]{ [سورة آل عمران]. }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ... [2] {[سورة المائدة]. } وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[46] {[سورة الأنفال] .(2/217)
و يقول - صلى الله عليه وسلم - : [...عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ...] رواه الترمذي وأحمد . ويقول: [الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ] رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد .
وقد أدرك سلف الأمة ذلك، فلزموا الجماعة، ورغبوا فيها، وأكدوا عليها،يقول علي رضي الله تعالى عنه: [ كدر الجماعة خير من صفو الفرد]. ويقول عبد الله بن المبارك:
لولا الجماعة ما كانت لنا سبل ولكان أضعفنا نهبا لأقوانا(2/218)
4- قلة تذكر الموت والدار الآخرة: وهذا من شأنه أن يؤدي إلى فتور الإرادة، وضعف العزيمة، وبطء النشاط والحركة، بل قد يؤدي إلى الوقوف والانقطاع. ولعلنا - في ضوء هذا - نفهم الحكمة من أمره - صلى الله عليه وسلم - بزيارة القبور بعد النهي والتحذير، إذ يقول: [ إِنِّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً...] رواه أحمد .كما نفهم الحكمة من حضه - صلى الله عليه وسلم - على تذكر الموت، وانتهاء الأجل، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : [اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ] قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ: [ لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ] رواه الترمذي وأحمد.(2/219)
5- التقصير في عمل اليوم والليلة : مثل: النوم عن الصلاة المكتوبة بسبب السمر الذي لا مبرر له بعد العشاء، ومثل: إهمال بعض النوافل الراتبة، وترك قيام الليل، أو صلاة الضحى، أو تلاوة القرآن، أو الذكر أو الدعاء، أو الاستغفار، أو التخلف عن الذهاب إلى المسجد، أو عدم حضور الجماعة بدون عذر، فكل ذلك وأمثاله له عقوبات، وأدنى هذه العقوبات : الفتور بأن يكسل ويتثاقل أو ينقطع ويتوقف. وقد أشار النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ذَلِكِ بِقَولِهِ: [ يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجه والنسائي ومالك وأحمد.
6- دخول جوفه شيء محرّم أو به شبهة:إما بسبب تقصيره وعدم إتقانه للعمل اليومي الذي يتعيش منه، وإما بسبب تعامله فيما نسميه شبهة.. وإما بسبب غير ذلك، فمثل هذا يعاقب من سيده ومولاه، وأدنى عقاب في الدنيا : أن يفتر؛ فيقعد ويرقد عن الطاعات، أو على الأقل يكسل ويتثاقل فلا يجد للقيام لذة، ولا للمناجاة حلاوة . ولعل هذا هو سر دعوة الإسلام إلى أكل الحلال وتحريه، والابتعاد عن الحرام، وما كانت به أدنى شبهة:
إذ يقول الله عز وجل:} يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[168]{"سورة البقرة".
ويقول رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : [كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ] رواه أبو نعيم في'حلية الأولياء' والبيهقي في 'شعب الإيمان' .(2/220)
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : [ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الْإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ] رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه والدارمي وأحمد .
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : [ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ...] رواه الترمذي والنسائي والدارمي وأحمد. ويربي النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عمليا على ذلك حين يجد تمرة في الطريق ويرفض أكلها قائلا: [ قَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا] رواه البخاري ومسلم أبودواد وأحمد .
وعلى هذا المنهج سار سلف الأمة، فكانوا يفتشون، ويتحرون عن كل ما يتعلق بحياتهم، وإذا وجدوا شيئا شابته شائبة، أو أدنى شبهة؛ اجتنبوه مخافة أن يجرهم إلى الحرام، فتفسد قلوبهم، فيحرموا العمل، أو يحرموا قبوله:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: [ كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ. فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ] رواه البخاري.(2/221)
7- اقتصار العامل على جانب واحد من جوانب الدين : كأن يجعل الشعائر التعبدية، تاركاً كل ما سواها، أو يقتصر على فعل الخيرات، ورعاية الآداب الاجتماعية، غاضاً الطرف عما عداها، فكل هؤلاء وأمثالهم تأتي عليهم أوقات يصابون فيها لا محالة بالفتور؛ نظراً لأن دين الله موضوع لاستيعاب الحياة كلها، فإذا اقتصر واحد من الناس على بعضه؛ فكأنما أراد أن يحيا بعض الحياة، لا كل الحياة، ثم إذا بلغ الذروة في هذا البعض يتساءل: وماذا بعد؟ فلا يجد جوابا سوى الفتور: إمَّا بالعجز، وإمَّا بالكسل. ولعل ذلك هو أحد أسرار الدعوة إلى أخذ منهج الله كلاً بلا تبعيض:
إذ يقول الله عز وجل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[208]{ [سورة البقرة] أي: اعملوا بجميع شعب الإيمان، وشرائع الإسلام، ولا تسيروا خلف الشيطان؛ لما يكنه لكم من العداوة والبغضاء، فيصرفكم عن منهج الله بالكلية، أو عن بعضه؛ فتفتروا، وتضيعوا.
8- الغفلة عن سنن الله في الكون والحياة : فإننا نرى صنفاً من العاملين لدين الله يريد أن يغير المجتمع كله -أفكاره، ومشاعره، وتقاليده، وأخلاقه، وأنظمته: الاجتماعية، والسياسة، والاقتصادية - في يوم وليلة، بأساليب ووسائل هي إلى الوهم والخيال أقرب منها إلى الحقيقة والواقع، غير واضعين في حسابهم سنن الله في الكون والحياة: من ضرورة التدرج في العمل، ومن أن الغلبة إنما تكون للأتقى، فإذا لم يكن فللأقوى، ومن أن لكل شيء أجلاً مسمى لا يقدم ولا يؤخر... إلخ،
فإذا ما نزلوا إلى أرض الواقع، وكان غير ما أملوا، وما أرادوا، وما عملوا؛ فتروا عن العمل: إما بالكسل والتواني والتراخي، وإما بالقعود والانسلاخ والترك.(2/222)
9- التقصير في حق البدن بسبب ضخامة الأعباء وكثرة الواجبات، وقلة العاملين : ذلك أننا نجد بعض العاملين ينفقون كل ما يملكون من جهد ووقت وطاقة في سبيل خدمة هذا الدين، ضانين على أنفسهم بقليل من الراحة والترويح، فهؤلاء وأمثالهم، وإن كانوا معذورين بسبب ضخامة الأعباء، وكثرة الواجبات وقلة العاملين، إلا أنه تأتي عليهم أوقات يفترون عن العمل لا محالة. ولعل هذا هو سر تأكيده - صلى الله عليه وسلم - على حق البدن، مهما تكن الأعذار والمبررات؛ إذ لما قال سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما: [ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ] قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : [ صَدَقَ سَلْمَانُ] رواه البخاري والترمذي.
10- عدم الاستعداد لمواجهة معوقات الطريق : فبعض العاملين يبدءون السير في الطريق دون أن يقفوا على معوقاته، من زوجة أو ولد، أو إقبال دنيا، أو امتحان، أو ابتلاء، أو نحو ذلك، وبالتالي لا يأخذون أهبتهم، ولا استعدادهم، وقد يحدث أن يصدموا أثناء السير بهذه المعوقات، أو ببعضها، فإذا هم يعجزون عن مواجهتها، فيفترون عن العمل: إما بالكسل والتراخي، وإما بالوقوف والانقطاع. وهذا سر تنبيه القرآن الكريم، وتحذيراته المتكررة من معوقات الطريق:
إذ يقول سبحانه:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[14]إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ[15]{ [سورة التغابن] .
وقال سبحانه:} مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ...[179]{ [سورة آل عمران].(2/223)
وقال سبحانه:} الم[1]أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ[2]وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[3]{ [سورة العنكبوت].
وقال سبحانه:} وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ[31]{ [سورة محمد].
11- صحبة ذوي الإرادات الضعيفة، والهمم الدانية: فقد يحدث أن يصحب العامل نفراً ممن لهم ذيوع وشهرة، وحين يقترب منهم ويعايشهم، يراهم خاوين فاترين في العمل، كالطبل الأجوف، فإن مضى معهم؛ أعدَوْه بالفتور والكسل. وهذا هو سر تأكيده - صلى الله عليه وسلم - على ضرورة انتقاء واصطفاء الصاحب:
إذ يقول - صلى الله عليه وسلم - : [الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ] رواه أبوداود والترمذي وأحمد .
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : [إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا] رواه البخاري ومسلم وأحمد.(2/224)
12- العفوية في العمل سواء على المستوى الفردي أو الجماعي : فيمارس العمل لدين الله بصورة عفوية لا تتبع منهجاً، ولا تعرف نظاماً، فيقدمون الأمور الثانوية، أو التي ليست بذي بال، ويؤخرون بل ويهملون الأمور الرئيسة، والتي لابد منها من أجل التمكين لدين الله، وهذا يؤدي إلى أن تطول الطريق، وتكثر التكاليف والتضحيات، فيكون الفتور غالبا، إن لم يتدارك الله العبد بالرعاية والتأييد والثبات. ولعلنا في ضوء هذا نفهم سر وصيته - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ إذ قال له: [ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ] رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه والنسائي والدارمي وأحمد. إن الحديث قاعدة رئيسة في منهجية العمل، وترتيبه، ودقته .(2/225)
13- الوقوع في المعاصي والسيئات لا سيما صغائر الذنوب مع الاستهانة بها:فإن ذلك ينتهي بالعامل لا محالة إلى الفتور، وصدق الله الذي يقول:} وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[30] {[سورة الشورى]. وصدق رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول: [ إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا]رواه أحمد.
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : [إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ فَإِنْ زَادَ زَادَتْ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ:} كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[14]{ [سورة المطففين] ] رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد .
آثار الفتور على العاملين:(2/226)
قلة رصيدهم - على الأقل - من الطاعات، وربّما قبض أحدهم وهو فاتر كسلان : فيلقى الله مقصراً مفرطاً؛ لذا كان من دعائه - صلى الله عليه وسلم - : [اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ] رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود والنسائي وأحمد. وكان من بشرياته لأمته: [إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ ] فَقِيلَ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: [يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ] رواه الترمذي وأحمد . وكان من وصيته لأمته: [لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ...] رواه أحمد .
آثار الفتور على العمل الإسلامي:
طول الطريق، وكثرة التكاليف والتضحيات : إذ مضت سنته سبحانه: ألا يعطي النصر والتمكين للكسالى، والغافلين، والمنقطعين، وإنما للعاملين المجاهدين الذين أتقنوا العمل، وأحسنوا الجهاد:} إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا[30]{ [سورة الكهف]
} إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[128] {[سورة النحل] } وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[69] {[سورة العنكبوت] .
علاج الفتور:
1- البعد عن المعاصي والسيئات كبيرها وصغيرها: فإنها نار تحرق القلوب، وتستوجب غضب الله، ومن غضب ربه عليه فقد خسر خسراناً مبيناً:}...وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى[81]{ [سورة طه].(2/227)
2- المواظبة على عمل اليوم والليلة: من ذكر، أو دعاء وضراعة، أو استغفار، أو قراءة قرآن، أو صلاة ضحى، أو قيام ليل ومناجاة، لاسيما في وقت السحر، فإن ذلك كله مولد إيماني جيد، ينشط النفوس، ويحركها ويعلي الهمم، ويقوي العزائم، قال تعالى:} وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا[62] {[سورة الفرقان] }يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ[1]قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا[2]نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا[3]أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا[4]إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا[5] {[سورة المزمل]
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : [مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجه والنسائي والدارمي وأحمد.
3- ترصُّد الأوقات الفاضلة والعمل على إحيائها بالطاعات: فإن هذا مما ينشط النفوس، ويقوي الإرادات، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: [...فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ] رواه البخاري والنسائي .(2/228)
4- التحرر من التشدد والغلو في دين الله: فإن ذلك مما ينشط، ويساعد على الاستمرار،وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَصِيرٌ وَكَانَ يُحَجِّرُهُ- أي:يتخذه حجرة - مِنْ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ ] وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ. رواه مسلم وأحمد.
ولا جرم أن نشير هنا إلى أن التحرر من التشدد والغلو لا يعني الترك والإهمال، بل يعني الاقتصاد والتوسط، مع المحافظة على ما اعتاده من العمل، ومع اتباع السنة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : [ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ] رواه البخاري ومسلم وابن ماجه والنسائي.
5- دفن النفس في أحضان الجماعة، وعدم اعتزالها أو الشذوذ عنها بحال من الأحوال :
وحسبنا قوله - صلى الله عليه وسلم - : [...الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ] رواه عبد الله في' زوائد المسند' .
وقوله: [يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ] رواه الترمذي. وقول علي رضي الله تعالى عنه- المذكور آنفا-:' كدر الجماعة خير من صفو الفرد'.(2/229)
6- الانتباه إلى سنن الله في الإنسان والكون: من استفراغ الطاقة، وبذل الجهد }ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ... [4]{ [سورة محمد] والتدرج في العمل كما قالت أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ: [...إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا...] رواه البخاري . وكما عبر عنه عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه خامس الخلفاء الراشدين، فقد أراد أن يعود بالحياة إلى هدي الخلفاء الأربعة، لكن بعد أن يتمكن ويمسك الخيوط في يديه، وكان له ابن يقال له: عبد الملك، فيه فتوّة، وحماس، وحيوية وتقى، فأنكر على أبيه البطء، وعدم الإسراع في إزالة كل بقايا الانحراف والمظالم، حتى تعود الحياة إلى سيرتها الأولى أيّام الراشدين، إذ قال له يوما:'مالك يا أبت لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي، لو أن القدور غلت بي وبك في الحق'. فكان جواب الأب الفقيه:' لا تعجل يا بني، فإن الله ذمَّ الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة، فيدعوه جملة، فيكون من ذا فتنة... ' .
7- الوقوف على معوقات الطريق من أوّل يوم في العمل:حتى تكون الأهبة، ويكون الاستعداد لمواجهتها، والتغلب عليها، فلا يبقى مجال لفتور أو انقطاع.
8- الدقة والمنهجية في العمل:على معنى مراعاة الأولويات، وتقديم الأهم، وعدم الدخول في معارك جانبية، أو مسائل جزئية هامشية.(2/230)
9- صحبة الصالحين المجاهدين من عباد الله : إذ إن هؤلاء لهم من الصفاء النفسي، والإشراق القلبي، والإشعاع الروحي ما يسبي، ويجذب، بل ما يحرك الهمم والعزائم، ويقوي الإرادات، وقد لفت النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنظار إلى ذلك حين قال: [أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ] قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى...] رواه ابن ماجه وأحمد .
10- إعطاء البدن حقه من الراحة، والطعام والشراب مع الاعتدال في ذلك :فإن هذا مما يجدد نشاط الجسم، ويعيد إليه قوته وحيويته. وقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك: فقد دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَسْجِدَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ: [ مَا هَذَا الْحَبْلُ] قَالُوا هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : [ لَا حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجه والنسائي وأحمد .
11- الترفيه عن النفس بالمباحات، من مداعبة الأهل، أو ملاعبة الأولاد، أو القيام ببعض الرّحلات : فإن هذا مما يطرد السأم والملل، ويقضي على الفتور والكسل، بحيث يعود المسلم إلى ممارسة نشاطه وكأنما ولد من جديد، أو صار خلقا آخر .(2/231)
فَعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ- وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ؟! قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : [وَمَا ذَاكَ] قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : [ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ] رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد.(2/232)
12- دوام النظر و المطالعة في كتب السيرة، والتاريخ والتراجم : فإنها مشحونة بكثير من أخبار العاملين المجاهدين، أصحاب العزائم القوية، والإرادات الصادقة، التي تسري عن النفس وتسليها، وتولد فيها حب الاقتداء والتأسّي، وصدق الله سبحانه:} لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ...[111] {[سورة يوسف] .
13- تذكر الموت وما بعده من سؤال القبر، وظلمته ووحشته والبعث والحشر... إلخ :
فإن هذا مما يوقظ النفس من نومها، ويوقظها من رقدتها، وينبهها من غفلتها، فتنشط وتتابع السير، وخير وسيلة لتذكر الموت الذهاب إلى القبور - ولو مرة في كل أسبوع - وزيارتها والاعتبار بأحوال أهلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنِّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً...] رواه أحمد .
14- تذكر الجنة والنار وما فيهما من النعيم والعذاب : فإن ذلك مما يذهب النوم عن الجفون، ويحرك الهمم الساكنة والعزائم الفاترة، جاء عن هرم بن حيان أنه كان يخرج في بعض الليالي، وينادي بأعلى صوته:' عجبت من الجنة كيف ينام طالبها، وعجبت من النار كيف ينام هاربها، ثم يقول:
} أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ[97] { [سورة الأعراف] .
15- حضور مجالس العلم : إذ العلم حياة القلوب، وربما سمع العامل كلمة من عالم صادق مخلص، فنشطته سنة كاملة، بل الدهر كله، وصدق الله:} إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ[28] {[سورة فاطر] }...وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[114] {[سورة طه"].
16- أخذ هذا الدين بعمومه وشموله، دون التخلي عن شيء منه : فإن ذلك يضمن الدوام والاستمرار، حتى تنقضي الحياة، ونلقى الله.(2/233)
17- محاسبة النفس، والتفتيش فيها دائما: فإن ذلك مما يبصر بالعيوب في بدايتها، فتسهل معالجتها:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[18] { [سورة الحشر] .
من كتاب:' آفات على الطريق' للدكتور/ السيد نوح
ــــــــــــــــــ
تزكية النفس والحذر من الفتور
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على نبي الهدى، ومن بهديه اهتدى ، وبعد:
فإن الفلاح مطلب العاملين ، وقد رتبه الله (تعالى) على تزكية النفس وتربيتها وتطهيرها ، فقال (عز وجل): ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)) [الأعلى: 14] ، وقال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)) [الشمس: 9 ، 10].
وقد بعث الله رسوله e معلماً ومربياً ، فقال: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) [الجمعة: 2] ، فكان e يتعاهد نفوس أصحابه بالتربية والتزكية.
وإن إصلاح النفوس وتزكيتها دأبُ السائرين إلى الله (تعالى): الأنبياء وأتباعهم ، فقد كان e يكابد من دعوة قومه الشدائد ، فإذا أظلم الليل انتصب لربه راكعاً وساجداً ، يسأله ويرجوه ، ويخضع بين يديه ويتذلل له ، وقد كان قيام الليل واجباً على المسلمين عاماً كاملاً ، وذلك لما له من أثر في إصلاح القلب ، وانطلاقة المسلم وثباته ـ في آنٍ معاً ـ ، مما يجعله ضرورة ملحة لا غنى عنها.
ومن ثَم: كان واجب كل مسلم ، ـ وخاصة المشتغلين بالعلم والدعوة ـ أن يجعل من أكبر همه إصلاح نفسه وتهذيبها ، وتعاهدها في صلته مع الله ، وأخلاقه وسلوكه مع الخلق ، ويجعل من ذلك منطلقاً لدعوة الناس وإصلاحهم.
التخلية والتحلية والمجاهدة:(2/234)
من أعظم قواعد تربية النفس: تخليتها من اتباع الهوى؛ فإن اتباع الهوى موجب لأمراض لا حصر لها ، وعلة المرض لا تعالج إلا بضدها ، فالطريق لمعالجة القلوب: سلوك مسلك المضادة لكل ما تهواه النفس وتميل إليه ، وقد جمع الله ذلك كله في كلمة واحدة ، فقال (عز وجل):((وَأَمَّا منْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)) [النازعات:40،41]، وقال:((وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...)) [العنكبوت: 69].
والأصل المهم في المجاهدة: الوفاء بالعزم ، فإذا عزم على ترك شهوة،وابتلاه الله وامتحنه بتيسير أسبابها ، فالواجب الصبر والاستمرار ، فإن النفس إذا عُوِّدت ترك العزم ألفت ذلك ، فَفَسَدَت.
ثم يتعين بعد ذلك: تحلية النفس وتعويدها على الخير ، حتى تألفه ويكون سجية لها ، قال الرسول e : ( إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحرّ الخير يُعطَه ، ومن يتق الشر يوقه) ، فإن الأعمال لها أثر يمتد حتى يصل إلى القلب ، فكما أن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح: فإن كل فعل يجري على الجوارح قد يرتفع منه أثر إلى القلب ، والأمر فيه دَوْر ، وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح.
الحذر من الفتور (3): ...
فإذا ما تمت تخلية النفس من اتباع الهوى وتحليتها بفعل الخيرات والفضائل: وجب بعد ذلك أن يَنْصبّ الاهتمام على متابعة النفس في فعل الواجبات والمستحبات،وترك المحرمات والمكروهات والنية في المباحات، فإن النفس من طبعها الكسل والتراخي والفتور.
قال الرسول e : ( لكل عمل شَرّة ، ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك).
وقد قيل: »تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه ، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ، ولم تخرجه من فرض ، ولم تدخله في محرم ، رُجي له أن يعود خيراً مما كان«.
درجات الفتور:(2/235)
إذن: فالفتور أمر لا بد منه ، ولكن الفتور درجات وأقسام:
1- أخطرها كسل وفتور عام في جميع الطاعات ، مع كره لها ، وهذه حال المنافقين.
2- ثم كسل وفتور في بعض الطاعات ، مع عدم رغبة ، دون كره لها ، وهذه حال كثير من فساق المسلمين.
3- كسل وفتور سببه بدني، فهناك الرغبة في العبادة، ولكن الكسل والفتور مستمر، وهذه حال كثير من المسلمين.
والخطير في هذه الحالة أن العمر يمضي، والأيام تنصرم دون إنتاج ولا عمل يذكر،والأخطر من ذلك: الانتقال إلى حالة أشد منها، فتعظم المصيبة، أو يقع الشبه بالمنافقين في التكاسل عن الطاعات، والتثاقل عن الخيرات؛ لذا: كان النبي e يستعيذ من العجز ، ومن الكسل في الصباح والمساء ، ويعلم أصحابه أن يستعيذوا منه.
وقد عاتب الله المؤمنين في تثاقلهم عن الجهاد،ودعاهم إلى المسارعة والمبادرة إلى الخيرات، ورغبهم في جزاء السابقين المسارعين إلى الخيرات ، وبيّنه لهم.
الداعية والفتور:
والفتور والكسل داء يدب في الناس على مختلف درجاتهم ، وأخطر ما يكون على الدعاة وطلبة العلم ، مما يجعل تفاديه قبل حلوله ، أو تلافيه بعد نزوله أمراً ضروريّاً ، والدفع أسهل من الرفع.
ومن هنا: وجب تعاهد النفس؛ لئلا تقع في فتور ينقلها من مرحلة إلى مرحلة، فيتعسر الداء، وتصعب المعالجة؛ لأن أمراض النفس كالنبتة ، أسهل ما يكون قلعها وإزالتها أول نباتها ، فإذا ما تركت أخذت في النمو والكبر والثبات في الأرض ، حتى يحتاج قلعها إلى الرجال والفؤوس، وكذلك أمراض القلوب: تبدأ في ظواهر يسيرة، فإذا أهمل صاحبها علاجها تمكنت منه حتى تكون هيئات راسخة ، وطباع ثابتة.
لذلك: كان الواجب علينا ـ معشر الدعاة ـ أن نتفحص أنفسنا ، ونتأمل أحوالنا: هل نجد شيئاً من مظاهر الفتور؟ ، فنبادر إلى معرفة الأسباب والسعي في العلاج.
مظاهر الفتور:
مظاهر الفتور كثيرة ، منها:(2/236)
ـ التكاسل عن الطاعات ، والشعور بالضعف والثقل أثناء أدائها ، والغفلة عن الذكر ، وقراءة القرآن.
ـ الشعور بقسوة القلب ، وضعف تأثره بالقرآن والمواعظ .
ـ التساهل في ارتكاب المعاصي وإلفها.
ـ عدم استشعار المسؤولية والأمانة ، وضعف هم الدعوة في القلب.
ـ انفصام عرى الأُخُوّة بين المتحابين.
ـ الاهتمام بالدنيا ، والانشغال بها عن فعل الخير.
ـ كثرة الكلام الذي لا طائل تحته ، وكثرة الجدال والمراء ، والحديث عن الأمجاد ، والمشكلات ، والانشغال بذلك عن العمل الجاد والمثمر المفيد للأمة.
ـ ضعف جذوة الإيمان ، وانطفاء الغيرة على محارم الله.
ـ ضياع الوقت ، وعدم الإفادة منه.
ـ عدم الاستعداد للالتزام بشيء ، والتهرب من كل عمل جدي.
ـ الفوضوية في العمل.
ـ خداع النفس؛ بأن يتوهّم بأنه يعمل ، لكنه في الحقيقة فارغ ، أو عمله بلا هدف.
ـ النقد لكل عمل إيجابي.
ـ التسويف ، والتأجيل ، وكثرة الأماني.
أسباب الفتور:
وإذا تساءلنا: ما أسباب هذا الفتور الذي نعاني منه ، وما دواعيه؟ ، فالجواب: إنها كثيرة ، متفاوتة في الأهمية ، ومنها:
ـ عدم الإخلاص في الأعمال ، أو عدم مصاحبته؛ بأن يطرأ الرياء على الأعمال.
ـ ضعف العلم الشرعي؛ فيضعف علم فضائل الأعمال وثوابها ، وفضل الصبر وأثره ، ونحو ذلك.
ـ تعلق القلب بالدنيا ونسيان الآخرة.
ـ فتنة الزوجة والأولاد ، فإنها ملهاة عن كثير من الطاعات ، إذا لم ينتبه لها.
ـ عدم فهم الدين نفسه ، وهذا غريب! ، والأغرب: أن يفهم طبيعة الدين ، ويتذوق حلاوة الإيمان ، ثم ينصرف عن العمل في ميدانه.
ـ الوقوع في شيء من المعاصي والمنكرات ، وأكل الحرام أو المشتبه بالحرام.
ـ عدم وضوح الهدف الذي يدعو من أجله ، وهو: طلب مرضاة الله ، وتعبيد الناس لرب العالمين ، وإقامة دين الله في الأرض.
ـ ضعف الإيمان بالهدف ، أو الوسيلة الدعوية التي يسلكها.
ـ الغلو والتشدد ، بحيث ينقلب ذلك سبباً للملل وترك العمل.(2/237)
ـ العقبات والمعوقات الكثيرة في طريق الدعوة والداعية ، وتلك سنة الله في الدعاة والدعوات.
ـ الفردية وإيثار العزلة ، فيدركه الملل والسأم.
ـ الجمود في أساليب الدعوة وعدم التفكير في وسائل وأساليب توصل المقصود إلى المدعوين ، وتحافظ على أصول الدعوة وروحها ، ومن ذلك مثلاً: التنويع في أساليب مخاطبة الناس ، كلٍّ حسب مستواه: بالكلمة المسموعة ، والمقروءة ، بشتى صورها وأشكالها ، ومنه: التنويع في كيفية إلقاء دروس العلم والقرآن ، من حيث المكان والوسائل.
ـ عدم استحضار عداوة الشيطان المستمرة ، وأيضاً: عدم استشعار تحدي الكفار للمسلمين ، وأنهم يبذلون كل وسيلة لصد المسلمين عن دينهم والكيد لهم.
ـ الأوهام ووساوس الشيطان التي تزرع الخوف في القلوب ، وتشكك الداعية في سلامة الطريق.
ـ أمراض القلوب: كالحسد ، وسوء الظن ، والغل ، وحب الصدارة ، والكبر...
ـ التقصير في العبادة وعمل اليوم والليلة من الرواتب والسنن والأذكار والورد اليومي...
ـ استبطاء النصر ، واستعجال النتائج.
ـ عدم الاستقرار على برنامج أو عمل معين ، وترك العمل قبل إتمامه ، ثم الانتقال إلى غيره.. وهكذا.
ـ النظر إلى مَنْ دونه في العلم والعبادة ، وذلك مثبط للهمم .
ـ الدخول على أهل الدنيا ومخالطتهم ، وفيه مفاسد عظيمة ، لا ينجو منها إلا من سلّمه الله.
ـ الفتور في معالجة الفتور .
علاج الفتور:
ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، والفتور من أشد الأمراض المعنوية، وتتأكد خطورته حينما لا يحس به الإنسان حتى ينقله إلى الانحراف ، فيقضي عليه ـ والعياذ بالله ـ ، ومن هنا تتأكد أهمية العلاج باتخاذ سبل الوقاية منه ابتداء ، أو عمل الأسباب التي تذهب به بعد وقوعه ، وأهم سبل العلاج: تلافي أسبابه ، وذلك أعظم وسيلة للنجاة ، وإن القناعة بخطورة هذا المرض ووجوب التخلص منه ـ وقاية وعلاجاً ـ أمر ضروري للإفادة من سبل العلاج ، ومنها:(2/238)
ـ الدعاء والاستعانة؛ فإن الله يجيب المضطر إذا دعاه ، والمصاب بدينه الذي يخاف على نفسه: أعظم المضطرين ، والله هو المستعان على كل خير ، ولذا: أوصى النبي e معاذاً أن يقول دبر كل صلاة: (اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك).
ـ تعاهد الإيمان وتجديده ، والحرص على زيادته بكثرة العبادة؛ مما يكون زاداً للمؤمن ، ومخففاً عنه عناء الطريق.
ـ مراقبة الله، والإكثار من ذكره ، ومراقبته تستلزم خوفه وخشيته ، وتعظيمه ، ومحبته، ورجاءه ، والإيمان بعلمه وإحاطته وقدرته ، أما الذكر: فهو قوت القلوب ، وبه تطمئن، وأعظم ذلك: الصلة بكتاب الله (تعالى): تلاوة ، وفهماً ، وتدبراً ، وعملاً ، وحكماً ، وتحاكماً ، فإن من لم ينضبط بالقرآن أضله الهوى.
ـ الإخلاص والتقوى؛ ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)) [الأنفال:29].
ـ تصفية القلوب من الأحقاد ، والغل ، والحسد ، وسوء الظن؛ مما يشرح الصدر ، ويسلم القلب.
ـ طلب العلم ، والمواظبة على الدروس وحلق الذكر والمحاضرات؛ فإن العلم طريق الخشية ، وهو قوت القلوب.
ـ الوسطية والاعتدال في العبادة ، وفي عمل الخير.
ـ تنظيم الوقت ، ومحاسبة النفس.
ـ لزوم الجماعة ، وتقوية روابط الأخوة.
ـ تعاهد الفاترين ومتابعتهم؛ لئلا يؤدي بهم الفتور إلى الانحراف.
ـ التربية الشاملة المتكاملة على منهاج النبوة التي تقي من الفتور ـ بإذن الله (تعالى) ـ.
ـ تنويع العبادة والعمل ، من: الذكر ، وقراءة القرآن ، والصلاة ، وقراءة الكتب المفيدة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وقضاء حوائج الناس ، وإغاثة الملهوفين...
ـ الاقتداء بالأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) ، والدعاة المخلصين.. في نشاطهم ، وحرصهم على أوقاتهم وأعمالهم.
ـ علو الهمة ونبل المقصد والأخذ بالعزيمة ، بأن يكون الهمّ: الجنة ، والمقصود: مرضاة الله ؛ بالسعي في العبادة حتى الموت.(2/239)
ـ الإكثار من ذكر الموت،وخوف سوء الخاتمة، بزيارة المقابر، ورؤية المحتضرين، فإن ذلك يورث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة.. ونسيان الموت: يورث أضدادها.
ـ جعل ذكر الجنة والنار من الإنسان على بال ، وقراءة صفة كلٍّ منهما في كتاب الله (تعالى) وسنة رسوله e ، فإن ذلك يشحذ الهمم ويذكي العزائم.
ـ الحرص على زيادة العمل ، والاستمرار فيه ، والحذر من التكاسل ، خاصة فيما حافظ عليه من عمل ، فإن من ترك سنة يوشك أن يترك واجباً.. وهكذا.
ـ الصبر والمصابرة؛ فإن طريق العلم والعبادة والدعوة إلى الله طريق شاق وطويل ، وكثير المتاعب والمصاعب.
نسأل الله (عز وجل) أن يثبتنا على دينه ويختم لنا بخاتمة الخير..
ــــــــــــــــــ
الفتور الدعوي عند الشباب الأسباب والحلول
د. عبد الله بن علي الجعيثن
الدعوة إلى الله اليوم واجب الأمة الإسلامية جمعاء لا يشذ عن ذلك إلا عاجز، كل على حسب قدرته وما وهبه الله من استعدادات وإمكانات.
والناظر في حال شباب الأمة يجد تقهقراً عن القيام بهذا الواجب وتراجعاً عن الاشتغال بهذه الوظيفة وعزوفاً عن التصدي لتلك المهمة من قِبَل كثير من الشباب!
وحين نتلمس الأسباب التي أدت إلى ذلك، والصوارف التي صرفت أولئك عن الاشتغال بتلك الأعباء فإننا نجد أنها ترجع إلى أمور كثيرة يمكن الإشارة إلى شيء منها في هذا المقام:
1 - ضعف استشعار المسؤولية والغفلة عن استحضار ذلك الواجب، فلا يشعر المرء بأنه مطالب بعينه بالنهوض بالأمة ومداواة عللها وتضميد جراحها.
2 - اعتقاد بعضهم أن في الساحة من يكفي، إذن فلا حاجة إليه.
3 - الاشتغال بالدنيا وملذاتها من الأموال والبنين والمراكب والمساكن والمناصب.(2/240)
4 - الانهزامية والشعور بالضعف أمام تيارات الفساد، وتطرُّق الإحباط إلى النفوس من جراء كثرة الشر والباطل وتفنن أهله في عرضه وترويجه، فوقع في بعض النفوس أن الأمر أكبر مما يمكن أن يقدمه، وأنه يتطلب جهوداً ليس هو من أهلها ولا من القادرين عليها. ووصل الحال بآخرين بعد بذل شيء من الأسباب إلى أن يقول بلسان الحال: إما أن تصلح الأوضاع ويستقيم أمر الناس أو ننسحب من الميدان ونخلي المكان.
5 - تصور بعضهم ضيق ميدان الدعوة وأنه محصور في خطبة على منبر أو محاضرة مرتجلة أو كلمة أمام الجماهير، وهو غير قادر على شيء من ذلك، فينصرف عن الدعوة بالكلية.
6 - الصدمات التي قد يتعرض لها بعض العاملين في حقل الدعوة والمضايقات التي قد تحصل لبعض الدعاة، فربما كان ذلك سبباً في تطلب بعضهم للسلامة بزعمه، وقد وقع في العطب!!
7 - تقصير المنظِّرين والدعاة في تحفيز الشباب نحو العمل الدعوي وفتح الآفاق أمامهم للولوج إلى ميدان الدعوة الفسيح كل على حسب ما آتاه الله من علم ومقدرة وموهبة.
8 - دعوى بعضهم أن المشكلة ليس من أسبابها جهل الناس وحاجتهم إلى التعليم والدعوة والبيان، بل إن الناس بزعمهم عاصون على بصيرة ومعاندون للحق؛ فما ثمرة السعي في تعليمهم ما يعلمون وتبصيرهم فيما لا يجهلون؟!
9 - ميل الكثيرين إلى الكسل والبطالة أو كثرة الرحلات والمخالطات، وبعدهم عن الجدية في عموم أحوالهم وأمورهم؛ ومن ذلك أمر الدعوة إلى الله؛ فليس عند الواحد منهم استعداد لأن يناط به عمل أو يتحمل مسؤولية؛ لا عجزاً، ولكن تهاوناً وكسلاً.
10 - اشتغال بعضهم بالجدل والمراء في بعض القضايا الفكرية، وبعض الأطروحات المعاصرة مما شغله عن الاهتمام بالنهوض بالأمة في أعمالها وسلوكها وأخلاقها.(2/241)
11 - اشتغال بعضهم بالتنقيب عن عيوب الناس وخصوصاً العاملين في حقل الدعوة، وإظهار تلك العيوب ونشرها وتضخيمها، وربما لبَّس عليه الشيطان بأن هذا في سبيل الإصلاح وأنه محسن في ذلك قائم بأمر الدعوة.
12 - اشتغال بعضهم بالنظر في الواقع وتتبع ما يجري في الساحة والمبالغة في ذلك إلى حد الانهماك فيه، ثم يظن أنه بذلك قدم شيئاً للأمة بمجرد هذه المتابعة وحصوله على هذا الفقه. وهو بهذا قد لا يعدو أن يكون نسخة مما تحتفظ به أجهزة الإعلام من أخبار وتقريرات وتحليلات!!
13 - عدم التوازن والاعتدال لدى بعض الشباب في توزيع الحقوق والواجبات؛ فربما انهمك في جانب على حساب الجوانب الأخرى؛ كمن ينهمك في طلب العلم أو في تربية النفس وتهذيبها أو في جانب من جوانب الخير على حساب أبواب أخرى من الخير كالدعوة إلى الله سبحانه؛ حتى ربما اعتقد أنه إذا خرج عن هذا الأمر الذي رسمه لنفسه قد ضيع زمانه وأهدر جهده فيما لا ينفع.
14 - تثبيط القاعدين وتحبيط المتقاعسين عن القيام بأمر الدعوة؛ فلا يكتفي أولئك بقعودهم وتقاعسهم، بل ربما سعوا إلى تثبيط غيرهم والحط من قدر أعمالهم، وأنه لا فائدة من جهودهم؛ فربما قاد ذلك بعض الضعفاء إلى التأثر بذلك الهذيان ومن ثم إخلاء الميدان.
15 - اشتراط بعض الشباب أن يكون في موقع معين في المشروع الدعوي، فإن لم يتحقق له ذلك المكان، ولم يحصل له المركز الذي يريده أنف أن يكون في موضع أقل مما يطمح له، فيكون البديل أن يولي الأدبار، وينأى بجانبه، ويترك المجال برمته، وهو الخاسر بكل حال.
العلاج:
بمعرفة الأسباب يتضح العلاج. وهناك بعض الأدوية التي تداوى بها تلك العلة منها:(2/242)
1 - استشعار المسؤولية العظمى المناطة بكل مسلم تجاه دينه وأمته، وخصوصاً الشباب الصالح الذي تربى على الخير واغترف من معين الحق؛ فهو أجدر من يتصدى للنهوض بأمته ورفع الجهل عنها ورأب صدعها ومعالجة عللها وأدوائها. ويزيد من عظم الأمر أن واقع الأمة الإسلامية اليوم بحاجة ملحة إلى دعاة كثيرين بل إلى استنفار عامٍّ من قِبَل كل طالب علم وصاحب غيرة ليؤدي دوره، وبخاصة أن الدعاة الموجودين اليوم لو اجتمعوا في بلد واحد لما سدوا الحاجة القائمة؛ فكيف مع قلتهم وتوزعهم؟
ثم على فرض وجود من يكفي ألا يسر المرء أن يكون من جملة قافلة الدعاة وركاب سفينة النجاة؟
2 - معرفة حقارة الدنيا وأنها لا تستحق انصراف القلب إليها وانهماك البدن في الاشتغال بها، وأن قيمتها الحقيقية تكمن في كونها ميداناً للأعمال الصالحة والجهود المباركة التي تنفع المرء في آخرته. ومن ذلك العمل الدعوي ونفع الخلق بجميع صور النفع.
3 - الثقة بنصر الله واليقين بوعده، وأنه تعالى يؤيد حَمَلَة هذا الدين، وأنه مهما تآمر العدو وتفنن في عرض باطله فإنه مهزوم أمام قدرة الله وقهره، ولكن لا بد من الابتلاء والامتحان. قال تعالى : ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض {محمد: 4}.
4 - إدراك اتساع ميادين الدعوة والعمل لهذا الدين يتيح للجميع فرصة المشاركة، كل فيما يخصه وما أعطاه الله من مواهب وقدرات. ومن ذلك:
- النصيحة الفردية ملفوظة ومكتوبة.
- الكلمة القصيرة. - المراسلة لهواة المراسلة.
- كتابة المقالات في الصحف والمجلات.
- التعقبات والردود على بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات وأجهزة الإعلام الأخرى.
- المشاركة في الكلمات والندوات في الإذاعة والتلفاز.
- كتابة القصص الهادفة.
- تأسيس قناة تلفازية أو مجلة إسلامية أسبوعية أو شهرية في شبكة "الإنترنت" وعرض البرامج التربوية والعلمية والمقالات الهادفة من خلال ذلك.(2/243)
- توزيع الشريط النافع والكتاب الهادف والمطويات والنشرات الجيدة.
- نظم الشعر في مناصرة الدعوة الإسلامية وقضايا المسلمين.
- الأعمال الإغاثية داخل البلاد وخارجها.
- معالجة قضايا الشباب ومشكلاتهم.
- تربية الشباب من خلال الحلقات القرآنية ومكتبات المساجد ومجموعات الأحياء.
- الدراسة والتخطيط للبرامج الدعوية، ووضع الخطط للمشروعات الخيرية، واقتراح الأمور النافعة في حقل الدعوة التي يقوم بها غيره من القادرين الأكفاء.
وهذا الإدراك لاتساع ميادين الدعوة يقطع الطريق على كل معتذر ويسد الباب أمام أي متنصل.
7 - فهم أن ابتلاء أصحاب الدعوات سنة ماضية، ولا بد من توطين النفس على التعرض لشيء من الابتلاء القولي وربما الفعلي. يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على" ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور {لقمان: 17} .
وإن كان الملحوظ في عصرنا أن ممارسة الكثير من ميادين الدعوة ومجالات العمل الإسلامي الأصل فيه السلامة وعدم التعرض للفتنة.
8 - التفاؤل في الأعمال الدعوية مطلب، وهو حافز للعمل ودافع إليه؛ ومع ذلك فلا تفترِضْ سلفاً عدم جدوى شيء من هذه الأعمال، ولا تُصَبْ بالإحباط حينما لا ترى الثمرة ماثلة للعيان؛ لأنك مطالب ببذل الأسباب، والنتيجة أمرها إلى رب الأرباب، وليس بالضرورة أن يرى المرء ثمرة دعوته وقد يراها غيره، وربما كان الغرس على يده وجني الثمار على يد غيره.
9 - واجب على من ولاَّهم الله أمر تعليم الأمة وتوجيهها من العلماء والدعاة أن يوجهوا الشباب إلى الانخراط في مجال العمل الإسلامي وأن يحفزوهم إلى ذلك، ويفتحوا لهم الآفاق الدعوية التي يمكنهم العمل من خلالها.(2/244)
10 - لا بد من معرفة أن الناس وإن كان الغالب عليهم أنهم متعلمون إلا أنهم يجهلون الكثير الكثير من أمور دينهم ولا سيما في المناطق والهجر النائية؛ فواجب على كل من يحمل علماً ولو قليلاً أن يقوم بوظيفة البلاغ؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بلغوا عني ولو آية" رواه البخاري(1).
ثم إنه ليس المقصود بالدعوة التعليم فحسب، بل الناس بحاجة إلى تذكيرهم بما يعلمون وهم عنه غافلون، والله تعالى يقول: وذكر فإن الذكرى" تنفع المؤمنين {الذاريات: 55} وما أكثر ما يقع فيه الناس من المخالفات والأخطاء؛ فإذا ذكّروا بالله تذكروا فإذا هم مبصرون.
11 - الجدية وعلو الهمة مطلب في حياة الشاب الملتزم؛ فلا بد من البعد عن مظاهر الكسل والبطالة والإخلاد إلى الراحة، بل المبادرة بملء الوقت بمعالي الأمور من علم وعمل ودعوة، مع إجمام النفس الفينة بعد الأخرى . على أن الأمر كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
12 - إدراك أن الاشتغال بالجدل والمراء مما يورث قسوة القلب والضغائن بين الناس، ويصد القلب عن الاشتغال بما ينفع العبد وينفع أمته، فليبتعد المرء عن المراء والجدال، وليشتغل بنشر الخير وتأليف القلوب على الحق.
13 - التنقيب عن عيوب الأنام سمة اللئام، وليست من خصال أهل الإسلام؛ وتزداد قبحاً وسوءاً حينما يصورها الشيطان بأنها من مناصرة الحق وتقويم الخلق، فيصد العبد بذلك عن نشر الخير وإيصاله إلى الناس بتتبع عثراتهم وإبراز عيوبهم، خصوصاً القائمين بالحق منهم؛ فعلى من كانت هذه سمته أن يتقي الله ويشتغل بعيبه عن عيوب الناس، ويمحض الناس النصح والتوجيه، ويجتهد في إيصال الخير إليهم بكل طريق.(2/245)
14 - معرفة الواقع والاطلاع عليه وسيلة وليس غاية في نفسه؛ فإن لم يكن اطلاعك عليه طريقاً إلى القيام بالمسؤولية تجاهه وبذل الأسباب في معالجته فلا تعدو أن تكون أقمت الحجة على نفسك، وأعلنت أمام الله والملأ بقلة مبالاتك!! فاتقِ الله ولا تجعل الاشتغال بتتبع الأخبار ورصد الواقع غاية في نفسه فتظن أنك بذلك قدمت شيئاً للإسلام؛ بل استثمر ذلك في القيام بما يجب عليك نحوه حسب استطاعتك.
15 - التوازن في الأمور مطلب شرعي، فلا يكن اشتغالك بجانب من جوانب الخير سبباً في اشتغالك عن جوانب أخرى ربما كانت واجبة كالدعوة إلى الله تعالى. وليست العبرة في ذلك بالميول القلبية والرغبات النفسية، فالشرع هو الميزان في ترتيب الأولويات وتوزيع الواجبات.
16 - مجانبة المتقاعسين والبعد عن مخالطة القاعدين؛ فالمرء على دين خليله؛ فإذا بُليت بمثل أولئك فكن معهم ببدنك لا بقلبك، ولا تكترث بتثبيطهم، واحمد الله الذي عافاك مما ابتلاهم به، من غير أن يصيبك الإعجاب بالنفس؛ فالله هو المانُّ عليك بذلك.
17 - الإخلاص أعظم الحوافز نحو العمل الدعوي ونفع الخلق، لما يرجوه العبد من الثواب ويؤمله من الأجر. كما أنه سبب من أسباب الثبات على الطريق مهما حصل من إخفاقات كالارتباك والعي أثناء إلقاء الكلمات، أو كان ذلك في حصول أخطاء غير متعمدة في المشروع الدعوي؛ لأن العامل حينئذ يشعر أنه بذل ما يستطيع وصدق في ذلك وأراد الخير فلا يقلق حينما يقع أمر بغير اختياره أو لم يتمكن من إنجاز ما يريد إنجازه، وهو لا يرجو من الناس ثناء ولا شكوراً؛ فلا يضيره إن لم يحصل على شيء من ذلك.
كما أن الإخلاص من عوامل الاستمرار في دعوة الناس مهما أعرضوا؛ لأن المخلص لا يزال يؤمل صلاحهم، كما أنه يرجو الثواب في استمراره في دعوتهم، فلا يضيره إعراضهم.(2/246)
وكذلك فإن الإخلاص يجعل المرء يرضى بما يناط به من عمل في أي مشروع خيري أو دعوي؛ فهو لا يشترط منصباً أو مكاناً معيناً إن حصل له وإلا فإنه لا يعمل؛ لأن همَّ المخلص أن يقدم خيراً لأمته في أي موقع كان، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "طوبى لعبد آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة"(2) فهمُّه الجهاد ونصرة هذا الدين، فلا يبالي في أي موقع وُضِعَ، وحيثما وضع نفع؛ وهذا لا يعني أن لا يسعى المرء إلى أن يقدم لهذا الدين وينفع الأمة من خلال القدرات والمواهب التي يحسنها؛ لكن الكلام هنا في أن المخلص لا يسعى للصدارة والظهور والرئاسة، بل هو مجتهد مستجيب لكل ما يناط به مما له قدرة عليه.
18 - علم المرء بفضائل وثمرات الدعوة إلى الله من أعظم ما يدفعه نحو الاشتغال بذلك. ومن ذلك قوله تعالى : ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين {فصلت: 33} ، وقال عليه الصلاة والسلام : "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" متفق عليه(3).
وقال أيضاً: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" (4). فكم يكون لك من الأجر إذا كانت الأعداد الكبيرة من الناس تعمل على ضوء ما أرشدتهم إليه! وكم من الأجر يلحقك من آثار ذلك حتى وأنت مفارق للدنيا في قبرك!
أسأل الله أن يجعلني وإياك من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر بمنه وكرمه.
وصلِّ اللهم على الهادي البشير وعلى آله وأصحابه أجمعين. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
(1) صحيح البخاري (6-496)، ح- 3461.
(2) صحيح البخاري (6-81)، ح- 2887.
(3) صحيح البخاري (6-111)، ح- 2942، وصحيح مسلم (4-1872)، ح- 2406.
(4) صحيح مسلم (3-1506)، ح- 1893.
(*) مجلة البيان
ــــــــــــــــــ(2/247)
شباب الصحوة بين العطاء والفتور
إعداد: خباب بن مروان الحمد
غير أنَّ هذا العطاء قد يتعرَّضُ أحياناًً إلى مدٍّ وجزر، كما هي طبيعة النفس الإنسانيَّة، أو يشوبه شيء من التعكير لصفائه، ممَّا يحدث إشكالية في واقع الدعوة والعمل الإسلامي.
وفي هذا التحقيق نتناول عرضاً وتحليلاً لدور الشباب في نشر الصحوة الإسلاميَّة، والبواعث المحرِّكة لجهود الشباب في المسيرة الدعويَّة المعاصرة، يليه أسباب إخفاق الشباب في تحقيق أهدافهم المنشودة لخدمة الأمَّة الإسلاميَّة، كما يلقي الضوء على ما يَعْتَوِرُ الدعوة من فتور يؤدِّي إلى انتكاس الشباب عن لزوم الجادَّة، وكيف يتمُّ التخفيف من تلك الآثار الناتجة عن الفتور، إلى غير ذلك من المحاور التي أحسب أنَّها أمسكت بزمام القضيَّة وأجابت عنها.
وقد شاركنا في بحث تلك المحاور نخبة من الدعاة والمصلحين، المنتظمين في سلك الدعوة الإسلاميَّة، من بعض الأقطار الإسلاميَّة، والذين كان لهم دور رائد في الدعوة إلى الله، ومشاركة فعَّالة في توجيه الحشود، ومخاطبة الجماهير.
نرجو من الله أن يجد القارئ لهذا التحقيق النفع والفائدة، والله من وراء القصد، هو حسبنا ونعم الوكيل.
ü المشايخ الدعاة المشاركون في التحقيق حسب الترتيب الهجائي:
1 ـ الشيخ: سعد الغنَّام ـ السعودية.
2 ـ الشيخ: عبد العزيز الجليِّل ـ السعودية.
3 ـ الدكتور: عدنان النحوي ـ فلسطين.
4 ـ الدكتور: علاء الدين الزاكي ـ السودان.
5 ـ الدكتور: علي مقبول الأهدل ـ اليمن.
6 ـ الشيخ: محمد حسين يعقوب ـ مصر.
7 ـ الشيخ: محمد الدويش ـ السعودية.
8 ـ الدكتور: محمد يسري ـ مصر.
9 ـ الشيخ: مدَّثر إسماعيل ـ السودان.
10 ـ الشيخ: مصطفى العدوي ـ مصر.
11 ـ الشيخ: هيثم الحدَّاد ـ فلسطين.
ü ما مظاهر دور الشباب في نشر الصحوة الإسلامية لتكون فاعلة ومؤثرة؟(2/248)
يفتتح الشيخ «محمد الدويش» الحديث حول هذه المظاهر قائلاً: يمكن أن تتمثل مظاهر ذلك الدور في مجالين رئيسين، هما:
المجال الأول: العطاء في محيطهم وواقعهم في المدارس والجامعات والأحياء.
المجال الثاني: إعداد النفس وبناؤها للمستقبل ليتأهلوا للعطاء الأفضل.
ويلفت الشيخ «مدَّثر إسماعيل» في إجابته النظر لمنحى آخر من مظاهر نشر الصحوة من قِبَلِ الشباب بقوله: شهد العقدان الماضيان صحوةً مباركةً بدأت بظهور قيادات علمية شرعية التفَّ حولها الشباب في المقام الأول وتبعهم بقية الشرائح. وكان لالتفاف الشباب حول تلك القيادات أثر كبير، حيث قاموا بلفت أنظار المجتمع بوسائل مختلفة بأن للأمة مرجعيات وقيادات شرعية تتمثل في العالم الفلاني والداعية الفلاني.
ويكمل الشيخ «مدَّثر» كلامه مبيناً أبرز تلك المظاهر بقوله: ومن أبرز ما قام به الشباب اجتهادهم لإبراز جهود العلماء عن طريق نسخ الدروس المسجلة ومن ثَم عرضها عليهم، وحثّ المحسنين والتجار على تبنّي طبعها خيرياً، فكانت جهوداً مباركة، ثم ظهرت التسجيلات الإسلامية وظهر على إثرها وبقوة نشر الشريط الإسلامي، فذاع صيت كثيرٍ من العلماء والدعاة وطلبة العلم.
وأضاف الشيخ «مدَّثر» أن أعظم ثمرة جنتها هذه الصحوة هي ربط جلّ قطاعات الأمة بعلمائها ودعاتها، حتى إذا اشتد عود هؤلاء الشباب ونضجوا فكرياً وإدارياً واجتماعياً استحدثت برامج دعوية وخطط جيدة تمثلت في إنشاء مندوبيات الدعوة، فدعوة الجاليات وقبلها مراكز التحفيظ والمراكز الصيفية.(2/249)
وتابع حديثه بقوله: وقد أدرك قادة الصحوة أن شبابها بحاجة إلى نمط جديد من التفاعل يتعدى حضور المحاضرات ونسخ أشرطتها وطبع النشرات وتوزيعها، إلى الجلوس في مجالس العلم والتربية، فكانت سلاسل الدورات الشرعية، وبحمد الله قد عمَّت البركة تلك الأعمال والبرامج، وأثمرت تلك الجهود شرائح من الشباب الواعي توجّه إلى المؤسسات الرسمية للدولة والتحق بسلكها الوظيفي في شتى المجالات، ومن أبرزها: مجال التعليم. والمؤسسات العدلية حينما دخلها شباب الصحوة فتح الله على أيديهم أبواباً للخير.
ويضيف الدكتور «علاء الزاكي» بأنَّ الشباب المسلم يضطلع بدور بارز ومؤثر في الصحوة وبخاصة أنهم وقودها وشعلة فتيلها، وأبرز المظاهر الدَّعويَّة للشباب:
أ ـ تحريك الجمعيات العلمية في الجامعات حتى أصبحت ظاهرة بادية للعيان.
ب ـ إقامة أسابيع للمحاضرات بمساجد الأحياء الداخلية التي كان لها الدور في نشر الوعي في المجتمع عامة ووسط الشباب بصفة خاصة.
ج ـ إدارة المنظمات العاملة في حقل الدعوة إلى الله تعالى، وإعداد الدورات العلمية الدعوية.
د ـ العمل وسط الشباب بوسائل فعالة ومؤثرة كالنشرات والملصقات وغيرها.
وننتقل إلى ما طرحه الشيخ «العدوي» حول جهود الشباب في نشر الصحوة الإسلاميَّة حيث يقول فضيلته: ومن الشباب من تكون وجهتم خيرية، فتراهم يطعمون الطعام، ويجمعون الأموال من الأغنياء ويوزعونها على الفقراء، ويتفقدون أحوال الفقراء في القرى والأحياء، ويذهبون لأهل الخير يدلونهم على ذلك، ويرسلون للمحتاجين المعونات، وإذا دخل علينا رمضان فترى طائفة كثيرة تسعى لإفطار الصوّام وجمع الأطعمة والملابس من أهل الثراء والفضل للفقراء والمساكين.(2/250)
وحتى بالنسبة لما نراه الآن من الجهاد في سبيل الله في شتى الأمصار كان للشباب فيه دور كبير في الدفاع عن بلاد الإسلام بغضِّ النظر عن الخلل الذي وقع من بعض الشباب في بعض البلاد من تَنَكُّب الطريق السليم أحياناً؛ ومن عدم تقدير المصالح والمفاسد أحياناً؛ إلا أنهم ـ أيضاً ـ في الوقت ذاته لهم دور بارز وناجح جداً في كل بقاع العالم في النواحي الإنقاذية والإغاثية؛ ولله الحمد.
وعن دور الشباب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول فضيلته: يذهب الشباب إلى العلماء كبار السّنّ؛ حيث يصيب بعض العلماء أحياناً تكاسل، فترى الشاب حاراً متوقداً يزكي في أولئك العلماء روح البحث العلمي وروح الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويختزل الشيخ «العدوي» حديثه حول هذه الفقرة قائلاً: وعلى العموم فللشباب المسلم أثر بالغ في عموم أعمال البر؛ فلا تكاد ترى عملاً من أعمال البرّ، إلا ولهم دور مؤثر فيه؛ ولله الحمد.
ü البواعث المحرّكة لجهود الشباب في المسيرة الدعوية المعاصرة:
حين سألت الشيخ «محمد الدويش» حول الباعث الرئيس المحرّك لهذا الجهد؛ أجاب بقوله: الباعث هو الشعور بالمسؤولية الدعوية. وقال متابعاً كلامه: ومما يغذي هذا الشعور النبيل:
1 ـ وجود مجالات عمل مقنعة وملائمة.
2 ـ وجود نتائج إيجابية مشجعة.
3 ـ وجود الدعم والتأييد من القيادات العلمية والدعوية.
وحول ذلك يقول الشيخ «مدَّثر إسماعيل»: كان وراء ذلك الجهد والنشاط الإيجابي لشباب الصحوة بواعث، منها:
1 - وحدة الجهة والمرجعيَّة التي يتلقون منها؛ فكبار الشيوخ كانوا هم المرجعيات عند أيّ ظرف أو نازلة.
2 - سهولة الاتصال والتلقي من أولئك المشايخ.
3 - التفاعل مع قضية محددة والتركيز عليها دون إغفال بقية القضايا، حيث ينصبّ عطاؤهم الأكبر وهمّهم الأجلّ على تلك القضية حتى يحققوا المراد.(2/251)
بينما يتحدَّث الدكتور «عدنان النحوي» من منطلق آخر فيقول: جهد الشباب الإيجابي في المسيرة الدعوية المعاصرة، لا تكون بواعثه إلا باكتمال ثلاثة أشياء:
1 ـ صفاء الإيمان.
2 ـ صدق العلم بمنهاج الله.
3 ـ وضوح الدرب والأهداف أمامهم، ولذلك يختلف الجهد في واقعنا اليوم بين جهد إيجابي ملتزم بذلك وجهد سلبيّ متفلّت أو مضطرب.
ومن جهته تحدث الشيخ «محمد حسين يعقوب» عن الدوافع والبواعث المحركة لجهود الشباب، فقال: أولها: السّأم من الضجيج الفارغ، وثانيها: الإحساس بالضياع؛ لذلك أقول: إن انتقال هؤلاء الشباب للمنهج الإسلامي الصحيح؛ لأن هناك مناهج أخرى معروضة عليه ولكنه شعر أن هذه المناهج لا تنقله النقلة القوية.
ويعطينا الشيخ «العدوي» إزاء حديثه عن الدوافع بُعداً آخر فيقول: البواعث المحركة للشباب على المسيرة الدعوية تتمثل في تذكيرهم بالله واليوم الآخر بثواب ما يصنعون؛ وهذا يشجعهم على البذل والعطاء. ويضيف مستدلاَّ على ذلك: ولا يخفى علينا أن صحابياً جليلاً هو عمير بن الحمام ـ رضي الله عنه ـ لما ذُكِّرَ بجنة عرضها السموات والأرض، قال: بخٍ بخٍ! إنها والله لحياة طويلة إن عشت حتى آكل هذه التمرات.. فألقى التمرات وتقدم لجهاد الأعداء قاتلهم حتى قُتل.
أمَّا الشيخ «علاء الزاكي» فيذكر أنَّ البواعث المحركة للشباب في المسيرة الدعوية المعاصرة عدَّة أمور، منها:
1 ـ القناعات التي توفرت لكثير من الشباب بضرورة العمل للإسلام.
2 ـ ظهور بعض الأفكار المناهضة للإسلام ممَّا ولَّد الغيرة على الدين عند الشباب.
وحين ننقل وجهتنا لإجابة الدكتور «محمد يسري» عن البواعث المحرِّكة يقول: حين نتحدث عن البواعث يجب أن نذكر:(2/252)
أولاً: ما يلقيه الله ـ عز وجل ـ من الهدى؛ فالله هو الهادي والموفِّق الذي أخذ بأيدينا وأيديهم إلى طريقه، والله ـ عز وجل ـ يقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21]، وهذا يدل على أن الإسلام هو قَدَر هؤلاء الشباب.
ثانياً: الغيرة التي تتّقد في قلوب الشباب على دينهم وما يقدمونه من تضحيات على حساب أنفسهم وأموالهم وأحبابهم.
ثالثاً: ما يتلقاه الشباب من دعاتهم وعلمائهم ومربّيهم من هذا البناء العلمي والتربوي والفكري الذي يعمل على إنهاض الشباب في مواجهة التحديات المختلفة التي يواجهها في هذا المجال سواء كان ذلك في المجال العلمي أو الدعوي أو التربوي.
رابعاً: الانتصارات وبوارق الأمل التي تظهر في زمن الانكسار أيضاً من البواعث التي تبعث الشباب على أن يبذل ما في وسعه، ولو كان في ذلك انتصارات جزئية أو في مجالات محدودة إلا أنها تبعث على استمرار التحرك للدين.
خامساً: معرفة فضل التمسك بهذا الدين وأن التمسك به في زمان غربته له فضل عند الله عظيم، وفضل الدعوة إلى الله في زمن الغربة لا تخفى قيمته، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس، أو الذين يصلحون عند فساد الناس»، فهذه المعاني هي التي تتّقد في قلوب الشباب فتدفعهم للبذل في الدين وممارسة الدعوة إلى الله على بصيرة.
ü الأمور التي تمكن من المحافظة على استمرارية جهد الشباب الدعوي:(2/253)
اتفق جمع من الدعاة المشاركين في التحقيق على أنَّ أبرز أمر يمكِّن من المحافظة على استمرارية الجهد الدعوي للشباب، هو الإخلاص لله ـ تعالى ـ وتصحيح النيَّة كما ذكر ذلك الشيخ «محمد الدويش» والشيخ «هيثم الحداد» ووافقهم الشيخ «محمد يسري» حول ذلك بقوله: الإخلاص مع الصدق؛ فإن العمل إذا باشره الإخلاص أحياه وأبقاه وأدامه؛ وليست العبرة بمن سبق، ولكن بمن صدق وأخلص لله ـ عز وجل ـ العمل. قال الله ـ تعالى ـ: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وقد قيل: ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله زال وانفصل، والصدق هو مطابقة هذه الأقوال للأعمال.
وثاني النقاط التي أكَّد عليها أولئك الدعاة: هداية الله ـ تعالى ـ وتوفيقه ورحمته؛ حيث أشار إلى ذلك الدكتور «عدنان النحوي»، وأيَّده الشيخ «هيثم الحدَّاد» بقوله: توفيق الله ـ تبارك ـ وتعالى، وهذا أُسّ الأسباب وأهمها، وواللهِ لولا توفيق الله لما استطعنا تحقيق عُشْر ما حققناه على الصعيد الفردي وعلى صعيد الصحوة بشكل عام.(2/254)
ومن الأمور التي لفت الدعاة المشاركون النظر إليها من المحافظة على استمرارية جهد الشباب الدعوي ما أدلى به الدكتور «علي مقبول» حيث قال: قرب العلماء من الشباب ومناقشتهم والجلوس معهم ومعرفة ما يجول في خواطرهم، ويؤكِّد على ذلك الشيخ «العدوي» قائلاً: هناك بلاد كثيرة تجدُ فيها بين الشباب وبين أهل العلم هوةً واسعة سببها عدم بذل الجهد المناسب لهم وعدم الصبر عليهم، فترى عالماً كبير السّنّ يُؤْثِر البعد عن الشباب خشية أن يصيبه أذى مع أنَّه يعلم قوله ـ تعالى ـ: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، وقد ذكر الشيخ «العدوي» أنَّ من فوائد التصاق الشباب الدعاة بأهل العلم أنَّ من الشباب مَنْ يرجع إلى طريق الله المستقيم بعد أن تتم المناقشة معه، وكم من شاب كان يفهم المسائل على وجه خطأ فبمجالسته لأهل العلم يتمُّ تقويم مسلكه؛ ولله الحمد.
وعودة للدكتور «عدنان النحوي» حيث أبدى رأيه في هذا الإطار بعدَّة نقاط حول استمرار الجهد الإيجابي للشباب بتأكيده على ما يلي:
1 ـ صدق الالتزام.
2 ـ وضوح الدرب والأهداف.
3 ـ لقاء الجميع على صراط مستقيم.
4 ـ متابعة عملية البناء والتربية المنهجية.
5 ـ التوجيه الإيماني المستمر.
6 ـ مراجعة المسيرة وتقويمها.
7 ـ تنمية الأساليب والمناهج إلى ما يلبِّي حاجة الواقع.
كما تحدَّث الدكتور «الزاكي» عن نقطتين تحافظان على الاستمراريَّة في مسيرة الصحوة فيقول:
1 ـ لا بدّ من التركيز الجادّ على ترشيد هذه الصحوة بالعلم الشرعي الذي يُبَصِّرُ الشباب بوسائل الدعوة المؤثرة، والذي يولِّد استقراراً فكرياً للشباب بمنعهم من الانحراف.
2 ـ الاهتمام بجانب التربية حماية للشباب من سقوط الأخلاق، خاصة وأن المغريات قد كثرت وتنوعت وسائلها إفساداً لأخلاق الشباب.
ويعرض الدكتور: «علي مقبول» أطروحته حول المحافظة على جهود الشباب الدعويَّة، في عدَّة نقاط:(2/255)
1 ـ توجيه الشباب والقرب منهم.
2 ـ معرفة نفسيات الشباب.
3 ـ ابتكار وسائل دعوية مناسبة تستوعب هؤلاء وتوجِّه طاقاتهم نحو المفيد.
4 ـ التذكير بفضل الدعوة إلى الله وأهميتها؛ وآثارها المترتبة على الفرد والأمة.
5 ـ الخروج بالمسيرة الدعوية من الجانب النظري إلى الجانب العملي.
6 ـ التعرف على وسائل الدعوة وطرقها وبرامجها وتقديم الوسائل الناجحة للاستمرار والتطوير لهذه الوسائل.
7 ـ دراسات تجارب السابقين واللاحقين للاستفادة من برامجهم.
وفي مشاركة للشيخ «العدوي» حول هذا الجانب يقول: من المعينات على استمرار العطاء لدى الشباب:
1 ـ مساعدة الشباب بأنواع الدَّعم لتنفيذ ما يوجههم إليه العلماء من الأعمال الصالحة، فإن ذلك مدعاة للاستمرار في مسيرتهم الدعوية.
2 ـ توفير أعمال مناسبة لهم، لا تستقطع كل الوقت وتوفر لهم المال الحلال.
وانتقالاً لرأي الشيخ: «هيثم الحدَّاد» حول الاستمراريَّة يقول:
1 ـ التعاون الذي تحقق شيء ملحوظ منه في هذه المشروعات الناجحة، والله قال: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] .
2- استفادة الدعوة من بعض التقنيات الحديثة وعلم الإدارة، وهذا يدلُّ على مرونة الصحوة وقابليتها للتطور، مع استيعاب فئات شتى من الشباب الحاصلين على درجات علمية في علوم متنوعة تهيّئهم للاستفادة من هذه العلوم الحديثة، واستخدامها في تطوير الصحوة.
3- روح النقد الموجودة لدى شرائح كبيرة من الصحوة تلك الروح التي أجبرت المسؤولين عن المشروعات الدعوية على تطوير أنفسهم ومشاريعهم.
ويزيد هذه القضيَّة جلاءً الشيخ: «سعد الغنام» بنقاط مهمَّة، أوَّلها:
1 ـ بناء العمل المؤسَّسي الذي يجعل جهود الأفراد تصبُّ في مجرى واحد يشكِّل تيَّاراً مؤثِّراً في السَّاحة بإذن الله.(2/256)
2 ـ القوَّة العلميَّة للأفراد العاملين، حيث يكون عندهم بصيرة بالأولويَّات وتقدير المصالح والمفاسد، ووزن خطوات التحرك بشكل عام بميزان الشريعة.
3 ـ القوَّة الإيمانيَّة التي هي الزاد والمعين عند الملمَّات والصعوبات. قال ـ تعالى ـ: {إنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل: 5] بعد أمره بقيام الليل ممَّا يدلُّ على ثقل الأمانة لكون قيام الليل يساعد على ذلك.
4 ـ القوة الإدارية والوعي بالتخطيط، يوفر الكثير من الجهود وييسر كثيراً من الخطوات، ويوظِّف الطاقات في مصارفها الشرعية.
ويتَّفق الشيخ «مدَّثر إسماعيل» مع الشيخ «الغنَّام» في هذه النقطة ويضيف: إنَّ الشباب بحاجة إلى تنسيق الجهود؛ فلو حددت الأولويات وتقاسمها الشباب فيما بينهم وركّزوا في العطاء كل فيما يليه لكان خيراً، أما أن تتكرر الجهود فذلك من دواعي فوات الوقت وضياع الفرص.
ü أسباب إخفاق بعض الشباب في تحقيق أهدافهم المنشودة التي تخدم قضايا أمتهم:
بداية يتحدَّث الشيخ «محمد الدويش» عن أنَّه يجب أن نعلم أن طبيعة البشر القصور، ومن ثم فهناك قدر من الإخفاق، وتخلّف تحقيق الأهداف هو أمر طبيعي.
وأمَّا أسباب الإخفاق: فمنها: ما يكون أثناء التخطيط، كالمثالية في رسم الأهداف والتخطيط لها، والتركيز في التخطيط على الأهداف على حساب الاعتناء بالوسائل والأدوات وخطوات العمل، وعدم وضوح الهدف.
ومنها: ما يكون اثناء التنفيذ للعمل، ومن ذلك: ضعف الاعتناء بإتقان العمل، وضعف التزام الشخص بما خططه لنفسه.
ومنها ما يكون أثناء التقويم، وأبرز ما في ذلك المبالغة في النظرة السلبية عند تقويم الشاب نفسَه وعمله.
ويرى «د. محمد يسري» أنَّ من أسباب الإخفاق ضعف الإخلاص الذي يؤدي إلى انقطاع المدد الرباني؛ فمن تخلّف عن نصرة الله ـ عز وجل ـ فلا يؤتيه الله النصر؛ فإن النصر من عند الله.(2/257)
ومن أسباب الإخفاق ضعف متابعة العلماء والمربين للشباب المبتدئين، وهذه المتابعة هي ضمانة من الضعف، وهي تعني حث الشباب على البذل والعطاء وتعني تقوية جانب الصلة مع الله والاطمئنان إلى قضاء الله وقدره وتعظيم أمره واجتناب حرماته وهذه المتابعة هي من أعظم الضمانات.
ويضيف «د. يسري»: كذلك من أسباب الإخفاق: العفوية والارتجالية في العمل، وترك مراعاة الأولويات؛ فحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ ـ رضي الله عنه ـ حينما أرسله لليمن فيه بيان الأولويات وبيان أهمية تقديم المهم.
ومن الأسباب الاستعجال؛ فالكثير من الشباب ينوي الخير ولا يقوم به؛ وذلك لاستعجاله . وهذه العجلة لا تفضي بالإنسان غالباً إلى غايته، ويتفق الشيخ «علاء الدين الزاكي» مع «د. محمد يسري» على أنَّ العجلة من أسباب الإخفاق عند كثير من الشباب لرؤية الثمرة والتي لا شك أنها تؤدي إلى فشلهم.
ويكمل «د. يسري» حديثه حول الأسباب فيقول: ومن تلك الأسباب: ترك التعامل مع الدعوة بالسنن الجارية والبحث عن السنن الخارقة... ولا شكَّ أنَّ الأصل أن الله ـ عز وجل ـ جعل في المجتمعات سنناً إلهية لا تتغير ولا تتبدل؛ ومنها سنة التدافع {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [البقرة: 251]، وكذلك سنة الاستبدال والاستخلاف: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ} [النور: 55]، وكذلك سنة التداول: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]، وأيضاً سنة المجاهدة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، ومن أسباب الإخفاق أن بعض الشباب لا يعرف قدرته فيتكلَّف من الأعمال ما لا يطيق، أو يتحمل من الجهد ما لا يقدر عليه، فيأتي عمله ضعيفاً وجهده محدوداً، ثمَّ قد ينقطع عن طريقه.(2/258)
وانتقالاً إلى جواب الدكتور «الزاكي» حيث يرى أنَّ من أسباب إخفاق الشباب في تحقيق أهدافهم: التعامل بردود أفعال، وهذا يفقد الشباب توازنه ويجعله يتصرف بعواطفه لا بفكره وعقله. ثانياً: الغلو عند كثير من الشباب، حتى يكون الشاب كالمنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
وينهي «د. عدنان النحوي» الحديث حول هذه القضية، إذ يقول:
من أسباب الإخفاق: ما يتعلق بالزاد الذي يحمله الشباب ومدى نقائه، ومنها: ما يتعلّق بقدراتهم، ومنها: ما يتعلق بالأهداف ذاتها؛ إذ المفروض في الشباب المؤمنين أن تكون أهدافهم ربّانية، أهداف دعوة وأُمّة ورسالة، وليست أهدافاً خاصة ينشدونها. فيجب أن تكون الأهداف جليّة، يلتقي عليها الجميع، ويجاهدون من أجلها في سبيل الله.. وإذا لم يتحقّق ذلك فإن بعض الجهد يعطّل بعضاً آخر، أو قد تختلط الأهداف الربانية بالهوى أو المصالح أو الفتنة.
ü المعايير والأسس التي يُقوَّم الشباب من خلالها:
حول هذه القضية يقول الدكتور «عدنان النحوي»: المعايير والأُسس مقرّرة في منهاج الله، وعلى المسلم أن يصدق الالتزام بها، ومن خلال الآيات والأحاديث التي تحدثت عن ذلك نستطيع أن نضع ميزاناً للمؤمن يمكن إيجازه بما يلي:
ü الإيمان والتقوى.
ü العلم.
ü المعدن والفطرة.
ü المواهب والقدرات.
ü السّنّ والخبرة المكتسبة وعلاقة ذلك بالعمل الذي يُجرى له الميزان.
ü التزام المؤمن وعطاؤه في الدعوة الإسلامية، وتبليغها وتعوُّد الناس عليها.
ü البيت ومدى التزامه، ومدى التزام مجلس الأسرة الإيماني.
ويوجز الشيخ «الدويش» ذاكراً ما يراه حول المعايير بقوله: تقويم الشاب لدوره ينبغي أن يتم في ضوء الأهداف والإمكانات الفعلية التي يمتلكها، ومن الإمكانات ما يتصل بقدرات الشخصية، ولهذا ينبِّه الشيخ «العدوي» إلى أنَّه يلزم الشاب أن يعرف ما المطلوب منه وما قدراته لتحقيق المطلوب.(2/259)
ü الآثار الناجمة عن حالات الفتور المؤدّية إلى انتكاس بعض الشباب عن لزوم الجادة:
يستهلُّ الحديث مبتدئاً عن هذه القضيَّة الشيخ «محمد الدويش» حيث يؤكد أنَّ أبرز الآثار الناجمة عن الفتور: ضعف الصلة بالله تبارك وتعالى، وهذا له أثره على استقامة الشاب، وعلى تأثيره الدعوي في أوساط الآخرين، وعلى استمراره وثباته على طريق الدعوة، كما أن له أثراً بالغاً على توفيق الله له وإعانته.
ومن جهته يرى «د. محمد يسري» أن من الآثار الناجمة:
أولاً: الحرمان من عون الله ـ عز وجل ـ ومدده لعباده.
ثانياً: تطاول أعداء الإسلام على العمل الإسلامي والصحوة وتشويه صورتها والعمل على إضعافها وتحريف وجهتها؛ سببه الانتكاس؛ فحينما نضعف يقدر علينا أعداؤنا.
ويرى الشيخ «عبد العزيز الجليّل» ـ وقد خصَّنا بهذه الإجابة ـ أنَّ الفتور الذي يتعرَّض له المسلم ينقسم لقسمين، حيث يقول:
الأول: فتور طبيعي لا يكاد يسلم منه أحد، وهذا النوع من الفتور هو الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «إنَّ لكل شيء شِرَّة، ولكل شرَّة فترة؛ فإن صاحبها سدد وقرب فأرجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه» (الترمذي/2583 وصححه الألباني في صحيح الترمذي: 1995).
ثم ذكر الشيخ «الجليِّل» شيئاً من علامات الفتور قائلاً: ومن علامات الفتور أنَّه لا يدوم ولا يستمر؛ فإن دام واستقر فإنه يُخشى على صاحبه، ومن علاماته أنه يكون في مجال المستحبات والمكروهات؛ وذلك بأن يترك المستحبات التي كان يداوم عليها، أو يفعل بعض المكروهات التي كانت تتجنب من قبل.
ومن علامته فَقْدُ بعض الأعمال القلبية كالخشوع ورِقّة القلب ولذة العبادة، لكن هذه العلامات لا تستمر وتستقر دائماً؛ فلو استقرت ولم تنقشع فهذا فتور خطير يجب تداركه، والتخلص من أسبابه.(2/260)
النوع الثاني: فتور خطير غير طبيعي يقود صاحبه في الغالب إلى الانتكاسة، والزيغ، والعياذ بالله ـ تعالى ـ. وعلامة هذا الفتور أن يصل صاحبه إلى ترك واجب أو فعل محرم ويصرّ على ذلك ويستمر، أما أن يفعل محرماً فيبادر بالتوبة إلى الله ويقلع عن المعصية؛ فكل يتعرض لهذا وخير الخطَّائين التوّابون.
ومن الفتور ما يكون كامناً في النفس ولا يعلم به أحد إلاَّ الله، لكنَّه يظهر في ظروف معيَّنة، وذلك عند ورود الشهوات، أو الشبهات، أو الشدائد والمحن.
ويعدد «د. علاء الدين الزاكي» الآثار السلبيَّة للفتور بقوله:
1 ـ تمكُّن دعاة الباطل من ساحات المسلمين.
2 ـ وجود مساحات فارغة لا شك أنَّها إن لم تستغل فسيجد العدو فرصة سانحة لملئها.
3 ـ إن الفتور يولد الإحباط لدى الشباب ويقعد بالهمم.
4 ـ تنكب الصراط، وتساقط عدد من الشباب بسبب ضعف الصحوة وقوة الباطل.
ü كيف يمكن التخفيف من تلك الآثار الناتجة عن الفتور؟
عن هذا الموضوع أجاب الشيخ «الجُليِّل» واضعاً النقاط على الحروف بقوله: للتخلّص من هذا النوع من الفتور أنصحُ نفسي وإخواني بالأسباب التالية:
1 ـ صدق اللّجوء إلى الله وحده لا شريك له، وسؤاله الهداية والثبات؛ لأنه لا أحد يملك التوفيق والتثبيت إلاَّ الله وحده، وقد وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدعية جامعة ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها، وبخاصة في أوقات الإجابة.
2 ـ التسلّح بالعلم الشرعي والبصيرة في الدين؛ لأنَّ من أسباب الزيغ والانتكاس؛ الشبهات، وهذه تُعالج بالعلم والبصيرة.
3 ـ تقوية الصلة بالله ـ عزَّ وجل ـ بالأعمال الصالحة بداية من الحفاظ على الفرائض وإتقانها، والإكثار من النوافل التي يحبُّها الله عزَّ وجل؛ لأن ثمرة ذلك حفظ الله ـ عز وجل ـ لعبده المتقرب إليه؛ ومَنْ حَفِظَه الله ـ تعالى ـ فلا طريق إلى انحرافه كما جاء في حديث: «وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتَّى أحبَّه...».(2/261)
4 ـ الصحبة الصالحة والعيش معها بالبرّ والتقوى ورؤية القدوات الصالحة، واجتناب جلساء السوء والمجالس التي يُعصى الله ـ تعالى ـ فيها.
5 ـ كثرة ذكر الله في اليوم والليلة، ومعاهدة القرآن الكريم تلاوة وحفظاً وتدبّر آياته. قال ـ تعالى ـ في الحديث الشريف: «أنا مع عبدي حيث ذكرني...» الحديث.
وقد تناول الشيخ «محمد يسري» الحديث حول النوع نفسه قائلاً: يمكن تفادي ظاهرة الانتكاس ـ ولا نقول منعها؛ لأنها ظاهرة قديمة وباقية ما بقيت النفس والمعوقات والشيطان والهوى وفتن الدنيا ـ ولكن علينا أن نكثِّر سواد الطائعين ونقلّل سواد المنحرفين؛ وذلك بعدَّة أمور: أوَّلها: الفهم الدقيق لحقيقة الدنيا والآخرة، وفهم قول الله ـ تعالى ـ: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]؛ فالمسلم لا يرى الآخرة طريقاً منفصلاً عن الدنيا بل يرى الدنيا ممرّاً للآخرة التي هي دار القرار، ثم يعرف طبيعة الطريق في الدنيا كما في الحديث: «حُفّت الجنة بالمكاره، وحُفّت النار بالشهوات» أخرجه الترمذي.
ويواصل «د. يسري» حديثه: كذلك معرفة مداخل الشيطان والتحذير منها، وأيضاً دراسة سِيَر المصلحين والعلماء بعد دراسة سير الأنبياء والمرسلين؛ لأن هذه القصص تثبت القلب، وكذلك مما يعين على تجاوز الوهدة والخروج من مرحلة الضعف والشتات معرفة فضل الاجتماع والتزام الجادة والاستقامة، والحذر من الاختلاف والفرقة؛ فالنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».
كما ينبغي نشر الوسطية والاعتدال والتمسك بأهدابهما معاً، وهما اللتان تقيان ـ بإذن الله ـ من الغلو في الأفكار والمواقف والأفعال.
ويضيف الشيخ «الدويش» حول الخروج من أزمة الفتور أنَّه لا يتمُّ إلاَّ بالاعتناء بالتربية الإيمانية، ووجود القدوات في التقوى والصلاح والسّمت اللائق بالدعاة.(2/262)
ويزيد على ذلك «د. الزاكي» بقوله: لا يمكن تجاوز هذه الآثار إلا بعلوّ الهمة والعمل الدؤوب.
ü انتشار البطالة الدعوية في أوساط كثير من جيل الصحوة، فهل وحدهم المسؤولون عنها، وكيف يمكن إخراجهم منها؟
يتوافق المشايخ على أنَّه ليس المسؤول عن البطالة الدعوية هم جيل الصحوة فقط، بل هناك عدَّة أسباب، وفي ذلك يرى الشيخ «الدويش» أنَّه لا يمكن اختزال المسؤولية في سبب واحد أو طرف واحد، ويضيف قائلاً: فالشباب يتحمّلون جزءاً من المسؤولية؛ إذ عليهم المبادرة والبحث عن الفرص، كما أن التربية التي تلقوها تتحمّل قدراً من المسؤولية؛ إذ يقل في هذه التربية تنمية الدافع الذاتي وتنمية مهارات العمل الدعوي، وتركز على التوجيه المعرفي حول أهمية الدعوة. والجزء الآخر يتصل بالمؤسسات والجهات الدعوية التي ينبغي أن تتوسع في فتح الفرص والمجالات العملية للشباب للممارسة الدعوية.
ويوافق «د. علاء الدين الزاكي» ما يراه الشيخ «الدويش» ويقول: أظن ـ والله تعالى أعلم ـ أن المسؤول عنها ليس الشباب وحدهم، بل قادة الدعوة من ناحية والمجتمع المسلم من ناحية أخرى.
أمَّا الشباب: فلأن كثيراً ممن يُعتبر منهم سلبياً ليس لديه القدرة على المبادرة، أو أن بعضهم يحتقر نفسه ويقلّل من مكانتها، وبعضهم يُعطي الدعوة فضل وقته، فتحصل البطالة.
أما قادة العمل الدعوي: فبإهمالهم بعض الطاقات وعدم تسخيرهم الشبابَ للعمل والدعوة، وعدم إيجادهم برامج تستوعب الشباب وهو الشيء الذي يولِّد زهداً عند كثير من الشباب في العمل الدعوي.
وأمَّا المجتمع: فلأنَّه تأثّر بالثقافات الوافدة، فأصبح يشكل ضغطاً شديداً على شباب الصحوة، ولربما وجَّه إليهم أوصافاً غير لائقة، ولربما وقعت الأُسَر في قطيعة بعض أفرادها إذا كانوا من شباب الصحوة، فاستسلم كثير منهم، وقعد آخرون عن تصدّر المنابر والمبادرة وآثروا السلامة.(2/263)
وعن كيفية إخراج شباب الصحوة من أزمة البطالة الدعوية يقول الشيخ «علي مقبول»: أمَّا الخروج من البطالة الدعوية فأرى ـ والله أعلم ـ أنه يكون بما يلي:
أن تكون هناك برامج دعوية وعلمية، وتقسَّم على النحو الآتي:
1 ـ برامج الجوانب الإيمانيَّة.
2 ـ برامج الجوانب العملية والعقلية.
3 ـ برامج الجوانب الدعوية.
4 ـ برامج الجوانب الخلقية والسلوكية.
5 ـ برامج الجوانب المعيشية والنفسية والعملية.
وهذه البرامج لا بدّ أن تتكامل وتتكاثف ولا يتسع المجال لتفصيل هذا؛ وإنما هي خطوط عامة على العاملين للإسلام أن يضعوا البرامج والخطط والدراسات لتنفيذها، وإلاَّ فإنَّ البطالة الدعوية ستزيد وتنتشر.
ويستكمل الشيخ «محمد يعقوب» الحديث حول الخروج من أزمة البطالة الدعوية قائلاً: المطلوب أن يدخل الشباب في محاضن تربوية فيبربَّوْا كأشخاص؛ لنصنع منهم الشخصية الربانية المطلوبة.
ü للشباب حقوق وواجبات لدى العلماء وقادة الفكر، ولدى مؤسسات التوجيه في المجتمع؛ فهل تم القيام بتلك الواجبات؟ وما أبرز الحقوق التي يمكن أن تسهم بفاعلية في تحقيق الشباب للأدوار المنوطة بهم؟
اختلفت رؤى المشايخ والدعاة حول هذه القضيَّة، فجمعٌ منهم يرى أنَّ العلماء وقادة العمل الإسلامي قاموا بواجباتهم تجاه الشباب، وفريق آخر يخالف ذلك برؤية مغايرة؛ فالشيخ «محمد يعقوب» وكذا الدكتور «علي مقبول» يريان أنَّ الطرفين لم يقوما بالحقوق والواجباتِ لدى الشباب إلا القليل منهم.
بينما يرى الشيخ «الدويش» أنَّ هناك جهداً لا بأس به يقوم به العلماء وقادة الفكر، ولكنَّه يتمنى أن يرى أكثر من ذلك؛ حيث قال: وإن كنا نتطلع للمزيد من هذه الجهود.(2/264)
وأمَّا عن سؤالي للدكتور «يسري» عن الحقوق والواجبات التي تسهم بفاعلية في تحقيق الشباب للأدوار المناطة بهم أجاب فضيلته قائلاً: أمَّا الحقوق فأولها: وقاية الشباب من هذه البطالة، ولا يتأتّى هذا إلا بوضع المناهج والخطط التربوية والدعوية وتنفيذها معهم والإشراف على تنفيذها.
وثانيها: البرامج والمناهج التي تتميز بالمرحلية والتدرج والملاءمة لكل ظرف ومكان؛ بحيث يتدرج فيها الشباب ليكون الشاب المناسب في المكان المناسب. وحول هذه القضية يتواءم «د. الزاكي» مع «د. يسري» في أهميَّة إيجاد برامج عملية لدى الشباب تستوعب طاقاتهم، مع بذل النصح والتوجيه لهم؛ لتكون هذه البرامج واقية لهم من السقوط والانزلاق عن ركب الدعوة ـ بإذن الله ـ.
ويكمل «د. يسري» حديثه حول الحقوق قائلاً: وثالثها: المشاركة في الميدان؛ فإن الداعية الحق لا يكون كذلك إلا حينما يكون إماماً للعامة، وعلى سبيل المثال: فالإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ كان إماماً للعامة بذل نفسه للناس، فخالط الشباب والكبار والصغار، وربَّى الناس عملياً على أرض العمل، فأصغت إليه الآذان واشرأبّت إليه الأعناق؛ فمن حقوق الشباب على علمائهم أن ينزلوا معهم إلى الميدان ويشاركوهم في العمل ويصححوا أخطاءهم.
ü ما الدور المنتظر من الشباب في مواجهة التحديات المعاصرة التي تواجه الأمة المسلمة؟
حول الدور المرجو من الشباب يوضِّح «د. النحوي» ذلك بقوله: هذا الدور لا يتمُّ إلاَّ إذا تلاحمت جهود الشباب والشيوخ معاً على منهج واضح محدد؛ ولهذا فإنَّه يرى أنَّ التصوّر الذي يعزِل الشباب ويحمّلهم المسؤوليَّة وحدهم تصوّر يحتاج إلى مراجعة، ويضيف قائلاً: إن الإسلام ينظر إلى أجيال الأمّة كلها نظرة ترابط وتكامل؛ ليكون هناك أمّة مسلمة واحدة تجتمع فيها الأجيال وتتلاحم، وتتكامل الجهود وتتساند.(2/265)
من جهته يتحدَّث الشيخ «محمد حسين يعقوب» عن أنَّ دور الشباب هو في أن يصنع نفسه صناعة جيدة ولا ينتظر، فيكون قوياً: إيمانياً وعقلياً وفكرياً وفهماً ويقيناً، وهذا متاح الآن بوسائل الإنترنت والاتصالات والكتب والرسائل والتعلم عن بُعْد؛ فالتحديات المعاصرة تحتاج لرجال، والحل في الخطوط العريضة للإسلام المذكورة في سورة العصر: {إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3] .
أما الشيخ «سعد الغنَّام» فإنه يرى أنَّ من أعظم الأدوار التي يقدِّمها الشباب لأمَّته أن ينزل للميدان، ويلتقط جميع الطاقات الجيِّدة، وينظمها في عمل جادّ مفيد للأمَّة.
وعودة لرؤية «د. يسري» حيث يرى أنَّ الشباب يد الأمة الفاعل التي تفعل وتؤثر وتغيّر، ويبقى العلماء بمثابة من ينظم المسيرة ويحرك إيمانهم ويبعثهم للقيام بدورهم، لكن ينبغي على كل شاب أن يوقن بأن له دوراً يتعلق بذاته ودوراً يتعلق بمجتمعه وبإخوانه، وأن هذا الدور لا يمكن أن يؤدَّى على وجهه الأكمل حتى يدرك الشاب أولاً حقيقة الإسلام، ثم يصلح نفسه، ثم يقيم علاقته مع من يعمل معه في حقل الدعوة برشد، وخاصة أننا نلمس ندرة في العلماء والمربين؛ فحينئذ يقع على الشاب دور مضاعف في تربية نفسه وفي زيادة إيمانه وفي متابعة قلبه وفي إصلاح عيبه وخلله.. وبعد ذلك معرفة واقع مجتمعه بماضيه وحاضره، والاطلاع على وسائل الإعلام وأساليبها، ومتابعة الأحداث الجارية، وأين تقف من الإسلام؟ وأين يقف الإسلام منها؟ حتَّى لا يكون بمعزل عن واقعه.
وأضاف فضيلته متحدثاً: كما يحتاج الشباب أن يقتحموا التخصصات العملية حتى تتحقق في مجتمع المسلمين الكفاية في تلك التخصصات، والتي لا يُعدّ مجتمعٌ من المجتمعات حاضراً قوياً حتى يكتفي أهله بعلم الهندسة والطب والزراعة والصناعة وغير ذلك، فلا يكونون عالة على غيرهم.(2/266)
ويضيف الدكتور «علي مقبول» على ما ذكره «د. يسري»بقوله: من الأدوار المنتظرة للشباب المسلم، ما يلي:
1 ـ وجود أهداف عليا يسعى للوصول إليها.
2 ـ وجود قناعة بضرورة التغيير مهما وصل بنا الحال.
3 ـ الشعور بالمسؤولية.
4 ـ الإرادة الصلبة؛ فالشعور بالتحدي يؤدي إلى العمل الجادّ.
5 ـ العمل الجماعي المرتَّب والمنظَّم لمواجهة التحديات العالمية.
6 ـ التربية الذاتية على الصعيد الخاص.
ويقول «د. الزاكي» في جوابه عن واجبات الشباب والدور المرجو بأنَّه يُنْتَظَرُ من الشباب دور فعال ومؤثر؛ لأن الشباب هم مستقبل الأمة وهم قادة المستقبل وهم الدماء الحارة التي لها القدرة على الحركة والانطلاق، لذلك يُنتظَر منهم الكثير، وعلى سبيل المثال:
أ ـ مقاومة الثقافات الوافدة من خلال البرامج العملية البديلة.
ب ـ مزاحمة دعاة الباطل وعدم فسح المجال لهم.
ج ـ نشر الوعي بين الشباب باستخدام وسائل فعالة ومؤثرة.
ü يشكك بعض المهتمين بعدم وجود توازن بين توفير متطلبات الشباب واحتياجاتهم العُمرية، وبين المطالب الكبيرة المطلوبة منهم تجاه مجتمعاتهم وأمّتهم؛ فما مدى صحَّة ما ذكر؟ وما الطريق إلى تحقيق ذلك بأفضل صورة ممكنة؟
يتَّفق الشيخ «محمد الدويش»: مع هذه الوجهة، ويرى أن السبب يكمن في أن برامج التربية الموجهة للشباب لم تُبنَ وفق أسس علمية متخصصة تراعي متطلبات المرحلة التي يعيشونها.
ويوافقه الرأي «د. علي مقبول» قائلاً: نعم! هناك عدم توازن بين توفير متطلبات الشباب، تجاه مجتمعاتهم وبين المطالب المرجوَّة منهم عُمْرياً، والسبب أنه في هذا الزمن قلَّ المتخصصون في قضايا الشباب ومشاكلهم. ومشاكل الأمة ـ اليوم ـ أعجزت العلماء والمفكرين؛ فما ظنّك بالشباب المتحمِّس فعلاً الذي يجد تناقضاً واضحاً بين الجانب النظري والجانب الواقعي؟ ويسوق الدكتور «علي مقبول» النقاط التي يراها مهمَّة في حل هذه الإشكاليَّة:
1 ـ أن تبدأ القضية بالتدرج المتأنّي.(2/267)
2 ـ تجزئة مشكلات الأمة، وتفهيم الشاب أنه قد يقوم بحل قضية معينة، كأن يتخصص في حلّها ودراستها.
3 ـ إشاعة روح التعاون الجماعي في حلّ أزمات الأمة.
4 ـ الأمة كالجسد الواحد، والجميع يشارك في بنائه.
5 ـ الالتزام بالمنهج الرباني في حدود الطاقة.
6 ـ الانضباط والدقّة مع العمل الدؤوب؛ ليكون ذلك مقياساً للنجاح مهما قلّ العمل.
وفي إطلالة للدكتور «عدنان النحوي» يلفت فيه نظر مراكز التعليم ومحاضن التربية إلى أنَّ أهم ما يجب أن توفره هذه المراكز هو شعور الشباب أنهم جزء من أمتهم التي أخرجها الله لتكون خير أمة أُخرجت للناس، ومن خلال جميع مراحل البناء يجب أن يتعلّم الشباب المسلم ما هي مهمتهم في الحياة، ولماذا خلقهم الله، وأنّ الله لم يخلقهم عبثاً، ولم يتركهم سدى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، فلا بد أن يستقرّ في شعور الشباب أنهم خُلِقوا للوفاء بمهمة رئيسة سيُحاسبون عليها بين يدي الله، وأن الله بيّن لهم هذه المهمّة وفصّلها في كتابه الكريم وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - تفصيلاً وافياً لا يترك عذراً لمتفلّت.
أما «د. علاء الدين الزاكي» فيضيف رأيه إلى آراء المشاركين قائلاً:
أرى أن الصحوة الإسلامية إذا استطاعت أن تربي الشباب على متطلباتهم الحياتية، والجمع بينها وبين الأمور الدينية فهذا خير، ولنا مثال في ذلك من الصحابة الكرام كمصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ الذي كان يُعرَف بالفتى المدلّل، ولما وقَرَ الإيمان في قلبه زهدَ في كل المتطلبات الدنيويَّة.
وهذا هو الحل الوحيد من وجهة نظر «د. الزاكي»، وإلاَّ فستشكل المتطلبات عائقاً أساسياً في سبيل إصلاح الشباب.
وحول هذا السياق يختتم «د. يسري» هذه الفقرة بقوله:(2/268)
لا شك أن للشباب مطالب واحتياجات، وهذه المطالب بعضها مادي وبعضها معنوي، بل قد يكون المطلوب الواحد له بُعدان: بُعْدٌ مادي، وبُعْدٌ معنوي؛ فلو قلنا ـ مثلاً ـ: لطلب العلم، ما الذي يحتاجه الشباب؟ يحتاج لكتب علمية وموسوعات دراسية وأشياء لا يتوصل إليها إلا ببذل المال، فنقيم في نفوس الشباب قواعد تتعلق بالحياة الدنيا وطلب الرزق والدعوة إلى الله وطلب العلم، فلا بد من الحث على طلب الزرق، وألا يكون الإنسان كَلاًّ على أحد، وأن طلب العلم لا يشغل عن العمل لطلب الرزق؛ فالعلماء منهم من كان خبّازاً وحدّاداً وقفّالاً ومع ذلك كانوا أهل علم، لذلك ننبّه على أخطاء بعض الطلبة بما يتعلق بمفهوم الزهد والإنتاج؛ فليس الإنتاج في هذه الحياة متعارضاً مع الزهد، فيكون الإنسان نافعاً لغيره وعاملاً محترفاً، ويكون في الوقت نفسه زاهداً يزهد في الدنيا فلا تملك الدنيا قلبه.
ü وأخيراً: ما أبرز الطموحات والآمال التي ننتظرها من الشباب؟
يتحدث «د. الزاكي» قائلاً: ننتظر من الشباب الكثير ومن أهمِّ ذلك أن يهيّئ نفسه لقيادة الأمة مستقبلاً قيادة صحيحة تعيد للأمة مجدها وعزّتها.
ويشارك «الشيخ الدويش» قائلاً: أبرز الطموحات المنتظرة منهم تتمثل في: الاستقامة والثبات، وأن يكونوا قدوة حسنة لغيرهم، وأن يعتنوا بتربية أنفسهم وبنائها، وأن يُسهموا في الدعوة والإصلاح في مجتمعاتهم بإيجابية.
ويؤكِّد «د. محمد يسري» على أهميَّة الحرص على الدعوة إلى الله ونشر هذا الدين؛ فإنهاض هذا المجتمع مرهون بجهد الشباب. ويضيف فضيلته أنَّ الذين سافروا للتجارة عبر الآفاق وفتحوا الأطراف من البلاد كانوا من الشباب.
ومن ذلك أن يدرك الشباب دورهم في نصرة هذا الدين، ونشر القضايا الملحَّة؛ فمثلاً: قضية فلسطين مرهونة مع تحقيق حق سيادة الله على خلقه وحق ألوهيته على عباده والتطهير من أرجاس الشرك والوثنية.(2/269)
والخلاصة التي يراها «د. يسري» في ذلك هي أن يبذل الشباب من جهدهم ووقتهم ما يصل بأمتهم إلى مكان الصدارة والريادة والقوة بدلاً من التبعية والتخلف والانهزامية، وخاصَّة أنَّ أمام الأمة عقبات كثيرة، ومنها: الأمية والجهل والتبعية والضعف والفقر وغير ذلك، ولا يتصور الخروج من ذلك إلا بجهد وعطاء ودأب.. واجتهاد وثقافة وعلم وعمل، هذا الذي يُخرِج الأمة من وهدتها بعد إيمان بالله ـ عز وجل ـ عميق، وبعد صبر وإخلاص وثبات على الحق دؤوب كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ} [النور: 55] . ويختتم «د. يسري» حديثه حول هذا الإطار قائلاً: هذه قاعدة معلومة ووعد لا يتخلف، والله ـ عز وجل ـ أصدق وأقوم قيلاً وأحسن حديثاً.
ويدلي الدكتور: «علي مقبول» في هذا السياق بدلوه قائلاً:
ما يُطلَب من الشباب هو الكثير، ومن ذلك:
1 ـ شاب مؤمن جادّ طموح مهما ادلهّمت الخطوب.
2 ـ التعمق في معرفة الواقع.
3 ـ التربية الجادة لنفسه ومجتمعه.
4 ـ التواضع في رفعة، والترفّع عما بأيدي الناس.
5 ـ الشجاعة الأدبية والكرم.
6 ـ القناعة الكاملة بهذا الدين ومنهاج الدعوة.
7 ـ تحديد الهدف المراد تحقيقه.
8 ـ اختيار الوسائل والأساليب المناسبة.
9 ـ تجديد الوسائل والأساليب وتنويعها وتطويرها.
10 ـ لا قيمة للعمل بدون عقيدة ومنهج صحيح.
11 ـ ترك المستحبات أحياناًً تأليفاً للقلوب.
واللهَ نسأل أن يأخذ بيد الشباب إلى الخير، ويمنع كل شر وضير، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تحقيقات ـ شباب الصحوة بين العطاء والفتور(2/270)
الدعوة إلى الله؛ رسالة الأنبياء والمرسلين، وسنة الدعاة والمصلحين، حثَّ عليها الشارع الحكيم وحفَّز على نشرها فقال ـ تعالى ـ: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وحسبنا الثناء الربَّاني بتبيين فضلها: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]
وقد كان للدعوة إلى الله وبخاصة من شباب الصحوة قدم السبق في تقديم الجهود المتميّزة في ساحات العمل الإسلامي، وميادين السبق الحركي، وقد أثمرت وأثَّرت إيجابيّاً في تصحيح المفاهيم، وهداية الضَّالين؛ حتى انشرحت لذلك صدور المسلمين، مباركين لأعمالهم ومشجّعين.
__________
قام بتغطية التحقيق في مصر -خالد عبد الله - مراسل المجلة في مصر -
ــــــــــــــــــ
الحذر من الفتور
عبد الحكيم بن محمد بلال
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على نبي الهدى، ومن بهديه اهتدى ، وبعد:
فإن الفلاح مطلب العاملين، وقد رتبه الله - تعالى - على تزكية النفس وتربيتها وتطهيرها، فقال - عز وجل -: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)) [الأعلى: 14] ، وقال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)) [الشمس: 9 ، 10].
وقد بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - معلماً ومربياً، فقال: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) [الجمعة: 2] ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يتعاهد نفوس أصحابه بالتربية والتزكية.(2/271)
وإن إصلاح النفوس وتزكيتها دأبُ السائرين إلى الله - تعالى -: الأنبياء وأتباعهم ، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يكابد من دعوة قومه الشدائد، فإذا أظلم الليل انتصب لربه راكعاً وساجداً، يسأله ويرجوه، ويخضع بين يديه ويتذلل له، وقد كان قيام الليل واجباً على المسلمين عاماً كاملاً، وذلك لما له من أثر في إصلاح القلب، وانطلاقة المسلم وثباته ـ في آنٍ معاً ـ، مما يجعله ضرورة ملحة لا غنى عنها.
ومن ثَم: كان واجب كل مسلم ، ـ وخاصة المشتغلين بالعلم والدعوة ـ أن يجعل من أكبر همه إصلاح نفسه وتهذيبها، وتعاهدها في صلته مع الله، وأخلاقه وسلوكه مع الخلق، ويجعل من ذلك منطلقاً لدعوة الناس وإصلاحهم.
التخلية والتحلية والمجاهدة:
من أعظم قواعد تربية النفس: تخليتها من اتباع الهوى؛ فإن اتباع الهوى موجب لأمراض لا حصر لها، وعلّة المرض لا تعالج إلا بضدها، فالطريق لمعالجة القلوب: سلوك مسلك المضادة لكل ما تهواه النفس وتميل إليه ، وقد جمع الله ذلك كله في كلمة واحدة ، فقال - عز وجل -: ((وَأَمَّا منْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)) [النازعات:40،41]، وقال: ((وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...)) [العنكبوت: 69].
والأصل المهم في المجاهدة: الوفاء بالعزم ، فإذا عزم على ترك شهوة،وابتلاه الله وامتحنه بتيسير أسبابها، فالواجب الصبر والاستمرار، فإن النفس إذا عُوِّدت ترك العزم ألفت ذلك، فَفَسَدَت.(2/272)
ثم يتعين بعد ذلك: تحلية النفس وتعويدها على الخير، حتى تألفه ويكون سجية لها، قال: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحرّ الخير يُعطَه، ومن يتق الشر يوقه"." صحيح الجامع ، فإن الأعمال لها أثر يمتد حتى يصل إلى القلب، فكما أن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح: فإن كل فعل يجري على الجوارح قد يرتفع منه أثر إلى القلب، والأمر فيه دَوْر، وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح.
الحذر من الفتور:
فإذا ما تمت تخلية النفس من اتباع الهوى وتحليتها بفعل الخيرات والفضائل: وجب بعد ذلك أن يَنْصبّ الاهتمام على متابعة النفس في فعل الواجبات والمستحبات،وترك المحرمات والمكروهات والنية في المباحات، فإن النفس من طبعها الكسل والتراخي والفتور.
قال: "لكل عمل شَرّة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك"" المسند: 2/21 ، وصحح أحمد شاكر إسناده، وانظر: صحيح الجامع، ح/ 2152 .
قال ابن القيم - رحمه الله -: "تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم، رُجي له أن يعود خيراً مما كان" (انظر أيضاً بمعنى هذا الكلام: مدارج السالكين، جـ3، ص (5).
درجات الفتور:
إذن: فالفتور أمر لا بد منه، ولكن الفتور درجات وأقسام:
1- أخطرها كسل وفتور عام في جميع الطاعات، مع كره لها، وهذه حال المنافقين.
2- ثم كسل وفتور في بعض الطاعات، مع عدم رغبة، دون كره لها، وهذه حال كثير من فساق المسلمين.
3- كسل وفتور سببه بدني، فهناك الرغبة في العبادة، ولكن الكسل والفتور مستمر، وهذه حال كثير من المسلمين.(2/273)
والخطير في هذه الحالة أن العمر يمضي، والأيام تنصرم دون إنتاج ولا عمل يذكر،والأخطر من ذلك: الانتقال إلى حالة أشد منها، فتعظم المصيبة، أو يقع الشبه بالمنافقين في التكاسل عن الطاعات، والتثاقل عن الخيرات؛ لذا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من العجز، ومن الكسل في الصباح والمساء، ويعلم أصحابه أن يستعيذوا منه.
وقد عاتب الله المؤمنين في تثاقلهم عن الجهاد،ودعاهم إلى المسارعة والمبادرة إلى الخيرات، ورغبهم في جزاء السابقين المسارعين إلى الخيرات، وبيّنه لهم.
الداعية والفتور:
والفتور والكسل داء يدب في الناس على مختلف درجاتهم، وأخطر ما يكون على الدعاة وطلبة العلم ، مما يجعل تفاديه قبل حلوله، أو تلافيه بعد نزوله أمراً ضروريّاً، والدفع أسهل من الرفع.
ومن هنا: وجب تعاهد النفس؛ لئلا تقع في فتور ينقلها من مرحلة إلى مرحلة، فيتعسر الداء، وتصعب المعالجة؛ لأن أمراض النفس كالنبتة، أسهل ما يكون قلعها وإزالتها أول نباتها، فإذا ما تركت أخذت في النمو والكبر والثبات في الأرض، حتى يحتاج قلعها إلى الرجال والفؤوس، وكذلك أمراض القلوب: تبدأ في ظواهر يسيرة، فإذا أهمل صاحبها علاجها تمكنت منه حتى تكون هيئات راسخة، وطباع ثابتة.
لذلك: كان الواجب علينا ـ معشر الدعاة ـ أن نتفحص أنفسنا ، ونتأمل أحوالنا: هل نجد شيئاً من مظاهر الفتور؟، فنبادر إلى معرفة الأسباب والسعي في العلاج.
مظاهر الفتور:
مظاهر الفتور كثيرة، منها:
ـ التكاسل عن الطاعات، والشعور بالضعف والثقل أثناء أدائها، والغفلة عن الذكر، وقراءة القرآن.
ـ الشعور بقسوة القلب، وضعف تأثره بالقرآن والمواعظ .
ـ التساهل في ارتكاب المعاصي وإلفها.
ـ عدم استشعار المسؤولية والأمانة، وضعف هم الدعوة في القلب.
ـ انفصام عرى الأُخُوّة بين المتحابين.
ـ الاهتمام بالدنيا، والانشغال بها عن فعل الخير.(2/274)
ـ كثرة الكلام الذي لا طائل تحته، وكثرة الجدال والمراء، والحديث عن الأمجاد، والمشكلات، والانشغال بذلك عن العمل الجاد والمثمر المفيد للأمة.
ـ ضعف جذوة الإيمان، وانطفاء الغيرة على محارم الله.
ـ ضياع الوقت، وعدم الإفادة منه.
ـ عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدي.
ـ الفوضوية في العمل.
ـ خداع النفس؛ بأن يتوهّم بأنه يعمل، لكنه في الحقيقة فارغ، أو عمله بلا هدف.
ـ النقد لكل عمل إيجابي.
ـ التسويف، والتأجيل، وكثرة الأماني.
أسباب الفتور:
وإذا تساءلنا: ما أسباب هذا الفتور الذي نعاني منه، وما دواعيه؟، فالجواب: إنها كثيرة، متفاوتة في الأهمية، ومنها:
ـ عدم الإخلاص في الأعمال، أو عدم مصاحبته؛ بأن يطرأ الرياء على الأعمال.
ـ ضعف العلم الشرعي؛ فيضعف علم فضائل الأعمال وثوابها، وفضل الصبر وأثره، ونحو ذلك.
ـ تعلق القلب بالدنيا ونسيان الآخرة.
ـ فتنة الزوجة والأولاد، فإنها ملهاة عن كثير من الطاعات، إذا لم ينتبه لها.
ـ عدم فهم الدين نفسه، وهذا غريب! ، والأغرب: أن يفهم طبيعة الدين، ويتذوق حلاوة الإيمان، ثم ينصرف عن العمل في ميدانه.
ـ الوقوع في شيء من المعاصي والمنكرات، وأكل الحرام أو المشتبه بالحرام.
ـ عدم وضوح الهدف الذي يدعو من أجله، وهو: طلب مرضاة الله، وتعبيد الناس لرب العالمين، وإقامة دين الله في الأرض.
ـ ضعف الإيمان بالهدف، أو الوسيلة الدعوية التي يسلكها.
ـ الغلو والتشدد، بحيث ينقلب ذلك سبباً للملل وترك العمل.
ـ العقبات والمعوقات الكثيرة في طريق الدعوة والداعية، وتلك سنة الله في الدعاة والدعوات.
ـ الفردية وإيثار العزلة، فيدركه الملل والسأم.
ـ الجمود في أساليب الدعوة، وعدم التفكير في وسائل وأساليب توصل المقصود إلى المدعوين ، وتحافظ على أصول الدعوة وروحها، ومن ذلك مثلاً: التنويع في أساليب مخاطبة الناس، كلٍّ حسب مستواه: بالكلمة المسموعة، والمقروءة، بشتى صورها وأشكالها،(2/275)
ومنه: التنويع في كيفية إلقاء دروس العلم والقرآن، من حيث المكان والوسائل.
ـ عدم استحضار عداوة الشيطان المستمرة،
وأيضاً: عدم استشعار تحدي الكفار للمسلمين، وأنهم يبذلون كل وسيلة لصد المسلمين عن دينهم والكيد لهم.
ـ الأوهام ووساوس الشيطان التي تزرع الخوف في القلوب، وتشكك الداعية في سلامة الطريق.
ـ أمراض القلوب: كالحسد، وسوء الظن، والغل، وحب الصدارة، والكبر...
ـ التقصير في العبادة وعمل اليوم والليلة من الرواتب والسنن والأذكار والورد اليومي...
ـ استبطاء النصر، واستعجال النتائج.
ـ عدم الاستقرار على برنامج أو عمل معين، وترك العمل قبل إتمامه، ثم الانتقال إلى غيره.. وهكذا.
ـ النظر إلى مَنْ دونه في العلم والعبادة، وذلك مثبط للهمم .
ـ الدخول على أهل الدنيا ومخالطتهم ، وفيه مفاسد عظيمة، لا ينجو منها إلا من سلّمه الله.
ـ الفتور في معالجة الفتور .
علاج الفتور:
ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، والفتور من أشد الأمراض المعنوية، وتتأكد خطورته حينما لا يحس به الإنسان حتى ينقله إلى الانحراف، فيقضي عليه ـ والعياذ بالله ـ ، ومن هنا تتأكد أهمية العلاج باتخاذ سبل الوقاية منه ابتداء، أو عمل الأسباب التي تذهب به بعد وقوعه، وأهم سبل العلاج: تلافي أسبابه ، وذلك أعظم وسيلة للنجاة ، وإن القناعة بخطورة هذا المرض ووجوب التخلص منه ـ وقاية وعلاجاً ـ أمر ضروري للإفادة من سبل العلاج ، ومنها:
ـ الدعاء والاستعانة؛ فإن الله يجيب المضطر إذا دعاه ، والمصاب بدينه الذي يخاف على نفسه: أعظم المضطرين ، والله هو المستعان على كل خير ، ولذا: أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً أن يقول دبر كل صلاة: "اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك".
ـ تعاهد الإيمان وتجديده ، والحرص على زيادته بكثرة العبادة؛ مما يكون زاداً للمؤمن ، ومخففاً عنه عناء الطريق.(2/276)
ـ مراقبة الله، والإكثار من ذكره، ومراقبته تستلزم خوفه وخشيته، وتعظيمه، ومحبته، ورجاءه ، والإيمان بعلمه وإحاطته وقدرته، أما الذكر: فهو قوت القلوب، وبه تطمئن، وأعظم ذلك: الصلة بكتاب الله - تعالى -: تلاوة، وفهماً، وتدبراً، وعملاً، وحكماً، وتحاكماً، فإن من لم ينضبط بالقرآن أضله الهوى.
ـ الإخلاص والتقوى؛ ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)) [الأنفال:29].
ـ تصفية القلوب من الأحقاد، والغل، والحسد، وسوء الظن؛ مما يشرح الصدر، ويسلم القلب.
ـ طلب العلم، والمواظبة على الدروس وحلق الذكر والمحاضرات؛ فإن العلم طريق الخشية ، وهو قوت القلوب.
ـ الوسطية والاعتدال في العبادة، وفي عمل الخير.
ـ تنظيم الوقت، ومحاسبة النفس.
ـ لزوم الجماعة، وتقوية روابط الأخوة.
ـ تعاهد الفاترين ومتابعتهم؛ لئلا يؤدي بهم الفتور إلى الانحراف.
ـ التربية الشاملة المتكاملة على منهاج النبوة التي تقي من الفتور ـ بإذن الله - تعالى - ـ.
ـ تنويع العبادة والعمل، من: الذكر، وقراءة القرآن، والصلاة، وقراءة الكتب المفيدة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقضاء حوائج الناس، وإغاثة الملهوفين...
ـ الإقتداء بالأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) ، والدعاة المخلصين.. في نشاطهم، وحرصهم على أوقاتهم وأعمالهم.
ـ علو الهمة ونبل المقصد والأخذ بالعزيمة، بأن يكون الهمّ: الجنة، والمقصود: مرضاة الله ؛ بالسعي في العبادة حتى الموت.
ـ الإكثار من ذكر الموت،وخوف سوء الخاتمة، بزيارة المقابر، ورؤية المحتضرين، فإن ذلك يورث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة.. ونسيان الموت: يورث أضدادها.
ـ جعل ذكر الجنة والنار من الإنسان على بال ، وقراءة صفة كلٍّ منهما في كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن ذلك يشحذ الهمم ويذكي العزائم.(2/277)
ـ الحرص على زيادة العمل، والاستمرار فيه، والحذر من التكاسل، خاصة فيما حافظ عليه من عمل، فإن من ترك سنة يوشك أن يترك واجباً.. وهكذا.
ـ الصبر والمصابرة؛ فإن طريق العلم والعبادة والدعوة إلى الله طريق شاق وطويل، وكثير المتاعب والمصاعب.
نسأل الله - عز وجل - أن يثبتنا على دينه ويختم لنا بخاتمة الخير..
______________________________
مراجع أخرى مهمة:
1 - روحانية الداعية، عبد الله ناصح علوان.
2 - الفتور ، جاسم الياسين
http://www.islamweb.net المصدر:
ــــــــــــــــــ
الملل والفتور وقصور الهمة
محمد بن سليمان المهوس
الدمام
جامع الحمادي
الخطبة الأولى
أيها الناس، مشكلة عظيمة تواجه المسلمين جماعاتٍ وأفرادًا، وخصوصًا في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمغريات، ألا وهي مشكلة الفتور والملل وقصور الهمة، فالفتور وقصور الهمة والملل مسلك دنيء ومركب وطيء وخلق ساقط وعمل مرذول، لا يليق بأهل الفضل، ولا ينبغي من أهل النبل والعقل.
الفتور وقصور الهمة شر عظيم وباب من أبواب انقطاع العمل، ومشكلة المشاكل التي تصاب بها أمة من الأمم عندما يكون أفرادها هِمَمُهم ضعيفة وعزائمُهم واهنة وآمالُهم قاصرة.
عباد الله، إذا تأملنا حالَ الكثير من المسلمين اليوم وخصوصًا ممن عُرفوا بالاستقامة والصلاح نجدُ أن هِمَمَهم قد قصرت وأعمالَهم قلّت، بل ربما تركوا أعمالاً صالحةً كانوا يعملونها، وما ذك إلا بسبب الملل والفتور وقصور الهمة، فمن ذلك ـ عباد الله ـ الكسل في العبادة وخصوصًا الصلاة، الكسل في الدعوة إلى الله، التهاون في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضَعف الغَيرة على الحق، الكسل في طلب العلم.
وفي المقابل نجد أعمالا لا تليق بالمسلم، فضلاً عن أهل الصلاح والاستقامة قد فُعلت من قبل بعضهم.(2/278)
فنجد ـ عباد الله ـ من يتخلف عن تكبيرة الإحرام وربما عن صلاة الفجر، ونجد من قلّ حياؤُه وكثر كذبُه وزاد انشغاله بسفاسف الأمور، وكثر إقبالُه على الدنيا، وحمل من هذا الدين مظهرًا طيبًا ومخبرًا سيئًا، بل ربما نجد من أقبل على اللهو المحرم عن طريق التلفاز أو أطباقِ الشر الفضائية.
عباد الله، جاء في صحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عمل رسول الله دِيمَة، وفي حديث آخر: كان أحب العمل إلى رسول الله الذي يدوم عليه صاحبه، وكان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. رواه مسلم. وكان يقول لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل)) متفق عليه.
وإذا تأملنا حال أسلافنِا نجد أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالصبر والمصابرة وعلو الهمة، فتوحاتٌ ورحلات دعوية وسهر وتحقيق في المسائل، فكانوا من خير المجتمعات وأزكاها، تمثلوا أخلاقَ الإسلام وتعاليمه وآدابَه في جميع شؤونهم.
كان العمل للإسلام يخالط شغافَ قلوبِهم، يترجم ذلك أقوالُهم وأفعالهم، يؤْثر الواحدُ منهم أخاه على نفسه، يطوي أحدُهم جائعًا حتى يشبع أخوه، يشتركون في الآمال والآلام، ويقبلون على العبادة إقبالَ الظمآن على الماء البارد حتى سادوا الأرض.
ركب عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما كان أميرًا على مصر بغلة قد تغيّر حالها، فقال له أحدهم: أتركب هذه البغلة وأنت من أقدر الناس على امتطاء أكرم فرس بمصر؟! فقال: لا ملَل عندي لدابتي ما حملت رحلي، ولا لامرأتي ما أحسنت عشرتي، ولا لصديقي ما حفظ سري، فإن الملل من كواذبَ الأخلاق.
عباد الله، ومن الأمور التي تعين ـ بعد الله ـ على علو الهمة والإقبال على الله بفعل الطاعة وترك الفتور والملل:(2/279)
أولا: كثرة ُالدعاء والإلحاحُ على الله بالثبات على الهداية والاستقامة، وطلب الإعانة من الله على ذكره وشكره وحسن عبادته، ولهذا كان من دعاء عباد الله الصالحين أنهم يقولون: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، وإمامة المتقين من أعلى مراتب علو الهمة.
ثانيا: قراءةُ القرآن بتدبر وتعقل؛ فالقرآن يهدي للتي هي أقوم، وعلو الهمة من جملة ذلك، والقرآن هو الذي ربى الأمة َوأدبها، وزكى منها النفوس وصفى القرائح، وأعلى الهمم وغرس الإيمان في الأفئدة.
ثالثا: قِصَرُ الأمل وتذكر الآخرة، وهذا من أعظم الموقظات للهمة، ومن أكبر البواعث على الإقبال على الله؛ وذلك أن المرء إذا تذكر قِصَر الدنيا وسرعة زوالها أدرك أنها مزرعة الآخرة وفرصة لكسب الأعمال الصالحة، وتذكر ما في الجنة من النعيم المقيم وما في النار من العذاب الأليم، وزهد في متع الدنيا وأقصر عن الاسترسال في الشهوات، وانبعثت همته للأعمال الصالحة. قال ابن الجوزي رحمه الله: "من تفكر في عواقب الدنيا أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر".
رابعًا: إدامة ُالنظر في السيرة النبوية؛ فحياة النبي كلها مليئة بالأحداث العظام التي تبعث الهمة وتوقظ العزيمة، حياة النبي مليئة بالجهاد والصبر والمصابرة وصدق العزيمة وعلو الهمة. ولا عجب في ذلك ـ عباد الله ـ فهو سيد البشر وخيرة الله من خلقه وقدوة الناس أجمعين.
خامسًا: مصاحبةُ الأخيار وأهلِ الهمم العالية؛ فهذا الأمر من أعظم ما يبعث الهمة ويربي الأخلاق الرفيعة في النفس، وذلك لأن الإنسان مولع بمحاكاة من حوله، شديدُ التأثر بمن يصاحبه.
سادسًا: التفاؤل؛ فإن ذلك مما يبعث الهمة، ويدعو إلى محاربة الفتور والملل، وإلى الإقبال على الجد والعمل. فإذا عمل المرء ما في وسعه واستنفد جَهده وطاقته فليثق بأن ربه لن يخذله ولن يضيع عمله، وليحذر من اليأس والقنوط والتشاؤم فإنها من أشد المثبطات وأكبر المعوقات.(2/280)
اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا وعملاً صالحًا وتوبة نصوحًا قبل الممات.
-------------------------
الخطبة الثانية
أيها الناس، الوقت هو رأس مال الإنسان، وساعاتُ العمر هي أنفس ما عني بحفظه الإنسان، ليس يطغى أحدهما على الآخر.
حياة مقسمة تقسيمًا محدودًا: صِبًى، فشبابا، فكهولة، فشيخوخة. فإذا جاء الأجل فلا مفر من الموت، وما فات من الزمن لا يعود؛ فالصبى إذا فات فات أبدًا، والشباب إذا مرّ مر أبدًا، والزمن المفقود لا يعود أبدًا.
وإذا أرجعنا البصر في تاريخ علماء الأمة الذين رفعوا للحكمة لواء وجدناهم يبخلون بأوقاتهم أن يصرفوا شيئا في غير درس أو بحث أو عمل صالح، فهذا ابن عقيل الحنبلي رحمه الله يختصر وقتَ أكِله، فيختار سفَّ الكعك وتحسّيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، ولهذا خلَّف رحمه الله آثارا عظيمةً ككتاب الفنون الذي قيل عنه: إنه بلغ ثمانمائة مجلدة.
فإذا كان الزمن بتلك المكانة والمنزلة فأجدر بالعاقل اغتنام وقته، والحذر الحذر من إضاعة الوقت بما لا ينفع أو بما يضر، حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ لَعَلّى أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99، 100].
اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ثبتْنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
ــــــــــــــــــ
كيف يمكن أن أعيش ؟(2/281)
تدمع عينك .. ويحزن قلبك .. وتتفطر نفسك .. حينما يأتي إليك رجل رث الهيئة .. تظهر عليه آثار الفاقة .. وتبرز عليه معالم الفقر من خلال قسمات وجهه .. ونحالة جسمه .. وبذاذة ثيابه .. ثم يطلب منك أن تستمع إلى شكواه قليلاً .. يتوسل إليك أن تصغي إلى قضيته .. فتستجيب له رغم كثرة الهموم وتكاثر الغموم ..خاصة أنه يغلب على ظنك أنك لا تستطيع مساعدته ..لكن الذي يعزينا أن حسن الإنصات قد يخفف من ألم أمثال هؤلاء .. يبدأ بالحديث معك عن مشوار حياته .. وفصول مأساته .. فإذا به يقول لك .. أحسن الله إليك: أنا موظف راتبي لا يتجاور ثلاثة آلاف ريال بل هو أقل وعندي زوجة وثمانية أولاد .. ولا يخفى عليك جشع أصحاب العقار فالأسعار نار .. وإن خرجنا فمن أين لنا الدار ؟! وقد كنت في الأيام الماضية أحلام بأحلام وردية ..فأسرح بخيالي الواسع ..فإذا أنا ببيت جميل ..أرى فرحة أم فلانة قطرت على قسمات وجها ..وأرى الأولاد يتراكضون في مسكننا الفسيح ..ويكادون يتطايرون فرحاً وطربا ..فعزمت أن أدخل في عالم الأسهم المالية ..لأحقق أمنياتي السعيدة ..ولكن وللأسف الشديد طارت الأحلام ..وذهبت الأمنيات ..وراحت الأحلام ..لقد كنت أطمح بتحسن أمورنا ونتوسع قليلا ..فإذا بالأسهم تنهار حتى أكلت ما حرمت منه صبية الصغار ..الذين كانوا يتضاوون جوعاً أمامي ..وبكاؤهم يصل إلى نياط قلبي ..وأحاول جاهدا إشغالهم باللعب والأمنيات السعيدة ..كنت أمنيهم أني سأردها لهم بإذن الله ولكن قدر الله وما شاء فعل .وفي كل إشراقة يوم جديد ..من أيام الدراسة أحمل هماً لا يعلمه إلا الله !! ماذا أعطي أولادي من فسحة دراسية ؟! وقد أصبحت المدارس يتنافس فيها الطلاب والطالبات فيما بينهم(2/282)
فالأبناء يتنافسون في أنواع الجوالات وصنوف السيارات ..وأما البنات فلا تسل عن كثرة الطلبات ..وأنا وقعت بين المطرقة والسندان ..هل ألبي طلبات الأولاد أم يكون مصيرهم الضياع في كل واد ،وقد يجرون إلى أخلاق مشينة ..وأفعال قبيحة بسبب الحاجة إلى المال !! ومشاكل الحياة ومصاعبها لا تنتهي عند حد ..فالأمراض في المدن قد كثرت ..فإذا أصيب أحد الأولاد بآفة ..وتعرض لوعكة .. ورأيته يتقطع أمام ناظريك آلما ..وصوت بكاءه يصل إلى شغاف القلب ..زاد من حسراتك وآلمك ..لأنك لا تملك مالا تستطيع من خلاله علاجه ..ولكن ماذا يا ترى نصنع ؟!! فأذهب مرغماً به إلى مركز صحي فقلما تخرج منه إلا وقد نهبت منك الأموال والتي قد تصل أحيانا إلى ثلث راتبك أو يزيد ؟ !ولا تسل يا شيخ عن ارتفاع أسعار المآكل والمشارب ..فبالله عليك كم يحتاج من عنده ثمانية أنفس من النفقات لسد جوعتهم في ظل ارتفاع الأسعار ونهب التجار ؟!! وقل مثل ذلك في الكساء وغيرها من حاجات الحياة اليومية ..كيف يمكن أن أعيش ؟! كيف يمكن لمثلي أن يعيش ؟! وقلت في نفسي .. من الأولى أن يوجه له هذا السؤال ؟! هل هو أنا وأمثالي من طلاب العلم أم أهل المسؤولية الذين هم أصحاب القرار ومن عندهم الصلاحيات وباستطاعتهم تنفيذ الطلبات وتصحيح الأوضاع وفعل المستطاع ؟!! نعم سؤال واقعي .. كيف يمكن أن يعيش ؟ سؤال ينبغي لأهل الحل والعقد أن يفكروا فيه كثيرا !! وأن يتأملوا فيه طويلا !!أليس هذا الرجل وأمثاله من البشر ؟! أليس له على هذا الوطن الذي يخدمه حق السكن والطعام واللباس له ولأسرته ؟! إن كنا نريد أن يكون الناس أمناء وألا يسرقوا أموال الدولة .. ولا يبتزوا أموال الناس .. فحري بنا أن نعف هؤلاء .. وأن نوفر لهم الأجواء المناسبة .. والحياة الكريمة في ظل اقتصاد عال وميزانية فائقة .
ــــــــــــــــــ
الفتور مظاهره ، وأسبابه ، وعلاجه
بقلم : د/ فيصل بن سعود الحليبي(2/283)
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالأحساء
الكتاب خرج مطبوعًا لدى مدار الوطن بالرياض عام 1425هـ
المقدمة :
حمداً كريماً لمن تفرد بالعظمة والكبرياء ، وحمدًا متواصلاً لمن بيده مقادير كل شيء ، حمداً له من كل قلب مؤمن ، ومن كل نفس مخبتة ، حمداً له على الإيمان ، وحمدًا له على الإسلام ، وحمدًا له على القرآن ، حمدًا له على كل نعمة ، وحمداً له في السراء والضراء ، وحمدًا له على كل حال .
نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اصطفاه على خلقه بأكرم رسالة ، وأعظم نبوة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
أما بعد : فإنه حينما تنجو سفينةُ المرءِ من بحر المعاصي المهلك ، فترسو على ساحل الإيمان الآمن ، يكون حينها عرضةً لحبائل الشيطان المغرضة ، وشباكه المعقدة ، وأنيابه المفترسة ، وما ذاك إلا لأنه غرضٌ كم تمنى الشيطان أن يصيبه بسهمه المسموم ، ليرديه قتيل الضعف الممقوت ، والانتكاسة المهينة .
ولكن ما أهون هذا الشيطان ، وما أقل حيلته ، وما أضعف كيده ، إذا واجهه المؤمن بسلاح الإيمان المضاء ، ونوره الوضاء ؛ فراجع أسباب ضعف إيمانه ، ونظر في علل فتوره وتقصيره ، واتخذ من أسباب الثبات على دينه ما ينصره على الشيطان في هذا الصراع العنيف .
والفتور _ أيها القارئ الكريم _ مرض يتسم بالتسلل الخفي حينما يريد أن يدس داءه في قلب المسلم أو عقله ، كما أنه لا يأتي بغتة ، بل إن نَفَس الشيطانِ فيه طويل ، وكيده في الإصابة به متنوع ، حتى يقتنع صاحبه أنه فيه على حق ، وأنه كان على خطأ أو تطرف .(2/284)
ولقد تنوعت في هذا الزمان وسائل الفتور ، وتعددت صوره ، واتخذ همه محلاً في صدر المصاب به ، ربما بمعرفته له ، أو بمعاينته لآثاره عليه ، مع أن هذا الداء قد يتقمص في نفس المصاب به شخصية أخرى ، وهي الكآبة أحيانًا ، أو الحيرة ، أو الخوف ، أو الانطواء أو نحو لك .والفتور : انكسار وضعف ، ولعلك تلمح بوضوح أن هذه الكلمة تشير إلى أن هذا الضعف قد سُبق بقوة ، وذلك الانكسار قد تقدمته صلابة ، ولهذا قال علماء اللغة : ( فتر : أي سكن بعد حِدّة ، ولان بعد شِدّة ) (1) .
فالفتور إذًا مرض يصيب الأقوياء ، ويترصد لكل من يتطلع إلى الكمال في دينه ، وعلى هذا فإن الأمر يزداد خطورة ؛ إذ أن أهم المقصودين هنا هم شريحة أهل الإيمان من العاملين المنتجين ، والمبدعين المتفوقين ، الذين تنهض عليهم الأمة ، وتنقاد لهم سفينتها .
وأخيرًا ؛ فمن إدراكي لأهمية هذا الموضوع ، أردت أن أزود نفسي المقصرة أولاً ببعض الجرعات الوقائية ضد هذا الداء ؛ لأحمي نفسي منه بإذن الله ، وأشارك في وقاية مجتمعي وأمتي من نفوذه وانتشاره ، سائلاً المولى سبحانه أن يقينا شرور نفوسنا ، وأن يهدينا إلى هداه ، ويقبضنا إليه غير مفتونين ، وأن يثبت قلوبنا على طاعته ودينه ، إنه سميع مجيب .
فيصل بن سعود الحليبي
أسس مسلَّمة في مشكلة الفتور
إننا قبل التعرف على أسباب إصابة المؤمن بالفتور في العبادة ، لابد من تبيين حقائق ومسلمات تتعلق بضعف إيمان المؤمن وفتوره ، أذكرها في القواعد التالية :
القاعدة الأولى : أن جميع الخلق _ سوى من عصمه الله _ معرض للإصابة بالفتور ، والوقوع في الأخطاء والمعاصي ، وهذا أمر قد أثبته النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجعله سمة لكل بني آدم فقال :
__________
(1) انظر : لسان العرب ، ( فتر ) ، 10/174.
( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) (1) .(2/285)
ولما كان الإنسان مفطورًا على الوقوع في المعصية ، واقتراف الخطأ ، أرشده الله تعالى إلى طريق الخلاص منها ، وهو التوبة النصوح ، فمن توخاه نجا ، ومن تنكب عنه خسِر ، ومن هنا جاء الترغيب الرباني إلى طريق النجاة بالعفو عما اقترفه الإنسان من الذنوب ، وليس هذا فحسب ، بل وبتبديل السيئات السابقة إلى حسنات أيضًا ، فيا له من فضل عظيم ، وعفو كريم ، يقول الله تعالى فيه : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } .
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا ، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ ) (2) .
القاعدة الثانية : أن قلب المرء وإن صفا ، وثبت على الإيمان ، واستلذ بحلاوته ، فإنه معرّض للانتكاسة ، ومهيأ للانقلاب ، قد يقرب من ذلك وقد يبعد عنه ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ ؛ إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ ) (3) .
وإن القلب أيها المؤمنون لشديد التقلب ، ويضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - لشدة هذا التقلب مثلاً فيقول : ( لقلب ابن آدم أسرع تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا ) (4) .
ومن الذي بيده تقليب القلوب وتصريفها ، إنه الله سبحانه ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) رواه الترمذي ، وابن ماجه ، والدارمي ، وإسناده حسن ، ورواه الحاكم وصححه .
(2) رواه مسلم .
(3) رواه أحمد وهو صحيح .
(4) رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ، وإسناده صحيح .
((2/286)
إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ) (1) .
القاعدة الثالثة : أن مذهب أهل السنة والجماعة في شأن الإيمان ، أنه يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، وهل يستوي إيمان عبد تعلق قلبه بالمساجد ، وشغف بحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأضاء نور القرآن عقله ، وأنارت السنة بصيرته ، بمن صد عن هذا كله ، فرضي بمستنقعات الرذيلة له موردًا ومشربًا ، وامتلكت جوارحَهُ المعاصي ، وسرى في دمه داءُ التبعية لكل ناعق ، فاستمتع بالشهوات المحرمة ، وسلَّم قياده لشيطان الهوى ؟ لا والله الذي لا إله إلا هو لا يستوون ، وهل يستوي من قال الله فيه : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ، هل يستوي هؤلاء بمن قال الله تعالى فيهم :
{ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أقول : لا يستوون !!
__________
(1) رواه مسلم .(2/287)
القاعدة الرابعة : أن بقاء قلب المؤمن على الدرجة الرفيعة من الإيمان التي يجدها في أعظم العبادات قدرًا ، وأكثرها تأثيرًا ؛ كالصلاة ، والحج ، والصيام وتلاوة القرآن ، وقيام الليل ، أمر متعذر ؛ لشدة انشغال القلب بأعمال الدنيا ، وملذاتها ، وما يعتريه فيها من أفراح وأتراح ، وليس هذا من الرياء أو النفاق في شيء ، وقد وجد هذا أفضل القرون من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقد روى مسلم في صحيحه : عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - ، فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ ؟ قَالَ قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ ، فَنَسِينَا كَثِيرًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي(2/288)
طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ
يَا حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) .
مظاهر الفتور
إن سؤالاً تتحدث به قلوبنا ، وإن لم تنطق به ألسنتنا ، وهو : كيف أعرف أنني مصاب بداء الفتور ، ما أعراضه ، وأشكاله التي يظهر بها في عبادتي ، وفي حياتي ؟
أخي الكريم : إن ثمة مظاهر كثيرة لهذا الداء ، تشير لك بثلمة في إيمانك تحتاج إلى ترميم ، واهتزاز في علاقتك بربك تحتاج إلى تثبيت ، أذكر لك طرفًا منها ، فارع سمعك لذكرها ، ولنتحسس وجودها أو عدمها في نفوسنا :
المظهر الأول : قسوة القلب ، ذلك السياج المانع للقلب من الخشوع لله تعالى ، الحابس لدمع العين من خشيته ، الحائل دون قشعريرة الجلد وليونته ذلاً لله تعالى ، فلا يعرف القلب بعد هذا معروفًا ، ولا ينكر منكرًا ، قد جفّت ينابيع الحب فيه ، وأقفرت رياض الرحمة لديه ، واصفرت خضرة المشاعر في فؤاده ، { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ } .
وتستمر القسوة بالقلب حتى تصل إلى درجة تتضاءل أمامها صلابة الأحجار والصخور ، { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .(2/289)
وشتان بين من كان هذا حال قلوبهم ، وبين من تنتفض أجسادهم كالعصافير المبللة بالمطر رهبة من الله تعالى ، حتى خلّد الله ذكرهم ووصفهم في كتابه العزيز فقال : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } .
ولا ريب أن ذكر الموت والاستعداد للآخرة وتمني حسن الخاتمة علاج لكل من قسا قلبه بالمعصية ، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها ؛ فإنها ترق القلب ، وتدمع العين ، وتذكر الآخرة ) (1) .
المظهر الثاني : التهاون في فعل الطاعات ، ما كان منها فرضًا ، أو نفلاً ، يسيرًا كالأذكار ، أو غير ذلك ، كالحج ، والصلاة ، والصيام ، فإذا رأى الإنسان نفسه متثاقلاً في أداء العبادات ، متكاسلاً في النهوض إليها ، كارهًا لأدائها ، يشعر كأنها أمثال الجبال على كاهله ، فليعلم أن داء الفتور قد دب في أوصاله ، وسرى في دمه ، يقول تعالى ذامًا هذا الصنف من المصابين بهزال الإيمان وضعفه : { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } ، ويقول تعالى : { وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ
كَارِهُونَ } .
المظهر الثالث : بغض الصالحين الممتثلين للسنة ، الحريصين على إقامة شعائر الدين في أنفسهم ، وأهليهم ، ووسطهم ، فإذا ما رأيت العبد يجتنب مجالس الخير ، ويأنس بأحاديث اللغو والتفاهة ، فاعلم أنه يعيش صراعًا مع نفسه ، فإنها تنازعه الثبات على الحق ، وتدعوه إلى الإهمال فيه ، والفتور في القيام به .
__________
(1) رواه الحاكم وهو صحيح .(2/290)
يقول الفاروق - رضي الله عنه - : ( جالسوا التوابين فإنهم أرق شيء أفئدة ) .
ويقول أبو الدرداء - رضي الله عنه - : ( لا تزالون بخير ما أحببتم خياركم ) (1) .
المظهر الرابع : موت المشاعر الدينية ، وعدم الغضب من أجل الله تعالى ؛ فإن المرء يمر في يومه وليلته بفتن كثيرة ، وامتحانات متتالية ، على رأسها هذه المنكرات التي تموج بالناس حتى تكاد تغرقهم ، وما تواجه به تعاليم الإسلام من السخرية والاستهزاء ، وما تتعرض له بعض شعوب المسلمين من حروب الإبادة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلًا ، وما يشاهده المسلم اليوم من سقوط أكثر المسلمين في شباك الغرب والشرق .
فعزاؤنا كل العزاء في كل من لا يشعر بهذا البلاء ، ولا يحاول المشاركة في دفعه أو رفعه، ولو كان بلسانه أو بقلبه ، حتى غدا قلبه كأي قطعة لحم ميتة ، لا نبض فيها ولا حراك .
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ؛ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادٌ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ) (2) .
__________
(1) رواه أبو نعيم .
(2) رواه مسلم .(2/291)
المظهر الخامس : عدم الشكر في السراء ، وعدم الصبر في الضراء ، وإنما يأتي ذلك من ضعف الإيمان ، والفتور في الصلة بين العبد وخالقه ، فلو أن العبد استحضر أن كل نعمة تصل إليه إنما هي من الله وحده ، لشكر الله عليها ، فتزداد صلته بخالقه الذي مَنَّ عليه بهذه النعم وغيرها ، ولو أنه حينما تحل به مصيبة ، أو تقع به كارثة ، علم بأنها ابتلاء وامتحان من الله ، ليصبر عليها ، لينال أجر الصابرين ، فيفوز مع الفائزين ، ولا يكون الشكر في امتحان النعمة ، والصبر في امتحان الشدة إلا من المؤمنين .
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) (1) .
فلننتبه أن تغرقنا الفرحة بالنعمة في بحر الكفر بمن مَنَّ بها علينا ، أو توقعنا المصيبة في فقدان الأمل في الفرج بمن عنده مفاتيح الفرج سبحانه وتعالى .
المظهر السادس : المجاهرة بالمعصية ، وعدم مبالاة المرء بمعرفة الناس بوقوعه فيها ، وهي من أعلى مراتب الفتور ، حتى حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - منها في قوله : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ : يَا فُلَانُ ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) (2) .
__________
(1) رواه مسلم .
(2) رواه مسلم .(2/292)
وما أشنع هذا الفعل الذي تتوغل النفس فيه في غمرة المعصية المقترنة بالجهل ، فيزيد على وباء الذنب ، ظلمة الانسلاخ من الحياء من الله ومن خلقه ، وإن الحياء لشعبة من شعب الإيمان ، فكيف إذا كان من الله تعالى !!
أما تشتاق نفس هذا المجاهر بالمعصية ، إلى ستر الله تعالى يوم القيامة ، الذي جعله الله لمن أذنبوا ولم يجاهروا ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ ، فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ، فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ ، قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ
حَسَنَاتِهِ ) (1) .
هذه جملة من الأعراض التي تظهر على المصاب بداء الفتور ، توخيت في اختيارها كثرة الوقوع ، وغالبية الحدوث .
والشأن في أسباب الفتور كذلك أيضًا ، فإنها كثيرة ، وتختلف من بيئة إلى أخرى ، ومن شخص لآخر ، غير أنه يمكن تسليط الضوء على جملة منها ، نتلمس فيها الواقعية والأهمية ، فحاول أن تعيش معي معرفة هذه الأسباب ، فإن معرفة سبب الداء ، طريق إلى إتقان الدواء .
أسباب الفتور
المقصود بالأسباب هنا : هي تلك الطرق الموصلة إلى ضعف إيمان العبد بعد أن كان قويًا ، وهي الوسائل التي كسرت صلابة بنيان الدين في قلبه حتى أردته هزيلاً واهنًا ، تتلاعب به الشهوات ، وتتقاذفه أمواجها ، وتثقل عليه كل ما يتصل بدينه وعبادته .
__________
(1) رواه البخاري .(2/293)
السبب الأول : عدم تعهد العبد إيمانه من حينٍ لآخر ، من حيث الزيادة أو النقص ، فإن بدون مراجعة الإنسان نفسه مع حال إيمانه ، تتكالب عليه أسباب الفتور من كل جانب ، فتعمل معاولها الهدامة في بنيانه ، ولذا فإنه يجب على المؤمن إذا رأى في إيمانه قصورًا ، أو شعر بشيءٍ من مظاهر الفتور ، أن يتزود من أسباب الإيمان ، وينهل من معينه .
يقول أبو الدرداء - رضي الله عنه - : ( من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه ، ومن فقه العبد أن يعلم : أيزداد هو أم ينتقِص ؟ ) .
وكان عمر - رضي الله عنه - يقول لأصحابه : ( هلموا نزدد إيمانًا ، فيذكرون الله - عز وجل - ) .
وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول في دعائه : ( اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفقها ) .
وكان معاذ بن جبل - رضي الله عنه - يقول للرجل : ( اجلس بنا نؤمن ساعة )
وقال عمار بن ياسر - رضي الله عنه - : ( ثلاث من كُنَّ فيه فقد استكمل الإيمان : إنصافٌ من نفسه ، والإنفاق من إقتار ، وبذل السلام للعالَم ) (1) .
السبب الثاني : الجهل بما أعده الله تعالى للمتقين من الجنان ، أو تجاهله ، أو نسيانه ، أو عدم مذاكرته بين الحين والآخر ، فإذا ما وقع الإنسان في شيء من هذا ، فتر عن العبادة ، وتكاسل عنها ؛ لأنه فطر على التعلق بالشكر ، وطلب الجائزة على المعروف ، وقد هيأ الله ذلك لعباده إلى حدٍ لا تتصوره أذهانهم ، ولا يخطر على بالهم ، { هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ(49)جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ(50)مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ(51)وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ(52)هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ(53)إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ}
__________
(1) ذكره البخاري في صحيحه .(2/294)
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( قَالَ اللَّهُ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ
أَعْيُنٍ ) (1) .
غير أن فئة منهم تباطئوا الثواب ، أو غفلوا عنه ، فماتت أحاسيس الرغبة فيه ، وضعفت الهمة في طلبه .
السبب الثالث : استبعاد العقوبات الدنيوية ، والاستهانة بالعذاب الأخروي ، أو الشعور بأنه عذاب معنوي فحسب . وهذا السبب قسيم لسابقه ، فإنما يسعد المؤمن بإيمانه على أمرين ، الرجاء في ثواب الله ، والخوف من عقابه ، فإذا ما استبعد المسلم حلول النقمة عليه في الدنيا بسبب ذنب أصابه ، أو خطيئة ارتكبها ، تمادى في طريقها غير مبالٍ بنتائج هذا الفعل .
يقول بعض السلف : (( إنني أجد أثر المعصية في أهلي ودابتي )) .
وإني لأعجب حقًا من عدد من الناس يعيشون في حياتهم ضيقًا ونكدا ، وهمًا وغمًا ، ونفرة واضطرابًا ، وقد خلت بيوتهم من سماع القرآن وتلاوته ، وجفت ألسنتهم من الذكر والدعاء ، لا تعرف منازلهم النوافل ، ولا يتراحمون بالتناصح ، بل طلبوا السعادة في غير مظانها ، ولهثوا خلف سراب التقليد ، ففتروا عن الخير ، وتباطئوا عن الخيرات ، وسارعوا إلى الشهوات والملذات .
فأيُّ ثبات على الحق يبقى ، وقد أمِنَ أولئك مع انحرافهم عن جادة الدين العقوبة التي حلت بغيرهم ، فهل ينتظرون أن تحل بهم .
__________
(1) رواه البخاري .(2/295)
أما الغفلة عن عذاب الآخرة ، أو الاستهانة به ، فهو رأس الداء ، وصميم البلاء ، إن الواحد منا ليستمع من بعض هؤلاء مقولات تقشعر منها الأبدان ، فمن قائل : إن هي إلا ساعات في النار ، ثم نخرج منها ، ومن قائل : إنما هو عذاب روحي ومعنوي ليس إلا ، بل استمعت لبعضهم يقول : الموتة واحدة ، ولا حساب ولا عقاب ، وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا ، ويحسبونه هينًا ، وهو عند الله عظيم .
وإلا فأين هؤلاء من قول الله تعالى : { إن الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا
حَكِيمًا } .
أيها المسلمون : بمحبة الله ، والخوف من عذابه ، والرجاء في ثوابه ، نجا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ( لو نادى مناد من السماء : أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحدًا ، لخفت أن أكون هو ، ولو نادى مناد : أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحدًا ، لرجوت أن أكون هو ) (1) .
ولما قرأ الفاروق - رضي الله عنه - سورة الطور فبلغ قوله تعالى { إن عذاب ربك لواقع } بكى واشتد بكاؤه حتى مرض فعادوه ، بل حتى شق البكاء في وجهه خطين أسودين ، وكان يقال له : ( مصّر الله بك الأمصار ، وفتح بك الفتوح ، فيقول : وددت أن أنجو لا أجر ولا وزر ! ) .
ولما وقف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - على القبر فبلّ البكاء لحيته قال : ( لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي ، لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ! ) .
فلنضع الثواب أمام أعيننا ؛ لننهض إلى العبادة ونجد فيها ، ولنضع العقاب نصب أعيننا ؛ لنصون أنفسنا من الوقوع في المعاصي .
__________
(1) رواه أبو نعيم .(2/296)
السبب الرابع : الانبهار بالدنيا وزينتها ، والاغترار بنعمها الزائلة ، وإن للدنيا من الفتنة العظيمة ما يتغيّر به حال العباد من الثبات إلى الفتور ، ومن القوة إلى الضعف ، من هنا حذّر خالقها سبحانه من الاغترار بها فقال : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } .
إنه لابد أن نعلم أن أيام الدنيا كأحلام نوم ، أو كظل زائل ، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا ، ، وإن سرّت يومًا أو أيامًا ساءت أشهرًا وأعوامًا ، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً ، وما حصّلت للعبد فيها سرورًا ، إلا خبّأت له أضعاف ذلك شرورًا
إنما الدنيا فناء ... ليس في الدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت ... نسجته العنكبوت
يقول الحسن البصري : والذي نفسي بيده ، لقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه .
غير أنك أيها العبد لك أن تجعل هذه الدنيا بزينتها وبهرجها طريقًا إلى جنة ربك ، كيف لا وهي مزرعة الآخرة وطريق لها ، وهي وإن كانت ممرًا ، فإنها توصلك إلى المقر ، فاختر مقرك في ممرك .
لا تتبع الدنيا وأيامها ذمًا ... وإن دارت بك الدائرة
من شرف الدنيا ومن فضلها ... أن بها تستدرك الآخرة
قال الفضيل _ رحمه الله _ : جعل الله الشرَّ كله في بيت ، وجعل مفتاحه حبَّ الدنيا ، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا .(2/297)
وقال رجل للفضيل بن عياض : كيف أصبحت يا أبا علي ؟ فكان يثقل عليه : كيف أصبحت ؟ وكيف أمسيت ؟ فقال : في عافية ، فقال : كيف حالك ، فقال : عن أيّ حال تسأل؟ عن حال الدنيا أو حال الآخرة ؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا ، فإن الدنيا قد مالت بنا وذهبت بنا كل مذهب ، وإن كنت تسأل عن حال الآخرة ، فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه ، وضعف عمله ، وفني عمره ، ولم يتزود لمعاده ، ولم يتأهب للموت ، ولم يخضع للموت ، ولم يتشمر للموت ، ولم يتزين للموت ، وتزين للدنيا(1).
قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ : إِنِّي لَفِي الرَّكْبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَتَى عَلَى سَخْلَةٍ مَنْبُوذَةٍ ، فَقَالَ : أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا ؟ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا ، قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا ) (2) .
فإذا علم العبد قيمة هذه الدنيا عند الله ؛ بأن نعيمها يفنى ، وجديدها يبلى ، علم أنه لم يخلق لها ، وإنما خلق للآخرة ، فجد في العمل لها ، ومزّق ثوب الفتور والتواني عن جسده ، ولبس ثوب المثابرة في عبادته ، ممتثلاً قول الله تعالى : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } .
السبب الخامس : طول الأمل ، وهذا هو قاتل الهمم ، ومفتر القوى ، قرين التسويف والتأجيل ، وحبيب الخاملين الهاملين ، وعدو الأتقياء النابهين .
ويكفي طول الأمل مذمة الله له ، حيث قال في كتابه : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .
__________
(1) حلية الأولياء 8/86 .
(2) رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما وهو صحيح لغيره .(2/298)
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - واصفًا تعلق الإنسان بالدنيا وطول الأمل فيها : ( لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ : فِي حُبِّ الدُّنْيَا ، وَطُولِ الْأَمَلِ ) (1) .
المرء يرغب في الحيا ... ة وطول عيش قد يضره
تفنى بشاشته ويبقى ... بعد حلو العيش مرّه
وتسوءه الأيام حتى ... ما يرى شيئًا يسرّه
( قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً ، وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ ) (2) .
أخي الحبيب : قل بربك ، أي عمل سوف ينجزه المؤمن إذا كان طول الأمل يحيط بفكره ، ويملأ عليه حياته ، كلما سمع نداء الجد ، قال : غدًا ، كلما سمع صوت العمل ، قال : سوف وسوف ، من هنا تصاب الهمة بالتقاعس ، وتنتهي إلى الكسل والخمول .
قال الحسن البصري : (( تؤمّل أن تعمّر عمر نوح ، وأمر الله يطرق كل ليلة )) .
يؤمّلُ دنيا لتبقى له ... فوافى المنية قبل الأمل
حثيثًا يروّي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
السبب السادس : من أسباب الفتور : تحميل الإنسان نفسه في عبادته ما لا يحتمل عادة ، فإنه وإن استمر على فعل الطاعة مع ثقلها عليه ، إلا أنه سيصيبه الفتور بعد ذلك ؛ لمخالفته المنهج النبوي الكريم ، وهو أن المؤمن ينبغي أن يأخذ من الأعمال ما يطيق ، حتى لا يصاب بالملل والسآمة ، فيعود هذا على ترك العمل نهائيًا .
وقد أرشد الله تعالى إلى ذلك فقال : { اتقوا الله ما استطعتم } .
وعلم عباده ذلك الدعاء الكريم فقال : { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } .
__________
(1) رواه البخاري .
(2) ذكره البخاري في صحيحه .(2/299)
وهاهو نبي الأمة - صلى الله عليه وسلم - يرسم الطريق المستقيم في العمل بالعبادة ، وهو التوسط فيها ، فلا إفراط ولا تفريط ، حتى يبقى المسلم على صلة دائمة لا تعرف الفتور ، وطريقة مستمرة لا تعرف الانقطاع ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا ، وقاربوا ، وأبشروا ) (1) .
ويدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم في المسجد ، فإذا حبل ممدود بين ساريتين ، فقال :
( ما هذا الحبل ؟ قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلقت ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا ، حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا فتر ، فليقعد ) (2) .
ويتوعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المتنطعين في الدين ، المشددين على أنفسهم في العبادة بما لا يطيقون بالهلاك ، فقال : ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثًا (3) .
__________
(1) رواه البخاري .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه مسلم .(2/300)
واستمع إلى قصة عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في طلبه الزيادة في العبادة بما لا يطيق ، كيف انتهت قصته بتمني الاعتدال والتوسط الذي أرشده إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حيث قال عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِي اللَّه عَنْهما : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عَبْدَاللَّهِ ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ ، فَقُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ ، [ قال عبد الله بن عمرو عن نفسه ] : فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ ؛ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً ، قَالَ : فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام ، وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ ، قُلْتُ : وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام ؟ قَالَ نِصْفَ الدَّهْرِ ، فَكَانَ عَبْدُاللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ : يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ) (1) .
وفي حديث آخر يحذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - من الانقطاع عن قيام الليل ، فيقول فيه : ( يا عبد الله ، لا تكن مثل فلان ، كان يقوم الليل ، فترك قيام الليل ) (2) .
__________
(1) رواه البخاري .
(2) رواه البخاري ومسلم .(2/301)
قال ابن حجر _ رحمه الله _ : ( إن المقصود بالحديث هو الترغيب في ملازمة العبادة ، والطريق الموصل إلى ذلك ؛ هو الاقتصاد فيها ، لأن التشديد فيها قد يؤدي إلى تركها وهو
مذموم ) (1) .
ويشير الإمام الشاطبي _ رحمه الله _ إلى هذا المعنى فيقول : (( إن المكلف لو قصد المشقة في عبادته ، وحرص على الوقوع فيها ، حتى يعرض نفسه لمضاعفة الثواب ، فإنه يعرض نفسه في واقع الأمر لبغض عبادة الله تعالى ، وكراهية أحكام الشريعة ، التي غرس الله حبها في القلوب ، كما يدل عليه قوله تعالى : { ولكنَّ الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } ، وذلك لأن النفس تكره ما يفرض عليها ، إذا كان من جنس ما يشق الدوام عليه ، بحيث لا يقرب وقت ذلك العمل الشاق ، إلا والنفس تشمئز منه ، وتود لو لم تعمل ، أو تتمنى أنها لم تلتزم )) (2).
ويكفينا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَلَّتْ ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا ) (3) .
السبب السابع : الابتداع في الدين ، وإنه لسبب خفي من أسباب الفتور ، ومدخل للشيطان على النفس البشرية قلما تتنبه له ، وذلك لأن هذه الشريعة الغراء ليست من صنع البشر ، بل أحكامها إلهية ، مصدرها الوحي ، جاءت مؤصلة بكلام الله تعالى ، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي : بالوحي الذي لا ينطق عن الهوى ، من هنا كانت أحكامها متصفة بالحكمة ، قائمة على المصلحة ، مملوءة بالرحمة ، وكان على العبد أن يقتصر عليها دون زيادة أو نقصان .
__________
(1) فتح الباري 1/46.
(2) الاعتصام 1/222 .
(3) رواه البخاري .(2/302)
أما النقصان ، فالخلل فيه واضح لا يحتاج إلى بيان ؛ لأنه لا يجوز أن يفعل الإنسان ما يحلو له من الدين ويترك ما لا يهوى ، فقد قال الله تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .
وأما الزيادة على الدين ، ولو كان ذلك بإنشاء العبادات أو الأذكار ، أو ابتكار طرق جديدة في أداء الطاعات ، فإن في ذلك كله زيادة في التكليف ، ومشقة على العباد ، بسببها قد يبغض الإنسان العبادة المفروضة من ربه ، والمشروعة من نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك لضيق وقت الإنسان ، وتزاحم الواجبات عليه ، مما يؤدي إلى ترك المطلوب المشروع ، لفعل المبتدع المرفوض ، وإنك سوف تجد هذا بوضوح في شأن المبتدعة ، حيث ينشطون لبدعتهم ، ويفترون عما أوجب عليهم ، فما أجمل الاكتفاء بالسنة النبوية ، وما أروع الاقتداء بالحبيب - صلى الله عليه وسلم - ، وما أفضل السير على منهاج سلف الأمة المهديين .(2/303)
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قال : ( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ فَقَالَ : أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) (1) .
وكم يفرحنا كثيرًا هروب جملة من المبتدعة من ضلالة البدعة ، بعد أن أرهقتهم تكاليف بدعتهم ، ولكن يحزننا وقوعهم في نار المعصية ، ولا غرابة في ذلك ؛ فالبدعة ليس مصيرها الفتور عن العبادة المشروعة فحسب ، بل الضياع والحيرة في الأمر كله .
يقول ابن القيم _ رحمه الله _ : (( كان السلف يسمون أهل الآراء المخالفة للسنة ، وما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... يسمونهم : أهل الشبهات والأهواء ؛ لأن الرأي المخالف للسنة ، جهل لا علم ، وهوى لا دين ، فصاحبه ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، وغايته الضلال في الدنيا ، والشقاء في الآخرة )) (2)
__________
(1) رواه البخاري .
(2) إغاثة اللهفان 2/139 .(2/304)
السبب الثامن : الرفقة السيئة ، وهي الأخطبوط الذي يضم المصاب بداء الفتور ، كلما حدثته نفسه بالعودة إلى الثبات ، والعزيمة على الرشد ، فتنته هذه الرفقة بعرض جديد من ألوان الهوى ، وصور الفساد والخنا ، فتراه يتوهم السعادة في مجالستهم ، والسهر معهم ، وإنها
لسعادة { كَسَرَابٍ بقيعة يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءه لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } . وسوف يوفي الله تعالى المغتر برفقة السوء حسابه ، ويريه كيف تكون الحسرة ، فإن كان المتحسر في الدنيا يعض على إصبع واحد حسرة وندامة ، فلسوف يعض على كلتا يديه فجيعة وقهرًا .
وقد صور الله تعالى هذه الحسرة فقال : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(27)يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا(28)لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا } .
الله أكبر : كم هدمت رفقة السوء من لبنات الخير في نفوس كثير من الناس ، لهو ولغو ، وغيبة ونميمة ، ونظر إلى الحرام ، واستهانة بالدين ، وسخرية بالصالحين ، وقتل للوقت ، وتضييع للتكاليف .(2/305)
فواعجبًا ممن ذاق حلاوة الإنس بالصالحين ، كيف يفارقهم ؟ يذكرونه بالله ، ويحيون في نفسه محبة الدين والعمل له ، كلما رآهم زاد إيمانه إيمانا ، يعود منهم تشتاق نفسه لأداء العبادة ، يرغبونه في الخير ، وينهونه عن الشر ، ويكفي القول فيهم : هم القوم لا يشقى جليسهم ، ولعل من أنفع الدواء لضعف الإيمان : الصحبة الصالحة التي تذكر المسلم بالله عند غفلته ، وتعينه على طاعة ربه ، وقد أوصى الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمرافقتهم فقال : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ أتعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } .
احذر _ يا رعاك الله _ من صحبة البطالين ، فإنهم موتى القلوب ، ولا يورثونك إلا موتًا ، ولا يكسبونك من الله إلا بعدًا ، فاجتنبهم كما تجتنب الداء العضال ، والوحوش المفترسة ، واربأ بنفسك أن تجالس من انحطت همتهم ، وتمرغت في الخطايا كرامتهم ، فانفر بنفسك قبل أن تحترق بكيرهم ، أو تختنق من دخانهم .
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ : إِمَّا أَنْ يُحْذيَك وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ : إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) (1) .
ولقد حذّر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - من مصاحبتهم فقال : { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } .
__________
(1) رواه البخاري .(2/306)
السبب التاسع : الانفراد والعزلة ، ففي زمن كثرت فيه المغريات ، وتنوعت فيه وسائل الشهوات ، وسهلت فيه الخلوة بما حرم من المثيرات ، أصبحت العزلة وسيلة إلى الفتور ، وطريقًا إلى الخور والضعف ؛ لأن المسلم حينما ينفرد لا يعرف صوابه من خطئه ، ولا قوته من ضعفه ، فتراه يسير متخبطًا في عمى ، بلا دليل يدل ، ولا حكيم يرشد ، فيسهل قياده من الشيطان للتقصير والهوى ، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية .
من هنا : جاءت التعليمات النبوية بالأمر بالتمسك بالجماعة ، والتحذير من الفرقة والاختلاف ، لأن الله لا يجمع الأمة على ضلالة ، فمن تمسك بهديها اهتدى ، ومن شق جماعتها ضل وغوى .
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ) (1) .
__________
(1) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .(2/307)
ولعلك _ أيها القارئ الكريم _ تذكر قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين رجلاً ، فإنه لما هداه الله تعالى على يدي ذلك العالم ، وتأكد العالم من توبته وصدق إنابته ، لم يتركه يعبد الله وحده ، بل قال له : ( انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ ، أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ ) رواه مسلم .
وإنها لثمرة يانعة لمن قصد الله بالتوبة ، وقصد أهل الخير والصلاح ليعينوه بعد الله على عبادة الله تعالى ، فلنعم القصد ، ولنعمت النتيجة .
السبب العاشر : عدم معرفة الله حق معرفته ، والجهل بعظمته في النفوس ؛ فإن من عرف الله تعالى بأسمائه وصفاته ، لم تجرؤ نفسه على التقصير في عبادته ، أو الوقوع في معصيته ، أو الخلوة بالخطيئة ، أو المجاهرة بالسيئة .
ومن جهل برقابة الله عليه ، وسمعه لكلامه ، ونظره إليه ، وعلمه بحركاته وسكناته ، ولم يؤمن بقدرة الله عليه ، أو تغافل عن هذا كله ، فقد نزع عن نفسه لبوس الحياء من الخالق سبحانه ، ومن لم يستح فليصنع ما يشاء ، فلا عجب بعد هذا إذا فتر أو قصر .(2/308)
فأين هؤلاء من قول الله تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } .
أخي الحبيب : إن من تأمل أحوال المتنكبين عن طريق الهداية بعد التزامهم بها يجد غفلتهم عن عظمة الله - سبحانه وتعالى - تتربع في قلوبهم ، وإلا فهل يستخف بالمعصية من يعلم بأن الله يراه ويسمعه ويحاسبه ، وهل يسرق الناس أموالهم من يعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، وهل من يستعلي على الخلق ويظلمهم يوقن بقدرة الله عليه ؟؟ إن لتعظيم الله في النفوس لأثراً يعلم به الذين أسهروا ليلهم قياماً لله ركعاً وسجدا، وأمضوا نهارهم صياماً وذكرًا .
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... وأن ما تخفي عليه يغيب
السبب الحادي عشر : استحقار صغائر الذنوب ، والاستهانة بعقوبتها ، وإنها والله القطرات التي أجرت سيول الفجور ، والحصى الصغيرة التي تراكمت منها جبال الذنوب ، فمرة نقول : صغائرُ ، ومرة نقول : لممٌ ، وما الأمر إلا ملائكة يكتبون ، وصحف تملا ، ورب يحصي ، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فهل علم الفاتر عن الطاعة ذلك كله ؟(2/309)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا ، فَأَجَّجُوا نَارًا ، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا ) (1) .
قال بعض السلف : ( تسامحت بلقمة فتناولتها ، فأنا اليوم من أربعين سنة إلى
خلف ) .
خل الذنوب كبيرها ... وصغيرها ذاك التقى
واحذر كماش فوق أر ... ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقر صغيرة ... إن الجبال من الحصى
السبب الثاني عشر : التعلق في الالتزام بالدين بالأحياء من الصالحين ، وإنه السوس الذي ينخر في دين الإنسان من حيث لا يشعر ، فكم يفرح المرء بهدايته ، غير أنه لم يهتد إلا لأجل إعجابه بشخصية فلان ، أو استحسانه صوته أو صورته ، حتى يصل الأمر بأن يتبعه في كل شيء ، ويقلده في كل أمر ، فإذا ما أصيب قدوته بالفتور ، لحقه فيه دون تردد ، ولو انتكس ، انقلب كما انقلب على عقبيه ، وإنه لا يضر الله شيئا .
إنه يجب أن نقتدي في سائر عباداتنا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبسلفه الأخيار ، لا نرتضي بهم بدلا ، وليكن ذلك نبراسنا في دعوتنا الناس إلى منابر الهداية المضيئة ، فإن الأحياء لا تؤمن عليهم الفتنة .
__________
(1) رواه الإمام أحمد ، وهو صحيح .(2/310)
يقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : ( من كان منكم مستنًا ، فليستن بمن مات ، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كانوا خير هذه الأمة ، أبرها قلوبًا ، وأعمقها علمًا ، وأقلها تكلفًا ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ونقل دينه ، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا على الهدي المستقيم ) (1) .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالكرام فلاح
السبب الثالث عشر : الانشغال بالعلوم العلمية البحتة ، والانفتاح على شتى وسائل تحصيلها ، من دون تفريق بين ما حلّ منها وما حرم ، كالتعذر في تعلم اللغة الإنجليزية برؤية الأفلام الأجنبية ، أو الاطلاع على مواقع منحلة في شبكة الانترنت ، أو السفر إلى الخارج من غير أخذ الأهبة الدينية التي يجب أن يتسلح المسلم بها قبل ذهابه إلى هناك ، أو السكن مع إحدى الأسر الكافرة ، والاختلاط بهم ؛ بحجة إجادة التعلم والاضطرار إليه .
فكم فجع الإنسان في دينه ، حينما رأى نفسه تنحدر من سبيل التعليم إلى سبيل الغواية والانحلال ، وما ذاك إلا بسبب نظرة محرمة ، وإنها لتقع في قلبه كالسهم المسموم ، الذي يردي قلبه بعد الحياة ميتًا ، وبعد الهداية ضالًا ، فليحكّم الإنسان الشرع في أفعاله وتصرفاته ، ولا يكن مفتيًا لذاته ، حاكمًا بهواه ، { وما كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } .
__________
(1) رواه أبو نعيم .(2/311)
السبب الرابع عشر : الغفلة عن محاسبة النفس ، فترى أحدنا يسير في هذه الدنيا ولم يجعل على نفسه حسيبًا ، فتكثر عثراته ، وتتضاعف زلاته ، لا يعرف ما فعل ، ولا يدرك ماذا قال ، ولا يتراجع عن خطأ ، ولا ينشط لفعل طاعة ، كل تصرفاته مرتجلة ، لا يضع لنفسه أهدافًا ، ولا يسأل نفسه ماذا أنجز في يومه ، وكم قصّر في حق ربه ، وكم ضيّع من حقوق عباده ... .
فهل حاولنا أن نخلو بأنفسنا ساعة نحاسبها عما بدر منها من الأقوال والأفعال ؟ وهل حاولنا يومًا أن نعد سيئاتنا كما نعد حسناتنا ؟ بل هل تأملنا أن طاعتنا قد لا يخلو بعضها من الرياء والسمعة ، كيف القدوم على الله _يا عباد الله _ ونحن لأنفسنا غير محاسبين ، ولحساب الله غير مطيقين ، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا ، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية )) .
إن محاسبة النفس _ أيها الأحبة _ هي من شأن الصالحين الأتقياء ، المخبتين الأنقياء ، المنيبين الأصفياء ، الذين لبوا نداء الرحمن حينما قال : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
ألم تروا إلى الصديق - رضي الله عنه -كيف كان يمسك بلسانه ويقول : ( هذا الذي أوردني الموارد ) ، ألم تسمعوا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يضرب نفسه بدرته فيقول : ماذا فعلت اليوم ؟ وأن الأحنف بن قيس - رضي الله عنه - كان يضع إصبعه على السراج فيقول : لماذا فعلت كذا وكذا يا حنيف ؟
-
إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل
- فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا ... فإنما الربح والخسران في العمل(2/312)
قال ميمون بن مهران : ( لا يكون العبد تقيًّا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ، ولهذا قيل : ( النفس كالشريك الخوان ، إن لم تحاسبه ذهب بمالك ) .
أخي الحبيب : إن محاسبة النفس في الدنيا ، كفيلة أن تريحك من عناء الحساب في الآخرة ، فإن من نوقش الحساب فقد عذب ، أما يكفيك بذلك أن تتعرف على أخطاء نفسك فتصلحها ، أما يحثك هذا على الندم على اقتراف الذنب ، والإقلاع عن المعصية ، أما تشعرك مساءلة نفسك بعفو الله وحلمه عليك أن لم يعجل عقوبته بك ، أو يقبضك على ما أنت عليه من المعصية ، أما تعطيك مراجعتك أعمالك دفعة قوية للاجتهاد في العبادة وفتح صفحة جديدة ناصعة البياض ، هدفك فيها أن تملأها بالطاعة والإحسان ؟
يقول الحسن البصري : ( إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه ، وكانت المحاسبة همته ) .
علاج الفتور
إذا كنا قد عرفنا جملة من أسباب الفتور في العبادة ، ووضعنا أيدينا على الداء ، فقد جاء دور الكلام على الدواء .
إن الدواء الناجع لداء الفتور هو بإيجاز قطع كل الأسباب التي سبق ذكرها ، التي من شأنها أن توقع المسلم في خنادق الفتور ، ومهاوي التقصير ، ليسلك بدلها وسائل الثبات ، وطرق الالتزام بالهداية ، فيعظم العبد ربه في قلبه ، ويطبع هذا التعظيم على أقواله وأفعاله واعتقاده ، ويتّبع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا زيادة أو نقصان ، ويضع الموت والنار والجنة نصب عينيه ، يرجو رحمة ربه ، ويخاف عذابه ، معظمًا في ذلك شعائر الله ، فإن ذلك من تقوى القلوب ، متعاهدًا لنفسه بالمحاسبة ، وبالرفقة الصالحة ، وبالوعظ والتذكير ، مبتعدًا عن طرق الهوى والفتنة بشتى وسائلها ، مرددًا دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ) (1) .
أسأل الله سبحانه أن يحبب إلى إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين .
__________
((2/313)
1) رواه مسلم .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، وأدخلنا الجنة مع الأبرار ، برحمتك يا عزيز يا غفار .
وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأجمعين .
لإبداء النقد البنَّاء اتصل على جوال : 054930209
والبريد الإكتروني bomazenf@maktoob.com
ــــــــــــــــــ
الفتور مظاهره ، وأسبابه ، وعلاجه
الكتاب خرج مطبوعًا لدى مدار الوطن بالرياض
عام 1425هـ
د. فيصل بن سعود الحليبي
المقدمة :
حمداً كريماً لمن تفرد بالعظمة والكبرياء ، وحمدًا متواصلاً لمن بيده مقادير كل شيء ، حمداً له من كل قلب مؤمن ، ومن كل نفس مخبتة ، حمداً له على الإيمان ، وحمدًا له على الإسلام ، وحمدًا له على القرآن ، حمدًا له على كل نعمة ، وحمداً له في السراء والضراء ، وحمدًا له على كل حال .
نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اصطفاه على خلقه بأكرم رسالة ، وأعظم نبوة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
أما بعد : فإنه حينما تنجو سفينةُ المرءِ من بحر المعاصي المهلك ، فترسو على ساحل الإيمان الآمن ، يكون حينها عرضةً لحبائل الشيطان المغرضة ، وشباكه المعقدة ، وأنيابه المفترسة ، وما ذاك إلا لأنه غرضٌ كم تمنى الشيطان أن يصيبه بسهمه المسموم ، ليرديه قتيل الضعف الممقوت ، والانتكاسة المهينة .
ولكن ما أهون هذا الشيطان ، وما أقل حيلته ، وما أضعف كيده ، إذا واجهه المؤمن بسلاح الإيمان المضاء ، ونوره الوضاء ؛ فراجع أسباب ضعف إيمانه ، ونظر في علل فتوره وتقصيره ، واتخذ من أسباب الثبات على دينه ما ينصره على الشيطان في هذا الصراع العنيف .(2/314)
والفتور _ أيها القارئ الكريم _ مرض يتسم بالتسلل الخفي حينما يريد أن يدس داءه في قلب المسلم أو عقله ، كما أنه لا يأتي بغتة ، بل إن نَفَس الشيطانِ فيه طويل ، وكيده في الإصابة به متنوع ، حتى يقتنع صاحبه أنه فيه على حق ، وأنه كان على خطأ أو تطرف .
ولقد تنوعت في هذا الزمان وسائل الفتور ، وتعددت صوره ، واتخذ همه محلاً في صدر المصاب به ، ربما بمعرفته له ، أو بمعاينته لآثاره عليه ، مع أن هذا الداء قد يتقمص في نفس المصاب به شخصية أخرى ، وهي الكآبة أحيانًا ، أو الحيرة ، أو الخوف ، أو الانطواء أو نحو لك .والفتور : انكسار وضعف ، ولعلك تلمح بوضوح أن هذه الكلمة تشير إلى أن هذا الضعف قد سُبق بقوة ، وذلك الانكسار قد تقدمته صلابة ، ولهذا قال علماء اللغة : ( فتر : أي سكن بعد حِدّة ، ولان بعد شِدّة ) (1) .
فالفتور إذًا مرض يصيب الأقوياء ، ويترصد لكل من يتطلع إلى الكمال في دينه ، وعلى هذا فإن الأمر يزداد خطورة ؛ إذ أن أهم المقصودين هنا هم شريحة أهل الإيمان من العاملين المنتجين ، والمبدعين المتفوقين ، الذين تنهض عليهم الأمة ، وتنقاد لهم سفينتها .
وأخيرًا ؛ فمن إدراكي لأهمية هذا الموضوع ، أردت أن أزود نفسي المقصرة أولاً ببعض الجرعات الوقائية ضد هذا الداء ؛ لأحمي نفسي منه بإذن الله ، وأشارك في وقاية مجتمعي وأمتي من نفوذه وانتشاره ، سائلاً المولى سبحانه أن يقينا شرور نفوسنا ، وأن يهدينا إلى هداه ، ويقبضنا إليه غير مفتونين ، وأن يثبت قلوبنا على طاعته ودينه ، إنه سميع مجيب .
فيصل بن سعود الحليبي
أسس مسلَّمة في مشكلة الفتور
إننا قبل التعرف على أسباب إصابة المؤمن بالفتور في العبادة ، لابد من تبيين حقائق ومسلمات تتعلق بضعف إيمان المؤمن وفتوره ، أذكرها في القواعد التالية :(2/315)
القاعدة الأولى : أن جميع الخلق _ سوى من عصمه الله _ معرض للإصابة بالفتور ، والوقوع في الأخطاء والمعاصي ، وهذا أمر قد أثبته النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجعله سمة لكل بني آدم فقال :
( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) (2) .
ولما كان الإنسان مفطورًا على الوقوع في المعصية ، واقتراف الخطأ ، أرشده الله تعالى إلى طريق الخلاص منها ، وهو التوبة النصوح ، فمن توخاه نجا ، ومن تنكب عنه خسِر ، ومن هنا جاء الترغيب الرباني إلى طريق النجاة بالعفو عما اقترفه الإنسان من الذنوب ، وليس هذا فحسب ، بل وبتبديل السيئات السابقة إلى حسنات أيضًا ، فيا له من فضل عظيم ، وعفو كريم ، يقول الله تعالى فيه : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } .
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا ، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ ) (3) .
القاعدة الثانية : أن قلب المرء وإن صفا ، وثبت على الإيمان ، واستلذ بحلاوته ، فإنه معرّض للانتكاسة ، ومهيأ للانقلاب ، قد يقرب من ذلك وقد يبعد عنه ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ ؛ إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ ) (4) .
وإن القلب أيها المؤمنون لشديد التقلب ، ويضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - لشدة هذا التقلب مثلاً فيقول : ( لقلب ابن آدم أسرع تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا ) (5) .
ومن الذي بيده تقليب القلوب وتصريفها ، إنه الله سبحانه ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
((2/316)
إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ) (6) .
القاعدة الثالثة : أن مذهب أهل السنة والجماعة في شأن الإيمان ، أنه يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، وهل يستوي إيمان عبد تعلق قلبه بالمساجد ، وشغف بحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأضاء نور القرآن عقله ، وأنارت السنة بصيرته ، بمن صد عن هذا كله ، فرضي بمستنقعات الرذيلة له موردًا ومشربًا ، وامتلكت جوارحَهُ المعاصي ، وسرى في دمه داءُ التبعية لكل ناعق ، فاستمتع بالشهوات المحرمة ، وسلَّم قياده لشيطان الهوى ؟ لا والله الذي لا إله إلا هو لا يستوون ، وهل يستوي من قال الله فيه : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ، هل يستوي هؤلاء بمن قال الله تعالى فيهم :
{ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أقول : لا يستوون !!(2/317)
القاعدة الرابعة : أن بقاء قلب المؤمن على الدرجة الرفيعة من الإيمان التي يجدها في أعظم العبادات قدرًا ، وأكثرها تأثيرًا ؛ كالصلاة ، والحج ، والصيام وتلاوة القرآن ، وقيام الليل ، أمر متعذر ؛ لشدة انشغال القلب بأعمال الدنيا ، وملذاتها ، وما يعتريه فيها من أفراح وأتراح ، وليس هذا من الرياء أو النفاق في شيء ، وقد وجد هذا أفضل القرون من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقد روى مسلم في صحيحه : عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رضي الله عنه ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه ، فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ ؟ قَالَ قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ ، فَنَسِينَا كَثِيرًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي(2/318)
طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا
حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) .
مظاهر الفتور
إن سؤالاً تتحدث به قلوبنا ، وإن لم تنطق به ألسنتنا ، وهو : كيف أعرف أنني مصاب بداء الفتور ، ما أعراضه ، وأشكاله التي يظهر بها في عبادتي ، وفي حياتي ؟
أخي الكريم : إن ثمة مظاهر كثيرة لهذا الداء ، تشير لك بثلمة في إيمانك تحتاج إلى ترميم ، واهتزاز في علاقتك بربك تحتاج إلى تثبيت ، أذكر لك طرفًا منها ، فارع سمعك لذكرها ، ولنتحسس وجودها أو عدمها في نفوسنا :
المظهر الأول : قسوة القلب ، ذلك السياج المانع للقلب من الخشوع لله تعالى ، الحابس لدمع العين من خشيته ، الحائل دون قشعريرة الجلد وليونته ذلاً لله تعالى ، فلا يعرف القلب بعد هذا معروفًا ، ولا ينكر منكرًا ، قد جفّت ينابيع الحب فيه ، وأقفرت رياض الرحمة لديه ، واصفرت خضرة المشاعر في فؤاده ، { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } .
وتستمر القسوة بالقلب حتى تصل إلى درجة تتضاءل أمامها صلابة الأحجار والصخور ، { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .(2/319)
وشتان بين من كان هذا حال قلوبهم ، وبين من تنتفض أجسادهم كالعصافير المبللة بالمطر رهبة من الله تعالى ، حتى خلّد الله ذكرهم ووصفهم في كتابه العزيز فقال : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } .
ولا ريب أن ذكر الموت والاستعداد للآخرة وتمني حسن الخاتمة علاج لكل من قسا قلبه بالمعصية ، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها ؛ فإنها ترق القلب ، وتدمع العين ، وتذكر الآخرة ) (7) .
المظهر الثاني : التهاون في فعل الطاعات ، ما كان منها فرضًا ، أو نفلاً ، يسيرًا كالأذكار ، أو غير ذلك ، كالحج ، والصلاة ، والصيام ، فإذا رأى الإنسان نفسه متثاقلاً في أداء العبادات ، متكاسلاً في النهوض إليها ، كارهًا لأدائها ، يشعر كأنها أمثال الجبال على كاهله ، فليعلم أن داء الفتور قد دب في أوصاله ، وسرى في دمه ، يقول تعالى ذامًا هذا الصنف من المصابين بهزال الإيمان وضعفه : { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } ، ويقول تعالى : {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } .
المظهر الثالث : بغض الصالحين الممتثلين للسنة ، الحريصين على إقامة شعائر الدين في أنفسهم ، وأهليهم ، ووسطهم ، فإذا ما رأيت العبد يجتنب مجالس الخير ، ويأنس بأحاديث اللغو والتفاهة ، فاعلم أنه يعيش صراعًا مع نفسه ، فإنها تنازعه الثبات على الحق ، وتدعوه إلى الإهمال فيه ، والفتور في القيام به .(2/320)
يقول الفاروق رضي الله عنه : ( جالسوا التوابين فإنهم أرق شيء أفئدة ) .
ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه : ( لا تزالون بخير ما أحببتم خياركم ) (8) .
المظهر الرابع : موت المشاعر الدينية ، وعدم الغضب من أجل الله تعالى ؛ فإن المرء يمر في يومه وليلته بفتن كثيرة ، وامتحانات متتالية ، على رأسها هذه المنكرات التي تموج بالناس حتى تكاد تغرقهم ، وما تواجه به تعاليم الإسلام من السخرية والاستهزاء ، وما تتعرض له بعض شعوب المسلمين من حروب الإبادة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلًا ، وما يشاهده المسلم اليوم من سقوط أكثر المسلمين في شباك الغرب والشرق .
فعزاؤنا كل العزاء في كل من لا يشعر بهذا البلاء ، ولا يحاول المشاركة في دفعه أو رفعه، ولو كان بلسانه أو بقلبه ، حتى غدا قلبه كأي قطعة لحم ميتة ، لا نبض فيها ولا حراك .
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ؛ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادٌ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ) (9) .(2/321)
المظهر الخامس : عدم الشكر في السراء ، وعدم الصبر في الضراء ، وإنما يأتي ذلك من ضعف الإيمان ، والفتور في الصلة بين العبد وخالقه ، فلو أن العبد استحضر أن كل نعمة تصل إليه إنما هي من الله وحده ، لشكر الله عليها ، فتزداد صلته بخالقه الذي مَنَّ عليه بهذه النعم وغيرها ، ولو أنه حينما تحل به مصيبة ، أو تقع به كارثة ، علم بأنها ابتلاء وامتحان من الله ، ليصبر عليها ، لينال أجر الصابرين ، فيفوز مع الفائزين ، ولا يكون الشكر في امتحان النعمة ، والصبر في امتحان الشدة إلا من المؤمنين .
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) (10) .
فلننتبه أن تغرقنا الفرحة بالنعمة في بحر الكفر بمن مَنَّ بها علينا ، أو توقعنا المصيبة في فقدان الأمل في الفرج بمن عنده مفاتيح الفرج سبحانه وتعالى .
المظهر السادس : المجاهرة بالمعصية ، وعدم مبالاة المرء بمعرفة الناس بوقوعه فيها ، وهي من أعلى مراتب الفتور ، حتى حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - منها في قوله : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ : يَا فُلَانُ ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) (11) .
وما أشنع هذا الفعل الذي تتوغل النفس فيه في غمرة المعصية المقترنة بالجهل ، فيزيد على وباء الذنب ، ظلمة الانسلاخ من الحياء من الله ومن خلقه ، وإن الحياء لشعبة من شعب الإيمان ، فكيف إذا كان من الله تعالى !!(2/322)
أما تشتاق نفس هذا المجاهر بالمعصية ، إلى ستر الله تعالى يوم القيامة ، الذي جعله الله لمن أذنبوا ولم يجاهروا ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ ، فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ، فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ ، قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ) (12) .
هذه جملة من الأعراض التي تظهر على المصاب بداء الفتور ، توخيت في اختيارها كثرة الوقوع ، وغالبية الحدوث .
والشأن في أسباب الفتور كذلك أيضًا ، فإنها كثيرة ، وتختلف من بيئة إلى أخرى ، ومن شخص لآخر ، غير أنه يمكن تسليط الضوء على جملة منها ، نتلمس فيها الواقعية والأهمية ، فحاول أن تعيش معي معرفة هذه الأسباب ، فإن معرفة سبب الداء ، طريق إلى إتقان الدواء .
أسباب الفتور
المقصود بالأسباب هنا : هي تلك الطرق الموصلة إلى ضعف إيمان العبد بعد أن كان قويًا ، وهي الوسائل التي كسرت صلابة بنيان الدين في قلبه حتى أردته هزيلاً واهنًا ، تتلاعب به الشهوات ، وتتقاذفه أمواجها ، وتثقل عليه كل ما يتصل بدينه وعبادته .
السبب الأول : عدم تعهد العبد إيمانه من حينٍ لآخر ، من حيث الزيادة أو النقص ، فإن بدون مراجعة الإنسان نفسه مع حال إيمانه ، تتكالب عليه أسباب الفتور من كل جانب ، فتعمل معاولها الهدامة في بنيانه ، ولذا فإنه يجب على المؤمن إذا رأى في إيمانه قصورًا ، أو شعر بشيءٍ من مظاهر الفتور ، أن يتزود من أسباب الإيمان ، وينهل من معينه .
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : ( من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه ، ومن فقه العبد أن يعلم : أيزداد هو أم ينتقِص ؟ ) .(2/323)
وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه : ( هلموا نزدد إيمانًا ، فيذكرون الله عز وجل ) .
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه : ( اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفقها ) .
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول للرجل : ( اجلس بنا نؤمن ساعة ) .
وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه : ( ثلاث من كُنَّ فيه فقد استكمل الإيمان : إنصافٌ من نفسه ، والإنفاق من إقتار ، وبذل السلام للعالَم ) (13) .
السبب الثاني : الجهل بما أعده الله تعالى للمتقين من الجنان ، أو تجاهله ، أو نسيانه ، أو عدم مذاكرته بين الحين والآخر ، فإذا ما وقع الإنسان في شيء من هذا ، فتر عن العبادة ، وتكاسل عنها ؛ لأنه فطر على التعلق بالشكر ، وطلب الجائزة على المعروف ، وقد هيأ الله ذلك لعباده إلى حدٍ لا تتصوره أذهانهم ، ولا يخطر على بالهم ، { هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ(49)جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ(50)مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ(51)وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ(52)هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ(53)إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ } .
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( قَالَ اللَّهُ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) (14) .
غير أن فئة منهم تباطئوا الثواب ، أو غفلوا عنه ، فماتت أحاسيس الرغبة فيه ، وضعفت الهمة في طلبه .(2/324)
السبب الثالث : استبعاد العقوبات الدنيوية ، والاستهانة بالعذاب الأخروي ، أو الشعور بأنه عذاب معنوي فحسب . وهذا السبب قسيم لسابقه ، فإنما يسعد المؤمن بإيمانه على أمرين ، الرجاء في ثواب الله ، والخوف من عقابه ، فإذا ما استبعد المسلم حلول النقمة عليه في الدنيا بسبب ذنب أصابه ، أو خطيئة ارتكبها ، تمادى في طريقها غير مبالٍ بنتائج هذا الفعل .
يقول بعض السلف : (( إنني أجد أثر المعصية في أهلي ودابتي )) .
وإني لأعجب حقًا من عدد من الناس يعيشون في حياتهم ضيقًا ونكدا ، وهمًا وغمًا ، ونفرة واضطرابًا ، وقد خلت بيوتهم من سماع القرآن وتلاوته ، وجفت ألسنتهم من الذكر والدعاء ، لا تعرف منازلهم النوافل ، ولا يتراحمون بالتناصح ، بل طلبوا السعادة في غير مظانها ، ولهثوا خلف سراب التقليد ، ففتروا عن الخير ، وتباطئوا عن الخيرات ، وسارعوا إلى الشهوات والملذات .
فأيُّ ثبات على الحق يبقى ، وقد أمِنَ أولئك مع انحرافهم عن جادة الدين العقوبة التي حلت بغيرهم ، فهل ينتظرون أن تحل بهم .
أما الغفلة عن عذاب الآخرة ، أو الاستهانة به ، فهو رأس الداء ، وصميم البلاء ، إن الواحد منا ليستمع من بعض هؤلاء مقولات تقشعر منها الأبدان ، فمن قائل : إن هي إلا ساعات في النار ، ثم نخرج منها ، ومن قائل : إنما هو عذاب روحي ومعنوي ليس إلا ، بل استمعت لبعضهم يقول : الموتة واحدة ، ولا حساب ولا عقاب ، وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا ، ويحسبونه هينًا ، وهو عند الله عظيم .
وإلا فأين هؤلاء من قول الله تعالى : { إن الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا }.(2/325)
أيها المسلمون : بمحبة الله ، والخوف من عذابه ، والرجاء في ثوابه ، نجا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لو نادى مناد من السماء : أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحدًا ، لخفت أن أكون هو ، ولو نادى مناد : أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحدًا ، لرجوت أن أكون هو ) (15) .
ولما قرأ الفاروق رضي الله عنه سورة الطور فبلغ قوله تعالى { إن عذاب ربك لواقع } بكى واشتد بكاؤه حتى مرض فعادوه ، بل حتى شق البكاء في وجهه خطين أسودين ، وكان يقال له : ( مصّر الله بك الأمصار ، وفتح بك الفتوح ، فيقول : وددت أن أنجو لا أجر ولا وزر ! ) .
ولما وقف عثمان بن عفان رضي الله عنه على القبر فبلّ البكاء لحيته قال : ( لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي ، لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ! ) .
فلنضع الثواب أمام أعيننا ؛ لننهض إلى العبادة ونجد فيها ، ولنضع العقاب نصب أعيننا ؛ لنصون أنفسنا من الوقوع في المعاصي .
السبب الرابع : الانبهار بالدنيا وزينتها ، والاغترار بنعمها الزائلة ، وإن للدنيا من الفتنة العظيمة ما يتغيّر به حال العباد من الثبات إلى الفتور ، ومن القوة إلى الضعف ، من هنا حذّر خالقها سبحانه من الاغترار بها فقال : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } .
إنه لابد أن نعلم أن أيام الدنيا كأحلام نوم ، أو كظل زائل ، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا ، ، وإن سرّت يومًا أو أيامًا ساءت أشهرًا وأعوامًا ، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً ، وما حصّلت للعبد فيها سرورًا ، إلا خبّأت له أضعاف ذلك شرورًا .(2/326)
إنما الدنيا فناء *** ليس في الدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت *** نسجته العنكبوت
يقول الحسن البصري : والذي نفسي بيده ، لقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه .
غير أنك أيها العبد لك أن تجعل هذه الدنيا بزينتها وبهرجها طريقًا إلى جنة ربك ، كيف لا وهي مزرعة الآخرة وطريق لها ، وهي وإن كانت ممرًا ، فإنها توصلك إلى المقر ، فاختر مقرك في ممرك .
لا تتبع الدنيا وأيامها ذمًا *** وإن دارت بك الدائرة
من شرف الدنيا ومن فضلها *** أن بها تستدرك الآخرة
قال الفضيل _ رحمه الله _ : جعل الله الشرَّ كله في بيت ، وجعل مفتاحه حبَّ الدنيا ، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا .
وقال رجل للفضيل بن عياض : كيف أصبحت يا أبا علي ؟ فكان يثقل عليه : كيف أصبحت ؟ وكيف أمسيت ؟ فقال : في عافية ، فقال : كيف حالك ، فقال : عن أيّ حال تسأل؟ عن حال الدنيا أو حال الآخرة ؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا ، فإن الدنيا قد مالت بنا وذهبت بنا كل مذهب ، وإن كنت تسأل عن حال الآخرة ، فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه ، وضعف عمله ، وفني عمره ، ولم يتزود لمعاده ، ولم يتأهب للموت ، ولم يخضع للموت ، ولم يتشمر للموت ، ولم يتزين للموت ، وتزين للدني(16).
قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ : إِنِّي لَفِي الرَّكْبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَتَى عَلَى سَخْلَةٍ مَنْبُوذَةٍ ، فَقَالَ : أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا ؟ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا ، قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا ) (17) .(2/327)
فإذا علم العبد قيمة هذه الدنيا عند الله ؛ بأن نعيمها يفنى ، وجديدها يبلى ، علم أنه لم يخلق لها ، وإنما خلق للآخرة ، فجد في العمل لها ، ومزّق ثوب الفتور والتواني عن جسده ، ولبس ثوب المثابرة في عبادته ، ممتثلاً قول الله تعالى : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }.
السبب الخامس : طول الأمل ، وهذا هو قاتل الهمم ، ومفتر القوى ، قرين التسويف والتأجيل ، وحبيب الخاملين الهاملين ، وعدو الأتقياء النابهين .
ويكفي طول الأمل مذمة الله له ، حيث قال في كتابه : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - واصفًا تعلق الإنسان بالدنيا وطول الأمل فيها : ( لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ : فِي حُبِّ الدُّنْيَا ، وَطُولِ الْأَمَلِ ) (18) .
المرء يرغب في الحيا ة وطول عيش قد يضره
تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مرّه
وتسوءه الأيام حتى ما يرى شيئًا يسرّه
( قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً ، وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ ) (19) .
أخي الحبيب : قل بربك ، أي عمل سوف ينجزه المؤمن إذا كان طول الأمل يحيط بفكره ، ويملأ عليه حياته ، كلما سمع نداء الجد ، قال : غدًا ، كلما سمع صوت العمل ، قال : سوف وسوف ، من هنا تصاب الهمة بالتقاعس ، وتنتهي إلى الكسل والخمول .
قال الحسن البصري : (( تؤمّل أن تعمّر عمر نوح ، وأمر الله يطرق كل ليلة )) .
يؤمّلُ دنيا لتبقى له*** فوافى المنية قبل الأمل
حثيثًا يروّي أصول الفسيل *** فعاش الفسيل ومات الرجل(2/328)
السبب السادس : من أسباب الفتور : تحميل الإنسان نفسه في عبادته ما لا يحتمل عادة ، فإنه وإن استمر على فعل الطاعة مع ثقلها عليه ، إلا أنه سيصيبه الفتور بعد ذلك ؛ لمخالفته المنهج النبوي الكريم ، وهو أن المؤمن ينبغي أن يأخذ من الأعمال ما يطيق ، حتى لا يصاب بالملل والسآمة ، فيعود هذا على ترك العمل نهائيًا .
وقد أرشد الله تعالى إلى ذلك فقال : { اتقوا الله ما استطعتم } .
وعلم عباده ذلك الدعاء الكريم فقال : { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } .
وهاهو نبي الأمة - صلى الله عليه وسلم - يرسم الطريق المستقيم في العمل بالعبادة ، وهو التوسط فيها ، فلا إفراط ولا تفريط ، حتى يبقى المسلم على صلة دائمة لا تعرف الفتور ، وطريقة مستمرة لا تعرف الانقطاع ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا ، وقاربوا ، وأبشروا ) (20) .
ويدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم في المسجد ، فإذا حبل ممدود بين ساريتين ، فقال :
( ما هذا الحبل ؟ قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلقت ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا ، حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا فتر ، فليقعد ) (21) .
ويتوعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المتنطعين في الدين ، المشددين على أنفسهم في العبادة بما لا يطيقون بالهلاك ، فقال : ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثًا (22) .(2/329)
واستمع إلى قصة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في طلبه الزيادة في العبادة بما لا يطيق ، كيف انتهت قصته بتمني الاعتدال والتوسط الذي أرشده إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حيث قال عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِي اللَّه عَنْهما : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عَبْدَاللَّهِ ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ ، فَقُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ ، [ قال عبد الله بن عمرو عن نفسه ] : فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ ؛ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً ، قَالَ : فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام ، وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ ، قُلْتُ : وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام ؟ قَالَ نِصْفَ الدَّهْرِ ، فَكَانَ عَبْدُاللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ : يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ) (23) .
وفي حديث آخر يحذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه من الانقطاع عن قيام الليل ، فيقول فيه : ( يا عبد الله ، لا تكن مثل فلان ، كان يقوم الليل ، فترك قيام الليل ) (24) .(2/330)
قال ابن حجر _ رحمه الله _ : ( إن المقصود بالحديث هو الترغيب في ملازمة العبادة ، والطريق الموصل إلى ذلك ؛ هو الاقتصاد فيها ، لأن التشديد فيها قد يؤدي إلى تركها وهو مذموم ) (25) .
ويشير الإمام الشاطبي _ رحمه الله _ إلى هذا المعنى فيقول : (( إن المكلف لو قصد المشقة في عبادته ، وحرص على الوقوع فيها ، حتى يعرض نفسه لمضاعفة الثواب ، فإنه يعرض نفسه في واقع الأمر لبغض عبادة الله تعالى ، وكراهية أحكام الشريعة ، التي غرس الله حبها في القلوب ، كما يدل عليه قوله تعالى : { ولكنَّ الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } ، وذلك لأن النفس تكره ما يفرض عليها ، إذا كان من جنس ما يشق الدوام عليه ، بحيث لا يقرب وقت ذلك العمل الشاق ، إلا والنفس تشمئز منه ، وتود لو لم تعمل ، أو تتمنى أنها لم تلتزم )) (26).
ويكفينا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَلَّتْ ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا ) (27) .
السبب السابع : الابتداع في الدين ، وإنه لسبب خفي من أسباب الفتور ، ومدخل للشيطان على النفس البشرية قلما تتنبه له ، وذلك لأن هذه الشريعة الغراء ليست من صنع البشر ، بل أحكامها إلهية ، مصدرها الوحي ، جاءت مؤصلة بكلام الله تعالى ، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي : بالوحي الذي لا ينطق عن الهوى ، من هنا كانت أحكامها متصفة بالحكمة ، قائمة على المصلحة ، مملوءة بالرحمة ، وكان على العبد أن يقتصر عليها دون زيادة أو نقصان .(2/331)
أما النقصان ، فالخلل فيه واضح لا يحتاج إلى بيان ؛ لأنه لا يجوز أن يفعل الإنسان ما يحلو له من الدين ويترك ما لا يهوى ، فقد قال الله تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} .
وأما الزيادة على الدين ، ولو كان ذلك بإنشاء العبادات أو الأذكار ، أو ابتكار طرق جديدة في أداء الطاعات ، فإن في ذلك كله زيادة في التكليف ، ومشقة على العباد ، بسببها قد يبغض الإنسان العبادة المفروضة من ربه ، والمشروعة من نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك لضيق وقت الإنسان ، وتزاحم الواجبات عليه ، مما يؤدي إلى ترك المطلوب المشروع ، لفعل المبتدع المرفوض ، وإنك سوف تجد هذا بوضوح في شأن المبتدعة ، حيث ينشطون لبدعتهم ، ويفترون عما أوجب عليهم ، فما أجمل الاكتفاء بالسنة النبوية ، وما أروع الاقتداء بالحبيب - صلى الله عليه وسلم - ، وما أفضل السير على منهاج سلف الأمة المهديين .(2/332)
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قال : ( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ فَقَالَ : أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) (28) .
وكم يفرحنا كثيرًا هروب جملة من المبتدعة من ضلالة البدعة ، بعد أن أرهقتهم تكاليف بدعتهم ، ولكن يحزننا وقوعهم في نار المعصية ، ولا غرابة في ذلك ؛ فالبدعة ليس مصيرها الفتور عن العبادة المشروعة فحسب ، بل الضياع والحيرة في الأمر كله .
يقول ابن القيم _ رحمه الله _ : (( كان السلف يسمون أهل الآراء المخالفة للسنة ، وما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... يسمونهم : أهل الشبهات والأهواء ؛ لأن الرأي المخالف للسنة ، جهل لا علم ، وهوى لا دين ، فصاحبه ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، وغايته الضلال في الدنيا ، والشقاء في الآخرة )) (29)(2/333)
السبب الثامن : الرفقة السيئة ، وهي الأخطبوط الذي يضم المصاب بداء الفتور ، كلما حدثته نفسه بالعودة إلى الثبات ، والعزيمة على الرشد ، فتنته هذه الرفقة بعرض جديد من ألوان الهوى ، وصور الفساد والخنا ، فتراه يتوهم السعادة في مجالستهم ، والسهر معهم ، وإنها
لسعادة { كَسَرَابٍ بقيعة يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءه لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } . وسوف يوفي الله تعالى المغتر برفقة السوء حسابه ، ويريه كيف تكون الحسرة ، فإن كان المتحسر في الدنيا يعض على إصبع واحد حسرة وندامة ، فلسوف يعض على كلتا يديه فجيعة وقهرًا .
وقد صور الله تعالى هذه الحسرة فقال : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(27)يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا(28)لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا } .
الله أكبر : كم هدمت رفقة السوء من لبنات الخير في نفوس كثير من الناس ، لهو ولغو ، وغيبة ونميمة ، ونظر إلى الحرام ، واستهانة بالدين ، وسخرية بالصالحين ، وقتل للوقت ، وتضييع للتكاليف .(2/334)
فواعجبًا ممن ذاق حلاوة الإنس بالصالحين ، كيف يفارقهم ؟ يذكرونه بالله ، ويحيون في نفسه محبة الدين والعمل له ، كلما رآهم زاد إيمانه إيمانا ، يعود منهم تشتاق نفسه لأداء العبادة ، يرغبونه في الخير ، وينهونه عن الشر ، ويكفي القول فيهم : هم القوم لا يشقى جليسهم ، ولعل من أنفع الدواء لضعف الإيمان : الصحبة الصالحة التي تذكر المسلم بالله عند غفلته ، وتعينه على طاعة ربه ، وقد أوصى الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمرافقتهم فقال : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ أتعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } .
احذر _ يا رعاك الله _ من صحبة البطالين ، فإنهم موتى القلوب ، ولا يورثونك إلا موتًا ، ولا يكسبونك من الله إلا بعدًا ، فاجتنبهم كما تجتنب الداء العضال ، والوحوش المفترسة ، واربأ بنفسك أن تجالس من انحطت همتهم ، وتمرغت في الخطايا كرامتهم ، فانفر بنفسك قبل أن تحترق بكيرهم ، أو تختنق من دخانهم .
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ : إِمَّا أَنْ يُحْذيَك وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ : إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) (30) .
ولقد حذّر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - من مصاحبتهم فقال : { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } .(2/335)
السبب التاسع : الانفراد والعزلة ، ففي زمن كثرت فيه المغريات ، وتنوعت فيه وسائل الشهوات ، وسهلت فيه الخلوة بما حرم من المثيرات ، أصبحت العزلة وسيلة إلى الفتور ، وطريقًا إلى الخور والضعف ؛ لأن المسلم حينما ينفرد لا يعرف صوابه من خطئه ، ولا قوته من ضعفه ، فتراه يسير متخبطًا في عمى ، بلا دليل يدل ، ولا حكيم يرشد ، فيسهل قياده من الشيطان للتقصير والهوى ، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية .
من هنا : جاءت التعليمات النبوية بالأمر بالتمسك بالجماعة ، والتحذير من الفرقة والاختلاف ، لأن الله لا يجمع الأمة على ضلالة ، فمن تمسك بهديها اهتدى ، ومن شق جماعتها ضل وغوى .
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ) (31) .(2/336)
ولعلك _ أيها القارئ الكريم _ تذكر قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين رجلاً ، فإنه لما هداه الله تعالى على يدي ذلك العالم ، وتأكد العالم من توبته وصدق إنابته ، لم يتركه يعبد الله وحده ، بل قال له : ( انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ ، أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ ) رواه مسلم .
وإنها لثمرة يانعة لمن قصد الله بالتوبة ، وقصد أهل الخير والصلاح ليعينوه بعد الله على عبادة الله تعالى ، فلنعم القصد ، ولنعمت النتيجة .
السبب العاشر : عدم معرفة الله حق معرفته ، والجهل بعظمته في النفوس ؛ فإن من عرف الله تعالى بأسمائه وصفاته ، لم تجرؤ نفسه على التقصير في عبادته ، أو الوقوع في معصيته ، أو الخلوة بالخطيئة ، أو المجاهرة بالسيئة .
ومن جهل برقابة الله عليه ، وسمعه لكلامه ، ونظره إليه ، وعلمه بحركاته وسكناته ، ولم يؤمن بقدرة الله عليه ، أو تغافل عن هذا كله ، فقد نزع عن نفسه لبوس الحياء من الخالق سبحانه ، ومن لم يستح فليصنع ما يشاء ، فلا عجب بعد هذا إذا فتر أو قصر .(2/337)
فأين هؤلاء من قول الله تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } .
أخي الحبيب : إن من تأمل أحوال المتنكبين عن طريق الهداية بعد التزامهم بها يجد غفلتهم عن عظمة الله I تتربع في قلوبهم ، وإلا فهل يستخف بالمعصية من يعلم بأن الله يراه ويسمعه ويحاسبه ، وهل يسرق الناس أموالهم من يعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، وهل من يستعلي على الخلق ويظلمهم يوقن بقدرة الله عليه ؟؟ إن لتعظيم الله في النفوس لأثراً يعلم به الذين أسهروا ليلهم قياماً لله ركعاً وسجدا، وأمضوا نهارهم صياماً وذكرًا .
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** وأن ما تخفي عليه يغيب
السبب الحادي عشر : استحقار صغائر الذنوب ، والاستهانة بعقوبتها ، وإنها والله القطرات التي أجرت سيول الفجور ، والحصى الصغيرة التي تراكمت منها جبال الذنوب ، فمرة نقول : صغائرُ ، ومرة نقول : لممٌ ، وما الأمر إلا ملائكة يكتبون ، وصحف تملا ، ورب يحصي ، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فهل علم الفاتر عن الطاعة ذلك كله ؟
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا ، فَأَجَّجُوا نَارًا ، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا ) (32) .(2/338)
قال بعض السلف : ( تسامحت بلقمة فتناولتها ، فأنا اليوم من أربعين سنة إلى خلف ) .
خل الذنوب كبيرها وصغيرها ذاك التقى
واحذر كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقر صغيرة إن الجبال من الحصى
السبب الثاني عشر : التعلق في الالتزام بالدين بالأحياء من الصالحين ، وإنه السوس الذي ينخر في دين الإنسان من حيث لا يشعر ، فكم يفرح المرء بهدايته ، غير أنه لم يهتد إلا لأجل إعجابه بشخصية فلان ، أو استحسانه صوته أو صورته ، حتى يصل الأمر بأن يتبعه في كل شيء ، ويقلده في كل أمر ، فإذا ما أصيب قدوته بالفتور ، لحقه فيه دون تردد ، ولو انتكس ، انقلب كما انقلب على عقبيه ، وإنه لا يضر الله شيئا .
إنه يجب أن نقتدي في سائر عباداتنا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبسلفه الأخيار ، لا نرتضي بهم بدلا ، وليكن ذلك نبراسنا في دعوتنا الناس إلى منابر الهداية المضيئة ، فإن الأحياء لا تؤمن عليهم الفتنة .
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( من كان منكم مستنًا ، فليستن بمن مات ، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كانوا خير هذه الأمة ، أبرها قلوبًا ، وأعمقها علمًا ، وأقلها تكلفًا ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ونقل دينه ، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا على الهدي المستقيم ) (33) .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
السبب الثالث عشر : الانشغال بالعلوم العلمية البحتة ، والانفتاح على شتى وسائل تحصيلها ، من دون تفريق بين ما حلّ منها وما حرم ، كالتعذر في تعلم اللغة الإنجليزية برؤية الأفلام الأجنبية ، أو الاطلاع على مواقع منحلة في شبكة الانترنت ، أو السفر إلى الخارج من غير أخذ الأهبة الدينية التي يجب أن يتسلح المسلم بها قبل ذهابه إلى هناك ، أو السكن مع إحدى الأسر الكافرة ، والاختلاط بهم ؛ بحجة إجادة التعلم والاضطرار إليه .(2/339)
فكم فجع الإنسان في دينه ، حينما رأى نفسه تنحدر من سبيل التعليم إلى سبيل الغواية والانحلال ، وما ذاك إلا بسبب نظرة محرمة ، وإنها لتقع في قلبه كالسهم المسموم ، الذي يردي قلبه بعد الحياة ميتًا ، وبعد الهداية ضالًا ، فليحكّم الإنسان الشرع في أفعاله وتصرفاته ، ولا يكن مفتيًا لذاته ، حاكمًا بهواه ، { وما كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } .
السبب الرابع عشر : الغفلة عن محاسبة النفس ، فترى أحدنا يسير في هذه الدنيا ولم يجعل على نفسه حسيبًا ، فتكثر عثراته ، وتتضاعف زلاته ، لا يعرف ما فعل ، ولا يدرك ماذا قال ، ولا يتراجع عن خطأ ، ولا ينشط لفعل طاعة ، كل تصرفاته مرتجلة ، لا يضع لنفسه أهدافًا ، ولا يسأل نفسه ماذا أنجز في يومه ، وكم قصّر في حق ربه ، وكم ضيّع من حقوق عباده ... .
فهل حاولنا أن نخلو بأنفسنا ساعة نحاسبها عما بدر منها من الأقوال والأفعال ؟ وهل حاولنا يومًا أن نعد سيئاتنا كما نعد حسناتنا ؟ بل هل تأملنا أن طاعتنا قد لا يخلو بعضها من الرياء والسمعة ، كيف القدوم على الله _يا عباد الله _ ونحن لأنفسنا غير محاسبين ، ولحساب الله غير مطيقين ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا ، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية )) .
إن محاسبة النفس _ أيها الأحبة _ هي من شأن الصالحين الأتقياء ، المخبتين الأنقياء ، المنيبين الأصفياء ، الذين لبوا نداء الرحمن حينما قال : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .(2/340)
ألم تروا إلى الصديق رضي الله عنه كيف كان يمسك بلسانه ويقول : ( هذا الذي أوردني الموارد ) ، ألم تسمعوا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب نفسه بدرته فيقول : ماذا فعلت اليوم ؟ وأن الأحنف بن قيس رضي الله عنه كان يضع إصبعه على السراج فيقول : لماذا فعلت كذا وكذا يا حنيف ؟
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا *** فإنما الربح والخسران في العمل
قال ميمون بن مهران : ( لا يكون العبد تقيًّا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ، ولهذا قيل : ( النفس كالشريك الخوان ، إن لم تحاسبه ذهب بمالك ) .
أخي الحبيب : إن محاسبة النفس في الدنيا ، كفيلة أن تريحك من عناء الحساب في الآخرة ، فإن من نوقش الحساب فقد عذب ، أما يكفيك بذلك أن تتعرف على أخطاء نفسك فتصلحها ، أما يحثك هذا على الندم على اقتراف الذنب ، والإقلاع عن المعصية ، أما تشعرك مساءلة نفسك بعفو الله وحلمه عليك أن لم يعجل عقوبته بك ، أو يقبضك على ما أنت عليه من المعصية ، أما تعطيك مراجعتك أعمالك دفعة قوية للاجتهاد في العبادة وفتح صفحة جديدة ناصعة البياض ، هدفك فيها أن تملأها بالطاعة والإحسان ؟
يقول الحسن البصري : ( إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه ، وكانت المحاسبة همته ) .
علاج الفتور
إذا كنا قد عرفنا جملة من أسباب الفتور في العبادة ، ووضعنا أيدينا على الداء ، فقد جاء دور الكلام على الدواء .(2/341)
إن الدواء الناجع لداء الفتور هو بإيجاز قطع كل الأسباب التي سبق ذكرها ، التي من شأنها أن توقع المسلم في خنادق الفتور ، ومهاوي التقصير ، ليسلك بدلها وسائل الثبات ، وطرق الالتزام بالهداية ، فيعظم العبد ربه في قلبه ، ويطبع هذا التعظيم على أقواله وأفعاله واعتقاده ، ويتّبع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا زيادة أو نقصان ، ويضع الموت والنار والجنة نصب عينيه ، يرجو رحمة ربه ، ويخاف عذابه ، معظمًا في ذلك شعائر الله ، فإن ذلك من تقوى القلوب ، متعاهدًا لنفسه بالمحاسبة ، وبالرفقة الصالحة ، وبالوعظ والتذكير ، مبتعدًا عن طرق الهوى والفتنة بشتى وسائلها ، مرددًا دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ) (34) .
أسأل الله سبحانه أن يحبب إلى إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، وأدخلنا الجنة مع الأبرار ، برحمتك يا عزيز يا غفار .
وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأجمعين .
لإبداء النقد البنَّاء اتصل على جوال : 054930209
والبريد الإكتروني bomazenf@maktoob.com
----------------------------------
(1) انظر : لسان العرب ، ( فتر ) ، 10/174.
(2) رواه الترمذي ، وابن ماجه ، والدارمي ، وإسناده حسن ، ورواه الحاكم وصححه .
(3) رواه مسلم .
(4) رواه أحمد وهو صحيح .
(5) رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ، وإسناده صحيح .
(6) رواه مسلم .
(7) رواه الحاكم وهو صحيح .
(8) رواه أبو نعيم .
(9) رواه مسلم .
(10) رواه مسلم .
(11) رواه مسلم .
(12) رواه البخاري .
(13) ذكره البخاري في صحيحه .
(14) رواه البخاري .
(15) رواه أبو نعيم .
(16) حلية الأولياء 8/86 .
(17) رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما وهو صحيح لغيره .
(18) رواه البخاري .
(19) ذكره البخاري في صحيحه .
((2/342)
20) رواه البخاري .
(21) رواه البخاري ومسلم .
(22) رواه مسلم .
(23) رواه البخاري .
(24) رواه البخاري ومسلم .
(25) فتح الباري 1/46.
(26) الاعتصام 1/222 .
(27) رواه البخاري .
(28) رواه البخاري .
(29) إغاثة اللهفان 2/139 .
(30) رواه البخاري .
(31) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .
(32) رواه الإمام أحمد ، وهو صحيح .
(33) رواه أبو نعيم .
(34) رواه مسلم .
-ــــــــــــــــــ
أهمية عمل المرأة في الدعوة إلى الله وضروريته في زمننا الحاضر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
تتشرف الشبكة النسائية العالمية باستضافة الشيخ الفاضل سفر بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله تعالى ورعاه وذلك في باكورة سلسلة محاضراتها عبر غرفتها المتواضعة على البالتوك نفع الله بها الإسلام والمسلمين وأثاب شيخنا الفاضل بالفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين على حسن تعاونه وتلبيته دعوتنا لإلقاء هذه المحاضرة التي عنوانها (( أهمية عمل المرأة في الدعوة إلى الله وضروريته في زمننا الحاضر))
فليتفضل شيخنا الكريم مشكورا مأجورا .
( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فاللهم لك الحمد أولا وآخرا وظاهرا وباطنا على ما أنعمت به علينا من نعمة الإيمان والإسلام نشكرك كما يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك ثم نشكر بعد ذلك الإخوة الكرام والأخوات الكريمات الفاضلات الذين واللاتي حرصوا جميعا على هذا اللقاء نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا جميعا بما نقول وما نسمع وأن يجعل ما نعلم وما نتعلم حجة لنا لا علينا إنه على كل شيء قدير.(2/343)
الواقع أيها الأخوات الكريمات أن الأسئلة الكثيرة التي وصلت إلينا كافية في أن نتحدث وليتنا نفي الحديث عنها .
كنت أريد أن أقدم ببعض الأمور أو المقدمات الكليات أوالقواعد العامة ثم رأيت أن كثيرا من هذه الأسئلة يشتمل على هذه القواعد ولذلك رأيت أن أبدأ مباشرة بالإجابة وما يفتح الله تبارك وتعالى به من مناسبة لأصلٍ أوقضيةٍ كبرى من قضايا المجتمع الإسلامي ، قضايا المرأة المسلمة قضايا دعوتها وقيامها بواجبها في عباده الله تبارك وتعالى وتحقيق ما أمر به وغير ذلك ، فكل ما يمكن أن يفتح الله تبارك وتعالى به عليّ فيأتي بإذنه تعالى في ثنايا هذه الأجوبة نسأل الله أن ينفعنا وإياكم جميعا بها إنه على كل شيء قدير.
السؤال الأول كما هي مرتبة عندي هنا :
من أخت تتحدث عن المرأة الداعية الصابرة المحتسبة التي تقوم بأعمال الخير وتنجزها وتضيق أوقاتها بذلك لكن القضية هي أو المشكلة ( أنا أختصر لأن السؤال طويل ) هي الفتور الذي يعتريها في بعض الأوقات فهل من كلمة يارعاكم الله لها لتكون دافعا لعلو همتها وبلسما لآلامها ومشاقها التي تعيقها في طريق الدعوة؟(2/344)
* فأقول لنفسي ولإخواني وأخواتي الفاضلات جميعا إن مسألة الضعف أو الفتور هي مما شكى منه الصالحون والزهاد وأولياء الله تعالى العباد الذين عرفوا حقارة هذه الحياة الدنيا وأنها إنما هي مزرعة ووقت يغتم للعمل للآخرة فاجتهدوا في ذلك وعرفوا عظيم رضوان الله تبارك وتعالى على من جاهد في سبيله واجتهد في طاعته ورضاه ومن صابر في ذلك وصبر فلما عرفوا هذا وهذا وجدوا أن النفوس البشرية لا تحتملهما بل تعاني من الضعف وتعاني من الفتور وتعاني من أن الحالة التي يرضاها ويرغبها المؤمن لنفسه حالة الخشوع والرغبة والرهبة ، حالة الإنابة إلى الله تبارك وتعالى ، حالة اليقين ، حالة الدمعة التي تذرف لذكر الله عزو جل أو للتفكر في شيء من آلائه ، هذه الحالة لا تدوم ..بل تعقبها حالات من فترات وحالات من أشغال الدنيا ومشكلاتها وحالات من معافسة الأهل والأزواج كما قال حنظلة رضي الله عنه ، وحالاتُ وحالات ، تنتاب القلب البشري الذي لم يسمى قلبا إلا لتقلبه(2/345)
أقول : إن هذا هو الذي أرق العباد والزهاد من قبل ، وهو الذي يؤرقنا جميعا في هذه الأيام وهو مشكلة كبرى لا بد أن نشكو منها ولكن لابد أن نعترف بأنها حقيقة بشرية إنسانية فالله تبارك وتعالى اختص الملائكة الكرام بأنعم يسبحون الليل واانهار لا يفترون أما نحن فلا بد أن نفتر لما ركب فينا من الضعف البشري ( وخُلق الإنسان ضعيفا ) ولما ركب فينا من وجوب بأداء أو مؤهلات ومكونات تقتضي حقوقا وواجبات للزوج أو للزوجة أو الأبناء وللكدح في هذه الحياة الدنيا ولغير ذلك من الأسباب ، لكن الذي يعزي المؤمن والمؤمنة أنه مبتلى في كل الأحوال وأنه يؤجر على كل ما يصيبه من هم وغم ونصب وأنه يؤجر على كدحه لعياله ، وأنها تؤجر بحسن تبعلها لزوجها وغير ذلك من الأعمال التي جاءت هذه الشريعة الربانية المحكمة العادلة فرفعت مقدار العابد من هذه الأمة حتى جعلته يحتسب نومته كما يحتسب قومته وجعلته لا يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا كان له به أجرا ، فبهذا نستطيع أن نجعل المسألة ليست مسألة فتور عن الطاعة أو العبادة أو الدعوة بل نجعلها تقلبا لحالات معينة تمر بها النفس البشرية ونجعل في كل حالة من الحالات ، نجعل لها حقا وواجبا لا بد أن تؤديه ، فالرجل عندما يؤدي حق زوجته وأبنائه أو والديه أو حتى بالكد في الدنيا عليهم فإنه يؤدي عبادة شرعية فإن كان الفتور إنما هو لانشغال الإنسان عن قراءة القرآن أو الدعوة أو العبادة بمثل هذه الواجبات فالحقيقة إنما هو نُقلة من عبادة إلى عبادة ، من حالة يتقرب بها إلى الله إلى حالة أخرى(2/346)
الأمر الآخر أن طبيعة كون الإيمان يزيد وينقص هي تتمثل فيها حالة البلاء والابتلاء الحقيقية التي أُبتلينا بها { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } فالبلاء إنما يتحقق بذلك ولو أن المؤمن إذا آمن بالله تبارك وتعالى وبلغ درجة من اليقين لا ينزل عنها أبدا لما كان البلاء بمثل هذه الدرجة وبمثل هذه الخطورة ، لكن البلاء أنه يعقب ذلك ضعف ، يعقب اليقين شكٌ ويعقب الاجتهاد ضعفُ أو فتور ويعقب الإنابة و الخشوع والرغبة والرهبة فيما عند الله يعقبها غفلة أو إهمالُ أو تناسي لذكر الله سبحانه وتعالى ، يعقب الطاعة معصية .. وهكذا كل بني آدم خطاء
فأُجمل القول بأن هكذا خلقنا ربنا تبارك وتعالى ، وعلينا ان نجاهد وأن نقاوم وأن نعتبر ذلك جزءً من البلاء الذي ابتلينا به والعون في ذلك لا يلتمس إلا من الله عز وجل والتوكل عليه عز وجل في هذا هو أعظم التوكل كما قال جل شأنه { وتوكل على الحي الذي لايموت وسبح بحمده } فالتوكل عليه عز وجل في هذه أعظم من توكُل من توكَل من العباد والزهاد في تحصيل رغيفٍ أو عملٍ او معاشٍ أو أمرٍ من أمور الدنيا ، التوكل عليه تبارك وتعالى في الثبات على الصراط المستقيم والتوكل عليه في طلب الهداية والتوكل عليه في ثبات اليقين وحالة الخشوع وحالة الإنابة أعظم من ذلك بكثير وهو الذي كان عليه الأنبياء والعباد منذ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا جميعا منهم إنه على كل شيء قدير .
السؤال الثاني :
مجمله هو أن الإعلام الغربي يقوم بحملات واسعة وهجماتٍ على ديننا وعلى عقيدتنا وتنشرها وسائل الإعلام المختلفة ، فالسؤال كيف نستطيع مواجهة هذا التحدي ورجاء التبصير بمدى خطورة هذه الهجمات والحملات .. إلى أخره .؟(2/347)
* فنقول إيها الإخوة : هذا الدين منذ أن أنزل الله تبارك وتعالى وأهبط أبوينا من الجنة إلى الأرض وأهبط معهما عدوهما وعدونا جميعا الشيطان الرجيم ونحن نعاني من الكيد والمكر الشيطاني ثم كان للشيطان أولياؤه وأتباعه الذين تكاثروا والذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه فمنهم اليهود ومنهم النصارى ومنهم المشركون ومنهم المنافقون وغير ذلك من أولياء الشيطان الذين يمكرون مكرا لا تطيقه الجبال ، الذين يكيدون لهذا الدين ليلا ونهارا ، لا جديد في حقيقة هذا المكر ، والله تبارك وتعالى يسلي نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيقول : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } بأسلوب الحصر.. ما يقال لك إلا ماقد قيل لأولئك الركب الطاهر المؤمن من قبل فلا جديد في أصل الموضوع ، الذي استجد أيها الأخوات الكريمات هو أن التقنية الحديثة ..أن وسائل الإعلام الحديثة ..أن التواصل البشري الذي نتج عن صورة المعلومات التي تعيشها البشرية الآن _ والتي يبدو أنها لا تزال في أولها _ هو الذي أوجد أو جعل المشكلة تتضخم وتصبح الفكرة أو الموضة أو الموجة أو النزوة أو الانحراف أو الانحلال يمكن أن يصبح في أرض ولكن يمسي في أرض أخرى ويشرق ويغرب في أرض الله تبارك وتعالى في أيام بل ربما في ساعاتٍ ودقائق .. هذا هو الذي استجدَّ في هذا الموضوع .. الذي إذا ينبغي أن نتخذه في مواجهته هو مضاعفة وسائل الدفاع والهجوم معا(2/348)
الدفاع بمعنى التحصين من الشهوات والشبهات والقيام بواجب الدعوة إلى الله تبارك وتعالى في هذا ،، والجانب الأخر هو واجبنا في الدعوة أيضا أن نقوم نحن باستغلال هذه الوسائل الحديثة في الدعوة إلى الله عز وجل والإفادة من هذه التقنية وهذا التقدم وهذا التطور في نشر دين الله الحق بفضائله وقيمه وأخلاقه وسلوكياته التي تعجز عن الإتيان بها كل الأنظمة البشرية الوضعية فإن الله تبارك وتعالى هو الذي أنزل هذه الشريعة المحكمة وجعل ما عداها كما قال عز وجل { أفحكم الجاهلية يبغون } وكما قال تبارك وتعالى { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } فنحن عندنا شريعة الجاهلية وأهواء الذين لا يعلمون والذين لا يعلمون هم الجاهليون والجاهلون بأمر الله ودينه الحق وإن علموا شيئا من ظاهر الحياة الدنيا فلا يضر ذلك بكونهم جاهلين ،أقول هذا من جانب .. والجانب الآخر هم أو أعداءهم هم المؤمنون .
الشريعة الإيمانية في جانب والشريعة الجاهلية في جانب .. والوسائل المادية هي مما يتنازعه الطرفان كما كانت صناعة الرماح والسيوف مثلا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فتصنع للمؤمنين وللكافرين ، وهذا يقاتل بها دفاعا عن دين الله وجهاد في سبيل الله وذاك يقاتل بها رياءً وكبراً وخيلاء وإظهارا للباطل على الحق وهكذا..
إذا الواجب علينا في هذه الحالة هو أن نكثر ونعمق الدعوة والإيمان من خلال الاستخدام الأمثل والأفضل لهذه الوسائل الحديثة التي تقوم بهذا السوء ونقلبها ونحولها بإذن الله تبارك وتعالى إلى أداة للخير والبشائر في هذا الحمدلله مشجعة وكل من جرّب من الإخوة أن يستخدم هذه الوسائل رأى خير ذلك والله عز وجل ينمي الخير ويباركه ويحق الحق بكلماته ويمحق الباطل ويزهقه ويدمغه وهذا رجاؤنا وثقتنا فيه تبارك وتعالى
السؤال الثالث(2/349)
من أخت في الله تقول أو موجزه : أن مجموعة من القتيات متساهلات في أمر دينهن لا يتحجبن الحجاب الكامل ويتبعن الموضات الأزياء وقد يقمن صداقات محرمة إلى آخره ، السؤال كيف نستطيع تغيير مجرى حياتهن وجعل همهن أن يكون همهن هو خدمة هذا الدين والدعوة إليه والأمر صعب ويحتاج إلى جهد كبير معهن .؟
* لا شك في ذلك يعني ما يمكن أن نسميه الغافلات وكلنا غافل نسأل الله أن يصلح أحوالنا ويجنبنا ذلك ، كلنا في غفلة إلا مارحم الله عز وجل هؤلاء الأخوات الغافلات أخواتنا في الإسلام اللاتي أحوج ما يكون إلى النصح والهداية لاشك أن العمل معهن يتطلب جهدا وعملا دائبا ، ويتطلب مصابرة ومثابرة وسعيا دؤوبا ، وتجارب ، بل .. منهجية تأخذ من التجارب وتفيد من هذه الأعمال وترتبها وتنظمها لتقديم الخير في أفضل وأزكى وأقرب صورة تطمئن أو ترق بها قلوب هؤلاء الأخوات والإخوة جميعا على أيه حال ، يعني مسألة تغيير العاصي إلى أن يكون مطيعا ، أو المبتدع إلى أن يكون مستقيما على سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هي أيضا كتغيير الكافر او من جنس تغيير الكافر ليكون مسلما وإن كانت أخف عبئاً ، لكن على أية حال هذا عمل الأنبياء وهذه وظيفتهم وهذا شأنهم ، وهذا هم من وفقه الله تبارك وتعالى لاقتفاء طريقهم { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }(2/350)
أذكّر الأخوات الكريمات بأمر قد يغيب عن الأذهان : أن لانكتفي بمجرد إحكام المنهج الدعوي في كونه كلمةَ او شريطا أو فيلما أو نشرةً وتقديمه بأفضل الوسائل وما إلى ذلك بل نحتاج إلى امر قبل ذلك ومعه وبعده وهو الإخلاص لله سبحانه وتعالى والاجتهاد في الدعاء والضراعة إليه بأن يهدي الله تبارك وتعالى من ضل ويذكر من غفل وأن يجعلنا جميعاً هداةً مهتدين .. هذا الاهتمام وهذا الدعاء هو مما تتواصل به القلوب وقد لا تدركه الأبدان وقد لا يدخل تحت اختبارات المعامل والتجارب لكن القلوب عندما تتخاطب وتتجاوب الله عز وجل يفتح من الأساليب ما لا يدركه البشر ، والكلمة الطيبة لا تضيع إذا خرجت من قلب صادق فإنها مثل البذرة الصالحة لو لم تنجح أو تزرع اليوم فإنها بإذن الله تبارك وتعالى إذا وقع عليها المطر ولو بعد حين جاءها الوابل الصيب وجاءها الخير فأنبتت ربما في مكان أو في زمان لا يظن من ألقاها أول مرة أنه هو الذي ألقاها وأنه هو الذي بذرها ولكن الحكيم العليم عز وجل يعلم ذلك فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى قيام الساعة سواء علم هو أو لم يعلم .
المهمة شاقة ، لا شك في ذلك .. والعمل صعب ، لكن واجبنا جميعا هو أن نجتهد فيه ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا فيه وعلى قدر الاجتهاد والتركيز مع فئة مؤمنة منتخبة صالحة تكون عمادا لقيام الأمة تكون النهضة العامة للأمة ، لابد من قاعدة قوية ، من نخبة ، فئة منتخبة مصطفاة منتقاة من الإخوة والأخوات يتربون بل يتزكون تزكية عالية منهجية وبهؤلاء وعليهم تقوم الأمة .(2/351)
يعني هناك أمران ..جانب البلاغ العام لكن أمر آخر ومهم جدا هو جانب التركيز على صفوة مختارة تقيم الحجة على العباد بالفقه وبالعلم وبالدين وبالزهد وفي الضراعة والإنابة والرغبة والرجاء إلى الله تبارك وتعالى ، فلا بد من السعي المتكامل في هذا الشأن وهو باختصار هو شأن الدعاة جميعا فأي كلام يمكنكَ أو يمكنكِ أيتها الأخت الفاضلة أن تقوليه في دعوتك إلى الله عز وجل فإنه يقال في هذا الموضع وهو شأننا جميع نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك جهودنا إنه على كل شيء قدير .
السؤال الرابع موجزه :
كيف ندعو نساء الغرب غير المسلمات إلى الإسلام وكيف تستطيع المرأة المسلمة أن تقوم بهذه المهمة ، التي تستخدم الإنترنت أو لا تستخدمه ، وأنه ليس كل الأخوات يملكن اللغة التي يمكن بها مخاطبة غير الناطقين بالعربية؟
* أولا أنا أشكر الأخت الفاضلة على أنها نبهتنا على جانب مهم وهو دعوة غير المسلمين وغير المسلمات للإسلام فهذا الجانب ربما يظن بعض الإخوة والأخوات أنه لا علاقة للمرأة به ، والحقيقة أن المرأة المسلمة مطلوب منها في دعوتها إلى الله أن تخاطب المشركات والكافرات كما تخاطب المسلمات ، أما الإمكانات والوسائل فهذه بما يقدره الله تبارك وتعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } علينا نحن أن ننشر هذا الدين بلغتنا ، باللغة العربية لمن يجيدها ونستفيد من الإخوة الذين يتقنون لغات أخرى ولا نعنى لغة واحدة بل لغات كثيرة ونحتاج كل اللغات الإسلامي منها وغير الإسلامي في نشر هذا الدين وتبليغه(2/352)
أرجع إلى ماقلته في السؤال السابق أن النخبة المصطفاة والقاعدة الصلبة القوية إذا أقيمت فإن الترجمة تصبح عملا عاديا ، بمعنى أن بإمكاننا _ونحن نرى هذا ولله الحمد_ بإمكاننا أن نترجم أي كتاب لشيخ الإسلام بن تيمية أو أي كتاب للشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه أو أي محاضرة لأي شيخ ، إما شفهيا وأما كتابيا ، يعني استكمال ذلك ليس بالأمر العسير وإن كنا لازلنا في الواقع متخلفين فيه ، لكن هو أمر ممكن مع نوع من الاجتهاد والمثابرة في هذا وهذا يغطي ذلك الجانب ، لكن المهم هو قيام أو وجود قاعدة قوية باللغة العربية من الإخوة والأخوات الذين يجيدون الدعوة إلى الله بهذه اللغة . ويبقى أنه لا يغني هذا عن الأخوات الداعيات اللاتي يتكلمن لغات أخرى من حيث الأصل أو ممن يتعلم اللغات الأخرى من الناطقات باللغة العربية فلاشك أن الواجب على الجميع بقدر الاستطاعة هو أداء هذا الفرض الكفائي الذي يريده الله تبارك وتعالى منا جميعا
الأخت الفاضلة ذات السؤال الخامس
في مقتبل العمر نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتها على الاستقامة التي تقول أن الله قد منّ بها عليها منذ فترة إلا أنها تشكو من بعد الوالد والإخوة عن الدين وبقائها في فراغ في بيت بلا زوج ولا وظيفة فماذا تفعل في إصلاحهم وتقول أنها تشعر باليأس وتردد اللهم أحييني ماكانت الحياة خير لي وتوفني ماكانت الوفاة خير لي إلى آخره ...؟(2/353)
* الدعاء هذا حق لكنه لا يدعى به بإطلاق إنما يدعى إذا اشتبهت الأمور ، نحن الذي نراه إن شاء الله في هذه المرحلة أنكِ لستِ في وضع غير طبيعي ، ووجود أخت أو أخ إنما أتكلم الآن للأخوات .. وجود أخت مستقيمة في بيت ليس بتلك الاستقامة ، أو وجود أخت ذات فراغ بلا زوج ولا عمل ، هذا أمر ليس بمستغرب ، هو من بلايا عصرنا المعقد ومشاكله التي يعاني منها كثير من الإخوة والأخوات فلذلك نحن نقول ليس في الأمر ما يقتضي الاقتراب من مرحلة اليأس .. لا ، نحن نقول أيتها الأخت الكريمة إننا مثل ما سبق الحديث آنفا نحتاج إلى صبر ومصابرة نحتاج إلى دعوة إلى الله تبارك وتعالى مستمرة ، نحتاج إلى إيمان ، إلى ضراعة إلى الله عز وجل في تثبيتنا واستقامتنا ، وتثبيت الأخوات اللاتي أيضا نريد أن ندعوهم ، والأهل والوالدين على نحو ذلك ، والله تبارك وتعالى في القرآن ضرب لنا أمثلة من هذا : فإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن إمام الموحدين الذي لا يمكن أن يقول أحد أنه لم يقم بواجب الدعوة أو لا يستطيعها او غير بليغ فيها إلى آخره .. هو عاني ما عانى من أبيه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك نلاحظ قصته مع عمه أبي طالب وهكذا فالقضية كما قال عز وجل : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء }(2/354)
والوالدين بالذات .. أوصي بالوالدين بالذات خيرا كما أمر الله تبارك وتعالى { وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي } المصاحبة بالمعروف حقٌ جعله الله تبارك وتعالى للوالدين المجاهدين لابنهما على الشرك وليس فقط للطيبَين الطاهرَين المخبتَين المنيبَين { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } فهناك نهي صريح بل براءة من ما يكون عليه الوالدان من الشرك ومع ذلك فهناك أمر بالمصاحبة بالمعروف أي المعاشرة والخدمة والقيام بالواجب والبر والصلة والإحسان وهذا من أعظم أسباب الدعوة ولكن ليس المقصود فقط الدعوة ، هو مقصود لذاته حتى لو لم يؤمن الأب وإن لم يهتدي لا يسقط حقه في البر وفي الوفاء معه ، أما مسألة عدم الزوج وعدم الوظيفة فهذه أمور يشتكي منها المجتمع ويجب أن تُحلّ لا عن طريق الأخت وحدها بل عن طريق الأخت والأخوات والمجتمع ككل يتعاون في هذا الشأن ويجتهد وإذا جاء الزوج وهو موظف فالحمد لله هناك غنى عن العمل وعن الوظيفة إلا وظيفة الأمومة والحياة الزوجية والقيام بالدعوة أيضا مع ذلك لكن المقصود أن هذا من واجب الجميع التعاون فيه وعلى الأخت الفاضلة أن تجعل دعاءها هو ان ييسر الله تبارك وتعالى لها الحياة الطيبة الكريمة وأن يمنّ عليها بزوج يسعدها ويعينها على تقوى الله وعلى طاعته ونحن جميعا ندعو ونقول آمين لها ولأخواتها أجمعين.
السؤال السادس :
عن المعركة بين الإسلام وأعدائه وأنها قائمة مستمرة وكل يوم تتجدد فيها الخطط ضد المرأة بالذات والأسرة إلى أن قالت الأخت الفاضلة فما هو سلاح المرأة المسلمة في هذه المعركة الذي تصول به وتجول لإعلاء كلمة الله والارتقاء بالدين ودحر أعداء الإسلام والتفافهم؟(2/355)
* نعم .. سلاح المقاومة ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه في آياتٍ كثيرة ، إن كانت مقاومة قتالية في حال قتالهم لنا ، وإن كان في حال هجومهم وتخطيطهم وعملهم لإخراجنا من ديننا فمن ذلك الصبر ، الصبر ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه كما قال الأمام أحمد لما عرضت عليه المحنة ، قال فتأملت في كتاب الله فوجدت الصبر في أكثر من تسعين موضعا { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } الصبر على هذا الدين ، الصبر لله والصبر بالله والصبر على أقدار الله كل ذلك مطلوب والصبر على الطاعة وعلى أدائها على أفضل وجه والصبر عن المعصية واجتنابها على أفضل وجوه الاجتناب والترك وأبعدها عن الاقتراب أو الوقوع في الشبهات مع الصبر على أقدار الله تعالى ومنها تسليط الأعداء علينا وإظهارهم لحكمٍ يعلمها عز وجل ، كل ذلك من الوسائل أو السلاح الذي تقاوم به المرأة المسلمة والأمة المسلمة أعداءها ، كذلك التقوى ، والتقوى والصبر متلازمان وهذه في الجملة أيها الأخوات الكريمات المصطلحات أو الكلمات القرآنية تتداخل في معانيها فالصبر واليقين والإحسان كلها تتداخل لكن كلُ منها له معنى يخصه ولا يشركه الأخر فيه ولا في جزئياته لكن عموما التقوى والصبر لا بد منهما وتقوى الله عز وجل أساس كل فلاح ولو لم يكن من ثمرات وفوائد تقوى الله عز وجل إلا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وأنه من يتقِ الله عز وجل يجعل له فرقانا فيفرق بين الحق والباطل ويعرف به الخير والشر لو لم يكن إلا ذلك فهذا خير كبير وعظيم عند الله عز وجل ، ثم هناك الدعاء وهو سلاح المؤمن كما جاء في الحديث وسلاح المؤمنة وقال - صلى الله عليه وسلم - (إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم بدعائهم وإخلاصهم ) فلا بد أن نجتهد بالدعاء ، الدعاء لهذه الأمة بالنصر والتمكين والثناء والرفعة والدعاء على أعداء الإسلام المحاربين لدين الله تبارك وتعالى والدعاء بالهداية لمن يحاول أن يجتهد في(2/356)
دعوته
ليهديه الله تبارك وتعالى كما قد سبق من قبل
الدعاء هو من التقوى ومن الصبر لكن خصوصيته لأنه ذكره الله تبارك وتعالى ورأيناه في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. والأنبياء ..دعا نوح عليه السلام ،ودعا موسى عليه السلام ،ودعا إبراهيم عليه السلام ، سواء كان الدعاء لهم (لقومه) أو عليهم وكذلك دعا محمد - صلى الله عليه وسلم - وكان يدعو وعلمنا الله تبارك وتعالى الدعاء بل إننا في الحقيقة في كل ركعة من صلاتنا ندعو فنقول اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين هذا كله من الدعاء وهو من أعظم الأسلحة التي نقاوم بها أعداء الله تبارك وتعالى ، مما يعيننا على المقاومة في هذا وهو من الأسلحة العديدة في هذا الثقة واليقين في نصر الله عز وجل . وإذا أردتِ أيها الأخت الفاضلة ، أي أخت منكن تريد أن تعرف حقيقة وأثر ذلك فلتنظر كيف قصّ الله تبارك وتعالى علينا في كتابه الكريم قصص الأمم الغابرة وكيف أرانا أيام الله في الذين خلوا من قبل وذكرنا بها وكيف حدثنا عن مصارع القوم وعن ما آلوا إليه وعن ما تركوا من جنات وعيون وزروعٍ ومقام كريم وعن خذلان الله تبارك وتعالى لهم ، كيف خانتهم قواهم وهم أحوج ما يكونون إليها .. كيف يفرون من مساكنهم التي طالما عمروها كيف تخونهم وتنهار أمامهم جيوشهم التي طالما جمعوها وألبوها ، كيف تنهار وتخسر أموالهم وتكون حسرة عليهم وطالما جمعوها وكنزوها وادخروها وانفقوها لحرب هذا الدين الجليل وهكذا ..(2/357)
نجد عبرا ، نجد أياتٍ يقرؤها الطفل المسلم وهو لا يزال في المرحلة الابتدائية بل دونها عن هلاك عاد وفرعون وثمود وأمثالهم وهذا مما يعيننا أن نعلم أن عدونا الحاضر الآن إن كان الصهيونيه العالمية وإن كان القوى الطغيانية الأخرى ، وإن تألب علينا الشرق والغرب والمنافقون معهم من داخل مجتمعاتنا فكل ذلك في الحقيقة إنما هو تكرار لما قد كان من قبل والنتيجة واحدة ، والمهمة التي(2/358)
علينا نحن هي الصبر والاستمرار واليقين بأن مصير هذا الدين هو الظهور والعلو والانتصار ومصير أولئك هو الدحور والخزي والعار في الدنيا والآخرة والله تبارك وتعالى يقول { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم } يعني بحنده الذين لا يعلمهم إلا هو { ولكن ليبلو بعضكم ببعض } أي إن هذا حكمة من الله عز وجل ليمتاز المؤمنون عن أولئك وليكون للنصر حلاوته وبهجته ورونقه .. لماذا ؟؟ لأنه يأتي بعد الجهد البشري ، بعد ما نبذل نحن من جهد بخلاف لو جاءنا مجانا بمجرد أن نقول أننا آمنا .. لا .. {أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } ما يمكن { ولقد فتنا الذين من قبلهم } لابد .. لكي ماذا . تظهر الحقيقة الساطعة التي هي في علم الله ثابتة ، لكن تظهر في الواقع البشري حقيقة الصادق من الكاذب ولكي يميز الله الخبيث من الطيب فاليقين في نصر الله عز وجل واليقين في أن كل قوى الطغيان والكفر في الأرض ستنهار وتدمر لسبب واحد هو الأساس وتأتي الأسباب الأخرى المادية تبعا ، وهو كفرها بالله وجحودها وطغيانها وبغيها وعدوانها وكل ذلك من الكفر ومظاهره وصوره ، هذا يجب أن يكون حاضرا في قلب كل مؤمن { لا يغرنّك } تحذير من الله سبحانه وتعالى { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاعٌ قليل } قليل .. مهما يكن فهو قليل ، يعني أكبر طواغيت العالم اليوم يحكم بلده أربع أو ثمان سنوات .. قليل ، ماذا يعني ذلك .. ماذا يعني ، نحن في عمرنا المحدود أيها الإخوة والأخوات ، عمرنا نحن المحدود هذا أدركنا امبرطوريات انهارت ، أدركنا انهيار فرنسا وبريطانيا مثلا اللتين كانتا الدولتين العظميين ثم انهيار الاتحاد السوفييتي هذا أدركه أبناؤنا سبحان الله .. وسوف نرى بقوة الله عز وجل انهيار القوة الطاغية الآن التي تتآمر علينا وعلى أمتنا نسال الله تبارك وتعالى أن يرينا فيهم عجائب قدرته وأن يكفينا شرهم إنه على كل شيء قدير
السؤال السابع :(2/359)
بعض الفتيات هداهن الله يرددن ما ينادي به دعاة التحرر _ وهو الرقّ حقيقةً _ والتغريب والعلمانية ويطالبن بحريتهن ويتضجرن من وجود المحرم أو ضرورة وجود المحرم معهن وتقييدهن بالحجاب الشرعي .. كيف نخلّص بنات الإسلام من هذه الأفكار والثقاقات التي يروج لها البعض ؟؟
* سبق في مجمل وفي مضمون الأسئلة الماضية ماقد يجيب عن هذا ، ربما يكون الجديد في هذا هو أن هناك دعاة .. ما يسمى دعاة التحرر والعصرية والتغريب كما ذكرت الأخت والعلمانية كلها ألفاظ متقاربة مترادفة ، المقصود في هذا الشأن أن المدلول واحد هو : المهمة الشيطانية .. وجود من يقوم بالمهمة الشيطانية ، المهمة الإبليسية الغاية الإبليسية { ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما } إظهار العورات هذه مهمة شيطانية حرص عليها إبليس عدو الله منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى أبوينا في الجنة ورآهما ، وذريته والمتواطئون معه لا يزالون حريصين عليها ، غاية ما يسعون إليه هو الإفساد والتعري لكي تتمرد المرأة المسلمة والفتاة المؤمنة تتمرد على ربها عز وجل وعلى دينه وعلى شريعته وعلى هدي نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتنسلخ من أخلاق أمهات المؤمنين الفاضلات التقيات ، هذا العمل أو هذا الجهد الذي يقوم به الآن البعض في ديار الإسلام يجب أن يقاوم(2/360)
وأقولها بكل صراحة الآن : يجب يا أخواتي الكريمات أن يقاوم منكن أنتن بالدرجة الأولى ، مهما كتبنا نحن أو قلنا يظل أننا نتكلم عن غيرنا أما إذا قامت الأخوات الفضليات بواجبهن وخاطبن ورددن وناقشن وبينن أن الحرية كل الحرية في تقوى الله عز وجل والالتزام بأمر الله وأن العبودية والرق والذل والمهانة والخزي والعار إنما هي في اتباع غير شرع الله تبارك وتعالى والتحلل والانحراف والانحلال وإن سمي ذلك تقدما وإن سمي عصرية وإن سمي ما سمي ، فما من سمٍ ولا شرٍ ولابلاءٍ في الدنيا إلا ولأهله اسمٌ يسمونه به من أسماء الزيف اللاتي يأتي أصحابها ، فلو قدموها للناس على أنها السم الزعاف ما قبلها أحد لكن تقدم في أثواب شتى من أثواب الزور والبهتان والشعارات الخادعة والمظللة لكي تسلب العقول ، مثلما سحر سحرةُ فرعون أعين الناس واسترهبوهم فيأتي هذا البهرج التقدم والحضارة والرقي والعصرية والتغريب إلى آخره فيسلب عقول ضعيفات الإيمان من المسلمات وبدلا من أن تعبد الله عز وجل وأن تطيعه تتعبد بقيود والتزامات يفرضها أصحاب الأزياء وأصحاب الأهواء وأصحاب الشهوات فيفرضون على المرأة شروطا باهضة وعلى الرجل ، الحقيقة تكون المرأة هربت من التكليف الشرعي الرباني وهو طمأنينة وهو راحة وهو هداية وهو استقامة إلى الالتزام لأهواء الذين لا يعلمون ولتشريعات وحي شيطان الجن والإنس إلى أوليائهم وهي في الحقيقة تحمل من معاني الذل والخزي و المهانة ما سبقت الإشارة إليه فأقول : أرجو من أخواتي الكريمات أن كل واحدة منهن تعد نفسها لتقوم هي بواجب في هذا الشان وكلما رفع أحد من هؤلاء عقيرته بنداء التغريب أو العلمنة أو التحرر يرفعن هن صوت الحق في وجهه رافضاتٍ ذلك رفضا قويا بأدلته من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - والعزيمة والإصرار على التمسك به وإن ارتدت عنه الدنيا كلها وإن نابذته الدنيا كلها العداء نسأل الله الثبات للجميع إنه على كل شيء(2/361)
قدير
السؤال الثامن :
كيف تستطيع الداعية الحصول على القبول بين الناس وكيف تتمكن مع كثرة الواجبات من متابعة مشكلات الأمة وهمومها والوقوف في وجه الغزو الثقافي .. إلى أخره؟
* كأني أفهم من الأخت في الحقيقة للسؤال جانبان : الجانب الأول القبول عند الناس ، والجانب الآخر التوفيق بين الواجبات أو التنسيق بينها .
أما القبول فهو أولا من عند الله تبارك وتعالى ، إذا أحب الله تبارك وتعالى نادى جبريل ونادى في الملأ الأعلى إني أحب فلانا فأحبوه فيحبونه فيوضع له القبول في الأرض ، وبالعكس أعاذنا الله وإياكم إذا أبغض عبدا من عباده ، ومعنى أنه من عند الله أننا بالإخلاص لله والتقرب لله عز وجل يمكن أن نحظى بالقبول لا لذاتنا لكن نريد للحق أن ينتشر ، ليس لذواتنا ولا نعني بالقبول مجرد التقرب بالطاعات ، بل من شروط القبول وصفاته ومؤهلات القبول أن نتحلى بأخلاق القبول أو متطلبات القبول التي هي أو منها : حسن الخلق والبشاشة واللين { فقولا له قولا لينا } فالقول اللين أدعى إلى القبول بلاشك بإجماع كل العقلاء ، الكلمة الحسنة أدعى ، البر والصلة ، تعجب كيف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع شدة عداوة المشركين له وتتبعهم له ولا سيما عند الهجرة وعن الاحتياطات التي عملوها للهجرة أن الأمانات _ أماناتهم _ تكون في بيته - صلى الله عليه وسلم - .(2/362)
الثقة في أمانة المؤمن ، في أمانة الداعية المسلمة وفي حبها وحرصها على الخير وإخلاصها هذه من أعظم مايعطي الله تعالى به القبول لها فتكون عند الناس الصادقة الأمينة وإن لم يستجيبوا لها في دعوتها كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - كذلك ، فللقبول مؤهلاته وهو على أية حال في جانب القبول بالذات يمكن الإفادة ( وفي غيره ) من الفوائد أو من التجارب البشرية الحديث منها والقديم في التعامل مع الخلق ، وهناك شيء منها جبلة وطبيعة كما كان كثير من الناس في الجاهلية والإسلام محببين إلى الخلق ، وهناك جانب مكتسب ، يكون الحلم بالتحلم ( إنما الحلم بالتحلم ـ وإنما العلم بالتعلم ) كما جاء في الحديث أيضا ، فكل شيء يؤتي بالاكتساب والمران والتدريب على ذلك حتى يحقق الإنسان لنفسه القبول ، ليس طبعا لذاته لكن لأننا نريد أن يقبل الناس الدعوة والناس الآن بالذات في هذا الزمن ملوا من شعارات تردد ويريدون حقائق يرونها في العدل أو الإخلاص أو الصبر أو القيام بالواجب أو النظام سواء كان ذلك على مستوى الدول أو المجتمعات والمؤسسات .
أما التنسيق بين الواجبات فينبغي أن نعلم أن تكاثر الأعباء هو المشكلة التي نشتكي منها جميعا وتداخل الواجبات وما لم يكن لدينا المقدرة على ترتيب الأولويات وعلى وضع كل شيء في موضعه وإعطاء كل ذي حق حقه فإننا نكون مقصرين وإن أفلحنا في بعض الجوانب وهذا لا ينبغي وقد يكون أيضا مما يوقع في الإثم ، فزوجةُ مثلا تترك حق زوجها وأبنائها وتقصر فيه تأثم وإن كانت داعية ناجحة والعكس ، يعني يجب أن يكون هناك منهج في التنسيق بين هذه الواجبات والأعباء والمهمات وهناك أكثر من توجيه أو حيلة إلى هذا .(2/363)
الواقع أنا أعتقد أن هذا من الأمور التي لايمكن أن ينفرد بها الأخ أو الأخت بذاته ولكن تكون بنظر من يعرف ذلك وممن يستشار في ذلك الزوج والزوجة ويستشار في ذلك أيضا المربي والموجه والأخوات المشاركات مثلا في العمل الدعوي ، يعني الكل ممكن أن يعطي رأيه في أنه : ماذا أصلح له ، وماذا علي أن اقوم به ، وكيف أوفق مع واجباتي الأخرى .
لماذا ؟ لأن الحياة البشرية مختلفة ، فكل أخت هي غير الأخرى بلاشك ، وتتشابه بعض الأعمال لكن يظل أن لكل إنسان طبيعته، وأن لكل زوج أو زوجة أيضا طبيعته الخاصة ، وعدد الأطفال يؤثر ونوعية العمل ، بل بعد المسافة أحيانا بين البيت والعمل مثلا تؤثر ، بل نوعية الأعباء في المنزل تؤثر ، التقاليد والعادات في هذا وطريقة استقبال الضيوف وكذا وكذا ،، لأن العمر هو هذه الأيام وهذه الساعات فكثير من العادات تفرض أحيانا على المرأة ساعات طويلة في المطبخ وفي كذا ، بينما نجد في بعض المجتمعات أنها لا تحتاج منها إلا دقائق أولا تحتاج منها شيئا وهكذا فلا بد أن يكون هناك مراعاة للفروق الفردية واستشارة ومن هنا قوله تعالى { وأمرهم شورى بينهم ) يصلح في هذه المسؤليات وفي غيرها نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا جميعا إنه على كل شيء قدير .
السؤال التاسع من أخت فاضلة تقول :
إن بعض الداعيات هداهن الله قد يخالط عملهن في مجال الدعوة رياء وسمعه وقد يطرأ عليهن ذلك نتيجة لمدح الناس والمجتمع لهن فكيف يمكن للداعية أن تتلافى ذلك وأن تكون عملها خالصا لله وحده المطلع على السرائر ؟(2/364)
* نعم ..هذا الموضوع أيها الأخوات يختلط على الناس في بعض الأمور ، هناك مسألة .. يعني .هناك عاجل بشرى المؤمن كما سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عاجل البشرى أنت ترغبه ، أو أنت أختي الداعية تريدينه إذا دعوتِ الله عز وجل أن تري آثار الدعوة وأن يستجاب لك وتفرحين بذلك وهذا حق من حقك ، ولكن يختلط عند بعض الأخوات إذا كنت قد فرحت بنجاح دعوتي أو بقبولها فهذا رياء أو هذا سمعة .
نعم قد يكون البعض لا يريد إلا ذلك وهذا ولا شك خطرٌ عظيم { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } فهذه الآية مجيء النهي عن الشرك بعد العمل الصالح يدل على أنه كما فسرها كثير من العلماء المقصود هو إخلاص العمل من شرك الرياء { ألا لله الدين الخالص } ومن عمل عملا كما جاء في الحديث القدسي أشرك فيه غيره فهو للذي أشرك ،ولأن الله سبحانه وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك عز وجل فإذا الأمر خطير يجب أن نتنبه له ، لكن هناك غلو يأتي به الشيطان في هذا المجال فيقول : مادمتِ قد عملتِ هذا العمل وفرحتِ بثناء الناس عليك فهذا لغير الله إذا فلا تعملي .. إذا فلا تعملي!! وهذا هو مشكلة وهذا هو خطأ فالعمل إن كان من أجل الناس وإن كان ترك العمل أيضا من أجل الناس فكلاهما مذموم وكلاهما منهي عنه ، فإذا يجب أن يكون العمل لله وإن رآه الناس وأثنوا عليه ويأتينا ذلك في الأعمال التي جعلها تبارك وتعالى حالها مستويا أو قائما في كلا الحالين في السراء والضراء كما قال { الذين ينفقون أموالهم بالليل النهار سراً وعلانية} يعني في هذه يستوى الأمران ولا ينبغي لنا أن تكون صدقاتنا وأعمالنا كلها سراً.. نحقق كلا المعنيين الذين ذكر الله تبارك وتعالى لكن هذا له حكم ومصالح ومعترك الرياء وهو الجهر بها وإظهارها ، وهذا له حكمه ومصالحه وهو أن لا تعمل الشمال ما تنفق اليمين لكي يكون هناك إخلاص لله عز وجل في هذا فيجب علينا أن نجتهد في المواءمة(2/365)
والتوفيق بينهما وعموما أيتها الأخوات الفقه المتعلق بأعمال القلوب نفيس وعزيز وأرجو من كل واحدة منكن وفقها الله أن تجتهد في هذا النوع من الفقه وأن تبذل ما تستطيع بإذن الله تعالى لكي تتفقه فيه وأعظم مصدر له هو كتاب الله عز وجل وعمل النبي - صلى الله عليه وسلم -
السؤال العاشر
ماهو واجب المرأة المسلمة الداعية تجاه أخواتها الأسيرات المضطهدات الأسيرات ( يمكننا أن نضم إليه السؤال الثالث عشر) الذي بعبارة الأخت الفاضلة تقول :إن وضع أختنا الفلسطينية المجاهدة الصابرة في ظل استبداد أصحاب الغدر والخيانة قاتلهم الله محزن بالفعل بل هو مأساة بالغة فقد هتكت الحرمات وشردت الأسر وعذبت الفتيات وكشفت العورات .. ومع ذلك كنّ ولازلنّ يحملن على عواتقهن الوقوف على ثغر من ثغور الإسلام ضد العدو الصهيوني بل أيضا تحملن مسؤلية تربية جيلٍ بل أجيال من المجاهدين والمجاهدات فما واجبنا مع هؤلاء المستضعفات وكيف لنا أن نقف معهن على هذا الثغر وأن ندعمهن بشتى الطرق مع اعترافنا بتقصيرنا في ذلك بشكل كبير والله المستعان ؟
* نعم .. الأمة المسلمة مبتلاة الآن ومستضعفة في كل مكان في العالم والعبء الكبير الذي يقع على رجالها يقع مثله وأكثر منه على النساء بل الغالب أن عبء المرأة أكثر لأنها بطبيعتها تعاني من الضعف الذاتي من جهة والأعباء .. أعباء الأسرة وأعباء الأبناء من جهة أخرى فهي لم تؤهل لهذا الاستعباد أو هذا الأسر والاضطهاد أو هذه المعاناة الطويلة كما أُهِّل الرجال ومع ذلك فإن صبرها تؤجر به عند الله تبارك وتعالى .(2/366)
واجبنا نحن عظيم بلا شك .. يجب علينا أن يشعر كل أخٍ هنا أن له إخوة هناك وكل أخت هنا أن لها أخوات هناك يجب علينا أن نستشعر حقيقة الأخوة الإيمانية وأننا كالجسد.. كالبدن الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقيته بالحمى والسهر.. أن المؤمنون إخوة كما قال تبارك وتعالى .. أن عدونا واحد ..أن الذي استفرد أو أكل الثور الأبيض اليوم فإنه سوف يأكل الأحمر غدا والأسود بعد غد وربما أكلها جميعا غدا .. وهكذا .. لا يجوز أبدا الحالة التي يريدها منا الأعداء، أن يشغلوا كل مجتمع بمشكلاته وهمومه ، بل أصبحوا يشغلوا كل مجتمع بشهواته أو كدحه من أجل نيل القوت لأن مجتمعاتنا على نوعين : نوع يكدح فقط لكي يحصل على القوت ونوعٌ آخر مشغول بالشهوات والتفنن في البذخ واللهو وهذان كلاهم خطر عظيم ويشغلان عن الاهتمام بالقيام بواجب الأخوة الإيمانية ..الأخوات المؤمنات أشياء يقشعر منها البدن تقع في فلسطين المباركة الصابرة المجاهدة وتقع في العراق وتقع في افغانستان وفي كشمير وفي الفلبين وفي أريتريا ، أيضا في الصومال ، في الشيشان ، في البوسنة ، في مناطق كثيرة جدا هناك ، بل اضطهاد كما ذكره الأخوات في السؤال الحادي عشر أنه حتى في الدول التي تزعم الحرية ، فرنسا التي يسميها البعض الفجر انبثق منها النور والفجر الجديد على العالم وباريس عاصمة النور ووو إلى آخره .. ضاقت علمانيتها وحريتها وحقوق الإنسان وكل هذه الشعارات الجوفاء ، أو الحقيقية عند بعضهم لا شك أنها قيم ،..يعني ضاقت عن قطعة من القماش تضعها الفتاة المسلمة على رأسها !! هذا معناه أن هذه الأمة مبتلاة فعلا ليمحصها الله عز وجل وليرفع من شأنها وليميز الخبيث منها من الطيب إذا نحن في مواجهة هذا البلاء يجب ان يكون لدينا حلولا عملية، ولا نكتفي بمجرد البكاء أو الرثاء أو الحزن أو الألم ومن ذلك على سبيل المثال أيها الأخوات أن كل أخت عاملة _ أنا أنصح وأوصي كل أخت عاملة_ موظفة وإن كان(2/367)
كلا الزوجين يعمل أو لديهما دخل مناسب من وظيفة أو غيرها فالواجب يتحتم أكثر أن كلا منا يكفل أسرة فلسطينية ، ثم نتجه إلى بلاد أخرى نعلم كيف يمكن أن نوصل إليهم الإغاثة وكيف يمكن أن نقوم بواجبنا في إيصال الكتاب النافع أو الشريط النافع أو العلم النافع ومعه أيضا الإغاثة ومعه الحجاب.
كثير من الفتيات في دول عربية قريبا منا لو كانت تستطيع أن تشتري ما تتحجب به لتحجبت فلو أوجدنا نحن مشاغل .. المشاغل تقوم بأمرين : تشغيل الأخوات الفاضلات يعملن فيها وإنتاج ما تلبسه هؤلاء الراغبات في الهداية والحجاب لرأينا فوائد مركبة ومزدوجة في هذا الشأن.(2/368)
أقول : كمثال على ذلك أنه ينبغي على كل أسرة هنا في هذه البلاد التي أنعم الله سبحانه وتعالى عليها بهذه النعم أن تكفل أسرة أو أن تكفل طفلا، وكما ذكرت الأخت الكريمة أخواتنا هناك ضربن أروع الأمثلة .. لا يوجد أم في العالم الآن تتحلى بصفات المقاومة والصمود والصبر كما هي الأم الفلسطينية وأصبحت الأم العراقية على الطريق بحمد لله تبارك وتعالى وتوفيقه ، هناك صمود عجيب ، هناك إثبات حقيقي وبرهان عملي على أن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - طاهر وظاهر وأن الله تعالى غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون وأن هذه الأمة العاقبة لها بحول الله تعالى وقوته وهو صمود هؤلاء الأخوات .. الأخت التي تأتيها حالة الولادة وهي على معبر .. الأخت التي تقتل وقبل أيام قتلت الأخوات كما تعلمون.. الأخت التي تضحي ومع ذلك الإصرار على أننا لابد أن نستمر وأن نربي المجاهدين والمجاهدات وأن نثبت في أرضنا وعلى ديننا وبإيماننا هذه حقائق ولله الحمد أصبحت واقعية ملموسة ، وبقدر ما نثبت هذا الإيمان فإن العدو يهتز ويضعف، وهذا العدو ..يعني رأس الأفعى لهذا العدوان تمثله هذه الدولة الصهيونية ، نسأل الله تبارك وتعالى أن يدمر عليها وأن يهلكها وأن يجعلنا ممن يعين على ذلك بإيجاد المجتمع المؤمن في هذه الأرض المباركة ومن كتب الله له الهداية منهم والدخول في عدل الإسلام أو في دين الإسلام فالحمد لله شريعة الله تعالى وعدله يسعهم جميعا.(2/369)
الواجب أقول : أن كل واحدة أو واحد منا يجتهد في أن يكفل أسرة مسلمة أو طفلا مسلما وكما تعلمن أن الطفل المسلم يمكن أن يكفل بمبلغ ليس والله صعبا لله الحمد والشكر على كثير منا وهو ألف وخمسمائة ريال سنويا فقط .. أربعمائة دولار فقط في السنة يمكن (لا نقول أنها تقوم بالواجب ) لكنها تعين بقدر أو تقارب من الكفاية على القدر الضئيل الذي لديهم فنستطيع بذلك أننا نوفر العيش الكريم والاستمرار في تحفيظ القرآن لأن أكثر وأول المستفيدين من هذا هم طلاب حلقات التحفيظ نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بالجميع إنه على كل شيء قدير .
اندرج السؤال الحادي كما سبق في هذا وهو الأخت تتعجب تسأل :
كيف نستطيع بناء الشخصية المسلمة كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لكي تواجه خطر العلمانية وضربت المثال على ذلك بالمسلمات اللاتي يردن الحجاب في فرنسا وفي غيرها؟
* نعم .. إذا نحن درسنا أوضاع وأحوال هذه المجتمعات وتعاملنا كأمة لا كأفراد في علاج هذه المشكلات بإمكاننا أن نحقق الشيء الكثير في هذا ، أما بناء الشخصية بذاتها بإيمانها فقد سبق إن شاء الله ما يكفي عنه ، لكن نحن نريد بناء خط دفاعي يحفظ للمرأة المسلمة نوعا من الحرية مثل _بل أكثر لأنها هي الأفضل _مثل المرأة اليهودية .. المرأة اليهودية لا يستطيع أحد أن ينال منها بشيء .. لماذا ؟ لأن لها منظمات هناك جهات ومؤسسات وحكومات وأفراد وإعلام يدافع عن قضاياها .. فكذلك بل الواجب للمرأة المسلمة أن يكون لنا كذلك ، يعني نحن البلد الذي يعامل المحجبات بهذه المعاملة لو قاطعنا بضائعه ، لو احتججنا على سفارته ولو كتابيا ، لو كتبنا ذلك في الإعلام ، لو تحدثنا ,, لأثر ذلك ولاشك . أما أن نستخلي ونستسلم وكأن القضية تخص تلك الفتاة أو ذلك الأب فهذه مشكلة حقيقة تتنافى مع واجب الولاء والبراء والنصرة الإيمانية
السؤال الثاني عشر :(2/370)
تقول فيه الأخت الفاضلة أنه بعد الأحداث التي ظهرت في العالم الآن طبعا ، دوليا لم تعد لأمريكا تلك المكانة كما كانت في سابق عهدها ، تقول لا نقصد المكانة والقدرة العسكرية_ بل حتى هذه _ وقد نقد إدارتها وأعمالها التعسفية المجتمع الأمريكي والشعب الأمريكي نفسه فكيف يمكن للدعاة والداعيات استغلال هذه النقطة للدعوة إلى الإسلام سواء دعوة الشعب الأمريكي أو كل من كان يقدس أمريكا ثم تراجع عن ذلك ؟
* نعم.. باعتبار أمركيا تمثل الآن القوة الطاغية في العالم ، القوة التي قبل أشهر في الحقيقة ، قبل أن تقع في المستنقع العراقي كما يسمونه كان الذين يكتبون عن أمريكا ومنهم بعض المفكرين تعجب .. فعلى سبيل المثال : ( هيكل ) الكاتب المصري المعروف يقول : لم يعد وصف الدولة العظمى يكفي لأمريكا إنما لابد من استحداث وصف أكبر من ذلك وأكثر بكثير لأن بين أمريكا كدولة في مقدمة الدول العظمى وبين ثاني دولة بعدها .. أمريكا تفوق الدولة الثانية بعدها بعشرين ضعفا .. فمعنى ذلك أنه لم تكن مثل السابق قوة متفوقة على قوة ، كتلة متفوقة على كتلة .. بل دولة من النوع الإمبراطوري البالغ العظمة ودول أخرى عظمى أو ما أشبه هذه العبارات .
المقصود : هذا كله أصبح الآن موضع شك لدى كثير من الناس بعد ما حدث في العراق ، العراق البلد الذي حوصر السنوات الطويلة ، البلد الذي عانى من صواريخ تأتيه من مسافة مئات الأميال أو آلافها ولا يستطيع أن يفعل شيئا ، البلد الذي عودي وضرب حتى تفشى فيه من الأمراض من أخبث أنواع الأمراض ما أدى إلى قتل عشرات الألوف بل ربما يكون ما يقارب المليونين من أطفالٍ مابين قتيل ومصاب بالسرطان وغيره .. هذا البلد نفسه يضرب أروع الأمثلة في تمزيق هذه الشعارات الكاذبة التي نسجتها أمريكا ونسجها الإعلام حول قوتها في الأرض .(2/371)
في التقرير الذي نشرته وكالة ( اليونايتد برس ) مع بعض الصحف الأمريكية وهزّ أمريكا هزة قوية وكثير من مفكري العالم .. يقول : إن تقريبا ثلاثة أشهر في العراق تعادل بخسائرها وهزائمها ثلاث سنوات في فيتنام !! وفيتنام كانت الكتلة الشيوعية معها كانت الصين والاتحاد السوفييتي ، كان معها قوى أخرى ، وفي وضع آخر وطبيعة الغابات وكذا وكذا تختلف ومع ذلك الشهر العراقي بسنة فيتنامية !
معنى هذا أن هذه الأمة أمة مباركة وموفقة ولابد أن تنتصر في النهاية ولتكن المرحلة الآن ليست مرحلة انتصار .. يعني ليست مرحلة التمكين ، لكنها حققت شيئا عظيما جدا وهو إمكانية المقاومة يعني إمكانية المقاومة أول قاعدة يبنى عليها بناء القوة بإذن الله تبارك وتعالى ، إمكانية مقاومة غير عادية على الاطلاق ولاتنبثق من مجرد القوة المادية إنما انبثقت وانطلقت وقامت على أساس القوة الإيمانية ، القناعة بالحق ، عدالة القضية كما يحاول الغرب دائما أن يعبر عنها.. لا يشعر الجندي الأمريكي بأي عدالة في قضيته، لأنه لا أسلحة دمار شامل ،لا كذا.. لا كذا ..من الكذب المروج له وإنما احتلال من أجل المصالح لفئة معينة وشركات محددة بذاتها لتعمل في العراق .. ينقلب ذلك إلى جحيم يصلى ويعاني منه كل فرد أمريكي في العراق ولا أحد يرى نفسه في مأمن منه بل إن الهجوم أكثر ما يستهدف مقر القيادة ذاته .في مقابل ذلك نجد الإنسان العراقي الذي يتحلى بالإيمان بالله سبحانه وتعالى لأن المقاومين أكثرهم والحمد لله من أهل الإيمان والسنة وعلى خير، يحتاجون دعوة ولا شك ولكنهم على خير إذا قارنتهم بغيرهم في ذلك المجتمع ، وأيضا هناك قدر غير منكر عالميا وهو الإيمان بعدالة القضية وبالحق . وهنا تظهر حقيقةً أن هذه القوة زائفة.(2/372)
المقصود : كيف ندعو وكيف نخلخل المجتمع الأمريكي من داخله . الواقع أن المفكرين في أمريكا عموما (ونحن نتكلم عن واقع قرأناه وتتبعناه عمليا ) المفكرون ، أساتذة الجامعات ، الباحثون في المراكز وما إلى ذلك ، ثم الكنائس أيضا ماعدا الكنيسة الضئيلة التي ينتمى لها بوش ومن معه ، الكنائس أيضا بما فيها الكنيسة الكاثولوكية وأكثر الكنائس الأخرى كالكنيسة المشيخية والكنيسة المتحدة وغيرها.. كلها ترفض ما حدث وحقيقة أن هناك فرصة لكي نخاطب الشعب الأمريكي هذا الممثل في هيئاته الثقافية والدينية الرافضة للعدوان لنقول له إن ديننا هو كذا وكذا وإن الحق والعدل كذا وكذا لكي ندعوهم إلى الله .. نكسب بذلك عدة أمور منها : هدايتهم وهي أعظم مطلب لنا ، ومنها كف شرهم وعدوانهم علينا ، ومنها أن نثير أهل الحق منهم والعدل على أهل الباطل وعلى أهل الظلم في هذه القضايا فالفرصة مهيأة وأنا أشكر الأخت التي نبهت إلى ذلك ونحن ولله الحمد إذا قمنا بالقليل فإن الله تبارك وتعالى سوف يباركه بإذنه
السؤال الثالث عشر عن أخواتنا الفلسطينيات المجاهدات سبق
السؤال الرابع عشر
عن التنصير وجهوده وعن كيفية مقاومته ؟(2/373)
* والواقع ان التنصير أخطر داء عقدي يواجه الأمة الإسلامية .. اليهود يواجهوننا بالمكر وبالخديعة وبتجييش الجيوش علينا كما جيشوا الأمريكان لاحتلال العراق وغير ذلك ، لكن النصارى يواجهننا _ لا سيما في الدول الفقيرة _ وأكثر دول العالم الإسلامي فقيرة مع الأسف بتغيير الدين وبالعقيدة ، فكأن هناك أدوار موزعة الشيطان وزعها ، قد لايكونوا هم متفقين، أن لليهود مجال ودور وللنصارى مجال ودور والكل يهدف إلى أن يطفئ نور الله بفيه والله تعالى يأبى ذلك عز وجل ويجب أن يكون لدينا ثقة ويقين بأنه بقدر ما نقاوم التنصير بقدر ما نستطيع أن نكسب ، يعني بشيء من الصبر ليس بكبير، التنصير خاسئ الحمد لله {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون} وهذا متحقق في الدول الإسلامية من فضل الله تعالى .(2/374)
لاشك أن التنصير ودمّر وأنه خرّب لكن هناك نجاح كبير في المقاومة الإيجابية للتنصير عن طريق الدعوة للإسلام في المناطق النصرانية والحمد لله يسلم في افريقيا الآن آلاف سنويا في الحبشة في تشاد في زائير في دول البحيرات وفي جنوب أفريقيا وفي موزنبيق وبتشوانالاند وغيرها مما يبلغنا من الثقات وإحصائيات دقيقة أن الذين يسلمون هذه الأيام لم يكن أحد يتوقع ذلك بل إن بعض الدول في خلال عشر سنوات تقريبا ارتفع نسبة الإسلام فيها من أقل من 10% إلى حوالي 30% ولله الحمد والشكر وهذا بجهود لا تكاد ترى إذا قورنت بكثافة وضخامة القوى التنصيرية لكن الحق والنور يغلب بإذن الله عز وجل فالواجب إذا أن نعمل على بصيرة في الاهتمام بنشر الإسلام وبالدعوة إليه بالوسائل التي أشرنا إليها في الأجوبة السابقة بالتقنية الحديثة وبغيرها وبالذهاب المباشرإلى هناك وباستقدام الإخوة بل وحتى الأخوات للدراسة هنا ثم الرجوع إلى هناك للقيام بواجب الدعوة إلى الله وبغير ذلك من الوسائل التي نسأل الله تعالى أن يوفق الإخوة جميعا للقيام بها إنه على كل شيء قدير .
السؤال الخامس عشر:
نحاول أن نختصر لأن الوقت انتهى .. بل زاد كما حددناه ، هناك سؤال عن الدعوة وأنها واسعة وتحتاج العلم والإخلاص والهمة لكن الفتن المتلاطمة عكرت عليها؟
* لم يكن يوما من الأيام دعوة بلا فتن الله عز وجل يقول : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين } فالله تعالى جعل لكل دعوة أعداءها ، ولم يقل أن للدعاة من يعاديها ، لا.. هو جعل كونا وقدرا أراد ذلك وقدّره ودبّرهُ ليكون الابتلاء أكثر ولتكون نتيجة العمل أجدى وأحلى للدعاة إذا حققوا نتيجة ونجاحا في ذلك. الفتن مهما تلاطمت ومهما كثرت فلا يجوز أن تشغلنا عن القيام بالواجب بل نصبر ونثبت والله تعالى هو المستعان عليها جميعا
السؤال السادس عشر:(2/375)
هل من واجبات المرأة الداعية قول الحق وبيان التوحيد على أرض الواقع والتبصير بالعقائد الفاسدة والفئات الضالة إلى آخره .. أم أنه على مسائل الفروع وما يتعلق بالأمور الفقهية التي تخص النساء ؟
* لا ..الحقيقة الواجب عليها أن تحيط بكتاب الله تبارك وتعالى فقها وعلما وبسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا فعلت ذلك ففيها كل هذه الأمور، لا نقلل أبدا من شأن ما يخص المرأة في ذاتها أو أحكامها الخاصة ولكن ذلك لايعني الاقتصار عليها بل بالشمول القرآني وبالكمال القرآني وبالعمق أيضا الإيماني الذي علمنا إياه القرآن ينبغي أن تكون دعوتنا دائما بإذن الله تعالى .
السؤال السابع عشر
كيف تتحول الداعية من مجرد داعية إلى مربية تقود الناس إلى الالتزام العملي بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟
* لايمكن أن تكون الداعية إلا مربية ، وإلا فهي لاتزال في موقع التدريب أو التدرب ، لأن ما يسمى التربية في المصطلح القرآني واللفظ أو الكلمة القرآنية هو التزكية { ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } فالتزكية هي عمل الأنبياء ولايمكن أن تكون دعوة إلا بهذه التربية وهذه التزكية .. فلا تكون داعية إلا وهي مربية ، وإن لم تكن كذلك فقد تكون واعظة أو فقيهة تقول الكلمة وتمشي، لكن هذا يختلف تماما عن المطلوب الذي نحن نتحدث فيه هذه الليلة ، وهو الداعية التي تكون قدوة بعملها وقائدة لغيرها إلى الهدى وإلى الصراط المستقيم ، وتأتي هذه بقراءة القرآن والتفقه فيه ، ومتابعة حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء بيته والمؤمنات الفضليات في العصور الأولى ، عصور الخير والإيمان والفتوح والنصر والعزة والتمكين.
السؤال الثامن عشر:
المرأة كيف يمكن إن ترفع من همة زوجها وأن توفق بينه وبين الدعوة؟
* لعل هذا تقدم إن شاء الله فيه مايكفي
السؤال التاسع عشر :(2/376)
تعاون الفتاة الملتزمة مع الجمعيات النسائية ومكاتب الدعوة لتنسيق الكلمات والمحاضرات إلى آخره حيث أنه من باب التجربة رأينا أن الداعيات متحمسات لكن أين من ينسق فقط ويرتب الموعد ؟
* جزاكن الله ألف خير، وهذا العتب نحن ننقله بدورنا إلى الإخوة المسؤلين عن التنسيق والترتيب في المكاتب التعاونية أو بالمساجد أو مراكز الدعوة .
السؤال العشرين
كيف تكون الفتاة مفتاحا لكل خير مغلاقا لكل شر ؟
* القضية لا تخرج عما قلنا من قبل ، فالخير كل الخير في تقوى الله ، وطاعة الله ، والالتزام بهدى الله . والشر هو في معصية الله والفسق والخروج عن أمر الله عز وجل وكون الإنسان مفتاحا للخير مغلاقا للشر معناه : أنه يبذل نفسه ووقته وجهده وما يستطيع لمنفعة المسلمين أيضا ، يعني زيادة على أن يستقيم في ذاته لكن ينفع الله به إخوانه المسلمين وينفع به من حوله من الناس بحيث يكون كما كان أنبياء الله عز وجل رحمةً للعالمين كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، رحمة لأقوامهم من حولهم كما كان كل الأنبياء .
أسئلة أخرى جاءت لاحقا:
1/ الأخت تشكو من زوجها الذي يجلس الساعات الطويلة عند الإنترنت يشارك فيها بنشاط دعوي لكن نحن بحاجة إلى علمه ودعوته ؟
* لابد من التوفيق بين هذه الجهود وبين هذه المجالات وإذا كان الأخ يؤدي على هذه الشبكة دورا أعظم وأهم من مجرد الجلوس وحلقات العلم فليغتفر ذلك له وليعفى ويسمح عنه ذلك.. أما إذا كان ذلك يشغله بالكلية أو كان أداؤه في الحلقات فعلى كل حال ينبغي للإنسان أن ينسق بين كل تلك الأمور وعموما لاينبغي للزوج أن ينشغل عن أداء الحقوق الزوجية التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليه لا بالدعوة ولا حتى بقراءة القرآن ولا بالعبادة ولا بأي شيء في الإنترنت أو في غيره.
2 / أيضا هذا سؤال :(2/377)
من لم يستطع أن يجمع بين العلم الشرعي والعمل الدعوي والخير بإشرافها أو بإشرافه على حلقات التحفيظ أو مشاريع دعوية أو مؤسسية ، فنسي العلم الشرعي فهل أترك العمل وأتفرغ لطلب العلم ؟
* لا .. الحقيقة لا .. من وهبه الله سبحانه وتعالى نجاحا وفلاحا في أمر فلا يتركه لغيره قد يتجشمه أو يصعب عليه ، إذا أمكن التوفيق فحسنٌ ماهو .. إن لم يمكن فنحن أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن كلا منا ميسر لما خلق له ، وكلا منا ركبت فيه مواهب وصفات ليست في غيره فمن نجح في جانب فليحمد الله عليه ، وكلها طرق وكلها أبواب إلى الجنة ، وكلها من سبل الله عز وجل التي قال فيها { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ولا ينبغي لأختٍ أن تجعل همها فقط أن تكون طالبة علم وقد فُتح عليها في غير ذلك ، فمن استطاع أن يدخل من أكثر من باب من أبواب الجنة فليكن كذلك
وأقول أيضا أيها الأخوات الكريمات : إن مشكلتنا اليوم ليست في وجود الفقيه أوالفقيهة أوالعالم _على أهمية العلم _ لكن ..هل المجتمعات الإسلامية تعمل بما يعلمه كل مسلم بما لايكاد يخفى على العمي من المسلمين من تعظيم حق الله ، من ترك الفواحش ، من ترك الغش والكذب ، من حسن المعاملة ، من أداء الفرائض ، من كذا من كذا ؟ الحقيقة التقصير في هذا واضح لو عملنا به لكان فيه الخير الكثير دون إضعاف لجانب العلم على الإطلاق
3 / أخت تتحرج من دعوة من هي أكبر منها لأنها أكثر منها علما ؟
* لا ..والدعوة هي النصيحة وهي تكون بأسلوب المحبة واللطف، وبطريقة العرض يمكن للأخ أن يدعو من هو أكبر منه والأخت كذلك
4/ السؤال الأخر : تجديد النية في كل عمل نقوم به ؟(2/378)
* هناك فرق بين إصلاح النية وبين محاولة الإخلاص لله تعالى من جهة ، وبين الوسوسة التي تكتب عنها ويتحدث عنها الصوفية من جهة أخرى ، وهي أني لا بد أن أفكر أو أجلس أو أجدد النية.. إلى آخره . علينا أن نعمل ونتوكل على الله بلا تردد ونجتهد في طاعة الله سبحانه وتعالى ونستغفره من التقصير فيها فكلنا عرضة للتقصير والنية في هذا هي نية الإخلاص لله عز وجل كافيه ، وتصحيحها مع العمل من غير أن يتوقف عن أدائه هذا هو المطلوب.
5 / سؤال آخر : استخدام أسلوب الدفاع عن الحق والانشغال برد الشبهات دون الاجتهاد في إيضاح الحق وتأصيله ووضع أسسه وقواعده فما الأولى ؟
* لا .. الأولى هو إيضاح الحق والاجتهاد فيه .. ويقترن بذلك رد الشبهات وليس تقديم رد الشبهات أو الانشغال به عن إيضاح الحق .نعم لأنه ليس المقصود فقط أن الناس لا يعصون الله عز وجل ، المطلوب أن يطيعوا الله ويعبدوا الله ، ليس المطلوب من الفتاة المسلمة فقط أنها تترك الفواحش تترك التبرج تترك ... لا . قبل ذلك ومعه أن تعبد الله وتخلص النية لله وأن تؤدي الفرائض وتقوم بالواجبات ومع ذلك تترك هذه المنهيات .
6/ صيحات الموضة وكذا ..
* قد سبق الإشارة لها وهي الفرق بين الغافلة والذاكرة ، بين من تعمل لله وتعلم أنها ستقف بين يدي الله ، وأن العمر ثمين وقصير ولا ينبغي أن يفرط فيه ، وأن المال أيضا لا يجوز التبذير فيه فلا يمكن أن تشتغل بالجري وراء الصرخات والموضات إلى آخره .. وبين من غفلت عن ذلك فانساقت وراءها وأصبحت تكدح وتعمل لتدخل في جيوب اليهود والصيانة ووكلائهم هذه الأموال الباهضة وتتقيد وتلتزم بأوامرهم التي تكلفها العناء الشديد من غير أجر ..بل بالإثم
7/ ما رأيكم فيما يقال حول قاعدة سد الذرائع وخاصة في قضية المرأة ؟(2/379)
* سد الذرائع هي قاعدة حقيقية .. المشكلة هي المبالغة في ذلك .. بعني أنا أذكر من ذلك مشكلة حدثت لإحدى الأخوات في إحدى مناطق المملكة المحافظة جدا وهو أن فيها شيخا فاضلا كما كتبن لي يعلمهن العلم الشرعي النافع والقرآن وليس هناك أي ذريعة للاختلاط أصلا وليس في كلامه وفقه الله كما ذكرن جميعا _ وأنا أعرفه _ ليس في كلامه أي شيء من هذه الأمور ولا في عمله ومع ذلك البعض يقول : مجرد أننا نخرج ، مجرد أن الرجل يتكلم معنا ، حتى لو كان _ بعضهن تقول _ حتى لو كان على الهاتف ، حتى لو كان من وراء الباب..
لا ... إذا غلونا في هذه الأمور بقضية سد الذرائع فنجعل المرأة وراء أسوار من الجهل والتخلف والبعد عن القيام بنصرة الدين ، لكن نحن .. الحرام حرام، والذريعة إليه حرام إذا كانت تؤدي إليه فعلا ، مثل ما يؤدي الاختلاط أو البسمة والضحكة وإلى آخره إلى أنه في النهاية نسأل الله العفو العافية يعقب زنا العين زنا الفرج ،نسأل الله أن يحفظنا ويحمي نساء المسلمين أجمعين.
المقصود : أن الذرائع القاعدة صحيحة وحق، في الشرك وفي المعاصي وفي غيرها ، لكن المبالغة فيها لاتجوز .. لانستطيع أن نطيل أكثر من ذلك .
هذا يعني كمثال ..
أنه تقول الأخوات : تنبيه الأخوات الداعيات عن التمادي مع الرجال عبر الإنترنت وخاصة الملتزمين والملتزمات بحجة الدعوة وتبادل المنفعة ؟
* على كل حال .. الحديث بالإنترنت أشد منه الكلام بالهاتف ، ومع ذلك لابد من ذلك ، فينبغي أن تكون المرأة المسلمة مفيدة ، أن تفيد من أي وسيلة من الإنترنت أو الهاتف أو غيره ولكن من غير خضوع في القول فيطمع الذي في قلبه مرض .فلا نحرم الاتصال بالهاتف أو بالكتابة ولكن أيضا لابد من التنبيه أن يكون في حدود العلم وطلب العلم وسد ذرائع الشيطان في هذا الباب .
هذا السؤال به نختم وهو يُؤهَل للخاتمة :(2/380)
رجاء توجيه كلمة حول التجرد والبحث عن الأولويات للعمل الدعوي لأكثر من أربعين فتاة كلهن من المجتهدات في العمل الدعوي .
* نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكثرهن ويباركهن وينفع بجهودهن جميعا وأساس ذلك كما طلبت الأخت الإخلاص لله تعالى { ألا لله الدين الخالص} والله تعالى أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - { أن أعبد الله مخلصا له الدين } وقال { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } فالإخلاص أساس لهذه الأعمال جميعا .
البحث عن الأولويات ، أعيد للأخوات ما قلته من قبل لابد من التشاور في هذا ولا بد من ترتيب الأمور ترتيبا متعادلا منهجيا ، لا بد من استنصاح من يعلم ظروف وطبيعة الأخوات وإن تشابهت في الظاهر فلكل إنسان إمكانياته ومؤهلاته ، وعلى كلٍ واجباته وأعبائه التي نسأل الله تعالى أن يعيننا عليها جميعا.
السؤال الأخير :
ماهو دور المرأة في العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة ؟(2/381)
* قضيتنا الآن في الحقيقة .. لسنا في مرحلة إقامة الدولة الراشدة ، لكن نحن كل مانقوم به من الدعوة إلى الله تعالى فهو يهيء لها والله تعالى يقيمها متى شاء كيف شاء ، نحن الآن في مرحلة تأسيس الأمة الراشدة والمجتمع الراشد الذي سيقيم الخلافة الراشدة في الأرض فيما بعد ، يعني نحن الآن مزقنا الاستعمار ومزقتنا قبل ذلك أهواءنا وفرق الضلال فينا مزعاً وفرقاً فنحن العودة بأنفسنا وبأسرنا وبمجتمعاتنا الصغرى من حولنا إلى الإيمان الصحيح ، البيوت تتكون مجتمعات أكبر ومن هذه المجتمعات تتكون الأمة المسلمة والدولة المسلمة والحكومة المسلمة التي يتكون منها في ما بعد إن شاء الله وفي أجزاء منها يمكن .. الخلافة الراشدة على منهاج النبوة .. كل عمل وكل جهد دعوي من حلقات القرآن ومن الالتزام بالحجاب والدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، ومن إنفاق الخير والمال في وجوهه ومن الحرص على حفظ المجتمع المسلم من العبث والانحلال والفسق ، كل ذلك وما أشبهه كله يصب في تكوين الأمة التي بحوله تبارك وتعالى وقوته ، تقيم الخلافة الراشدة في الأرض ، وتقيم الحجة على العالمين.
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا وإياكم بما نسمع وما نقول وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يوفقنا جميعا للعلم النافع والعمل الصالح وأن يرزقنا القول السديد الذي ننال به صلاح الأعمال إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وأخيرا نتقدم بالشكر الجزيل والامتنان لفضيلة الشيخ لما قام به في هذه المحاضرة القيمة التي نسأل الله أن ينفع بها عباده وأن يجعلها في ميزان حسناتكم أيها الشيخ وأن يجزيكم عليها خير الجزاء ويبلغكم الحسنى وزيادة إنه ولي ذلك والقادر عليه ، كما نسأله سبحانه أن يبارك لكم في عمركم وعملكم ولي ذلك والقادر عليه.(2/382)
كما نتوجه بالشكر الجزيل لكل الأخوات الحاضرات اللاتي شاركن بالسؤال والاستماع وأن يجعل كل من شارك معنا من عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشبكة النسائية العالمية
http://www.fin3go.com/
ــــــــــــــــــ
مشكلات الدعاة الفتور.. الإيمانيات.. كثرة الأعباء
سؤالي هو: كيف يمكنني علاج الفتور في الدعوة؟ وكيف أتمكن من رفع إيمانيات المدعوين؟ و إذا شعر الإنسان بأنه غير قادر علي أداء تكاليفها بحق مما يدفعه إلى محاولة تقليل هذه الأعباء أو التخلي عنها فماذا يفعل ؟
الكاتب: كمال المصري
أختي الفاضلة: استشارتك ذات أسئلة ثلاثة،
السؤال الأول: كيف يمكن علاج الفتور في الدعوة؟
دعينا أختي الكريمة نقرر أولاً أن الفتور صفة ملازمة للنفس الإنسانية، فكما قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وروى الترمذي نحوه وقال: حسن صحيح غريب، والشاهد من الحديث أن لكل عمل فترة نشاطٍ "شرة" وفترة كسل أو فتور"فترة"، وبالتالي فهذا الفتور أمر طبيعي مجبول عليه الإنسان، فلا يصيبنا هذا الأمر بالخوف والرعب الشديد، ولكن علينا أن نفكر في وسائل علاجه.
ولنبدأ أساساً في أسبابه، والتي غالباً ما تكون أحد أمرين الأول: عدم إحساس الداعية باستجابة المدعوين له الاستجابة المرجوة، مما يفقده الحماسة ويشعره باليأس والإحباط، وبالتأكيد بالفتور.
السبب الثاني للفتور: هو "التقادم" إن صح التعبير، أن يتعود الإنسان أمر الدعوة، فتفقد جدتها في نفسه، وبالتالي تفقد النفس المتعة التي كانت تلقاها فيها.
فكيف نعالج هذه المشكلة ؟(2/383)
بالنسبة لعدم وجود النتائج المشجعة، فالأمر واضح جلي، تحدث فيه الكثيرون من قبل، المسألة بوضوح أننا أُجَراء عند الله سبحانه وتعالى، نتعامل في الدعوة بهذا المنطق، منطق الأجير الذي كل المطلوب منه أداء وظيفته بإتقان وإخلاص، حتى ينال أجره في آخر المدة، ولا يعنيه بعد ذلك إن كان عمله هذا قد استفاد منه صاحب العمل أم لم يستفد، وهكذا هم الدعاة؛ يعملون لله بصدق وإخلاص وإتقان وليس يعنيهم بعد ذلك النتاج، وهنا نقطتان هامتان تحتاجان إلى توضيح:
ليس معنى هذا ألا يفكر الداعية غير المنتج في أسباب إخفاقه، بل يجب عليه ذلك لأن هذا من صميم عمله، ولكن المقصود هو أنه عليه أن يستنفذ كل الوسائل والسبل، وأن يغير ويبدل، ويقدم ويؤخر، فإذا لم يحقق بعد ذلك نجاحاً، فقد أخذ الأجر والثواب، ولنا في نوح عليه السلام خير دليل، "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ"، "وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ"، "قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا".
وفي موسى عليه السلام شاهد آخر "فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ"(2/384)
لا يعني ذلك أيضاً أن على الإنسان ألا يجد متعة عند نجاحه، بل عليه أن يفرح ويسعد بذلك، فإنها "عاجل بشرى للمؤمن" كما قال - صلى الله عليه وسلم - كما روى مسلم وابن ماجه، وكما قال الكيلاني رحمه الله: "إذا رأيت وجه صادقٍ قد أفلح على يديّ: شبعتُ، وارتويتُ، واكتسيتُ، وفرحتُ، كيف خرج مثله من تحت يديّ".
أما علاج السبب الثاني "التقادم أو التعود" فالقلب المشغول بالدعوة لا يصيبه هذا العرض، لأنه دائماً في حركة وفكر وشغل، يفكر ويبتكر ويبدع، يبحث عن الجديد، ويطور القديم، فهو في حركة تجديدية تنشيطية دائمة، نعم قد يصيبه الملل أحياناً -وهي الطبيعة البشرية كما أسلفنا – ولكنه سرعان ما يعاود التدفق والسريان بهمة وعزم شديدين.
ولكن أما وقد أصابنا الفتور، فماذا نفعل لعلاجه؟
1. التزود بالقرآن الكريم ومطالعة الأنبياء والرسل وجهادهم، فإذا كنا أتباعهم كما ندعي، فلا أقل من أن نسير على دربهم.
2. بإكثار مطالعة نماذج الدعاة في كل زمان ومكان، الذين جابوا البلاد وخاضوا الأهوال كي يبلغوا رسالة الله تعالى، كما فعل أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي استشهد على مشارف القسطنطينية، وكما فعل عبد الرحمن الداخل من اجتيازه وفتحه الأندلس، وكما تنقل الدعاة في كل العصور من مكان إلى آخر بلا كلل أو ملل. فلا أقل من أن نحذو حذوهم، اقرئي يا أختي عن هؤلاء وطالعي سيرتهم، تجدي الزاد والرِّي والحافز إن شاء الله.
3. عليك بوسائل رفع الهمم: - بالقراءة أكثر في عظم فضل العمل الذي تقومين به معرفة مكانة الدعوة إلى الله في الدين، يقول ابن الجوزي رحمه الله:(2/385)
"ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم السلام، أما علمتَ أنهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبد، لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم؟ هل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق، وحثهم على الخير ونهيهم عن الشر؟"، ويؤكد ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله فيقول: "الشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته: وقوفه في الصف ساعة، وجهاده أعداء الله، أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع، والعالم الذي قد عرف السنة، والحلال والحرام، وطرق الخير والشر: مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم، أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح"، ويقول الكيلاني رحمه الله: "هذه –أي الدعوة- هي الغاية القصوى في بني آدم، لا منزلة تفوق منزلته إلا النبوة"
4. طالعي أشعار العزيمة والسمو والعلو:
وما الدهر إلا من رُواةِ قصائدي ... إذا قلتُ شعراً أصبح الدهر منشدا
وسار به من لا يسير.. مشمراً ... وغنَّى به من لا يغنى.. مغَرِّدا
أخي في الأفق تلقائي كنسرٍ سابح تيها ... وأستعلي بإيماني على الدنيا وما فيها
إذا قالوا: الألى، خِلْنا بأنَّا القصدُ والهدفُ ... يسير الناس إن سرنا، وإن قلنا: قفوا وقفوا
إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم
إذا القوم قالوا: مَنْ فتىً؟ خِلْتُ ... أنني عُنيتُ، فلم أَجْبُنْ ولم أتبلَّدِ
وكن رجلاً إن أتوا بعده ... يقولون: مَرَّ، وهذا الأثرْ
وغيرها الكثير والكثير..
5. بالتجديد والابتكار دائماً له جماله وجاذبيته، فاحرصي على الإبداع دائماً.. فكري في وسائل جديدة.. استفيدي من كل ما هو متاح حولك.. لا تسلكي طريقاً واحداً في الدعوة.. استخدمي النصيحة الشخصية، الموعظة العامة، شريط الفيديو، شريط الكاسيت، الإنترنت، الصورة، الورقة، التمثيليات، كل شيء كل شيء، "امتلكي عقلية خلاقة".
