الإفتاء على الأسئلة الواردة
من دول شتى
لفضيلة الشيخ:
أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
جمع وترتيب
بعض طلبة العلم في دار الحديث بدماج
?
المُقَدِّمَة
الحمد لله نحمده، ونستعينه، نستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلون بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.(1/1)
أما بعد: فإن الحياة في بلاد الكافرين، أو في بلاد المسلمين الذين أحوالهم تختلف باختلاف أحوال الكافرين، لحياة مرة؛ فإن المريد للاستقامة في تلك البلاد لابد له من مواجهة العظائم والبلايا ما الله به عليم، نسأل الله السلامة والعافية، فالدعاة من الناس إلى الشرك والإلحاد يروِّجون بضائعهم الخبيثة بثمن بخس، جهارا بدون خجل، ولا مانع على وسائل الإعلام بجميع أنواعها من السحر، والكهانة، والأعياد، والطلاسم، والشعوذة، وعبادة الأصنام، وعبادة الشمس، وغيرها، وكل ذلك واقع في المجتمع، بل ربما عندهم مؤسسات دعمتها الحكومة، ومن أنكرها يزجر أو يسجن وما إلى ذلك، والله المستعان.وصنوف المحرمات من خمر، وميسر، وزنا، ولواط ونحو ذلك منتشرة بكثرة في جميع البقاع، ولا يكاد مكان(1/2)
يخلو من هذه الجرائم ولربما بني لهم مكان خاص لهذه المعاصي تسهيلًا لمن أرادها؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، أما النساء الكاسيات العاريات المميلات المائلات فلا تسأل عن انتشار فتنتهن؛ فإن التعرى من هؤلاء الفاسقات لمن أعظم وسائل الفساد في البلاد والعباد، لأن خروجهن في الشوارع والمحلات التجارية والمصانع والمدارس الاختلاطية باب مفتوح للفحشاء والمنكر، وصدق النبي ص حيث قال: «إن المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان»(1)، فقد أشاعوا في أوساط عوام الناس وأمثالهم أن بقاء النساء في بيوتهن ظلم لهن ولم تعط حقوقهن وأن تلك العادات عادة قديمة دارسة دسها الزمان، وأما المعاصرون فالرجال والنساء سواء، بل ربما كانت النساء أرفع درجة من الرجال بحيث أن راتبهم في الأمان أكثر منهم، فعلى تلك القاعدة، أي: أن الرجال والنساء في درجة واحدة، تشترك النساء في جميع مجال الأعمال، فتجد من معسكرات ووزيرات؛ بل رئيسات، ومديرات، ومعلمات الرياضة وملاكمات، ولاعبات الكرة، ومصلّحات وسائقات سيارات الأجرة وغير ذلك من المنكرات، وإذا قام أحد على إنكارها أقاموا الدنيا على إنكاره وتجهيله وتبليده، ولا حول ولا قوة إلا بالله،
أما الأحكام والقانون فالديمُقراطية الممقوتة والانتخابات الخائنة فقد ألزمت الحكومة بذلك حتى في أمر يسير جدًّا كاختيار رئيس الفصل للأولاد في المدارس قد علّموهم على هذا، أما من أراد القيام بدينه على الوجه الصحيح فيحذِّرونه، وأن
ذلك عندهم من العصبية السيئة وإلى الله المشتكى وهناك غير ذلك من المعضلات والمشاكل في أو ساط المجتمع الآن ولكن من الأسف الشديد أن هذه الجرائم كلها كأنها معدومة عند الحزبيين إلا من كان في مصلحتهم بل منهم من لبّس على الناس بالشبهات التي يزعمونها أدلةً لهم على دعم تلك الأباطيل.
__________
(1) سيأتي تخريجه إن شاء الله.(1/3)
فهؤلاء الإخوان المسلمون، وأصحاب الجمعيات قاموا بدعوة إلى الديمُقراطيات، والانتخابات، ويدورون بصناديقهم في الطرقات، والشوارع، والدكاكين، وأبواب المساجد، والأسواق، ويتخوضون في هذه الأموال بغير حق، لا يعلمون الناس التوحيد، ولا يحثونهم على التمسك بالكتاب والسنة والعفة عما في أيدي الناس؛ بل يحثونهم على أن يكونوا دراويش يهينون أنفسهم أمام الناس باسم الدعوة والجهاد، نسأل الله العافية، وهؤلاء التبليغيون ببطانياتهم يدعون الناس إلى الشرك، والبدع والخرافات، والجهل، والدناءة، والغباوة، ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا، وهؤلاء الجهاديون والخوارج يأمرون الناس بالخروج على الحكومات المسلمة، ويسعون في الأرض فسادا من تفجيرات وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق، وقلقلة الأمان بحجة إقامة حكم الله في الأرض مع أنهم أنفسهم لم يلتزموا بأوامر الله الظاهرة البينة كالصلاة في الجماعة وأداء الزكاة المفروضة، وبر الوالدين، وحسن الجوار، وصلة الأرحام، وطلب العلم، وإجلال العلماء إجلالًا شرعيًّا؛ بل هم من أبعد الناس من هذه الطاعات، ولم يتركوا المحرمات كالسرقة وقطع الطريق والربا والزنا وغير ذلك بل هم أباحوها لاعتقادهم أن الذين ليسوا معهم هم كفار،والعياذ بالله من الفتن، ليس لأموالهم، ولا لأعراضهم حرمة، وهناك فتنة الصوفية الخرافية الوثنية، وهي فتنة سحيقة، وضلالة عميقة، وغير ذلك من الفتن المهلكة، والجرائم الموبقة، ونعوذ بالله من الفتن.(1/4)
وهذه البلايا والرزايا كلها ما لنا من قوة لمواجهتها إلا بعون الله وقوته؛ فإن الله له حكمة بالغة لمن تدبرها وما ذلك إلا ليعلم الله من يخافه بالغيب، ثم يجعله من عباده المصطفين الأخيار الذين انقادوا بشرعه، ولم يتزعزعوا، ولم يضطربوا، فيتمايلوا يمينًا وشمالًا؛ بل ثبتوا على قدم الوثاق حتى يلقون ربهم تبارك وتعالى إن شاء الله ، وقد أمرنا الله تعالى بالثبات والاستقامة وبين لنا طرق الهدى وأرشدنا إلى وسائل الاستقامة على طريقه، فوقفنا موقفا حسنًا وثيقًا ثبتًا لا نلتفت إلى هنا وهناك وذلك بأن أقبل الله بقلوبنا على طلب العلم النافع: علم كتاب الله وسنة رسوله ص، بعيدين بحمد الله عن البدع والخرافات، وسائر المنكرات، ومن أهم طلب العلم سؤال أهل العلم والرشاد، حيث قال الله جل شأنه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أو لِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلو لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83]، فكم من الناس يعرفون أن تلك الأشياء المذكورة آنفا منكرة وأراد الخروج والتخلص من ذلك ولكنهم عموا ولم يبصروا الطريقة السليمة التي إن سلكوها نجوا؛ بل ربما وقعوا في أخطر مما خافوا منه وذلك لقلة علمهم وعدم توجيه السؤال إلى أهله مما أشكل عليهم، فإن سؤال العلماء له أثره ونفعه الديني والدنيوي، فكيف لا؟ والله قد أمر بذلك حيث قال عز وجل: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وأيضا؛ فإن للعلماء نظرا ثاقبا عميقا لا كغيرهم من الناس، ينظرون بعين البصيرة ويفتون بمعرفة تامة مبنية على الدليل، ويشيرون بإشارة جلية بعون الله عز وجل وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ومن هؤلاء العلماء الأجلاء شيخنا العلامة(1/5)
الناصح الأمين أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله فقد أجاب على أسئلة الطلاب الغرباء الوافدة إليه من دول شتى، بأجوبة سنيَّة سديدة مقنعة بأدلة جليلة من الكتاب والسنة، وهو حفظه الله سهم على أهل البدع والضلال، قامع لبدعهم، وداحض لشبههم، وداع إلى الاستقامة الحقيقية على الكتاب والسنة، ولا يخاف في الله لومة لائم، فيما نحسبه والله حسيبه.
وجلُّ هذه الأسئلة والأجوبة الموجهة إلى أبي عبد الرحمن للإجابة عليها في ليالي مخصوصة، ليست المتخللة في أثناء الدروس، وهي مسجلة إلى تاريخنا هذا (1425هـ) في الأشرطة المحفوظة في تسجيلات دار الحديث بدماج، قمنا بتفريغها، وترتيبها، راجين من المولى الكريم عز وجل أن ينفع المسلمين بها، وعملنا في هذا السِّفر الذي بين يديك بعد إذن أبي عبد الرحمن لنا في القيام بهذا العمل كله:
1- ترقيم الآيات القرآنية التي استدل بها.
2- تخريج الأحاديث من مظآنها، وغالبًا في الصحيحين، وأما في غيرها؛ فإن الشيخ حفظه الله قد بين صحتها من سقيمها على الأغلب وإلا فأخرجناها بكلام يسير للتوضيح، وأيضا فإن الشيخ حفظه الله قد ذكر كثيرًا من علل الأحاديث؛ فأشرنا إلى مواضعها إن عرفنا للفائدة، وإلا تركناها كما هي.
3- وكذلك فعلنا في الآثار الواردة فيها.
4- عقدنا أبوابًا خاصة لكل سؤال بحيث يسهل على القارئ الوقوف عليه.
5- رتبناها ترتيبًا على حسب الموضوع، لا على حسب البلدان.
6- أضفنا بعض القصائد مما ألقيت في دار الحديث بدماج، تتميمًا للفائدة، وترويحًا للقارئ.
7- عزونا كل سؤال إلى أهل بلده الذين سألوا هذه الأسئلة مع تاريخ الإصدار إن ذكر في الشريط.(1/6)
هذا وقد قام بهذا العمل عدد من إخوانا طلبة العلم الأفاضل حفظهم الله ونفع بهم كل ببعض جهده، رغبة منا جميعًا في إنجاز هذه الأسئلة لإخراجها للناس، وأن يكون ذلك في بعض الأوقات اليسيرة؛ لأننا مشغولون بدروسٍ، وأسماؤهم كما يلي: أبو فيروز عبد الرحمن القدوسي، أبو الزبير، أبو سيف مفتي بن
سيري، أبو الحسين نور خالص، أبو عبد الله البرابس، إرحم، عبد العزيز، عبد العليم أبو إسماعيل، الحارث، عمر الجزائري، أبو عبد الله عثمان، مختار، أبو همام، عمرو، عبد الرقيب، عبد الرحمن، أم عبد الله السراجية.
والكُتَّاب على جهاز الكمبيوتر هم: أيوب الإندونيسي، ومصلح الإندونيسي، وعبد الرقيب الإندونيسي، وأمين الماليزي.
وجزى الله إخواننا المتعاونين على ذلك جميعًا خيرًا.
وهذا وقد سمى الشيخ حفظه الله هذه الرسالة بـ: ”الإفتاء على الأسئلة الواردة من دول شتى“، نسأل الله الإخلاص والسداد. وصلى الله على نبينا، وعلى آله وصحبه وسلم. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليه.
كتبه: أبو تراب سيف بن خضر الإندونيسي الجاوي
بدار الحديث دماج
(1 ذو الحجة 1426 هـ )
?
العقيدة
التفريق بين الكفر المعرف بـ: أل وبين الكفر المنكر في الإثبات
السؤال:: فرق شيخ الإسلام بن تيمية بين الكفر المعرف بـ(أل) وبين الكفر المنكر في الإثبات فقال: وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قول ص:ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة.(1)وبين الكفر المنكر في الإثبات، انتهى كلامه من ”اقتضاء الصراط المستقيم“، فهذا التفريق مُسلَّمٌ، أم ليس بمسلّم؟
الجواب: نعم، أنه مُسَلَّمٌ له، كيف هذا؟
أل للتعريف، قال ابن مالك : :
__________
(1) 10) الحديث بهذا اللفظ أخرجه النسائي(460) وقد أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة رقم (242).بلفظ: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» من حديث جابر ا.(1/7)
أل حرف تعريف أو اللام فقط ... فنمطًا عرفت تكن فيه النمط
فهي للتعريف وهي تأتي للعهد الذهني، أي: يتبادر إلى الذهن عند أن تقول: فلان حج البيت، أنه حج مكة بيت الله، ويتبادر إلى الذهن في شيء متعارف عند أن تقول: بنى الشيخ هذا الدار، أن الشيخ هو الشيخ مقبل رحمه الله تعالى؛ فإن اللام هنا للعهد الذهني، وما قاله شيخ الإسلام : تعالى أن التعريف هنا المقصود به: الكفر الأكبر المعروف، إذا قال بين الشرك وبين الكفر هو ذاك الشرك والكفر المعروف عند الإطلاق أنه الأكبر، قد يقول قائل أيضا: لماذا لا نقول يكون للتعريف هنا الشرك الأصغر؟ لأنه معروفٌ عند أهل السنة أن الكفر ينقسم إلى قسمين معروفين: كفر أكبر، وكفر أصغر، أو كفر يخرج من الملة وكفر لا يخرج من الملة. وكذلك الشرك، نقول: قول شيخ الإسلام هو الحكم؛ لأن اللفظ الأصل حمله على عمومه حتى يرد المخصص، والأصل حمله على إطلاقه حتى يعلم المقيد، ولهذا حمل شيخ الإسلام : الكلام على أصله، وأن الكفر هنا في الحديث المقصود به الكفر المطلق، وليس مطلق الكفر، وهذا قول كثير من العلماء، وهو الصحيح، وشيخ الإسلام إن قال قولا فيعرف ما يقول، وهو كما تعرفون براعته في اللغة، والحمد لله رب العالمين.
الأسئلة الصومالية
النداء بـ: يا وجه الله
السؤال:: عندنا بعض العوام إذا احتاج أحدهم إلى شيء يقول: يا وجه الله. فهل هذا مشروع؟(1/8)
الجواب: الوجه صفة من صفات الله تعالى الذاتية قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن 27]، وقال تعالى: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى*وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل20 21]، وقال ص: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة»1))، فلا يجوز أن ينادى الصفة فيقول يا وجه الله قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]، فالواجب أن يدعى الله عز وجل وأيضا يشرع أن يدعى بأسمائه وصفاته، قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:180]، وقال: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، قال ص: «من قال: اللهم، أني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فقد سأل الله باسمه الأعظم» الحديث عن بريدة2)) ا.
الأسئلة الإماراتية
التسمي بعبد المحسن وعبد الجليل، وعبد الهادي
السؤال: هل يجوز التسمي بعبد المحسن وعبد الجليل وعبد الهادي؟(1/9)
الجواب: أما عبد المحسن فالأحاديث في ثبوت اسم المحسن لله تعالى غير ثابتة، الحديث جاء عن ثلاثة من الصحابة فيما نعلم عن شداد بن أوس ا، وأصل الحديث في صحيح مسلم، أن النبي ص قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته»، وليس فيه: إن الله محسن يحب المحسنين، وخالف إسحاق بن إبراهيم الدبري جماعة من أهل العلم وزاد هذه اللفظة، وممن خالفهم الإمام أحمد وهو اجل من عدد من أمثال الدبري، فلو لم لا يخالف إلا الإمام أحمد لكان شاذا وقد خالف معه غيره وتركها الإمام مسلم عن عمد وقصد وأعرض عن هذه اللفظة فيظهر أنها شاذة، وجاء من حديث أنس بن مالك ا، وهو يدور على محمد بن بلال عن عمران بن داور أبي العوام القطان بواسطة رجل آخر عن أنس بن مالك ا وهذا الطريق ضعيف محمد بن بلال يغرب؛ لاسيما في عمران بن داور وعمران إنما حديثه يصلح في الشواهد والمتابعات.
وجاء من حديث سمرة بن جندب ا عند ابن عدي في ”الكامل“ ( ) وأن ابن عدي يسوق المنكرات ويعتبر كتابه الكامل من مصادر المناكير ويستفيد منه الذهبي في الميزان, وفيه شيخ ابن عدي وهو محمد بن أحمد قد كذب وفيه مجاعة بن الزبير أنكر الحديث عليه كما في الكامل وفيه الحسن عن سمرة والحسن لم يسمع من
سمرة إلا حديث العقيقة، فعلم أن هذا الحديث لا يصلح للشواهد ولا المتابعات حديث ضعيف جدًّا هذه ثلاث طرق كلها لا تصلح للاحتجاج في إثبات اسم المحسن لله تعالى فلا يجوز التسمي بعبد المحسن؛ لأن الأسماء توقيفية، قال السفاريني ::
لكنها في الحق توقيفية ... لنا بذا أدلة وفية(1/10)
وأجمع أهل العلم على أنها توقيفية نقل بذلك شيخ الإسلام وغير واحد منهم والتعبد بغير أسماء الله غير جائز، نقل الاتفاق على تحريم ذلك ابن حزم : كما في ”تحفة المولود“ لابن القيم : وأما الصفة فثابتة قال تعالى:{وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:77] فيها إثبات صفة الإحسان وآثار إحسان الله على عباده كثيرة، قال تعالى: {قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً} [الطلاق:11]، ولكن كما علمت أن الأسماء توقيفية لا يثبت الاسم إلا بدليل من كتاب الله وصحيح سنة النبي ص، فليس من أسماء الله المحسن على ما جاء في هذه الطرق إلا أن وجد غير ذلك لم نعلمه إما في بعض الأجزاء أو مسانيد أخرى، فينظر فيه.
أما اسم الجليل لله عز وجل؛ فهو أيضًا ما عليه دليل فيما نعلم، وأما اسم الهادي فثابت لله تعالى، قال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[الحج: 54]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان 31].
الأسئلة الإماراتية
حكم قول العامة: عندك الرحمن، ونحوه
السؤال: بعض العامة إذا قلت له تفضل عندي قال عندك الرحمن أو قلت له هل جاءكم أحد في البارحة فقال جاءنا الرحمن فهل هذه الألفاظ مشروعة؟
الجواب: يعنون بها عندك الرحمن معك الله معك الرحمن، قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: 4]، فإذا كانوا يعنون ذلك: معك الرحمن ومعك الله يعني الله يرعاك، أو يعني بذلك المعية الخاصة، قال تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه: 46]، فأمر لا بأس به أن يقول معك الرحمن، وإذا كان يعنى: الله معك بذاته؛ فهذا خطأ، وعلى التأويل الأول صحيح، وعلى معنى أن الله معه بذاته خطأ، إنما الله مع خلقه بعلمه لا بذاته وهو سبحانه مستو على عرشه {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5].(1/11)
وكذا كلمة: (عندك الرحمن) جواب لقول أحد: من كان عندك؟ فيقال فيها، وإن كانوا يعنون بذاته كما أن الاحتمال فيها إلى أنه بذاته أكبر من المعنى الأول؛ فهو قول الحلولية منكر نعوذ بالله منه. وما دامت مجملة تحتمل الحق والباطل فالأولى البعد عنها كما قال النبي ص لذلك الخطيب: «بئس خطيب القوم أنت»، لما قال: ومن يعصهما فقد غوى(1)؛ لأن فيه إجمالًا فنهى النبي ص عن ذلك.
الأسئلة الإماراتية (6 جمادي الأولى 1423 هـ)
هل اتفقت الشروط والموانع للتكفير والتفسيق والتبديع
السؤال: هل شروط التكفير وموانع التكفير تكون شروطا وموانعا في التبديع والتفسيق؟
الجواب: نعم، موانع التكفير خمسة:
1- الجهل. 2- والإكراه. 3- والخطأ. 4- والنسيان. 5- والتأو يل السائغ.
__________
(1) من حديث عدي بن حاتم ا أخرجه مسلم (870).(1/12)
يقول النبي ص: «من قال لأخيه يا كافر؛ فإن كان كما قال وإلا حار عليه»(1)، أي: رجع عليه إثم تكفيره وليس حار عليه الكفر يصير كافرا هذا هو القول الصحيح، فلوان مسلما قال لمسلم: أنت كافر! لا يجوز أن يكفر ذلك المكفر بتكفيره ذلك، بل يقال: إنه عصى الله بهذا التكفير للمسلم الذي لم يكفر بالدليل، ومثل ذلك أيضًا قوله ص: «كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه»(2)، وكذلك التفسيق، وكذلك التبديع، فإذا إنسان من الناس كان جاهلا بأن (حي على خير العمل) محدثة في الأذان فوجد أباه، أو أهل قريته يؤذنون بهذا يبين له، وبعد أن يبين له يقال: هذا الرجل مبتدع بهذه البدعة، وما كان من هذا فشروط التكفير وكذا التفسيق والتبديع وموانعهما؛ لقول النبي ص: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاءة من الجفاء، والجفاء في النار»، أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة ا، وهو حديث حسن، وأيضًا لاقتران هذه الأمور فيما يكرهه الله، قال تعالى: وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان.
الأسئلة الصومالية
معنى قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل:34]
__________
(1) 11) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب: من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، رقم(6104) ومسلم في كتاب الإيمان، باب: بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر، رقم (203) من حديث عبد الله بن عمر ب، وجاء نحوه من حديث أبي هريرة ا، أخرجه البخاري، رقم (6103).
(2) 12) الحديث بهذا اللفظ أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والأدب، باب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله من حديث أبي هريرة ا.(1/13)
السؤال: يقولون في سؤالهم الأول:ما الواجب على طلبة العلم تجاه هذه الآية الكريمة: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، هل يجب على طلب العلم أن يرجعوا إلى أهل العلم في حل جميع مشاكلهم أو يجوز لهم أن يحلو ها بما منّ الله عليهم من العلم، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا رسول الله ص تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فقول الله عز وجل: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} دليل على أن ما علمه الناس استمروا فيما علموه من دين الله على بصيرة وما جهلوا وأشكل عليهم الأمر فيه رجعوا فيه إلى أهل الذكر: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل: 43 44] فالذي لا يعلمون فيه دليلًا على ذلك القول، أو لا يعلمون قولًا صوابًا فيه، يرجعون فيه إلى أهل العلم، ولاشك أن من المسائل ما يستطيع طلبة العلم أن يحلو ها بأنفسهم ويريحون أهل العلم منها، أنت لا تظن أن أهل العلم مع مراكمة المشاكل عليهم يفرحون بها، لا والله، إنهم يتمنون أن
القضايا والمشاكل ما تكثر، فَهُم هَمُّهُمُ الوحيد سير الدعوة السلفية على كتاب الله،
وسنة رسوله ص، هذا حاصله، أما أنهم أشكل عليهم شيء فنعم، يرجعون ولا يخوضون في القضايا التي لا يحسنون حلها، أو لا علم لهم بحكمها، وعند أهل العلم يجدونها بأحسن تفسير وبأقصر وقت، والقضية التي يأخذونها في شهر، أو شهرين، أو سنة، أو سنتين يحلها العالم في الجلسة ويحصل لهم الخير الكثير. فهذا حاصله أنهم ما أشكل عليهم ولم يستطيعوا حله حلًا شرعيًّا رجعوا فيه إلى أهل العلم حفظهم الله وما استطاعوا حله، فلهم ذلك.
الأسئلة الماليزية(1/14)
نصيحة لطالب العلم المبتدئ
السؤال: بماذا تنصحون طالب العلم المبتدئ في طلب العلم وبأي كتب يبدأ؟
الجواب: طالب العلم يبدأ بكتاب الله سبحانه وتعالى فليس هناك كتاب أجل من كتاب الله عز وجل في العقيدة وفي الفقه وفي سائر علوم دين الله عز وجل، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَك ٌ} [الأنعام: 92]، وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلو كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لو جَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82] ننصحه بحفظ كتاب الله عز وجل وبتلاوته تلاوة صحيحة جيدة، قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:4]، كما أمر سبحانه وتعالى بترتيله فينبغي أن يتلو القرآن وأن يفهم من معاني القرآن، يفهم معاني القرآن على ما يسره الله عز وجل له في ذلك، ثم يهتم جدًّا بكتب العقيدة، بدراسة توحيد الله سبحانه وتعالى؛ فإن الإنسان إذا مات وهو على التوحيد مات إن شاء الله من الناجين، وأنتم يا طلبة العلم، تعرفون حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ب، حديث البطاقة: «أن رجلًا توفي، فقال الله عز وجل: هل لك من(1/15)
حسنة؟ قال: لا، قال: هل ظلمك كتبتي؟ قال: لا، قال: إن لك عندنا حسنة، وإنك اليوم لم تظلم، فتخرج له بطاقة فيها لا إله إلا الله فتوضع في كفة، وتوضع سيئاته في كفة، قال: فطاشت تلك البطاقة بتلك السجلات، ولا يثقل مع اسم الله شيء»(1)وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48] يهتم بكتاب الله توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وهكذا المتابعة يهتم بذلك كله، ثم مما يهتم به أيضا ما يقوم به لسانه في النحو فيدرس ما يسر الله تعالى في النحو ليستقيم لسانه، وهذا مهمٌ:
النحو يصلح من لسان الألكن ... والمرء تكرمه إذا لم يلحن
__________
(1) الحديث في ”الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين“ لشيخنا الوادعي (1/436)، وقال هذا حديث صحيح.(1/16)
ثم يأخذ ما يسر الله سبحانه وتعالى له في علوم الحديث فإن علوم الحديث يعتبر مع علم الفقه غاية، علم الفقه: فقه العقيدة فقه كتاب الله وسنة رسول الله ص بناية على أحاديث الصحاح هذا غاية، وما عدا ذلك هي علوم وسائل، وليست غايات، علوم مصطلح وعلوم النحو ومقدمة الأصول وما كان من هذا، أما الكتب التي يأخذها طالب العلم بداية فيقبل على السهل الميسر، قال تعالى: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] قال البخاري: ويقال الرباني الذي يربي الناس على صغار العلم قبل كباره.(1)فيبدأ مثلا بـ ”القول المفيد“ في التوحيد، و”المبادئ المفيدة“ وهكذا ”كشف الشبهات“، و”الأصول الثلاثة“، فإذا فهم هذه الكتب النفيسة الطيبة انتقل إلى ”الواسطية“ مع شروحها، وشروحها ميسرة ومفيدة، و ”لمعة الاعتقاد“ وهي سهلة والحمد لله مع الحذر مما يتعلق بتلك الكلمات في
__________
(1) قال شيخنا يحيى الحجوري عن هذا الأثر في بعض دروسه : هذا الأثر ليس من قول ابن عباس وإنما هومن قول الإمام البخاري وأما تفسير ابن عباس على قوله كونوا ربانيين، أي: حلماء فقهاء علماء، اهـ. كما أخرجه البخاري في صحيحه معلقا في كتاب العلم باب: العلم قبل القول والعمل.(1/17)
المعنى وقد نبه عليها الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه وجماعة من أهل العلم نبهوا على ذلك الخطأ فيها، وهكذا ما يتعلق بالفقه يأخذ الكتب الميسرة فمن الناس من يتفقه على كتب الشوكاني، مثلا على ”الدراري“، وما سلك مسلكه مثل: ”الروضة الندية“ يأخذ فقرة ويشرحها، فيأتي بالأدلة عليها، وهذا وجه من أوجه الفقه إن شاء الله طيبة، ومن الناس من يتفقه على كتب الحديث فيأتي إلى كتاب من كتب الحديث فيحفظه، أو يقرؤه، ثم ينظر شروحها ويفهم شرحها مثل: ”عمدة الأحكام“ و”بلوغ المرام“ و”المنتقى“ للمجد بن تيمية و”المنتقى“ لابن الجارود وما كان من باب هذا الكتب الميسرة، وكذا ”سبل السلام“ من الكتب الميسرة إلا أنه يحصل في تلك الكتب ما يتعلق بالتضعيف والتصحيح والاجتهاد في ذلك، فأنا أرى من مكّنه الله سبحانه وتعالى أنه يأخذ الفقه عن طرق الحديث، هذا أحسن، ومن لم يستطع كان لا بد له أن يتتلمذ على أهل العلم ولا شك أن الطالب لا بد له من التتلمذ ومن الصبر على ذلك، الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 5] لا شك أنه يحتاج إلى صبر ورحلة وإلى تحمل من أجل الحصول على العلم وهل ضرب موسى مجمع البحرين إلا من أجل حصول العلم(1)، وجابر يرحل إلى عبد الله بن أنيس إلا من أجل ذلك(2)، وابن عباس يبقى عند باب أصحاب النبي ص تسفعه الرياح حتى يخرج ذلك الصحابي ويأخذ منه بعض العلوم.(3)
__________
(1) كما ذكر ربنا عز وجل قصة موسى في سورة الكهف [ 60 82 ].
(2) أخرجه البخاري تعليقا تحت باب: الخروج في طلب العلم ووصله المصنف في ”الأدب المفرد“، وأحمد وغيره، قاله الحافظ.
(3) تقدم، رواه ابن سعد وغيره..(1/18)
والذي يأخذ من الصحف ومن الكتب ولم يتتلمذ على أهل العلم تحصل له أخطاء، وما أحسن الربوض، والركود، والتأدب، والصبر مع أهل العلم، والجلوس بين أيديهم فوالله لهذا أغلى من الذهب والفضة:
وإن تجد طالبًا لا شيخ له ... بهيمة على فلاة مهملة
وقال الآخر:
يظن الغمر أن الكتب تهدي ... أخا فهم لإدراك العلوم
وما ظن الجهول بأن فيها ... غوامض حيّرت عقل الفهيم
إذا رُمْتَ العلومَ بغيرِ شيخ ... ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس العلوم عليك حتى ... تصير أضل من توم الحكيم
فطلب العلم وتلقيه على أهله أمر مطلوب، وكذلك خُذْ في الأصول ”نظم الورقات“ للعمريطي، وهي نفيسة ويحفظها كثير من طلاب العلم؛ فإن فيها مقدمة طيبة، و”الأصول من علم الأصول“ للعثيمين رحمه الله.
وفي المصطلح تبدأ بـ”البيقونية“ مع شروحها الميسرة، وفي الفرائض ”الرحبية“ حفظًا مع شروحها دراسةً وفهمًا، إذا فهم هذه البداية؛ فإن شاء الله يكون الطالب قد شق طريقا إلى العلم. ومن المحفوظات يبدأ بـ”الأربعين النووية“، و بـ”رياض الصالحين“، وَكُلٌّ على سَعَتِهِ وَعَلى ما يَسْتَطِيْعُه، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [التغابن: 16]، وكما قال ابن الوزير في ذلك الكتاب النفيس ”الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم“: يا هذا،
إن الدواعي تشد القوى ... والقلوب ليست بسواء
وقال آخر:
وإذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام
أنت وطِّن نفسك أن تكون مرجعا للمسلمين في ذلك، فالناس بحاجة إليك وأنك تَسُدُّ فراغا، ما أكثر أهل الزيغ وأهل الباطل الذين بحاجة كل بلد وقطر، بل في كل قرية إلى من يتصدى لباطلهم ولثرثرتهم ولشقشقتهم، وبهرجهم المزيف، وما إلى ذلك مما يلبسون به على المجتمعات المسلمة، قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف: 52]، هذا مختصر القول في هذه المسألة والحمد لله.
الأسئلة الإماراتية
حفظ القرآن أمهمٌ هو؟(1/19)
السؤال: يقول بعض الدعاة: إن حفظ القرآن ليس بأمر مهم فإنما المهم الفهم والتدبر والعمل بمقتضاه ويستدل على ذلك بفعل ابن عمر ب، قال: إنه حفظ سورة البقرة تسع سنين لشغله بتفسيرها ومعانيها والعمل بها، فما صحة هذا القول وهل صح الأثر عن ابن عمر ب، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: أولًا قوله: (ليس بأمر مهم) ما هو صحيح قال سبحانه وتعالى: {بَلْ
هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49]، أثنى الله على أهل العلم أنهم يحفظون الآيات البينات في صدورهم، وأيضًا القراء لما قتلوا، أليس أصحاب النبي ص شعروا بالخطر، وأمروا بجمع المصحف؟ وقال عمر لأبي بكر: إني أخشى أن يستحر بالقتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن. وفي هذا أن كبار الصحابة شعروا بالخطر على القراء(1)، والذين قتلوا سبعون رجلًا، وشعروا بذهاب العلم وعندئذٍ أمر أبو بكر ا من يجمع تلك الصحف عند حفصة، ثم بعد ذلك عثمان بن عفان ا أمر بجمعها من عند حفصة ك، ومن
سائر الأماكن وأمر بجمع المصحف العثماني، مما يدل على أهمية حفظ القرآن وأنه علم مهم، وأنه ينبغي المسارعة فيه، ويضاف إلى ذلك أيضًا ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ب، أن النبي ص قال: «إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا من الصدور»(2) أيش المقصود بهذا الحديث؟ معناه إِنِ انتُزِعَ العلم من صدور الحفاظ وزال أهل هذا الشأن ذهب العلم، وإلا ما في الدفاتر والفهم فقط، الفهم ما يكون في الصدور والفهم يكون في الدفاتر ويفهمه فهمًا والمقصود بالحفظ قال الرحبي رحمة الله عليه:
واعلم بأن الإرث نوعان هما ... فرض وتعصيب على ما قُسمَا
فالفرض في نص الكتاب سته ... لا فرض في الإرث سواها البته
نصف وربع ثم نصف الربع ... والثلث والسدس بنص الشرع
__________
(1) جاء من حديث أنس ا، أخرجه البخاري (4987)، والكلام يصدر من حذيفة بن اليمان ب.
(2) البخاري (100)، ومسلم (2673).(1/20)
والثلثان هما التمام ... فاحفظ فكل حافظ إمام
فحفظ الله هذا الدين بحفظ كتاب الله، ومن أول ما ينبغي حفظه هو كتاب الله سبحانه، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:92]، وقال: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51]، تحتج بالقرآن في كل ما تريد من العلوم الشرعية إذا فقهك الله في دينه، وانظر إلى كتب شيخ الإسلام وكتب تلميذه ابن القيم ومن كان على شاكلتهما من أهل السنة كيف تراهم يعتنون بالقرآن، استدلالًا، وحفظًا، وقراءة، وتدبرًا، حتى كأن المصحف بين أيديهم.
الأسئلة الإندونيسية (26 جمادى الثانية 1424هـ)
كيف يكون الطالب من أهل الحديث؟
السؤال: كيف يكون الطالب من أهل الحديث؟(1/21)
الجواب: يكون من أهل الحديث وهنيئا له إذا تمسك بكتاب الله وسنة رسول الله ص، وطلب العلم، فلا يصلح أن نقول: فلان من أهل الحديث وهو عامي وإنما نقول هو من أهل السنة فيبن لفظة أهل الحديث وأهل السنة خصوص وعموم، ويكون من أهل الحديث إذا طلب الحديث من مصادره الصحيحة عند أهل الحديث فأخذ من علم الحديث ما ينفعه في ذلك من مبادئ علوم الحديث كـ”اختصار علوم الحديث“ لابن كثير و”البيقونية“، وهكذا القراءة في ”التدريب“، و” التقييد والإيضاح“ حسب ما يستطيعه، ومن أحسن الكتب في ذلك ”التقريب والتيسير“ للنووي، وبعد ذلك ينبغي أن يخوض غما ر هذا العلم بالبحث، والتحقيق، والنظر في كتب العلل كـ”علل ابن أبي حاتم“، و”علل الدارقطني“، و”التلخيص الحبير“، و”البدر المنير“، و”نصب الراية“، ويكون مع ذلك مناقشًا سائلًا باحثًا مع أهل العلم، ومع أهل الحديث فيما أشكل عليه، فمن تلقى الحديث على هذه الطريقة يرجى أن يكون من أهل الحديث، وليس بمجرد ما يأخذ من المختصرات يصير من أهله، هذا وليعلم أن كلمة أهل الحديث قد تطلق على أهله العاملين به كما في ”شرف أصحاب الحديث“ للخطيب وأمثاله، هذا هو الأصل، هذا مع تصحيح النية، فمن علم الله صدق نيته بلَّغه ما نوى؛ لحديث عمر، أن النبي ص قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، والله المستعان.
الأسئلة الجزائرية
إقامة الدروس والتعليم في المدارس
السؤال: أقام بعض الدعاة في بلادنا دروسهم بالمدارس وخشي منهم أن يتركوا المساجد والمراكز العملية، والغرض من هذه الوسيلة مراعاة العوام لأنهم لو أقاموها في المساجد والمركز ما قبلوا وما أدخلوا أبناءهم فيها لزعمهم أن ذلك لا يضمن لمستقبلهم فما توجيهكم لهذه المسألة مع العلم بأن المدارس غير مختلطة، وجزاكم الله خير؟(1/22)
الجواب: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالل ه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ص تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فالشأن كله هو البعد عن المعاصي والسير على ضوء كتاب الله، وسنة رسوله ص على فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم دعوةً وعلمًا وتعليمًا، وماداموا يدرسون الكتاب والسنة ويدرّسون ذلك، وإن لم يكونوا في المساجد فإن هذا الفعل جائز أن يدرسوا في بيت من البيوت أو في مكان من الأمكنة، أو مدرسة أعدت لتدريس كتاب الله، وسنة نبيه ص، من حيث الجواز جائز، لكن البركة في طريقة السلف رضوان الله عليهم التي كانوا عليها في التعليم، نعم، ابن القيم الجوزيه، يقولون من المدرسة الجوزيه، ووجد من كان يدرس في خارج المسجد، إلا أن المساجد رُئِيَتْ ثمرات التدريس فيها، والنبي ص دخل عليه ثلاثة نفر وهو جالس مع أصحابه في حلقة قال: أما أحدهما فوجد فرجة فجلس فيها، وأما الآخر فاستحى فجلس خلف الحلقة، وأما الثالث فأعرض ولّى ولما انتهى النبي ص(1/23)
من الكلام مع أصحابه قال: «ألا أنبئكم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهما فأعرض، فأعرض الله عنه، وأما الثاني فاستحى من الله فاستحى الله منه، وأما الثالث فأقبل، فأقبل الله عليه» الحديث(1)، والشاهد من هذا أن الدراسة في المساجد كان رسول الله ص، وسائر الأئمة على ذلك، وقال ص: «من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نزلًا في الجنة كلما غدا أو راح»، وقال ص: «لأن يغدوَ أحدكم إلى المسجد فيتعلم آية خير له من ناقة، وآيتين خير من ناقتين وأعدادهن من الإبل».نصيحة لأهل السنة جميعًا في هذه البلاد وفي غيرها أن يعتنوا بالدراسة في المساجد، فيستفيدون من ذلك طريقة المتقدمين، وأيضًا أن الداخل يدخل لقصد الصلاة ويبقى ينتظر الصلاة الأخرى وهو في ذكر الله، وفي الطاعة ما دام ينتظر الصلاة الأخرى؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة ا قال: قال النبي ص: «من أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ولا ينهزه إلا الصلاة؛ فإنه يخطو خطوة فترفع له حسنة وأخرى تحط عنه سيئة حتى يدخل المسجد؛ فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه»، هذا أجر عظيم لمن بقي ينتظر الصلاة؛ ولاسيما إذا كان في حلقة العلم، وقال ص: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»(2)،
__________
(1) من حديث أبي واقد الليثي، الحارث بن مالك ا. أخرجه البخاري في كتاب العلم باب: [8] رقم (66)، قال الحافظ رحمه الله عند الحديث: هو في ”الموطأ“، ولم يروه عن أبي واقد إلا أبو مرة، ولا عنه إلا إسحاق، وأبو مرة والراوي عنه تابعيان.
(2) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ا..(1/24)
والمقصود به بيت الله المسجد، فعلى هذا ينبغي لأهل السنة أن يستفيدوا هذه الفوائد العظيمة فيأتون للصلاة في المساجد وكذلك يبقون للتدريس فيها، والاستفادة فيها قراءة ودراسة كتاب الله وسنة رسوله ص ومذاكرة علميه، هذا خير كثير.
أهل العلم عرفوا هذه الثمرات وعرفوا نتائجها، ورسول الله ص كان يجهز الجيوش في المساجد، فالصلاة في المسجد، والاعتكاف في المسجد، والتدريس في المسجد، والاجتماع في المسجد، والرد على أهل الأهواء بالشعر في المسجد، نصب لحسان بن ثابت كرسيًّا وقال: «اهجهم وروح القدس معك»، وابن رواحة أيضًا يهجوا المشركين في المسجد قال له عمر: تقول الشعر في حرم الله وبين يدي رسول الله ص، قال: «دعه، لهو أشد عليهم من نضح النبل»، وهذا يدل على أن رسول الله ص كان يقيم جُلَّ ما يتعلق بالدعوة في المسجد من تعليم وبعوث وتدريس ودروس وردود إلى آخره، هذه نصيحة لإخواننا جميعًا، ثم أيضًا هذه المسألة قد أميتت في كثير من البلدان، فلا تعينوا عليها يا أهل السنة، فإنهم عمدوا يدرسون إلى المدارس وغفلوا عن التدريس في المساجد وعن بركات ذلك، وَنُسِيت هذه الآثار الطيبة فأنتم كونوا دعاة إلى إحياء السنن، وفقكم الله.
الأسئلة السلفية الإندونيسية (26جمادي الثانية 1424هـ)
إنشاء المدارس الخاصة للسفلية
السؤال: نظرًا لرغبة كثير من المسلمين في تسجيل أبنائهم في المدارس التابعة للحكومة أو التي أسست على الحزبية والغالب أن المواد فيها لا تخلوا من المخالفات الشرعية، فبناءً على هذا يرغب بعض الدعاة إلى السلفية في إنشاء المدارس الإسلامية التي تجمع بين العلوم الدينية وفقه الكتاب والسنة والمواد المقررة من الحكومة فإن الحكومة تشترط تدريس تلك المواد، فما حكم إنشاء تلك المدارس مع(1/25)
المواد المقررة من الحكومة التي فيها من المخالفات الشرعية علمًا بأنه يمكن تغيير تلك المواد بطريقة توافق الشرع، وأيضًا أن الشهادة التي أصدرتها الحكومة لا بد من وجود الصورة الشخصية لتوصيل الطلاب إلى المرحلة العالية إلى غير ذلك من المخالفات وأيضًا أن عامة مشايخ الحرمين والشيخ مقبل بن هادي الوادعي : نفسه كانوا من متخرجي الجامعة الإسلامية بما فيها من الصور بالشهادة وغيرها، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: أولًا تلك المدارس إسلامية إن شاء الله وإن كان فيها من المعاصي وما هي كفرية المدارس الحكومية إلا إذا كانوا نصارى، أو علم كفرهم بيقين، فَيُبَيِّنُ ذلك، أما مدارس المسلمين مدارس إسلامية إلا أن فيها من تبجيل الفلاسفة، وعدم التربية الصحيحة، ومن تلقي ما لا ينفع الطلاب وفيها مضيعة وفيها بعض المعاصي من تصوير ذوات الأرواح ونحو ذلك، ومن تيسر له في ذلك البلد أو غيره، أنه يدرس في مدرسة يبتعد فيها عن المعاصي فنعمَّا هي، هنيئًا له ذلك، يحفظ كتاب الله وسنة رسوله ص وهو بعيد عن المعاصي إلا اللمم والأخطاء التي لا يبرأ منها أحد من البشر، قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32]، وقال: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31]، ومن تيسر له البعد عن هذه المعاصي وهو واجب عليه (ترك المعاصي)، من درس في تلك المدارس فننصحه أن لا يصور ذوات الأرواح، ولا يرتكب محرمًا، وكذلك لا يلبس البناطيل، ولا يحلق لحيته، وإن طلبوا منه ذلك، ولا يقوم للمدرس حين القدوم، إن قبلوا منهم ذلك وإلا ذهب عنهم مع الحرص الشديد على تلقي العلم، والبعد عن الفتن التي في المدارس، ومن ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه.(1/26)
الأسئلة السلفية الإندونيسية (26جمادي الثانية 1424هـ)
حكم الاختبارات في انتخاب الطلاب
السؤال: ما قولكم فيمن أقام الاختبارات لانتخاب الطلاب الأذكياء دون غيرهم بحجة أن هذا الدين ثقيل، وأن العلم عزيز، فقد قال الله عز وجل لنبيه ص: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:5] الآية، فما يحملها إلا الأذكياء، على أن الراغب فيها كثير، أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: لابد من تشجيع من له القدرة الطيبة على الخير فيحيى بن سعيد القطان يقول لمسدد: لو لا أننا مشغولون لأتيناك.(1) وعمر بن الخطاب ا يدخل ابن عباس مع أشياخ بدر قالوا: لِمَ تدخل هذا، ولنا أبناء مثله؟ قال: إنه من حيث علمتم، وسألهم وسأله، فأجاب كما هو معلوم في لصحيح(2) في معنى قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 3]. قال بعضهم: أمرنا أن نستغفر الله وبعضهم قال: غير ذلك وقال ابن عباس هو أجل رسول الله ص أعلمه الله له قال: لا أعلم إلا ما تعلم. وقال النبي ص لابن مسعود: «إِنَّكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ»(3) ودعا لابن عباس أن يفقهه في الدين، وعلمه بعض أمور العقيدة وهو صغير، وهو ذلك الحديث: «احفظِ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك..» (4)
__________
(1) مذكور في ترجمة مسدد من ”التهذيب“، بلفظ: لو أتيت مسددًا فحدثته في بيته لكان يستاهل.
(2) في صحيح البخاري (4970) عن ابن عباس.
(3) رواه أحمد (2/437) عن ابن مسعود، وهو في ”الصحيح المسند“ (2/ ).
(4) أخرجه البخاري (143)، ومسلم (2477) عن ابن عباس ب.(1/27)
الحديث إلى آخره. فنعم، الذي يرى منه نبوغ يعان، لكن لا على هذه الطريقة من حيث الاختبار، أما هذه الطريقة: يختار منهم، ويقول: لا يحمل إلا هؤلاء وزعم أن غيرهم لا يحملون، هذا فيه نظر؛ بل رب إنسان ذكي وليس بزكي وما تدري إلا وقد تعبت معه وتحزَّب، وآخر وفقه الله للسنة ويقبل الله بقلبه على الخير والعلم وينفع أمة من الأمم، قال تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88]، والتوفيق من عند الله، وقال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص:56]، ولهذا أحسن الظن بالطلاب جميعًا، والذي له نبوغ نشجعه ورب واحد منهم ينفع الله به ويبقى على الخير والسنة، فلا ينبغي هذا الظن، أنه لا يحمل الدين إلا الأذكياء، وهذا الأعمش ذُكر في ترجمته: أن واحدا مر به وهو يعلم الأولاد فقال: يا إمام, الناس بحاجة إليك، يعني المحدثين بحاجة إليك ، وأنت تشغل نفسك بتعليم الأولاد. فقال: يا مسكين هؤلاء يحفظون عليك دينك، أي: في المستقبل. ومحمود بن الربيع عقل حجة النبي ? وهو ابن خمس سنين كما في ”صحيح البخاري“(1)، وهكذا ابن عمرب ثبت عنه في الصحيحين لما سأل النبي ص عن النخلة عن شجره تشبه المؤمن قال ابن عمر جال في نفسي أنها النخلة وما منعني أن أتكلم بذلك إلا أنني أصغر القوم، فأخبر أباه بذلك، فقال: لو أنك قلتها أحب إلي من كذا وكذا(2)،
__________
(1) رقم (77).
(2) البخاري رقم (72)، (61)، ومسلم (2811)، وغيرهما..(1/28)
وابن عباسب كان يدور من شيخ إلى شيخ من الصحابة ي أجمعين، وربما ذهب إلى مكان الصحابي عند بابه حتى يخرج، ويأخذ منه بعض المعلومات وبعض الأحاديث، ويقول الصحابي: يا ابن عم رسول الله، لو دعوتنا لأجبناك، فيقول: العلم يؤتى(1)، وقد ثبت معلقًا عند البخاري، وفي ”المعرفة والتاريخ“ (1/5)، وفي ”الطبقات“ لابن سعد وفي ”الحلية“ لابن نعيم ومصادر في هذا الأثر أن ابن عباس ب كان يجعل في رِجْلِ عكرمة أَكْبُلًا ليعلمه القرآن والسنن والفرائض(2)، فالولد الذي يرى منه التمرد ويرى منه عدم الإقبال حتى ولو مُسك وأعين على ذلك ليعرف مصلحته، أما أنك تمسك الصغار الذين لهم النبوغ والذكاء وأولئك لا تعينهم ولا تقبل عليهم!! هذا قد يعينه على التَّفَلُّتِ، ويسبب له عقدة في نفسه: أنه ليس من الأذكياء، وتصير آثمًا في هذا الفعل.
الأسئلة السلفية الإندونيسية (24 جمادي الثانية 1424هـ )
حكم الكذب لأجل طلب العلم
__________
(1) أخرجه ابن سعد (2/367 368)، والفسوي (1/542)، والحاكم (3/538) من طريق جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: لما توفي رسول الله ص، قلت لرجل من الأنصار: هلمَّ نسأل أصحاب رسول الله ص؛ فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي ص من ترى؟ فترك ذلك، وأقبلت على المسألة؛ فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح التراب عليَّ، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله، ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسألك. قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس، فقال: هذا الفتى أعقل مني. وهذا إسناد صحيح، وأورده الهيثمي في ”المجمع“ (9/277)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
(2) أخرجه الخطيب أيضًا في ”الفقيه والمتفقه“ (1/47)، وإسناده صحيح.(1/29)
السؤال: هل يجوز الكذب لأجل طلب العلم مثلًا باتخاذ الشهادة المزيفة أو يخبر الممتحن بخلاف عمره، أو البطاقة المطبوعة من عندهم ونحوها؛ لأن هذه
المسألة قد انتشرت بين سلفيين. وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: الكذب من أقبح المذمات، فكيف يجوز الكذب في هذه المسألة، أو في غيرها، إنما استثنى أهل العلم الكذب للصلح بين المسلمين، أنه جائز، والكذب في الحرب الحرب خدعة، والكذب من الرجل لامرأته عند بعض أهل العلم، اعتمادًا على تلك الرواية، في حديث أم كلثوم وهي رواية شاذة، فكيف الكذب لأجل طلب العلم، والله إني لأخشى أن لا يوفق، قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة:109]، وهذا تأسيس بنيان طالب علم، ينبغي أن يكون تأسيس طلب العلم على التقوى، وعلى، الصدق، وعلى مراقبة الله، وعلى الأمانة، وعلى خشية الله، وعلى الدعاء، ما هو على الكذب من أو ل أمره، أخشى أن يكون سبب المسخ؛ فإن المعاصي سبب الذلة والشر، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [يونس:27].
الأسئلة الإندونيسية (26 من جمادي الثانية 1424هـ)
حكم تحديد زمان الدراسة
السؤال: ما حكم من حدد زمان الدراسة بثلاث سنوات أو أربع أو غير ذلك؟ وهل كان السلف يفعلون هذا، وكيف يفعلون؟
الجواب: قال الإمام أحمد :: من المحبرة إلى المقبرة(1)، وتعجبني تلك الأبيات:
اليوم شئ وغدًا مثله ... من نخب العلم الذي تلتقط
حصل المرء بها حكمة ... وإنما السيل اجتماع النقط
__________
(1) أخرجه الخطيب في ”شرف أصحاب الحديث“ (139)، وذكره ابن القيم في ”مفتاح دار السعادة“ (1/97)، ولفظه: إنما أطلب العلم إلى أن أدخل القبر.(1/30)
يا أخي، ثلاث سنين في طلب العلم قليلة؛ لاسيما وأنتم تحتاجون إلى عدد السنين لمعرفة العربية.
أنا أنصحكم أن تقبلوا على العلم، ومن رأيتموه مقبلًا على العلم فلو بقي أعداد السنين أعينوه على ذلك؛ فإنك ترى أن محمد بن جعفر لازم شعبة عدد سنين(1)، وسفيان بن عيينة لازم عمرو بن دينار عدد سنين(2)، ونظائر ذلك كثيرة.
الأسئلة السلفية الإندونيسية (26جمادي الثانية 1424هـ)
حكم الرحلات بعد الاختبار الأخير
السؤال: من عادة المدارس بعد ما تنتهي من الاختبار الأخير عقد الرحلات إلى أماكن شتى: إلى السواحل، أو إلى الجبال، أو المطاعم وغيرها، ويسمونها رحلة علمية، وكذا إعطاء الجائزة للفائزين، والاجتماع السنوي للمتخرجين وغير ذلك فما قولكم في هذا؟ أفيدونا، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: روى البخاري في صحيحه في أول كتاب الرقاق من حديث ابن عباس ب أن النبي ص قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»، والشباب بحاجة أن يقبل على طاعة الله في أو ل عمره كما قال النبي ?: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، ومنها: شبابه فيما أبلاه»، وقال
__________
(1) وجالسه نحو عشرين سنة، وكان ربيبه ”التهذيب“ عند ترجمة محمد بن جعفر غندر.
(2) وكان يقول: سمعت من ابن دينار ما لبث نوح في قومه، كما في ترجمته من ”التهذيب“.(1/31)
تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:197]، وفي الصحيحين من حديث معاوية ا: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»، وفي صحيح البخاري: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، إلى آخر تلك الأدلة التي تحث على الجد والاجتهاد، والحرص على تحصيل العلم قبل فوات الأوان إما بمرض وإما بشغل أو بما يعلمه الله سبحانه، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]، أنت ما تدري غدًا تكسب خيرًا، أو شرًّا، وكما قيل:
ولا أدري إذا يممت أرضًا ... أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أبتغيه ... أم الشر الذي يتغيني
فنعم، ننصح إخواننا بالإقبال على العلم والتعليم وإذا خرجوا يتفسَّحون في حدبة، أو جبل، أو ذهبوا إلى البحر يسبحون ما هو محرم من باب الترويح على النفس وإعانة النفس على طلب العلم، ولا تتخذ ديدنًا كما هو شأن الإخوان المسلمين؛ فعلى هذا ربوا إخوانكم وتلاميذكم على حب العلم، ربوا إخوانكم وتلاميذكم على الجد والاجتهاد؛ بل وعلى التقليل من السفريات، وإذا خرجوا، خرجوا قصد الدعوة فيصيرون مأجورين، ويستفيدون من وراء ذلك أجرًا عظيمًا، أما هذه الرحلات التي حق المطاعم وحق البوافي وحق السياحات، والشوارع، والسواحل أو ما إلى ذلك فاتركوها للإخوان المسلمين، فأنتم في غناء عنها وفقكم الله فالإخوان المسلمون أصحاب الفراغ، وأصحاب التماثيل، وأصحاب الأناشيد، وأصحاب الضياع، أما أنتم يا أهل السنة، مشغولون بحفظ القرآن وبحفظ السنة ومشغولون بالدعوة إلى الله، وبما هو أهم من هذه الرحلات.