السؤال الثاني: كيف أتمكن من رفع إيمانيات المدعوين؟(2/386)
لست في حاجة إلى تذكيرك يا أختي بالوسائل الكثيرة التي ترفع الإيمانيات كقراءة القرآن، وقيام الليل والصفوف الأولى في الصلاة والأذكار، والدعاء والرقائق، وما إلى ذلك وكل هذا رائع وهام ولاشك، أنا في غنى عن التفصيل فيه، فبالتأكيد أنت تعرفينه جيداً، ولكن أود التنبيه بنقطةٍ غابت قليلاً عن أذهاننا، وهي أن الإسلام دين معاملة أيضاً، ولست أعني هنا الأحكام والمعاملات، بل أعني إيمانيات المعاملة.. عندما أتبسم في وجه أخي أنال الأجر، فأحس بطاعتي لله وقربي منه، فأزداد إيماناً.. عندما أزيل الأذى عن الطريق، أتذكر الرجل الذي أماط الأذى عن الطريق، فشكر الله فغفر الله له، فأفعل مثله، ويزداد إيماني.. أتذكر أن إخلاف المواعيد من شيم المنافقين، فألتزم بمواعيدي والتزاماتي قربة إلى الله، وطاعة له، فيزداد بذلك إيماني.. وهكذا كل حياتي في ظل الإسلام "دين المعاملة" كما قال - صلى الله عليه وسلم - "الدين المعاملة".
فعليك يا أختي أن تربطي المدعوين بالإيمان بشقيه: التعبدي المتمثل في الصلاة والصيام وقيام الليل والقرآن والذكر، والتعاملي من خلال التقرب إلى الله في كل عمل أقوم به، وبدلاً من أن يصبح اختلاطي بالناس منقصاً من إيماني، يصبح حسن تعاملي معهم وسيلة لرفع إيمانياتي. والله أعلم.
السؤال الثالث: ماذا أفعل مع كثرة الأعباء ؟
أول أن ما ينبغي أن تقومي به أختي الفاضلة هو:
1- تنظيم الوقت: فقد تظنين الآن أنك مشغولة جدا، ولكن ببعض التنظيم للوقت قد تكون هناك ساعات من وقتك ليست مستغلة.(2/387)
2- استخدمي القاعدة الإدارية القائلة: "زحزح جدار تعبك قليلا"، فقد وجد العلماء المختصون أن قدرة الإنسان على العمل تفوق ما يستهلكه عادة، وبالتالي فلو حاول زيادة هذه القدرة فسيمكنه ذلك بقليل من التعود، وهذا ما قصده مختصو الإدارة بقولهم: "زحزح جدار تعبك قليلا" إذا كنت تتعبين يا أختي عند مستوى معينٍ، حاولي بالتدريج أن تزحزحيه قليلاً ليصل إلى مستوى أبعد، وهكذا بالتدريج، فتكتشفي بعد ذلك أنك قد استطعت تحمل أكثر مما كنت تظنين، جربي ذلك فقد تفلح المحاولة.
3- حبذا لو جربتِ قاعدة إدارية أخرى تسمى "التفويض"، وهي أن توكلي الكثير من الأعمال التي يمكن لغيرك القيام بها إلى من هم معك ليقوموا بذلك، واكتفِ أنت بالمراجعة والمتابعة، وبذلك تخففي عن نفسك عبئاً كبيراً.
أما إذا لم يكن من التخلي عن بعض الأعباء بُدٌّ، نظراً لأنها فعلاً فوق الطاقة، فعليك ترتيب أولوياتك في ذلك، حافظي على الأهم واتركي الأقل أهمية، ولا تذهب نفسك حزنا على ذلك لأنه "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:كنا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، يقول لنا: "فيما استطعتم"رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" رواه البخاري ومسلم.. فديننا إذن مبنيٌّ على الاستطاعة.
وأخيراً.. اسألي الله دائماً أن يكون معك، وأن يرزقك الجهد والطاقة على تحمل أعباء الدعوة ومشاغلها.. والله معك.
المصدر موقع الإسلام على الانترنت
الفتور في حياة الداعية
ــــــــــــــــــ
الفرح والسرور في علاج الفتور
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد(2/388)
فإن المؤمن العامل من الدعاة وطلاب العلم وغيرهم يكون نشيطا ومتحمسا في بداية استقامته وتوبته وتوجهه إلى الخير ثم قد يحصل له شيء من الخمول والفتور فيضعف ويتراخى ويكسل عن الطاعة وقد ينقطع كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال (إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل ) رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ، وبين - صلى الله عليه وسلم - أن الإيمان تذهب حلاوته ويتغير فقال (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) رواه الحاكم في مستدركه ، وينبغي على المؤمن أن يفقه هذه المسألة ويتبصر فيها حتى لا يفقد دينه وهو لايشعر وهي مسألة دقيقة وغاية في الخطورة يحتاج إليها كل من سلك طريق الاستقامة وكان مطلب الثبات على الدين نصب عينيه.
مظاهر الفتور:
1- التكاسل عن أداء الصلاة وغيرها من العبادات.
2- الإعراض عن تلاوة القرآن وحفظه.
3- الإنقطاع عن مجالس العلم والذكر والإيمان.
4- ترك المشاركة في الدعوة إلى الله وأعمال الخير.
5- الشعور بالإنقباض وكتمة الصدر وكثرة اللهم.
6- التجرؤ على فعل المعاصي والحنين إلى الماضي السيئ.
7- وقوع الوحشة في العلاقات الإنسانية وكثرة لمشاكل.
والفتور على حالتين:(2/389)
الأولى: أن يحصل للمسلم خمول في أداء العبادة وثقل في فعل النوافل وملل في طلب العلم والبرامج الجادة ويصبح يميل إلى الراحة والدعة واللهو والبعد عن المسؤولية ، فهذه الحالة طبيعية وقد تعرض لكل إنسان في مراحل من حياته وينبغي على المسلم أن يتعامل معها بكل هدوء وثقة وسياسة وفسحة من الأمر ويجعل اهتمامه من الدرجة الأولى في المحافظة على الفرائض والأصول ثم يتدرج بها للوصول إلى المستوى الأعلى عن طريق التزود من النوافل ولا يسمح لنفسه النزول عن المستوى الأدنى ، قال ابن القيم رحمه الله: " تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيرا مما كان " ، وقال علي رضي الله عنه : " إن النفس لها إقبال وإدبار، فإذا أقبلت فخذها بالعزيمة والعبادة، وإذا أدبرت فأقصرها على الفرائض والواجبات ".
الثانية: أن يتدنى مستواه إلى درجة أن يترك بعض الفرائض و يفعل بعض الكبائر ويتساهل في مصاحبة أهل الفسق ويقسو قلبه ويصغي إلى كلام أهل الشبهات والضلال ويتتبع الرخص في المسائل ، فهذه حالة مرضية تنبئ عن الخطر ويجب على المؤمن حينئذ أن يعلم أنه على شفا هلكة وأن يسعى جاهدا لإنقاذ نفسه بأسرع وقت وإلا انتهى به المطاف إلى الإنتكاسة والعياذ بالله.
أسباب الفتور:
هناك أسباب كثيرة توقع المرء في الفتور ،ومن أهمها:
الأول: ديني ، فقد يكون المرء حينما استقام لم بتلق منهجا تربويا كاملا في العلم والعمل والاعتقاد ، أو قد يكون أخذ الدين بشدة وغلو في العبادة والسلوك والنظر إلى المجتمع والحكم على الآخرين ، فإذا ذهب حماسه انحرف ولم يقو على المواصلة أو إذا تلقى هزة عنيفة تفلت من الإستقامة لأنه لم يبن تدينه على أصول ثابتة.(2/390)
الثاني: نفسي ، قد يبتلى الإنسان ويصاب بمرض نفسي كالوسواس أو الإكتئاب أو الرهاب ومع الإهمال يشتد ذلك عليه حتى يؤثر على دينه ويصيبه الفتور وإذا طال به الأمر ربما يؤدي إلى ترك التدين مطلقا.
الثالث: إجتماعي ، فقد يكون يعاني من مشكلة إجتماعية كأن يكون أعزبا بحاجة إلى الزواج أو حصل له طلاق ولا يزال يرتبط عاطفيا بشريكه أو امرأة ترملت بموت زوجها وحصل لها فراغ أو ....، فتستولي هذه المشكلة على تفكيره وتشغل باله مع فقر رغباته الفطرية ، وفي بداية الإستقامة ينشغل بالطاعة فإذا ذهب الحماس والنشاط ظهرت المشكلة وأثرت على مستواه وربما صرفته والعياذ بالله عن الإستقامة.
الرابع: بيئي ، يلتحق بالصالحين أول الإستقامة مما يعينه على صلاحه ولكنه يبتعد عن البيئة الصالحة قبل أن ينضج دينيا ويصلب دينه ويعود إلى البيئة الفاسدة وأصحاب السوء فيحصل له فتور كبير ويتصل بمن يذكره بماضيه الأسود فيحن له وتكثر همومه ووساوسه ويقل إيمانه وقد يؤدي ذلك إلى انتكاسته ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).
الخامس: اقتصادي ، قد يكون فقيرا معدما أو يكون غنيا فتمر به ضائقة مادية وظروف صعبة فيتطلب ذلك منه صرف الجهد الأكبر في كسب عيشه ورفع الفقر فيبتعد عن طلب العلم ومجالس الإيمان جريا وراء لقمة العيش ولا يستطيع أن يوفق بين دنياه ودينه ويذهب يومه كله في طلب الدنيا مما يؤثر على إيمانه ويوقعه في الفتور.(2/391)
ومن أخطر ما يوقع الإنسان في الفتور ويؤدي إلى انتكاسته تسلط الشيطان عليه ووسوسته له بالوساوس المؤذية ، فالشيطان يستغل فترة ضعف الإنسان وتذبذبه واضطرابه وصراعه مع نفسه فيقنعه بأنه لم يستفد في سلوك طريق الصلاح ولم تصلح حاله ، أو أن ذلك أثر على دنياه ، أو أنه فاسد القلب لا يتأثر بالخير وإن تظاهر به ، أو يقنطه من رحمة الله ويوحي له أنه غير مؤمن أو منافق وخاتمته النار 000وهكذا تتنوع مكايد الشيطان ووساوسه أعاذنا الله منه.
ويجدر التنبيه هنا على مسألة مهمة وهي أن كل رجل أو امرأة كان له ماضي سيء وأحوال مخالفة للشرع وإدمان للكبائر زمنا طويلا ثم تاب واستقام فإنه معرض في أي وقت للإنتكاسة إذا أصابته هزة عنيفة أيا كانت إلا ما شاء الله ، وهذا أمر مشاهد ، ولذلك يتطلب الأمر منه بذل جهد أكبر من غيره في إصلاح نفسه وتربيتها على الطاعة وتعاطي أسباب الثبات.
علاج الفتور:
إن لكل مشكلة علاج خاص ويختلف ذلك من شخص لآخر ومن بيئة لأخرى ووسائل العلاج كثيرة ولكن هناك أمور عامة تصلح لكل مشكلة في الجملة ومن تعاطاها انتفع بها وزال عنه الفتور:
الأول: أن يسأل الله بصدق وإخلاص إصلاح حاله ويكثر من التضرع ومناجاة الله ويداوم على ذلك ويتخير الأوقات والأماكن الفاضلة ، ومن ألح على الله وطرق بابه فتح عليه ورفع ما به.
الثاني: أن يتفقه في دين الله القدر الذي يرفع الجهل عنه ويكشف الشبهات ويدفع الوساوس والخطرات ويحميه من الشهوات.
الثالث: أن يحرص على الرفقة الصالحة والدخول في البرامج الإيمانية التي تصلح قلبه وتحفظ دينه وتقوي نشاطه في الخير ، وإذا لم تسمح ظروفه بذلك فليتواصل معهم عن طريق الإنترنت وغيرها من الوسائل العصرية.
الرابع: أن يبتعد عن البيئة الفاسدة وأهل الشهوات بكل وسيلة ، ولذلك أرشد الشارع الحكيم التائب من المعصية بتغيير بيئته والإنتقال من مكان المعصية والغفلة.(2/392)
الخامس: أن يحرص على علاج المشكلة والحالة التي ألمت به من أول الأمر ولا يهملها حتى تتفاقم ، وينبغي له إذا شعر ببداية التغير والفتور البحث عن الأسباب وإيجاد الحلول لذلك.
السادس: أن يعرض مشكلته على أهل الإختصاص من المشائخ والتربويين والأطباء النفسيين ويتواصل معهم حتى يناقشوا حالته ويشخصوها ويوجدوا الحلول المناسبة لها ويرفعوا من معنوياته ومستواه النفسي بإذن الله .
السابع: أن يتعاطى أسباب زيادة الإيمان وصلاح القلب ورقته من الذكر والتوبة وتلاوة القرآن وزيارة القبور ومدارسة السيرة وغير ذلك.
الثامن: أن يستعين بالله ويتوكل عليه ويستعيذ من شر الشيطان وشركه ، ويوقن أن الشفاء بيد الله وأن الله قادر على إصلاح حاله في أي وقت وإنما الخلل أتى من جانبه ، وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء ، فليحسن الظن بربه ويعظم الرجاء به .
بقلم : خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
ــــــــــــــــــ
الفتور في حياة الداعية مظاهره – أسبابه – آثاره – وعلاجه
أولا : المظاهر :
* كسل يصيب الروح والجسم والعقل .
* قلة قراءة القرآن الكريم بل استثقال القراءة وعدم التأثر لما يقرأ .
* عدم الإخلاص وعدم الخوف من الرياء وقلة الدعاء في تخليص النفيس من الرياء .
* روابطه بالله متقطعة وضعيفة .. تعظيمه لله قليل والعياذ بالله .
* لا يتأثر بنصح ولا ينفعه ذلك شيئا .
* تتحول دعوته كالوظيفة جمود ورسميات .
* الانشغال بالتوافه من أمور الدنيا من شراء للكماليات والتسوق والنوم والسفر الزائد عن الحد .
* كثرة التفكير بمشاكل الدنيا وهمومها .
* الإسراف في المباحات من أكل ونوم
* إضاعة الأوقات بما لا يعود بالفائدة .
* تبني الرخص فكرا أو عدم الشعور بالإشكال في تتبعها .
* اهتزاز بعض المفاهيم لديه .. مثل الرزق والابتلاء وغيرها .(2/393)
* شدة حب المال وإنشاء مصادر مالية أخرى مما يضيع عليه بعض الفرص الدعوية.
* سوء تنظيم في حياة الدعية .
* استثقال العمل الإسلامي وصدود في صحبة الصالحين .
* قلة العلم أو انعدامه مع عدم محاولة الاستزادة.
* التقصير في حضور حلق العلم والدروس .
* التقصير في الإعداد للدروس والموضوعات الدينية التي يتواصى عليها هو وإخوانه .
* الاعتقاد الخاطئ باكتفاء الأخ من الناحية العلمية ووصف وضعه بالوضع الصحيح .
* الملل من الأسلوب التربوي الذي يتلقاه والمطالبة بالتجديد دائما .
* إخلاف الداعية مواعيده مع إخوانه الدعاة وأهله والوسط الذي يعيش فيه .
* إلقاء المسئولية والتكاليف الدعوية على الغير ، أو التقصير فيها وعدم تحملها .
* فقد التركيز في الأعمال التي يقوم بها الداعية .
* عدم تقديم مصالح الدعوة العامة ولكنه يدعو باسلوب يرضي هواه .
* الاسترسال في الأحاديث العادية مع المدعوين واستشراف النفس لها .
* التبرير لما يقع فيه من أخطاء ولو اعترف بالخطأ.
* عدم تطبيق ما يدعو إليه من الأعمال .
* لا تتحرك نفسه بالإنكار عند رؤية المنكر .
* عدم القدرة على مقاومة شهوات النفس في تلبية رغباتها .
* ضعف الوازع الديني مما يؤدي لارتكاب معصية ما .
* ارتباك في علاقاته الاجتماعية مع والديه وزوجته وغيرهم فتتحول بعد الرحمة إلى جفاف (وصراخ).
* الغفلة عن تذكر الموت ولا اليوم الآخر وعن ذكر الله تعالى أو البكاء من خشية الله .
* تفويت الكثير من السنن وأعمال الخير والنوافل وعدم التأسف على ذلك .
* التسويف في أعمال الدعوة أو الخير .
* إهمال توجيه الأهل .
* حب الظهور ويحب أن يمدح بما لا يفعل .
* الإقدام على قرارات لها خطورة على حياة الداعية دون مشاورة .
* كثرة المزاح .
* فقدان المبادرة في الابتكار والتجديد في العمل .
* الاهتمام بالدعوة العامة وعدم الاهتمام بالدعوة الخاصة والاعتماد على التربية .(2/394)
* التضايق من الارتباط والرغبة في حرية التصرف والفوضوية .
* التحفظ في بعض الأمور خشية التكليف بها والتقدم في أمور رغبة في التكليف بها هوى بها .
* العزلة والهروب من الواقع .
* مدح النفس والاعتداد بها .
* إعطاء الدعوة فضول الوقت .
* فقدان الشعور بالحزن بسبب انتكاسة بعض إخوانه .
* نشر الأخبار والإشاعات وتحول الداعية إلى آلة تسجيل يطلق كل ما يسمع وعدم استشعار الوعيد من ذلك .
* بعض مظاهر النفاق من إرضاء الغير على حساب الشرع أو الدعوة .
* ومنها تكون بعض أعماله الدعوية سببها إرضاء الآخرين .
* الشك في المفاهيم الأساسية في الدعوة إلى الله تعالى .
* عدم الرغبة في الالتقاء بإخوانه الدعاة الصالحين أو من يوجهه من العلماء أو غيرهم خجلا وتقصيرا.
ثانيا : آثار فتور الداعية :
والآثار هي النتائج القريبة والبعيدة المدى .. والتي سببها الأول فتور خفيف وخلال هذه الفترة تظهر مظاهر الفتور ثم تظهر آثار الفتور بعد زمن إذا أصبح الفتور مزمنا .. وقد يزيد كلما أهمل الأخ العلاج)
ومن آثار الفتور :
* نقض العهد مع الله والميثاق ثم مع إخوانه الدعاة
* العاقبة السيئة للانتكاس اقرأ قوله تعالى :
>(ويوم يعض الظالم على يديه ..
>(إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ..
>(ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ..
>(واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ..
* ضعف في الوسط الدعوي الذي يعيش فيه الداعية الفاتر في مجالات شتى
> ضعف في الشباب الذين يتولى الداعية تربيتهم
> ضعف في النشاط الذي يتولى الداعية إعداده
> تأثر أهله بفتوره
> تساقط الفاترين الذين هم من حول هذا المنتكس
* السماح لأعداء الإسلام للدخول على الإسلام من خلال الثغرة التي تكون من قبل الداعية الفاتر .
* تحول الداعية المتحرك للإسلام إلى شخص عادي منتكس ، إضافة إلى إضاعة الأوقات والجهود التي بذلت لتربيته .(2/395)
* فقد الدعوة لشخص يمكن أن يشغل ثغرة وينفع المسلمين
* يتحول المنتكس إلى وسيلة لنشر الأسرار .
* انتقاد الدعاة الآخرين ومنهجهم (يتحول أسلوب دعوته إلى انتقاص وانتقاد للآخرين فقط) بل ينتقد القيادة والمنهج ولا ينصح لهم .
* يصبح هذا الداعية حجة (لأعداء الإسلام ) على عدم صلاحية الرجوع للإسلام .
* فتح مجال للسخرية والتندر بالصالحين .
* الوقوع في أزمات نفسية .
* سهولة استقبال الشبهات والأفكار الخاطئة الأخرى .
ثالثا : الأسباب :
>>> أسباب إيمانية :
* ضعف الصلة بالله والتعلق به وقلة ذكره ودعائه وعدم تعظيمه واللامبالاة في ذلك وكسل في الجانب التعبدي.
* التقصير في عمل اليوم والليلة
* عدم العيش مع كتاب الله وترك تلاوته وتدبره
* عدم الشعور بمعية الله وأنه المعين والنصير
* إهمال الدعاء بالتثبيت
* الوقوع في صغائر الذنوب مع الاستصغار لها
* اللامبالاة بعد العمل أهو قبل عند الله أم لم يقبل
* قلة تذكر الموت والدار الآخرة
* طول الجهاد وتأخر النصر .
>>>أسباب من الوسط :
* العيش في بيئة مليئة بالفاترين
* ضعف الجانب التربوي القديم للداعية مما يؤدي إلى استعجال للنتائج أو إهمال أو غيره
* عدم وجود موجه قوي
* التأثر بانتكاس قدوات للشخص .
* الصحبة المؤثرة للفرد سلبا .
* عدم وضع الفرد في مكانه الصحيح أو عدم إعطائه الأعمال المناسبة له
* عدم توظيف كافة الأفراد وإشغالهم بما ينفعهم
* عدم وجود المتابعة الفردية
* التأخر في حسم الأمور بسرعة (ولا يقصد العجلة الزائدة)
* عدم تقدير الشخص لطاقته أو تقدير الموجه لطاقة الشخص
* مقارنة النفس بمن هم أقل منه مستوى
* المشكلات والصراعات وقد يوجد بين الشباب من يثير الفتن
* الاستهزاء بالشخص عند الخطأ
* الاشاعات المختلفة على الملتزمين بالإسلام
* عدم مراعاة النفسية عند النصيحة فقد يكون حساسا أو يكون حديث عهد بإيمان وصلاح
* الاتكالية إما لكسل أو لكثرة العاملين في الوسط أو غيرها..(2/396)
>>> الأسباب الشخصية للفتور :
* الكبر والعجب بالنفس وتضخيم الذات وتصور الشخص أنه يمكنه السير بدون توجيه ونصح وتواصي ، بل وتصور أن لديه طاقات هائلة (ليست عنده في الواقع) وذلك بسبب الثناء المفرط عليه .. والظن بعدم الحاجة إلى حلق العلم والذكر ..
* عدم الانضباطية
* حب الرياسة وطلبها
* الغلو أو التساهل
* الانبهار بالعلم والمعرفة التي يحوز عليها الداعية في أول طريق الدعوة ومن ثم يتبنى الكبر أو يتبنى الآراء الشاذة أو غيرها ..
* محاولة الوصول إلى المثاليات .. وعندما لا يستطيع ينسحب من الصلاح عموما
* البعد عن الجو الإسلامي .
* إلقاء مسئولية رفع الإيمان أو ضعف الإيمان على الغير من مسولين أو أوضاع أو ظروف (وهو ما يسمى الإسقاط)
* التعود على حياة رتيبة في لادعوة مما يؤدي إلى الملل
* نسيان الداعية نفسه في طريق الدعوة
* تراكم مشكلات وأمور غير مقتنع بها دون أن يناقشها بسبب المجاملة .
* انتقال الداعية إلى حياة اجتماعية جديدة كالزواج مثلا أو الانتقال إلى وظيفة أخرى أو بلد آخر قد يكون سببا في الضعف إذا لم يتدارك الداعية نفسه .
* عدم الثقة بالمنهج أو الموجه .
* عدم التنظيم وسوء وضع الأولويات .
* مضايقة الداعية من قبل أهله أو عشيرته .
* عدم وضوح الهدف .
* عدم التوازن في حياة الداعية
* الخوف من أعداء الإسلام ومن التهديدات ومن مشاق الطريق .
* كثرة مخالطة العوام والاستئناس بفضول الكلام والنظر والأكل والنوم .
* التحدث عن الأخبار المثبطة للهمم .
* قلة المحاسبة الصحيحة .
* الإحساس بأن الدعوة نفل وتطوع وعدم استشعار أن الدعوة مسئولية ملقاة على عاتق كل فرد.
* الاغترار بزهرة الحياة الدنيا وزينتها .
رابعا : العلاج
تنمية الجانب العبادي (في الفرد) :
* الحرص على الفرائض (صلاة ، صوم ، زكاة ، حج )
وتكون الصلاة جماعة مع الخشوع و حضور صلاة الفجر مع التبكير ..(2/397)
ويهتم في العبادات عموما الجوانب التي تزيد في تأثيرها الإيماني ...
ويبتعد عن الجوانب التي تنقصها الأجر أو الإيمان .
* الحرص على النوافل من صلاة وصيام وتصدق وإنفاق في سبيل الله وعمرة وحج وغيره من الطاعات مع معرفة الأعمال من صحيح السنة .
* التعلق بكتاب الله وقراءته _ مع تفسيره – والعيش في ظلاله وقيام الليل به . وتدبر القصص القرآني وما حل ببني إسرائيل من قسوة قلوبهم . وتدبر بطش الله بالأمم السابقة لإعراضهم عن منهج الله تعالى.
الحرص على أن يكون هناك حزب يومي .
التدبر في القراءة .
الحرص على التجويد .
الاطلاع على كتب فضائل وآداب القرآن مع التأكد من صحة الأحاديث.
* الإكثار من ذكر الله تعالى على جميع الأحوال . والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ودوام الاستغفار .
حفظ بعض الأذكار الصحيحة والتي يحتاج إليها (كأذكار الصباح والمساء وما بعد الصلاة ..
تأصيل موقف العبودية مع الله بدعائه لجميع حوائجنا
حفظ جوامع الكلم والدعاء .. وحفظ الأدعية القرآنية..
فهم الأدعية والأذكار ومقاصدها
التذكير بالأدعية المأثورة
يمكن اللجوء إلى عمل المسابقات لزيادة حفظ الأحاديث والأذكار والتشجيع على الفوز بها .
* قراءة السيرة النبوية مع تدبر أحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
* قراءة الحديث النبوي مع التدبر أخذ العبر
* التعرف على مواقف الصحابة وسيرهم
* مراقبة الله وتنمية هذه الصفة في النفس .
* تنمية جانب الخوف والرجاء في الفرد .
* استغلال الأوقات والمناسبات التي تمتاز بالنفحات الإيمانية مثل :
رمضان والعشر الأواخر فيها
العشر الأوائل من ذي الحجة
أوقات الحج والعمرة
البلد الحرام
* قراءة الكتب الإيمانية الموثوق بها ككتب ابن القيم وتهذيب موعظة المؤمنين .. وغيرها ..
* التفكر في مخلوقات الله الكونية وغيرها ..
* ذكر الموت وزيارة المقابر .
* تهيئة أوقات للعزلة وتكون متزنة مع الخلطة مت ترك فضول الخلطة(2/398)
* المحاسبة الإيمانية الصحيحة
* الجلوس إلى من في قلبه كثير من الإيمانيات والاخبات والتائبين والداخلين إلى الإسلام حديثا .. ودعوة الشباب للجلوس إليهم وذلك للتأثر بهم .
* التوبة الدائمة .
* الرحلات الإيمانية .
* معالجة الملاحظات على الجانب الروحي وعدم تركها بدون دراسة أسباب وعلاج .
* تعظيم جانب الله سبحانه وتعالى في النفوس
* التقلل من الدنيا والزهد فيها والتخفف من الشواغل غير المهمة.
* البعد عن فضول النظر وغض البصر مما حرم الله أم مما يلهي
* ومما يضعف الإيمانيا عدم التألم من وجود الكفار والفسقة على حالهم .. فالواجب علينا إنكار ذلك بالقلب على أقل حد ودعوتهم .
* مسح رأس اليتيم والاهتمام بالفقراء والمحتاجين
* سماع الأشرطة الوعظية .
* تنمية حي الله بتذكر النعم .
* استشعار التقصير في الطاعات في كل وقت .
* البعد عن مشابهة الفسقة والمبتدعة والكفرة .
* الدعاء .. وخصوصا بزيادة الإيمان وتثبيت القلوب والاستعاذة من زيغ القلب والعياذ بالله .
* الزيارة في الله تعالى .
* صلة الأرحام وبالأخص الوالدين .
* عمل الخير للناس ابتغاء وجه الله تعالى.
الوسائل العلاجية (لتنمية سلوك الغير عليها):
* التذكير بما سبق من الأعمال –كل فقرة سابقة يحاول التذكير بها وتشجيع الشباب عليها وإعانتهم-
* الاهتمام بالسنة الصحيحة
* التخول بالموعظة وقصرها وعدم التعليق عليها .
* التعويد على العبادة والمجاهدة
* استغلال الأحداث في تنمية الجانب الإيماني .
* التحذير من الجلوس إلى ضعاف الإيمان حتى من صحبة الخير وتوجيه الشباب للبحث عن أهل النفوس العالية.
* القدوة الصالحة والصحبة الممتميزة بالعبادة .
* التواصي والتذكير بأهمية الموضوع .
* الترغيب والترهيب
* تنمية المجاهدة الفردية لتحقيق الغاية المنشودة.
الضوابط في التعامل مع المشكلة :
* يجب معرفة الحد الأدنى وعدم الهبوط عنه . والتشجيع على الزيادة .
* تبني الأعمال على علم صحيح .(2/399)
* اتفاق الأعمال مع الأقوال .
* التوازن (لا تفريط ولا إفراط)
* البعد عن الإيحاء بالإلزام في النوافل .
* لا بد من اختيار الوقت المناسب للتذكير .
كتب نافعة لعلاج المشكلة :
القرآن الكريم
أحاديث الرقاق
كتاب الخشوع في الصلاة
لذة المناجاة
مختصر منهاج القاصدين أو تهذيب موعظة المؤمنين .
صحيح الترغيب والترهيب
الفتاوى الكبرى ج2 ص 18
الوابل الصيب
تهذيب مدارج السالكين
صحيح الكلم الطيب
الجواب الكافي
كتاب الدعاء
قصائد الزهد
وغيرها كثير فليحرص الداعية على الكتب الإيمانية الموثوقة ..
كتبه أبو أحمد
منتدى الفجر
ــــــــــــــــــ
ومضى رمضان فكيف حالنا
فضيلة الشيخ الدكتور/ سعود بن إبراهيم الشريم
الحمد الله على ماوفق من الطاعات , وذاد من المعصية , ونسأله لمنتّه تماماً ,وبحبله اعتصاماً , نحمده على ماكان , ونستعينه من أمرنا على مايكون , ونسأله المعافاة في الدين والبدن , والصلاة والسلام على من بلّغ الرسالة , وأدّى الأمانة , ونصح الأمة , وعلى آله وأصحابه وسلم , وبعد :
فإن شعور المسلم بالاستبشار والغبطة حينما يرى إقبال الناس على الله في رمضان , وما يُقلبّه من بصره هنا وهناك تجاه أوجه البر والإحسان لدى الكثيرين من أهل الإسلام , ليأخذ العجب بلبه كل مأخذ , ولربما غلب السرور مآقي المترقب , فهتن دمع الفرح والإعجاب لما يرى ويشاهد , إلا أن العيد ومايعقبه ليصدق ذلك الظن أو يكذبه , ومن ثم ينكص المعجب , وتشخص أحداقه , لما يرى من مظاهر التراجع والكسل والفتور , ومن ثم يوقن , أنه إنما كان مستسمناً ذا ورم .(2/400)
وإن من يقارن أحوال الناس في رمضان وبعد رمضان ليأخذ العجب من لبه كل مأخذ , حينما يرى مظاهر الكسل والفتور والتراجع عن الطاعة في صورة واضحة للعيان , وكأن لسان حالهم يحكي أن العبادة والتوبة وسائر الطاعات لاتكون إلا في رمضان , وماعلموا أن الله سبحانه هو رب الشهور كلها , وماشهر رمضان بالنسبة لغيره من الشهور إلا محط تزود وترويض على الطاعة والمصابرة عليها , إلى حين وبلوغ رمضان الآخر .
نعم ! لرمضان ميزة وخصوصية في العبادة ليست في غيره من الشهور , بَيْد أنه ليس هو محل الطاعة فحسب , ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جواداً في كل حياته , غير أنه يزداد جوده في رمضان , ناهيكم عن أن الرجوع والنكوص عن العمل الصالح هو مما استعاذ منه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله فيما صح عنه :" وأعوذ بك من الحور بعد الكور ". والله جل وعلا يقول : ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا )[النحل :92 ] إذْْْ لم يقصر الخير على شهر رمضان فحسب , بل إن هذا كله إنما هو استجابة لأمر ربه جل وعلا بقوله : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)"[الحجر :99], فلا منتهى للعبادة والتقرب إلى الله إلا بالموت .(2/401)
ومايشاهده المرء في الأعياد في أقطار شتى , من الفرح اللامشروع , وتجاوز حدود الاعتدال فيه , على هيئة وصورة تنفيان كونهم من الخائفين على رد الأعمال الصالحة , أو من الشاكرين لبلوغ هذا العيد الذي أكرمهم الله به ومن ثم , فإن الحال على ماذُكر كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ,لأن النفس البشرية لو كان عندها شغل بالخالق لما أحبت المزاحمة بما يسخطه :( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ )[محمد :25] ولو أنهم أحبوا الطاعة لما تخلوا عنها طرفة عين , وقديماً قيل : من عشق طريق اليمن لم يلتفت إلى الشام .
ألا فاعلموا - يارعاكم الله - أن من قارب الفتور والكسل بَعُد عنه النصب والاجتهاد , ومن ادّعى الترويح أو التسلية وُكِل إلى نفسه , وإن من أحق الأشياء بالضبط والقهر والأطر على العبادة أطراً , هي نفسك التي بين جنبيك .
فإياك إياك - أيها المسلم - أن تغتر بعزمك على ترك الهوى في رمضان , مقاربة الفتنة بعده , فأن الهوى مكايد , فكم من صنديد في غبار الحرب اُغتيل , فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه , واذكر - حفظك الله - حمزة مع وحشي رضي الله عنهما .
من تعود الفتور والكسل , أو مَالَ إلى الدعة والراحة , فَقَدْ فَقَدَ الراحة , وقد قيل في الحكمة : إن أردت ألا تتعب , فاتعب لئلا تتعب , ولا أدل على ذلك من وصية الباري جلّ وعلا لنبيه ومصطفاه - صلى الله عليه وسلم - (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) لأن من كسل لم يؤد حقاً , ومن ضجر لم يصبر على الحق , والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت , العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .(2/402)
وليس في سياط التأديب للنفس أجود من سوط عزم , وإلا وَنَت وأَبَت ,لأن فساد الأمر في التردد , والنفس - عباد الله - من أعجب الأشياء مجاهدة , لأن أقواماً أطلقوها فيما تحب , فأوقعتهم فيما كرهوا , وآخرين بالغوا في خلافها حتى منعوها حقها , وإنما الحازم من تَعلمَ منه نفسُه الجد وحفظ الأصول , فإذا ما أفسح لها في مباحٍ ,لم تتجاسر أن تتعداه ,لأن تفقد النفس حياة , وإغفالها لون من ألوان القتل صبراً .
والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
إن الحياة الدنيا لاتخلو من عقوبة , ومن عاش لم يخل من المصيبة , وقل ماينفك عن عجيبة , وإن من أعظم العقوبات عباد الله , عدم إحساس المعاقب بها , بل وأدهى من ذلك وأمَرّ السرور بماهو عقوبة كالفرح بالتقصير بعد التمام , أو التمكن من الذنوب بعد الإقلاع عنها ,ومن هذه حاله لايفوز بطاعة , ولو غشى نفسه بعابدات موسمية ذات خداج , لوجَد خفيّ العقوبة الرئيس , وهو سلب حلاوة المناجاة , أو لذة التعبد , إلا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات , من عباد رب الشهور كلها , بواطنهم كظواهرهم , شوالهم كرمضانهم , الناس في غفلاتهم , وهم في قطع فلاتهم , فأخلق بمدمن القرع منهم للأبواب أن يلج , لأنهم تغلبوا على طباعهم ذات الجواذب الكثيرة , ولذا فليس العجب أن يَغلب الطبع , وإنما العجب أن يُغلب .(2/403)
لقد خلق الإنسان في كبد , والمرء كادح إلى ربه كدحاً فملاقيه , وإن من أعظم ما يعين النفس المسلمة على دوام الطاعة ألا تُحمَّل من الأمر ما لا تطيق , بل لابد لها من التلطف فإن قاطع مرحلتين في مرحلة خليق بأن يقف , والطريق الشاق ينبغي أن يقطع بألطف ممكن ولاشك أن الرواحل إذا تعبت نهض الحادي يُنشدها , ولذا فإن أخذ الراحة للجد جدٌ , وغوص البحار في طلب الدر صعود , ومن أراد أن يرى التلطف بالنفس , فليداوم النظر في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - واليستمع إلى قوله :" إن هذا الدين متين , فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولاظهراً أبقى " [رواه أحمد ] وعند البخاري في صحيحة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" إن الدين يسر , ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه".
كثيرون هم أولئك الذين يشفقون من المتاعب وينفرون من الجهد والتكاليف , وهم كذلك يتساقطون إعياءً خلف صفوف الجادين من عباد الله , يتخللونها ضعافاً مسترخين , يخذلون أنفسهم في ساعات الشدة ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) [ الأعلى :16-17] نعم إن هناك ضعفا في البشر , ولا يملك الناس أن يتخلصوا منه , وليس مطلوباً منهم أن يتجاوزوا حدود بشريتهم , ولكن المطلوب أن يستمسكوا بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله في كل حين , وتجعل من التدين في جميع جوانب الحياة عندهم ثقافة وأسرةً وإعلاماً من الثوابت التي لاتتغير, ولا تخدع بها االنفس في موسم ما دون غيره كما أنهم تمنعهم في الوقت نفسه بإذن الله من التساقط وتحرسهم من الفترة بعد الشره مهما قلت مادامت على الدوام , فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون , فأن الله لا يمل حتى تملوا , وإن أحب الأعمال إلى الله مادام وإن قل"[ رواه البخاري ومسلم ](2/404)
ولا جرم أن نشير هاهنا إلى أن التحرر من الغلو والتشدد لا يعني الترك والإهمال , بل يغني التوسط والاعتدال , مع محافظة المرء على ما اعتاده من عمل , أو التزام في السلوك العام , قال عبدالله بن عمرو بن العاص رصي الله عنهما : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" يا عبد الله ,لا تكون مثل فلان , كان يقوم الليل فترك قيم الليل " [متفق عليه ] .
إن الإنهماك المستمر في العبادة والإغلاق على حقوق النفس والأهلين يعد إفراطا مذموما ليس من هدي سيد المرسلين وأعبد الناس لرب العالمين , له كونه سببا ً في التراجع والنكوص , كما أن الأمر في الوقت نفسه إن كان تقاصراً عن العبادة , أو انشغالاً عنها أو تركاً للحبل على الغارب مجانبة للتصحيح , أو الأرتقاء بالحال على مايريده الله ورسوله يعد تفريطاً ممقوتاً وكلا طرفي قصد الأمور ذميم , ويمثل ذلك تضييع المجتمعات المسلمة , بين إفراط وتفريط , ناشئين عن جهل وضلال , كما قال علي رضي الله عنه :" لايُرى الجاهل إلا مُفرطاًً " , ولفظ الإفراط والتفريط - عباد الله - لم يأت في القرآن على سبيل المدح إلا في نفيه عن كل صالح أو مصلح , يقول سبحانه عن الملائكة:
(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ) [الأنعام :61] وقال عن موسى وهارون :( قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى)[ طه: 45] ويقول سبحانه : ( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ ) [الزمر:56] ويقول سبحانه عن أهل النار ( قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ) [الأنعام :31] وقال جل شأنه: ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف :28](2/405)
والمراد هنا - عباد الله - : أن يتماسك المرء المسلم والمجتمعات المسلمة , فيكون لهم من صلابة عودهم الإسلامي وحسه مايحول بينهم وبين الفتور والضعف , أو التراجع عن الدين أو التخاذل عنه , وإذا مابدت هفوة أو غفلة ,سارعوا بالتيقظ ومعاودة التمسك , والاستجابة لكل ناصح مشفق , وهذا هو التوسط المحمود الذي اختصت به هذه الأمة من بين سائر الأمم .
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه *** ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
(فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود :112] والطغيان هنا هو ماتجاوز الحد في الأخذ أو الترك .
أيها المسلمون : كثيراً ما يناجي المرء نفسه , ماذا وكم عملت , وقليلاً ما يسائل نفسه , ويبلوها , كيف كان عملي ؟ وما مدى قربه أو بعده من الله ؟ وما درجة المداومة عليه وعدم الفتور عنه , أو الإعياء بحمله ؟ وما ذاك عباد الله إلا من جهل المرء بنفسه , وتقصيره في معرفة حقيقة العبادة التي يريد الله منه في قوله : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) [ الحجر :99] إن البقاء على الطاعة في كل حين , أو التهاون عنها كرَّات ومرَّات ليعودان في المرد بإذن الله إلى القلب , هو أكثر الجوارح تقلباً في الأحوال , حتى قال فيه المصطفي - صلى الله عليه وسلم - :" إنما سمي القلب من تقلبه , إنما مثل القلب كمثل ريشه في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً على بطن :[ رواه أحمد ].
والأجل ذا كان من دعائه - صلى الله عليه وسلم - :" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ", وسُئل عن ذلك ففقال :" إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله, فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ " [ رواه أحمد والترمذي ] .(2/406)
إن استدامة الطاعة والمداومة على الأعمال الصالحة لهي في الحقيقة من عوامل الثبات على دين الله وشرعه (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [ الأحقاف :13] إلا وإن ترك المحرمات , والعمل بما يوعظ به المرء من قبل خالقه ومولاه لأمر يحتاج إلى ترويض ومجاهدة من أجل الحصول على العاقبة الحميدة , وحُسن المغبة (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا *وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا *وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) [ النساء :66-68] والتثبيت - عباد الله - يكون في الحياة الدنيا على الخير العمل الصالح , وفي الآخرة يكون تثبيتاًُ في البرزخ وعند السؤال (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) [ إبراهيم :27] .
فيا أهل التوبة : استيقظوا , ولا ترجعوا بعد رمضان إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام , فالرضاع إنما يصلح للطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء , لا للرجال , وعليكم بالصبر على مرارة الفطام , لتعتاضوا عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في قلوبكم , ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [ الأنفال : 70] .(2/407)
ذنب واحد بعد التوبة أقبح من كذا ذنب قبلها, النكسة أصعب من المرض , وربما أهلكت , فسلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات , وتعوذوا بالله من تقلب القلوب , ومن الحور بعد الكور , فما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة , وأفحش فقر الطمع بعد غنى القناعة .
ذُكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قوم يجتهدون في العبادة اجتهاداً شديداً , فقال :" تلك ضرورة الإسلام وشرته , ولكل عمل شرة , فمن كانت فترته إلى اقتصاد فنعما هو , ومن كانت فترته إلى المعاصي فأولئك هم الهالكون :[ رواه أحمد والطبراني ].
ومعنى الحديث - عبادالله - أن لكل عمل قوة وشدة, يتبعها فتور وكسل , ولكن الناس يختلفون في هذا الفتور , فمنهم من يبقى على السنة والمحافظة عليها ولو كانت قليلة , ومنهم من يدعها ويتجاوزها على مايغضب الله , وبنحو هذا يقول ابن القيم رحمن الله : تخلل الفترات للعباد أمر لابد منه فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ولم تخرجه من فرض ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيراً مما كان (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [ فاطر : 32] .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ــــــــــــــــــ
حوار مع الفتور
سمعت صوت شجار وأنا أسير علي الطريق, تلفت حولي فعلمت أين مصدر الصوت ,فذهبت مسرعاً إلى مكان الشجار , فوجدت رجلين يتشاجران . حاولت أن أتدخل بينهما فلم استطع, رأيت رجلاً واقفا معهما ينظر إليهما ذهبت إليه وسألته من هؤلاء , قال : هذا الرجل اسمه حماس والآخر اسمه الفتور فقلت وما سبب شجارهما ؟ قال : لا ادري استمع إليهما فأستمعت إليهما فسمعت الفتور يقول:
الفتور : لماذا تتهمني؟
الحماس: أنا لا اتهمك ولكني أقول الحقيقة .(2/408)
الفتور: بل هذا اتهام وانك لتدعي اني اثبت الدعاة عن العمل وأكون سببا في برود همتهم وركودهم.
الحماس : نعم هذا ما ذكرته . وهذا في ظني صحيح .
فتدخل الرجل الداعية بينهما. وقال: لا عليكما أن كان هذا هو سبب شجاركما, فلنناقش ذلك بموضوعية.
ثم قال الداعية : اجلسا معي ودعني يا حماس أناقش الفتور .
الحماس : نفضل .
الداعية يلتفت نحو الفتور : ما أسباب الفتور عند الدعاة .
الفتور : الأسباب كثيرة منها دعوية أو إيمانية أو نفسية .
الحماس : أنا أول مرة أسمع عن هذا السبب .
الداعية : ألم أقل لك فلنناقش الأمر لموضوعية .
الحماس : صدقت
الداعية: والآن أخبرنا يا فتور هل من سبب آخر
الفتور : نعم ( الإغراء ) وهو كثيراً ما يتعرض له الدعاة إلى الله تعالي كحب المنصب , والمال , والمسكن , والنساء , والشهرة وغيرها .
الحماس : ولكن هذا كثيراً ما يحدث .
الفتور : دعني أكمل كلامي , وأما السبب الثالث فهو ( الترف ) وهذا السبب ما أكثره في المجتمعات المحلية , حيث يكون الداعية قد تربى تربية مترفة بين أهله في أنواع طعامه وكيفية كلامه ونقاشه وملبسة ويا ويل من يضايقه .. ثم ينخرط في سلك الدعوة , فيري الحياة والتربية بخلاف ما كان يعرفه , وهكذا حتى يبدأ يحاور نفسه , ويتخذ موقفاً بعد ذلك يؤثر على سيره وعطائه .
الداعية متحمساً : نعم , فإني أعرف أخاً لي قد فتر بهذا السبب .
الفتور : إني أخبرك عن حقائق فأنا الخبير بحال أهل الفتور .
ثم قال : وأما السبب الرابع فهو ( العاطفة ) واضرب لذلك مثالين :
1- أن تكون معاملة المربي للداعية سيئة , فيغضب عليه ويتخذ منه موقفاً يكون سبباً في ضعف حركته وفتور همته .
2-أو أن يتأخر النصر فيبدأ الداعية بالتحليلات العاطفية ويحاور نفسه بذلك حتى يقتنع ويضعف عن العمل على اعتبار أن لا فائدة من الدعوة .(2/409)
الحماس : إن كلامك في منتهى الروعة ولكني أضيف سبباً خامساً وهو السبب وأعني به تعرض الدعاة إلى تعذيب أو أعتقال أو مصادر أموال أو تلفيق تهم أو سخرية أو استهزاء وغيرها مما يؤثر على الحالة النفسية للدعاة فيفترون عن العمل .
الفتور : صدقت .. وهذا هو السبب الخامس .
الداعية : عندي سؤال قد حيرني , وأنا أفكر فيه أثناء حديثك وهو هل الفتور ظاهرة صحية أم مرضية ؟
الفتور : إن اسمي له معنيان وهو : 1- الفتور : بمعني الانقطاع كلية عن العمل . 2-الفتور : بمعني التكاسل وهو أن تفتر النفس أحياناً ثم تعود إلى همتها وحركتها وسيرها الطبيعي .
فأما الحالة الأولى فهي الانتكاس والمرض .
وأما الحالة الثانية فهي أمر طبيعي , ولهذا قال ابن قيم الجوزية رحمة الله : ( إن للقلوب شهوة وإدباراً , فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها , ودعوها عند فترتها وإدبارها .
الداعية : وهو يلتفت إلى الحماس والآن ماذا تقول في اتهامك ؟
الحماس : الصراحة لم يترك لي أخي الفتور كلمة أتحدث بها .
الفتور : لو كنت هادئاً منذ البداية لما حدث الشجار .
الحماس : لا تلمني .. فإن من طبيعتي الحماس .
الداعية متدخلاً : جزاكم الله خيراً على كل حال .
الحماس : تفضل .
الداعية : كيف نستطيع أن تزرع الحماس في قلوب الدعاة فلا يفترون أبداً .
الحماس : أولاً فهم الإسلام بشموله ومدي صلاحيته للبشر .
ثانياً : التفكير بالواقع المرير الذي نعيش فيه , وكيف نقصده ونصلحه ؟
ثالثاً : الاطلاع على التاريخ الإسلامي الذي اعتز به المسلمون الأوائل .
رابعاً : حاجة الناس في وقتنا الحالي إلى الإسلام .
خامساً : إيجاد الفهم الدقيق للإسلام بأن تتوفر العقلية المبتكرة للدعوة .
سادساً : الإيمان العميق : فهو الركيزة التي يرتكز عليها الحماس .
الداعية : إنها لنقاط جميلة جداً ..وإن دلت على شئ فإنما تدل على الحماس المتزن .(2/410)
الحماس : نعم هذا صحيح .. لأن الحماس هو وسط بين سيئتين بين التهور إن كان الحماس كبيراً , وبين الفتور إن كان قليلاً .
ولهذا وضح الشيخ يوسف القرضاوي هذا المعني في كتابة القيم ( الصورة الإسلامية بين الجحود والتطرف ) وتطرق لمثل جيد حين قال : وإلى الآن ينظر إلى بذل المال وبذل النفس على أنهما أعلى المراتب , دون مراعاة ما يجعل بذل المال والنفس مجدياً .
الفتور والداعية بصوت واحد : جزاك الله خيراً يا حماس ثم قاموا من مجلسهما وانصرفوا وعزم الداعية على شراء كتاب طريق الدعوة الإسلامية وكتاب الصحوة الإسلامية .
من كتاب ( حوارت دعوية ) للأستاذ / جاسم المطوع
ــــــــــــــــــ
الدرر النافعة في نصح شباب الجامعة
تأليف فضيلة الشيخ
مهنا نعيم نجم " أبو الحارث "
عضو هيئة العلماء والدعاة - فلسطين
قدم له
سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري
المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية
جميع حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الثانية
1426 هـ / 2005 م
أخي الكريم إذا أردت أن يكون لك الأجر في حياتك وبعد موتك ، وكانت لديك الرغبة في طباعة هذا الكتاب ، اتصل بالمؤلف ليساعدك على الطبع بأرخص سعر ممكن ويرسل لكَ نسخة مزيدة ومنقحة
الموقع الإلكتروني www.islamdyaa.net
جوال – فلسطين 00970 – 599307230
شكر وتقدير
قال - صلى الله عليه وسلم - ( من لا يشكر الله لا يشكر الناس )
فإني أرى لزاماً عليّ أن أتوجه بالشكر والتقدير لسماحة الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري – حفظه الله ونفع به – المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية ، ورئيس هيئة العلماء والدعاة في فلسطين ، الذي رغم مشاغله الكثيرة ومواعيده المتعددة أعطانى من وقته الثمين زمنا قرأ فيه رسالتي هذه .(2/411)
وأشكر لكل من ساهم معي في إنجاز هذه الطبعة المحققة والمزيدة ، سائلا المولى أن يرزقني الإخلاص في السر والعلن والقول والعمل . وأشكر كل من يساهم في توزيعه للناس وعلى المساجد والمؤسسات العامة منها والخاصة .
والحمد لله رب العالمين
تقديم سماحة الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري
المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد اطلعت على كتاب الاخ الفاضل الشيخ مهنا نعيم نجم والذي أسماه ( الدرر النافعة في نصح شباب الجامعة ) فألفيته كتابا نافعا وسهلا ميسرا حافلا بالدرر .
وقد استخدم الباحث فيه اسلوب الداعية الناجح ، فبالرغم من متانة مادته وأهميتها بشكل عام وللشباب بخاصة . فقد طرحها بأسلوب سهل وميسر ، وإني لأنصح الشباب عامة بإقتناء هذا الكتاب والانتفاع به .
والله أسأل أن يوفق الأخ الفاضل الشيخ مهنا نعيم نجم – لمواصلة طلب العلم وخدمة السنة النبوية المطهرة
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
كتبه الراجي رحمة ربه
الدكتور عكرمة سعيد صبري
إلهي
ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله
وما أوضح الحق عند من هديته سبيله
فعلى الله وحده اعتمادي ، وإليه وجهتي واستنادي ، الصواب منه ، والخطأ من نفسي وتقصيري ، والخير أردت والى الله أنبت ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنبت ، فاللهم ارحم عبدك الذليل ، ذا اللسان الكليل والعمل القليل ، وامنن عليه في عمله بالتأثير والقبول ، واكنفه تحت ظلك الظليل هو ووالديه المساكين ، يا كريم يا جليل ، فالطريق شاق طويل والزاد قليل ، والامل والرجاء فيك يا كريم ...
أسهو وأخطئُ ما لم يحمني قدر
...
وما أبرئ نفسي إنني بشر
من أن يقول مقصّر إنني بشر
...
وما نرى عذراً أولى وذاك كذا
المقدمة(2/412)
الحمد لله الواحد القهار ، العزيز الغفار ، مصرف الامور ، مكور الليل على النهار ، مقدر الأقدار ، تبصرة لأولي القلوب والأبصار سبحانه جل جلاله ، أيقظ من خلقه من شاء فأدخله في جملة الأخيار ، ووفق من أجتباه من عبيده فجعله من المقربين الأبرار وبصّر من أحبه فزهده في هذه الدار ، فاجتهد في مرضاته والتأهيل لدار القرار ، فأخذ نفسه بالجد في الطاعة وملازمة الذكر بالعشي والأبكار ، فاستنار قلبه بلوامع الأنوار ، اللهم اجعلنا منهم يا عزيز يا غفار . الحمد لله جعل السعادة والنصر والعزة والتمكين والتأييد لمن أطاعه واتقاه ، وجعل الذلة والشقاوة على من خالف أمره وعصاه ...
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، خَلَقه ثم اصطفاه ، وبالقرآن خصّه واجتباه، وبالمعراج قرّبهُ وحاكاه ... فتضرع له نبيّنا وناجاه، فالصلاة والسلام عليه وعلى آله ومن والاه صلاة تدوم بدوام مُلك الله أما بعد :
فحقّق مُناي وأحلامي
...
إلهي وجّهتُ وجهي إليك
وحقّق بفضلك آمالي ... وهب لي من العزم ما أرتجي
وتمّمْ قوابل أيامي ... وثبت فؤادي في حاضري
فما دفعني لكتابة هذه الكلمات والورقات ، سوى أنني رأيت من الناس عامة والشباب خاصةً عجباً عُجاب ، فلقد اشتغلوا بدنياهم عن آخرتهم فأضاعوا أوامر ربهم جل وعلا ، واتبعوا الشهوات والمهلكات ، ولم يخافوا سطوة جبروته تعالى ولا سوء عقابه ، في ذلك يقول تعالى ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان )1 فاستباح بعضهم تضييع أوامر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد عافاهم الله في أبدانهم ووسع عليهم في أرزاقهم فبدلوا نعمة الله كفراً وعصياناً - نسأل الله العفو والعافية .
فهذه الرسالة أخي الشاب مهداة اليكَ في زمان قلّ فيه التناصح ، وقد قيل إن أخاك من نصحك في دينك وبصرك بعيوبك ، وعدوك من عزك ومناك !(2/413)
لذا كان هذا الكتاب بين يديكَ فيه عبارات لطيفة ، وإشارات منيفة ، تسيء حاسداً ، وتسر خليلاً ، في الكلام عن ( الدرر النافعة في نصح شباب الجامعة ) أسأله تعالى أن يكون خالصاً لوجهه . وأن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره ، وكل من ساهم بتوزيعه أو طبعه ...
المؤلف
1 / ذو الحجة / 1425 هـ
هذا نداء ... فأين الغرباء
أخي الحبيب ، قد نطقت العبر فأين سامعها ؟! وتجلت الحقائق فأين مطالعها ؟! واستنار الطريق فأين تابعها ؟! إلى أين تسير وأين تذهب إلى الجنة أم إلى السعير ؟!! أما علمت أن لحظاتك تكتب ، وأنفاسك تجمع ، وحركاتك تحسب ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى )2 .
اخواني في الله "بالامس الاول رأيت فيكم صورة الشباب المتلألئ ، صورة الامل المتطلع ، رأيت أنفساً تحمل همّ هذا الدين وتسعى لزيادة رقعته المباركة ، رأيت قلوباً تحمل بين جنباتها آمال الامة وتطلعاتها ، رأيت قلوباً تذرف من عينيها الدموع على آلام الامة ونكباتها ، رأيت بأم عيني هذه الجديّة التي وصفت ... واليوم بالذات أفل ذلك الطيف المتكرر ، وخبت تلك الكلمات المدوية "3 وفترت تلك الجهود المبذولة لنشر هذا الدين المجيد ، لذا كان هذا الكتاب ، أوجهه الى الشباب عامة وطلاب الجامعات والكليات خاصة ... فهم في مركز مهم لخدمة هذا الدين ونشره وبثه . فكونوا اخوتي على قدر المسؤولية ، وعذرا منكم فلقد " جاء حديثي متزامناً مع الدعة والراحة حتى غابت فيها الغيرة على الدين فعاد كل انسان يلهو بنفسه ويعمل من أجلها ، غابت تلك الجهود الجادة ، فأصبحت تطلق جماح الشهوة بلا رابط ، وتفك اسر الشبهة بلا قيد ، أفلا يكون هذا الفتور داعياً الى الحديث معكم ؟! "4(2/414)
بربك لماذا أصابك هذا الفتور عن قيامك بحق الله في الأرض ؟! لماذا هذا الفتور القاتل ؟! أين الجدية في الإلتزام ، والغيرة على دين الله .. أين الغيرة على الأعراض والشرف والفعة .. أين الغيرة على بلاد الاسلام ومقدساتها .. وكأني لا أرى تلك الجدية إلا في المسارعة الى الدنيا الفانية !
إني والله " أتعجب من لاعبي الكرة وهم يبذلون جهدهم وطاقتهم إخلاصاً للكرة ! وهؤلاء الممثلون أنظر إليهم وهم يعيدون المشهد مرة تلو الأخرى قد تصل الى العشرات إخلاصاً للتمثيل ! وكذلك عند المطربون والمغنيون إخلاصاً للموسيقى . وللأسف لا نجد الملتزمين بشريعة الله يملكون هذا الإخلاص !!"5
تسمو بكم عن دروب الطيش والصخب ...
يا أخوتي يا شباب الحق همتكم
ولن يضيع ربي أجر محتسب ... أحبكم يا شباب الحق محتسباً
سواد ظلمته يطغى على الشهب ... أدعو لكم بصلاح الأمر في زمن
للخير ،يدركه من جد في الطلب6 ... ما زال في الأرض ميدان ومتسع
لذا " ليس كل من تزّيا بزي المستقيمين المهتدين، ولبس لباسهم، وردّد ألفاظهم، يعتبر مستقيماً مهتدياً حقاً، حتى يكون في شعوره وولائه وحبه وبغضه وهمته وجديته وخُلقه وتعامله وكبح جماح نفسه على الخير كالمستقيمين المهتدين حقاً ... فليس العبرة بالمظاهر فحسب، بل المظاهر مع الحقائق :
لا يخلبنّكَ بارقٌ متلمع إن ( الباروكة ) تخون في تلماعها
فالهداية نور وسرور، والنور لا يحلّ إلا في قلب صحيح سليم .. خالٍ من الحسد والحقد والغلّ والهوى .. أما القلب المريض فإنه محجوب عن ذلك النور ولو كان الفكر في غاية الذكاء والفهم والعلم، فهو حينها ( أحير من ضَبّ ... إذا بَعُدَ عن جُحْرِهِ خبل )
نعم ؛ فحقيقة الهداية ليست بمجرد الانتساب لدين مع الارتكاب لكل ما يناقض له ، وإن الحق لا يثبت بالدعوى ، ولكن بالدليل ، فما وقر في القلب ، ظهر على الجوارح ، وصدّقه العمل "7 .
القصد وجه الله بالاقوال والاعمال والطاعات والشكران(2/415)
وبذاك ينجو العبد من اشراكه ويصير حقاً عابد الرحمن
أخي الحبيب ، كم من تساؤل يطرحه شبابنا .. حين يقول: أن مُتعتي أجدها في السيجارة فَلِمَ أتركها ؟! وآخر يقول: أهوى مشاهدة الأفلام فَلِمَ أدعها ؟! وآخر لا يحب الارتباط والتقيد، فلِمَ الصلاة ؟! وأخرهم يقول: أليس على المرء أن يفعل ما يسعده ؟ فالذي يسعدني هو ما تسمّونه معصية .. وأنا غير مقتنع بهذه التسمية ... فالعالم تقدم وتحضر و... فلِمَ أتوب ؟!
أخي المسلم .. يا عبد الله .. تتوب لجهلك في الدين، وبالمعاصي التي تقترفها ! تتوب لكي تعرف من عصيتْ ! فمثل العاصي كمثل الرجل في مكان دبغ الجلود، فإنه لا يشم الرائحة الكريهة إلا عندما يخرج منه ، فاخرج من المعاصي، وتُب إلى الله ستعرف سوء ما كنت عليه وقبح ما كنت تفعل ، كم كنت خاسراً لاهياً غافلاًَ ...
نعم لو أنكَ علمت من عصيت ، وقدره لما عصيته !! كما قال الإمام الزاهد الحسن البصري - رحمه الله – لا تنظر الى صغر المعصية ،بل انظر الى عظمة من عصيت .
أخي التائب - إن الله يفرح لك إذا تُبت ، فيجازيك بأن يفرحك ويُسعدك ، ولك في هذا دليل ، قال - صلى الله عليه وسلم - " لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرضٍ دويةٍ مهلكةٍ معه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فنام فاستيقظ ، وقد ذهبت ، فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال : أرجع الى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت . فوض رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه ، فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده " 8 .
انظر إلى هذه الفرحة التي يجدها التائب توبة نصوحاً صادقة ، والسرور واللذة التي تحصل له فإنه لمّا تاب إلى الله ، فرح الله بتوبته فأعقبه فرحا عظيماً . لذا تجد التائب في منتهى السعادة وقمة الراحة ، وفي أعظم النشوة .(2/416)
بالله عليك ، أيهما أسعد شاب ليس في قلبه سوى فتاة تسومُه سوء العذاب ، أو مال يُرغم أنفه في التراب ، أو منصب فذاق بسببه أشد الصعاب، ليس في فكره سوى السيارة والعمارة والصديقة والعشيقة ؟! أم من ليس في قلبه سوى رب الوجود ، لا يتلفظ بكلمة إلا ومزجها مع (( إلهي ، ربي، سيدي، مولاي.. )) ليستشعر بدفء الجواب يناديه : (( لبيك عبدي ... سل تعطى ... )) بالله عليك من السعيد حينئذ ؟! ومن أحق بالسعادة والطمأنينة وقتها ؟!
لذا إخواني في الله- إليكم هذه الكلمات التي خرجت من قلبي لعلها تصل إلى قلوبكم ، وامتزجت بروحي فلعلها تمتزج بروحكم، كتبتها بمداد الحب والصفاء والنصح والوفاء، لعلها لا تجد عن نفوسكم الصافية مصرفاً .
يا شباب الإسلام أين دوركم ؟!
يا شباب الإسلام هل تعرفون من أنتم ؟!
هل تعرفون تاريخكم ؟!
ومن هم أجدادكم ؟!
انتم من أتباع خيرالأنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أنتم من سلالة الاماجد الاخيار من الصحابة الابرار – رضي الله عنهم جميعاً - الذين رسموا لنا الطريق ، وحملوا لواء الاسلام ، وأخذوا الدين والعلم من منبعه الصافي من المبعوث رحمة للعالمين ، من سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - .
أخي الشاب المسلم ، أنت من غيرت وجه التاريخ ونشرت التوحيد الخالص والعقيدة الصافيّة ، فلقد كنت جندياً مخلصاً من جنود الدعوة ، ونجماً لامعاً في سمائها ، وعَلماً خفاقاً في أرضها ،،، وحال لسانك :
من نهجه مسلكاً يحمي من العطب ... رسولكم قدوة فاسترشدوا وخذوا
صرح لما بلغتها نظرة السحب9 ... في ديننا روح سلم لو أقيم لها
أنتم من لقنتم طواغيت الدنيا دروساً في العلم والادب والشجاعة ... دروساً في مكارم الاخلاق وحسن المعاملة ... دروساً في العفة والشرف والطهارة !!(2/417)
أخاطبكم يا ركائز الدعوة ، ويا ثمار الأمة ، لتكونوا على حذر وأعلموا أن دهاة العالم من الصهيونية والماركسية والإمبريالية - والساهرين على إفسادكم - قد بذلوا ما بوسعهم لتعطيل تلك الآلة الصانعة للأجيال والمصنّعة للأبطال أمثالكم ، قد حشدوا جميع قواهم ليهدموا ذلك الصرح الذي علوتم باتباعكم إياه ، وفتحتم البلاد بسيركم معه ، وسُدتُّم العالم أجمع بتطبيق ما حواه .
أخي المسلم - إني لا أعرفك ، ولا شك أنك لا تعرفني ، لكن الذي جعلني أكتب لك ما فهمته من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( الدين النصيحة ، قيل لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم ) نعم ما دفعني أن أكتب لكَ إلا الأخوة في الله ، فهمك همي وسعادتك سعادتي ، والله يشهد إني أتألم لألم المسلمين وأبكي لما يبكيهم .
أخاطبك أخي الحبيب يا من لعبة به الدنيا ، واخذته الشهوات ، أعرف أنك لن تقرأ كلماتي هذه ، وكيف لك أن تقرأها وأنت ما عرفت لها طريقا أو كنت لها يوما صديقا . أعرف أنك تجري ، وأنت لا تفكر إلا بالموعد الكاذب التي قطعته على نفسك لتلك الفتاة الغافلة عن الحقيقة ! أعرف أنك تلهثُ وراء الشهوات والموبقات التي توجب غضب الرب جلّ وعلا وأنت لا تعرف ذلك !
أعرف أنك تنتظر تلك الساعة اللعينة التي أبطأت في السير لتخرج مع تلك العصبة من الشباب المُضل، لتعصوا الله في الذهاب إلى الملاهي والمقاهي وأماكن المعاصي .
أخي الحبيب " لا تستصعب مخالفة الناس ، والتحيز الى الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولو كنت وحدك ، فإن الله معك ، وأنت بعينه وكلاءته وحفظه لك ، وإنما أمتحن يقينك وصبرك – فكان عليك أن تعلم وتتيقن – أن الأمر كله لله ، ليس لأحد مع الله شيء "10
وقفة محاسبة ومصارحة(2/418)
أخي الشاب انظر الى نفسك وتفقد أعمالك وتذكر وقفاتك ، وأَعِد شريط زمانك ! ثم احكم على نفسك !!ألا يعتبر المقيم منكم بمن رحل ؟ ألا يندم من يعلم عواقب الكسل ؟ آهٍ ، لغافلٍ جدّ الموت هزل ! ولعاقل كما صعد العمر نزل !
أعد على فكرك أسلاف الامم وقف على ما في القبور من أمم
ونادهم أين القويّ منكم القاهر أم أين الضعيف المهتضم
تفاضلت أوصالهم فوق الثرى ثم ساوت تحته كل قدم
أخي الحبيب هل تأملت هذا الرجل الذي احدودب ظهره، وابيض شعره، وتثاقلت خطاه، وخارت قواه، وسقط حاجباه، وتناثرت أسنانه ؟! فهو يقوم بصعوبة، ويقعد بصعوبة، يصلي ويصوم بصعوبة، ويقضي جميع حوائجه بصعوبة !!
هل تأملت هذا الرجل؟ ألم يكن شاباً مثلك ؟! يعيش حياة الشباب، ويلعب لعبهم، ويظن أن أيام الشباب طويلة ، وأن قوة الشباب قاهرة، وأن نُضرة الشباب تزهو على الليالي والأيام!
فلم يُغنِ البكاء ولا النحيبُ ... بكيت على الشباب بدمع عيني
نعاه الشيب والرأس الخضيبُ ... فيا أسفا أسفت على الشباب
كما يُعرى من الورق القضيبُ ... عُريتُ من الشباب وكنتُ غصناً
فأخبره بما فعل المشيبُ ... فيا ليت الشباب يعود يوماً
أخي الشاب – إلى متى ستبقى أسيراً للمعاصي والذنوب ؟ لقد خلقك الله حُرّا بعبوديتك له ، ذليلا ً بعبودية غيره ، فلماذا ترضى أن تكون مخالفاً لحكمته وأمره .
أخي الحبيب يخطئ من يظن أن طريق الاستقامة والالتزام يمنع المتعة ويحرم البسمة، وينهى عن المزحة، ويحظر الشهوات على الإطلاق ، بل إنه ضبط هذه الأمور وفق حدود شرعية حتى لا يكون الانسان عبداً لشهوته، فكان الإسلام بالنسبة للملتزم نظاماً شاملاً لجميع حياته .(2/419)
والذي خلق الورى وشق النوى، إني أحبُك في الله ، لا لشيء إلا لأفوز وإياك بما وعد الله ) المتحابون بجلالي على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم النبيون والشهداء( فالدين النصيحة ، لذا أنصحك بالله، وأدعوك أن تقف وقفةً مع نفسك، وتسألها، أما تستحين من الله ؟ كيف تعصينه وهو ينظر إليك؟ إذا كنت عاصيه لا محالة، فاعصِهِ في مكان لا يراك فيه، وفي أرض لا يملكها !!
أخي الحبيب لا تقنع نفسك أنك في بحبوحة من العمر والمال، فكله زائل لا محالة ، فكم من طفل أمسى ميتاً ، وشيخاً كبيراً عاش حيناً من الدهر ...
واعصي الهوى فالهوى مازال فتّانا ... يا نفس توبي فإن الموت قد حانا
وأخرج من دنياي عُريانا ... يا نفس مالي وللأموال أتركها
أيها المشغول بالشهوات الفانيات حتى متى ستبقى في المتاهات، أتطمع الالتحاق بالشرفاء وأنت رهين الشهوات، هيهات هيهات يا منشغلاً في الملهيات ، أحذر هجوم هادم اللذات، حين يزورك فتقول : من في الباب؟
فيقال لك : (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) ولسان حالك ( رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ) فتسمعه يوبخك ( ألم تكن آياتي تُتلى عليكم فكنتم بها تكذبون ) .
رُفعت لنا في السير أعلام السعادة والهدى يا ذلة الحيران
فتسابق الابطال وابتدروا لها كتسابق الفرسان يوم رهان
وأخو الهوينى في الديار مخلف مع شكله يا خيبة الكسلان
ما موقفك عندما ينادى عليكّ ! وقد قام الأشهاد وحشرت الخلائق، فتسير دون إرادتك إلى حسابك لتقف بين يدي ملك السماوات والأرض، وقد ارتعدت فرائسك، ورجفت قدماك، وجفت عيناك، وتقطعت أوصالك، ومُلئ قلبك رعباً، اضطربتْ جوارحك خوفاً، قد تغير لونك، وحل بك من الهم والغمّ ما لا يعلمه إلا الله .(2/420)
قال الحسن البصريّ – رحمه الله : يومان وليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهن قط ، ليلة تبيت مع أهل القبور ولم تبت ليلة قبلها ، وليلة صبيحتها يوم القيامة . ويوم يأتيك البشير من الله تعالى اما الجنة أو النار ، ويوم تعطى كتابك اما بيمينك واما بشمالك .
أخي المسلم - يخطئ كل الخطأ من يظن أن الموت فناء محض وليس بعده حياة ولا حساب ولا حشر ونشر، ولا جنّة وعقاب ، إذ لو كان الأمر كذلك لانتفت الحكمة من الخلق والوجود ، ولكن هناك حساب وعقاب ... جزاء وعطاء ( فمن زُحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز )
فيا من صحيفته بالذنوب قد حُفت، وموازينهُ بكثرة الذنوب قد رجحتْ، أما رأيت الأجسام بالأكفان قد لفت، وإلى المقابر قد زُفت ، طويت صفحات الغرور، وبدا للعبد البعث والنشور، مضت الملهيات والمغريات وبقيت التبعات - فلا إله إلا الله من ساعة تطوى فيها صحيفة المرء إما على الحسنات أو على السيئات .
لكان الموت غاية كل حي ... ولو أنا متنا وتُركنا
ونُسأل بعده عن كل شيء ... ولكنا إذا متنا بُعثنا
هذه رسالتي ... فسامحني
أخي الحبيب ... لا تنزعج من رسالتي فهذا شجن من شجون الاخوة والمحبة اهاتف به قلبك الطيب بنصح المحب، وإن في إيمانك ونقاء أعماقك ما يطمع فيك كل من يريد الخير لك ... أخي الغالي ، ليست الخطايا عذراً للتحلل من الولاء للدين ، والعمل له أو نصرته أو الغيرة عليه .
نعم إن الولاء للدين والغيرة عليه مسؤولية المسلم ، حيث هو مسلم مهما كان فيه تقصير أو أثم ... ما دام له بهذا الدين سبب واصل . فبمجرد حملك اسم الإسلام ( مسلم ) فأنت جزء من هذه الأمة التي يجب أن تكون في المقدمة في وقت تتسابق فيه الأمم في صنع المستقبل .(2/421)
أخي الحبيب " ان الحاجة الى الدعوة ماسّة ، لأن العقول لا تستطيع وحدها ادراك مصالحها ، التي تكفل لها الدنيا والاخرة . لأنها لا تُهدى وحدها الى تمييز الخير من الشر . فهل بذلت جهدًا في الدعوة ولو كان قليلاً ؟ هل أهديت لزميل لكَ أو صديق شريطاً فيه الإفادة في الدنيا والآخرة أو كتيباً بعد أن قرأته ؟! هل استشعرت وجوب مشاركتك في إزالة المنكر ؟! وان تكون منافحاً ومدافعاً عن الإسلام ؟ أخي ، لا تكتف بالتعاطف مع الأبرار الذين اخلصوا لهذا الدين ، بل ، لم لا تكون على رأسهم فهذا واجبك نحو دينك وعقيدتك ؟
واعلم أن الذين لا تغلي دماؤهم ، ولا تلتهب نفوسهم ، ولا تهتز مشاعرهم لخدمة هذا الدين : لا يعقد عليهم أمل ، ولا يناط بهم رجاء ، فهم أموات غير أحياء ، وانما تنفع الموعظة من أقبَلَ عليها بقلبه ( وما يتذكر إلا من ينيب )11 فتذكر رعاك الله أن إيمانك ذو نسب عريق ، فنبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ( فكن معتزا بإيمانك ، واثقاً من نفسك باذلا قصارى جهدك ، لنشر دين الحق والعدالة "12 كن متميزاً عن غيرك ممن يعبدون الخرافة أو الصليب ، أما ترى انهم لا يعقلون !! بعد شق الأنفس وطول عناء ينال أحدهم الدكتوراه ثم يسجد لبقرة !
نعم ، لا تنزعج من رسالتي ،فهل فتحت لي أبواب قلبك الطيب ونوافذ ذهنك النير ؟ لأحدثك حديثا أخصك به ، فوالله الذي لا اله إلا هو إني أحبك حباً يجعلني أشعر بالعلو والافتخار كلما رأيتك تمشي خطوة إلى الأمام . أخي الحبيب - عرني من سمعك دقيقة ، لتحكم عليّ بما استشعره إيمانك وضميرك نحو الغاية التي تعيش لها ، فأنت تعيش لقضية خطيرة وكبيرة لا تقف عند :
* شريط غنائيّ ماجن لفاجر يعصي الله ليلا ونهارا
* مصاحبة تلك الفتاة الفاجرة العاهرة .
* دخولك على غرفة الدردشة .
* انتظارك الساعات الطوال لتشاهد فلماً أو مسلسلاً
* اشباع رغبتك في المأكل والمشرب وشرب الدخان(2/422)
* لون شعرك أو حسن منظر هندامك وقميصك
* امتلاكك هاتفا تعاكس به بنات الإسلام أو غيرهن ممن يسعيّن لتدمير دنياك وآخرتك !!
فمن كان منزله من زجاج ، لا يرمي الناس بالحجارة ، فكما أنك تغار على عرضك فالناس يحافظون على أعراضهم ، نعم أنت تعيش لهذا الدين الذي تعبد الله به ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) .
يا طالب الجامعة ، أحدثك حديثا اسكب روحي في كلماته .. وأمزق قلبي في عباراته .. لعلك تقف إلى جانبي في اصلاح نفسي ونفسك والآخرين !! أخي الحبيب هل سألت نفسك يوماً كم تبلغ مساحة الاسلام من خارطة اهتمامك؟ كم تبذل للدين وتهتم به ؟ كم تسعى لنشره وإصلاح أنفسنا ؟ هل سألت نفسك ، كم يعيش الدين في حياتنا ؟!
أخي الغالي – بكل صيغ الترجي أرجوك أن تقرأ هذه الرسالة بكل هدوء وسكينة القلب الذي كتبها لك .. اقرأها بعيداً عن الانفعالات واتخاذ المواقف ، وضع نصب عينيّك أن تجعل آخر كلمة فيها بداية توبتك ورجوعك إلى الله .
يا أخي اركب معنا
أخي الحبيب قبل البدء ، أكتب لكَ موقفاً يظهر لك كم هي القلوب المتعطشة للتوبة ، كم هي الأنفس التواقة للإنابة والرجوع الى الله ، نعم تدرك من خلاله كم هم الذين ينتظروا منك خطوة باتجاههم لتهمس في آذانهم بصوت هادئ مطمئِن للنفس ... لتبصر بأم عينيك الدموع المنهمرة من العيون المشتاقة للبكاء من خشية الله ... لتدرك كم أنا – وأنتَ - مقصرين في جنب الله !!
((2/423)
قال : شعرنا بالفرح والسرور ونحن نسمع ذلك الرجل الفلبيني ينطق الشهادتين ويعلن اسلامه متخليّاً عن دينه الباطل ، وعقيدته المحرفة ... ولكن فرحتنا به لم تتم !! إذ بدلاً من اظهار السرور والبهجة بدخول الدين الحق ، رايناه تتغير ملامح وجهه من الفرح الى الحزن والأسى ، ثم ما لبثنا قليلاً حتى رأينا الدموع تنهمر من عينيّه ... تركناه فترة من الزمن يعبر فيها عما جاش في نفسه ، وبعضنا ينظر الى بعض متعجباً مما يرى ، فلمّا خفت حدّة الحزن ، طلبنا من المترجم بلهفة أن يسأله عن سبب هذا البكاء المفاجئ .. أتدري ماذا قال ؟! لقد تحدث بحرقة قائلاً : إنني أحمد الله كثيراً أن مَنّ عليّ بنعمة الدخول بالإسلام وأنقذني من النار ، ولم يمتني على الكفر . ولكني أتساءل الآن عن حال أبي وأمي اللذين ماتا على الكفر ، ألستم مسؤولين عن هدايتهم ؟! أين أنتم من دعوتهم ودعوة غيرهم من الناس الضالين الى الإسلام ؟! أين أداؤكم لواجبكم نحو هذا الدين الحق ونشره للمتعطشين إليه أكثر من تعطشهم الى الطعام والشراب !!
أين ... أين ؟! أخذت الجميع قشعرية ، وغطتهم سحابة من الصمت والحزن وهم يسمعون هذه الحقائق ... )13 وكأني حينها ولسان حالي وحالُكَ يقول : أين المتقاعصين والمقصرين عن أداء واجبهم نحو هذه الدعوة حتى يسمعوا مثل هذا الكلام ؟! اين هم ليدركوا عظمة الرسالة وثقل الأمانة المنوط بكل واحد منهم ؟!(2/424)
أخي الحبيب ، اعلم – حفظك الله - اننا في دار ابتلاء ، وأن أعمالنا ستوزن يوم العرض على الله ، أمام الأشهاد والخلائق !! فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره . لذا كان أجدر بي وبك أن نكثر من الأعمال الصالحات وتقديم القربات والطاعات . ومهما بحثت وجاهدت لن تجد شيئاً في أعمالك أثقل في الميزان يوم القيامة مما دلّ عليه رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه – حيث قال ( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق ، وإن الله يبغض الفاحش البذيء )14. فالخلق الحسن ، عنوان الصدق والطهارة والعفة ، وهو رمز للإخلاص في العبودية لله تعالى جل وعلا ، لأن المؤمن الصادق مع الله في سره لا يمكن إلا أن يكون صالحاً مع الناس .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المتفق عليه ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً ) فحاجة المرء الى الخلق الحسن أكبر من حاجته الى الملبس والمشرب والمأكل . فهي تصونه وتشرفه وتلبسه حلية العز والكرامة ، وشرف القبول والاحترام ، وثواب الله يوم القيامة ، لذلك فهي شاقة المنال ، صعبة الاكتمال ، لا يحصلها إلا من جاهد النفس والهوى ، واقتفى سبيل الهدى وسلك طريق التقى ، ونهج السلف الصالح .
ففي هذه الرسالة سأبحر معك أخي القارئ في أعماق الأخوة والمحبة عسى أن تنال خلالها درةً تزين بها قلبك الطيب ، وناظرك الثاقب ، فأبدأ معك في الدرة الأولى :
الدرة الأولى
الصلاة ... الصلاة ... الصلاة
أخي الحبيب ، من الاعماق أهديك حديث الحب ، ومن الأخوة أهديك سلام الوّد ، ووالله إني أحمل لك كل معاني الاخوة الصادقة ، كيف لا ، والله يقول ( إنما المؤمنون أخوة ) فاذا ضاق الصدر ، وصعب الامر ، وكثر المكر ، واذا أظلمت في وجهك الايام ، واختلفت الليالي ، وتغير الاصحاب ، فعليك بالصلاة ....(2/425)
أخي الحبيب ، لعل من الاصوات الجميلة التي تخرق أسماع آذاننا ذلك الصوت الهادئ العذب، وهو ينادي " حيّ على الصلاة ، حي ّعلى الفلاح " صوت يحمل في رياحه عبق الذكريات ، فكأنما بلال يحلق على استار الكعبة لينادي المسلمين الى الصلاة ...
أخي الحبيب ، هداك الله ، أليس لك في رسول الله أسوةً حسنة ؟ ألا تراه اذا صابه همّ أو ألمّ به تعب قال " أرحنا بها يا بلال " نعم فهو القائل - صلى الله عليه وسلم - " جعلت قرّة عيني في الصلاة " .
من أعظم النعم على المسلمين هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة ، فهي كفارة لذنوبنا ، ورفع لدرجتنا عند ربنا ، ثم انها علاج عظيم لمآسينا ودواء ناجع لأمراضنا ، ألا ترى هؤلاء الذين تركوا الصلاة كيف تسير حياتهم ؟! فهي من نكد الى نكد ، ومن همّ الى غمّ ، ومن شقاء الى شقاء ...( فتعساً لهم وأضل أعمالهم ) .
اعلم هداني الله واياك ، بقدر ايمانك قوةً وضعفاً ، حرارة وبرودةً ، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك ... ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ولا تكون الحياة الطيبة ، الى باستقرار النفوس بحسن موعود الله ، وثبات القلوب على حب الله ، وطهارة الضمائر من الانحراف والضلال ، والصبر امام الحوادث والكوارث ، ابتغاءً لوجه الله ، والرضى بالقضاء والقدر خيره وشره ، وبداية هذا كله الشهادتين ثم الصلاة ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج ....
فكانت الصلاة بحق عمود الدين " فمن أقامها أقام الدين " فحافظ عليها في وقتها فانها احب الاعمال الى الله تعالى ، وأول ما يسأل العبد عنها فان صلحت صلح سائر عمله وإلا فلا !! ومن حافظ عليها حفظه الله ، ومن ضيعها ضيعه الله ... وكما جاء في الحديث الصحيح أن أفضل الأعمال ( الصلاة على وقتها ، قيل ثم أي ؟ قال : بر الوالدين ، قيل ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ) .(2/426)
فالصلاة من اكبر وسائل العون على تحصيل مصالح الدينا والآخرة ، ودفع مفاسدهما ،، فهي دافعة للظلم ، وناصرة للمظلوم ، وقامعتُ للشهوات ، وحافظة للنعمة ، ودافعة للنقمة ، ومنزلة للرحمة ، وكاشفة للغمة ... فلعمر الله هذا هو الحل لأزمات الناس ومشاكلهم وهو الشفاء لأمراضهم وعللهم ، لكن ( الناس سكارى وما هم بسكارى ) ولم يوفق اليه الا القليل ، نسأله تعالى ان نكون ممن وفق اليه .
اخي الحبيب ، لِمَ ترضَ لنفسك أن تكون في مواطن الشبهات ونقاط اختلاف العلماء ... فهذا يقول عنك ( كافر ) ودليله في ذلك " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " وآخر يفصل بالمسأله فإن تركها جحوداً ،،، أو تكاسلاً ... والكلام يطول !! 15
فاحذر كل الحذر من التهاون فيها او تأخيرها عن وقتها أو تأديتها مجاملة أو خوفاً من أحد فهذا استهزاء بالله ، وخداعاً للنفس ، وقد قال تعالى ( فويل للمصلين ، الذين هم عن صلاتهم ساهون ) . هذا لمن أخرها ، فكيف بمن تركها ؟! فاتق الله ، عسى أن تتدارك منه رحمه ، وتنال منه مغفرة .
فهيا بنا سوياً الى رياض النعيم ، الى رب غفار رحيم ، هيا بنا الى مناجاة رب العرش العظيم ، فقم وتوضأ واذهب الى مصليك لتقف بين يديّ ( العزيز الغفار ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ، ذي الطول لا اله الا هو اليه المصير ) سورة غافر .
الدرة الثانية
يا ولدي ،،، هذا يومك
لا أعتقد أنك منكراً لحق أبيك عليك ! فبالرغم من العقوق الذي يصدر منك إلا انه لك في قلبي محبة ، وبلساني لك دعوة ، ومن عيني لك دمعة ، ومن جوارحي لك حركة ،،، ما زلت أنشدك عساك تعود !!
فلقد أعددت فيك الرجولة والشهامة والوفاء ، أعددت فيك العزة والكرامة والإباء ، أعددت فيك الأخلاق الطيبة ، أعددت فيك المعاني النبيلة والقيم الفاضلة . أقول هذا لك يا ولدي والألم يعصر قلبي والحزن يقطع اوصالي ، لما أشاهده منك !(2/427)
فبالأمس القريب كنت حريصاً على صلاة الجماعة ! كنت مواظباً على صلة الأرحام ! كنت غيوراً على دين الله ! فماذا جرى لك يا ولدي ؟
ألا تذكر تلك الدموع التي أذرفتها فرحاً لما سمعت بقدومك ، قطرات دمي بذلتها لسعادتك ! لا أذكر أني أرتحت في نومي وأنت مستيقظ ! وشبعت يوماً وأنت جائع !!
يا ولدي ،،، أليس من الظلم أن تقتل القلب الذي أحبك ، وتشيب الرأس وتدمي العين التي لم تنم باستيقاظك ، أليس من الظلم أن أراك بين ثلة من العصاة التائهين ، أليس من العار عليك تلويث سمعة عائلتك ؟ أليس من المحزن أن أناديك فلا تجيبني ؟ فوالله لم أعق والدي يوماً حتى تعقني ؟!
هذا يومك يا ولدي ،،، فقد طعن والدك ووالدتك في السن ! ألا تذكر يا ولدي تلك الليالي التي لم تنمها أمك لأنك لم تلعق ثديها بعد !! هل تخيلت يوماً أن تحمل أمك أو أبيك كالرجل اليماني ! الذي حمل أمه على ظهره ليطوف بها البيت العتيق ... فقال : يا ابن عمر هل تراني أديت لها حقها ؟ قال له ابن عمر : ولا بطلقة من طلقاتها !!!
أين أنت من ذلك ؟! يا بني ، لم أطلب منك يوماً شيئاً لا تستطيع القيام به ، أم أنك لا تستطيع أداء الصلاة وصوم رمضان ودخول الجنة !!! نعم ( تعس من أدرك والديه ولم يدخل الجنة )16.(2/428)
هذا يومك يا ولدي ، فالدمعة التي غرغرت بها عيني لتقتلني باليوم ألف مرة ، حين اتذكرك وأنت تلعب في حجري ، فيوماً ظهري لك مطية تركبها ! ومرة كتفي لك منارة تعلوها ، ومرة ألتزم الصمت أمام الجلوس لأدعك تتكلم بإسم الجميع ! ألا تذكر يا ولدي ،كم كنت مسروراً منك حين أتيتني تركض خائفاً من أخيك ( يابا ، يابا عندك أخوي ... ) ألا تذكر يا ولدي كم أرسلت الدموع عليك لما علمت أنك ستغيب عن ناظري لتنال شهادة التفوق في الجامعة ... ولكن ياليتك لم تذهب !! ذهبت مطيعاً ورجعت عاقاً ! فارقتنا والدموع تسيل منك على الخد حزناً وألماً على شدة البعد ! ورجعت يا ولدي ودموع الفرحة تغمرنا !! ويا للأسف رجعت لا تعرف أمك ولا أبيك ! لم يا ولدي ، ألم تذهب لتتعلم حسن المعالمة وخدمة الانسانية ... ألم تذهب لتتعلم كيف تساهم بنهضة وطنك !
ياولدي ، ألا تذكر كم معركة ومشادت جرت بيني وبين أمك حول مائدة الطعام ، وأنا أنتظرك لتأكل معي ، وهي تقول لي تناول طعامك فلقد أكل قبل قليل !! وأنا أصر على الانتظار !!
ألم تذكر اسعد لحظات أمك معك ؟! نعم كانت أسعد لحظات أمك معك عندما كنت صغيراً تمسك شعرها بشدة !! لأنها أدركت أنك كبرت ، فكانت تحلم بك باراً وفياً لها ولأبيك .
والكلام يطول يا ولدي ، فهذا يومك ، فمدد يدك لليد التي أعانتك ، وللعين التي سهرت عليك ، وللقلب الذي تفطر لأجلك ، وللسان الذي يملك تدمير حياتك بأقل ما تتصور !! ولكنها حنية الأب ومحبة الأم .
الدرة الثالثة
ذروة سنام الإسلام
إن حمل الدعوة إلى الناس ، وجعلهم يؤمنون بها ، ويثقون ويتأثرون : عملية صعبة وشاقة ، تحتاج الى صبر وثبات ، والمضي في طريق الدعوة ليس بأمر هين لين ، ولاطريق ميسور ، ولا بد من عزم وقوة ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )( آل عمران 142)(2/429)
وهنا لا بد من تربية النفوس على البلاء والصبر ، لتصبح على قدر من المسؤولية لخدمة دين الإسلام ، فإن لم أقم أنا وأنت بواجب الدعوة فمن يقوم ؟!
ولقد تعمدت أن اجعل الدر الثالثة ( الجهاد في سبيل الله ) مشيراً في ذلك لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل عن أفضل الأعمال قال : ( الصلاة على وقتها ، قيل ثم أي ؟ قال : بر الوالدين ، قيل ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله )
فواعجباً للجنة كيف نام طالبها ؟! وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها ، وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها ، وكيف قرّ المشتاق القرار دون معانقة أبكارها ؟! وكيف قرّت دونها أعين المشتاقين ؟! وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين ؟!!17
نعم أخي الحبيب ، لقد كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس ويقاتل أمام الناس ، يحمل المصحف في الليل : قارئاً ، تالياً، عابداً ، ناسكاً .. وبالنهار يحمل السيف : مجاهداً ، مقاتلاً ، متقدماً للصفوف .. نعم هي الشجاعة والثقة بنصر الله للإسلام والمسلمين ، فمن أعظم الشجاعة : الخوف من الله عز وجل ، فالخائفين من الله هم أشجع الناس ، وهم الذي يؤدون أوامر الله ، ويجتنبون نواهيه ، كما قيل :
عند القتال ونار الحرب تشتعل ... ليس الشجاع الذي يحمي فريسته
عن الحرام فذاك الفارس البطل ... لكن من ردّ طرفاً أو ثنى وطراً
فاشجع الناس : من راعى ما بينه وبين الله ، ورد نفسه عن الحرام ، وكسرها وقت الغضب ، ووقت الشهوة ، ووقف عند حدود الله ، فهذا هو الشجاع المحفوظ بحفظ الله عز وجل ، وهو الذي ينتصر .
وقال بعضهم : لا ينتصر العبد في المعركة حتى ينتصر على نفسه ، وعلى الشهوات ، والمعاصي ، والمخالفات ... واعلم – أخي الحبيب أنه لا حياة للأمة الإسلامية إلا بالجهاد ، وبتربية النفوس والأبناء على خوض الصعاب ، والمنايا لتعود الأمة عزيزة كما كانت .
متى نخوض المعركة ؟!!(2/430)
بالله عليك – هل يعقل أن نعدّ الجيوش ونحمل السيوف والأسلحة ، وأنتَ مازلت تسمع – حيّ على الصلاة ،حيّ على الفلاح – ولا تجيب !! فإذا الأمة خانت حيّ على الصلاة وحيّ على الفلاح ، وخانت صلاة الفجر والجمع والجماعات ، خانت الجهاد ، ولم تستطع أن تصمد ، أو أن تحقق الأمل المنشود منها ...
بنو يهود يموتوا تحت الدبابات في سيناء ، فداءً لعقيدة فاسدة !! وأنتم أبناء الأمة المحمدية خير الامم تموتون فداءً للقاء محرم !! أو في سبيل غاية دنيوية ومتاع زائل وشهوة منقطعة وهموم كاذبة !!
* أما لكَ في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدرة حسنة ! أوليس لكَ من الصحابة والسلف الصالح أمثلة ونماذج !! فهذا عبد الله بن رواحة يقول :
وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا ... لكنني أسأل الرحمن مغفرة
يا أرشد الله من غاز وقد رشدا ... حتى يقال إذا مرّوا على جثتي
فما مرّ به أحد من الصحابة ، حتى قالوا : يا أرشد الله من غاز وقد رشدا .
* وما أبو سليمان رضي الله عنه ليس ببعيد !! صلى الفجر بالمسلمين ، في اليرموك ، وكان جيشه أقل من ثلاثين ألفاً ، وجيش الروم : ما يقارب ثلاثمائة ألف !! ولكنّها العقيدة التي حملوها في صدورهم والثقة بنصر الله ...
من بعد عشر بنان الفتح يحصيها ... تسعون معركة مرت محجلة
وخالد في سبيل الله مذكيها ... وخالد في سبيل الله مشعلها
* وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يتحول إلى أسد ضرغام ، وسيف قاسم على أعداء الإسلام ، وفاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه والزبير رضي الله عنه يغضب كالنمر ويثب كالأسد . والبراء رضي الله عنه يفتح الحصن وقد قُذِفَ من أعلى المنجنيق . وعليّ رضي الله عنه يقتل رأس الكفر عمرو بن ودّ في غزوة الخندق ، ويبارز مرحب قائد جند يهود !! ويصرخ فيه :
كليث غاباتٍ كريهه المنظرَ ... أنا الذي سمتني أمي حيدرة
أكيلهم بالسيف كيل السندرَ ... إذا الحروب أنشبت أظفارها(2/431)
* وأبطال كثير في صحيفة الإسلام يقف التاريخ عاجزاً عن ذكر مواقفهم الجهادية ، بل تخجل الأقلام ان تكتب تقصيرنا وتخلفنا عن الجهاد في سبيل الله !!
أخي الحبيب ، ماذا فعلت لخدمة وحماية هذا الدين ؟! مالي لا أراك بين جند الدعوة ؟! أين دوركَ في نشر الدعوة ؟! أين أنتَ من حياة المجاهدين وسيرهم ؟! لقد مللنا التعاطف والكلام ، ماذا ينقصكَ ؟! ومهما بلغ فيك المطاف من سرد الأعذار فلن تبلغ ( أبو أيوب الأنصاري ) وقد بلغ التسعين وقال لبنيه احملوني للمعركة !! فكان يحمل بيده السيف وبالإخرى يرفع حاجبه ليرى أمامه !!
أنتم يا شباب الجامعات أخاطبكم ! ماذا عليّكم لو أجلتم سنة من دراستكم لتنالوا شرف الجهاد وتسهموا في اقامة دين الله في الأرض ؟! ماذا عليكَ لو أنكَ دخلت مصنع الرجال والأبطال ؟! على ماذا تخاف فالرزق مقسوم والموت محتوم والأجل مختوم ! فأقبل ولا تدبر ، وسطر في صحيفة أعمالكَ أياماً من الرباط وساعات من الجهاد " فرباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه " و" ساعة في سبيل الله خير من قيامة ليلة القدر عند الحجر الاسود " فماذا تريد أكثر ؟! بل لك أكثر ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ) ( التوبة 52)
واعلم أخي الشاب " أن هذه الأمة تمرض لكنها لا تموت ، وتغفو لكنها لا تنام ، وتخبو لكنها لا تطفأ أبداً .وكن على علم أن الوصول الى القمة ليس الأهم ، لكن الأهم البقاء فيها ، وأن السقوط في القاع ليس هو الكارثة ، بل الكارثة هو الاعتقاد أنه لا سبيل الى الخروج من القاع ... وليس الدواء في بكاء الأطلال ، وندب الحظوظ ، إنه في الترفع عن الواقع ، بلا تجاهل له .
وإن المستقبل لهذا الدين بلا منازع ، ولكنه لا يتحقق بالمعجزات السحرية ، بل بالإخلاص والعمل والبذل ، والدعوة الى الله من منطلقات صحيحة ،علىمنهج أهل السنة والجماعة ..."18
الدرة الرابعة
إياك وكثرة المزاح(2/432)
ما اجمل المسلم وهو يشارك إخوانه في فرحتهم ومرحهم ومناسباتهم ، تحت الضوابط الشرعية التي أقرتها الشريعة الغراء . ولكن من قبح القول والفعل الذي يمارسه شبابنا اليوم ما يسمى ( المزاح ) أو بلغة أخرى ( المسخرة / الإستهزاء ) فالفرق بينهما شاسع وكبير ، فهذا فيه من الحلال ما هو حلال ، والثاني فيه من التحقير والتنقيص ما فيه .
فالمزاح يعني " الأنبساط مع الغير من غير تنقيص أو تحقير له بأي لون من الألوان "19.
فبالحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله : إنك تداعبنا ، قال " نعم ، غير أني لا أقول إلا حقاً "20، فهذه هي المداعبة التي حافظ عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوال حياته .
فالمزاح المحمود " هو الذي لا يشوبه ما كره الله عزوجل ، ولا يكون بإثم ولا قطيعة رحم ،وعكسه المذموم الذي يثير العداوة ، ويذهب البهاء ، ويقطع الصداقة ويجرئ الدنيء عليه ، ويحقد الشريف به "21 .
ولما سئل بعض السلف عن مزاحه - صلى الله عليه وسلم - قال : " كانت له المهابة العظمى ، فلو لم يمازح الناس لما أطاقوا الاجتماع به والتلقي عنه ، وكان يمزح ولا يقول إلا حقاً "22.
يقول الامام الشافعي – رحمه الله :
أفد طبعك المكدود بالجد راحة بجده وعلله بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن على قدر ما يعطي الطعام من الملح
ولك من رسول الله قدوة حسنة ، ومن بعده عليك بالسلف الصالح فهم أصحابه وأتباعه ، وهم أفهم وأعلم هذه الأمة بدينها وأحكامها ... فنعم السلف الصالح الذي كان وما زال حريصاً على تطبيق شريعة الله في الأرض .
فلما كان المزاح نوع من أنواع المرح والترويح عن النفس ، كان الاجدر بنا أن نضبطه بالضوابط الشرعية ومنها :
* أن لا يكون إلا صدقاً .فإن عكس ذلك يكون كذب !!
* أن لا تؤذي به أحداً ، ولا تحزن به قلباً أو تدمع به عيناً ، لأنه يصبح حينئذ تحقير وليس مزح !!(2/433)
* أن لا تفرط فيه ، لأن الإفراط به يورث كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب .
* أن لا تأخذه ديدناً تداوم عليه لأنك ستسأل عن وقتك فيم أفنيته .
وفي الأثر عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال " من أذنب ذنباً وهو يضحك دخل النار وهو يبكي ". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أتدرون لم سميّ المزاح مزاحاً ؟ قال : لأنه أزاح صاحبه عن الحق "23. والمزاح من الدين لمن عرف كيف يضعه في مكانه ، سئل الامام سفيان بن عيينة : ( المزاح هجنة ؟ فقال : بل هو سنة ، لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه )24.
أما الوجه الثاني للمزاح ( الاستهزاء أو المسخرة ...) فهو حرام شرعاً لما فيه من التنقيص والتحقير والسخرية بالآخرين ، فكما جاء بالحديث الصحيح من حديث أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها الدرجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم ) . فإياك أيها الشاب الفطن أن تخوض بما ليس لك به علم ، فكثير من الشباب اليوم في سكرتهم يعمهون ، و في غيهم يمرحون ، مما ينبئك بسوء مجالسهم ، وسواد قلوبهم ، وقلة دينهم ، قال تعالى ( ياأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ... )25.
وقد تجد الكثير من الشباب الضال – الذي نسأل الله أن يهديه – يتفنن في أنواع السخرية والاستهزاء ، فهناك من يهزأ بالحجاب ، وآخر يسخر بتفيذ الاحكام الشرعية ، ولمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر نصيب من ذلك ... كما وصل بهم الأمد الى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان لها نصيب من مرضى القلوب ، فظهر منهم الاستهزاء باللحية والثوب القصير والسواك وغيرها .(2/434)
ففي جواب اصحاب الفضيلة العلماء في اللجنة الدائمة للإفتاء على من قال لآخر : ( يا لحية ) مستهزئاً بها فهو منكر عظيم فإن قصد القائل بقوله ( يالحية ) السخرية فذلك كفر ، وإن قصد التعريف بالشخص فليس كفر ، ولا ينبغي أن يدعوه بذلك . انتهى .
ولنعلم خطورة الاستهزاء على دين الرجل ، فلنستمع الى ما يتلى في سورة التوبة ، قال تعالى ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ، قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ،إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين )26 .
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن رجلا من المنافقين قال : ما أرى قراءنا إلا أرغبنا بطوناً ، وأكذبنا ألسنةً ، وأجبننا عند اللقاء. فرفع ذلك الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله : إنما كنا نخوض ونلعب ، فقال ( أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون ... )الآية. وإن رجليه لتنسفان الحجارة ، وما يلتفت إليه رسول الله وهو متعلق بنسعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وثابت من سيرته - صلى الله عليه وسلم - أنه أرحم الناس بالناس ، وأقبل الناس عذراً للناس ، ومع ذلك كله لم يقبل عذراً لمستهزيء .
* وفي هذا يقول ابن الجوزي - رحمه الله - في زاد المسير : هذا يدل على أن الجد واللعب في اظهار كلمة الكفر سواء .
* قال فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي – رحمه الله : إن الإستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج من الدين ، لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة .
* قال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم – رحمه الله : ومن الناس ديدنه تتبع أهل العلم لقيَهم أو لم يلقَهم ، مثل قوله : المطاوعة – المشايخ والدعاة -كذا وكذا – مستهزء بهم - فهذا يخشى أن يكون مرتداً ولا ينقم عليهم إلا أنهم أهل الطاعة .(2/435)
هنا ننوه أن البعض يقول : لا أقصد الدين ، ولكن أقصد الرجل ، فأقول لك أخي الحبيب : هل شققت على قلبه ونظرت ما فيه ؟فالحذرالحذر يا شباب الأمة ، فالأمر جد خطير ، وأنتم على مفترق حساس و دقيق .
الدرة الخامسة
يا صاحب العفة والشرف
أخي الحبيب - أعرني أذنك لتصغي إلي، وأطلق بصرك لتقرأ ما كتبت يدي، واجعل قلبك حَكَماً عليّ، أنصحتُك كما ينبغي أم ما زلتَ مُصراً على أن تكون ممن: ( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً )27 .
أخي سنواجه أقوى الذنوب وأشد المعاصي فتكا بالشباب، إن لم تكن بالشعوب كافة، هذا الذنب الذي تفشى في الشباب الذين انتسبوا للإسلام فلا يحملون إلا اسمَه، ولا يعرفون منه إلا رسمه !! وذلك ليس بقصد منهم، لأن بذرة الخير والإصلاح فيهم موجودة، وفكرة التوحيد عندهم محفوظة، بل لأنهم يتبعون السراب الذي أوجده مُحاربو هذه الفئة المنشودة ،،، فأوهموهم بأن الشاب في الجامعة أو الكلية لا تكمن رجولته إلا بملاحقة الفتيات! والتلاعب بعواطفهن، ونهب أعز ما يملكن، ثم تركهن يعانين الفضيحة والعار وحدهنّ، ظانّين أن الله يغفل عما يعمل الظالمون .
إياكَ ثم إياكَ
إذا كنت مؤمناً حقاً ومسلماً ملتزماً أحكام دينك ، إسأل نفسك سؤالاً ، هل أرضى هذا لفتاة يتعلق شرفها بشرفي ؟! إذناً لِمَ ترضاه لبنات المسلمين؟!
جاء شاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إئذن لي في الزنا !! فقال - صلى الله عليه وسلم - ( أتحبه لأمك ،لأبنتك ، لزوجتك ، لعمتك ، لخالتك ، وكان يقول – الشاب – لا والله يارسول الله جعلني الله فداك . فقال - صلى الله عليه وسلم - : ولا الناس يحبونه لبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم ...)28(2/436)
أخي المسلم ، كن رجلاً حقيقياً، تأبى بأن تكون ذَكراً فقط! يا من يغار على محارمه وشرفه، يا من يخاف الله عز وجل، اعلم أن الفتاة التي انصاعت لما تقوله لها، ورقّ قلبها لكلماتك الملسونة؛ التي تحمل في طيّاتها الحسرة لك ولها في الدنيا والآخرة؛ لدليل واضح على ضعف إيمانكم بالله سبحانه وتعالى، فيا من تبني تلك العلاقات لتهدم بها عائلات، أقول لك كما قال أحدهم :
وما من ظالم إلا سيُبلى بأظلمِ ... وما من يدٍ إلا يدُ الله فوقها
أخي الحبيب - دعنا من الخجل ولنتناصح بصراحة ! فالصراحة راحة ، وما أروعها من لحظة عندما نتذاكر بالله وفي الله ، ومن اجل الله ، وما أجملها من وقفة تلك التي نقف بها لنفتح أبواب المحبة والأخوة في الله .
أخي في الله - كما أحببتك في الله، وأحببت لك الخير والنجاة، وأحببتُ لك الطمأنينة في النفس والقلب والوجدان، أليس مصداق الحب أن يريد المحب الخير لحبيبه، وأن يظفر بما ظفر به، من أجل ذلك لنفتح قلوبنا ونتحدث بصراحة والله إني أحرصُ عليك كما أحرص على نفسي مصداقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب نفسه ) فاسمح لي أن أتحدث معك بصراحة بالدرة الخامسة ،،،
الدرة الخامسة
أبحث عن زميلة أحبها ؟!
أخي الشاب الفطن - في ذهني أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات ، ترافقني كلما دخلت الجامعة أو الكلية !! هل لي ان أجد فتاة تبيع نفسها بثمن بخس ؟ هل يمكن أن اكون محطة نظر الفتيات في الجامعة ؟ هل .. هل ..
أخي المسلم - تأكد وكن على يقين أن سيرك مع تلك الفتاة التي رضيت أن بيع نفسها بثمن بخس لهي أبعدُ من أن تكون شريفة عفيفة ، طاهرة كريمة ! نعم، فهي رضيت ببيع نفسها وشرفها في سوق التفاهة والخسران الذي يترأس مجلس إدارته عدو الفضيلة إبليس !! فهل ترضى لنفسك أن ترافقها في ذلك ؟ بالله عليك، ما الغاية والهدف النبيل الذي تجنيه من ملاحقة الفتيات؟ أخبرنا به لكي نسير خلفك !!(2/437)
أعرف أنك تصمت خجلاً من الإجابة !! فاجابتك لا تقنع طفلاً ، فكيف لها أن تقنع رجلاً ؟! فيا أخي لو رأيت شاباً يلاحق أختك، أو يهاتفها ليلاً ماذا كنت فاعلاً ؟! لن تصمت خجلاً من الإجابة الآن، لأنك ستظهر رجلاً عفيفاً شريفاً، ذو كرامة ونخوة ! فستقتل وتذبح وتسجن ... الخ، وقد تناسيت أن تلك الفتاة التي تلاحقها لها أهل يغارون على أعراضهم كما تغار! بالتأكيد أنهم سيفعلون كما كنت تريد أن تفعل لو وجدوا شاباً –أو وجدوك – مع ابنتهم ! فلا مجال حينئذ لطرح الاعذار أو تصحيح الأفهام ! بل في تلك اللحظة لن تتمكن من عدّ العصيّ التي انهمرت عليك ضرباً جراء فعلتك !!
الدرة السادسة
الجزاء من جنس العمل
تذكر دائماً ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ولا تنسى ( من يعمل سوء يجزى به ) والجزاء من جنس العمل، وأن الله يمهل لا يهمل، فاحذر أشد الحذر من عقاب الله، وإياكَ من محقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على المرء حتى يُهلكّنه .
أخي المسلم – إن كنت صاحب غيرة وشرف، إياكَ إذاً أن تتلاعب في مشاعر الفتيات، فإنها من المعاصي والذنوب والأمور المحرمة في الاسلام، ولتكن على حذر، فالأمر جد خطير، وأسوق لك قصة تبكي العين الخاشعة، وينفطر لها القلب المؤمن .29(2/438)
قصة من الواقع ... عساك تعتبر (هذا الشاب لعب بعواطف ومشاعر فتاة ، تكررت المشاعر الكاذبة والعواطف الخدّاعة لتصبح المتغافلة سجينة سهلة للهدايا المتبادلة وللهواتف المتأخرة من الليل والرسائل الغرامية والمعاكسات المسجلة ، لتصبح وسيلة ضغط جيدة !! ليسلب بها أعز ما تملكه ! وما هي إلاّ لحظات حتى تركها وحدها تعاني العار والفضيحة، وقد انهمرت دموعها التي انهمرت من قبل فرحة بمعرفته !! ومرت الأيام وإنقضت، وكلٌ ذهب في طريقه، وبعد أعوام ليست طويلة عاد ذلك الذئب البشري إلى بيته في منتصف الليل منهكاً من العمل؛ ليُفاجئ بما لم يتوقعه ! إنها الفضيحة والعار الذي ألحقه بتلك الفتاة، يسري إلى بيته إلى أعز أحبائه . نعم ، فلقد وجد ابنته تعاني ما عانته تلك الفتاة !! ) فكما تدين تُدان ! فهذا ليس بالأمر الغريب !!
إن الزنا ديّن إن استقرضته كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
من يزن في قوم بألفيّ درهم في أهله يُزنى بربع درهم
قل لي بربك ماذا تجني من سيرك مع تلك الفتاة التي خانت عهدها مع الله وثقة أهلها بها ؟! وخانت نفسها وظنت أنها شريفة !! فكن على حذر منها، فمن خان الله لا تؤمن عهوده ولا تقرب حدوده ، فإن كيدهن عظيم، من هانت عليها أن تدنس شرفها يهون عليها خيانة زوجها! فهل ترتجي أن تنكحها وأن تكون لك زوجة ؟!
أخي الحبيب – إن الفتاة التي تخون الله عز وجل ولا تخشاه توقّع منها أي شيء ، خاصة إذا اكتشفت أنك تتلاعب بعواطفها لتقضي وقت فراغك كما تزعمون ! فهي الآن تعيش ظروفاً صعبة ، وجئت أنت لتكون في نظرها فارس أحلامها !! فإنها لن تتوانى في عمل المصائد والمكائد لك، إذا علمت أنك أوهمتها وجعلتها مجرد تسلية لقضاء الوقت ، كن على حذر، أم تحسب أصابع اليد واحدة ؟ لا ورب الكعبة، فإن لم تنتقم هي فسيأتي من ينتقم !!(2/439)
إياكَ ثم إياكَ ، أن تقول ( إنما الأعمال بالنيات )30 وأنا قلبي ابيض من الحليب ... ونيّتي أنقى من الكثير ممن يدعون الالتزام ... وأنوي الزواج فعلا ممّن أمشي معها! ولكن أنتظر الفرصة الجيدة حتى أؤسس نفسي ؟!! فلماذا لم تُؤسس نفسك قبل خداع تلك الفتاة ؟
وقفاً على طلل يظن جميلاً ... مَلَّ السلامة فاغتدتْ لحظاته
حتى تشحط بينهم قتيلا ... مازال يُتبع إثره لحظاته
الدرة السابعة
المعاكسات الهاتفية
كثير من الشباب بل العامة من الناس يتسامحون في أمور يظنونها صغيرة وهي تقدح في الاصول ... أوليس الجبال من الحصى !!
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن من الذنوب صغيرةً
ان الجبال من الحصى
نعم ، قد كان للشباب في صدر الاسلام دور كبير في حمل لواء الدعوة لأنحاء المعمورة ، والتاريخ خير شاهد على ذلك ، فلماذا أيها الشباب أراكم اليوم تقهقرتم عما كنتم عليه ؟!
في هذه الازمنة المتأخرة نلاحظ كثيراً من الشباب تقاعصوا في أداء واجبهم نحو هذا الدين ، وأصبح تعلقهم بالشهوات والمغريات الزائفة ، بل صاروا عبئاً على أهلهم ومجتمعهم !!!
ولا أعمم قولي على الشباب كافة ، فإن فيهم من أصبح قدوةً وقائد في الخير والعطاء في سبيل الله وابتغاء مرضاته ، واعلاء كلمته ، وحمل دعوة نبيه r .
أخي الحبيب ،،، لا بدّ لك من جلسةٍ بسيطةٍ قصيرةٍ ، تقرأ فيها ما تحمله الآن بين يديّك في هذه الوريّقات المعدودة ، لتستحضر قلبك الطيب ، وعقلك الرشيد ، وتفكر فيما ستقرأه لتحكم على نفسك مع من أنت !!
أخي الجبيب ،،، لا أحد ينكر عليك أن ما تحمله في باطن كفك ، أو تضعه داخل جيبك ، أو تسكنه في بيتك ، حراماً شرعاً ، بل هو حلال مسموحٌ به . ولكن ضمن شروط الحلال والتزام أوامر الله فهو نعمةٌ منه على خلقه . أقصد في ذلك ] الهاتف النقال ، أو الهاتف الثابت في البيت [ . فمن فوائد هذه النعمة :(2/440)
* بر الوالدين : فالانسان يستطيع من خلاله أن يسأل عن والديه ويكلمهما ، ويطمئنّ عليهما ، ويطلب منهما الدعاء ... وفيه صلة الرحم ، والسؤال عن الاقارب ، ومّد جسور المحبة والمودّة بينه وبينهم31 .
* السؤال عن الاصدقاء وتفقد أحوالهم ، وادخال السرور الى قلوبهم .
* التهنئة والتعزية لمن تعذر عليه الذهاب .
* انجاز بعض الاعمال التجارية والمعاملات المختلفة .
* وفيه طلب المساعدة والنجدة في الاوقات المفاجئة أو الطارئة ، وغيرها .
كيف نشكر النعمة
وبإتفاقنا على أن الهاتف نعمة ، إذناً فالنعمة تحتاج الى شكر ،و الشكر يكون بخضوع الشاكر للمشكور وحبّه له ، وأما إعترافك بنعمة الله عليك وجب منك ألا تستعمل نعمته في معصيته ، فذلك من أبشع صور العقوق والعصيان وكفران النعمة !
فأنت يا من تستخدم الهاتف في المعاكسات واصطياد الغافلات ، كيف تكون شاكراً ، وأنت أشد الناس إفساداً في الامة !! نعم فأنت تحاول تدنيس أعراض المسلمات . كيف تترجم أعمالك التي تهدف الى هدم البيوت وتشريد الابناء ، وزرع العداوة والبغضاء بين المسلمين ؟! كيف تكون شاكراً للنعمة ، وأنت تبارز ربك بالمعصية وتستخدم نعمه عليك لهتك أعراض المسلمات ؟!!
أيها المعاكس الغافل
أفق من سباتك قبل أن تدركك عقوبة رب الارض والسماء ، فتصبح من الخاسرين ، بادر أخي ، والبس درع الحرب وجرد السيف من الغمد ، وأخرج سهامك من كنانتك ، واتخذ موقعك في صف جند الله ، وابدأ المعركة مع الشيطان وحزبه ، واستعن بالرحمن، يعينك رب العالمين .(2/441)
أخي الحبيب ،،، أعلم يهديني واياك الله ، أن ما تمارسه من اتصالاتٍ ليّليَةٍ أو جهرِيّةٍ ، إنماهي بريد الزنا ، ووسيلة للوقوع بالفاحشة ، وهي علامة على النقص الذي تعانيه في نفسك أو إشارة على مدى تقصيرك بجانب الله عزوجل { فالمعاكس نال بعمله ما يليق به من الوصف ، فكان من السفلة الذين يستغلون غيبةَ الراعي عن أهله ليتخذها فرصةً علَّه يجد من يستدرجه الى سفالته ،،، وهذا نوعٌ من الخلوة أو سبيل اليّها ، فهذا وأيّم الله حرام حرام ، وإثمٌ وجناح ، وفاعله حريٌّ بالعقوبة ، فيخشى عليه أن تنزل به عقوبة تلوّث وجه كرامته ...}32
أيها المعاكس لحظه من فضلك
أيها المعاكس ، لماذا خلقت ؟ وما هو هدفك في الحياة ؟ هل يقف عند رفع سماعة هاتفك لتسمع صوت رجل لتغلق الهاتف أو تسمع صوت إمرأة لا تعجبك ، فتفاجأ ببصقة في وجهك ! أم هدفك سماع صوت فتاة فتدمر بيتها ؟!
إنك لم تخلق للمعاكسات الهاتفية ، أو السير وراء الفتيات مدعياً أنه الحب ، وإنها الزمالة والصداقة والقرابة33 !! لم تخلق للهو واللعب ، ولم تخلق لسماع الغناء والموسيقى وشرب الدخان ولبس السلسال !!!
بل خلقت لأمر عظيم ، خلقت لإقامة الدين وعبادة رب العالمين ( وما خلقت الجنّ والانس إلا ليعبدون ) 34 . وهذا قد مرّ ذكره .
قال الحسن البصري " ما ضربت ببصري ، ولا نطقت بلساني ، ولا بطشت بيدي ، ولا نهضت على قدمي حتى أنظر أعلى طاعة أم على معصيّة ؟! فإن كانت طاعة تقدمت ، وإن كانت معصيّة تأخرت وتركت "
أيها المعاكس أغلق هاتفك(2/442)
أخي الحبيب ،،، أغلق هاتفك وبادر الى التوبة ، فحذار حذار إن بقيت فإنك الى ما صاروا اليه سائر ، وعلى ما فعلت من الاعمال قادم ، وعلى ما فرطت في زمن الامهال نادم ... فعجل أخي وتب ، واعلم أن التوبة تجب ما قبلها وسيئاتك يبدلك الله بها حسنات ( إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ...) فاقلع عن الذنب واعزم على عدم العودة اليه ، واندم على مافات وياحبذا مع الندم البكاء ،،، فالبكاء من سمات الصدق في التوبة .
وخير ما يغسل العاصي مدامعه والدمع من تائبٍ أنقى من السحبِ
واياك والتردد أو التأخر ، فلك في قول الامام حسن البصري – رحمه الله – لحكمة حيث قال : ان قوماً ألهتهم أمانيّ المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة ، ويقول أحدهم : إني أحسن الظنّ بربي وكذب ... لو أحسن الظنّ لأحسن العمل .
خذ من شبابك قبل الموت والهرم وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعلم بأنك مجزيٌّ ومرتهنٌ وراقب الله واحذر زلَّة القدمِ
أيها المعاكس ألم تعلم أن الفتاة التي تعاكسها هي من أفراد مجتمعك ! ويعني ذلك أنك تساهم في افساده ! نزولاً عند شهوتك !! بعكس وظيفتك التي كان يجب عليك أن تقوم بها وهي : الدعوة إلى الله واصلاح نفسك وأهلك ومجتمعك .
أيها المعاكس الغادر ، ما ذنب أهل الفتاة التي رضيت أن تكون حثالة مثلك ، بتدنيس عرضهم وشرفهم وسمعتهم !!
ايها المعاكس لو خيرت بين الموت أو أن ينتهك عرضك ، ماذا كنت تختار ؟! إذاً كيف ترضى لنفسك الوقوع في محارم الله ومحارم الناس ؟!!
ما هو شعورك الذي ينتابك وأنت تعيش في مجتمع خنته وهتكت محارمه وأفسدت نساءه وفتياته ؟!
لم يردعك ضميرك وأن تقوم بتلك المعصية مرّة – مرتين – ثلاث... أم أنك مصر على الهلاك ؟ ليت الأمر يتوقف هنا ، بل هو سقوط يتلو سقوط في دنياك وآخرتك ، قال تعالى ( إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )( فاطر: 6)(2/443)
عليك بالعلاج ، قبل استفحال المرض
لا يختلف علاج المعاكسات عن علاج المعاصي المتعلقة بالشهوة ، لأن المعاكس إنما اتصل وعاكس ليظنّ بنفسه ظنّ السوء بأنه أشبع غريزته الشهوانية أو الحيوانية ، لذا فعلاج المعاكسات يمكن ان نذكره باختصار
* تقوى الله وملازمة أمره واستشعار رقابته في السّر والعلن ، فالتقوى هي السلاح الاقوى في التخلص من أي معصية ، ومراقبة الله تدعوك الى تعظيمه ومخافته ، وأن لا يراك حيث نهاك
اذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً ولا إن ما تخفي عليه يغيبُ
ألم ترَ أن اليوم أسرع ذاهبٌ وأن غداً لناظره قريبُ
* عجل بالتوبة ، فالتوبة بابٌ مفتوح ، قد غفل عنه الكثير ، فبادر وكنّ من السباقين لاقتحامه .
* لا تهدر وقتك بشيءٍ لا يفيد . فمثلاً احفظ من كتاب الله ما استطعت . أقرأ كتاباً مفيداً ، اسمع شريطاً تأخذ منه علماً أو فائدة ، اشغل وقت فراغك بزيارة المكتبة ،،، إلتزم حلقات العلم وحافظ على دروس العلماء ، والدعاة ...
* حافظ على أداء الصلاة جماعة ، وأكثر من صيام النوافل ، وقيام الليل قدر استطاعتك فلا يكلف الله نفساً الا وسعها .
* تجنب مجالسة أصحاب السوء من الزملاء والشباب .
* لا تلتفت الى ما يقال عنك بعد توبتك ، واعلم أن من صدق التوبة انزعاج أصحاب السوء الذين كنت لهم خليلاً ، لأنهم علموا أنك على حق وهم على باطل .
* تذكر دائماً أنك لا ترضى ذلك لأختك او ابنتك أو ...
* التفكر في عوقب هذه المعصية ، فكم من شهوة كسرت جاهاً ، ونكست رأساً ، وقبحت ذكراً ، وكم أورثت ذماً ، وأعقبت ذلاً ، وألزمت عاراً ،،، غير أن عين الهوى عمياء .
الدرة الثامنة
جاسوس القلوب ، وسارق المروءة
‘‘ الموسيقى والغناء ‘‘(2/444)
إن " من مكايد عدو الله ومصايده، التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والدين والعقل، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين ، سماع الغناء والموسيقى المحرمة ، الذي يصد القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان .
فالغناء كتاب الشيطان، والحجاب عن الرحمن، ورسول اللواط والزنا، وبه ينال الفاسق من معشوقة غاية المُنى، وأسوق لك – أخي - كلامٌ يجلي الصدور ويكشف ما وراء الستائر، ويحقّ به الحق على من ادعى لشيخ الإسلام ابن القيم الجوزية – رحمه الله - إذ يقول ( الغناء جاسوس القلوب، وسارق المروءة، وسوسُ العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويدبّ الى محل التخييل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والحماقة، فبينما ترى الرجل وعليه سِمة الوقار وبها العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القرآن، فإذا سمع الغناء ومال إليه نقص عقله، وقلّ حياؤه وذهبت مروءته وفارقه بهاؤه وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه ، وشكا الى الله إيمانه، وثقُل عليه قرآنه ... ثم قال:
لكنّه إطراقُ ساهٍ لاهي ... تُليَ الكتاب فأطرقوا لا خيفةً
والله ما رقصوا لأجل الله35 ... وأتى الغناءُ فكالحمير تناهقوا
ودعْ عنك أدلة التحريم ؛ فهي كثيرة لا مجال لتعدادها ولك منها :
1. يقول تعالى: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ به عن سبيل الله بغير علم )36. يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود في تفسير قوله تعالى ( والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء، وأقسم على ذلك ثلاث مرات، وأيّده في ذلك ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم جميعاً، وكذلك اتفق العلماء..
2. يقول تعالى مخاطباً الشيطان : ( واستفززْ من استطع منهم بصوتك )37قال علماؤنا الأفاضل ـ ومنهم ابن كثير والقرطبي وغيرهم ـ أن المراد بصوت الشيطان الغناء والمزامير.(2/445)
3. يقول تعالى: ( أفَمِن هذا الحديث تضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون )38 فالمعروف أن القرآن الكريم نزل بلُغات العرب، ولغات العرب متعددة، ومن ذلك ( السمود ) بلغة حِمْيَر ... قال الإمام القرطبي والشوكاني وابن الأعرابي، وكذلك أخرج الإمام البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( وأنتم سامدون ) أنه الغناء بالحِمْيَرِيّة.
4. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من جلس الى قِينةٍ صُبَّ في أُذنيه الآنِك يوم القيامة ) والآنِك هو الرصاص المُذاب.
5. عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة ؛ مزمار عند نغمة (وفي لفظ عند نعمة) ورنّة عند مصيبة ). رواه البيهقي والبزار وأشار لصحته في الجامع الصغير.
6. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الغناء يُنبت النفاق في القلب كما يُنبت الماء البقل ). رواه البيهقي وابن أبي الدنيا وأبو داود.
7. هذا جزءٌ من كل وقلّةٌ من كثرة ، وحاشا لقول الله ورسوله أن يُريدا شاهداً يصدق قولهما، ولمعرفتي أن بعض شبابنا هاجراً لكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، سائلاً المولى أن يهديهم ، سأسرد لهم أقوال الأئمة الأربعة – رضي الله عنهم - في الغناء :
* مذهب الحنفيّة : سماع الغناء فسق، والتلذذ به كفر، وهو حرام في جميع الأديان، وكيف يبيح الله ما يُقوّي النفاق ويدعو الى الرذيلة والفاحشة.
* مذهب المالكية : سُئل الإمام مالك عن الغناء فقال : إذا جِيء بالحق والباطل يوم القيامة ففي أيهما يكون الغناء ؟! فقال السائل: في الباطل. قال الإمام مالك: والباطل في الجنة أم في النار ؟! قال السائل: في النار! قال الإمام: إذهب فقد أفتيتَ نفسك .
* مذهب الشافعية : من استمع الى الغناء فهو سفيهٌ تُردّ شهادته !!(2/446)
* المذهب الحنبلي: يقول الإمام أحمد أنه يُنبت النفاق في القلب.. والغناء باطل؛ والباطل في النار.39
فيا مَن تسمعون الحرام ... أما تكفيكم هذه الأدلة الموجزة في تحريم الغناء ، والتفصيل يطول ؟! فلماذا هذا العناد والإصرار .. إن الله خلق لكم السمع لتسمعوا ما ينفعكم وما يرضاه ... وليس ما يضركم ويغضبه ...
وحيارى في متاهات اللعب ... أكثر الناس سكارى بالطرب
ونهارٌ في حطام ونشب ... ليلهم سهوٌ ونوم جاثمٌ
وعلى اللذات كالليث الهرب ... فهم أكسل شيء في التقى
ولهم منه حياة وأدب ... ما كان الوحي يتلى بينهم
فيا من استهوته الأغاني حيرانا ، ألا تشعر بالحرج والخذلان حينما تقول: أحفظُ جميع الأغاني الهابطة .. ولا أملكُ المقدرة والوقت الكافي لحفظ بعض أجزاء من القرآن الكريم .. بئس الشاب أنت حينئذٍ..
اتقِِ الله الذي عز وجل ... أيها اللاهي عن عز وجل
اعتزل ذكر الأغاني والغزل ... واستمع قولاً به ضُرب المثل
ذهب المتاع والإثم حل ... وقل الفصل وجانب من هزل
فلعمرُك " كم من حُرةٍ صارت بالغناء من البغايا . وكم من حُرٍّ أصبح به عبداً للصبايا . وكم من غيورٍ تبدل به اسماً قبيحاً بين البرايا . وكم من ذي غنىً أصبح بسببه على الأرض بعد الحشايا . وكم من معافىً تعرض له فأمسى وقد حلّت به أنواع البلايا . وكم خبّأ لأهله من الرزايا - فافهم رحمك الله وهداك - واعلمْ أن أمامك يوماً عظيماً ، فيه نعيم مقيم ، أو عذاب أليم ، وأمور هائلات لن تنفعك معها الأفلام والشهوات وصوت الأوتار والأغنيات .
الدرة التاسعة
الطبق المشؤوم ، ماذا فعل ؟
أما أنت يا من تدعي الهداية وترجو إدراك الغاية فهل يليق بكونك مسلماً أن تحارب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن تهدم عقيدتك وتقضي على أدبك وتفسد أخلاقك باسم الحضارة والتقدم الزائف ؟!(2/447)
هل فكرت ببصرك عندما يأتي يوم القيامة ليشهد عليك ما رأيت به من المنكرات والمحرمات ؟ أم أنك ستبقى فاقداً للوعي في غرفة العناية المركزة تنتظر الوفاة ؟! ظاناً أنه لا يوجد حساب ولا عقاب !! أم انك تتجاهل وتحاول إخفاء ما تبديه من علمك الأكيد عن تلك القنوات الهابطة التي تدار بأيدٍ ماكرة هدفها نسف العقيدة والتوحيد من نفوسنا ، والقضاء على أخلاقنا ، وجعلنا شعوبا شهوانية هدفها المتعة الجنسية الساقطة ومعشوقها الصور المحرمة وكل تافه ورخيص - ولكن خابوا وخسروا .
وبالرغم من معرفتنا التامة لهذا مازال بعضا منا يشاهدون تلك المناظر القذرة المنحطة ، وكأن الأمر لا يعنيهم !! فكيف ترضى لنفسك ولأهلك ذلك أيها المسلم ؟ كيف ترضى لزوجتك وابنتك واختك أن تنظر إلى صور الممثلين الساقطين والراقصين ؟! كيف ترضى لهنّ أن ينظرن إلى عورات من يظهر في ذلك الدش؟! دون أن يتحرك لك ساكن ولا تثور لك مشاعر ، فإني لأبرئ منك أن أن تكون ديوث لا تغار على عرضك !! وبالمقابل كيف ترضين يا أختي ذلك لزوجك أو ابنك ؟! ينظر إلى عارية أو متبرجة أو سافرة ... أين غيرتك وحياؤك وإيمانك ؟
اسمع وأعقل ( شاب يشاهد أحد الأفلام الجنسية على الجهاز اللعين الدش، فيلتفت فلا يرى سوى أخته بجواره ، فيمارس معها الجنس عنوة ، ويدنس عرضها ...
وأخرى انحرفت تقول وهي تبكي بعد ما قبض عليها في قسم الشرطة : اذهبوا فأنظروا الى الأفلام التي عند أخي لكي تعذروني ....
وأما هذا الأب يروي قصته بلسان صدق ودمعة أسى وتقطع قلب . يقول : ( في ليلة من الليالي عدت الى المنزل متأخرا جدا ، وذلك بحكم طبيعة عملي ، وكالعادة استلقيت في غرفتي دون ان يعلم بقدومي احد ، لكن الغريب بالأمر هذه الوهلة أني سمعت أشبه ما يكون بالأصوات المتداخلة .(2/448)
أخذت اتمعن هذه الأصوات فإذا بها (تمتمة) لا تكاد تبين حروفها ، فارتفعت دقات قلبي ولمّ بي همّ عجيب ، وداخلتني الشكوك لأول وهلة في حياتي ، فانطلقت الى غرفة زوجتي ففتحت الباب فإذا بها تنام ملء جفنها ، تنهدت وزالت الشكوك التي تعتصرني وحمدت الله وعدت لغرفتي ولكن كأنما الصوت داخل بيتي .
قمت هذه المرة وقلت لعل الأبناء نسو ساعات الليل في ظل ما يشاهدون40 كنت امشي برفق حتى أعرف ما الخبر ، وصلت الى الباب فاتضح لي أن الأصوات من داخل الغرفة ، والغرفة محكمة الإغلاق ... يوشك أن ينطق صوت مؤذن الفجر وأبنائي لا زالوا يسمرون ... تذكرت بابا للغرفة من الجانب الآخر فاتجهت اليه ، وصلت ، وضعت يدي على مقبضه ، انفرج بسهولة ، أنظر ، أتأمل ، أضرب في رأسي علني في حلم عابر ، لا ، بل المصيبة فعلا ، المأساة ، الجروح الدامية ، العار والفضيحة ، النهاية المرّة ، الولد يقع على أخته فيفضّ بكارتها ويهين كرامتها ، لم أتمالك نفسي أطلقت صوتا مذهلا ، سقطت مغشيا عليّ ، قامت الزوجة فزعة ، وقفت بنفسها على المأساة ، رأت ما لم يكن في الحسبان . ذلك ( الطبق المشؤوم ) يهتك ستر البيت ويشوه حاله ، يقضي على العفة النقية فيبدلها بآثار العار المخزي ، بنت في سن العشرين تنتظر المولود القادم من فعل أخيها التائه ... )41
وأخيراً ، أسألك ما الواقع العلمي الذي استفدته في حياتك من الدش ؟ وهل زاد إيمانك أم نقص ؟ وهل اقتربت من الله أم ابتعدت ؟! ألم تنظر إلى نفسك والى التغيير الذي حدث لها منذ أقبلت على مشاهدة قنوات العهر والفساد والضلالة ؟!(2/449)
ماذا حدث ؟ لم يحدث شيء سوى كل رذيلة أضيفت إلى رصيدك وكل ضلالة أحيطت بك ! وكل صفة سيئة أصبحت من خصائصك !! فتب من معصيتك ، وستجد الله غفاراً رحيما . فيا الله كم حرفت هذه القنوات من مستقيم ؟ وكم نكست من ملتزم طائع ؟ وهدمت من منزل سعيد ؟ فإلى الله المشتكى . أخي الحبيب - طوق النجاة بجانبك ، فامدد إليه يدك لتنجو فهذه فرصتك ...
الدرة العاشرة
التقليد الأعمى.. والتعصب المُضلّ
إن ظاهرة التعصب " تمثل انحرافاً مَرَضيّاً، حينما لا تكون ذات مضمون ديني وأخلاقي كريم.. كالانتصار للحق ، وحينئذٍ يصبح الانتصار للحق بالحق ولا يُسمى تعصباً.. والتعصب أحد فروع الأنانية الفردية أو الجماعية، مثل الانسان الظالم لنفسه ينصره هواه وشهوته وظلمه وجماعته وزعيمه وإمامه بالباطل ويقاتل من أجلها أصحاب الحق. ومع الأسف قد نجد هذا التعصب موجوداً عند معظم الفرق والطوائف والأحزاب والجماعات بشكل عام والإسلامية منها بشكل خاص، حتى عند بعض العلماء منهم ـ سامحهم الله وهداهم "42.
لذا أخاطب فيكم ضمائركم الطاهرة يا شباب الجامعات، فأنتم في مركز رفيع، وأصبحتم تملكون من العلم ما لم يملكه غيركم . أخاطبكم لأني أعلم أنكم على قدر المسؤولية، كيف لا .. وأنتم جيل المستقبل وحملة العلم والمعرفة، أخاطبكم بلسانٍ صادق وقلب مُحب.. لنبدأ العمل كلٌّ من مكانه ( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ).
عقل يفكر في الامور فيحسمُ ... من أنت يا هذا أمالك في الورى
أنا مؤمن بمبادئي أنا مسلمُ ... إني لأرجو أن أراك مزمجراً
علمي دليلي والعزيمة سلمُ ... قد قمت أرقى في مدارج عزتي
عنا رواها الآخرون وترجموا ... لغة البطولة من خصائص أمتي
ان العقيدة قوةٌ لا تهزمُ ... ذهب الرقاد فحدثي يا همتي(2/450)
كونوا على حذر قبل الإقدام على التقليد والتعصب لفرد أو فريق أو حزب.. ضعوهم في ميزان الحق ، فإن كانوا مع الحق فكونوا معهم وسدّد الله خطاكم وبارك فيكم. فنِعمَ الصحبة هم حينها ، وأي قدوة أفضل لكَ من سيد البشرية وخاتم المرسلين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضوان الله عليهم والسلف الصالح ، بئس الرجل أنتَ حينئذٍ إن لم تكن على نهجه وسنته وارشاداته النبوية المضيئة في ظلام هذا الزمن الدابس ، وحيرة هذه الجموع الكاسدة التائهة ، التي تبحث عن السعادة في المهلكات والمحرمات ، بئس القدوة التي تحيد عن كتاب الله ونهج وتعاليم نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ونهج السلف الصالح ..43 ، ويقول أسد السنة الهُمام أن ( أصول الدعوة السلفية قائمة على ثلاث دعائم : القرآن الكريم والسنة الصحيحة ، وفهمهما على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم . وسبب ضلال الفرق كلّها – قديماً وحديثاً – هو عدم التمسّك بالداعمة الثالثة )44 وأما شيخ الإسلام وفقيه زمانه يقول ( ومن أراد صلاح المجتمع الإسلامي أو الجتمعات الأخرى في هذه الدنيا بغير الطريق والوسائل والعوامل التي صلح بها الأولون ، فقد غلط ، وقال غير الحق )45
فيا أخي الحبيب.. كُن مع الله يكن الله معك . فلا تعتبر كل من يخالفك الرأي خصماً لك. وكل من يوافقك الرأي صديقاً لك. فقد يكون المخالف لك من أكثر الناس حرصاً وحفاظاً على مصلحتك. وفي المقابل قد يكون الموافق لك من أكثر الناس عداوةً وحرصاً على توريطك ... ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام )46.. واعلم أخي في الله أن من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه...
الدرة الحادية عشر
إياك أن تكون مرسال سفاه(2/451)
ما أكثر أخبار العالم اليوم فذاك يقول كلمة ، وهذا ينظمها شعرا ، واخر يجعلها مقالا وهكذا ... حتى يصبح كلام الناس دون ثبوت أو تأكد من صحة الرواية أو صدق الراوي فكم من رجل أصبح بين الناس كذابا وذلك لأمر يظنه الناس هيّناً وليس من الامر في شئ !
ولكن كفى أن يعلم أن الله أنزل فيه قراناً ونبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال فيه حديثا، وعالما حذر منه قومًا فقال سبحانه تعالى ( يا ايها الذين امنو ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)47 من العاقبة الوخيمة في حالة عدم التروي والتثبت . أما في السنة فكثيرة منها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع )48 قال المناوي رحمه الله ( أي اذا لم يتثبت لانه يسمع عادة الصدق والكذب ، فاذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب ، والكذب الإخبار عن الشئ على غير ما هو عليه ، وان لم يتعمد لكن التعمد شرط الاثم )49 .
فاحذر اخي الحبيب ، من الاشاعات ونقل الاخبار الكاذبة التي تجعل صاحبها منبوذاً مطروحاً خارج دائرة المحترمين والصادقين ، والاشاعة {هي عبارة عن أخبار مشكوك في صحتها ، ويتعذر التحقق من أصلها ، وتتعلق بموضوعات لها أهمية لدى الموجهة اليهم ، ويؤدي تصديقهم أو نشرهم لها الى اضعاف روحهم المعنوية .
لذا على ناقل الخبر ان يتروى ويتثبت في كل ما يقال ، وليحذر ان يبادر بالتصديق الفوري، فان الاصل البراءة التامة ، وتلك الاشاعة ناشئة طارئة، والاصل بقاء ما كان على ما كان حتى تقوم الادلة الواضحة على صدق ذلك الخبر وناقله ، لأن الاشاعة ليست كسائر الأخبار ، فلا تنقل إلا بعد التثبت والتأكد من صحة الخبر )50 . بخلاف العلم المتعلق بالأمة كلها، قال العلامة ابن حجر العسقلاني ( وفيه الحث على تبليغ العلم ممن حفظه وفهمه ، وحث من لا يفهم على عدم التبليغ إلا إن كان يورده بلفظه ولا يتصرف فيه ) 51 .(2/452)
فكم أفسد الراوي كلاماً بنقله وكم حرّف المنقوم قومُ وصحفوا
لذا وجب عليك التروي واستشارة أهل العلم لأنهم أدرى بمصلحة الأمة والفرد والمجتمع ، بحكم خبرتهم وعلمهم . بل قد بين الله تعالى أن مشورة أهل العلم والأمر في مثل هذه الامور هي الافضل والمسلك السليم ، حيث قال ( واذا جاءهم أمرٌ من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه الى الرسول والى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان الا قليلاً )52 .
الدرة الثانية عشر
أيُها الشاب ، لماذا تُدَخِن ؟!!
أما هذا السؤال فيُحيّرني عندما أرى شاباً يحمل مرضه بيده . ويحرق ماله دون تردد . وإذا قلتَ له : اتقِ الله أخذته العزة بالإثم . وأخذ يظهر براعته في معصية الله ويقول: ( مالي وصحتي وأنا حر بحالي.. ) قد أقنع نفسه بهذه المعصية والمقولة الخاطئة . والتي تدل على مدى الإصرار على المعاصي والمكابرة والتجرؤ على الله .
أيها المسكين : ألم تسأل نفسك وتجبها بصراحة : لماذا أبدو كالمُسنّ الهرم ؟! وما الذي يصيبني في كل صباح من نباح وصياح.. ألم تسألها: لماذا أسناني هكذا ؟! أم أن هذا اللون يعجبك لأنه أصفر كلون الشمس؟!
بقبيح لونٍ سواده وصفاره ... وبه الثنايا اللؤلؤية أفسدت
من نفخها الشدقين في مزماره ... كانت كمثل الدّر حسناً شأنها
من جذبه الدخان من منخاره53 ...
وترى الصفار على شواربه بدا
أخي الشاب .. كم من بنطال وقميص حرقتَ بسيجارتك. وكم من مسلم برائحة مُنكَركَ آذيت. وكم لعنة من الملائكة لنفسك جلبت ؟!
دلت رذائله على انكاره ... كم في الدخان معائب ومكاره
يا صاحبي أحببتني أما كاره ... سأريك بعضاً من معائب شربه
وأمام وجهك شعلةٌ من ناره ... يؤذي الكرام الكاتبين بنتنه
أتلفتها بشرائه وشراره 54 ... كم من نقود يا فتى وملابس(2/453)
أخي الشاب أسألك فأجب : أين بدأت التدخين؟! لماذا تخجل بأن تقول في دورة المياه ! هذا ما قاله لي أحد زملائك ! أو أنك كنت تمشي أكثر من كيلو متر حتى تصل إلى مكان لا يراك فيه أبيك! وقد تناسيت أن الله يعلم ما تسرون وما تعلنون .
تستحي وتدعي مكارم الأخلاق وحسن العادات من الامتناع عن التدخين أمام ناظر أبيك، ومن هم أكبر منك سناً ، ونسيت قوله تعالى ( والله أحق أن تخشوه ) يا لك من متغافل تستحي من الخلق ولا تستحي من الخالق !!
أم أنك ما زلت مُصراً على أن ( زينة الشاب سيجارته ) تباً للذي أقنعك بهذا، فوالله لقد عقرك وخانك! ولكن أفلح من قال ( أولها دلع ، وآخرها ولع ) .
أزينتُكَ باصفرار أسنانك؟أم بتجاعيد وجهك ؟ أم باسوداد عينيك ؟ أم رائحة فمك النتنة ؟ أم هي بذلك المنظر المقزز وركام الدُخان قد خرج من فيك ؟! والله لا أعرف أين الزينة في ذلك ؟
يا عبد الله - يامن تحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، إن هذا العمل الذي تقوم به لا يحبه من تحبهم، بل إن الله عز وجل يقول:
1. ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً )55 فكيف تريد من الله أن يحبك، وأنت ما زلت للشيطان أخاً ومعيناً !!
ورضيت فيه بأن تكون مبذراً وأخو المبذر لم يكن يخفاكا
تمهل سأقول لك كيف، إذا كنت عاقلاً لا يخفى عليك أن من يدخن علبة واحدة يومياً أي ما قيمته (30 دينارشهريا ) أي ما يعادل (360 دينارسنوياُ ) وباعتبار أن المدخن يدخن لمدة أربعين سنة ، على وجه التقريب، فإن ما ينفقه على تدخين علبة واحدة يومياً في عمره يساوي (14400 دينار )!
ولو اعتبرنا أن المدخن يدخن علبتين يومياً، فالمبلغ يصبح (28800 دينار ) في عمره !! وقس عليها إذا كان أكثر! فهل أنفقت أيها المدخن في عمرك قدر ما تدخن صدقة لله؟! فكم ضيع التدخين عليك من خير ؟! ولو كان فيك عقل لدخرتها لأبنائك عساهم يذكرونك بخير وبدعوة صالحة . أرأيتَ كيف هو حال المبذرين أمثالك ؟!(2/454)
2. ( ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث )56 والدخان لا شك أنه من الخبائث .
3. ( وإثمهما أكبر من نفعهما )57 والدخان كله ضرر"كما سيأتي"
4. ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )58 والدخان يوقع الأمراض المهلكة كالسرطان.
5. ( ولا تقتلوا أنفسكم )59 والدخان قتل بطيء .
6. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا ضرر ولا ضرار ) .
7. قال - صلى الله عليه وسلم - ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ) ورائحة المدخن نتنه ورائحة الدخان تؤذي الزوجة والولد والجار في المجلس والمسجد .
8. وقال - صلى الله عليه وسلم - (كل أمّتي معافى إلا المجاهرين ) والمدخن يتبجح بمعصيته ويجاهر بها ويشجع الآخرين عليها!
أخي الحبيب - إن هذا الوباء الذي تتعاطاه هو سمّ يسري في جسدك وسيفتك بك لا محالة طال الزمان أو قصر . فخذ هذه الحقائق وقنع، ولعلك تعقل أو تسمع، ويرجع لك صوابك و تخشع .
أيها المدخن – اني والله لك ناصح ، وعليك حريص - وأحببت أن أضيف الى معلوماتك أموراً يجب أن تعلمها لتعرف مدى فداحة هذا البلاء وعظم المصيبة التي وقعت فيها ، لقد أشار الفريق العلمي البريطاني التابع لجامعة بريستول أن كل سيجارة تقتطع في المتوسط (11) دقيقة من عمر المدخن !!
بالله عليك، ماذا ستقول لله عز وجل عندما يسألك عن تلك الدقائق فيما أمضيتها ؟! بأي لسان ستقول له في شرب الهوى وإسراف المال!وفي هذا الكتاب لست بصدد ذكر أمراض التدخين، فكتب العلم والصحة بهذا الموضوع كثيرة ! ولكني أرغب في الحديث عن بعض مكونات السيجارة التي تحرق قلبك بها ظاناً أنها تُريح الأعصاب، يا لك من متجاهل خداعاً لنفسك !!
لا داعي لتدخل مجلس الأمن الدولي(2/455)
أيها المدخن: تمسك بيدك سيجارة لو علم مجلس الأمن الدولي أنك تستطيع الاستفادة من مكوناتها، لكوّن فِرق تفتيش عن مصانع ومحلات السجائر في الوطن العربي ليجعلها ضمن مصانع أسلحة الدمار الشامل !! اسمع إلى مكونات سيجارتك الملعونة، التي لا تبقي ولا تذر من روح الشباب إلا المنظر:
1. الآسيتين والآموينا: اللتان تدخلان في تكوين منظفات الحمامات والبلاط 60
2. البوتان: نوع من الوقود الخفيف يستخدم لطائرات غالباً .
3. الميثالول: يدخل في صناعة وقود الصواريخ .
4. سيانيد الهيدروجين: الغاز المستخدم لتنفيذ أحكام الإعدام .
5. أول أكسيد الكربون: الذي يلوث الجو فهو من عادمات المركبات فوجودك يعتبر ملوثاً للبيئة .
6. القار: المادة المسؤولة عن جعلك عبداً ذليلاً لسيجارتك وهي مادة مسرطنة .
7. الأمونياك : غاز يؤثر على العينين ، واليه يعزى احمرار عيني المدخن .
8. سيان هيدريك : غاز شديد السميّة ، يؤدي هذا الغاز الى العقم عند الرجال لتعطيله انتاج الحيوانات المنوية ، وعند النساء لتعطيله عملية التبويض .
فهنيئاً لك على هذه الأطعمة اللذيذة التي لا تغبطُ عليها! فمتى يا أخي تصحو إن لم تصحو الآن؟! فحتى متى تبقى مُصِراً على ذنبك ومعصيتك؟!