الأسئلة السلفية الإندونيسية (26جمادي الثانية 1424هـ)
حكم تعلم الحساب ونحوه(1/32)
السؤال: هل يجوز لنا أن نعلمهم بعض العلوم الدنيوية كالحساب، واللغة الماليزية، أو الإنجليزية، أو نعلمهم بعض الحرف المباحة كالزراعة والخياطة ونحوها؟ وما هو الحد في تعلم هذه العلوم؟
الجواب: من حيث الجواز يجوز، قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء:80]، لكن لو علمتهم القرآن والسنة؛ فإن أصحاب الحرف كثير وأصحاب العلم قليل، وإذا صار عالما؛ فما أحوج الناس إلى عالم، يعلِّم الكتاب والسنة، ولا يُشْغَلون بهذه الحِرَف عن طلب العلم.
الأسئلة الماليزية
إقامة الدعوة بالمد ارس
السؤال: في جزيرتنا أمبون، بعض إخواننا السلفيين يقيمون المدرسة وسيلة للدعوة حتى تكون معروفة ومقبولة عند المجتمع، خلافًا للمدارس العامة للحكومة مع أن هناك مركز سلفي يقوم بالدعوة والدروس، وهم أي: الطرف الأول يطلبون الأموال من السلفيين والمسلمين عموما لبناء المدرسة وبيوت المدرسين ومسجد المدرسة. فما نصيحتكم لهؤلاء الإخوة، وما الأولى لهم؟(1/33)
الجواب: والله، الأولى لهم أن يدرّسوا في المساجد، هذا الذي ننصح به السلفيين أن يحيوا هذه السنة، سنة تدريس الناس في المساجد ما دام يستطيع أن يفعل ذلك ولا أحد ينكر عليه، فليقم دروسه صباحًا ومساءً إلى آخره في المساجد وهذا والله، فيه بركة. «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسون بينهم إلا نزلت السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده»(1)، وما تخرج العلماء إلا من المساجد، فعن أبي إدريس الخولاني : قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا فتى براق الثنايا وإذا الناس معه، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل ا، القصة(2). والشاهد منها أن السلف كانوا يدرسون في المسجد.
الجواب عن شبهة طلاب الجامعة الاختلاطية
السؤال: عندنا بعض السلفيين قد عرفوا الدعوة السلفية سنة أو سنتين أو أكثر وهم مع ذلك ما زالوا يدرسون في الجامعات الاختلاطية ويلبسون البناطيل، ويقولون: إن هذا من باب الأخذ بأخف الضررين؛ حيث أن ترك الدراسة سبب لعقوق الوالدين، ومعلوم أن ضرر لبس البناطيل، والدراسة الاختلاطية أخف من عقوق الوالدين، ما هو صحة هذا الكلام، وجزاكم الله خيرًا؟
__________
(1) عن أبي هريرة رواه البخاري (64028)، ومسلم (2689).
(2) أخرجه أحمد (5/236). وهو في ”الصحيح المسند“ (2/196).(1/34)
الجواب: هذا الكلام ما هو صحيح أنهم يدرسون في الجامعات الاختلاطية ويلبسون لباس الكافرين ويقولون: أطيعوا بذلك آباءكم, ما هو صحيح، فالنبي ? يقول: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، ويقول النبي ?: «إنما الطاعة في المعروف»، وربنا عز وجل يقول: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:15]؛ فالواجب على الوالدين وعلى الأبناء وعلى الجميع تحري طاعة الله سبحانه وتعالى ومن أمر بمعصية فلا يطاع عليه
كائنًا من كان، فهذا الاستحسان مذلَّة، ابتعدوا عن هذه الاستحسانات وعن ارتكاب المعاصي تحت هذه المعاذير، قال تعالى: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].
الأسئلة الإندونيسية (2 رمضان 1424هـ)
ثبوت كتاب ”الكبائر“ للذهبي رحمه الله
السؤال: هل كتاب ”الكبائر“ للإمام الذهبي ثابت عنه أم لم يثبت عنه، فقد رأينا من يقول بعدم ثبوته عنه؟
الجواب: ابن كثير رحمه الله تعالى من تلاميذ الإمام الذهبي وقد أثبت كتاب ”الكبائر“ للذهبي، قال رحمه الله تعالى عند تفسير قول الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31]: ولشيخنا الحافظ الذهبي : كتاب في ”الكبائر“ جمع فيه أكثر من سبعين كبيرة؛ فكتاب ”الكبائر“ للذهبي ثابت لهذا النص من تلميذ من تلاميذ الذهبي، فللذهبي كتاب في ”الكبائر“ جمع فيه ذلك القدر والذي موجود عندنا هل هُوَ هُو أم غيره؟ فالله أعلم.
الأسئلة الصومالية
إقامة المحاضرة في مسجد الجامعة الاختلاطية(1/35)
السؤال: ما حكم إلقاء المحاضرة في مسجد الجامعة الاختلاطية، علمًا بأن المحاضر والمحاضرين من السلفيين؟
الجواب: إن اجتمع أهل السنة في ذلك الموضع الذي لا اختلاط فيه بين الرجال
والنساء، أو حضر بعض العوام، أو بعض الناس، فاستمعوا معهم في ذلك الموضع باعتباره فسيحا سواء كان في ذلك الموضع، أو في حدبة من الحدب؛ فلهم أن يحاضروا فيها، ما لم يكن اختلاطًا.
الأسئلة الماليزية
حكم إقامة الدورات في الجامعات والمدارس
السؤال: ما حكم إقامة الدورات العلمية بالجامعات والمدارس المختلطة مدة شهر أو أكثر أو أقل، علمًا بأن كثيرًا منا لا يعرف السلفية إلا من هذه الطريقة، وهذه الدورة ليست مختلطة، وأيضًا تلك الأماكن يتناوب فيها جميع الأحزاب لإقامة دوراتهم، إن كان باطلًا فماذا المخرج، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: إقامة هذه الدورات في المدارس المختلطة إن كان في وقت اختلاط الرجال والنساء فيها فهي دورات اختلاطية، وسبق الكلام على خطر الاختلاط، وإن كان ذلك المقر يعني أنه فترة من الفترات درس فيها اختلاطًا غير أن إقامة إخواننا السلفيين الدروس في ذلك الموضع في وقت لا اختلاط فيه بالنساء، فمثلا تكون النساء يدرسن في ذلك الموضع في النهار والسلفيون يقيمونها في الليل ما في نساء في ذلك الوقت ما في مانع والعبرة بالاختلاط، وليس بمكان الاختلاط؛ فإن كانوا يختلطون في حال الدورة وأنهم يجتمعون فيها الحابل والنابل، والسني والحزبي، والرجال والنساء، وما إلى ذلك فيقيم أهل السنة دورتهم إما في مساجدهم وإما في مدارسهم الخاصة، ويستغنون عن هذا التجميع وهذه اللفلفة، وهذا التخليط، وقد بلغت الدعوة السلفية ومحبة الدعوة السلفية عند الناس لمن أراد الله له خيرًًا القاصي والداني، من أراد له الخير سيعرف، ولمناسبة هذه القصيدة للموضوع نذكرها هنا للفائدة، وهي بعنوان:
الآدَابُ والدُّرَرُ لِطُلَّابِ العِلْمِ وَالأَثَرِ(1/36)
الحمد لله الإله الخالق ... الواسع الفضل العظيم الرازق
مَنْ في كتابه العزيز رفعا ... مقدار أهل العلم والعلم معا
فما تراه من ثناءِ المولى ... أو عبده فهمْ به همْ أولى
هم المراد فيهم جاء الثنا ... نور الدياجي ليس ذاك بالمنى
وبعد فاعلم يا أُخيَّ في الطلبْ ... بأننا في حاجةٍ إلى الأدبْ
طالعت يومًا في رسالة النُّبذ(1) ... كعسلٍ ألفيتها بل وألذّْ
طالعتها صبحًا على اهتمام ... فتمَّ ذا النظمُ إلى المنامِ
فالحمد لله الذي أعانا ... وسهّل النظم لنا فلانا
يا طالب العلم الشريف والأثر ... دونك آدابًا تساق كالدرر
فأول الآداب إخلاص الطلبْ ... لمن يجازي فاعلًا بما كسبْ
فأصلح النيّة وادعُ المولى ... أولى لمن أغفل ذا فأولى
واسعَ فمفتاح العلوم التقوى ... سير الفتى بدونها لا يقوى
بها النجاة والعلى والمخرجُ ... والنور والفرقان حقٌّ أبلجُ
لا تطفئن النور بالمعاصي ... كم أنزلت قومًا من الصياصي
وأجمع الهمة والإراده ... في طلب العلم تر السعادهْ
لا تسع فيه لتجاري العلما ... أو للمرا أو رفعةٍ ذاك عمى
لا تعجزنْ يومًا ودعْ عنك الكسل ... وسر فمن سار على الدرب وصل
واحرص أُخيَّ أن تكون فهما ... مجالسًا مشافهًا للعلما
فتستفيد العلم منهم والأدبْ ... والسمت ثم الاختصار في الطلب
وأن يكون عالمًا ذا سنهْ ... هذا من الله عليك منّهْ
واسمع لنصح السلف الإباء ... بهجرهم مجالس الأهواء
لا خير فيها بل تلاقي الشرّا ... تحت الرماد يدفنون الجمرا
إياك والكير فتؤذى بالشررْ ... قد صحّ في ذا عن نبينا الخبرْ
والتمس العلم لدى الأكابر ... أهل الرسوخ وانأَ عن أصاغر
حدُّ الكبير علمُ فهمٍ تؤدهْ ... ذاك الذي كبّرهُ وسوّده
حد الصغير سعيهُ بعد الردى ... وإن على عارضه الشيبُ بدا
تراه دومًا يجهل الأمورا ... في طيشه مسارعًا مغرورا
كما أتى في صفة الخوارج ... حداثة سفاهةٌ في الخارجي
وارحل لأخذ العلم في الأقطار ... وسارعنّ جدَّ في الأسفار
وبرّ والديك واعرف لهما ... حقَّهما كن لهما مكرِّما
__________
(1) رسالة: ”النبذ في آداب طلب العلم“ للأخ حمد العثمانِ.(1/37)
واعلم بأن العلم إن أعطيتهُ ... ساعات عمر المرء ما أدركتهُ
فخذ من العلوم ما تطيقُ ... لا ينقطعْ في سيرك الطريقُ
فالعلم بحر جامعٌ ما أو سعه ... فأحسن الإيغال في تلك السعهْ
فاحرص على تدرُّج يا مبتدي ... في ذي الفنون إن أردت تهتدي
بغير ذا تخبط خبط الأعشى ... ترى السنين مسرعات الممشى
لم تستفدْ فيها كبير فائدهْ ... فلْتستفق لكي تحوز العائدهْ
وطالعنّ في علوم شتى ... ثم اختصصْ ولا تكن مُنبتّا
وفي التخصص اضبط القواعدا ... قبل التفاريع لكي تساعدا
واهتمّ بالتوحيد والقرآنِ ... والفقه تعددْ من ذوي الإتقانِ
ملاكُ ذاك عندنا التفرُّغُ ... في فترةٍ ترى الصغير ينبغُ
إن الفراغ نعمةٌ فيها غُبن ... والصحةِ الكثيرُ من إنسٍ وجنْ
فأفرغ القلب عن الشواغل ... وانأَ عن الجدالِ والمشاكل
ولْتسلكنّ في الطريق التؤده ... مع الوقار بخطىً مسدّدهْ
واحذر من الإغراق في الدقائق ... من غير إلمامٍ بأصلٍ رائق
وكن خبيرًا باصطلاح العلما ... ولتقف فيه ما اقتفوا والتزما
والحفظ منك أو لِهِ اهتماما ... لكي تُعدَّيا أخي إماما
قد أنشدوا ذاك فلم يلاموا ... فاحفظ فكل حافظٍ إمام
واحسن أُخَيَّ في انتقا المحفوظِ ... لكي تُعدَّ من ذوي الحظوظِ
ومَسِّكَنَّ بالكتاب والسننْ ... واعلم بأن ذاك أعظم المننْ
وافهمهما فهم الذين قد مضوا ... من الخيار وارتضِ الذي ارتضوا
وجانب القول بلا برهانِ ... والرأي واترك زمرة الشيطانِ
وسلْ أولى العلم سؤال منتفعْ ... لا ساخرٍ مغالطٍ أو مبتدعْ
إياك أن تردّ بالرأي الخبر ... فوق الرءوس ما أتانا والبصر
واحرص على الذي به تنتفعُ ... من العلوم وسواهُ يُدْفعُ
ففرّ من علوم الاعجاز ومنْ ... علم الكلام وهو بالجهل قَمِنْ
فلسفة سحرٌ وعقلٌ منطقُ ... على البليد ذي العلوم تنفق
ولتعن أو لًا بذا القرآنِ ... حفظًا تدبرًا مع الإمعانِ
فيه الهدى والخير والشفاءُ ... مباركٌ لدائنا دواءُ
وأَحْيينَّ العلمَ بالمذاكرهْ ... واقض به الأوقات والمسامرهْ
واحرص على تقييدك الفوائدا ... وجمعك المسائلَ الشواردا(1/38)
واعلم بأن العلم حاز الفضلا ... قد فاق عند الأكثرين النفلا
لأن نفع العلم شاملٌ ولا ... كذاك نفلُ من أتى تنفُّلا
لا يعني ذا تحقيرنا عبادهْ ... ما أحسن العلم مع العبادهْ
وحلِّ علمًا حزته بالعمل ... فالفعل للمعلوم خير الحُللِ
إياك أن ترى خطيبًا واعظا ... تحذر الناسَ جحيمًا ولظى
وأنت عن قولك ذا بمعزلِ ... فيا أُخيّ شمرنْ لا تكسل
وكن نبيهًا جامعًا للحكم ... كم يفتح الله بها من صمم
إياك والشذوذ في الأقوالِ ... كن للشذوذ مبغضًا وقالي
واعلم بأن النفس مثل الراحلهْ ... إن أُجهدتْ بُتَّتْ وكانت عاطلهْ
فسايس النفس وعُذْ من شرها ... وأعطها حقًّا لها بقدرها
وأحضر الذهن وحُزْ قدرًا سما ... لا تَتْبعنَّ رخصًا للعلما
بالعدلِ والإحسان والإنصاف ... تزيننْ تكن سليمًا صافي
وانأَ عن الإجحاف والتقليد ... لا تفعلنَّ فعلة البليدِ
ولتستعِنْ بفهم أهل العلم ... واعرف لهم جهو دهم في الفهمِ
واحفظ مع الشيخ المربي الأدبا ... واعرف له حقًا عظيمًا رتبا
وأحسن سؤال للشيخ وكن ... مراعيًا حال ارتياحٍ وسكن
فلا ينال العلم مستحي ولا ... مَنْ فيه كبرٌ قال ذاك النبلا
ولا تسل شيخًا لدى انزعاجِ ... أو غضبٍ أو خلطة المزاجِ
هذا هو الأولى ولا تستكثر ... من سؤال يا أُخَيّ تضجر
واردد إلى المحكم ما تشابها ... من النصوص تُدْركِ الخفا بها
وأنزل الناس المنازل التي ... لهم بلاميلٍ بل الحقَّ اثبتِ
وكن فقيهًا باختلاف الناسِ ... وعاملًا بالحق والقسطاسِ
واستفرغ الوسع في الاستدلال ... ثم اعتقد لا تعكسنْ مقالي
وإن طرحت الحكم يومًا نقِّح ... لا تكتفي بطرحه بل رجّحِ
إلا إذا كان الصواب لم يَضِحْ ... لعالم لقوةٍ هنا يصحّ
ولنصوص الوحي دأوم النظرْ ... يفتح عليك ربنا تلق الظفرْ
لا تَتْبعنَّ سيرة المجادلِ ... تلفى ألدَّ خصمًا بالباطل
مما ينمي فطنة الألباب ... مذاكراتُ صفوة الأصحاب
واحرص على اقتناء خير الكُتْبِ ... تجد بها نفعًا أتى عن قُرْبِ
أفضلها ما كان للأئمه ... ممن خلوا وأمسكوا الأزمهْ
ويستفادُ من كتاب الآخر ... إن سار وفق سير شيخٍ غابرِ(1/39)
وقل لما تجهله لا أدري ... مع ارتياحٍ وانشراح الصدر
ولتستفدْ من جهلك الإجابهْ ... الجدَّ والخضوع والإنابه
ولا تقلْ فيه كأنَّ أو لعلّ ... حتى يقال يا لهذا من بطلْ
واحذر تسرعًا وجانب الغلطْ ... على أئمة الهدى أهل الوسطْ
ولو رأيت حاجةً لذكر ما ... حباك ربي من علوم أقدما
وإن نفيت الشيء يومًا فلتقلْ ... هذا على الذي له علمي اشتملْ
لا تطلق النفي لعله ثبتْ ... إلا إذا نقلتَ عن بحرٍ ثبتْ
واسع أخي لنشرك العلوما ... لكل محتاجٍ لها عموما
وأحسن العرض لها مستبشرا ... لا تمنن الشيء به مستكثرا
والزم لدى الخطاب أحسن الكلم ... واترك لفيظات الحيارى والعَجَمْ
واحذر من الإغراب في الألفاظ ... تظنُّ فينا خطبا عكاظ
واستعمل السهل الذي يُستقربُ ... إياك والوحشيّ ما يستغربُ
واعزُ العلوم للذي أفادكا ... واحذر تشبعًا بغير مالكا
ودلّ طالبًا على أهل الهدى ... أشر عليه بالرشاد لا الردى
وناصحِ المخطئ واقصد نفعه ... لا فضحه وثلْبهُ وجَدْعَهُ
فإن يَعُدْ فذاك ما ننادي ... وإن أبى بُيّنَ للعباد
وارجع أخي إذا وقعت في الغلطْ ... إن الرجوع للصواب يغتبطْ
لا يحمِلَنْكَ الكبر والشيطانُ ... على العتو وادعُ يا رحمانُ
وشأو رنْ لا تنفرد بالرأي ... تلفى وحيدًا خارجًا في النأي
ولا تسلْ على العلوم أجرا ... من ربك اطلب الجزا والشكرا
وراعِ حق الجار والزميل ... وأحسننَّ في انتقا الخليل
خليلُ صدق عندنا كالجوهره ... بل لا تساو يه كنوز نيّرهْ
فارفق به واحتمل العثارا ... من ذا الذي لم يحمل الغبارا
واحذر أخي الأسقام مثل الحسدِ ... تنخر في قلبك لا في الجسدِ
والعجب والرياء والغرور ... والخيلا وسائرِ الشرور
ونافسنْ وسارعنْ في الطلب ... واستبق الخير وشمّر تُصبِ
لا يحْقر الطالب قطّ نفسهُ ... ومَنْ يحقّرْها فذاك السفهُ
واحرص على تزكيةٍ للنفس ... كحرص زارعٍ نماء الغرسِ
وإن عراك يا أخي الفتورُ ... فاضرعْ إلى إلهنا الغفورُ
وكن ملازمًا للاستغفار ... بالليل والنهار والأسحارِ
لا تلتفت يومًا إلى المثّبط ... وجدّ واصبر واستمر واربطِ(1/40)
واسمع إلى قولٍ شهيرٍ في القرى ... عند الصباح يحمد القومُ السُّرى
ما أنت فيه نعمة الوهّاب ... فاحمده أن كنت من الطلابِ
واحذر أيا شيخي ويا ذا الطالبُ ... ممَّن أتى تجسُّسًا يراقبُ
فحقُّه الصكُّ له والصفعُ ... على القفا وركضه والدفْعُ
فليربعوا على النفوس إنّا ... باطِنُنا ما قد رأوا ودِنَّا
دعوتنا طاهرةٌ نقيهْ ... ظاهرةٌ معطارةٌ زكيهْ
إن قال قائل أخي إلى متى ... تروي الحديث والعلوم يا فتى
فقل له إنا مع ذي المحبرهْ ... حتى يسير نعشنا للمقبره
إن قال أين يا أخي المستقبلُ ... فقل له العلم فمن ذا يعقلُ
وهذه خاتمة الآداب ... أزفُّها لخيرةِ الطلابِ
والعجز والتفريط والتقصير ... ذا حاصلٌ وكلنا فقيرُ
فخذ بنصحي واتركن فعالي ... فإنني أرجو الكريم الوالي
نظمها: أبو عبد الرحمن/فتح بن عبد الحافظ
ابن إسماعيل بن محمد القدسي
دار الحديث بدماج (20/6/1426) هـ
الأسئلة السلفية الإندونيسية (2 رمضان 1424هـ)
المنهج والدعوة
وسائل الدعوة توقيفية
السؤال: هل وسائل الدعوة توقيفية، أم أنها اجتهادية؟
الجواب: وسائل الدعوة توقيفية، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا} [الحشر:7]، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]، وقال رسول الله ص: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك»، وقال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، فالدعوة إلى الله عبادة، والعبادة توقيفية، يسلك في وسائل الدعوة سبيل رسول الله ص وتعامل رسول الله ص مع القريب والبعيد، ومع العدو والحميم.
الأسئلة الصومالية
حكم إقامة المؤسسة والجمعية للدعوة(1/41)
السؤال: ما حكم إقامة المؤسسة أو الجمعية للدعوة السلفية، لان بلادنا لو لم تقم هذه المؤسسة أو الجمعية لم يلتفت إليها الناس بل قد يتهمونها دعوة ضلالة، فقد أقامها بعض الدعاة لأجل هذه، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: أقول لك يا أخي، دَرِّسْ في المسجد، ومن أتاك على الخير والسنة ولو بقى معك عشرة أنت تعتبر رابحًا، والله، لأن يأتيك عشرة أشخاص، وتعلمهم كتاب الله وسنة رسولهص، ويخرجون دعاة إلى الله؛ فإنك رابح، ودعك من الكثرة(1/42)
واللفلفة، والتقميش من هنا، ومن هناك، العامة يقولون، العامة يريدون، والعامة يحبون، والعامة يا أخي، بحاجة إلى التوجيه هم أنفسهم فما يسيرونك؛ بل أنت تبين لهم أن الدراسة في المسجد أفضل، وأننا لسنا بحاجة إلى الجمعيات؛ فإن هذه الجمعيات لا تأتي الناس إلا بالدبور، والانتكاس، والفرقة، والتمزق، والشرذمة؛ لأنها مبنية على عديد من المعاصي، والمعاصي لا تأتي بخير: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ» إي والله، مقتضاها كان عند رسول الله ص، عثمان بن عفان ا كان من الأثرياء وعبد بن عوف كان من الأثرياء وأبو طلحة صار بعد ذلك من الأثرياء، وجملة من الأثرياء من أصحاب النبي ص، وعندهم أصحاب الصفة إن أُتِيَ النبيُّ ص بصدقة بعث إليهم، وإن أُتِيَ بهدية أخذ منها وأعطاهم، وكان يأتيه الضيف فيرسل إلى أبياته ما يجد شيئًا إلا الماء، كُلُّ واحدة تقول له: والله، ما عندي إلا ماء، فبعد ذلك يقول: «من يضيف ضيف رسول الله؟»، فيأخذه بعض أصحابه فيطعمه طعام الصبية، الحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة، البخاري (4889)، ومسلم (2054)، فلا يتهيب أحدكم من كلمة الحق يقولها، والله هذه الجمعيات ما أتت من رسول الله ص، ما أتت إلا من عند أولئك الذين يستحسنون في دينهم وما عندهم في دينهم شرع يمشون عليه، فلهذا أتوا بأشياء يسيرون عليها، جمعية اليونيسيف، وجمعية كذا وجمعية كذا، أما نحن المسلمون؛ فديننا فيه الرحمة، ديننا فيه الحق، وإعطاء كل ذي حَقٍّ حَقَّه: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» من حديث أبي موسى الأشعري ا رواه البخاري (481) ومسلم (2585) «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد» من حديث النعمان بن بشيرب أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586).
ديننا فيه زكاة، وفيه صدقة، وفيه بر الوالدين، وحق الجوار، وحق الأخ على أخيه، وفيه إكرام الضيف، فما نحتاج إلى جمعية، نسير على ما سار عليه أسلافنا رحمهم الله.(1/43)
الأسئلة السلفية الإندونيسية (26جمادي الثانية 1424هـ)
التبرعات في جمع الأموال لطلبة العلم الصغار
السؤال: عندنا مدرسة صغيرة فيها طلاب صغار من الذكور والإناث أعمارهم بين خمسة سنين إلى اثنتي عشر سنة، وهم من أبناء السلفيين ومدرسهم خارج من الجامعة الإسلامية والتدريس يكون في موضع واحد مع الستر والحجاب بين الطلبة علما بأن هذه المدرسة ليس لها تعلق بالحكومة وأسئلتنا هي: هل يجوز لنا أن نجمع التبرعات من الإخوة السلفيين خاصة لرعاية هذه المدرسة الوحيدة عندنا، وجزاكم الله خيرا؟
الجواب: فيما يتعلق بالدراسة وهم صغار من وراء الحجاب بحيث ما فيه اختلاط بين الأولاد وبين البنات لا في الخروج ولا في الدخول، وكل على حدة، وإذا كان عند الدخول والخروج فيه اختلاط؛ فلا يصلح، إلا إذا كان من وراء حجاب بحيث ما فيه اختلاط بين الأبناء والبنات ولا يراهنَّ المدرِّس البتة فلا بأس، وكم من البنات تتزوج وعمرها اثنا عشر سنة، وحتى لو كُنَّ صغارًا ما ينصح بذلك، هو سلّم للفتنة، ومن التعود على المنكر، فإذا حصل من وراء الحجاب، بحيث لا تحصل الفتنة بين الأولاد وبين البنات أمر طيب، يدرّس المدرس عبر مكبرات الصوت يسمعهم من وراء حجاب، وبدون فتنة بين هؤلاء وهؤلاء، فله هذا.(1/44)
والأمر الثاني من أراد خيرًا وتبرع بالخير جزاه الله خيرا، وأما تمشي بين الناس عندنا مدرسة تعلم فيها كذا فتبرعوا وتعاونوا فيبتعد عن هذا، والحريص على الخير سيوفقه الله له، قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ*لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21 22]، وقال تعالى: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8] الذي يريده الله يتمه، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154]، وقال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْد} [الروم:4] وقال سبحانه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ٌ} [آل عمران:26].
فهذا هو حاصله أنه لا يتعب نفسه ولا يهين نفسه ولا يذل نفسه بجمع التبرعات، وإنما يمكن أن يدل الناس على الخير الموجود، مثلًا: الحث على العلم، وفضل العلم وما إلى ذلك، والناس إن تعاونوا من أنفسهم في مواصلة ذلك الخير؛ فالحمد لله.
الأسئلة الماليزية
هل التبرعات من أساليب الحزبية؟
السؤال: هل التبرعات أسلو ب من أساليب الحزبية مطلقًا، أم فيه تفصيل؟
الجواب: التبرعات تعني بها الصدقة؟ أم تلك الصناديق ومنها تلك الجمعيات؟ فإننا ننصح بالبعد عن تلك الصناديق, فإنها لم تكن موجودة في زمن النبي ?. والجمعيات أردى وأشر وأدهى وأمر, فرقت المسلمين وضيعت دعوة أهل السنة، الواقع أنها دسسية وضعت للتحزب والشرذمة, خير الهدي هدي رسول الله ص، قدم أناس من مضر عراة مجتابوا النمار, متقلدوا السيوف, عامتهم من مضر؛ بل كلهم من مضر، فلما رأى النبي ? ما بهم من الحاجة, أمر بلالًا فأذن(1/45)
وأقام فصلى، ثم خطب فحث الناس على إعطائهم, فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل د عجزت, ثم تتبع الناس حتى رأى وهو جرير بن عبدالله ب كومين من طعام وثياب، فقال رسول الله ص: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء» الحديث, وهو حديث صحيح أخرجه مسلم :.(1)
أما هذه المسائل التي يفعلها الناس من الصناديق وتطوروا إلى الجمعيات, وتعلموا بعض الأدلة، مثل قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]، وقوله: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77]، وقوله: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ} [المزمل:20]، قد حفظ هذه الآيات, يكون قد جهزوها, وأخذ عليها الراتب راتب التجميع, ويمر على صفوف المصلين بعلبته ويكرر على الناس هذه الآيات، يجتنب هذا.
الأسئلة الإندونيسية
تدوير الصندوق أو فرش العمامة لجمع المال
السؤال: مجموعة من الإخوة السلفيين يقومون بتربية الأطفال كتعليم القرآن وغيره وبنوا مسكنًا خاصًا لهم يسكنون فيه ويدرسون فيه، وفيه من يشرفه عليهم من الأخوة والأولاد منفصلون عن أو ليائهم، ثم إذا جاء آباءهم أو غيرهم من الأولياء، أو الزائرون قام رجل من الإخوة لتدوير الصندوق أو فرش العمامة لجمع المال على حسب طاقتهم من غير تحديد، بحجة أن ذلك المال لمصلحة أولادهم، فما رأيكم بهذا الفعل؟ وليعلم أن المساجد عندنا لا تسمح لأحد من الوهابيين أن يدرس فيه. وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: وهذا الذي ندندن عليه أنه لا ينبغي، قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة:23]، وصاحب الخير إذا كان عنده خير سيعطي بدون تدوير الصندوق، أو تفرش لهم العمامة وبدون أن تعمل إعلانًا.
__________
(1) عن جرير بن عبد الله البجلي ا أخرجه مسلم (1017).(1/46)
فننصح الإخوان بترك هذا ويدرسون إخوانهم، وسيجعل الله سبحانه من يتعاون معهم، والله إذا أراد شيئًا يقول له كن فيكون، قال تعالى: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:8]، وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] نعم، مع الحرص على الدعوة واستفادة الناس، ولكن ما تعمل ما يخالف الدليل من أجل أن الناس يقبلون، أو ينتفعون، ولو بقي عندك القليل ويجعل الله فيهم البركة على السنة.
الأسئلة الماليزية) 26 جمادي الثانية 1424هـ )
إياكم والجمعيات
السؤال: عندنا في هذا المعهد بعض الأمور المهمة المتعلقة بالدعوة السلفية في البلاد وربما نحتاج إلى أشياء يصعب حصولها إلا بالنقود، فهل يجوز لنا أن نشجعهم على الإنفاق، أو نأخذه منهم بعض الأموال بدون تقدير معين لهذا الغرض؟
الجواب: لكم أن تحثوا على فعل الخير في خطبة عامة كما فعل النبي ص في قضية مضر أنه لما جاء أناس مُجْتَابِوا النِّمَار، مُتَقَلِّدوا السيوف، فحث النبي ص على التبرع لهم(1)، وإياكم أن تكون لكم مثل تلك الجمعيات المخالفات أو تلك الصناديق التي عليها الحزبيون، ابتعدوا عن هذا.
الأسئلة الماليزية
الرد على من أباح الجمعيات بفعل الشيخ
ابن باز رحمه الله
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ص تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
__________
(1) 11) الحديث أخرجه مسلم (1017) من حديث أبي عمرو جرير بن عبد الله ا.(1/47)
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو معْرُوفٍ أو إصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس} [النساء: من الآية114] ويقول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أو لِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71]، ففي الآية الأولى أن الخير منتزع من كثير من الناس واستثني من ذلك من أمر بالمعروف وأمر بالصدقة، وسواء كانت واجبة أو مستحبة؛ فالأمر الأمر بالصدقة مأمور به شرعًا في كتاب الله وسنة رسول الله ص كما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي ا قال جاء وفد من مضر مجتاب لمار متقلد للسيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر ٍ فخرج النبي ص وأمر بلالًا، فنادى بالصلاة، ثم حث الناس على التصدق على أولئك المحاويج العراة. تصدق رجل من ديناره ومن درهمه ومن صاع بره من صاع إلى آخره. فتتابع الناس. قام رجل وأتى بصرة كادت يده أن تعجز عنها بل قد أعجزت وتتابع الناس بعد ذلك الرجل في الصدقة، تتابعوا على الصدقة على أولئك المحاويج حتى اجتمع شيء من الطعام فقال النبي ص: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، القرآن لا ينكر الحث على الصدقة، بل يحث عليها، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ.(1/48)
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}[سورة الماعون]، فعدم الحث على إطعام المسكين وعلى إخراج الصدقة ما يجوز، الواجب الحث على ذلك، قال تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} إلى قوله: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ*فَكُّ رَقَبَةٍ*أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ*يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ*أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:1 16]، ففي هذه الأدلة وفي غيرها كثير بيان من الله سبحانه وتعالى وبيان من رسول الله ص على شرعية التعاطف والتعاون والتراحم، وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير ب: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتك منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وفيهما من حديث أبي موسى ا: «المؤمن للمؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، وَحَثَّ رسول الله ص على المواساة بين الجوار، فقال: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقةً فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك»، وَحَثَّ ربنا سبحانه وتعالى على حقوق الوالدين، وحقوق الأرحام، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 24]، وهكذا تتوالى الأدلة في ثنائه على الأشعريين لما عندهم من العطف والتراحم والإيثار.(1/49)
قال النبي ص: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو جمعوا ما عندهم في إناء واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسوية فهم مني وأنا منهم»، وهذا ثناء عظيم، وأثنى الله سبحانه وتعالى على أهل الإيثار، فقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك هُمُ الصَّادِقُونَ*وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أو تُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9-8]، وقال النبي ص: «الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به كاملا موفورا طيبة بها نفسه أحد المتصدقين» أخرجاه عن أبي موسى الأشعري ا، وفي الصحيحين حديث أبي هريرة ا أن النبي ص قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، وقد انقلب في بعض الروايات أن الشمال هي المنفقة، وقال النبي ص: «يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تُمْسِكْ شَرٌّ لك، ولا تلام على الكفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى». هذه الأدلة ذكرناها بيانا لهذه المسألة؛ فإنَّ من الناس من يزعم أن هذه المسألة فقهها وفهمها يعجز عنها أهل العلم إلا إياهم ويقول: نحن نكفل الأيتام والنبي ص يقول: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين»، ويقول: «القائم على الأرملة، والمسكين كالصائم الذي لا يفطر».(1/50)
وحفر الآبار، والصدقات الجارية مرغب فيها، روى مسلم أن النبي ص قال: «إذا مات إنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، وما إلى ذلك من الأدلة التي يضعونها في غير موضعها، ويفهمونها على غير مدلولها، ويستدلون بها على البدعة، وعلى المحرمات، والتسولات، والربا،وتضييع الشباب، وعلى محاربة أهل الحق بتلك الأموال وأنت تعلم أن تحالق على الدنيا يؤدي إلى مفاسد وفي هذه الأزمنة أشتد المتهالكون على الدنيا وحطامها ومطامها تحت ستار الدعوة وتحت ستار ما ذكرناه آنفا من الكفالة والحفر وبناء المساجد وما إلى ذلك؛ فأهل الجمعيات فُتِنوا بالدنيا وفُتِنوا بالمال، ولكن يا إخوان، هؤلاء تحت دعاية العلم وتحت دعاية نفع المسلمين، ومن حديث محمود ابن لبيد عند الإمام أحمد في ”مسنده“ بسند حسن أن النبي ص قال: «اثنتان يكرههما ابن آدم وهما خير له، يكره الموت والموت خير له من الفتنة ويكره قلة المال وقلة المال أقل عند الحساب». ومن حديث كعب بن عياض ا في ”الصحيح المسند“ لشيخنا : أن النبي ص قال: «لكل أمة فتنة وفتنة أمتي مال»، وقال النبي ص: «إن الدنيا حلو ة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أو ل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء». نحن مأمورون باتقاء الدنيا فإنها فَتَنَتْ أُنَاسًا فتنة، وهذا مما خافه علينا رسول الله، فقال: «إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها»، وإن الافتتان بالدنيا يُصَيِّرُ حاملَ القرآن، أو حامل العلم مثل الكلب.(1/51)
نص على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوينَ*وَلو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أو تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 176]، ومن أسباب فتنة بني إسرائيل المال، والنساء حتى هلكوا، قال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75] هل التحريف الذي فعلوه من أجل الدنيا؟ بيّنه قوله سبحانه وتعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولون هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:79] توعدهم الله بِوَيْلَيْنِ، الويل الأول بسبب كسب أيديهم من الحرام، والثاني: بسبب تحريفهم للقرآن، وكذبهم على الله أنه من عنده عز وجل، وتحريف القرآن والعبث بالقرآن على حساب الدنيا ومن أجلها، والويل الثاني: على كتابتهم الباطلة التي كتبوها وعبثوا فيها بكتاب الله من أجل الدنيا، والويل: هو العذاب، جاء أنه واد في جهنم ولم يثبت ذلك كما في ”تفسير ابن كثير“ ألا فليتق الله أصحاب هذه الجمعيات في أنفسهم ولا يتمادى بهم الباطل ويزين لهم الشيطان ويزخرف لهم ما هم فيه من العملات الصعبة التي تسولوها وجندوا أنفسهم لها فإن هذا المال الذي يأخذونه ويحتالون له ويجمعونه وتراهم في رمضان مثل المجانين بعد الدنيا: (مرحبًا يا رمضان) كل ذلك(1/52)
من أجل جمع الأموال، وإفطار الصائم، وأيضا كفالة اليتيم في شهر كذا، وكفالة المدرس في شهر كذا، وأكاذيب وتحويلات وملفات وإهانة للعلم إن كان عندهم علم، وإهانة للسنة إن بقيت عندهم سنة، من أجل الدنيا أين العزة؟! عزة المؤمن التي تجعله كما كان أولئك الصحابة رضوان الله عليهم إذا سقط سوط أحدهم لا يقول لأخيه: ناولني ولكن ينزل فيأخذه ثم يصعد كما في حديث عوف. أدبهم رسول الله ص وهذبهم على هذه الآداب العظيمة النبيلة على العفة. اجتمع جماعة عند النبي ص وقال: «ألا تبايعون» قالوا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعه؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشرك به شيئا ولا تسألون الناس شيئا». أحدهم سقط سوطه ما يقول نأو لني، وقال من تكفلني أن لا يسأل الناس شيئا فله الجنة فقال ثوبان: أنا فكان لا يسأل الناس شيئا ثم من مهد دعوته من مكة وهو يدعو الناس إلى العفة كما في الصحيحين من حديث أبي سفيان ا أنه لما لقيه هرقل وقال: ما يأمركم؟ قال يقول: «اعبدوا الله لا تشرك به شيئا واتركوا ما يقول أباؤكم»، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والسلاح. يا أيها الناس تعفوا فإن الله عز وجل وجل ضامن للعفيف أن يعفه، قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه} [النور: من الآية33] العفة طريق الغناء قال النبي ص حين سأله أناس قال: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم»، وقال: «ومن يستغن يغنيه الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر».(1/53)
هذا واجب على كل المسلمين أن يأخذوا هدي رسول الله ص في هذا وفي غيره وأن يستفيد آداب رسول الله ص التي أَدَّبَ أصحابَه وَأَدَّبَنَا جميعًا، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] شجرة بينهم اختلفوا، يحكمون الكتاب والسنة في كل صغيرة وكبيرة ودقيقة وجليلة، ولقد قامت هذه الجمعيات على ضعف العفة وعلى التهالك على الدنيا وأسست على عدة محاذير، المحذور الأول: الحزبية، الشيخ بن باز : ما كان عنده حزبية أنتم تلبسون فلم يكن عند الشيخ بن باز جمعية على طريقة جمعيتكم البطالة جمعيتكم المحرمة الحزبية. عنده أناس أهل خير يجلونه ويثقون به وسائر المسلمين في العصر يثقون به إلا من فسدت معلوماته عن هذا الإمام؛ فهو رجل محبوب عليه رحمة الله، التجار والأمراء وغير هؤلاء من أهل الخير من المملكة وخارج المملكة يجلونه، ويجعلون صدقاتهم ليصرفها على مستحقيها، وإذا آت يطلب مالًا قال: أعطه فلانا.(1/54)
هذا هو المعلوم، لم يكن ماله في جمعية من الجمعيات، ولم يكن ماله في بنك من البنوك الربوية، لم يكن يصور تصوير ذوات الأرواح كما في هذه الجمعيات، ولم يكن على ما عليه هؤلاء من الولاء والبراء الضيق لمن كان في صفهم، وسلكهم، نواصب الدعوة السلفية هم أصحاب الجمعيات، والحزبيات، نواصب الدعوة السلفية، ومن أنكر عليهم نصبوا له العداء جمعية الإحسان، وجمعية الإصلاح، وجمعية الحكمة، وجمعية البر، وجمعية إحياء التراث، نواصب الدعوة السلفية، هذه الجمعيات التي نعرفها من أوسع الجمعيات وأشهرها، هُنَاكَ الجمعيات بالمئات لكن هذه الجمعيات كما ترون صاروا نواصب الدعوة السلفية أفمن هذه الجمعيات يتحصل على علم؟ هاتوا عالمًا أخرجته هذه الجمعيات، أبدًا يخرجون حزبيين وجهال، ومتعصبين، وحاقدين على العلم والتعليم والسنة، متسولين، متعاونين على الإثم والعدوان في أداء المال في البنوك، والله يقول: {وَتعاونوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تعاونوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وما تخرج أيضا إلا مساخين للشباب ومن التحق بهم، وقد أفسدت الجمعيات على الدعوة السلفية عددا من الناس، الشيخ رحمة الله عليه عدد من طلابه أفسدته الجمعيات، أفمثل هذه الجمعيات يجوز أن تسند إليها الأموال؟ فلا يجوز صرف الأموال وأداء الزكوات لهذا الجمعيات يبلغ الشاهد الغائب ومن لم يقبل الحق سيندم، يقول تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا*يا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:29 27]، نحن إذ نقول هذا ليس معناه أننا نقول امنعوهم وحولوها إلينا، معاذ الله.(1/55)
نسأل الله أن يغنينا من فضله ولكن إنما نقول هذا نصحا لكم إذ أنكم تضعون أموالكم عبارة عن المحاربة للعلم والتعليم النافع، والسنة الصحيحة وعبارة عن إخراج حركيين في أرض الحرمين، أخرجوا مفجرين لهم رؤوس وأسس قوية جدًّا، لا يستطيع أحد إنكارها، فهي تعتبر مآرزَ حزبية. تأرز إليها الحزبية وتلجأ إليها، وهاتوا لنا حِزْبيًّا ما يلهث بعد هذه الجمعيات، حزبي نزيه عن أموال الناس عفيف عن مطامع الدنيا، أبدًا. من أول دنس الحزبية أن تجعل الحزبي عبارة عن رجل درويش يفكر في اختلاس أموال الناس، ربما ذبحوا عجلًا في المسلخ وصوروا عشرين عجلًا لغيرهم، ويذهبون بتلك العجول على أنهم هم الذين ذبحوها للمحاويج، ويتسولون عليها، وهكذا شغلوا أنفسهم بالكاميرات من تصوير الكباش، وتصوير الدجاج وهذا ماسك الفخذ ويأكل وذال ماسك السكين يسلخ همهم بطونهم، رجال ونساء دراويش، صيروهم دراويش إلا من :، تسولًا عند أبواب السيارات، تقف وهو يمد علبته، الناس يسلمون من صلاة التراويح، أو الجمعة، وأنتم تضعون علبة أمامهم، يحرجون الناس إحراجًا، والنبي ص يقول: «إنهم خيروني بين أن تسألوني بالفحش أو يبخلوني، ولست بباخل»، وتلك القاعدة ما خرج عن وجه الحياء فهو حرام. قاعدة لها أدلتها أن إخراج شيء بإلحاح وإلحاف منكر، نهى الله عنه في كتابه.(1/56)
وهكذا نهى رسول الله ص في السنة، وأولئك لم تحل لهم المسألة؛ لحديث: «يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة حلت له المسألة حتى يصيبها» حمالة في إصلاح بين الناس، أما هؤلاء ربما تحملوا في شراء الدشوش، وفي إفساد الشباب، وفي شراء البساتين، «ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، ورجل أصابته فاقة حلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش وما سوى ذلك يا قبيصة، من المسألة سحت يأكلها صاحبها سحتًا»، السحت: هو الحرام، مَنِ الَّذي سيخرج أصحاب الجمعيات من هذا الحديث وأمثاله، أنهم يأكلون السحت؟ يا قوم، أنتم تأكلون الحرام، وتجمعون الحرام، وتبنون المساجد أيضًا، إذا بنيت لك مسجدًا من ذلك المال فقد بنيته من الحرام الذي اكتسبته من السحت، والله، لو أن عزيزا يُخَيَّرُ بين مال الشعب اليمني كاملًا، وبين أن يصير درويشًا من أصحاب الجمعيات ما طابت نفسه أن يصير درويشًا ومتسولًا، ومرتكبًا لكبيرة من تلك الكبائر التي نهى عنها رسول الله ص وتوعد، وأن المسألة كَدٌّ يكد بها الإنسان وجهه.
من مفاسد الجمعيات والمؤسسات
1- أنها ليست من طريقة السلف الصالح.
2- مشغلة عن طلب العلم.
3- إهانة النفس بالتسولات.
4- التساهل في المعاملة مع البنوك الربوية.
5- الولاء والبراء من أجلها.
6- التساهل في تصوير ذوات الأرواح.
7- الانتخابات.
8- الخيانة في الدعوة والغش فيها.
9- التخوض في مال الله بغير حق.
10- كثرة التنازلات والاستحسانات في الدعوة.
11- ذريعة إلى تفرق الأمة وتشتيتها وتحزيبها.
12- وهي تعتبر فيروسا للدعوة السلفية.
كان ذكر هذه المفاسد بعد العصر (1/ذي القعدة/ 1426هـ).
الجمعية الفلكية في الجزائر
نرجو الإجابة على هذا السؤال: عندنا في الجزائر سلفيون أسسوا جمعية فلكية وهي تابعة للحكومة وفيها من المحاذير ما يلي:(1/57)
} مراسلة الجمعية الفلكية في بلاد الكفار التي تقرر أقوال الفلاسفة والفلكيين والتي منها:
1- إقامة المعارض المختلطة والتي فيها موسيقى وأغاني.
2- دوران الأرض حول الشمس.
3- أعمار الشمس، والقمر، وغيرهما بالسنين الضوئية.
4- الصعود للقمر وغيرها من الأقوال.
5- صور ذوات الأرواح في هذه المعارض وفي المجلات التي عندهم.
6- نشر أفكارهم بين عوام الناس عن طريق جمعيتهم.
قال بعضهم: أنا أعتقد اعتقادا جازما أن الأرض تدور حول الشمس وقد شاهدنا هذا وعندما ذكر له قول الإمام ابن باز :، قال: هو أعمى لم ير ذلك، وإذا قيل لهم: اتصلوا بأهل العلم واسألوهم، تَماطَلوا.
7- خلع الزَّي السلفي، ولبس البنطال.
8- ضعفهم في العلم الشرعي، وهذه بعض ما عندهم فقط.
السؤال: ما حكم هذه الأقوال التي يقررونها بين الناس؟ وما حكم هذه الجمعية وما حكم الاستمرار فيها؟ وكيف يعامل الإخوة هؤلاء بعد النصح لهم؟(1/58)
الجواب: إن هذه الأقوال والأفعال من هؤلاء السلفيين هداهم الله تعتبر زلقات غير يسيرة، ومن تلك الزلقات والشطحات: أنهم يعتمدون أقوال ناس غير موثوقين، وليسوا عدولًا في الأقوال، وقد تقرر بالأدلة كذبهم، وأساس الجمعية وأهداف الجمعية مبني على هذا الاعتماد. والكفار يقول الله سبحانه وتعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أولئك هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة ِ} [البينة:6]، وهذا الذم يشمل ما هم فيه من سوء الحال في الأقوال والأفعال. والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أو لِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هو د:113]، والركون إلى الكفار أنواع، ومنه: الوثوق بأقوالهم، ومن شطحات هؤلاء الإخوان هداهم الله قولهم بأن الأرض تدور حول الشمس، وهذا القول باطل يدفعه القرآن، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثا ً} [النساء:87]، قال ربنا عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:41]، وقد نقل عبد القاهر بن طاهر البغدادي رحمة الله عليه في كتاب ”الفرق بين الفرق“ أن الأرض ثابتة لا تدور إلا لحادثة من زلزلة ونحوها، نقل الإجماع على ذلك.(1/59)
وأعظم من هذه الأقوال قول من يقول: إن الشمس ثابتة والتي تدور حولها هي الأرض، وهذا يؤدي إلى تكذيب القرآن وهو خطير جدًّا، فربنا عز وجل يقول في كتابه الكريم: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} [الزمر: 32]، ويقول سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُم ْ} [محمد: 28]، والله عز وجل يقول: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم ِ} [يس:38 ]، والقرآن نزل بلسان عربي(1/60)
مبين، ومعنى تجري في لسان العرب معروف. وفي الصحيحين عن أبي ذر أن النبي ص قال: «إن الشمس إذا غربت تذهب حتى تسجد تحت العرش»(1)، وقد ذكرنا مضمون ذلك ولله الحمد في ”الصبح الشارق على ضلالات عبد المجيد الزنداني في كتابه المسمى توحيد الخالق“، فالقول بأن الشمس ثابتة، هذا قول كفر، والقائل ينظر في حاله قد يكون جاهلًا وقد يكون مغررًا به، وقلنا بأنه كفر؛ لأنه يرد القرآن، والقول بأن الأرض تدور، هذا القول باطل ما عليه دليل؛ لأن الله يقول إنها لا تزول: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41]. واختراع الكذابين الذين يقولون تدور حول بعضها أيضا ما عليه الدليل، قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا. وَالْجِبَالَ أوتَادًا} [النبأ: 6-7]، ومعناه أن الكون كل يدور والناس ما عندهم بصر هذه يعارض المحسوس والمعقول والملموس والله، يا ذلك العامي صاحب ذلك الحمار أعقل من بعض أصحاب هذه التقريرات التي نشروها على عوام الناس وفهموهم إياها أكثر من تفهيمهم لسورة الفاتحة. قالوا: يا فلان، يقولون إن الأرض تدور قال: والله، هؤلاء كذابون، أنا أربط حماري في هذه الشجرة فيصبح وهو ما زال في الشجرة ما يدور من هذا الجانب وهذا الجانب.
__________
(1) البخاري (3199) ومسلم ( ... ).(1/61)
يا أخي، الناس عندهم فطرة سليمة، عندهم بصر، والكلام الفارغ فارغ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنّ} [الطلاق: 12]، وكلها تدور وتتحرك، وما أبان الله لنا من ذلك شيئًا حتى يأتي هؤلاء منهم من هو يهودي ومنهم من هو نصراني، ومنهم علمانيون، ومنهم ملاحدة، ومنهم الله أعلم بحاله، ويشككون الناس في معتقدهم المبني على كتاب الله وسنة رسوله على أقوال لا دليل عليها، فليتق الله هؤلاء السلفيون الذين بنوا جمعيتهم على هذه الهلوسة، بل قُلْ: على هذا الباطل، ومن الشطحات التي عند هؤلاء الإخوان هداهم الله : أنَّ هذه التنازلات جرّ بعضها إلى بعض آخر، المعاصي يجر بعضها بعضًا، ومن ذلك، الاختلاط، وأدلة تحريم الاختلاط معروفة من كتاب الله وسنة رسول الله ص، النهي عن ذلك لما فيه من الضرر الأكيد. «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». متفق عليه(1)من حديث النعمان بن بشير عن النبي ص، وقال عليه الصلاة والسلام: «إياكم والدخول على النساء» قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت»(2)، فما بالك بغيره؟ ورب العزة يقول: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْالوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلوبِكُمْ وَقُلوبِهِنّ} [الأحزاب: 53]، ويقول سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ} [النور:30 31] والاختلاط يقتضي غالبا النظر ويقتضي المصافحة ويقتضي المحادثة ويقتضي الفتنة ويقتضي التصنع من الطرفين من الرجال والنساء.
__________
(1) أخرجه البخاري ( 2051) ومسلم (1599).
(2) متفق عليه : البخاري (5232) ومسلم (5638) من حديث عقبة بن عامر ا.(1/62)
الرجل يتصنع أمام النساء نسأل الله العافية رياء التصنع، والنساء يتصنعن أمام الرجال تصنعًا في الكلام، تصنعًا في المشي، تصنع كذلك في المحادثة، وفجور من جوانب شتى. وهذه المسألة مبحوثة وأدلتها مذكورة وفيها كتب التحذير من الاختلاط، وإنما ذكرنا إشارة إلى المقصود.
ومن هذه الشطحات: قولهم بعمر الشمس والقمر، ما الدليل على هذا القول؟ وقد قال النبي ص: «حين تدنو الشمس من الرؤوس ألا إن الناس يصيبهم من الكرب والضيق ما لا يطيقون وما لا يحتملون، ويبلغ بهم العرق أي مبلغ»(1).