من ذا الذي في شربه أفتاكا ... يا شارب التنباك ما أجراكا
أم هل تظن بأن فيه غذاكا ... أتظن أن شرابه مستعذبٌ
كلا فلا فيه سوى أيذاكا ... هل فيه نفع ظاهرٌ لكَ يا فتى 61
مكروهة تؤذي بها جلساكا ... ومضرّه تبدو وخبثُ زوائحُ
مع ضيق أنفاس وضعف قواكا ... وفتور جسم واتخاذ مفاصل
إلا دخاناً قد حش أحشاكا ... واتلاف مالٍ لا تجد عوضاً له
من فيك ريحاً يكرهون لقاكا ... وإذا حضرت بمجلس واستنشقوا
كان يشربه يود فكاكا ... يكفيك ذماً فيه أن جميع من
أهداك لا من فيه قد أغواكا ... فارق بنفسك واتبع آثار من
ونهيت فاتبع قول من نهاكا62 ... إني نصحتك لإاستمع لنصحتي
فعساك تقبل ما أقول عساكا ... وبذلت قولي ناصحا لك يا فتى
الدرة الثالثة عشر(2/456)
كن رجلاً كما عرفناك
أنا خجول بأن أحدثك بهذا الموضوع ! كيف ترضى بأن تكون فتاة ! وتتخلى عن رجولتك! كيف تسمح لنفسك أن تخذل أباك؟ كيف ترضى أن تجعله محرجاً أمام الناس، إذا سُئلَ عن طريق التقادير كم ولداً لك ؟! كن على يقين أن أباك سيكون في مأزق كبير إذا ذكرك معهم ! لأنك ستخذله حتماً بلبسك تلك (الإسوارة) أو ذلك (الجنزير) أو ( الرسن) في عنقك!! ويكفيك هذا الإحراج إذا كنت من العقلاء .. وإذا كنت تملك أخلاقاً، لما خالفت دينك وعاداتك الأصيلة !
وكما تعاهدنا من قبل على التحدث بصراحة، قلي: هل رأيت يوما شيحا كبيرا بالسن يلبس عقدا أو سلسالا ؟! بماذا تشعر وأنت تلبس ذلك "الجنزير" أو "السلسال" أو "العُقد" بغضّ النظر عن اسمه؟! ما هي اللذة التي تحصل عليها من لبسك إياه؟ أتقبل اقتراحي ،ما رأيك لو ترتدي فستاناً كاملاً وتنظر إلى منظرك كم يبدو جميلاً! وكأن الكلام لم يعجبك، أيضاً لا تحب الإحتشام ، مازلت مُصراً على أن تبقى فتاة سافرة متبرجة !!
أخي يرعاك الله - أما سمعت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ..) وهكذا ترضى لنفسك مرة أخرى أن ترضي شيطانك وتعصي ربك ! أوتدري ماذا تعني اللعنة ؟! إنها ليست بالأمر البسيط، إنها تعني الخروج والطرد من رحمة الله، فإن غضب الله عليك فمن يرحمك؟ وإذا طردك من كنفه من يعيدك؟!
فوالله جعلتني في حيرة من أمري ، هل أخاطبك بصيغة التذكير أم التأنيث ؟! فلتعد إلى رشدك وتسترد عقلك، وتبقى على رجولتك!
الدرة الرابعة عشر
لا أستطيع التمييز ، من أنتْ ؟!
أما أنت ، كيف لي أن أعرفك لولا انني سمعتك تنادي عليّ بصوت رجل !! عذراً فإنني لا انظر اليك حياءً وغضاً للبصر !! فلقد أمر الله تعالى بغض البصر ، أم تنكر هذا ؟ عجباً يميل بوجهه عني لكي لا اشعر بالحرج !صدقت لقد نهى الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عن مخالطة ألأمرض خوفاً من الفتنة !!(2/457)
استبيحك عذراً ، هل لي أن أسألك سؤالاً واحد ؟ لِمَ تخالف سنة نبيك وتقتفي أثر الكافرين من أعداء ملتك ؟!
أم أن منظرك كالنساء يعجبك كثيراً ! أو ليس الله عندما خلق كِلا الجنسين جعل لكل منهم وظيفته التي تلائمه ؟! أم أنك لست راض عن خلق الله بأنك ذكر !! وتتمنى لو أنك أنثى !! قد وافقك الرأي فبعض النساء خيرُ منك ومن أمثالك !! لأنها تلتزم ما أوجب الله ورسوله الكريم عليها .
أما أنت تخالف أمرهما جهاراً نهاراً دون حياءِ !! قلي بالله عليك ، أترى نفسك جميلاً وأنت في زمرة المخنثين !! أم تعد نفسك لبقاً حين تبارز الله بمعصيتك في كل صباح !! ناهيك عن المعارك الضارية مع الزوجة والأبناء ، أو الأم والأخت التي تسبق صلاة الجمعة وأنت تبحث عن ادوات الحلاقة ، لتنصر شيطانك ، وتبوء بغضب من الله ! فلا يكفيك أنك عاصِ لله ، ثم بعد ذلك تجاهر في معصيتك ! أو ما علمت أن حلق اللحية من الأمور المحرمة شرعاً كما دلت على ذلك النصوص الشرعية63 . اسمع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول ( اعفوا اللحى وحفوا الشوارب .. ) ( أرخوا اللحى .. ) ( وفروا اللحى .. ) ( أوفوا اللحى .. ) هذا ما يدل على وجوب الالتزام بإعفاء اللحى ، لأن الأمر يفيد الوجوب والنهي يفيد التحريم . أم أنك رضيت لنفسك أن تكون مع الخوالف والمجاهرين بالمعاصي .
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً ورافلاً في ثياب الغيّ نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
الدرة الخامسة عشر
هل قبلت أن تكون ماعزاً أو مرنزاً
عندما أراك ترتسم على شفتاي ابتسامة تملؤها الأسى !! فمنظرك يبدو مضحكاً جداً ! من فعل بك هذا ؟ اذهب وانظر إلى نفسك ، لتتيقن كم منظرك مضحك !!(2/458)
وما الذي يضحكك من منظري ؟ هذا مود يل العصر ! أم تريدني أن أعيش في القرن الاول الهجري ، يا لك من متخلف ، وصل الناس إلى القمر ومازلت تقول لي لماذا تحلق شعرك كالماعز . يقول لي هذا مود يل العصر وحضارة اليوم ، هكذا يحلِقُ الأمريكان ، أم أن الغرب وحضارتهم لا تعجبك !!
حقاً أنهم غرقى فمن ينقذهم ! أقول له قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقول لي قال الامريكان وحضارة العصر المدمرة ! أقول له ما ينبغي أن يكون عليه كونه مسلما يعتز بإسلامه ، ويأبى إلا أن يكون ماعزاً غربياً !!
بالله عليك ، يا من تحلق رأسكَ متشبهاً بالحيوانات ألا تشعر بالحرج عند مرورك بالقرب من سربٍ من الماشية ؟! ألم تسأل نفسك يوماً سؤالاً صريحاً ، ماذا أجني من حلقِ رأسي هكذا ؟! ألا تستحي من نفسك وأنت تسير إلى جانب أبيك ؟ أو وأنت تسير بالقرب من الرجال المعروفين بإحترامهم ومكانتهم ؟!
لماذا تجبر الجميع أن ينتقدك ؟! فلعمرك ، ماذا أقول لك ؟! لماذا تسخر من نفسك ليسخر منك الآخرين ؟! لماذا مازلت مصِراً على التخلي عن شريعتك الغراء وأصلك العريق ... لماذا أنت مصمم على الانحلال من أخلاقك ؟!
نعم ، بئس الشاب أنت حينئِذٍ . أم أن تشبهك وتقليدك للكافرين من الامريكان والغرب يرضيك ؟! ألم تعلم أن رسولك الكريم - صلى الله عليه وسلم - قال ( من تشبه بقومٍ فهو منهم ) وقال - صلى الله عليه وسلم - ( من أحب قومٍ حشِرَ معهم ) فحلق رأسك هكذا ينافي مما ينبغي أن تكون عليه من الاحترام والتقدير !! فنصيحتي لك ولمن يحلق ( المار ينز ) أن تتوبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يرحمكم ويتوب عليكم ، فتنبهوا لما يراد بكم فالقضية اخطر من مجرد قصّةِ شعر !!!
الدرة السادسة عشر
ماذا يعني تقليب الاوراق(2/459)
تراه ممعن البصر ، ساكن الحركة ، قد ركز جميع حواسه وأعصابه في ما يحمل بين أصابعه ، خائف على المستقبل الغائب ، يفكر مليّاً يهدر وقته ويعبث في شبابه ، قد أضاع زهرة عمره فيما يغضب الله عز وجل !!
وكم حاولت أن أوجهه ، لكنه يأبى إلا الضلالة والهلاك ، ثم يقول لك دون مبالاه ( مالك ومالي ، كل واحد حر بحاله ) فأنت تسعى جاداً في هدايته ونصحه وإخراجه من الظلومات إلى النور ، لكن دون جدوى ... بينما هو يسعى جاداً ومجتهداً على أن يبقى في ضلالته وعناده وفسوقه ... يرفض النصيحة والمحبة المهداة إليه ، ويصر على أن يبقى في صف الغاوين والبعيدين عن محبة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
أسألك : لماذا تهدر وقتك الثمين في لعب ورق الشدّة ؟! وبالحال سيردّ علي : وهل هي حرام ؟!
نعم ، هي حرام . فهي مضيعة للوقت ، مهلكة للمال . فبالله عليك بأي لسان ستجيب الله عز وجل عندما يسألك عن تلك الساعات ، بل قُل : الأيام الطوال !!
ماذا ستقول لمولاك عندما يسألك عن مالك فيما أنفقته ؟! أما تستحي من نفسك أو من أصغر أطفالك عندما يطلب منك ثمن حقيبته المدرسيّه ، فلا يجد في جيبك ما يصبو إليه !! أما تخجل من طولِكَ وعرضِكَ ، وأنت أصبحت شاباً قوياً في ريعان شبابه وهيجان عمره ، أن تقضي جميع أو أغلب وقتك داخل حجرة قد ملئة بدخان السجائر وقبح الشتائم !! ما أتفه عقلكَ وما أقلَ شأنك وما أسفهه فكرك إذا ما بقيت تجلس معهم لتحرق وقتك ، وتهدر عمرك وتضيع عملك !!
أيها الأخ الحبيب ،،، نصحتك بالله ومن اجل الله ، فهل ستكون على قدر من الرجولة والمروءة ؟! أم أنك تريد أن يبقى كلامي هذا حجة عليك يوم القيامة ؟!
الدرة السابعة عشر
الإعلام بين خيانة النقل واحباط الأمل(2/460)
ومن آثار خيانة النقل ظهور أنواع الانحرافات في صفوف الشباب بسبب مشاهدة فيلم أو تمثيلية ؛ حيث أن المادة المقدمة لا تميز بين جرائم القتل و الاغتصاب و السرقة و المخدرات ،وبين المواد القليلة المتصلة بالنواحي العلمية . كما أن الصلة مفقودة بين أجهزة الإعلام و التربية .
وبالطبع ستكون أحلام الشباب متناسبة مع أفكارهم الجديدة وأقصى ما يتمنوه الآن أن يكونوا مثل من يقتدون بهم ، فلو سألت شاباً عن أحلامه وطموحاته لن يكون غريباً أن تكون اجابته : أتمنى أن يصبح مثل ( ذلك المغني الساقط ، أو الممثل الفاجر ، أو ...) بل ، حتى الشخصيات التاريخية الواجب الاقتداء بها في نظره أصبحت شخصيات كافرة أو فاسقة ، أمثال : بونابرت ، تشرشل ، هتلر ... وغيرهم ممن كانوا ألدّ أعداء الاسلام والمسلمين .
واختفت الصور المشرقة والمضيئة للصحابة والتابعين والصالحين من أسلاف الأمة المحمدية الخالدة عند هؤلاء المساكين من شباب هذا العصر المتأخر المدعي الحضارة . تشوهت صورة هارون الرشيد ، وطارق بن زياد ، وخالد بن الوليد ، وعمر بن عبد العزيز .
فأصبح الاعلام الضال المعاصر يكاد لا يخلو من الكذب والتأويل على العلماء والمجاهدين وأمراء المسلمين ، فالإمام ( فلان ) لا بد أن يعشق في الفلم أو المسلسل وإلا فما الفائدة من الجنس الناعم في الفلم أو ما يسمى البطلة ؟!(2/461)
أما عن الغرائز والمشاعر فحدث ولا حرج ، فلقد ساهمت وسائل الاعلام مساهمة خطيرة في استثارة غريزة الجنس والغرائز الشهوانية لدى الشباب عامة والمراهق منهم خاصة . ولم تدع وسيلة شيطانية إلا وأتت بها لتصب الزيت على موقد الغريزة الغائرة عند الشباب عن طريق الأفلام الساقطة والمشاهد المتلهبة والقصص الغرامية الكاذبة ، التي لا تكاد تخلو منها البرامج التي تعرض عبر تلك الشاشة الهدامة والآلة المفسدة ، حتى نشرة الاخبار الاقتصادية ( أصبحت المذيعة شبه عارية لأنها تتكلم عن سعر ارتفاع برميل النفط فالجو حار والحرارة بإرتفاع / أما بالنسبة لمذيعة الاخبار الرياضية فهي أشد عُرِيًّا فهي لا تكاد ترتدي شيئاً لأنها تتكلم عن السباحة والبليه ... ) وكذلك أصبحن النساء اللواتي يواظبنَ على مشاهدة المفسديون يتمنيّنَ أن يشاهدن مذيع !!
ومما يحيرني ويشغلني كثيراً ، هل حرية المرأة تتمثل بظهورها شبه عارية في دعاية الرجال ؟! فما شأن المرأة بالدعاية التي تسوق ملابس الرجال ، بل ما شأنها بالدعاية التي تتعلق بأحذية الرجال !! أليس هذا دليل على إهانتها وعدم احترامها وقلة شأنها لدى أدعياء الحرية المقيدة بالانحطاط !!
ولا تقف مشاكل المفسديون الى هذا الحد ، بل تمتد الى أن الفتاة لن تقبل بأي شاب يتقدم لخطبتها ! لأنها ترسم في مخيلتها الفقيرة للعفة فارس أحلامها التي رأته في ذلك المفسديون المضل ، وإن بدى لك أنها تزوجت من ذلك الشاب ، لا تلبث حتى تسمع أنها طالق بالثلاث ! لأن زوجها المسكين لمّا عاد إلى منزله رأى ( القبلّة ) على شاشة المفسديون !(2/462)
ومما زاد الطين بِلة ، والجرح إيلاماً أن تجد الأب يوافق أبنائه الرأي والمشورة !! فيصور له شيطانه أن ذلك من باب الحضارة والتقدم والتماشي مع العصر ! فلم يلبث طويلاً ذلك الأب المخدوع حتى رأى ما لم يكن يتوخاه " الولد يعاشر أخته ... " 64 هذا ( بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ) 65 . وأنهي هذا الموضوع أن الاعلام من أخطر الوسائل وأكثرها اسهاماً في تضليل الشباب وتدمير حياتهم الدينية والدنيوية ، اذا لم يخضع للرقابة والمتابعة والحذر ممن يقوم به ويعده ويخرجه ... والعكس صحيح 66.
الدرة الثامنة عشر
الإنترنت بين الحلال والحرام
كان لا ينام عن صلاة الفجر ، وكان يصلي كل فرض في وقته ويخصص يوماً في الاسبوع على الأقل يتفقد أحوال المساكين أو يصل أرحامه أو يساعد فيه محتاجاً أو ... لم يتوانا يوماً في تفقد المساجد وأحوالها .
فجأة ، ودون سابق انذار ، لم يلبث حتى انقلب رأساً على عقب ، وبطناً على ظهر ، ابتليّ بابتلاء عظيم ! عندما رأى تلك الصور الخليعة للفاجرات ، أصبح لا يعرف الصلاة وكأنها محيت من قاموسه !! قال تعالى ( ومن يتبع غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه ) آل عمران :85
هل انتبهت لذلك الطالب عندما يدخل بوابة الجامعة لا يلبث حتى يتوجه الى ما يسمونه ( كوفي شوب ) وبلغة العوام العقلاء ( خراب البيوت ) 67، وهناك جميعكم يعرف ما يجري !! فهذا منهمك في البحث عن فتاة تجيد لغة العيون والألغاز القصيرة ... وذلك يبحث عن ذات الصوت الرفيع والمسمع العميق ... وآخر يترقب الفرص ليصطاد فريسته الجميلة !! ولكن الدليل والبرهان على تفاهة ذلك الشاب تكمن عندما يكتشف أنه أمضى يومه وهو يحكي مع شاب منغمر في الشهوات مثله ( قل كلٌ يعمل على شاكلته ) 68 .(2/463)
ومع غياب التوجيه و الإرشاد أو قلته في خضم اللهو و الفساد المتراكم لابد أن ينزلق الشباب و يقع في الفخ الذي نصبه أعداء الأمه ، بل و سعروا نيران الغريزة الجنسية عن طريق ما تبثه شبكة الإنترنت من إباحية بصورة لا تكاد تتخيل ، تدع المرء حيران، و صاحب الهم يزداد هما ،ماذا نفعل أمام هذا الإعصار الهائج الذي لا يبقي في طريقه و لايذر خلية حية إلا أصابها - إلا ما رحم ربي .
و في دراسة أجريت على 252فتاة منحرفة بين سن 14-18 سنة تبين أن 25 % منهن مارسن الجنس نتيجة مشاهدتهن لقطات جنسية مثيرة بالسينما و 41 % قادتهن المشاهدإلىالحفلات الصاخبة و الملاهي الليلية و 4 % هربن من المدرسة لمشاهدة الأفلام و17 % تركن المنزل لخلاف مع الأهل حول ذهابهن إلى السينما .. كما جاء في تقرير الهيئة الصحية العالمية عن انحراف الأحداث على لسان أحد القضاة الفرنسيين العاملين فيها يقول : ( لا يخالجني أي تردد أن أعلن بأن الأفلام و خاصة البوليسية المثيرة لها معظم الأثر الضار على غالبية حالات الانحراف لدى الأحداث )69 .
أما عن مخاطر شبكة الإنترنت على الشباب فيكفي أنهم اكثر مرتاديها بعد أن تعددت وسائل الإغواء والإغراء أصبح لديهم خصوصية الاتصال بالفتيات إن لم يكن مسموحا في المنزل ففي النادي أو المقهى أو غيرها . وأصبح التعارف المشبوه هو شعار مزيف يردده الكثيرون واعجب ما يقال وينادى به تحت ستار الحرية البراق دع الشباب يتعرف ويتصفح ويغوض فنحن في زمن الإنترنت وما نتيجة هذه المعادلة ( مراهقة + حرية + غياب الرقابة الإسلامية زنا + لواط + مخدرات + خيانة ... )
أخي مستخدم الانترنت
ألا تعلم أن داء الشهوة والغرام يؤدي بالانسان اذا تعلق به ودخل في قلبه الى الوصول أحياناً الى الكفر بالله سبحانه !! والقصص على هذا الشيء كثيرة جداً ومعروفة .(2/464)
أخي الحبيب - أين نحن من أسلاف الأمة ، كان الربيع بن خثيم من شدة غضه لبصره واطراقه برأسه تظن النساء أنه أعمى ! أما الإمام محمد بن سيرين يقول : والله ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا في منام غير أم عبد الله – أي زوجته – وإني لأرى المرأة في المنام فأذكر أنها لا تحل لي فأصرف ببصري عنها ! نعم أين نحن من السلف الصالح .
اخي مستخدم الانترنت - اذا ضغطت بأناملك على لوحة المفاتيح للإتصال على أحد المواقع وقبل أن تضغط على مفتاح الادخال (ENTER ) تذكر أن الله سبحانه وتعالى أقرب اليك من حبل الوريد .
وختاماً لهذا الموضوع الطويل الذي لم نوفيه حقه في التحذير منه ، أذكرك بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول : ( بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مسلماً ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ... ) فانتبه يرحمك الله .
صندوق الدرر النافعة
ستنال ما لم ينلْه غيرُكَ من الخير
يا بائعاً نفسه بهوى من حبه ضنى ، ووصله أذى ، وحسنه الى فناء ، لقد بعت أنفس الاشياء بثمن بخس ، كأنك لم تعرف قدر السلعة ولا خسة الثمن ، حتى إذا قدمت يوم التغابن تبين لك الغبن في عقد التبايع !! فسلعة الله ليست رخيصة ، وسلعة الله هي الجنة ، وثمنها الايمان والعمل الصالح ، فكيف ترضى ببيعها بجزء لا يساوي كله جناح البعوضة .
هذا ما أودّ أن اختم به كتابي، أريد أن أختمه بحديث لطيف، تنشرح له الصدور المؤمنة التائبة، فعسى الله أن يجعل لك ولنا فيه نصيب - أخي في الله - ها نحن قد أخذنا الحديث ، وتكلمنا كثيراً ، فلماذا لا نبدأ الآن ؟ فمن لم يتب الآن متى يتوب ؟ ومتى يعود إلى الرحمن من لم يعود حتى الآن ؟ متى يراجع حسابه مع الواحد الأحد، من لم يراجع حسابه الآن ؟(2/465)
تنسلخ الثانية بعد الثانية ، والدقيقة بعد الدقيقة ... وأنت لم تتب بعد ؟! وإننا نذنب الذنب تلو الذنب ( أحصاه الله ونسوه ) أليس من الحسرة والندامة أن يعفو الله عن الملايين ثم بعد ذلك لا نكون منهم
درج الجنان بها وفوز العابدِ ... تصل الذنوب إلى الذنوب وترجى
منها إلى الدنيا بذنب واحدِ ... ونسيت أن الله أخرج آدم
قد آن لنا أخي في الله أن نقلع من المعاصي والذنوب، ونتوب ونلتزم بطاعة الله التي يُعزك الله بها والتي فيها سعادتنا في الدنيا والآخرة ( ألم يئن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق )70 بلى والله قد آن ... نعم قد آن ...
أعترف لك أن كل بداية صعبة، ولكن ( عند الصباح يحمد القوم السُرى ) فوجب عليك أن تصبر ابتغاءً لوجه الله لما ستلقاه في سبيل توبتك ورجوعك إليه ، ويجب عليك أخي التائب أن تعلم أنك ما وقعت في مخالب عدوك ولا أسيراً في قبضته ، إلا بسبب جهلك بربك، وجرأتك عليه فلا بد لك أن تعرف كيف جهلت، ومتى جهلت ؟!
لا بد للتائب أن يعلم كيف وقع أسيراً ومتى وقع؟ لا بد لكَ أن تؤمن أن التوبة إنما هي عملية شاقة، تحتاج إلى مجهود كبير، ويقظة تامة ، لتخلص من العدو الذي أطغاك ، وترجع إلى الرب الرحمن، لابد أن تعرف مقدار الخطوات التي قطعتها بعيداً عن الله، لكي لا تُفاجأ بالعقبات التي لابد من الحرص على اقتحامها للعودة إلى الصراط المستقيم ! لابد أن تعرف أنك أحسنت الظن بنفسك وأسأت الظن بالله ! وأنك أتيت من غفلتك عن الله ، وعدم اعتصامك بحبله ...
أخي التائب ،،،
إذا تبين لك ذلك ، وعرفت أن في طاعة نفسك هلاكك يوم ميعادك ، وأن في عصيان نفسك نجاتك في آخرتك ، فاعلم انك من التائبين الناجين إن استمررت بذلك بعد مشيئة الله ، واعلم أن التوبة ليست كلاماً يقال، بل إن :
* التائب منكسر القلب، غزير الدمعة، حي الوجدان ،،
* التائب في أحشائه قلق ، ووجهه أسى ، وعينيه دمعة ،،(2/466)
* التائب صادق العبارة ، جياش الفؤاد ، صاح الضمير ،،
* التائب في قلبه حرقة، وفي وجدانه لوعة ، وفي دمعه أسرار ،،
* التائب يعرف معنى الهجر والوصال، يعرف اللقاء والفراق ،،
* التائب له في كل واقعة عبرة ، إذا رأى جمعاً تذكر القيامة ، وإذا رأى مذنباً بكى عليه خوفاً من ذنوبه، وإذا رأى نعيماً خاف أن يحرم الجنة ، وإذا رأى ناراً ظن أنه من أهلها ،،
أخي الحبيب - إن التائب تحصل له كسرةً خاصة لا تكون لغير التائب ،، كسرة تامة قد أحاطت بالقلب من جميع الجهات، ألقته بين يدي سيده طريحاً ذليلاً خاشعاً، منكسراً سريع الدمعة، قريب الذكر لله ، مُخبتاً منيباً، رطب القلب بذكر الله، لا غرور ولا عجب ولا حب للمدح ولا معايرة ولا احتقار للآخرين بذنوبهم ، وإنما دائم الفكر في الله سبحانه وتعالى .
الخاتمة
نسأل الله حسنها
أخي الحبيب ،لا أملك في الختام إلا أن أودعك وداع المحب ولي أمل أن تقرأ رسالتي ، وتتفهم معانيها ، فوالله ما كتبت هذه الأحرف، ولا نطقت بهذه الكلمات إلا لخوفي على وجهك المنير، أن يصبح مظلماً يوم القيامة ، وعلى جسدك الطري، أن تُلهبه النيران ، فعسى قلبك الطاهر أن يلتقطها ولعل نفسك الصافية أن تستقبلها ، فسارع يا أخي حيّاك الله وهداك ، فالوقت قصير، والعمل قليل ولسان الحال يقول:
لا تأسَ على الدنيا وما فيها ،، فالموت سيفنيك ويفنيها ،،،
وستعرف قيمتها عندما تخرج منها مرغماً ،، لتدفن فيها ،،،
فيا لها من ليلة! ويا لها من ساعة! ويا له من مضطجع!
أي خوفٍ وفزع! وأي وحشة وهلع!
أخي الحبيب – قد عرفتَ شرور اتباع الهوى، فارحل طالباً طهارة التقوى، فحث مطايا الجد، وامضِ حيث تؤمر، وتوكل على رب العالمين000 أقبل ولا تلتفت، امضِ إلى ربكَ، والله يعفو عنا وعنكَ ، ويرحمنا وإياك، ولا تنسانا من خالص دعاءك ...
إلى الجنات مأوى الصادقينا ... فمن يصدق مع الرحمن يُهدى
بنار يلتقي بالفاسقينا ... ومن يعصي الإله يلقى(2/467)
على المختار خاتم المرسلينا ... صلاة الله في كل حينٍ
اللهم هذا الجهد وعليك التكلان .. وهذا العمل ومنك التوفيق سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك إني كنت من الظالمين . وبهذا أكون قد قلت كل ما أطيقه 000 والله الموفق، وإن أريد الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وأليه أنيب000
كتبه أخوكم المحب
مهنا بن نعيم النجم
فرغ منه في الأول من صفر لعام 1425
من هجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -
في قلعة الصمود جنين - فلسطين
أهم المراجع والمصادر
اشارات على الطريق ... الشيخ الداعية علي بن عبد الخالق القرني
الجديّة في الإلتزام ... الشيخ العلامة محمد بن حسين يعقوب
كيف أتوب ؟! ... الشيخ العلامة محمد بن حسين يعقوب
بصائر المسلم المعاصر ... الشيخ الداعية د.عبد الرحمن حنبكة الميداني
رسالة الى مدخن مع التحية ! ... الشيخ سليمان الفرج
الإشاعة ... الشيخ عبد العزيز السدحان
رسائل محب ... الشيخ مشعل بن عبد العزيز بن الفلاجي
كتاب الفوائد ... الشيخ الاسلام العلامة ابن القيم الجوزية
المعاكسات الهاتفية ... دار الوطن – الرياض - السعودية
الفهرس
المقدمة
هذا نداء .. فأين الغرباء ؟!
يا شباب الإسلام أين دوركم ؟!
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
هذه رسالتي .. فسامحني
قبل البدء ، هل أنت مستعد ؟!
الدرة الأولى : الصلاة .. الصلاة
الدرة الثانية : يا ولدي هذا يومك
الدرة الثالثة : ذروة سنام الإسلام
الدرة الرابعة : اياك وكثرة المزاح
الدرة الخامسة : يا صاحب العفة والشرف
الدرة السادسة : هل ترضاها لأختك
الدرة السابعة : الجزاء من جنس العمل
الدرة الثامنة : المعاكسات الهاتفية
الدرة التاسعة : جاسوس القلب وسارق المروءة " الغناء "
الدرة العاشرة : الطبق المشؤوم ، ماذا فعل ؟!
الدرة الحادي عشر : التقليد الأعمى ، والتعصب المُضل
الدرة الثانية عشر : إياك أن تكون مرسال سفاه
الدرة الثالثة عشر : أيها الشاب ، لماذا تُدخِن ؟!(2/468)
الدرة الرابعة عشر : كن رجلاً كما عرفناك
الدرة الخامسة عشر : لا أستطيع التمييز ، من أنت ؟!
الدرة السادسة عشر : واحسرتاه على الشباب
الدرة السابعة عشر : ماذا يعني تقليب الأوراق
الدرة الثامنة عشر : الإعلام بين خيانة النقل وإحباط الأمل
الدرة التاسعة عشر : الانترنت بين الحلال والحرام
الدرة العشرون : صندوق الدرر النافعة
الخاتمة نسأل الله حسنها
قائمة المراجع
ــــــــــــــــــ
" التهرب من المسؤولية فن ! "
إبراهيم بن محمد سليمان السعوي
الأحداث والأزمات التي تمر على الأمة من خير أو شر لا بد أن تحمل في طياتها فوائد ودروس وعبر ؛ ليعيد الإنسان حساباته ويراجع المسار الذي يسير عليه فإن كان ثمة خطأ أو زلة تاب واستغفر وأقلع مع اعتراف وتحمل مسؤولية ذلك ، ومن ثم يسلك جادة الصواب أياً كان موقعه ، وليس هذا عيباً بذاته ، وإنما العيب كل العيب التمادي فيه ، وإقناع النفس ، والآخرين بصوابه وسلامته ، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون " رواه الترمذي ، وأحمد وصححه الحاكم .
مع البعد عن الأسباب التي تؤدي به إلى الوقوع في الخطأ نفسه بصورته أو بصورة أخرى ، أو الوقوع في الخطأ المضاد .
تحمل المرء جريرة عمله ، وما ينتج من سوء عمله بعيد المنال ، بل قد يكون التبرأ ديدنه ، والتملص من تبعاته شعاره لاسيما عندما يتعدى إلى الغير ، أو كان للأحداث والمصائب النابعة عنه تبعات .
وللتهرب من المسؤولية ، والتملص منها صور وأشكال ، ولدهاء محترفيها وذكائهم اسطاعوا أن يتفننوا في ذلك ، وأن يخففوا تبعاتها على أنفسهم ، وأن يجعلوا آخرين شركاء لهم في ذلك .
والله سبحانه ذكر صوراً لذلك ، وذلك يوم القيامة عندما ينكشف المخبوء ، ويعظم الهول والكرب ، حينها لا يستطيع المرء تحمل جريرة عمله فضلاً عن أعمال غيره .(2/469)
قال الله جل جلاله : { وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ{21} وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}." إبراهيم آية : 21، 22".
وقال عز من قال : {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{11} لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ{12} .... إلى قوله : {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }. " الحشر آية : 10ـ 16"(2/470)
والتاريخ مليء بالصور من هذا القبيل ، فالأحداث والأزمات السابقة شاهدة على ذلك ، حين بدايتها كان هناك سراب من الأمل والخير ، وجوانب مشرقة ، وسلبيات وأضرار تلك الأحداث والأزمات لم تبرز بعد فكان البعض يفتخر بها ، ولا يريد أن تنسب لغيره لكن سرعان ما تملص منها ، وسحب بساطه منها ، وانزوى جانباً ليتوارى من القوم لعظم الكرب .
أما زمننا هذا ففيه من العجب العجاب ، تملص وانسحاب مما جنته الأيادي على مستوى المجتمع بدءً من رب الأسرة فما كان من خير فلا يريد أن ينسب لغيره ، وما كان سوى ذلك فاللوم على الغير من مدرسة ، وحي و .....
ومررواً بمحاضن التربية والتعليم فالتخلف العلمي ، والانحراف في الأفكار والسلوك ، فمرة يلصق اللوم بالمدرس ، ومرة أخر بالطالب ، وأصابع تشير إلى السياسة العامة للتعليم ، ودراسة مطولة مفادها أن المناهج ليست بمنأ من اللوم ، وأنها تحمل العبء الأكبر .......... وهلم جرا .
والانحراف الأخلاقي والسلوكي سيما في أوساط الشباب من الجنسين ، وظهور الحالات الشاذة مَنْ المسئول ؟ ! هل هو الأب ؟ فالأب يضع اللوم والعتاب على الغير ، أم هي القنوات الفضائية ، والوسائل المغريات الأخرى ؟ أم هو الشاب نفسه ؟ أم المسئول الجليس والصاحب ؟ أو يتحمل مسؤولية ذلك الدولة لأنها معنية بحفظ أعراض الناس وأخلاقهم ، وأنها لم تقف حصنناً منيعاً أمام السيل المنهمر من الانحرافات الخلقية وأربابها ، مع أنها وقفت أمام ما هو أشد من ذلك ، واستطاعت أن تحد من شره . وأنها أغفلت سلطة الرقابة في هذا الجانب ، أو أن المسئول .......
وهكذا دواليك في إلقاء اللوم ، والعتاب ، وتحميل المسؤولية الغير ، واتهام من كل ِّجنس ، والانسحاب بأقل الخسائر في مواضيع وقضايا أخرى : البطالة وفشوها ، والعنوسة بين الجنسين ، والطلاق والتفكك الأسري والفقر ، وظاهرة التسول ، .......
يرمي الأنَام بدائه ويَزِنُّهمْ بَهَناتِه ويَصُدُّ أو يتسلَّلُ(2/471)
مع أن كل فرد من المجتمع يتحمل عبء المسؤولية كل بحسبه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن عمر : " كلكم راعٍ ، وكلكم مسئول عن رعيته : الإمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته ، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته " متفق عليه .
ومن العجائب في هذا الزمان ، الذي هو مضرب المثل في التفنن من التهرب من المسؤولية ؛ أننا نجد أن طروحات وأفكار ، ورسم خطط كثيرة ، منها المصيرية من بعض من تصدر للناس لتوجيههم ، وأخذ على عاتقه إرشادهم ، وحملهم على قالب النجاة ، والوقوف صلداً أمام العدوان وأهله لصده ودحره ، وإيقاف الأمة على الحقائق ، أو ممن تولى السير بالبلد إلى الأمام ليواكب حضارة هذا العصر ، ومنافسة البلدان الأخرى ؛ أو من صاحب القرار قرارات تحمل في طياتها مصلحة الفرد والمجتمع ؛ سالكاً طرق ووسائل شتى للإقناع والتحسين من مسموع ومقروء مؤيدة بدراسات ، وشهادات من قوم أخر ؛ فإن كان ثمت إيجابيات لتلك الطروحات والأفكار ، وجوانب مشرقة ، ونجاح لتلك القرارات ولو من زاوية ضيقة سواءً على نطاق المجتمع ، أو الأمة ، أو كان الصواب حليفه قال : هذا ما كنا نبغي ، ونحمد الله أن هيأ لنا هذا الطريق ، ونشكره على هذا التوفيق والسداد ، وبدأ يعتز بتلك الطروحات ، والأفكار ويشيد بها ، رافعاً بها رأسه .(2/472)
أما إن كانت طروحاته وأفكاره سلبية على الأمة والمجتمع ، وبدأت المصائب تلاحق الأمة من تلك الأفكار والطروحات ، وغيرها من الطروحات نجده يتسلل منها لواذاً ، ويتبرأ منها بلباقة ودهاء ، ويجعل مسؤولية تلك الطروحات دائرة ما بين المخاطب حيث فهمها على غير المراد ، أو على من تصدر لتوجيه الأمة بأسلوب تجعل المستمع يخرجه من دائرة المسؤولية ، مع أنه في يوم من الأيام يشكر الله أن كان خمس خمسة تصدروا لتوجيه الأمة ، وتحملوا همومها وشجونها .
أو ِأن يحمل تبعات تلك القرارات من تحته من النفعيين والمتغلغلين الذي لا يشتغلون إلا من وراء الكواليس ، ومن تحت الظلام ، ولا همّ لهم إلا مصالحهم الذاتية .
بما أن الوعي تغلغل في أوساط الأمة ، وأن فيهم من الذكاء والدهاء مثل ما في غيرهم ، وأن العُصب التي كانت على أعينهم قد أزيحت ؛ فما عادت تنطلي عليهم الأمور مثل ما كانت في السابق ، فعلم ووعي وبصيرة تجعل المرء يدرك الأمور على حقيقتها بجلاء ، وتجعله يميز بين الحق والباطل ، والخير والشر ؛ فلن يمر عليه هذا الانسحاب بسهولة ، بل يعده نوعاً من الاستغفال ، والاحتقار للعقول ، والتقليل من شأن الغير .
ولهذا اضطر أصحاب تلك الطروحات والأفكار للتخلص من تبعاتها ؛ فمرة بتذكير الأمة بالطبيعة البشرية ، وأن الخطأ وارد فلا عصمة في ديننا لغير نبينا ، ومرة أخرى أن من الوعي لدى الأمة تجاوز السنن العجاف ، وطي صحائف تلك المرحلة ونسيانها ، وما استودع فيها من طروحات وأفكار ، والبدء من جديد معاً ، وتكثر في أدبيات هذه المرحلة الحث على العفو ، و الصفح عن الماضي ، وينتشر في الأفق مقولة " عفا الله عما سلف " هذا ما يريده من الأمة .(2/473)
أما هو فلم يغير في نفسه شيء يذكر مما كان سبباً في مجانبته للصواب ، فثقة بالنفس تجعله لا يصغي للغير ، مع استبداد بالرأي والحل ، وآلية ذات ألوان يسير عليها ؛ ليرضي جميع الأطياف والأطباق ، ويطأ الأمور بِظَلَفٍ فيتحرك لينهض فيَرسب .
طأْها برفق ولا توغِلْ فتسقط في *** وحْلِ الهوى وبعيد منه إفْلاتُ
والتأثر بالجماهيرية لم يفارقه ، والضجر من النقد الهادئ ظهر على محياه ، والحساسية الزائدة من الآخر أبت إلا الظهور ، وصب جام غضبه على مخالفه لم ينقطع بعد ، والمؤشرات التي تشير إلى عدم تقديره للعواقب ، وما تؤول إليه الأمور تلوح بالأفق .
وعوائد استحوذت على علقه وفكره ، لها تواجد عند معالجة الأمور ، والإدلاء بالطروحات والأفكار ، والخروج بالقرارات والتوصيات ، والعوائد أملك .
ومن يتعوَّد عادة ينجذِب لها *** على الكُره منه والعوائد أمْلَكُ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
إبراهيم بن محمد سليمان السعوي
القصيم ـ بريدة
ams2041@naseej.com
ــــــــــــــــــ
العوائق العشرون للتأثير النافع
د. علي الحمادي
إن عملية التأثير في الآخرين أمر متاح للجميع، ولكن لها مستلزمات ومتطلبات، ومن مستلزماتها أن يقتنع الإنسان أنه قادر على ذلك، وأن تكون رؤيته لنفسه ولمستقبله واضحة جلية لديه، وأن يتخذ قرارا حازمًا للوصول إليها، وأن يبدأ المشوار بجد واجتهاد، وقبل هذا وذاك أن يتوكل على الله ويستعين به.
إننا جميعا مدعوون إلى التسابق في هذا المضمار؛ إذ إنه مضمار خير ونفع للفرد والمجتمع، بل وللبشرية بأسرها، وصدق خالق السماوات والأرض إذ يقول: {سَابِقُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ والأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} (سورة الحديد: 21).(2/474)
ويقول الله تعالى على لسان نبيه موسى عليه السلام: {وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (سورة طه: 84).
ويقول الشاعر:
دعي نفسي التكاسل والتواني وإلا فاثبتي في ذا الهوانِ
فلم أرَ للكسالى الحظ يُعطَى سوى ندم وحرمان الأماني
منهج ابن اليمان
ويحسن بنا الإشارة إلى أهم العوائق التي تحول بين المرء وإحداث تأثير نافع فذ في هذه الحياة؛ وذلك للتحذير منها والتنبه إلى خطورتها، وكذلك إلى ضرورة التخلص منها ومعالجتها، متخذين في ذلك منهج الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، الذي كان ممن يسأل عن الشر لا حبًّا فيه، وإنما رغبة في التحذير منه، حتى لا يقع هو فيه أو يُبتَلى فيه أحد أفراد أمته.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: وهل بعد الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"، قلت: وما دخنُه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "انظر جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".
ويقول الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
العوائق العشرون
أما بخصوص عوائق التأثير والعقبات التي يمكن أن تعترضه فهي كثيرة، ولكن أهمها عشرون، وهي:
1- عدم توفيق الله تعالى، ومن حُرِم توفيق الله تعالى فقد وُكل إلى نفسه، ومن وُكل إلى نفسه خاب وخسر.
2- التردد وعدم الحزم في اتخاذ القرارات اللازمة لصناعة التأثير.(2/475)
3- الخوف من المجهول، أو من الآثار المتوقعة لصناعة التأثير.
4- عدم الاقتناع بأهمية وضرورة أن يكون الإنسان مؤثرًا وصانعًا للحياة.
5- ضعف الهمة وانعدام الطموح.
6- الخجل من مزاحمة المؤثرين أو المساعدين على التأثير، وعدم ولوج مجالسهم ومنتدياتهم، والابتعاد عن محاورتهم ومناقشتهم.
7- الشعور بالنقص والدونية.
8- الاستسلام للفشل، وانعدام نفسية التحدي، وعدم المثابرة حتى آخر رمق.
9- القناعة المزيفة التي تؤدي بصاحبها إلى الرضى بالدون.
10- مجالسة الكسالى والتأثر بهم.
11- عدم المحاولة والبعد عن التجريب.
12- التعود على الإمعية والتبعية وتربية الذات (أو الجيل) عليها.
13- القهر والاستبداد، وكتم أنفاس البشر، وعدم ترك المجال لهم للتعبير عن آرائهم وقناعاتهم.
14- الجهل وعدم تطوير الذات؛ مما يحول دون فهم وإدراك مجالات التأثير وأدواته وفرصه، وأساليبه، وطرقه ووسائله.
15- اليأس والإحباط من الواقع الخاص أو العام.
16- انعدام الجدية، والتعامل مع الحياة بصورة مائعة هزلية.
17- الاهتمام بصغائر الأمور وإهمال عظائمها.
18- الاستعجال في قطف الثمرة، والتسرع في إصدار الأحكام على الأشخاص والقضايا، وعدم القدرة على استيعاب الأوضاع والتكيف مع المستجدات بشيء من التعقل والتروي والأناة.
19- التربية الخاطئة وضيق الصدر.
20- الحماقة وقلة العقل، وصدق من قال:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
ــــــــــــــــــ
السلبية في حياتنا
سعد احمد الغامدي(2/476)
الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له. نحمده هو أهل الحمد و الثناء فله الحمد في الأولى و الآخرة و له الحمد على كل حال و في كل آن، نصلي و نسلم على خاتم الرسل و الأنبياء نبينا محمد بن عبد الله و على آله و صحابته و من اتبع هداه و اقتفى أثره إلى يوم الدين و عنا معه بعفوك و رحمتك يا أرحم الراحمين
"اللهم إني أعوذ بك من العجز و الكسل، و الجُبْن و الهرم و البخل، و أعوذ بك من عذاب القبر، و من فتنة المحيا و الممات".
أما بعد
فاهذه كلمات امزجها بدعوات إلي رب الباريات اذكر بها نفسي واخواني المسلمين وأخواتي المسلمات من مرض خطير وما اكثر الأمراض التي أصبنا بها.
مرض نخر في أجسادنا فااهاكها وفى قلوبنا فأوهنها وفي أبداننا فأهرمها. انه مرض السلبية في حياتنا وان شئت فقل العجز والكسل.(2/477)
تأملت هذا المرض من خلال واقعي نفسي وإخواني الشباب ولا اعني أولئك المنفلتين والمتسكعين العطالين البطالين الذين لا يشهدون الفجر في جماعه ولا الضائعين المنغمسين في للجج بحر شهواته وانما اعني واقصد أولئك الشباب المستقيمين المظهرين لسنة الرسول المتمسكين بالمنهج القويم الذي يحسب على أهل الاستقامة فوجدت مرض لا يسكت عليه وامرا لا يتغافل عنه ولعلى لا أكون اقل وابخس حضا من تلك أنمله التي شعرت بمسؤليتها فحذرت قومها وبينت لهم فالله درها من نمله ذكرها الله عز وجل في كتابه وخلد ذكرها الي يوم القيامة وهي حشرة صغيرة (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) فالله درها من نمله عملت ما لا يعمله آلاف البشر من شباب المسلمين وهم يرون الأمراض والأخطار تنهش في جسد هذه الأمة فلا أمر بمعروف ولانهي عن منكر ولا مشاركة في حلاقات علم وتحفيظ القران ولا حتى في ابسط الأمور مع جيرانه في جلسة الحي إلا من رحم ربي ولسان حال ذلك الشاب كما قيل ودع هريرة أن الركب مرتحل.
فيا الله إن حمل مسئولية بسيطة تثاقلها, وان كلف بشي يسير تذمر منها , وان قيل له شارك بكذا وكذا تنصل منها بل لا يصبر علي سماع كلمة في مسجد فهوا أول المنصرفين وأول السرعان وكأنة يقول لاحاجة لي بهذه الموعظة وهذه الكارثة بعينها ضن انه قاب قوسين أو أدنى من الجنة فجمع بين السلبية والعجز وبين العجب والخيلاء . أولا يعلم أن ما هو فيه من سلبية وكسل وعجز وخور ينافي الرغبة في الدين ، وينافي الجهاد الحقيقي ،
وهل أخَّر المسلمين عن الأمم ، إلا تفرقهم وكسلهم وجبنهم وخورهم ويأسهم من القيام بشؤونهم حتى صاروا بذلك عالة على غيرهم .(2/478)
ودينهم قد حذرهم عن هذه الأمور أشد التحذير . وأمرهم أن يكونوا في مقدمة الخلق في القوة ، والشجاعة ، والصبر ، والملازمة للسعي في كل أمر نافع ، والعزم ، والحزم ، والرجاء ، وحسن الثقة بالله في تحقيق مطالبهم . والدواعي لهم في ذلك متوفرة .
فإن مجرد السعي في ذلك بحسب الإمكان من أفضل الأعمال المقرِّبة إلى الله .
يا عجباً لمؤمن يرى أهل الباطل يجهدون ويألمون في نصر باطلهم ، وهم لا غاية لهم شريفة يطلبونها ، وهو مخلدٌ إلى الكسل عن نصر الحق الذي يترتب على نصره من الخيرات العاجلة والآجلة ما لا يمكن التعبير عنه ، كل ذلك خوفاً من المشقة وزهداً في إعانة إخوانه المسلمين في ماله أو بدنه وقوله وفعله ، بل زاهداً في مصالح نفسه الحقيقية .قال الله تعالى : (( إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ))
سأحاول أن أتقصى هذه الأسباب ونتعرف على المرض، وأثاره ثم نصف العلاج! والله المستعان.
إن مرض السلبية وأعراضه الظاهرة هي العجز والسلبية تجاه الأمور التي تهم المسلمين، والشعور بالذل والهوان نتيجة الامتهان الذي يلاقونه ولا يستطيعون رده .. ومضاعفاته هي الشعور باليأس والإحباط، وموت الشعور بالأنفة والعزة الإسلامية.
أسباب السلبية في حياتنا
1-عدم تعظيم ومعرفة الله عز وجل .
إن تعظيم الله عز وجل من أجل العبادات القلبية, وأهم أعمال القلوب التي يتعين ترقيقها وتزكية النفوس بها، لا سيما وأنه ظهر في زماننا ما يخالف تعظيم الله تعالى من الاستخفاف والاستهزاء بشعائر الله، والتطاول على الثوابت, والتسفيه والازدراء لدين الله، مع ما أصاب الأمة من وهنٍ وخورٍ وهزيمةٍ نفسية، قال تعالى: مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً [نوح:13].(2/479)
إن الإيمان بالله أيها الشباب، مبني على التعظيم والإجلال له عز وجل، قال تعالى: { تَكَادُ السَّمَاواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } [مريم:90]، قال المفسرون: "يتشققن من عظمة الله عز وجل".
منزلة التعظيم تابعة للمعرفة, فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدهم لهم تعظيماً وإجلالاً, وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته, ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته، فقال: مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً [نوح:13]، قال المفسرون: "ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته".
تعظيم الله وإجلاله ـ أيها الشباب ـ لا يتحقق إلا بإثبات الصفات له كما يليق به سبحانه، وروح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت.
لقد كان نبينا يربي أمته على وجوب تعظيم الله، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله فقال: يا محمد, إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر, ثم قرأ رسول الله :{ وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالاْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الزمر:67]) [1].(2/480)
وورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله : قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: { وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالاْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ورسول الله يقول: ((هكذا بيده ويحركها، يقبلُ بها ويدبر يمجد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك, أنا العزيز، أنا الكريم))، فرجف برسول الله المنبر حتى قلنا: ليخرن به [2].
فالله تعالى هو الكريم العظيم, الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، أجل وأعلى، هو وحده الخالق لهذا العالم، لا يقع شيء في الكون من حركة أو سكون, أو رفعٍ أو خفض, أو عز أو ذل, أو عطاءٍ أو منع إلا بإذنه سبحانه، يفعل ما يشاء, ولا يُمانع ولا يُغالب، ولما قال الأعرابي لرسول الله : فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله : ((ويحك! أتدري ما تقول؟!)) وسبّحَ رسول الله , فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه, ثم قال: ((ويحك! أنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه, شأن الله أعظم من ذلك)) أخرجه أبو داود [3].
وعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدهم لله تعظيماً وإجلالاً، تأمل آيات الله وإعجازه في الكون، في كتاب مقروء، وصفحات مشرقة منظورة، ليمتلئ قلبك إجلالاً وعظمة لله سبحانه: { فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شيء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [يس:83].
تجد أمامك نافذة واسعة سعة الكون كله، إعجاز باهر, وآيات كريمة قد كتبت بحروفٍ كبيرة واضحة على صفحات الكون كله، { اللَّهُ خَالِقُ كُلّ شيء وَهُوَ عَلَى كُلّ شيء وَكِيلٌ لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ} [الزمر:62، 63].(2/481)
انظر إلى الشمس والقمر يدوران، والليل والنهار يتقلبان, بل انظر إلى تكوين نفسك وتركيب جسمك، من ذا الذي جعله بهذا التركيب وهذا النظام العجيب { وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذاريات:21].
فكر في النبات والشجر, والفاكهة والتمر، وفي البحر والنهر، إذا طاف عقلك في الكائنات, ونظرك في الأرض والسموات رأيت على صفحاتها قدرة الله, وامتلئ قلبك بالإيمان بالله، وانطلق لسانك بلا إله إلا الله، وخضعت مشاعرك لسلطان الله.
يقول عز وجل:{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَداً إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَاهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَاهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ }[القصص:71، 72].
ماذا نفعل لو لم تطلع الشمس؟! ماذا نفعل إذا غاب القمر ولم يظهر؟! كيف نعيش! كيف نزرع! كيف نأكل! بل كيف نتعلم ونعلم غيرنا؟!
{ هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذالِكَ إِلاَّ بِالْحَقّ يُفَصّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [يونس:5].
إن من تفكر في ذلك خاف الله تعالى لا محالة؛ لأن الفكر يوقعه على صفات جلال الله وكبريائه، فهو سبحانه العزيز الكريم المتعال الواحد القهار، هو سبحانه القهار الذي قهر كل شيء وغلبه، والذي لا يطاق انتقامه، مذل الجبابرة, قاسم ظهور الملوك والأكاسرة، هو سبحانه القوي الذي تتصاغر كل قوة أمام قوته، ويتضاءل كل عظيم أمام ذكر عظمته.(2/482)
إن هذا الجيل الذي صده عن السبيل الاستكبار, وعلاه الغرور, وأسكره الترف, وجعل كتاب ربه وراءه ظِهرياً بحاجة ماسة إلى أن يعرف ربه حقاً، ويعظمه صدقاً, بتدبر أسماء الله الحسنى، التأمل في آياته، التفكر في إعجازه، فمن استيقن قلبه هذه المعاني لا يرهب غير الله، ولا يخاف سواه، ولا يرجو غيره، ولا يتحاكم إلا له، ولا يذل إلا لعظمته، ولا يحب غيره.
أما الذين يهجرون القرآن, ويرتكبون المحرمات, ويفرطون في الطاعات, ما قدروا الله حق قدره، من شهد قلبه عظمة الله وكبرياءه علم شأن تحذيره جل وعلا في قوله : { وَيُحَذّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران:28]، قال المفسرون: "أي: فخافوه واخشوه".
ولأجل شهود صفات عظمته سبحانه وجلت قلوب المؤمنين لمجرد ذكره تعالى كما قال سبحانه: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الأنفال:2]، ويقول سبحانه:{ وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الحج:34، 35].
إن عدم معرفة الله عز وجل وهي التي تقود إلى عظمة من اكبر الأسباب التي تجعل الشاب عاجزا كسولا خاملا
لا يقدم شئ لنفسه ولا لغيره والسؤال كيف نعرف الله ؟ سؤل كان يطرح علينا ونحن صغار وكنا نجيب ونقول اعرف ربي بآياته ومخلوقاته(2/483)
إن آثار صفات الله ومعالم بديع صنعه مبثوثة في كل ناحية من نواحي هذا الكون ، فكل ما في الكون من مخلوقات دليل مشاهد على الخالق -سبحانه- الذي خلقه وأحكمه وأبدعه. وهذه الأدلة والبراهين واضحة الدلالة لأصحاب العقول والألباب التي تريد معرفة الحق، ولذلك خاطبها المولى سبحانه وتعالى، فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (آل عمران:190).وقال سبحانه وتعالى { سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ... } (فصلت:53) . وقال تعالى : { سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ... }
أم كيف يجحده الجاحد وفي كل تسكينة شاهد تدل على أنه واحد فيا عجباً كيف يعصى الإله ولله في كل تحريكة وفي كل شئ له آية
وسئل بعض الأعراب عن الدليل على وجود الرب تعالى فقال : يا سبحان الله ! إن البعر ليدل على البعير ، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير !!(8) .
قال تعالى {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } (الأنعام:75). وفي الحديث (وتفكّروا في خلقِ الله)(17)تفكروا يا أولى الألباب : لقد خلق الله في الكون آيات تدل على صفات الأفعال لله سبحانه وتعالى، وجعلها آثاراً مشاهدة لتلك الصفات، ومنحنا أبصاراً ترى تلك الآثار وعقولاً تستدل على تلك الصفات من آثارها المشاهدة.
2-عدم طلب العلم ولأستزاد منه(2/484)
من الآفات التي أصيب بها كثير من الشباب ليوم عدم اهتمامهم بطلب العلم والاستزادة منه قناعة بما لديهم- والذي يغلب ألا يتعدى العلم ببعض أحكام العبادات وبعض المحرمات- ميراثا عن طريق الاتباع والتقليد، والذي تشوبه أحيانا معتقدات وأحكام خاطئة.
إن الإسلام يرفض بناء العقيدة على التقليد والتبعية مثل من قالوا: "حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا" [المائدة:104]، وإنما يطلب الإسلام بناء العقيدة على تثبّت ويقين، وهذا لا يتأتى إلا بطلب العلم. لذلك يحض الإسلام عليه، فيقول القرآن: "قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون" [الزمر:9].. ويقول: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" [المجادلة:11].
وقال صلي الله عليه وسلم : "من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين" [متفق عليه].. وقال: "ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة" [مسلم].
الحلقات الدينية ليست قاصرة على التعلّم، وإنما هي أيضا من وسائل ذكر الله.. وليس كالذكر يصل المؤمن بربه. لذلك قال تعالى: "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" [الذاريات:55].. وقال: "وما يذكر إلا أولو الألباب" [البقرة:269]. فاءين طلب العلم على أصوله ؟ إن بعض الشباب يبداء ليتعلم مسائل الخلاف حتى إذا ما جلس مجلسا خطاء هذا وذم ذاك واظهر لناس انه صاحب علم وهو في الحقيقة صاحب هوى , يحب الجدال والمراء ويتطاول على العلماء.
وبعضهم يبداء ويتعلم ويحضر بعض الدروس حتى ذا ما حفظ بعض النصوص ضن انع عالم زمانه فلم يزدد علما ولا يحضر درسا ولا يبحث بحثا.
وبعضهم يبداء ويتعلم ليتثقف حتى إذا ما جلس مجلسا اظهر لناس انه المثقف المبجل الذي لا يشق له غبار
فإذا ما نظرت لهذا وذاك في الجانب الدعوى العملي فإذا هو صفرا على الشمال أثرة ضعيف علي من حوله فيه سلبية متناهية لا يتعدى عمله منفعة نفسه , يصلح ان يطلق عليه منظر الزمان العاجز الكسلان.
3- قصور مفهوم العبادة عند بعض الشباب(2/485)
إن مفهوم "العبادة" يقتصر في ذهن كثير من الشباب على إقامة الشعائر التعبدية- الصلاة والزكاة والصوم والحج. وهو مفهوم قاصر حيث جعل العبادة التي خلق الإنسان ووهب الحياة من أجلها- "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذريات:56]، جعلها قاصرة على لحظات قليلة في الحياة.
وكان لهذا المفهوم القاصر أثره في عجز وسلبية كثير من الشباب.. فقد انغمس البعض فى شعائر العبادة وكرس حياته لها وأهمل باقي فروع الحياة.. والبعض الآخر- على النقيض- اعتبر أنه قد أدّى واجبه العبودية بهذه الشعائر، وانطلق في باقي حياته على غير هدى الإسلام!
إن حقيقة مفهوم العبادة هو الإقرار بالعبودية الكاملة لله وهذا الإقرار لا يتأتى فى الشعائر التعبدية وحدها، وإنما يلزم أن يكون في كل منحى من مناحي الحياة.. وقد فصل الله ورسوله لنا طريقة حياتنا تفصيلا كاملا في نظام شامل.. فإقرارنا بالعبودية لله تعالى لا يتم إلا بخضوعنا واتباعنا لهذا النظام الشامل بكل تفاصيله ودقائقه، والذي لا تمثل الشعائر التعبدية إلا جزءا منه.
4- الانغماس في الدنيا وملذاتها
لقد اصبح معيار النجاح عند بعض الشباب في الحياة هو الثروة المالية، والمركز الوظيفي، والمركز الاجتماعي، والشهرة! لقد أصبح تنافسنا في الحياة في هذه المجالات وليس في مجال العمل للفوز بثواب الجنة كما أرشدنا الله تعالى في قوله: "وفى ذلك فليتنافس المتنافسون" [المطففين:26].. غلبت على قلوبنا المعايير الدنيوية الجاهلية السائدة في الحياة من حولنا
ولقد حذرنا الله من الدنيا اشد التحذير1ـ قوله تعالى : ((اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) [الحديد : 20] .(2/486)
أما أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي رغبت في الزهد في الدنيا والتقلل منها والعزوف عنها فهي كثيرة منها :
1ـ قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر رضي الله عنهما : (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) [ رواه البخاري ] 0
وزاد الترمذي في روايته : (( وعد نفسك من أصحاب القبور )) 0
2ـ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )) [ رواه مسلم]0
3ـ وقال - صلى الله عليه وسلم - مبيناً حقارة الدنيا : (( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع )) [ رواه مسلم ] 0
4ـ وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( مالي وللدنيا ،إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال ـ أي نام ـ في ظل شجرة ، في يوم صائف ، ثم راح وتركها )) [ رواه الترمذي وأحمد وهو صحيح ] 0
5ـ وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( لوكانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافراً منها شربة ماء )) [ رواه الترمذي وصححه الألباني ] 0
6ـ وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس )) [ رواه ابن ماجه وصححه الألباني ] 0
7ـ وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً ، ولا يزدادون من الله إلا بعداً )) [ رواه الحاكم وحسنه الألباني ] .
5- عدم الارتفاع بمستوى الإيمان
الإيمان يتأرجح مستواه داخل النفس.. ومن ثم فهو فى حاجة دائمة إلى تغذيته بالمدد الذي يبقيه على مستوى عال. وهذا هو المدد "ذكر الله".(2/487)
ذكر الله هو حبل الاتصال الروحي مع الله.. هو الوسيلة التى يستمد منها المؤمن الإحساس بالقرب منه تعالى والشعور بحضرته، فيفيض الاطمئنان على قلبه. يقول القرآن: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" [الرعد:8]. ولأهمية الذكر أكثر الله من التوصية به، قال: "واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون" [الأنفال:45]. وقال: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا ذكرا كثيرا" [الأحزاب:41].. وقال: "والذاكرين الله كثيرا والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما" [الأحزاب: 35].. وقال عن أعمال الشيطان: "ويصدكم عن ذكر الله" [المائدة:91].. وقال فى وصف المنافقين: "ولا يذكرون الله إلا قليلا" [النساء:142].
لقد وضع لنا سبحانه وتعالى حدا أدنى للحظات الذكر التي تحفظ حبل الاتصال معه تعالى.ولأنها الحد الأدنى فقد فرضها الله علينا.. وهذه هي الشعائر التعبدية- الصلاة والزكاة والصوم والحج- التي أحد أهدافها هو ذكر الله.. فهى دورات زمنية للذكر على مدى اليوم والأسبوع والشهر والسنة والعمر كله.
والصلاة هي أهم شعيرة في هذا الباب.. قال تعال: "وأقم الصلاة لذكري" [طه:4].. فهي تقام لذكر الله .. وقال: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله" [الجمعة:9].. فسماها "ذكر الله".ولأننا –أحيانا- نؤدي الصلاة أداءً آليا خاليا من ذكر الله واستحضار وجوده، لذا ينبهنا القرآن إلى أن ذكر الله أكبر من الصلاة، لأنه المطلوب الأعظم في الصلاة.. يقول: "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر" [العنكبوت: 45].(2/488)
لذا فإن من مقتضيات أداء الشعائر ذكر الله كي تُؤَدَّى في خشوع وإخبات، فتؤدى وظيفتها وتحقق التقوى في القلوب. والتقوى هي الشعور القلبي بخشية الله والخشوع له نتيجة للإحساس بحضور الله الدائم ورقابته ورعايته.ولذا فإن الحد الأدنى للمحافظة على إيماننا هو المحافظة على أداء فروض الشعائر التعبدية وأداؤها كما يجب أن تكون. ولأن فروض الشعائر التعبدية هي الحد الأدنى لذكر الله، فقد حثنا الله تعالى على التطوع للاستزادة من ذكره حتى نرتفع عن هذا الحد الأدنى ونكون في مأمن من التدني عنه.. وجعل لنا في كل شعيرة مجالا للتطوع! ففي شعيرة الصلاة جعل لنا السنن والنوافل.. وفى الزكاة فتح لنا مجال الصدقات بلا حدود..وفى الصوم مجال التطوع مفتوح على مدار السنة.. وفى شعيرة الحج جعل لنا العمرة!
وفى حديث القدسي قال الرسول صلي الله عليه وسلم: "إن الله تعالى قال: ... وما يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، وإن سألني أعطيته، وإن استعاذني لأعيذنّه" [البخارى].
ولابد من اشغال للسان با التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والدعاء والرجاء.. ومن مطلوباته أن يكون انعكاسا لما يشعر به القلب.
وكان أسوتنا الحسنة- صلي الله عليه وسلم- ذاكرا لله فى كل أحواله.. كان يقرن كل حركاته وكل أعماله بذكر الله بلسانه تعبيرا عما فى قلبه، وهو ما أُثر عنه باسم "الأذكار"..(2/489)
فمثلا، كان يذكر الله عند استيقاظه من منامه.. وعند ارتدائه ثوبه.. وإذا أرتدى ثوبا أو نعلا جديدا.. وإذا خلع ثوبه.. وعند خروجه من البيت.. وعند دخوله البيت.. وإذا استيقظ من الليل وخرج من بيته إلي الخلاء (مكان قضاء الحاجة).. وإذا أراد دخول الخلاء.. وعند خروجه من الخلاء.. وعندما يصب ماء الوضوء على يديه.. وعلى وضوئه.. وعلى اغتساله.. وعلى تيممه.. وإذا توجه إلى المسجد.. وعند دخوله المسجد وخروجه منه.. وهو فى المسجد.. وعند سماعه الآذان والإقامة.. وبعد الآذان.. وعندما يقوم للصلاة.. وعندما يقف فى الصف للصلاة.. وعند الصباح وعند المساء.. وصباح يوم الجمعة..وإذا طلعت الشمس.. وإذا ارتفعت الشمس.. وبعد زوال الشمس إلى العصر.. وبعد العصر إلى غروب الشمس.. وإذا سمع أذان المغرب.. وإذا أراد النوم.. وإذا استيقظ فى الليل.. وإذا قلق فى فراشه ولم ينم.. وإذا فزع فى منامه.. وإذا رأى فى منامه ما يحب أو يكره.. وإذا هاجت الريح.. وإذا رأى نجما يهوى.. وإذا سمع الرعد.. وإذا نزل المطر.. وبعد نزول المطر.. وإذا خيف الضرر من المطر.. وإذا رأى الهلال.. وعند تقديم الطعام له.. وعند الأكل والشرب.. وإذا فرغ من الطعام.. وإذا خاف قوما.. وإذا خاف سلطانا.. وإذا نظر إلى عدوه.. وإذا غلبه أمر... وإذا استصعب عليه أمر. وما هذه الأمثلة إلا بعض من كثير قصدت به أن أقرب الصورة إلى أذهاننا حتى نحس بمعنى ذكر الله فى كل الأحوال.
6- الإهمال في تلاوة القرآن وتدبره
جُعل القرآن ليُقرأ.. لذا سمى قرآنا. لذلك يحض الله تعالى على قراءته فيقول: "ورتل القرآن ترتيلا" [المزمل:4].. ويقول: "فاقرؤوا ما تيسر من القرآن" [المزمل: 20].(2/490)
والقراءة لا تحقق هدفها إلا مع التدبر- "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب" [ص:29ولهذا يخص القرآن بالذكر أوقاتا معينة هى أكثر ما يكون فيها الإنسان صافى النفس مستعدا للتلقى والتأثر، فيقول: "وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهودا" [الإسراء: 78].. ويقول: "واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا" [الإنسان:25] أى أول النهار وآخره.. ويقول: "ومن الليل فتهجد به" [الإسراء: 79].. ويقول عن قراءة الليل: "إن ناشئة الليل هى أشد وطأً وأقوم قيلا" [المزمل:6] أى أن ساعات الليل أجمع للخاطر فى أداء القراءة وتفهمها.
ولا يجب أن تقف صعوبة تلاوة القرآن لدى البعض حاجزا يصدهم عن المداومة على التلاوة حتى لا يضيع عليهم الأجر.. قال صلي الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" [متفق عليه].
7-عدم تعود الدعوة الى الله وممارستها
ونحن نسير فى هذا الطريق السابق ذكره- طريق ترسيخ العقيدة فى قلوبنا والارتفاع بمستوى إيماننا- فإن علينا أن ندعو غيرنا ليسيروا معنا فى نفس الطريق.
إن الدعوة واجب على كل مسلم- فقد قال تعالى لرسوله- صلي الله عليه وسلم: "أدع إلى ربك" [القصص:87وقال أيضا: "قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى" [يوسف:108].. فهكذا كل متبع لمحمد- صلي الله عليه وسلم- مكلف أن يدعو بدعوته، وأن يتبع سبيله ومنهجه فى الدعوة.
ومن ثم فإن دعوتنا- كما أمر القرآن وفعل الرسول- تكون للأقرب فالأقرب.. فتكون فى البيت أولا.. ثم فى الحلقة القريبة من الأقرباء والأصدقاء.. ثم تتسع الحلقة، وهلم جرا.
ولأن البيت هو الخلية في المجتمع المسلم لذا نال اهتماما خاصا في القرآن حيث يقول: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة" [التحريم:6].(2/491)
ولعل كثيرا منا ينفذون هذا الأمر بطريقة خاطئة- وهى طريقة العنف والأمر الفظ- فيكون رد الفعل العكسى هو الرفض والعناد. وقد نبهنا الله تعالى إلى نتيجة الفظاظة فى المعاملة فى قوله لرسوله: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" [آل عمران:159]. لقد كان سبيل الرسول- صلي الله عليه وسلم- فى الدعوة هو اللين والحلم والأناة.. وكانت هذه وسيلته فى تأليف القلوب حوله.
وكان يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة كأمر ربه: "وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" [النحل:125]. وهذا الجانب من الحكمة من الأهمية بمكان لنا فى دعوتنا، لأنه يغلب علينا تجاهله أحيانا! إن بعضنا يجهل ظروف ونفسيات وقدرات من يدعوهم- خاصة النساء والأولاد- فيعرض لهم الدين فى صورة تبدو لهم وكأنه لا يعدو مجموعة من القيود والأغلال!! وبعضنا يدعو بترديد كلام قديم محفوظ لا علاقة له بالحاضر، فيبدو للسامعين وكأنه منعزل عن الواقع ولا يفهمه، فينفر منه المدعون!!
علينا ألا يغيب عن بالنا أن الدعوة تهدف إلى تغيير ما فى نفوس الناس.. وهذا يقتضى الوصول إلى ما بداخلهم والتعامل معه- وهذا ما كان يفعله رسولنا الكريم!
وكان صلي الله عليه وسلم قدوة لما يدعو إليه.. وكذلك كان المسلمون الأوائل.. وكان هذا هو أهم سلاح، بل والسلاح الأوحد الذى انتشرت به الدعوة.
هذه هى سبيل الرسول- صلي الله عليه وسلم- التى نتأسى بها فنجعلها سبيلنا!
وقد رغب الرسول- صلي الله عليه وسلم- فى الدعوة فقال- ضمن حديث له- :"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا" [مسلم].. وقال أيضا- ضمن حديث آخر- : "فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمْر النَّعَم" [متفق عليه].(2/492)
ومن باب الدعوة إلى الهدى التناصح فى الخير- وهو واجب بين المسلمين-.. وفى هذا قال الرسول- صلي الله عليه وسلم- : "الدين النصيحة" فلما سئل لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" [مسلم].. وقال الصحابى جرير ابن عبد الله- رضي الله عنه- : بايعت رسول الله- صلي الله عليه وسلم- على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم" [متفق عليه].
فعلينا أن ندعو وأن ننصح! وإذا قام كل منا بواجبه فى هذا المضمار فسنرى عدد رواد المساجد وحلقات الدرس يزيد، وستنمو جذور المجتمع المسلم.
8-عدم معايشة واقع الناس .
واقصد من المعايشة معرفة واقع الناس والاختلاط معهم تعليمهم وامرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر والحرص على هدايتهم ومحبة الخير لهم وعدم أشعارهم بأنهم لاشيء واشعارهم كذلك بمحبتهم ومحبت الخير لهم ولنا في رسول الله أسوة حسنة. ولابد كذلك من المعايشة التي تعنى العيش مجتمعين على الألفة والمودة. ومعايشة المؤمنين وتجنب الفاسقين واجب أمر به الله تعالى.. قال: "فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا" [النجم:29].
وكما ورد في حديث نبوي ، فإن أول ما دخل النقص على بنى إسرائيل أنهم كانوا يتعايشون مع الفاسقين منهم ولا يقاطعونهم.(2/493)
إن معايشة الفاسق قد تُعدى فسقا.. بينما أن معايشة المؤمن لا تثمر إلا خيرا. وقد شبه الرسول-صلي الله عليه وسلم- هذا الموقف فقال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير- فحامل المسك إما أن يُحذيك (يعطيك) وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبا.. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة" [متفق عليه]. ولاكن لابد من معرفة العوامل التي تساعد على تقارب المسلمين هو التعامل طبقا لتعاليم الإسلام.. فقد نسيها المسلمون!! نسوا أن تعاليم الإسلام في التعامل بينهم تدعوهم إلى المحبة والتواد والعفو وكظم الغيظ والتعاون والتآزر، وغفلوا عن تحذير الله: "إن الشيطان ينزغ بينهم" (الإسراء:53)، وأطلقوا لأنفسهم العنان فى التنازع والتخاصم والتدابر والتباغض والتحاسد.
علينا ألا ننسى أننا بشر، كل منا له نواقصه وعيوبه، فلا نتوقع المثالية فى تعاملنا مع بعضنا!.. علينا نعامل المخطئ على أنه أخ، فلا نهجره وإنما نقف بجانبه لنساعده على تصحيح خطئه!.. علينا أن ندفع الإساءة بالإحسان كما قال لنا القرآن: "ادفع بالتى هى أحسن السيئة فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم" [فصلت:34].. علينا أن نصفح كتوجيه القرآن: "فاصفح الصفح الجميل" [الحجر:85].. وأيضا: "وليعفوا وليصفحوا. ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟!" [النور:22]!.. علينا أن نكظم الغيظ ونعفو لنكون من المحسنين الذين قال فيهم القرآن: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس. والله يحب المحسنين" [آل عمران:134].
. علينا أن نتجمل بالصبر على الإساءة كما قال لنا القرآن: "ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور" [الشورى:4]!(2/494)
ولنتأمل معا هذه الرواية التى رواها أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: إن رجلا شتم أبا بكر-رضي الله عنه- والنبى- صلي الله عليه وسلم- جالس.. فجعل النبى- صلي الله عليه وسلم- يعجب ويبتسم.. فلما أكثر رد عليه بعض قوله.. فغضب النبى- صلي الله عليه وسلم- وقام.. فلحقه أبو بكر- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، إنه كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت بعض عليه قوله غضبت وقمت! قال: "إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان" [أحمد].
لعله من النادر أن نرى أحدنا يتصرف كتوجيهات القرآن والرسول! إننا في أغلب الأحوال تأخذنا العزة، ونعتبر أن عدم الرد عجز وضعف وذلة!! لقد قال لنا القرآن في وصف المؤمنين الذين يحبهم الله: "أذلة علي المؤمنين أعزة على الكافرين" [المائدة:54]. فهذا هو توجيه القرآن- أن نذل لبعضنا البعض بالصبر على النواقص والعيوب، وبالصفح والمغفرة، وبالسماحة والتواضع، وبالود والتراحم! علينا أن نقتدي بالمسلمين الأوائل الذين قال فيهم القرآن: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" [الفتح:29].. وقد قال لنا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- : "من لا يَرحم لا يُرحم" [متفق عليه].. وقال: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" [متفق عليه].
ومن صفات التراحم ستر عيوب وأخطاء الآخرين. قال- صلي الله عليه وسلم- : "لا يستر عبدٌ عبدًا إلا ستره الله يوم القيامة" [مسلم].. جاء رجل يوما إلى عمر ابن الخطاب- رضي الله عنه- ظانًّا أنه يحمل إليه بشرى، فيقول: يا أمير المؤمنين، رأيت فلانا وفلانة يتعانقان وراء النخيل .. فيمسك عمر بتلابيبه (ثيابه) ويعلوه بمخفقته (عصا صغيرة كان يحملها دائما) ويقول له بعد أن يوسعه ضربا: "هلا سترت عليه ورجوت له التوبة؟! فإن رسول الله- صلي الله عليه وسلم- قال: "من ستر مسلما ستره الله فى الدنيا والآخرة" [مسلم].(2/495)
فهلا نتواد ونتراحم ونكون كالمثل الذي ضربه الرسول- صلي الله عليه وسلم- في حديثه: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [متفق عليه].
9-عدم وجود العمل الجماعي
يرغب الله تعالى في الالتئام مع الجماعة المؤمنة التي تريد وجهه فيقول: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه. ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" [الكهف:28]. وليس أفضل من حلق الذكر مكانا يلتئم فيه شمل المؤمنين لتتآلف قلوبهم ويربط بينهم الحب في الله.. وليس أوثق من رباط الحب في الله رباطا بين الناس، فهو رباط يحبه الله. قال صلي الله عليه وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في ، والمتجالسين في، والمتزاورين فىّ، والمتباذلين فىّ" [مسلم].
المتحابون في الله المتجالسون فى الله يحبهم الله، وجزاؤهم يوم القيامة يخبرنا عنه الرسول- صلي الله عليه وسلم- فيقول: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالى؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" [مسلم].(2/496)
ويصف لنا الرسول- صلي الله عليه وسلم- الثواب في مجرد التواجد في حلق الذكر فيقول: "إن لله ملائكة سيارة فُضُلا يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء.. فيسألهم الله عز وجل- وهو أعلم- : من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك فى الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك! قال: وماذا يسألونى؟ قالوا: يسألونك جنتك! قال: وهل رأوا جنتى؟ قالوا: لا أي رب! قال: فكيف لو رأوا جنتى؟ قالوا: ويستجيرونك! قال: ومم يستجيرونى؟ قالوا: من نارك يا رب! قال: وهل رأوا نارى؟ قالوا: لا! قال: فكيف لو رأوا نارى؟ قالوا: ويستغفرونك! فيقول: فقد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا. فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطّاء إنما مر فجلس معهم! فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" [متفق عليه والنص لمسلم].
فلا بد من التعاون وبعضنا يكمل بعض فمن الشباب من يكون بارزا في جانب وآخر في جانب آخر فإذا تعاونا تكاملا وسد كل واحد واحد منهم نقص الأخر فخرج العمل منظما منسقا مثمرا آثاره كبيرة ومنفعته عظيمة. إن العمل الفردي اللأرتجالي عادة ما يكون هشا ضعيفا لا يحقق مصلحة عظيمة والله يقول ( ولوا أرادوا الخروج لأعدوا عدة ولاكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مه القاعدين)
فيا ايها الشاب المستقيم الذي اعنيه في هذه الرسالة حاول أن تجعل من نفسك مسلما مثاليا، لتكون قدوة يحتذي بك. ولعل هذه هي أصعب خطوة على الطريق، لأن جهاد الإنسان لنفسه ومغالبتها على الالتزام بأحكام الدين والصبر على تكاليفه جهاد شاق.. وجهاد النفس أشق أنواع الجهاد.
والطريق لتحقيق ذلك يكون بوسيلتين: 1- ترسيخ العقيدة فى القلب 2- السعى المستمر للارتفاع بمستوى الإيمان.
لتخلص من السلبية وعلاجها(2/497)
لابد من الحرص على تجنب الأسباب التي ذكرناها مع أمور مهمة وهي كما يلي:
الإخلاص لله في القول والعمل
القلوب لا تطمئن إلا بالله، وغنى العبد بطاعة ربه والإقبال عليه، ودين الحق هو تحقيق العبودية لله، وكثيراً ما يخالط النفوس من الشهوات الخفية ما يفسد تحقيق عبوديتها لله، وإخلاص الأعمال لله أصل الدين، وبذلك أمر الله رسوله بالإخلاص في قوله: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدّينِ [الزمر: 2].
وأُمر النبي أن يُبيّن أن عبادته قائمة على الإخلاص فقال له: قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدّينَ [الزمر:11].
وبذلك أُمرت جميع الأمم قال جل وعلا: وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُواْ الصَّلَواةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَواةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ [البينة:5].
وأحق الناس بشفاعة النبي يوم القيامة من كان أخلصَهم لله, قال أبو هريرة رضي الله عنه : من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: ((من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)) رواه البخاري.
والإخلاص مانع بإذن الله من تسلط الشيطان على العبد, قال سبحانه عن إبليس: فَبِعِزَّتِكَ لأغوينهم أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82، 83].
والمخلِص محفوظ بحفظ الله من العصيان والمكاره، قال سبحانه عن يوسف عليه السلام: كَذالِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24].
به رفعة الدرجات وطرْق أبواب الخيرات يقول المصطفى : ((إنك لن تُخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة)) متفق عليه.
وإذا قوي الإخلاص لله علت منزلة العبد عند ربه، يقول بكر المزني: "ما سبقنا أبو بكر الصديق بكثير صلاةٍ ولا صيام, ولكنه الإيمان وقر في قلبه والنصح لخلقه".(2/498)
وهو سببٌ لتفريج الكروب, ولم ينجّ ذا النون سوى إخلاصه لمعبوده: لاَّ إِلَاهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87].
المخلص لربه مجاب الدعوة, يقول النبي : ((انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه, فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، ... فقال كل واحد منهم متوسلاً إلى الله بصالح عمله وإخلاصه: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت فخرجوا يمشون)) متفق عليه.
بتجريد الإخلاص تزول أحقاد القلوب وضغائن الصدور، يقول النبي : ((ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين)) رواه أحمد.
في الإخلاص طمأنينة القلب وشعورٌ بالسعادة وراحة من ذل الخلق، يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "من عرف الناس استراح"، أي: أنهم لا ينفعونه ولا يضرونه.
وكل عمل لم يقصد به وجه الله طاقة مهدرة وسراب يضمحل، وصاحبه لا للدنيا جمع ولا للآخرة ارتفع، يقول النبي : ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً, وابتُغي به وجهه)) رواه النسائي.
وإخلاص العمل لله وخلوص النية له وصوابه أصل في قبول الطاعات، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (لا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قولٌ وعملٌ ونية إلا بما وافق السنة).
والإخلاص أن تكون نيتك لله لا تريد غير الله، لا سُمعة ولا رياء ولا رفعة عند أحد ولا تزلفاً ولا تترقب من الناس مدحًا ولا تخشى منهم قدحا، والله سبحانه غني حميد لا يرضى أن يشرك العبد معه غيره، فإن أبى العبد إلا ذلك رد الله عليه عمله، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي، قال الله عز وجل: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) رواه مسلم.(2/499)
يا شباب الإسلام لعمل الصالح وإن كان كثيراً مع فساد النية يورد صاحبه المهالك، فقد أخبر الله عز وجل عن المنافقين أنهم يُصلّون وينفقون ويقاتلون، وأخبر النبي عنهم أنهم يتلون كتاب الله في قوله: ((ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر)) متفق عليه.
ولِفَقْدِ صدقهم في إخلاصهم قال الله عنهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاْسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، ((وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة قارئ القرآن والمجاهد والمتصدق بماله, الذين لم تكن أعمالهم خالصة لله، وإنما فعلوا ذلك ليقال فلانٌ قارئ، وفلان شجاع، وفلانٌ متصدق)) رواه مسلم.
والعمل وإن كان يسيراً يتضاعف بحسن النية والصدق والإخلاص، ويكون سبباً في دخول الجنات, يقول النبي : ((مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأُنحين هذا عن المسلمين, لا يؤذيهم فأدخل الجنة)) رواه مسلم.
((وامرأة بغي رأت كلباً يطيف بركيِّة كاد يقتله العطش، فسقته بموقها ماءً فغفر الله لها)) متفق عليه.
يقول عبد الله بن المبارك: "رُب عملٍ صغيرٍ تعظمه النية، ورب عملٍ كبيرٍ تصغره النية"، قال ابن كثير رحمه الله في قوله: واللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء [البقرة:261] "أي: بحسب إخلاصه في عمله".
ولذا فكثر من الصالحات مع إخلاص النيات، فكن سبّاقاً لكل عمل صالح، ولا تحقرن أي عملٍ تُخلص نيتك فيه، فلا تعلم أي عملٍ يكون سبباً لدخولك الجنات، ولا تستخفن بأي معصية فقد تكون سبباً في دخولك النار، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((دخلت امرأة النار في هرةٍ حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)) متفق عليه.(2/500)
والله جل وعلا متصف بالحمد والكرم، وإذا أحسن العبد القصد ولم تتهيأ له أسباب العمل فإنه يؤجر على تلك النية وإن لم يعمل, كرماً من الله وفضلاً، يقول عليه الصلاة والسلام: ((من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء, وإن مات على فراشه)) رواه مسلم، ويقول النبي عن الرجل الذي لا مال عنده وينوي الصدقة: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، قال: ((فهو بنيته)) رواه الترمذي.
بل إن الهمّ بعمل صالح يؤجر عليه العبد وإن تخلف العمل، قال عليه الصلاة والسلام: ((من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة)) متفق عليه.
والمسلم يجعل نيته صادقة في كل خير، يقول عمر رضي الله عنه: (أفضل الأعمال صدق النية فيما عند الله, فإن صدَّق العمل النية فذاك، وإن حيل بين العمل والنية فلك ما نويت، ومن سرّه أن يكمُل له عمله فليحسن النية, فإن الله يؤجر العبد إذا حسنت نيته حتى بإطعام زوجته).
أيها المسلمون: إذا قوي الإخلاص وعظُمت النية وأُخفي العمل الصالح مما يُشرع فيه الإخفاء قرُب العبد من ربه وأظله تحت ظل عرشه، يقول المصطفى : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ـ وذكر منها ـ: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) رواه مسلم.
وكلما أُخفي العمل كان أقرب إلى الإخلاص، قال جل وعلا: إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ [البقرة:271].
يقول بشر بن الحارث: "لا تعمل لتُذكر، أكتم الحسنة كما تكتم السيئة".
وفُضّلت نافلة صلاة الليل على نافلة النهار واستغفار السحر على غيره لأن ذلك أبلغ في الإسرار، وأقرب إلى الإخلاص.(3/1)
وعلى العبد الصبر عن نقل الطاعة من ديوان السر إلى ديوان العلانية, وإذا أخلصت في العمل ثم أثنى عليك الخلق وأنت غير متطلع إلى مدحهم فليس هذا من الرياء، إنما الرياء أن تزين عملك من أجلهم. سُئل النبي عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه، فقال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن)) رواه مسلم.
ومن كان يعمل صالحاً ثم اطلع الخلق على عمله فأحجم عن الاستمرار في تلك الطاعة ظناً منه أن فعله بحضرتهم رياء فذلك من حبائل الشيطان، فامضِ على فعلك, يقول الفضيل ابن عياض: "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
وبعض الناس يظن أن الإخلاص مقصور على الصلاة والصدقة والحج دون غيرها من الأوامر، ومن رحمة الله ورأفته بعباده أن الإخلاص يُستصحب في جميع العبادات والمعاملات، ليُثاب العبد على جميع حركاته وسكناته, فزيارة الجار وصلة الرحم وبر الوالدين هي مع الإخلاص عبادة، وفي جانب المعاملات من الصدق في البيع والشراء وحسن عشرة الزوجة والاحتساب في إحسان تربية الأبناء كل ذلك مع الإخلاص يُجازى عليه بالإحسان، يقول النبي : ((ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها، حتى اللقمة تضعها في فيّ امرأتك)) متفق عليه، قال: شيخ الإسلام: "مَن عَبَدَ الله وأحسن إلى الناس فهذا قائم بحقوق الله وحق عباد الله في إخلاص الدين له، ومن طلب من العباد العِوض ثناءً أو دعاءً أو غير ذلك لم يكن مُحسناً إليهم لله".
وأكثر من مطالعة أخبار أهل الصدق والإخلاص، واقرأ سير الصالحين الأسلاف، واحتقر كل عمل صالح تقدمه، وكن خائفًا من عدم قبوله أو حبوطه، فليس الشأن الإتيان بالطاعات فحسب, إنما الشأن في حفظها مما يبطلها.(3/2)
ومن حفظ العمل عدم العجب وعدم الفخر به, فازهد في المدح والثناء فليس أحد ينفع مدحه ويضر ذمه إلا الله, والموفق من لا يتأثر بثناء الناس وإذا سمع ثناءً لم يزده ذلك إلا تواضعًا وخشية من الله، وأيقِن أن مدح الناس لك فتنة، فادع ربك أن ينجيك من تلك الفتنة، واستشعر عظمة الله وضعف المخلوقين وعجزهم وفقرهم، واستصحب دومًا أن الناس لا يملكون جنة ولا نارًا، وأنزل الناس منزلة أصحاب القبور في عدم جلب النفع لك ودفع الضر عنك، والنفوس تصلح بتذكر مصيرها، ومن أيقن أنه يوسَّد في اللحد فريدًا أدرك أنه لن ينفعه سوى إخلاصه مع ربه, وكان من دعاء السلف: "اللهم إنا نسألك العمل الصالح وحفظه".
أيها المسلمون: ثوب الرياء يشف ما تحته, يُفسد الطاعة ويُحبط الثواب، وهو من أقبح صفات أهل النفاق يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:142], وهو من أشد الأبواب خفاءً, وَصَفَه ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: (أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل). قال الطيبي رحمه الله: "وهو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها, يُبتلى به المشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة".
والنبي خافه على أمته وحذرهم منه قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الشرك الخفي، يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه)) رواه أحمد.
قال في تيسير العزيز الحميد: "الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال".
المرائي مضطرب القلب مزعزع الفكر، لا يُخلِص في عبوديته ومعاملته, يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة ولطلب الرفعة والمنزلة عند الخلق تارة، المرائي يفضحه الله ويهتك ستره ويُظهر خباياه، ضاعت آماله وخاب سعيه, وعومل بنقيض قصده, يقول النبي : ((من يسمّع يسمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به)) رواه مسلم.(3/3)
وإن أخفى المرائي كوامن نفسه وخفايا صدره أظهرها الله، يقول النبي : ((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)) متفق عليه.
فاخشى على أعمالك من الخسران، فالميزان يوم الحشر بمثاقيل الذر، المن والأذى يبطل البذل، والرياء يحبط العمل، وإرادة الدنيا وثناء الخلق مُتَوَعِّد فاعله بدخول النار.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا [الكهف:110].
كثرة الدعاء والابتهال ولافتقار إلى الله
إذا أرت الإعانة من الله تعالي في دعوتك وعملك للاسلام والمسلمين فعليك بالدعاء ولالتجاء إلى الله فهو المعين وهو المسدد وهو المدبر والله يقول في كتابة { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] ، وقال تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } [ البقرة : 186 ] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : « الدعاء هو العبادة » ، ثم قرأ : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ].
وقال - صلى الله عليه وسلم - : « أفضل العبادة الدعاء »
وقال - صلى الله عليه وسلم - : « ليس من شئ أكرم على الله تعالى من الدعاء »
وقال : « إنّ ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يداه إليه أن يردهما صفرا خائبين »
وقال : « لا يردّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر »
وقال : « ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ، قالوا : إذا نكثر الدعاء، قال - صلى الله عليه وسلم - : الله أكثر »
وقال : « إنه من لم يسأل الله تعالى يغضب عليه »(3/4)
وقال : « أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام
واخيرا إليك آخي الحبيب هذه الإرشادات التي ارتأيت ان تكون برنامجا لك ومما يساعد علي الأبتعد عن السلبة في حياتك.
خذ قدرًا كافيًا من النوم بدون إسراف، وحبذا لو نمت مبكرًا على وضوء.
استيقظ مبكرًا، ولا تكثر من التململ في فراشك.
لا تفوتك صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة.
لا تنس أذكار الصباح، فهي مفتاح السعادة ليومك.
خطط برنامجك اليومي في هدوء.
احرص على تنويع برنامجك، على أن يكون فيه أشياء محببة، وتتوقع أن تحقق فيها نسبة عالية من النجاح، وحاول أن تبدأ بها.
انطلق لتنفيذ برنامجك، مبتدئًا بدعاء الخروج، ودعاء الركوب إن ركبت في ذهابك وإيابك.
ابتسم إلى كل من تلقاه من إخوتك في يومك بعد إلقاء السلام عليه.
احرص على إنجاز عملك أولاً بأول بحيث تتمكن من إنهاء برنامجك مع نهاية يومك.
في نهاية يومك احمد الله أن أعانك على تنفيذ برنامجك اليومي.
وأخيرا، هذا هو اجتهادي! جزى الله خيرا من صوّب فيه أو أضاف إليه. والله أسأل أن يلهمنا الصواب ويسدد خطانا على طريقه، وأن يؤلف بين قلوبنا ويجمعنا بنعمته إخوانا
إمام وخطيب جامع الأمير محمد بن فهد
الظهران الدانه
ــــــــــــــــــ
داعية فاشل.. لماذا؟!
شادي الأيوبي
هذه كلمات لكل من يصدع بالدعوة إلى الله، ثم يقلب ذات يوم كفيه، وينظر في أمره بعد سنين من الدعوة- كما يظن- فلا هو غير شيئاً فيمن حوله، ولا أضاف شيئاً، ولا أنقص شيئا، بينما يحالف التوفيق غيره خلال مدة قليلة، فترى الناس التفت حوله، واجتمعت عليه، وسمعت كلامه، فسبحان الذي مَنَ على أفضل خلقه بمحبة الناس له، وتوددهم إليه.
الدعوة إلى الله _سبحانه وتعالى_ تُبتلى من حين لآخر بمن يفرضون أنفسهم عليها دون أن يكونوا أهلاً لدعوة ولا لصحبة ولا حتى لكلمة واحدة تقال في مجال الوعظ بين الناس.(3/5)
والله _سبحانه وتعالى_ لا يوفق لهذه الدعوة من لم يحكموا بينهم وبين غيرهم بالإنصاف، أما الذين يرفعون أو يميزون أنفسهم قليلاً عن الناس، فهؤلاء مرفوضون لا شك وإن اغتر بهم الناس لمدة ما، فهذه هي الدعوة الوحيدة التي لا تقبل في صفوفها إلا من جعل من نفسه سهلاً منبسطاً للناس، وقبل منهم الطبائع المختلفة، وسعى في خدمتهم والسؤال عنهم دون أن يرى بذلك أي فضل لنفسه، ودون أن يطلب منهم أي جزاء مادي أو معنوي.
الدعوة إلى الله سر؟؟
نعم الدعوة إلى الله سر، لكنه سر غير خفي، على أنه رغم وضوحه لا يُوفَّقُ إليه غير القليلين القليلين، ممن توافرت فيهم صفات كثيرة، وهذه بعض أسرارها الخفية الظاهرة:
من جميل هذه الدعوة أنها تعطي صاحبها طالما تعفف، فإذا تطلع إلى شيء من الكسب أو التكسب منها، نفرت منه الدعوة ونفر منه المدعوون.
وأنها ترفعه طالما تواضع للناس، فإذا رأى لنفسه شيئاً من الفضل، نبذته الدعوة وتخلصت منه قبل المدعوين..
وأنها تجعل الناس في خدمته طالما كان خادماً للناس، فإذا طلب من الناس خدمته نفروا منه وتركوه ونسوا كلامه..
وأنها تجعله مطاعاً مسموع الكلام طالما كان مطبقاً لما يدعو إليه، فإذا تحول إلى مُنظِر لا يفعل ما يقول، ولا يلتزم بما يدعو إليه، فلا سمع ولا طاعة بل لا ود ولا محبة..
وأنها تجعل كلامه محبوباً طالما تجنب التشدق والتعجرف والكلام عن نفسه، فإذا طلب تنميق الكلام وزخرف القول، صار واحداً من خطباء الكلام يخاطب الأسماع، لكن كلماته لا تصل إلى القلوب...
الأخ الداعية..الأخ الخطيب أو الواعظ.... اسمع كلمات تخرج من قلبٍ مشفق محب، لم يجمعه بك غير الحب لهذه الدعوة، وحب الخير للناس:
هذه الدعوة مدرسة عظيمة.....
لا يوفق إلى دخولها إلا المخلصون،
ولا يستمر فيها إلا الأشد إخلاصاً،
ولا يتخرج منها إلا من لا يرون لأنفسهم أي فضل،
ولا يتميز من خريجيها إلا من يرون الفضل لكل أحد من الناس إلا لأنفسهم..(3/6)
إذا فتشت نفسك بعد طول وعظ وإرشاد فما وجدت لنفسك مكاناً في قلوب الناس، وما وجدت لكلامك صدى في أفعالهم وأقوالهم، فجدير بك أن تقف مع نفسك وقفة صدق تسأل فيها عن السبب أو عن الأسباب..
كيف تفهم من أنت في قلوب الناس؟؟
إن من جميل الأمور أن العامة لا يخفون مشاعرهم، أو لا يمكنهم إخفاؤها، فإن كان فيهم مدارٍ واحد ففيهم الكثيرون من المفطورين على الإفصاح بمكنونات أنفسهم دون مواربة، وهذا قد يكون جارحاً في بعض الأحيان، لكنه من أصدق المعايير وأوضحها..
هناك موهبة جميل بالداعية إلى الله أن يمتلكها، وهي قراءة القلوب، وقراءة القلوب تعني فهم ما يشعر به الناس نحو هذا الداعية، هل يحبونه أم يبغضونه أم لا يبالون به؟ وبما أن القلوب لا يعلم أمرها إلا الله، فعليه أن يقرأها من خلال علامات الوجوه وزلات الألسنة، فهذه من الصعب إخفاؤها.
فإذا رأيت من العامة الحب لك والتعلق بكلامك، ومحاولة تطبيقه فاعلم أنك في فضل من الله، فاسع إلى المزيد منه، بالإخلاص التام في القول والعمل.
أما إذا رأيت منهم الجفاء عنك والإعراض عن كلامك ففتش: من أنت؟ وما تقول؟ وما تفعل؟
نعم من أنت؟؟ هل أنت حقاً داعية إلى الله بحق أم أنك تجرب أن تضيف إلى نفسك موهبة الخطابة بين الناس؟؟
وما تقول؟؟ هل كلامك كلام من داعية إلى الله أم أنه كلام أديب أو فصيح أو متشدق لا علاقة له بالدعوة و الدعاة؟؟
وما تفعل؟؟ هل أفعالُك تسبق أقوالك، أم أنك لا تجعل صلة بين هذه وتلك؟؟
بعد هذا هناك أمور جدير بالداعية الإنتباه لها تخص الخطبة نفسها منها:
إياك أن تجعل من نفسك موضوع الحديث!!!!
بعض الكلمات قد لا تكون مدحاً مباشراً للنفس، لكنها تفصح عن اعتداد كبير بها، وهي مزعجة للسامع، منفرة من الخطيب ومنها، على سبيل المثال: أنا أعلم أن بعضكم يفعل كذا، بلغني أن أحد الناس قال عني كذا، رأيي أن، أنا أقصد كذا، أنا لا أخاف أحداً في الله، وغيرها كثير كثير..
التعريض بالناس ممنوع:(3/7)
بعض الخطباء يعرضون بالناس أو ببعضهم بعد حوادث معينة، ويظنون أنهم ببعض المواراة لن يعرف أحد من يقصدون، فيتكلمون بكلام جارح فاضح، ويظنون أنهم يحسنون صنعاً، وهكذا يتناقص المستمعون حسب الظروف؛ لأن الخطيب المفوه، لا يترك فرصة للتعريض بالناس والتنديد بأخطائهم..
لا تتكلم في الهلاميات والفلسفات والكلام غير المفهوم:
وهذه مسألة صار لبعض الناس شغف بها، فهم مولعون بالتفصح الذي يصل إلى الكلام غير المفهوم، وبعضهم يلجأ إلى كتب الأدب ليحفظ منها العبارات الغريبة العجيبة، ليظهر للناس أنه قادر على الإتيان بكلام لا يستطيعون فهمه، وحبذا لو نظر هؤلاء إلى النبي _عليه الصلاة والسلام_ فقد أوتي جوامع الكلام، ومع هذا فكلامه يفهمه البدوي والحضري، والمتعلم والأمي، والشاب والعجوز.
لا تكلف الناس بما لا يطيقون:
لا ينبغي للخطيب أن يكون مثالياً إلى درجة السذاجة، فيطالب الناس أن يكونوا ملائكة لا يخطؤون ولا يزلون، بل إن من الحكمة والواقعية توقع الأخطاء والزلات، والتعامل معها بسمو وبعد نظر، وتوصيف العلاج لها من بعد النظر العميق في حال صاحبها، فقد كان الرجال يأتون إلى النبي _عليه الصلاة والسلام_ فيسألونه عن الأمر الواحد فيجيب كل واحد منهم بما يناسب حاله وفهمه وعقله.
ليست العبرة بطول الخطب ولا بكثرة الكلام لكن في تأثيره:
بعض الناس يظنون أنهم بخطبة في مسجد أو درس عام، يؤدون واجبهم، وأنهم قد فعلوا الشيء الكثير الذي يستحقون عليه الحمد والشكر، ويسمون أنفسهم بهذا دعاة إلى الله، لكن من الجدير بهؤلاء أن ينظروا إلى ما تركوه وراءهم، بكلام آخر هل تغير شيء في السامعين، أم أنهم يسمعون الخطيب لعدم وجود غيره، هل لو ترك مكانه ورحل إلى مكان آخر فلن يترك وراءه من يذكره بالخير ويدعو له؟؟
المهمة لا تنتهي بالانتهاء من الخطبة أو الدرس:(3/8)
من الخطأ أن يسرع الخطيب أو المحاضر بالمغادرة بعد كلامه، فالناس لديهم أحوال وحاجات وشكاوى وهموم واستفسارات، وهم معتادون أن يبوحوا بها لمن يرون من أهل الصلاح والخير، لذلك يجدر بالخطيب أن يبقى بعد الصلاة ليسلم على الناس ويسمع منهم، فهو بهذا يتيقن من تأثير كلامه، ويسمع تعليقاتهم واستفساراتهم، ويعيش همومهم وقضاياهم، بدل التحليق في فضاء النظريات والكتب التي يقرؤها.
لا تحرم من كلمة طيبة ومن بسمة صادقة:
الكلام الطيب والبسمة الصادقة مفتاح تملك به القلوب، فمن كان عديم البضاعة منهما ليس له حظ في حب الناس أو التأثير فيهم، الناس قد يسمعون من أي خطيب، وقد يتأثرون بكلامه نوعاً ما احتراماً لأمر الله، لكن الله_ سبحانه_ يجعل في قلوب الناس حب المرء المبتسم الوجه، الطيب الكلام، السهل في غير ذلة، والألوف في غير تزلف، وهذه مواصفات يجعلها الله فيمن يشاء من عباده، ليكونوا دعاة إلى الله وشهداء على الناس.
احترم المكان الذي تتكلم فيه:
الذي يعتلي المنبر يجب أن يفهم أن الأمر تكليف لا تشريف، وأن هذا المنبر هو منبر النبي _عليه الصلاة السلام_ فلا يحق له إهانته أو الحط من شأنه، فعليه أن يصبر على أذى الناس، وعليه تحمل شكاويهم، وعليه السعي بينهم بالخير، والصلح بين المتخاصمين منهم، والمباركة للمحتفل، والتعزية للحزين، وعليه أن يفهم أنه مثل الطبيب تماماً، فلا يحق له أن يغلق بابه دون الناس، أو أن يقفل الهاتف، أو أن يجيب بجفاف على متصل أو مستفسر.
أما إن كان مبتلى بخلق ضيق، وقلة صبر على العامة، وتسرع في الكلام، وحدة في الطباع، فعليه أن يجاهد نفسه حتى يتعلم اللين للناس، والتواضع لهم، والصبر على مسائلهم، فإن نجح في الأمر فذلك فضل من الله، وإلا فخير له أن يتركه؛ لأنه سيصبح فتنة للناس لا هادياً لهم.(3/9)
ومن المفيد إيراد ما ذكره البعض في تفسير قوله _تعالى_ من سورة الغاشية: "أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ" (الغاشية:17- 22). قال: عليك أن تكون بصبر الجِمال، ورفعة السماء، وثبات الجبال، وسهولة الأرض وانبساطها، ثم بعد امتلاك هذه الميزات أن تصدع بالدعوة، مع هذا فلن تكون مسيطراً عليهم، فإنما أنت مجرد مذكر، أما الهداية فهي هدية الله لمن شاء من عباده.
لك الأجر في الدنيا قبل الآخرة:
في الختام، الخطيب والداعية المخلص ينتظر الأجر من الله، على أنه ينال من حب الناس ودعائهم ورفعهم من مكانته وتقديمهم له، ما يجعله في خير كثير، وقد قال ابن القيم _رحمة الله عليه_:" طوبى لمن بات وألسن الناس تدعو له، والويل لمن بات وألسن الناس تلعنه".
وحب الناس للمرء ودعاؤهم له من عاجل بشرى المؤمن، فنسأل الله أن يعجل لنا البشرى في الدنيا قبل الآخرة.
المصدر : موقع المسلم
ــــــــــــــــــ
الالتزام بالإسلام مراحل وعقبات
د.عبد الله الخاطر –رحمه الله
مقدمة :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين .
أما بعد :
فموضوع الكتيب الذي بين يديك _ أخي القارئ _ ليس موضوعاً تنظيري وإنما هو صدى لواقع الشباب في بداية الالتزام بدين الإسلام ، تبدت عناصره نتيجة للمعايشة مع الشباب والحركة بينهم على صعيد الدعوة إلى الله .(3/10)
وندعو إلى الله أن ينفع به الشباب سواء منهم من كان ملتزماً سائراً على الطريق أومن كان في بدايات الالتزام أو الذين يدعون غيرهم إليه ، كما ندعو الله أن ينال محتواه قبولاً من أولئك الذين يعيش الشباب في كنفهم ، فيكونون بذلك عوناً للشباب على الالتزام ، ولا يقفون عوائق في سبيل التزامه .
والله نسأل للجميع الهداية والتوفيق .
مقدمات لابد منها:
هذا الحديث لمن ؟
يمر الشباب ( كل الشباب ) بمراحل واحدة حال الالتزام بدين الله ، وتبدأ تلك المراحل ببداية معينة وتنتهي بالنهاية نفسها ، وقد يتجاوز شاب جميع المراحل ويظل ثابتاً ، وقد يتعثر بعضهم فيتوقف عند مرحلة معينة ، وتتحد ردود أفعال الوسط المحيط بالشباب من الأقارب والأصدقاء والأهل وخاصة الأبوين ، تتحد ردود الأفعال من هؤلاء جميعاً أيضاً ، وتكون في سلسلة متواكبة مع المراحل السابقة ، وحديثنا عن المراحل وردود الأفعال حديث لفئات عدة :
إنه حديث مفيد للذين بدؤوا الطريق ولا يزالون سائرين وينوون الاستمرار بإذن الله ؛ لكي يعرفوا أين هم ؟ وفي أي مرحلة ؟ وماذا بقي من مراحل ؟ فيواصلون طريقهم .
وهو أيضاً حديث للذين ينوون الالتزام لكي يكونوا على بينة من عوائق الطريق ، فيتجاوزها بعد أن توقعوها ، فيكون ذلك أعون لهم على المضي في الطريق .
وهو حديث إلى الذين يقفون في طريق الشباب يريدون أن يحولوا بينهم وبين الالتزام والمضي في طريق هؤلاء أن الأمر : جنة ونار ، وأنهم لن يستطيعوا أن يقفوا دون رجوع الشباب إلى ربه ؛ لأن الله هو ناصر دينه {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ( يوسف : 21 ) .(3/11)
وأخيراً : هو حديث إلى الذين قطعوا شوطاً على الطريق دون بينة فكثرت أخطاؤهم ؛ إن هؤلاء في حاجة إلى معرفة المرحلة التي يجب عليهم أن يعودوا فيبدؤوا منها ويستأنفوا طريقهم ، ويدلوا غيرهم أيضاً على معالم الطريق الصحيحة ، فيستفيد غيرهم من تجربتهم ؛ فالعاقل يبدأ من حيث انتهى الآخرون .
أجيال ثلاثة
كلنا يدرك أن ثمة رجعة إلى الدين بدت تسود العالم كله ، فظاهرة العودة إلى الدين ليست مقصورة على العالم العربي أو الإسلامي فقط ، وإنما هناك رجعة إلى قيم الدين تنتشر في العالم كله .
ولكن رجعة الشباب الإسلامي وانتشار الصحوة بمظاهرها لاسيما المراكز الإسلامية التي بدأت تنتشر ، تلك الرجعة التي أحدثت ردود أفعال من التوجس والخيفة لدى الغرب من أن يستيقظ " المارد الإسلامي " الذي نام قروناً عديدة كانت قوية ، والخوف منها كان شديداً ؛ لأن مظاهر الصحوة كانت مساحتها أوسع في الشباب خاصة .
والشباب مرحلة سنية وجيل من ثلاثة أجيال توجد في كل مجتمع ، وتلك الأجيال هي :
- جيل المسنين : وغالبهم يلتزمون التزاماً تقليدياً يخلو من الوعي العميق بالواقع ويفتقر إلى- العلم والثقافة التي تنفع الأجيال الأخرى .
- جيل كبار الشبان : وهم الذين تتراوح أعمارهم بين (35-50) سنة ، هؤلاء الذين تأثروا بالحضارة الغربية وساروا على طريقة الغرب فكراً وسلوكاً ، وقليل من هؤلاء من التزم بدينه ، والملتزم منهم غالباً ما يكون منعزلاً عن جيل الشباب الذين تقل أعمارهم عن (35) سنة .
- جيل الشباب : وهم ما بعد البلوغ إلى سن (35) سنة تقريباً وهؤلاء قسمان : شباب ضائع وشباب ملتزم بدينه ، والشباب الضائع يعاني من فراغ فكري ، وخواء عقدي ، ولعل الأبيات التالية لإيليا أبو ماضي تعبر عن حالته وتصورها :
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
لقد أبصرت طريقاً قدامي فمشيت
وسأبقى سائراً شئت هذا أم أبيت
كيف أبصرت طريقي كيف جئت
لست أدري
ولماذا لست أدري لست أدري(3/12)
الصراع دائماً يكون بين الجيلين الثاني والثالث ؛ حيث يعاني الجيل الثالث من الجيل الثاني ، وإن كان الجيل الثاني يتلقى دعماً من الجيل الأول ، ولكن جيل المسنين ضعيف التأثير في التفاعل بين الأجيال .
مراحل الالتزام وعوائقه
من خلال التفاعل بين الجيل الثاني والجيل الثالث من الأجيال الثلاثة سوف يكون حديثنا عن مراحل الالتزام وردود أفعال الوسط المحيط بالشباب ، وسوف نقسم تلك المراحل إلى ست مراحل ، وهذا لمجرد التوضيح ؛ حيث إن ذلك ليس تقسيماً علمياً عليه دلائل ، وإنما هو تقسيم مستفاد من تقسيم الطب النفسي للمراحل التي يمر بها الإنسان في حالة الحزن أو فقدان الشيء العزيز لديه ، والمراحل التي نتحدث عنها هي مراحل نفسية يتخذ المرء فيها مواقف معينة ويتعرض لردود أفعال نتيجة لتلك المواقف :
المرحلة الأولى : وهي مرحلة الالتزام الخفي : ويكون فيها الملتزم متحفظاً خائفاً من أن يرى الناس تغيراً قد حدث في سلوكه لاسيما من القريبين منه ، وفي هذه المرحلة لا يبدو أي نقد أو هجوم من الوسط المحيط .
المرحلة الثانية : وهي مرحلة التبين : وهذه المرحلة تبدأ عندما يُظهر الملتزم تغيراً في سلوكه أو مظهره ،
عندما يعلن بإصرار أنه مؤمن ، وهنا تبدأ المعركة مع الوسط المحيط ، ومسألة اللحية من أقوى الأمثلة على ذلك ، فعندما يطلق الشاب لحيته فإنه يواجه وسطه المحيط بسلوك مغاير لسلوكهم ؛ وهنا تبدأ المواجهة .
وتكون مواجهة الشاب في البداية من وسطه المحيط بشيء من اللامبالاة حيث يكون لسان حالهم :أن هذه نزوة عارضة وسلوك طارئ سرعان ما يزول .
المرحلة الثالثة : وهي مرحلة التضييق ، حيث : يبدأ هجوم نفسي شديد من قبل الوسط المحيط إذا استمر الشاب وثبت على أمر دينه .(3/13)
ثم تبدأ محاولات التضييق ، وكذلك يتصاعد الضغط عليه من أجل أن يرجع عن سلوكه ، بل يصبح خبراً وقصةً تتداولها ألسنة القريبين منه ، إنها حالة حسد تنتاب كل من يحاول أن يثني ذلك الشاب عن مسلكه القويم ...حقاً : إن كل من يقف أمام ذلك الشاب يمر بحالة حسد ؛ حيث لا يريد أن يكون ذلك الشاب أفضل منه ، أليس الحسد المذموم هو تمني زوال النعمة عن الغير ؟
أليس ذلك الشاب في نعمة ؟ إنها أجل نعمة ؛ وكل من يحاول أن يرجعه عن تلك النعمة هو حاسد يتمنى أن تزول تلك النعمة عنه .
وهذه الحالة تشبه إلى حد كبير – وهذا تشبيه مع الفارق – حالة الكفار الذين حكى القرآن عنهم أنهم {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء }(النساء :89)
فهؤلاء الكفار لا يريدون أن يتميز عنهم أهل الإيمان بالإيمان ، إنهم يريدون أن يكونوا معهم سواء في الكفر .
إن ذلك من الابتلاء الذي تحدثت عنه الآية :{آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }( العنكبوت 1،2)
والمقصود أن الإنسان إنما يبتلى من أجل أن يصقل الإيمان في قلبه ويشتد عزمه .
أمثلة على ثمرة الثبات
إن الثبات في موقف الابتلاء والحزم في موقف الفتنة لا ينجي صاحبه فقط ، وإنما يتعدى أثره الحسن إلى آخرين مصاحبين له أو معايشين تجربته .
مجموعة التجار :
مجموعة من التجار ذهبت إلى أمريكا في رحلة تجارية ، وكان معهم شاب ملتزم ، ولما حضروا مؤتمراً في فندق ، سئلوا عما يطلبون ، قالوا : ويسكي ، بيرا ...
وطلب الشاب ورفيق له : شاياً وقهوة ، وما أن انتهى الشاب من طلبه حتى غير المرافقون طلباتهم وبادروا من سألهم : شاي وقهوة ..
الشاب وأبوه :(3/14)
مثال آخر : شاب هدده أبوه بأن لم يحلق لحيته فسوف يطلق أمه ، وكانت الطلقة التي هدد بها هي الطلقة الثالثة . كان الموقف صعباً جداً ، ولكن الشاب كان قد تخطى كثيراً من مراحل الالتزام ووصل به المطاف إلى مرحلة القبول ؛ حيث لم يستجب لتهديد أبيه ،وثبت حتى لان له أبوه ، بل أصبح ساعد أبيه الأيمن ؛ لأنه ابن صالح .
أمثلة أخرى :
ومن الأمثلة أيضاً ذلك الذي طرده أبوه ، وأراد منعه من صلاة الفجر ، ولكن الأمر تحت الإصرار والتحلي بالصبر تحول إلى النتيجة الإيجابية .
ومن المواقف التي لا تغيب عن الذاكرة موقف ذلك الشاب الذي أتاني يقول : حلق أبي لحيتي وأنا نائم ( إلى هذه الدرجة ) قلت له : نذهب إلى الشيخ ابن باز ، صلينا عند الشيخ فسأله الشاب : ماذا أفعل ؟ قال الشيخ : اسكن في بيت آخر ، وزره قليلاً ، ولا تمكنه من نفسك .
تغيرت الأحوال ، وأصبح وضع الشاب مقبولاً لدى أبيه بعد ذلك .
والخلاصة : أن الناس إنما يجسون النبض ، يجربون الشخص ويقطعون معه الطريق خطوة خطوة ، وينبغي ان يتحلى المرء معهم بالوعي في الحوار ، وكذلك يتحلى بالأخلاق الحسنة والصبر ، فيتواصل معهم ولا يقطع الصلة بهم ؛ لأن الصلة بهؤلاء ستفيده في مراحل بعد ذلك ، والأصحاب غير الملتزمين يجب أن لانقطع الصلة بهم تماما بل نجعل العلاقة موصولة معهم في أدنى حد ممكن .
المرحلة الرابعة : وهي مرحلة الحياد وفي هذه المرحلة يكون محيط الإنسان : الأهل والأقارب ، الأصدقاء قد يئسوا من أن يغيروا الشاب ، وهنا تبدأ المرحلة التفاوض والحوار ، التي يجب أن يتسلح فيها الشاب بالعلم الشرعي ، ويتخذ مختلف الوسائل التي تجعله قادراً على الحوار المثمر .
الطريقة هي الأهم :(3/15)
قد لا تؤثر في الناس وأنت تحاورهم بارتفاع مستوى العلم والفكر الذي تقدمه بقدر ما يؤثر فيهم أسلوبك وطريقة عرضك ، وكذلك أخلاق وآداب الحوار التي تتحلى بها ، فقليل من الناس أؤلئك الذين يتحلون بالآداب الشرعية ، وهم القدوة العملية التي تؤثر في الناس أبلغ تأثير .
ولتكن لنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك _ أسوة حسنة ، حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - قد استمع إلى الكفار على الرغم من وضوح البهتان والكذب في حديثهم : استمع إلى الوليد ابن المغيرة ، وهو يعرض عليه عروض قريش التي يبدون فيها بعيدين كل البعد عن واقع الرسالة وحقيقتها ، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يستمع حتى النهاية ، ثم يتلو عليه القرآن فيتأثر الوليد ، وإن لم يؤمن ، وينقل إلى قريش تأثره ذلك في صورة مدح للقرآن : إن له لحلاوة ، وأن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، ...
إننا يجب أن نتعلم كيف نتحدث مع الناس ، يجب أن نعرف : أن الإيجابيات يجب أن تذكر ، والسلبيات يجب أن تطرح في صورة أفكار ، ونترك للشخص فرصة التفكير والتدبر ؛ فإن الناس قد لا يبدون موافقة ، ولكنهم قد يتأثرون وينشغلون بالتفكير في الأمر ، ولندع لهم فرصة للتفكير ، فليس من المهم أن يقولوا : إن فلاناً الداعية هو الذي علمنا ، إنما أن يصلوا في النهاية إلى تبني الفكرة والعمل بها .
ولنبدأ بالأولويات ، بالقضايا المتفق عليها ، التي لا يكثر فيها ولا حولها الجدال ، ولنبدأ مع كل أحد مدركين مفتاح شخصيته ، ومداخل نفسيته ، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يجيب على السؤال الواحد لشخصين مختلفين بجوابين مختلفين : رجل يقول يا رسول الله أوصني ، فيقول له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : لا تغضب ، وآخر يسأله السؤال نفسه ويطلب منه الطلب ذاته ، فيقول له : لا يزال لسانك رطباً بذكر الله .(3/16)
ومعرفة واقع الحال ، ونصيحة الناس بما يناسب الموقف من أروع ما نتلقاه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، حيث نصح المسلمين المستضعفين في مكة بالهجرة الأولى إلى الحبشة ، وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم أن الحبشة أرض مناسبة لهم ، لأن فيها ملكاً لا يظُلم الناس عنده ، وهذا موقف يلخص معرفة الأحوال والتاريخ والنفس الإنسانية واستثمار معطيات معرفة جوانب النفس في التعامل مع المواقف .
ويتضح ذلك أكثر في صلح الحديبية ؛ حيث أرسلت قريش ثلاثة نفر إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليفاوضوه ، والعبرة لدينا في الرسول الثالث وهو الحليس بن علقه ، ولقد رآه الرسول - صلى الله عليه وسلم - قادماً فعلم الرسول من سمته أنه رجل عبادة ، يعظم الشعائر ، فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يرسلوا الهدي ، فأرسل الصحابة الجمال في الوادي ، فلما رآها ذات قلائد ، وهذا يدل على أنها قربة لله تعالى رجع إلى قومه وقال لهم : هذا رجل جاء يعظم البيت –فكيف تمنعونه ؟
فقالوا : اجلس فإنما أنت أعرابي لا شأن لك ، فقال : والله إن لم تتركوا هذا الرجل يدخل إلى البيت لأنذر إليكم بالأحابيش نذرة رجل واحد . والشاهد في ذلك : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد فهم هؤلاء الناس ، وفعل ما هو مناسب في الحوار والتأثير عليهم .
وفي واقعنا يجب أن تراعى تلك المسألة : فيجب أن لا نقدم الإسلام إلا من خلال علماء يكون لهم قبول عند الناس ؛ وليس ذلك تملقاً للناس ، ولكن مراعاة بعض البلاد الإسلامية تنتشر فيها فرية عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ؛ حيث يصمون من ينقل عن الشيخ أو يستشهد بكلامه أهل البيت وتكفير الناس .(3/17)
فهنا لا يكون من الحكمة أن تذكر اسم الشيخ محمد بن عبدا لوهاب ، وأنت تحاور أو تعرض قضية مختصة بالتوحيد ، يمكن أن تكون القناة التي تصل من خلالها قناة ابن رجب الحنبلي أوالشاطبي المالكي ، ومن هنا : فإن الدعوة ليست معلومات نظرية تلقى ، وإنما لا بد من جهد لفهم البيئة التي يخاطبها الداعية ، فيعرف مالذي يصلح لمن يدعو ؟ ومتى وكيف يقدم لهم ، ما يصلحهم ويصلح لهم دون أن يتنازل أو يترخص؟
ولكنه في ذات الوقت يتجنب القضايا التي تثير الجدال ، ولاسيما في بداية الحوار واللقاء . وبعض الناس يكون جداله واضح المقصد بين التهافت إلا أن ذلك لا ينبغي أن يدفع الإنسان إلى الدخول في قضايا يكون فيها مجال للأخذ والرد .
إن بعضاً من الناس قد يستدرج المرء إلى نقاش حول القضايا الاقتصادية أو حول الزواج بأكثر من واحدة ، ولكن ينبغي أن نرد الناس إلى قضايا محسومة تبدأ بالعقيدة ...شهادة ألا إله إلا الله ، ثم الأوامر الصلاة ، الزكاة ..
مرحلتا الدفاع والقبول
المرحلة الخامسة والسادسة : وإذا وصل الأمر إلى مرحلة أن توجه أنت النقاش وتمسك بدفة الحديث فقد وصلت إلى مرحلة الدفاع التي تؤدي إلى مرحلة القبول ، حيث يصبح المرء نتيجة لدفاعه ذا أثر عند من كانوا يهاجمونه .
ومن هنا فإن موقف هؤلاء الناس الذين تحولوا إلى مرحلة القبول يجب ألا يدفع هذا الشاب إلى الركون إلى الراحة وعدم مواصلة السير وإنما على الشاب أن يستثمر ذلك الموقف في مزيد من الدعوة والتأثير في المحيط الذي يعيش فيه .
وبعض الشباب يقف بهم الأمر عند مرحلة القبول ، فيترك واجب التأثير فيمن حوله ، ولكن كثيرا من الشباب أيضاً يصل إلى المرحلة النهائية وهي التفاعل الإيجابي والتأثير والتقدم خطوات في طريق التغيير والإصلاح .
ولابد أن يكون ذلك على محورين :
- محور البناء الذاتي ، حيث يتعلم الشاب ويستوعب قضايا دينه ، ويطبق ما يتعلمه .(3/18)
- ثم بعد ذلك محور التأثير ؛ حيث في محيطه الذي يعيش فيه ، والشاب لا يزال يرتقي بنفسه وبمن حوله في إصرار وعزم و صبر ، حتى يصل إلى أقصى درجة في البناء الذاتي ،
والتأثير في محيطه الذي يعيش فيه .
ــــــــــــــــــ
الداعية الكسول
خالد السبيعي
الحمد لله والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد...
قال لي صاحبي وهو يشتكي : ما أكثر الدعاة الكسالى .. فكانت هذه الخاطرة.
فأقول بادئ ذي بدء :
لاشك أن الإيمان يزيد وينقص , وأن لكل عمل شره ولكل شرة فتره, وأن الفتور يعتري كل أحد , وأن الإيمان ليخلق في قلب المرء , والناس يتفاوتون في عبادتهم وأعمالهم , ولن يدخل الجنة أحد بعمله .
ولكني لن أتناول الطرح التقليدي في معالجة الفتور عند الداعية فقد أشبع هذا الموضوع بحثاً وتحليلاً في كثير من الكتب . بل سأوضح هذه القضية من زوايا أخرى .
أولاً: يخطيء البعض في تقويم الدعاة فيصفهم بالكسل لأنهم لا يزاولون نفس المنهج أو الأسلوب الدعوي الذي ينتهجه .
ثانياً: بعض الشباب يرى أن السبب هم القيادات الذين لم يستوعبوا طاقات الشباب ومواهبهم . والملاحظات هي:
1- أن القيادة الدعوية لها فريق خاص .
2- أن الأقدمية أساس في العمل الدعوي حتى لو كان الشخص غير مؤهلا.
3- اختزال فكرة الدعوة على منشط واحد أو فكرة واحده .
4- تبلد الإحساس وعدم وجود الحرقة ( لأن البعض أمّن موقعه ومنصبه فلا يحب التغيير )
5- أنه لا وجود لقاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب .
6- الروتين الممل الذي قد لايناسب الجميع .
7- الابتعاد عن الميدان والاكتفاء بالتنظير .
ولذلك لا يستغرب كسل بعض الشباب أو خروج بعض الفئات المتبرمه . فإذا عرف السبب بطل العجب.
ثالثاً: البعض يقول أن السبب هي الأفكار الكسولة عند المنظرين للدعوة .
نعم إنها أفكار كسولة تحقق نجاحات شخصية محدودة أو رؤى فكرية قد أكل عليها الدهر وشرب , ولم تستوعب شرائح المجتمع المختلفة .(3/19)
إن هذه الأفكار الكسولة مؤهلة بإقتدار إلى قلب قائمة المهمات والإخلال بأجندة الأولويات .
فتُضخم أفكار بسيطة كالمهرجانات والحفلات ولا يعطى أي إهتمام للجهاد بأنواعه.
ويضرب الدف مثلاً على دورات في البرمجة العصبية بينما يتم القفز بكل مهارة على أي فكرة تدعو لإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
أما من يجيد الدعوة الفردية فذاك هو القائد الهمام الذي لايشق له غبار , أما البسطاء من الدعاة فهاهي بيوت الفقراء والمساكين جاهزة ليمارسوا مهاراتهم المحدودة .
فرحم الله أبا بكر الذي لم تمنعه الخلافة من حلب شاة لإمرأة عجوز .
ذكر الدكتور عبدالله النفيسي في ( ثغرات في الطريق ص 114 )مايلي:
"من المهم أن يتمكن القائد من بعدين أساسيين في دعوته :
1- بث روح الفريق العامل وإشعار الجميع بأهمية الدور الذي يلعبونه ويؤدونه .
2- قدرة الإستفادة من ذوي التخصصات والملكات الخاصة والمواهب ".
أيها الأخوة :
إننا لسنا في حاجة إلى النظر في ممارسات بعض القادة الذين عشقوا الإستيطان في البروج العاجية , لأن عندنا السيرة العطرة للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - . وإليك هذه الإطلالة السريعة:
لقد استوعب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته :
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه (المستشار).
- خالد بن الوليد رضي الله عنه (القائد العسكري ) .
- ابن عباس رضي الله عنه (العالم ).
- حسان بن ثابت رضي الله عنه ( الشاعر ) .
- أنس بن مالك رضي الله عنه ( خادمه ).
بل أخذ يبحث عن تلك المرأه التي كانت تقم المسجد كي يصلي عليها صلاة الجنازة .. فصلى عليك الله يا علم الهدى.
لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتربع على قمة الهرم في الدولة الإسلامية بعد أن دانت له العرب وارتعدت منه فرائص العجم , وهو كذلك سيد ولد آدم , ومع ذلك لم يكن بعيداً عن الناس ولا الميدان , بل كان أول من يواجه الأعداء ويمسح على رؤوس المساكين .(3/20)
إن أزمتنا أيها الأحبة بكل صراحة أزمة قيادات وأزمة قدوات .
ياحماة الدين والعقيدة :
إن أمتنا في خطر ... وإن شبابنا في خطر ... وإن فتياتنا في خطر .
ْ"ياأيها الذين أمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل . إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير".
أيها ألأخوة :
* إذا كنا نريد جنوداً كسعد وخالد وأبي عبيدة فلنكن كأبي بكر وعمر رضي الله عنهم .
* أسأل الله تعالى أن يخرج لنا قادة ودعاة يكون شعارهم السير على "ماأنا عليه وأصحابي" .
* لايحتقرن أحدكم نفسه فلربما يفتح الله على يديه ويكون من المجددين .
منتديات مشكاة
ــــــــــــــــــ
كيف نتعامل مع المنتكس ؟
شاب يافع تفوق على أقرانه لسنوات، وشُهد له بالإلتزام ومحبة العلم، والتمكن من بعض مسائله ، ولكن ظهر منه بعد ذلك التراجع والنكوص ، وأصبح متساهلا بل ومظهرا للمعاصي مجاهرا بها ، كيف السبيل إلى إعادته إلى طريق الهدى وهو يحفظ أكثر مما نحفظ ويُحسن من الوعظ مالا نحسن أو هكذا كان .
كثير ما يتردد هذا السؤال وخلاصته كيف نتعامل مع المنتكس ؟
والجواب :
ينبغي أن نعلم أن لكل حالة منتكسة وضعها الخاص ، وهذا يعني أن طبيعة التعامل مع المنتكسين ليست على درجة واحدة ، ولذا يمكن ذكر بعض الوصايا العامة ولكل أخ أن يختار منها ما يناسب الحالة التي أمامه فمن الوصايا في التعامل مع الشاب بعد انتكاسه، ما يلي :(3/21)
1- ينبغي أن نعلم أن الإنسان الذي عرف الهدى واستقام ثم انحرف يحتاج ارجاعه إلى صبر وطول نَفَس ، والذي يظهر من التجربة أن مثل هذا الصنف يحتاج إلى نوعية أخرى تخاطبه غير النوعية التي كان يعيش معها يوم أن كان ملتزما ، والسبب في ذلك أن هذا الشاب قد يكون حاملا لانطباع غير جيد عن مجموعته الأولى فيصده ذلك عن لين الجانب والرضوخ للحق.
2- مثل هذه النوعية -التي ذكرت في الوصية الأولى – لا يحسن أن يؤتى على سبيل التوبيخ والذم والتقريع ، بل ينصح بالتي هي أحسن ، ويفتح باب الحوار معه ويستمع إليه ، ويعطى فرصة ليُبين ما لإشكالات التي شجعته على النكوص ، وما لأخطاء التي أثرت عليه ليصل إلى ما وصل إليه ، وبعد ذلك يُجاب عليه وتُدفع الشبهات وترفع الإشكالات ويؤخذ بيده,,وما كان الرفق في شيء إلا زانه..
3- من المنتكسين من يكون في خطواته الأولى للتراجع عن الإلتزام فمن كانت هذه حاله فالأولى الاقتراب منه جدا دون أن يشعر بأنه يعامل كمنتكس،ويشجع على أعمال الخير ويُطالب بحضور مجالس الصالحين ليرتقي إيمانه فلعل الأمر فتور بعد شِرَه .
4- من المنتكسين من تحرك في هذا الإتجاه المظلم بسبب بعض الأخطاء التي وقعت عليه من مجموعته الدعوية أو بسبب عدم تآلف بينه وبينهم..
فينبغي إقناعه بأن المؤمن يتمسك بدينه ولو كان وحيدا فريدا ويبين له أن الإلتزام ليس حكرا على هذه المجموعة الطيبة فإن مجالس الصالحين كثيرة ..
فلو عاش مع غير هذه المجموعة لكانت النهاية المشرقة لهذه المشكلة
وهذا خير له من النكوص.
5- وصية مهمة وهي ألا تقطع العلاقة بالمنتكس ولو أصر على نكوصه وجاهر بمعاصيه فإن من المنتكسين من يزيد فحشه وفجوره بسبب غلظة الصالحين وشدة تعاملهم معه بعد تغير حاله ومادام أنه لم يرتد عن الإسلام ولكن تساهل في مواقعة الذنوب، فإن حق المسلم مازال باقيا .(3/22)
والواقع يشهد أن بعض المنتكسين إنما تراجع لنزوة وشهوة جارفة أخذت به حتى إذا أروى قلبه المتعطش إلى المعاصي أُصيب بالملل واكتشف انها لذة تنقطع وتبقى حسراتها
وعندها يعلم علم اليقين أن لا لذة ولا نعيم ولاطمأنينة إلا بالالتزام بالدين والسعي فيما يرضي الله حينها سيتذكر أخاه الصالح الذي لم ينقطع عن الاتصال به والسؤال عن حاله فيسارع إلى لقائه ليُعلن رجوعه إلى الله فالمؤمن قوي بإخوانه.
أختكم بنت الحلال
منتديات ناصح للسعادة الأسرية
مشاركة من الأخ العصر الزاهي
1- مراجع مفيدة في الموضوع
بالامكان الرجوع إلى كتاب الداعية الكبير فتحي يكن (المتساقطون) ففيه فوائد جمة
وكذلك كتاب الشيخ الدكتور المبدع محمد موسى الشريف (الثبات) ففيه إشارات تعين في التعامل مع المنتكسين
2- قصة لمنتكس.
واذكر قصة للفاروق عمر رضي الله حينما سأل عن أخي له واكن ممن خرج الى بلاد الشام او العراق فقالوا له يا أمير المؤمنين قد لعبت الخمر برأسه فأسل له الفاروق من أمير المؤمنين عمر الى فلان ثم كتب قول الله تعالى من سورة غافر (...غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ..).
فلما انتهت الرسالة إلى الرجل بكى وندم وأحدث توبة ووصل الأخبار إلى عمر فقال هكذا فافعلوا مع إخوانكم.
3- قصة أخرى لمنتكس وخاطرة.
واضيف كذلك قصة حصلت لطالب من طلبة التحفيظ وهو الآن رجل متزوج ولعل له أولاد لأن لي مدة طويلة عنه.(3/23)
قصة هذا الشاب انه حفظ القرآن وكان كحمامة المسجد من كثرة ملازمته للمسجد ولا يترك المصحف من يديه حتى ان احد المدرسين حينما يراه يسر يوصيني به خيرا وقد وصل الحال بهذا الطالب ان أصبح إمام حافظا للقرآن يصلي بالناس ويلقي بعض الكلمات وطلب مرة ان يسافر الى الشيخ محمد بن عثيمين ليدرس عليه فشجعته وزودته ببعض ما يحتاج إليه ودارت الأيام وانقطعت أخبار هذا الشاب بسبب صلته بـ(.....) ثم بلغتني المأساة فقد انتكس وأصبح يشيش ويلعب البلوت والقصات والبنطلونات وحينما اتصلت على بيت والده لأزوره ، قالوا لي انه قد سافر من المنطقة إلى منطقة أخرى ،فلما زرت هذه المنطقة في سفرة وهي تبعد مئات الكيلو مترات عن مدينتي حرصت على زيارته فلم تتيسر لي الزيارة.
ولكن الان وبعد ان كتبت قصة الفاروق خطر لي ان أكتب له رسالة أوصلها الى أهله وهم يوصلونها إليه وهذه الفكرة لم تخطر لي قبل الآن ولعل هذه من فوائد المنتديات وتبادل الآراء أسأل الله لي وللأخوة الثبات ولهذا الأخ وأمثاله من المنتكسين العودة إلى طريق الاستقامة مرة أخرى .
المصدر منتديات ناصح للسعادة الأسرية
استشارات دعوية
السؤال : أنا مربي لشباب مكتبة ويوجد احدهم قد حفظ القرآن وهو ذكي جداً ومحبوب لدى الشباب وقد تغير الآن وأخد يمشي مع المنتكسين ممن كانوا معنا ورفقاء السوء! فكيف التعامل معه ومع من قد يتأثرون به؟؟
الإجابة : حافظ على معاملتك السابقة معه وزد على ذلك بحسن التواصل وزيادة الحرص, ومن حرصك عليه:-
- أن تناصحه وتصارحه إما أنت أو أحد المقربين له ممن له تأثيراً عليه.
- ليكن أسلوبك أثناء مصارحته معتمداً على تشخيص الأسباب ومناقشة المشكلة بأسلوب مقنع يلزمه عقلاً بالإقرار بكلامك وفي نفس الوقت أن يكون كلاماً مؤثراً يشعره بخطر ما هو عليه ويفتح له باب الأمل والرجوع.(3/24)
- ومما يساعد في عودته تذكيرك له بماضيه الحسن فقد تزيل عن نفسه غشاوة الحاضر بحلاوة الماضي مما يجعله يعود ويتحسن ولك في قصة عمر رضي الله عنه عندما ارتد صاحبه هشام بن العاص أبلغ الأثر حيث تقول الرواية (عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " وكنا نقول: ما الله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم، قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، قال: فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم - وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون - واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} قال عمر رضي الله عنه: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص رضي الله عنه، قال: فقال هشام: لما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها، حتى قلت: اللهم افهمنيها، فألقى الله عز وجل في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، فرجعت إلى بعيري فجلست عليه، فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة"
الشيخ محمد الدويش
السؤال : فضيلة الشيخ/ كيف يمكن أن نتعامل مع المنتكس الذي كان معنا ويحفظ كتاب الله عن ظهر قلب ؟
الإجابة : المنتكس أخ لنا يجب أن نتعامل معه بمنطق الإخوة، وألا نتناساه، وحتى لو لم يعد للاستقامة فالواجب أن يبقى لنا معه صلة وعلاقة، وأن يكون لنا به اتصال وزيارة بين الفينة والأخرى.
ومن الأمور المهمة المناصحة بالأسلوب المناسب، وهاهنا موقفان مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(3/25)
الموقف الأول: قال عمر رضي الله عنه كنا نقول: مالله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم، قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، قال: فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لاتنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لاتشعرون} قال عمر رضي الله عنه فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص رضي الله عنه قال: فقال هشام: لما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوت ولا أفهمها، حتى قلت: اللهم افهمنيها، فألقى الله عز وجل في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، فرجعت إلى بعيري فجلست عليه، فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة"
الموقف الثاني: كان رجل من أهل الشام ذو بأس يفد إلى عمر ر ففقده عمر، فقال: مافعل فلان بن فلان، فقالوا: ياأمير المؤمنين تتابع في هذا الشراب، قال: فدعا عمر كاتبه فقال: اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لاإله إلا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لاإله إلا هو إليه المصير، ثم قال لأصحابه ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه، ويتوب الله عليه، فلما بلغ الرجل كتاب عمر ر جعل يقرأه ويردده ويقول: غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي.(3/26)
وفي رواية: فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع فأحسن النزع، فلما بلغ عمر خبره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخا لكم زل زلة فسددوه ووثقوه وادعوا الله لأخيكم أن يتوب عليه، ولاتكونوا أعواناً للشيطان عليه(تفسير ابن كثير (4/107)).
الشيخ محمد الدويش
السؤال : كيف أعيد إحدى الأخوات المنتكسات ؟ وأي أسلوب أنفع معها ؟
الجواب : أختي الكريمة ، أشكر لك ثقتك واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد وأن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وألا يجعله ملتبساً علينا فنظل .. أما استشارتك فتعليقي عليها من وجوه :
أولاًَ : رائع منك هذا الهم وهذه الهمة التي تدفعك إلى مثل هذا التساؤل وهذه الرغبة في الإصلاح .. جعل الله ذلك في ميزان حسناتك وجعلنا وإياك مفاتيح للخير مغاليق للشر وهدانا وهدى بنا وأصلحنا وأصلح بنا .
ثانياً : لا أعرف حقيقة ظروف هذه الأخت .. ومدى علاقتك بها ، وكيف كانت ؟ وإلى أين وصلت ؟ وما مستوى تعليمها ؟ لكي تكون الصورة أكثر وضوحاً .. ويكون التعامل معها على هذا الأساس .. ولكن لا بأس من ذكر بعض الاقتراحات بشكل عام ، وأنتي أدرى بما يناسبها ويناسبك .
ثالثاً : لابد لك من الاقتراب منها وعدم إشعارها بالرفض المطلق بل كوني معها " لطيفة المعشر " واقتربي منها ، وتقبليها .. وإذا كانت قد وقعت في بعض الأخطاء فأشعريها بأن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، وأنه سبحانه يقبل التوبة ويعفو عن الزلة وأن رحمته واسعة .. وأن الحسنات يذهبن السيئات .. وأنها بفضل الله مسلمة .. حتى وإن صدر منها بعض الأخطاء ؛ فإن الكمال لله وحده ، ولا يعني ذلك أن تترك كل جوانب الخير ، لأنها قد عملت بعض الأخطاء فهذا ما يريده الشيطان - قاتله الله - فلا تعينيه عليها .. وأعينيها عليه بتذكيرها بسعة أبواب الخير ، وتذكيرها بحديث المصطفى :[ وأتبع السيئة الحسنة تمحها .. الحديث ] .(3/27)
رابعاً : لا بأس من إهدائها " هدية مناسبة " مع رسالة رقيقة .. عنواناً لمواصلة الصحبة ودوام المحبة ، ومع الوقت تكرار الهدية برفقة " مطوية " أو كتيب أو شريط .. يحثها على الخير ويذكرها بأبوابه ، وبأهمية الاستعداد للآخرة .
خامساً : الدعاء لها بظهر الغيب بأن يردها الله إلى الحق رداً جميلاً وأن يحفظها من نزغات الشيطان وتوهيمه وهمزه ولمزه ، وأن يريها الحق حقاً ويرزقها اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقها اجتنابه ، وألا يجعله ملتبساً عليها فتضِلّ ، وحثيها كذلك على مثل هذا الدعاء . وتذكري أن لك بعملك هذا الأجر العظيم فلا تيأسي أو تستعجلي النتائج .
وفقك الله وحماك وسدد على طريق الخير والحق خطاك .
الشيخ أحمد المقبل
معاملة المنتكس
المكرم الأخ/ حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أقدم النصيحة أولاً لك ولإخواني المستقيمين أن تجتهدوا مع أخيكم، ولا تعينوا الشيطان عليه، ولا تكثروا من الكلام عنه في مجالسكم، بل تعتمدوا أسلوب المواصلة و المصارحة والمناصحة والصبر، والبحث عن عذر، والنظر في احتمال أن يكون ما حدث له بسبب خلل في معاملته، أو خطأ في حقه، أو على الأقل بسبب حساسية شديدة لديه في المعاملة لم تكمل مراعاتها من قبل مجالسيه وأصحابه. ثم اجتهدوا في الدعاء لهؤلاء الإخوة بالهداية والثبات، وتواصوا عليهم بالاتصال وحسن المعاملة، وحسن الظن والأريحية. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
أخوكم
سلمان بن فهد العودة
14/7/1422
رسائل
الرسالة الأولى
أخي العزيز ....................................................... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :-
أتمنى أن تقرأ هذه الرسالة وأنت تتمتع بوافر الصحة وجميل العافية .(3/28)
أخي الكريم :- هذه رسالة ود ، وتجديد محبة صادقة ، من أخيك وزميلك الذي عرفته والتقيت به مراراً ، وأرجو أن تكون عرفته محباً ، وناصحاً ، ومشفقاً لا يألو الخير ما أصابه . لقد عرفتك جيداً ، والتقيت بك مراراً ، وما كان لهذه السنون التي مضت أن تمحو من مخيلتي تلك الشخصية ، أتذكرك فأذكر ذاك الشاب حسن الخلق طيب المعشر كريم الود . أتذكرك فأتذكر ذاك الشاب الحريص على طاعة الله سبحانه وتعالى ، فتارة أراه يصلي، وأخرى أراه تاليا للقرآن، أتذكرك فأتذكرك ذاك الشاب الذي كان يحدثني كثيراً عن الثبات وخطورة الانحراف ، أتذكرك فأتذكر ذاك الشاب الذي كان يشارك زملاءه وإخوانه عبادتهم، وحفظهم للقرآن، ومجالس العلم والوعظ.
أخي الكريم : والله إن تلك الصور وغيرها لا تزال شاخصة أمام عيني وناظري ، وحين يقفز اسمك للذهن ، ويدور خيالك بالبال تتسارع تلك الصور المضيئة ، والجوانب المشرقة ، وتتلاحق لتأخذ مكانها ، حتى يعكرها ما صار إليه صاحبي بعد ذلك .
أخي الكريم :- لن أنسى ذاك الأخ الذي أحببته في الله ، وتمنيت أن أحشر وإياه تحت ظل عرش الرحمن ، ونلتقي إخوانا على سرر متقابلين . وطول تلك السنون التي فرقتنا وصورتك ، وخيالك يقفزان إلى الذهن بين الفينة والفينة . ولكن صار ما كدر الخاطر ، وأزعج الفؤاد مما لا يخفى عليك .
أخي الكريم :- هل تتفضل على نفسك لتقف معها ساعة محاسبة ، ولحظات مصارحة ، فتقارن بين ما أنت عليه الآن وبين ما كنت عليه قبل ذلك ، أن تجري حساباً صادقاً مع نفسك قبل الحساب الذي ليس بعده عمل ، أن تجري حواراً صريحاً له ما بعده قبل أن يتحاور أهل السعادة وأهل الشقاوة .
أخي العزيز :- لازال الباب مفتوحاً ، والطريق مشرعة ، أو لست تقرأ قول العزيز الغفور { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم }(3/29)
فكن جريئاً أخي الكريم ، وجاداً وحازما مع نفسك ، وأعلنها عودة صريحة إلى الله من الآن . إني لا أطلب منك أن تسلك طريقاً مجهول المعالم ، لا تدري ما وراءه ، إني أطالبك أن تعود لفطرتك التي فطرك الله عليها ، أن تعود لتلك الحال التي كنت فيها في قطار الصالحين والعابدين .
أخي الكريم: يعتذر بعض الذين حولوا مسار حياتهم بأعذار تبدو لهم أول وهلة أنها صادقة، ولو صدقت لما أغنت عنهم يوم القيامة.
يعتذر أحدهم بأن الصالحين الذين صاحبهم كان فيهم وفيهم.. وقد يكون شيء من ذلك صحيحاً، لكن هل الحل أن يغير الشخص حالة أم الحل أن يتميز باستقامته؛ فيصبح خيرا منهم؟
يعتذر بعضهم بأنه لم يكن جاداً، لم يكن صادقاً، كان يأتي المعاصي، كان متناقضا مع نفسه فحسم الأمر بما آل إليه.
لكن شتان بين من يبقى على الخير ويجاهد نفسه، فيكبو وينهض، ويهوي ويفيق، ويحب الصالحين، ويجالسهم، فيكون حريا بأن يقال له "أنت مع من أحببت" ويقال له" هم القوم لا يشقى بهم جليس". ويتجنب المجاهرة بالمعصية ليصبح من أهل العافية"كل أمتي معافى إلا المجاهرين".
شتان بين هذا وبين من يجاهر بسلوك غير طريق الصالحين.
ويجد غيرهم أعذارا وأعذاراً، لكنها تبقى بعد ذلك حجج بينه وبين نفسه، وحجج يواجه بها الناس، ولن تنجيه أمام الله عز وجل.
أخي الكريم: سطرت لك هذه الرسالة ، وكلي أمل أن أرى وجهك المشرق ، وأسعد باتسامك اللطيفة التي لم ولن أنسها .
الرسالة الثانية
إلى من كان معنا في صفوف الصالحين
إلى من كان معنا من المصلين
إلى من كان وهجا من نور .. .. ذا قلب مفعم بالإيمان
وخطا نحو الهدى في عزة وأمان
لكن الهوى والشيطان كانا حجر عثرة .. فانزلقت قدماه .......... فكان الانحراف
بعد الصلاة .. .. أصبح الضياع
وبعد أن كان النظر في الآيات البينات
أصبح الآن النظر إلى وجوه المومسات
بعد أن كان البكاء من خشية الله وقت السحر
أصبح الآن السهر على معصية الله(3/30)
إلى من حاد عن الصف .. .. إليك هذه الرسالة :
إلى من حاد عن صفي ,,, وولىّ تاركا كفي
ضللت الدرب يا صاحي ,,, وخنت العهد يا ألفي
نسيت القول يا صاحي ,,, وصرت اليوم مفتونا
فسال الدمع مدرارا ,,, وبات القلب محزونا
إلى من قال لي يوما ,,, يمين الله لن أخنع
سأبقى ثابتا دوما ,,, وللشيطان لن اركع
فكيف الملتقى خَبِّر,,, وكيف نكون اخوانا
وليل الذنب تهواه ,,, ونحن الفجر يهوانا
أختكم جيون
منتديات ناصح للسعادة الأسرية
ــــــــــــــــــ
أسباب الانتكاسة
حمداً لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،،، موضوعنا موضوع مهم جداً ، كيف لا، وهو يتعلق بأعظم نعمة أنعمها الله على عبده، ونعم الله علينا كثيرة ، إلا أن نعمة الهداية أعظم هذه النعم ، وأجلها ... نعمة الهداية : الهداية إلى الإسلام ، الهداية إلى الثبات على هذا الدين، ولفضل هذه النعمة أحببت الكلام عن أسباب فقدها، وإذا عرف الإنسان أسباب فقد هذه النعمة؛ فإنه يحرص أشد الحرص على الابتعاد عنها؛ حتى تدوم له هذه النعمة.ومع كثرة الملتزمين الذين نراهم- ولله الحمد- إلا أننا نرى أيضا كثرة في المنتكسين- نسأل الله العافية- لذلك لابد من التعرف على الأسباب، أو بعض الأسباب التي تؤدي إلى الانتكاس، ومن الأسباب :
• الالتحاق مع الشباب الملتزم من غير اقتناع ورغبة:
وإنما التحق بهم لأسباب معينة مثلا:
• لأنه يجد الأنس معهم، وللخروج إلى الرحلات، والذهاب إلى الأماكن البعيدة دون أن يجد ملامة في ذلك، فلما وجد أن هذا الشيء يتوفر عند هؤلاء؛ التحق بهم، ولم يلتحق بهم لأنه يرغب في الالتزام على نهج الطريق المستقيم .
• أو لأنه أعجب بشخص معين، أو أشخاص معينين، فلا يأتي للشباب الملتزم إلا لأجل هذا الشخص .(3/31)
• وقد يكون التحق معهم لأجل ظروف معينة كأن يريد مثلًا تعمية الشرطة، أو غيرها عنه، فقد يكون مطالبا بأمر معين، فيلتحق بالشباب الملتزمين حتى يعمي النظر عنه، وحتى يقال عنه أنه التزم وترك ما كان عليه سابقا .
• قد يكون التحق مع الشباب بسبب صدمة هائلة حدثت له في حياته كأن يشاهد حادثاً، أو وفاة، أو رأى محتضِراً، أو غير ذلك مما يعيده إلى صوابه، فيلتحق بالشباب؛ ولأنها صدمة مؤقتة، فإن تأثيرها قد يكون مؤقتا؛ لذلك قد يرجع مرة أخرى إلى ما كان عليه سابقا .