__________
(1) أشار إلى حديث المقداد بن الأسود ا رواه مسلم (2864).(1/63)
وهذا القائل، كيف سيستطيع الوصول إلى ذلك الموضع؟ ثم يقول: هذه مسافتها. كلام فارغ ما عليه دليل، وهذه المسألة مما ذكرناها في ذلك الموضع، يعني في المبحث المشار إليه. إذا أحب إخواننا أن يرجعوا إلى هذا الكتاب، وكذا صور ذوات الأرواح لغير ما ضرورة ولغير ما إلزام، ما هو الداعي لذلك وموجب لذلك عندهم؟ جمعية فلكية، جمعيةُ دُنْيَا، ما هي من مكاسب شرعية ما دام فيها هذه المحاذير، ولا يقتصرون بهذا على ذواتهم، بل يدعون الناس إلى ذلك، نشر هذا الأفكار على الناس حرام؛ لأنها أفكار مخالفة للأدلة، وما خالف الكتاب والسنة، فهو باطل، قال تعالى: {أو لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51]، {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:43].ومن تلك أيضا المخالفات التنازلات بلباس البناطيل والتشبه بالكافرين بذلك. وهكذا الضعف في العلم والإقبال على الجمعيات. اطلبوا العلم يا إخوان، اتقوا الله. أنا لكم ناصح والله، والله، إن إنسانًا لا يعتني بالعلم أنها تهجم عليه الشهوات والشبهات، وإن إنسانًا لا يجالس أهل الحق والهدى أنه يصير ضحيَّة جلساء السوء سواء أصحاب الجمعيات هذه أو غيرها. وعلى ذلك أدلته كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها. فاطلبوا العلم؛ فمن وفقه الله لطلب العلم فقد وفق لخير كثير؛ ففي الصحيحين من حديث معاوية ا أن النبي ص قال: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله المعطي ولا تزال طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى قيام الساعة»(1).
__________
(1) متفق عليه.(1/64)
هذه نصيحة مختصرة لهؤلاء الإخوان وفقنا الله وإياهم. وإني ذاكر لكم أثر الحسن البصري، وتلك النصيحة العظيمة التي وجهها لأهل السنة، وهو يقول لهم: يا أهل السنة إنكم كنتم أقل الناس في الماضي وأنتم أقل الناس في الآتي......، فحافظوا على سنتكم. وإني ذاكر لكم أيضا أثر الزهري : إذ يقول كما في ”مقدمة سنن الدارمي“ وهو بسند صحيح: أدركنا علماءنا يقولون التمسك بالسنة نجاة والعلم يقبض قبضا سريعا وفي نعش العلم ثبات الدنيا والدين. استفيدوا من كتاب الله وسنة رسوله ص ومن علماء السلف، وإياكم واحتقار الأئمة؛ فإن هذا نذير سوء.
العلامة ابن باز عليه : حُكْمُهُ في هذه المسألة حكم بالكتاب والسنة، لا بمجرد النظر. وإلا فليس لك عليه زيادة أنك رأيت ما لم ير إلا إذا كان تخيلات. ففتواه مبنية على الدليل. وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أو لِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:3]. وهذا خطاب موجه إلينا أن اتبع ما أنزل إلينا من الكتاب والسنة في كل صغيرة وكبيرة ودقيقة وجليلة. وأهل العلم أقوالهم موطدة مثبتة بالأدلة. وليست... مجرد آراء أخذوها أو مجرد أفكار انتحلوها ولكن ينظرون بالأدلة ويبينون الأدلة. هذا هو ، نسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحبه ويرضاه، والحمد لله.
الأسئلة الجزائرية
الدعوة بالبطاقة الرسمية
السؤال: الدعوة عندنا ممنوعة بدون بطاقة رسمية أو إذن رسمي من قبل الحكومة فماذا تنصحنا؟ وجزاكم الله خيرًا.(1/65)
الجواب: فاتقوا الله ما استطعتم: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، ولا شك يستطيع الإنسان أن يدعو في السيارة ما أحد يمسك فمه يقول: لا تتكلم في السيارة وكذلك في بيته والله، لو لم يُعَلِّمْ إلا أهله أنه منصور يعتبر، وأنه داعي إلى الله، وأنه قد يحصل على الخير، ومن زاره ومن اتصل له، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وإن كان قادرًا على الكتابة والتأليف، يكتب ما ينفع الناس، وينشر، ويرشد الناس، ويدلهم على أماكن طلب العلم النافع، ومن أعطوه بطاقة إذن للدعوة إلى الله يأخذها، ومن لم يعطوه، أو ألزموه ببعض اللوازم المخالفة، أو كلفوه ببعض التكاليف المالية التي تشق عليه؛ فليدعُ إلى الله على ما ذكرنا، مع ملازمة الرفق، وأسباب قبول الدعوة من العلم والسنة، وبالله التوفيق.
الأسئلة الماليزية
حكم تأسيس رابطة الدعاة السلفية
السؤال: ما حكم تأسيس رابطة الدعاة السلفية لحماية الدعوة واجتماع الدعاة على كلمة واحدة، وجزاكم الله خيرًا؟(1/66)
الجواب: ما يحتاج إلى هذا، والرابطة الإسلامية، تلك التي يسمونها رابطة العالم الإسلامي: إخوانية؛ فرابطتنا الكتاب والسنة، قال النبي ص: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»(1)، وقال الله: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10]، والنبي ص يقول: «قضاء الله أحق وشرط الله أوثق»(2)، ويقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»(3)، فالرابطة: الإسلام، ولا نحتاج إلى هذه الروابط المخترعة التي لم تكن عند أسلافنا الذين مضوا، والنبي ? لما قدم المهاجرون آخى بين المهاجرين والأنصار، ثم بعد ذلك قويت شوكة الإسلام صارت الأخوة الإسلامية فوق ذلك كله.
الأسئلة الإندونيسية (26 جمادي الثانية 1424هـ)
عقد الاجتماع في الفندق
السؤال: يعقد السلفيون اجتماعات، وبعض اجتماعاتهم أقاموها في الفندق،
أو الأماكن البعيدة عن الناس؛ لأجل سلامتهم وغير ذلك، فما رأيكم في هذه المسألة، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: الاتهامات تتابعكم في هذه الحال؛ فإن الحكومة إذا رأوا واحدًا مستخفيًا كان عندهم الريبة في ذلك الشأن وفي ذلك الحال وقالوا: وراء الأكمة ما وراءها، لماذا تَخَفَّوا؟ لو كان عندهم حق لصدعوا به، قال تعالى: { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ*إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } [الحجر: 94 95]، وقد أُخْبِرْنَا أن بعض الناس في فتنة أسامة بن لادن ذهبوا ويحلقوا لحاهم خشية الاتهام بالإرهاب، فتابعهم الأمن السياسي، وحصلت عليهم المشاكل بتهمة الإرهاب، وكذلك
__________
(1) تقدم أنه من حديث أبي موسى الأشعري، متفق عليه.
(2) من حديث عائشة رضي الله عنها، متفق عليه، البخاري (2561)، ومسلم (1504).
(3) متفق عليه من حديث أنس بن مالك، البخاري (13)، ومسلم (2529).(1/67)
أصحاب جامعة الإيمان في أيام حصلت تهديدات من أمريكا أنها سترمي على اليمن؛ لاسيما على أماكن التدريس، قالوا: ما رأوا إلا وهم متبنطلون ويقطعون لحاهم، ويخرجون في الشوارع كأنهم خرجوا من جامعة السربون. وقالوا: هذه سياسة شرعية حتى لا يطلقون عليهم، فأعرضوا عن هذه السياسات، فالحق أحق أن يتبع، ما عند أهل السنة شيء يتخفون به من حيث الدعوة، نعم، الإنسان يأتي إلى أهله سرًا، وقد يسر إلى صاحبه أو أخيه، والسرية ثابتة في كتاب الله وسنة رسوله ? أسر النبي ? إلى فاطمة(1)، وأسر إلى إنس(2)، ولكن لا على هذه الطريقة الممقوتة، المذمومة، والتخفي...، وما إلى ذلك من طرق الإخوان المسلمين، واحد يأتي من هذا الباب وآخر يأتي من هذا الباب وقال: أنت وقَّفْ سيارتك هناك، وأنت هناك، أيش عنده قنابل، أم ماذا؟ وغاية ما فيه أنهم عمال وإذا حصلت الفرصة يدرسون عنده بعض الكتب الحركية، ولكنها هلوسة الإخوان المسلمين، وأيضًا الحكومة فطنت لهم، قالوا: والله، عندهم شيء، وربما زوجته داخل البيت لا يدري إلا وهي جاسوسة عليه، وربما ابنه، وجاره، وصاحب سِرِّهِ.
يا أخي، أثبت من نفسك أنك لا تبال بالجواسيس، امسح بهم، هؤلاء الفسقة، أيش يصنعون بالكتاب، وماذا عند أهل السنة؟ الحديث، يقولونه من على المنبر ويذكرونه في أي مكان ووطن نفسك أنك تقول الحق وتقوله عند الحاكم وتقوله عند الراعي وعند الرعية وتدعو الناس جميعًا إليه {ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} [البقرة:208]، أي: خذوا من جميع جوانبه.
الأسئلة السلفية الإندونيسية (26 جمادي الثانية 1424هـ)
أسئلة عن المجلات والصحف
__________
(1) كما جاء في البخاري (6285)، ومسلم (2405) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) كما في مسلم (2482)، وأخرجه البخاري أيضًا مختصرًا (11/69) (6289).(1/68)
السؤال: نشر بعض الدعاة السلفيين: المجلات والصحف والمنشورات الأسبوعية وسيلة للدعوة، فما رأيكم في هذا على أن بعض مادة تلك المجلة طريقة الطباخة وإصلاح أدوات الملابس وتعليم الأولاد الألعاب وغير ذلك، وبارك الله فيكم؟
الجواب: أيش؟ من الدعوة: الطباخة، وصناعة الألعاب!! ليست من الدعوة، وسيلة الدعوة ينبغي إذا نشروا يتكلم الإنسان بين الناس، ويقول: دعوتنا إلى كتاب الله وسنة رسوله ? عندنا دروس في ”صحيح البخاري“ من أحب أن يدرس أبناءه، ويستفيد وفي ”صحيح مسلم“ مثلًا، وإن كان الكتاب أنزل من هذا، مثلًا في ”لمعة الاعتقاد“، أو تعليم الكتابة، أو التجويد لا بأس أن ينشر للناس ما عندهم حتى يعرفوها من باب: الدال على الخير كفاعله، ومن باب قوله تعالى: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]، أما الطباخة؛ فالأحسن ترك هذا، وليس من وسائل الدعوة الطباخة والألعاب؛ بل من وسائل الدنيا.
السؤال: عندنا مجلة للسلفيين فيها مادة خاصة للنساء ولهذا القسم رئيسه ترأسه وعندنا مدرسة للبنات أو معهد لهن واتخذت لها رئيسة فهل لمثل هذه الحال يندرج تحت حديث أبي بكرة ا: «لا يفلح قوم ولى أمرهم امرأة»، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: يعني مديرة المعهد للنساء؟ إذا كانت المرأة تدرس النساء بقدر ما تستطيع أمر طيب، بدون كلمة: مديرة، ولا رئيسة، ولا فندمة، ولا تحتاج إلى ذلك؛ بل تدرس النساء، وتوجه إلى الخير؛ فأمر طيب، أما هذه الفخفخة، وهذه الألقاب:(1/69)
الرئيسة، والمديرة، وإنما من باب قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، ومن باب قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77]، وهذه المجلة يا إخوان، فيها مَشْغَلَةٌ، قولوا لهم اطلبوا العلم من الكتاب والسنة، ومن عنده علم نافع عرضه على المستفيدين من إخوانه، أو على أهل العلم في بلدهم مما له شأنه ينشر للناس على طريقة الرسائل والكتب تبقى، أما الجرائد لا تشغل أنفسكم، جريدة النساء وجريدة الرجال ومن تلك الجريدة أيضًا ما سأل عنها من قبل موضوع كيف تطبخين، ما أنتم بحاجةِ كيفيةِ الطبخ، العجائز يعرفن كيفيةَ الطبخ.
الأسئلة السلفية الإندونيسية (2 رمضان 1423هـ)
الدعوة بالمجلة
السؤال: الدعوة بالمجلات والصحف، لماذا لم تكن موجودة في هذا العهد المبارك. وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: الدعوة بالمجلات والصحف دعوة هزيلة مؤقتة، وفيها تكلف ويضيع فيها الطالب، إن لم يتدارك نفسه بالإقبال على العلم ربما يبقى يحضر مقالًا من المقالات يومًا أو يومين ويشغل بذلك، ثم بعد ذلك يأخذ الشخص المجلة أو الصحيفة، ثم يرميها في القمامة، وتكون أنت السبب في تعريض الامتهان لهذه الأدلة إما من القرآن وإما من السنة، أو منهما جميعًا، أما الدعوة بالكتاب والدعوة بالشريط والدعوة باللسان، هذه الدعوة فيها صيانة للعلم، إذا ألفت كتابًا ربما يبقى إلى ما شاء الله وهو محفوظ في المكاتب ما يلقى في أي شارع من الشوارع وإن وجدوه مقطعًا رفعوه، وهكذا أيضًا الدعوة بالشريط الناس يتداولونها، ولا فيها امتهان حتى أنها إذا تقطعت لا امتهان للشعائر فيها، الدعوة باللسان بالوقوف أمام الناس في التعليم، ويجلس للناس حتى ينتشر العلم، قال عمر بن عبد العزيز حين(1/70)
كتب إلى عمرو بن حزم: واجلسوا للناس حتى يفشوا العلم(1). هذه هي أحسن وسائل الدعوة، أما تلك الجرائد تجاري الصوفية وتجاري الإخوان المسلمين بجرائدهم ومجلاتهم وتجاري القطبيين بجرائدهم ومجلاتهم، هؤلاء ضائعون ولستم بالضائعين أنتم عندكم بضاعة ما تبور، أنتم عندكم علم يمكن أن تنشروه في كتب أهل السنة وتكونون قد قمتم بأمر أحسن من أصحاب المجلات والجرائد، وبحمد الله نحن ما عندنا من هذا حتى المطويات، نحن ما نشجع عليها وعلى نشرها؛ لأنها تُقَطَّعُ، ولأنها ضياع وإن كان تنتشر كثيرًا لكنها ضياع ما تحفظ بينما إذا كانت في رسالة أو في كتاب تجمع وتحفظ وينفع الناس وله الثقل بين الناس أنه خرج كتاب في كذا وكذا هذا أحسن وأنفع فننصح إخواننا بأن يقبلوا على العلم حفظًا ومراجعةً وتدريسًا ودعوةً وبحثًا وتنقيبًا وسؤالًا ومن له القدرة على التدوين تدوينًا، واتركوا المجلات والجرائد لهؤلاء الذين ربما مجلتهم أيام ويبيع فيها صاحب السمك، أو الدجاج المشوي، أو ما إلى ذلك، وكتابك محفوظ، وبالله التوفيق.
الأسئلة السلفية الإندونيسية (29 رجب 1425هـ)
حكم كتابة الدعايات السلفية على الفنائل وغيرها
السؤال: ما حكم كتابة: السلفية، وأهل السنة والجماعة، والطائفة المنصورة، ونحن السلفيون لا الحزبيون، وغير ذلك من الألفاظ على الفنائل، والأوراق، والقراطيس وغير ذلك، ثم يعلقها في السيارات، والجدران، والأبواب، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: السنة ما هي الدعايات، واللوحات، واللباس، قال تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:123]، أراد بعض
__________
(1) كما في صحيح البخاري.(1/71)
الإخوان أن يعلن عندنا، ويجعل أقلامًا، ويكتب عليها اسم: دار الحديث، فما رضينا بذلك، قلنا: إن دعوتنا تنتشر بالكتاب والسنة وبالكتب وكذلك أيضًا بالأشرطة وما تنتشر بهذه اللوحات وهذه الإعلانات مثل دعايات الصابون، والزيوت، والبساكت، وغيرها من أمور الدنيا ما يحتاج إلى هذا ويكتفي بشرح الدعوة وبتعلم الناس أنها سلفية وسيعلمون الغد أو بعد الغد، أنت لا تستعجل الثمرة يا أخي، ويكفي أنه يعرف بالفعل لا إلى الزخرفة والأقوال فقد تعبوا من زخرفة الأقوال ربما يأتي الصوفي يكتب على فنيلته، أو على كوته، أو على جبهته: صاحب السنة أهذا يكفي؟ والله، لو استطالوا بهذا أن الصوفية سيكتبون على لوحاتهم وجدرانهم ويغررون بالناس ويصير الناس يرون إلى صاحب تلك الفنيلة ويتبعونه؛ لأنه سلفي وتكونون أنتم آثمين؛ لأنكم سننتم سنة غير مشروعة، والله والمستعان.
الأسئلة السلفية الإندونيسية (26 جمادي الثانية 1424هـ)
حكم ترجمة الكتب بغير إذن مؤلفيها
السؤال: ما حكم ترجمة الكتب الدينية إلى لغتنا للتجارة بدون إذن من الناشر أو من مؤلفه بحجة أن المسلمين في أمس الحاجة إلى تلك الكتب المفيدة التي ألفها علماء أهل السنة والجماعة مع انتشار كتب أهل البدع والأهواء ككتب القرضاوي وسيد قطب وغيرهما، ومن جانب آخر نجد كثيرا من الحزبيين يقومون بترجمة كتب أهل السنة والجماعة تسترا بها على بدعهم مع ما يصنعون فيها من التحريفات والبتر ونحو ما تقدم ما حكم تصوير تلك الكتب بقصد التجارة لتعسر الحصول ليها أو إرسالها من خلف البلاد إلى بلادنا، وما حكم ذلك إذا كان ليس قصدًا للتجارة وإنما لحاجة بعض الإخوة إليها أو لتثبيتها في بعض المعاهد العلمية للسلفيين؟(1/72)
الجواب: في الحالين سواء كان في ترجمة كتاب عالم من علماء المسلمين لا يزال حيا، أو نشر كتاب قد تعب فيه صاحبه، أو له وكالة، أو له تفويض فيه، أو تصويره؛ فإنه ينبغي الاستئذان من صاحب الكتاب لأمور منها: أن صاحب الكتاب قد لا يحب ترجمته على ذلك الحال إما أنه عازم على اختصاره أو انه عازم على حذف ما يستحق حذفًا فيه فما من عالم إلا ويزيد في كتابه وينقص، وكما قيل:
كم من كتاب قد تصفحته ... وقلت إني قد صححته
فلما عاودته ثانيا ... رأيت تصحيفا فصححته
فهذا شأن أهل العلم؛ فإنه ما يزال يراجع في كتابه ويزيد وينقص ويظهر له ما لم يظهر له قبل؛ ولهذا ينبغي الاستئذان منه أأترجم هذا الكتاب؟ إن قال: ترجم. تَرْجَمْتَه، وكذلك في مسألة التصوير قد لا يرضى بيع كتابه مُصَوَّرًا، أو أيضًا الناشر الذي طبع الكتاب، وتولى طبعه وعنده به إذن خاص من حيث العناية، ومن حيث
الطبع قد لا يرضى بتصويره فيستأذن إلا فيما إذا كان طالب العلم يدرّس إخوانه مثلًا في رسالة من الرسائل تعسَّر شراؤها؛ فمن هنا إن شاء الله نرجو أن لا بأس بذلك في بعض النسخ التي لا لقصد التجارة وإنما لقصد الاستفادة، ولا ينبغي لناشر أن يحتكر كتب أهل العلم، يتحجر عليها والناس يتلهفون عليها وهذه جناية على ذلك العالم، وعلى المسلمين بحرمانهم الخير.
وكما قَلْتَ: إن المبتدعة يترجمون كتب السنة ويقطعون بعض ما هو عليهم ويتكثرون بها، فمثل هذا من ظهر منه أنه يصنع ذلك بتراث أهل السنة يفضح، ويحذر منه ومن خيانته، مثل كتب السنة هذه كتب المتقدمين لك أن تترجم ما شئت، التي قد مات أصحابها لك أن تترجم ما شئت إن كنت قادرًا على ذلك بدون إخلال بما في الكتاب، وجزاك الله خيرًا إن قمت بترجمة كتب السنة مما ليس لأحد عليها سلطان.
الأسئلة الماليزية
ترجمة الكتب السلفية للدعوة والكسب(1/73)
السؤال: بعض الإخوة السلفيين في إندونيسيا يترجمون كتب السلف إلى اللغة الإندونيسية لقصد الدعوة والكسب. هل هذا يجوز؟
الجواب: نعم يجوز؛ بل يشكرون, ونرجو أن يؤجروا، وأهم شيء أن يحتسبوا، فهناك أناس ما يفهمون العربية؛ بل جلهم إلا من طلب العلم أو نحو ذلك كم المثقفين, فمثل هؤلاء كيف تُوَعِّيْهِم؟ ربما الكتاب أسرع منك إليهم ولاسيما من الكتب الصغيرة. فترجم كتابا نفيسا من كتب العقيدة والتوحيد ثم ينشر بين الناس توزيعا أو بيعا فيقرأ هذا ويفهم, ويقرأ هذا ويفهم. فهذه دعوة إلى الله بقصد النية والاحتساب والإخلاص لله سبحانه وتعالى، فنعم جزاهم الله خيرا على ذلك. لكن يتحرون. ما يترجمون من كتب السلف ويبتعدون عن التي فيها بعض الأخطاء مثل ”الرسالة الوافية“ لأبي عمرو الداني إلا إذا كانت هناك تنبيهات مهمة عليها، ومثل كتاب ”لمعة الاعتقاد“ فيها ما يحتاج إلى تنبيه. إن ترجم ينبه على ما يتعلق بتلك المخالفة من التفويض في معاني الصفات، و”شرح الطحاوية“ المتن إن ترجم ينقل تنبيهات الشيخ ابن باز، وتنبيهات الشيخ الألباني رحمة الله عليهما، ويكون عند المترجم نباهة مما ينفع المسلمين, ويجب أيضا أنه إن ترجم مثل ”كتاب التوحيد“ للإمام محمد بن عبد الوهاب : وعنده قدرة على أن يعلق على الأحاديث الضعيفة, يبينها للناس. يشكر على هذا. ينقل كلام الأئمة مختصرًا، يتأكد من ضعفه ثم يكتب أمامه: ضعيف. بلغتهم, أو: صحيح أو: حسن، بلغتهم. هذا من تمام الخدمة للكتاب. لا يجوز أن يزيد في كلام الإمام، ولا ينقص منه, وإنما الاختصار بحذر في حالة النقص, أما الزيادة فلا، فهذا من باب النصحية للمسلمين، أو ينقل
كلام محدث من المحدثين ضعفه، فكتب السنة مخدومة.
قال بعض الطلاب: وآيات القرآن تترجم؟(1/74)
فأجاب الشيخ: تترجم معانيها، وتبين المعاني كالتفسير؛ لأن ترجمتها بذاتها نقل لها عن غير اللسان العربي, والله قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195], وأنا أرى أن المترجم يحتاج أن يدرس العربية ويدرس الحديث ويدرس شيئا مما يتفقه ويفهم به, ويدرس في التفسير؛ لاسيما ما يقدر به أن يرجح الصواب في التفسير من غيره حتى تصير ترجمته نافعة؛ فينبغي أن يكون متمكنًا.
سائلٌ: هل شراء بعض الكتب التي ترجمها بعض أهل البدع يجوز؟
الجواب: الحمد لله, أهل السنة كثير ممن يترجم, يترجمون لأنفسهم وينشرون ويستغنون عن تلك الكتب، لا نروج تراجمهم لأنهم ربما يدسون بعض الكلمات فيها، فلسنا آمنين من أولئك الغشاشين من أهل الأهواء.
الأسئلة الإندونيسية
هل نستفيد من كتب المبتدعة التي كتبوها قبل الانحراف؟
السؤال: ما حكم الاستفادة من الكتب التي ألفها الحزبيون سواء كان في العقيدة أو في الفقه أو في الحديث وهل يجوز لنا أن نستفيد من الكتب الطيبة التي ألفها الحزبيون قبل انحرافهم، وجزاكم الله خيرا؟
الجواب: التي ألفها الحزبيون من كتب السنة، ما كان فيها من خير موجود في كتب السنة وموجود في كتب الثابتين من أهل السنة والحمد لله، فما نقص المسلمين من شيء إذا تركوا كتب الحزبيين؛ فإن الحزبيين يدسون السم في العسل، ابتعد يا طالب العلم عنها وعن أشرطة الحزبيين، ابتعد عن هذه الشكوك، والفتن، والقلاقل، وأنت في خير من كتب أهل السنة والحمد لله، أما العالم البصير المتمكن
إذا قرأ في بعضها يحذر مع معرفةِ وبيان ما فيها من الباطل؛ فأمر لا بأس به، فعله عدد من الأئمة كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
الأسئلة الماليزية
نقل الكلام عن ملازم الحزبيين
السؤال: إذا أردنا أن ننقل كلام الأئمة ولم نجد ذلك إلا بملازم الحزبيين لقلة المراجع التي عندنا وهل يجوز أن نقول: كما في ملازم فلان؛ فإن ملازمهم منتشرة في بلادنا، وما زلنا نستخدمها، وبارك الله فيكم؟(1/75)
الجواب: أخشى عليكم منها، تنقلون منها وفيها ما أبانه أهل العلم من الانحراف، إن الإنسان قد يكتب ويحمل على السلامة، فإذا انحرف وابتعد فتش أهل العلم ما عنده من الانحراف، فالمبتدع قد فتش أهل العلم عن كتبهم وأقوالهم، أبانوا ما عليها من الضلالات والانحرافات، فننصحكم بالبعد عنها، والمبتدعة ليسوا أمناء في نقل ما يؤيد أفكارهم، كما أبانه الحافظ ابن حجر في مقدمة ”لسان الميزان“ عن الخوارج أنهم كانوا يكذبون فيما يؤيد بدعتهم، وخذوا من المراجع التي أخذوا منها إذا وجدتم مراجعًا لهم، فالباطل ينبغي أن يحصر، والحق يشهر.
والحمد لله الكتب منتشرة، القرآن، و”صحيح البخاري“، و”صحيح مسلم“ لو أقبل عليها طالب العلم لنعش منها علومًا عظيمة، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:92] كتاب الله عز وجل، وتفسير القرآن إن وجد ”تفسير ابن كثير“ لو لم يكن إلا هو، والصحيحان مع شروحهما، فيهما غزارة علمية تحتاج منك إلى جهود، ولن يضيع الله سُنِيًّا مقبلًا على العلم والتعليم.
الأسئلة الإندونيسية
حكم التورية
السؤال: هل التورية تجوز مطلقا أم لا تجوز إلا للضرورة؟(1/76)
الجواب: الأصل في الكلام الحقيقة، وعدم التورية، وإذا احتاج الإنسان إلى التورية كما يقولون: ما كذب ظريف، وكما فعل أبو بكر الصديق ا إذ كانوا مع النبي ص في هجرتهما إلى المدينة، مَرَّ بقوم من المشركين يسألونه من هذا معك؟ فيقول: هذا رجل يهديني السبيل.(1)هذا كلام حَقٌّ بلا شك، تعالى لنبيه: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]، وفي حديث كعب بن مالك في الصحيحين قال: وكان النبي ص لا يريد أن يغزو غزوة إلا وَرَّى بغيرها إلا غزوة تبوك.(2)جل للمسلمين أمرهم ليأخذوا أهبتهم، التورية: إظهار كلام يحتمل معنيين هو إلى أحدهما أقرب مثل قول أبي بكر ا: يهدينا السبيل، فلا شك أنه يهدي السبيل، وقد يفهم ذلك الذي يسمع كلامه أنه رجل خريت يريه الطريق فقط، وأبو بكر ا يعني به أنه هادٍ هداية إرشاد ودلالة، فتبقى مسألة التورية للحاجة، أما على إطلاقه، ويبقى يروج هذه وهذه، تنتزع منه الثقة، ويعرف الناس أنه صاحب تدليس، والتدليس ممقوت عند أهل العلم، حتى إن الشعبي نقل عنه إنه يقول: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس(3).فنعم، فالأصل عدم التدليس وعدم التورية، وإذا احتاج الإنسان إلى تورية تكون مخرجًا له من الكذب كما دلت على ذلك الأدلة لا بأس عند الحاجة.