• قد يكون التحق مع الشباب الملتزمين لغرض: كأن يريد الزواج مثلًا، فيلتحق مع الشباب حتى إذا سئل عنه قالوا: أنه شخص صالح، مستقيم، محافظ على الصلوات، ويسير مع أناس طيبين . هذه كلها قد تكون أسباب لأن يلتحق الشخص بالشباب الملتزمين مع أنه غير مقتنع، ولم يرد التوبة، وإنما أراد الالتحاق بهم لهذه الأغراض التي ذكرناها. هذا السبب الأول من أسباب الانتكاسة .
• عدم الاهتمام بتربية الشاب لنفسه:
فلا قراءة قرآن، ولا محافظة على الصلوات، ولا أداء للنوافل بأنواعها من قيام ليل، أو قراءة قرآن، أو صوم نافلة، أو غير ذلك؛ فأهمل نفسه، ورضي بأن يكتفي بأن يكون ملتزما في مظهره فقط، وهذا هو الالتزام الأجوف، يكون ملتزما شكلًا، أما مضمونا، فهو في الحقيقة منتكسا وإذا انتكس الباطن فإن الظاهر سهل جدا أن ينتكس بعد أن ينتكس الباطن، وهذا هو السر في أنك تفاجأ بانتكاس بعض الأشخاص الذين تحسبهم من أنشط الناس، وأحرصهم على عبادة الله، وهو في الحقيقة انتكس سابقا في الباطن، واحتفظ بالشكل الخارج حتى أتى اليوم الذي لم يبق للشكل الخارج فائدة فانجر الانتكاس إلى الشكل الخارج أيضا 0
• الكمال الزائف:(3/32)
فقد يجد الشاب الملتزم في بداية التزامه تشجيعاً، ومدحا له من المشرف على الشباب، أو من يقوم بتربيتهم؛ مما يوهم هذا الشخص بأنه قد بلغ الكمال، فيغفل عن المحافظة على نفسه، والمشاركة في أعمال الخير، وبذلك يفتر، ثم ينتكس، والعياذ بالله .
• عدم فهم الشباب الملتزم فهما صحيحا:
وذلك أن بعض الشباب الذين بدءوا بالالتزام عندما يدخل مع الشباب الملتزمين يصور لنفسه أنه يدخل مع ملائكة لا يخطئون، ويجب أن لا يخطئوا، مع أنهم بشر كغيرهم من البشر لهم أخطاء، ونحسب أن صوابهم أكثر من خطأهم، لكن لا يعني هذا أن خطأهم غير موجود، فعندما يدخل معهم بهذا التفكير، ويفاجأ بوجود خطأ منهم ، بل ربما يفاجأ بوقوع الخطأ عليه، فيولد هذا صدمة هائلة في حياته؛ تؤثر عليه تأثيرا سلبيا مما يجعله ينتكس مرة أخرى ويقول: انظر إلى هؤلاء الشباب الملتزمين ماذا يفعلون ! ونسي أنهم بشر، يخطئون ويصيبون .
• سوء التربية من قبل المربي :
ونقصد بالمربين: المشرفون على أمثال التجمعات الشبابية التي يجتمعون فيها كحلق تحفيظ القرآن، أو غيرها. والخطأ في التربية جوانب متعددة فربما يكون الخطأ من المربي في:
• عدم مراعاة الجانب الوجداني في الشخص: فلا يحرص على تقوية إيمانه وربطه بالله سبحانه، بل تراه يكثر من المزاح معه، ومن جلبه مايؤنس هذا الشخص الجديد كأشرطة الأناشيد مثلا، والإكثار من النكت والطرائف وغير ذلك مما يجعل هذا الشخص يتربى على هذه الأشياء، وينسى الجانب الوجداني الذي يصله بالله .
• عدم مراعاة الجانب العلمي في الشخص: فلا يحرص على تعليمه، وتحبيبه للعلم وأهله،ولا شك أن الدخول في مجال العلم طلبا وتعليما؛ وسيلة عظيمة للثبات .
• عدم مراعاة الجانب الخلقي في الشخص:وذلك بألّا يحرص على تحسينه،وتهذيب أخلاق هذا الشخص الملتزم الجديد،فينشأ سيئ الخلق، مما قد يوصله إلى الانتكاس .(3/33)
• عدم تدرج المربي مع هذا الشخص التدرج المطلوب: فربما يعامله بالشدة القاسية التي تنفر هذا الشخص، وربما يكون العكس تماما، فيربيه على التساهل، وعدم الانضباط، وهذه أيضا وسيلة للانتكاس .
• عدم طرح أسباب الانتكاس على الشباب:
إن معرفة الشر وسيلة لاجتنابه كما قال الشاعر :
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
وحذيفة رضي الله عنه يقول:" كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي" رواه البخاري ومسلم .ولا شك أنك إذا عرفت أسباب الانتكاس، وطرحت عليك؛ فإن هذا يجعل لك وقاية، والوقاية خير من العلاج .
• التعلق ببعض قضايا الماضي:
كأن يكثر من التفكير في معاص قد اقترفها سابقا، ويتلذذ بهذا التفكير أو يحتفظ بأفلام، أو صور، أو أشرطة قديمة، أو غير ذلك مما يذكره بالماضي، بل ومن أهم ما يُذّكر الإنسان بالماضي صديق الماضي قبل الالتزام، هذا الصديق من أخطر الأسباب التي قد تجرك إلى الانتكاس لأن:
• هذا الصديق يتكلم بلسان يؤثر فيك، ثم أيضا أن هذا الصديق لا تعده عدواً، ولذلك لا تحتاط منه .
• هذا الصديق مفتاح لماضيك، فربما يذكرك بما اقترفته أنت وإياه في الماضي، حتى ولو كان هذا الشيء الذي فعلتموه مباحا،وهذا التذكير قد يحرك فيك بعض المشاعر لأن ترجع لمثل هذه الذكريات .
• هذا الصديق يوافق هواك،وبذلك تكون قد جابهت ثلاثة جيوش: الشيطان، وهذا الصديق، وهواك .
• ربما سلم لك هذا الصديق قيادة نفسه، فجعلك رئيسا عليه، وربما تكون ممن يحب الرئاسة والترأس، وبذلك ترتاح مع هذا الصديق؛ لأنك لا تجد من تترأس عليه مع الشباب الملتزمين، ولذلك تشبع هذه الرغبة بالترأس على هذا، وتكثر من مخالطته، وهذا يؤدي إلى الانتكاس .
• قد يكون في هذا الصديق شيء من الدعابة، والظرافة مما يجذبك إليه .(3/34)
فهذه الأشياء التي يتصف بها صديق الماضي تجعله أخطر ما يمكن أن تحتفظ به من ذكريات الماضي .
• الإنفراد عن الشباب الصالحين :
قال الله تعالى:{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...(28) } سورة الكهف . والابتعاد عن الشباب الصالحين سيجعلك منفردا، ولن تستمر على هذا الانفراد بل ستبحث عن أصدقاء آخرين، فإن لم يكن لك أصدقاء طيبين، صالحين، يحثونك على الخير، فإنه سيكون لك- ولو بعد مدة- أصدقاء سيئين يحثونك على الشر .
• عدم إبراز الملتزم شخصيته الدينية :
وخصوصا إذا كان مظهره لا يدل على الالتزام، كأن يكون يلبس لباساً لا يصلح للشاب الملتزم، فإذا لم يتميز، ولم تظهر صورته الدينية واضحة؛ فإنه سيكون عرضة لوساوس شياطين الإنس والجن ، فيجترئون عليه؛ لأنهم لا يعرفون أنه ملتزم، ولذلك ربما ذكروا المنكرات عنده وربما أغروه بالمنكرات. لكن إذا أظهرت شخصيتك الدينية بشكل واضح؛ لتنكر ما يقولون من الباطل، ولتأمرهم بالخير، فإذا رأوك وجدوا أنك تذكرهم بالله: تقرأ القرآن، ثوب قصير، محافظ على الالتزام بالشخصية الملتزمة بصورة واضحة، هذا يجعلهم على الأقل يحجبون ذكر المنكرات عندك، وأيضا من باب أولى ألّا يغروك باقترافها .
• التوسع في المباحات:
لأن التوسع في المباحات يؤدي إلى أن يكون التزام الشخص التزاماً أجوف، ولاشك أن الالتزام الأجوف من أسباب الانتكاس .
• الحماس الزائد غير المضبوط بضوابط معينة:(3/35)
بل حماس وثورة لمدة معينة، ثم ينطفيء كسعف النخل إذا أشعلته رأيت له نارا تلظى، ولكن سرعان ما تنطفيء، وتخمد، ويذهب هذا الضوء، وهكذا سرعان ما ينتكس من يريد الشيء بسرعة كبيرة بعد أن يلتزم، يريد أن يحقق كل شيء بسرعة، وقد يصل به هذا إلى الغلو، ومن ثم التقصير؛ لأنه سيتعب، ويكل، ويمل، ثم بعد ذلك سينتكس- نسأل الله العافية- .
• الخوف من غير الله:
كالخوف من السجن، أو الفصل من الوظيفة، وهذا الخوف قد يجعله ينتكس، قال تعالى:} وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ...(10) {.
• عدم حب الانضباط بل حب التساهل والتسيب:
وهذا يؤدي به في النهاية إلى أنه لا يحصل شيئا، ولا يستفيد من أي شيء، متسيب، فينتكس؛ لأنه ليس عنده شيء يمنعه من الانتكاس .
• أن يكون في قلبه مرض، أو آفة كبرت مع الوقت:
مثل أن يكون في قلبه مثلا غرور، أو عجب، أو كبر، أو حب رئاسة، أو غير ذلك من الآفات؛ ولم يجاهد نفسه في التخلص منها، فتكون مثل النبتة الصغيرة، فتضرب بعروقها في قلبه، فتحرفه عن الطريق فيما بعد .
• عدم العمل بما يوعظ به:
يسمع الموعظة لكنه لا يعمل بها، ولو عمل بها لزاده الله ثباتا قال تعالى:}وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا(66) {سورة النساء .إذاً بإمكانك أن تقول:من الوسائل التي تعينك على الثبات، وتمنعك من الانتكاس؛ العمل بما توعظ به من أعمال الخير العمل.
• أخيرا(3/36)
أقول: أن المنتكس قد بدل نعمة الله عليه، هل تجدون نعمة أعظم من نعمة الالتزام؟ إذاً ، فلنسمع لقول الله: }وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(211) {سورة البقرة ويقول تعالى:}إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ(25) {سورة محمد نسأل الله أن يثبتنا على دينه.
من محاضرة: 30 سببا للانتكاسة للشيخ/ عبد الرحمن العايد
المصدر موقع مفكرة الإسلام
ــــــــــــــــــ
أعذار المتقاعسين
د. يحي بن إبراهيم اليحي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لست هنا أريد أن أكتب بحثاً فأضعُ فصولاً وأبواباً، وأطراً وحدوداً للبحث، وإنما أريد أن أتناول موضوعاً عملياً كثيراً ما نلاحظه في حياة جمع من المسلمين على مختلف مستوياتهم، وقد يشكو منه البعض، ولا يحس به البعض الآخر، وقد يتصور فريقٌ آخرُ بأنه ظاهرةٌ صحيةٌ بسبب تدليسِ الشيطان وتزيينِه له؛ ولهذا لن أتحدث عن تعريف التقاعس أو تعريف الفتور وتقسيماته، وورودِ لفظه في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فهذا قد كتب فيه جمع من العلماء وطلبة العلم، كما أنهم كتبوا عن مظاهر الفتور، وأسبابه، وعلاجه، وإنما حديثي هو سبرُ ومتابعةُ وملاحظة للذين يتساقطون في ثنايا الطريق عن متابعة أمر الدعوة والمشاركةِ فيها، في هذه الفترة التي نعيشها الآن فقط، ويبررون لأنفسهم، ويرون أن أعذارهم وجيهةٌ ومقبولة ويعذرون بها بين يدي الله عز وجل.
فهذه الأعذار التي جمعتها مبنيةٌ على المتابعة والحدس، ولا أشك أنه قد فاتني الشيءُ الكثير من الأسباب والعلل التي عاقت أولئك النفرَ عن متابعة الطريق.(3/37)
ولست أقصد في حديثي هذا أولئك الذين يقفون لِيُجموا أنفسهم ويعدوها للعمل، ويحاسبوا أنفسهم، كما قال ابن القيم عن نوع من الواقفين وهو الذي: يقف ليجم نفسه ويعدها للسير فهذا وقفتُهُ سيرٌ ولا تضره الوقفةُ فإن لكل عمل شرةً ولكل شرةٍ فترة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
روى أحمد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ.
أعذار المتقاعسين أو القاعدين:
قال في تاج العروس: يقال: تقاعس الرجل عن الأمر: تأخر ولم يقدم فيه.
وقال في لسان العرب: تقاعس: تأخر ورجع إلى خلف.
للقاعدين المتقاعسين عن طرق الخير أعذار كثيرة تختلف باختلاف الأفراد والبلدان والأحوال ومن أبرزها:
1 - التعللُ بكبر السن كأن يقول أحدهم: كبر سني ورق عظمي ويكفي ما قدمت، ويتصور هذا الأخ أن الدعوة يعتريها التقاعدُ والإحالةُ على المعاش! أما علم أن القافلةَ سايرةٌ ونهايتها الجنة، فإن تقاعد عنها فلا يلتفت إليه، وأنه ليس سنٌّ محددةٌ للعمل الصالح.
قال تعالى: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} قال الحسن البصري: لم يجعل الله للعبد أجلا في العمل الصالح دون الموت.(3/38)
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن ورقة قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وإن يُدْرِكْنيِ يومُك أنصرْكَ نصراً مؤزراً مع كبر سنه وذهاب بصره، وقد تمنى أن يكون فيها جذعاً قوياً فيكون نفعُهُ أكبرَ وأثرُهُ أكثرَ.
وعن أنس: أن أبا طلحة الأنصاري قرأ سورةَ براءة، فلما أتى على هذه الآية: { انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} قال: أرى ربَّنا عز وجل سيستنفرنا شيوخاً وشباباً، جهزوني أي بني، فقال بنوه: يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مات، ومع أبي بكر رضي الله عنه حتى مات، ومع عمر رضي الله عنه، فنحن نغزو عنك، فأبى فجهزوه فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرةً يدفنونه فيها إلا بعد سبعةِ أيام فلم يتغير فدفنوه فيها.
قال الإمام الشافعي: طلبُ الراحة في الدنيا لا يصلحُ لأهل المروءات، فإن أحدَهم لم يزلْ تعبانا في كل زمان.
سئل أحد الزهاد عن سبيل المسلم ليكون من صفوة الله، قال: إذا خلع الراحة، وأعطى المجهود في الطاعة.
قيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة.
ونظرة في سير الأنبياء نجد أنهم لم يبعثوا إلا بعد الأربعين، وما زالوا في دعوتهم حتى الموت، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه طعن ورأى الموت، ومع ذلك لم ينقطع عن العمل بل إنه ليواصلُ عملَهُ في صالح المسلمين وجرحُهُ يثعبُ دماً، فقد اختار مجلس الشورى ممن توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، وجاءه ذلك الشاب لزيارته فأنكر عليه ما رأى من الإسبال.
وقد: سئل حذيفة رضي الله عنه عن ميت الأحياء فقال: الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه.
2 - والبعضُ ينشغلُ في طلب الرزق ويُذهِبُ جلَّ وقته فِيه ويتعللُ بقلة ذات اليد وحاجةِ الأولاد. ونسي أن رزقه مكفولٌ له، وأن طلبَ الرزق لم يمنع الصحابةَ والتابعين وسلفَ الأمة من الدعوة والمساهمة في طرق الخير والإصلاح.(3/39)
قال - صلى الله عليه وسلم - : إن روحَ القدسِ نفثَ في رُوعي أنه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رزقَها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاءُ الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينالُ إلا بطاعته رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وأبو نعيم عن جابر، والبزار عن حذيفة، والحاكم عن ابن مسعود، وأبو نعيم عن أبي أمامة.
قال ابن القيم: جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: فاتقوا الله وأجملوا في الطلب مصالحِ الدنيا والآخرة ونعيمِها ولذاتِها، إن ما ينالُ بتقوى الله وراحة القلب والبدن وترك الاهتمام والحرص الشديد والتعب والعناء، والكد والشقاء في طلب الدنيا، إنما ينال بالإجمال في الطلب، فمن اتقى الله فاز بلذة الآخرة ونعيمها، ومن أجمل في الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها، فالله المستعان.
قد نادت الدنيا على نفسها لو كان في ذا الخلق من يسمع
كم واثق بالعيش أهلكه وجامعٍ فرقت ما يجمع
وقال ابن القيم: فائدة: لابد في قبول المحل لما يوضع فيه أن يفرغ من ضده، فقبولُ المحل لما يوضعُ فيه مشروطٌ بتفريغه من ضده، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات، فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبق فيه لاعتقادِ الحق ومحبتِهِ موضع، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل، وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شَغلُها بالطاعة إلا إذا فرغها من ضدها، فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به، لا يمكن شغلُهُ بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلقه بغيره.
قال عبد الله: حدثني أبي حدثنا سيار حدثنا جعفر قال: سمعت مالكاً يقول: بقدر ما تحزن للدنيا كذلك يخرج هم الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة كذلك يخرج هم الدنيا من قلبك.(3/40)
وقال تعالى: {فِي بِيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ رَجِالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}.
3 - الانشغال بالوظيفة فيذهبُ زَهرةُ وقته فيها، ويعتذر بأنه لا يستطيع أن يشاركَ في خير ما دام عملُهُ هكذا، أو يجير وظيفتَهُ ويحسبُها في إطار الدعوة ويخادع نفسه بذلك، وهو لا يقدم شيئا من الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، ولاشك أن الوظيفة من وسائل الدعوة إن استغلها ووظفها في ذلك، قال سفيان بن عيينة: من أصلح ما بينه وبين الله: أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه.
قلت لأحد الأطباء من الذين يعملون بعياداتهم إلى الساعة الخامسة عصرا: ما ذا قدمت لدينك؟ هل قلت يوما لمريض: هل أنت تؤدي الصلاة؟ ذكرته بمعاصيه الظاهرة؟ هل تحافظ على الأوراد؟ من الشافي المعافي؟ إنه الله. كيف تطلب الشفاء ممن تبارزه بالمعاصي؟.
فكأن هذا الأخ الطبيب انتبه من غفلة، وما تصور أنه بإمكانه أن يخدم دينه ويساهم في الخير بهذه البساطة.
4 - يقول البعض بأنه فاته القطارُ، وتجددت الوسائلُ وتغير الزمانُ، وأصبح لا يحسن العملَ في هذه الظروف!
وهذا لضعفِ الشعورِ بالمسؤوليةِ، وتبلدِ الإحساس، وتجمدِ الحماس.
عن مالك بن دينار قال: إن صدور المؤمنين تغلي بأعمال البر، وإن صدور الفجار تغلي بأعمال الفجور، والله تعالى يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله.
ولو كان قلب هذا يغلي أو فيه هم للآخرة لعرف كيف يخدم دينه.(3/41)
5 - إفساح المجال للآخرين: هذه يتعلل بها كثير من المتقاعسين وكأن المجال فيه ازدحامٌ، حتى أصبح هو عقبةً في طرقِ الخير، وليت هذا الأخَ أفسحَ المجالَ للآخرين في طلب الرزق والوظيفة والتي عليها قطاراتٌ من الناس ينتظرون وظيفتَهُ تشغر!.
قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ}، وقال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِينَ}، وقال سبحانه في وصف المؤمنين: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.
وكان عمر رضي الله عنه يحاول جاهداً مسابقة أبي بكر رضي الله عنه في الخير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمجموعُ أمتِه ( يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) تقومُ مقامَه في الدعوة إلى الله، ولهذا كان إجماعُهم حجةً قاطعةً، فأمتُه لا تجتمعُ على ضلالة، وإذا تنازعوا في شيء ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله وإلى رسوله.
وكلُّ واحدٍ من الأمةِ يجب عليه أن يقومَ من الدعوة بما يقدرُ عليه إذا لم يقم به غيرُه، فما قام به غيره: سقط عنه، وما عجز: لم يطالب به.
وأما ما لم يقم به غيرُه وهو قادرٌ عليه، فعليه أن يقومَ به، ولهذا يجب على هذا أن يقوم بما لا يجب على ذاك، وقد تقسطتِ الدعوةُ على الأمة بحسب ذلك تارة وبحسب غيره أخرى، فقد يدعو هذا إلى اعتقاد الواجب، وهذا إلى عمل ظاهر واجب، وهذا إلى عمل باطن واجب، فتنوعُ الدعوة يكون في الوجوب تارة، وفي الوقوع أخرى.
وقد تبين بهذا أن الدعوةَ إلى الله تجبُ على كل مسلم، لكنها فرضٌ على الكفاية، وإنما يجب على الرجل المعينِ من ذلك ما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره، وهذا شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبليغِ ما جاء به الرسول، والجهادِ في سبيل الله، وتعليم الإيمان والقرآن.(3/42)
وقد تبين بذلك أن الدعوة نَفسَها أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، فإن الداعي طالبٌ مستدعٍ مقتضٍ لما دعا إليه، وذلك هو الأمر به، إذ الأمر هو طلب الفعل المأمورِ به، واستدعاءٌ له ودعاءٌ إليه، فالدعاء إلى الله: الدعاء إلى سبيله، فهو أمر بسبيله، وسبيلُه تصديقُه فيما أخبرَ، وطاعتُهُ فيما أمر.
6 - التعذر بعدم البرامج والخُطط، وإلقاءُ اللوم على العلماء والمشايخ في ذلك وينتظر منهم كل شيء.
ولا يفكرُ أن يضعَ برنامجاً أو خطة في محيطِهِ الصغيرِ الذي يعايشه في حيه أو موقع وظيفته، فيجلس ينتظر البرنامج بزعمه، بينما لو أراد أن يبني بيتاً لعمل لذلك خططاً تجريبة لا تحصى، وقد قيل: الجالسون الخاملون لا تنتظر منهم أفكاراً جديدة في تطوير الأساليب والوسائل الدعوية، ومن ظن ذلك فقد اعتمد على الأوهام والأحلام، إن الذي لا يعيشُ همَّ الدعوة وينامُ ويستيقظُ عليها محال أن ترد عليه أفكارٌ في تطويرها والرفع من شأنها : ليست الثكلى كالمستأجرة.
7 - الانشغال بنقد الآخرين بأن هذا لا يحسن أن يلقي درساً، وذاك لا يعرف أن يكتب مقالاً، وفلان لا يصلح أن يشرف على عمل... الخ.
قال الحسن البصري في وصف أناسٍ مثل هؤلاء لما وجدهم قدِ اجتمعوا في المسجد يتحدثون: إن هؤلاء ملوا العبادة ووجدوا الكلامَ أسهلَ عليهم وقلَّ ورعُهم فتحدثوا، وقال الوليد بن مزيد: سمعت الأوزاعي يقول: إن المؤمنَ يقولُ قليلاً، ويعملُ كثيراً، وإن المنافقَ يتكلمُ كثيراً، ويعملُ قليلاً.
قال النسابةُ البكريُّ لرؤبةَ بنِ العجاج: ما أعداء المروءة؟ قال: تخبرني، قال: بنو عمِّ السوء: إن رأوا حسناً ستروه، وان رأوا سيئاً أذاعوه.
قال ابن زنجي البغدادي:
يمشون في الناس يبغون العيوبَ لمن*** لا عيب فيه، لكي يستشرفَ العطبُ
إن يعلموا الخيرَ يخفوه، وإن علموا *** شرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا.(3/43)
ومن أعراض هذا المرض أيضاً: التهويلُ والمبالغةُ، واستعمال العدسةِ المكبرةِ للتفتيش عن صغائرِ الغَير.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: يبصر أحدُكم القذاةَ في عين أخيه، وينسى الجذلَ أو الجذعَ في عين نفسه.
وتعذر نفسك إذا ما أسأت *** وغيرك بالعذر لا تعذر
وتبصر في العين منه القذى *** وفي عينك الجذع لا تبصر
وكيف ترى في عين صاحبك القذى *** ويخفى قذى عينيك وهو عظيم
8 - إبرازُ الشخصياتِ المتقاعسةِ وتعليلُ النفس بهم، وأنه ليس الوحيدَ في هذا المجال.
ونسي هذا الأخ بأنه يدفن وحدَه ويبعثُ يوم القيامة وحده وسيقفُ بين يدي الله وحده، فيومئذ: { يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} نسي هذا أنه في مضمار مسابقة. وقد لام الله تعالى القاعدين فقال سبحانه: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم}.
قال إبراهيم الحربي عن الإمام أحمد: ولقد صحبته عشرين سنةً صيفاً وشتاءً وحراً وبرداً وليلاً ونهاراً، فما لقيته في يوم إلا وهو زائدٌ عليه بالأمس.
قال حماد بن سلمة: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاعُ اللهُ فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعةِ صلاةٍ وجدناه مصلياً، وإن لم تكن ساعةُ صلاة وجدناه إما متوضئاً، أو عائداً مريضاً، أو مشيعاً لجَنَازة، أو قاعداً في المسجد، وكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله.
ذكر جرير بن عبد الحميد: أن سليمان التيمي لم تمر ساعةٌ قطُّ عليه إلا تصدقَ بشيء، فإن لم يكن شيءٌ، صلى ركعتين.
9 - الحساسيةُ المرهفةُ من النقدِ أو اللومِ، فالبعض لا يريدُ أن يلامَ أو يحاسبَ، أو ينتقدَ، فإذا واجه ذلك تأثرَ وانقطعَ عن العمل، إما بالشعور بالإحباطِ بأنه لا يحسنُ، أو أنه وصل إلى مقامٍ لا ينبغي أن ينتقدَ، أو أن مثلَ فلان كيف يوجهُهُ وينتقدُهُ.
وأين هذا من عمر رضي الله عنه حيث قال: رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا!.(3/44)
وهذا عمر بن عبد العزيز ـ الخليفة الراشد، التابعي العالم، الزاهد التقي، الإمام القرشي ـ يقول لمولاه مزاحم: إن الولاةَ جعلوا العيونَ على العوام، وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمةً تَربأُ بي عنها، أو فعلاً لا تحبُّه، فعظني عنده، وانهني عنه
قال بلال بن سعد لصاحبه: بلغني أن المؤمن مرآةُ أخيه، فهل تستريبُ من أمري شيئاً؟
قال ميمون بن مهران: قولوا لي ما أكرهُ في وجهي، لأن الرجلَ لا ينصحُ أخاه حتى يقولَ له في وجهه ما يكره .
قال بعض السلف: من حق العاقلِ أن يضيفَ إلى رأيه آراءَ العلماء، ويجمعَ إلى عقلِهِ عقولَ الحكماء، فالرأي الفذُّ ربما زلَّ، والعقل الفردُ ربما ضل.
10 - قد يتساقط أناسٌ بسبب أنه لا يذكرُ عملُهم أو ينوهُ به أو يحمدون عليه، وكأن عملَهم للناس، كأن يقول: ليس هنا أحدٌ يقدرُ الجهودَ أو ينظر في النتاج، أو يحترمُ العاملين، وما عندنا أحد ينزلُ الناسَ منازلَهم!!
وصدق الربيع بن خيثم رحمه الله حيث قال: كل ما لا يراد به وجهُ الله: يضمحل.
وقال ابن الجوزي: والصدقُ في الطلب منارٌ أين وجد يدلُّ على الجادة وإنما يتعثرُ من لم يخلص.
وقال الجيلاني: يا غلام: فقهُ اللسان بلا عمل القلب لا يخطيك إلى الحق خطوةً، السيرُ سيرُ القلب.
قال تعالى: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا }
روى حماد بن زيد عن أيوب قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين لو أتيت المدينةَ، فإن قضى الله موتاً، دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: والله لأن يعذبني اللهُ بغير النار أحبُّ إلي من أن يعلمَ من قلبي أني أراني لذلك أهلاً.
11 - تفريغُ الطاقة في التناجي بأن يناجي شخصاً بأن شيخَه ليس مؤهلاً، أو ليس عندَه برامجُ تواكبُ التطور، أو لا جديدَ عنده، فإذا وافقه صاحبُهُ على ذلك انتقل إلى آخر فيحدثه بمثل ذلك الحديث.(3/45)
وليس عنده بدائل يطرحُها ولا برامجُ يقترحها، وإنما حمله الحسدُ أو السآمةُ من العمل، أو حبُّ الرياسة والظهور، أو لا يريد أن ينقطعَ عن القافلة وحده.
قال السري السقطي البغدادي: ما رأيت شيئاً أحبطَ للأعمال، ولا أفسدَ للقلوب، ولا أسرعَ في هلاك العبد، ولا أدومَ للأحزان، ولا أقربَ للمقت، ولا ألزمَ لمحبة الرياء والعجب والرياسة من قلة معرفة العبدِ لنفسه، ونظرِهِ في عيوب الناس.
وتنافر القلوب لا يتعدى الأسباب التالية: فلتةُ لسان، أو هفوةٌ لم تغتفر، أو ظنٌّ متوهم.
قال ابن القيم رحمه الله: من قواعد الشرع، والحكمة أيضاً، أن من كثرت حسناتُه وعظمت، وكان له في الإسلام تأثيرٌ ظاهرٌ، فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل لغيره، وعفى عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماءِ القليل، فإنه لا يحتمل أدنى خبث.
ومن هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وهذا هو المانع له - صلى الله عليه وسلم - من قتل من جَسَّ عليه وعلى المسلمين وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه شهد بدراً، فدل على أن مقتضى عقوبتِهِ قائمٌ، لكن منع من ترتبِ أثرِهِ عليه ما له من المشهد العظيمِ، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات، ولما حض النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقةَ العظيمةَ قال: ما ضر عثمانَ ما عمل بعدها، وقال لطلحة لما تطأطأ للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد على ظهره إلى الصخرة: أوجب طلحة مفتاح دار السعادة (1/176)
وما الناس إلا من مسيء ومحسنٍ وكم من مسيء قد تلافى فأحسنا
من الذي ما ساء قط *** ومن له الحسنى فقط
من ذا الذي ترضا سجاياه كلُّها *** كفى المرءَ نبلاً أن تعد معايبُه(3/46)
12 - التنقلُ في الأعمال الخيرية على هيئة المذواق، كلُّ يوم في عمل، وله كل يوم منهجٌ وطريقةٌ، يمدح ذاك العملَ حيناً، ثم ينتقل إلى غيره مقدماً الجديدَ عليه حيناً آخر، وفي الأخيرِ يسقط لأنه لا يرضيه شيءٌ وقد جرب كلَّ ميدان! ولو أخذ ما يناسبه والأفضلَ في حقه لنال خيراً كثيراً، قال ابن القيم: وهاهنا أمرٌ ينبغي التفطنُ له: وهو أنه قد يكون العملَ المعيَّنُ أفضلَ منه في حق غيره، فالغني الذي بلغ له مالٌ كثيرٌ ونفسُه لا تسمحُ ببذل شيء منه فصدقتُه وإيثارُه أفضلُ له من قيام الليل وصيام النهار نافلة، والشجاع الشديد الذي يهاب العدوُّ سطوتَهُ: وقوفُهُ في الصف ساعة، وجهادُهُ أعداءَ الله أفضلُ من الحج والصوم والصدقة والتطوع.
والعالمُ الذي قد عرف السنة، والحلال والحرام، وطرقَ الخير والشر: مخالطتُهُ للناس وتعليمُهم ونصحهم في دينهم أفضلُ من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح
ووليُّ الأمر الذي قد نصبه الله للحكم بين عباده: جلوسُهُ ساعةً للنظر في المظالم وإنصافِ المظلومِ من الظالم وإقامةِ الحدود ونصرِ المحقِّ وقمعِ المبطل أفضلُ من عبادة سنين من غيره، ومن غلبت عليه شهوةُ النساء فصومه له أنفعُ وأفضلُ من ذكر غيره وصدقته.
وهذا مثالٌ من السلف الصالح يوضح تفاوتَ الطاقاتِ والقدراتِ:
عن بكر بن عبد الله قال: من سره أن ينظر إلى أعلم رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى الحسن فما أدركنا أعلمَ منه، ومن سره أن ينظرَ إلى أورع رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ابن سيرين إنه ليدعُ بعضَ الحلال تأثماً، ومن سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ثابت البناني فما أدركنا أعبد منه ( إنه ليظل اليوم المعمعاني.الطويل ما بين طرفيه صائماً يروح ما بين جبهته وقدمه )، ومن سره أن ينظر إلى أحفظ رجل أدركناه في زمانه وأجدرِ أن يؤدي الحديثَ كما سمع فلينظر إلى قتادة.(3/47)
13 - التنقل بين الشيوخ أو الجماعات أو الأفكار قال عمر بن عبد العزيز: ومن جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل فيملُّ فيتركُ الخيرَ كله، أو يصابُ بشكوك واضطراب في آرائه وأفكاره وتوجهاته، فيصبح يشك في كل من حوله.
فالثباتُ على منهج سليم فيما يعود على الإنسان من خيري الدنيا والآخرة يقي الإنسانَ من التردد والتغيرِ والتنقلِ والحيرة.
فإذا علمت أنك على الحقِّ ومتمسكٌ بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ومتبعٌ لمنهج السلف الصالح فلا يضيرك مخالفةُ غيرك, ولا يضعفك عن مسيرك فتنةٌ، ولا يوقفُك عنه ابتلاء.
14 - الخوف والهلع من المخلوقين. فتتحول مراقبتُهُ وخوفُهُ ورجاؤه إلى الخلق، ويوسوس له الشيطان في كلِّ عمل أو حركةٍ بأنه مؤاخذٌ به ومؤدبٌ عليه، فيترك كثيرا من الأعمال الصالحة، والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر؛ فتتطبعُ نفسُه على ذلك، حتى لا يتمعر وجهُه في ذات الله أبداً!!
قال تعالى: { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
قال ابن القيم : ومتى شهد العبدُ أن ناصيتَه ونواصي العباد كلِّها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء لم يخفهم بعد ذلك ولم يرجهم ولم ينزلهم منزلة المالكين، بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين، المتصرفُ فيهم سواهم، والمدبر لهم غيرُهم، فمن شهد نفسه بهذا المشهد صار فقرُهُ وضرورته إلى ربه وصفاً لازماً له، متى شهد الناسَ كذلك لم يفتقر إليهم، ولم يعلق أملَهُ ورجاءَهُ بهم، فاستقام توحيدُهُ وتوكلُهُ وعبوديتُهُ، ولهذا قال هود لقومه: { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
إن من غفلتِكَ عن نفسك، وإعراضِك عن الله، أن ترى ما يسخطُ اللهَ فتتجاوزه، ولا تأمرَ فيه ولا تنهى عنه، خوفاً ممن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً.(3/48)
قالوا السعادةُ في السكون *** وفي الخمول وفي الجمود
في العيش بين الأهل لا *** عيشُ المهاجر والطريد
في المشي خلف الركب في *** دعة وفي خطو وئيد
في أن تقول كما يقال *** فلا اعتراض ولا ردود
قلت: الحياةُ هي التحركُ *** لا السكونُ ولا الهمود
وهي التلذذ بالمتا *** عب لا التلذذُ بالرقود
هي أن تذود عن الحياض *** وأي حر لا يذود؟
هي أن تحسَّ بأن كأسَ *** الذل من ماء صديد
15 - ضعفُ الصلة بالله تعالى: فيقلُّ نصيبُهُ من نوافل الصيام والصلاة والصدقة، فإذا قل زادُهُ وانتهى وقوده تعطل من العمل، ولهذا كان السلف الصالح من أحرص الناس على تربية أنفسهم على التزود من الطاعات.
قال الوليد بن مسلم: رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه، يذكر الله حتى تطلع الشمس ويخبرنا عن السلف: أن ذلك كان هديَهم، فإذا طلعت الشمس، قام بعضهم إلى بعض، فأفاضوا في ذكر الله، والتفقه في دينه.
وقال ضمرة بن ربيعة: حججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومائة، فما رأيته مضطجعاً في المحمل في ليل ولا نهار قط، كان يصلي، فإذا غلبه النوم استند إلى القتب.
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: حدثنا بشر بن المنذر قال: رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع.
وكان يحيي الليل صلاة وقرآناً وبكاء، وكانت أمه تدخل منزلَهُ، وتتفقدُ موضعَ مصلاه، فتجده رطباً من دموعه في الليل.
قال ابن المنكدر: إني لأدخل في الليل فيهولُني، فأصبحُ حين أصبحُ وما قضيت منه أربي.
وعن ابن جريج: صحبت عطاء ثمانيَ عشرةَ سنة، وكان بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك.
عن نسير بن ذعلوق قال: كان الربيع بن خيثم يبكي حتى يبل لحيتَهُ من دموعه فيقول: أدركنا قوماً كنا في جنوبهم لصوصاً.
16 - الزواجُ وكثيراً ما يقع لمن تأخر عن الزواج أو من يعدد بعد زوجة تؤذيه، فينشغلُ بلذة الشهوةِ عن الدعوة.(3/49)
عن جعفر قال: وسمعت مالكاً يقول: ينطلق أحدهم فيتزوج ديباجةَ الحرم، قال: وكان يقال في زمان مالك ديباجةُ الحرم أجملُ الناس، وخاتونَ امرأةَ ملك الروم، أو ينطلق إلى جارية فقد سمتها أبواها وترفوها حتى كأنها زبدةُ فيتزوجها، فتأخذ بقلبه فيقول لها: أي شيء تريدين؟ فتقول: خماراً حسني، وأي شيء تريدين؟ فتقول: كذا وكذا، قال مالك: فتمرط والله دينَ ذلك القارئ ويدع أن يتزوج يتيمةً ضعيفةً فيكسوها فيؤجر.
17 - عدم التوازنِ في جوانب العبادةِ وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه كما قال - صلى الله عليه وسلم - : إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه فينشغل بجوانب الخير وطرقه، وينسى بعضَ الواجبات عليه، أو يغفلُ عنها، أو يهملها، أو لا يلقي لها بالا.
وفجأة يرى نفسه مثلا مفرطاً في بر الوالدين وصلة الأرحام، أو يرى نفسه مفرطاً في جانب ولده وأهله، وأنه لم يقم بتربيتهم على الوجه المطلوب، أو غير ذلك من الأمور فيحمٍلُ ذلك على انشغالِهِ بالدعوة فيفتر ويتركها.
ولو أن هذا الأخَ وازنَ بين الواجبات والمستحبات، وأعطى كل ذي حق حقه ونصيبَهُ، ما ترك شيئا من طرقِ الخير وأهملَهُ.
18 - دخولُهُ في عمل لا يتلاءمُ مع شخصيته وتكوينه وطاقاته وقدراته، فيفشلُ فيصاب بإحباط فيدع العمل، ولا يحاول التغيير.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قيمةُ كل امرئ ما يحسنه
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم ـ متباينين في الطاقات والقدرات، وكل أخذ بالعمل الذي يحسنه، وما رؤي أحد منهم عاطلاً عن العمل، فخالد سيف الله المسلول، وأقرؤكم أُبَي، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل.
وهذا أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ من أكبر المؤثرين في الدعوة، حتى أسلمت جلُّ غفار على يديه، ومع ذلك لا يصلح للإمارة كما أخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(3/50)
19 - يريد عملاً يتوافق مع خواطره وتخيلاته، وهذا العمل غيرُ متمثل في واقعه، أو غيرُ ممكن تطبيقه. فتتحول نظراتُهُ وخواطرُهُ إلى خيالات مثالية، ويعتذر بها عند كل من يطلب منه أن يشارك في خير، أو إصلاح.
وقال ابن مسعود: إذا أراد الله بعبد خيراً سدده وجعل سؤاله عما يعينه وعلّمه فيما ينفعه.
قال زيد بن علي لا بنه: يا بني اطلب ما يعنيك بترك ما لا يعنيك فإنه في تركك ما لا يعنيك دركاً لما يعنيك، واعلم أنك تقدم على ما قدمت ولست تقدم على ما أخرت فآثر ما تلقاه غداً على ما لا تراه أبداً.
20 - استعجالُ الثمرة واستبطاءُ الطريق:
ونسي أنه وقف لله تعالى، يذهب مع مرادات محبوبه أينما توجهت ركائبها لا يبتغي لها أجراً، ولا ينتظر منها ذكراً، قالت فاطمة بنت عبد الملك تصف زوجَها عمرَ بن عبد العزيز: كان قد فرغ للمسلمين نفسَهُ، ولأمورهم ذهنه، فكان إذا أمسى مساءً لم يفرغ فيه من حوائج يومه وصل يومَهُ بليلته.
قال بعض أصحاب عمر بن عبد العزيز القدامى لعمر: لو تفرغت لنا فقال: وأين الفراغ؟ ذهب الفراغ فلا فراغ إلا عند الله.
قالوا عن محمد بن أحمد الدباهي: لازمَ العبادةَ، والعملَ الدائم والجد، واستغرق أوقاته في الخير.. صلبٌ في الدين، وينصحُ الإخوان، وإذا رآه إنسان: عرف الجدَّ في وجهه.
ولما تعجب غافل من باذل وقال له: إلى كم تتعب نفسك؟ كان جواب الباذل سريعاً حاسماً: راحتها أريد.
عجبت لهم قالوا: تماديت في المنى *** وفي المثل العليا وفي المرتقى الصعب
فاقصر ولا تجهد يراعك إنما *** ستبذر حبا في ثرى ليس بالخصب
فقلت لهم: مهلاً، فما اليأس شيمتي *** سأبذر حبي والثمار من الرب
إذا أنا بلغت الرسالة جاهدا *** ولم أجد السمع المجيب فما ذنبي؟(3/51)
21 - الانفصالُ عن الأخيار العاملين: فيبقى يصارع الشيطان وحده، فيجتمع عليه الهوى والنفسُ الأمارةُ بالسوء والشيطانُ حتى يغلبوه، وهذا السر في قوله - صلى الله عليه وسلم - : إنما يأكل الذئبُ القاصية رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وقد كان السلف الصالح لا يراهنون على إخوانهم أبداً حتى وصل بهم الأمرُ أن يقرنوهم بالصلاة في أهميتها وعظمها.
عن محمد بن واسع قال: ما بقي في الدنيا شيءٌ ألذُّ به إلا الصلاةَ جماعة ولقيا الإخوان.
وقال الحسن البصري: لم يبق من العيش إلا ثلاثٌ: أخٌ لك تصيب من عشرته خيراً، فإن زغت عن الطريق قومك، وكفافٌ من عيش ليس لأحد عليك فيه تبعة، وصلاةٌ في جمع تُكفى سهوَها، وتستوجب أجرَها
قال الحسن البصري عن المؤمن: هو مرآةٌ، إن رأى منه ما لا يعجبه: سدده وقومه ووجهه، وحاطه في السر والعلانية.
فالعين تنظر منها ما دنا ونأى*** ولا ترى نفسها إلا بمرآة
قال عمر بن عبد العزيز: من وصل أخاه بنصيحة له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته، وأدى واجبَ حقه...
قال الشافعي رحمه الله: ما نصحت أحداً فقبل مني إلا هبتُهُ واعتقدت مودتَّهُ، ولا ردَّ أحد علي النصحَ إلا سقط من عيني ورفضتُهُ .
وقد وصف الله أهل الزيغ بأنهم لا يرغبون في النصح ولا يحبون أهله قال تعالى: { وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ }
ما عاتب المرءَ الكريمَ كنفسه *** والمرءُ يصلحه الجليس الصالح
22 - التفكير العقيم بأن مجالات الدعوة محدودةٌ برقم محدد وقد أغلقت كلُّها، أو أنه لا يحسنها، فيفترُ ولا يحاول التفكيرَ بأساليبَ جديدةٍ، أو يستصعبها فيتركها.(3/52)
ومن ظن أن أحداً من المخلوقين كائناً من كان يستطيع أن يغلق جميع منافذ وسبل الدعوة فقد ظن بالله ظن السوء وما قدر الله حق قدره، قال تعالى: { يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ }، قال ابن القيم: ومن ظن إدالةَ أهلِ الكفر على أهل الإسلام إدالةً تامة فقد ظن بالله ظن السوء، قال ابن الجوزي: ومن الصفوة أقوام مذ تيقظوا ما ناموا، ومذ سلكوا ما وقفوا، فهمهم صعودٌ وترقٍّ، كلما عبروا مقاماً رأوا نقصَ ما كانوا فيه فاستغفروا.
عن هارون البربري قال: كتب ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز: إني شيخ كبير رقيق، كلفتني أن أقضي بين الناس - وكان على الخراج والقضاء بالجزيرة - فكتب إليه: إني لم أكلفك ما يُعنِّيك، اِجب الطيبَ من الخراج، واقض بما استبان لك، فإذا لَبِّس عليك شيءٌ، فارفعه إلي، فإن الناس لو كان إذا كبر عليهم أمرٌ تركوه، لم يقم دين ولا دنيا.
وقد تسيطر على تفكيره بعض مجالات وطرق الدعوة، ويتصور أن نشر هذا الدين والدعوة إليه لا تكون إلا بها! كمن يرى أن الدعوة هي في المحاضرات، والدروس، أو نشر شريط وكتاب، ونسي الطرق الأخرى مثل الدعوة بالقدوة الحسنة، والكلمة الطيبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الرحم وتوجيههم ونصحهم، والتلطف للناس وحسن معاملتهم الخ.
23 - التنقل بين البلدان والاصطدام بواقع لا يعرفه: فلا يخطط للعمل في الموطن الجديد، ولا يعمل ذهنَهُ في الوسائل المناسبة، فيصطدمُ من أول يوم بوضع غير الذي يعرفُه بسبب تقصيرِه في فهم البلد وأنظمتِه، أو عاداتِ وتقاليدِ أهله، فيصاب بإحباط ويدعُ العمل.
أو يتعلقُ ببلد معين ويستميت في الوصول إليه والسكن فيه بحجة أنه أفضل، أو أن البلد الذي فيه لا يستحقُّ جلوسَ أمثاله فيه.(3/53)
ونسي أنه عاملٌ وداعية، أرضُه وبلده التي يتمكن فيها من نشر دعوته بين الناس، وإخراجهم فيها من الظلمات إلى النور، فقد يكون بلدُ بنفسه فاضلاً على غيره، لكن المفضول أحياناً يكون أفضلَ منه للمسلم لهذه الحيثية.
قال أبو هريرة: لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلى من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود .
قال ابن تيمية: ولهذا كان أفضل الأرض في حق كل إنسان أرضٌ يكون فيها أطوعَ لله ورسوله، وهذا يختلف باختلاف الأحوال، ولا تتعين أرض يكون مقامُ الإنسان فيها أفضلَ وإنما يكون الأفضلُ في حق كل إنسان بحسب التقوى والطاعة والخشوع والخضوع والحضور، وقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان: هلم إلى الأرض المقدسة! فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس العبد عمله، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وكان سلمان أفقه من أبي الدرداء في أشياء من جملتها هذا.
24 - يقع في معصية فيستثمرها الشيطان ويرابي بها، ويقول: كيف تدْعُو إلى الله تعالى وأنت وقعت في كذا وعملت كذا، فلا يزال به حتى يقعده عن العمل والطاعة فيضيف إلى معصيته معصية أخرى وهي القعود عن أعمال الخير.
ونسي أخونا الكريم أن الحسنات يذهبن السيئات.
25 - المنافسة بين الأقران: فإذا رأى أن قرينه قد فاقه في علم أو عمل تعاظم ذلك في نفسه، وكره أن يمشي معه في سبيل واحد، واختار القعود على أن يقال: إنه أقل من فلان وفلان، ونسي: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .(3/54)
26 - حب الرياسة والعلو: فحين يرى أنه لم يتبوأ مركزاً في الدعوة، يتعاظمُ أن يكون تابعاً لغيره أنفةً وترفعاً وكبراً، وفي الحديث الذي رواه أحمد والترمذي والدارمي عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم - : مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ.
قال الفضيل بن عياض: ما أحب أحد الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب ليتميز هو بالكمال، ويكره أن يذكرَ الناسُ أحداً عنده بخير، ومن عشق الرياسة فقد تُودِّع من صلاحه.
قال عبيد الله بن الحسن العنبري: لأن أكون ذنباً في الحق: أحبُّ إلي من أن أكون رأساً في الباطل.
قال ذلك حين رجع عن أقوال له خالفت السنة، فقيل له في ذلك وأنك لم تعد في مكانتك السابقة لما كنت على تلك الأقوال.
27 - التفرغ لعمل علمي، أو بناء بيت أو غير ذلك لبضع سنوات، فيخمدُ حماسُه، ويضعف تجاوبُه مع الدعوة، وينسى كثيراً من الأساليب والأفكار، ويستجد أعمالٌ وأحوالٌ، فتعظم عليه الأمور ويفضل أن يعيش في الظل بعيداً عن الأضواء، ويألف الوحدة والانزواء.(3/55)
روى الترمذي وأبو داود عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ قَالَ: كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنَ الرُّومِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا: { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاحِهَا وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ، فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ.
28 - ترك العمل بسبب ظروف طارئة، وأحوال عصيبة، ينتظر تجليتها، ويرقب الفرج، ويأمل كشف الغربة، وينسى أن تجلية الغربة لا تتأتى بالكسل والخمول والنوم، ولم يتفكر كيف كُشفت الغربة الأولى هل جلس أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة ينتظرون كشفها أم قاموا على قدم وساق حتى كشفوها.(3/56)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كثير من الناس إذا رأى المنكر، أو تغير كثير من أحوال الإسلام، جزع وكلّ وناح كما ينوح أهل المصائب وهو منهي عن هذا، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأن العاقبة للتقوى، وأن ما يصيبه فهو بذنوبه فليصبر، إن وعد الله حق، وليستغفر لذنبه، وليسبح بحمد ربه بالعشي والإبكار...
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ثم يعود غريباً كما بدأ : أعظم ما تكون غربته إذا ارتد الداخلون فيه عنه، وقد قال تعالى: { مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } فهؤلاء يقيمونه إذا ارتد عنه أولئك.
وكذلك بدأ غريباً ولم يزل يقوى حتى انتشر، فهكذا يتغرب في كثير من الأمكنة والأزمنة ثم يظهر حتى يقيمَه الله عز وجل كما كان عمر بن عبد العزيز لما وَلِيَ قد تغرب كثير من الإسلام على كثير من الناس حتى كان منهم من لا يعرف تحريم الخمر، فأظهر الله به في الإسلام ما كان غريباً.
وما علم هذا الأخ بأنه في وقوفه ينزل ويضعف إيمانه. يقول ابن القيم رحمه الله: والقصد: أن إضاعة الوقت الصحيح يدعو إلى درك النقيصة، إذ صاحب حفظه مترق على درجات الكمال، فإذا أضاعه لم يقف موضعه بل ينزل إلى درجات من النقص، فإن لم يكن في تقدم فهو متأخر ولا بد، فالعبد سائر لا واقف: فإما إلى فوق وإما إلى أسفل، إما إلى أمام وإما إلى وراء.(3/57)
وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة، ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ ومتقدم ومتأخر وليس في الطريق واقف البتة، وإنما يتخالفون فى جهة المسير وفي السرعة والبطء،كما قال تعالى: ((إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر )) ولم يذكر واقفا إذ لا منزل بين الجنة والنار ولا طريق لسالك إلى غير الدارين البتة فمن لم يتقدم إلى هذه الأعمال الصالحة فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة.
29 - خشيَ على وظيفتِه أو جاهِه ومركزِه، ففضلَ البعدَ عن العمل، وسوَّل له الشيطان أن الفترة قصيرةٌ، وأن هذا من التخطيط السليم، فتحول تفكيرُه وعمله إلى المحافظة على مركزه ومكانته، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَلا لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ.
30 - تمكن الشيطان من إلقاء الشبهات في قلبه وبخاصة في وقت الفتن، فيبدأ في مراجعة حساباته لا لتقويمها وسد الثغرات، ويقظة الحراسة، وإنما لتبدل القناعات لديه من غير دليل صحيح صريح.
وهذا هو الذي خشيه خبير الفتن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حينما قال له أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه: أوصني، قال: إن الضلالةَ حقَّ الضلالةِ أن تعرفَ ما كنت تنكر وتنكرَ ما كنت تعرف، وإياك والتلونَ في الدين فإن دينَ الله واحد.
عن محمد بن سيرين قال: قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: إنكم لن تزالوا بخير ما لم تعرفوا ما كنتم تنكرون وتنكروا ما كنتم تعرفون، وما دام عالمكم يتكلم بينكم غيرَ خائف.
وعن إبراهيم النخعي كانوا يرون التلون في الدين من شك القلوب في الله.
وقال مالك: الداء العضال التنقل في الدين.(3/58)
31 - كابد وجاهد نفسه فتعب ومل وترك العمل: ولا ندري كم من العقود جاهد وكابد فيها هذا الأخ الكريم!
ألم يقرأ سير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }
قال ابن القيم: وطالب النفوذ إلى الله والدار الآخرة، بل وإلى كل علم وصناعة ورئاسة، بحيث يكون رأساً في ذلك مقتدى به فيه، يحتاج أن يكون شجاعاً مقداماً، حاكماً على وهمه، غيرَ مقهورٍ تحت سلطانِ تخيله، زاهداً في كل ما سوى مطلوبه، عاشقاً لما توجه إليه، عارفاً بطريق الوصول إليه، والطرقِ القواطعِ عنه، مقدامَ الهمة، ثابتَ الجأش، لا يثنيه عن مطلوبه لومُ لائم ولا عذل عاذل، كثيرَ السكون، دائمَ الفكر، غير مائل مع لذة المدح ولا ألم الذم، قائماً بما يحتاج إليه من أسباب معونته، لا تستفزه المعارضاتُ، شعاره الصبرُ وراحته التعب.
قال ابن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
وهذا الإمام القدوة شيخ الإسلام ثابت البناني يقول: كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة.
روى منصور بن إبراهيم قال: قال فلان: ما أرى الربيع بن خثيم تكلم بكلام منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد، وعن بعضهم قال: صحبت الربيع عشرين عاماً ما سمعت منه كلمة تعاب.
قال مالك: كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر، مكث ستين سنة يفتي الناس.
قال الإمام القدوة ربيعة بن يزيد: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً.
كان المحدث الثقة بشر بن الحسن يقال له: ( الصفي ) لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين سنة.
وقيل لكثير بن عبيد الحمصي عن سبب عدم سهوه في الصلاة قط، وقد أم أهل حمص ستين سنة كاملة فقال: ما دخلت من باب المسجد قط وفي نفسي غير الله.(3/59)
قال إبراهيم الحربي عن الإمام أحمد : ولقد صحبته عشرين سنة صيفاً وشتاءً وحراً وبرداً وليلاً ونهاراً فما لقيته في يوم إلا وهو زائد عليه بالأمس.
وقال أبو الوفاء بن عقيل: إني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة .
قال ابن القيم: يا مخنث العزم أين أنت والطريق، طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، واضطجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسفُ بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيدُ الحصورُ يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد - صلى الله عليه وسلم - ، تزهى أنت باللهو واللعب.
32 - قد يقول: الحمد لله أنا من الأخيار، وليس عندي معاص، وليس كل الناس دعاة!! ولا أدري مم أعجب هل من تزكية هذا الأخِ الكريمِ لنفسه، أم من جهله بأن التقصير في الدعوة ليس من المعاصي!
قال ابن القيم: ليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة، بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله، وأكثرُ الديّانينَ لا يعبأون منها إلا بما شاركهم فيه عمومُ الناس، وأما الجهادُ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ورسوله وعباده، ونصرة الله ورسوله ودينه وكتابه، فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم فضلاً عن أن يريدوا فعلها، وفضلاً عن أن يفعلوها، وأقل الناس ديناً، وأمقتهم إلى الله: من ترك هذه الواجباتِ، وإن زهد في الدنيا جميعِها، وقلَّ أن ترى منهم من يُحمرُ وجهُه ويمعره لله ويغضب لحرماته، ويبذل عرضه في نصرة دينه، وأصحابُ الكبائر أحسن حالا عند الله من هؤلاء.
قال تعالى: { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإنما يتم الاهتداء إذا أطيع الله وأدي الواجب من الأمر والنهي وغيرهما، ولكن في الآية فوائد عظيمة:(3/60)
أحدها: أن لا يخافَ المؤمنُ من الكفار والمنافقين، فإنهم لن يضروه إذا كان مهتدياً.
الثاني: أن لا يحزنَ عليهم ولا يجزعَ عليهم، فإن معاصيَهم لا تضره إذا اهتدى، والحزنُ على ما لا يضر عبث، وهذان المعنيان مذكوران في قوله: { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ }.
الثالث: أن لا يركن إليهم، ولا يمد عينه إلى ما أوتوه من السلطان والمال والشهوات، كقوله: { لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ }، فنهاه عن الحزن عليهم والرغبة فيما عندهم في آية، ونهاه عن الحزن عليهم والرهبة منهم في آية، فإن الإنسان قد يتألمُ عليهم ومنهم، إما راغباً وإما راهباً.
الرابع: أن لا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أو ذمهم، أو نهيهم أو هجرهم، أو عقوبتهم، بل يقال لمن اعتدى عليهم: عليك نفسك لا يضرُّك من ضل إذا اهتديت، كما قال: { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } الآية، وقال: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ }، وقال:{ فَإِنِ انْتهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ }، فإن كثيراً من الآمرين الناهين قد يعتدون حدود الله إما بجهل وإما بظلم، وهذا باب يجب التثبت فيه، وسواء في ذلك الإنكارُ على الكفار والمنافقين الفاسقين والعاصين.
الخامس: أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع، من العلم والرفق، والصبر، وحسن القصد، وسلوك السبيل القصد، فإن ذلك داخلٌ في قوله: { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ }، وفي قوله: { إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }.
فهذه خمسة أوجه تستفاد من الآية لمن هو مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيها المعنى الآخر، وهو:(3/61)
السادس: إقبال المرء على مصلحة نفسه علماً وعملاً، وإعراضه عما لا يعنيه، كما قال صاحب الشريعة: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه، ولاسيما إن كان التكلم لحسد أو رئاسة.
وكذلك العمل فصاحبه إما معتدٍ ظالمٌ، وإما سفيهٌ عابثٌ، وما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله ويكون من باب الظلم والعدوان.
فتأملُ الآية في هذه الأمور من أنفع الأشياء للمرء، وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة: علماؤها وعبادها وأمراؤها ورؤساؤها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل، كما بغت الجهمية على المستنة في محنة الصفات والقرآن، محنة أحمد وغيره، وكما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة، وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته، وكما قد تبغي المشبهة على المنزهة، وكما يبغي بعض المستنة إما على بعضهم وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به، وهو الإسراف المذكور في قولهم: { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا }.
وإزاء هذا العدوان تقصير آخرين فيما أمروا به من الحق، أو فيما أمروا به من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في هذه الأمور كلها، فما أحسن ما قال بعض السلف: ما أمر الله بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر: غلوٍّ أو تقصيرٍّ .
فالمعين على الإثم والعدوان بإزائه تاركُ الإعانة على البر والتقوى، وفاعل المأمور به وزيادةٍ منهيٍّ عنها بإزائه تاركُ المنهي عنه وبعضِ المأمور به، والله يهدينا الصراط المستقيم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
33 - قد يركز على شريحة من المجتمع وأنها مجال العمل فيفشل في التعاون معها ويصاب بإحباط ويأس، وينسى أن ديننا ليس لمجموعة دون غيرها ولا لطبقة بعينها.(3/62)
إن أي دعوة تهمل شريحة من المجتمع تعتبر ناقصة ومآلها إلى الانحسار، وقد تميزت الدعوة الإسلامية باحتوائها جميع طبقات المجتمع، وتوظيفِ جميع طاقات، فليس في المجتمع المسلم عنصرٌ مهملٌ أو مبعد أو مركون مهما كان.
وإن من كمال الدين وعالميته مخاطبته للجميع وتوظيف جميع أفراد الأمة فلا اعتبار للصور والهيئات والأشكال:
عن حارثة بن وهب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف مُتَضَعّف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُل جوّاظ مستكبر متفق عليه.
وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لايزن عند الله جناح بعوضة متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رب أشعثَ مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا.(3/63)
قال الشاطبي: يقال: أنه - أي فرض الكفاية - واجب على الجميع على وجه من التجوز، لأن القيام بذلك الفرضِ قيامٌ بمصلحة عامة، فهم مطلوبون بسدها على الجملة، فبعضهم هو قادر عليها مباشرة وذلك من كان أهلا لها، والباقون وإن لم يقدروا عليها قادرون على إقامة القادرين، فمن كان قادراً على الولاية فهو مطلوبٌ بإقامتها، ومن لا يقدر عليها مطلوب بأمر آخر، وهو إقامةُ ذلك القادر وإجبارُه على القيام بها، فالقادر إذن مطلوب بإقامة الفرض، وغير القادر مطلوب بتقديم ذلك القادر، إذ لا يتوصل إلى قيام القادر إلا بالإقامة، من باب ما لا يتم الواجب إلا به.
34 - رأى كثرة الفساد وانتشاره واستحكام كثير من الشر فرأى أن الأفضلَ اعتزالُ الناس وتركُهم.
ما أسهل العزلة عن الخلق وترك التبعة: يروي لنا التابعي الكوفي، الفقيه النبيل عامر الشعبي: أن رجالاً خرجوا من الكوفة، ونزلوا قريباً يتعبدون، فبلغ ذلك عبد الله بن مسعود، فأتاهم، ففرحوا بمجيئه إليهم، فقال لهم: ما حملكم على ما صنعتم؟ قالوا: أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبد. فقال عبد الله: لو أن الناس فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو؟ وما أنا ببارح حتى ترجعوا.
قال ابن الجوزي: وعلى الحقيقة الزهاد في مقام الخفافيش، قد دفنوا أنفسهم بالعزلة عن الناس، وهي حالة حسنة إذا لم تمنع من خير، من جماعة واتباع جنازة وعيادة مريض، إلا أنها حالةُ الجبناء. فأما الشجعان فهم يتعلمون ويعلمون، وهذه مقامات الأنبياء عليهم السلام.
حسبوا بأن الدين عزلةُ راهب *** واستمرءوا الأوراد والأذكارا
عجباً أراهم يؤمنون ببعضه *** وأرى القلوب ببعضه كفارا
والدين كان ولا يزال فرائضاً *** ونوافلاً لله واستغفارا
والدين ميدان وصمصام وفر*** سان تبيد الشر والأشرارا
والدين حكم باسم ربك قائم *** بالعدل لا جوراً ولا استهتارا
الخاتمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(3/64)
فلعل الجميع يدرك أهمية الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب على عامة المجتمع على مختلف أصنافه وطبقاته، وعلى جميع أجهزته وإداراته.
وأن العمل للدين مسئولية الجميع كل بحسبه، وأن على المسلم بوجه عام والداعية وطالب العلم على وجه الخصوص المساهمة الفعلية في خدمة الإسلام والدعوة إليه والذب عن حياضه.
وليعلم كل مسلم أنه في هذه الحياة إما يتقدم إلى الخير والإيمان أو يتأخر نحو المعصية والنقصان، فليس هناك وقوف واستراحة، فليراقب كل إنسان نفسه ويحاسبها، وليكن يقظا من أن ينحدر إلى دركات النقص وهو لا يشعر.
فالله ألله يا أهل العلم والدعوة لا يغلبنكم أهل الباطل ومروجوا الفساد، فإنكم إن تخاذلتم وتكاسلتم غلبوكم حتى على أهليكم وأولادكم، (( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ))
فانظر أخي الكريم ما رصيدك من الخير وما نصيبك من الاحتساب، وما سهمك في تلك القافلة التي يقودها الأنبياء والمرسلون عليهم السلام وقد حطوا رحالهم في الجنة، كيف ترضى أن تؤخر عنهم، وتبعد عن طريقهم بسبب تفريطك وإهمالك!
أخي وفقك الله: إن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب الجميع وفريضة الكل، من عرف آية من كتاب الله تعالى حق عليه أن يعلمها، من تعلم حديثا من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب عليه إبلاغه، من فقه مسألة فعليه إيصالها إلى من يستفيد منها.
لقد تعددت وسائل الدعوة وطرقها فأين وقع سهمك؟
لماذا تبكي كثير من المساجد من قلة الرواد! لماذا خلا كثير منها من الوعظ والإرشاد؟
القرى والهجر تشكو الجهل وتحن إلى معلم الناس الخير! الصحف والمجلات تخلو كثير منها من قائم لله بحجة!(3/65)
إن الدعوة إلى الله تعالى أعظم من أن يحتكرها أناس، وأكبر من أن تحد بمواسم خاصة ومناسبات محدودة، الدعوة آية تتلى وحديث يروى، ودرس يلقى، وكتاب يصنف، وخطبة تحرر، وموعظة تؤثر، ومجلة تنشر، وشريط يوزع، ونصيحة تهدى، وأذكار تحفظ، ومال من حلال ينفق، وعلم نافع ينشر، وأمر ونهي، وصلة وبر، وإحسان للجيران، وتفقد للفقراء والمعوزين.
فالبدار البدار والمسابقة المسابقة والتنافس التنافس في طرق الخير وسبل الحق، روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن ينصر دينه وأن يجعلنا من أنصاره، وأن يعلي كلمته وأن يبرم لهذه الأمة أمرا رشيدا يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه المعروف وينهى فيه عن المنكر. وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد.
ــــــــــــــــــ
29 سببا للانهزامية في الدعوة إلى الله
خالد بن إبراهيم الصقعبي
أسباب الانهزامية(3/66)
1- ضعف الإيمان بالله تعالى: فهذا السبب سبب لكل بلية , وله مظاهر كثيرة جدًا؛ منها: عدم الغيرة والغضب إذا انتهكت محارم الله؛ لأن لهيب الغيرة في قلبه قد انطفأ , فتعطلت الجوارح عن الإنكار , والرسول - صلى الله عليه وسلم - يصف هذا القلب المصاب بالضعف بقوله في الحديث الصحيح عن حذيفة قال : [تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا (أي دخلت فيه دخولاً تامًا) نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ (أي نقط فيه نقطة) وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا (بياض يسير يخالطه السواد) كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا (مائلاً منكوسًا) لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ] أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد .
2- ضعف جانب العبادة عند الإنسان: فإذا كان الإنسان كذلك فإنه لا يكون لديه الدافع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ بل إن الضعف في جانب العبادة عن بعض الناس قد يتعدى الأمر فيه إلى ضعف في أداء بعض الواجبات فضلاً عن السنن , وفرض الكفايات.
3-عدم تصور أضرار المعاصي على الفرد والمجتمع : وبالتالي لا يتحرك قلب من رأي حدود الله تنتهك , فيقعده ذلك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو يظن أنه في مأمن من العقوبة إذا نزلت مع أن العذاب إذا نزل عم الصالح , ثم يبعث الناس على قدر نياتهم.
4-الانعزال وعدم مخالطة الناس بحجة عدم تحمل رؤية المنكرات.
5- الحياء المذموم: فكثير من الناس يخلط بين الحياء المحمود والحياء المذموم، فحينما يرى منكرًا,فيعرض عن الإنكار بحجة الحياء , فيرى أن ذمته قد برئت؛ بل ربما حمد نفس على ذلك.(3/67)
6- التردد على أماكن اللهو والعبث بدون قصد الإنكار عند رؤية المنكر:
وهذا يجعله ينتقل بين ثلاث مراحل هبوطًا :
المرحلة الأولى : يورث عند الإنسان قلة الإحساس.
المرحلة الثانية: تدب في النفس إلف المعصية.
المرحلة الثالثة : يزول قبحها من القلب.
7-مجالسة أهل الفسق : إن الانغماس في ملذات الدنيا وشهواتها يتطلب مجالسة أهل الفسق؛ فيرى عدم الإنكار عليهم ؛ حتى لا يتعطل في أمور تجارته كما يزعم، وربما تطلب الأمر سفرًا إلى بلاد الانحلال لغرض التجارة ؛ ثم ما يلبث إلا أن يرى أصنافًا من الملاهي والمنكرات فتطنطفئ نار الغيرة في قلبه.
8-التحجج بمعرفة الناس للحق واليأس في صلاحهم: وكم كنا نسمع تلك العبارة (فلان لا يجهل هذا)، (فلان لا أظنه يرجع للحق ؛ حتى ولو ولج الجمل في سم الخياط).
9-عدم تصور فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إن وجود هذا السبب راجع في المقام الأول للجهل حيال فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما يترتب عليه من المصالح الدنيوية والأخروية.
10-الخوف من الرياء: والقعود عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر احتجاجًا بذلك , إن من فعل هذا لم يسلم , ولم تبرأ ذمته ؛ لأنه وقع فيما فر منه كما قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: (ترك العمل من أجل الناس رياء , والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما).
11- المصائب التي تصيب الإنسان: كالمرض والحاجة، وغير ذلك، وكذا مشاغل الحياة و كم هم الذين يبدؤون مشوار الدعوة في شبابهم، ثم لا يلبث الصف إلا أن يتناقض شيئًا فشيئًا حتى يصبح الكثير منهم صرعى على جنبات الطريق ؛ منهم من توسع في تجارته أو تزوج و انشغل بزوجه وغير ذلك.
12- ترك الاحتساب على فئة معينة من الناس: لمنزلة دينية أو دنيوية أو قرابة أو صداقة بينهما , وهو في المقابل ينكر على من سواهم.(3/68)
13- استعجال الثمرة: فنجد كثيراً من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يتعلّقون بتلك الحجة الواهية التي مفادها (إني لا أرى أثرًا لدعوتي)، وهذه العجلة لها صور في حياة الناس؛ منها:
أ- استعجال نزول العذاب بالمخالفين؛ قال تعالى: ] فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا(84)[سورة مريم .
ب- ترك الدعاء ؛ فعن أبي هريرة قال :قال - صلى الله عليه وسلم - : [لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ] رواه السبعة ماعدا النسائي.
ج- استعجال النصر دون التمكن من أسبابه.
14- ضغط الأهل : وإلحاحهم على الولد لترك مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فييتذرع ذلك الشخص أن طاعة الوالدين واجبة , وقيامه بهذا الأمر مستحب , والواجب مقدم على السنة , فيتذرع بذلك فيترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
15- عدم الشعور بالمسؤولية: واعتقاد أن هذا الأمر مقصور على جهة معينة , فتبدأ مرحلة اللوم حال رؤية المنكر , ويظن أن ذمته قد برئت بذلك، ولهذا السبب صور كثيرة جدًا منها:
الصورة الأولى: إلقاء اللوم على رجال الهيئة , وتحميلهم المسئولية عن المنكرات التي قد توجد في الأسواق والطرقات.
الصورة الثانية: تتجلى في تخلف بعض الناس عن صلاة الجماعة، فيظن بعض الناس أن هذه مسؤولية إمام المسجد فقط.
الصورة الثالثة: المنكرات التي توجد في بيوتنا التي نسكنها , فالبعض يعتقد أن إزالتها تقع على قيم البيت فقط.
16- وقوع الشخص وإلمامه ببعض المعاصي: حتى يشعر نفسه بعد ذلك ليس بترك مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحسب؛ بل ربما رأى عدم جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(3/69)
17-الفهم الخاطئ لبعض النصوص الشرعية : فهم بعض الناس فهماً خاطئاً لقوله تعالى: ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(105)[ سورة المائدة ، فكثير من الناس يتصور أنه ليس مسؤولاً عن المنكرات ما دام قد ألزم نفسه بلزام الشرع , وألجمها بلجام الحق.
18- استطالة الطريق وعدم تصور سنن الله في خلقه وأن العاقبة الحميدة للمتقين.
19- الحسد: إن من الشدائد في حياة الدعاة أن يكون الداعية دائرًا بين مؤمن يحسده , وبين منافق يبغضه , وبين كافر يقتله , وبين شيطان يضله , وبين نفسه تنازعه , ولكن مما يؤلم أن يكون الحسد من شخص يسير معه في نفس الطريق؛ طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن هذا الصنف أردت الحديث , أليس من العجب أننا نرى في بعض الأماكن أن الدعاة قبل عشر سنوات هم دعاة اليوم , وليس غيرهم ما السبب؟ قد يكون سوء تدبير وتصرف من أولئك الدعاة , ولكنا يجب أن لا نغفل جانب الحسد خاصة وإذا علمنا أن من أسباب الحسد الخوف من انفراد أحد الدعاة بمقصوده في الدعوة ونجاحه في ذلك.
20- عدم التربية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: كثير من أولياء الأمور لا يربون أولادهم على هذا الجانب؛ بل ربما رُبي الولد على ترك مثل هذا.
21- تحقير الذات وقدراتها: (من أنا؟ هناك من هو أكفأ مني، هناك فلان وفلان) عبارة نسمعها دائمًا من بعض أهل خير؛ بل ربما كان من طلبة العلم، فيتقادم به الزمن وهو يتذرع بمثل هذه , وتعظم المصيبة إذا تبين من حاله للناس إنه من أهل الخير , فيفعل المنكر بحضرته ولا ينكر , فيعتقد أولئك القوم جواز مثل هذا..(3/70)
22-الاعتقاد بأن أهل المعاصي راضون بوضعهم : اعتقد كثير من أهل الخير أن أهل المعاصي راضون بواقعهم، ولم يشعروا بأنهم يعيشون في ضنك من العيش , وودوا لو تخلصوا من ذلك.
23-الحدة في الطبع وعدم التحمل: وهذا في الغالب يؤدي بالإنسان إلى اعتزال تلك الأماكن؛ لأنه لا يستطيع الصبر، نعم اعتزاله أماكن المنكرات أمر مطلوب إذا كان لا يستطيع شرعًا إنكار المنكر، ولكن الخلل أن يستطيع لو حضر، لكن لحدة في طبعه لا يحضر , ومرة بعد أخرى يتربى بعد ذلك على عدم الإنكار.
24- الابتعاد عن الرفقة الصالحة: لا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طريق شاق يحتاج معه الإنسان إلى الجليس الصالح الذي يؤنس له وحشة الطريق؛ يصبّره إذا ابتلي، ويقوِّمه إذا أخطأ، ويشجعه إذا أصاب، وإن لم يكن كذلك دب إليه داء الانهزامية عند أول عارض يعرض له.
25- القدوات الانهزامية: إن الناس ينظرون إلى القدوة.. ينظرون إلى أعماله وتصرفاته؛ بل وينظرون إلى أهل بيته، ويتأملون تصرفاتهم؛ فعلى القدوة أن ينتبه إلى مثل ذلك، ولذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صعد المنبر , فنهى الناس عن شيء جمع أهله فقال: (إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم بالله لا أجد أحدًا فيكم فعله إلا أضعفت فيه العقوبة).
26- القيام بأدنى درجات الإنكار مع القدرة على ما هو أعلى من ذلك: فيستخدم الإنسان أدنى درجات الإنكار بالقلب مع استطاعته الإنكار باليد أو باللسان، فكم من إنسان استخدم الإنكار بالقلب مع قدرته على غيره، وهكذا كان دأبه ؛ حتى أصبح بعد برهة من الزمن يتمنى أدنى درجات الإنكار , ولكن هيهات هيهات.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن الداعية قد يكون يستعمل هذه المراتب الثلاث حسب استطاعته وقدرته وحسب المصلحة، ولكن نتيجة لحسد حاسد أو أذية مؤذي يقتصر بعد ذلك على الإنكار بالقلب ليبدأ من هذه النقطة مسلسل الهزيمة.(3/71)
27- السخرية والاستهزاء: كم من الناس من يحمل في جنباته الخير يتمعر لرؤية المنكر، ولكن يقعده عن ذلك السخرية والاستهزاء؛ يتذوّق طعمها مرًا في أول الأمر، ثم لا يعود إلى ذلك مرة أخرى.
28- الانتقال إلى بعض الأماكن التي تكوّن أكثر انفتاحية: عهدنا به داعية إلى الله تعالى، يترك ما لا بأس به حذرًا مما بأس به، ثم ما يلبث إلا أن ينتقل إلى مكان أكثر انفتاحية فيوغل حينها في المباح إكثارًا منه ؛ ليستجيب بعد ذلك للمكروه ليقع في المحرم بعد ذلك.
29- ترك الاحتساب على البعض بحجة أنه لا يسمى عاصيًا بذلك: كالصغير مثلاً، وأحيانًا أخرى ترك الاحتساب على الخادمات، أما بالنسبة للشخص الداعية فقد ينكر ذلك من غير هذين الصنفين؛ لكنه مع كثرته ورؤيته في الواقع قد يصاب بتبلّد الإحساس.
وأما بالنسبة لذلك الطفل فترك الاحتساب عليه يورث عنده انهزامية في نفسه؛ لأنه تعوّد على مثل هذا الشيء , فكيف ينكره على غيره إذا شبّ وكبر.
ثم هناك فريق ثالث؛ وهم الكبار فهؤلاء مع كثرة ما يرون من هذه المخالفات في الصغار والخادمات وغيرهم يظنون مع ذلك لجهلهم ولسكوت الأخيار عن ذلك أن هذا لا بأس به.
اسم الكتاب : 29 سببًا للانهزامية
المصدر مفكرة الإسلام
ــــــــــــــــــ
خلل في الالتزام
الحمد لله الهادي إلى صراطه المستقيم والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين . أما بعد :(3/72)
فالهداية والاستقامة على دين الله نعمة عظيمة من الله – عز وجل – يمن بها على من يشاء من عباده ممن هو أهل لها وجدير بها ومما يفرح القلب ويثلج الصدر أن نشاهد في كل مكان شباب نور الله قلوبهم وأنعم عليهم بالهداية التي نسأل الله تعالى أن يثبتهم عليها وأن يمن على غيرهم ممن هم لا يزالون في غيهم سادرون وفي لهوهم ساهون بالهداية لصراطه المستقيم . ولكن ما يدعو إلى الحزن والأسى ما يلاحظ على بعض أولئك الشباب الملتزمين من بعض المظاهر السلبية التي تخل بالتزامهم وتؤثر في إيمانهم , والتي سنحاول ذكر بعضاً منها , ولعل من أهمها :
1- عدم الخشوع في الصلاة :
حيث أصبح هذا شيئاً معتاداً عند كثير من الناس – إلا من رحم الله – والله سبحانه وتعالى عندما ذكر أوصاف المؤمنين قال : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) فإذا كان الخشوع سبب الفلاح في الدنيا والآخرة فحري بكل مسلم أن يتحرى الخشوع في صلاته وأن يؤديها بسكينة وحضور قلب , وأن يحافظ على أركانها وشروطها وواجباتها وسننها على أكمل وجه وأحسن صورة . لا أن يؤديها ببرود وكسل , أو ينقرها كنقر الغراب وتصبح الصلاة عنده مجرد عادة يومية .
2- عدم التبكير للصلاة :
سواء صلاة الجماعة أو صلاة الجمعة , حيث أن بعض الملتزمين يتأخر أحياناً ولا يأتي إلا قرب دخول الخطيب أو بعد ما يشرع في الخطبة , وفي صلاة الجماعة أيضاً قد يتأخر ولا يأتي إلا قرب الإقامة بل إن بعضهم قد تفوته الركعة أو الركعتان , أو على الأقل تفوته تكبيرة الإحرام , وهذا التأخير قد يتكرر من الواحد منهم مراراً وتكراراً ورغم ذلك لا ينتبه له ولا يهتم وكذلك فإن بعض الملتزمين لا يسابق للصفوف الأولى رغم ترغيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك بقوله: ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) رواه مسلم .(3/73)
وقال - صلى الله عليه وسلم - ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ) رواه مسلم .
فتجد الواحد منهم يدخل المسجد مبكراً ، ويرى الصف الأول فيه أماكن شاغرة فلا يجلس فيها ، بل يجلس في أي مكان آخر من المسجد . وقد يرى بعضهم مكانً شاغراً خلف الإمام في المكان الفاضل فيتركه ويذهب لآخر الصف أو وسطه ، وهؤلاء قد حرموا أنفسهم أجراً عظيماً.
3- عدم الحرص على أداء النوافل :
من صيام النافلة كصيام الاثنين والخميس أو عشر ذي الحجة أو على الأقل صيام أيام البيض وهي ثلاثة أيام من كل شهر أو صيام يوم عرفة أو يوم عاشوراء ، وكذلك التكاسل عن صلاة النافلة كقيام الليل أو السنن الواتب أو صلاة الضحى فقد يكتفي بثلاث ركعات خفيفات وبعضهم قد يصلي خمساً ، وقليل منهم من يصلي في الليل إحدى عشر ركعة كما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - .
4- عدم الإكثار من قراءة القرآن وحفظه :
ولا شك أن قراءة القرآن من أهم وسائل الثبات على دين الله تعالى ، وهي من أفضل الأعمال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) رواه البخاري وقال عليه الصلاة والسلام ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ) رواه النسائي وأحمد ، قال - صلى الله عليه وسلم - ( اقرأوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لصاحبه يوم القيامة ) رواه مسلم ، وقد يمر على بعض الملتزمين اليوم واليومان والثلاثة والأربعة وهو لم يقرأ شيئاً ، وإن قرأ فقد يقرأ شيئاً يسيراً وبعضهم قد يمر عليه الشهر والشهران وهو لم يقرأ شيئاً من القرآن ، وهذا لا شك أنه من الحرمان للعبد .
5- ترك الأوراد والأذكار :(3/74)
كأذكار الصباح والمساء ، والأكل والنوم وغير ذلك من الأذكار الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن كثيراً ممن عليه الاستقامة والصلاح غالباً لا يحافظ على هذه الأوراد والأذكار ، وتجده لا يذكر الله إلا قليلاً ، وبعضهم قد يمر عليه اليوم كاملاً لا يذكر الله فيه إلا قليلاً جداً أو لا يذكره نهائياً ، ولقد رغَّب الله تعالى في الإكثار من ذكره ، ورتب على ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل فقال عز من قائل : { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } ويقول - صلى الله عليه وسلم - ( سب المفردون ) قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال ( الذاكرون الله كثير والذاكرات ) رواه مسلم .
ومع كل هذا الفضل للذاكر إلا أن بعضهم قد يجلس لوحده أو قد يمشي في سيارته وتمضي عليه الساعات الطوال وهو ساه لاه و لا يغتنم هذه الفرصة بذكر وتسبيح وتحميد واستغفار لله تعالى ونحو ذلك.
6- سوء الأخلاق والمعاملة :(3/75)
فتجد بعضهم يكون ملتزم ظاهراً – ونسأل الله أن يكون كذلك – لكنه سيء الخلق ، وهذا يظهر في المنزل أولاً ، ويكون سيء الخلق مع والديه ، ومع إخوانه وأخواته وأقاربه ، وأيضاً سيء الخلق في مدرسته وفي عمله وفي أي مكان وإذا عامل الناس عاملهم بشدة ، وعدم سماحة ، ودم لين ، وعدم تقدير للمواقف التي تحتاج إلى سماحة ولين وعفو ، فلا تجده سمحاً في البيع ولا سمحاً في الشراء ، بل يأخذ الذي له وقد لا يعطي الذي عليه ، وإن أعطي أعطى بمنه ، وقد يغش في بيعه أيضاً وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ( من غشنا فليس منا ) رواه مسلم . ولا شك أن هذه الصفات ليست من صفات المؤمنين والتي ينبغي للإنسان الملتزم أن يكون أول المبتعدين عنها وأن يكون هو قدوة حسنة في حسن خلقه وتعامله مع الناس ، لما لهذه الصفة من الفضل العظيم قال - صلى الله عليه وسلم - ( أكثر ما يدخل الناس الجنة ، تقوى الله وحسن الخلق ) رواه الترمذي وصححه الحاكم ، وقال - صلى الله عليه وسلم - ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) رواه البيهقي .
7- عدم تقبل النصيحة :
فإن بعض الملتزمين لو أهدى له أحد نصيحة أو بين له مخالفة يراه مرتكباً لها فإنه يتبرم ويضيق صدره ويتمنى أن لو لم يسمع مثل هذا الكلام ، وقد يرى أن في إهداء النصيحة له فيه تصيد لعيوبه , ويرى أنه إتهام له بالتقصير , لأنه في نظر نفسه ملتزم ولا يحتاج لوعظ , وهذا خطأ منه , لأن كل إنسان معرض للوقوع في الخطأ والتقصير , وليس أحداً معصوماً غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فحري بمن أهدي له نصيحة صادقة أن يتقبلها بصدر رحب وأن يحاول أن يعمل بها إذا كانت موافقة للكتاب والسنة .
8- إضاعة الأوقات فيما لا فائدة فيه :(3/76)
فمن المحزن جداً أن ترى كثيراً من الملتزمين تضيع عليهم الأوقات الكثيرة جداً بلا فائدة , وقد تضيع هذه الأوقات الثمينة في أشياء قد لا تكون مباحة فقط , بل أحياناً قد تكون في أمور محرمة كالغيبة مثلاً أو الكلام الفاحش البذيء أو الجلوس عند محرمات , ومن أمثلة إضاعة الوقت أيضاً كثرة الرحلات والجلسات التي قد تكون طوال أيام الأسبوع بغرض التسلية وتمضية الوقت فقط من دون أي فائدة لا دينية ولا دنيوية 0وكان الأولى بمثل هؤلاء أن يستفيدوا من أوقاتهم في مصالح دنيوية أو في عبادة تنفعهم كذكر أو قراءة قرآن أو قراءة كتب نافعة أو طلب علم أو سماع شيء نافع أو دعوة إلى الله أو زيارة للصالحين أو زيارة أقارب أو تفقد مساكين أو غير ذلك من الأعمال الصالحة النافعة التي يستغل بها الإنسان وقته ويستفيد منه ولا يضيع عليه شيء منه إلا في فائدة .
9- الإشتغال في الملهيات والأمور التافهة :
التي لا تقدم ولا تؤخر ,بل إنها قد تؤخر أحياناً, كالإشتغال مثلاً بمتابعة الرياضة والاهتمام بها وكثرة الحديث عنها وعن تفاصيلها الدقيقة , فتجد بعضهم يعرف نتائج المباريات ومواعيدها وترتيب الفرق وأسماء اللاعبين إلى غير ذلك مما لا يليق بعاقل عليه سيما الصلاح والإلتزام أن يمضي وقته في معرفة مثل هذه الأمور التافهة , وكذلك الاشتغال في قراءة الصحف والجرائد بكثرة بحيث لا يكون مقصده إلا مجرد الاطلاع وإضاعة الوقت فقط , وكذلك الإنشغال بقراءة الكتب التي لا فائدة منها لا دينياً ولا دنيوياً وإنما فقط القراءة لمجرد التسلية كالقصص وغيرها , وهذا الإنشغال قد يحرمه من أشياء كثيرة مفيدة .
10- عدم التفقه في الدين ,(3/77)
فإن بعض الملتزمين قد يقع منه بعض الأخطاء في كثير من العبادات وهو لا يشعر , ولا يحاول أن يتفقه وأن يتعلم أمور دينه على ما ينبغي ليتفادى الوقوع بمثل هذه الأخطاء ولا يقرأ ولا يستمع لأشرطة بل يستمر على ما هو عليه من العبادات التي عرفها منذ بداية التزامه أو منذ وعى هذا الدين حتى ولو كان فيها بعض الأخطاء , ونتيجة أيضاً لعدم التفقه في الدين فإنه قد تفوت عليه بعض الأزمنة الفاضلة فلا يستغلها بالإكثار في الأعمال الصالحة كشهر رمضان مثلاً أو عشر ذي الحجة ونحو ذلك.
11- عدم إنكار المنكر :(3/78)
سواء في البيت أو في السوق أو في أي مكان , فتجد الواحد منهم في البيت يكون مع أهله ويكون عندهم شيء من المنكرات مما هو محرم ثم لا ينكر عليهم ولا يناصحهم ولا يخرج من المكان الذي فيه المنكر بل يبقى معهم ، وقد يجلس أيضاً مع أناس يغتابون أو يشاهدون ويستمعون أموراً محرمة أو مع أناس يدخنون و لا ينكر و لا يحرك ساكناً ، بل يلتزم الصمت ويقول أنا أنكر بقلبي وهذا أضعف الإيمان ! ونقول لمثل هذا : لا أيها الحبيب إن عليك أن تنكر بلسانك ، إن كنت تستطيع ذلك فتناصح مثلاً أهلك أو من تجلس معهم وتبين لهم أن ما هم عليه يعتبر أمراً محرماً فإن استجابوا لك فالحمد لله وإلا فعليك حينها مغادرة هذا المجلس الذي فيه المعصية ، أما الإنكار بالقلب بدون ترك المجلس الذي فيه المنكر فهذا لا يكفي بل قد لا ينكر بعض الملتزمين ولا حتى في قلبه ولا يتمعر وجهه بل تجده يضاحك أهل المنكر وهم يمارسون منكرهم وكأنهم لم يفعلوا شيئاً محرماً ، وعدم إنكار المنكر لا شك أنه يشجع أهل المعاصي بالاستمرار على معاصيهم وعدم التوبة منها إذا لم يجدوا من يناصحهم أو ينكر عليهم خاصة إذا كان معهم من يكون عليه آثار الصلاح0 ولو أن كل إنسان صادق في إيمانه والتزامه عندما يرى منكراً يقوم بالإنكار على صاحبه مباشرة ويطلب منه ترك المنكر أو أنه سيترك له المكان ويخرج لما انتشرت كثيراً من المنكرات حتى أصبحت عند كثير من الناس كأنها أموراً مباحة لا شيء فيها لقلة الإنكار عليهم ، ولاختفت بإذن الله هذه المنكرات المنتشرة ولعرف أصحابها قبحها وشؤمها ولاستحيوا من المجاهرة بها بين الناس ، ولخجلوا في البداية ممن يناصحهم ثم قد يتركونها بعد ذلك نهائياً طاعة لله تعالى ، وبذلك تقل المعاصي والمنكرات بإذن الله تعالى 0 وكذلك فإن بعض الملتزمين قد يرى في الأسواق أو في بعض الأماكن العامة نساء متبرجات سافرات ولا ينكر عليهن ولا يأمرهن بالتزام الحجاب الشرعي 0 بل إن بعضهم قد(3/79)
يكون صاحب معرض خاص بالنساء فتدخل المرأة عليه في المعرض وهي متبرجة كاشفة وتجلس تفاصل معه في السعر فلا ينكر عليها ولا يناصحها ، بل يتركها تخرج كما دخلت دون إنكار أو نصيحة بكلمة طيبة أو باهدائها شريط أو كتيب أو مطوية قصيرة ونحو ذلك مما لا يكلف شيئاً يذكر.
12- التساهل في بعض الأمور التي لا ينبغي التساهل بها :
كالتساهل مثلاً في حجاب المرأة ولباسها والسماح بلبس بعض الملابس الضيقة والغير ساترة أحياناً والسماح لها أيضاً بالذهاب للأسواق أو للخياط أو غير ذلك لوحدها دون محرم أو دون وجود امرأة معها فيتسبب ذلك بخلوتها مع البائعين داخل المحل أو مع الخياط وكذلك التساهل في لباس البنات الصغيرات حيث أن البعض قد يسمح لزوجته بإلباس بناته ملابس قصيرة ,بل قد تكون قصيرة جداً بحجة أنهن صغيرات وقد تصل البنت أحياناً إلى سن العاشرة أو أكثر وهي تلبس ملابس قصيرة إلى حد الركبة تقريباً.
ومن التساهل أيضاً: تساهل بعض الملتزمين في أمر اللحية بتقصيرها وتعديلها واللعب بها , وكذلك التساهل في أمر استقدام الخادمة بدون محرم أو سفر زوجته أو أحد محارمه بدون محرم بسيارة أو طيارة أو نحو ذلك , وهذا كله لا يجوز .
13- الكذب :
فنجد أن بعض الملتزمين قد يكذب في بعض الأمور الصغيرة ويظن أن ذلك لا يضره
شيئاً كالكذب في التخلص من موقف حرج يمر به , أو يكذب ليتفادى خسارة مالية أو يكذب مجاملة لصديق له يريد نصرته أو يكذب في بيع وشراء أو يكذب ليضحك من حوله كما هو منتشر بين الناس فيما يتناقلونه بينهم من حكايات وروايات كاذبة فيها طرافة تروى لمجرد الضحك والتسلية والتي يعلم الجميع أن كلها كذب في كذب ولا يمكن أن يحصل شيء منها ورغم ذلك يرددها وينقلها لمجرد إضحاكهم ونسي هذا المسكين قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ويل لمن كذب ليضحك القوم , ويل له , ويل له ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم .
14- الإهمال في حق الزوجة والأولاد :-(3/80)
وعدم تربيتهم التربية الصحيحة , فتجد البعض يقصر في حق زوجته ويهملها ويتغيب كثيراً عن البيت بحجة الإنشغال في أمور الدعوة إن كان له نشاط في الدعوة أو الإنشغال في تجارة وأمور أخرى فيترك زوجته تقاسي الوحدة والملل والهموم لوحدها أو يترك أولاده هملاً بدون مراقبة وتوجيه وقد يتعرفون على أصدقاء سوء يكونون سبباً في انحرافهم وفسادهم ويكون هو السبب في ذلك .
15- التقصير في مجال الدعوة إلى الله :(3/81)
فبعض الملتزمين هدانا الله وإياهم ليس له أي نشاط يذكر في الدعوة فلا ينتفع منه أحد بنصيحة أو توجيه ، فيرى الناس من حوله ويرى إخوانه وأصحابه في ضلالهم وغيهم ولا يهتم لذلك ولا يكلف نفسه بدعوتهم أو مناصحتهم أو اعطائهم شيئاً ينفعهم إما شريطاً نافعاً أو كتيباً أو رسالة توقظهم من غفلتهم وسباتهم ، وقد يتعذر البعض بأنه لا يستطيع وعظ الناس وتذكيرهم وليس عنده العلم الكافي لذلك . ولكن هذا ليس عذراً لأن مجال الدعوة إلى الله ليس موقوفاً على الخطابة والالقاء والوعظ باللسان فحسب بل إن مجالات الدعوة كثيرة فمنها الكتابة وإهداء الشريط الإسلامي أو الكتيب أو الرسالة القصيرة إلى غير ذلك مما هو بمقدور كل شخص ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول (( بلغوا عني ولو آية ))[رواه البخاري والترمذي] ، والكل يستطيع تبليغ هذه الآية بأحد المجالات المذكورة ، لكن البعض يرى أمامه هذه المجالات المتعددة ولا يكلف نفسه في استغلال شيئاً منها بل يركن إلى الراحة والكسل , بل إن بعضهم قد لا يسهم ولا حتى بشي ء قليل من ماله لخدمة الدعوة فتجده يصرف الألاف على نفسه وعلى أبنائه وعلى أمور كثيرة وقد تكون أكثرها حاجات كمالية وليست ضرورية ولكنه لو طلب منه مبلغاً يسيراً من المال للاستفادة منه في مجال الدعوة لتعذر وبدأ يذكر صعوبة الظروف المالية وكثرة الالتزامات والديون إلى غير ذلك من الأعذار الواهية فلا هو ساهم في مجال الدعوة بلسانه ولا بقلمه ولا بجهده ولا(3/82)
بماله , فلا نفع فيه إطلاقاً, وهذا قد حرم نفسه خيراً كثيراً وذلك لما في مجال الدعوة من الأجر العظيم , قال تعالى :{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت:33] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) [ رواه مسلم ] وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( من دل على هدى كان له مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ) رواه مسلم
16- التهاون بأمر العمل الوظيفي :
فتجد بعض الملتزمين يتهاون في أمر الدوام الرسمي لوظيفته التي يعمل بها , فتجده يتأخر أحياناً عن موعد الحضور أو يخرج من عمله لغير عذر وبدون استئذان وبعضهم قد يتأخر عن موعد الحضور ولكنه يسجل حضوره في وقت مبكر وكأنه حضر مبكراً وهذا كذب وسرقة من الوقت الوظيفي وبعضهم قد يستغل ما تحت يده من المعدات أو الأدوات أو السيارات الخاصة بالعمل يستغلها لأموره الخاصة . وهذا حرام لأنها من الأموال العامة التي هي لجميع المسلمين ولا يحق له الاستفادة منها إلا في مجال العمل الرسمي فقط .
وأخيراً أخي الحبيب :(3/83)
هذه بعض المظاهر السلبية التي تظهر على بعض الملتزمين هدانا الله وإياهم ولا يعني أن وجود مظهر من هذه المظاهر في شخص ما أنه غير مستقيم وغير ملتزم , لكن تعني أن التزامه فيه شيء من النقص والخلل, فانظر أخي الحبيب لنفسك وتفقدها لئلا تقع في شيء منها واحرص أخي على أن تكون قدوة حسنة في تصرفاتك وأعمالك وفي حرصك على تطبيق أوامر الشرع كلها صغيرها وكبيرها لأن الناس ينظرون إليك نظرة تختلف عن الإنسان غير الملتزم لأنك بالتزامك تمثل عندهم هذا الدين فالخطأ الذي يحصل منك غير الذي يحصل من شخص غير ملتزم لأن الناس يستنكرون أن يقع من إنسان ملتزم شيء مخالف للشرع , فلا تجعل أخي نظرتهم تتغير لأهل الدين كلهم بسبب منكر يحصل منك أو بسبب قول يصدر عنك أو بسبب تقصيرك في عبادات فاضلة . وحاول جاهداً المحافظة على واجبات هذا الدين وسننه ومستحباته كلها , واحرص كثيراً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما تقدر عليه , وشارك في الدعوة إلى الله في أي مجال تستطيعه من مجالات الدعوة الميسرة ولله الحمد في هذا الزمان , وإياك أخي أن تتخاذل أو تتكاسل في هذا المجال , فإن أهل الباطل يسعون جادين لنشر الفساد وصد الناس عن الصراط المستقيم , ولابد من التصدي لهم وذلك بتوعية الناس ونصحهم وإرشادهم وهذا لن يتم إلا بتعاون الجميع أنا وأنت والآخرين , وإذا لم نعمل نحن الذين ندعي الالتزام وندعي حمل هم هذا الدين فمن سيعمل إذاً في مجال الدعوة إلى الله . يقول - صلى الله عليه وسلم - : ( بلغوا عني ولو آية ) رواه البخاري والترمذي , وهذا الحديث لا يترك لأحد عذراً في التقصير في الدعوة في أي مجال يستطيعه .
وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى وثبتنا على صراطه المستقيم وجعلنا هداة مهتدين ونفعنا ونفع بنا إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ــــــــــــــــــ
((( التسويف )))(3/84)
أبو الحارث محمد الدالي
أبدأ معكم تلخيص المحاضرات القيمة والتي هي بعنوان / آفات على طريق المسلم
لفضيلة الشيخ / محمد بن علي صالحين حفظه الله تعالى
واليوم تلخيص الدرس الأولى وهي عبارة عن ثلاث محاضرات ألقاها الشيخ في مدينة 6 أكتوبر بمصر وهي بعنوان ((( التسويف )))وأعرضها لحضراتكم كنقاط حتى تصل إلى الأذهان بسرعة وحتى تكون باختصار بقدر المستطاع فبسم الله أبدأ ...
يقول الشيخ حفظه الله :
إن التسويف من الأمراض والأعراض الكبيرة والتي تعيق حياة المسلم في طاعته لربه وفي حياته كمسلم بشكل عام
يقول أحد الصالحين : من كان يومه كأمسه فهو مغبون ( مغبون : أي تجارته خاسرة )
ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ملعون .
* أسباب التسويف :-
1/النشأة – وتعني التربية التي تكون من جهة الأهل
2/ رفقة الكسالى – وكما يقال ( الصاحب ساحب فاعلم من تصاحب )
3/ الإرادة الضعيفة – وهذه ناتجة للإفتقار إلى تربية وتزكية النفس
4/ الأمن من مكر الله تعالى {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}
5/ طول الأمل مع نسيان الآخرة
6/ الإستهانة بالأمر مع الإعتماد على النفس
7/ التواكل على الله ونسيان قوّته سبحانه وغضبه
8/ عدم المتابعة والمحاسبة
9/ الإنغماس في المعاصي والسيئات
10/ عدم تقدير العواقب المترتبة على السيئات
* النتائج والآثار المترتبة على هذا التسويف :-
1/الحسرة والندم بعد فوات الأوان
2/ الحرمان من الأجر والثواب
3/ تراكم الذنوب مما يترتب عليه تأجيل التوبة
4/ تراكم الأعمال وصعوبة الأداء
5/ ضياع الهيبة من أمام الناس ( وهذا خاص بأصحاب الذنوب )
وكان من دعاء الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ( اللهم اجعلني في عيني صغيرا وفي أعين الناس كبيرا )(3/85)
6/ الحرمان من عون الله ومدده {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } (125) سورة آل عمران
* العلاج من آفة التسويف :-
وكما يقال ( لكل داء دواء ) فالتسويف إعترفنا أنه مرض وآفة فيلزمنا حتى نتجنبه من علاج وهذا العلاج نضعه بين أيديكم على نقاط كالتالي :
1/ عدم القنوط واليأس من رحمة الله تعالى
2/ التذكير بأن التسويف عجز وضعف وأن الإنسان قادر بعون الله
3/ المداومة على الدعاء والتضرع لله تبارك وتعالى
4/ على أولياء الأمور الإهتمام بمن تحت ولايتهم
5/ البعد عن صحبة الكسالى وإن كثروا في هذا الزمان فكما يقال ( لا يغرنك كثرة الهالكين ولا تستوحش قلة السالكين )
6/ المداومة على كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -
7/ الإحتراز من المعاصي والسيئات
8/ تذكر الموت والدار الآخرة
9/ معايشة السلف الصالح والتطلع في سيرهم العطرة
10/ أن تقوم الأمة بمحاسبة المسويفين
11/ عدم الإستهانة بأي أمر من الأمور
12/ التذكير دائما بعواقب التسويف
وفي الختام لا يسعني إلى أن أدعو لنفسي ولكل مسلم بأن يجيرنا الله من هذه الآفة التي نخرت بيوت كثير من المسلمين
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أخوكم
أبو الحارث
ــــــــــــــــــ
خطبة (الترفيه بين المشروع والممنوع)
سامي بن خالد الحمود
أما بعد .. ونحن في الإجازة ، يقبل كثير من الناس على الترويح والترفيه، بل قد لا يفهم بعض الناس من الإجازة إلا هذا المعنى .
والمتأمل لحياة الناس المليئة بالشواغل والصوارف والضغوط النفسية والاجتماعية ، يدرك أنها ولدت شيئاً من النهم واللهث غير المعتاد، تجاه الترويح والترفيه .
ولا شك عباد الله، أن الترويحَ عن النفوس، وإدخالَ السرور عليها، والتنفيسَ عنها، أمرٌ فطري لا بد منه .(3/86)
فعن سِمَاك بن حرب قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَكَانَ طَوِيلَ الصَّمْتِ قَلِيلَ الضَّحِكِ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَذْكُرُونَ عِنْدَهُ الشِّعْرَ، وَأَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِهِمْ فَيَضْحَكُونَ، وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ . رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وصححه الألباني .
وفي صحيح مسلم أن حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
قال الأُبّي رحمه الله : ومعنى قوله (يا حنظلة ساعة وساعة) قال العلماء يعني لا يكون الرجل منافقا بأن يكون في وقتٍ على الحضور، وفي وقتٍ على الفتور، ففي ساعة الحضور تؤدون حقوق ربكم، وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم، يعني في المباحات . اهـ
عباد الله .. وإذا تحدثنا عن الأطفال، فإن اللعب والترفيه يعد أمراً أساسياً في حياتهم، فقد فطرهم الله سبحانه وتعالى على محبة اللعب، ولم يلزمهم من الأعمال والتكاليف ما ألزم الكبار .(3/87)
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي .
ومن هنا أجاز العلماء صور وتماثيل العرائس في لعب البنات، وفيها مصلحة تعويد الفتاة على مشاعر الأمومة ورعاية الولد .
وفي الصحيحين عن عائشة في قصة بناء النبي - صلى الله عليه وسلم - بها قالت: (فَأَتَتْنِي أُمِّي وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي ... قالت: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ)
ولما كبرت عائشة رضي الله عنها سابقها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسترها ? وهي تنظر للحبشة وهم يلعبون في المسجد .
وكان عليه الصلاة والسلام يلاعب الحسن والحسين، وربما ارتحلاه فصَعَدا فوق ظهره الشريف وهو يصلي .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إني ليعجبني أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي، فإذا بغي منه حاجة وجد رجلاً).
وقال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: "العاقل إذا خلا بزوجاته وإمائه، لاعب ومازح وهازل، يعطي للزوجة والنفس حقهما، وإن خلا بأطفاله خرج في صورة طفل، وهجر الجدّ في بعض الوقت" اهـ.
وإذا كان للصغار ترويح، فإن للكبار ترويحاً يناسب حالهم ، كما كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم مزاح أيضا مع بعضهم وخصوصا في الأسفار، وكانوا يتبادحون أي يترامون بالبطيخ فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال .
وقال علي رضي الله عنه: روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت .
وكان بعض العلماء يروحون عن أنفسهم بالشعر والقصص كما ورد عن ابن عباس، وكان ابن سيرين والأعمش وغيرهم يداعبون أصحابهم بالمزاح المباح بينهم لكي ينشطوا في العلم .(3/88)
ونقل ابن عبد البر – رحمه الله – عن أبي الدرداء أنه قال: (إني لأستجمّ نفسي بالشيء من اللهو غير المحرم، فيكون أقوى لها على الحق) .
إذن ليس العتبُ على من أراح نفسه وأجمها بالمباح لتنشط للعبادة ، إنما العتب على من يجعل اللهو واللعب هو الأساس في حياته وإليه تنصرف مجمل أوقاته .
عباد الله .. وإذا كان الترويح عن النفس أمراً فطرياً مباحاً للنفوس، فإنه يتحول إلى عبادة وقربة، متى اقترنت به نية صالحة، أو ترتبت عليه مصلحة شرعية .
فقد روى الترمذي وغيره عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ .
قال ابن العربي رحمه الله: "ليس مراده بقوله: (باطل) أي أنه حرام، وإنما يريد به أنه عار من الثواب" اهـ .
هذا في اللهو المباح، وأما اللهو المحرم فقد قال الإمام البخاري – رحمه الله – في صحيحه: "باب كل لهو باطل، إذا أشغله عن طاعة الله" قال ابن حجر: "أي كمن التهى بشيء من الأشياء مطلقاً، سواء كان مأذونا في فعله أو منهياً عنه، كمن اشتغل بصلاة نافلة، أو بتلاوة، أو ذكر، أو تفكر في معاني القرآن مثلاً، حتى خرج وقت الصلاة المفروضة عمداً، فإنه يدخل تحت هذا الضابط، وإذا كان هذا في الأشياء المرغب فيها، المطلوب فعلها، فكيف حال ما دونها؟ اهـ .
وقد قال الله تعالى : (وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرزِقِينَ) .(3/89)
وإذا كان هذا هو مفهوم اللهو والترويح في الإسلام، فإننا ندرك البون الشاسع بينه وبين كثير من صور اللهو والترويح في عالم اليوم، مما يوجب النظر في موافقتها للشرع، ومدى الإفادة منها في تحقيق المصالح للفرد والمجتمع، في توازن وتكامل، وعدم مزاحمة للبناء والعمل الجاد، وبعدٍ عن الاسترخاء الفكري، وهشاشة الضابط القيمي .
لقد ازدهرت صناعة الترفيه اليوم، وتفنن الكفار في صناعتها، حتى تحولت إلى أصل في الحياة بعد أن كانت أمراً تكميلياً يؤخذ منه بقدر .. حتى وصلت مرتبات بعض مهندسي الترفيه وصانعي الألعاب ومخترعي ألعاب البلاي ستيشن، في السنة إلى نحو من 50 مليون دولار سنوياً للواحد، بينما لا تصل المرتبات السنوية لأكبر الأطباء والمفكرين والمخترعين والباحثين إلى واحد في المائة من هذه الأرقام .
ومن العجيب أن ترى أهل الكفر صناع الترفيه، ينشطون ويتعبون في أعمالهم ووظائفهم ومصانعهم وأمور دنياهم، ثم يقضون بقية يومهم في لعب ولهو ونوم وشهوات .. بينما يشكو الكثير من المسلمين من البطالة والكسل وضياع الأوقات في النهار، ثم يمضي بقية يومه في اللعب واللهو، فلا نحن أخذنا بجد الكفار في طلب الدنيا، ولا نحن أخذنا بجد أسلافنا في طلب الدنيا والآخرة .
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يردهم إليه رداً جميلاً ، إنه على كل شيء قدير، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ...
عباد الله .. وإذا كانت العطلة الصيفية استراحة بين فترتين دراسيتين، فإنه لا بد فيها لأبنائنا من اللعب والترفيه، وهنا يرد سؤال هام: لماذا يظن كثير من الناس أن اللعب والترفيه لا بد أن يكون بمعزل عن الفائدة؟ هل هناك تعارض بين الترفيه والفائدة، بين اللعب والتربية؟(3/90)
الجواب، لا .. لقد أثبتت التجارب والبحوث أن أفضل أنواع الترفيه للطفل هو ما حقق المتعة والفائدة معاً، الفائدة بتنمية قدرات العقل، أو تربية الروح وتهذيب الخلق، أو بناء الجسم .
ولهذا، كان من أهم مجالات الترفيه الألعاب التعليمية، أوالتربوية، أوالحركية، التي لا تقتصر فائدتها على الترفيه فقط .
ومن مجالات الترفيه في الإجازة على سبيل المثال، الاشتراك في النوادي الصيفية، أو نوادي الرياضات المفيدة، كالسباحة والرماية والفروسية كألعاب الدفاع عن النفس التايكندو والكراتيه وغيرها، ومن الأنشطة الترويحية المفيدة مطالعة الكتب ومجلات الأطفال، وقراءة القصص الهادفة ، والسفر والرحلات والمفيدة .
ومن الترفيه المطلوب اللعب المباح بالألعاب المختلفة مع مراعاة الضوابط الشرعية .
ما الذي يجوز من الألعاب والنشاطات الترفيهية ؟
لا يمكن أن نعدد في هذا المقام ما يباح من الألعاب، فالأصل في الأشياء الإباحة كما نعلم إلا ما دل الدليل على تحريمه، وإنما طريقة الشريعة أن نبين المحظورات، وأما ما سواها فهو مباح على الأصل، وعلى هذا فمما جاء تحريمه في الشريعة مثلا ضرب الوجه كما في بعض ألعاب القوى كالملاكمة وغيرها، ومن المحرمات أيضاً الألعاب المشتملة على محظور، كصور محرمة، أو أصوات موسيقية، أو الألعاب التي تشتمل على القمار أو الرهان المحرم، أو شيء من السحر، أو رموز الكفر كالصلبان فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكسر الصليب ويزيله .
ويشترط في اللعب أن لا يصل إلى حد الإسراف وتجاوز الحد الوسط في الإنفاق فيها ، وأن لا يكون فيه سخرية أو تنابز بالألقاب، ولا إيذاء لبدن الشخص أو خطورة على نفسه كما يفعله بعضهم من القفز من الإرتفاعات الشاهقة، أو المغامرة بالحركات الخطيرة .. ولا إضرار بالبهائم كألعاب التحريش بين الديكة وصراع الأكباش ومصارعة الثيران .(3/91)
ومن الضوابط الشرعية العامة والهامة، أن لا يكون اللعب صادا عن ذكر الله وعن الصلاة، أومضيعا للفرائض والحقوق، وأن لا يستغرق الوقت أو أكثر الوقت ويضيع الحياة .
عباد الله .. ومع انتشار الألعاب الإلكترونية، لا بد من الانتباه لبعض الأفكار الخطيرة في بعضها ، من حب الكفار وتقديس الصليب، بل ومحاربة المسلمين، وتدمير المساجد والأهداف الإسلامية، وقتال أهل الأرض الأخيار لأهل السماء الأشرار ، وبث العقائد الباطلة مثل تناسخ الأرواح، أو إحياء الناس بعد الموت ، مما يفسد عقائد الأطفال، ناهيك عن التربية على الإجرام والقتل كما في عدد من هذه الألعاب ، أو التعري وظهور العورات المكشوفة في بعض الألعاب ، بل قد تكون جائزة الفائز بالمرحلة صورة امرأة عارية، أو يحظى اللاعب بتقبيل المرأة له، كما تذكر بعض التقارير .
فليتق الله الأب المسلم، والأم المسلمة، وليكن لعب أولادنا وترويحهم عن أنفسهم بريئاً، سليماً من الآفات الفكرية والخلقية التي تفسد الدين، وتهدم الخلق .
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...
ــــــــــــــــــ
أسباب ضعف العمل الدعوي
فهد بن يحيى العماري
دعوة للمصارحة:(3/92)
إن مما يفرح القلب ويثلج الصدر مانراه من إقبال فئات المجتمع وخاصة الشباب على التمسك بكتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام مع كثرة المحاضن التربوية التي تحتضنهم لكن هذه الأفواج تتلمس من المربين الرعاية والتوجيه وبذل النفس والنفيس والأوقات والأعمال والطاقات حتى تستقيم حق الاستقامة وتثبت على هذا الطريق إلى أن تلقى الله ، منضبطة بقواعد الشرع ونهج من سلف ، الحكمة سبيلها والكتاب والسنة دليلها ، والسلف الصالح قدوتها ، بعيدة عن التهم التي توجه إليها من كل حدب وصوب ، فهي أمانة في الأعناق ، لا نجعلهم عرضة للمز والهمز وتصيُّد الأخطاء وحديث المجالس والعوام والركبان ، لا توضع بأيدٍ لا تتقن فن التربية والتوجيه فيُنشؤا جيلاً هزيلاً ، صورته ضياء وباطنه خواء ، فلا قرآن يُحفظ ولا دروس للعلم تُحضر ولا كتب تُقرأ ولا همٌّ للدعوة يُحمل ، تجرؤٌ على الفتوى وعدم انضباط في المواعيد وتساهل في الأوقات وتقصير في النوافل وتأخر عن الصفوف الأولى في الصلوات ويوم الجمعة ، ضعف في التعامل والأخلاق مع العوام وقلة إفشاء السلام،تعلق برواسب الماضي وعد م تحرر من أصدقاء زمن الغواية والحنين إليهم وتأثيرهم عليه لمعرفتهم نقاط الضعف فيه (36) ، في بدايات الدروس والدورات العلمية إقبال يعقبه إدبار ، في البداية يكون الحرص على فعل السنن وترك المكروهات والقوة في التمسك ثم يدب الضعف ، التفكك والضعف داخل محاضن التربية ، التغير والشقاق عند أدنى حدث وهزة، تراشق بالعبارات الجارحة وتبادلٌ للاتهامات الباطلة عند أدنى خلاف ، الجدل على أمور اجتهادية لكل واحد فيها حظٌ من النظر أولا طائل من ورائها ، فنتساءل أين سمْت العلماء ونضارة العبَّاد وزهد الصالحين ونور الصادقين وخلق سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - وأخوة الدين، أين التناصح والتماس الأعذار ودفن الأخطاء وستر المعايب والإيثار ، أين سلامة الصدور وطهارة القلوب عند أدنى خلاف ؟(3/93)
أين
حمل همِّ الدعوة وطلب العلم واتهام النفس والرأي ؟
أين تربية الأجيال على سِيَر أؤلئك الرجال { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فهل الحقيقة كالخيال !!؟ كل ادعاء لابد له من بينة وإلا :
فكل يدَّعي وصلاً بليلى *** وليلى لاتقر لهم بذاكا
أخوة الإيمان : وبعد هذا كله نتساءل لماذا هذا الضعف ؟ لنقف على نتف وإشارات سريعة وصريحة حول أسباب ضعف العمل الدعوي وضعف آثاره من قِبل الدعاة والمدعوِّين، أردت بها الترقي في السير بركبهم في طريق الدعوة إلى الله نحو الكمال النسبي الذي يؤتي أكله كل حين بإذن ربه ، ومشاركة في دفع العجلة التربوية ، ولاشك أن هناك من الدعاة والمربين بلغوا مبلغاً عظيماً في النفع بقوة إخلاصهم وطرحهم وعملهم وتوفيق الله لهم ، ولذ ا نرى كمّاً هائلاً من المتلقين والمتربين قوة في الإيمان والعلم والدعوة إلى الله وتربية النفس تربية جادة . لكن أردت بها التذكير لمن غفل عنها أو جهلها أو قصَّر فيها وهي اجتهادية أشكر لمن أهداني فيها عيبي ونقصي ، فهاكها وعلى الله قصد السبيل .
أولاً : من جهة الملقي .
1- مجانبة الإخلاص في هداية المتلقي بوحي الله أو عدم استحضاره بسبب الانشغال بالعمل وزحمته .
2- صدور الكلام نياحة من قلب غير متأثر .
3- نسيان الدعاء بالقبول وصدق اللجوء إلى الله في ذلك (37) .
4- عدم الإعداد المسبق الجاد المتمثل في ضعف المادة العلمية .
5- عدم احترام العقول وجهل أو تجاهل مستوى المتلقي ( إن مما أورث الناس السامة أن أكثر ما يسمعونه أقل أهمية مما ينبغي أن يسمعوه ) .
6- عدم التجديد والتنويع .
7- الطول الممل والقِصر المخل .
8- التكرار الممل والركام الهائل مما هو مكرر في مكتباتنا من كتب وأشرطة ومطويات سواء اتفقت العناوين أو اختلفت .
9- ضعف الإلقاء والأسلوب .
10- الاستعلاء على السامعين .
11- عدم اختيار الوقت والمكان المناسبين لطرح مالديه .
12- كثرة استخدام الألفاظ الغريبة .(3/94)
13- عدم اختيار الموضوع المناسب .
14- عدم التفاعل من المتكلم مع ما يقول وانعدام العاطفة الجياشة الآسرة .
15- التركيز على بعض المتلقين دون غيرهم .
16- إهمال المتلقي فلا حوار ولا نقاش ولا سؤال وهذا في الدروس العلمية واللقاءات الخاصة وأما المحاضرات والخطب فليس مناسباً .
17- الخروج عن الدرس وعدم التركيز .
18- عدم استخدام الشعر فهو يهز الوجدان ويحرك المشاعر ( وإن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة ) رواه البخاري .
19- إهمال العنونة للمواضيع وعدم اختيار العناوين المناسبة .
20- ترك ضبط المستمعين .
21- الكلام في غير التخصص بما لا يعلمه أو يجيده فإن كان ولابد فعند الضرورة مع تعلمه والرجوع إلى أهل التخصص .
22- عدم الواقعية والبعد عن واقع المتلقين وتارة يكون الموضوع ولغة التخاطب أكبر من المستمعين أو أقل منهم .
23- التصريح بما حقه التلميح .
24- التصدر قبل النضوج .
25- عدم حصر الدرس في نقاط محددة .
26- خدش الهيئة والسمت والوقار بما لا يليق (ضعف القدوة) .
27- ضعف فراسة المتكلم في فهم مداخل النفوس وطريق التأثير عليها .
28- إغفال آراء الآخرين وعدم استشارتهم في الموضوع وعناصره .
29- إغفال جانب القصص الصحيح والمؤثر .
30- عدم التنويع في الملقين .
31- عدم الاهتمام بالجوانب الشكلية والإخراج فيما يحتاج فيه إلى ذلك .
32- تضييع العمر في طلب الإجماع على مسائل لا تقبل بطبعها وحدة الرؤية .
33- عدم استغلال الفرص المناسبة للتذكير عند وقوع المصائب والحوادث والمناسبات .
34 - أصبح الكتاب والشريط عند البعض باباً من أبواب الرزق والتجارة فذهبت البركة مع الإخلاص وضعف انتشاره والله المستعان .
35- كثرة التقطع في الدروس العلمية والتوسع في شرحها والمؤدي إلى طول الوقت وملل الشيخ والطلاب والتوقف وعدم الاستمرار (39)
36- الارتباط بين الشيخ والطلاب لا يتجاوز الحلقة .(3/95)
37- عدم ربط الطلاب أثناء الدرس بأعمال القلوب وتخولهم بالموعظة .
38- قلَّّ الاهتمام والعناية بركيزة الوعظ والتذكير وهي ركيزة تربوية مؤثرة ومفيدة يحتاجها الجميع-الجاهل والعالم والمتعلم- وللأسف نجد من يزهد في شريط ومحاضرة وعظية ، حينها تعطلت الطاقات الإيمانية وأصبح علم أعمال القلوب والوعظ من العلم المفقود وعلم الفضلة .
إن صح أن الوعظ أصبح فضلة *** فالموت أرحم للنفوس وأنفع
فلولا رياح الوعظ ما خاض زورق *** ولا عبرت بالمبحرين البواخر
أقبل البعض من الناس والشباب والدعاة على العلم وتركوا الوعظ
وأعمال القلوب نتيجة لردود الأفعال والتوازن مطلوب كحال الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
حلاوة المعاناة (40) :
لا يفيد الإنسان ولا يبرع في فن من الفنون حتى يذوق المعاناة ، يحترق بنار الجهد والدأب ليكون عطاؤه نابعاً من قلبه ووجدانه .
عشرات الكلمات والخطب والدروس والمؤلفات والبرامج والمخيمات جثث هامدة ، لا روح فيها ، لأنها قدمت بلا تعب و معاناة ، فخسرت قيمتها وتأثيرها ووقعها.
إن الإكثار شيء والجودة شيء آخر، فعلى الباردين في عواطفهم وإعدادهم أن يعيشوا معاناة ما يحملون وهمَّ ما يريدون حتى يصلوا إلى ما يريدون ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً { فبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى وابتناء المناقب باحتمال المتاعب والأجر على قدر المشقة} (41)
ثانياً : من جهة المتلقي .
1- الكبر والغرور التعالي المتمثل في :
أ ) احتقار المتكلم .
ب) شعوره بأنه لا جديد يُذكر .
ج ) اعتقاده بأن المخاطب بالدرس غيره .
د ) عدم الشعور بحاجته إلى الموضوع .
2- التحزب حائل .
3- عدم الاهتمام بإصلاح النفس والترقي بها والرضا بالدون .
4- عدم الحرص على الفائدة وعدم تقييد الفوائد .
5- اليأس المخيم على نفسه ومن حالته التي يعيشها والاستسلام لها.
6- السمعة السيئة للمتكلم عند السامع .
7- الفهم الخاطئ .
8- شرود الذهن وتشعبه في أودية الدنيا .(3/96)
9- عدم التهيؤ للدرس .
10- الآثام والذنوب .
11- الانشغال بتتبع السقطات لغوية وغيرها .
12- الاهتمام بالمتكلم وشهرته دون الفكرة والموضوع .
13- عدم استشعار فضل ما هو فيه .
14- تدني مستوى المتلقي في الذوق والوجدان .
15- تدني مستوى المتلقي في فهم العربية .
16- عدم احترام آراء المتلقي ووجهات نظره .
17- المداخلات أثناء ما يطرح سواء كانت حسية أو معنوية كالطعام والشراب والدخول والخروج والأسئلة وغيرها .
18- فساد البيئة في البيت والمدرسة والحي والأقارب وعدم وجود الصاحب الصالح المعين بعد الله جلَّ وعلا .
ثالثاً : الأسباب العامة.
وتتعلق بالمراكز الدعوية والمؤسسات الخيرية والمحاضن التربوية وغيرها على المستوى الجماعي والفردي .
1- الإعلان المتأخر عن ما يراد طرحه أو عدم انتشاره أو إخراجه بطريقة بدائية لاقوة ولا تجديد فيها .
2- عدم تهيئة الجو المناسب من حيث البرودة والتدفئة .
3- ضيق المكان وعدم معرفته وعدم وضع رسم بياني يوضحه .
4- ضعف أجهزة الصوت وعدم تفقدها قبل الاستخدام .
5- الإطالة في التقديم للملقي أو ما يراد طرحه .
6- عدم ذكر ضوابط لما يراد طرحه والشرح المبسط لكيفية القيام به .
7- الفوضوية بكل معانيها وصورها من برامج وأساليب دعوية ورحلات ودروس وانتقاء لأفراد المحضن التربوي .
8- ضعف التنظيم والإدارة وعدم التركيز والدقة في الأعمال .(3/97)
9- الازدواجية والجماهيرية في العمل من أسباب الفشل مما يؤدي إلى عدم التوفيق بينها والاتقان فيها وتزاحمها وقلة الإنتاج ولها صورمنها : العمل في أكثر من مركز ومؤسسة دعوية أو علمية أو مجموعة أو لقاء سواءً مسؤولاً أو عضواً فيكون مشتت الذهن والأفكار مع وجود كثير من الطاقات والعقليات المغمورة داخل الجامعات والمدارس وغيرها لم يُبحث عنها ولم تُوجه للعمل وإنما التركيز على بعض الأفراد في كثير من الأعمال وهذا فيه قتل للجميع بل يجب علينا جميعاً أن نتعاون على تجديد العاملين في جميع الميادين وأن ندفعهم إلى الأمام مع شيء من الإلحاح إذا وثقنا في القدرات ونكون الدليل إليهم حتى يُعرفوا فيشاركوا ويعملوا ومنها وجود أكثر من عمل دعوي أو إغاثي في مكان واحد كتقديم الكتب والأشرطة وإفطار صائم وهدايا وصدقات الحجيج فيلاحظ فائض كبير بين أيديهم والأولى التنسيق بين المؤسسات في ذلك (42) .
10- عدم تحديد الأهداف التربوية التي يراد الوصول إليها والتي من خلالها توضع الوسائل الموصلة إليها سواء على مستوى العموم أو الأفراد ( فمثلاً الجدية وقيام الليل والعلم أهداف تغرس بواسطة بعض البرامج ) .
11- عدم الانضباط في المواعيد والدقة في الوقت التي تؤدي إلى الخلل في كثير من البرامج وتأخرها وعدم الحزم في ذلك من قِبل المربين .
12- عدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب كلٌ حسب طاقته وتخصصه .
13- التركيز على الدعوة والتربية الجماعية والتقصير في الدعوة والتربية الفردية .
14- عدم التقييم لما يُطرح بين كل فينة وأخرى ومعرفة الأخطاء وأسبابها ومحاولة تلافيها فالسكوت عن الأخطاء يشجع على تكرارها .
15- عدم الاستفادة من تجارب الماضي والآخرين .
16- الاستعجال في إدخال بعض الأفراد للعمل .
17- الأحكام السريعة والتصرفات غير المنضبطة نتيجةً لردود الأفعال والأحداث (43) .(3/98)
18- الاهتمام بالكم لا الكيف أو العكس وجعله قاعدة مطلقة ليس بصحيح وإنما كل قضية لها مايناسبها من ذلك وتارة نحتاج إلى إحداهما في البداية والأخرى في النهاية .
19- عدم العتاب بالأسلوب المناسب لمن استحق ذلك والتشجيع لمن أحسن .
20- العمل على انفراد وتحمل الأعباء دون التعاون مع الآخرين عند وجودهم .
21- العمل في مكان ما لفترة طويلة ثم تركه والانتقال عنه دون وضع الإنسان المناسب لمواصلة ما بدأ به .
22- عدم العناية بالتربية العملية كتوجيه المتربين للانضمام للدروس العلمية والقيام بأعمال دعوية كلٌ حسب قدرته وتخصصه .
23- الشكوك والظنون وتناقل الشائعات وفتح باب القيل والقال وتفضيل بعض الأشخاص على بعض بدون مبررات ودخول آفة الإعجاب والتعلق بين أفراد المحاضن التربوية أو تعلق المتربين بالمربين وكل ذلك يؤدي إلى الفرقة والخلاف وهدم دُور التعليم والتوجيه والانتكاسة والانحراف بين الأفراد وحدوث الضعف والفتور والشقاق بين المربين .
24- المركزية لدى بعض المربين وعدم توزيع الأعمال على الآخرين وإعداد القيادات البديلة .
25- عدم مراعاة التناسب بين البرامج بأنواعها مع الوقت والمكان وقدرات المتلقين والفوارق الفردية بين المتربين من حيث السن والمراحل الدراسية مما يؤدي إلى عدم استفادة البعض من البرامج المطروحة إما أكبر من مستوى البعض أو أقل .
26- أسبوعية اللقاءات للشباب أنفسهم مع عدم وجود ما يشغل أوقاتهم تماماً ويشبع تطلعاتهم خلال الأسبوع كله في منازلهم أو كثرة اللقاءات الجماعية فيما بينهم التي يعتقد المربون أنها أحفظ للأفراد من الضياع والانحراف ولو كانت مبرمجة وهذا له سلبيات والأولى أن يكلف الشباب بما يحفظ أوقاتهم في منازلهم (44) . ولنعود الشباب على التربية الذاتية ومساعدتهم على ذلك .(3/99)
27- ذكر بعض المربين أخطاء المربين الآخرين أمام المتربين بأسمائهم مما يؤدي إلى عدم قبول توجيههم ونصحهم سواء كانت أخطاء شخصية أو اجتهادات دعوية .
28- التركيز على بعض الأشخاص مع إهمال الأكثرين بحجة اعتذارهم عن المشاركة دون محاولة التكرار عليهم ومعرفة الأسباب لذلك فإن قال : لا أقدر .. فقل : حاول .. وإن قال : لا أعرف .. فقل : تعلم .. وإن قال : مستحيل . فقل: جرب . وبهذا يستطيع الجميع أن يشارك ويعمل وتغرس الثقة فيهم .
29- اهتمام بعض المربين بأشخاص لفترة طويلة وليس عندهم _ أي المتربين _ استعداداً لتغيير واقع أنفسهم وإنما يأتي للمحضن من أجل الأنس واللقاء أو يعتريه الضعف لحداثة تمسكه والأولى عدم الاهتمام به على حساب الآخرين وأعمال المحضن وعلاجه على نحو الدرجات التالية اجتهاداً لاتوقيفاً :
أ- الاهتمام به فترة من الزمن فقط .
ب- معرفة أسباب عدم الاستفادة ومحاولة العلاج بعد ذلك .
ج- الاهتمام به من قبل آخرين .
د- مناصحته ومصارحته .
هـ- نقله إلى محضن آخر وسيأتي مزيد تفصيل إن شاء الله .
30- ضعف المربي في الجوانب العلمية والإيمانية والتربوية وإقحام بعض الشباب في ميدان رعاية محضن تربوي وليست عنده القدرة على ذلك لضعفه أو لصغر سنه أو لعدم تفرغه ثم النتيجة فقد الأفراد الثقة في قدرات المربي والانسحاب من عنده وضعف المتربين وكثرة الأخطاء والمشاكل داخل المحضن ثم سقوطه وتفرقهم وفتور كثير منهم كما هو واقع بعض المحاضن .
31- عدم المرونة في المناقشة وقبول الأعذار والتخلص من المواقف الحرجة والعجلة في إصدار الأحكام دون تأمل ومداولة للآراء وتأجيل البت فيها حتى تحمل قوة وقناعة وقبولاً من المتربين. (من ظلال التربية /للشيخ:عبد الله السلوم ) .
32- الإكثار من الترفيه بحجة عدم الإثقال وكسب القلوب ( الإسلام دين يسر ) ثم النتيجة ( تربية غير جادة ) .(3/100)
33- اعتماد المربين على بعض الأشخاص في الأعمال البدنية كإعداد الرحلات والمشتروات وغيرها دون أن ينالوا حظهم من الدروس وغيرها مستمعين أو ملقين والأولى توزيع الأعمال البدنية على الجميع حتى يتعودوا تعلمها وبذل الجهد وحتى لا تتوقف الأعمال بسبب غياب فلان وفي نفس الوقت تربية للنفس على التواضع وخدمة الآخرين .
34- دخول بعض الشباب في بداية التمسك وهم أقوياء محاضن يسودها الضعف مما يؤدي إلى ضعفهم أو رجوعهم .
35- عدم ارتباط بعض المحاضن بالدعاة وطلاب العلم والاستفادة منهم علماً وعملاً ودعوة والرجوع إليهم فيما يشكل عليهم كلٌ حسب تخصصه وهذه من المسائل التي ينبغي التنبه لها في فقه الاستشارة ويخلط فيها كثير من الناس فإذا كان الإنسان لا يعيش واقع الشباب ومشكلاتهم فلا يُسأل عن ذلك وإن سُئل فيعتذر عن الجواب .
36- التركيز على الجانب العلمي أو الإيماني أو التربوي والأولى التنويع بين تلك المجالات من خلال الدروس والبرامج بأنواعها حتى تتكامل وتتوازن شخصية المتربي .
37- عدم الاهتمام بالأذكياء وأصحاب القدرات وإهمالهم ثم النتيجة ضياع تلك القدرات وإنما الاهتمام عند البعض بأصحاب الطرافة والمظاهر والمصالح الشخصية أو على الأقل أشخاص عاديون .
38- حرص المربي على ألا يتلقى المتربي التربية والتوجيه إلا منه فقط والحساسية الزائدة والتضجر إذا تلقى من غيره أو رُؤيَ مع غيره إلا إذا رؤي مع أشخاص في منهجهم خلل غير قابل للاجتهاد أو ضعيف أو مخالف للكتاب والسنة فينبهون بالطرق المناسبة المقنعة بدون أن تحدث ردود أفعال .
39- اعتبار بعض الشباب هذه المحاضن أنها للنزهة والترويح عن النفس في الدرجة الأولى وأنها ليست للتربية والتعليم والتعاون على الخير .(3/101)
40- ذهاب بعض الشباب إلى أصحاب الخبرات القليلة والذين ليس عندهم تمكن في علاج المشاكل التربوية لحل مشاكلهم لأنهم مكثوا سنيناً في المحاضن التربوية وهذا لا يعني تمكنهم في ذلك وفي المقابل إبداء الطرف الآخر الرأي والحل وتكون النتائج غير مرضية .
41- تسرب أخطاء أو مشاكل المتربين بين أفراد المحضن من قبل المربي سواء خطأً أو عمداً مما يؤدي إلى انتكاسة المتربي وتركه والأولى الحرص على السرية في مشاكل الأفراد ومعالجتها وعدم إدخال الأفراد في حلولها .
42- كثرة مخالطة المربي مع المتربين فيما لا فائدة فيه مما ينتج عنه قلة الهيبة والتقدير له وعدم أخذ كلمته بجدية والاطلاع على أخطائه التي لا تُعرف إلا مع كثرة المخالطة ثم النتيجة ضعف القدوة .
43- قلة اللقاءات التربوية بين المربين التي تعالج المشكلات بصورة جماعية مع ظهور الفردية في حل أي مشكلة وذلك يضعف الحلول .
44- ضعف التناصح والمصارحة والوضوح في العمل بين المربين أو المتربين أو كلٌ مع الطرف الآخر وبين الدعاة والعاملين في طريق الدعوة .
يا أيها الدعاة والعاملون : لابد من المصارحة والمناصحة حتى نسير على الطريق ونحقق المقصود ولا تتبعثر الجهود فالغاية واحدة .
45- عدم اتخاذ أسلوب المناصحة المكثف والمنوع مع من يرى عليه الفتور أو شيء من المعاصي من البداية فالسكوت يؤدي إلى اتساع الضعف ومن ثم تصعب المعالجة إلا أن يشاء الله .
46- تحكيم العواطف والتعلق بآراء الأشخاص والذوات لا الكتاب والسنة في تربية النفوس ومواجهة الفتن والأحداث والتسليم بقبول آراء الأشخاص لذواتهم بغض النظر عن تأمل القول مع وجود القدرة على ذلك ، وإذا خالف أحد قول داعية أو عالم مع تمسكه بأدب الخلاف وجهت له التهم بالجهل والحسد وعدم احترام أهل العلم وهجر .
47- عدم مراعاة أوقات الدروس العلمية في المساجد مع أوقات البرامج الخاصة بالمحضن التربوي .(3/102)
48- تقديم بعض المربين والدعاة بعض الشباب المبتدئين في بعض المهمات وتفضيلهم على غيرهم ورفعهم فوق منزلتهم وهذا فيه زج بهم إلى مزالق خطيرة منها الغرور بالنفس والتحدث بما لا ينبغي التحدث به وربما أوقع المربي بما لا تحمد عقباه وربما يلام المربي على بعض الأخطاء التي تصدر من هذا المتربي لقربه منه وملازمته له .
49- الحكم على الشخص ووضعه في القائمة السوداء من خلال بعض الأخطاء والتشهير به في كل مجلس وربما هجر وترك ولم يُدع للمشاركة في البرامج الدعوية ، نُسيت الفضائل وبقيت الرذائل ، نسي ( أن كل بني آدم خطاء ) .
من ذا الذي ماساء قط *** ولم تكن له الحسنى فقط
والمعاصي تتفاوت وهناك فرق بين المجاهر من عدمه والخطأ في حق الله وحق الأشخاص قال ابن المسيب رحمه الله : ( ومن الناس من ينبغي ألا يذكر عيبه ويوهب نقصه لفضله) وأقل الأحوال مسلم لا تجوز غيبته ولاندع لأنفسنا باب التأول في ذكر معايبه كما يفعل البعض .
50- تفلت المحضن وأفراده وتوقف البرنامج عند غياب المربي عن البرنامج اليومي أو لفترة من الزمن والأولى إيجاد البديل المناسب المؤقت من نفس المحضن أوغيره لإتمام مابدئ به ،لأن الغياب يؤدي إلى سلبيات كثيرة .
51- انشغال المربي أو بعض الأفراد بإنسان انحرف بعد الاستقامة وهذا الانشغال يكون على حساب الآخرين مع أن غيره أحوج إلى بذل الجهد .( فالمقبل أولى من المدبر ) ( ولا ننسى أن الكلام الذي يقال للمنتكس.. يوماً من الأيام هو كان يقوله للناس !! ) .
52- دخول المحضن التربوي غير الملتزمين أو أناس يريدون الالتزام لكن مازالت رواسب الماضي قوية التعلق بهم فالأولى عدم إدخال الصنف الأول والاهتمام بالصنف الثاني والارتباط بهم خارج المحضن وتهيئتهم للدخول فيه حتى لايؤثروا في أفراد المحضن سلباً .(3/103)
53- عدم التجديد في الأفراد بين كل فترة وأخرى واستقطاب الشباب للمحضن مع مراعاة الاختيار الأمثل ،فالتجديد يورث النشاط والحيوية والعكس يؤدي إلى الضعف والتفكك والملل .
54- عدم المصارحة بكل ماله صلة بالموضوع ويؤثر فيه عند الاستشارة في أمر من الأمور أو إخفاء بعض العيوب والأخطاء التي كانت بسببه _ أي المستشير _ أو يستشير وليس عنده القناعة بما يستشير فيه أو يشار عليه به ثم النتيجة يبرر لنفسه ولأخطائه في خاصة نفسه أولمن حوله إذا لامه أنه استشار فلان ونسي أن الاستشارة بنيت على غير حقائق وهذا أمر مشاهد في الناس وفي مشاكل المحاضن التربوية من قبل المربي والمتربي ، فليتنبه الجميع وعلى المستشار عدم الاستعجال في إبداء الرأي في ما يخص المحاضن وغيرها والتحري في الأمور ( والمستشار مؤتمن ) حديث رواه أبوداود .
55- التحدث مع الشباب المبتدئين أو حين وجودهم عن بعض المشكلات والخلافات قبل نضجهم العلمي والفكري فيحدث لهم ردة فعل تكون سبباً في رجوعهم وبعدهم عن التمسك وإن كان ولابد فإعطاؤهم قواعداً في فقه الخلاف وموقف السلف منه حتى لا يحدث عندهم اضطراب أو يأتي من يلبس عليهم الحق بالباطل .
56- ضعف الصلة بين أفراد المحضن أو المربي مع من يترك المحضن لسفر بسبب التعلم أو الوظيفة أوغيرها وعدم الاتصال بهم هاتفيا أو زيارة أو مراسلة أو ربطهم بالدعاة والأخيار في البلد الذي انتقلوا إليه وهذا أمر مشاهد وملموس ولذا نرى الفتور وتقديم التنازلات بسبب الغربة والوظيفة وعدم وجود الرفقة الصالحة والاضطرار إلى العيش مع الرفقة السيئة أو على الأقل لوحده والفراغ مفسدة.(3/104)
57- عدم المرجعية عند كثير من الشباب والمربين عند النزاع فلا يرجع عند الخلاف إلى العلماء وهذا يجرنا إلى ويلات لانهاية لها كما هو مشاهد وملموس ، والخلاف أمر لابد منه لكن لايصل إلى حد الاتهام بالباطل والوقيعة في الأعراض والحزازيات في الصدور والتوقف عن العلم والدعوة بل تؤدى الفرائض والنفوس منشغلة ومشتعلة تضيع الجهود وتبعثر ، تهدر الأوقات وتخسر الأموال والقدرات والكتب والأوراق وكثير من الصالحين والمفكرين والأخيار ومن نحبهم في الله ومن المستفيد يا حملة الإسلام والعلم والإيمان ..؟ إنه الشيطان وحزب الشيطان والله المستعان ولاحول ولاقوة إلا بالله .
قال - صلى الله عليه وسلم - (يئس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم ) رواه مسلم والترمذي وأحمد .
فيا أيها الشباب : هيا إلى التلاحم والتناصح والأخوة الحقة والمحبة الصادقة يكفي ما مضى ، لنستدرك ما فات ، سنوات مضت ، لنأخذ العبرة ولا نعيد الكرة كفى وكفى وألف كفى .
يا أمل الأمة ويا ملح البلد ، ما يصلح الملح إذا الملح فسد !!؟
58- التكلفة الباهضة لإعداد المشاريع الدعوية من حيث البناء ومستلزماته مما يؤدي إلى التأخر في البدء بالمشروع لعدم وجود المال الكافي أو لكبره وكذلك يؤدي إلى بذل الأموال الطائلة التي يمكن الاستفادة منها في أكثر من مشروع ، كذلك يؤدي إلى نزع ثقة التجار في القائمين عليها بسبب الإسراف والاعتذار عن المساهمة (45) .
59- الحماس غير المنضبط المؤدي إلى الخطأ والاستعجال وتراكم الأعمال وكثرتها وطولها وعدم التناسب مع القدرات والإثقال على النفس والآخرين ثم الملل والاعتذار والانقطاع .(3/105)
60- الاهتمام بالتجديد كوسيلة حتى يضعف المضمون وتفقد الغاية وهذه قضية ينبغي التنبه لها ، لأننا نلحظ هذا الجانب بدأ يظهر في أوساط الذين يهتمون بجانب التجديد حيث يغلبونه على القضية الأساسية للفكرة وهي الدعوة إلى الله وهداية الخلق وإفادة الناس والتجديد لاشك أنه مطلب في ميدان الدعوة وأقترح على كل فرد و محضن ومؤسسسة دعوية أن تجند أصحاب التخصص لكي يفكروا ويبتكروا في مايجيدون فيه كل حسب تخصصه (46) .
أخي الداعية والمدعو والمربي والمتربي :
عذراً على هذه الكلمات فليست نظرة سوداوية أو نظرة يائس و متشائم أو تتبع للأخطاء والتفنن في عرض السقطات أوطلب للمثالية الزائدة أو متناس أن كل بني آدم خطاء وكل عمل لايخلو من خطأ و صواب وأن الكمال لله والناقد بصير .. كلا بل هو واقع نلمسه وحياة نعيشها .
إن كثيراً مما تقدم تعيشه الأمة كلها على جميع مستوياتها وليست تلك النقاط في طريق الدعاة والمدعوين فقط لكن الحديث جاء موجهاً لهم لأنهم أمل الأمة بعد الله وهم حملة الرسالة وأتباع الأنبياء ومحل النظر والاقتداء .
إن ذكر الأخطاء ولَّد عندنا ردود الأفعال، فلم يفرق البعض بين ذكر الأخطاء وطريقة عرض الأخطاء وتفسير النيات والبعض يقول إن ذكر الأخطاء يزيد الغم غمين ويكفينا تربص الأعداء فالحال غير مناسب .
فيقال : إن ذكر الأخطاء أمر جآءت به الشريعة والقرآن والسنة مليئان بذلك ، بل إن المتأمل لدعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بدايتها وما واجهته من أحداث ومعارضات وما كان ينزل من القرآن نحو قوله تعالى{عبس وتولى..} قصة ابن مكتوم رضي الله عنه وقوله {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا ً..} وغيرها لدليل على أن ذكر الأخطاء وتصحيح المسار أثناء المسير مطلب لاغبار عليه والسكوت عن الأخطاء يشجع على تكرارها وترك الداء بلا دواء يؤدي إلى قتل الجسد لكن نحتاج إلى مراعاة ما يلي :(3/106)
أ- أن نفرق بين الخطأ والظاهرة من حيث ماهيتهما قلة وكثرة .
ب- أن نفرق في وسيلة العرض عند الحديث عنهما ، فهناك محاضرة وخطبة وشريط وكتاب ومقال ورسالة واتصال هاتفي ولقاء وغيرها وكل منها له ما يناسبه .
ج- أن نفرق بينهما من حيث الفئة المرتبطة بكل منهما من الناس فتارة الارتباط بشخص وتارة بشريحة من المجتمع وتارة بالمجتمع .
د- عدم ذكر التفاصيل ودقائق الأمور التي لا تكون إلا في حالات يسيرة ونادرة وقضايا عينية .
هـ- إذا كان التلميح يغني عن التصريح كان أولى .
و- الموازنة في عرض السلبيات والإيجابيات بل إن ذكر الجميع من العدل والإنصاف وحديثي عن أخطاء فئة من المجتمع ليس أشخاص بأعينهم فأخطاء الأشخاص موضوع مستقل .
ز- إشعار الناس بأن الخير موجود في الأمة كما أن الشر موجود وعدم إغفال ذكر الخير وصوره في الناس إذا ذكرت الصور المأساوية لبعث الأمل في الأمة والناس وليعلم الميْت أن في الأمة أحياء فيحيا بذكرهم .
ح- عدم ذكر ماكان مخفياً ومستوراً وضئيلاً كبعض المنكرات التي لا يعرفها إلا القليل .
ط- عدم ذكر القصص التي تأخذ حكم النادر وفيها من البشاعة والقذارة مالا يمكن وصفه وتردادها على مسامع الناس حتى لا يكون المتحدث عرضة للتكذيب والاتهام بالمبالغة وحتى لا يعتادها الجميع وتصبح أمراً عادياً وإن كان ولابد فذكرها مختصرة دون الإكثار وذكر التفاصيل فإنها تقسي القلب وكثرة المساس تقلل الإحساس وتبعث الإحباط في النفس والقرآن والسنة مليئان بالقصص التي تقرع القلوب وليس فيها كثرة تفصيل للأحداث .
ط- مراعاة المكان والمستمعين عند الحديث عن خطأ أو ظاهرة وهل هم بحاجته وهل كثير منهم يدركونه ويلمسونه ؟
إشكال : يرد ويتكرر ونسمعه عندما يتكلم عن مشكلة فتجد البعض يقول لماذا الحديث عن هذا الموضوع فلا ألمسه وكذا مثلي سيقرؤه ويسمعه وهو لا يدركه ؟(3/107)
فيقال : ليس من المعقول أن يسكت عن ظاهرة من أجل أن واحداً أو اثنين أو عشرات لا يدركونها وفي المقابل مئات يعيشونها ومئات يرونها ومئات ضحايا بسببها بل لا يمكن أن يسكت حتى يؤتى على الأخضر واليابس .
فالمستمع إما : صاحب المشكلة أو قريب منها يحوم حولها بقصد أو بدونه أو داعية أو مسؤول أو متعلم ينبغي عليه معرفة الواقع أو مربي في بيت أو محضن يحتاج إلى معرفة ذلك أسباباً ومظاهراً وعلاجاً أو بعيد عن كل ذلك فالعلم به علم ( والوقاية خير من العلاج ) والشريعة جاءت مقررة لهذه القاعدة .
فإن لم يكن ذلك كله فدعه لمن يهمه ذلك وإن أبيت إلا الملام فبابه مفتوح والناقد بصير . والموضوع قابل للاجتهاد وهذا وسعي بعد تأمل واستشارة وأخذ للآراء والرأي معرض للخطأ والصواب .
إشكال : وهو أن بعض الأشخاص عنده شيء من المعاصي سواء كانت باطنة أو ظاهرة ولو ناصحته جفاك وأبعد عنك وبينك وبينه شيء من التقدير والاحترام وإذا ذهب عنك سيزداد انتكاسة (47) وضعفاً..!! الجواب :إن تأخير النصح والإنكار بل السكوت عنه أمر جآءت به الشريعة إذا كان لمصلحة كما هو مقرر عند أهل الأصول بقولهم :(درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ) ولذا يقال في هذه الصورة :
أ- إن ترك النصح وتأخيره من المصلحة إذا كان يؤدي إلى مفسدة أعظم .
ب- إن النصح لا يتوقف على الأسلوب المباشر بل يمكن المناصحة بأسلوب غير مباشر كالكتاب والشريط وكتابة الرسالة بدون ذكر الاسم أو البحث عن إنسان آخر يناصحه يكنُّ له _المنصوح _ الإجلال والتقدير .
ج- محاولة إصلاح الجوانب الأخرى كأعمال القلوب وصلاح الباطن فإذا صلح الباطن صلح الظاهر وللأسف أن عندنا تعظيم للمعاصي الظاهرة أكثر من الباطنة وقد تكون الباطنة أعظم من الظاهرة .
وهذا خلل أدى إلى ما يسمى ( الالتزام الأجوف ) أو تشخيص بعض المربين لهذه الحالة بقولهم :(فلان عنده انتكاسة داخلية ) .(3/108)
تنبيه : وهو أن الإنسان لا يصل إلى درجة الانتكاسة الظاهرية إلا بعد العيش فترة من الزمن والضعف ينخر فيه داخلياً .
بمعنى أن الإنسان لا يأخذ من لحيته أو يسبل ثوبه أو غير ذلك إلا بعد ضعف الإيمان في القلب والخوف من الله جل وعلا ،فلا يفسد الظاهر إلا بعد فساد الباطن ولا ينتكس الإنسان ظاهرياً بين يوم وليلة .
فهد بن يحيى العماري
مكة المكرمة
ammare1395@maktoob.com
احصل على نسخة من كتاب : فتح آفاق للعمل الجاد ..للشيخ فهد العماري
للقراءة : فتح آفاق للعمل الجاد
للقراءة : دعوة للمصارحة : أسباب ضعف العمل الدعوي
للقراءة : من فنون التعامل : التعامل مع ظاهرة التعلق بالأشخاص
للقراءة : أيها الجيل
الهوامش
(36) وهذه قضية مهمة بدأت في أوساط بعض الشباب ،فتجد أن له نوعين من الأصحاب ،ملتزمين وغير ملتزمين ويحاول أن يصحب كل منهما ، ويظهر لكل منهما أنه على نفس طريقه ،لئلا يخسر الجميع ،فتجده حذر في التعامل مع الجميع ،إن كان مع الملتزمين تكلم بلسانهم وإن كان مع اللاهين تكلم بلسانهم ويجعل ثوبه على الكعب ويأخذ من لحيته دائماً بحذر وشكل دقيق حتى لا يظهر ذلك والموضوع له أسباب ومظاهر ونتائج أدعو أحد المربين للكتابة فيه .
(37) ونرى ونسمع أن بعض الدعاة قبل المحاضرة وغيرها يلجأ إلى الله بإلحاح في أن يتقبل منه العمل وأن ينفع به فتكون كلماته وأفعاله كالقذائف تخرج منه فتقع في القلوب فتورثها الندم والتوبة والإقبال .
(39) وللأسف نجد أن بعض الدعاة والطلاب يتخلف عن الدرس لأدنى سبب وفي الأعمال الدنيوية تجد الواحد يمكث سنوات ويحال للتقاعد ولم يتخلف يوماً من الأيام أو أياماً قلائل وليس هناك مراجعات للعلم واعتناء بالطلاب وتشجيعهم والتوجيه المستمر لهم والترابط بين الشيخ والطلاب ولذا كثير من الدروس تفشل ولاتستمر .
(40) حدائق ذات بهجة بتصرف .
(41) علو الهمة للمقدم
((3/109)
42) يقترح أن يعطى الحاج والمعتمر عند دخوله ما يحتاجه من كتب وأشرطة في حجه وعمرته وما عدا ذلك فيعطى عند رجوعه إلى بلده فإنه يلاحظ عليهم أنهم يملئون بالكتب والأشرطة ثم يتركونها أو تضيع منهم ويقترح إعداد لجنة تتكون من مندوبين للمؤسسات الخيرية تحت إشراف الشؤون الإسلامية لتتولى توزيع الأعمال الإغاثية والدعوية حسب التخصص من حيث العمل والمكان حتى لايصبح تكرار وازدواجية ومن ذلك أن تتولى كل جهة نوعية من الكتب تطبعها وتوزعها .
تنبيه : نجد أن بعض المراكز الدعوية وغيرها تحاول أن تستقطب في مجلس إدارتها كبار طلبة العلم والدعاة وهذا مطلب لكن نجد أنهم مشغولون بأعمال كثيرة ولا يرون إلا عند الاحتفالات وهم أصحاب الكلمة فيها والشكر لله ثم لهم ولا يعرفون إلا بالتوقيعات والذين يعملون بالليل والنهار ينسون حينها وهذا يسبب إشكالات كثيرة وليس من العدل وكذلك لابد أن نبرز شخصيات جديدة في العمل الدعوي حتى يأتي الجديد بالفكرة الجديدة ويستمر العمل فليس شرطاً أن لاتطلب المحاضرة إلا من كبار المحاضرين والدرس إلا من كبار العلماء.
((3/110)
43) لقد أكثرت من كلمة ردود الأفعال كثيراً وهو موضوع جدير بالاهتمام لأن كثيراً من تصرفاتنا وأقوالنا مبنية على موقف وحماس و ردود أفعال ليست على الدليل والحجة والمصلحة شرعاً أو عقلاً ولذا نجد كثرة الآراء والمواقف للشخص الواحد ومن ثم الجموع المتبعة له سواء على مستوى المحضن وغيره أو الأمة كلها يوم أن عظمنا الرجال ولم نعظم الدليل وعرفنا الحق بالرجال ولم نعرفه بالدليل عذراً أخوتي عذراً فالحقيقة مرة ،لكن يكفى ما نحن فيه وكم أتمنى أن ينبري لهذه القضية أحد الكتاب أسباباً وعلاجاً ومظاهراً حتى نخرج من التيه والتبعية والفوضوية التي تعيشها أمتنا نتيجة لردود الأفعال والتي ضحيتها شباب الأمة المتمسك ومن المسؤول يا أيها الدعاة والمربون وأصحاب الكلمة المسموعة ..؟ فأين أمانة الكلمة والرأي والمشورة التي سيحفظها ويعمل بها ويتخذها جيل الأمة نبراساً ومشعلاً في حياته وزاداً في طريقه إلى الله في محاضرة أو شريط أو كتاب أو مقال أو غيرها والله المستعان !؟
(44) وللأسف نجد أن بعض الشباب جعل جل وقته مع الشباب لا يراه أهله إلا وقت الغداء ووقت النوم ، مقصر في خدمة أهله ومتفانٍ في خدمة الشباب خيره في غير أهله مالاً وخدمة وشفاعة وتعاملاً وكثير من الآباء والأمهات يشتكون من هذا الأمر قال - صلى الله عليه وسلم - (خياركم خيركم لأهله) .
(45) وللأسف نجد أن كثيراً من الشباب عنده إسراف في تكلفة الرحلات والمخيمات وغيرها التي تصل إلى مبالغ طائلة وكذلك في جانب إنشاء المساجد وملحقاته والمكتبة التابعة له التي ربما لا يرتادها إلا القليل أو تكون مقفلة ، فعلى المربين والدعاة الاقتصاد ومحاسبة المتربين في ذلك .
(46) شريط اللقاءات التربوية للدويش بتصرف .
(47) لفظ الانتكاسة لفظ صحيح يطلق على الفتور ويدور في اللغة على معان منها : الميل والضعف والعجز والخيبة والخسران وقلب الشيء على رأسه . لسان العرب .
ــــــــــــــــــ(3/111)
العلم ... فضله وآدابه ووسائله
الشيخ العلامة / عبدالله الجبرين
أعده للنشر
د. طارق بن محمد الخويطر
تقديم
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه، وبعد:
فقد أذنت للشيخ الدكتور طارق بن محمد بن عبدالله الخويطر قي طبع الرسالة التي في فضل العلم وطلبه بعد أن فرغها من الأشرطة وبعد أن عرضها علي وقمت بتصحيحها حسب ما يناسبها .. ووكلته في الإشراف على الطبع والتصحيح والإخراج وكل ما يستلزم نشرها ، فهو محل ثقة وأمانة ونصيحة، وفقه الله تعالى لرضاه .
وصلى ا لله على محمد وآله وصحبه وسلم.
عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
بسم ا لله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولا: ما المراد بالعلم
ثانيا: أهمية العلم الذي يحتاج إلى تعلمه
ثالثا: كيفية التعلم
نقول إن المراد بالعلم، هو العلم الشرعي الذي أخذ من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، يقول ابن القيم في نونيته:
العلم قال الله قال رسوله ******** قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة **** بين النصوص ويبن رأي فلان
هذا حقيقة العلم ، وذلك لأن القرآن الذي نحن نهتم به ونقرأه ونتلوه ونتعلمه هو منبع العلوم وأصلها، ولأجل ذلك يؤمر الذين يتعلمونه ويحفظونه أن يتعلموا معانيه كما يتعلمون ألفاظه، وقد ثبت أن الصحابة – رضي ا لله عنهم – كانوا يقترئون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل ، قالوا فعلمنا العلم والعمل (2).
لا شك أن القرآن فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، فهو الفصل ليس بالهزل .. من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله .(3/112)
ذكر الله تعالى أن الجن لما استمعوه { فقالوا إنا سمعنا قرانا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا } [الجن : 1-2] .. فما فيه كله رشد وكله هدى، وقد تكفل الله تعالى بحفظه، قال الله تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [الحجر : 9] ، هكذا أخبر سبحانه أنه تولى حفظه .
كذلك أيضا قد تولى الصحابة رضي الله عنهم بيان معانيه، تولوا تفسيره وبيان ما فيه من المعاني، ثم يسر الله من العلماء من فسروا ألفاظه، وفسروا معانيه، وبينوا ما يستنبط منه من الأحكام، فما بقي لأحد عذر في أن يجهل معاني القرآن .
لا شك أن القرآن قد تناوله بعض المحرفين من المعتزلة والمبتدعة، وحرفوا الكلم فيه، ولكن صانه الله تعالى وحماه عن أن يحرفوا ألفاظه، وإنما فسروا معانيه بتفاسير بعيدة، فيسر الله من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة من فسره التفسير الصحيح، فلذلك نقول: إن على طالب العلم أن يقتصر على التفاسير التي اعتنت ببيان ألفاظه واقتصرت على القول الصحيح، مثل تفسير ابن جرير الطبري رحمه الله، وتفسير ابن أبي حاتم، وتفسير البغوي ، وابن كثير رحمهم الله .. هؤلاء من علماء أهل السنة، وكذلك من المتأخرين مثل تفسير ابن سعدي وتفسير الجزائري، أما أكثر التفاسير فإن فيها ضلالات وتحريفات ، فيقتصر المسلم على تفسير يكون موثوقا.(3/113)
أما بالنسبة إلى السنة، فإن السنة - التي هي الأحاديث النبوية - تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه، وقد أمر ا لله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يبين هذا القرآن ، فقال له : { وأنزل إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } [النحل : 44] ، وقد بينه - صلى الله عليه وسلم - بأقواله وبأفعاله، وكذلك بين الشريعة التي أرسل بها، وقد وفق الله تعالى صدر هذه الأمة للعناية بكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقلوه نقلا ثابتا، ثم كتبوه في مؤلفات، وبينوه ، وتكلموا على صحيحه وما ليس بصحيح، وما هو حسن، وما يعمل به وما لا يعمل به، وشرحوه أيضا، وشرحوا غريبه، وتكلموا على أسانيده .. فأصبحت السنة محفوظة، لأن حفظها من تمام حفظ الشريعة التي شرعها ا لله تعالى .
فنقول أيضا: إن على طالب العلم أن يهتم بحفظ السنة، أو بقراءة ما تيسر منها، فإن فيها علما جما، علما نافعا، وحيث أن الكتب كثيرة قد لا يسمح الوقت لكي يقرأها طالب العلم كلها، فإن عليه أن يهتم بمبادئها، فإن أصح الكتب صحيح البخاري ثم مسلم، ولطول الكتابين يشق قراءتهما في وقت قصير، فلذلك يسر الله تعالى من العلماء من اختصر الصحيحين، فهناك كتاب " اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان " ، وفي الإمكان أن يستفيد منه ويعرف الأحاديث الصحيحة التي اتفق عليها البخاري ومسلم، وإذا أراد مختصر واحد منهما وجده فيستفيد منه، وإذا أراد نبذا من هذين الصحيحين وجد أيضا مختصرات، وكذلك أيضا إذا أراد شروحا وجد شروحا توضح المعاني والألفاظ ..
كذلك أيضا أقوال الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - ، وذلك لأن الصحابة تعلموا من نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، والتابعون تعلموا من الصحابة ؛ فلذلك تعتبر أقوالهم، وتعتبر أحكامهم وتفاسيرهم من السنة، من تعلمها فإنه على هدى، وقد يسر الله تعالى من حفظ أقوالهم ورواها بالأسانيد، واعتبروها من السنة، واعتبروها من الشريعة، فمن طلبها وجدها.(3/114)
فهذه هي المراجع الأساسية للعلم، كتاب الله أولا، ثم سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أقوال الصحابة وأفعالهم، وتلامذتهم، هذا هو العلم الذي ينبغي أن يبدأ به .
• بعد ذلك نقول ما حكم تعلم هذا العلم ؟
الجواب:
ما تعلمه : منه ما هو واجب ، ومنه ما هو مستحب .
الواجب هو ما كان مكلفا به كل إنسان، فإن كل فرد من الأمة مطالب بالعمل، مطالب بالعبادات أن يتعبد بها، ولا شك أن التعبد على جهل لا يقبل ؛ فلأجل ذلك فرض عليك أن تتعلم ما أنت مأمور بالعمل به، حتى لا تتخبط في الأعمال .. فإن التخبط في العمل ، والعمل على جهل ، وسيلة وذريعة إلى رد العمل وعدم قبوله وعدم إجزائه، فلا بد أن تتعلم، وأهم شيء تتعلمه هو علم الديانة، العلم الذي أنت مطالب به . تتعلم كيف طهارتك وكيف صلاتك وكيف عباداتك، والمراد بالعبادة التي أنت مخلوق لها، وما حرم الله عليك حتى تتجنبه، وما كلفك به حتى تطبقه، وما أنت مأمور بفعله حتى تعمله، وتتعلم الآداب وتتعلم الأحكام، وكلها – والحمد لله – ميسرة ما بين مختصر وما بين مبسوط، وتعلمها سهل يسير، ولا شك أن من تعلم هذا له أجر كبير.
إذا تعلمها أثابه الله على تعلمه لما هو فرض ولما هو نفل، والأدلة على ذلك كثيرة.(3/115)
مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ومن سلك طريقا يلتمسن فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة " .. ثواب عظيم، فالجنة هي أعلى مقاصد الإنسان في الآخرة، من دخل الجنة فقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وكيف يحصل عليها؟ هذا إذا سلك طريقا يتعلم فيه علما شرعيا، وليس المراد بالطريق أن يسافر سفرا بعيدا يقطعه في أيام أو في أشهر ، بل يعم ذلك كل من توجه إلى مكان يتعلم فيه ولو بضع دقائق بينه وبين مسكنه ، فإنه والحال هذه يعتبر قد حصل على علم وسلك طريقًا .. إذا توجهتَ من بيتك إلى حلقات علمية أو ندوات أو محاضرات أو حلقات تحفيظ قرآن وقصدك أن تتزود من هذا العلم، من القرآن أو من السنة أو من المسائل والأحكام الدينية فأنت قد سلكت طريقا تلتمس فيه علما، وقد اشتمل هذا الحديث الذي هذا أوله على فضل طالب العلم ، ففي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال : " من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " (3).
يتكرر هذا الحديث على المسامع دائما، ولكن الهمم ضعيفة، يسمعه الكثير وما رأينا حوافز تدفع إلى تعلم العلم الصحيح !!
• آداب ووسائل طلب العلم :
وبعد أن عرفنا أهمية وفضل تعلمه نذكر بعض الأسباب التي تكون وسيلة إلى تعلمه وتحصيله ، وتسمى آدابا ووسائل يتوصل بها طالب العلم إلى أن يبارك الله تعالى في أيامه، ويبارك في علومه، ولو كانت علوما قليلة :(3/116)
أولا: الإخلاص في تعلم العلم: فإن الإخلاص شرط في قبول الأعمال كلها ومن جملتها العلم، أمر الله بالإخلاص في الدين في قوله تعالى : { فاعبد الله مخلصا له الدين * ألا له الدين الخالص } [الزمر :2-3] ، وفي قوله سبحانه : { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين } [الزمر : 11] ، وذلك بإصلاح القصد وإصلاح النية في طلب العلم.
فإن هناك من ينوي بتعلمه شغل الوقت، يقول عندي وقت فراغ أشغله بهذا التعلم، وليس له قصد في المنفعة، ولا شك أن هذا قصد قاصر، قصد ناقص إذا كان لمجرد شغل الوقت ، لأن هؤلاء إذا وجد أحدهم ما يشغل به وقته غير العلم انشغل به، فكأنه وجد فراغا فأخذ المصحف أو أخذ الكتاب حتى يشغل هذا الفراغ، ولو وجد كتابا ليس علميا لشغل به وقته، ولو وجد من يحدثه لشغل وقته بهذا الكلام الدنيوي أو اللهو.
ومن الناس من يكون قصده بتعلمه أمرا دنيويا ، فيقول أتعلم حيث أنه يبذل في هذا التعلم مكافأة، أو أجرة، أو مال أو نحو ذلك، فيكون من الذين تعلموا العلم لأجل الدنيا، ولا شك أن هذا يفسد النية، ولا يحصل له الفضل الذي ورد في فضل تعلم العلم.
ومن الناس من يكون قصده بالتعلم مجرد شهادة أو مؤهل يحصل به على ترقية أو وظيفة أو نحو ذلك، وهذا أيضا مقصد دنيء لا يليق بالمؤمن أن يقصد هذا المقصد ؛ وذلك لأنه لا يبارك له في علمه إذا كان يدرس لمجرد أن يحصل على كفاءة أو توجيه، أو ما أشبه ذلك، فيكون قصده قصدا دنيئا، وغير ذلك من المقاصد الدنيوية.
وإذا قلت فما المقصد الصحيح؟ وكيفا إذا تعلمت العلم يكون قصدي قصدا حسنا ؟
الجواب:(3/117)
أولا: تنوي إزالة النقص، وذلك لأن الجهل نقص، فالله تعالى أخبر بأنه أخرجنا إلى الدنيا من بطون أمهاتنا جهلاء، قال تعالى : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } [النحل : 78] ، فإذا عرفت أن الإنسان ناقص في حالة جهله، ونويت أن تزيل هذا النقص لتحصل لك صفة كمال فإن هذا مقصد حسن، فتقول إني رأيت الجهلاء لا يعرفون وقدرهم ناقص عند الناس فأنا أريد أن أسد هذا الفراغ وأن أكمل ذلك النقص.
ثانيا: أن تنوي شرف العلم وشرف العلماء، إذا عرفت أن للعلم فضلا، وأن العلماء لهم شرف، ولهم ميزة، يرفعهم الله تعالى بهذا العلم، إن ا لله يرفع بهذا العلم أقواما ويضع به آخرين، يقول الله تعالى : { و إذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } [المجادلة : 11] .
ويقول الشاعر:
العلم يرفع بيتا لا عماد له ****** والجهل يهدم بيت العز والشرف
فأنت تنوي أن يكون هذا العلم فضلا وشرفا يرفعك الله به.
ثالثا: أن تنوي العمل على بصيرة، لأنك مكلف، فإن الإنسان منا عليه أعمال وعليه واجبات وطاعات مأمور أن يتعبد بها، ومحرمات منهي عن فعلها .. وكيف يؤديها وتكون مجزئة ؟ لا بد من أن يتعلم، حتى يعمل على بصيرة .. فمن توضأ وهو جاهل لم يعمل بالوضوء الصحيح، ومن لم يتعلم نواقض الوضوء انتقض وضوءه وهو لا يشعر، ومن لم يتعلم كيفية الصلاة وما يجب فيها ما قبلت منه صلاته، ومن لم يتعلم كيفية الحج وقع في أخطاء تفسده أو تبطله .
فإذا نويت أن تتعلم حتى تعمل على بصيرة ويجزئك العمل ويصير مقبولا فهذه نية صالحة يثيبك الله تعالى على ذلك ويوفقك.(3/118)
رابعا: إذا نويت حمل هذا العلم الذي هو علم الكتاب والسنة، لتبلغ من يجهل من أهلك وأقاربك وغيرهم ما يجهلونه، فقد ورد في الحديث " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " (4). ففي هذا أن حملة العلم هم أهل العدالة ، فالذي ينبغي أن يكون من هؤلاء العدول نية صالحة ، نية صادقة، وهكذا تكون المقاصد .
هكذا ذكرنا أربعة أسباب تكون بها نية الإنسان صالحة، وأربعة تكون بها نيته فاسدة.
• كيفية طلب العلم :
بعد ذلك كيفية التعلم والآداب التي يحصل بها على العلم .. فقد يقول قائل إن التعلم خاص بالصغار وأن الإنسان إذا أسنَّ فاته سن التعلم، وأنا قد كبرتُ، وقد طعنتُ في السن، فكيف أحصل على العلم؟
فنقول إن الإنسان يتعلم ولو بلغ الستين أو السبعين ، فإن باب العلم مفتوح ووسائله مهيأة، وليس هناك عوائق، ونعرف أن كثيرا من الصحابة أسلموا وهم كبار السن، منهم ابن الستين وابن السبعين سنة ومع ذلك تعلموا، وكذلك التابعون الذين دخلوا في الإسلام وقد أسنوا ، تعلموا وأصبحوا حفظة وعلماء ورواة .. لا شك أن هذا ليس عذرا أن يكون الإنسان قد تجاوز السن الذي يتعلم فيه فيترك التعلم.
فللعلم آداب، ونذكر بعض تلك الآداب التي تكون وسيلة لذلك :
أولا: إحضار القلب عند التعلم، فإن الكثير الذين يحضرون مجالس العلم والقلب غافل يجول في الشهوات، أو كذلك يحضرون خطب الجمع وأحدهم ناعس أو يوسوس في أمور بعيدة، فإنه لا يستفيد من الخطب، ولا يستفيد من التعلم ولا من الحلقات العلمية، فلا يكون بذلك مستفيدا، فلا بد أن تحضر قلبك ولبك.
ثانيا: الحرص، فلا بد أن يكون طالب العلم حريصا على التعلم، فإن الذي يقول إن وجدت وسيلة تعلمت وإلا فلست بحاجة إلى العلم، ولست مُكَلِّفًا نفسي ..! ليس هذا وصفُ طالب العلم، لا بد أن يحرص على التعلم، ويكون في قلبه همة واندفاع إلى التعلم.(3/119)
ثالثا: تفريغ وقت لطلب العلم، فإن الكثير الذين جعلوا أوقاتهم إما في مجالس عادية : زيارات ومجالسات مع أصدقاء أو مع زملاء أو مع أهل أو نحو ذلك، يفوتهم التعلم . كذلك أيضا إذا جعلوا أوقاتهم كلها في طلب الدنيا : في حرفة ، في تجارة ، في مصنع ؛ وكذلك إذا جعلوا أوقاتهم في أسفار لنزهة أو زيارة عادية ، أو أسفار لا أهمية لها ، لا شك أنه يضيع عليهم الأوقات، فلا بد أن يخصص طالب العلم وقتا، كما إذا خصص كل يوم ساعة أو ساعتين ، فإنه مع المواصلة يحصل على علم، بخلاف من شغل وقته بالقيل والقال، أو شغله بالزيارات، أو شغله بالخرافات، أو بالسماعات، أو بالعكوف على الملاهي، أو ما أشبه ذلك، فإنه قل أن يستفيد.
وكثير قد تعلموا علما، ثم انشغلوا عن العلم به وانشغلوا عن ترداده، فكان ذلك سببا لنسيانه ولغفلتهم عنه.
ومعلوم أن الإنسان في هذه الدنيا لا بد أن يكون له رزق يقتات به، فإذا يسر الله تعالى له من القوت ما يكتفي به فعليه أن يجعل بقية الوقت في طلب العلم، وإذا ضاقت به الحالة فإنه مرخص له أن يطلب الرزق، وأن يبتغى من فضل الله، لقوله تعالى : {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} [الجمعة : 10] ، ولقوله : {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} [المزمل : 20] ، يبتغون الرزق، فإذا يسر الله للإنسان رزقا هنيئا حلالا يتقوت به، ويقوت به من تحت يده ومن يعول، فإن عليه أن يجعل وقته أو بقية وقته للاستفادة ولطلب العلم .
رابعا: الصبر والتحمل، فإنه قد يلقى مشقة، لكن عليه أن يتحمل، فإذا عرض له من يعوقه قطع تلك العوائق، وإذا نازعته نفسه وشعر بالملل والتعب والسآمة عصى تلك الدوافع ، فإن النفس قد تميل إلى الراحة، وقد تميل إلى النوم وإلى الكسل وإلى الخمول، ولكن إذا عزم الإنسان ودفع نفسه، فإنها تطاوعه.
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ****** فإن أطمعت تاقت وإلا تسلتِ(3/120)
والنفس كالطفل إن تهمله شب على ***** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فهكذا النفس إذا أطيعت فإنها تندفع إلى الشهوة، وإلى اللذة، وإلى النوم، وإلى الراحة .
نجد أن كثيرا أضاعوا أوقاتهم، فإذا دخلت إلى الحدائق وجدتها مليئة ، وإذا دخلت إلى المقاهي وجدتها مليئة، وليس لهم حاجة إلا مجرد التسلي والترفيه بزعمهم يرفهون عن أنفسهم . فإذا تركت النفس على ما هي عليه اندفعت إلى ذلك اللهو، وإذا فطمت وترك ما تميل إليه انتفع الإنسان بالوقت ولم يضع عليه وقته.
خامسا: الاستمرار وعدم الانقطاع، فهكذا طالب العلم لا ينقطع عن التعلم ولا عن العلم في وقت من الأوقات، بل يستمر عليه إلى الممات .. يقول بعض السلف : اطلب العلم من المهد إلى اللحد، أي منذ أن تكون صغيرا إلى الموت، وكان كثير من السلف يطلبون العلم ويكتبونه، فيدخل أحدهم إلى الأسواق ومعه المحبرة - الدواة التي فيها الحبر - ، وسنه كبير، فيُقال : لا تزال تحمل المحبرة ؟ فيقول : من المحبرة إلى المقبرة، أي لا نزال نواصل العلم.
ونسمع عن كثير من طلبة العلم أنهم يواصلون طلب العلم ليلا ونهارا ولا يملون ولا يتكاسلون، ويذكر أن أحد مشايخ مشايخنا كان طوال ليله وهو يقرأ للتحفظ أو يكتب العلم، فيجيئه بعض المحسنين بعشاء بعد صلاة العشاء ويوضع إلى جنبه ولا يتفرغ لأكله إلا بعد الأذان الأول في آخر الليل، ويجعله سحوره، يجعل عشاءه سحورا انشغالا بطلب العلم، انشغالا بالقراءة والكتابة وما أشبه ذلك.
ونسمع عن الأولين أن أحدهم يسافر مسيرة شهر وشهرين في طلب حديث أو أحاديث ويغيب عن أهله سنة أو سنتين أو سنوات كل ذلك لطلب العلم ولا يملون، ولا يقولون أضعنا أهلنا، أو هجرنا بلادنا .. لأن الدافع قوي وهو تحصيل العلم النافع، فهكذا يكون طالب العلم.(3/121)
سادسا: التكرار، أي تكرار ما علمه وذلك لأنه إذا تعلم فائدة ثم تغافل عنها ذهبت من ذاكرته ونسيها بسرعة، وأما إذا تذكرها مرة بعد مرة، قرأ الحديث وبعد حفظه راجعه بعد شهر وبعد أشهر حتى يرسخ ويثبت في ذاكرته فإنه يكون من حملة العلم وحفظته .
لذلك كان السلف يوصون بمذاكرة العلم ، يقول بعضهم: مذاكرة ليلة أحب إلي من إحيائها. يعني كوني أجلس في هذه الليلة أتذكر العلم وأتذكر ما حفظته أحب إلي من أن أقومها قراءة وتهجدا وصلاة وركوعا وسجودا ، وذلك لأن هذا - أي مذاكرة العلم - نفع متعد .
سابعا: كتابة ما استفاده ، فكلما استفاد فائدة أثبتها معه في دفتر أو ورقة وكررها إلى أن يحفظها . يقول العلماء : " إن ما حفظ فر وما كتب قر " ، أي أن ما كتبته ستجده فيما بعد .. ويشبهون العلم بالصيد، فيقول بعضهم:
العلم صيد والكتابة قيده ******** قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة ****** وتتركها بين الخلائق طالقة
إذا صاد الإنسان غزالة ثم أطلقها فإنها تهرب، بخلاف ما إذا قيدها بحبل وثيق، فهكذا الكتابة تثبت هذه العلوم بحيث أنك تجدها فيما بعد ويصل عليها .
وقد يسر الله أيضا في هذه الأزمنة التسجيلات التي تحفظ الكلام الذي أنت تريد حفظه لتراجعه فيما بعد وتستفيد منه بعد يوم أو بعد أيام أو ما أشبه ذلك.
ثامنا: الواضع، لا سيما في مجالس العلماء، وذلك أن العالم هو الذي يتواضع لمن يعلمه، وقد ورد في الأثر : " لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر " (5) . فالذي يتكبر ولا يتواضع لمن هو أصغر منه لا يوفق للعلم كما إذا رأى عالما أصغر منه سنا يقول كيف أتعلم من هذا الطفل ؟ أو من هذا الصغير الذي أنا أكبر منه ؟
نقول : إن الله تعالى شرفه وفضله بالعلم فعليك أن تصغر نفسك وتتواضع وتأخذ العلم ممن هو معه ، ولو كنت أشرف وأغنى وأكبر وأرقى فإن العلم يؤخذ من منابعه ومن أهله.(3/122)
تاسعا: الجرأة وعدم الاستحياء، يعني أنك إذا صرت تستحي من أن تسأل بقيت على جهلك ؛ ولذلك قال بعض السلف : " لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر " ، يحمله تكبره على أن يعجب بنفسه ويبقى على جهله، وكذلك أيضا يحمله استحياؤه عن أن لا يطلب أو يستفيد ممن معه علم فيبقى على جهله.
نقول إن الإنسان إذا تأدب بهذه الآداب الشرعية فإن الله تعالى يوفقه ويفتح عليه ويرزقه العلم النافع والعمل الصالح، ونذكر الخصال الستة التي أشرنا إليها حيث نظمها بعضهم :
أخي لن تنال العلم إلا بستة ***** سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة **** وصحبة أستاذ وطول زمان
هذه هي الوسائل التي يمكن أن ينال طالب العلمِ العلمَ بها ، ولا شك أن العلم موهبة وفضل من الله تعالى ، فإن الكثير من العلماء المشاهير لهم أولاد انحرفوا عن العلم وصاروا دنيويين، وكثير من الجهلة يسر الله لأولادهم فتعلموا وصاروا قادة وسادة، فهو فضل من الله تعالى، متى كان عند الإنسان نية صادقة وأحب مواصلة التعلم يسر الله تعالى له العلم.
نكتفي بهذا، نسأل الله أن يرزقنا علما نافعا، وعملا صالحا متقبلا، وأن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما ينفعنا، ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه على كل شيء قدير.
الأسئلة
س 1: ما أهم المتون التي تنصحون بحفظها في مختلف العلوم؟
- أنصح في العقيدة بالعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، فإنها جامعة ومفيدة، وعليها شروح لكثير من العلماء، وكذلك كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد إذا تيسر حفظه أو قراءته وتكراره، والثلاثة الأصول للمبتدئين، فهذه الثلاثة بالنسبة للعقيدة كافية إن شاء الله.
وهناك منظومة " سلم الوصول " للشيخ حافظ الحكمي إذا تيسر حفظها، أو حفظ ما تيسر منها أو قراءة شرحه استفيد من ذلك.(3/123)
وبالنسبة لعلوم الحديث: ننصح بحفظ "الأربعين النووية" وبقراءة "عمدة الأحكام من كلام خير الأنام " فإن أحاديثها صحيحة، ثم بعدها إذا تيسر قراءة بلوغ المرام والاستفادة منه.
وبالنسبة لعلوم القرآن، أفضل ما أتذكر " تفسير ابن كثير" وكذلك مختصراته، كمختصر الرفاعي لا بأس به، وتحقيق أحمد شاكر اسمه " عمدة التفسير " .
وبالنسبة إلى أحكام الفقه كتب ابن قدامة كالعمدة والمقنع وشروحه ، والمحرر والهداية والزاد وشروحه ونحوها.
وبالنسبة لعلوم الحديث هناك المنظومة البيقونية، ونخبة الفكر وما عليها من الشروح.
وبالنسبة إلى الآداب ننصح بقراءة رياض الصالحين بكثرة فإن فيه الفضائل وفيه الآداب.
س 2: ما علاج الفتور الذي يمر بطالب العلم ؟
كثير يشتكي من هذا الفتور الذي هو كسل يحصل من آثاره أن ينقطع عن طلب العلم، ذكرنا أن هذا من الكسل والخمول، وأن الإنسان إذا عود نفسه فإنه يستمر على طلب العلم وينشط نفسه.
والنفس كالطفل إن تهمله شَبَّ على ***** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فعليك أن تفطم نفسك عن الملاهي التي تكسل عن طلب العلم حتى تصل إلى رتبة تجد فيها العلم النافع إن شاء الله .
س 3: من طلب العلم لأجل غرض دنيوي هل يلحقه الوعيد الوارد في الحديث ؟
- لا شك أنه لا يحصل له به أجر ولا فائدة، لأن الغالب أن الذين يدرسون لطلب المؤهل فقط لا يستفيدون من علومهم، بحيث أن أحدهم إذا انتهى من تلك المرحلة أحرق كتبه، أو ألقاها في القمامة أو باعها بأبخس الأثمان ؛ لأنه ما تعلم إلا لقصد، فنقول: إن مثل هؤلاء لا يبارك لهم في علومهم وربما يعاقبون عليها، فعلى الإنسان أن ينوي مع ذلك رفع الجهل عن نفسه والعمل بالعلم.
س 4: هل يكتفي طالب العلم بالدراسة في المعاهد أو يحضر حلقات العلم في المساجد؟(3/124)
- لا شك أن القراءة في المعاهد فيها خير كثير، وفيها علم جم، ولكن إذا كان عنده وقت فلا يحرم نفسه أن يحضر حلقات العلم، فهناك ندوة أسبوعية في الجامع الكبير – جامع الإمام تركي - ، هذه الندوة كل يوم خميس ليلة الجمعة، فلا يحرم نفسه أن يحضر ليستفيد، كذلك أيضا هناك حلقات في صباح الخميس وصباح الجمعة في كثير من المساجد، فلا يحقر نفسه أن يستفيد منها، فإن مواصلة العلم خير وتفيد طالب العلم فإنه يحصل على تذكر العلم وترسيخه في ذاكرته.
س ه: هل يمكن استدراك ما بقي من العمر مع وجود الأشغال الكثيرة؟
نعم فإن المسلم لو تعلم كل يوم ساعة أو نصف ساعة بلغ المنزل، أتذكر أن بعض مشايخنا جلس مرة للمبتدئين ، بعضهم عمره من الخمسين إلى الستين ، ثم حثهم على طلب العلم وضرب لهم مثلا فقال: إن أحدكم لو أراد أن يعمر له بيتا و لم يتيسر له إلا أن يبني كل يوم لبنة واحدة، ففي سنة يكون قد بنى ثلاث مائة وستين لبنة ، في سنتين أو في ثلاث سنين يتم البناء ويرتفع، وهكذا تستفيد كل يوم فائدة أو فائدتين تضيفها إلى معلوماتك، ولو كل يوم نصف ساعة .. ووسائل العلوم – والحمد لله – متيسرة، فالكتب متوفرة والأشرطة الإسلامية متوفرة وحلقات العلم متوفرة، وخطب الجمع فيها علوم نافعة، والإذاعة لا سيما إذاعة القرآن التي تشتمل على علم نافع يجد فيه الإنسان كل ما طلبه، فلا يتوقف الإنسان عن التعلم ويقول تجاوزت سن التعلم.
س 6: كيف يكون أدب الطالب مع شيخه؟
- لا شك أن هناك آدابا كثيرة في آداب العالم مع تلاميذه، وآداب الطالب مع مشايخه، وأهمها:(3/125)
التواضع : فيتواضع طالب العلم مع مشايخه ويكون محترما لمشايخه، ويكون منصتا في حلقات العلم، ويكون مستفيدا، ومحضرا قلبه ولبه، ويكون أيضا جالسا جلسة تواضع كما ورد في قصة سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال عمر رضي ا لله عنه " فأسند ركبتيه إلى ركبتيه " (6) . أي أن جلوسه كجلسة الجالس بين السجدتين مفترشا ، ووضع كفيه على فخذيه، بمعنى أنه فعل فعل المتواضع وكأنه يعلمهم آداب التعلم .
وهكذا السؤال عما يشكل ، فإذا استشكلت مسألة طلب من الأستاذ أن يعيدها برفق، وإذا سأله المدرس طلب الاسترشاد، وإذا أفاده بفائدة حمده عليها ومدحه على هذا، كما يقول بعض الشعراء :
إذا أفادك إنسان بفائدة ******** من العلوم فلازم شكره أبدا
وقل فلان جزاه الله صالحة ***** أفادنيها وألق الكبر والحسدا
فلذلك كله آداب ، وقد ألف فيها أحد العلماء وهو ابن جماعة له كتاب مطبوع اسمه " تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم " .
س 7: ما هي النصيحة لبعض طلبة العلم الذين يثيرون الشبه حول الدعاة المعروفين أو يذكرون الأخطاء ؟
- علينا أن ننصحهم ونبين لهم أن عليكم إصلاح أنفسكم، فإن عندكم أخطاء أكثر وأكثر، فعليكم أن تصلحوا أنفسكم، وعليكم أن تستروا عورات إخوانكم، فمن ستر مسلما ستره الله، وأن تلتمسوا لهم الأعذار كما ورد عن بعض السلف أنه قال: إذا سمعت من أخيك كلمة فالتمس له عذرا . وقال: لا تظن بكلمة صدرت من أخيك شرا وأنت تجد لها في الخير محملا، احملها على أحسن المحامل، عليك أن تذكر فضلهم، إذا كان لهم فضائل، ولا تكتم فضلهم وتبدي أخطاءهم وكأنهم ليس لهم فضل أبدا، وهذه عادة سيئة أن كثيرا من الناس يلتمس عثرات بعض العباد والعلماء ونحوهم، ويفشيها ويعلنها ويكتم فضائلهم وآثارهم وعلومهم النافعة، فيكون كما قال الشاعر:
ينسى من المعروف طودا شامخا ****** وليس ينسى ذرة ممن أساء(3/126)
فكيف تنسى فضائلهم وآثارهم ولو كانت أمثال الجبال، ولا تنسى ذرة صدرت من أحدهم، يعني خطيئة، هذا لا شك أنه من الخطأ الكبير.
س 8: "طلبنا العلم لغير الله فصار لله " يسأل عن معناها:
- كان هناك بعض من العلماء طلبوا العلم إما لقصد شغل فراغ، وإما لطلب شهرة أو نحو ذلك، ولكن بعدما رأوا حلاوة العلم وذاقوا فضله أخلصوا نياتهم فيما بعد ، وواصلوا تعلمهم ونفعهم الله تعالى ونفع بهم ، فكان في النهاية إخلاصا لله تعالى.
س 9: هل يلزم طالب العلم حفظ القرآن؟
- الأفضل الاهتمام بالقرآن حفظا وتلاوة وتعلما، ولكن هناك بعض من الناس يصعب عليهم الحفظ، أو يحفظون ولكن سرعان ما ينسى أحدهم، فنقول: إن تعلم العلم الذي أنت ملزم بالعمل به، ولا يقبل عملك إلا بتكملته لا بد من تعلمه، فليكن تعلم العلوم الفرضية لازم وإن لم يحفظ القرآن وبقية وقته يجعله في حفظ القرآن وفي التزود من العلم.
س 10: طالب ينقل الواجب من زميله والمدرس ينهاه عن ذلك ؛ لأن المدرس يريد كل طالب أن يقرأ الكتاب ويكتب منه. فما حكم ذلك؟
- الأصل أن الإنسان يعتمد على ما ذاكره وعلى ما حفظه من المدرس، ولا يجوز له أن يعتمد على غيره.
س 11: ما حكم إطلاق كلمة المرحوم أو المغفور له على الميت؟
- أرى أنه لا بأس بذلك تفاؤلا كالدعاء كما يقال غفر الله له، فهو مغفور له بواسطة دعاء إخوانه المسلمين، وليس في ذلك جزم ولا تزكية.
س 12: أسهر لطلب العلم ولكنني أعاني من الغد فهل أستمر على هذا السهر في القراءة ؟
- العادة أن الإنسان إذا كان له همة تابع ولو واصل الطلب طوال الليل، ولكن قد نهي عن اتعاب النفس وإرهاقها سواء في الصلاة والتهجد، أو في التعلم وما أشبهه ..(3/127)
ثم نقول: إن الكثير من الناس اعتاد السهر ولكن لا في طلب علم ولا في صلاة، بل إما في قيل وقال، وإما في لهو وسهو وغناء وخمر وزمر ونظر إلى صور وأفلام وما أشبه ذلك، ومع ذلك لا يسأم أحدهم ولا يمل إلى الساعة الثانية أو الثالثة ليلا، وهو جالس أمام هذه الشاشات وأمام هذه الأصوات، ومع ذلك إذا قرأ في سورة أو نحوها كسل ومل وتعب، ولا شك أن هذا من ضعف النفس، والإنسان عليه أن يعود نفسه ما فيه خير، حتى تسهل عليه الطاعات وتخف عليه بإذن الله.
س 13: هل يستطيع الإنسان أن يجمع بين طلب العلم وبر الوالدين وحقوق الزوجة والأولاد والأقارب ؟
- يستطيع .. فإنه لا يستغرق أربعا وعشرين ساعة، فعليه أن يجعل لنفسه راحة، النوم مثلا كل يوم ست ساعات أو سبع ونحوها، وكذلك راحة نفسه في أكل أو نحوه ساعة أو ساعتين، وكذلك أوقات العبادة ساعة أو ساعتين، كذلك الزيارات نحو ساعة أو ما أشبهها، وهكذا أيضا أعماله التي هو منوط بها كدراسة أو تعلم أو وظيفة أو نحوها إذا استغرقت ثماني ساعات أو سبع ساعات أو ما أشبهها وبقية الوقت يجعله للتعلم ويجعله للتزود من العلوم، فالوقت واسع.
س 14: ما حكم قول: حفظتك رعاية الله وقول في ذمتي ؟
- في رعاية الله لا بأس بها، لكن قول " حفظتك " ! نقول حفظك الله برعايته ، أو رعاك الله ، أو أنت في رعاية الله وفي حفظ الله، أما الحلف بالذمة فمعناه العهد، إذا قال في ذمتي معناه أتعهد لك ولك عهد أعاهدك أن أفي لك بهذا، فمن قال ذلك فعليه أن يوفي بما تعهد به.
س ه1 : ما حكم قول الخطباء في نهاية الخطبة ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) .. هل ورد ذلك؟(3/128)
- يذكر أن الخطباء في العراق كانوا في آخر الخطبة يدعون بأمر الحجاج على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويشتمونه في آخر الخطب، فبعد ذلك في سنة 99 هـ آلت الخلافة إلى عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ، فأمرهم بقطع هذا اللعن وهذا السب، وأمرهم أن يختموا خطبهم بهذه الآية {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل : 90] فاستمر العمل عليها إلى هذه الأزمنة ؛ لأن عمر بن عبدالعزيز يعتبر من الخلفاء الراشدين، ولو تركها إنسان لا تبطل خطبته.
س 16: يتساهل البعض في سداد الديون سواء الأقساط أو غيرها، فما النصيحة لهؤلاء ؟
- نصيحتنا بأن لا يتساهلوا في حقوق الناس، فكل يحرص على أداء حقه إليه كاملا، وكذلك أيضا الوفاء بالعهد، فإنك إذا استدنت دينا التزمت بأن تسدده أقساطا، فإن عليك عهد وميثاق فعليك الوفاء بهذا العهد لقول الله تعالى : {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا } [الإسراء : 34] .
س 17: هل يجوز أن أحج عن والدي المتوفى وأنا لم أحج عن نفسي؟
- ابدأ بنفسك، لا يجوز أن يحج عن غيره حتى يحج عن نفسه، وبعد ذلك يمكنك أن تحج عن والدك.
س 18: هل عذاب القبر يقع على الروح والجسد؟
- الأصل أنه يقع على الروح ، لأن الجسد يفنى ويصير ترابا، ولكن لا يستبعد أن الله تعالى يوصل إليه تألما ولو كان ترابا.
س 19: هل كثرة المساجد والتقارب بينها تعد من علامات الساعة؟
- لم يرد ذلك، ولكن لا يشرع التقارب الكثير، بل لا بد أن يكون بين المسجدين مساحة كمائتي متر أو ما أشبهها، حتى لا يكون هناك مضارة.
س 20: هل يجوز دفع الزكاة لأخ فقير ؟
- إذا كنت لا ترثه ولا يرثك - أي أن لكما أولاد - وهو فقير فهو أحق بزكاتك.
س 21: هل الأرض كروية الشكل أو هي مسطحة؟
- الواقع أنها كروية خلقها ا لله تعالى على هذا ، ولأجل ذلك الشمس تدور حولها.
س 22: آخذ في حفاظ آيات الله وقتا طويلا، فهل أؤجر على ذلك؟
- تؤجر بقدر جهدك وبقدر ما تبذله من الوقت فلك أجر كلما كررت.(3/129)
س 23: هل يحمد من الطالب أن يخرج من الدرس والمدرس يشرح ليصلي سنة الضحى ؟
يفضل استمراره، فإن المشايخ نسمع منهم أن طلب العلم أفضل من النافلة، وفي إمكانه إذا انتهى من الدرس أن يأتي بسنة الضحى.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
احصل على نسخة من الموضوع منسقة
------------------------
(1) أصل هذه الرسالة محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين في معهد القرآن الكريم بالحرس الوطني.
(2) رواه أحمد 5/410 ، وابن أبي شيبة 10/460 ، وابن جرير الطبري 1/60 .
(3) أبو داود (3641) واللفظ له، والترمذي (2682) ، وابن ماجه (223) .
(4) أخرجه ابن عدي في الكامل 1/146 ، وابن عبد البر في التمهيد 1/59 ، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه .. وانظر الكلام على الحديث في فتح المغيث 2/14 .
(5) الأثر عن مجاهد رحمه الله ، انظر البخاري مع الفتح 1/228
(6) مسلم برقم ( 8 )
ــــــــــــــــــ
لماذا الدعوة إلى الله عزَّ وجل؟
عبدالعزيز بن ناصر الجليل
قد يبدو لأوَّل وهلة غرابة عنوان هذه المقالة، إذ لا يُعقل أن أيّ داعية إلى الله عزَّ وجل لا يعرف الغاية من دعوته إلى الله عزَّ وجل وجهاده في سبيله سبحانه؛ وهذا صحيح من حيث الجملة، ولكنْ هناك فرق بين المعرفة الذهنية المجرَّدة وبين التحرُّك بهذه المعرفة اليسيرة والسير على ضوئها في واقع النَّاس ودعوتهم إلى الله عزّ وجل. وكم رأى الواحد من نفسه ومن غيره غفلة عنه هذه الأهداف أو مصادمتها لواقع الدعوة العملي، ممّا ينشأ عنه مغالطات وانحرافات وسببها البعد عن هذه الأهداف.(3/130)
والمحافظة على هذه الأهداف ومحاسبة النفس بين الحين والآخر على تحقيقها كفيل إن شاء الله أن تنطلق الدعوة بعيدة عن حظوظ النفس وأهوائه. وبالتالي يجد الداعي أثر دعوته وثمرتها جلياً وسريعاً في نفسه وفي واقع النّاس، كما يجد في نفسه أيضاً الحماس والاندفاع إلى الدعوة والجهاد بغير ملل ولا فتور، وأكبر من ذلك كلّه قبول سعيه عند الله عزّ وجل.
والأهداف الأساسية للدعوة والجهاد في سبيل الله عزّ وجل يمكن حصرها فيما يلي:
1/ التعبُّد لله عزّ وجل بهذه الشعيرة العظيمة، شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي هي أصل الدعوة إلى الله عزّ وجل والجهاد في سبيله سبحانه، فشعور الداعية أنَّه عبد لله عزَّ وجل يُحبُّ ربّه ويُحبُّ ما يُحبُّه ربّه من الدعوة والجهاد يُعدُّ من أكبر الدوافع إلى بذل الجهد والجهاد إلا شعوره بالعبودية لله عزَّ وجل لكفى بذلك دافعاً وغاية عظيمة. كما أنَّ في مصاحبة شعور العبادة لله تعالى في جميع تحرُّكات الداعية أكبر الأثر في التربية على الإخلاص وتحرِّي الحق والصواب واللذان هما شرطا قبول العبادة والعكس من ذلك عندما ينسى أو يغفل الداعية أنَّه متعبِّد لله تعالى بدعوته وحركته، فإنَّه بذلك يضعف إخلاصه وتبدأ حظوظ النفس والهوى يسيطران على القلب، كما يضعف مع ذلك اتباع الدليل وتحرِّي الحقّ ممَّا ينتج عنه في نهاية الأمر فتور الداعية أو مزلَّة قدمه والعياذ بالله تعالى.(3/131)
2/ الفوز برضوان الله تعالى وجنّته في الدار الآخرة، وهذا هو ثمرة التعبُّد لله عزّ وجل السابق ذكرها، وهي الغاية العظمى التي وعد الله عزّ وجل بها عباده الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، والداعين إليه على بصيرة، ولقد تكاثرت الآيات في كتاب الله عزّ وجل التي تمدح الداعين إليه سبحانه والصابرين على ما أصابهم وما أُعدَّ لهم في الدار الآخرة من الرضوان والنعيم المقيم. وعندما ينشد الداعية إلى هذه الغاية وتنجذب نفسه إليها فإنَّه يستسهل الصعاب ويمضي في طريقه بقوة وعزيمة وثبات، كما أنَّه عندما يتعلَّق بهذه الغاية العظيمة ولا ينساها، فإنَّه بذلك لا يلتفت إلى أعراض الدنيا الزائلة ولا ينتظر جزاء عمله ودعوته وجهاده في الدنيا، وإنَّما يروِّض نفسه ويربِّيها على أن تُعطي من صبرها وجهدها وجهادها، ولا تأخذ منه شيئاً في الدنيا، وإنَّما تنتظر العطاء والثواب في الدار الآخرة من ربِّها الكريم في دار النعيم المقيم، ولذلك فإنَّ أصحاب هذه النفوس المخلصة لا يتطرَّق إليهم الوهن ولا الفتور الذي يتعرَّض له أصحاب الأغراض الدنيوية القريبة، الذين إنْ حصلوا على أهدافهم في الدنيا رضوا وواصلوا العطاء، وإن تأخَّرت عليهم فتروا وكلُّوا وتوقَّفوا.
أمَّا أصحاب الغاية العظيمة فهم لا يفترون ولا يتوقفون، لأنَّ وقت ومكان توفية الأجر ليس مجاله الدُّنيا، وإنَّما في الدار الآخرة دار الحساب والجزاء، ولذلك فهم يعملون ويجاهدون حتى يأتيهم اليقين.
3/ إنقاذ النّاس ـ بإذن الله تعالى ـ من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ومن ظُلم الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا وشقائها إلى سعتها وسعادتها، ومن عذاب النَّار يوم القيامة إلى جنَّات النعيم.(3/132)
وعندما يتذكَّر الداعية هذه المهمة الجسيمة وهذا الهدف الأساس من دعوته وجهاده، فإنَّه يُضاعف من جهده ولا يقرّ له قرار وهو يرى الشرك المستشري في الأمّة والفساد المستطير في مجتمعات المسلمين؛ والذي يؤول بالناس إلى الشقاء والظلم وكثرة المصائب في الدنيا وإلى العذاب الأليم في الآخرة. ولذلك فلا ترى الداعية المدرك لهذه الغاية من دعوته إلاّ خائفاً على نفسه وعلى النَّاس من عذاب الله عزّ وجل في الدنيا والآخرة، ولا تراه إلاّ ناصحاً للعباد رحيماً بهم يريد من دعوته هداية النّاس وإنقاذهم بإذن الله تعالى من الظلمات إلى النور، ومن عذاب الله عزّ وجل في الدنيا والآخرة، ولسان حاله ومقاله يردد قول مؤمن آل فرعون لقومه في قول الله عزّ وجل: {وَقَالَ الّذي آمَنَ يا قَومِ إنِّي أخافُ عليكُم مثلَ يومِ الأحزاب* مِثْلَ دأبِ قومِ نُوحٍ وعَادٍ وثمُودَ والّذين من بعدِهِم وما اللهُ يريدُ ظلماً للعباد* ويا قومِ إنِّي أخافُ عليكُمْ يومَ التَّناد* يومَ تُوَلَُونَ مُدبِرينَ ما لكُم من الله من عاصمٍ ومن يُضْلِل الله فما له من هاد} [غافر:30ـ33].
وإنَّ مثل هذا الشعور ليضفي الرفق بالنَّاس والصبر على إعراضهم وأذاهم والحرص على كلّ مجال يفتح لهم أبواب الخير أو يغلق عنهم أبواب الشر، كما ينشئ في القلب محبة المصلحين الداعين إلى الخير وهداية النَّاس في أيّ مكان من الأرض، كما أنَّه يدفع إلى بذل الجهد والتخطيط والتعاون مع جميع الداعين إلى الخير والبر والتقوى، بعيداً عن التعصب والحزبية والولاءات الملوَّثة .
المصدر لها أون لاين
ــــــــــــــــــ
لماذا انتكس ؟!
عبد الله بن حميد الفلاسي(3/133)
عندما يشع نور الإيمان والهداية في قلب عبد من عباد الله، يبعث في هذا القلب الحياة من جديد، فلأول مرة يحس هذا الإنسان بطعم الحياة، ففي السابق لم يجد للحياة معنى غير الأكل والشرب والنوم، أما بعد دخول نور الهداية والإيمان في القلب، فكل شيء يتغير، وكل شيء له معنى.
فيعرف ما هدفه من الحياة، ويعرف ما له وما عليه، فيبدأ في أول الخطوات لتحقيق هذا الهدف المنشود، ويبدأ بالقيام بالواجبات المكلف بها، ويتجنب المحذورات التي حُذر من التقرب منها، ولو بمقدار أنمله.
وتكون أول هذه الأيام من أحلى الأيام التي مرت على كل شاب وشابة استقاموا على طريق الإيمان والهداية، أيام فيها النشاط والحيوية في طاعة الله، من صلاة، وصيام، وصدقة، وبر للوالدين، وصلة للأرحام، وإحسان للناس كافة.
إلا أن هذه الشعلة من النشاط والحماس – في بعض الأحيان- ما يلبث نورها إلا ويخفت، وقد تنطفئ هذه الشعلة لسبب من الأسباب، فيا ترى ما هي هذه الأسباب؟!، ولماذا ترك بعض المستقيمين الاستقامة ؟!، وهل يوجد اهتمام بمن انتكس من الشباب وترك الاستقامة ؟! وما سبب تحول بعضهم من مستقيم يحب الملتزمين الاستقامة والمستقيمين إلى إنسان يكره المستقيمين ويحاربهم بكل وسيلة، وفي كل محفل ؟
كل هذه الأسئلة في الحقيقة عولجت من قبل الكثير من العلماء والدعاة والتربويين، وكل منهم بذل ما بوسعه لحل هذه المشكلة، وسأحاول أن أساهم في هذا المقال مع من سبقني من العلماء والدعاة في طرح بعض المسائل التي أرجو من الله أن تكون سبباً في تثبيتنا على الالتزام[على الاستقامة]، وعودة أخواننا إلى طريق الإيمان والهداية، وهي أسباب عايشتها ورأيتها رأي العين.
إن من أسباب ترك الالتزام تتمثل – من وجهة نظري – في الآتي:-(3/134)
السبب الأول: عدم التدرج في تعلم أحكام الدين الإسلامي، فما أن يلتزم الشاب على دين الله، وإلا وتجده اتجه إلى طلب العلم، وهذا الأمر ممدوح، وليس بمذموم، وطلب العلم من خير الأمور في الدنيا والآخرة، ولكن المسألة ليست كما يظنها البعض بهذه السهولة، بل طلب العلم يحتاج إلى صبر، وجهد، ومثابرة، وأن يبدأ بصغار الكتب قبل كبارها؛ إلا أن الخطأ يكمن في هذا المستقيم الجديد فهو لا ينتقي الدروس التي تناسبه فتجده في أول الطريق يحاول دراسة العلل للدارقطني أو التدمرية أو غير ذلك من الكتب الكبيرة
وكذلك نرى بعض المشايخ عندما يدرس طلبة العلم، لا يلاحظ أن هناك طالباً جديداً قد انضم إلى درسه، فالشيخ يحضر لمجرد إلقاء الدرس، ومن ثم الإجابة على الأسئلة، وبعدها الانصراف، كما أن طلبة العلم الآخرين لا ينبهون الشيخ على أن هناك طالباً جديداً يحتاج منك لرعاية واهتمام، ليبدأ بتوجيه الطالب إلى أساسيات طلب العلم، وماذا يبدأ به؟
ولا أقصد في هذا الكلام كل المشايخ، وإنما البعض منهم مقصر من هذه الناحية، وهذا كلام موجه للبعض، ولذا أتمنى من بعض المشايخ أن يهتموا بطلبتهم، ويجلسوا معهم ويناقشوهم في أمورهم، ويوجهوهم لما فيه الخير فيعم الخير على الجميع، ويكون الشيخ قدوة لهؤلاء الطلبة فيمشون على خطى شيخهم في الخلق والتعامل مع الآخرين.
أما السبب الثاني: فيتمثل في الرفقة الصالحة، فبعض الشباب الملتزم لا يجد في منطقة سكنه ملتزمين، يكونون رفقة صالحة له تعينه على طاعة الله، وعلى طلب العلم، أو قد يجد ولكن لهم اهتمامات قد تخالف اهتماماته، مما يضطر للبحث عن رفقة صالحة في مناطق أخرى قد تكون بعيده بالنسبة لسكنه.(3/135)
وفي البداية يكون لديه الحماس للذهاب إليهم، والجلوس معهم، وبعد مرور فترة من التزامه، وبدأ الفتور والخمول يدب في عروقه، تجده يقلل الذهاب إليهم، والجلوس معهم، وقد يضطر إذا أحس بالملل، إلى الجلوس مع بعض رفاقه القدماء – ما قبل الالتزام – وقد يكون منهم رفقاء سوء.
فهنا تبدأ الإشكالية، وقد لا يحس بهذا التغير في البداية، ولكن كما قيل: ((الصاحب ساحب)) فيبدأ الإيمان بالتدرج في النزول، وتبدأ شخصية الملتزم في الذوبان، ومن ثم يبدأ بالتقليل من نصيحة من يجلس معهم إذا وقعوا في غيبة أو مخالفة شرعية أياً كانت، ويبدأ الملتزم يتغير تدريجياً.
ولا يجد من رفاقه الصالحين من يلاحظ عليه هذا التغير، ويبدأ في الاهتمام به، ومحاولة تذكيره بالالتزام، وخطورة العودة إلى طريق الظلام.
والسبب الثالث: هي الزوجة، فيا له من محظوظ من يتزوج من زوجة تعينه على طاعة الله، وتذكره بدخول وقت الصلاة، وتنبهه على الزلل إذا وقع منه، وتأخذ بيديه وتضعه على طريق الهدى والنور.
وقد تكون الزوجة صالحة، ومطيعة لربها، وتسعى لإرضاء زوجها بكل الطرق والوسائل؛ إلا أنها تخاف أن تنصح زوجها خشية أن يغضب عليها، وترى نور إيمانه بدأ يخفت ولكنها لا تتحرك لإشعال هذه الشمعة مرة أخرى حتى لا تنطفئ، وتقول يا ليتني فعلت شيئاً قبل أن يحدث هذا، وتتغير حياتنا.
ولهذا لابد على الزوجة من الاهتمام بزوجها، وأن تتعلم كيف، ومتى، وأين تنصح ؟ وإلا قد يضيع عنها زوجها، وتندم على ما فات، فلتبدئي من الآن أيتها الزوجة الصالحة، المطيعة لربها.
السبب الرابع: التقصير في نوافل العبادات، وخاصة عبادة الدعاء، فإهمال الشاب لعبادة الدعاء، والحرص على أوقات الإجابة، فالدعاء، له تأثير كبير في ثبات العبد على دين الله، والاستمرار في طريق الاستقامة، وخاصة إذا تحين العبد أوقات الإجابة.(3/136)
فها هو رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام الذي غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، والمؤيد بوحي من الله، والذي لا ينطق عن الهوى، كان يدعوا الله بأن يثبت قلبه على دينه، وعلى طاعته.
فما أحوجنا للدعاء الذي كان يدعوا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، حيث كان يقول: ((اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك))، وهيا بنا نلتزم بهذا الدعاء، ولا نتركه في كل صلاة نصليها، وفي كل لحظة فتور نحس بها، وفي كل دمعة تنزل من أعيننا.
أما عن السبب الخامس، والذي يتمثل في انتكاسة بعض الملتزمين من الالتزام إلى محاربة الملتزمين، بل وصل البعض منهم إلى انتقاد الدين، ومهاجمة العلماء، والدعاة، فمن وجهة نظري أن سبب هذا التحول أمران، هما:
الأول: التشدد في الدين، وهو ما يعبر عنه عند البعض بأقصى اليمين، فبعد مرور فترة من الزمن والعقل والجسم منهكان بسبب هذا التشدد في الدين، فيبدأ في التوجه إلى الترك الدين بالتدرج، فيتحول من أقصى اليمين، إلى أقصى اليسار.
كما إن التشدد مبناه على الجهل فلو طبق هذا المستقيم ما ورد في الكتاب والسنة على وفق الكتاب والسنة لوجد سهولة ويسراً.
أما الأمر الثاني: فهو صدمة يتعرض لها الملتزم من الشخص الذي اتخذه قدوة له، والذي يصل ببعض الأشخاص إلى تقديس هذه القدوة، فما أن يصدر من هذه القدوة أي خطأ سواء كان مقصود أو غير مقصود، فهذا الخطأ يصدم الشخص الملتزم الذي اتخذ من هذا الشخص قدوة له تضيء له الطريق.
وبعد هذه الصدمة يعتقد هذا الشخص أنه اكتشف أن الالتزام أمر غير صحيح، وأنه كان في الطريق المظلم، وهذه الصدمة أنارت له الطريق من جديد، فيبدأ بمحاربة الملتزمين، ظاناً أنه يكشف حقيقة كانت مختفية على المجتمع، حتى ينقذ المجتمع من خطورة هؤلاء.(3/137)
وبهذا يتضح لنا أن الإشكالية في هذا السبب تتمثل في تقديس القدوة، وعدم التماس الأعذار لهذه القدوة، وللأسف أن هؤلاء لا يعرفون أن الملتزمين بشر مثلهم مثل غيرهم، فمنهم الصادق، ومنهم الكاذب، ومنهم ظهرت أثار التزامه على ظاهره وباطنه، ومنهم ظهرت على ظاهره فقط، ومنهم من اتخذ من الالتزام وسيلة للكسب.
وعدم معرفتهم بهذا التفاوت جعلهم يعتقدون بأن الملتزمين معصومين، وما أن يقعوا في الخطأ عن قصد أو بغير قصد، إلا وتجده ينصدم صدمة تغير حاله من شخص ملتزم إلى شخص غير ملتزم يحارب الدين ويحارب العلماء.
وهذه الأسباب التي ظهرت لي من خلال معايشتي لواقع الكثير من الشباب الذين تركوا الالتزام، وسائلاً المولى عز وجل أن يهدينا إلى الطريق المستقيم، ويثبتنا عليه في حياتنا ومماتنا، والله ولي التوفيق.
ــــــــــــــــــ
رسالة لكِ
أختي الفاضلة ...
سلام الله عليكِ ورحمته وبركاته.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ
وبعد :
ـ أختي الفاضلة ، هذه همسة من أخت ٍ لكِ ناصحة
أيتها الأخت الفاضلة .. لكِ وحدكِ .. من بين هذا الوجود .. أبعث هذه الرسالة ، ممزوجة بالحب ، مقرونة بالود ، مكللة بالصدق ، مجللة بالوفاء ، فافتحي ـ أخيتي ـ مغاليق قلبكِ .. وأرعيني سمعكِ .. حتى أهمس في أذنكِ ..
نصيحة من يحترمكِ على قدر طاعتك لربك ، ويخشى عليكِ كخشيته على نفسه .
أخيتي .. إنكِ تحملين قلبا بتوحيد الله ناطقاً ، ومن ناره خائفاً ، وفي جنته راغباً ، على الرغم من تفريطك .
فها أنا ذا أمد يدي إليكِ ... وأفتح قلبي بين يديك .. وأضع كفي بكفكِ لنمشي سوياً على الصراط المستقيم ...
أعطني يدكِ
أختي .. تعالي معي نسير على هذا الطريق علنا نفوز بمحبة الله ورضوانه .. فو الله إني أحب لكِ الجنة .
حديث الروح إلى الأرواح يسري
وتدركه القلوب بلا عناء
نداء وحنين ...
أختي ..(3/138)
إن هذه الخطايا ما سلمنا منها ، فنحن المذنبون أبناء المذنبين ، ولكن الخطر أن نسمح للشيطان أن يستثمر ذنوبنا ويرابي في خطيئتنا .
أتدرين كيف ذلك ؟
يلقى في روعكِ أن هذه الذنوب خندق يحاصركِ فيه ، لا تستطيعين الخروج منه .
يوحي إليكِ أن أمر الدين لصاحبات الحجاب والملابس الطويلة ، وهكذا يضخم الوهم في نفسك ، حتى يشعركِ أنك فئة والمتدينات فئة أخرى . وهذه يا أختي ، حيلة إبليسية ، ينبغي أن يكون عقلك ِ أكبر وأوعى أن تنطلي عليه .
أخيتي ..
إذا كان الحال كذلك ، فلا بد من وقفة مع النفس لمحاسبتها ، والسير بها إلى رضوان الله تعالى قال سبحانه : [ ففروا إلى الله ]
فهذا هو الملجأ والملاذ ـ الفرار إلى الله تعالى ـ قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى: ( ففروا إلى الله ) بالتوبة من ذنوبكم ( زاد المسير 841 )
[ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ] الحديد 16
بعض فضائل التوبة :
إليك أختي ... بعض فضائل التوبة ، حتى تشحذي بها همتك ِ ، وتفري بها إلى مولاكِ سبحانه وتعالى:
أولاً - التوبة سبب نيل محبة الله تعالى : وكفى بهذه الفضيلة شرفا للتوبة ، قال الله تعالى : [ إن الله يحب التوابين ]
ثانياً- التوبة سبب نور القلب ومحو أثر الذنب : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب وتزع واستغفر صقل قلبه منها ) الحديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وهو في ( صحيح الجامع1666)
ثالثاً- التوبة سبب لإغاثة الله تعالى لأصحابها بقطر السماء وزيادة قوة قلوبهم وأجسامهم : قال الله تعالى على لسان هود عليه السلام : ( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ) هود 52(3/139)
رابعاً- التوبة تجعل المذنب كمن لا ذنب له : فعن أبي سعيد الأنصاري ، رضي الله عنه ـ ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الندم توبة ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ) أخرجة الطبراني في الكبير وهو في ( صحيح الجامع 667)
خامساً- التوبة أول صفات المؤمنين :[ التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ] التوبة112
سادساً: التوبة سبب في فرح الرب سبحانه وتعالى : فرحاً يليق بجلاله وعظمته سبحانه ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك ، إذ هو بها قائمة عنده..) متفق عليه
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : هذا الفرح له شأن لا ينبغي للعبد إهماله والإعراض عنه ، ولا يطلع عليه إلا من له معرفة خاصة بالله وأسمائه وصفاته ، وما يليق بعز جلاله . انتهى كلامه من (مدارج السالكين1210 )
سابعاً - وبالجملة فإن الله تعالى علّق الخير والفلاح بالتوبة : فلا سبيل إلى نيل خيرات الدنيا والآخرة إلا بها ، قال سبحانه : ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) النور 31
أمور تعين على التوبة :
أختي .. لقد جعل الله في التوبة ملاذاً مكيناً وملجأً حصيناً ، يلجه المذنب معترفاً بذنبه ، مؤملاً في ربه ، نادماً على فعله ، غير مصر على خطيئته ، يحمي بحمى الاستغفار ، ويرجو رحمة العزيز الغفار ، إلا أنه توجد بعض العوائق في طريق سير العبد على التوبة وهاكِ بعضها :
1- الإخلاص لله أنفع الأدوية : فإذا أخلص الإنسان لربه ، وصدق في طلب التوبة أعانه الله عليها ، وأمده بألطاف لا تخطر بالبال ، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه قال الله تعالى : ( لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) يوسف 24(3/140)
2- إمتلاء القلب بمحبة الله عز وجل: فالمحبة أعظم محركات القلوب ، فالقلب إذا خلا من محبة الله ـ تعالى ـ تناوشته الأخطار ، وتسلطت عليه سائر النوائب والمحبوبات ، فشتته ، وفرقته .
ولا يغني هذا القلب ، ولا يلم شعثه ، ولا يسد خلته إلا عبادة الله ـ عز وجل ـ ومحبته .
3- المجاهدة : قال الله تعالى: [ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ] العنكبوت 69
والمقصود بالمجاهدة مجاهدة النفس حتى الممات والسير بها إلى رضوان الله ـ تعالى.
4- قصر الأمل ، وتذكر الآخرة : فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بمنكبي فقال : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) .
وكان ابن عمر يقول : [ إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك ] رواه البخاري
قال ابن عقيل ـ رحمه الله ـ : ما تصفو الأعمال والأحوال إلا بتقصير الآمال ، فإن كل من عدّ ساعته التي هو فيها كمرض الموت ، حسنت أعماله ، فصار عمره كله صافيا .
5- الدعاء : فهو من أعظم الأسباب ، وأنفع الأدوية ، ومن أعظم ما يسأل ويدعى به سؤال الله التوبة النصوح ، ولذا كان من دعاء نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل ـ عليهما السلام ـ : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ) البقرة 128
وكان من دعاء النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ( رب اغفر لي وتب على إنك أنت التواب الرحيم ) رواه أحمد والترمذي .
6 - استحضار أضرار الذنوب والمعاصي : ومنها حرمان العلم والرزق ، والوحشه التي يجدها العاصي في قلبه ، وبينه وبين ربه تعالى ، وبينه وبين الناس
ومنها تعسير الأمور ، وظلمه القلب وغيرها ، مما ذكره العلامة المحقق ابن القيم ـ رحمه الله ـ في ( الداء والدواء ) فلتراجعه من أرادت المزيد فإنه فريد في بابه ـ رحم الله مؤلفه.(3/141)
أختي .. هذه بعض الأمور التي تعين على التوبة ، فعضي عليها بنواجذكِ ، جعلني الله وإياكِ من التوابين .
أختي التائبة .. ماذا لو أحسستِ بالفتور والضعف؟
أولاً : أختي عليك ِ بسرعة طلب الغوث من الله ـ تعالى ـ فتدعينه ـ سبحانه ـ متضرعة ، متذللة ، أن لا يرفع عنك ِ توفيقه ، وأن لا يكلك ِ إلى نفسكِ طرفة عين .
ثانياً : تفكري في أهوال يوم القيامة والقبور، وتفكري في نعيم الجنة ، فسرعان ما يفتح الله عليكِ ، وتعودي إلى ربك .
ثالثاً : واظبي ـ أختي ـ على محاسبة النفس .
رابعاً : المحافظة على الأذكار مع حضور القلب وتدبره لمعانيها .
خامساً : مجالسة الصالحين والعلماء العاملين فهو من أعظم أسباب رفع الهمة وإزالة الفتور.
أسأل الله أن يحفظني وإياكِ من الخور بعد الكور ومن الضعف بعد القوة ومن الضلال بعد الهدى .
اللهم آمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــــــــــــــــ
حتى لا نصاب بالفتور في رمضان
الشيخ محمد المنجد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.{يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا} {يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما} أما بعد:-
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.(3/142)
الحمد لله الذي أنعم علينا ببلوغ هذا الشهر الكريم نحمده سبحانه وتعالى على آلائه العظيمة ومننه الكبرى وكرمه البيّن سبحانه وتعالى ما أكرمه وما أعظمه لا إله إلا هو ولا رب سواه. أيها المسلمون هذه نعم الله تتجدد بمرور أيام رمضان وهذه آلائه تتوالى علينا بتوالي ليالي هذا الشهر الفضيل وما عشنا من يوم في هذا في رمضان فهو، كيفة من الله، وما بلغنا زيادة في هذا الشهر فهو منّة من الله فإن من عباد الله من أوقفه انتهاء أجله عن إكمال هذا الشهر الكريم، إن من الناس من أوقفته المنيّة عن الاستمرار في هذا الشهر المبارك فلله الحمد على هذه النعمة، أيها المسلمون إن معرفة نعمة الله علينا في هذا الشهر هو الذي يجدد النشاط في النفس ويبعث العزيمة على الاستمرارية في العبادة والوفاء بعهد الله الذي عاهدنا عليه عهد الله علينا أن نعبده لا شريك به شيئا، وعهد الله علينا أن نعبده دائماً وأبدا لا نتوقف عن عبادته في زمن ونعبده في زمن وإنما مشاور هذه الحياة كلها عبادة لله رب العالمين {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.، ذهب المسلمون فيما يلي تنبيهات على أمور تتعلق بهذا الشهر الكريم نحن الآن على مقربة من نهاية الثلث الأول وقد أنهينا ثلث رمضان فلا بد من حسا، كيفف مضت أيام الشهر الماضية؟وكيف انقضت لياليه، ذهبب الثلث والثلث كثير فماذا فعلنا وقدمنا فيما مضى وهل من عملية تحسين ومضاعفة وازدياد في العبادة فيما سيأتي.أيها الناس إننا نشعر بنوع من نقص العبادة ونوع من التكاسل والفتور في وسط رمضان هذا شيء ملاحظ فإن الناس في العادة ينشطون في أيام رمضان الأولى لما يحسّون من التغيير ويجدون شيئاً من لذة العبادة نتيجة الشعور بالتجديد في أول الشهر ثم ما ليبث هذا الشعور أن يبدأ في الاضمحلال ويصبح الأمر ن، ونلاحظ الرتابة في العشر الأواسط ونلحظ هدأ الرجل على بعض الصلوات في المساجد(3/143)
خلافاً لما كان عليه في أول الشهر، ونلاحظ نوعاً من القلة في قراءة القران في وسط الشهر عما كان عليه في أوله، ثم تأتي العشر الأواخر بعد ذلك وما فيها من القيام وليلة القدر لتنبعث بعض الهمم والعزائم مرة أخرى، لكن فكروا معي هل من الصحيح أن يحدث لدينا نوع من التكاسل ونوع من الفتور في وسط هذا الشهر أمن أنه ينبغي علينا استدراك ذلك ويجب علينا أن لا نخسر شيئاً من أيام رمضان ولا نركن إلى شيء من البرود في أواسط هذا الشهر ولعل من أسباب هذا أن بعض الناس يحسون بالعبادة في أول الشهر فإذا مر عليهم فترة فإن عبادتهم تتحول إلى عادة وشيء رتيب، فما هي السبل لمنع هذا التحول كيف نمنع تحول عبادتنا عبادة الصيام إلى عادة كيف نعيد اللذة والحيوية إلى هذه العبادة ونحن في أواسط رمضان ؟
أولاً: ينبغي أن نحقق التعبد في الصيام باستحضار النية أثناء القيام به وأن العبد يصوم لرب العالمين، النية لا بد أن تكون موجودة دائماً الصيام لله رب العالمين، والهدف من هذا الامتناع "أي: الملذات" إرضاء رب العالمين(إنما الأعمال بالنيات).
ثانياً: مما يمنع تحول صيامنا إلى عادة..أن نستمر في تذكر الأجر في هذا الصيام وفضيلة العبادة في هذا الشهر الكريم، تذكر دائماً ونعيد إلى الأذهان حديثه - صلى الله عليه وسلم - (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له متقدم من ذنبه، فما هو الشرط في هذه المغفرة؟إنه الاحتساب في كل الشهر، ليس في أوّله فقط وإنما الاحتساب شرط في حصول المغفرة الاحتساب في جميع أيام الشهر، في أوله وفي وسطه وفي آخره فالمحتسب على الله في الأجر يشعر بكل يوم وبكل صوم ويرجع دائماً إلى الله سبحانه وتعالى يطلب المغفرة.(3/144)
ثالثاً: أن نتمعن في هذا الأجر العظيم الذي يكون بغير اعتبار عدد معين، (كل عمل ابن آدم له كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)الصيام سبب لتكفير جميع الذنوب، إلا الكبائر، الصلوات الكبائر والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر؛ لا بد أن لا تغيب هذه الأحاديث عن أذهاننا ونحن الآن أشرفنا على الثلث الثاني من شهر رمضان، الصيام يشفع لك يوم القيامة، يقول الصيام:أيا ربي منعته الطعام والشهوة، منعته الشهوات في النهار فشفّعني فيه.هكذا يقول الصيام يوم القيامة.
رابعاً: فضائل الصيام وأهله كثيرة متعددة يفرح الصائم بفطره، وعند لقاء ربه، والباب المخصص الذي يدخله الصائمون إلى الجنة "باب الريان" والخلوف الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك وفتح أبواب الجنة وتغليق أبواب الجحيم وسلسلة الشياطين مما يمنع تحوّل الصيام إلى عادة مما يعيد الحيوية إلينا في وسط الشهر هذا أن نعرف حديثه - صلى الله عليه وسلم - (إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردت الجن وغلّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي منادي كل ليلة- أول الشهر وأوسط الشهر وآخر الشهر كل ليلة- في جميع رمضان يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر) ثم انتبهوا أيها المسلمون لهذه العبارة العظيمة في هذا الحديث عبارة حساسة جداً تجعل الصوم عبادة لنا في جميع الشهر، عبارة تمنع من تحول صيامنا إلى عادة، عبارة تمنعنا من التكاسل والفتور، قال - صلى الله عليه وسلم - (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)فقد تكون أنت عتيق الله من النار في أواسط هذا الشهر، فلماذا الكسل والتواني؟لابد من الانبعاث وإعادة الهمة.(3/145)
خامساً: ونتذكر كذلك أن بعض كتب الله العظيمة نزلت في أواسط رمضان، قال - صلى الله عليه وسلم - (أنزل الإنجيل بثلاث عشرة مضت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان)فنزول الإنجيل والزبور كانا في الوسط وسط هذا الشهر الكريم، كما كان نزول صحف إبراهيم-عليه السلام-والتوراة في أول الشهر، ونزول القرآن العظيم في أواخر الشهر.
سادساً: من الأسباب التي تمنع تحول هذه العبادة إلى عادة التأمل فيها والوقوف على شيء من حكم الله؛ توحيد المسلمين، المواساة الإحسان، أثر الجوع والعطش والأمر بضبط النفس..أمور كثيرة.
سابعاً: التفكر حديثه - صلى الله عليه وسلم - (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يفغر له من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فأدخله الله النار فأُدخل النار فأبعده الله قال جبريل لمحمد:قل آمين، قال محمد - صلى الله عليه وسلم - :آمين.
ثامناً: تنويع العبادة في أيام الشهر صيام، قيام، قرآن، إطعام، إنفاق، زكاة وصدقة، وصدقات..وهكذا تتنوع العبادة، فيتجدد النشاط وتعود الحيوية، يا عباد الله لا تفقدوا لذة مناجاتكم وعبادتكم لله في أي جزء من هذا الشهر، وكذلك التعبير عن الابتهاج والتذكير في مجامع الناس بعظمة هذا الشهر وحلاوة أيامه ولذة عبادته.
تاسعاً: ومن الوسائل، عد كم ذهب من الشهر يرجعك إلى الحقيقة ويبين لك ما بقي، فتشعر بالرغبة في مزيد من الاجتهاد كم مضى من شهرنا..كم ذهب من شهرنا..كم ذهب؟ذهب الثلث والثلث كثير.
عاشراً: مقارنة الحالب ما قبله وما بعده، قارن حالك بما قبل الشهر وبما بعده لتعرف عظمة هذا الشهر..لتعرف قيمة هذا الشهر قبل أن يفوت الأوان فلا تفدك المعرفة.(3/146)
الحادي عشر: تذكر طول الوقت الذي سيمر حتى يأتي شهرنا مرة أخرى تذكر طول الوقت الذي سيمر حتى يأتي هذا الشهر مرة أخرى، أشهر طويلة عديدة مديدة ستبقى حتى يأتي الشهر مرة أخرى هذا التذكر يبعث إلى ازدياد النشاط ومضاعفة العبادة وترك الكسل ونفض الغبار والقيام لله رب العالمين.
الثاني عشر: ابتغاء وجه الله في هذا الصيام قال - صلى الله عليه وسلم - (من صام يوماً في سبيل الله-يعني:صابراً ومحتسباً، وقيل في الجهاد-باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفاً) وقال(من صام يوماً في سبيل الله باعد الله من جهنم مسيرة مئة عام)وقال(من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض) وقال(من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً).
وثانياً أيها المسلمون: إن الاجتماع لقيام الليل لم يشرع إلا في رمضان وصلاة التراويح هذه عبادة جليلة ينبغي أن تعطى حقها، هذا القيام لابد أن يقام بحقه، التبكير إلى المساجد وعدم تضييع صلاة العشاء في الجماعة الأولى والفرض أهم من النفل.
ثانياً: أن لا يكون تقصد مساجد معينة للصلاة فيها من أجل جمال الصوت فقط وحسن النبرة وإنما ينبغي أن يكون الالتذاذ بسماع كلام الله وفهمه أعظم من الاستلذاذ بسماع صوت القارئ ولحنه، ينبغي أن يكون الالتذاذ بسماع كلام الله وفهمه أكبر وأعظم من الاستلذاذ بسماع صوت القارئ ولحنه، وهذه نقطة مفقودة عند كثير ممن يسعون ويجرون ويتنقلون في المساجد، ونريد من المسلمين أن يعقلوا كلام الله، ولا بأس بأن يقبلوا على صاحب الصوت الحسن فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنه، والتفاعل مع الألحان أكثر مما يتفطنون للمعاني ومعرفة فقه هذا القرآن وهو يتلى على مسامعهم.(3/147)
ثالثاً: استحضار القلب عند الآيات الرحمة .. العذاب .. الثواب .. العقاب .. القصص .. الأمثال .. أهوال القيامة.. ذكر أسماء الرب وصفاته-جل وعلا- فينبغي أن تكون الأذان حاضرة للإيصال هذا إلى القلوب الحاضرة الحية لينبعث تذكر ويحدث التفاعل مع سماع هذه الآيات ، ونظرة إلى بعض الناس الذين يخشعون في الذكر و لا يخشعون في الدعاء ما لا يخشعون في التلاوة و لا في سماع كلام الله...أمرٌ عجيب! يتعجب المسلم من حالهم! فينبغي أن يُعرَفَ قدر الكلام...وقدر الكلام بقدر المتكلم كلام الله لا شيء أعلى منه، كلام الله لا شيء أحلى منه، و كلام الله لا شيء أجل منه و لا أدعى على التقبل و لا التذكر و لا التأثر و لا الخشوع لا شيء أدعى من كلام الله إلى كل ذلك.
رابعاً: عدم رفع الصوت بالبكاء و النحيب و الصياح
كان صلى الله عليه و سلم يصلي و في صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء كما تغلي القدر بهذا الصوت المكتوم كان صلى الله عليه و سلم يبكي في صلاته. فالإخلاص في كتم البكاء والصياح وعدم الزعيق ورفع الصوت.بكاء القلب أهم!كان بكاء السلف في الصلاة نشيجاً ودموعاً تسيل، وربما يبكي أحدهم تسيل دموعه ولا يشعر من بجانبه. هذا هو الإخلاص لا صياحاً و لا صراخاً...لا صياحاً و لا صراخاً...عليك بالتأثر الذي لا يشعر به الناس.
ثالثاً: السحور
عبادة جليلة يغفل عنها الكثيرون و ينامون عنها وعن صلاة الفجر!، ومع الأسف نجد قلة عن المتوقع في صلاة الفجر في رمضان والسبب من الأسباب عدم الاستيقاظ للسحور، السحور بركة كما قال - صلى الله عليه وسلم - عليكم بهذا السحور فإنه هو الغداء المبارك هلم إلى الغداء المبارك - يعني السحور - نعم السحور التمر...السحور هذه الأكلة بركة فلا تدعوه قال صلى الله عليه و سلم(فلا تدعوه و لو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين فصل ما بين صيامنا و صيام أهل الكتاب أكلة السَحَر). فاعتني بالسحور(3/148)
أولاً: لأن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين.
ثانياً: لأن فيه بركة.
ثالثاً: لأن فيه مخالفة لأهل الكتاب و يجب أن نخالف اليهود و النصارى
رابعاً: أنه أعون على الصيام
خامساً: أنه أضمن لأداء صلاة الفجر
فعليك به يا عبد الله و لا تُفَوِّته...كيف و هو بركة ! فيه بركة ما لا يوجد في غيره من الوجبات.
و عليكم كذلك بالحرص على تفطير الصائمين في الداخل و الخارج (من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء)... من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء...احرص على إطعامه...وإشباعه...و إيصال الطعام إليه بغير منة ولا أذى، وإنما تحمد ربك أن هيأ لك الفرصة لأن يطعم الصائم من طعامك ويشرب من شرابك.فليست الولائم التي تقام لتفطير الصائمين مجالاً للترح ولا للبذخ ولا للأشر والبطر ولا للفخر والخيلاء... و إنما هي مجال لأن تتواضع لله و تشكره أن هيأ لك هذا العدد من الناس ليفطروا عندك و يأكلوا من طعامك. وتذكر خوانك المسلمين في أقاصي الأرض ممن لا يجدون طبقاً واحداً من الأطباق التي تزخر بها مائدتك... فاتق الله يا عبد الله !
و كذلك من الوصايا... تلاوة القرآن العظيم في هذا الشهر، و سيأتي له تفصيل إن شاء الله.
و من الوصايا: قوموا إلى نسائكم... قوموا إلى نسائكم يا أيها المسلمون... يا أيها الرجال ... قوموا إلى نسائكم فعلموهن كيفية الصيام و آداب الصيام . قوموا إلى نسائكم اللاتي يأتين إلى المساجد فعلموهن أموراً ومنها:(3/149)
صلاة المرأة في بيتها خير لها... قال صلى الله عليه و سلم (و بيوتهن خير لهن)...قال لأم حميد زوجة أبا حميد الساعدي(قد علمت أنك تحبين الصلاة معي) ثم قال لها(وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي) بين لها أن الصلاة في قعر بيتها خير لها من الصلاة في المسجد، وكلما كانت أعمق في البيت كلما كان أفضل وصلاتها في مسجد قومها خير لها من الصلاة في المسجد النبوي! النبوي! المسجد النبوي.ولكن إن أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد، فلا تمنعوا إماء الله مساجد الله و قد جاء الجمع بين الفقرتين في حديث واحد (لا تمنعوا نساءكم المساجد، و بيوتهن خير لهن). علموهن هذه المسألة.(3/150)
ثانيا ً: قوموا إلى نسائكم فأمروهن بالحجاب. الحجاب يا أيها الرجال المسلمون... يا أرباب الأسر... يا أيها الرعاة الذين يرعون شؤون العائلة أنتم المسؤولون أمام الله كل واحد توجد امرأته في الشارع حاسرة مقصرة في الحجاب سواء كان قصيراً أولا يستر الوجه والبدن أو شفافاً أو ضيقاً فهو المسؤول عنها. وهو الذي يشاركها في الإثم قطعاً وهو الساكت عن الحق، و هو الشيطان الأخرس، وهو الذي أقر الخبث في أهله. هو الذي أقر فيهم السوء و هو الذي يراها تمشي ولا ينكر، وهو الذي يراها تسفِر و لا يغيّر. فتباً لمعاني الرجولة كيف اضمحلت في نفسه وكيف نقص الإيمان وكيف زال التأثر بقول الله {قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة} وقودها الناس – أنفسهم – والحجارة . هؤلاء هم وقودها . كيف ترضى أن تخرج امرأتك و لو إلى المسجد في حالة من قلة الحياء والحجاب والتقصير في اللباس الشرعي ... لو ظهرت أظافرها مقصرة وأنت ساكت فأنت آثم و مشارك في العدوان وفتنة المسلمين . لو ظهرت أظافرها وأنت ساكت وأنت تعلم فأنت مشارك في الإثم والعدوان. كان النساء في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم إذا خرجن من بيوتهن إلى الصلاة يخرجن متبذلات بعيدات كل البعد عن الزينة – متلفعات بالأكسية، لا يعرفن من الغَلَس...لا يعرفن...كأنهن غِربان...أسود في أسود لا يرى منها شيء.(3/151)
والآن زوجاتنا، بناتنا، أخواتنا، وحتى أمهاتنا... كثير من المسلمين يعيشون حالة عجيبة من التقصير ونندهش من هذا الشهر الذي هو فرصة للتوبة و التغيير...كيف لم يحدث فيه تغير في الحجاب؟ زينة وماكياج وبهرجة وتجمل ولبس أحسن الثياب وتبخر وتطيب وخلوة بالسائق وهذا الزوج الذي يقر الخبث في أهله...هؤلاء الناس رجالاً و نساءً ما موقفهم أمام الله والسيئة تضاعف في رمضان ما لا تضاعف في غيره؟ تضع حجابها في السيارة فإذا نزلت إلى المسجد لبسته، كحال الرجل الذي يحمل معه المشلح ، فإذا وصل إلى مكان الوليمة الرسمية نزل فترجّل فلبس المشلح ودخل! و هكذا يفعل هؤلاء أو بعض هؤلاء ورجالهم في غيهم ساجرون...ورجالهم في سبل الشيطان ماشون منهمكون. (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية)! تقول: ما علاقتنا ؟ ما علاقتك؟ {قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة}
لا لإهمال الأطفال في البيت ولا لإحضار المزعجين إلى المساجد لإشغال المصلين والتلبيس على الإمام والتشويش على عباد الله. أوصوهن بعدم الانشغال بالقيل والقال وارتفاع الأصوات بعد الصلاة لدرجة يسمعها الإمام و الناس. أوصوهن بتراص الصفوف وسد الخلل وملئ الفُرَج فصفوف النساء في المساجد مليئة بالمآسي. انصحوا نساءكم أن لا يقضوا رمضان في المطبخ، وليبقين من الأوقات للعبادة فهي الأساس وهي الهدف وهي أعظم شيء في هذا الشهر. لا تكلفوهن بكثرة الطبخ، بل أنتم تنهوهن عن التمادي والتفنن وتضييع الأوقات فيه...هذا من وضيفتكم.
يا عباد الله ، تجنبوا تحويل ليالي هذا الشهر الكريم إلى ليالي أنس مع الخلائق و مجالس معاصي، ولعب ورقص، ومسلسلات وأغاني، وطبل و زمر، وولائم يتفنن فيها في المأكولات، و ترمى فيها الأطعمة في براميل القمامة. الأمر أعظم من ذلك!
قد رشحوك لأمر لو فطنت له... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل(3/152)
إذا كنا نخفف من صلاة التراويح حتى لا يشرد المتذمرون و لا يهرب المقصرون الكسالى و حتى يدرك أصحاب الأعمال و الوظائف أعمالهم فهذا لا يعني أن تنقطع العبادة بعد صلاة التراويح ، بل بقي لك من قراءة القرآن والصلاة – مثنى مثنى – إذا أردت دون أن تعيد الوتر... بقي لك متسع، والنوم مبكر و إدراك الفجر وأكلة السَحَر...مناقشة جمع الزكوات وتوزيع الصدقات ووصل الرحم وبر الفقراء...قال الله تعالى {و بالأسحار هم يستغفرون} ولم يقل يطبلون ويزمرون! وهؤلاء الناس في الأسحار يطبلون و يزمرون وقت النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل في شهر رمضان في الليالي المباركة يعصون الله سبحانه و تعالى. يقول الله (هل من سائل فأعطيه؟) و أصحابنا في وادٍ آخر...(هل من تائب فأتوب عليه؟) و هؤلاء القوم في لهوهم وشغلهم عن ربهم و عن العبادة. تجنبوا قرناء السوء في هذا الشهر الفضيل. أيها الشباب:دعوا الأرصفة وأقبلوا على الله... أيها الشباب:دعوا الأرصفة وأقبلوا على الله واتركوا العود وهلم إلى التوبة وإلى هذا الموسم الفضيل. اللهم اجعلنا ممن عمّر هذا الشهر بالعبادة ...اللهم أعنا فيه على ذكرك و شكرك وحسن عبادتك...وارزقنا توبة نصوحا...وعملاً متقبلا...وصياماً مبرورا...وقياماً مشكورا. اللهم إنا نبرأ إليك من تقصيرنا...اللهم إنا نسألك أن تتجاوز عما أسرفنا فيه من حق أنفسنا. أقول قولي هذا و استغفر الله لي ولكم.(3/153)
الحمد لله...وسبحان الله...ولا إله إلا الله...والله أكبر...ولا حول ولا قوة إلا بالله...أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، رب العرش العظيم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن. سبحانه والله الذي لا إله إلا هو...إنه ينبغي علينا أن نحبه أكثر من أي شيء. اللهم اجعلنا ممن يحبونك واجعل حبك أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ. صلى الله وسلم على نبينا محمد السراج المنير...الداعي إلى الله بإذنه...البشير النذير...الذي أدى رسالة ربه وبلغ الدعوة ووفى الأمانة – صلى الله عليه و على آله و صحبه أجمعين – الذي حبه مقدم على حب البشر أجمعين.
(لا يؤمن أحدكم حتى يكون رسول الله أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)اللهم أجعل حب رسولك مما تعمر به قلوبنا.
أيها المسلمون عمرة في رمضان تعدل حجة، أجر عظيم وموسم فضيل وثواب جزيل ورب كريم،أبواب الخير مشرعة والبقية عليك يا عبد الله لإكمال المشوار،(عمرة في رمضان تعدل حجة).وفضيلة هذه العمرة في جميع أيام الشهر، هذه الحجة ليست قاصرة على العمرة في العشر الأواخر فإذا رأى المسلم أن من مصلحة عبادته استباق الازدحام الشديد جداً الذي لا يطيقه ويعطله عن أعماله وعن شغله حتى في نفسه وطعامه وشرابه فعليه أن يبادر وإذا رأى أن تشتيت ليالي العشر بالأسفار وفوات القيام سيتحقق فلا بأس عليه أن يعتمر في العشر الأول أو الأواسط، أو كان ممن للمصلحة في بقائه في بلده في العشر الأواخر، أو يخشى عدم التمكن من حجز مكان للسفر فليبادر الآن بالذهاب فالبيت قريب والسبيل آمن والأجر عظيم؛ كم من الناس يتمنون أن يعتمروا وأن يأمّوا البيت العتيق فلا يتمكنون...ولا يستطيعون من ظلم ظالم... أو فقر فقير لا يستطيعون أن يأتوا البيت العتيق، فأنت قريب والسبيل آمن ولله الحمد فلماذا لا تبادر بالذهاب.(3/154)
ونوصي إخواننا الذين سيذهبون في رمضان إلى مكة والآن العطلة دراسية قريبة وبعدها سيعقبه سفر وأسفار نوصي الذين يذهبون لقضاء العشر وغيرها بجوار بيت الله الحرام بما يلي:-
أولاً: اغتنام الوقت في تحصيل أكبر قدر من الأجر، واجتناب الانشغال بسفاسف الأمور كتضيع الوقت في الطبخ والبحث عن الأطعمة فكل مما تيسر،وكذلك الانشغال في الصف في الأسواق،أسواق مكة وتضيع الواجبات الأساسية والأهداف الأساسية من رحلة العمرة.
ثانياً: الطالة المكث في بيت الله الحرام ما أمكن، والاعتكاف فإن فيه أجر عظيماً حتى لا يذهب الوقت في المساكن والشقق المستأجرة فتعظم الخسارة فصل الصلاة بالصلاة،وطف ،وانتظر الصلاة بعد الصلاة في المسجد الحرام فمن جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة.
ثالثا:ً عدم إضاعة الوقت بالكلام في الحرم مع الأصحاب والأصدقاء أو استقبال الغادين والرائحين واستيقاف الأصحاب والفرجة على الناس والطائفين، وإنما دع الوقت الأكبر لعبادة ربك والخلوة به.
رابعاً: ربط الحزام في مسألة النوم،وعدم الإكثار منه لأنك ستكون في حالة استنفار لأجل العبادة.
خامساً: عدم الاشتغال بالمفضول عن الفاضل بأمور وأنشطة تعطل عن المقصود الأساسي لرحلة العمرة، فخذ من هذا وهذا واجعل السهم الوافر للهدف الأساسي والأعظم أجرا.
سادساً: الاستعداد الدائم والتبكير لصلوات،لآن بعض الناس يضيعون تكبيرة الإحرام تقصيراً ولا يعلم قدر ثواب إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في الحرم إلا الله عز وجل؛ فهنيئاً لمن طابت سفرته وعظمت عبادته وأصاب بعمرته السنّة.(3/155)
اللهم اجعلنا من أهل السنة والقائمين بالسنة والمحافظين على السنة أحينا على السنة وأمتنا على السنة اللهم اجعل شهرك هذا شهر نصر للإسلام والمسلمين وشهر عزة وتمكين للمجاهدين،اللهم اقمع أعداء الدين اللهم شرّدهم وشرّد من خلفهم،اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين،اللهم أهلك اليهود وأعوانهم وطهّر بلاد المسلمين من رجزهم وانجاسهم،اللهم إن في العباد والبلاد من اللئواء والشدة والضنك مالا نشكوه إلا إليك،اللهم ارفع الظلم عن المظلومين،اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين وفك أسرى المأسورين واجعل بلاد المسلمين على التوحيد خالصةً لك قائمة لك،اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد والعناد،اللهم ارزقنا توبة نصوحة ومغفرة في هذا الشهر العظيم،نسألك بأسمائك الحسنى أنت الكريم أنت المنان أنت الحي القيوم أن تغفر لنا ي ساعتنا هذه أجمعين وأن تجعلنا من عتقائك من النار في هذه الساعة من يوم الجمعة من شهر رمضان أنت أكرم الأكرمين وأنت أرحم الراحمين أنت إلهنا لا رب لنا غيرك ولا إله لنا سواك سبحانك وتعالى،تعاليت وتقدست أسمائك؛إن الله يأمر بالإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يغظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
نقله أبو جراح
ــــــــــــــــــ
التربية بالمداعبة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-(3/156)
إن الإسلام لا يقتصر في تربيته لأتباعه على أساليب معينة وجوانب محددة .. ومن خلال اطلاعي على عدد من الكتب التي تتناول أساليب وطرق التربية و الدعوة إلى الله ، استوقفني شيء مهم ، وهو أن أغلب هذه الكتب ركز أصحابها على عدد من الجوانب ، وفي المقابل أهملوا جوانب أخرى لاتقل أهمية عن تلك التي تناولوها بالدراسة والبحث ؛ فعلى سبيل المثال : فإن بعض الكتب تناولت جانب التربية بالقدوة – وهي ما نفتقد إليه اليوم إلا من رحم الله حتى بين المربين - ، أو التربية بضرب الأمثال ، أو التربية عن طريق القصة – وهي المنتشرة والمشهورة لدى أغلب المربين ، وقد يبلغ الأمر في بعض الأحيان إلى الكذب وتأليف القصص الخيالية ، والغاية – كما يزعمون – كسب قلوب الشباب - ، أو التربية عن طريق الترغيب والترهيب – وهي من الطرق التي تتشبث بها بعض الجماعات الدعوية على الساحة الإسلامية ، وهي مهمة في ذاتها ؛ لكن أن يتعدى الأمر بالاعتماد على الأحاديث الموضوعة والضعيفة ، فإن هذا لن يؤتي ثمرته المرجوة إذ البناء إذا لم يكن على أسس متينة سرعان ما ينهار على صاحبه - ، أو أن تكون التربية عن طريق الأحداث ، أي ما يقع في المجتمع وربطه بحدث معين من سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو سير الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان ، مع استخلاص العبر والدروس منها بما يخدم المصلحة الدعوية – وهو ما نفتقده اليوم ، وما أكثر الأحداث التي تحتاج منا إلى وقفة متأنية - ، أو أن تكون التربية عن طريق المداعبة – وهذا الأسلوب وللإسف فُسِّرَ على غير مراده واتُخذ مطية تمتطيه بعض الجماعات في الساحة الدعوية ، وقد بولغ فيه وتجاوز الحد ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى الإسفاف وقلة الذوق والأدب مع ما يصاحبه من مخالفات شرعية في بعض الأحيان كالتشبه بالكفار في الملبس و الكلام ، أو التشبه بالمخنثين مع تقليد حركاتهم وترديد بعض العبارات السوقية أو كلمات لبعض الأغنيات..(3/157)
وهكذا ،
ولم يفهم المراد من هذا الأسلوب ولم يطلع على حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته مع أصحابه حينما كان يمازحهم ، ولم يفهم المغزى من هذه المداعبة ، وهو ما سأسعى إلى بيانه في هذا البحث بإذن الله تعالى - .
ولا يعني أن الأساليب التي ذكرت لآنفاً لا تؤدي الغرض والهدف المنشود ، بل على العكس ، لكن إن أحسن المربي استخدامها .. وما كان تركيزي في هذا البحث على جانب المزاح والمداعبة إلا لما وجدت من أنها من أنجح أساليب التربية أحياناً ، إذ القصد من ورائه التحبيب إلى النفوس في جو من الأنس والسرور الذي يبهج الصدور ، فيسهل على القلب استقبال التربية والتوجيه بانشراح كبير ..
ومن هذا المنطلق وبكوني أعمل في مجال التربية والتعليم ، وقفت على هذه الفجوة وعايشتها ، وكنت أتسائل لماذا لا يقدم الشباب على الالتزام والسير في ركاب الصالحين ، وقد كانت أغلب الإجابات الافتقاد إلى القدوة ، أو عدم مسايرة الواقع – مع التنبيه على عدم التنازل عن أمور ومبادئ أساسية في الشرع - ، أو عدم فهم نفسيات الشباب ، أو التجهم والعبوس من قبل بعض المربين ، أو التشدد في بعض الأمور حتى المباح منها ، وقد كانت بعض الإجابات تنناول موضوع بحثنا هذا وهي أن المربي أو هذا الداعية لايعرف للمداعبة سبيل ولا يعيرها أدنى اهتمام .. الخ .
لهذا السبب كتبت في هذا الموضوع عله يسد ولو ثغرة بسيطة .. ويكون لبنة على الطريق ..
وأثناء قراءتي لبعض الكتب التربوية والدعوية كنت أدون ما أقف عليه من أثار ومواقف للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه وللسلف رضوان الله عليهم أجميعن ، تتعلق بمبدأ التربية بالمداعبة ، وأنقل ما يتعلق بها من أمور وما اشتملت عليه من فوائد وحكم ، حتى نصل في نهاية الأمر إلى الأسلوب الأمثل في التربية بهذا الأسلوب ( التربية بالمداعبة ) ..(3/158)
وإذا كانت المداعبة تحمل في طياتها كل ما ذكرت ، فإنه لابد من أن نقف في هذا البحث على عدد من المحاور الأساسية ، منها على سبيل المثال : مفهوم المداعبة ، أقسامها ، منهج الإسلام في تقريرها ، أمثلة على مداعبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأهله ، و لأصحابه ، مداعبة الصحابة رضوان الله عليهم بعضهم لبعض ، مداعبة السلف الصالح بعضهم لبعض ، الآثار المترتبة على التربية بالمداعبة ، خاتمة البحث ..
والله أسأل التوفيق والسداد والعون الرشاد والحمد لله رب العالمين ..
والآن إلى المضوع ..
مفهوم المداعبة :-
ذكر ابن منظور في لسان العرب ( 1/ 375 – 376 ) في مادة دَعَبَ قوله : داعبه مداعبة : مازحه ، والاسم الدعابة ، و المداعبة : الممازحة ، وقال : الدعابة : المزاح ، والدُّعْبُبُ : المَّزّاح ، وأدْعَبَ الرجل : أي قال كلمة مليحة ، .. وقال الليث : فأما المداعبة فعلى الاشتراك كالممازحة ، اشترك فيه اثنان فأكثر .
وأما في الاصطلاح فالمداعبة كما عرفها ابن حجر في الفتح (10/526 ) : هي الملاطفة في القول بالمزاح وغيره .
والمداعبة والمزاح شيء واحد ، فهو كلام يراد به المباسطة بحيث لا يفضي إلى أذى ، فإن بلغ به الأذى فهوسخرية ..
وخلاصة القول في مفهوم المداعبة : هي استغلال بعض المواقف بقول أو فعل يدخل السرور على الآخرين ، دون جرح للمشاعر أو إهدار للكرامات ، وإذا اشتملت على مواقف تربوية كانت أكثر فائدة ، وأعظم أثرا .
أقسام المداعبة
يرى بعض الباحثين أن المداعبة تنقسم – من حيث الجواز وعدمه – إلى قسمين :-
الأول : ماكان مباحاً لا يوقع في معصية ، ولا يشغل عن طاعة ، على ألا يكثر منه المسلم ، فيطغى على الجدية التي هي الأصل في حياته ، وقد يكون المازح مأجور على مزاحه إذا أحسن النية ، وكان مقصده من مزاحه مصلحة شرعية .
يقول ابن حجر في الفتح (10/527 ) : فإذا صادف مصلحة مثل تطييب نفس المخاطب ، ومؤانسته ، فهو مستحب .(3/159)
ومن هذا الباب كان مزاحه - صلى الله عليه وسلم - ، وكان مزاح صحابته من بعده ، وإن كان الصحابة رضوان الله عليهم قد تجاوزوا المزاح بالقول إلى الفعل ، فقد علل الأستاذ العودة في كتابه الترويح التربوي ( ص 91 ) بقوله : ويستفاد من ذلك أن المربي القائد يُلزَم بما لايُلزَم به سائر الأفراد حفاظاً على مكانته أن تبتذل بمزاح مضاد ، وحفاظاً على أفراده في أن يتسبب في إحراجهم بأفعال يصعب الاعتذار منها .
الثاني : ما كان منه محرماً ، يخدش الحياء ويجرح الكرامة ويثير الحفيظة – وما أكثره اليوم - ، وهو المعني بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه : ( لايأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً ) صحيح سنن أبي داود (3/944) .
يقول ابن حجر في الفتح (10/526 ) كلاماً ما معناه : المنهي عنه في المزاح ما كان فيه إفراط أو مداومة ؛ لأنه يشغل عن ذكر الله ، وعن التفكر في مهمات الدين ويقسي القلب ويزرع الحقد ويسقط المهابة والوقار ، ثم نقل عن الغزالي قوله : من الغلط أن يتخذ المزاح حرفة ، وكان هذا رده على من يتخذ مزاحه - صلى الله عليه وسلم - دليلاً ، ثم يقول معلقاً على ذلك : حال هذا كحال من يدور مع الريح حيث دار .
منهج الإسلام في تقرير مبدأ التربية بالمداعبة :-
لقد اختصت السنة النبوية بتقرير هذا المبدأ ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي لا ينطق عن الهوى ، ولايقول إلا حقاً ، يداعب أصحابه ويمازحهم ويدخل السرور على أنفسهم ، ولقد حفلت السنة النبوية المطهرة بكثير من الحوادث التي تقر هذا الأسلوب المحبب إلى النفوس – وسيأتي ضرب الأمثلة على ذلك في الحلقة القادمة – ، والذي لا يكاد يخلو من تأديب وتهذيب ، وتلطيف وتلميح ، يزيل الملل ، ويذهب السآمة ، ويعين على الطاعة ويدخل السرور إلى النفس .(3/160)
على أن هذا المزاح لم يكن به ما يخدش الحياء ، أو يجرح الكرامة ، وإنما كان خالياً من الإثم والتهتك ، بعيداً عن الشتائم والسباب ، لأن الإسلام يهذب من سلوك المسلم حتى في مواطن المزاح .
لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يداعب أصحابه مابين الفينة والأخرى ، ولعل من أبرز المواقف في ذلك ، ولربما هذا الموقف من أول المواقف التي داعب فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، ما رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/ 360 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالوا : يارسول الله إنك تداعبنا ! فقال - صلى الله عليه وسلم - : إني لا اقول إلا حقاً .
لقد تعجب الصحابة رضوان الله عليهم من هذه الممازحة ، وثار في أنفسهم هذا السؤال ، بعد أن عادوا بأذهانهم إلى الجدية التامة في حياته - صلى الله عليه وسلم - ، ثم عايشوا ممازحته ، فانبعث من نفوسهم هذا السؤال ، فكان جوابه - صلى الله عليه وسلم - فيه جانب تربوي كبير ، إذ لم يقل - صلى الله عليه وسلم - : نعم ، وإنما كان جوابه متضمناً الإقرار بجواز الممازحة ، وزاد على ذلك بقوله : إني لا أقول إلا حقاً ، ومعنى هذا أن المزاح بالباطل لا يجوز ؛ لأنه يناقض حينئذ التربية الصحيحة التي هي هدف الإسلام .
على أن مزاحه - صلى الله عليه وسلم - لم يتعد القول إلى الفعل ، لأنه حينئذ يصل بصاحبه إلى المزاح المذموم الذي نهى عنه الشارع الحكيم ، يقول الأستاذ العودة في كتابه الترويح التربوي ( ص 91 ) : من الملاحظ أن مزاح الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتعدى القول إلى الفعل كما كان لا يتعدى الصدق إلى غيره .(3/161)
وإلى لقاء آخر في الحلقة القادمة مع جملة من القصص الطريفة التي مازح فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهله وأصحابه وبعض القصص التي مازح السلف فيها بعضهم بعضاً ، وكان لذلك كله أبلغ الأثر في نفوسهم .. وليكن هذا زاداً للمربين في استخدام هذا الأسلوب التربوي المؤثر في دعوتهم بشرط مراعات الضوابط الشرعية في ذلك . والله أعلم ..
مداعبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهله ..
لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الأزواج في معاملة أهله ، كيف لا وهو الذي يقول لأصحابه كما في الحديث الصحيح الذي أورده ابن ماجة في سننه ( 2 / 158 ) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خيركم ، خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي .
ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يعمل مع أهله في مهنة البيت حتى تحضر الصلاة ، فإذا حضرت الصلاة لم يُقدّم عليها شيئاً ، روى البخاري في صحيحه ( 8 / 17 ) من حديث الأسود قال : سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في أهله ؟ قالت : كان في مهنة أهله ، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة .
وأيضاً فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يمارس هذا النوع من المداعبة في بيته ومع أهله وخاصته ، والقصص في ذلك كثيرة وهي أيضاً ذات جانب تربوي واضح ، كما وأن فيها بث لروح جديدة داخل الأسرة ، والتي تساعد بدورها على استمرار الحياة الزوجية وتدفقها .
بل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأمر اصحابه بزواج البكر ويعلل ذلك بقوله : تلاعبها وتلاعبك ، وتضاحكها وتضاحكك . الإرواء برقم ( 1785 ) .
ومن الأمثلة على حسن معاشرته - صلى الله عليه وسلم - لأهله ما كان يداعب به زوجاته ، مدخلاً بذلك السرور على أنفسهم .(3/162)
1- ما أخرج الإمام أحمد في مسنده (6/ 39 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره ، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن – أي لم تسمن - ، فقال للناس : تقدموا فتقدموا ثم قال لي : تعالى حتى أسابقك ، فسابقته فسبقته ، فسكت عن حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت ، خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس : تقدموا ، ثم قال : تعالي حتى أسابقك ، فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك ويقول : هذه بتلك .
سبحان الله !! إن السفر مجهد مضني ، والنفوس فيه متعبة ، وإدخال السرور على الناس وخاصة الزوجة في مثل هذا الموطن من العشرة الحسنة ، بل هي من كريم الطبع وحسن الخلق .
ونظرة متفحصة إلى واقعنا اليوم و إلى حال الأزواج مع زوجاتهم وخاصة في السفر تجد العجب العجاب ، تجهم و تكشير وعبوس وكأنه أمر بأن يحمل زوجته على رأسه وأن يسافر بها ، ما كأن الطائرة أو السيارة هي التي تحمل وتنقل .. أين التطبيق العملي والاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ؟! لا نطلب منك أن تسابق زوجتك ، ولكن الانبساط في الحديث وأن ينفتر الوجه عن ابتسامة حنان كفيلة بأن تدخل السرور على الزوجة والأهل .. وهي بدورها – أي الابتسامة – تريح الأعصاب وتبدل من حال إلى حال .
2 – روى ابن ماجة في سننه ( 2/ 158 ) من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : قالت عائشة : ما علمت حتى دخلت عليّ زينب بغير إذن ، وهي غضبى – أي أنها فوجئت بدخول زينب عليها رضي الله عنها – ، ثم قالت : يا رسول الله ! أحسبُكَ إذا قَلَبَت لك بُنَيَّةُ أبي بكر ذُرَيْعَتَيْها – تصغير الذراع والمقصود ساعِدَيها – ؟ ثم أقْبَلَتْ عليّ فأعْرَضْتُ عنها ، حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : دونك فانتصري ، فأقْبَلْتُ عليها ، حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها ، ما تَرُدُّ عليّ شيئاً ، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتهلل وجهه .(3/163)
الذي نفهمه من هذا الموقف العظيم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعنف زينب لكونها دخلت عليهما دون إذن ، وخاصة لمن كانت له أكثر من زوجة ، وفي المقابل طلب من عائشة أن تتصرف في هذا الموقف لترد على زينب هذا التصرف بأسلوب فيه تربية وإرشاد ، فحصل المطلوب ..
3 – أخرج الإمام أحمد في مسنده ( 4 / 272 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : جاء أبوبكر يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاذن له ودخل فقال : يا ابنة أم رومان ! وتناولها ، أترفعين صوتك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : فحال النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينها ، قال : فلما خرج أبو بكر جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لها يترضاها : ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك ؟ قال : ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها ، قال : فأذن له ، فدخل فقال له أبو بكر : يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما .
موقف عظيم من رجل عظيم ، ألا وهو موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فهو لم يتمالك نفسه أن يرى أحداً يرفع صوته فوق صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ولو كان هذا الشخص ابنته ، فكان تصرفه من دافع المحبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وفي المقابل كان موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - موقف الصابر الذي يتفهم الأمر ولا يعطيه أكثر من حقه ودن تضخيم لهذا الموقف .. فبمجرد أن تم فض الاشتباك وانصرف الصديق رضي الله عنه عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مداعبة عائشة و الحديث معها وكأن شيئاً لم يكن ..(3/164)
4 – روى أبو يعلى في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بحريرة قد طبختها له – أي أنها أتته بنوع من الطعام - ، فقالت لسودة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينهما : كلي ، فأبت ، فقلت : لتأكلين أو لألطخن وجهك ، فأبت ، فوضعت يدي في الحريرة ، فطليت وجهها ، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فوضع بيده لها ، وقال لها : إلطخي وجهها - أي أنه وضع من تلك الحريرة في يده لسودة لتلطخ وجه عائشة رضي الله عنها - ، فلطخت وجهي فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - لها .
وهذا الموقف من النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على مدى عدله بين زوجاته رضوان الله عليهن أجمعين ، فكما أن عائشة قامت بتلطيخ وجه أم المؤمنين سودة بنت زمعة ، أعان الرسول - صلى الله عليه وسلم - سودة على تلطيخ وجه عائشة ، بأسلوب لطيف ، وكأنه يقول لها هذه بتلك .. ودون أن يترك هذا التصرف منه - صلى الله عليه وسلم - في النفوس شيء بين زوجاته ..
5 – أخرج أبو داود في سننه ( 3/ 209 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قَدِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سَهْوَتِها سِتْرٌ ، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لي – لُعَبٍ – فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي ! ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس ! قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان ، قال : فرس له جناحان ؟! قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة ؟! قالت : فضحك ، حتى رأيت نواجذه .
موقف عظيم .. وتبسط في الحديث .. فهو - صلى الله عليه وسلم - يرى ويعلم ما في هذا الستر ، لكنه أحب أن يداعب عائشة و يلاطفها .. فسألها سؤال متحبب ..(3/165)
6 – أخرج البخاري في صحيحه برقم ( 6078 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني لأعرف غَضَبكِ من رضاكِ ، قالت : قلت وكيف تعرف ذاك يا رسول الله ؟ قال : إنك إذا كنت راضية قلتِ بلى ورب محمد ، وإذا كنت ساخطة قلت : لا ورب إبراهيم ، قالت : أجل ، لا أهجر إلا اسمك .
هنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب أن يداعب عائشة رضي الله عنها .. واحب أن يطلعها على شيء قد تكون هي غير منتبه له .. وهو قسمها أثناء غضبها .. فمن خلال هذا القسم كان - صلى الله عليه وسلم - يعرف ما إذا كانت غاضبة أم راضية .. وكان جوابها رضوان الله عليها : بأنها لا تهجر إلا اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس شخصه .. وهذا من شدة حبها له رضوان الله عليها ..
7 – وأخرج البخاري في صحيحة برقم ( 5211 ) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ، فطارت القرعة لعائشة وحفصة ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث ، فقالت حفصة : ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنظر ، فقالت : بلى ، فركبت فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم عليها ثم سار حتى نزلوا وافتقدته عائشة ، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر وتقول : رب سلط عليّ عقرباً أو حية تلدغني ولا أستطيع أن أقول له شيئاً .
إلى غيرها من المواقف العظيمة في التربية النبوية بالمداعبة ..
مداعبته - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-(3/166)
انتهينا في الحلقة الماضية من الحديث عن أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهله و تقرير مبدأ التربية بالمداعبة .. واليوم نتناول مداعبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه .. يحدونا قوله عليه الصلاة والسلام كما أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( 1 / 247 ) : إن من أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا ، أو تطعمه خبزا .
والآن إلى تلك المواقف التربوية ..
1- كان صهيب الرومي رضي الله عنه كثير المزاح ، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلاطفه ويدخل السرور على نفسه ، وكان وقتها – أي صهيب - يأكل تمراً وبه رمد ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - له كما روى ذلك ابن ماجة في سننه (2/253 ) : أتأكل التمر وبك رمد ؟! فقال يا رسول الله : إنما أمضغ على الناحية الأخرى !! فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(3/167)
لقد راعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحالة التي كان عليها صهيب رضي الله عنه ، فقد كان مصاباً في عينيه بالرمد ، وهو في حاجة إلى المواساة والملاطفة التي تدخل السرور على نفسه ، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يأكل التمر : أتأكل التمر وبك رمد ؟! سبحان الله وما دخل أكل التمر بالرمد ؟! وهل الإنسان يأكل بفمه أم بعينه ؟ وليس في سؤاله - صلى الله عليه وسلم - إلا الحق ، فإنه مجرد استفهام لا يغير الحقيقة ، فكان جواب صهيب وقد كان مزاحاً يحمل دعابة جميلة ، فقال : يا رسول الله إنما أمضغ على الناحية الأخرى !! سبحان الله ، ومادخل المضغ على أحد الجانبين بالرمد في العين ؟! ولكنها سرعة البديهة التي أجابت على قدر السؤال ، فإذا حق لنا أن نقول : ما العلاقة بين أكل التمر وبين الرمد في السؤال ؟ جاز لنا أن نقول : وما العلاقة بين الرمد وبين الأكل على أحد الجانبين من الفم ، على أن صهيباً رضي الله عنه حين قال ما قال ، فإنه لم يقل إلا حقاً فإنه عند الأكل إنما كان يمضغ على أحد جانبيه .
2- كان من بين الصحابة الذين اشتهروا بكثرة المزاح نعيمان البدري رضي الله عنه ، فقد ذكر ابن حجر في الإصابة ( 6 / 367 ) : أن أعرابياً دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأناخ ناقته بفنائه ، فقال بعض الصحابة لنعيمان : لو عقرتها فأكلناها ، فإنا قد قرمنا من اللحم ، فخرج الأعرابي وصاح : واعقراه يا محمد ! فخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال : من فعل هذا ؟ قالوا : نعيمان ، فأتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، واستخفى تحت سرب لها فوقه جريد ، فأشار رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث هو ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : الذين دلوك لي يا رسول الله هم الذين أمروني بذلك ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك ثم غرمها للأعرابي .(3/168)
هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم يشيرون على نعيمان رضي الله عنه بعقر الناقة ليأكلوا منها ، فلما كُشف أمره دلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه ، فاستخرجه - صلى الله عليه وسلم - من بين الأعواد ومسح التراب عن وجهه وهو يضحك متعجباً من فعله رضي الله عنه ، وجرأته على ناقة الأعرابي ، وقد عالج - صلى الله عليه وسلم - الموقف بغرم ناقة الأعرابي من ماله .
3- ذكر ابن حجر في الإصابة (6 /366 ) مزاح أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - معه ، فقال : قال الزبير : وكان نعيمان لا يدخل المدينة طرفة – أي طعاماً – إلا اشترى منها ثم جاء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيقول ها أهديته لك ، فإذا جاء صاحبها يطلب نعيمان بثمنها ، أحضره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : أعط هذا ثمن متاعه ، فيقول : أولم تهده لي ، فيقول إني والله لم يكن عندي ثمنه ، ولقد أحببت أن تأكله ، فيضحك – أي النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفعل - ، ويأمر لصاحبه بثمنه .(3/169)
ووقفة متأنية مع نعيمان رضي الله عنه تجعلنا نجل له كل تلك الموقف .. فهو على الرغم من كثرة مزاحة واشتهاره بين الصحابة بذلك .. فقد كان يضفي على جو المدينة شيئاً من الدعابة والمرح يتقبلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصدر رحب رغم ما قد تسببه هذه المداعبات من حرج له - صلى الله عليه وسلم - كما في حادثة ناقة الأعرابي .. ومع هذا نلاحظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقبل هذه المداعبات منه رضي الله عنه ، ولا يغضب منها بل تدخل البسمة عليه - صلى الله عليه وسلم - ويتعجب منها .. و على الرغم من كثرة ما روي عنه رضي الله عنه من قصص طريفة ومزاحات طاهرة عفيفة إلا أنه كان فوق ذلك كله صاحب عبادة وجهاد وجد وعمل ، ومن القلائل الذين يسارعون لكل غزوة ومعركة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فقد شهد بدراً وأحد والخندق وبقية المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوفي في خلافة معاوية رضي الله عنه انظر الإصابة ( 3 / 540 ) .
4 – ومن المواقف العجيبة في حياته - صلى الله عليه وسلم - وهو يمازح أصحابه موقفه من العجوز الصالحة الصوامة القوامة ، فقد روى الترمذي في الشمائل ( ص 128 ) أن عجوزاً أتت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يارسول الله : ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال : يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز ، فولت تبكي ، فقال : أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول { إنا أنشأناهن إن شاء فجعلناهن أبكارا عرباً أترابا }[الواقعة/35-36] .
هنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يمازح هذه العجوز الصالحة قائلاً لها : يا أم فلان ، وهذا من حسن أدبه - صلى الله عليه وسلم - في إدخال السرور على الناس ، فإن تكنية الإنسان مما يدل على التقدير والاحترام الذي أمر به الإسلام .(3/170)
ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يقرر حقيقة من حقائق الآخرة ، وهو النعيم الخالد لأهل الجنة ، في إنشاء النساء إنشاء وجعلهن عرباً أترابا .
5- ومن مزاحه عليه الصلاة والسلام أنه كان ينادي أحد الصحابة بـ ( ياذا الأذنين ) ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - صادق في وصفه إياه بذلك .. فمن منا ليس له أذنان ؟!
6- وأتى رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعد للجهاد ، فقال له : احملني يارسول الله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا حاملوك على ولد الناقة ، فقال الرجل : وما أصنع بولد الناقة ؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وهل تلد الإبل إلا النوق ؟!
7 – وعن أنس رضي الله عنه قال : إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير : يا أبا عمير ! ما فعل النغير ؟ مختصر الشمائل المحمدية (ص 200) .
ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا إنما كان من باب التخفيف من حزن الصبي حيث أنه كان له طائر فمات ، فأراد أن يمازحه فساله : يا أبا عمير ما فعل النغير ؟
ومما تقدم نلاحظ أن مزاح النبي - صلى الله عليه وسلم - كان فيه تعليم وتهذيب وتربية .
8 – وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً .. وكان - صلى الله عليه وسلم - يحبه وكان رجلاً دميماً ، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً وهو يبيع متاعه ، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال : من هذا ؟ أرسلني فالتفت فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عرفه ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : من يشتري هذا العبد ؟ - وهو بلا شك عبد الله – فقال : يارسول الله إذن والله تجدني كاسداً ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ولكن عند الله لست بكاسد . مختصر الشمائل ( ص 203 ) .(3/171)
9 – وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم ، فسلمت فرد وقال ادخل ، فقلت : أكلّي يارسول الله ؟ قال : كلك ، فدخلت . سنن أبي داوود ( 3 / 228 ) .
10- أخرج البخاري في صحيحه برقم ( 6084 ) من حديث عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي طلّق امرأته فبتّ طلاقها ، فتزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير ، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله إنها كانت عند رفاعة فطلقها ثلاث تطليقات ، فتزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة – لهدبة أخذتها من جلبابها – قال وأبو بكر جالس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة ليؤذن له ، فطفق خالد ينادي أبا بكر ، يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ وما يزيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التبسم ، ثم قال : لعلك تريدين إن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عُسيلته ويذوق عُسيلتك .
11 – وأخرج البخاري في صحيحه برقم ( 6085 ) من حديث محمد بن سعد عن أبيه قال : استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب ، فاذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل والنبي يضحك .. الحديث .(3/172)
12 – وأخرج البخاري في صحيحه برقم ( 6086 ) من حديث عبد الله بن عمر قال : لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطائف قال : إنا قافلون غداً إن شاء الله ، فقال ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نبرح أو نفتحها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فاغدوا على القتال ، قال : فغدوا فقاتلوهم قتالاً شديداً وكثر فيهم الجراحات ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا قافلون غداً إن شاء الله ، قال : فسكتوا فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
للمزيد من هذه المواقف انظر صحيح البخاري كتاب الأدب باب التبسم والضحك .(3/173)
وقبل أن أختم أذكر هذه القصة وهذا الموقف التربوي العظيم .. وهي قصة خوات بن حبير مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتي يرويها فيقول : نزلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر الظهران ، فخرجت من خبائي فإذا نسوة يتحدثن فأعجنبي ، فرجعت فأخذت حلة لي من حبرة فلبستها ، ثم جلست إليهن .. وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبته فقال : يا أبا عبد الله ما يجلسك إليهن ؟ فهبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يارسول الله جمل لي شرود أبتغي له قيداً ..! قال خوات فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالقى رداءه ، ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضأ ثم جاء فقال : يا أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في منزل إلا قال لي : السلام عليك يا أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ .. قال : فتعجلت المدينة ، فتجنبت المسجد ومجالسة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما طال ذلك تحينت ساعة خلوة المسجد فجعلت أصلي فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعض حجره فجاء يصلي فصلى ركعتين خفيفتين ثم جاء فجلس ، وطولت رجاء أن يذهب ويدعني ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : طول يا أبا عبد الله ماشئت فلست بقائم حتى تنصرف .. فقلت : والله لأعتذرن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأبردن صدره .. قال : فانصرفت فقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ فقلت : والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك منذ أسلمت .. فقال عليه الصلاة والسلام : رحمك الله ( مرتين أو ثلاثاً ) ثم أمسك عني فلم يعد . مجمع الزوائد ( 9 / 401 ) وقال الهيثمي رجالها رجال الصحيح .
في هذه القصة جانب تربوي هام وهو المعاتبة بالمداعبة وتكرار ذلك إلى أن يؤتي ثمرتها ، كما أن فيها جانب من الطرفة لا يخفى .(3/174)
ومن هنا يخلص الداعية إلى أن أسلوب الممازحة والمداعبة من الأساليب التي قررتها التربية الإسلامية ، وجعلت فيها من الدروس التربوية والتدابير الوقائية ما هو كفيل بصياغة الشخصية الإسلامية صياغة متزنة في كل جانب من جوانب حياتها .
مداعبة الصحابة بعضهم لبعض .. ومداعبة السلف بعضهم لبعض ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
انتهينا في الحلقة الماضية من الحديث عن أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه و تقرير مبدأ التربية بالمداعبة .. واليوم نتناول مداعبة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضهم لبعض .. كما نعرج على بعضاً من المواقف الطريفة والتي مارسها السلف الصالح رحمة الله عليهم والهدف منها التربية الإسلامية بالمداعبة ..
فقد كان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين يرون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روح الدعابة والابتسامة والمرح ، فأخذوا هذا عنه - صلى الله عليه وسلم - ، فكان بعضهم يلاطف بعضاً ويداعبه ..
* ذكر الهيثمي في المجمع ( 8 / 89 ) وعزاه إلى الطبراني عن قرة قال : قلت لابن سيرين : هل كانوا يتمازحون - يعين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - – ؟ قال : ما كانوا إلا كالناس .
* وسئل النخعي : هل كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحكون ؟ قال : نعم والإيمان في قلوبهم مثل الجبال الرواسي .
وهذه صور من مداعبة بعضهم لبعض ..
1- ذكر ابن حجر رحمه الله في الإصابة ( 3/ 185 ) في ترجمة سُوَيبط بن حَرْملة ، والإمام أحمد في مسنده (6/316 ) عن أم سلمة أن أبا بكر رضي الله عنه خرج تاجراً إلى بصرى ومعه نعيمان و سويبط بن حرملة رضي الله عنهما وكلاهما بدري ، وكان سويبط على الزاد ، فقال له نعيمان : أطعمني ، قال - يعني سويبط - : حتى يجيء أبو بكر .
وكان نعيمان مِضحاكاً مَزّاحاً ، فذهب إلى ناس جلبوا ظَهراً ، فقال : ابتاعوا مني غلاماً عربياً فارهاً .
قالوا : نعم .(3/175)
قال : إنه ذو لِسَان ، ولعله يقول أنا حُرّ ، فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوني ولاتفسدوه عليّ .
فقالوا : بل نبتاعه .
فابتاعوه منه بعشرة قلائص ، فأقبل بها يسوقها ، وقال : دونكم هو هذا .
فقال : سويبط : هو كاذب ، أنا رجل حرّ .
قالوا : قد أخبرنا خَبرك .
فطرحوا الحبل في رقبته وذهبوا به ، فجاء أبو بكر فأُخبر ، فذهب هو وأصحابه إليهم فردوا القلائص وأخذوه ، ثم أخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فضحك هو وأصحابه منها حولاً .
2- أخرج الإمام مسلم في صحيحه (6/ 15 – 16 ) من حديث علي رضي الله عنه قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية عليهم علقمة بن مجزز ، وأنا فيهم ، فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق ، استأذنه طائفة فأذن لهم ، وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة ، وكان من أهل بدر ، وكانت فيه دعابة ، فبينا نحن في الطريق ، فأوقد القوم ناراً يصطلون بها ، ويصنعون عليها صنيعا لهم ، إذ قال : أليس لي عليكم السمع والطاعة ؟ قالوا : بلى . قال : فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ، فقام ناس فتحجزوا حتى إذا ظن أنهم واقعون فيها ، قال : أمسكوا ، إنما كنت أضحك معكم ، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكروا ذلك له ، فقال : ( من أمركم بمعصية فلا تطيعوه ) وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة ) .
3- وإن كانت مداعبة بعضهم لبعض في بعض الفترات تتعدى القول إلى الفعل ، فقد روى البخاري في الأدب المفرد ( ص 99 ) من حديث بكر بن عبد الله قال : كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبادحون بالبطيخ ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال .(3/176)
إن النفوس حين تكون في عظمتها كهذه النفوس فلا مانع أن يتعدى مزاحها القولي إلى الفعل الذي يحقق من ورائه فائدة ، فإن هذا التبادح بالبطيخ فيه فائدة التعود على الرمي الذي أمر به - صلى الله عليه وسلم - وفسر القرآن به في قول الله تبارك وتعالى { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم }[الأنفال/60] ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في تفسير القوة في هذه الآية كما روى ذلك الإمام مسلم في صحيحه ( 3 / 52 ) فقال : ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي .
4- وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه صحب دعابة كما أخبر بذلك أبو رافع .. وهو ما ذكره الذهبي في السير ( 2 / 614 ) أن مروان بن الحكم استخلف أبا هريرة على المدينة ، فكان أبو هريرة رضي الله عنه يركب حماراً ببرذعة ، وفي رأسه خُلبَة من ليف – أي الحبل الرقيق الصلب من الليف والقطن - ، فيسير ، فيلقى الرجل فيقول : الطريق ! قد جاء الأمير .!!
وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب ، فلا يشعرون حتى يلقي بنفسه بينهم ، ويضرب برجليه ، فيفزع الصبيان فيفرون .
وربما دعاني إلى عشائه ، فيقول : دع العُراق – العظم الذي أخذ عنه معظم اللحم - للأمير . فأنظر فإذا هو ثريد بزيت .
5 – وأيضاً ما حدّث به ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال : أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب ، وهو يومئذ خليفة لمروان ، فقال : أوسع للأمير . السير ( 2 / 614 ) .
6- وري عن أبي الدرداء أنه كان لا يتحدث إلا وهو يبتسم ، فقالت له أم الدرداء : إني أخاف أن يرى الناس أنك أحمق . فقال : ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدث حديثاً إلا وهو يبتسم في حديثه . انظر الشباب والمزاح ( ص 26 ) .(3/177)
7 – خرج عبد الله بن عمر وعبد الله بن عياش من المسجد ، فلما كانا على بابه كشف كل واحد منهما ثيابه حتى بدت ساقه ، وقال لصاحبه : ما عندك خير ، هل لك أن أسابقك . نفس المرجع .
وإذا كان بعض الصحابة قد اشتهر بالمزاح فإن التابعين قد اشتهر بعضهم بالمزاح على جلالة قدرهم ، وعلو منزلتهم .
1- فها هو سفيان الثوري رحمه الله كما ذكر ذلك الذهبي في السير ( 7 /275 ) عن قبيصة قال : كان سفيان مزاحاً ، كنت أتأخر خلفه مخافة أن يحيرني بمزاحه .
وروى الفسوي عن عيسى بن محمد : أن سفيان كان يضحك حتى يستلقي ويمد رجليه .
2 – وكان الإمام الصوري رحمه الله فيه حسن خلق ومزاح وضحك ، ولم يكن وراء ذلك إلا الخير والدين ، ولكنه كان شيئاً جُبل عليه ، ولم يكن في ذلك بالخارق للعادة ، فقرأ يوماً حزءاً على أبي العباس الرازي وعنّ له – أي تذكر – أمراً ضحّكه ، وكان بالحضرة جماعة من أهل بلده ، فأنكروا عليه ، وقالوا : هذا لا يصلح ولا يليق بعلمك وتقدمك أن تقرأ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنت تضحك . وكثّروا عليه ، وقالوا : شيوخ بلدنا لا يرضون بهذا ، فقال : ما في بلدكم شيخ إلا يجب أن يقعد بين يدي ويقتدي بي ، ودليل ذلك أني قد صرت معكم على غير موعد ، فانظروا إلى أي حديث شئتم من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، اقرؤوا إسناده لأقرأ متنه ، أو اقرؤوا متنه حتى أخبركم بإسناده . السير ( 17 / 629 ) .
3 - وهذا التابعي الجليل سليمان بن مهران الأعمش رحمه الله ، والذي يقول عنه الذهبي كما في السير (6/ 227 – 228 ) ما خلاصته : هو الإمام شيخ الإسلام ، شيخ المقرئين والمحدثين ، علامة الإسلام ، من كبار العباد ، لم تفته تكبيرة الإحرام قريباً من سبعين سنة ..
كان هذا التابعي الجليل صاحب دعابة لطيفة ، ونكتة خفيفة ، وفي بعضها من الدروس التربوية ما لايخفى ، فمن ذلك :-(3/178)
أ - أنه قال مرة من المرات وهو يَسْعُل ، بلغني أن الرجل إذا نام حتى يصبح – يعني لم يصل – توركه الشيطان فبال في أذنه ، وأنا أرى أنه قد سلح في حلقي الليلة . السير (6 / 231) .
ب – وأنه ذكر مرة حديث ( ذاك بال الشيطان في أذنه ) فقال : ما أرى عيني عمشت إلا من كثرة ما يبول الشيطان في أذني . السير ( 6 / 232 ) .
ت - خرج الأعمش فإذا بجندي ، فسخره ليخوض به نهراً ، فلما ركب الأعمش – يعني على ظهر الجندي – قال الأعمش : { سبحان الذي سخر لنا هذا } ، فلما توسط به الأعمش قال : { وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين }[ المؤمنون /29 ] ثم رمى به . السير ( 6 / 238 ) .
ث - سأل أبو داود الحائك ، الأعمش : ما تقول يا أبا محمد في الصلاة خلف الحائك ؟ فقال : لا بأس بها على غير وضوء ، قال : وما تقول في شهادته ؟ قال : تقبل مع عدلين . السير ( 6 / 234 ) .
ج – وكان للأعمش ولد مغفل ، فقال له : اذهب فاشتر لنا حبلاً للغسيل ، فقال : يا أبه : طول كم ؟ قال عشرة أذرع ، قال : في عرض كم ؟ قال : في عرض مصيبتي فيك . السير ( 6 / 239 ) إلى غيرها من المواقف التي تجدها في ترجمته في السير ( 6 / 226 – 248 ) .
4 – قال الربيع : دخلت على الشافعي وهو مريض ، فقلت : قوى الله ضعفك ، فقال : لو قوى ضعفي قتلني ، قلت : والله ما أردت إلا الخير ، قال : أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير .
5 – دخل الشعبي الحمام فرأى داود الأودي بلامئز ، فغمض عينيه ، فقال له داود : متى عميت يا أبا عمرو ، قال : منذ هتك الله سترك .
6 – ومزح الشعبي في بيته فقيل له : يا أبا عمرو ، وتمزح ؟ قال : قرّاء داخل وقرّاء خارج ، نموت من الغم .
7 – قال أحد الصالحين عن محمد بن سيرين رحمه الله : كان يداعبنا ويضحك حتى يسيل لعابه ، فإذا أردته على شيء من دينه كانت الثريا أقرب إليك من ذلك .(3/179)
8 – جاء رجل إلى أبي حنيفة فقال له : إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل ، فإلى القبلة أتوجه أم إلى غيرها ؟ فقال له : الأفضل أن يكون وجهك إلى جهة ثيابك لئلا تسرق .
9 – قيل لأحد السلف : هل نصافح النصارى ؟ فنظر إلى السائل وقال : نعم برجلك ! .
10 – قيل للخليل بن أحمد : إنك تمازح الناس ، فقال : الناس في سجن ما لم يتمازحوا . انظر : الشباب والمزاح ( ص 25 – 28 ) .
لقد كانوا رحمهم الله إلى جانب ما هم عليه من العلم والعبادة والزهد والورع ، على قدر كبير من التودد إلى الناس ، وإدخال السرور عليهم ، متأولين قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : إن من أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا .. الحديث . صحيح الجامع ( 1 / 247 ) .
النتائج التي تترتب على هذا النوع من التربية ، بمعنى آخر : المحصلة النهائية للتربية بالمداعبة ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
انتهينا في الحلقات الماضية من الحديث عن أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه و أصحابه و تقرير مبدأ التربية بالمداعبة .. ثم عرجنا على مداعبة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضهم لبعض .. كما تناولنا بعضاً من المواقف الطريفة والتي مارسها السلف الصالح رحمة الله عليهم والهدف منها التربية الإسلامية بالمداعبة ..
واليوم إن شاء الله نتناول النتائج التي تترتب على هذا النوع من التربية ، بمعنى آخر : المحصلة النهائية للتربية بالمداعبة ..
في هذا النوع من التربية ( التربية بالمداعبة ) بعض الجوانب الوقائية والتي تدخل في العملية التربوية والتي لها أثرها في تربية النفوس ، سواء كان ذلك هو المحصلة النهائية من الدعابة ، أو كانت في أحد مواقفها وأحداثها ..(3/180)
إن النفس – وهي تعافس ضيعات الحياة – يصيبها من الفتور ما يصيبها ، فيبلى الإيمان في صدر العبد كما يبلى الثوب على ظهره ، وفي هذا المعنى يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) . صحيح الجامع ( 1 / 330 ) .
بل ربما تنكر للعبد قلبه في فترة من الفترات ، وهذه طبيعة النفوس البشرية ، والعبد ما بين الفينة والأخرى في حاجة إلى أن ينفض عنه غبار الغفلة وصدأ القلب ، بالترويح عن نفسه وعمن حوله ، حملاً للنفس على الخير ، ووقاية لها من الملل .
روى الإمام مسلم في صحيحه ( 8/ 95 ) من حديث حنظلة رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوعظنا فذكر النار ، قال ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة ، قال : فخرجت فقلت : يا أبا بكر فذكرت ذلك له فقال : وأنا قد فعلت ما تذكر ، فلقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت يا رسول الله : نافق حنظلة ، فقال : مه ؟ فحدثت بالحديث فقال أبو بكر : وأنا قد فعلت مثل ما فعل ، فقال : ( يا حنظلة ، ساعة وساعة ، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطريق ) .
وقد ذكر النووي في شرحه للحديث ( 17 / 73 ) ما معناه : حنظلة الأسيدي هو أحد كتّاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد خشي على نفسه النفاق بمعافسة الأزواج والأولاد والضيعات ، فقد كان يحصل له الخوف في مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك بالمراقبة والفكر والإقبال على الآخرة ، فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا ، وقد خشي أن يكون ذلك نفاقاً فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ساعة وساعة .(3/181)
وذكر المباركفوري في التحفة ( 7 / 318 ) في بيان معنى الساعة : أي ساعة كذا وساعة كذا ، يعني لا يكون الرجل منافقاً بأن يكون في وقت على الحضور وفي وقت على الفتور ، ففي ساعة الحضور تؤدون حق ربكم ، وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم .
إن الساعة الأولى التي حددها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث : هي ساعة للعبادة يؤدي فيها العبد ما أوجبه الله عليه من الحقوق ، وساعة يمشي في مناكب الأرض يأكل من رزق الله ويبتغي من فضله ، يدل على ذلك حديث حنظلة السابق ، فإنه ذكر أنه يقضي ساعة في المسجد يتعلم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرائع الإسلام ، ثم يقضي الساعة الثانية بين الزوجة والأولاد والضيعات ، وفي هذا رد على الذين يظنون أن الساعة الثانية التي ذكرت في الحديث هي ساعة اللهو المحرم ، والعبث الباطل الذي وردت نصوص الشرع بتحريمه .
ومن حديث حنظلة نخلص إلى أن معافسة الزوجة والأولاد يدخل فيه جانب الدعابة والممازحة ، بتخصيص وقت لهم ، وهو من اللهو المباح الذي نص عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( اللهو في ثلاث ، تأديب فرسك ، ورميك بقوسك ، وملاعبتك أهلك ) . صحيح الجامع ( 2 /965 )
وخلاصة القول : إن النفس في حاجة إلى أن يكون لها فسحة في الحلال ، وفرجة في المباح ، حتى يكون ذلك وقاية لها من الملل والسآمة ، وحفزاً لها على النشاط والحيوية في استقبال أعمال جديدة بها يؤدي العبد حق ربه عليه .
وإذا اشتملت الدعابة على توجيه وتربية ، كانت أعظم أثراً وأكثر فائدة ، وكانت إلى جانب سعادة العبد في الدنيا ، أجراً له عند الله عزوجل في الآخرة .
وفي قصة خوات بن جبير رضي الله عنه كما مر معنا ، ما يجلي هذه الحقيقة . ففي قصة خوات بن جبير رضي الله عنه للمربين دروساً وعبرا ، وذلك بما اشتملت عليه من الجوانب الوقائية العظمية التي لا غنى للمربي الناجح عنها ، ومن ذلك :-(3/182)
1- في وقاية النفس من الإصرار والعناد ، شرع الإسلام جانب الرفق في النصيحة ، لما له من الأثر الواضح في تغيير السلوك ، وتصحيح الخطأ ، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى خواتاً بين النساء بعد نزول آية الحجاب بدليل أنه أنكر عليه ذلك ، فلم يعنفه - صلى الله عليه وسلم - بقول ولا فعل ، وإنما سلم عليه أولاً ، ثم كناه ثانياً ، ثم لاطفه في الحديث الثاثاً ، فكان لهذا الأسلوب أبلغ الأثر في قلب خوات ، الذي لم يعد بعدها إلى مجالسة النساء أبداً ، كما ذكر ذلك الطبراني في معجمه . انظر المجمع للهيثمي ( 9 / 401 ) .
إن على المربين أن يعقلوا حقيقة أن الرفق ما كان في شيء إلى زانه ، ومانزع من شيء إلا شانه ، وأن المربي الناجح هو الذي لا يلجأ إلى الشدة في النصح إلا بعد أن يستنفذ كل ما في جعبته من وسائل الرفق واللين ، وحين لا يجدي ذلك فقد شرع الإسلام العقوبة التي هي إحدى الوسائل التربوية الإسلامية ، وهي وسيلة علاج ناجحة تؤتي ثمارها حين لا يحقق اللين ثماره .
2 – في الوقاية من الكذب شرع الإسلام المعاريض التي يلجأ إليها عند الحاجة الماسة لئلا يقع الإنسان في الكذب المحرم ، فهذا خوات بن جبير رضي الله عنه يعرض بالجمل الذي شرد عليه ، وإنما يقصد نفسه رضي الله عنه ، ذلك أن المرأة قيد للرجل عن الحرام ، قال الله تعالى عن النساء { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن }[البقرة/187] .
ولهذا بوب البخاري في صحيحه باباً قال فيه : باب المعاريض مندوحة عن الكذب ، ثم قال ذكر قصة أبي طلحة مع زوجته أم سليم حين سألها : كيف الغلام ؟ قالت : هدأت نفسه ، وأرجو أن يكون قد استراح وظن أنها صادقة . البخاري ( 8 / 57 – 58 ) .(3/183)
3- في وقاية النفس من تبلد الإحساس ، لم يكثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خوات بن جبير رضي الله عنه من المعاتبة ، لأن كثرة المساس تبطل الإحساس ، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تربيته لأصحابه يتخولهم بالموعظة خشية السآمة ، فقد روى البخاري في صحيحه ( 1/ 27 ) من حديث أبي وائل قال : كان عبد الله – يعني ابن مسعود - يُذكر الناس في كل خميس ، فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم ، قال : أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكُم ، وإني أتخولكم بالموعظة ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بها مخافة السآمة علينا .
وفي رواية الإمام مسلم ( 8 / 142 ) عن شقيق قال كنا جولس عند باب عبد الله ننتظره فمر بنا يزيد بن معاوية النخعي فقلنا أعلمه بمكاننا ، فدخل عليه فلم يلبث أن خرج علينا عبد الله فقال : إني أخبر بمكانكم فما يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهية أن أُمِلَّكُم ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا .
ولهاذ كان من الواجب على المربي أن يعي هذه الحقيقة ، فإن الإنسان حين يحدّث كل يوم عن الموت أو النار ، أو حتى عن الجنة وما أعد الله لأهلها ، ربما فقدت النفوس – بكثرة ذلك – الإحساس ، ولكن التخول والاقتصاد يؤتي ثماره ، وهذا ما وعاه السلف رضوان الله عليهم عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، فقد كان عبد الله بن مسعود يعظ الناس ويذكرهم بالله ، وهم يطلبون منه المزيد ، فيمتنع مع أنهم رضي الله عنهم من أبعد الناس عن السآمة والملل من ذكر الله ، ولكنها الوقاية التي تدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس .
الآثار التربوية للتربية بالمداعبة ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-(3/184)
انتهينا في الحلقة الماضية من الحديث عن النتائج التي تترتب على هذا النوع من التربية ، بمعنى آخر : المحصلة النهائية للتربية بالمداعبة .. واليوم مع الآثار التربوية للتربية بالمداعبة ..
أسلوب المداعبة من أنجع الأساليب التربوية التي لها أبلغ الأثر في تربية النفوس ، كما أنها تعد من حسن الخلق ، وسماحة النفس ، وكرم الطبع ، ولين الجانب ، ومحبة الآخرين ..
إن المربي الناجح هو الذي يسخّر كل طاقاته وإمكانياته لخدمة رسالته التي يحملها ، حتى وهو يداعب غيره ويلاطفه ، حين يستغل هذه الفرصة التي تتهيأ فيها النفوس لاستقبال النصيحة ، وهذا ما أدركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يربي أصحابه بآيات الله والحكمة ، فقد كان يداعبهم ويمازحهم ويدخل السرور على أنفسهم ، حتى ثار في أنفسهم العَجب من ممازحته - صلى الله عليه وسلم - لهم ، فقال قائلهم : إنك تداعبنا يا رسول الله ! فكان الجواب يتضمن تقرير هذا المبدأ ، مع زيادة في الجواب تبين أن صاحب الرسالة وهو يداعب غيره من زوجة وأهل وولد وصديق ، لا يتنازل عن مبادئه التي يحملها ، فلا يكون جاداً في مواطن الجد متهتكاً في مواطن المزاح ، بل إن مواطن المزاح والمداعبة لتستغل في التوجيه والتربية والإصلاح استغلالاً يجعل الحياة كلها لله تعالى ..
إن المحصلة النهائية من الدعابة تكمن فيما يلي :-
1- إدخال السرور على النفس .
2- تزيل الملل الذي ربما يعلق بالنفس نتيجة لما قد يعترض الإنسان في حياته من الهموم والأحزان .
3- تبعث على النشاط والمرح والضحك الذي يغير روتين الحياة .