الأسئلة الصومالية
متى يستعمل الداعي اللين والشدة؟
__________
(1) رواه البخاري (3906)، ومسلم (4083) من حديث عائشة في حديث هجرة الني ص.
(2) رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769) في حديث قصة توبة كعب بن مالك ا.
(3) ذكره بن الصلاح في ”المقدمة“ كما في ”التقييد والإيضاح“ (ص:98)، ونقله ابن كثير في ”المختصر“ كما في ”الباعث“ (ص:63) بلفظ: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس. ورواه الخطيب في ”الكفاية“ رقم(1146)، وانظر ”السير“ (14/309)، و”اللسان“ (5/651).(1/77)
السؤال: يقولون في سؤالهم الثاني: متى يستعمل الداعي الرفق واللين، ومتى يستعمل الشدة في دعوته، وما معنى حديث: «إن منكم منفرين»؟(1)وجزاكم الله خيرًا.الجواب: هذا عائد إلى فهم الداعي إلى الله البصيرة العالم بكتاب الله وسنة رسوله ص، فيستعمل الشِّدَّةَ في موضعها حيث يرى أن لها تأثيرًا ونفعًا، ويستعمل اللين في موضعها حيث يرى أن لها تأثيرا ونفعا، والأصل في الدعوة إلى الله الرفق، «ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا زانه»(2)، ويقول النبي ص لأشج عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة»(3)وقال: «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه»(4)وقال: النبي ص: «من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من خيري الدنيا والآخرة، وحسن الجوار، وحسن الخلق، وصلة الأرحام يزيدان في الأعمار ويعمران الديار»، هذا لا شك هو الأصل في الدعوة الرفق وبيان الحق والباطل بالرفق ولكن إن احتيج إلى شدة في بعض المواضع فليس معناه أنه خالف سير الأنبياء في ذلك، لا، موسى قال لفرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء:102]، وبعض أصحاب النبي ص قال لأبي الحباب، حين قال: لا تغشانا بقطار حمارك، أو بغبار حمارك. قال: والله، لروث حمار رسول الله ص أطيب ريحًا منك.
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (7159)، ومسلم برقم (466) من حديث أبي مسعود الأنصاري البدري ا.
(2) الحديث أخرجه مسلم (2594) بلفظ: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع...» من حديث عائشة ك.
(3) الحديث قطعة من حديث الطويل الذي أخرجه مسلم برقم (18) من حديث أبي سعيد الخدري ا.
(4) أخرجه مسلم ( 2593).(1/78)
فربما يحتاج الإنسان لدفع الباطل ولإقامة الحق إلى شيء من الوقوف بالثبات أمام الباطل ولو أدى ذلك إلى تخشينٍ في الكلام، وهذا يعرف كل شيء في موضعه، والتوفيق من الله عز وجل، والحمد لله.
الأسئلة الماليزية
ضابط التحذير ومراحله
السؤال: ما ضابط التحذير؟ من الذين يستحق أن يحذر؟ ما هي المراحل في التحذير؟ بارك الله فيكم.
الجواب: الذي عرف أهل العلم بدعته، وحذروا منه ننصح الناس بتركه، أما عوام الناس فربما لا يعرفون من يحذر منه ممن لا يحذر منه. عوام الناس وأشباههم قد لا يحسنون صنعًا، وهذه جناية على الدعوة، أن يحذر من إنسان لا يستحق التحذير منه، أو يبدع من لا يستحق التبديع: «من قال في إنسان مسلم ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال»، قيل: وما ردغة الخبال؟ قال: «عصارة أهل النار»، فالمسألة خطير جدًّا.
الأسئلة الماليزية
الفرق بين المبتدع والعاصي الذي يقع في البدع
السؤال: ما الفرق بين المبتدع وبين العاصي الذي وقع في البدعة؟ وما موقفنا تجاه كل منهما، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: البدعة أشد من المعصية، وما أحد من المسلمين معصومٌ من الخطايا، قال الله عز وجل: «إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم»، كذا قال النبي ص فيما يروي عن ربه عز وجل(1)، والمؤمن أوَّاب رَجَّاع، قال تعالى: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً} [الإسراء:25].
وأما البدع التي يصر عليها صاحبها ويعاند عليها، ويبين له أن هذه بدع واضحة، وهو ما زال عليها، هذا حاله أشد من المعصية، والفرق واضح بين البدع والمعاصي.
البدع: محدثات في الدين على غير مثال سابق يريد بها أصحابها التعبد، وصاحبها معاند.
والمعاصي: صاحبها غالبًا يكون غير معاند، ولا متبجح بها.
الأسئلة الماليزية
الرد على شبهة التسامح
__________
(1) 10) أخرجه مسلم برقم ( 2577) من حديث أبي ذر ا ، وهي قطعة من الحديث الطويل المشهور.(1/79)
السؤال: يستدل البعض بموالاة أهل البدع والتسامح معهم بقوله عز وجل: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: من الآية34]؟
الجواب: هذا الاستدلال بالآية في غير موضعه, يستدل بالآية على المداهنة مع أهل الباطل. إن المفسرين يقولون: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوةٌ}، أي: خصام.قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، ادفع جهل الجاهلين وحقد الحاقدين، وما إلى ذلك مما يُعْتَدى به عليك، رسول الله ص شكا على سعد بن عبادة ما حصل من أبي الحباب عبد الله بن أبي بن سلو ل قال: «ألم تر ما صنع أبو الحباب؟» فقال له سعد: اعف عنه واصفح يا رسول الله، فأنزل الله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: من الآية109](1)، وقال للنبي ص: {خُذِ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]، وقال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلون قالوا سَلامًا} [الفرقان: من الآية63] في سياق من مدحهم الله وأثنى عليهم, وهذا محمول: الصبر على الجاهلين، قال النبي ص: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا نصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»(2)، فالصبر على الأذى محمود، لكن الاستدلال بهذه الآية على المداهنة مع المبتدعة والله, إن هذا لَمِنَ الغباوة، أو التلبيس.
الأسئلة الإماراتية (3 جمادى الثانية 1425 هـ)
طريقة مناصحة السلفي المخطئ
__________
(1) 8 أخرجه البخاري (4567) , ذكرت فيه هذه الآية ولم بظهر أن تلك القضية سبب النزول الآية , ومسلم (1798) عن أسامة بن زيد ب, ولم يذكر فيه سبب النزول الآية, والله أعلم.
(2) 9 أخرجه البخاري (5641)، ومسلم (2573) عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة ب.(1/80)
السؤال: ما هي الطريقة في مناصحة السلفيين الذين وقعوا في خطأ، وهل إذا ذكرنا بعض أخطائهم بين إخوانه الآخرين يعتبر غيبة؟
الجواب: لا ينصح بهذا الأسلوب، شخصٌ حصل منه خطأ، وهو سلفي، لا حاجة إلى الشوشرة عليه، ولا إلى التشويش، ولا حاجة إلى الإشاعة؛ فإن الإشاعات بين الناس بالمؤمنين شأن المنافقين المرجفين، فابتعد يا أخي أن تكون من هذه الصفة، كثير من الناس يشابهون المنافقين بالإرجاف، الله عز وجل يقول: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَة لَنُغْرِِيَنَّكَ بِهِم} [الأحزاب: 60]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ِ} [النور: 19].
إذا حصل منه الخطأ ينصح فيه بدون التشويش، وبدون التشهير به، والحمد لله، وهذا هو الفرق بين النصح والشماتة، وبين النصح والتعيير.
الأسئلة الماليزية
موقف السلفي إذا جاء المشايخ إلى مأوى الحزبيين
السؤال: ما موقفنا من مجيء مشايخ الأردن، مثل: الشيخ علي الحلبي، وسليم الهلالي، ومشهور سلمان إلى بلادنا، علمًا بأن الداعي لهم الحزبيون، وهم نازلون في مستقرهم، وهي مؤسسة الإرشاد؟(1/81)
الجواب: إذا نزلوا بدعوة الحزبيين في مقر الحزبيين؛ فلا تحضروا لهم، ولا تكثروا سواد الحزبيين؛ فإنكم إن شاء الله السواد الأعظم، السواد الأعظم: ما كان على الحق وإن كنت وحدك وحذروا من ذلك الاجتماع حتى يعرفونَ أنهم ما تنصر دعوتهم إلا بما صارت عليه قبل من التمييز الصحيح؛ فإن نزلوا عند إخوانكم أهل السنة فحيا هلا، احضروا لهم استفيدوا منهم والحمد لله. وهنا نصيحة للشيخ سليم، وهي أنه قال في مقدمة كتابه ”شرح رياض الصالحين: فيما يتعلق بوفاة النووي قال: فخرمته المنية. هذه الكلمة خطأ ما نقول بخرم الأجل، نحن نقول: إنه وافته المنية ومات لأجله، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران: 145] كذا قال ربنا سبحانه، قال النبي ص: «إنها لم تمت نفس تستوفي حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب»(1). والله سبحانه يقول: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:61]، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] إلى آخر الأدلة، وفي الحديث عن أم حبيبة ك، قالت: اللهم، أمتعني بزوجي رسول الله، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال رسول الله ص: «لقد سألت الله
في آجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، هلا سألت الله أن يعيذك من عذاب النار ومن عذاب القبر»(2). وقال الطحاوي : تعالى: خلق الخلق بعلمه وقدّر لهم أقدارا، وضرب لهم آجالا، وهذا معتقد أهل السنة، ولا يخالف الشيخ سليم فيه أبدًا، ولكن فيما أظن زلة قلم، ولما كان هذا منشورًا أردنا أن يكون هذا تعاونًا مع أخينا الشيخ سليم في إصلاح ذلك الخطأ.
الأسئلة الإندونيسية
__________
(1) رواه ابن ماجه (2135) من حديث جابر بن عبد الله ب.
(2) عن عبد الله بن مسعود ا أخرجه مسلم (2663).(1/82)
نصيحة لمن شعر بالأمان في مخالطة الحزبيين
السؤال: ما هي نصيحتكم لبعض إخواننا السلفيين الذين يدرسون مع الحزبيين، ويخالطونهم، ويحادثونهم بحجة أنه آمن من منهجهم ومن دعوتهم؟
الجواب: كيف يكون آمنا من منهجهم ودعوتهم وهو معهم، هذا تلبيس احذروا، احذروا هذا التلبيس وهذا المكر؛ فإن بعض الناس يكون إما مغررًا به، وإما هو حزبي مندس هذا هو الواقع, فلا شك أن مجالسة الأجرب تكون سببًا لانتقال الجرب، نحن نقول: إنه سبب، وإلا فالنبي ص يقول: «لا عدوى»(1)، وقال: «فِرَّ من المجذوم»(2)، قال أهل العلم: مخالطة السقيم سبب لانتقال المرض، فالإنسان يجب عليه أن يحرص على سلامة قلبه، يقول النبي ص: «ألا
__________
(1) 15) الحديث بهذا اللفظ لا عدوى جاء من جمع من الصحابة وهم: أبو هريرة رواه البخاري (5770)، ومسلم (5749)، وأنس أخرجه البخاري (5756)، ومسلم (5761)، وعبد الله بن عمر أخرجه البخاري (5753)، ومسلم (5766)، وجابر رواه مسلم (5756).
(2) 16) هذا اللفظ قطعة من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب: الجذام رقم (5707).(1/83)
وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»، متفق عليه من حديث النعمان(1)، ويقول ص: «مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تجد منه ريحًا طيبًا، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة»(2)متفق عليه من حديث أبي موسى عن النبي ص، والنبي ص يقول: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»(3)ويقول ص: «من سمع بالدجال فلينأ عنه»(4)، أصحاب رسول الله ص قالوا عن مالك بن الدخشم: يا رسول الله، والله، ما نرى وده وحديثه إلا من المنافقين(5). حتى زكاه رسول الله أنه ليس منهم؛ فسبب مخالطة مالك بن الدخشم لبعض من أهل الهوى، يقول فيه أولئك الصحابة: منافق. منهج السلف البعد من هذا جدًّا قال أبو قلابة عبد الله بن زيد: لا تجالسوا أهل الأهواء؛ فإني أخشى أن يغمسوكم في البدعة، أو يلبسوا عليكم دينكم(6)وقال رجل لأيوب بن أبي تميمة: أريد أن أكلمك كلمة قال: ولا نصف كلمة(7)،
__________
(1) 17) البخاري في كتاب الإيمان باب فضل من استبرأ لدينه (52) ومسلم في كتاب المساقاة والمزارعة، باب: أخذ الجلال وترك الشبهات (4070).
(2) 18) أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد باب المسك (5534)، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب: استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة القرناء السوء (6635).
(3) 19) من حديث أبي هريرة ا أخرجه الترمذي (2378)، وأبو داود (4832).
(4) 20) من حديث عمران بن حصين اأخرجه أبو داود (11/442)، وهو في ”الصحيح المسند“ (2/131).
(5) 21) رواه البخاري ( 68)، ومسلم (33).
(6) 22) أخرجه الآجري في ”الشريعة“ (120) أثر (37) من طريق قتيبة بن سعيد عن حماد بن زيد عن أيوب عنه، وهذا إسناده صحيح.
(7) 23) أخرجه الآجري في ”الشريعة“ (126) أثر (43)..(1/84)
وقال محمد بن سرين لرجل أراد أن يقرأ عليه القرآن، قال:أخرجوا هذا من عندي إني لا أملك قلبي(1)وقال الإمام مالك رحمة الله عليه وعليهم أجمعين قال له رجل: أريد أن أناظرك, قال:إن غلبتني؟ قال: اتبعني قال: إن غلبتك؟ قال: أتبعك قال: إذن يصير ديننا عرضة للتنقل اذهب إلى شاك مثلك أنا على بصيرة من أمري(2)وقبله قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأوا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة:166]، وغيرها من أدلة القرآن والسنة في هذا الصدد، في التحذير من مجالسة هؤلاء الأصناف المرتبكين المفتونين، واقرؤوا ما قاله الآجري في ”الشريعة“ وما قاله اللالكائي في ”أصول اعتقاد أهل السنة“ في هذا الفصل بالذات, فحقيقة أنه تلبيس أن يقول الإنسان من الناس أن أدرس عند هذا المبتدع ولكن أنا ما أغتر به.
وأخيرًا نرجو من فضيلة شيخنا نصيحةً لإخواننا السلفيين القائمين بالدعوة إلى الله والتعليم في هذه الجمهورية.
نتواصى جميعًا بتقوى الله عز وجل، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: من الآية 131]، وأيضًا يقول سبحانه وتعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: من الآية 282]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: من الآية2 3]. ويقول سبحانه وتعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: من الآية 29].
__________
(1) 24) أخرجه الآجري في ”الشريعة“ (127) أثر(44).
(2) 25) أخرجه الآجري في ”الشريعة“ (123) أثر(40).(1/85)
فأمر مهم تقوى الله سبحانه في الأقوال، والأفعال، والحركات، والسكنات, وهكذا بالتزود من العلم الشرعي والتفقه في دين الله تعالى، قال تعالى: {فَلو لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]، «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين»(1)«خيركم من تعلم القرآن وعلمه»(2)،
__________
(1) 26) أخرجه البخاري في كتاب العلم باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (71) ومسلم في كتاب الزكاة باب النهي عن المسألة (2386 و2389) من حديث معاوية بن أبي سفيان ا.
(2) 27) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه(5027) من حديث عثمان بن عفان ا..(1/86)
وبالتمسك بكتاب الله، وسنة رسوله ص، قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف:43]، وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهو اءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الجاثية: من الآية 18 19]، ولا تصلح هذه الدعوة ولا يتسنى لها الخير إلا بالتميز وبالبعد عن أهل الأهواء, لا توجد ثمرتها إلا بالتميز وبالصبر والمصابرة، والجد والمثابرة، وبالصدق مع الله سبحانه وتعالى، والإخلاص له، وبالاستمرار في طلب العلم، وإرشاد أهل العلم إلى أهل السنة، والتحاب، والتزاور في الله سبحانه وتعالى، هذه الأمور مهمة لابد منها للمسلمين ولطلبة العلم، ومشاورة أهل العلم، وسؤالهم عند المعضلات, و بسبب التفريط في هذا الأمر هلك الخوارج، فقد قال ابن عباس حين ناظر الخوارج: ماذا تنقمون على أصحاب رسول الله ص؟ وهم أعلم بكتاب الله منكم وليس فيكم منهم أحد(1)معناه: أنهم ما كانوا يرجعون إلى الصحابة ولا فيهم عالم ولا ينبغي أن يستقل الطالب بنفسه بغير مشاورة أهل العلم وبغير مشاورة أفاضل إخوانه أهل السنة. واحذروا احذروا من أهل التلبيس ومن الجمعيات والبدع والخرافات؛ فإن الجمعيات ما دخلت دعوة إلا فرقتها وقد رأينا جمعية إحياء التراث وكذا جمعية البر الآن تنخر في عظام الدعوة، بالتفريق بين أهل السنة عن بعض الذين تمدهم مثال أبي الحسن؛ فإنه الآن ينخر في الدعوة ويصرخ بـ: المفاصلة، المفاصلة, يريد أن يفصل الدعوة اليوم قبل الغد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الأسئلة الصومالية
التعاون مع الحزبيين على النصارى
السؤال: هل يجوز لنا أن نتعاون مع الحزبيين إذا هجم علينا النصارى؟
__________
(1) 28) عن ابن عباس رواه النسائي في ”الخصائص“ (195) وهو في ”الصحيح المسند“ (1/479).(1/87)
الجواب: أما إذا كان عبارة عن جهاد، وتنضمون إلى ذلك الجهاد تحت راية الحزبيين من أثناء تلك الرايات غالبًا يحصل الفشل بسبب المعاصي التي تحصل منهم. نعم، شيخ الإسلام قاتل الكفار تحت راية أناس عندهم عقائد ما هي مستقيمة، لكن الحزبيون خونة يجمعون، ويبثون بالأفكار، ولو علموا أنك سنيٌّ لتسلطوا عليك، فلا تجعل لهم عليك سبيلًا، فلا تقاتل تحت رايتهم، هذا إذا كان جهادًا معلومًا، لكن إذا هجموا على بلد فيهم المسلمون طرائق قِدَدًا، وأصناف شتى منهم مستقيم ومنهم مبتدع، فيدافع المسلمون عن أنفسهم ولو كان الاعتداء على إنسان مسلم عاص، سواء كان حزبيًّا أو غير هذا من المعاصي؛ فإنه ما يترك لقول النبي ص: « المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه ولا يخذله»(1)فيدفع عن
__________
(1) من حديث ابن عمر ب متفق عليه. البخاري (2442) مسلم (2580).(1/88)
حوزة المسلمين: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»(1)«مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»(2)«انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، قالوا: يا رسول الله، ننصره إذا كان مظلوما، فكيف إذا كان ظالما؟ قال: «تحجزه عن الظلم؛ فإن ذلك نصره»(3)، قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:9 10]، فما بالك إذا اعتدي على المسلم، وإن كان عاصيًا، اعتدى عليه النصارى؛ فيدفع عن المسلمين في مثل هذه الحالة بقدر الاستطاعة، ولا يخذلون.
الأسئلة الإندونيسية
الرد على المتعصب للمذهب
السؤال: إذا قال رجل من متعصبي المذهب: عليك بالتمذهب؛ لأنك لم تبلغ رتبة المجتهد. هل يصح هذا الكلام، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ص تسليمًا كثيرًا، أما بعد: يقول الله
__________
(1) من حديث أبي موسى الأشعري ا متفق عليه. البخاري (481)، ومسلم (2585).
(2) من حديث النعمان بن بشير ب متفق عليه. البخاري (6011)، ومسلم (2586).
(3) من حديث أنس بن مالك ا أخرجه البخاري (2443)، ومن حديث جابر، أخرجه مسلم (2584).(1/89)
سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أو لِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [لأعراف:3]، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا} [ الحشر: 7 ]، ويقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، في هذه الأدلة وجوب اتباع كتاب الله وسنة رسول الله ص، والبعد عن التقليد الذي كان سبب شرك المشركين كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23]، وفي حديث البراء بن عازب ب: «وأما الكافر أو قال : الفاجر. فإذا قيل: من ربك ومن نبيك وما دينك؟ قال: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته»(1)الحديث، الواجب على المسلم أن يتبع كتاب الله وسنة رسوله ص إن كان يقدر على ذلك التمسه بنفسه، ولا يجوز لمن له قدرة على أخذ الدليل أن يعمد إلى التقليد، أما من لا يستطيع أن يأخذ الدليل يبحث عنه، يحقق المسألة، ويرى القول الصواب فيه، فليسأل أهلَ الذكر ثم يأخذ بما أفتوه من الذكر، قال ابن حزم : في ”فصل التقليد“: إن الله أرشد الناس إلى سؤال أهل الذكر عن الذكر، ولقد ألف العلماء في هذه المسألة مؤلفات حافلة.
__________
(1) أخرجه أبو داود (12/89) وابن أبي شيبة (3/380) وهو في ”الصحيح المسند“للشيخ : (1/111-113).(1/90)
ومن أحسن ما ألّف ذلك الفصل من كتاب ”إحكام الأحكام“ لابن حزم :، وكتاب الشوكاني ”ذم التقليد“، وهكذا المعصومي له رسالة مستقلة في أن التقليد قد أبعد كثيرا من الناس عن الحق، وأنهم يتخاصمون ويختلفون حتى ينفروا ويطردوا من يريد الإسلام عن الإسلام، والفلاني له رسالة في هذا، ولابن القيم مبحث نفيس عن التقليد في ”أعلام الموقعين“ خلص بأن المقلد لا يعتبر من أهل العلم مع نقل الإجماع على ذلك، والتمذهب، والتحزب دعوة إلى التفرق، والله عز وجل يقول: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ*مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون َ} [الروم:31 32]، ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلون} [الأنعام:159]، إن أئمة هذه المذاهب كلهم ينهون وينأون عن تقليد الرجال. واقرأ أقرب مصدر في ذلك ”صفة صلاة النبي ص“ للعلامة الألباني عليه رحمة الله، فقد ذكر زبدة من أقوال الأئمة، الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام أبو حنيفة رحمهم الله جميعًا، كلهم ينهون وينأون عن التمذهب، يحذرون الناس: لا تقلدني ولا تقلد مالكا، وخذ من حيث أخذنا فما للناس ما يأخذون بنصائح هؤلاء الأئمة؟ لو كنا مقلدين لقلدنا أبا بكر وعمر ب، ولكن ربما يأتي أثر عن عمر في مسألة من المسائل، يرى أهل العلم خلافه ولا يوافقون عمر رضوان الله عنه، الذي لو سلك فجا لسلك الشيطان فجا غير فجه، وافقه القرآن في أكثر من موضع، ومع ذلك ما هو معصوم. كان يرى التمتع في الحج.(1/91)
والإمام أحمد سأله سلمة بن شبيب: كل أمرك حسن يا أبا عبد الله، إلا قولك بالمتعة يعني التمتع بالحج قال: كنت أرى لك عقلا يا سلمة، عندي أحد عشر حديثًا صحيحًا عن رسول الله ص أأتركها لقولك؟ يعني في استحباب المتعة؛ بل بوجوب التمتع على قول ابن القيم وغيره من أهل العلم، وقال عمران بن حصين ا: تمتعنا على عهد رسول الله ص وقال رجل برأيه. وخالفه علي بن أبي طالب ا، والله يقول: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]، ويقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأويلًا} [النساء:59].(1/92)
يا أيها المتمذهبة، لا تربطوا الناس بأقوال الرجال، اربطوهم بالدليل من أشكل عليه في أمر دينه شيء سأل أهل الذكر من الناصحين الصادقين السلفيين، تسأل العالم السلفي إن شاء الله يفتيك بالدليل الذي تطمئن إليه نفسك، وإذا أخذت بتلك الفتوى باعتبارها بالدليل، تكون أخذت بالدليل، وعلى أهل العلم أن يبينوا للناس كتاب الله وسنة رسول الله ص، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]، فهم مأمورون ببيانه للناس في الإفتاء وفي غيره، ورسول الله ص قال: «لا حرج»، معناه: أن رسول الله ص يوحى إليه، قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 4]، أما أنت فاذكر للناس الدليل، أنت ما يوحى إليك، وإنما تبين للناس كتاب الله وسنة رسوله ص، قال تعالى: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هو إلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أولو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم:52]، فأنا أنصح إخواني المسلمين جميعًا من وصله هذا الكلام أن يتقي الله في نفسه وأن يتجرد للحق باتباع كتاب الله وسنة رسوله ص، وأن يبتعد عن التمذهب، وعن التحزب، وإذا أشكل عليه أمر من أمور دينه سأل أهل الذكر عنه، إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسألون بعض الصحابة، وهل معناه أنهم قلدوهم؟ لا، ولكن سألوهم عن الدليل. اختلف المسور بن مخرمة وابن عباس ا في غسل المحرم: أيغتسل من على رأسه؟(1)
__________
(1) أخرجه البخاري (1840)، ومسلم (1205)..(1/93)
فماذا كان مرجعهم؟ ما أحد يقول: خلاص أنا نجم، وأنت نجم، كما في ذلك الحديث الضعيف المنكر: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»(1)، لكن كل منهم رجع إلى الدليل والتمس من عنده دليل، وهو أبو أيوب ا أرسلوا إليه، قال: نعم، أنا رأيت رسول الله ص اغتسل هكذا، وصب ماء على رأسه، وهو كان يغتسل ورجعوا إلى ذلك،اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في القدوم على بلد فيهم الطاعون، عمر بن الخطاب ا استشار المهاجرين واستشار الأنصار، وكل يشير إليه بما يرى، ثم قال: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه على حسب رأي كبار السن من أهل الفتح. فبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف ا قال:عندي عن هذا علم، سمعت النبي ص يقول: «إذا كان الطاعون بأرض فلا تقدموا عليها وإذا وقع في أرض أنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارًا»(2)، فحمد الله عمر على أنه وافق الحق، وابن مسعود ا سئل عن امرأة توفي عليها زوجها وقد عقد بها ولم يجعل لها صداقًا، قال: سأقول عن هذا برأيي، إن كان صوابًا، فمن الله، وإن كان خطأً، فمني ومن الشيطان، لها المهر كاملًا، وعليها العدة ولها ميراث، فجاء رجل من بني أشجع فقال إنه سمع النبي ص قضى بهذا في بروع بنت واشق، فحمد الله ابن مسعود(3). حمدوا الله على أن حكمهم الدليل، هذا شأن أصحاب النبي ص، قال عمر ا: أنشدكم هل سمعتم النبي ص قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»؟ قالوا: نعم، جمعهم أبو بكر، وجمعهم عمر من أجل خبر رسول الله ص؛ لتحري ذلك، قالوا: أمراء المؤمنين يجمعون الناس لأخذ الدليل، ورب دليل واحدٍ يستنيرون به عن رسول الله ص.