4- تثير في النفس محبة الناصح والراحة النفسية عند لقائه .
5- تَقَبُّل النصيحة والموعظة والتربية ، بنفسية منشرحة .
على أن القصة التي ترد وفيها من صور المداعبة ما فيها ، تشتمل على جوانب تربوية أخرى ، يحددها طبيعة الشخص والمواقف والملابسات والظروف التي تصنع هذا الحدث ..(3/185)
وعوداً على بدء .. ففي قصة خوات بن جبير رضي الله عنه ، جوانب تربوية عظيمة ، فبالإضافة إلى أنها أسلوب رائع من الأساليب التي تشرح الصدر وتثير مكامن السرور في النفس ، فإنها قد تضمنت عدد من الأثار :-
1- التعامل مع الإنسان في تربيته على أنه عرضة للوقوع في الخطأ .
2- التعامل مع الإنسان على أنه كائن له غرائز وشهوات .
3- نظرة الإسلام إلى الإنسان على أنه غير معصوم من الخطأ .
4- دعوة المسلم إلى حسن المظهر ، ليكون في وجوه الناس كأنه شامة .
5- الحذر من الكذب الذي يهدي إلى الفجور ، ثم إلى النار .
6- التعريض في الحديث حين لا يريد الإنسان الإدلاء بالحقيقة لمصلحة ما ، فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب .
7- التكرار – المعتدل – في عرض أسلوب التربية والتوجيه لتتحقق الفائدة المرجوة منه .
8- الدعاء للمسلم المخطئ وتكرار ذلك .
9- الحذر من التكرار الممل الذي يبعث السآمة في النفوس ، أو لربما كان سبباً في تبلد الإحساس .
وختاماً :-
من روعة الإسلام في تربيته لأتباعه ، أنه ما جعل طرائق التربية وأساليبها على صورة واحدة ، لأنه ربما تملها النفوس ، وتسأمها القلوب ، وإنما جعل لذلك أساليب متعددة ، وطرائق متجددة ..
- فتارة يربي بالقدوة التي هي من أعظم الأساليب التربوية على الإطلاق – وما أحوجنا إلى القدوات – ؛ لكونها ترسل إلى الغير رسالة صامتة على أن هذا هو الحق وأن تطبيقه ليس بالأمر المستحيل ، بل هو في متناول الجميع ، وفي مقدور كل أحد ، وليست الأمة اليوم في حاجة إلى شيء أكثر من حاجتها إلى قدوات في كل ميدان .
- وتارة يربي بالقصة التي ترسل إلى الآخرين رسالة مؤثرة بما تشتمل عليه من الدروس والعبر والمواقف ، مع ما تشتمل عليه من قوة التأثير ، حين تشد الإنتباه وترحك الوجدان ، وتثير الانفعال وتحدث الإقناع .(3/186)
- وتارة يربي بضرب الأمثال حين يربط بين معنيين أحدهما غائب عن النفس والآخر حاضر مشاهد ، فتقريب صورة الغائب عن الحس إلى عالم المحسوس المشاهد ، مثيرة للعقل والقلب والعاطفة على حد سواء .
- وتارة يربي بالأحداث ، فيستغل كل حدث يقع ليعطي فيه صورة مؤثرة من التربية والتوجيه ، فتظل تعلق بخفايا النفس فترة طويلة من الزمن .
- وتارة يربي بالترغيب والترهيب في موازنة مدروسة ، لتقارن النفس حين تسمع الخير ونتائجه وآثاره ، ثم تنتقل إلى الجانب الآخر فتسمع الشر ونتائجه وآثاره ، لتقارن بين الحالتين .
- وتارة يربي بالمداعبة التي تدخل السرور إلى النفس وتمهد الطريق للنصح والتوجيه في أسلوب محبب .
- وقد يدعو الإسلام إلى التربية بالعقوبة !! حين تستنفد كل الوسائل التربوية السالفة الذكر ، فجعل للوالد سلطة في ضرب – الغير مبرح - أولاده ، وجعل للزوج سلطة في ضرب زوجته ، وجعل العقوبات والتعازير لكل من تسول له نفسه العدوان على الأفراد أو المجتمعات وكل ذلك بالضوابط الشرعية التي قررها الإسلام .
إلى غير ذلك من الأساليب الكثيرة التي حفلت بها التربية الإسلامية ، وإنما كان السر في ذلك – أي السر في تنوع هذه الأساليب - حسب تصوري حتى لا تمل النفس ويتبلد إحساسها حين يتكرر عليها أسلوب واحد من هذه الأساليب التي ذكرت آنفاً ، فتفقد على أثر ذلك تربيتها الصحيحة .
و الله أعلم والحمد لله رب العالمين ..
أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..
ــــــــــــــــــ
إلى من عرفته مستقيماً
أمين الغنام
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :
إليك أنت .. نعم أنت وحدك يا من ترجو ما عند لله تعالى من الرضا والنعيم المقيم ، وتخاف ما أعد الله تعالى للعصاة والكافرين من النكال والهون والجحيم .
إليك إليك يا من قد ذاق قلبه حلاوة الإيمان وتنعم بها يوما ما من الدهر ويا من كان يتلذذ بالمتاعب والمكاره ابتغاء رضا ربه وجنة عرضها السماوات والأرض .(3/187)
إليك يا من كان دينه الذكر ، وراحة باله الفكر ، وجنته في الدنيا ترديد آيات الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار .
إليك يا من كان مرغما للشيطان ، لا يستطيع أن يحصل منك أدنى اللمم فضلا عما أعظم من ذلك .
مالي أرى الفتور قد اعتراك ، والإعراض قد ارتسم على تصرفاتك ، والوهن قد دب إلى عزيمتك التي طالما كانت مشرأبة إلى المعالي معرضة عن السفاسف .
مالي أرى الشهوات قد استبعدتك والنزوات قد تملكتك فصرت محجما عن الخيرات ، مسارعا إلى الشهوات ، معرضا عن سبل الرحمات .
إلى من حاد عن صفي *** وولى تاركا كفي
ضللت الدرب يا صاح *** وخنت العهد يا إلفي
إلى من قال لي يوما *** يمين الله لن أخنع
سأبقى ثابتا دوما *** وللشيطان لن أركع
أتانا العلم أنكموا *** تركتم عفة البصر
وصرتم تتبعون العين *** منظر فاتن الصور
أراك اليوم قد خارت *** قواك وزارك الخطل
وسرت وراء شيطان *** بزي الإنس يستتر
أتراك اليوم اكتشفت أن التزامك واستقامتك وطاعتك لربك كانت خطأ فاخترت الطريق الآخر - طريق الغواية والمعصية والانتكاس - لتصل إلى جنة الفردوس ؟ !
أم تراك قد استبعدت الطريق واستبطأت النصر فسرت في ركاب الساهين اللاهين عبدة أهوائهم الذين لا هم لهم سوى آبهين بدين الله ولا بدعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أم تراك قد أعجبك طريق الضلالة والنكسة الذي سلكه المرتدون بعد وفاة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - .
وسلكه بعدهم من ختم الله على قلوبهم وكره انبعاثهم فثبطهم .
أم تراك قد نسيت الموت وسكراته ، والقبر وظلماته ، ويوم القيامة وروعاته ، والصراط وزلاته ، وعذاب جهنم ولوعاته وحسراته ، أعيذك بالله تعالى من ذلك كله .
وأعيذك بالله أيضا من أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم : { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين }
[ الأعراف : 175 ]
فالسعيد من وعظ بغيره لا من اتعظ به غيره .(3/188)
استسمحك العذر – يا رعاك الله – لقسوة كلماتي معك ولكنه الحب الذي أكنه لك في صدري ، وخوفي عليك من سوء الخاتمة – هما اللذان أحرقا قلبي وفطرا كبدي كلما رأيتك بهذا الوضع المزري الذي يسر العدو – عدوك الأول : الشيطان وأعوانه من أعداء الله تعالى – ويحزن الحبيب والصديق
فهل من عودة إلى الله قبل الموت ، هل من أوبة أيها المبارك إلى روضة الطاعة وحياض التوبة والاستقامة والندم حيث الراحة وتعقبها الرحمة .
{ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } [ آل عمران : 135 ] فأبشر يا عبدالله ، فإن لك ربا واسع المغفرة باسطا الرحمة بالليل والنهار .
واسأل الله تعالى الهداية من قلبك بصدق ، فهذا حبيبك المعصوم - صلى الله عليه وسلم - يسأل ربه الهداية ويقول : (( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى))
وكان يرشد إلى ذلك ، كما أرشد سبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى أن يدعو في القنوت ويقول : (( اللهم اهدني فيمن هديت )) .
وكان يستعيذ بالله من الضلالة بعد الهدى ويقول : (( اللهم إني أعوذ بعزتك أن تضلني لا إله إلا أنت )) .
وكان يقول في دعاء السفر (( وأعوذ بك من الحور بعد الكور )) أي من الضلالة بعد الهدى .
قم في ظلام الليل وانطرح بين يدي الرؤوف الرحيم واسأله المغفرة والرحمة ، والعون والتسديد اعترف ، بذنبك ، وابك عن خطيئتك وتقصيرك ، واسأل المولى أن لا يخزيك يوم الفزع الأكبر ، وأن يبيض وجهك إذا اسودت وجوه العصاة والكافرين .
ابدأ صفحة جديدة بيضاء مع الله تعالى بالطاعة والإنابة الحقة { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه }
[(3/189)
الكهف : 28 ] واصرف وجهك عن قرناء السوء ، ورفقة الرخاء الذين لا يأبهون بك أفي نعيم صرت أم في جحيم ، بل فوق ذلك هم يسألون الله تعالى أن يزيد قرناءهم عذابا فوق عذابهم { قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار } [ ص : 61 ] انفض عنك غبار القعود والحق بركب النجاة السائر إلى الله تعالى .
فهذه أمتك الموتورة الثكلى تنتظرك ، وتنتظر جهدك وعطاءك ، ففيك يا بن الإسلام كوامن الخير الدفاقة ومنابعة الرقراقة ،
فعد يا أخي الحبيب عودا حميدا رشيدا إلى الله تعالى لتتفجر ينابيعك الخيرة ، ولتكون لبنة إصلاح في بناء الأمة السامق .
* * *
بعض الأسباب المعينة على الثبات والاستقامة بإذن الله تعالى :
1. الدعاء الصادق (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ))
2. البحث عن صحبة طيبة صالحة تعين على طاعة الله .
3. البعد عن كل صحبة سوء ولو كانوا من الأقارب .
4. الاعتناء بكتاب الله تعالى تلاوة وحفظا وتعلما لمعانيه وأحكامه فهو دواء القلوب العليلة .
5. المحافظة على الفرائض وما يتبعها من النوافل .
6. طلب العلم الشرعي وحضور مجالس الذكر والعلم .
7. الخوف من الذنوب وتبعتها إذ هي سبب سوء الخاتمة .
8. قراءة الكتب النافعة والدوريات العلمية والدعوية الطيبة بدلا من بعض الصحف والمجلات الهابطة .
9. غض البصر : ففيه راحة القلب وحلاوة الإيمان .
10. تذكر عداوة الشيطان لك في كل لحظة وأنه يريد إغواءك من حزبه الهالكين والخاسرين نعوذ بالله منه .
وأخيرا ... فهذه كلمات قاسية ، ولكنها صادقة ، جاد بها قلبي قبل قلمي شفقة عليك يا أخي الحبيب – وخوفا عليك من نار وقودها الناس والحجارة علها أن توافق قلبا منشرحا وسمعا متفتحا فتصل إلى بغيتها .
وإلى الملتقى القريب بإذن الله على درب الخير وجادة الصواب والله يحفظك ،،،
أخوك المشفق
ــــــــــــــــــ
توجيهات في خضم الأحداث
توجيهات تربوية
خالد بن سليمان الغرير(3/190)
الحمد لله مغيثِ المستغيثين ، ومجيبِ دعوةِ المضطرين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم أمّا بعد
فإن الناظر بعين بصره وبصيرته في عالم اليوم وخاصة المسلمون منهم على مستوى أفرادهم ومجتمعاتهم فإنهم يمرون بفتن عظيمة ، تنوعت أسبابها واختلفت موضوعاتها ، وتعددت مصادرها ، في العقول والأنفس ، في الأعراض والأموال ، والأولاد والممتلكات ، تتضمن في طياتها تحسين القبيح ، وتقبيح الحسن ، تعاظم خطرها ، وتطاير شررها ، ولأجل هذا فقد جاء الشارع الكريم بالتحذير من غوائلها وشرورها ومدلهماتها ، وإليك أخي الكريم هذه الوسائل والضمانات والأسس والتي ترسم لك المسار الصحيح تجاه هذه الفتن حال ظهورها والمنهج الأرشد لأوضاعها وأحوالها ، صيانة لك من الزلل والخلل ، وعصمة لك من الهلاك والدمار بإذن الله ، ومن هذه الوسائل :
1- تحقيق التوحيد الخالص لله وإفراده جل وعلا بالعبادة
2- الوحدة والإتلاف وترك التنازع والاختلاف والاعتصام بالكتاب والسنة " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " [آل عمران : 103] " تركت فيكم أمرين ؛ لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض " [ قال الألباني في كتاب " منزلة السنة " إسناده حسن ]
3- الحرص على العبادة والعمل الصالح " الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ " [ روى مسلم 2948 ] .
4- لزوم التوبة والاستغفار والإكثار من التسبيح والدعاء " فلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [ الأنعام : 43] قال علي رضي الله عنه : ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة
كذلك محاسبة النفس وتفقدها من الإخلال بأوامر الشرع والنكوص عن الجادة وعن صراط الله المستقيم لأن النفس من طبيعتها الضعف ولكن هل يستمر الأنسان
في الضعف والتقصير(3/191)
أيها الأخوة الضعف الذي يصيب المسلم يمكن أن نقسمه إلى ثلاثة أقسام"
فالقسم الأول: ما يكون ضعفاً شديداً جداً يخرجه عن ملة الإسلام فيصبح مرتداً وهو أسوأ الأنواع.
والقسم الثاني: يخرج المسلم من دائرة الاستقامة إلى دائرة الفسق فيصبح فاسقاً فاجراً لكن لا يزال في دائرة الإسلام،
والقسم الثالث: الفتور الذي يصيب المسلم
وسنتكلم هنا عن النكوص الذي ينزل الإنسان من دائرة التقوى إلى دائرة الفسق. والانحراف الذي يجعله يرتكب بعض المحرمات أو يترك بعض الواجبات...
ويجب أن نعلم أن النكوص الذي نتحدث عنه هو عن شخصاً كان مستقيماً في أموره ثم انحرف. وليس لشخصً
كان أصلاً غير مستقيم في بعض الجوانب ثم انحرف في كل الجوانب. كشخص مثلاً كان لا يحافظ على صلاة الفجر ويشاهد الأفلام المحرمة ثم أطلق لحيته والتزم في بعض الأشياء ثم انتكس بالكلية ليس هذا الشخص الذي نتحدث عنه. وهذا الرجل لا يسمى ناكص لأنه كان أصلا منتكساً من قبل . وهو الآن اتسعت رقعة اتساعه فهذا الذي حدث له.
ويمكن أن نقسم أسباب الإنحراف إلى قسمين:
ذاتية أي راجعه للشخص ذاته .
و خارجية .
فمن الأسباب الذاتية:
1) فساد الابتداء مثل أن يكون التزام بعض الأشخاص ليس لله كطالب مثلا دخل نشاط إسلامياً في مدرسة واستقام في الظاهر لأجل مدرس ما حتى يحصل على درجات من هذا المدرس. فلذلك لو تخرج هذا الطالب من المدرسة فلا يتوقع له أن يستمر على عهده ولو جاءت العطلة لربما تغير. ومثله كذلك من يلتزم من منطلق تغيير جو فهذا من فساد الابتداء.(3/192)
2) عدم التخلص من شوائب الجاهلية وآثامها عند الاستقامة فقد يكون للشخص المستقيم الذي يتظاهر الآن بالاستقامة علاقات مازالت مع بعض أهل الشهوات لم يتب منها ولم يقطعها.وربما خفف منها في البداية أو توقف عنها ولكنه لا يزال يحن ويعاوده الشوق إلى ممارسة تلك العلاقات مرة بعد مرة حتى يسقط فعلاً. ويدخل في ذلك عدم قطع الصلة برفقة أصحاب السوء القدامى فهو لا يزال يجلس مع هؤلاء ومع هؤلاء لازال يجلس مع أصحاب السوء الذين كان على علاقة بهم ولا يزال يجلس أيضاً مع أصحاب الاستقامة الذين قد تعرف عليهم الآن.فهو كالشاة الحائرة بين الغنمين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فلا يلبث أن يغلب جانب الشر في نفسه ولا يجتمع في قلب عبد محبة الله ومحبة الشيطان وكما قال ابن القيم رحمه الله:(وإن القرآن والغناء لا يجتمعان في قلب عبد أبداً...) فلا بد أن يكون عاقبة هذا السقوط عاجلاً أم آجلاً. ولذلك لابد من هجر أهل السوء بالكلية عند الدخول في طريق الإستقامة ومن الشاهد على هذا حديث القاتل مائة نفس الذي ورد في الصحيح.هذا الرجل الذي قتل مائة نفس لما ذهب إلى عالم فسأله هل له من توبة..؟ قال له نعم ومن الذي يحول بينك وبين التوبة وقال له : اذهب إلى قرية كذا وكذا فإن فيها أُناس صالحون يعبدون الله فاعبد الله معهم. وعد بعض العلماء شروط التوبة وكان منها مفارقة مكان المنكر.(3/193)
3) أن يكون الإنسان في بداية الالتزام في حالة ندم شديد على ما فعل في الماضي فيبدأ الضمير يؤنب ويبدأ الرجل يحس بالحاجة إلى المواعظ ويحس بالحاجة إلى الرقائق فهو لا يزال يسمع الرقائق الواحدة تلو الأخرى،بعد فترة من الزمن تبرد الأمور وينشغل بأشياء أخرى عن الرقائق وينسى خشية الله.ويقول: دع المواعظ لغيري ممن دخلوا في الطريق الآن أنا أمري أعظم من سماع المواعظ... فيترك سماع المواعظ وينشغل بغيرها.. فيضعف واعظ الله في قلبه والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان من منهجه المحافظة على المواعظ حتى ممن تقدم به العمر في زمن الإستقامة.
ولذلك يقول الصحابي وعظنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون مع أنهم دخلوا في الإستقامة منذ سنوات.وورد في البخاري أن ابن عمر كان يعظ أصحابه كل خميس.
4) أن التزام بعض الناس غير مؤسس على تقوى من الله ورضوانه فسرعان ما يزول أو يكون بتأثير طاعة من الطاعات أو حادث من الأحداث فهناك أناس يتغير واقعهم بعد الحج مثلاً أو بعد عمرة في رمضان أو بعد حادث سيارة نجى منه فهو تغير بعد طاعة واحدة أو بعد حادث من الأحداث ولم يستغل التأثر الحادث بعد هذا الحدث وبعد هذه العبادة في تنمية الإيمان في نفسه وإنما جاءت هذه الدفعة من الإيمان فلا زالت تنقص شيئاً فشيئاً مع مرور الزمن وهو لا يستغل هذا الإيمان الحاصل في نفسه. فضعف ثم ضعف حتى سقط .
5) وانتكاس بعض الناس راجع إلى أن التزامهم في أحكام الدين كان بطريقة فردية لم تحط بسياج من الأخوة الإسلامية (ومادامت الشاة بعيدة عن القطيع فإن تسلط ذئاب الشبهات والشهوات عليها يجعلها فريسة سهلة..)وإذا بقي وحيداً فلا بد أن يكون السقوط حليفه في يوم من الأيام مالم تدركه رحمة الله.(3/194)
6) الإعجاب بالنفس والكبر والتعالي على خلق الله على إخوانه المستقيمين وممن اشتهر في كتب التاريخ حادثة ارتداد جبله بن الأيهم وإن كانت قد وردت من طريق الواقدي وغيره فملخصها أن جبله كان نصرانياً من ملوك غسان فأسلم وجاء يطوف بالكعبة فوطيء رجل على إزاره فصفعه جبلة صفعة هشمت أنفه أو عينه فرفع الأمر إلى عمر فقال: لابد القود (أي القصاص) فلما رأى جبلة أنه سوف يقاد منه مع أنه ملك! بل يقاد منه من أجل رجل من مزينة...فما كان منه إلا أن هرب في الليل وولى ورجع إلى النصارى وعاش في أكنافهم حتى مات. وهذا الكبر والغرور يؤدي بالإنسان إلى السقوط في مهاوي لا يعلم بها إلا الله ولعل من أشهر الأمثلة في هذا القرن عبد الله القصيمي (نسأل الله الثبات والعافية ) الذي كان عالم من العلماء وألف كتب في العقيدة السلفية نَدُر أن يؤلف مثلها ومن أعظم كتب هذا الرجل كتاب: الصراع بين الإسلام والوثنية الذي رد فيه على أناس كثيرين من أهل الضلال.هذا الرجل بعد فترة من الزمن أصبح ملحداً من الملاحدة .
5- أهمية التأصيل العلمي القائم على المنهج الشرعي " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " []
" إنَّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل " [ رواه البخاري 6808ومسلم 2671] .
6- الالتفاف حول العلماء الربانيين والدعاة الصادقين لمعرفة الأحكام الشرعية حيال الفتن قال تعالى : " فلولا إذ جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ..؟ [ النساء : 83 ]
يقول ابن القيم عن دور شيخه شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله في التثبيت " وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا "(3/195)
7- لزوم جماعة المسلمين وإمامهم "عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قال كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ .قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ .قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا .قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ " [ روى البخاري 3606 ومسلم 1847 ] .
8- تحقيق مبدأ الأخوة الإسلامية في الله " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ..الآية "[المجادلة : 22] " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه " [رواه البخاري 13] .
9- التأني والرفق وعدم العجلة مما يجعل المسلم يبصر حقائق الأمور بحكمة ، ويقف على خفاياها وأبعادها وعواقبها و " ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه " [رواه مسلم 4698](3/196)
10- الصبر الصبر "ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "[البقرة : 155] " إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ . " [ رواه ابن ماجه 4014 وصححه الألباني في الصحيحة 494 ]
11- اجتناب الفتن والبعد عن مواطنها والخوض فيها " إنها ستكون فتن ، القاعد فيها خير من الماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها " [رواه البخاري 3602 ومسلم 2886] " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القط ر يفر بدينه من الفتن " [رواه البخاري ح 19]
12- الاقتصاد في المعيشة والبعد عن حياة الترف ولو لفترات زمنية محدودة ، فهو أمر يساعد في مواجهة الأزمات " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " [ الأعراف: 31 ]
13- مدارسةُ الآيات وتدبّرُ البينات والعظات فهي تعين على الثبات" وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " [ هود : 120 ]
14 :- البعد عن العاطفة الزائدة وحسن التأمل للواقع " حدثوا الناس بما يعقلون أتريدون أن يُكذب الله ورسوله " [ البخاري ]
15:- تحقيق الإيمان بالقضاء والقدر في قلوب العباد " إنا كل شيء خلقناه بقدر "[ القمر : 49 ] " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون " [ التوبة : 51 ](3/197)
16:- التواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون "[هود : 117] " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده " [ صحيح الجامع 1970 ]
17- الإكثار من الصدقة في السر والعلانية " أكثروا من الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا " [ رواه ابن ماجه ] " صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفيء غضب الرب .. " [ رواه الطبراني صحيح الجامع 3797 ] .
18 - دعاء الله عز وجل بالثبات والأكثار من قول الله تعالى : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك انت الوهاب )
ومن دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه : خالد بن سليمان الغرير
الرس
alghorair@hotmail.com
ــــــــــــــــــ
الثبات بعد رمضان
إعداد : فريق صناع الحياة - عمار جلال اما
الحمد لله رب العالمين حمد عباده الشاكرين وأصلي وأسلم على أشرف المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ويعد ،،،
فهاهو رمضان قد فارقنا بعد أن حل ضيفا عزيزا غاليا علينا لمدة 30 يوما ولكن هل تركنا رمضان وهو راض عنا أم رحل وهو يبكي حسرة علينا وعلى أحوالنا ... نسأل الله أن يتقبل منا رمضان كما بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه وتلاوة القرآن أناء ليله وأطراف نهاره .
أحبابي الكرام لقاء اليوم هو ( الثبات بعد رمضان )
وسيكون محور المحاضرة في عدة نقاط هي كالتالي :
1) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا .
2) احذر الشيطان .
3) إياك وهبوط العزيمة ( خمس أشياء تساعدك على تثبيت مستواك الايماني ) .
4) كيف تعرف هل قبل رمضان أم لا ؟
5) رمضان نقطة بداية وليس نقطة نهاية .(3/198)
النقطة الأولى ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ) :-
ماذا تقول لامرأة جلست طوال شهر كامل تصنع ملبسا من الصوف بالمغزل حتى ما ان قرب الغزل من الانتهاء نقضت ما صنعته .
هذا المثل يمثل حال بعضنا فبمجرد إنتهاء شهر رمضان سرعان ما يعود إلى المعاصي والذنوب فهو طوال الشهر في صلاة وصيام وقيام وخشوع وبكاء ودعاء وتضرع وهو بهذا قد أحسن غزل عباداته... لدرجة أن أحدنا يتمنى ان يقيضه الله على تلك الحالة التي هو فيها من كثرة ما يجد من لذة العبادة والطاعة ولكنه ينقض كل هذا الغزل بعد مغرب أخر يوم في رمضان ... والكثير يسأل نفسه لماذا فعلت هذا ويستغرب والإجابة على هذا السؤال توضحه النقطة التالية .
النقطة الثانية ( احذر الشيطان ) :-
عدو يغفل عنه الكثير ولا يعمل له حساب إلا من رحم ربي رغم علمنا بعداوته لنا وماذا يريد منا وكلمة أوجهها لنفسي ولكم اليس عيب ان يتقن الشيطان فن التخطيط وصناعة الاهداف والإصرار عليها ونجهلها نحن.. الشيطان عنده رسالة وهي أن يدخلك النار وعنده أهداف واضحة لتلك الرسالة وهي ان يجعلك تقع في المعاصي والذنوب التي تكون سببا في دخولك النار ونحن ما هي رسالتنا في الحياة ما هي أهدافنا ما واجبنا تجاه ديننا ام اننا نعيش لنأكل ونشرب ونتزوج .(3/199)
الشيطان حبس عنا شهرا كاملا وهو الآن يخرج ويفك أسره ومازال مصراً على تحقيق هدفه وهو إيقاعك في المعاصي فأول شيء يفعله معك في أول يوم بعد رمضان هو الوقوع في معصية ومعصية ليست سهلة كي تهدم كل ما فعلته في رمضان من طاعات فهل سنكون مستسلمين له ام اننا سنخطط كما يخطط هو ..وهنا نقطة لطيفة أحب أن أشير إليها وهي أن الشيطان له معك خطتان واحدة قبل رمضان والثانية بعده فالتي قبل رمضان تكون في شهر شعبان والثانية تكون في شهر شوال فهو في شهر شعبان يحاول جاهدا أن يجعلك ترتكب اكبر كمية من المعاصي قبل الدخول على رمضان ليأتي الشهر وأنت في معصية كبيرة تؤثر عليك طوال الشهر حتى ما إذا أفقت منها دخل شهر شوال فقابلك بمعصية أخرى وهكذا ولنا في رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة للخلاص من خطة الشيطان هذه فقد نبهنا الرسول الكريم وحثنا على الاهتمام بشهر شعبان فقال ذاك شهر يغفل عنه كثير من الناس وأمرنا بصيام أيام منه لنستعد لرمضان ونتذكر فضل الصوم وتعتاد النفس عليه ونكون في مأمن من خطة الشيطان التي قبل رمضان ثم يأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصيام أيام من شوال وأعطى حافزا وجائزة لمن صام وهو قوله من صام رمضان ثم اتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر ... لما كل هذا يا رسول الله أولا لتثبت على الطاعة ثانيا لتكون في مواجهة خطة الشيطان وخاصة في هذا الشهر من بعد رمضان
سيحاول أن يوقعك في معاصي زنا او مشاكل اسرية او مشاكل مع الاصدقاء او ترك للطاعات ومشاهدة الافلام المهم أي شيء يخرجك من جو الطاعة لتكون صيد سهل له ... لأنه في لحظة خروجه يخرج هائجا مغتاظا فكل ما فعله معك طوال العام وما اوقعك فيه من معاصي قد غفر لك في شهر ( انظر الى الاصرار منه على دخولك النار) فهو يريد ان يضيع عليك ما كسبته من اجر في هذا الشهر في يوم واحد ليثبت لك ان لا فائدة منك وانك مهما كنت طائعا فمن السهل ان تقع في المعصية .(3/200)
وعلاج هذه النقطة هو الثبات على الطاعة لمدة اسبوع بعد رمضان لتجبر الشيطان على تغيير خطته معك ولتأكد له انك فعلا قد تغيرت للأحسن ولكي نفهم ذلك ننتقل للنقطة الثالثة فهي توضح ذلك .
النقطة الثالثة : إياك وهبوط العزيمة ( خمس أشياء تساعدك على تثبيت مستواك الايماني ) :
من الأشياء التي تسر النظر وتفرح القلب وتشرح الصدر في رمضان منظر المسجد وهو مملوء بالمصلين في الخمس صلوات فعينك تقع إما على راكع أو ساجد او مبتهل بالدعاء وإما قارئ للقرآن .
تجد الكل مملوء بالطاقة والحيوية والعزيمة والنشاط ومع أول أيام العيد يحدث الفتور والكسل والخمول فمنا من يؤخر الصلاة ومنا من يقوم بوضع المصحف في المكتبة لرمضان القادم ( كل دي من خطط الشيطان ) ويترك الدعاء حتى قيام الليل .... اذا ماذا نفعل لنحافظ على هذه الطاقة
هنا يجب ان نتفق على ان نلتزم بخمس أشياء بعد رمضان ولا نفرط فيها بأي حال من الأحوال فمثل ما نأكل ونشرب ونحافظ على الأكل يوميا لتغذية البدن نحافظ ايضا على هذه الخمسة أشياء لتغذية الروح
1) المحافظة على الصلوات الخمس جماعة وخصوصا صلاة الفجر .
فنحن اثبتنا لأنفسنا في رمضان اننا قادرون على اداء صلاة الجماعة في المسجد وقادرون على صلاة الفجر يوميا فلنحافظ بعد رمضان على الصلوات في المسجد قدر استطاعنا فان لم نستطع فلتكن في اول الوقت مع السنن الراتبة في أي مكان انت فيه حاول الا تؤخرها لا تدع فرصة للشيطان اثبت على ذلك لمدة اسبوع .
2) القرآن : لا تكن ممن يقرآن القرآن في رمضان فالقرآن انزل لنتلوه في رمضان وغير رمضان ... انت استطعت ان تقرأ كل يوم جزء او جزئيين أو ثلاث واجتهدت في ذلك وخصصت وقت لذلك من يومك فحاول أن تجعل لنفسك ورد يومي ثابت من القرآن ولو صفحة واحدة يوميا ( اثبت للشيطان أنك فعلا اتغيرت ) .(3/201)
3) ذكر الله : اجتهد بعد رمضان على ان تحافظ على اذكار الصباح والمساء اذكار النوم ، اذكار الخروج من المنزل، استغل وقت فراعك في العمل أو ذهابك إليه بذكر الله .
4) الصحبه الصالحة : اختر من يعينك على طاعة الله فالمرء على دين خليله والأخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو الا المتقين ، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا فاختر صاحبا إذا رأى منك معصية حذرك ودلك على طريق الخير ، وكما تريد أنت صديق حسن الخلق فصديقك يريد أيضا صاحب يشد على يديه فانوي الخير في نفسك لتنال ما تريد .
5) الدعاء : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . أجيب دعوة الداع إذا دعان ) ، (وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) ( من لم يسال الله يغضب عليه ) الكثير من الآيات والأحاديث في فضل الدعاء ومكانته فاحرص بعد رمضان على الدعاء ، أم ليس لك عند الله حاجة بعد رمضان فكلنا فقراء إلى الله وهو الغني الحميد فخصص وقتا للدعاء يوميا ولو لدقيقتين بعد أي صلاة أو اجعله في أخر يومك المهم أن لا يمر يوم دون أن تدعي واسأل الله أن يثبتك على الطاعة .
كما لا تحرم نفسك أيضا من قيام الليل ولو يوم واحد في الأسبوع ولمعرفة فضل قيام الليل وأثره طالع احد الكتب أو قم بزيارة أي المواقع الإسلامية وابحث عن فضل قيام الليل ،والصوم أيضا فهناك صيام الاثنين والخميس والأيام البيض من كل شهر هجري ، اختر لنفسك ما تستطيع فعله من الطاعات المهم أن تحدث تغييرا في حياتك بعد رمضان إلى الأحسن وانتصر على نفسك وشيطانك
النقطة الرابعة ( كيف تعرف هل قبل منا رمضان أم لا ) :
أولا لا تغتر بعبادتك ولا تقل لقد صمت رمضان كاملا بل احمد الله أن وفقك وبلغك شهر رمضان شهر الخير والإحسان واحمده أن وفقك أيضا لصيامه وقيامه فكم من محروم وممنوع واستغفر الله فتلك عادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد كل طاعة.... الاستغفار .(3/202)
ويقول سيدنا على كان أصحاب النبي يعملون العمل بهمة ثم إذا فرغوا أصابهم الهم أقبل العمل أم لا
ولكن ما نعنيه في هذه النقطة هي مبشرات وضحها لنا القرآن وبينها لنا حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - ففي كتاب الله قوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) إذا فالهدف من الصوم هو التقوى فإذا تحققت فيك التقوى مع نهاية الشهر فقد قبل منك رمضان بفضل الله وبين لنا الحبيب أن من علامات قبول الطاعة أن تتبعها طاعة لا أن تتبعها معصية
نحن لا نطلب أن نكون بعد رمضان كما كنا في رمضان فهذا شيء صعب فأيام رمضان لها ميزة خاصة وقدرة خاصة وطاقة خاصة ولكن نأخذ من هذه الطاقة والقدرة ما يعيننا على الثبات بعد رمضان فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وهنا تتضح الحكمة من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر ) والحكمة أن تثبت على الطاعة وتأكيد على الاستمرار في فعل الخيرات وبان رب رمضان هو رب كل الشهور.
النقطة الخامسة ( رمضان نقطة بداية وليس نقطة نهاية )(3/203)
شهر رمضان فرصة للتغيير ، فرصه لكسب المزيد من المهارات ، ففي رمضان نتعلم كيف ننظم الوقت نأكل في موعد محدد ونمسك عن الطعام في وقت محدد ، وتتعلم منه أيضا فن الاتزان فنحن في رمضان نوازن بين غذاء الروح وغذاء البدن ففي بقية شهور السنة نركز على غذاء البدن ونهمل غذاء الروح فيحدث الكسل والفتور وعدم المقدرة على العبادة أما في رمضان فيزيد تركيزنا على غذاء الروح مثل الذكر قيام الليل القرآن فتنشط الروح وإذا نشطت الروح أصبح الجسد قادرا على الطاعة والزيادة فيها ، ونتعلم من رمضان أيضا الصبر والمسامحة والإيثار فكثيرا ما كنت أجد على مائدة الإفطار أخوة لي قبل أن يأكل أحدهم تمرته ينظر إلى من بجانبه فأن لم يجد أمامه تمرا آثره على نفسه والكثير من الأخلاق ، فلماذا بعد رمضان نترك كل هذا بعد أن تعودنا عليه وعندي مثال لرجل يمتلك سيارة قام بإدخالها إلى مركز الصيانة لعمل صيانة لها وإصلاح ما فسد فيها ثم بعد أن تمت عملية الصيانة اللازمة لها وتزويدها بالبنزين أوقف السيارة ولم يستعملها ... فهل هذا معقول بعد أن أصبحت السيارة قادرة على السيرة بسرعة وبقوة يتركها .
فهذا الحال يحدث بعد رمضان فبعد أن يتم شحن بطاريات الإيمان فينا ونصبح قادرين على المضي في طريق الهداية والإيمان نتوقف ونهمل أنفسنا نتصالح مع الشيطان ونركز على البدن في الغذاء لا على الروح والبدن معا .
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم ما تقبل هذا العمل واجعله خالصا لوجهك الكريم وتقبل منا رمضان واعنا على الطاعة بعده
وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -
مع تحيات
فريق صناع الحياة
ــــــــــــــــــ
مهلاً أيها الوعّاظ !!
د. فيصل بن سعود الحليبي
تصغي القلوب بكل شغف وإنصات لكل وعظٍ نديٍ شفاف ، يأسر لبابها ، ويشد فكرها ، بل ربما لا تملك العيون دمعها حينما تأتي الكلمات صادقة العبرات ، شجية النبرات ..(3/204)
وكلما سلّم الناس أفئدتهم لهذا الواعظ ، يغسلون درنها بدموع الخشية ، ويرفعون عنها ران الغفلة ، كلما كانت المسؤولية عليه تجاههم أكبر ؛ فإذا كان الوعظ فيه إيقاظ للقلوب بعد سباتها .. فإننا نريدها أن تستيقظ على شمس واضحة ، وجادة سوية ، وهدف مرسوم .
ولهذا جاءت هذه الوقفات السريعة ؛ طلبًا لمراجعة مسار الوعظ ، ومحاولة في رسم شيء من معالمه :
الوقفة الأولى : أن يذكِّر الواعظ نفسه بالإخلاص في وعظه ، لأن عمله هذا عبادة ، والعبادة لابد فيها من الإخلاص ، قال الله تعالى : .{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }
الوقفة الثانية : أن يتحرّى الواعظ لوعظه الزمان والمكان المناسبين ، فإنه كما قيل : لكل مقام مقال ، فالمساجد وحلق الذكر والتعليم واللقاءات الأخوية والأسرية أجدها مناسبة لشيء من التذكير والتنبيه من غفلات القلوب وانشغالها بالدنيا ، حتى تتحول هذه المجالس إلى شحنات إيمانية يعود المؤمن منها إلى عطاء أكثر ، وبقاء على علو الإيمان أكثر ، فالنفس بطبيعتها وما يحوم حولها من دواعي الشهوات تميل إلى الفتور والدعة ، فتحتاج إلى مثل هذه الجرعات التي تتخلل جدول المرء الوظيفي أو الاجتماعي أو العلمي .(3/205)
عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رضي الله عنه قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ !! قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا ! قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ ؛ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ : سَاعَةً وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) رواه مسلم .(3/206)
الوقفة الثالثة : أن يحرص الواعظ على صحة لغته وبلاغة حديثه ، بحيث لا يكون كلامه متكسر الشكل ، أو مبتذلاً خاليًا من جودة الكلمات ورصانة التعبير ؛ فإن أبلغ ما وعظ به هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وقد جاءا بأبلغ أسلوب عرفته البشرية ، ولقد أوصى الله سبحانه وتعالى رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يختار من وعظه أبلغه فقال : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا } .
وتأمل وصف الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه موعظة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبلاغة وما تركته من تأثير بيّن على نفوسهم حيث قَالَ : ( وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ) رواه الترمذي .
وليس هذا فحسب بل سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - حسن التعبير وجودة الأسلوب في الخطبة سحرًا فقال : (وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا ) رواه مسلم .
وتتفوات هذه البلاغة من جمهور لآخر ؛ لأن الهدف هو إيصال الموعظة للقلوب ، لا الاستمتاع بألفاظها دون التأثر بها ، فالمبالغة في تحسين الكلام وانتقائه إذا تعدّى فهم المتحدّث إليهم ، كان عيبًا في الاختيار ، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ ؛ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) .(3/207)
الوقفة الرابعة : ألا يكرر الوعظ في زمانين متقاربين ؛ فإن النفوس تكل من تكرار الكلام ولو كان جيدًا ، وهي إذا كلّت عميت ، وإنما الوعظ لإحيائها ، ويكفي في ذلك قول ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حيث قال : ( كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا ) رواه البخاري .
الوقفة الخامسة: عدم إطالة الوعظ والتذكير ، حتى يتسنى للسامع فهم وإدراك ما قيل منه ، وحتى لا تستثقله النفوس حينما تدعا إليه مرة أخرى ، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نبّه إليه في خطبة الجمعة فهو في غيرها أولى ، فقد روى مسلم بسنده عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ : قَالَ أَبُو وَائِلٍ : خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ ، فَلَمَّا نَزَلَ ، قُلْنَا : يَا أَبَا الْيَقْظَانِ ، لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ ، فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا ) رواه مسلم .
غير أن الواعظ إذا رأى حاجة ظاهرة في الإطالة ولم تكن له عادة يدوم عليها أو يكثر منها فلا بأس في ذلك ، ولعلك تلمح هذا في حديث عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْفَجْرَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ ، فَنَزَلَ فَصَلَّى ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا ) رواه مسلم .(3/208)
الوقفة السادسة : أن يعتني الواعظ في استشهاده بالحديث النبوي بالصحيح منه أو الحسن ، فما أجمل أن يعلق الواعظ الناس في خطبه بما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث ، وإن فيها لكفاية عما يستأنس به عدد من الوعاظ من أحاديث ضعيفة ، وكلما كان الواعظ واضحًا في ذكره لأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بذكر حكمها من حيث الصحة بإيجاز كان أقرب في إيقاع التأثير في قلوبهم .
الوقفة السابعة: أن يتحرّى الواعظ الصدق فيما ينقله من قصص وأخبار ؛ فإن الواقعية والمعقولية في ذكر القصص لعامة الناس طريقان سريعان للتقبل والعمل ، ليس على الأمد القريب فحسب؛ بل حتى البعيد أيضًا ، وانظر إلى وصف الله تعالى قصصه في القرآن بقوله : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ } متأملاً أثرها الخالد إلى يوم القيامة ، وعليه : فمن الخطأ أن ينظر الواعظ ما سيحصل بين يديه من التأثر بما لم يثق فيه من القصص المؤثرة ، مقابل أن يهمل مصداقيته المستقبلية في وعظه .
وليس هذا فحسب ، بل إن الواعظ حتى لو تأكد من صدق قصته أو خبره ، لكنه إن رأى أن فيها من الغرائب ما لا يصدقه عامة الناس ، فالأولى ألا يحدث بها حتى لا تنعدم ثقة الناس فيه وفي علمه ، ولقد كان سلف الأمة يفرون من غرائب الأخبار ، ومن ذلك قول أيوب السختياني _ رحمه الله _ : ( إِنَّمَا نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ مِنْ تِلْكَ الْغَرَائِبِ ) كما أورد ذلك عنه مسلم في صحيحه ، بل كانوا يقرنونها بالمناكير من الأحاديث ، ومن ذلك قول الترمذي رحمه الله : ( زِيَادُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَثِيرُ الْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِيرِ ) .(3/209)
الوقفة الثامنة : لا يشك أحدنا أن حكايات السلف _ رحمهم الله _ في زهدهم وورعهم وتعاملهم مع الله تعالى وخلْقِه فيها من كنوز الوعظ والتذكير ما تطرب له القلوب ، وتهتز لها المشاعر ، ولكن لما كان في المجتمع فئة تستبعد الوصول إلى حالهم ، كان على الواعظ أن يذكر صفحات مضيئة من أحوال الأتقياء والعاملين المخلصين في هذا الزمان ، حتى يقْرُبَ المثال ، ويُتصور التطبيق .
الوقفة التاسعة : أن يسلك الواعظ مسلك التفاؤل وفتح طرق التوبة وتسهيلها على الناس ، مبتعدًا عن أسلوب التيئيس والقنوط ، وليتأمل الواعظ أسلوب القرآن في الوعظ في هذه الآية الكريمة : { قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ، وليتأمل أيضًا كيف فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - بوعظه آفاقًا مديدة في التوبة والرجوع مهما عظم الذنب أو تفاقم في قصة من قتل مائة نفس ، فقد جاء فيها : ( ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟! انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ ؛ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ) رواه مسلم .
فمن الخطأ أن يهوِّل الواعظ على السائل وقوعه في معصية من صغائر الذنوب بغية تحذيره منها ليدعها ويقلع عنها بوصفه بأنه قد وقع في جرم عظيم وأنه بعيد كل البعد عن الهداية ودائرة الالتزام بدين الله !! لأن هذا يبعده فعلاً عنها ، ويقنطه من السير في طريقها ، والثبات على أمرها !!(3/210)
ولعل من الجميل أن يضع الواعظ هذا الحديث نصب عينيه حينما يأتيه صاحب الذنب متأملاً فيه أن يدله على طريق التوبة وقد أسرّ له ببعض ذنوبه : فقد جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه فقال : يا رسول الله ، رجل غدر وفجر ولم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطفها بيمينه ، لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم ، فهل له من توبة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أأسلمت ؟ فقال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإن الله غافر لك ما كنت كذلك ، ومبدل سيئاتك حسنات ، فقال : يا رسول الله ، وغدراتي وفجراتي؟ فقال : وغدراتك وفجراتك ، فولى الرجل يكبر ويهلل ) رواه ابن جرير .
الوقفة العاشرة : أن يتعلم الواعظ فنَّ الإلقاء ، لأنه القالب الذي يصب فيه كلماته ، متوخيًا في ذلك سنن النبي ? وهديه في هذا الشأن ، ومستفيدًا من طرائق البلغاء والفصحاء من بعده ، ومتزودًا ممن لهم اهتمام بهذا الفن ، فكم تتحسّر أحيانًا وأنت تسمع كلمات رائعة في سبكها ، متدفقة في أسلوبها ، غير أن خطيبها قد شوهها بصراخٍ لم يكن في محله ، أو أماتها بهدوءٍ لم يقع موقعه!! يقع ذلك كثيرًا حينما يجهل الواعظ مناسبة درجة الصوت وطريقة التحكم فيه لما ينطق به من عبارات وجمل .
الوقفة الحادية عشرة : أن يخلص الواعظ في نهاية وعظه بنتيجة مختصرة تبقى في ذهن المستمع وتكون له بمثابة قاعدة يسهل عليه تذكرها لنفسه وذكرها لغيره .
الوقفة الثانية عشرة : أن يستفيد الواعظ من توجيه المستمعين الناصحين له ، فإن المستمع يدرك من الخلل في مبنى كلام الواعظ ومعناه ما لا يدركه المتحدث نفسه ، فالمستمع الناصح الأمين كالمرآة ، تكشف للواعظ من المثالب ما لا يكشفه بنفسه ، ولا ريب أن في المراجعة والتصحيح ارتقاء بالقدرات ، وسبيل لنتاج أكثر وأينع .(3/211)
وأخيراً : فليتذكر الواعظ المبارك أن أول نفس ينبغي أن يعظها هي نفسه التي بين جوانحه ، فليكن الوعظ معها أكثر ، مُتْبعًا ذلك بالعمل بما يعظ ، فحريٌّ بمن صدق مع الله في وعظه وصدق مع نفسه أن يصدق مع الناس ، وأن تنفتح له القلوب المغلقة ، ويكون مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر.
ــــــــــــــــــ
فن تهيئة النفوس
طارق حسن السقا
النفوس البشرية أشبه بالمعادن الصلبة . كلاهما يصعب كسره أو ثنيه أو تشكيله إلا في أفران خاصة عالية الحرارة . تلك الأفران التي يمكن فيها تشكيل النفوس البشرية هي أفران التهيئة النفسية .
وتهيئة النفس مرحلة متقدمه علي فعل الفعل . وهي مرحلة هامة . يقصد منها دفع الأفراد ذاتيا إلى تحقيق أعلى معدلات الإنجاز لأي فعل يقدم عليه الإنسان . فأي فعل يقدم الإنسان على فعله –كبر أم صغر - يحتاج إلى حسن تهيئه وجودة إعداد. فبدون هذه التهيئة لا تتوقع غير معدلات الإنجاز المتدنية . لأن حسن التهيئة يصهر البلادة, ويذيب الغفلة , ويذيل الفتور الذي قد يعتري النفس البشرية من حين لحين . كما وتساهم مرحله التهيئة النفسية في تطويع النفس وترويضها ودفعها لانجاز الأفعال التي قد تستثقلها ولا تستسيغها . والأكثر من ذلك إن مرحلة التهيئة النفسية تستنهض همم الأفراد وتجعلهم يخرجون الطاقات المخبوءة داخلهم . وقد يصعب على أي قوة استخراج مثل هذه الطاقات غير قوة التهيئة النفسية .(3/212)
ويوم تبوك لما فكر الروم أن يعدوا العدة لضرب الإسلام في شمال الجزيرة العربية . استنفر الرسول المسلمين لملاقاة هذا العدوان . ولكن كانت الأيام أيام قيظ , وقحط , وعسرة . والسير إلي العدو م يتطلب جهد كبيرا ونفقات أكبر . إضافة إلى أن " قتال الروم ليس صداماً مع قبيلة محدودة العدد والعدة، بل هو كفاح مرير مع دولة تبسط سلطانها على جملة قارات، وتملك موارد ثرَّة من الرجال والأموال." كما يقول الشيخ محمد الغزالي . فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحث المسلمون على التبرع لتجهيز الجيش. فأخذ يهيأهم , ويشجعهم, ويمعن في الترغيب والتحفيز والحث على الإنفاق .استنهض - صلى الله عليه وسلم - همم أصحابه . وما أن لامست أذان الرجال صيحات الرسول المدوية والمحفزة :
((من جهز جيش العسرة فله الجنة، من جهز جيش العسرة فله الجنة))
حتى تسابق المسلمون في الجهاد بأموالهم تسابقا عجيبا . فهاهو أبو بكر الصديق يأتي بكل ماله. وعمر بن الخطاب يأتي بنصف ماله. وتبارى القوم في التبرع في صورة تُظهر ما في قلوبهم من إيمان راسخ ونفوس سخية. ولم ينفق أحد أعظم نفقة من ذي النورين عثمان بن عفان الذي جهز ثلث الجيش وحده، وجاء بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وبألف دينار استرخصها رضي الله عنه وبذلها في سبيل الله . حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقه: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم" قالها مرارًا.
ولك أن تتساءل: ما الذي دفع هؤلاء إلى تحقيق معدلات الانجاز هذه ؟ . أسباب عديدة . أهمها حسن التهيئة . فالرسول - صلى الله عليه وسلم - استطاع أن يسمو بهمم الرجال, ويجعلهم يصلون إلي هذه الدرجة من العطاء لما أحسن تهيئة نفوسهم بالطريقة المناسبة . فحسن التهيئة يعني حسن التلبية . وهذا ما يجب ألا يغيب عن الأذهان .(3/213)
ويجمع المختصون على أن التهيئة النفسية الحقة تساهم في وضع فسيولوجيا الأفراد في أعلى حالات التأهب من أجل إنجاز المهام المكلفين بها بنجاح .كما ويجمع المختصون أيضا على انه " لا توجد نتائج قويه بدون فسيولوجيا قوية " وببساطة فان مرحلة التهيئة النفسية ما هي إلا تلك القوة الهائلة التي تساهم في خلق حالة نفسية وفسيولوجية عالية لدى الأفراد . لذا يجب الاهتمام بهذا البعد . فكما يقول أنتوني روبينز : " تعد الفسيولوجيا اقوي أداة لدينا لتغيير حالاتنا من اجل النتائج المبهرة" .
ولك أن تتخيل حجم التأثيرات الهائلة التي تحدثها التهيئة النفسية الحقة في طاقة الجسم الكهروحيوية . فهناك إجماع من المختصين علي إن طاقة الجسم الكهروحيوية تتغير بشكل ملحوظ مع تغير حالة الشخص النفسية والمزاجية. والتهيئة النفسية هي القوة الوحيدة القادرة على تحقيق كل هذه النتائج المبهرة .لكن من أجل الحصول على مثل هذه النتائج المبهرة يجب أن تكون التهيئة مبهرة أيضا . " وإذا ما حدث هذا التغيير فإننا يمكننا فعل أشياء تبدو غير ممكنه "كما يقول روبينز.
وهذا ما حدث يوم بدر .قبل التحام الجيشين . لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس فهيأهم وحرضهم . أعطي للتهيئة وقتها الكافي . فهو اعلم الناس بحرج موقف جيش قوامه ثلث عدد جيش العدو . رفع معنويات الجنود . وغير حالتهم النفسية والمزاجية . وانعكس ذلك علي حالاتهم الفسيولوجية . هيأ - صلى الله عليه وسلم - نفوس الجند لما هي مقبلة عليه . وصاح فيهم قائلا :
والذي نفس محمد بيده ،
لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا ،
مقبلا غير مدبر ،
إلا أدخله الله الجنة .
فأقبل الجند . وأدبر الخوف من قلوبهم. وكان الانجاز . الانجاز الذي وصل معدله إلي 300% تقريبا . إذ استطاع 314 مقاتل أن يصمدوا في وجه . 1000 بل ويلحقوا بهم الهزيمة المذلة.(3/214)
لذلك فليس من الحكمة أن نقدم على التنفيذ قبل استفراغ الوسع في التحفيز . وليس من الحكمة أن نطلب قبل أن نُرَغب . ولا أن نأمر قبل أن نهيئ . ولا أن يعمل من هم تحت إمرتنا قبل أن تهضم نفوسهم وعقولهم ما هم مقدمون عليه بحسن التهيئة , وبقوة الترغيب وببراعة التحفيز . القول الفصل هنا أن مرحلة التهيئة لابد وأن تسبق مرحلة العمل . عندها توقع الإقبال على تنفيذ الأمور بأفضل المعايير: الرئيس مع مرؤوسيه , والداعي مع مدعويه , والقائد مع جنده ., والمدير مع موظفيه , والمعلم مع طلابه , والأب مع زوجته وأولاده. الكل مطالب بإتقان هذا الفن وفي الأمور كلها .
وليس هناك مستوى معين من البشر يقف عند عتباتهم فن التهيئة. فالكل يحتاج إليه وإن تفاوتت النسب والدرجات . فأنبياء الله ورسله وهم أشرف الخلق وأكملهم هيأهم رب العالمين وأحسن تهيأتهم . هيأهم .للعديد من المشاق والصعاب التي ستواجههم في طريقهم أثناء الدعوة إلى الله .هيأهم بمختلف الطرق الوسائل التي تناسب حال وزمان ومكان كل منهم .وإذا كان هذا المستوى من البشر قد احتاج إلي كل هذه التهيئة فمن باب أولى فكل من هو دونهم صلوات الله وسلامه عليهم أولى ويستحق هذا الأمر . فأمر التهيئة لازم لكل من له نفس وعقل مهما علا شانه أو سمت مكانته في دنيا الناس.
حتى أولئك الين يتعاملون مع الحيوانات والدواب . فلا يعقل أن ينتظر فارس مغوار من فرسه أن يقفز الحواجز العالية وهو يتبختر أو يسير الهوينى . فان لم يحفزه من بعيد وقبل مواجهة الحواجز. إن لم يهيئه ويثير حماسته ويوثق لجامه بقوة .إن لم يرفع همته بصيحاته وحركات أقدامه. فقد يردي الفرس الفارس وقد يهلكا سويا .(3/215)
انظر إلى رسول الله في احد رحلات العودة إلى المدينة . ففي هذا اليوم نزل المسلمون في الطريق، بمنزل بالقرب من قبيلة" لحيان ". وهي قبيلة مشركة تكن العداء الأسود لله ورسوله. كان يفصل بين المسلمين وبين قبيلة" لحيان " جبل . هذا الجبل قد يكون العدو مختبئاً فيه . ولن يغامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيشه قبل أن يرسل طليعة على الجبل تكشف الأكمة وما وراء الأكمة. فقرر الرسول انتداب احد الصحابة لاستطلاع الأمر واستكشاف الطريق وتأمينه قبل مرور الجيش . ولك أن تتخيل خطورة مهمة من هذا القبيل. ولك أن تتخيل خطورة حياة من سيقوم بها. ولكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم ثقل المهمة وخطورتها, فقرر أن يوقد نيران أفران التهيئة النفسية ليصهر فيها نفوس الجند. فاخذ صلي الله عليه وسلم يهيئ ويحفز ويشجع الأفراد قبل أن يكلفهم . ولكن دعنا تتساءل :
* ألم يكن في مقدوره - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر أو يجبر أو يكلف احد أصحابه بتنفيذ هذه المهمة ؟
* ألم يكن في مقدوره - صلى الله عليه وسلم - أن يصدر التعليمات والأوامر- هو المسئول الأول عن الجيش -بتكليف احد قواده أو مساعديه بتنفيذ هذا الأمر قصرا ؟
* أليس مثل هذه الأمور شيئيا معتادا بل و متعارفا عليه في العرف العسكري ؟
لكنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أن كل نفس مهما علا شانها فهي في حاجة إلي قدر من التهيئة والتحفيز قبل الإقدام على التنفيذ .وان ما تأتي به التهيئة لا يمكن لغيرها من الوسائل الإتيان به . حتى ولو كان الأمر مع كبار الصحابة رضوان الله عليهم .(3/216)
قام - صلى الله عليه وسلم - أمام الجميع يدعو بالمغفرة لمن يصعد هذا الجبل الليلة ويأتيه بخبر العدو . جاء هذا الدعاء ليقول لهم : انه ليس بين هذا الذي سيصعد الجبل في الليل البهيم وبين مغفرة الله تعالى له ذنوبه إلا صعود هذا الجبل والإتيان بخبر القوم . وهنا اشرأبت الأعناق. وسمت هامات الرجال . وتنافس الجميع من اجل الفوز بتلك المهمة .
جاءت المهمة من نصيب الصحابي الجليل : سلمه بن الأكوع : يقول سلمه رضي الله عنه وأرضاه : ( فرقيت الليلة الجبل مرتين أو ثلاث ) . ويا للعجب . لقد كان المستهدف انجازه صعود الجبل مرة واحدة لاكتشاف أمر العدو . وهذا يكفي . ولكن التنفيذ تحقق بنسبة300% . لقد كان صعود الجبل على قلب سلمه أشهى من العسل – كما يقول الأستاذ منير الغضبان الذي أضاف معلقا :
( ترى أي جني هذا الذي يصعد الجبل وحده ثلاثة مرات ،
لا يعرف الرعب سبيلاً إلى قلبه ، وهو وحده . ) .
إنها عظمة الرسول وبركات التهيئة النفسية التي كان يجيدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أحوجنا أن نتتبع خطاه أن نتعلم منه كيف نتقن فن تهيئة النفوس البشرية مع من نتعامل معهم .
إن تهيئة النفوس فن وعلم . نجح من أتقنه ووعاه في تحقيق أفضل معدلات الانجاز لفعل فعل . لذالك وجب على كل من يتعامل مع النفس البشرية بكل مستوياتها ألا يغفل عن تفعيل هذا الأمر. وألا يقصر في تحقيقه. وان يعطيه الوقت الكافي والجهد المناسب أيضا . وان يضع هذا الأمر نصب عينيه مهما كانت الأعمال بسيطة . والأمور العظام من باب أولى .
طارق حسن السقا
alsaqa22@hotmail.com
ــــــــــــــــــ
الحذر من الفتور
عبد الحكيم بن محمد بلال
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على نبي الهدى، ومن بهديه اهتدى ، وبعد:(3/217)
فإن الفلاح مطلب العاملين، وقد رتبه الله - تعالى - على تزكية النفس وتربيتها وتطهيرها، فقال - عز وجل -: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)) [الأعلى: 14] ، وقال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)) [الشمس: 9 ، 10].
وقد بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - معلماً ومربياً، فقال: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) [الجمعة: 2] ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يتعاهد نفوس أصحابه بالتربية والتزكية.
وإن إصلاح النفوس وتزكيتها دأبُ السائرين إلى الله - تعالى -: الأنبياء وأتباعهم ، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يكابد من دعوة قومه الشدائد، فإذا أظلم الليل انتصب لربه راكعاً وساجداً، يسأله ويرجوه، ويخضع بين يديه ويتذلل له، وقد كان قيام الليل واجباً على المسلمين عاماً كاملاً، وذلك لما له من أثر في إصلاح القلب، وانطلاقة المسلم وثباته ـ في آنٍ معاً ـ، مما يجعله ضرورة ملحة لا غنى عنها.
ومن ثَم: كان واجب كل مسلم ، ـ وخاصة المشتغلين بالعلم والدعوة ـ أن يجعل من أكبر همه إصلاح نفسه وتهذيبها، وتعاهدها في صلته مع الله، وأخلاقه وسلوكه مع الخلق، ويجعل من ذلك منطلقاً لدعوة الناس وإصلاحهم.
التخلية والتحلية والمجاهدة:(3/218)
من أعظم قواعد تربية النفس: تخليتها من اتباع الهوى؛ فإن اتباع الهوى موجب لأمراض لا حصر لها، وعلّة المرض لا تعالج إلا بضدها، فالطريق لمعالجة القلوب: سلوك مسلك المضادة لكل ما تهواه النفس وتميل إليه ، وقد جمع الله ذلك كله في كلمة واحدة ، فقال - عز وجل -: ((وَأَمَّا منْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)) [النازعات:40،41]، وقال: ((وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...)) [العنكبوت: 69].
والأصل المهم في المجاهدة: الوفاء بالعزم ، فإذا عزم على ترك شهوة،وابتلاه الله وامتحنه بتيسير أسبابها، فالواجب الصبر والاستمرار، فإن النفس إذا عُوِّدت ترك العزم ألفت ذلك، فَفَسَدَت.
ثم يتعين بعد ذلك: تحلية النفس وتعويدها على الخير، حتى تألفه ويكون سجية لها، قال: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحرّ الخير يُعطَه، ومن يتق الشر يوقه"." صحيح الجامع ، فإن الأعمال لها أثر يمتد حتى يصل إلى القلب، فكما أن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح: فإن كل فعل يجري على الجوارح قد يرتفع منه أثر إلى القلب، والأمر فيه دَوْر، وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح.
الحذر من الفتور:
فإذا ما تمت تخلية النفس من اتباع الهوى وتحليتها بفعل الخيرات والفضائل: وجب بعد ذلك أن يَنْصبّ الاهتمام على متابعة النفس في فعل الواجبات والمستحبات،وترك المحرمات والمكروهات والنية في المباحات، فإن النفس من طبعها الكسل والتراخي والفتور.
قال: "لكل عمل شَرّة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك"" المسند: 2/21 ، وصحح أحمد شاكر إسناده، وانظر: صحيح الجامع، ح/ 2152 .(3/219)
قال ابن القيم - رحمه الله -: "تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم، رُجي له أن يعود خيراً مما كان" (انظر أيضاً بمعنى هذا الكلام: مدارج السالكين، جـ3، ص (5).
درجات الفتور:
إذن: فالفتور أمر لا بد منه، ولكن الفتور درجات وأقسام:
1- أخطرها كسل وفتور عام في جميع الطاعات، مع كره لها، وهذه حال المنافقين.
2- ثم كسل وفتور في بعض الطاعات، مع عدم رغبة، دون كره لها، وهذه حال كثير من فساق المسلمين.
3- كسل وفتور سببه بدني، فهناك الرغبة في العبادة، ولكن الكسل والفتور مستمر، وهذه حال كثير من المسلمين.
والخطير في هذه الحالة أن العمر يمضي، والأيام تنصرم دون إنتاج ولا عمل يذكر،والأخطر من ذلك: الانتقال إلى حالة أشد منها، فتعظم المصيبة، أو يقع الشبه بالمنافقين في التكاسل عن الطاعات، والتثاقل عن الخيرات؛ لذا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من العجز، ومن الكسل في الصباح والمساء، ويعلم أصحابه أن يستعيذوا منه.
وقد عاتب الله المؤمنين في تثاقلهم عن الجهاد،ودعاهم إلى المسارعة والمبادرة إلى الخيرات، ورغبهم في جزاء السابقين المسارعين إلى الخيرات، وبيّنه لهم.
الداعية والفتور:
والفتور والكسل داء يدب في الناس على مختلف درجاتهم، وأخطر ما يكون على الدعاة وطلبة العلم ، مما يجعل تفاديه قبل حلوله، أو تلافيه بعد نزوله أمراً ضروريّاً، والدفع أسهل من الرفع.
ومن هنا: وجب تعاهد النفس؛ لئلا تقع في فتور ينقلها من مرحلة إلى مرحلة، فيتعسر الداء، وتصعب المعالجة؛ لأن أمراض النفس كالنبتة، أسهل ما يكون قلعها وإزالتها أول نباتها، فإذا ما تركت أخذت في النمو والكبر والثبات في الأرض، حتى يحتاج قلعها إلى الرجال والفؤوس، وكذلك أمراض القلوب: تبدأ في ظواهر يسيرة، فإذا أهمل صاحبها علاجها تمكنت منه حتى تكون هيئات راسخة، وطباع ثابتة.(3/220)
لذلك: كان الواجب علينا ـ معشر الدعاة ـ أن نتفحص أنفسنا ، ونتأمل أحوالنا: هل نجد شيئاً من مظاهر الفتور؟، فنبادر إلى معرفة الأسباب والسعي في العلاج.
مظاهر الفتور:
مظاهر الفتور كثيرة، منها:
ـ التكاسل عن الطاعات، والشعور بالضعف والثقل أثناء أدائها، والغفلة عن الذكر، وقراءة القرآن.
ـ الشعور بقسوة القلب، وضعف تأثره بالقرآن والمواعظ .
ـ التساهل في ارتكاب المعاصي وإلفها.
ـ عدم استشعار المسؤولية والأمانة، وضعف هم الدعوة في القلب.
ـ انفصام عرى الأُخُوّة بين المتحابين.
ـ الاهتمام بالدنيا، والانشغال بها عن فعل الخير.
ـ كثرة الكلام الذي لا طائل تحته، وكثرة الجدال والمراء، والحديث عن الأمجاد، والمشكلات، والانشغال بذلك عن العمل الجاد والمثمر المفيد للأمة.
ـ ضعف جذوة الإيمان، وانطفاء الغيرة على محارم الله.
ـ ضياع الوقت، وعدم الإفادة منه.
ـ عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدي.
ـ الفوضوية في العمل.
ـ خداع النفس؛ بأن يتوهّم بأنه يعمل، لكنه في الحقيقة فارغ، أو عمله بلا هدف.
ـ النقد لكل عمل إيجابي.
ـ التسويف، والتأجيل، وكثرة الأماني.
أسباب الفتور:
وإذا تساءلنا: ما أسباب هذا الفتور الذي نعاني منه، وما دواعيه؟، فالجواب: إنها كثيرة، متفاوتة في الأهمية، ومنها:
ـ عدم الإخلاص في الأعمال، أو عدم مصاحبته؛ بأن يطرأ الرياء على الأعمال.
ـ ضعف العلم الشرعي؛ فيضعف علم فضائل الأعمال وثوابها، وفضل الصبر وأثره، ونحو ذلك.
ـ تعلق القلب بالدنيا ونسيان الآخرة.
ـ فتنة الزوجة والأولاد، فإنها ملهاة عن كثير من الطاعات، إذا لم ينتبه لها.
ـ عدم فهم الدين نفسه، وهذا غريب! ، والأغرب: أن يفهم طبيعة الدين، ويتذوق حلاوة الإيمان، ثم ينصرف عن العمل في ميدانه.
ـ الوقوع في شيء من المعاصي والمنكرات، وأكل الحرام أو المشتبه بالحرام.(3/221)
ـ عدم وضوح الهدف الذي يدعو من أجله، وهو: طلب مرضاة الله، وتعبيد الناس لرب العالمين، وإقامة دين الله في الأرض.
ـ ضعف الإيمان بالهدف، أو الوسيلة الدعوية التي يسلكها.
ـ الغلو والتشدد، بحيث ينقلب ذلك سبباً للملل وترك العمل.
ـ العقبات والمعوقات الكثيرة في طريق الدعوة والداعية، وتلك سنة الله في الدعاة والدعوات.
ـ الفردية وإيثار العزلة، فيدركه الملل والسأم.
ـ الجمود في أساليب الدعوة، وعدم التفكير في وسائل وأساليب توصل المقصود إلى المدعوين ، وتحافظ على أصول الدعوة وروحها، ومن ذلك مثلاً: التنويع في أساليب مخاطبة الناس، كلٍّ حسب مستواه: بالكلمة المسموعة، والمقروءة، بشتى صورها وأشكالها،
ومنه: التنويع في كيفية إلقاء دروس العلم والقرآن، من حيث المكان والوسائل.
ـ عدم استحضار عداوة الشيطان المستمرة،
وأيضاً: عدم استشعار تحدي الكفار للمسلمين، وأنهم يبذلون كل وسيلة لصد المسلمين عن دينهم والكيد لهم.
ـ الأوهام ووساوس الشيطان التي تزرع الخوف في القلوب، وتشكك الداعية في سلامة الطريق.
ـ أمراض القلوب: كالحسد، وسوء الظن، والغل، وحب الصدارة، والكبر...
ـ التقصير في العبادة وعمل اليوم والليلة من الرواتب والسنن والأذكار والورد اليومي...
ـ استبطاء النصر، واستعجال النتائج.
ـ عدم الاستقرار على برنامج أو عمل معين، وترك العمل قبل إتمامه، ثم الانتقال إلى غيره.. وهكذا.
ـ النظر إلى مَنْ دونه في العلم والعبادة، وذلك مثبط للهمم .
ـ الدخول على أهل الدنيا ومخالطتهم ، وفيه مفاسد عظيمة، لا ينجو منها إلا من سلّمه الله.
ـ الفتور في معالجة الفتور .
علاج الفتور:(3/222)
ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، والفتور من أشد الأمراض المعنوية، وتتأكد خطورته حينما لا يحس به الإنسان حتى ينقله إلى الانحراف، فيقضي عليه ـ والعياذ بالله ـ ، ومن هنا تتأكد أهمية العلاج باتخاذ سبل الوقاية منه ابتداء، أو عمل الأسباب التي تذهب به بعد وقوعه، وأهم سبل العلاج: تلافي أسبابه ، وذلك أعظم وسيلة للنجاة ، وإن القناعة بخطورة هذا المرض ووجوب التخلص منه ـ وقاية وعلاجاً ـ أمر ضروري للإفادة من سبل العلاج ، ومنها:
ـ الدعاء والاستعانة؛ فإن الله يجيب المضطر إذا دعاه ، والمصاب بدينه الذي يخاف على نفسه: أعظم المضطرين ، والله هو المستعان على كل خير ، ولذا: أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - – معاذاً أن يقول دبر كل صلاة: "اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك".
ـ تعاهد الإيمان وتجديده ، والحرص على زيادته بكثرة العبادة؛ مما يكون زاداً للمؤمن ، ومخففاً عنه عناء الطريق.
ـ مراقبة الله، والإكثار من ذكره، ومراقبته تستلزم خوفه وخشيته، وتعظيمه، ومحبته، ورجاءه ، والإيمان بعلمه وإحاطته وقدرته، أما الذكر: فهو قوت القلوب، وبه تطمئن، وأعظم ذلك: الصلة بكتاب الله - تعالى -: تلاوة، وفهماً، وتدبراً، وعملاً، وحكماً، وتحاكماً، فإن من لم ينضبط بالقرآن أضله الهوى.
ـ الإخلاص والتقوى؛ ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)) [الأنفال:29].
ـ تصفية القلوب من الأحقاد، والغل، والحسد، وسوء الظن؛ مما يشرح الصدر، ويسلم القلب.
ـ طلب العلم، والمواظبة على الدروس وحلق الذكر والمحاضرات؛ فإن العلم طريق الخشية ، وهو قوت القلوب.
ـ الوسطية والاعتدال في العبادة، وفي عمل الخير.
ـ تنظيم الوقت، ومحاسبة النفس.
ـ لزوم الجماعة، وتقوية روابط الأخوة.
ـ تعاهد الفاترين ومتابعتهم؛ لئلا يؤدي بهم الفتور إلى الانحراف.(3/223)
ـ التربية الشاملة المتكاملة على منهاج النبوة التي تقي من الفتور ـ بإذن الله - تعالى - ـ.
ـ تنويع العبادة والعمل، من: الذكر، وقراءة القرآن، والصلاة، وقراءة الكتب المفيدة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقضاء حوائج الناس، وإغاثة الملهوفين...
ـ الإقتداء بالأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) ، والدعاة المخلصين.. في نشاطهم، وحرصهم على أوقاتهم وأعمالهم.
ـ علو الهمة ونبل المقصد والأخذ بالعزيمة، بأن يكون الهمّ: الجنة، والمقصود: مرضاة الله ؛ بالسعي في العبادة حتى الموت.
ـ الإكثار من ذكر الموت،وخوف سوء الخاتمة، بزيارة المقابر، ورؤية المحتضرين، فإن ذلك يورث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة.. ونسيان الموت: يورث أضدادها.
ـ جعل ذكر الجنة والنار من الإنسان على بال ، وقراءة صفة كلٍّ منهما في كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن ذلك يشحذ الهمم ويذكي العزائم.
ـ الحرص على زيادة العمل، والاستمرار فيه، والحذر من التكاسل، خاصة فيما حافظ عليه من عمل، فإن من ترك سنة يوشك أن يترك واجباً.. وهكذا.
ـ الصبر والمصابرة؛ فإن طريق العلم والعبادة والدعوة إلى الله طريق شاق وطويل، وكثير المتاعب والمصاعب.
نسأل الله - عز وجل - أن يثبتنا على دينه ويختم لنا بخاتمة الخير..
______________________________
مراجع أخرى مهمة:
1 - روحانية الداعية، عبد الله ناصح علوان.
2 - الفتور ، جاسم الياسين
http://www.islamweb.net المصدر:
ــــــــــــــــــ
كن مع نفسك صريحًا !! (1)
د. فيصل بن سعود الحليبي(3/224)
إن من الخطأ حقًا أن يعتقد بعض من مَنّ الله عليهم بالهداية والاستقامة ، حتى غدوا في طريق الدعاة أو طلبة العلم ، أو حتى من عامة الناس الذين سلكوا طريق الإيمان وارتضوه ، من الخطأ أن يعتقدوا أنهم قد بلغوا درجة كمال الإيمان ، هذا الاعتقاد الذي يوهمهم بشعور شيطاني خفي ليسقطهم في شباك غاية في التعقيد ، حتى تبدو عليهم عدة مظاهر قد لا تتبين لهم ، ولكنها غاية في الظهور أمام الناس ، وإليك بعض هذه المظاهر التي أطلب من نفسي وألتمس منك أيها الصادق مع نفسه أن نبحث عنها في أنفسنا ، فربما كانت فينا ، لنقف عليها ونعالجها قبل أن يستشري داؤها ، وينتشر وباؤها ، ولقد رصدت لك عشرين مظهرًا ، إليك بيانها :
1) أن يشعر أحدنا بأنه فوق النصيحة ، وأنه غدا ناصحًا ، ولا يقبل أن يكون منصوحًا ، فإن من المفاجأة له أن يتجرأ أحد من الناس بنصيحته ، وقد يبدي شيئًا من قبولها لكنها تكون على نفسه أثقل من الجبال ، وهنا يتثاقل عن العمل بها ، وربما يبدأ صفحة كره وبغض أو على الأقل تجنب لهذا الناصح الأمين واستثقال لمجالسته . فأين هذا المنصوح من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) رواه مسلم .فهل يحب من يأبى النصيحة أن يبقى على زلله من دون أن ينبهه أحد على ذلك ، فيكون بذلك عرضة للاستمرار فيه ، والوقوع في عواقبه ؟
2) ومن هذه المظاهر : البحث عن الفتاوى الشرعية التي توافق هواه أو تحقق له مصلحة شخصية ، حتى لو أدى هذا الأمر إلى تغيير وجهة نظر كانت راسخة في ذهنه ، أو عليها عمله فترة طويلة ، وإن أشبه شيء لهذا التصرف هو ما يطلق عليه العلماء بتتبع الرخص تشهيًا ولعبًا بالدين وأحكامه .(3/225)
3) ومن هذه المظاهر : التقليل من عمل الآخرين ، والتحقير من جهودهم ، ففي الوقت الذي يتفانى عدد من المخلصين في خدمة الدين ورفعته والدعوة إليه ، نجده لا يعرف إلا النهش في نواياهم ، والقدح في مقاصدهم ، ويحاول جاهدًا في صرف ألوان الإكبار عنهم ، وقد يصل الأمر إلى السخرية بهم ، وتكمل فرحته إذا ظهر خطأ أحدهم . ومطية ذلك كله سوء الظن ، وعدم صفاء القلب ، ووالله لا أجد ترهيبًا لمثل هذا المظهر أكثر من قول الله تعالى :
{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
4) ومن هذه المظاهر : الانشغال بالجزئيات ، والتفريط في الأمانات ، وياله من مظهر لا يتفق أبدًا مع مظهر الالتزام والصدق مع الله ، فهل من الدين أن ينشغل المرء ببعض المندوبات حتى يؤثر هذا على أداء العمل والأمانة التي يجب القيام بها ، هل من الالتزام أن يتظاهر بالمرض أو التعب ليتخلف عن حضور الدوام الرسمي ، وهل من التمسك بالإسلام أن يفرط في رعايته لأسرته وتربية أولاده بحجة نشر الدين والدعوة إليه !! وهل من الاستقامة أن يتخذ المرء الكذب مطية لدفع تهمة التقصير في المسؤولية الملقاة على كاهله ؟! يقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } .(3/226)
5) ومن هذه المظاهر : حب الظهور والقيادة ولو على شيء يسير ، بل ربما يجاهد ويكافح من أجل هذا الأمر ، وما علم أن تحمل المسؤولية والأمانة حمل ثقيل على الأتقياء والمخلصين . عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي ، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللَّهُ وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ ) رواه مسلم .
6) ومن هذه المظاهر : جلافة الخلق ، والترفع على عامة الناس وضعفائهم ، فإن الله تعالى قال لنبيه : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } ، فإن الرفق _ أيها الموفق _ ما دخل في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ، ومن تواضع لله رفعه .
7) ومن هذه المظاهر : الافتخار بقوة الجدل ، وطول النفس في المراء ، ولو بالحق ، أو في أمور العلم ومسائله ، فإن رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا ،وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا ) رواه الترمذي وقال حديث حسن .(3/227)
8) ومن هذه المظاهر : ضعفه أمام الفتن ، فإن في الشدائد تتميز الهمم العالية ، وتثبت القلوب الصافية ، ويأبى صاحب البناء المهلهل إلا أن ينهار ، ويسقط خائبًا ، وإن هذا الانهيار المحسوس ليدل على انهيار داخلي في قلب الإنسان وإيمانه ، ولقد حكى الله هذا المشهد في أروع بيان فقال : { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ } .
9) النظرة السوداء للحال الذي يعيشه المسلمون اليوم ، وتصوير الواقع بأنه مظلم لا بصيص فيه للأمل ، وإكثار الكلام عن وجود أنواع الفساد وكثرتها ، من دون أن يكون للمبشرات في حديثنا نصيب ، ولا لأخبار النصر في مجالسنا وجود ، الأمر الذي يزيد من هزيمتنا النفسية ، ويصيب الأنفس المترددة بالتخاذل ، وما كأننا _ أيها الأحبة _ نقرأ في كتاب الله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } ، فلنملأ قلوبنا بالتفاؤل ، ونحاول بدلاً من سوداوية النظرة أن نبحث عن الأخطاء فنصلحها ، ونراجع الأعمال وننقحها ، ولا ننشغل بالحزن على الرزايا ، ولنعلم أن الحكم بالهلاك لا يأتي بالهلاك ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) رواه مسلم ، ولنعلم أيضًا أن النصر لا يأتي إلا بالنصر ، ولن يأتي أبدًا بالأحزان ، { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } .(3/228)
10) سرعة الحكم على ما يحدث من أحداث ، ولقد أتبعنا هذه العجلة _ أيها الإخوة _ بتعميم الأحكام على الفرق والأشخاص ، وقد افتقد هذا وذاك عوامل الحكم الصحيح ؛ من الأهلية لذلك ، والدراسة الوافية ، والتثبت في الأمر ، وإنعام النظر وطول التأمل ، فأي نتيجة سوف نحصدها من زرع لم يسق بالماء الصالح للسقي ، ولم يشتم الهواء الصحي ، ولم ترعه الأيدي المحترفة ؟! أيننا من قول الله تعالى : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } ، فلنترك الكلام لأهل العلم يقولون فيه بما يفتح الله عليهم ، ولنمسك عن الخوض فيما لا نعلم ، فإنه قارب النجاة للمجتمع ، وحزام الأمان للأمة ، { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } .
11) سرعة تصديق الأخبار ، وعدم الاكتفاء بذلك ، بل والحرص على نشرها وتوزيعها ، ولا تسل عن مصادرها ما دامت شبكة الأنترنت سوف تنقل لك الحدث قبل انتهاء نصف الدقيقة من حدوثه ، ولكن من هو الناقل ، وما مصداقيته ، وما أغراضه وأهدافه ؟؟ أمر قد لا يكون مهمًا عند جملة منا ، المهم فقط هو نقل خبر جديد والتلذذ بنقله ، إن صدقًا وإن كذبًا ، إن خيرًا وإن شرًا ، ويا لها من عظة بليغة ترجع لها النفوس الطيبة عند سماع كلماتها النيرة في قوله سبحانه : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } .(3/229)
12) تقديس الأشخاص وإطراؤهم ، وما لذلك من تبعات التقليد من دون نظر أو تأمل ، فأصبح العمل عند بعضنا لأن فلانًا العالم قال به ، ولكن لماذا قال به شأن لا يعنينا ، بل ولا يريد بعضنا أن يعرف ولو سهلت له المعرفة ، والمصيبة بعد ذلك تبرير الأخطاء بما لا يقبل ، وتسويغ الآراء بما لا يستقيم ، حتى صار بعضنا ينقد الكتاب قبل قراءته لأن القوم قد نقدوه ، ويثني على الشريط قبل سماعه لأن القوم قد أثنوا عليه ، فهل يضير هذا الناقد أن يتبصر بالعمل ، لتكون نتائجه أكثر إتقانًا وصدقًا !! يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا ) رواه الترمذي .
13) ازدواجية الخلق ، فكم هو جميل أن تشرق وجوهنا بالابتسامة في وجوه إخواننا وزملائنا ، فإنها صدقات لا تكلف الإنسان شيئًا ، وإنها مؤشر إلى الرضا ، وموحية عن الارتياح ، غير أن العجز هو افتقارنا إلى هذه الابتسامة وأخواتها من الرفق واللين وبسط الكلام والصبر على الأخطاء والتجاوز عن الزلات في بيوتنا وبين والدينا وأهلينا ، وإسقاط الأعذار في التقصير في هذا الجانب على بساط الدعوة :
أحرام على بلابله الدوح *** حلال للطير من كل جنس
أما آن الأوان لإعادة النظر في تطبيق أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل شرائح المجتمع ، وإعطاء كلٍ منزلته وفضله ، أما آن الأوان لنبذ ازدواجية التخلق ، لإعطاء فرصة أكبر للدعوة بالقدوة والأنموذج ، فلقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مع انشغاله بأمور الجهاد والدعوة والتربية والإصلاح مؤنسًا لأهله ، رحيمًا بخدمه ، واصلاً لرحمه ، تجده القدوة في أمره كله ، { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .(3/230)
14) التفكه بما يحدث في صفوف الصالحين من مظاهر الانشقاق أو التفرق ، فإنني _ أيها
الأحبة _ يأسرني الاستغراب أحيانًا حينما أجد فئة منا لا تحسن إلا الحديث في الاختلافات الفكرية ، والطرق المنهجية ، ولا تسلو إلا بالقراءة في الردود المؤلفة ، والأجوبة المصلتة ، ويزيد على انشغاله بهذا وذاك استحقاره لك حينما يعلم بأنك لم تعلم بهذا الاختلاف ، أو تقرأ هذا النقاش ، غير أنه يكون في مؤخرة الركب حينما يكون المجال مجال عمل وتضحية ، ونصح وتوجيه ، لا أقصد التقليل من أهمية الردود العلمية ، لكنها في وجهة نظري _ التي ربما تكون قاصرة _ أن الانشغال بها منزلةُ من نال حظًا وافرًا من علم الشريعة ، أصولاً وفروعًا ، أما من لم يبلغ هذه المنزلة فأعتقد أن انشغاله بها ترك لما هو أولى وأحرى .
15) من المظاهر أيضًا : أن نصحب من نهوى ، لا من ننتفع به أو ننفعه ، فقد تستثقل بعض النفوس مصاحبة من يجرأ على النصيحة دائمًا ، أو يكون جادًا في أموره غالبًا ، فتنفر منه ، لتبحث عن من يغضي عن كثير من الأخطاء ، ويرضى بالتقاعس والكسل ، ويميل إلى الدعة والفكاهة ، بحجة كثرة الهموم أو الأعمال !! والحق أن يقال : لكل مقام مقال ، فالجد له وقته ، والمرح له وقته أيضًا ، والمسلم ينبغي أن يوازن بين جده ومرحه ، فلا يكون ثقيلاً فيمل ، ولا خفيفًا فيمتهن ، المهم أن يحكّمَ المرء الصالح دينه في اختيار المصاحب والمجالس له ، ولا يكون تبعًا لهواه في اختيار القرين والصديق ، فما أجمل صداقة الأتقياء ، أنس في الدنيا ، وسعادة في الآخرة ، وما أتعس صحبة الأشقياء ، اضطراب في الدنيا ، وعداوة وندامة في الآخرة ، { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } .(3/231)
16) تأخرنا في اكتشاف المواهب وصقلها ، فإن من الملاحظ أن العثور على متميز في فن من الفنون ، أو علم من العلوم يكون غالبًا مفاجأة لنا فحسب ، وفي حين اكتشاف نبوغه ، فإن عليه أن يراوح طويلاً في مكانه حتى يمكن للمجتمع الذي حوله أن يستسيغ قدراته ، والواقع أن الخطأ هنا يقع على جهتين ، أما الأولى ، فهو على المبدع الذي اكتشف نفسه أو اكتشفه غيره حديثًا ، فإنه يقصر مع نفسه كثيرًا في عرض ما أبدع فيه على المختصين الموثوقين ، أو استشارتهم في ذلك ، وربما كان قليل الحِلم والصبر على تأسيس نفسه وتأصيل علمه أو فنه ، فيستعجل الظهور قبل أن تكتمل عنده أدواته ، أما قاطع طريق العلم والإبداع فهو ضيق الصدر بالنقد الهادف والبناء . وأما التبعة التي على المربين في التقصير في حق الموهوبين هو عدم وضع أسس دقيقة في اكتشافهم وتنميتهم ، هذه الأسس التي ينبغي أن تكون واقعية لا خيالية ، متدرجة ومتوازنة مع الدين ، وقريبة من الطبائع السليمة ؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كانت له عناية بالمواهب ، وكان من أهم وسائله في صقلها إعطاء أصحابها الفرصة في تنميتها بتحميلهم مسئوليتها ، ولو نتج عن ذلك بعض الأخطاء ، فهاهو ذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في شأن القرآن : ( أقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب ) ، ويقول عن علم الفرائض : ( أفرضهم زيد بن ثابت ) ، وفي شأن الفتوى يقول : ( أعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ) ، رواه الترمذي وصححه ، وصححه ابن حجر والحاكم ووافقه الذهبي .
كل هذا يقوله النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الأمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين ، وهذا هو النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضًا يأتيه أحد الصحابة وقد رأى كلمات الأذان في منامه قبل أن تشرع ويحب أن يصدح بها ، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحيل الأمر إلى بلال رضي الله عنه قائلاً : ( إنه أندى منك صوتًا ) .(3/232)
ولم يقف الأمر عند هذا الحد مع عظمه ، بل يسلِّمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد قيادة جيش فيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهم وكبار الصحابة رضي الله عنهم .
فهل نحسب بعد هذا كله أننا إذا سمعنا الشهادتين يصدح بها المؤذنون عربًا وعجمًا في مشارق الأرض ومغاربها أنها قامت على ثلة من الموهوبين والحكماء والفرسان والقادة !! لو كان الأمر كذلك لمات الدين واندثرت معالمه بموتهم ، ولكنهم والله كانوا أعلم منا بمستقبل هذا الدين ، وأيقن منا بنصره وعزته ، وأدرى منا بأنه سيظهره الله على كل الأديان ، ولذلك اعتنوا بتربية الأجيال ، وصقل المواهب ، وتربية الناشئة ، فلا يموت الفارس إلا وقد ترك من بعده فرسان ، ولا يموت العالم إلا وقد ورّث للأمة علماء ، وقل مثل هذا في كل علم أو فن ينفع الأمة ، ويعلي من قدرها ، وينصرها على أعدائها .
17) عدم اكتراثنا بأهمية الالتزام بالمواعيد ، حتى أصبح من يُعرف بالدقة فيها قليلاً أو نادرًا ، ألم نر كيف أثنى الله على نبيه إسماعيل - صلى الله عليه وسلم - بأنه صادق الوعد ، وقدم هذه الصفة على صفة الرسالة والنبوة !! فقال : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } ، إن صفة الوفاء بالوعد صفة جزاؤها الجنة ، فإن الله قال : { وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } ، وهل يحب أحدنا أن يتصف بصفة من صفات النفاق والعياذ بالله ، فإن المنافق إذا وعد أخلف كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - .(3/233)
18) عدم معالجتنا لفتور هممنا ، فإن همة الإنسان عضلة من عضلاته ، تحتاج إلى استمرار في التمرين لتنمو وتقوى ، فإذا تركت فترت وضعفت ، يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : ( من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه ، ومن فقه العبد أن يعلم : أيزداد هو أم ينتقِص ؟ ) ، فلنبحث عن مظاهر الفتور في أنفسنا ، وعن أسبابه ، ومن ثم نسأل عن الدواء والعلاج.
19) ثقل العفو على بعض النفوس ، فمن منا لا تحصل بينه وبين أخيه مشادة أو اختلاف أو سوء تفاهم ، ربما يكون لرأي أو قضية اجتماعية ، أو تنافس على خير ، أو رغبة في دنيا أو غير ذلك ، ولكن ما حالنا مع صفاء النفس وخلوها من الكراهية والضغينة أو ترسبات الاختلاف والمشكلة ؟
لقد آذى المشركون نبي الله تعالى - صلى الله عليه وسلم - أشد الإيذاء وقاتلوه وأخرجوه ، ولكنهم حينما اصطفوا أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة وقد أصغرتهم الذلة ، و حلت بهم المهانة ، وأيقنوا أن يوم الانتقام منهم قد آن أوانه ، قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فيهم قائلاً : ( يا معشر قريش ، ما ترون أني صانع بكم ؟ قالوا خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته : ( لا تثريب عليكم اليوم ) اذهبوا فأنتم الطلقاء .
يا من تخيره الإله لخلقه *** فحباه بالخلق الزكي الطاهر
أنت النبي وخير عصبة آدم *** يا من يجود كفيض بحر زاخر
ولنتذكر حينما نتردد في العفو أمرين : الأول : أن البغضاء والشحناء من نزغ الشيطان ، والثاني : قول الله سبحانه : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } .(3/234)
20) استعجالنا في تحصيل النتائج ، فإن العجلة في قطف الثمرة قد يؤدي بالداعية إلى حصول السآمة والملل من طريق الدعوة الطويل ، بل ربما توصله العجلة إلى الإحباط أحيانًا ، ولنتذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظل يدعو أهل مكة ثلاث عشرة سنة ، ما سئم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يعجل ، بل قال : (( لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا )) ، فالعوة الناجحة تحتاج إلى : صبرٍ جميل ، وتضحيةٍ عظيمة ، ونظرةٍ بعيدة ، وأملٍ مرتقب ، فالصبرَ الصبر يا أهل الخير والإحسان ، والحلمَ الحلم يا أهل الحسبة والدعوة ، فإن الله وعد الصالحين فقال : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } .
وأخيرًا : لنعش _ أخي الحبيب _ الحياة التي أراد الله تعالى لعباده الطيبين ، متمسكين بدين الله ، ملتزمين بأحكامه ، مخلصين له ، نحب لأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا الخير والصلاح ، غير ملتفتين لسخرية الساخرين ، متسلحين بالتوكل على الله تعالى ، واليقين بتوفيقه في إصلاح أنفسنا ومجتمعنا ، ولتكن خطواتك أيها المسلم المربي واثقة بالدعاء ، راسخة بالعلم الشرعي ، ولنسأل الله تعالى الثبات على أمره ، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار .
----------------------
(1) شر بعضه مقالاً في النشرة الأسبوعية للجنة العلمية بكلية الشريعة بالأحساء ، بتاريخ 5/3/1423هـ. ثم مشاركة في ملتقى الرياض الثاني الذي أقيم في قاعة مركز سعود البابطين الخيري في الرياض ، 1/5/1423هـ ، ونشرت في موقع الإسلام اليوم عام 1423هـ .
ــــــــــــــــــ
القول بأن الوقت ليس كله للدين
المجيب ... د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف ... الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه/الترفيه والألعاب
التاريخ ... 23/01/1428هـ
السؤال(3/235)
بعض المسلمين يقولون: ليس الوقت كله للدين، ولكن يجب أن نعطي الدنيا حقها. والأمر هنا يتعلق بمشاهدة المسلسلات وغير ذلك من اللهو وتضييع الوقت...الخ، فلإقناع هؤلاء الإخوة: ما موقف الإسلام أمام هذه الدعايات؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن دين الإسلام دين الاعتدال، دين الوسطية، والمسلم يعلم أنه إنما خلق لعبادة الله تعالى، وليعمر الأرض بطاعة الله.
والعبادات منها ما هو واجبات، ومنها ما هو تطوع لتكميل ما نقص في أداء الواجبات، وللتقرب لله تعالى وطلب رفعة الدرجة. والواجبات معروفة، وبالنظر إلى ما تستغرقه من الوقت فإنها لا تستغرق وقتاً كثيراً، فانظر مثلاً الصلوات الخمس كم تستغرق من الوقت، والحج كذلك، والصيام، مع أن الإنسان قد يكون في عبادة، ويمارس أعمالاً دنيوية، كأن يكون صائماً أو حاجاً ونحو ذلك.(3/236)
وأما التطوع فهو اختياري، حثّ عليه الشرع ولم يلزم به، وأمر بالاقتصاد فيه، بحيث لا يشق العبد على نفسه، كما قال النبي – - صلى الله عليه وسلم - –: "خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لن يَمَلَّ حتى تملُّوا"، وكان يقول: أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل" رواه البخاري (1970)، ومسلم (782) من حديث عائشة –رضي الله عنها-. وقال: - صلى الله عليه وسلم - "ليصلِّ أحدكم نشاطه" رواه البخاري (1150)، ومسلم (784) من حديث أنس –رضي الله عنه-. وعن عائشة –رضي الله عنها– قالت: "دخلت عليَّ خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية، وكانت عند عثمان بن مظعون –رضي الله عنه- قالت: فرأى رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - – بذاذة هيئتها، فقال لي: يا عائشة ما أبذَّ هيئة خويلة، قالت فقلت: يا رسول الله امرأةٌُ لا زوج لها، يصوم النهار، ويقوم الليل فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها، قالت: فبعث رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - – إلى عثمان بن مظعون فجاءه، فقال: يا عثمان أرغبةً عن سنتي؟ فقال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب، قال: فإني أنام وأصلِّي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، فصم وأفطر وصَلِّ ونم" أخرجه أبو داود (1369)، والإمام أحمد في المسند (6/8)، ونحو ذلك قاله – - صلى الله عليه وسلم - – لعبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- فيما رواه مسلم (1159).
فإذاً الفرائض لا تستغرق وقتاً كثيراً، والنوافل لا بد من الموازنة فيها، فلا تطغى على بقية الحقوق، ولا تكون بإشقاق على النفس.(3/237)
لكن وقت المسلم كله لله؛ بمعنى أنه يصرفه في مرضاة الله، فلا يستعين بهذه النعمة -نعمة الوقت ونعمة العافية ونعمة السمع والبصر وغيرها- على معصية الله، بل إن الأعمال التي هي عادات أو طلب رزق تتحول إلى عبادة وقربة بالنية الصالحة، فطلب الرزق الحلال ابتغاء الاستغناء عن الحرام، وعمّا في أيدي الناس قربة وطاعة، والتزوج اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - – ورغبة في العفاف قربة وطاعة وهكذا، وبهذا يتحقق قوله تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " [الأنعام:162-163].
أما إضاعة الوقت في المسلسلات، وفي اللهو الذي يكسل عن الطاعة ويثقلها فليس من الدين، ولا من الدنيا، بل الغالب عليه أنه اشتغال بالمعاصي البصرية والسمعية، وهو ليس من إعطاء الدنيا حقها، وسيسأل الإنسان عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه. انظر ما رواه الترمذي (2417) من حديث أبي برزة الأسلمي –رضي الله عنه- فواجب على المسلم أن يربي نفسه، وأن يطلب معالي الأمور، وإذا أراد الراحة والاستجمام فليكن ذلك بالمباحات، وليستعن بالله ويسأله التوفيق.
ــــــــــــــــــ
من وسائل الدعوة
د.محمد بن عبد العزيز الثويني 13/10/1424
07/12/2003
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد:(3/238)
فإن الوسائل الدعوية من الأحوال التي لا يمكن الاستغناء عنها البتة إذ لا يتصور عند العقلاء الوصول إلى هدف دون استخدام الوسائل أو الوسيلة الموصلة إليه وقد استخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسائل متاحة في وقته فصدع بالحق على الصفا ، وصرخ بقريش واصباحاه، وكان يعرض دعوته في ملتقيات الناس وأسواقهم ، كما كان يطوف بمشاعر الحج ويلقى القبائل ويبلغ الرسالة، ويستنصر للدين . والمادة التي بين يديك أيها القارئ الكريم في الأصل محاضرة ألقِيتْ ضمن دورة إعداد الدعاة.
وقد رأى بعض الإخوة تفريغها وجعلها مادة مقروءة كما هي مسموعة ولإدراكي بوعيك التام بالتفريق بين الملقى والمكتوب تأليفاً وافقت على طلبهم مع تزامنه مع الامتحانات ومشاغلها ، وحاولت على عجل إلغاء ما يصلح إلقاءً ولا يصلح كتابة وكذا تعديل وإضافة ما تستقيم به العبارة مع توثيق النصوص والنقولات ولظني الحسن بتجردك وإنصافك فلن أعدم منك دعوة صالحة، وتصويباً لخطأ يرد في ثنايا هذه المادة واستدراكاً لما يحسن ذكره فيها.
تمهيد:
إن من اللوازم المتعينة على الداعية تحديد ما يدعو إليه وكذا استخدامه الوسيلة(1) التي يوصل من خلالها إلى المدعو دعوته ؛ إذ لا يتصور البتة الدعوة بدون وسيلة قال شيخ الإسلام ابن تيمية " إن الداعي الذي يدعو غيره إلى أمر ، لا بد فيما يدعو إليه من أمرين:
أحدهما : المقصود والمراد.
والثاني :الوسيلة والطريق الموصل إلى المقصود:
فلهذا يذكر الدعوة تارة إلى الله وتارة إلى سبيله ، فإنه سبحانه هو المعبود المراد المقصود بالدعوة "(2).
والداعية إلى الله مطالب عقلاً وشرعاً باستخدام الوسيلة الشرعية المناسبة التي يوصل دعوته إلى المدعوين عن طريقها وبخاصة إذا علم الداعية أن الدين قسمان:(3/239)
1-عبادات يصلح بها أمر الآخرة والأصل فيها التوقيف في جنسها ، وصفتها ، وعددها وسببها ووقتها ... ودليلها قوله تعالى :(أَمْ لَهُمْ شُرَكاَءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ)(3).
2-عادات : أو معاملات يصلح بها أمر الدنيا ، والأصل فيها الحل والإذن مثل العقود ، والشروط، والوسائل.. ودليلها قوله تعالى:(قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنْزَلَ اللهُ لَكُم مِّن ْرِزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاما ًوَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ )(4).
وبناء على هذا فمن ادعى عبادة فعليه الدليل ، ومن منع عادة أو معاملة فعليه الدليل أيضاً ، ولعل ما مثّل به شيخ الإسلام يتوافق مع ما ذكر إذ قال : " ولو سئل العالم عمن يعدوا بين جبلين : هل يباح له ذلك قال : نعم . فإذا قيل : إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة قال : إن فعله على هذا الوجه حرام منكر ، يستتاب فاعله ، فإن تاب وإلا قُتل.
ولو سئل : عن كشف الرأس ، ولبس الإزار ، والرداء ، أفتى بأن هذا جائز، فإذا قيل: إنه يفعله على وجه الإحرام . كما يحرم الحاج .قال:إن هذا حرام منكر...(5) .
" والخلاصة أن مقصود الدعوة الإسلامية هداية الناس وتحقيق المصالح لهم ، فكل وسيلة عادية تؤدي إلى هذا المقصود ، وتحققه دون أن يعارضها نهي شرعي فإنها تكون في دائرة المشروعية والاعتبار..(6).(3/240)
فإذا كان المعنى العام للوسائل هو ما يتحصل به المقصود خيراً كان أو شراً فإن المعنى الخاص – وهو ما نعنيه في هذا المقام – هو ما يتوصل به الداعية إلى الله إلى دعوة المدعوين ، ومن هنا جاءت الأهمية إذ الوسائل ليست حكراً على أحد دون أحد فالأمر في هذا مشاع ، ولهذا نلحظ أن أعداء الأمة وهم يسعون إلى إفساد الأمة المسلمة ، أو إلى إبعاد غير المسلمين عن الإسلام إما بدخولهم فيما يدعون إليه ، أو ببقائهم على ما هم عليه. نجد أنهم يسلكون مسائل شتى من أجل تحقيق أو الوصول إلى مقصدهم وأذكر مثالاً واحداً على وسيلة من وسائل هؤلاء ، هذه الوسيلة عند النصارى وهي وسيلة تأليف الأذهان من خلال أسماء المحلات أو الأسماء الشخصية ، كالأسماء التي يسمى بها بعض الناس أبناءهم ذكوراً أو إناثاً ، فالاسم الأجنبي الذي تجده في ذلك الشارع قد تجده بنفس الاسم في تلك البلاد الكافرة وكذلك مسألة التسمية بأسماء الكفار وبخاصة تسمية البنات مما يجعل هذا الاسم مألوفاً عند المسلمين مع أنه من الأسماء الخاصة بغيرهم فيصعب معه التمييز بمجرد الاسم (7) ومع قولنا إن الوسائل مشاعة إلا أن عندهم الغاية تبرر الوسيلة وعندنا الوسائل لها حكم الغايات أو المقاصد.
واختيار الوسيلة المناسبة سبب في تحقيق المقصود ، ولذلك يلحظ أن من الأفكار ما كتب لها الانتشار بسبب الوسائل المستخدمة لنشرها ولو كانت في حقيقتها باطلة ، وبينما نجد أن هناك دعاة في بعض الأماكن قد يصيب دعوتهم فتور ، أو ضعف مع قابلية الإسلام للانتشار لموافقته للزمان ، والمكان ، والفطر التي فطر الله الناس عليها ، إلا أن الانتشار في ذلك يكون قليلاً ، ولو أرجعت السبب لوجدت أن سوء استخدام الوسائل له دور في ذلك.
وانطلاقاً من القاعدة الشرعية: الوسائل لها أحكام المقاصد فلا بد من معرفة ضوابط الوسائل التي تصونها مع مستخدمها من الخلل والاضطراب فهاهنا ضابطان لا بد من مراعاتهما وهما:(3/241)
أولاً : الإذن بمعنى أن تكون مأذوناً بها سواء إذن تنصيص أي جاءت منصوصاً عليها أو بدخولها تحت قاعدة عامة كالمباح وهو أحد الأحكام الخمسة التكليفية الشرعية ، ولا يكون المباح حراماً بمجرد أن ينوي به الإنسان النية الصالحة مع التفريق بين النية الصالحة العامة ونية التقرب والتعبد المحضة.
ثانياً : المصلحة ويشمل ذلك مناسبة المقام ، واختيار الوسيلة ورجحان المصلحة على المفسدة ، مما يحتاج معه على إمعان نظر وسلامة قلب.
وبعد بيان الأهمية والضوابط الشرعية للوسائل الدعوية التي هي في حقيقتها أوعية للأساليب الدعوية أيضاً
نبدأ بذكر بعض الوسائل الدعوية التي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول : الوسيلة المعنوية:
وهي التي تتعلق بالداعية ذاته بصبره أو تخطيطه واحتسابه وحبه الخير للآخرين " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون(8)" وغير ذلك لما يعود في غالبه إلى الفطرة ثم الاكتساب في مسائل أخرى.
القسم الثاني(9): الوسيلة الخاصة.(3/242)
وهذه لا تصلح لعامة الناس بل هي منوطة بالدولة الإسلامية ، وولي أمر المسلمين القائم على أمره، فإن من مهامه حماية حوزة الدين أو الدعوة إليه. وهذا يتمثل بالجهاد في سبيل الله فهو وسيلة من وسائل نشر هذا الدين ، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة دعوية إذ هو من مهام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالأمر بتوحيد الله أمرٌ بمعروف ، والنهي عن الشرك بالله والكفر نهيٌ عن منكر قال تعالى واصفاً نبيه - صلى الله عليه وسلم - (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فيِ التَّوْرَاةِ والْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) (10) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون وفق الترتيب الذي جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حيث قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان(11). ومن هذا التقسيم نعلم أن منه قسماً لا يصلح لعامة الأمة وإلا لكان الأمر محل فوضى ونزاع ، وهو ما يتعلق باليد ، فالمحتسب المولىَّ غير المحتسب المتطوع وكل بحسبه، وللولي من السلطة على من تحت يده ما ليس لغيره وقد أشار النووي إلى هذه المسألة عند شرحه لهذا الحديث(12).
-القسم الثالث : الوسائل العامة:(3/243)
وهذه يمكن لعامة الناس القيام بها ، وهي في الحقيقة ما يهمنا شأنها وتتعلق بذواتنا ويحسن بنا الأخذ بها وما ماثلها فليس الأمر حصراً ، وهذه الوسائل منها ما يكون صالحاً في هذا العصر ، وقد لا يكون صالحاً فيما يستقبل من الأيام وللشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله كلام جميل في هذه المسألة، فإنه لما سئل عن الإخبار بدخول شهر الصيام عن طريق البرقيات والمدفع أشار إلى هذه الوسيلة قائلاً رحمه الله :(والحاصل أن إيصال الأخبار بالرمي(13) والبرقيات ونحوها مما يُوصِّلُ الخبر إلى الأماكن البعيدة ، هو عبارة وتعبير عمَّا اتفق عليه ولاة الأمر ، وثبت عندهم مُقتضاه ، وهو من الطُّرق التي لا يرْتاب الناس فيها ، ولا يحصُل لهم أدنى شك في ثُبوت خبرها . ومن توقف فيها في بعض الأمور الشرعية ، لم يتوقف بشكّه في أنها أفادت العلم ، وإنما ذلك لظنّه أن هذا الطريق المعيّن لم يكن من الطرق المعتادة في الزمان الأول ، وهذا لا يوجب التوقُّف. فكم من أمور حدثت لم يكن لها في الزمان الأوّل وجود ، وصارت أولى وأحق بالدُّخول من كثير من الأمور الموجودة قبل ذلك والله أعلم)(14).
إذن فهذه الوسائل العامة هي التي يمكن لبعضنا القيام بها ، وقد يهم الإنسان أن يعرف قدرات نفسه ، إذ لا يحسن به أن يُملى عليه كثيراً ما هو الشيء الذي يصلح له وبخاصة مع التجارب والنضج فكل ميسر لما خلق له.(3/244)
فلا بد للإنسان أن يعرف ما الشيء الذي يستطيع أن يقدم فيه خيراً لنفسه وللأمة ، فلا يكن أحدنا كالمنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، ولذا لا بد ونحن نتكلم عن الوسائل أن نشير إلى أنه يجب أن يتعامل معها الإنسان بحسب المؤهلات العلمية ، ولا أقصد بذلك المؤهلات العليمة النظامية لكن قدراته العلمية وما حصّل من علم ، لأن فقاد الشيء لا يعطيه، فلا بد من المؤهلات العلمية وكذا القدرات الذهنية في هذا المقام، وأيضاً القدرات البدنية وهذا المطالب لا شك أن كل وسيلة تحتاج إليها بحسب الحال والمقام
والوسائل العامة كثيرة متنوعة متجددة كما سبق ومنها:
أولاً : وسائل مقروءة
ذلك أن الناس يقرؤون ، ولا ينبغي أن يقال إنهم هجروا الكتب والدليل الواقع المشاهد ، حيث المكتبات التي يكثر افتتاحها ، وتنوع المعروض فيها ، فهذا فيه دلالة على أن هناك قُرَّاء ، ولذلك بدأت تأتينا مؤلفات قبل فترة بسيطة كانت غريبة على أبصارنا وأذهاننا ، ولولا أن هناك من يقرأ ما وجد الكتاب مع ما للكتاب من مصداقية أكثر من غيره وهناك من يقرأ المجلة والصحيفة والمهم أن المكتوب يقرأ ، ثم إن المقروء يعتنى به ويُحافظ عليه وشاهد ذلك المكتبات المنزلية ، حتى الذين وضعوها للزينة يأتيهم أناس أهل قراءة وكم من مجلس دخلته ثم تركك صاحب المنزل لدقائق أو لحظات انشغلت في أثنائها بقراءة المعروض من الكتب ولم تشعر بطول مفارقته لك.
والوسائل المقروءة متنوعة ومن ذلك:
التأليف:(3/245)
يجب أن لا يكون الهدف هو ذات التأليف أو لمجرد المزاحمة بل يجب أن تكون الحاجة للمؤلَّف هي الداعية للتأليف والحاجة قال عنها حاجي خليفة ... ( ثم إن التأليف على سبعة أقسام لا يؤلِف عالم عاقل إلا فيها وهي إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه أو شيء ناقص يتممه أو شيء مغلق يشرحه أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه أو شيء متفرق يجمعه أو شيء مختلط يرتبه أو شيء أخطأ فيه مصنف فيصلحه . وينبغي لكل مؤلف كتاب في فن قد سبق إليه أن لا يخلو كتابه من خمس فوائد استنباط شيء كان معضلا أو جمعه إن كان مفرقاً أو شرحه إن كان غامضاً أو حسن نظم وتأليف أو إسقاط حشو وتطويل)(15) فالعمل الدعوي تجارة مع الله ليست تجارة مادية بالدرهم والدينار ، فالتجارة المادية الحرة مبناها على المنافسة فالبقاء للأقوى . أما العمل الدعوي فإنه يختلف فإذا رأى الداعية أن غيره قد قام بما يرى أنه يريد القيام به فليحمد الله على أن قد قام بالمهمة عنه غيره والمجال واسع فليبحث عن مجال آخر ، بمعنى أنه ليس من أهداف الدعاة تحطيم الذوات والتقليل من الشأن بل يشد بعضهم بعضاً ، فيؤيدون ، ويناصرون ، ويسددون ، ويقاربون ، ويوجهون ، وينصحون ، ولا يفضحون.
الرسائل:
والرسائل فيما يظهر تنقسم إلى قسمين :
النوع الأول رسائل خاصة على غرار ما تقوم به بعض المؤسسات الدعوية وقد يقوم به بعض الأفراد بمراسلة هواة المراسلة الذين يشيرون إلى هذه الهواية ببعض الصحف والمجلات ، أو الرسالة إلى صديق داعيها المحبة والإخاء .(3/246)
النوع الثاني من الرسائل ، الرسائل الخاصة في مسائل متفرقة في العقيدة ، أو الفقه ، أو الأخلاق والآداب أو غير ذلك ، وهذا الرسائل الخاصة هي الأكثر اليوم ، وهي من جانب ظاهرة صحية ، ومن جانب آخر قد يكون فيها على البعض ضرر وبخاصة إذا كان القارئ أو المطلع من أهل القراءة فقد يقتصر على قراءة هذه الرسائل ويترك الأمهات والكبار من المؤلفات التي أخذت منها هذه الرسائل إما نصاً أو مقاربة.
ومن الرسائل الطريفة الجديدة رسائل الجوال إن أحسن استخدامها واستغلالها فإن لها أثراً عظيماً.
المقدمات لمؤلفات الآخرين:
وهي تطلب عادة من إنسان له مكانة علمية أو اجتماعية على حسب المؤلّف ، فيجمل بمن يُقدِّم لكتاب خاصة إذا كان كتاباً في علم الشريعة بصفة عامة أن يضمنه دعوة إلى الله مع البعد عن الثناء على المؤلّف إلا بمقدار يسير يحفظ الحق والود بينهما(16).
الصحف والمجلات:
وهذه تنقسم إلى قسمين صحف ومجلات متخصصة بالعلوم الشرعية وهذه قد تكون المشاركة فيها مما لا إشكال فيه ، وأخرى عامة ، مواضيعها متنوعة . والمشاركة فيها أمر يُستحسن ومطلوب ، إلا أنه ينبغي أن يكون للمشارك – سيماً إذا كان مؤثراً مشهوراً – دور في تحديد أمور منها:
-تحديد مكان نشر المشاركة ، فكما هو معلوم الصحف المتنوعة متنوعة صفحاتها، فما دام أنه يريد أن يشارك فيها فلا بد أن يضع شروطاً يشترطها لتحدد مكان نشر المشاركة الذي يبعدها عما لا يناسبها من وجوه متعددة.
-اشتراط عدم التدخل الذي يغير المعنى وبالتالي يتغير الموضوع الذي يكتب فيه.(3/247)
وعلى الكاتب الذي يدعو إلى الله من خلال مشاركته أن تكون كتابته حيَّة ، فإن الملاحظ أن كتابة بعضهم فيها شيء من الضعف مع أنها قد تكون مدعمة بالدليل من الكتاب والسنة ، لكن قوة النص من الكتاب والسنة يحتاج لأن يكون الاستدلال بهما قوياً بحيث يكون وجه الاستدلال بيناً واضحاً إذا الفرق كبير بين الدليل والمدلول ، فالقراء يعرفون الكتاب ويعرفون السنة غالباً فبين أيدهم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، لكن كيف يُفتّح الكاتب أذهانهم على النصوص.
ومما يشترطه الكاتب أن لا ينشر ما يكتب في وقت ميت إما لكون القراء عامة يعيشون انشغالاً عاماً أو أحداثاً مستجدة تنصب اهتماماتهم على قراءة أخبارها أو أسبابها وتداعياتها وغير ذلك.
الإنترنت:
وإن من الوسائل العصرية وهي مع كونها مسموعة إلا أن القراءة فيها أكثر من السماع ، وسيلة الإنترنت ف(لم يعد من الممكن تجاوز(إنترنت) وتجاهلها أو اعتبارها شيئاً شريراً اخترعه الغرب فإفساد المسلمين وإغوائهم..لماذا؟!لسبب بسيط هو أن التجارب العملية أثبتت أن(إنترنت)كائن يمكن السيطرة عليه وتطويعه حسب ما نشاء)(17)،فعلى هذا يكون العزوف عنه في هذا الوقت تضييع لأفضل الفرص في مجال الدعوة إلى الله سبحانه ، والمشارك فيها يجمل به أن يكون على قدر من العلم الشرعي ، وكذا عنده قدرة على الحوار والإقناع ، ومجالاته واسعة من كتابات مطولة وحوارات جادة وأحاديث خفيفة أو ما يسمى ( بالدردشة) وما على الداعية إلا أن يستعين بالله ويساهم بهذه الوسيلة بما يحقق الاستغلال الأمثل والمساهمة الفاعلة.
ثانياً : وسائل مسموعة:
وهذه منها المشاهد ومنها غير المشاهد وكلٌ منهما له تأثير على المستمع بحسب قوة المادة وجودة الإلقاء والعرض زماناً ومناسبة ، والوسائل المسموعة أنواع منها :
التعليم:(3/248)
-التعليم بأنواعه سواء في الدراسة النظامية أو حلقات القرآن ، أو الدروس العلمية الأخرى في المساجد، والمعلم أياً كان طلابه فإنه إن راعى الحال والمقام وخاطبهم بما يعرفون كان لخطابه الدعوي أثر عليهم تربية واجتهاداً حتى ولو كانوا طلاب صفوف أولية.
قال عمرو بن العاص لحلقة قد جلسوا إلى جانب الكعبة ، بعد أن قضى طوافه وجلس إليهم وقد نحّوا الفتيان عن مجلسهم: " لا تفعلوا ! أوسعوا لهم ، وأدنوهم وألهموهم ، فإنهم اليوم صغار قوم يوشك أن يكونوا كبار قوم آخرين ، قد كنا صغار قومٍ أصبحنا كبارَ آخرين ".وقد علق الإمام ابن مُفلح رحمه الله على هذه العبارة قائلاً :
-( وهذا صحيح لا شك فيه ، والعلم في الصغر أثبت ، فينبغي الاعتناء بصغار الطلبة لا سيما الأذكياء المتيقظين الحريصين على أخذ العلم ، فلا ينبغي أن يجعل على ذلك صغرهم أو فقرهم وضعفهم مانعاً من مراعاتهم والاعتناء بهم)(18).
والمعلم الناجح هو الذي يسعى لفتح أذهان الطلاب وربطهم بخالقهم عن طريق أي مناسبة تعرضُ له في شرحه وتقريره أيا كانت مادته ، وهذا من أساسيات التعليم وأهدافه كما أن هذا من بركة الرجل إن وفق إليه قال ابن القيم رحمه الله ( ... فإن بركة الرجل تعليمه للخير حيث حل ، ونصحه لكل من اجتمع به ، قال تعالى إخباراً عن المسيح عليه السلام : ( وَجَعَلَنِي مُباَرَكاً أَيْنَ ماَ كُنتُ )(19) أي معلماً للخير داعياً إلى الله مذكراً به ، مرغباً في طاعته ، فهذا من بركة الرجل ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة وسحقت بركة لقائه والاجتماع به ...)(20).
الخطبة:(3/249)
الخطب قديمة قدم الزمان، إذ الحاجة إلى مخاطبة الناس وتبليغهم بما لهم أو عليهم سواء كان مصدرها علمائهم أو ولاتهم ، فكل من أراد من الناس شيئاً خطبهم بما يريد [قال الجاحظ: ثم اعلم بعد ذلك أن جميع خطب العرب] من أهل المدر والوبر والبدو والحضر على ضربين : منها الطوال ، ومنها القصار ، ولكل ذلك مكان يليق به وموضع يحسن به)(21).
وجاء الإسلام فزاد الخطب قوة وأهمية ، فأما القوة فجمال الأسلوب وانتقاء العبارات وتحليتها بالآيات والأحاديث وشيء من أخبار العرب وأشعارهم فتأثر الخطباء بالقرآن وبكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما الأهمية فلجعلها عبادة ، أداء واستماعاً .كما في الحدث ( .. ومن مس الحصى فقد لغا)(22).
ولهذا فإن من حق المستمعين على الخطيب أن يراعي حقهم وقد ألزموا بالاستماع إليه فلا بد من الاعتناء بالموضوع ، والتوقيت ، والطول ، والقصر ، ومراعاة الحال ، ومواكبة الظروف والأحوال بياناً وتوجيهاً.
الموعظة:
وهذه وسيلة كلامية يسعى الواعظ من خلالها إلى التأثير في المدعوين بالأسلوب المناسب للحال والمقام، وكم وعظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بمواعظ متناسبة مع الحال والزمان ومنها ما رواه العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : " وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل ٌ:إن هذه موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله....)(23) الحديث. والموعظة عادة ما يكون الناس على غير استعداد لها سواء كانت بعد صلاة مفروضة أو في مناسبة اجتماعية فلا بد من مراعاة أحوال الناس وعدم إملالهم
المحاضرة:(3/250)
وهذه تختلف عن الموعظة ، لان الناس جاءوا مستعدين ، وكذلك تبنى على حقائق علمية مع طول وقتها وإشباع موضوعها وما قد يصاحبها من مداخلات وأسئلة في الغالب تطرح في آخرها مما يتطلب من المحاضر استعداداً علمياً وذهنياً ونفسياً يجعله يجيب بما يحضره ويعتذر عما غاب عن ذهنه أو يجهله.
الندوة:
وهذه تمتاز بأن المشارك فهي أكثر من واحد مع ما فيها من إبعادٍ للسآمة والملل بسبب نقل الحديث من مشارك لآخر مع تنوع محاورها التي يتناولوها هذا إن سلمت من استئثار مديرها بالحديث أكثر من ضيوفه.
الإذاعة:
وهذه يقال فهيا ما يقال في الصحف والمجلات من جهة التقسيم فمتى ما رأى الداعية أهمية المشاركة في البرنامج العام للإذاعة فإن عليه أن يلتمس الإصلاح والمحقق للتأثير الأكبر على المستمعين ، وكل داعية بحسبه والأمور نسبية.
التلفزيون والقنوات الفضائية:
لم تعد المشاركة الدعوية في هذه الوسيلة المسموعة المرئية – شراً محضاً فوصول صوت الداعية إلى ملايين البشر مع المزاحمة الجادة من قبل المخالفين ديناً ، وعقيدة، وأخلاقاً ، يتطلب من الدعاة القادرين دراسة جادة تصل إلى الكيفية المناسبة لاستخدام هذه الوسيلة بما يحقق الخير أو بعضه ويدفع الشر أو بعضه.
الشريط الإسلامي:
الشريط الإسلامي قديم متجدد ومما زاد تجدده قيام مؤسسات إسلامية خاصة تُعنى بالمادة والإخراج وفي النشر في كل مكان مع تنوع مادته ما بين مادة عملية ، وكلمات وعظية ، وإنشاد حسن ، وأخبار ماضية تربط الجيل الحضر بماضيه كل هذه الأشياء تجعل من الشريط وسيلةً دعوية يسهل الاستماع إليها وتداولها ، فما على المهتمين بذلك من أصحاب المؤسسات إلا الحرص الجاد بالمتابعة للجديد الحسن وتيسير نشره واقتنائه.
ثالثاً : وسيلة المؤسسات العلمية والدعوية:(3/251)
يمتاز العمل المؤسسي بجماعيته ، حيث العدد الأكبر المساهم في ذلك العمل ، فتكثر الآراء والأفكار الخادمة ، مع توظيف طاقة كل عضو فيما يناسبها من أجل النهوض بالعمل واستمراره حيث الاستثمار الأفضل لعقول الرجال ، ويضاف إلى هذا عدم ارتباط هذا العمل بشخص واحد ينتهي بتغير رغبته أو موته.
كما أن مثل هذا العمل يمتاز بالتنظيم والدقة والبعد به عن الارتجالية ، حيث النظم المتفق عليها والتي يسير العمل من خلالها ، ومعرفة كل عضو ماله وما عليه داخل هذا الصرح ، وكذا وجود مجلس تصدر القرارات من خلاله لا تسمح لكل أحد بأن يصدر القرار لوحده ، كل هذا وغيره يجعل أعمال هذه المؤسسات أقل خطأً وأكثر صواباً ونفعاً .
وما هذه المؤسسات الدعوية والخيرة في بلادنا المباركة إلا نموذج يحتذى في ذلك . ومما يلحق بهذه ؛ المراكز الصيفية والأنشطة المدرسية التي تحفظ على الشاب وقته مع ما فيه من تدريب على الإلقاء والمخاطبة ، وما يستفيده من خبرات علمية وعملية تساعده على بناء شخصيته ومستقبله ،وتنير له طريقه للمشاركة المثلى في خدمة مجتمعه وأمته.
رابعاً: وسائل أخرى:
وهذه في عمومها طابعها الاتصال المباشر بالمدعو ومن ذلك:
-الذهاب إلى أماكن المدعوين :
فالداعية الحريص على إيصال الحق إلى الخلق مطالب باستخدام هذه الوسيلة فنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى عكاظ وذي المجاز وغيرهما وغشى أندية قريش واجتماعاتهم ولكن لا بد للذاهب أن يكنون متسلحاً بالعلم وقوة الإيمان والأسلوب الأمثل للمدعوين زماناً ومكاناً وتأهيلاً.
-إجابة الدعوة:(3/252)
إذا رأى الداعية من نفسه أن عنده قدرة أن يفيد ويتحدث فالأولى بحقه الإجابة ، وإجابة الدعوة من حق المسلم على أخيه وبخاصة مع خلوها من المنكرات التي لا يمكنه تغييرها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خمس تجبُ للمسلم على أخيه : رد السلام ، وتشميت العاطس ، وإجابة الدعوة ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز"(24) ولكن على الداعية عدم الاستئثار بالحديث وقطع الناس بعدم التحدث مع بعضهم البعض فإن الأصل في إقامة المناسبات الاجتماعية التلاقي بعد طول فراق والمؤاسنة بين الأقارب والأصحاب ، والاستئثار من الداعية يوجد عند بعض المدعوين عدم رغبة بتحدثه للسبب المذكور.
حتى يكون للداعية ذلك الأثر الفاعل بالمدعوين ، فلا بد أن يكون الاتصال بينهم وبينه ميسوراً ، إذ انعزال الداعية وأخذه بالمثالية التامة من المحافظة على الوقت بالتحصيل العلمي الشخصي ، يجعل المدعوين يستعيضون عنه بغيره ، فعلى هذا ما فائدة العلم الذي حصّله إن لم يوصله إلى غيره.
كما أن المدعو يعرض له مشكلات يحتاج معها إلى قادر يساعده على تجاوزها ، وهل أولى من الدعاة القيام بهذه المهمة ، فهم أطباء القلوب ، ولكن يبقى دور الداعية في تربية المدعوين على احترام المواعيد والاعتناء بها، مع عذره لجاهل ، أو غريب جاء لساعات يلقى فيها الداعية ثم يعود إلى بلده.
السعي في مصالحهم والإصلاح بينهم :
السعي في مصالح المدعوين خلق نبيل ودلالة أكيدة على البعد عن الأثرة وحب الذات مع ما فيه أيضاً من حب الخير للآخرين.(3/253)
واتجاه الناس إلى الداعية تلمساً منهم بقضاء حوائجهم وسيلة يمتلك بها الداعية قلوبهم إذ الإحسان يؤثر في الإنسان ، فيزيد القلوب له محبة، وقد يقلبها من البغض إلى المحبة وهذا أمر من وفق إياه فقد أوتي خيراً كثيراً فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مُسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه...) الحديث(25).
والمدعو لو لم يجد عند الداعية إلاّ طلاقة الوجه لتأثر بذلك أثراً إيجابياً مع أنه يسير على من يسره الله عليه.
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطق إن لم تسعد الحالُ(26)
فكيف إذا رأى منه تفاعلاً وحرصاً على القيام بخدمته ، فلا بد من بذل النفس ، وإشعار الآخر أن الداعية يحمل همه ، عنده مشكلة في البيت يتفاعل معه ، مشكلة في الدراسة وغير ذلك فلا يقنطه ولا يجعله مطلق التفاؤل في حل الأمور.
كما هي الحال في السعي في مصالحهم يحسن بالداعية أن يسعى في الإصلاح بين إخوانه المسلمين وهو من الخير الذي قال الله عنه : ( لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفِ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَّفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضاَتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(27).(3/254)
فبعض الأسر تعاني من مشكلات وتنافر بين بعض أفرادها، وكذا بعض الأقران وأصحاب المهن والاهتمامات المتقاربة ، هؤلاء قد يوجد بين بعضهم ما يتطلب من الداعية أن ينزل إليهم ويصلح بينهم وبخاصة إذا طُلب منه ذلك فالحذر من التهرب مع القدرة فعن عبد الله بن سعيد قال قلت : لعائشة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى وهو قاعد ؟ قالت : نعم بعدما حطمه الناس)(28) قال النووي رحمه الله " قال الراوي في تفسيره يقال حطم فلاناً أهلهُ إذا كبر فيهم كأنه لما حمله من أمورهم وأثقالهم والاعتناء بمصالحهم سيروه شيخاً محطوماً والحطم الشيء اليابس " وهكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو القدوة الأوحد ، وصاحب الكمال المطلق من الخلق عليه الصلاة والسلام وللجميع فيه أسوة.
الراحلة:
الداعية إلى الله وهو راكب راحتله مع إخوانه أفراداً أو مجموعات- سواء كانت الراحلة دابة أو من المخترعات العصرية – عليه أن يستثمر هذه الوسيلة في الدعوة إلى الله سبحانه حيث استغلال اللحظة بما يفيد وقد كان هذا من سيرة رسول الله مع أصحابه فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:"بينا أنا رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه إلا أخِرَة الرحل فقال(يا معاذ قلت لبيك رسول الله وسعديك..)الحديث(29).
فهذا المنهج من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقطع الطريق على المتعذرين بضيق الوقت وقصره وأنه لا يتمكن من تقديم شيء للمدعو...(3/255)
وختاماً كم هي الوسائل الممكنة التطبيق اليسيرة التكاليف البدنية والمالية ومن ذلك دعوة أصحاب المحلات التجارية بصفة عامة بوضع لوحات إرشادية دعوية داخل محلاتهم فإن كانت بضاعتهم تتعلق بلوازم النساء كان الإرشاد بما يناسبهن وإن كان غير ذلك وضع في كل محل ما يناسب مرتاديه ، وكذا تدوير المجالات الإسلامي مثل مجلة الدعوة السعودية لو أخذها قارئها بعد ما ينتهي من قراءتها ولم يكن من الذين يحتفظون بالأعداد ووضعها في المحلات العامة كمحلات الحلاقة وغيرها، فربما كلمة فيها يفتح الله بها على قارئها ولو لم يقصدها . فالقلوب لها مفاتيح ولها إقبال وإدبار.
وهنا يقف القلم عن المداد ولا يعني أن الوسائل قد استهلكت وأحيط بها علماً ولكن هذا ما أمكن عرضه فما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله.
(1)- الوسيلة : قال الجوهري: الوسيلة ما يتقرب به إلى الغير ، والجمع الوُسُل والوسائل .. " الصحاح مادة (وسل) 5/1841، قال ابن كثير : " الوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصي المقصود " تفسير القرآن العظيم 2/55.
(2)- الفتاوى 15/162.
(3)- سورة الشورى آية 21.
(4) -سورة يونس آية 59.
(5)- مجموع الفتاوى 11/632.
(6)- قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية للدكتور مصطفى بن كرامة الله مخدوم . ص 343
(7)- ينظر ، التنصير مفهومه وأهدافه وسبل مواجهته لمعالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة.
(8)- حديث رواه البخاري في الفتح ، كتاب الأنبياء باب 54 /ج 6 / 14/ حديث رقم 3477 ومسلم بلفظ رب .. الحديث كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة أحد ، جـ 3/1417 حديث رقم 1702.
9) -القسمان الأول والثاني آثرت عدم الاستطراد فيهما لوجود محاضرات ضمن دورة إعداد الدعاة تناولتهما بالتفصيل فلتراجع؟
(10)- سورة الأعراف آية 175.
(11)-رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان.جـ 1/69حديث رقم 49.
((3/256)
12)- ينظر شرح النووي لصحيح مسلم ص/25.
(13)- أي الرمي بالمدفع
(14)- الفتاوى السعدية ص 241،240.
(15)- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 1/36ن 35.
(16)- يقرأ الإنسان أحياناً تقريضا لبعض الكتب فيجد أن التقريض أنصب على المؤلفِ تعريفاً وثناءًا مطلقاً وغير مقيد بما يقرض له ، وهذه تعني تزكيةمطلقاة للمؤلفِ علماً أن الكتاب قد يكتب في يوم من الأيام كتابة لا تصلح ولا تناسب من أعطاه تزكية مطلقة بمؤلف سابق وبخاصة إذا كان من أهل العلم المعروفين ، فالأصل بالتعامل مع المكتوب التعامل مع المقولة دون القائل ، حتى القائل الذي عنده انحراف إذا لم تناقش مقولته المنحرفة وركز عليه هو دونها فربما في يوم من الأيام يعود إلى رشده ويتوب إلى ربه وما ذلك على الله بعزيز ويتوب الله على من تاب لكن يبقى الأهم وهي المقولة التي ستبقى في المكتبات العامة والخاصة فلهذا لا بد من البعد عن الذم المطلق للأشخاص وكذا التزكية المطلقة للأشخاص إلا بالضوابط الشرعية خاتماً إياها بقوله هكذا أحسبه والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً ...
(17)-الإنترنت في خدمة الإسلام لعبد المنعم حسن النهدي ص 10.
(18)- الآداب الشرعية والمنح المرعية 1/ 244
(19) سورة مريم آية 31.
(20)- رسالة إلى كل مسلم ص 5 ، 6.
(21)- البيان والتبيين 2/7.
(22)- رواه مسلم ، كتاب الجمعة ، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة 2/ 588 حديث رقم 157/27.
(23)- رواه الترمذي واللفظ له ، كتاب العلم ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع 5/ 43 حديث رقم 7676 وقال حديث حسن صحيح ، وأبو داود كتاب السنة باب في لزوم السنة 5/ 13 رقم 4607.
(24)-رواه مسلم كتاب السلام ، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام،4/ 1704حديث رقم 2172.
(25)- رواه مسلم كتاب الذكر والدعاء ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر 4/2074 حديث رقم 2699.
(26)- شرح ديون أبو الطيب المتنبي للعكبري 3/276 قصيدة 215.
((3/257)
27)- سورة النساء آية 114.
(28)-رواه مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز النافلة قائماً وقاعداً1/506رقم 732.
(29)- رواه البخاري ، كتاب اللباس ، باب إرداف الرجل خلف الرجل 10/ 397 حديث رقم 5367.
ــــــــــــــــــ
أشعر بفتور
المجيب ... د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ ... 6/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا ملتزم من حوالي سنتين، وكنت في الماضي بعيداً جداً عن الله تعالى، فكنت أتعاطى المخدرات وأشاهد الصور الإباحية وأمارس العادة السرية، ولكني بفضل من الله تخلصت من هذه الأشياء عندما التزمت، ولكن بعد مرور وقت على الالتزام أمُر الآن بمرحلة فتور قوية جداً يا شيخ، وأني مستاء جداً من نفسي، فلقد رجعت إلى مشاهدة الصور وممارسة العادة السرية فلم تنفع الكتب الوعظية ولا الأشرطة، ولا حتى المقالات التي تتحدث عن الحلول، حتى آيات القرآن التي تتحدث عن الموت وعن عظمة الله لم تنفع معي يا شيخ، وأني الآن أبكي وأنا أكتب رسالتي؛ لأني أريد أن أعود إلى الله، ولكن قلبي أصبح مريضاً؛ بل لقد مات قلبي, وإني أشكو بثي وحزني إلى الله وأريد منكم أن تساعدوني في مصيبتي؛ لأني أخاف أن أموت وأنا في حالتي هذه التي لم أكن أتوقع أبداً أن أصل إليها, وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أخي الفاضل: أسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك بقوله الثابت في الدنيا والآخرة.
ذكرت في رسالتك أنك حاولت علاج نفسك بالمواعظ والأشرطة وغير ذلك، ولكن كما تتصور لا فائدة، ومشكلتك تتركز في النظر والعادة السرية.
أخي الكريم: لم تذكر هل أنت متزوج أم لا؟!. ويغلب على ظني أنك غير متزوج، وربما أنك غير مستطيع الآن للزواج.(3/258)
حينئذ لا تجعل تنفيسك عن نفسك بالعادة السرية كبيرة مثل كبيرة الزنا، وبادر بالسعي إلى الزواج فهو حصن حصين من الفاحشة بإذن الله، واقرأ ما ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد عن الاستمناء، فقد قال: (إن كان مغلوباً على شهوته يخاف العنت أو الزنا أو الضرر في دينه وبدنه جاز له ذلك) ابن جرير الطبري جامع البيان عن تأويل أي القرآن(ج4ص28ط دار الكتب العلمية)، نص عليه أحمد في بدائع الفوائد ج(4ص96ط دار الفكر، يعني الإمام أحمد بن حنبل.
وليس الاستمناء مثل الزنا بحيث يكون قلقك وخوفك من ارتكابه مثل كبيرة الزنا، فلا ينبغي أن يتدرج بك الشيطان إلى ما هو أعظم وأكبر من ضعف العبادة أو تركها.
بل بادر بعد كل نظر محرم أو استمناء إلى الاستغفار وفعل الطاعات مثل نوافل الصلوات، والصدقات، والذكر وغير ذلك، قال تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" [هود:114]، وأكثر من الصيام تطوعاً، وحاول إشغال وقتك بالمفيد من الأعمال، واعلم أن الأمة بحاجة إلى الإصلاح والعمل من كل فرد بحسب قدرته وطاقته.
أخي الفاضل: لا أوافقك على قولك بأن لا فائدة من سماع المواعظ، فها أنت تطلب الإرشاد، وتطلب المساعدة وتخاف من الانتكاس وما ذلك إلى لما في قلبك من الخير.
فاستمر في سماع المواعظ، وزيارة القبور، وزيارة المرضى وتذكر عظيم منة الله عليك بالطاعة والاستقامة، وكونها سبب الحياة الطيبة.
واعلم أن الدعاء من أعظم ما يعين على الثبات فاكثر من الدعاء بالثبات، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" [آل عمران:8] وأكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، والدعاء: "رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون" [المؤمنون:98].(3/259)
لا تهيج نفسك على المعاصي بالنظر المحرم، وإذا وقع منك النظر فتوضأ لتزيل أثره وتتطهر منه، فقد أخبر النبي – - صلى الله عليه وسلم - : حيث قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه على الماء، أو على آخر قطر الماء ..." أخرج مسلم (244) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه.
أكثر من الجلوس مع الصالحين والمكثرين الذكر والعبادة للتأثر بهم، وتقل نوازع الشر في النفس.
أكرر الدعاء بالثبات لي ولك: (اللهم ثبتني وأخي السائل على قولك الثابت في الدنيا والآخرة)، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــ
أرغب في طلب العلم ولكن . . . !
المجيب ... د. عبد الله بن وكيل الشيخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف ... الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/استشارات دعوية
التاريخ ... 9/4/1422
السؤال
أحاول أن اطلب العلم ولكن كلما بدأت لا أكمل الطريق واتقاعس عن الطلب، وأحاول مرة أخرى ولكن سرعان ما تتثبط همتي، مع العلم أن أصدقائي كلهم يطلبون العلم ومنهم المجتهد، ومنهم من هو في مثل حالتي، ومنهم من يأخذه الوقت في اللعب المباح، وأسأل كيف أطلب العلم على الطريقة الصحيحة، وألحق بطلبة العلم مع العلم أن البلد الذي أنا فيه ليس فيه علماء إنما طلبة علم فقط فهل تنصحوني بالأشرطة السمعية للدروس العلمية ؟
الجواب
ينبغي أن يلتزم طالب العلم بشيء ثابت مما تميل إليه نفسه وتكون رغبته فيه قوية كالفقه مثلاً أو العقيدة أو السنّة ونحو ذلك. وليكن لك في زملاؤك وأصدقائك خير قدوة في طلب العلم وأوجد في نفسك روح المنافسة الشريفة في طلبه. فإن كان زملائك الذين ذكرت طلبة علم وبينكم تقارب في السن، أنصحكم بالانتقال إلى طور المدارسة للعلم وتدوين ما أشكل وسؤال أهل العلم عنه.(3/260)
أما الأشرطة السمعية فهي من أفضل المصادر في تلقي العلم بشرط أن يُقرن بينها وبين الكتاب المشروح، ويسجل ويذيل على الكتاب ما كان من فوائد حتى يتحقق طلبه العلم من ذلك الكتاب ويحصل الانتفاع به.
أما فتور العزيمة فيمكنك أن تستعين بعد الله بالقراءة – في كتب سير العلماء – حتى يحدوك ذلك للجد في الطلب، كسير أعلام النبلاء وطبقات الحنابلة فإنها تقوي عزيمتك، والله أسأل لنا ولك التوفيق والسداد.
ــــــــــــــــــ
أشك أني مسحور
المجيب ... د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقا-ً
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /السحر والمس
التاريخ ... 22/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو أنني أصبحت أشكو كأن إنسان سحرني فقد كثرت المشاكل والأمراض بشكل كثير جدًا مع أنني، والحمد لله ملتزم نسأل الله الثبات فقد كنت من أول الواصلين المسجد قبل الأذاّن أما الآن فعندما تقام الصلاة أذهب مع أني عندي مشاكل مع الصوفية في المسجد الذي أصلي فيه لأننا والحمد لله ننشر عقيدة التوحيد في المنطقة التي أسكن فيها التي مليئة بالقبوريين، فما هو توجيهكم لي حفظكم الله تعالى.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أخي الكريم! دعني أكون صريحاً معك.(3/261)
إن الإنسان عندما يصيبه فتور أو ملل من الالتزام بوضع جاد وصارم على نحو ما كنت عليه من المحافظة على الصلوات قبل الأذان ونحو ذلك، ثم يبدأ في التقاعس والفتور يبحث في نفسه عن المعاذير التي تخفف عنه لوم النفس، وكثيراً ما يلجأ إلى الأمور الغيبية التي لا يمكن التعامل معها أو السيطرة عليها كالحسد والسحر، وتلبس الجان ونحو ذلك، ويعطي لنفسه المعذرة لأنه غير ملوم في ما جرى لو ضعه من هبوط وهذا كله هروب من المشكلة ومخادعة للنفس، ولذا فنصيحتي إليك أن تتجاوز كل هذه الأفكار، وتعلم أن أمر الصلاة والالتزام عليها أمر يحتاج إلى مجاهدة، وأن السحرة لا يستهدفون هذا الجانب في حياة الإنسان، وإنما يستهدفون أموره الدنيوية التي هي مجال للتحاسد والتنافس بين الناس، أما جانب العبادة فلا يستهدفه السحرة ولا الحساد بالعين، ولا يعوق عنه تلبس الجان، فالجن لا يستطيعون الحيلولة دون الإنسان وعبادة ربه ولن يجعل الله لهم على المؤمنين سبيلاً، ولو كان هذا الباب مفتوحًا لكفر الكفرة وعصى العصاة وأجرم المجرمون وادعوا أنهم تحت تأثير سحر أو عين أو جن.
كلا يا بني احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك هذا النوع من الفتور فتذكر قول النبي – - صلى الله عليه وسلم - " لِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ.." أخرجه أحمد (6958).(3/262)
فمن الطبيعي للإنسان سواء في أموره الدينية أو الدنيوية أن تأتيه حالات جدية وإبداع وتألق، ويعقبها حالات من الفتور، وهذه طبيعة النفس التي لا يدوم على حال لها حال، ولكن ينبغي أن يكون عند الإنسان قدر من المجاهدة لنفسه، والمحافظة على قدر من التوازن في عمله، وهو هدي النبي – - صلى الله عليه وسلم - وسنته فقد سئلت عائشة عن عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: وأيكم يطيق ذلك؟ يعني كان عمله شيئاً شاقاً، فما هو هذا العمل الشاق الذي لا يستطيعه أكثر الناس؟ قالت رضي الله عنها :"كان عمله ديمة" أخرجه البخاري (1987)، ومسلم (783) أي كان عمله له طابع الاستمرارية والانضباط، وليس النزوات والتقطع، وكذلك قول النبي – - صلى الله عليه وسلم - "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ" أخرجه مسلم (2818)، فعليك أن تجعل لنفسك البرنامج الذي تستطيع أن تستمر فيه، وتتحمل الانضباط عليه، ثم تستمر عليه بالمجاهدة ، وعليك أولاً معرفة معيار نفسك، فالناس يختلفون في قدراتهم وفراغهم، وعليك عندما تعرف معيار نفسك أن تجاهدها على الاستمرار في هذا المعيار، وأحذرك مرة أخرى من الاستمرار وراء أوهام العوائق التي من هذا النوع الذي تفكر فيه.
ــــــــــــــــــ
فتور عن الطاعة بسبب التفكير في العنوسة!
المجيب ... سليمان بن إبراهيم الأصقه
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 11/05/1427هـ
السؤال
أنا فتاة عمري سبع وعشرون سنة، لم أتزوج، وكنت أصلي وأصوم وأحفظ القرآن وقريبة من الله، ولكن الآن أصبحت لا أفعل أي شيء؛ وذلك من كثرة التفكير في الزواج، فأنا أريد أن أتزوج وأعف نفسي وأستقر، وهذا التفكير جعلني أبعد عن الله، حيث إن فكري مشغول بموضوع الزواج، فأرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(3/263)
فالذي يجب أن تفعلي هو التوبة إلى الله تعالى، والإنابة إليه إن كنت تريدين التوفيق في أمورك، ومنها الزواج، أما أن يكون موقفك من الابتلاء هو البعد عن الله وطاعته فهذا مما يسعى إليه الشيطان، وهو من أمانيه، كما قال تعالى :" قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ" [صّ: 82 – 83].
ألست تعلمين أن الأمور بيد الله جل جلاله؟ ألست تعلمين أنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع، وأنه لا ينفع ذا القوة أو الغنى غناه أو قوته إلا بالله؟ ولذا كانت "لا حول ولا قوة إلا بالله" كنزاً من كنوز الجنة، أي لا محول من حال إلى حال، ولا تنفع قوة أي قوي إلا بالله جل وعلا، فالواجب عليك التوبة إلى الله، والرجوع إليه، والتزام طاعته بالصلاة المفروضة، والمحافظة على الأذكار، وتلاوة القرآن الكريم، والدعاء بأن ييسر الله أمورك، ويمنحك الزوج الذي يسعدك، وما يدريك لعل الله تعالى أخر زواجك؛ لأنك لو تزوجت من قبل لتطلقتِ، وما يدريك لعل الله قد ادخر لك الزوج الذي يسعدك. قال تعالى:" وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ"[البقرة: من الآية216].
وقال تعالى:" فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" [النساء: من الآية19].
إن الواجب على المؤمن حيال ما يقدره الله له من خير أو شر أن يشكر عند الخير والسراء، وأن يصبر عند البلاء والضراء، وبهذا تكون جميع المقادير خيراً له، كما قال ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له..." أخرجه مسلم برقم (2999) من حديث صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه.(3/264)
إن الاستغراق في التفكير في تأخر الزواج دون التوبة والإنابة لا خير فيه، ولن يقدم ولن يؤخر، بل هو بوابة للهلاك والاعتراض على مقادير الله تعالى، وسخط أفعاله سبحانه ذريعة الخذلان وسيلة الحرمان، فالحذر الحذر من ذلك، فإن الله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وعلى المؤمن الرجوع لنفسه باللوم والمحاسبة، فإننا ما أُتينا إلا من قبل أنفسنا، قال الله تعالى: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك". أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، وتسعدين معه في الدنيا والآخرة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم
ــــــــــــــــــ
ذلك الفتور .. القاتل !!!
المجيب ... أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف ... الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ استشارات نفسية وتربوية/أخرى
التاريخ ... 28/10/1422
السؤال
لدي مشكلة مهمة في نظري وإلا لما كتبتها هنا ألا وهي أني أصاب بالفتور المزمن الدائم الذي لا يذهب عني إلا أسبوعاً على الأكثر ، ثم يرجع فتور أشد من ذي قبل وأنا أريد منكم إفادتي . ماذا أفعل لكي أتخلص أو أقلل من هذا الفتور الذي يطاردني أينما ذهبت وكيفما كنت ؟ وجزاكم الله خيرا .
الجواب
أخي الكريم ، أشكر لك ثقتك ، وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد، وأن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .أما استشارتك فتعليقي عليها ما يلي :(3/265)
أولاً : لم تذكر لي – أخي الكريم – الكثير من التفاصيل الهامة جداً لتشخيص ما أسميته أنت " بالفتور المزمن الدائم " مثل أعراض هذا الفتور وعمقه وحدته ومنذ متى وأنت تشعر به ؟ وهل يرتبط لديك بأعراض أخرى تستشعرها قبله أو بعده ..؟! وما هي ظروفك الأسرية والاجتماعية والدراسية ؟! والكثير من التفاصيل التي – ربما – تراها أنت عديمة الجدوى ، ونراها نحن أساسية لفهم واقعك وحالتك .. ومن ثم التعامل على ضوء هذا الواقع . ولذلك فسأذكر لك هنا إضاءات عامة ربما وجدت فيها ما تريد .. أو أيقظت فيك حساً منشغلاً عنها ..!!
ثانياً : ماذا عن نظامك الغذائي ؟ وهل تراه متوازناً ومعتدلاً ومرتباً ..؟! فللنظام الغذائي ونوعيته أثر كبير في طاقتنا وحيويتنا الجسمية والنفسية والعقلية ..!!
ثالثاً : ماذا عن برنامجك اليومي ؟ وكيف يبدأ ؟ وكيف ينتهي ..؟! وماذا يتخلله ..؟! إن لترتيب الوقت بشكل أو بآخر أثره في تحفيزنا نحو العمل واتضاح الرؤية لنا فيما سننجز ، ومتى وكيف ؟! وهي أمور هامة يغفل عنها الكثيرون ولا يولونها الاهتمام الذي تستحقه .
رابعاً : ابدأ منذ الآن .. ضع لك هدفاً سامياً سواء في دراستك ، أو في تحسين وضعك المادي ، أو الارتقاء بنفسك ثقافياً واجتماعياً ، أو تأدية رسالة لمجتمعك وأسرتك بل وأمتك . وابدأ بتحقيق هذا الهدف شيئاً فشيئاً .. وبقدر ما تتقدم في مسيرتك – حتى ولو كان تقدماً بطيئاً – فإنك ستشعر بالرضا .. وستطلق في داخلك آلاف المحفزات الإيجابية ؛ لتستمر في تأدية هذه الرسالة وتحقيق هذا الهدف .
خامساً : لتعلم - يا عزيزي - أن وضعنا النفسي قد يتقلب – أحياناً - بين النشاط والفتور والحماس والإحباط واليأس والأمل . فتعامل مع هذا الأمر بشكل عادي .. والمهم هنا ألا تستسلم لهذا الفتور بل قاومه .. وثق أنك ستتخلص منه بعون الله .
سادساً : ماذا عن جلسائك ؟ ومن أي أصناف الناس ؟! فالمرء من جليسه !!(3/266)
سابعاً : استعن بالله قائماً وقاعداً ، وتوكل عليه ، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم .. وردد الدعاء المأثور [ اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن وغلبة الدَّين وقهر الرجال ...] وقوِّ ثقتك بالله واتكالك عليه .. وابدأ نهارك بذكر الله وقراءة أذكار الصباح الواردة .. واختم نهارك كذلك بالذكر وقراءة الأذكار الواردة ولا تنس قراءة القرآن الكريم .
وفقك الله ورعاك وسدد على طريق الخير خطاك .
ــــــــــــــــــ
فتور في طلب العلم
المجيب ... د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ ... 03/02/1428هـ
السؤال
أحب طلب العلم، لكن سرعان ما أترك الطلب بسبب التكاسل، أو لأسباب أخرى، من أهمها الغربة التي أعيشها. فما نصيحتكم لي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
جميل بالإنسان أن يجد ويجتهد في طلب العلم، فكلما ازداد الإنسان علماً، كلما ارتفعت مكانته، وعلت رتبته، فالله سبحانه يقول: "قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون" [الزمر:9]. وقال تعالى: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" [المجادلة:11]. ولما كان طلب العلم من أجلّ العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله بعد الفرائض لو أخلص فيها النية، فإن الشيطان لن يدع العبد يتفرغ لها، بل سيحول بينه وبينها بكل وسيلة ممكنة من وسائله.
لكن الإنسان الرشيد هو الذي يستعين بالله تعالى على مراده، ويحتسب الأجر عند الله في كل أفعاله، فيجتهد في طلب العلم ويجد فيه، ويبذل الأسباب المعينة على ذلك والتي من أهمها:(3/267)
- طلب العلم لوجه الله تعالى. واستشعار الثواب في طلب العلم، فكلما أحس المسلم بالثواب، كلما زاد اجتهاده وعلت همته. وفي صحيح مسلم: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ".
- الوقوف على فوائد العلم في حياة القلب وزيادة الإيمان، ونور البصيرة، ومعرفة الأحكام، والقدرة على وزن الأمور بمقياس صحيح، وغير ذلك.
- طلب العلم من أهله: فلا بد أن يتلقى الإنسان العلم عن أهل العلم، فيستفيد من أحوالهم، وينتفع بأقوالهم، ويتأسى بسيرتهم، ومما قاله عبد الله بن وهب: (ما تعلمت من أدب مالِكٍ أفضل من علمه.
وأهل العلم لهم أثر في إيجاد الرغبة في العلم، وشدة التعلق به، وقوة الصلة به، ومن يتعلم منهم ويرى همتهم، ويقف على أحوالهم لا يرضى بالكسل، ولا يستسلم للانقطاع.
- صحبة تشتغل بالعلم، وتتنافس في التحصيل، وهؤلاء لهم أثر في بقاء الحمية والحماسة لطلب العلم، والمنافسة تعلي الهمم، وتمنع الفتور والتقاعس..
- قابلية للتعلم، من حيث الحرص والاهتمام والعناية بالعلم ومسائله.
- المتابعة المستمرة، في كل الظروف والأحوال. فليس هناك حد ينتهي فيه الإنسان من طلب العلم، ولذلك قيل: ما يزال المرء عالما ما طلب العلم.
وما أحسن قول الإمام الشافعي عندما قال:
أخي لن تنال العلم إلا بستة****سأنبيك عن تأويلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة****وصحبة أستاذ وطول زمان
ومن الأمور التي تدفع عنك الكسل، وتمنع الانقطاع قراءة سير العلماء، وما كانوا عليه من جد واجتهاد، و ما تحملوا في طلب العلم من عناء ومشقة، وما حصل بهم من النفع والفائدة.
ومما يعين كذلك الجوانب التربوية المتعلقة بالحرص على الوقت، واستشعار المسؤولية والسؤال عن الوقت والزمن، وما عمل فيه، فيدفعه ذلك إلى أن لا ينقطع ويضيع وقته فيما لا فائدة فيه.(3/268)
ومن الأمور التي تساعد على طلب العلم في زماننا الالتحاق بدورات علمية شرعية، أو بجامعات ولو بالانتساب، وكذلك الانضمام إلى المنتديات العلمية المختلفة على الشبكة، أو في القنوات الفضائية التعليمية.
وفي حالة السائل: فإن الغربة تقتضي وجود فرصة أكبر لطلب العلم، حيث تقل في الغربة علاقات الإنسان الاجتماعية، وبالتالي يتوفر له المزيد من الوقت لطلب العلم والانشغال به.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، إنه سميع مجيب.
ــــــــــــــــــ
برنامج عملي لتقوية رابط الأخوة
المجيب ... هاشم بن عبد النور الأهدل
مشرف تربوي بجمعية تحفيظ القرآن الكريم
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الأخوة في الله وضوابطها
التاريخ ... 01/03/1428هـ
السؤال
عندي جلسة شباب تربوية، هم من الشباب المستقيم، وأريد أن أضع لهم برنامجاً وخطة يسيرون عليها على مدار السنة، أعمارهم تتروح بين (20 إلى 27 سنة)، ملتزمون منذ فتره من الزمن ما يقارب الخمس سنوات. كما هو معروف أن الطاقات مختلفة، ويعاني أكثرهم الفتور عن الطلب، والبعض عن الدعوة، ولكن الأكثر مقبل على الدعوة، وليس لديه علم إطلاقاً، أرجو من فضيلتكم إعطاءنا مقترحات كي تقوم هذه الجلسة على منهج صحيح.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
أسأل الله عز وجل أن يوفقك أخي الفاضل فيما تقوم به من جمع إخوانك، وإعانتهم على الخير والثبات على دين الله، ثم أشكر لك حرصك على تطوير العمل الذي تقوم به، وسؤال أهل الخبرة والتجربة. وقد ذكرت أخي الفاضل أن لك جلسة تربوية مع مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم من 20-27 سنة، وتريد وضع خطة لهذه الجلسة التربوية، علماً بأن بعضهم أصابهم فتور عن الطلب، وبعضهم متحمس للدعوة، مع ضعف العلم الشرعي ،،
فأقول وبالله التوفيق :-(3/269)
أولاً: اعلم أخي الفاضل أن أي عمل يقوم به الإنسان لابد أن يكون له هدف واضح وجلي يسعى لتحقيقه ، حتى تصب جميع الوسائل والطرق والبرامج لتحقيق هذا الهدف، ولابأس أن تكون هناك أهداف أخرى ثانوية ومرادفة للهدف الأساسي .
وقد ذكرت هذه النقطة في المقدمة لأهميتها، ولأن الخطة ستختلف كثيراً حسب اختلاف الهدف.
ثانياً: الذين يحضرون الجلسة التربوية هم في المستوى الجامعي أو موظفون، وهم ملتزمون من فترة خمس سنوات كماذكرت في سؤالك، وهذا يعني أنهم على مستوى من النضج والحرص، ولذلك أنا سأفترض هنا أن الهدف من الجلسة هو (الرقي بمستوى الأعضاء، وتثبيتهم على الدين، وفتح مجالات لهم حسب مستوياتهم وقدراتهم لخدمة الدين).
ثالثاً: بعد أن حددنا الهدف الرئيس للجلسة نبدأ بجمع الأفكار والوسائل من جميع الأعضاء لتحقيق هذا الهدف، ولابد أن يكون الهدف واضحاً لجميع الأعضاء، فعلى سبيل المثال لا الحصر من الوسائل التي تخدم الهدف الذي افترضناه:
(1) إحياء وتقوية الجانب الإيماني.
(2) تقوية روابط الأخوة بين الأعضاء.
(3) توجيه الأعضاء المتميزين إلى الأماكن التي تطورهم، وتستفيد منهم دعوياً، كمكاتب دعوة الجاليات والهيئات والمؤسسات الخيرية وغيرها.
(4) رفع مستوى العلم الشرعي . وغير ذلك من الأهداف .
رابعاً: بعد أن حددنا الهدف العام، ثم جمعنا وسائل تحقيق هذا الهدف، نبدأ بعد ذلك بجمع البرامج والوسائل والطرق التي تحقق ما افترضناه ، فعلى سبيل المثال وباختصار: مثلاً وسيلة تقوية الجانب الإيماني قد نحققها بعدة طرق، منها سماع شريط مناسب، حضور محاضرة، استضافة شيخ، قراءة كتاب، زيارة مقبرة، وغير ذلك كثير .
خامساً: وهي الخطوة الأخيرة لكتابة الخطة، وهي تفريغ هذه الوسائل الأخيرة في جدول زمني حسب حاجتنا لها وضرورتها، ثم تنفيذ الخطة وتقويمها وتطويرها من فترة إلى أخرى.(3/270)
سادساً: بالخطوات الخمس السابقة نكون قد كتبنا خطة زمنية للجلسة التربوية الخاصة بكم أخي الفاضل، ولكن لدي عدة توجيهات لك أخي الكريم أثناء كتابة الخطة.
(1) احرص على أن يكون عملك في هذه الجلسة جماعياً وغير فردي ، ولابأس أن ترشح مجموعة متميزة من المجموعة العامة لاستشارتهم وطلب أفكارهم.
(2) اعرض خطتك وعملك على أحد المشايخ المهتمين بأمور الشباب وتربيتهم والتعامل معهم، وارجع له في أي عائق يعوق خطتك .
(3) اجعل نصب عينيك دائماً الإخلاص لله وطلب العون منه ودعاءه، واعلم أن التوفيق بيد الله عز وجل، فمهما بذل الشخص من الأسباب فالتوفيق بيد الله سبحانه.
إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول مايجني عليه اجتهاده
(4) أقترح عليك زيارة موقع (المربي)، وموقع (صيد الفوائد) للاستفادة منهما في هذا الجانب.
أسأل الله أن يوفقك لكل خير.
ــــــــــــــــــ
ل أرجع لبلدي أم أواصل دراستي في بلد الكفر؟
المجيب ... سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية /اجتماعية أخرى
التاريخ ... 13/04/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:(3/271)
أنا شاب ملتزم -ولله الحمد- أبلغ من العمر 19 عاماً، ومشكلتي كالآتي: تخرجت العام الماضي من الثانوية العامة، وحصلت على المركز الأول على مستوى منطقتي، فحصلت على جائزة، وهي عبارة عن بعثة للدراسة في أمريكا في التخصص الذي أرغبه، فاحترت حيرة لا يعلم بها إلا الله، واستخرت مرات عديدة، وشاورت الكثيرين، واختلفت الآراء، في العطلة قمت بالتقديم لإحدى الجامعات في بلدي، فتم قبولي ولله الحمد والمنة، وطبعاً وافقت على البعثة استجابة لرغبة الأهل وغيرهم- وهي لم تكن رغبتي-، وقبل نهاية العطلة قمت بالتقديم لتأشيرة طالب في السفارة الأمريكية ببلدي، وتم قبول طلبي، وخرجت التأشيرة بعد أسبوع، وقد أخذت موافقة من الكلية في بلدي بأني ربما أعود السنة القادمة إذا حصل لي أي ظرف أو عدم ارتياح للدراسة بالخارج أو غيره، سافرت لأمريكا وأنا أكتب مشكلتي منها الآن، سافرت وليس لدي رغبة في السفر، وأنا الآن أدرس اللغة الإنجليزية في مركز متخصص لذلك، وبرنامج البعثة هو أن أكمل دورة اللغة ثم التحق بالجامعة التي أريد، افتقدت صلاة الجماعة، فقليل ما نصلي جماعة؛ حيث إني أسكن بعيداً عن المساجد، وافتقدت حلقات القرآن، وافتقدت الجو الروحاني، والإخوة الذين كانوا معي في الجامعة في بلدي، فهنا كل من حولي كفرة، والمسلمون الذين معنا لم أجدهم كما توقعت - أعني من هم في سني-، بدأت أقصر كثيراً في ديني والله المستعان، لست كما سبق، افتقدت كل شيء، لحسن الحظ وجدت أن تأشيرتي مدتها 8 أشهر، حيث تنتهي قبل عطلة الصيف في بلدي بأسابيع، وبالتحديد في اليوم الذي أكمل فيه الدراسة في مركز اللغة الإنجليزية، أتمنى أن تنصحوني وترشدونني إلى الصواب، هل أكمل الدراسة في أمريكا وأصبر برغم كل ما سبق؟ أم أعود لأكمل الدراسة في بلدي، حيث إن ذلك أصلح لديني وأسعد لنفسي؟ أرجو نصحي جزاكم الله عني خير الجزاء؛ فأنا في حيرة.
الجواب(3/272)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أخي الفاضل: أنت بعقل الرجل الراشد ذي الأربعين، وإن كنت في سن التاسعة عشرة، أنت رجل بحق، وقليل من يكون في مثل عقلك وهو في مثل سنك، أُكْبِر هذا العقل، كم من شاب في مثل سنك يحلم أن يقيم حيث تقيم، حيث لا رقيب ولا تقييد لحرية... يختار ما يشاء ويفعل ما يريد، فالشهوات مباحة، والعلاقات المحرمة متيسرة، والمحظورات مرفوعة.
أما أنت ففي قلبك البذرة الصالحة التي تكوَّنت في ذلك المجتمع الطيب مع الصحبة الأبرار في جامعتك السابقة، وحسن تربية أبيك لك ودعاء أمك، هذه البذرة ليست إلا الإيمان والخوف من الرحمن، وهي التي دفعتك إلى أن ترسل هذه الرسالة تطلب المشورة.
أخي: أحسب أن ما أمضيته من الوقت هنالك كافٍ لتعلّم الكثير من هذه اللغة الضرورية في تخصصك، فعُد أدراجك إلى وطنك، وانتظم في الجامعة التي قبلتك؛ ففيها الصحبة الصالحة، والبيئة الإيمانية، حيث لا اختلاط ولا فتن، ولا شهوات، تحوطك فيه صحبة صالحة، يذكرونك إذا نسيت، وينشطونك إذا فترت، ويعينونك على طاعة الله، ولا أرى ما يوجب بقاءك فيما أنت فيه الآن، فأنت مقبول في جامعة ناجحة قوية وفي وطنك، وينتظرك – إن شاء الله- مستقبل زاهر، وأنت بذلك تحفظ نفسك أن تستهويها نزوة الفاحشة، أو يصيبها فتور عن الطاعة، والقلب كما يقوى إيمانه بالطاعة واجتناب الكبائر، فإنه كذلك يضعف إيمانه بما يألفه من الكبائر، وإصلاح دنياك لا يكون بإفساد آخرتك، فأصلح دنياك بما لا تفسد معه آخرتك.(3/273)
أما التعويل على الصبر والمصابرة طيلة بقائك هنالك فمغامرة، قد لا تنجح في غالب الظن، فالمدة طويلة، وأنت شاب عزب، غريب في بلدٍ الحرية فيه مطلقة، والشهوات فيه ضاربة بأطنابها، ونصيحتنا إليك أن تعود إلينا حيث أهلك وصحبتك الصالحة، وبلدك الذي تسمع فيه ذكر الله، وتُعان فيه على الصلاة والصيام. أسأله سبحانه أن يجعلك مباركاً أينما كنت، وأن يصلح لك شأنك كله.
ــــــــــــــــــ
يعتريني الملل بقراءة أوراد السور
المجيب ... د. رفعت فوزي عبد المطلب
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 22/09/1427هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
سؤالي إلى فضيلتكم هو كالتالي :
ورد عن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- أحاديث عن فضائل بعض سور القرآن الكريم, كقراءة سورة تبارك (الملك) كل ليلة, وكذلك الدخان والواقعة، وغيرها... وأنا -ولله الحمد- أداوم عليها، ولكن قد يعتريني بعض الملل، فأحب أن أقرأ سوراً أخرى، فبماذا تنصحونني؟ وهل يعقل للمسلم أن يبقى مداوماً على هذه السور، وأن يترك بقية السور الأخرى؟. جزاكم الله كل خير ونفعنا بكم.
الجواب
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأصلي وأسلم على نبي الهدى والرحمة وعلى آله وصحبه، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فنشكرك ـ أختنا الكريمة ـ على تواصلك مع موقع (الإسلام اليوم)، ونأمل أن يكون باباً من أبواب العلم النافع تلجينه ولوجاً نافعاً -إن شاء الله تعالى-.
فتلاوة القرآن الكريم من أفضل العبادات وأحبها إلى الله تعالى، فقد ورد في ذلك آثار عديدة، منها ما جاء عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم (804).(3/274)
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر" متفق عليه. أخرجه البخاري (5427)، ومسلم (797).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب" رواه الترمذي (2913)، وقال حديث حسن صحيح.
وكما قلت في سؤالك فهناك أحاديث وردت في فضائل سور القرآن الكريم ومنها:
(1) سورة الفاتحة: عن رافع بن المعلى قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟" فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت يا رسول الله: إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن؟ قال: "الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" رواه البخاري (4474).
وتسمى سورة الفاتحة بسورة (أم الكتاب، وسورة الصلاة، وسورة المناجاة، وسورة الكافية، وسورة الشافية).
(2) سورة البقرة وآل عمران: عن أبي أمامة-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما من طير صواف تحاجان عن صاحبهما، اقرؤوا البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلة" رواه مسلم (804).
الغياية: هي ما أظلك من فوقك، البَطَلة: أي السحرة، فهي حصن منهم.
هذا ومن الآيات الفضيلة في سورة البقرة آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وخواتيم هذه السورة.(3/275)
ومن الآيات الفضيلة في سورة آل عمران أولها، وآية (شهد الله)، وآية (قل اللهم) وآيات (إن في خلق).
(3) سورة الكهف: عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن النبي – - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" رواه الدارمي (3407).
(4) سورة يس: عن أنس –رضي الله عنه- أن النبي – - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن يس" رواه الترمذي (2887)، ولكنه ضعيف.
وعن جندب –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله تعالى غفر له" رواه الدارمي (3415).
(5) سورة الواقعة: عن ابن مسعود –رضي الله عنه- أن رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً" رواه البيهقي في شعب الإيمان (2500).
(6) سورة تبارك: عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي تبارك الذي بيده الملك". رواه الترمذي (2891)، وأبو داود (1400)، وابن ماجة (2786).
وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر يعني تبارك" رواه الترمذي (2890).
(7) سورة الإخلاص: عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - قال في: "قل هو الله أحد، "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن" رواه البخاري (5014).
وعن أنس-رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله: إني أحب هذه السورة: قل هو الله أحد، قال: "إن حبها أدخلك الجنة" رواه الترمذي (2901).
((3/276)
8) المعوذتان: عن عقبة بن عامر-رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط؟ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس" رواه مسلم (814).
وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال: كان رسول الله لم يتعوذ من الجان، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما" رواه الترمذي (2058).
ومع ذلك –أختاه- فقراءة هذه السور ليست بواجبة، بل ذلك من المستحب، وأظن أن الشيطان هو الذي يلبِّس عليك، فهذه السور ليست بالطويلة، والأفضل المحافظة عليها، وإن لم يكن فالمحافظة على السور التي يترتب على قراءتها ثواب كبير مثل سورة الزلزلة وآية الكرسي والإخلاص (ثلث القرآن) وغيرها..
ونصيحتي لك –أختي الفاضلة- ألا تتركي قراءتها، وقراءتك لهذه السور لا تمنع من قراءة غيرها. فلتداومي على ما تقرئين، وإن أردت الزيادة فخيراً؛ لأنك لو تركت قراءة هذه السور فربما تكسلين عن قراءة غيرها، فالشيطان -لعنه الله- يريد أن يفسد عليك نعمة المداومة على العمل ـ بمثل هذه الحيلة.
وختاماً: أذكرك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل" رواه مسلم (782) من حديث عائشة –رضي الله عنها-. وفقك الله...
ــــــــــــــــــ
فتر عن طلب العلم بعد الزواج
المجيب ... عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 03/12/1426هـ
السؤال
اجتمعت علي مشكلات الحياة، فتركت طلب العلم، ولم أستطع متابعة الطلب مع ما حباني الله به من حفظ للقرآن وللمتون وإجادة فن الخطابة والأنشطة الدعوية، فقد تركت طلب العلم لما تزوجت وكثرت المشكلات، وأنا غير راض عن هذا الوضع، فبم تنصحوني؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(3/277)
إلى الأخ الكريم -وفقه الله- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالمشكلات ملازمة للبشر، وهي درس وامتحان من الله للعباد هل يصبرون ويثبتون ويشكرونه أم لا، وأنت في نعمة عظيمة قد لا تشعر بها، وأعظمها نعمة الهداية على الصراط المستقيم، فاشكر الله على ذلك، والأصل أن المشكلات لا تحول بين العبد والدعوة إلى الله إذا لم يستطع، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ورجوع الإنسان بعد الدعوة وطلب العلم والجد إلى الكسل والتثاقل والغفلة أمر خطير. والتعامل مع المشكلات لا يكون بالضجر وترك الدعوة والبحث عن الأعذار، فإن ذلك استجابة سلبية لرحى المشكلات، ويجب أن يكون التعامل مع المشكلات إيجابياً بالتغلب عليها قدر الإمكان، واللجوء إلى الله والفزع إليه، والإلحاح الصادق في طلب الفرج منه تعالى.
وعدم رضاك عن وضعك يدل -إن شاء الله- على حبك للخير وحرصك عليه.
فجدد الآمال عندك وطب نفساً بقضاء الله، وقدم لدينك تجد الفرج وطرد الهموم، وضع لنفسك برنامجاً سهلاً بالعلم والعودة إلى الدعوة إلى الله من جديد بنفس تواقة وأمل طموح، واطلب رضا الله بكل سبيل، واسع لربك كما قال الشاعر:
نعم أسعى إليك على الجفون ولو بعدت لمسراك الطريقُ
وأعظم الأعمال عند الله -بعد التوحيد والإخلاص- هو نشر العلم وتعليمه والسعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتربية النفس على الخير، وهذه مهمة الرسل. أسأل الله تعالى أن يفرج همك ويستعملك في طاعته، ويثبتنا وإياك على الحق إنه سميع مجيب.
ــــــــــــــــــ
يئست من صلاحي!
المجيب ... د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 06/09/1426هـ
السؤال(3/278)
كنت من حملة كتاب الله، وكنت أدرس في الثانوية الشرعية، ولكني انتكست وتركتها؛ وذلك بسبب ضعف همتي وكسلي، وتسبب ذلك في نسياني القراءة وإدماني على المناظر الإباحية والعادة السرية، فالآن أقراني متفوقون علي في كل شيء، والمصيبة أنني بدأت أبغض نفسي وأقراني ويئست من إصلاح نفسي، فهل هناك أمل في الإصلاح؟ وهل هناك أمل في الالتحاق بأقراني؟ أفيدوني، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهناك آمال في صلاح الحال وليس أملاً واحداً، فأما أخطاؤك الماضية فقد وعدك الله بالعفو إن تبت واستقمت ورجعت إلى ربك: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر: 53]. فما بينك وبين ربك من النظر للمحرمات وممارسة العادة السرية يمحوه الله بالتوبة، ويكفر بالصلاة والأعمال الصالحة الأخرى، قال تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" [هود: 114]، وليست ممارسة العادة السرية مثل الفواحش الكبيرة كالزنا واللواط أعاذك الله منها، وبالتالي فإن ممارستها لا تعني أنك تنقطع عن العلم الشرعي أو الصحبة الصالحة، بل
حاول تركها وإن لم تستطع تركها فاجعلها من الذنوب التي تستغفر منها وتخشى الإثم بسببها، وادع الله أن يعينك على تركها.(3/279)
وبالنسبة لرؤية الصور المحرمة والأفلام ونحوها فهي من الذنوب التي تكفرها الصلاة والأعمال الصالحة ، ولكن أثر إدمانها خطير جدًّا على مستقبل حياتك؛ لأنها قد تؤثر على سلوكك مستقبلاً حتى بعد زواجك ، ولتقرأ ما قاله أحد التائبين عن مشكلة إدمانه للمناظر الإباحية: لن أتكلم عن أثر هذه الموقع على قلبي وما فعلته بي في علاقتي مع ربي، فلن أستطيع أن أصف ما فعلته بي في هذا الأمر، ولكن أريد أن أبيِّن أمراً آخر، فقد كنت مدمناً لهذه المواقع قبل زواجي، وكان الشيطان يسول لي الدخول عليها بدوافع عدة، كان منها ما ظننته الفضول وحب الاستكشاف لهذه العلاقات، إلى آخر تلك الحجج الواهية التي بدت لي في وقتها مقبولة، والتي لم تكن إلا اتباعاً للشهوات، وها أنا ذا أتجرّع ألم المعصية، فقد عاد ذلك عليّ بالسلب في علاقتي مع زوجتي، فما شرعت في معاشرة زوجتي إلا وتواردت على ذهني تلك الصور وأفسدت علي حالي، وما أن أتذكرها حتى أفقد حلاوة اللقاء، ولولا حرصي على مشاعر زوجتي لأنهيته في التو، وكأن الله يعاقبني على ما قدمت يداي، وكأنه يقول لي: قد استعجلت بالحرام، فها أنا ذا أفسد عليك الحلال.(3/280)
فيا أخي احرص على أن تعود إلى ربك -جل وعلا- وأن تعود إلى الدراسة، أو تنشغل بعمل دنيوي نافع، ولتثق بقدراتك، واعلم أن عددًا من الشباب أصابهم ما أصابك ثم عادوا إلى جادة الطريق، ووفقوا لتوبة نصوح أنقذتهم من الانتكاس، ولا يتلاعب بك الشيطان بسبب هذين الذنبين -النظر والعادة السرية- فيريك من نفسك مجرماً أو منافقاً لا أمل في صلاحه ولا يصلح للصلاة ولا لصحبة الأخيار، فذلك من أخطر الأمور عليك، فتعوذ بالله من الشيطان، وقل لنفسك: إنني شاب مسلم وإن عصيت في بعض الأمور فلا أكفر بالله ولا أضيع الصلاة ولا أفرط في الأعمال الصالحة، بل أحاول التوبة وأستمر في الفرائض وأصحب الصالحين؛ لعل الله أن يمن علي بتوبة من هذه المعاصي، وأكثر من سماع الأشرطة المؤثرة في صلاح القلب من تلاوة للقرآن الكريم مؤثرة خاشعة، وسماع محاضرات عن اليوم الآخر والموت. وأكثر من نوافل الطاعات والصيام.
أسأل الله أن يمن علي وعليك بتوبة صادقة وأن يغفر لنا ذنوبنا، ويرزقنا التوبة دائما وأبداً مما اجترحنا، وأن يعيذنا من همزات الشياطين.
ــــــــــــــــــ
نصيحة لمن اهتدى ثم انتكس
المجيب ... خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 15/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
شيخنا الفاضل: أرجو التكرم بكتابة رسالة لشخص كان ملتزماً مع صحبة صالحة ثم ترك الالتزام، تدعوه فيها للرجوع للالتزام والرفقة الصالحة وتذكره بالآخرة، وأيضا لا يفوته فضل شهر رمضان. وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بحكمته وعدله، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على الهادي البشير، والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:(3/281)
إلى الأخ: السائل: - حفظه الله تعالى- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع.
لقد قرأت رسالتك وسرني جداً حرصك على تقديم النصح لهذا الأخ الذي انتكس على عقبيه واستبدل الذي هو أدني بالذي هو خير، نسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين الثبات حتى الممات، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور.
ولكن قبل الشروع في كتابة هذه النصيحة أود أن أتساءل معك بصفتك قريب من هذا الشخص المنتكس، ما هي الأسباب التي جعلته يترك الرفقة الصالحة ويذهب إلى غيرها، فمعرفة هذه الأسباب يساعدك كثيراً في علاج المشكلة، والعمل على إرجاعه مرة أخرى إلى تلك الثلة المباركة – بإذن الله تعالى-
أما بالنسبة للنصيحة لهذا الشخص فمستعيناً بالله أقول:
أيها الأخ المبارك: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن من نظر إلى الدنيا بعين البصيرة لا بعين البصر المبهرج أيقن أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، وعيشتها نكد، وصفوها كدر، جديدها يبلى، وملكها يفنى، وودها منقطع، وخيرها ينتزع، والمتعلقون بها على وجل، فالدنيا إما نعمة زائلة، أو بلية نازلة، أو منية قاضية، "يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ"[غافر:39].
أخي الكريم: هل تذكرت الموت وسكراته، وشدة هوله وكرباته، وشدة نزع الروح منك؟، فالموت كما قيل: أشد من ضرب بالسيوف ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض.
فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله، فالموت لا يخشى أحد ولا يبقي على أحد،ولا تأخذه شفقة على أحد، فقف مع نفسك وقفة صادقة وقل لها:
يا نفس قد أزف الرحيل *** وأظلك الخطب الجليل
فتأهبي يا نفس لا يلعب *** بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزل ينسى *** الخليل فيه الخليل(3/282)
وليركبن عليك فيه من *** الثرى ثقل ثقيل
قرن الفناء بنا جميعاً *** فلا يبقى العزيز ولا الذليل
أخي: هل تذكرت القبر وظلمته؟ وضيقه ووحشته؟، هل تذكرت ذلك المكان الضيق الذي يضم بين جوانبه جثث الموتى من عظيم وحقير؟ وحكيم وسفيه؟ وصالح وطالح؟ وبر وفاجر؟ فالقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
فيا أخي الحبيب: تخيل نفسك بعد ثلاثة أيام وأنت في قبرك، وقد جردت من الثياب وتوسدت التراب، وفارقت الأهل والأحباب وتركت الأصحاب، ولم يكن معك جليس ولا أنيس إلا عملك الذي قدمته في الدنيا، فماذا تحب أن تقدم لنفسك وأنت في زمن الإمهال حتى تجده في انتظارك يوم انتقالك إلى قبرك؟ "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ"[آل عمران:30].
والله لو عاش الفتى في عمره *** ألفاً من الأعوام مالك أمره
متمتعاً فيها بكل لذيذة *** متلذذاً فيها بسكنى قصره
لا يعتريه الهم طول حياته *** كلا ولا ترد الهموم بصدره
ما كان ذلك كله في أن *** يفي فيها بأول ليلة في قبره
هل تذكرت أخي الكريم أول ليلة في القبر؟ حيث لا أنيس ولا جليس ولا صديق ولا رفيق ولا زوجة ولا أولاد، ولا أقارب، ولا أعوان، "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ"[الأنعام:62].
فارقت موضع مرقدي *** يوماً ففارقني السكون
القبر أول ليلة *** بالله قل ما يكون؟(3/283)
أخي: هل تذكرت النفخ في الصور؟ والبعث يوم النشور؟ وتطاير الصحف؟ والعرض على الجبار – جل وجلاله-؟ والسؤال عن القليل والكثير؟ والصغير والكبير؟ والفتيل والقطمير؟ ونصب الموازين لمعرفة المقادير؟ ثم جواز الصراط، ثم انتظار النداء عند فصل القضاء إما بالسعادة وإما بالشقاوة، "فريق في الجنة وفريق في السعير" [الشورى: 7]، "فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ"[هود:106-108].
فيا أخي الكريم: من أي الفرقين تحب أن تكون؟ فجدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره،والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، أن لا يكون له فكر إلا في ذلك، ولا استعداد إلا له.
فيا أخي الكريم: إن العمر قصير، والسفر طويل، والزاد قليل، والخطر محدق وكبير، والعبد بين حالين: حال قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه؟ وآجل قد بقى لا يدري ما الله قاض فيه؟.(3/284)
فإذا كان الأمر كذلك، فعلى صاحب البصر النافذ أن يتزود من نفسه لنفسه، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه، ومن فراغه لشغله، ومن غناه لفقره، ومن قوته لضعفه، فما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار سوى الجنة أو النار، "فأما من ثقلت موازينه. فهو في عيشة راضية. وأما من خفت موازينه. فأمه هاوية. وما أدراك ما هيه. نار حامية" [القارعة: 6-11]، فمن أصلح ما بينه وبين ربه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن صدق في سريرته حسنت علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه فلا بد من وقفة جادة وصادقة لمحاسبة النفس، فالمحاسبة الصادقة هي ما أورثت عملاً صادقاً ينجيك من هول المطلع.
عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" فكان ابن عمر –رضي الله عنهما- يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" أخرجه البخاري(6416) أتدري كم كان عُمْر عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما عندما قال له النبي ذلك كان عمره عشرون سنة!
فيا غافلاً عن مصيره، يا واقفاً مع تقصيره، سبقك أهل العزائم وأنت في بحر الغفلة عائم، قف على باب التوبة وقوف نادم، ونكس الرأس بذل وقل: أنا ظالم، وناد في الأسحار، مذنب وراحم، وتشبه بالصالحين إن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب ودمع ساجم، وقم في الدجى داعياً، وقف على باب مولاك تائباً، واستدرك من العمر ما بقي ودع اللهو جانباً، وطلق الدنيا والمعاصي والمنكرات إن كنت للآخرة طالباً.(3/285)
أتراك بعدما ذقت حلاوة الطاعة والعبادة تعود إلى مرارة العصيان؟ أتراك بعدما ذقت لذة الأنس والقرب والمناجاة تعود إلى لوعة البعد والهجر والحرمان؟ أتراك بعدما صرت من حزب الرحمن تنقلب على عقبيك فتنضم إلى حزب الشيطان؟ أتراك بعدما حسبت في عداد المصلين تترك الصلاة وهي عماد الدين، والفارق بين الكفار والمؤمنين، وتكتب من الغافلين؟ هل يليق بك بعدما كنت براً تقياً أن تصبح جباراً شقياً؟ ما هكذا يكون المؤمن، بل ما هكذا يكون العاقل المتبصِّر.
قال تعالى: "وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً"[النحل: من الآية92]، فإياك ثم إياك من نقض الغزل بعد غزله... أرأيت لو أن إنساناً غزل غزلاً ثم صنع منه قميصاً أو ثوباً جميلاً.. فلما نظر إليه وأعجبه ...جعل يقطع خيوط هذا الثوب وينقضها خيطاً خيطا وبدون سبب.. فماذا يقول عنه الناس؟...
فهذا حال من يرجع إلى المعاصي والفسق والمجون،ويترك الطاعات والأعمال الصالحة، وفعل الخير ومصاحبة الصالحين، فإياك أن تكون من هذا الصنف المغبون.(3/286)
أخي الكريم: ما هي إلا أيام قلائل حتى تكتمل دورة الفلك، ويشرق على الدنيا كلها هلال شهر رمضان المبارك، الذي تهفو إليه قلوب المؤمنين، وتتشوق إليه نفوسهم، وتتطلع شوقاً إلى بلوغه، فإن بلوغ شهر رمضان أمنية غالية كان يتمناها النبي – - صلى الله عليه وسلم - ويسأل ربه أن يبلغه إياها، فعن أنس – رضي الله عنه- قال: كان رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل رجب يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" أخرجه البيهقي في الدعوات الكبير انظر المشكاة(1/432) (1369).فشهر رمضان شهر مغفرة الذنوب، وستر العيوب، ومضاعفة الأجور، شهر تعتق فيه الرقاب من النيران، وتفتح فيه أبواب الجنان، شهر تتنزل فيه الرحمات وتتضاعف فيه الحسنات، شهر كله خير وأفضال، وفرصة للتنافس فيه بصالح الأقوال والأعمال والأفعال، شهر قد أظلنا زمانه، وأدركنا أوانه، قال فيه النبي – - صلى الله عليه وسلم - ملفتاً الأنظار إلى فضله، ويحث المخاطبين واللاحقين إلى اغتنام وقته فقال: "أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته،ويحط فيه الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه،ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل" قال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني في الكبير فشهر هذا فضله وشرفه وقدره، وتلك منزلته، وعلو مكانته عند الله فقل لي بالله عليك: كيف يستقبل هذا الوافد الكريم، وهذا الشهر العظيم؟(3/287)
أخي: إن من نعم الله عليك العظيمة أن مدَّ في عمرك وجعلك تدرك هذا الشهر العظيم، فكم غيِّب الموت من صاحب،ووارى الثرى من حبيب، فإن طول العمر والبقاء على قيد الحياة فرصة للتزود من الطاعات، والتقرب إلى الله – عز وجل- بالعمل الصالح، فرأس مال المسلم هو عمره، لذا فاحرص على أوقاتك وساعاتك حتى لا تضيع هباءً منثوراً، وتذكر من صام معك العام الماضي، وصلى معك العيد، أين هو الآن بعد أن غيَّبه الموت؟ وتخيل أنه خرج إلى الدنيا مرة أخرى فماذا يصنع؟ هل سيسارع إلى المعاصي والمنكرات؟ أو ينغمس في مستنقع الشهوات والملذات؟ أو سيحرص على فعل المحرمات وارتكاب الكبائر والموبقات؟ كلا والله، بل سيبحث عن حسنة واحدة، ولو بتكبير أو تهليل أو تسبيح، فإن الحساب شديد، والميزان دقيق، "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" [الزلزلة: 7-8].
فيا أخي الكريم: أنا أدعوك وأدعو نفسي وكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها بأن نفتح صفحة جديدة بيضاء ناصعة مع ربنا وخالقنا، وأن نسدل الستار على ماض نسيناه وأحصاه الله علينا، وأن نتوب -ومن الآن- إلى الله التواب الرحيم من كل ذنب وتقصير وخطيئة، وأن لا ندع هذه الفرصة العظيمة تفوتنا، فهذا رمضان موسم خصب من مواسم العمل الصالح، والتنافس في الخيرات والإكثار من النوافل والصدقات، وغيرها من القربات التي تقربنا من المولى – جل جلاله- ثم إلى متى الغفلة والتسويف؟ وطول الأمل؟ واتباع النفس والهوى والشيطان؟.
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا **** واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حين نسيته **** بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
وغرور دنياك التي تسعى لها **** دار حقيقتها متاع يذهب
نعم صدق الله إذ يقول: "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" [آل عمران: 185].
هذا والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــ
كيف يعالج الفتور الذي انتابه؟
المجيب ... د.عبد الله بركات(3/288)
وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 25/08/1425هـ
السؤال
أنا شاب منَّ الله علي بالالتزام منذ أربعة أشهر، لكن منذ شهر تقريباً أحس أني تساهلت بالسنن والرواتب وبالمعاصي، أريد علاجاً لهذا الفتور لو سمحتم معددا لي كذا وكذا... إلخ. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ..
فالمؤمن -أخي السائل - هو من تسره حسنته وتسيئه سيئته، والشعور بالتقصير في الطاعات والاهتمام بذلك والقلق على حالة الإيمان هو علامة خير ودليل رشد؛ لذا فأهم ما يلزمك في حالك هذه:
1-المسارعة للطاعة وعدم التسويف فيها ما وسعك الجهد.
2-دفع خاطرة السوء بمجرد ورودها على ذهنك.
3-الالتزام بورد من الأذكار المسنونة ومداومة قراءة القرآن الكريم.
4- أن تقطع علاقتك بأصدقاء السوء الذين يذكرونك بالمعصية أو يبثون في نفسك التراخي في الطاعة والتكاسل عن أدائها.
5- الحرص على حضور حلقات العلم.
هذه خمسة، إن التزمت بها، أسأل الله أن يربط على قلبي وقلبك برباط الإيمان، وأن يرزقنا وإياك علو الهمة في طلب الخير والمبادرة إليه. والله أعلم.
ــــــــــــــــــ
أخي يزداد انحرافاً
المجيب ... د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 2/12/1424هـ
السؤال
أخي يزداد في الانحراف يوماً بعد يوم، وقد كان من طلبة العلم لكن لا أعلم ما الذي أصابه، بدأ يؤخر الصلاة، ولا يهتم بها، أكثر من متابعة القنوات الفضائية والمسلسلات، أنا لم أعتد على الجلوس معه كثيراً فكيف أرسل له النصيحة؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخت .... -سلمها الله-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:(3/289)
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم، ونرجو الله أن تجدي منا النفع والفائدة.
أما جواب مشكلة أخيك فكالتالي:
أولاً- جزاك الله خيراً على عنايتك بأمر أخيك وحرصك على دينه وإيمانه، وهذا هو الواجب على المؤمنين أن يوالي بعضهم بعضاً، ويحرص بعضهم على بعض خاصة في أمر الدين .
ثانياً- اعلمي - أختي الفاضلة - أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، فأخوك هو من جملة بني آدم المعرضين للتغير والتبدل والانحراف، ولو كان بعد استقامة ودين، وكل منا عرضة لذلك إذا لم نتمسك بأسباب الثبات والاستقامة.
ثالثاً- لا بد من إيصال النصيحة له عبر وسائل عديدة، خاصة وأنتِ تقولين إنك بعيدة عنه في السكن ومنها:
(1) المكالمة الهاتفية التي تكون برفق ولين وإشعار بالحب والحنان والرحمة .
(2) الرسالة المكتوبة.
(3) توصية أخ صالح محب للقيام بنصحه وتذكيره بالله.
(4) إهداؤه شريطاً إسلامياً وكتاباً نافعاً في مقام زيادة الإيمان وتقوية اليقين.
(5) أن يزوره من يكون محلاً للتأثير عليه، كداعية معروف بالنسبة له أو إمام مسجد أو صديق طيب .
رابعاً: لا بد من متابعة أثر النصيحة والتذكير وعدم الاستعجال في رؤية الأثر أو اليأس من صلاحه وعودته للحق ، فإن الشأن في المؤمن أنه إذا ذكر تذكَّر، وإذا وعظ اتّعظ، فواجب أن نصبر، ولا نمل، ولا نكل من متابعة النصح والتذكير.
خامساً: من الضرورة النظر في أسباب التغير ومحاولة إبعادها عنه إن أمكن ، أو إبدالها خيراً منها.
سادساً: احرصي على الدعاء له بظهر الغيب، فالله –سبحانه- لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو أرحم بعبده من نفسه.
والله أسأل أن يصلح أخاك وأن يصلحنا جميعاً، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يثبت قلوبنا على دينه إنه جواد كريم.
ــــــــــــــــــ
أخي قد تغير كثيراً !!
المجيب ... د. سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم(3/290)
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 1/8/1422
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أخي كان في مقتبل عمره طائعاً لله ـ عز وجل ـ وكان مضرب المثل في الالتزام والجد والاجتهاد والنصح ، وهو ـ الآن ـ تغير من حاله إلى حال أقل بكثير . فلقد أسبل ثوبه وخفف لحيته جداً !! وأصبح لا يبالي بالدعوة ، ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... الخ
بعد التزامي كنت أؤمل فيه أن يساعدني في الدعوة إلى الله في وسط أهلي ( والداي وإخواني ) لكن لم أجد له أثراً في ذلك . هو لا يزال ـ ولله الحمد ـ يصلي مع جماعة المسلمين ، ويتصدق لمؤسسات دعوية ، ولكنه في مجال النصح والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والغيرة على الأعراض وغيرها من العبادات لا تكاد تجد له جهد !
زملاؤه الكثير منهم تجد في مظهره الاستقامة والصلاح ، ولكنهم يضيعون أوقاتهم فيما لا فائدة فيه بل ربما فيه ضرر !!
فضيلة الشيخ كيف يمكن أن أتعامل مع هذا الأخ ؟ وجهوني بما ترونه . وجزاكم الله خيراً .
الجواب
أخي الكريم ، إذا كان من الجميل أن نعود أنفسنا رؤية الجوانب الطيبة في حياة الناس وأحوالهم ، فلقد سرني ما ذكرته عن أخيك من محافظته على الصلوات مع جماعة المسلمين ؛ فإن هذه علامات الإيمان ، إذ لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ، وهذه من شعائر الإسلام الظاهرة العظيمة .(3/291)
ومثله ما ذكرته من أن أصدقاءه من الملتزمين المحافظين ، فإن المرء على دين خليله . أما ما ذكرته من النقص الذي حدث فيه فقد يكون سببه طول العهد مع عدم تجديد الإيمان وصقله ، فإن القلوب تمل ، ويعتريها من الآفات شيء عظيم ، يشبه ما يعرض للثياب من الأوساخ وغيرها ، فتحتاج إلى تعاهد ، وتجديد وغسل ؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في استفتاح الصلاة - كما في الصحيحين - من حديث أبي هريرة : اللهم نقني من خطاياي ، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .. وقد نعى الله على بني إسرائيل طول العهد ، وقسوة القلب فقال : " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:16) .
ولم يكن بين إيمان الصحابة ، وخطابهم بهذه الآية المكية إلا أربع سنين ، كما في الصحيح عن ابن مسعود .
وأعقب هذا بقوله : "اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها .." إشارة إلى أن يحرصوا على أن تحيا قلوبهم بنور الوحي ، كما تحيا الأرض بالمطر النازل من السماء ، وألا ييأسوا من روح الله .. بل يسألون الله أن يجدد الإيمان في قلوبهم .
إن الاسترسال وراء متاع الحياة ومباهجها ، وشهواتها وملذاتها يشغل القلب ويفتر اللهمة . وإن التوسع في حقول المباحات ، والاقتراب من المكروهات يفضي إلى الجراءة على المحرمات القريبة ، ثم البعيدة ؛ ولهذا جاء عن بعض السلف : اجعل بينك وبين الحرام جنّة من المباح .
ولا بد للمرء من وقفة بعد وقفة ينظر فيها في أمره ، ويراجع حسابه ، ويستدرك ما فرط ، ويلوم نفسه على التقصير والغفلة .(3/292)
وأخوك وإن كان على خير إلا أنه يحتاج إلى منادٍ يصيح فيه : أن تدارك قبل الفوات ، ويا حبذا أن يكون هذا الصائح المنادي اختيارياً بطوعه ، ورضاه ، وانجفاله إلى ربه ، قبل أن يكون اضطرارياً قدرياً ، لا حيلة فيه ولا منفع .
ويحسن منك النصح له بما لا يخدش نفسه ، ولا يعكر صفاء الإخاء بينك وبينه ، ولا يشعر بالتعالي والأستاذية ، بل بدافع الشفقة والرحمة والاقتداء .
وربما كان هذا على هيئة سؤال تطرحه عليه مستفتيا ًمستفيداً مستبصراًَ ، أو مشكلة تطلب إليه حلها .. أو نصيحة عبر صديق عاقل لبق . ولا تتأخر عن صالح الدعاء .
وفق الله الجميع لرضاه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
ــــــــــــــــــ
زوجي .. تغير كثيرا ..!!
المجيب ... سعد الرعوجي
مرشد طلابي بثانوية الأمير عبد الإله.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 30-2-1423
السؤال
اخوتي الكرام السلام عليكم ورحمة الله :مشكلتي في زوجي لا اعرف كيف أصفه وتكمن مشكلتي معه من وجهين الأول شدته في معاملة ابنائة وغلظته حتى في ابسط الأمور فهو لا يكلمهم إلا في أسوأ ما عملوا وفي تعداد عيوبهم ..!! لا يشكر لأحد منا على شيء .. كثير الضجر منا رغم حسن أخلاقي وأخلاق أبنائي ..!! نحترمه ونقدره ونستشيره في كل شيء ومع هذا لا نجد إلا الرفض والتنقيص منا ... أما عن معاملته لمن هم خارج البيت فالنقيض تماما فالابتسامة لهم والاحترام لهم والانبساط وانشراح الأسارير لهم ويقول هذه إنسانية وحسن معاملة مع الناس ..!!!!!(3/293)
أما الأمر الثاني فهو تغير أحواله الدينية فقد كان ممن يرتاد الدروس والمحاضرات ويسمع الخطب والمواعظ ويطلب العلم في الكتب ثم بدأ يتركها شيئا فشيئا حتى انقطع عنها تماما و أغلق على نفسه الباب .. لا اعرف كيف أتعامل معه .. عنيد غليظ لا يسمع نصيحة وربما ظن أنها انتقاص له .. يحاول إصلاح أبنائه وهو لا يسعى إلى إصلاح نفسه ويرى نفسه على صواب دائما لذلك فأبناؤه لا يتقبلون نصحه وأنا كنت لا أخالفه أبدا وأسعى إلى إرضائه دائما ولكني مللت فلم يزد مع الأيام إلا سوء وغلظة فلا يذكر لي خيرا قط ..!! أحسست أن طاعتي له بهذه الصورة سلبية مني أثرت على أبنائي فأصبحت لا أستطيع الدفاع عنهم أمامه .. لا اعرف ماذا افعل ؟ وجهوني كيف أستطيع تغيير شخصيته مع العلم أن اللين والكلام الطيب لم يجدي معه وجزاكم الله خيرا .
الجواب
أختي الكريمة:.
لعلك تعلمين أن التغيير الذي نريد أن يحدث في شخص ما يحتاج إلى عدة أمور منها:- أولاً: معرفته المسبقة بخطئه و بعيوبه . ثانياً : إرادته ورغبته بالتغيير . ثالثا ً: مستوى ثقافته ونوعية قناعاته . وغير ذلك من الأمور التي تحتاج إلى تفصيل كثير . وبالتالي فإن تغيير شخص ما ليست بالبساطة التي يتصورها الإنسان ؛ لأنها تغيير في جبله وطبع موروث أو مكتسب والجبلة والطبع راسخان غالباً رسوخ الجبال، فهذا الأقرع بن حابس رضي الله عنه صحابي لكنه لم يقبل أحداً من أولاده، وهذا أبو سفيان رضي الله عنه رجل شحيح كما وصفته زوجته هند بنت عتبة التي كانت تشتكي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شحه وبخله .(3/294)
إذاً نخلص أن الإنسان لابد أن يعمل على التكييف مع بيئته ومحيطه قدر الإمكان خاصة إن لم يكن هناك ضرر على دينه والابتعاد قدر الإمكان أيضاً عن التصورات المثالية والحياة السعيدة الخالية من المشاكل ، فنحن نحتاج أن نستفيد من أقصى إمكانياتنا وطاقاتنا وليس فوق ذلك مما يورثنا التعب والنصب فهذا الرجل الذي ذكرتيه أختي العزيزة لابد أن يكون لديه من الصفات الإيجابية والحسنة التي لو استثمر تيها واستفدت منها لكان هناك أمر آخر، ولعل زوجك يا أختي قد تلقى تربيه في صغره أورثته هذا الجفاء وهذه الغلظة ولو كُتب للرجل أن يخبرك بماضيه وهو صغير لربما رحمتيه وعذرتيه عن خلقه ثم انك قد رزقتي منه أولاد إضافة أن الله قد رزقك الخلق الحسن . فأنتي لا تخالفيه كما تقولين وقليل من النساء من يفعل ذلك ،،،،، فلعل من الحلول الآتي :-
1.الرضا بالواقع وأن هناك من يشابهه في الغلظة والجفاء من خلق الله واعلمي أنه قد يكون تلقى تربية خاطئة فاعذريه وسامحيه و اصبري على قدر الله واحتسبي .
2.محاولة تغيير الصورة المثالية للحياة العامة " لقد خلقنا الإنسان في كبد" والحياة الزوجية خاصة فليس من بيت دون مشاكل حتى بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
3.التدين جميل جداً لكنه رزق مقسوم قسمة الله تعالى فلن تستطيعي جعله عابداً زاهداً فإذا كان رجلاً يؤدي الذي فرضه الله عليه فإن غير ذلك نافلة .
4.الدعاء إلى الله تعالى وتخير الأوقات الفاضلة التي وعد الله بها عبادة بالإجابة ، وركزي أختي على هذا الجانب فالله ليس ببعيد عن عباده وهو ارحم الراحمين .
5.محاولة الاستفادة من الإيجابيات والحسنات التي به واستثمارها الاستثمار الأفضل ومن المستحيل ألا يكون لديه إيجابيات وحسنات .
ــــــــــــــــــ
أحاول المواظبة على الجماعة، ولكن. . .
المجيب ... د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.(3/295)
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 12/01/1426هـ
السؤال
أحاول المحافظة على الصلاة في المسجد مع الجماعة، ثم أنتكس بعد مدة من المواظبة، ثم أشعر بالندم وأتوب وأستغفر، ثم أواظب مرة أخرى، ثم أنتكس وهكذا. . . آمل توجيهي ونصحي حتى أستمر على المحافظة على الصلاة مع الجماعة، وفي بيوت الله، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الأخ الكريم- سلمه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم)، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
في البداية أسأل الله لي ولك الثبات والصلاح والاستقامة، ثم اعلم أن الثبات على الدين وفعل الصالحات يتطلب منك جدًّا واجتهادًا ومجاهدة؛ حتى تظفر بمعية الله وتوفيقه والثبات على دينه وحسن الختام، وإني عارض عليك أمورًا أرجو أن تكون مفيدة لك في الثبات على أمر الصلاة، وغيرها من صالح الأعمال (وهي من إجابة سابقة):
أولًا: عليك بتذكير نفسك دائمًا وأبدًا بما ورد من النصوص الشرعية المرغبة في الصلاة وبيان فضلها؛ لأن ذلك مما يعطي النفس دفعة قوية لأدائها، والنصوص في ذلك كثيرة جدًّا، وسأذكر بعضها، وأنصح بمراجعة كتاب (الترغيب والترهيب) للإمام المنذري؛ فإنه مفيد جدًّا في هذا الأمر:
نصوص في الترغيب في أداء الصلاة والمحافظة عليها:
- أخرج الشيخان عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟". قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا". البخاري (528) ومسلم (667).(3/296)
- وأخرج البخاري (527) ومسلم (85) عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا". قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
- وأخرج مالك (270) وأبو داود (1420) والنسائي (461) وابن حبان في صحيحه (1732) عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ؛ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ".
- وأخرج الإمام أحمد (14662) والترمذي (4) بسند حسن، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مِفْتَاحُ الجَنَّةِ الصَّلَاةُ، ومِفْتَاحُ الصَّلاةِ الوُضُوءُ".
- وأخرج الطبراني في الأوسط (1859) بسند حسن، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ العَبْدُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامةِ الصَّلاةُ، فإنْ صَلَحَتْ صَلَحْ سَائِرُ عَمَلِهِ، وإنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِه". والأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا.
نصوص في الترهيب من التفريط في الصلاة:
- أخرج مسلم (82) عن جابر، رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بَيْنَ الرَّجُلِ والكُفْرِ أَوْ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلاةِ".(3/297)
- وفي الترمذي (2616) عن معاذ، رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "رَأْسُ الأَمْرِ الإسلامُ وعَمُودُه الصَّلَاةُ". فجعل الصلاة كعمود الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط إلا به ولا يثبت إلا به، ولو سقط العمود لسقط الفسطاط ولم يثبت بدونه.
- وأخرج أحمد (22937) والترمذي (2621) وابن ماجه (1079) والنسائي (463) بسند صحيح، عن بريدة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنَّ العَهْدَ الذي بينَنا وبينَهم الصَّلاةُ فَمَن ترَكَها فَقَدْ كَفَرَ".
- وأخرج أحمد (27364) وغيره بسند حسن، عن أم أيمن، رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ".
- وقال عمر، رضي الله عنه: (لَا حَظَّ في الإسلامِ لِمَن ترَك الصلاةَ). أخرجه مالك (84).
- وقال سعد وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، قالا عن الصلاة: (من تركها فقد كفر).
- وقال عبد الله بن شقيق: ( كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ ). أخرجه الترمذي (2622).
- وقال أبو أيوب السختياني: (ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه). وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق.
والأحاديث في ذلك كثيرة.
ثانيًا: أكثِرْ من قراءة القرآن وسماعه بخشوع وتأثُّر، فإنه موعظة الله لخلقه.
ثالثًا: اجعل لك منبهًا خاصًّا بأوقات الصلاة، وذلك مثل الساعة التي بها أذان لكل وقت؛ من أجل تذكيرك وتنبيهك على أوقات الصلاة.
رابعًا: استعن بالله عز وجل- كثيرًا، فإنه وحده هو المعين والمسدد جل في علاه، وأكثر من قولك: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). مع استشعارك للحاجة إلى الله في أداء الصلاة وغيرها.(3/298)
خامسًا: أكثر من ذكر أحوال القبر والآخرة، فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - ، كما في سنن الترمذي (2307) وابن ماجه (4258) والنسائي (1824) وصحيح ابن حبان (2992) وغيرهم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ- بالذال وهو القاطع – اللَّذَّاتِ المَوْتِ". وقوله - صلى الله عليه وسلم - ، كما في صحيح ابن حبان (2993)، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ قَطُّ وَهُوَ فِي ضِيقٍ إِلَّا وسَّعَه عَلَيْهِ، وَلَا ذكَرهُ وَهُوَ في سَعَةٍ إِلَّا ضَيَّقَه عَلَيْهِ".
قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه أن يكثر من ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات ومؤتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين، فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه، فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت وانجلت به قساوة قلبه فذاك، وإن عظم عليه رانُ قلبِه واستحكمت فيه دواعي الذنب فإن مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين تبلغ في دفع ذلك مالا يبلغه الأول؛ لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير، وقائم له مقام التخويف والتحذير.
سادسًا: لا تفتر عن سماع الأشرطة الدينية المهتمة بالوعظ والتذكير فإنها نافعة في هذا المجال أيما نفع.
سابعًا: اصحب الصالحين القانتين الطيبين المصلين؛ فإنهم عون بعد الله على النفس الأمارة بالسوء.
ثامنًا: تذكَّر أنَّ من أفضل الأعمال التي يحبها الله حفاظ الإنسان على الصلاة وأدائها في أوقاتها، وسيجد بعدها الصحة في البدن، والسعة في الرزق، وهدوء البال، والأنس بالله، وغير ذلك من الآثار العظيمة في الدنيا والآخرة.(3/299)
والله أسأل لي ولك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن يغفر لنا، وأن يرحمنا، وإذا أراد بعباده فتنة أن يقبضنا إليه غير مفتونين. والسلام عليكم.
ــــــــــــــــــ
يعاني فتورًا عن الطاعة !
المجيب ... د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ ... 15/12/1425هـ
السؤال
نحن نظن بأنفسنا خيرًا، فنقول: إننا لم نقارف الحرام، ولم نقع في أمور محرمة، كالزنى، أو شرب المسكر، أو التدخين، أو المخدرات، أو. . .، ومع ذلك توجد لدينا أخطاء، فنحن لا نحافظ على الصلاة، ولا قراءة القرآن، ولا بر والدينا... إلخ. مع علمنا بأهمية معالجة هذا الخلل، أو محاولاتنا الكثيرة، ولكن النتيجة: لم نستطع أن نعالج هذا الخلل، فما الحل؟ نعم ثقتنا بأنفسنا كبيرة في تجاوز هذه الحال، ولكن لم نوفق في معرفة الطريقة. آمل التوجيه، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الأخ الكريم- سلمه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
إن من صور التربية للنفس: المجاهدة، وهي تعني محاربة النفس الأمارة بالسوء بتحميلها مما هو مطلوب في الشرع، أو هي حمل النفس على المشاق البدنية الشرعية ومخالفة الهوى، والمؤمن لا يكل ولا يمل وهو يبذل ما في وسعه لصيانة نفسه وحمايتها من الشرور المهلكة، وحملها على ما فيه تزكية لها، ونجاة في الدنيا والآخرة، ودونك حياة السلف الصالح من الصحابة الأطهار والتابعين لهم بإحسان تجدها مليئة بصور من المجاهدة الذاتية لأنفسهم حتى فطموها عن الشر، وأصبحت مطواعة لهم في الخير، مروضة على المسابقة للخيرات والعجلة في إرضاء الرب سبحانه- من كل محابِّه وما يقرب منه.(3/300)
وهكذا ينبغي أن نجاهد أنفسنا ونراقبها ونأخذها بالجادة ونعرضها لأنواع من الرياضة القلبية والمجاهدة الروحية لصقلها من كل شائبة وكشف معدنها الطاهر، وهو الجانب الآخر للنفس التي خلقها الله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)[الشمس:7، 8]. فلا بد من استخراج تلك التقوى بالأعمال الصالحة، والمواظبة على الأذكار وقراءة القرآن وما شابه من القربات. . ولا ينبغي الاستهانة بالذنب، ولو لم يكن من الذنوب التي رتب على فعلها حد؛ لأن الكبائر غير محصورة في ذلك، وما ذكرت من الأخطاء من عدم المحافظة على الصلاة وعدم بر الوالدين ليس من الذنوب الصغيرة حتى يستهان بها، بل هي إلى الكبائر أقرب منها إلى الصغائر، لا سيما إذا أردت بعدم المحافظة على الصلاة عدم تأديتها أحيانًا، بمعنى ترك بعض الصلوات وتضييعها، فهذا عظيم، فإن من أهل العلم من حكم بكفر من ترك صلاة واحدة عامدًا متعمدًا حتى يخرج وقتها، وعدم البر بالوالدين يعني العقوق، والعقوق ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟". ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ". وَجَلَسَ -وَكَانَ مُتَّكِئًا- فَقَالَ: "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ". أخرجه البخاري (2654) ومسلم (87).(3/301)
فالواجب على العبد منا أن يتقي الذنوب صغيرها وكبيرها، ويخشى عقوبتها وآثارها، فإن للذنوب آثارًا مدمرة على حياة الإنسان وصلاحية قلبه، وتعد حائلاً بين العبد وربه، ويُحرَم بسببها الكثيرَ من التوفيق والسداد والإعانة وكثيرًا من الخيرات؛ وأشعر أن أصل البلاء في القلب، إذ إن القلب المحصن من الشيطان، تسهل عليه إرادة فعل الخيرات لأنه قلب صحيح قوي، والقلب الذي يمكن
الشيطان أن يدخله فيتجول فيه كما يشاء، يتوصل الشيطان بسهولة أن يجعل فيه إرادة السيئات، بعدما يزينها له؛ لأنه قلب مريض. ومن الناس من لا يدخل الشيطان قلبه إلا مرورًا سريعًا، لقوة التحصينات حوله، فهذا مثل الذين يفعلون الصغائر أحيانًا وسرعان ما يتوبون منها، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)[الأعراف: 201]. ومن الناس من لا يقترب الشيطان من قلبه أبدًا؛ لأن قلبه مثل السماء المحروسة بالشهب، من الشياطين، فقلبه كذلك محروس من الشيطان، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن هذا القلب: "أَبْيضُ مِثْلُ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دامَتِ السَّمَاواتُ والأَرْضُ". رواه مسلم (144) من حديث حذيفة، رضي الله عنه. ومن الناس من دخل الشيطان قلبه، فاتخذ فيه بيتًا، وجعل له فيه عشًّا يبيض فيه ويفرخ، فاستحوذ عليه، يأمر القلب بالشهوات المحرمة، فيريدها قلبه، فيأمر الجوارح بفعلها فتفعله؛ لأن الشيطان وجده قلبًا خاليًا عن التحصينات، مفتح الأبواب، ضعيفًا مريضًا بفعل السيئات، ولهذا قال الله تعالى، عن هذا النوع: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ)[المجادلة: 19]. لأن ذكر الله تعالى- هو الحصن من الشيطان، فأنساهم إياه ليستحوذ على قلوبهم فيقودها لتنقاد جوراحهم له تبعًا.(3/302)
والقلب لا يحصن من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، ولا يقوى على إرادة الخير إلا بالعمل الصالح، ولا يغلبه الشيطان إلا إن كان غافلًا عن ذكر الله تعالى، ضعيفًا بسبب فعل السيئات والمنكرات.
واسمح لي أن أقترح عليك برنامجًا إيمانيًّا مفيدًا للقلب أرجو أن يكون نافعًا وعونًا لك على استعادة حلاوة الإيمان، ولذة المناجاة، والقرب من الله عز وجل:
1- احرص على إقامة الصلوات الخمس في جماعة، لاسيما صلاة الفجر، فإياك أن تفوتك أبدًا، قال الله تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[الإسراء: 78]. أي: صلاة الفجر تشهدها الملائكة.
2- بعد صلاة الفجر امكث في المسجد لقراءة القرآن إلى طلوع الشمس، ثم صل ركعتين بعد ارتفاعها قيد رمح (وقيد الرمح: مقدار عشر دقائق من أول الشروق).
3- قل: (سبحان الله وبحمده). مائة مرة كل يوم، في أي وقت، في المسجد أو البيت، ماشيًا، أو قاعدًا، أو في السيارة. . إلخ، وهذا الذكر يَحُتُّ الخطايا حتًّا. صحيح البخاري (6405) ومسلم (2692).
4- استغفر الله تعالى- مائة مرة كل يوم، قائلاً: (أستغفر الله وأتوب إليه). كذلك في أي وقت شئت، وعلى أي حال تكون. انظر صحيح مسلم (2702).
5- قل هذا الذكر مائة مرة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ). صحيح البخاري (3293) ومسلم (2691). مائة مرة كل يوم كذلك، في أي وقت شئت، وعلى أي حال تكون، ولا يشترط في المسجد.
وهذه الأذكار كان يداوم عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي حياة القلب وغذاؤه الذي لا يستغني عنه.
6- بين صلاتي المغرب والعشاء رابطْ في المسجد فلا تخرج منه، واقرأ ما تيسر من القرآن بالتدبر.(3/303)
7- يجب عليك الحمية التامة من النظر إلى التلفزيون، أو المجلات، أو الذهاب إلى أي مكان فيه منكرات، فأنت في حجر صحي لكي ترجع إلى قلبك عافيته، ولن ينفعك الدواء وهي الحسنات، إن كنت تدخل عليه الداء في أثناء فترة العلاج، والداء هو السيئات.
8- استمر على هذا البرنامج شهرًا كاملاً على الأقل، تعيش فيه مع القرآن تقرؤه بالتدبر، وتعمل بما فيه، وتخلو بنفسك لذكر الله تعالى- الساعات الطوال، والدليل على الشهر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أمر بذلك فقال: "اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ". متفق عليه: صحيح البخاري (5052) وصحيح مسلم (1159) من حديث ابن عمرو، رضي الله عنهما.
9- إن كانت البيئة التي تعيش فيها لا تساعدك على تطبيق هذا البرنامج فغيِّر بيئتك، اترك أصحاب السوء، وابتعد عن الأماكن التي تقضي فيها أوقات فراغك إن كانت تشجع على المعاصي، ولو استطعت أن تسافر إلى مكة مثلًا لتطبق هذا البرنامج فافعل.
10- تصدق بجزء من مالك، توبة إلى الله تعالى، صدقة سر لا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى، فقد صح في الحديث: "إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ". رواه الترمذي (664) من حديث أنس، رضي الله عنه.(3/304)
11- حاول أن تذهب إلى العمرة ناويًا تجديد إيمانك وغسل ماضيك بماء هذه الرحلة المباركة، قال - صلى الله عليه وسلم - : "العُمْرَةُ إلى العمرةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ". متفق عليه: البخاري (1773) ومسلم (1349) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
12- إن كانت لديك حقوق للناس فرُدَّها كلها، ولا تترك منها شيئًا في ذمتك؛ توبة إلى الله.
13- ادع الله تعالى- كل ليلة في وقت السحر، قبل صلاة الفجر بهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". أخرجه البخاري (834) ومسلم (2705). وهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وأَعِذْنِي مِن نَفْسِي". أخرجه الترمذي (3483). وهذان علمهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه، رضي الله عنهم، وأكثر من الاستغفار والدعاء في السَّحَر فإن السحر(قبل الفجر) وقت يستجاب فيه الدعاء.
والله أسأل أن ينفعني وإياك بالعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يشرح صدورنا، وينوِّر قلوبنا، ويأخذ بأيدينا لما فيه الخير والصلاح والسداد، إنه جواد كريم. والسلام عليكم
ــــــــــــــــــ
فتور الملتزم
المجيب ... د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ ... 8/8/1424هـ
السؤال(3/305)
أنا شاب ملتزم على طاعة الله منذ عام تقريباً، ولقد وجدت والله السعادة واللذة الحقيقية، ولكن بعد مضي شهور أحسست بنوع من الفتور، فلم أستطع الخشوع، وبدأت أرتكب الذنوب والمعاصي حتى وقعت في الكبائر، ولقد أحسست أني بفعلي هذا منافق، أرجو نصحي وإرشادي، وأنا الآن أصبت بحالة من الإحباط والخوف من عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة، أجيبوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
السلام عليكم، وبعد:
شكراً لمراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم، والجواب على استفسارك كما يلي:(3/306)
معلوم أن الإنسان يمر بمراحل مختلفة وأحوال متنوعة، وبقاؤه على حال من الجد أو ضده تحيله طبيعة البشر من التقلب والتحول، ولذلك قال النبي – - صلى الله عليه وسلم - لحنظلة بن عامر – رضي الله عنه - يوم أن شكا له عدم ثباته على حال من الخشوع والإخبات فقال له: إنا نكون عندك يا رسول الله وكأن على رؤوسنا الطير وإذا فارقناك عافسنا النساء ولاعبنا الأولاد، فقال له رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - مبيناً له استحالة بقاء الإنسان على حال واحدة:" والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات" أخرجه مسلم (2750) من حديث حنظلة الأسيدي – رضي الله عنه-، فإن تغير حال الإنسان طبيعة فطرية، وليس هذا محل إنكار إنما محل الإنكار أن تنقلب الحالة من خير إلى شر، أو من طاعة إلى معصية، لذلك أخبر عليه الصلاة والسلام أن لكل عمل شرة وفترة، يعني مرحلة جد وضعف، فقال:"فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى" أحمد (22376) عن رجل من أصحاب رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - – من الأنصار، ففي مسند أحمد (6473) وغيره عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - ثم إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت شرته إلى غير ذلك فقد هلك، وفي لفظ:"إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" أحمد (6664) ، فالواجب على العبد عند الضعف أن يحرص على التمسك بالفرائض وأصول الدين والبعد عن المحرمات، فإن وجد نفسه ثقيلة على النوافل والمستحبات فلا بأس بتركها فترة ليعود إليها بشوق وهمة أكبر، وفي نفس الوقت يعالج أسباب هذا الضعف وسبب رجوعه للذنوب مرة أخرى.(3/307)
إن تحسسك للأسباب يختصر عليك المسافة في معالجة ما جد من تغير، وذلك بترك تلك الأسباب والرجوع للحال التي كانت النفس فيها مقبلة، وحالة الفتور هذه يتعرض لها كثير من السائرين إلى الله، فإن أحسنوا معالجتها وإلا كانت وبالاً على بعضهم، يتردى بسببها إلى الحضيض، وإني أنصحك بالرجوع إلى كتابين عالجا أمر الفتور معالجة جيدة، الكتاب الأول: آفات على الطريق للدكتور: محمد السيد نوح، والثاني الفتور للدكتور: ناصر العمر، واحرص أخي على البعد عن الأصحاب الذين أضعفوا فيك التمسك بدينك، واحرص على لزوم الأخيار والصالحين، وأكثر من الاستعانة بالله عز وجل، والله يثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه وهو راض عنا إنه جواد كريم، والسلام عليكم.
ــــــــــــــــــ
رسائل مشوقة للقراءة
المجيب ... د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ ... 13/05/1428هـ
السؤال
كيف أغرس في قلب زوجتي حبَّ القراءة والاطلاع والعلم والمعرفة؟
الجواب
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا شك أن للقراءة أهمية كبيرة في حياة الإنسان، وفي تنمية شخصيته.
وجميل جداً أن يحرص الزوج على تنمية شخصية زوجته من خلال القراءة والاطلاع، وهو من الأمور التي يشكر عليها ويؤجر إن شاء الله ، وله أثر إيجابي كبير – بإذن الله تعالى- على الأسرة وتربية الأبناء.
ولكي تعود الأمة الإسلامية إلى مجدها لابد أن تعود إلى الكلمة الأولى التي نزلت على رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ، ألا وهي كلمة "اقرأ"، والعجب كل العجب ممن ينتمي إلى هذه الأمة ومن ثم يزهد في القراءة.
واعلم أخي الكريم أنه لا يحرص على القراءة إلا من أدرك قيمتها، بأن عرف فوائدها، ولمس آثارها في نفسه وفي غيره، ومن أهم فوائد القراءة:(3/308)
1. القراءة من وسائل زيادة الإيمان؛ وذلك بقراءة القرآن والسنة وسير الصالحين من سلف هذه الأمة.
2. القراءة من أعظم وسائل تحصيل العلم، لا سيما بعد انتهاء فترة الدراسة النظامية.
3. المتعة والروعة، حيث يستمتع القارئ بما يطلع عليه من معلومات وأخبار، ويعيش أروع أوقاته في ممارسة هواية القراءة.
4. المعاصرة والمشاركة: حيث يتمكن القارئ من متابعة مستجدات عصره، والمشاركة في تغيير المجتمع التغيير الصحيح بما يسهم فيه من كتابات وآراء نتيجة كثرة الاطلاع.
5. خدمة الدين والدعوة من خلال القراءة، ونشر العلم الذي يحصل عليه من خلالها.
6. الدفاع عن الإسلام، ومعرفة مخططات الأعداء، ومن ثم تحصين النفس والأسرة والمجتمع ضد تلك المخططات.
7. تنمية الشخصية، والقدرة على التقويم والتحليل .
8. القراءة دليل العمل: وذلك لأن من يمارس القراءة ويتعلق بها لا يمكن أن يترك أوقاته تهدر، بل يستثمرها فيما يعود عليه بالفائدة .
9. تربية الأولاد على حب القراءة.
10.زيادة الخبرة في التربية من خلال الاطلاع على الكتابات التربوية والنفسية التي تعنى بتربية الأبناء ومهارات التعامل بين أفراد الأسرة .
ولكي تحبب القراءة إلى زوجتك لا بد لك من أمور:
اكتشف ميول زوجتك واهتماماتها.
1- التدرج معها في نوعية المادة التي تريدها أن تقرأها.
2- البداية بالكتابات السهلة والمشوقة والمختصرة.
3- قراءة المجلات الأسرية النافعة، مثل مجلة الأسرة، والشقائق.
4- اقرأ لها بعض المواضيع المنتقاة والمفيدة والمشوقة؛ حتى تتحمس للقراءة والاطلاع.
5- استخدم التشجيع الخارجي، والذي يتمثل في:
1. إشراكها في تقديم برامج ثقافية للأبناء وللأسرة والمجتمع لتقوم بالقراءة من أجل التحضير لها.
2. عمل المسابقات الثقافية على مستوى الأسرة أو المدرسة أو نحو ذلك: لتقوم بالاطلاع، وحل الأسئلة .(3/309)
3. استغلال المواقف: بحيث توجهها إلى استغلال أوقات الفراغ المملة غالباً في قراءة الكتيبات والمجلات النافعة.
4. التوجيه إلى القراءة: بالرفق واللين والتحفيز .
5. زيارة المكتبات، ومعارض الكتب .
6. طلب محدد: بأن تطلب منها أن تلخص لك موضوعاً، أو تجيب لك على سؤال، أو تبحث لك عن معلومة أو نحو ذلك.
ومرة أخرى أشكر لك اهتمامك بترغيب زوجتك في القراءة، ونسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير لهم ولأفراد أسرهم ومجتمعاتهم. والحمد لله رب العالمين
ــــــــــــــــــ
ابني والدراسة: عزوف وعدم مسؤولية
المجيب ... د. إبراهيم بن حمد النقيثان
أستاذ مساعدبجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ ... 28/02/1428هـ
السؤال
أريد أن أعرف ماذا أفعل مع ابني وعمره تسع عشرة سنة، وهو يرفض الذهاب إلى المدرسة، يرفض أن يعمل بحجة الانهيار العصبي وانهيار النشاط، وأنه يحتاج إلى من يساعده. لقد فعلت كل شيء من أجله، دفعت المال للطبيب النفسي، ذهبنا لاستشارة الأطباء... ولكن هو لا يجتهد، وهو دائما في الإنترنت يتكلم مع أصدقائه، أو يقرأ كتبا عن الانهيار العصبي أو يسمع الموسيقى فهل أطلب منه أن يترك المنزل أم هذا حرام؟ أبوه يطلب مني أن أطرده من المنزل لكي يتحمل مسؤوليته، ولكن أنا لا أستطيع ذلك؛ فماذا أفعل مع ابني؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نشكر لك أختي الكريمة اهتمامك بابنك. نسأل الله الصلاح لنا ولذرياتنا إنه سميع مجيب.
إن ابنك يمر بمرحلة المراهقة، وهذه المرحلة تتسم من الناحية الانفعالية بالشدة، والتذبذب، ونتيجة للنمو السريع فإن له آثاراً انفعالية كبيرة على المراهق، فهو يشعر بانزعاج من نمو أطرافه، وتضخم صوته، ونمو أعضائه وبروزها، ويقضي وقتاً كبيراً أمام المرآة..(3/310)
يؤدي ذلك إلى العزلة والشعور بالخجل،، وتقل اهتماماته الاجتماعية، ويشعر بالارتباك من الآخرين؛ خشية ملاحظة التغير الذي طرأ عليه، وبالتالي الارتباك والتردد الذي يظهر على أفعاله، ويخجل من القراءة الجهرية نتيجة تغير الصوت لديه، وقد يكون رفض ابنك للذهاب للمدرسة لأجل ذلك.
كما يظهر لدى المراهق عدم الاستقرار؛ فتتغير ميوله كما يتغير جسمه، فهو ينتقل من نشاط لآخر، ولا يشعر بالرضا من أي نوع، ويصاحب ذلك مشاعر التوتر.
كما تزداد الحساسية لديه تجاه نظرات الآخرين وأوامرهم ونصائحهم ومطالبهم، فتغلب عليه حدة الطبع وسرعة الغضب، ويفسر معظم ما يسمعه من الكبار والأقران على أنه موجه إليه، تزداد لديه القابلية للاستهواء والاستثارة، فلديه العاطفة الجياشة.
وقد لا يستطيع التحكم في المظاهر الخارجية لحالته الانفعالية.. فقد يلقي أو يحطم ما في يده، وقد يمزق ويتلف مقتنياته.
كما لديه الحساسية الزائدة تجاه النقد، نتيجة خيبة أمله فيما كان يعتقده عن رأي الآخرين نحوه.
أحلام اليقظة وخيالاته تضفي عليه قوة وكمالاً وقيمة، ولكن هذه ليس لها رصيد عند الناس، فهو عندهم ما زال صغيراً حقيرًا، وغير قادر على تحمل المسؤولية.
لذا يصبح في بعض الأحيان ناقماً على والديه وعلى الناس والمجتمع، ويطلق بعض العبارات مثل التي تدل على ذلك.
وعموماً لديه نقصان الثقة بالنفس، حيث يصبح أقل ثقة بنفسه، وذلك راجع لعدة أسباب:
1- نقص المقاومة الجسمية، والقابلية للتعب.
2- الضغوط الاجتماعية التي تطلب منه أكثر مما يؤديه.
3- نقد الكبار لطريقته بالعمل.
يعتري المراهق أحياناً مظاهر اليأس والقنوط والكآبة، وقد يستبد به اليأس فيقدم على الانتحار.(3/311)
أما الانهيار العصبي الذي يشكوه، فقد يكون هو حيلة نفسية لتبرير تركه الدراسة أو الجدية فيها، ومن وجهة النظر النفسية فإن الانهيار العصبي يحدث غالباً نتيجة صدمة نفسية أو عاطفية، وليس يحدث فجأة، إلا أن يكون اضطراباً ذهنياً، وليس مما ذكرت أختي الكريمة عن ابنك شيئاً من مظاهر الاضطراب الذهني.
وللتعامل مع ابنك استخدمي الحوار والإقناع العقلي، وليس فقط النصائح المباشرة، كما يمكن حرمانه من بعض الأشياء التي يفضلها حتى يعود لسابق عهده، وهذا جزء من تعويده على تحمل المسؤولية، أما طرده من البيت فليس حلاً سيما في بلاد الغربة، بل ربما تزداد الحالة سواء.
وعلاج ابنك ليس عند الطبيب النفسي، بل لدى الاختصاصي النفسي، فهو الأفضل لمثل حالة ابنك.
أسأل الله أن يسعدك بصلاح ابنك، ونجاحه في حياته كما يحب ربنا ويرضى.
ــــــــــــــــــ
أفكر بالانتحار
المجيب ... د. تركي بن حمود البطي
طبيب نفسي.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ ... 23/11/1425هـ
السؤال
أحس أن الدنيا ملل لدرجة أني أفكر بالانتحار، مع كل هذا فأنا لدي مشاكل كبيرة مع التعامل في العائلة وفي أي مكان، وعندما يحصل لي أي شيء حتى لو كان تافهاً أحس أن الدنيا وقعت كلها على رأسي، وأحس أني سأنفجر من الضغط، وأحس أن لدي أمراضاً نفسية، مع العلم أني شاب متدين. أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(3/312)
أخي السائل الكريم: الأعراض التي ذكرتها تتوافق مع اضطرابات الشخصية من نوع الشخصية الحساسة، القلقلة وخلافها، نصيحتي لك بمراجعة طبيب نفسي موثوق به؛ لعله يساعدك في تجاوز هذه المرحلة، سواء بالأدوية أو الجلسات للعلاج السلوكي والمعرفي، قد يكون ما تعاني منه هو نوع من تقلب المزاج واضطرابات المراهقة، أو عدم التكيف مع التغيرات التي تحصل في هذه المرحلة، كونك شاباً ملتزماً لا يعطيك هذا مناعة ضد الأمراض النفسية، بل يساعدك على تجاوز هذه المرحلة بثقة وثبات أكثر من غيرك، ولا يجب أن تلوم نفسك بوجود هذه المشاكل مع كونك ملتزماً، بل هذه إيجابية لك في حل المشكلة إذا استفدت منها ولم تجعلها عبئاً على نفسك باللوم وجلد الذات.
أخي الكريم: موضوع الانتحار موضوع يراود الكثير ممن هم في مثل حالتك، ولكن لو تأملت نفسك لو أقدمت على هذا العمل ماذا سوف تجني؟ أعتقد أن هذه النقطة وحدها كافية لإقفال هذا الموضوع، وفتح صفحة جديدة من التفاؤل والنظرة المشرفة للحياة، تقول لي: لكني أفعل هذا للهروب مما أنا فيه، أقول لك: أوافقك على المبدأ، لكن أختلف معك على الطريقة، بمعنى هل الحل لمشكلتك هو بالهروب منها، أم بمواجهتها ومعرفة أصل المشكلة وإيجاد حلول لها.
أخي السائل: تحتاج أن تعرف أن الحياة فيها الحلو والمر، السراء والضراء، الضيق والرخاء السعادة والشقاء، لكن من يستطيع أن يأخذ الجانب المضيء من هذه الحياة، ويبتعد أو يقلل من ضريبة الحياة والمدنية، أعرف أربعة جوانب من حياتك وحدِّد مشكلتك في أيها. علاقتك مع ربك- علاقتك مع نفسك- علاقتك بمن حولك (العائلة – المجتمع..) وأخيراً نظرتك المتفائلة للمستقبل.(3/313)
انظر في أي هذه الأرباع يوجد النقص، واعمل على مواجهته وإصلاح الخلل الذي فيه، احرص على اللجوء إلى الله، وشاور من حولك ممن تثق بهم، وراجع طبيبك وصارحه بمشاكلك، ولا تستعجل النتيجة، وتحلَّ بالصبر، وبمشيئة الله سوف تجد الفرج والسعادة في نهاية المطاف. والله يحفظك ويرعاك.
ــــــــــــــــــ
ملل من الدراسة .. وضغوط الحياة !!!
المجيب ... أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /اخرى
التاريخ ... 2/8/1422
السؤال
أخي مشرف نافذة الاستشارات .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أما بعد ..
إخواني يا من تقرأون مشكلتي أنا بحاجة شديدة إليكم وفعلاً أن محتاجكم فأفيدوني بما تستطيعون وجزاكم الله خيراً ..
مشكلتي .. أنا طالب في الثانوية العامة وأعاني من (خربطه) في الدراسة ولا أستطيع التركيز على الدراسة والمتابعة مع المدرس أثناء الشرح ولا أستطيع في بعض الأوقات أن أتمالك نفسي عن الغضب ..أشعر أن هناك شيئاً ما يكرهني في الدراسة .. أكرهها ولا أحبها وأشعر أني أحمل هموم كثيرة من الصعب معرفتها .. لا أعرف ما مشكلتي مع الدراسة رغم أنني في السنوات الماضية كنت أواظب على الدراسة ومن المتفوقين.. أشعر أن لا أحد يفهمني ويفهم مشكلتي أرجو المساعدة لأننا بعد فترة سندخل الامتحانات ولا أريد أن أكون هكذا.. أصف نفسي بأنني مجرد ( مجنون نفسي )
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،، وبعد ..
أخي الكريم .. أشكر لك ثقتك .. واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .. أما تعليقي على استشارتك..(3/314)
أولاً : كثرة الغضب .. وعدم السيطرة على النفس .. ربما كان نتيجة ( ضغوط نفسية ) معينة .. فهل سألت نفسك بصدق ما هي هذه الضغوط ؟! .. احضر ورقة وقلم .. واسأل نفسك السؤال السابق .. ثم أجب بالتفصيل .. ((كتابة)) وناقش كل فكرة لوحدها .. وستكشف أن كثيراً من هذه الضغوط لا يستحق حتى مجرد ذكره ..!! ولكن لأنه تجمع مع غيره في أعماقك .. شكل لك ذلك الهاجس وأزعجك بدون أن تعرف سبباً حقيقياً لكل ذلك ..!!
ثانياً : الدراسة عموماً .. ثقيلة على البعض ..!!! بسبب الكثير من الالتزامات فيها مثل الحضور والانصراف وبعض الواجبات .. وغير ذلك ..!! ولكن تأكد أن ذلك إحساس الآلاف مثلك سابقاً ولاحقاً .. ومع ذلك كيفوا أنفسهم .. وسارت بهم الأيام وتخرجوا وتزوجوا .. ورزقوا بالأبناء .. وهكذا .. ولذلك لا تعتقد أنك الوحيد الذي يعاني .. بل وازن أمورك .. وانظر للأشياء الإيجابية في حياتك .. وتأكد أن الحياة مليئة بالمنغصات ..! ولا اعتقد أن الدراسة من ضمنها بأي حال من الأحوال فتعامل معها على هذا الأساس كرسالة واجبة التحقيق 0
ثالثاً : أتمنى لو وضعت لنفسك جدولاً تنظم به وقتك .. بين المذاكرة وممارسة بعض الهوايات .. والالتقاء بالأصدقاء والالتزام بهذا الجدول .. بشكل يومي .. وستجد أنك قد لحقت بالقافلة .. وأصبحت ممن يشارك داخل الصف .. وبالتالي أحسست بقيمة الدراسة وبقيمتك داخل المدرسة .. لأن الإحساس بعدم الفهم والاستيعاب وعدم مسايرة الزملاء يخلق في داخلك هذا الملل .. فتخلص من ذلك وستجد النتيجة .
رابعاً : حبذا لو كان لك داخل المدرسة دور ما .. في النشاط أو الإذاعة أو إحدى الجماعات الأخرى .. فالمشاركة إيجابية في جميع النواحي .
خامساً : حافظ أخي الكريم على أورادك اليومية .. وقراءة شيء ولو يسير من القرآن .. والمحافظة على الصلاة في أوقاتها وستجد نتيجة ذلك سعة في الرزق وانشراحاً في الصدر وتوفيقاً دائماً .(3/315)
سادساً : اقترب من والديك .. وبرهما واسألهما الدعاء لك بالتوفيق والسداد .. وأكثر أنت أيضاً من الدعاء .. فالله قريب مجيب .
سابعاً : عليك باختيار (( رفقة صالحة )) تدلك على الخير وتعينك عليه .
وفقك الله وسدد على طريق الخير والحق خطاك .
ــــــــــــــــــ
ملء الوقت بالأعمال النافعة دواء الملل والسآمة
تاريخ الفتوى : 08 ذو القعدة 1425
السؤال
أنا فتاة في الثالثة والثلاثين، ولكن أشكو من وحدتي في هذه الدنيا جاء من يخطبني ولكن كان الرفض فالمشكلة الآن أني لست موظفة بل جالسة في البيت وإخواني وزوجاتهم يخرجون دائماً ولكن لم أسمع منهم في يوم أن أخرج معهم للسياحة أو الشراء حيث الآن سيمر علينا العيد ولم أذهب إلى التسوق والآن أحس بضيق في صدري بسبب ما أعانيه، لا أحد يفكر بي لا يفكرون إلا بأنفسهم فقط، ودائماً لا أنام إلا وأنا أصيح كالأطفال من شدة ما بي من أحزان؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدنيا دار بلاء، وهي سجن المؤمن، وهي أيام قليلة وبعدها نلقى الله، وفي الحديث: يؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا -من أهل الجنة- فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا؛ والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط . رواه مسلم ، وانظري الفتوى رقم: 51946 .
وقد يكون تأخر الزواج أو عدمه أفضل للمرأة من أن تبتلى بزوج لا يتقي الله فيها ويسومها سوء العذاب، وانظري الفتوى رقم: 12767 .(3/316)
ومع ذلك، فلا تيأسي واسألي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، وتحيَّني أوقات الإجابة، فإنه لا يرد مضطراً دعاه، وانظري الفتاوى: 23599 ، 17449 ، 32655 ، 8581 . فإن فيها بيان أوقات الإجابة وآداب الدعاء وشروطه، وننصحك أن تكون لك رفقة من الأخوات الصالحات، وأن تتعاوني معهن على طلب العلم النافع والعمل الصالح، والتحقي بدار لتحفيظ القرآن، ولا تجعلي الفراغ يملأ حياتك، فاملئي وقتك بالأعمال النافعة، فإن بدأت بذلك علمت بأن الأوقات لا تكفي.
وننصحك أن لا تسعي للخروج مع إخوانك وزوجاتهم إلى الأسواق، فإن فيها من البلاء والمحرمات ما الله به عليم، واحمدي الله أن جنبك هذا البلاء.
واعلمي أن الأصل أن تقر المرأة في بيتها، قال تعالى مخاطباً المؤمنات: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33}.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــ
نصائح نافعة للتخلص من اليأس والملل
تاريخ الفتوى : 03 ربيع الثاني 1426
السؤال
لم أرغب في الحياة وللأسف تركت الصلاة بشكل غير عادي وأنام كثيرا ولا أهتم بالمذاكرة مطلقا حتى اقترب موعد الامتحانات ولا أعرف شيئا عن موادي التي سوف أمتحن فيها ولا عندي الرغبة بأي شيء ولا أعرف ماذا أفعل، إني أعتمد على الله ثم عليكم في حل هذه المشكلة التي سوف تدمر حياتي وأشكركم جزيلا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الانقباض وضيق الصدر غالبا ما يكون سببه الغفلة عن الله والتفريط في جنبه، وإدمان المعاصي. قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124}
فلا علاج لما أنت فيه إلا بالفرار إلى الله واللجوء إليه، والانطراح ذليلة بين يديه، والله يفرح بتوبة العبد ويقبلها منه.(3/317)
فتوبي إلى الله وارجعي إليه ولا تتبعي سبل الشيطان، فإن العمر قصير والموت يأتي فجأة، ولا ينفع الندم حينئذ.
وانظري شروط التوبة النصوح في الفتويين: 9694 ، 5450 .
واحذري ترك الصلاة فإن تركها جحودا كفر، وكذلك تركها تهاونا عند كثير من أهل العلم. وانظري الفتوى رقم: 6061 .
هذا، وننصحك بأمور
الأول: أن تدمني القراءة في كتاب الله، فإنه شفاء لما في الصدور وسبب للطمأنينة وهناءة العيش. قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء: 82}
الأمر الثاني: أن تكثير من الاستغفار وذكر الله في اليوم والليلة، وخاصة الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء، وبعد الصلوات، وعند النوم، وتجدينها وغيرها من الأذكار في "حصن المسلم"
الأمر الثالث: أن تسألي الله الهداية والاستقامة وأن يكفيك شر الشيطان وشر نفسك، والتمسي أوقات الإجابة مثل ثلث الليل الآخر وأثناء السجود وآخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة، وعند الفطر عندما تصومين.
الأمر الرابع: أن تتخذي رفقة صالحة من الأخوات الفضليات فإنهن خير معين بعد الله تعالى على الاستقامة على دين الله، ففتشي عنهن وانخرطي في سلكهن واعبدي الله معهن، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
الأمر الخامس: أكثري من استماع الأشرطة الإسلامية فإن فيها علما غزيرا وتهذيبا للأخلاق وتذكيرا بسير الصالحين.
وللفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800 ، 6603 ، 17666 ، 10943 ، 1891 ، 18108 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــ
علاج الفتور والملل من الدراسة
تاريخ الفتوى : 16 ذو الحجة 1426
السؤال
أنا طالب في الصف الثالث ثانوي (علمي)(3/318)
السؤال: أشعر في بعض الأيام أني لا أريد الدراسة وأنا ولله الحمد متفوق في السنوات الماضية ولكن هذه السنه أشعر بالملل وأصبحت كثير النسيان فبعد أن أذاكر أنسى ما حفظت وأصبحت قلقا ومتوترا بشكل كبير وأخشى أن يقل مستواي هذه السنة وأهلي معتمدون علي بعد الله عز وجل، فماذا أفعل، وما هي الطريقة التي تساعدني على حفظ دروسي، وإذا كان عندكم جدول للمذاكرة أرشدوني، وكيف أتغلب على النسيان بعون الله تعالى، وشكراً، أرجوا الإجابه لسؤالي بالتفصيل، وأتمنى عدم إحالتي إلى إجابة سؤال آخر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أسباب النسيان وأنواعه وعلاجه في الفتوى رقم: 22996 ، والفتوى رقم: 56561 .
وأما الفتور والملل فغالباً ما يكون سببه إجهاد النفس وتكليفها فوق طاقتها، فكما أن التقصير مذموم فكذلك الإفراط والغلو. ولله رد القائل:
عليك بأوساط الأمور فإنها**** طريق إلى نهج الصواب قويم
ولا تك فيها مفرطاً أو مفرطاً**** كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وانظر الفتوى رقم: 34831 ، والفتوى رقم: 10943 .
وننصحك بالاعتدال في أمورك كلها، وإعطاء كل ذي حق حقه، ولا تسرف في المراجعة حتى لا تملها وتكرهها، ونظم أعمالك وأشغالك وفت فراغك، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــ
الملل
ناصر بن محمد الأحمد
الخبر
5/5/1416
النور
الخطبة الأولى
أما بعد:
عنوان الخطبة في هذه الجمعة الملل.
يقول أهل اللغة:الملل هو أن تمل شيئاً وتعرض عنه، ومللت الشيء إذا سئمته، وفي الحديث: ((عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه)).(3/319)
الملل أيها الأحبة من المشاكل المزعجة، ومن الأمراض المهلكة لو أصابت الشخص.هناك بعض الناس يكون الملل سجية فيه، تجد أنه يمل كل شيء، ضعيف صبره، يمل العمل، يمل الأصحاب، يمل الزوجة، يمل الأولاد، ومثل هذا مسكين، إذا لم يحاول أن يعالج نفسه، ويتداركه الله برحمة، فإنه يتعب ويُتعِب. وهناك من الناس من يمل، لكن من أشياء دون أشياء، وهذا أهون من الأول، لكن مصيبته إذا صار يمل من أمور شرعية، كالعبادات، نسأل الله العافية. كأن يتحمس في أول شهر رمضان وبعض النصف منه يمل ويود سرعة زوال الشهر.
أيها المسلمون: هناك مفاسد كثيرة تترتب عن وجود الملل في الأفراد، وهذه المفاسد تختلف بحسب موقع الشخص في المجتمع.
فالرجل الذي يمل الأولاد مثلاً، تجده دائماً في قلق، وتكثر لديه المشاكل الأسرية، بسبب قسوته على أولاده، وكثيراً ما يستخدم الضرب لتهدئة الأوضاع، وربما أدى ملله من أولاده في النهاية إلى تطليق الأم.
والتاجر الذي يمل بسرعة، هذا قليلاً ما يوفق في تجارته، لأن التجارة غالباً تحتاج إلى طول نفس وصبر، وعدم التعجل حتى يفتح المولى جل وعلا على عبده بالرزق، أما سريع الملل، إذا لم يرى النتائج والأرباح بسرعة فإنه يمل ثم يترك، وربما ترتب على ذلك خسائر ثم ديون ثم إفلاس.
والمدرس سريع الملل، هذا لا يمكن له أن يؤدي الدور التربوي والتعليمي المكلف به، لأن الطلبة يحتاجون إلى طول بال، وإلى تحمّل طويل، وصبر على الأخطاء، وتوجيههم بالأسلوب المناسب، لكن المدرس سريع الملل تجد أنه فاشل في رسالته، قليل العطاء، ينفر منه الطلاب، ولا يتقبلون منه.(3/320)
والموظف الذي يمل بسرعة، هذا لا يصلح أن توكل إليه الأعمال التي تحتاج إلى مقابلة الجمهور، ولهذا ينبغي اختيار العناصر الهادئة والمنضبطة فيمن يوضعون أمام الناس، وعلى مكاتب الاستقبال، أولئك الذين لديهم المقدرة في امتصاص غضب بعض المراجعين، لكن تخيل مراجعاً ساخن الطبع، وموظفاً سريع الملل سريع الاشتعال، النتيجة في الغالب معركة، الخاسر فيها سمعة الوزارة، والضحية المراجع المسكين.
أما الداعية إلى الله والمصلح إذا كان سريع الملل فهذه هي المصيبة، لأن الدعاة إلى الله، وطلبة العلم، هم مشاعل النور والخير في كل مجتمع، وهم القدوات التي يقتدي الناس بها، وبهم يتعلم الناس أحكام الشرع، وعلى أيديهم يتربى الجيل الناشئ، وهم الذين يقيمون حلق العلم والتعليم، ودروس المواعظ والإرشاد.
إن الدعاة إلى الله، وطلاب العلم في كل مجتمع، في الغالب هم أئمة المساجد، وخطباء الأحياء، وهم زبدة الناس، المطلوب منهم أن يأخذوا هم بأيدي الناس، كيف لو كانوا هم في مقدمة الذين يملّون، لاشك بأن النتائج تكون سلبية، والملل عند الدعاة وطلبة العلم على أنواع:
فمنهم من يمل القراءة وكثرة الاطلاع، لا يتحمل المكث مع الكتاب بضع ساعات، فهذا نجد أن خلفيته ضحلة، ومعلوماته بسيطة.فلا يملك ما يعطيه لغيره.
ومنهم من يمل تكثيف الدروس والمحاضرات، فيتحمس في البداية ثم يمّل، وهذا يشاهد في الدورات المكثفة في فصل الصيف، من الحماس وكثرة الحضور في البداية، ثم الملل شيئاً فشيئاً والتفلت في الأيام الأخيرة للدورة.(3/321)
ومن الدعاة من يمل طول الطريق وبطء النتائج وتدرج الخطوات والمراحل، ويرى مع ذلك شراسة العدو، وكيده للدعوة، وتضييقه على الدعاة، وربما سمع أو قرأ لبعض صور الكيد العالمي، وهذه الهجمة الشرسة على الإسلام في كل مكان، ابتداءً بأرضه، وانتهاءً بأراضي الكفار، كل هذا وغيره إذا اجتمع على هذا الداعية أصابه الإحباط واليأس والفتور وأدى به ذلك إلى الملل وترك العمل.
أيها المسلمون: لو ألقينا نظرة للمجتمع النبوي، ذلك المجتمع الصغير في ذلك الوقت، وأولئك النفر القليل من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم ملتفون حول المصطفى عليه الصلاة والسلام.
ماذا كان إنجاز ذلك الجيل، مع أنه كان محاطاً بسياج من العدو، وبأشكال متعددة، المنافقون من جهة، واليهود من جهة، وكفار قريش من جهة، هذا عدا دولتي فارس والروم، ماذا حقق ذلك المجتمع من إنجاز وهم قلة في العدد والعدة، في مقابل شراسة العدو وكثرته الذي كان يقابله.لاشك أنه إنجاز، أبهر عقول العدو قبل الصديق، وحقق أعظم تاريخ عرفته البشرية.
السؤال: هل كان يمكن أن يصل ذلك المجتمع إلى ما وصل إليه من قيام دولة مسلمة وإسقاط دول كافرة، وتربية نماذج فريدة، وإخراج علماء الأمة من فقهاء ومحدثين.
وعلماء في كل فن، هل كان يمكن تحقيق كل ذلك، مع وجود ظاهرة الملك بينهم.
لا يمكن أبداً. ما حُقق ذلك الإنجاز إلا بالجد والمجاهدة والصبر والعزيمة.
وإلغاء ما يسمى بالملل والكسل والعجز من قاموسهم بالكلية.(3/322)
ولأضرب لكم مثالاً آخر، مثال حيّ من واقعنا لتدركوا إن ما نحن فيه التخلف في كافة المستويات، إبتداءً بالتخلف العبادي وانتهاءً بالتخلف الحضاري، أحد أسبابه وجود الملل بنسبة لا بأس بها بين أبناء الأمة، هذا المثال دولة إسرائيل، هذه الشرذمة القليلة من اليهود، بغض النظر عن كونهم كفاراً ويهوداً، لكن لو نظرت إلى الإنجاز الذي حققوه خلال السنوات القليلة الماضية، لاشك أنه إنجاز ضخم، عددهم لا يزيد على أربعة ملايين يتحكمون بالشعوب الإسلامية والعربية كلها، التي يزيد على ألف مليون نسمة.
هل تعلمون أن في إسرائيل مع هذا العدد القليل مليونين ونصف خط هاتف، وهي رابع دولة في العالم من حيث القيادة.
والأهم من هذا أن معدل إنتاجية العامل فيها يبلغ حوالي 42 ساعة في الأسبوع أصبحت تنافس ساعات العمل للعامل في اليابان وأمريكا، لو كان اليهود يعرفون الملل والسآمة والنوم، هل يحققون كل هذا؟ خضعت لهم دول، وركعت أخرى، واستسلمت ثالثة، بل إن طموحاتهم وأهدافهم، لم تنته بعد، لهم آمال وطموحات أعظم مما هم عليه اليوم نسأل الله ألا يحققوه.
من الطبيعي جداً لو كانت ظاهرة الملل متفشية عندهم، لم يكن بمقدورهم تحقيق كل هذا تقول بعض الإحصائيات أن العامل في اليابان يعمل بمعدل 16-18 ساعة يومياً.
ستة عشر ساعة عمل بجد ونشاط وقوة، وأن معدلات ساعات العمل في الدول العربية تصل إلى ساعتين عمل في اليوم، وفي بعض الدول إلى أقل من هذا.
يقول الله جل وتعالى عن العطاء في الدنيا: كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا في التقدم الحضاري والإنجاز المادي لا فرق بين المسلم والكافر إلا في البركة، فالله جل وتعالى بعدله يعطي هذا وهذا، الذي يجد ويبذل ويعمل، يحصل على ثمرة يده.(3/323)
فلهذا كان يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم إني أعوذ بك من جلد الكافر وعجز الثقة. وهذا هو المشاهد مع كل أسف. الكافر والفاسق تجد لديه من الجلد والمثابرة والعمل ما يبهر العقول أحياناً، والمؤمن الثقة الثبت يكون بعضهم فيه من العجز والكسل والملل ما يؤسف له.
والحق يقال أيها الأحبة أن ما نراه من التقدم التقني والحضاري، وهذا الإنجاز في مجال التصنيع والإنتاج والإدارة والتنظيم والترتيب في دول أوربا وأمريكا، ما هو إلا نتيجة الجهد والجد والعمل الدؤوب المتواصل ليل نهار.
وفي المقابل ما نراه في مجتمعات المسلمين من التخلف في كل شيء والفوضوية واللامبالاة ما هو إلا نتيجة الكسل والعجز والتواكل والملل وحب النوم والراحة واللهو واللعب.
مع أننا أمة رسالة، أمة دعوة، أمة عطاء، والله جل وتعالى لم يوجدنا ويخلقنا لنكون هكذا، بل لنكون خير أمة أخرجت للناس.
لكن هذا نتيجة ما جنته أيدينا من بعدنا عن الإسلام ونبذنا لكتاب ربنا حكماً وتحاكماً وعقيدة وعبادة وضعف صلتنا بالله عز وجل، وتقوية الصلة بهيئة الأمم، والمحافل الدولية وغيرها من المؤسسات الطاغوتية.قال الله تعالى: وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم.
نفعني الله وإياكم يهدي كتابه واتباع سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، أقول ما تسمعون واستغفر الله. .
الخطبة الثانية
أما بعد:(3/324)
هل للملل علاج، ما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه الدواء، علمه من علمه وجهله من جهله، فمن عقاقير علاج الملل.أن يعرف المسلم قيمة نفسه وأنه أغلى جوهرة على وجه الأرض، وأن له مكانة عالية عند الله تعالى، لابد أن يشعر المسلم بالعزة، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.ثم أن يعلم المسلم أن حياته ثمينة، وأوقاته غالية، ولو أدرك المرء منا هذه القضية جيداً، وهو أن حياته ثمينة وأوقاته غالية لما صار للملل في حياته ولا في وقته مجال.ثم ليحرص المسلم أن يكون له دور في حياته، لا يصلح أن يعيش المسلم سلبياً في مجتمعه إذا شعر الشخص أنه هامشي لا دور له ولا قيمة له، وأنه ليس بإمكانه أن يقدم شيئاً لمجتمعه، كان هذا سبباً في شعوره بالملل ومن العلاج: إدراك حجم التحدي الذي تواجهه الأمة في فترتها الحالية، لا يشك مسلم أنه تحدٍ ضخم قال الله تعالى: ولن ترضى عن اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم وقال: ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة لا أظن الملل يطرأ على أمة أو دولة أو حتى أفراد يدركون جيداً مقدار التحدي الذي يواجهونه.(3/325)
إن أية دولة تحس بالخطر على حدودها تستنفر جيشها وشعبها لمواجهة الخطر الجديد، بل إن الحيوانات إذا أحست بالخطر استنفرت قواها وتحفزت للدفاع عن نفسها. فكيف بالمسلم الذي يواجه تحدٍ أضخم من هذا بكثير، وهو التحدي لصرفه عن دينه، ثم هو ينام أو يمل الدفاع عن نفسه.ومن العلاج تأكد الداعية من سلامة منهجه الذي يسير عليه.فإن صحة المنهج في طلب العلم وفي الدعوة، وفي التلقي، وفي العطاء، وفي التربية لا يمكن أن يكون معه ملل.إن سلامة المنهج يكسب الشخص الطمأنينة والثقة والثبات، وهذا الأمر يدفعه لمزيد من العطاء والبذل والتفاؤل، فلا يمكن أن يعكر صفوه الملل.ومن العلاج تنظيم الأوقات: أرأيت أخي المسلم الصلوات الخمس لو لم تكن محددة بوقت معلوم، وترك للناس اختيار الوقت الذي يناسبهم، لرأيت الفوضى والعجب، أو لو طُلب من المسلمين صيام ثلاثين يوماً دون تحديد شهر معين، يا ترى كيف تكون حال الناس؟لكن تحديده في شهر معين ثابت يجعل له ميزة، وهو انتظار الناس والشوق واللهفة بقدومه.فإذا نظم المسلم وقته، بورك له فيه، وكلما مضت الأيام يزداد عملاً ونشاطاً، حتى يصبح هذا الأمر إلفة وسجية. فلو ضاعت عليه ساعة من حياته لوجد لها أثراً وحسرة. مثل هذا لا أظن أنه يعرف الملل.وأخيراً من علاج الملل: التنويع في العبادة وفي الأعمال، فإن النفس تكره الرتابة، وتحب التجديد والتنويع، لكن يكون هذا التجديد وهذا التنويع في حدود ما شرع الله، ولعله - والله أعلم - أحد حكم ورود بعض العبادات على هيئات مختلفة، وأن السنة أن يأتي المسلم بهذا مرة وبهذا مرة، هو كسر الملل عن نفسه.(3/326)
وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه عند البخاري، إشارة إلى تنويع الأعمال - قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: ((الإيمان بالله والجهاد في سبيله، قال قلت أي الرقاب أفضل، قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمناً، قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعاً أو تصنع لأخرق، قال قلت يا رسول الله: أرأيت إن ضَعُفت عند بعض العمل؟ قال: تكف شرّك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك)).
ــــــــــــــــــ
المَلَل من كَواذب الأخلاق
محمد العبدة
جاء في "صحيح ابن حبان" عن عائشة -رضي الله عنها- تصف خلقاً من أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - قالت :"كان عمله ديمة "(1)، وفي حديث آخر قالت : "كان أحب الأعمال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يدوم عليه صاحبه"(2).
أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعويدنا على المثابرة والدأب على العمل الذي نبدأ به ، وأن يكون نفسنا طويلاً فلا ننقطع لأي عارض ، ولاشك أن هذا الخلق وهذه العادة من أكبر أسباب نجاح الأمم والأفراد، لقد افتقدنا هذا الخلق في الأزمنة المتأخرة فما أن نبدأ بعمل أو مشروع ما حتى ننقطع ، وما أن نسير خطوات حتى نمل ونتعب ، وكم من مشاريع علمية أو اقتصادية بُدئ بها ثم انقطعت ، سواء كانت مشاريع فردية أم جماعية، وبعد الانقطاع تتغير الوجهة ونبدأ من جديد. والسبب في هذا : هو أن الطبع ملول ، ولم نتعلم بعد (فن التعاون) فيما بيننا ونريد قطف الثمرة بسرعة، ولو تصفحنا التاريخ لوجدنا أن كبار علمائنا لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالمثابرة والمصابرة، وكم عانى علماء الحديث من الترحال ومشقة الأسفار، وغيرهم من العلماء ما تسنموا هذه المنازل إلا بعد أن جثوا على الركب سنين، وكان أحدهم يسهر أكثر الليل يفكر بالمسألة ويقلب فيها وجهات النظر.(3/327)
وإذا جاز لنا التعلم من الأعداء ، فإن هذا الخُلق موجود عند الغربيين ، يستقر المبشر بالنصرانية في قرية منقطعة في غابات آسيا أو أدغال أفريقيا سنوات وهو يدعو إلى باطله ، وتكون النتائج غالباً ضئيلة فلا يخرج إلا بالآحاد الذين تنصَّروا، ومع ذلك لا يسأم ولا يمل، وقد يتعجب المرء إذا علم أن بعض الصحف والمجلات الغربية لا تزال تصدر من مائة سنة أو أكثر، وبالاسم نفسه دون انقطاع ، وبعض مؤسساتهم عمرها مئات السنين لم تتغير، حتى في شكلها، فمقر رئاسة الوزراء في بريطانيا (10 داوننغ ستريت) عمره (250) سنة ولم يفكروا بالانتقال إلى مكان أوسع وأرحب ، وأما مشاريعهم العلمية الطويلة الأمد فيعرفها كل طالب علم كالمعجم المفهرس لألفاظ الحديث ، وكتابة المستشرق (دوزي) لتاريخ المسلمين في الأندلس استغرقت عشرين سنة، ومشروع تاريخ التراث العربي...
إن هذا الاستمرار الطويل يعطي رسوخاً وتجربة، ويخرج أجيالاً تربت من خلال هذه الاستمرارية، والانقطاع لا ينتج عنه إلا الخيبة والندامة، وقد نهانا الله سبحانه وتعالى أن نكون ((كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [ النحل:92 ]، وهذا عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عندما كان أميراً على مصر وقد ركب بغلةً قد شمط وجهها، واجتاز بها منازل أمراء الصحابة وكبار القواد في الفسطاط ، فقال له أحدهم:أتركب هذه البغلة وأنت من أقدر الناس على امتطاء أكرم ناخرة (فرس) بمصر؟ فقال : لاملل عندي لدابتي ما حملت رحلي، ولا لامرأتي ما أحسنت عشرتي، ولا لصديقي ما حفظ سري ، فإن الملل من كواذب الأخلاق.
__________
1 - صحيح ابن حبان 27/2 بتحقيق الأرنؤوط ، قال ابن الأثير: الديمة: المطر الدائم في سكون.
2 -المصدر السابق 28/2.
ــــــــــــــــــ
أنت .. والتربية .. والمناهج وراء دنو الهمة
حتى لا تعيش أبد الدهر بين الحفر!
أمل الذيب(3/328)
لكل منا همة تسكن قلبه.. وتيسر دربه.. ويخطط على منوالها مستقبله، والهمم تتفاوت بين البشر، فشتان بين همة في الثرى وأخرى في الثريا، وعلو الهمة مبتغى كل إنسان ناجح يتطلع إلى حياة أفضل، بيد أن شروطها هنا يراد بها وجه الله - تعالى -، وأن تكون عونا على البذل والعطاء لهذا الدين إذن نحن لا نقصد علو الهمة لذاته.. فذلك يتساوى فيه الكافر والمسلم لا فرق بينهما.. بل نحن نبحث عن التميز الذي ميزنا به ديننا لذا أين نصرف همتنا وكيف؟!! وحتى لا نطيل فلندخل إلى الموضوع مباشرة:
لماذا نريد أن تعلو الهمم؟
أول سؤال نسأله في هذا الموضوع هو لماذا نريد أن تعلو الهمم؟! وهذا هو السؤال الذي بادرتنا به الأخت الداعية الدكتورة رقية المحارب مديرة عام الإدارة العامة لتوجيه وإرشاد الطالبات والوكيلة المساعدة لشؤون الطالبات، حيث أردفت قائلة: هل هو مجرد انسياق وراء رغبة الوالدين أو المجتمع أو المدرسة؟ أم هو مطلب النفس والشخصية المتميزة؟ إن الإجابة على هذا السؤال هو مفتاح النجاح وطريق الإبداع.
وإذا علمتْ أختي الكريمة أن دنو همتها فيه ضياع لكنوز كثيرة داخلها، وطاقات عظيمة تتمتع بها، فإنها سوف تبدأ في التأمل والمحاسبة لكيفية قضاء وقتها، وإن الذين يفكرون في كيف سيكون مستوى تفكيرهم بعد عشرين سنة، وكيف ستكون ثقافتهم، وكيف علاقاتهم ونجاحاتهم سوف يعملون على التخطيط للنجاح منذ اليوم الأول وإذا كان هذا التفكر ولد حرصاً عند كثيرين وكثيرات وهو لا يتعدى هموم ونجاحات فترة زمنية مؤقتة وهي هذه الحياة الدنيا القصيرة، فكيف بمن يفكر في حياته الخالدة في الآخرة؟!
إن فترة الشباب هي زمن الأحلام ووقت تشكل العقلية المبدعة المعطاءة فتلك التي لا تتعدى اهتماماتها ملابس تتأنق فيها، أو أخبار التافهين تتابعها، أو أمور ترفيه صرفت وقتها الثمين فيه، كيف يمكن أن تضيف لحضارة أمتها؟!
أسباب علو الهمة:(3/329)
وقد ذكرت الأخت الدكتورة الفاضلة الأسباب التي تؤدي إلى دنو الهمة حيث قالت (وأكثر الأشياء التي تؤدي إلى دنو الهمم في نظري هو الجهل الجهل بالنفس وبدورها في هذه الدنيا، وكذلك الجهل بهذا الدين وعظمته، والجهل بالأحكام الشرعية، والبعد عن الأجواء العلمية التي تعطرها آيات الكتاب المبين وسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إن التي تجهل أن هذه الدنيا مزرعة للآخرة حيث الخيرات الحسان، والنعيم المقيم، وحيث الراحة والسعادة الأبدية سوف تخسر كثيرا، وهذه الخسارة فادحة؛ لأن مجرد كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ولأن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ولأن السيئة بمثلها، ولذلك يا لخيبة من غلبت سيئاته حسناته رغم هذا الفضل والإكرام!!
وثاني الأسباب العجز والكسل ولذلك أكثر النبي - صلى الله عليه وسلم - التعوذ منهما.. الكسل في أمور الدراسة شيء سيئ، والكسل في الدعوة وعدم ابتكار طرق ووسائل جديدة أمر مزعج، والكسل في تكوين علاقات طيبة تكون بداية لأخوة في الله تكسب حلاوة في هذه الدنيا والكسل في طلب العلم ينتج شخصية معتمدة على الآخرين في كل شيء، والكسل في القيام بحقوق الناس من خوارم المروءة كل هذا يصِمُ صاحبه بدنو الهمة.
وثالث هذه الأسباب سماع الباطل من الغناء وقراءة الروايات الهابطة من مثل روايات نجيب محفوظ أم غيره وكذلك مشاهدة المسلسلات والبرامج التي تقضي على الحياء وتشجع على الرذيلة وتهون من شأن القيم والمبادئ الإسلامية، وتحرض على التمرد على الآداب.. وهذا كله باسم الحرية الشخصية. فهذا السماع يقضي على الخير في الشخصية السوية، ويجعل منها شخصية تجري وراء ملذاتها من غير اعتبار لأي فضيلة فأي خسارة في الدنيا والآخرة يكتسبها صاحب هذا المسلك؟!
ورابع الأسباب ترك صحبة الأخيار، وصحبة من لا ترعى واجبات ربها.. فالأخلاق تنتقل بالمجالسة والمزاملة!!(3/330)
وحين نقرأ آيات الله - تعالى - نرى من النصوص ما يُرغّب في معالي الأمور ويحفّز عليها ومنها أنه - تعالى - أثنى على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والرسل وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل، وعلى رأسهم خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} [الأحقاف 35] وقد أمر الله - تعالى - المؤمنين بالهمة العالية والتنافس في الخيرات فقال - عز وجل - {سابقوا إلى مغفرة من ربكم} [الحديد: 21] وقال - تعالى -: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133] وقال - تعالى -: {لمثل هذا فليعمل العاملون}[الصافات61] وقال - تعالى -: {وفي ذلك فليتنافس المنافسون} [المطففين: 26] وختمت الدكتورة الفاضلة حديثها بنصيحة أخوية جاء فيها: "فلتحرص أختي على أن تكون في أسرتها ومدرستها وجامعتها منبراً للخير، مدافعة عن قيمه ولتكن قدوتها أمهات المؤمنين والصالحات. آسية، ومريم، والصالحات من سلفنا.. وأتمنى لكل من تقرأ هذه العبارات أن تتأملها وتفكر فيها وتجعل لنفسها مشروعاً ينفعها الله به وينفع بها أمتها".
سفاسف الأمور ودنو الهمة:
ثم شاركتنا الأخت الداعية الأستاذة نادية الكليبي، حيث ذكرت أن هناك أسباباً كثيرة لظاهرة دنو الهمة وفي الوقت ذاته تعد مانعاً لعلو الهمة ولا بد للفتاة المسلمة من معرفة تلك الموانع التي تقف في طريق سيرها إلى الهمة العالية والمطالب السامية وقد حصرت تلك الأسباب بإيجاز وهي كما يلي:(3/331)
أولاً: الانشغال بسفاسف الأمور وغيبة الاهتمامات الجادة وهذا السبب في الواقع يعد نتيجة وأثرا لغياب علو الهمة، وهو في الوقت نفسه يعد مانعاً يمنع المسلمة عن معالي الأمور، فالمرأة المسلمة المعاصرة لديها قائمة طويلة من الاهتمامات غير الجادة، ولنضرب لذلك مثالاً: الاهتمام بالجمال والزينة واللباس، وهذه ظاهرة أصبحت متفشية نوعاً ما بين طبقات مختلفة ولا يستعجل القارئ الكريم فيفهم من حديثنا أننا ضد الجمال المباح والزينة المعتدلة! فلا يمكن هذا والله - تعالى – يقول: {قل من حرم زينة الله التي أخرج بعباده والطيبات من الرزق.. } [الأعراف: 32] فالمطلوب هو الاعتدال وألا يكون هماً في ذاته.. فليس الخطأ في الممارسة ذاتها ولا يعيب المرأة المسلمة أن تهتم بجمالها وزينتها وأن تختار ما يتناسب مع شكلها وإنما الخطأ أن يكون ذلك الجمال هدفاً أسمى، وهماً كبيراً. يصرف من أجله المال والوقت والجهد وكذلك الفكر!!
ثانياً: ومن الأسباب أيضاً هشاشة البِنية التربوية التي قامت عليها المرأة المسلمة، ولا شك أن التربية منذ الصغر على معالي الأمور من أهم الأشياء التي تعين المرء على اكتساب المطالب العالية مهما صعبت.
ثالثاً: ومن أسباب دنو الهمة الحرب الموجهة للمرأة المسلمة المتمثلة في الغزو الفكري الذي شمل جوانب المرأة، ولا شك أن للمرأة دوراً كبيراً في بناء المجتمعات وصناعة الأجيال ولذا كان للمرأة المسلمة حظ وافر من ذلك الغزو الذي يراد به ذوبان شخصية المرأة المسلمة وفقدان هويتها الإسلامية.. ولا يمكن للهمة العالية أن تنشأ في من انسلخ عن أصالته وتتبع كل ناعق يدعو للمحاكاة والتقليد والسير وراء ما هو غربي بدعوى التحضر والعصرية والتطور!!(3/332)
والحديث عن موانع تحقيق الهمة العالية يطول ولعل ما ذُكر فيه الكفاية ومما ينبغي على المسلمة أن تكون إيجابية في مواجهة تلك الموانع التي تمنع المرأة المسلمة من علو الهمة.. ونجد ولله الحمد الكثير من بنات الإسلام ممن تجاوزن تلك العقبات بالعزيمة الصادقة والتوكل على الله.
ومن أجمل ما كتب حول هذا الموضوع ما سطرته يراع الأستاذ الفاضل محمد أحمد إسماعيل المقدم في كتابه الموسوم بـ "علو الهمة" يقول في موضع من الكتاب "الهمم العالية لا تعطي الدنية، ولا تقنع بالسفاسف، ولا ترضى إلا بمعالي الأمور:
إذا ما كنت في أمر مرومِ *** فلا تقنع بما دون النجومِ
فطعم الموت في أمر حقيرٍ *** كطعم الموت في أمر عظيمِ
إن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئاً في الدنيا فسوف يكون زائداً عليها، ومن ثم فهو لا يرضى بأن يحتل هامش الحياة، بل لا بد أن يكون في صلبها ومتنها عضواً مؤثرا:
وما للمرء خير في حياة *** إذا ما عد من سقط المتاع
إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته- بحول الله وقوته- ما يراه غيره مستحيل، وينجز- بتوفيق الله- ما ينوء به العصبة أولو القوة ويقتحم- بتوكله على الله- الصعاب والأهوال، لا يلوي على شيء له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهرِ فمن ثم قيل: "ليس في علو الهمة إفراط في الحقيقة، لأن الهمم العالية طموحة وثابة، دائمة الترقي والصعود، لا تعرف الدعة والسكون.. ".
النفوس الضعيفة:
وقبيل الانتقال من أسباب دنو الهمة أتحفتنا الأستاذة حصة الفواز مديرة مدارس حنين بقولها "لدنو الهمة أسباب عدة، وهي تختلف من إنسان إلى إنسان آخر ولعلها تنحصر في أسباب ثلات وهي:
1- دونية الاهتمامات الشخصية لكل فرد، فأي إنسان لا بد أن يكون لديه مبتغى في هذه الحياة وطبيعي أن النفوس الضعيفة اهتماماتها بسيطة جداً لا ترتقي إلى المستوى العالي.(3/333)
2- مخالطة أصحاب الأهواء والشهوات والذين وصلوا إلى درجة من دونية الأهداف عظيمة فحسبهم لهو يقضون به وقت فراغهم، أو مطلب دنيوي زائل!! فهؤلاء إنما يعيشون عيشة هامشية.
3- الخواء الروحي الذي يعيش في داخلهم.. فحينما تركوا لتلك السخافات أن تحتل مساحة كبيرة من اهتماماتهم غابت الأهداف العالية، والآمال السامية".
الإحساس بالفشل:
كما تشاركنا الأخت وفاء إحدى طالبات كلية التربية/الأقسام العلمية بقولها "من أسباب دنو الهمة عند بعض الأشخاص. إحساس الفرد بالفشل في محاولة قام بها، ونتيجة لذلك يبتعد عن المحاولة نهائياً، وهذا خطأ لأن النتيجة الإيجابية لا تأتي إلا بالمحاولة والصبر. ومنها ضعف الوازع الديني في البيئة المحيطة به كوجود المغريات والملهيات التي تحيط به وربما يكون لها دور كبير في دنو همته تدريجياً.. كذلك عدم وجود المعين له. كأن يكون بين أبوين لا يهتمان به ولا يوفران له الجو المناسب. فيعيش مقعداً لا همة عالية لديه!!.. وأخيرا من الأسباب عدم الصبر على ظروف الحياة المختلفة فأول ما يخوض غمار ظرف من الظروف نجد أوراقه تتمزق، وينفك شمله.
وعودا مرة أخرى إلى الإدارة العامة لتوجيه وإرشاد الطالبات حيث التقينا بالدكتورة الجوهرة المبارك مديرة عام الإدارة العامة لنشاط الطالبات والتي أدلت برأيها حول هذا الموضوع قائلة: ((إذا جلست في المجالس العامة استمعت للعديد من الآراء والاهتمامات والمعاناة.. تسمعين العجب.. آراء مختلفة، واهتمامات شتى، وهمم متفاوتة.. منهن من همتها تعلو لإصلاح من حولها وإصلاح بيتها ومجتمعها لا تكل ولا تمل ولا تفتر ولا تيأس.. ومنهن من همتها لا تتجاوز شهواتها وملذاتها. لم تستطع أن تصلح نفسها فكيف بأبنائها ومجتمعها!
ومنهن من تتمنى ولكنها كلها أماني تذهب أدراج الرياح ليس لديها من الهمة وقوة الإرادة ما تسلك به طرق الإصلاح لنفسها ولمن ترعاهم!(3/334)
إن الهمم متفاوتة كالثرى عن الثريا، وسينال المرء أجره على قدر همته، وقد تحدث في هذا الموضوع الأستاذ محمد المقدم في كتابه، وأنقل لكن بعض ما قال حيث يقول: "إن من الناس من ينشط للسهر في سماع سمر، ولا يسهل عليه السهر في قراءة القرآن الكريم، ومنهم من يحفظ بعض القرآن ولا يتوق إلى التمام، ومنهم من يطلب معالي الأمور دون أن تكون له إرادة وسعي في تحقيها فهذا مغتر بالأماني الكاذبة:
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال *** إذا الإقدام كان لهم ركابا
ويقول المتنبي:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسامُ
وقد قيل للإمام أحمد- رحمه الله - متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال عند أول قدم في الجنة!!
عوامل وظاهر دنو الهمة:
"إن في دراسة عوامل ومظاهر دنو الهمة ما يضع أمام الدعاة والمصلحين الضوابط والقواعد التي ترتفع بالأمة من مستنقع الدونية والاستسلامية" كان هذا ما بدأت به حديثها لنا الدكتورة الفاضلة أفراح الحميضي أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر في كلية التربية ولنرع سمعنا لحديثها حيث واصلت قائلة "وفي اعتقادي أن من عوامل دنو الهمة الغفلة عن حقيقة الاستخلاف، والتعلق بالمكتسبات الأرضية، وعدم الثقة بوعود النصرة الإلهية {إن تنصروا الله ينصركم..} [محمد: 7] والاستسلام للهزائم النفسية الفردية والجماعية، وعدم استشعار حقيقة التميز، وقد تتمحور هذه العوامل في نفسية الفرد أو الأفراد فينتج عن ذلك أن تنجذب نفسه نحو الدونية، وتضعف عن السمو والعلو ويظهر دنو همته في المظاهر التالية على سبيل المثال لا الحصر:(3/335)
الانحراف العقدي والتعصب الأعمى للجماعات والمذاهب، وضعف الإيمان، وتبلد الحس تجاه المعاصي، وقلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألفة المعاصي السمعية والبصرية، التبعية للغرب أو الشرق والانجراف في مظاهر التقليد دون اعتبار لاستقلالية الشخصية الإسلامية، اتباع الأماني والهوى والتسويف والعجز والكسل وحب الراحة، الترفل في النعيم والاستغراق في الترف، الهزيمة النفسية والشعور بالإحباط على المستوى الفردي والجماعي الشعور بغلبة العدو وفوقيته، التعلق بقشور الدنيا مثل المال، والأكل، والملبس، والغفلة عن الطاعات ".
لقد خارت العزائم:
أما الأستاذة لطيفة العتل- معلمة- فقد حصرت مظاهر دنو الهمة في أمور، ولكن قبل الحديث عنها قدمت لها بمقدمة جاء فيها "نحن وعلو الهمة على قسمين منهم سابق بالخيرات ومنهم مسرف وظالم لنفسه، وثالث بينهما مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ولما كانت الهمة العالية تتطلب جهدا، مضاعفاً وتعباً ومشقة كان سالكوها قلة قليلة قال - تعالى -: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13]
والآن فقد خارت العزيمة وفترت الهمم أنا لا أقول هلك الناس وإلا كنت أهلكهم ولكن أين أصحاب الهمم العالية؟!! إنهم والله ندرة وإن وجدوا فهم على تفاوت في الهمم لا يصل بعضهم أعلى الدرجات.
إن دينا فيه قول الله - تعالى -: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133] وقوله: {فإذا فرغت فانصب} [الشرح: 7] وقوله: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} [مريم: 12] لا يقبل من أتباعه الخمول والكسل وضعف الهمة، بل يريدهم مثل المسلمين الأوائل من الصحابة والتابعين سباقين للخيرات في جميع الأحوال والأوقات وكانت همتهم العظمى هي الدار الآخرة ودخول جنة عرضها السموات والأرض، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة. هي المستحقة للهمة المثالية وما دونها فهو الدون.(3/336)
ثم ذكرت الأستاذة لطيفة تلك المظاهر على سبيل المثال حين قالت "ولعل من مظاهر دنو الهمة: التكالب على الدنيا والاهتمام بسفا سفها، ويرجع سبب ذلك إلى ضعف الإيمان بالله - عز وجل - إذ يتبع ضعف الإيمان ضعف الهمة. وهذا هو حال الكثير منا!! تجده في أمور الدنيا يجهد نفسه ويهلكها للوصول إلى ما يريد وأما أمور الآخرة فعندها يتوقف يراجع نفسه: لن أطيق.. قد لا أطيق.. عجباً له والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول "إذا سألتم الله فأسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة".
ومن مظاهر دنو الهمة أيضا أن يقصر الإنسان الصلاح على نفسه فقط ولا ت- تعالى - همته لإصلاح غيره هو ليس وحده، بل الجميع في سفينة واحدة إذا ثقبها أحدهم غرقوا جميعا نحن لا نثبط العزائم هو فعل خيرا إذا أصلح نفسه وكبح جماحها لكن المطلوب المزيد"
عدم الثقة بالنفس:
كما حصرت لنا الأخت فتاة الإسلام من كلية التربية تلك المظاهر بقولها:
أولاً: إحساس الشخص بالفشل في جميع الحالات فتراه دائما هيابا يخشى اقتحام أي عمل ما خوفا من الفشل فلا يلبث أن يزدري نفسه. وثانياً: إحساسه بأن كل ما يواجهه صعب ومستحيل، ولا يتسنى لأمثاله اقتحام هذه الأعمال، فتراه دائما يحجم عن العمل قبل الدخول فيه. ويمكن أن نعبر عن هاتين النقطتين بقولنا "عدم الثقة بالنفس ".(3/337)
ثالثاً: عدم المبادرة، فهو دائما ينتظر التكليف والإسناد حتى في الواجبات التي لا ينبغي التأخر فيها فمثلا في واجب الدعوة إلى الله تراه ينتظر من يسند إليه مهمة توزيع نشرة ما أو شريط.. رغم أن التكليف قد أسند إليه أكثر من ألف وأربعمائة سنة حين قال - تعالى - في محكم التنزيل {يا بنيّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} [لقمان: 17] وقوله: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئكم هم المفلحون} [آل عمران: 104].
رابعاً: كثرة الانتقاد وتعليق الأخطاء على الآخرين فهو يرى القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه!! مع أنه في أعماق قلبه يدرك أنه مقصر ولكنه يعمد إلى هذا الأسلوب كنوع من التهرب من المسؤولية الذي أصبح فنا من الفنون.
سادساً: الاهتمام بسفا سف الأمور فلا ترى له إسهاماً جاداً ولا فكراً، وإن كانت فتاة اهتمت بالموضة وآخر صيحاتها والفنانين وآخر أخبارهم، وإن كان فتى اهتم بالمركبات الفارهة والمظاهر الفارغة، والله المستعان.
أين نحن من دروس الماضي؟
وقبيل لملمة أوراقنا هنا سؤال يطرح نفسه وهو: كيف السبيل إلى همة عالية؟(3/338)
هذا السؤال توجهنا به إلى الدكتورة نائلة الديحان وكيلة كلية التربية/ الأقسام العلمية حيث أجابتنا بقولها "إن دروس الماضي وعبره وذكراه المجيدة خير دافع للنفوس المرتفعة والهمم الأبية في ميادين العلم والدين، كما أن للموجه والمعلم الموهوب دوراً أساسياً في إلهاب المشاعر والعمل كفريق متكامل يقدم أعمالاً قيمة.. وإن للقائد أو المعلم دوراً مهماً في شعور الإنسان أو الطالب بأهميته مما يعلي همته ثم إن تشجيع الطلاب وتدريبهم وسؤالهم رأيهم وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في اتخاذ القرار وتشجيعهم على تحمل المخاطر والإعلان عن الإيمان بقدرات الطلبة والثقة والاحترام كلها من العوامل التي تساعد على رفع الهمم، لذا فإن رفع الهمم في رأيي يكمن في ثلاثة اتجاهات:
1- تشجيع العمل كفريق ولا بد أن يشارك الطلاب في جهود جماعية، ففي هذا لا يمكن السماح لهم بالشعور بالتدني إذا لم يحققوا جميع الإجابات كما أنه في عالم الواقع العمل الناجح هو عمل جماعي.
2- الاعتراف دائما بأهمية الفرد واحترامه.
3- التشجيع على القيام بمهام أعلى والاعتراف بذلك والمكافأة عليه، فكلما عاملت الناس على أنهم أذكياء سوف يتصرفون على هذا الأساس.
إن توسيع المناهج التدريبية لتشمل بعض مهارات العلاقات الإنسانية أمر مهم للحث على الإبداع والإنجاز واكتشاف المواهب داخل كل شخص، ومهما كانت الخصائص فإن المثابرة والإصرار والعقل الراجح والخيال الواسع والمواقف الإيجابية والشعور القوي بالقيمة لا بد أن يزهر ويتحول إلى نجاح.
الهمة المعطلة:
كما أدلت الأستاذة شذا المصطفى وكلية المدارس برأيها قائلة "إن تطلع الإنسان إلى معالي الأمور، والتفكير المتواصل في كيفية الحصول عليها كفيل بإيجإد همة عالية تسكن قلب ذلك الشخص.. أما أن يعيش الإنسان حياة هامشية دون أن يحاول تطوير نفسه، أو نفع مجتمعه فها هنا تكون الهمة معطلة - ومكانك سر- وصدق الشاعر حين قال:(3/339)
ومن يتهيبْ صعودَ الجبال *** يعش أبدَ الدهر بين الحفرْ
أما الطالبة بثينة عبد العزيز فقد حصرت أسباب الارتقاء بالهمة بالآتي: العلم والبصيرة، حيث قالت: "فالعلم يرفع طالبه عن حضيض التقليد ويصفي نيته. إلى جانب الدعاء لأنه سنة الأنبياء، كذلك لا بد من حصر الذهن وتركيز الفكر في معالي الأمور والتحول عن البيئة المثبطة إلى صحبة الأخيار وأولي الهمم العالية ومطالعة أخبارهم.. فكل قرين بالمقارن يقتدي.. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله - تعالى -: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: 62] قال هم الذين يُذكر الله لرؤيتهم ".
أنت في الناس تقاسُ *** بالذي اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلو*** وتنل ذكراً جميلا
إضافة إلى المبادرة والمداومة والمثابرة في كل الظروف {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200].
نماذج نيرة من أصحاب الهمم العالية:
ما أجمل الحديث عن سيرة سلفنا الصالح، وما أجمل ذكراهم والنهم في قراءة سيرتهم، وتتبع منهجهم.. ذلك لأنهم منابر عصرنا، ونور دربنا، نهتدي بهم ونحن نمضي في طريقنا.. ولعلنا في ختام استطلاعنا نقف على بعض أخبار أولئك الأفاضل علنا نصل إلى ما وصلوا إليه، وإلا فإن التشبه بالكرام فلاح.. فلنر كيف كان حال السلف مع طلب العلم، وكيف كان الواحد منهم يسهر ليله، ويضني جسده، ويبقى وحده مستأنساً بكتبه، مستعيضاً بها عن الأهل والأصحاب.. فلله درهم.
قيل لبعض السلف "بم أدركت العلم؟ قال: بالمصباح والجلوس إلى الصباح " وقيل لآخر فقال: ((بالسفر والسهر والبكور في السحر))..(3/340)
وحكى شيخ الإسلام النووي عن شيخه الإمام الجليل أبي إسحاق المرادي قال: "سمعت الشيخ عبد العظيم- رحمه الله - يقول: "كتبت بيدي تسعين مجلدة وكتبت سبعمائة جزءا" قال النووي "قال شيخنا" "ولم أر ولم أسمع أحداً أكثر اجتهاداً منه في الاشتغال، كان دائم الاشتغال في الليل والنهار".
ولم يكن العلم في ذلك الوقت ميسراً وسهلاً، بل لا بد من السفر وشد الرحال.. وهذا بطبيعة الحال يتبعه ترك الأهل والأولاد وتحفل التعب والمشاق روي عن الرازي ما يدهش اللب من علو همته في الرحلة لتحصيل العلم إذ قال:
"أول ما رحلت أقمت سبع سنين، ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى طرسوس، ولي عشرون سنة".
سأضرب في طول البلاد وعرضها *** لأطلب علماً أو أموت غريبا
فإن تلفت نفسي فلله درها *** وإن سلمت كان الرجوع قريبا
والحقيقة أن انتشار العلم كان بفضل الله - تعالى - ثم بجهد وتعب هؤلاء الرجال الأفذاذ ولعل ذكر الجزء يغني عن ذكر الكل ولو ذكرناه لطال بنا المقام.
ويمتد الخير إلى زمننا، ولا نعدم فيه أصحاب الهمم العالية، رجالاً كانوا أو نساء.. ولنأخذ على ذلك مثالاً من زمننا حيث امتدت زيارتنا إلى إحدى دور القرآن "دار الصالحات " وفيها التقينا بأم الوليد (40 سنة) التي تبقى لها على ختم القرآن بأكمله جزءا واحد فقط،.. وكان لنا معها هذا الحوار:
ما هي الأسباب التي أعانتك على حفظ القرآن وفقك الله ونحن نعلم أن لديك عدداً من الأولاد الصغار المتقاربين في السن كما أنك ربة منزل، ولاتوجد لديك خادمة؟
أولاً لا بد من وجود الرغبة الصادقة مع الاستعانة بالله - تعالى - وطلب توفيقه، ثم إن المواظبة على الحضور عامل مهم ومساعد في الحفظ مع تنظيم الوقت والمدارسة وأسأل المولى أن يعيننا على العمل به إنه ولي ذلك والقادر عليه.(3/341)
تتفاوت الهمم يا أم الوليد بين البشر فما هي نصيحتك لمن همته لا تتعدى مصلحة نفسه فقط؟
- النصيحة له هي أن هذه الدنيا زائلة لا محالة، وأنها لا تساوي شيئاً فلماذا التكالب عليها والغرق في ملذاتها؟ ولو فكر الإنسان بعقله سوف يعلم أن هناك أمورا يجب عليه أن يفيد منها ويحفل بها ما دام يعيش فسحة العمر والذي يرى في نفسه ذلك لا بد أن يرفع من مستواه وذلك ليس عيباً، بل العيب أن نبقى كما نحن.
مجلة الدعوة - العدد 1734 - 17 ذو الحجة 1420 هـ - 23 مارس 2000 م
http://www.youthworlds.com المصدر:
- - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الباب الأول ... 6
الحث على علو الهمة وفوائدها ... 6
ما هي الهمة ؟ ... 6
حديث الروح : اترك وراءك آثاراً ... 14
يداً بيد لأحياء هذه الشعيرة العظيمة ... 16
ملك الفاطميون البلاد المصرية ... 25
الطاقات والمواهب في خدمة الدين ... 27
كيف تكون إيجابيًا ... 33
رب همة أحيت أمة بإذن الله ... 38
عندما يتوقف القلب النابض عن النبض !!! ... 48
صواريخ لغزو أمريكا!! ... 50
نداء من أهل القرى: أين طلاب العلم؟ ... 53
سكان القمم ... 57
نسَماتُ الأمل .. (( أحداثٌ واقعية لا تُنسى )) !! ... 70
حبٌ لا يموت..! ... 86
يا له من دين لو كان له رجال ... 101
الهمة والرغبة في النجاح !! ... 104
رسالة إلى داعية تعب في دعوته ثم كسل فقعد عن أمته ... 105
الإيجابية ... 108
الذاتية ... 114
في صحبة الهدهد ... 119
هم الدعوة المفقود ... 129
واجعلنا للمتقين إماما ... 131
من يكتب التاريخ ... 134
ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله ... 137
فضل الدعوة .. والدعاة .. ... 140
أنا وصديقي الميت .... ... 144
ماذا قدمت لدين الله؟ ... 146
أيها الجيل لماذا هذا الجمود ... 151
سفينة المجتمع ... ... 158
رفع الهمم إلى القمم ... 160
على قمم الجبال ... 164
ماذا قدمنا للإسلام ؟؟ ... 195
أين موقعك من الإعراب؟ ... 200
يا شباب الإسلام هل من مشمر ؟! ... 200
ماذا قدمت لدين الله؟ ... 203
طُوبى للناصحين ! ... 216
العمل للإسلام ... 220
فضل الدعوة والداعية عند الله ... 223(3/342)
رسالة من القلب إلى القلب ... 225
الدعوة إلى الله خير وسيلة لإنقاذ البشر ... 232
المسافة بين القول والعمل ... 234
لا بد للحق من رجال ... 240
من يحمل الأمانة ... 242
ما الهم الذي تحمله ؟ ... 251
العمل للدين واجب الجميع ... 266
حياة أوقفت لله ... 290
علو الهمة في الدعوة إلى الله تعالى ... 297
علو الهمة أمر حث عليه الكتاب والسنة ... 299
ضياع الأمة بين الهامشية والسلبية ... 304
علو الهمة ... 318
عوائق على الطريق ... 327
فارس الدعوة ... 329
هل أنت معلم ناجح؟لا تحكم على نفسك إلا بعد قراءة ... 334
اليقين روح أعمال القلوب ... 352
علو الهمة والرغبة في النجاح !! (وسام التميز) ... 356
المروءة شيمة النفوس الزكية ... 357
الهمة طريق القمة ... 361
هل أنت إيجابي ؟! ... 365
أسباب انحطاط الهمم وارتقائها ... 368
إذا كنت صفراً فكن ذا قيمة ... 371
واحد زائد واحد لا يساوي اثنين(معادلة عجيبة) ... 373
الأمة بين الصالح والصالح المصلح ... 375
ماذا ستكتب على جدار الزمن ؟! ... 379
همتك همة بركانية!!! لا تعش مثل غيرك !!! ... 380
الإحباط قوة دافعة للنجاح ... 384
ما أروعه مِنْ هَمّ !! ... 386
همسات في أذن سائر ... 388
( ياخي ما ني مطوع ) !! ... 390
إعلان عن وظيفة ... 397
تعطيل الأبدان الجرح والضما ... 399
عندما زرتك يا دكتور ... 402
إضاءات في قوة الإرادة ... 407
الطاقات وعلو الهمة ... 410
علو الهمة في صلاح الأمة ... 414
الزهد علو الهمة ... 415
علو الهمة عند المسلمين ... 425
علو الهمة في الذكر وتلاوة القرآن ... 425
علو الهمة في الرضا عن الله تعالى ... 429
الهمة العالية ... 431
بناء الهمة العالية ... 432
الهمة العالية بعد رمضان ... 438
علو الهمة 1 ... 439
الهمة العالية ... 444
علو الهمة في الخوف والرجاء ... 447
علو الهمة علامة كمال العقل ... 451
علو الهمة في الرضا ... 455
ما أثارك بعد الموت ؟! ... 458
همسات للدعاة ... 462
أنا وصديقي والفنار ... 466
تعب فيه لذة ! ... 469
نحو ذاتية دعوية فاعلة ... 471
نهر الحسنات الجاري ... 485
سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته ... 496
أوجه الشبه بين الداعي إلى الله وبين الشمس ... 499(3/343)
أخي انصر هذا الدين ... 500
الدعوة إلى الله خير وسيلة لإنقاذ البشر ... 504
الباب الثاني ... 506
فتور الهمة أسبابه وعلاجه ... 506
الآفة الأولى الفتور ... 506
أسباب الفتور عن طلب العلم: ... 519
الفتور طبيعة بشرية: ... 521
شاب مستقيم يعاني من تسلط الهم والضيق فما العلاج ؟ ... 522
كيف يعاقب نفسه لحثها على الخير ؟ ... 525
أسباب الفتور وعلاجه ... 527
مشكلة الحماس أول التوبة ثم الفتور بعدها ... 529
حتى لا نصاب بالفتور في رمضان ... 532
الملل والفتور وقصور الهمة ... 540
مرتكزات للفهم والعمل ... 543
الفتور .. لماذا!؟ ... 549
الفتور المظاهر - الأسباب – العلاج ... 550
المدرس والفتور ... 568
الفتور الزوجي.. هل يحتاج إلى عيد لإنعاشه؟! ... 570
الفتور ... 573
تزكية النفس والحذر من الفتور ... 583
الفتور الدعوي عند الشباب الأسباب والحلول ... 589
شباب الصحوة بين العطاء والفتور ... 595
الحذر من الفتور ... 613
الملل والفتور وقصور الهمة ... 619
كيف يمكن أن أعيش ؟ ... 622
الفتور مظاهره ، وأسبابه ، وعلاجه ... 624
الفتور مظاهره ، وأسبابه ، وعلاجه ... 643
أهمية عمل المرأة في الدعوة إلى الله وضروريته في زمننا الحاضر ... 660
مشكلات الدعاة الفتور.. الإيمانيات.. كثرة الأعباء ... 683
الفرح والسرور في علاج الفتور ... 687
الفتور في حياة الداعية مظاهره – أسبابه – آثاره – وعلاجه ... 691
ومضى رمضان فكيف حالنا ... 700
حوار مع الفتور ... 705
الدرر النافعة في نصح شباب الجامعة ... 707
" التهرب من المسؤولية فن ! " ... 750
العوائق العشرون للتأثير النافع ... 754
السلبية في حياتنا ... 757
داعية فاشل.. لماذا؟! ... 775
الالتزام بالإسلام مراحل وعقبات ... 779
الداعية الكسول ... 787
كيف نتعامل مع المنتكس ؟ ... 790
أسباب الانتكاسة ... 798
أعذار المتقاعسين ... 803
29 سببا للانهزامية في الدعوة إلى الله ... 823
خلل في الالتزام ... 828
((( التسويف ))) ... 835
خطبة (الترفيه بين المشروع والممنوع) ... 837
أسباب ضعف العمل الدعوي ... 841
العلم ... فضله وآدابه ووسائله ... 856
لماذا الدعوة إلى الله عزَّ وجل؟ ... 869(3/344)
لماذا انتكس ؟! ... 871
رسالة لكِ ... 875
حتى لا نصاب بالفتور في رمضان ... 879
التربية بالمداعبة ... 888
إلى من عرفته مستقيماً ... 907
توجيهات في خضم الأحداث ... 910
الثبات بعد رمضان ... 915
مهلاً أيها الوعّاظ !! ... 920
فن تهيئة النفوس ... 924
الحذر من الفتور ... 928
كن مع نفسك صريحًا !! (1) ... 934
القول بأن الوقت ليس كله للدين ... 941
من وسائل الدعوة ... 943
أشعر بفتور ... 956
أرغب في طلب العلم ولكن . . . ! ... 958
أشك أني مسحور ... 958
فتور عن الطاعة بسبب التفكير في العنوسة! ... 961
ذلك الفتور .. القاتل !!! ... 963
فتور في طلب العلم ... 965
برنامج عملي لتقوية رابط الأخوة ... 967
ل أرجع لبلدي أم أواصل دراستي في بلد الكفر؟ ... 969
يعتريني الملل بقراءة أوراد السور ... 971
فتر عن طلب العلم بعد الزواج ... 974
يئست من صلاحي! ... 976
نصيحة لمن اهتدى ثم انتكس ... 977
كيف يعالج الفتور الذي انتابه؟ ... 982
أخي يزداد انحرافاً ... 983
أخي قد تغير كثيراً !! ... 985
زوجي .. تغير كثيرا ..!! ... 987
أحاول المواظبة على الجماعة، ولكن. . . ... 989
يعاني فتورًا عن الطاعة ! ... 992
فتور الملتزم ... 996
رسائل مشوقة للقراءة ... 998
ابني والدراسة: عزوف وعدم مسؤولية ... 1000
أفكر بالانتحار ... 1002
ملل من الدراسة .. وضغوط الحياة !!! ... 1004
ملء الوقت بالأعمال النافعة دواء الملل والسآمة ... 1005
نصائح نافعة للتخلص من اليأس والملل ... 1007
علاج الفتور والملل من الدراسة ... 1009
الملل ... 1009
المَلَل من كَواذب الأخلاق ... 1014
أنت .. والتربية .. والمناهج وراء دنو الهمة ... 1016(3/345)