__________
(1) من حديث جابر أخرجه ابن عبد البر في ”جامع بيان العلم“ (2/91) وابن حزم في ”الأحكام“ (6/82) وفيه سلام بن سليم مجمع على ضعفه، وكذبه ابن حراش، وفيه أيضًا الحارث بن غصين: مجهول.
(2) من حديث ابن عباس أخرجه البخاري (5729) ومسلم (2221).
(3) من حديث ابن مسعود أخرجه أبو داود (2115) والترمذي (1145).(1/94)
إن الحسن بن علي ب، ومعاوية ا كان كل واحد منهم عنده جيش عرمرم، وجاء أبو بكرة إلى الحسن، فقال: سمعت النبي ص يقول: «إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين الفئتين العظيمتين من المسلمين»(1)، كان هذا الحديث حقنا لدماء الأمة وسمي ذلك العام عام الجماعة، حقن الله دماء الأمة في ذلك الزمان من صدر الإسلام. ومع ذلك حديث واحد استفادوا منه أيما فائدة وسلم المسلمون به، يا أخي، إن هؤلاء الذين يدعون الناس إلى التقليد، والله، يدعونهم إلى الحرمان، وإلى ما لا ينفعهم؛ فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا. نعم، بعض أهل العلم يقولون:يجوز للعامي أن يقلد. العامي الذي لا يعرف الشيء يسأل عالما يثق به ويقلده. نقول: يسأل عالما إن شاء الله فإذا أفتاه، أفتاه بالدليل أو مضمون بالدليل، يكون أخذ بالحق، ما أخذ بمجرد الرأي؛ فالتقليد محرم في دين الله، حرام.
تعريف التقليد: هو اتباع من هو ليس بحجة بغير حجة، فأنت كيف تتبع من ليس بحجة!! قال العمريطي في ”منظومة الورقات“:
تقليدنا قبول قول القائل ... من غير ذكر حجة للسائل
هذا تعريف جمهور أهل العلم له.
الأسئلة الإندونيسية
الأصل في المسلم السنة أم البدعة؟
السؤال: هل الأصل في المسلم السنة أو البدعة، وجزاكم الله خيرا؟
الجواب: لا يقال المسلمون كلهم أهل سنة، ولا يقال المسلمون كلهم أهل بدعة، وكل ينزل في منزلته، وكل يقال الآن فيه بحسب حاله؛ فمن المسلمين من
__________
(1) رواه البخاري (3746).(1/95)
هو صاحب سنة، ومن المسلمين من هو صوفي ومن المسلمين من هو شيعي ومن المسلمين من هو حزبي، ومن المسلمين من هو مرجئ، هل يقال: هؤلاء أهل سنة؟ هذا غلط فاحش، ومما يؤيد هذا القول حديث رسول الله ص: «افترق اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترق النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»(1)دل هذا على أن من المسلمين من هذه الأمة التي هي أمة الإجابة والإثابة، فمنهم من هو مخالف للفرقة الناجية، ومخالف للحق والسنة.
الأسئلة الماليزية
تنفيذ السنة في أخذ اللقمة الساقطة
السؤال: إذا قال قائل: لا يصلح تنفيذ سنة رسول الله ص في أخذ اللقمة الساقطة أمام الناس؛ لأنه يستهان فاعلها خصوصًا والمسلمون عمومًا، أما تنفيذها منفردًا أو مع العيال، فلا بأس، ما صحة هذا القول؟
الجواب: هذا القول باطل، كيف تطبق السنة إذا كنت وحدك وتتركها إذا كنت في الناس؟ والله عز وجل يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 8]، فهذه سنة عمل بها النبي ص أمام الناس، فرأوه ونقلوا ذلك عنه، وخير الهدي هديه، وهذا تواضع، والتواضع محمود، ما هو مذموم، إذا سقطت اللقمة تمسح، وتؤكل، أما إن كان بعضها مختلطًا بالتراب ولا يمكن أن يتميز منها؛ فأكل التراب فيه ضرر، والنبي ص يقول: «لا ضرر ولا ضرار»، وقد رأى النبي ص تمرة، فقال: «لو لا أن
__________
(1) أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة، وقد حسنه شيخنا رحمه الله كما في ”القدر“.(1/96)
أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها»(1)، ألا فتواضعوا أيها الناس، ففي الصحيح أن النبي ص قال: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا»، إذا كان يستطيع أن يزيل ما بها من أذى ويأكلها، يأكلها ولو أمام المئات من الناس الذين ينتقدون عليه ويقولون: هذا ما هو مثقف، واذكر لهم تلك الأحاديث حتى يستصغروا أنفسهم، أو تكون لك الصولة عليهم. إن لم ينصاعوا للدليل، ويعتبر ذلك دعوة لهم إلى التواضع والسنة وأنهم هم الذين أعرضوا عن السنة، أما تبقى تتابع الجهال في الانتقادات التي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة هذا ما هو شأن الداعي إلى الله.
الأسئلة الإندونيسية
الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة
السؤال: هل هناك فرق بين قيام الحجة وفهم الحجة؟
الجواب: الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ص تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهواتِ أَنْ تَمِيلوا مَيْلًا عَظِيمًا*يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:26-28]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم} [النحل: 44]، ويقول سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
__________
(1) عن أبي هريرة ا، رواه البخاري (2432)، ومسلم (1070).(1/97)
رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم:4]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، وثبت من حديث العرباض بن سارية وغيره بمجموع طرقه أن النبي ص قال: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك»، وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصب قال: كنا مع النبي ص في سفر فنزلنا منزلا فمنا من هو في جَشَرِهِ، وَمِنَّا من يصلح خباءه ومنا من ينتظر فنادى منادي رسول الله ص، فلما حضرنا قال: «إنه ما من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذر أمته شر ما يعلمه لهم، ألا وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها، ويصيب آخرها فتن وأمور تنكرونها، وتأتي فتنة، فيقول: المؤمن هذه مهلكتي، فتنكشف وتأتي الأخرى، ويقول: هَذِهِ هَذِه...»(1)، وذكر الحديث إلى آخره، وشاهدنا من هذه الأدلة أنه لا بد من فهم الحجة، لا بد من فهم الحجة على من أراد تبليغها أن يفهمها ولهذا؛ فإن الله عز وجل يرسل الرسل من قومهم وبلسانهم، ونوح عليه السلام يذكر صفة دعوته لقومه، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا. فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَارًا.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (4753).(1/98)
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارا} [نوح:5-7]، إلى آخر سورة نوح بما فيها من البيان في الليل والنهار، والسر والجهر؛ لإقامة الحجة، وإيصال الحجة، قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، فمن هذه الأدلة كما سمعتم يتبين أن إقامة الحجة تكون بفهمها وأنه إن أتى أعجمي إلى عربي لا يفهم كلامه، يبربر بكلام ما يدري ما يقول، ما يكون قد أقام عليه الحجة؛ لأن المبلَّغ ما تبينت له الحجة، والله يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، فحاصل ذلك أن قيام الحجة يحصل بفهمها أما بغير فهمها لا يحصل قيام الحجة على من أقيمت عليه؛ فالحجة كتاب الله وسنة رسوله ص، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهو ا} [الحشر:7]، وقال: {المص. كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:1-2]، وقال: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم:1].
الأسئلة الصومالية
حكم المظاهرات لمناصرة المظلومين لا للخروج
على الحكام(1/99)
السؤال: ما حكم المظاهرات إذا كانت لا تدعو إلى الخروج على الدولة وإنما تدعو المسلمين إلى مساعدة إخوانهم المظلومين سواء كانت في أفغانستان أو في غيرها؟ مثل ما يفعل كثير من البلاد الإسلامية من المظاهرات التي تدعو للوقوف ضد العدوان الأمريكي على أفغانستان، وتحث المسلمين على مساعدة المسلمين الأفغان؟
الجواب: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد, الحديث متفق عليه عن عائشة ك, وقال النبي ص: «بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظلال رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم»، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أو لِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء:144]، وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليهود وَالنَّصَارَى أو لِيَاءَ(1/100)
بَعْضُهُمْ أولِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51]، فلا يجوز لمسلمٍ تقليدهم؛ فالمظاهرات ما جاءت من رسول الله ص؛ بل ولا من عند أحد من المسلمين المستقيمين إلى أيامنا هذه, إنما جاءت من عند اليهود والنصارى، ومن المقلدين لهم؛ فهي بدعة ضلالة، وهي تشبه بالكافرين، وهي تنازلات عن دين الله، وهي تضييع الأوقات وفيها شرورٌ كثيرة، ذكرنا بعض هذه الشرور والمثالب في شريط مستقل بما حاصله أن المظاهرات ليست من ديننا البتة ونعوذ بالله من ذلك الصنيع يخرجون من البيت إلى الشارع كالأغنام ييعرون في الشوارع؛ فهي محرمة محدثة تقليد الكفار سواء كانت المظاهرات فيها اعتداء على الأعراض، أو اعتداء على أموال الناس, وتكسير السيارة ونحوها. أو كانت المظاهرات كما يقول المسيرة يسمونها سلمية, السلف قد أصيبوا بعام الرمادة في زمن عمر أيامًا طوالًا وما خرجوا يتظاهرون على أمير المؤمنين, وقد آذاهم المشركون وكانوا يقتلون منهم العدد الكثير وما كانوا يتظاهرون, لماذا قتلوهم, فليس هناك مزيد على أن المظاهرات من أفعال الكفار، ويا إخوان, نعوذ بالله من شر الإخوان المسلمين؛ فإنهم نشروا بين الناس على أنها من نصرة الدين حتى أتوا بأثر, والأثر مذكور في ”الحلية“ لأبي نعيم أن عمر بن الخطاب وحمزة عم رسول الله ص أتيا إلى النبي ص وقال عمر: نحن على الحق؟ قال: أنتم على الحق نعم. قال: فلماذا نعطي الدنية في ديننا, نخرج.(1/101)
قال: فخرج عمر في صف وخرج حمزة في صف ولهم كديد، وبدءوا يجعجعون بالأثر وعلى أنهم قد ملئوا أيديهم به, وهم أناس عاطلون جاهلون لا يكادون يفقهون علم السنة، والأثر في سنده إسحاق بن أبي فروة متروك وفي سنده محمد بن عثمان بن أبي شيبة كذبه بعضهم فلا يثبت البتة, وحاش رسول الله ص وحاشا أصحاب رسول الله ص من هذه الفعلة القبيحة، وهذه مهزلة, هذه هزيمة فقد كانوا يقولون للكفار: أنتم بين إحدى ثلاث إما الإسلام، وإما الجزية، وإما السيف(1), والله سبحانه وتعالى يقول: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلوا الَّذِينَ يَلونكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَة} [التوبة: من الآية123]، إن هذه من صنيع الجاهلين فلا يجوز فعل ذلك.
__________
(1) يشير الشيخ حفظه الله إلى حديث بريدة الطويل رواه مسلم (1731)(1/102)
وقد راجعت مادة: (ظهر) من جميع مصادرها من القرآن والسنة فلم أجد إلا أن المظاهرات تأتي للمناصرة ولا تأتي للصياح وللمشي في الشارع يزعقون, يا إخوان لا ينبغي للمستقيمين أن ينخدعوا بهذه الأفعال, أمغني ينصر فلسطين بأغنية؟ يسمونها مظاهرة مسيرة المسيرات، والمظاهرات والإضرابات كل هذه ليست من ديننا، ويأتون ربما بعض النسوة في الشارع تلو ى بمصرها على رأسها على أنها تنصر فلسطين، هذا كلام فارغ، لا يجوز أن يشارك معهم؛ بل ولا يسكت عن ذلك المنكر منكر من أعظم المنكرات. أما قوله: (ننصر على أمريكا) يا أيها البله بماذا تنصرونهم؟ بالمعاصي، إن المعاصي سبب الهزيمة، ولكن انصروهم بالدعاء، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلون جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، وانصروهم بالدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله، وبإقامة التوحيد والسنة فيهم حتى يرفع الله بأسه عنهم، والله لو خرجتم بكلابكم والهرر ونسائكم وأولادكم ما كان ضارا على أمريكا شيئا، أما الدعاء؛ فإن هذا يقصم الله سبحانه به ظهر الكفار، وقد كان رسول الله ص يستعمله يوم بدر(1)وغير ذلك من الأيام، على الكافر، ويحصل له بذلك النصر العظيم.
الأسئلة الإندونيسية (18 شعبان 1420 هـ)
هدم الكنائس والمعابد
السؤال: ما صحة ما جاء عن عمر بن الخطاب ا أنه كتب كتابا إلى أهل إيلياء أن لا تهدم كنائسهم إلى آخر الكتاب، وهو الذي يسمى بالعهد العمري معهم؟
__________
(1) كما جاء في حديث ابن عباس ب أخرجه البخاري (3953)، ولفظه قال ص يوم بدر: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد»، فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك. فخرج وهو يقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر».(1/103)
الجواب: هذا فيه نظر، والنبي ص قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»، وذلك لما في دينهم من الضرر، والتغرير على المسلمين في دينهم(1)، وسواء جزيرة العرب أو غيرها وجب إزالة ذلك المنكر، يقول النبي ? : «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(2)، وهذه أماكن يعبد فيها غير الله، وقد أمر النبي ص بهدم مسجد الضرار، قال الله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أو لِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين َ} [التوبة: 108]، وقال قبل ذلك قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًَا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: 107]، هذه كلها فيها ما في مسجد الضرار فلا ينبغي أن يستدل بهذا الأثر على مخالفة الأدلة لا شك أن هذا الأثر فيه نظر؛ فإنه مخالف لهذه الأصول من القرآن والسنة، ومخالف لما عليه عمر ا في ذلك.
الأسئلة الإماراتية
تفجير مصانع اليهود والنصارى
السؤال: هل يجوز تفجير مصانع اليهود والنصارى الموجودة في بلاد المسلمين إذا أمنت الفتنة؟
__________
(1) 44) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب: هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم، برقم (3053)، ومسلم في كتاب الوصية، باب: ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصى فيه، برقم (1637) من حديث ابن عباسب.
(2) 45) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان برقم (49) من حديث أبي سعيد الخدري ا.(1/104)
الجواب: وجد في خيبر مزارع ووجد عندهم بيوت ورسول الله ص لم يعتد على أموالهم وهم آمنون؛ بل عامل أهل خيبر على بعض الخارج منها مما يدل على أن الكافر يملك ماله فلا ينبغي أن يُعْتَدَى على مال الكافر إن كان ذلك المال في غير فَيء ولا غنيمة، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: من الآية41]، وفي سورة الحشر قال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى...} [الحشر: من الآية7]، والفيء يكون بغير قتال وذلك أن المسلمين يذهبون إلى الكفار، فيجبن الكفار، ويشردون، ويتركون أموالهم, هذا يعتبر فيئًا للمسلمين حلال، فرسول الله ص أرسل إلى رجل من اليهود يريد أن يشتري منه ثوبين إلى الميسرة فقال ذلك اليهود: إنما يريد محمد أن يذهب بمالي، فقال رسول الله ص: «كذب عدو الله؛ فإنهم ليعلمون أنني أشدهم وفاء وأداء للأمانة»، وفي الصحيحين أن النبي ص مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير مما يدل على أن اليهودي يملك ماله، نعم, ينبغي لهم أن يضيقوا على الكافرين لقول النبي ص: «إذا سلموا عليكم، فقولوا وعليكم, وإذا وجدتموهم في الطريق، فاضطروهم إلى أضيقه»، والواجب جهاد الكفار حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية وهم صاغرون، أما هذا الفعل الذي يفعلونه من التفجيرات، سواء كانت تلك التفجيرات في بلاد المسلمين، أو في بلاد الكافرين، فأنا أنصح بترك ذلك ولنا شريط بحمد الله بعنوان: إعلان النكير على(1/105)
دعاة التفجير، أما إن كان هذا المصنع الذي تقدم ذكره مما يبث شرًّا بين المسلمين كمصنع خمرٍ، أو مصنع أسلحة يستعينون بها على المسلمين، واستطاع المسلمون أن يفجروا تلك المصانع بلا ضرر عليهم لإذلال الكافرين ولزحزحة المنكر؛ فإن النبي ص يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، ويقول النبي ص في حديث أم سلمة ك: «من كره فقد برئ، ولكن من رضي وتابع» فلا ينبغي لأحد أن يرضى بالمنكر؛ فإن استطاع المسلمون مع أمن الفتنة، وأن ذلك المنكر الذي غيروه لا يؤدي إلى منكر أنكر فإنه يكون واجبا عليهم تغيير ذلك المنكر الموجود بين ظهراني المسلمين من حيث أنه لا يؤدي إلى فتنة ولا إلى تضييق المسلمين ولا إلى ضرر بهم أشد.
الأسئلة الإندونيسية (18 شعبان 1420 هـ)
مشورة السني العامي، هل تقبل؟
السؤال: أناس لهم فترة غير يسيرة في الدعوة السلفية ولم يعرفوا بطلب العلم الشرعي حتى إن بعضهم لم يتقن جزء واحدًا من القرآن ولم يحسن قراءة الكتب العلمية للبادئين كالأصول الثلاثة ونحوه ومع ذلك لهم آراء ومشورات معتبرة لعلمهم بالتنظيم, فما قامت الجمعيات، ولا صندوق التبرعات إلا من هذا الصنف، فما رأيكم في مثل هذا الأمر؟
الجواب: أولًا، يعلم أن العامي، أو شبه العامي إن أدلى برأي مسدد لا يخالف الكتاب والسنة، أو امرأة أَدْلَتْ بمشورة لزوجها أو لو ليها ما لم يخالف الكتاب ولا(1/106)
السنة؛ فأمر طيب. {وَشَاو رْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: من الآية159], {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: من الآية38], وقد استشار عمر ا كبار السن في قضية القدوم على بلد الطاعون, فأشاروا إليه بالرجوع فرجع(1)، أما إن كانت المشورة مخالفة للصواب فما تقبل. «من استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشد؛ فقد خانه»(2), وبقي ما يتعلق بأنها قامت عليهم الجمعية إن كان هؤلاء بعينهم فهم حزبيون وإن كان معناه أنها ما تقوم في أكثر البلدان إلا على أمثال هؤلاء؛ فالصحيح أنها قامت على أمثالهم، وعلى من هو أكثر علمًا منهم، ولكنها فتنة الدنيا، وانظر إلى جمعية البر، وجمعية إحياء التراث، وغيرها من الجمعيات كيف فسدوا بسبب الدنيا. نسأل الله العافية, «لكل أمة فتنة, وفتنة أمتي المال»(3), وقال صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرس المرء على الشرف والمال لدينه»(4).
هل يسافر أحد مع أمه التي لا تصلي إلى الحج
__________
(1) 1 أخرجه البخاري (5729)، ومسلم (2218) عن ابن عباس ب.
(2) 2 أخرجه البخاري في ”الأدب المفرد“ (259) عن أبي هريرة ا، وهو في ”الصحيحة“ (3100)، وعن أبي هريرة ا أيضًا مرفوعًا : «إن المستشار مؤتمن» أخرجه البخاري في ”الأدب“ ص (99)، وأبو داود (14/37)، وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في ”الجامع الصحيح“ (5/530).
(3) 1 من حديث كعب بن عياض ا, حسنه الإمام الوادعي رحمه الله في ”الصحيح المسند“ (2/178).
(4) 2 أخرجه الترمذي (2377) عن كعب بن مالك ا، وصححه الإمام الوادعي في ”الجامع الصحيح“ (4/396).(1/107)
السؤال: يقول الأخ: أمه نطقت بالشهادتين ولكنها لم تصل. فأراد ولدها الذهاب إلى العمرة وطلب من أمه الذهاب معه لعل الله أن يشرح صدرها لأعمال الإسلام. فما الحكم في سفرها معه وهي على هذا الحال؟
الجواب: لا بأس، هذه تعتبر دعوةً؛ فإن كثيرًا ممن يسلم من تلك البلدان يرسلونه للحج أو العمرة فيتأثر، ويرى المسلمين يقيمون الشعائر ويقوى إيمانه. والإيمان يقوى بالطاعة وبمجالسة أهل الطاعة، وتلك البلاد شعائر الدين فيها ظاهرة، وفي سائر الأوقات يدعوها ويدعو لها؛ فإن ماتت تاركة الصلاة بعد بيان الحجة لها، وتفهيمها ذلك ماتت على كفر، ولكن هذه الطريقة طريقة جيدة: بعد أن أسلمت يذهب بها إلى تلك المشاعر. أمر طيب.
الأسئلة الفرنسية (26 ذو القعدة 1426 هـ )
معنى قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} [المائدة: من الآية 44].
السؤال: ما معنى قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأولئك هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:من الآية44]، {فَأولئك هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: من الآية45]، {فَأولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: من الآية47]، فهل هؤلاء يكفرون بهذه الآيات بدون تفصيل؟
الجواب: الآيات الثلاث: {الكافرون} و{الظالمون} و{الفاسقون}؛ والتكفيريون ما يأخذون الآية الأولى, هذا شيء، الشيء الثاني أنه يجب أن نفهم القرآن على ما فهمه السلف رضوان الله عليهم، وجمهور السلف في هذه المسألة على أن من حكم بغير ما أنزل الله، وهو يرى أن ذلك الحكم مماثل، أو يفضل حكم الله؛(1/108)
فهو كفر مخرج عن الملة إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وإذا رأى أنه يغني عن حكم الله ولو لم يكن مماثل هذا أيضا يكفر، أما إن كان يرى أن حكم الله لازم وواجب، وأنه لا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله، وإنما حكم بذلك الحكم وهو يعترف بخطئه ويرى نفسه في ذلك عاصيًا وأنه لا يجوز الابتعاد عن كتاب الله وسنة رسوله ص، هذا يكون عاصيا, بنحو هذا قال ابن أبي العز في ”شرح الطحاوية“ في قوله: ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، قال رحمه الله: واعلم رحمك الله وإيانا أن باب التكفير وعدم التكفير بابٌ عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم، فالناس فيه في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة المخالفة للحق الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر، أو المخالفة لذلك في اعتقادهم على طرفين ووسط، من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية.(1/109)
فطائفة تقول: لا نكفر من أهل القبلة أحدًا، فتنفي التكفير نفيًا عامًّا، مع العلم بأن في أهل القبلة المنافقين، الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، وفيهم من قد يُظهر بعض ذلك حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين، وأيضًا فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة المتواترة، ونحو ذلك، فإنه يستتاب؛ فإن تاب وإلا قُتل كافرًا مرتدًا، والنفاق والردة مظنتها البدع والفجور، كما ذكره الخلال في كتاب السنة بسنده إلى محمد بن سيرين، أنه قال: إن أسرع الناس ردَّةً أهل الأهواء، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِيْنَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمُ حَتَّى يَخُوضُوْا فِي حَدِيْثٍ غْيِرهِ} [الأنعام:68]، ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحدًا بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب، كما تفعله الخوارج، وفرَّق بين النفي العام ونفي العموم، ولهذا والله أعلم قيده الشيخ : بقوله: ما لم يستحله. وفي الذنوب العملية لا العلمية اهـ، وهو قول شيخ الإسلام أيضا، وقول تلميده ابن القيم، وما عندنا مزيد على هذا التفصيل السديد ولله الحمد فيفهم القرآن على ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم.
الأسئلة الأرومية
السياسة الشرعية
الضابط في طاعة ولاة الأمور
السؤال: ما هو الضابط في طاعة ولي الأمر؟ وهل في كل مباح نهى عنه الولي يجب تركه؟ مثال ذلك عندنا: منع البصاق في الشوارع، فهل يصير البصاق حرامًا؟(1/110)
الجواب: الأدلة في طاعة ولي الأمر عامة، بالسمع والطاعة: «وإن تأمر عليكم عبد»(1)وفي حديث العرباض بن سارية ا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور»(2)«أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، وعلى هذا إن أمر بطاعة الله وجبت طاعته طاعةً لله وطاعة لو لي الأمر وإن أمر بمعصية الله وجبت معصيته قدر المستطاع، طاعةً لله ويجب عليه أن لا يحاد الله عز وجل سواء أمر الناس بخلق اللحية أو لباس الكفار أو غير ذلك؛ فلا يجوز له ذلك، قال الله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، والعبادة اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضاه وفي الصحيحين: «لا طاعة لمخلوق في معصية
__________
(1) من حديث أم الحصين رواه مسلم (1838) وبعدهٍ
(2) رواه أبو داود (12/3518) وهو في ”الجامع الصحيح“ (4/515).(1/111)
الخالق»(1)، وقال: «إنما الطاعة في المعروف»(2)، والمعروف ما يعرف شرعًا؛ فإن كان في أمر مباح فيطاع مثال الأمر بأن يصان البلد من كذا وكذا فيطاع كما دل عليه الحديث فإن حصلت المشقة فلا يطاع في مشقة وبما ليس معروفا كأن يكون الإنسان مثلًا عنده بلغم وما عنده منديل ثم يبصق في الشارع، هل يكون عاصيا؟ لا إن شاء الله ما يكون عاصيًا، جاء حديث في النهي عن رد الريحان(3)، والطيب، واللبن، ومع ذلك أهل العلم يقولون: إن كان لا يحبه ويتأذى من ذلك فله أن يأبى أما من حيث الجملة؛ فإن طاعة ولي الأمر حتى في الأمر المباح مطلوبة شرعًا ومقصودة، وما ينبه عليه ما يتعلق بجوازات المسافرين للحج فهذه المسألة حقيقة تحتاج إلى تأمُّل بالأدلة في وجوب الحج لمن استطاع إليه سبيلا بنص القرآن والسنة: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلى خَمْسٍ»(4)ولو استطاع الإنسان أن يحج ويؤدي مناسك الحج وما يتمكن من إعطائه ذلك الجواز ومن تلك الوثيقة التي يسافر بها وأدى مناسك الحج؛ فإن حجه صحيح ولا يستطيع أحد أن يُدَلِّلَ على بطلان حجه إذ أن بطلان العبادات يحتاج إلى دليل شرعي من كتاب الله وسنة رسوله ص، وأما هذه القوانين الآن فهي محدثة جاءت قريبا ونحن نحث الناس أن يسافروا بالطريقة الرسمية التي هي آمنة، وعلى ذلك أدلة قد بينت والحمد لله في كتاب ”تنوير الحوالك ببيان أحكام المناسك“ ضمن بحث لي في ”شرح المنتقى“ لابن الجارود :، وإنما الشأن هو: إن حجَّ بغير جواز؛ فحجه صحيح لما ذكرناه آنفًا.
الأسئلة الإماراتية (3 جمادى الثانية 1425)
حكم طاعة ولاة الأمور للكفار في المظاهرات
والأعياد ونحوها خوفًا منهم
__________
(1) من حديث علي ا رواه البخاري (7145) ومسلم (1840).
(2) وهو قطعة الحديث المتقدم.
(3) من حديث أنس ا رواه مسلم.
(4) من حديث ابن عمرب رواه البخاري (8)، ومسلم (16).(1/112)
السؤال: هل يجوز لنا الخروج مع الكفار للمظاهرات أو لتكريم أعيادهم إذا أمرتنا الحكومة وألزمتنا ذلك ونحن نخاف من بطشهم أو السجن؟
الجواب: يجب أن يجتنب عن المعاصي, المظاهرات والانتخابات، وأعياد الكفار، والمظاهرات هي للكفار سواء كانت في بلاد المسلمين أو في بلاد الكفار, هي من عندهم, وإنما قلدهم جهال وأغمار المسلمين، قلدوهم في ذلك تقليدًا. فنعم, يجب عليه أن يبتعد. قال الله سبحانه وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أو لِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء:144], وقال سبحانه وتعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلو كَانُوا آبَاءَهُمْ أو أبْنَاءَهُمْ أو إخْوَانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: من الآية22], وقال سبحانه وتعالى: {وَتعاونوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تعاونوا عَلَى الْإِِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: من الآية2], والمظاهرات معناها التظاهر والتعاون, لا يجوز التعاون مع الكفار في هذا الفعل, لا معهم ولا مع غيرهم؛ فإنها محرمة, وإنها محدثة ومن التشبه بالكفار الذي نهى عنه ص كما ثبت عنه ذلك قوله: «ومن تشبه بقوم فهو منهم», فهذا حاصله أنه لا يخرج, وسيجعل الله فرجًا ومخرجًا, فممكن أن يذهب يعتمر ويمكنه أن يختبئ في بيته حتى ييسر الله له الخروج من بلاد الكفار, هذا كله من أضرار المكث بين أظهر الكفار كما ترى، يجب أن يبتعد عن المعاصي ولو ألزموه بشرب الخمر، ولو ألزموه بالزنا مع العاهرات، ولو ألزموه بأي شيء(1/113)
من أنواع المعاصي، ولو ألزموه ببدعة محدثة، كل ذلك لا يستجيب لذلك لا لكافر ولا لمسلم. إنما الطاعة في المعروف حتى لو أمرك بذلك أبو ك وأمك لا يجوز أن تطيعه في ذلك فضلا عن أمر الكافر: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، أي: إن أطعتم الكفار في شرك بالله ومعصية بالله سبحانه, {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هو سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31], نعم, إن هذا لا يصل إلى حد الشرك مازال غير راغب وغير راضٍ عن قوانينهم الباطلة، لكن المقصود أن هذه الأدلة فيها عمومات لما ذكرنا، أن ذلك لا يجوز.
الأسئلة الأرومية
الفرق بين البيعة والطاعة
السؤال: ما الفرق بين البيعة لو لي الأمر والطاعة له وهل يلزم كل مسلم أن يبايع ولي الأمر أم يكفي في ذلك أهل الحل والعقد وعلى ماذا يحمل قول النبي ص: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»؟
الجواب: حديث ابن عمرب في الصحيح(1)يدل على لزوم البيعة إذا طلب منه ولي الأمر من المسلمين، ومن طاعته أن يبايعه ولو كان عبدا حبشيا كما دل على ذلك حديث أنس بن مالك ا في صحيح البخاري(2)، وحديث العرباض بن سارية(3)ا, وأما في بدئ الأمر؛ فإنه لا يبايع إلا لإنشاء أمير قرشي، قال ص:
«
__________
(1) أي: صحيح مسلم (1851).
(2) برقم (7142).
(3) تقدم قريبًا.(1/114)
الأئمة من قريش ما بقي من الناس اثنان»(1)، يبايع إذا طلب منه ذلك، أما أنها لكل الناس، فلا، هي لأهل الحل والعقد، ومن طلب منه بايع ومن لم يطلب منه فليس بملزم، وكانوا يبايعون أهل الحل والعقد، ما كانوا يبايعون الرعاء، وكل أهل البوادي، والنساء والصبيان، نص على ذلك القرطبي : عند هذا الحديث، فالطاعة لازمة، ومنها: البيعة، وأن من بايع إمامًا وأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه؛ فليطعه ما استطاع كذا قال النبي ص كما في الصحيح(2)، وليس معناه أن من لم تطلب منه البيعة أنه يجوز له الخروج على ولي الأمر المسلم، ولكن الطاعة أعم من البيعة؛ فالبيعة خاصة بأهل الحل والعقد ومن طلب منه الوالي، والطاعة في المعروف عامة للمبايع وغيره.
الأسئلة الإماراتية
الفرق بين التولي والموالاة
السؤال: ما الفرق بين التولي والموالاة؛ لأن بعض الناس يقول بوجود الفرق بينهما؟
الجواب: يقول الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} [البقرة: 257]، وقال تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11]، وقال تعالى: {مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ} [الأنفال: 72]، ويقول في الحديث القدسي: «من عادى لي وليًّا، فقد آذنته
__________
(1) عن ابن عمر ب أخرجه البخاري (7140)، ومسلم (1820).
(2) من حديث عبد الله بن عمروب رواه مسلم (1844).(1/115)
بالحرب»(1)،ويقول النبي ص فيما أخبر الله تعالى عنه: {إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين} [الأعراف: 196]، وقال النبي ?: «إن بني فلان ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين»، وفي حديث الحسن أن النبي ? علمه دعاء القنوت، وفيه: «وتولني فيمن توليت»، وقال الله عن الكفار: {وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} [الرعد:34]؛ فمن هذه الأدلة يظهر أن التولي والموالاة بمعنى واحد ومن فرق بينهما فليأت بما دل على التفريق وما أدري ما مقصود من أراد التفريق بين هذه الألفاظ, أ يعنى يجوز موالاة الكافرين ولا يجوز توليتهم أو يجوز تولية الكافرين ولا يجوز موالاتهم لا دليل عليه هذا القول.
الأسئلة الإماراتية
المشاورة لولاة الأمور
السؤال: قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159] الآية. فهل تدل الآية على وجوب الشورى على ولي الأمر؟
الجواب: اختلف أهل العلم في هذا منهم من يقول: تجب عليه ومنهم من يقول: لا تجب عليه والظاهر أنها لتطييب قلوبهم وليست بواجبة عليه {وَلو كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاورْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: من الآية159]، وقد شاور النبي ? كثيرًا، قال أبو هريرة ا: ما رأيت أحدًا قط أكثر مشورة لأصحابه من النبي ص ثبت عنه ذلك(2)، وثبت في صحيح مسلم عن أنس ا،
__________
(1) من حديث أبي هريرة ا، رواه البخاري (6502).
(2) قال الحافظ في ”الفتح“ (15/284) تحت الحديث (7369)، ورجاله ثقات إلا أنه منقطع وقد أشار إليه الترمذي في الجهاد فقال ويروى عن أبي هريرة فذكره(1/116)
أن النبي ص يوم بدر حين أراد أن يتلقى عير قريش جمع الأنصار والمهاجرين واستشارهم في ذلك. وتكلم أبو بكر ا فأعرض عنه وتكلم عمر ا فأعرض عنه فقام سعد بن عبادة ا فقال: إيانا تريد يا رسول الله, لو أمرتنا أن نخيضها البحر؛ لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك العماد؛ لفعلنا قال: فندب رسول الله ص الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدرًا(1)... الحديث؛ فالمشورة فيها خير كثير ويظهر من ذلك أنها مستحبة في حق ولي الأمر وحق النبي ص وليست بواجبة عليه مطلقا, وأن يستشير في ذلك أمراء المسلمين وذوي رأيهم أعني أهل الحل والعقد ما كل واحد يستحق أن يشاور إنما أهل الحل والعقد وأهل الصلاح والورع حتى يشيروا بالرشد؛ لحديث: «من استشاره أخوه فأشار إله بغير رشد فقد خانه»(2)؛ فالعامي، والجاهل، والمبتدع الضال لا يستشار, وشيخ الإسلام : قد تكلم في هذه المسألة في ”السياسة الشرعية“، وقال: إنه ينبغي لولي الأمر أن لا يستغني عن مشاورات الراشدين من جنوده أومن رعيته وأن يأخذ ما وافق الدليل لقول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر} [النساء: من الآية59].
الأسئلة الإماراتية
ما حكم البيعة لامرأة إذا تمكنت من الحكم
السؤال: إذا تمكنت امرأة من الحكم كما في بنجلادش، فهل بيعتها منعقدة أم باطلة؟
__________
(1) برقم (1778)
(2) من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في ”الأدب المفرد“ (259)، وهو في ”الصحيحة“ (3100).(1/117)
الجواب: باطلة, باطلة؛ لما روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي بكرة ا قال: قال رسول الله ص: «لن يفلح قوم ولى أمرهم امرأة»(1). قال الإمام البغوي :: المرأة لا يصلح أن تكون وليةً لأمر المسلمين؛ لأن ولي الأمر ينبغي أن يخرج إلى الناس ويبرز للناس وهي مأمورة بالحجاب؛ ولأن ولي الأمر ينبغي أن يكون من أهل الأحلام والنُّهَى، وتدبير الأمور بعد الله تعالى. وقال النبي ص: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن»(2)؛ ولأن ولي أمر المسلمين ينبغي أن يكون فاهما بما يرعى به البلد من رعاية وما إلى ذلك، وأن يطلع على الناس ومتابعات أحوالهم وعارفا بما يحمي به بلده ونحو ذلك, كل هذا لا يتأتى في حقوق المرأة بل هي تربي أولادها وتطيع ربها، وتطيع زوجها وليس لها من من ولاية أمر المسلمين شيء، ومن بايعها أعانها على الإثم والعدوان وهو في ذلك غاش للمسلمين و: «من غشنا فليس منا»(3).
الأسئلة الإماراتية
إذا كان الحاكم امرأة مسلمة، هل تجب طاعتها؟
السؤال: إذا كان الحاكم امرأة مسلمة، هل تجب طاعتها كما يطاع الحاكم المسلم، أم يجوز الخروج عليها؟
__________
(1) برقم (7099).
(2) عن أبي سعيد الخدري رواه البخاري (304)، ومسلم (80).
(3) عن أبي هريرة رواه مسلم (101).(1/118)
الجواب: روى الإمام البخاري : في صحيحه من حديث أبي بكرة ا أن النبي ص قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة(1)، ومن هنا تعلم على أنهم إن ولوا أمرهم امرأة عرضوا أنفسهم لعدم الفلاح ولا يجوز لأحد أن يعرض نفسه لعدم الفلاح وإن استطاع أحد أن يتمرد على تلك الوالية فعل. أما إذا استتب الأمر لها وبيدها الحكومة والسلطة وبإمكانها أنها تضر بذلك المخالف بما لا يتحمل في دينه فإنه يطيع في ذلك الأمر ويصبر لا على أن لها طاعة، لكن حقنًا لدماء المسلمين وحفاظًا على أعراض المسلمين وعلى نفوس المسلمين ومن إزهاق نفسه، قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّه} [النحل: من الآية106]، هذا إذا كان في الكفر فهو فيما دون الكفر أولى وعلى كل حال فالمرأة الحاكمة ليس لها أن تحكم على الرجال. يقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: من الآية34]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: من الآية228]، وقد ذكر البغوي : وذكره أيضا الحافظ ابن حجر عند هذا الحديث على أنها ليست لها قدرة على القيام بالمهمة وليست لها قدرة على الولاية وأنها امرأة ضعيفة، قال النبي ص: «اللهم، إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة»، وقال: «رفقًا بالقوارير»، وربنا
__________
(1) برقم (7099).(1/119)
يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [النور:33]، فإذن قد كلفت نفسها ما لا تطيقه والنبي ص يقول: «يا أبا ذر أنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى حق الله فيها» فهي تعرض نفسها، وتعرض المسلمين للخزي والندامة(1)، وتقدم في الحديث أنهم لا يفلحون، ولا يجوز لأحد أن يعرض نفسه إلى عدم الفلاح إلا أنه يبتعد عن الفتن المهلكة، كما بيناه قبل.
الأسئلة الإندونيسية (18 شعبان 1420هـ)
هل يجب أن يطيع المسلمون أوامر الكافرين؟
السؤال: حكومتنا الرئيسية من المسلمين ولكن في بعض الجُزُر أكثر السكان نصارى؛ فالقائمون عليهم أيضًا نصارى، هل يجب علينا نحن المسلمون طاعتهم مع العلم بأن الأوامر لم تصدر من الرئيس المسلم؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فالذي فهمت من هذا أن الأصل في الحكومة والبلاد أنهم مسلمون ويوجد نصارى متسلطون على بعض الجزر، وتأتي الأوامر من قبل النصارى على أناس مخصوصين ليس من قبل الرئيس المسلم، فهل تجب طاعة هؤلاء النصارى؟ نعم، هكذا السؤال والجواب: هؤلاء الذين جعلوا من أنفسهم حكومةً وأصدروا أحكامًا أو أوامرَ، لا تجب الطاعة لهؤلاء النصارى، بل لا تجوز طاعتهم؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141]، ولقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أو لِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]، ولقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا
__________
(1) رواه مسلم (1825) من حديث أبي ذر ا.(1/120)
بَعْضُهُمْ أو لِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73]، ولقوله سبحانه: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، ولقوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، ولقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هواهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]، ولقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا*وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالوا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:60/61].
فهذه الأدلة تدل أنه لا يجوز التحاكم إلى الكافرين؛ لاسيما الرضا بذلك، وإرادة ذلك، أما إن أُرغم المسلم وأجبر على التحاكم عند الكافر وهو غير راضٍ وغير مريد لذلك فلا إثم عليه؛ فإن الآية فيها: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء:60]، وهذا ما يريد إنما أجبر وألزم وألجئ لذلك؛ فيعفو الله سبحانه؛ لقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، ولقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106].
الأسئلة الإندونيسية
الضوابط الصحيحة في تكفير الحاكم
السؤال: ما هي الضوابط الصحيحة في تكفير الحاكم؟(1/121)
الجواب: ما عندي مزيد على ما قاله سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، وبالأخص شيخ الإسلام ابن تيمية :، وتلميذه، وابن أبي العز، فهو وإن لم يكن تلميذًا له مباشرة؛ فإنه تتلمذ على تلميذه ابن كثير، ونقل عنه في عدة مواضع من
”شرح الطحاوية“، ولخص من كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وغيرهم من أهل السنة.(1/122)
بما حاصله عند فقرة (ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله قال ابن أبي العز :: إن كان ذلك الحاكم حكم بغير ما أنزل الله، ويرى أن هذا الحكم مثل ما أنزل الله أو أحسن منه؛ فهو كافر خارج من الملة وإن حكم بغير ما أنزل الله لشهوة أو لجبن ويرى في ذلك أن حكم الله أهدى وأحسن وليس مماثلا ولا مساويا لحكم غير الله سبحانه وتعالى ولا مبتغيا لحكم غير الله وله بعض التأويلات فلا يكفر؛ لأن الله قال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: من الآية85]، انظر كلمة يبغون، أي: يرغبون ويجبون، ويقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوت} [النساء: من الآية60]، والشاهد منه يريدون, عندهم رغبة ولحكم على غير حكم الله إن كان جُبنًا أو تزلفًا لبعض الناس أو مطلبا للدنيا أو ظلما أو فسقا أو ما إلى ذلك فلا يكون خارجا عن الملة؛ بل يكون ضالًّا ويكون فاسقًا كما قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأولئك هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: من الآية45]، وكما قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: من الآية47]، ويكون كفرًا غير مخرج عن الملة، وقد قال بذلك ابن عباسب وآخرون من أهل العلم وثبت عن ابن عباس في تفسير ابن جرير هذا القول(1)، والأدلة تدعم هذا القول كما ذكرنا بعضها آنفا.
__________
(1) وأو رده ابن كثير في تفسيره عند الآية من رواية الحاكم وابن أبي حاتم وصححه الحاكم، وكذا الألباني في ”الصحيحة“ (6/114).(1/123)
أي تدعم قول شيخ الإسلام في ما نقله ابن أبي العز في هذه المسألة، فالأمر خطير، النبي ص قال: «من قال لأخيه يا كافر؛ فإن كان كما قال، وإلا حار عليه»(1)وقال ص: «من قال لأخيه يا كافر؛ فإن كان كما قال، وإلا باء بها أحدهما»(2)، فهذا خطر عظيم، وقد قال بعض أهل العلم: لأن أزل، فأحكم على أحد بأنه مسلم خير من أن أزل فأحكم على مسلم بأنه كافر، هذا القول في ”التنكيل“ للمعلمي، فالواجب على المسلم أن يكون في غاية من التورع عن التكفير إلَّا لمن كفره الله أو رسوله ص، فتكفيره واجب.
ثم قال الشيخ حفظه الله : وقد قال المعلمي في ”التنكيل“: قد جرب الناس الخروج على الحكام من لدن تلك القرون إلى يومنا هذا فما جنوا من وراء ذلك إلا الويلات، ومع القول بضلال ذلك الحاكم فإن الناصح يذكر الباطل ويفند الباطل ويحذر الناس من فعله، ولا يهيج الأمة على الخروج عليه بالخطابة، والكتابة، ونحو ذلك، بأنَّ الحاكم المسلم الفلاني ضال؛ فإن هذا قد يؤدي إلى الضرر، لاسيما ممن له صولة وجولة وبيده في دولته الحديد والنار.
الأسئلة الإندونيسية (18 شعبان 1420)
حكم إقامة دولة مستقلة
السؤال: في بعض الجزر جماعة من المسلمين أرادوا أن ينفصلوا عن الدولة ويقيمون دولة مستقلة يزعمون أنها خلافة إسلامية على أن أميرهم في أوربا، هل هؤلاء يعدون من الخوارج الذين خرجوا عن طاعة ولاة الأمور وتجوز محاربتهم، ومقاتلتهم حتى يكف عن فعلهم، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: الجهاديون أصحاب فتن، والإخوان المسلمون أيضًا هذا ديدنهم: تكفير الحكام، وإذا تكلموا يقولون: نريد دولة إسلامية وحاكمًا مسلمًا، وهم إن كانوا في السعودية وفي اليمن كذلك، أو في أي بلد مسلم، فهذا شأنهم: الخروج عن
__________
(1) من حديث أبي ذر ا أخرجه البخاري (3508) ومسلم (61).
(2) من حديث ابن عمر ب أخرجه البخاري (6104) ومسلم (60).(1/124)
الحكام، وتكفير الحكام، والثورات، والانقلابات، والتفجيرات، والقلاقل، وينبغي للمسلمين أن يكونوا على حذر منهم، ولا يسع المجال لذكر مفاسد أفكار هؤلاء القوم نسأل الله أن يهديهم.
الأسئلة الإندونيسية (26 جمادي الثانية 1424 هـ)
انتصاب الأمير المسلم المستقل تحت ظل حاكم كافر
السؤال: هل يجوز لطائفة مسلمة في ظل حاكم كافر أن تنصب لنفسها أميرًا، أو خليفة يقيم حكم الله فيما بينهم مع توافر الأسباب وانتفاء الموانع؟
الجواب: إذا علم كفره بالأدلة الشرعية عند من يعرف ذلك بأدلته من أهل الحل والعقد, وكانوا قادرين على إقامة دولة إسلامية ويقيمون فيها شرع الله فالحكم في ذلك حديث عبادة بن الصامت ا في الصحيحين أنه قال: بايعنا رسول الله ص على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان مفهومه على أنهم إن رأوا كفرا بواحًا عندهم فيه من الله برهان كان لهم أن يخرجوا على ذلك الحاكم بشروطه التي قيدها أهل العلم من أمن الفتنة وأن تكون انتزاع تلك الولاية من ذلك الحاكم إلى خير منه وأن تكون المصلحة ظاهرة أو متحققة بينة, أما أن يخرج على ذلك الحاكم الذي تبين كفره بالأدلة ثم تحصل الفتنة والقتل والقتال، وتسفك الدماء، وتقطع الأرحام، وتعطل المدارس والمساجد والأسواق، ثم بعد ذلك يسلم الحكم لأشر منه أو مثله أو قريب منه؛ فإن هذا أمر وعمل محرم، وهو من إنكار المنكر بأنكر منه أو مثله، وكما قيل:
ومن أزال منكرًا بأنكرا ... كغاسل الحيض ببول أغبر(1/125)
ومن المحرم أيضًا: أن يخرجوا على الحاكم المتيقن كفره ولا قدرة لهم على ذلك، فيخرج هذا بمسدسه وذلك يخرج ببندقيته على دبابة ومصفحة، وعلى طيران؛ فإن هذا ليس من الرشد؛ بل هو من السَّفَه والطيش كما يفعل أصحاب الحجارة في فلسطين؛ فإنهم يخرجون على الكفار يرجمونهم بالحجارة، فيوجه الكفار إليهم الدبابة أو الرشاش، ويحصدونهم بها حصدًا، وهذا الطيش يدفعهم إليه الإخوان المسلمون، ثم يصورون الأشلاء وينشرونها على الشبكات ووسائل الإعلام، ويجمعون عليها أموال التبرعات، ويشترون بها الدشوش، ويبنون لهم بها البيوت والمزارع، والمصانع، وغيرها، وكما قيل: مصائب قوم عند قوم فوائد.
ولابد من توفر الشروط وانتفاء الموانع، ويكون ذلك الحاكم قرشيًّا؛ فإن النبي ص يقول: «الأئمة من قريش» ثابت عن النبي ص بالتواتر(1)؛ فإن لم يجدوا قرشيًّا وقام من له القدرة والمكانة والاستعداد واستتب له الأمر بعد ذلك أطاعوه, أما إن كانوا في بلد كافر وحاكمه كافر فلا قدرة لهم على إقامة حاكم ولا تكوين دولة داخل دولة، ولكن إذا نصبوا لهم عاقلًا عرّيفًا يصلح بينهم ويحل قضاياهم بما يستغنون به عن التحاكم إلى الكفار؛ فهذا أمر واجب عليهم إن قدروا عليه، وعليهم بالخروج من بلاد الكفر لأدلة وجوب الهجرة من بلاد الكفر، وبالله التوفيق.
الأسئلة الإندونيسية (18 شعبان 1420 هـ)
ما هي فكرة الخوارج؟
السؤال: قد يوجد عندنا بعض الخوارج، نريد أن تبين لنا حالهم؛ لأن أمرهم يلْتبس على بعض الناس؟
__________
(1) تقدم من حديث ابن عمر ب وغيره.(1/126)
الجواب: الخوارج من أضل الفرق، قال فيهم رسول الله ص:«كلاب النار, كلاب النار، شر القتلى تحت أديم السماء، وخير قتلى من قتلوه»، هكذا قال رسول الله ص(1), ويعجبني ما جاء في ”الشريعة“ للآجري عن الحسن أو سعيد بن جبير أنه قال: سكارى حيارى ليسوا يهودًا ولا نصارى, إلا أن الأثر إليه فيه شيء، لكن معناه صحيح، هؤلاء الناس مِنْ أجهل مَنْ في الساحة؛ بل وجمعوا مع الجهل بغيًا وعدوًا على المسلمين, قال علي بن أبي طالب ا كما في كتاب ”تعظيم قدر الصلاة“ للمروزي رحمة الله عليه حين أن قاتلهم قالوا: يا أمير المؤمنين, أكفار هم؟ قال: لا من الكفر فروا قالوا: أمنافقون هم؟ قال: لا, المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا وهؤلاء يذكرون الله كثيرًا. قالوا: فمن هم؟ قال: بغوا علينا بغاة, يقتلون أهل الإيمان ويتركون أهل الأوثان, الخوارج يعتبرون ضلالا حتى في المعتقد, يقولون بخلود الموحدين في النار بالكبيرة، وهذا ضلال وكل أدلة شفاعة الأنبياء والمرسلين والمؤمنين ورحمة رب العالمين وأدلة الرجاء يعرضون عن هذا، مجرد ما يختلف الأخ وأخيه، أو يتضارب مع أخيه حكموا عليه بالكفر، ويستدلون بقوله سبحانه وتعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:81].
__________
(1) من حديث عبد الله بن أبي أوفى ا أخرجه أحمد (4/382) وابن ماجه (1/61) رقم(173)، واللالكائي (7/1307) رقم (2311)، والآجري في ”الشريعة“ (67)، وغيرهم من طريقين عن ابن أبي أوفى يحسن بهما، وجاء من حديث أبي أمامة رواه أحمد (5/250و253)، وعبد الله بن أحمد في ”السنة“ (2/643)، وهو صحيح بطرقه.(1/127)
وهم لا يفهمون, قلنا لكم: إنهم جهال؛ فإن الخطيئة المقصود بها في هذه الآية عند المفسرين هي الشرك بالله: الخطيئة الكبرى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: الآية 48]، أو إذا كانوا مستحلين لها، وأما أن يقتتل مسلم مع مسلم وليس مستحلًا إنما طرأ عليه الغضب أو حمل عليه الغضب والانتصار للنفس، وما إلى ذلك من التضارب والتقاتل ثم يحكم بالكفر فهذا باطل لا دليل عليه وربنا يقول: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9]، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10]، سماهم إخوة ولا تنتفي الأخوة إلا عند الكفر، وسماهم أيضا مؤمنين في هذه الآية مع أنه سبحانه قد وصفهم بأنهم اقتتلوا ووصفهم بالإيمان.(1/128)
مرة من المرات اتصلوا إلي يريدون أن أناظرهم, قلنا لهم: كيف أناظركم وأنتم جهال, أحدكم لا يعرف أحكام حيض امرأته؟! الخوارج نكبة على المسلمين من زمن علي بن أبي طالب إلى زماننا هذا, زعيمهم قل أدبه مع رسول الله ص قال: اعدل يا رسول الله زعيمهم ذو الخويصرة فقال رسول الله ص: «ويلك من يعدل إذا لم أعدل, خبت وخسرت», من يعدل إذا لم أعدل قال عمر أقتله قال النبي ص: «دعه فإنه يخرج من ضئضئ هذا الرجل أناس تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وقراءتكم مع قراءتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»(1)، هذه الأدلة مذكورة في صحيح مسلم من كتاب الزكاة، وفي كتب العقيدة بشتى أنواعها، وأيضا وقد ألفت في ذم الخوارج وبيان عقائدهم الفاسدة كتب مستقلة, ينبغي لمن كان حريصًا على نفسه أن يبتعد عن هذه الفرقة الضالة غاية البعد؛ فإنهم ما عندهم معتقد سليم، ولا علم، ولا حلم، ولا اتجاه سليم، ولا عقل رزين، ما عند هؤلاء إلا الطيش، ومن استولوا عليه أهانوه بالبدعة، وضيعوه وأتلفوه وعبوه من الشُّبَه والحماسات ويصير صيد الشبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله, يأتون بشبه مثل قوله ص: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»(2)يقولون: القاتل والمقتول في النار يوم القيامة، وهما من الكفار في الدنيا، وما هم بهذا كفار؛ لأن الله يقول: {إن الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النسساء: من الآية48]، نعم فليسوا بكفار والله عز وجل يقول: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأواهُ النَّارُ} [المائدة: من الآية72]، مفهومه أن من لم يشرك بالله ما هو محرم عليه الجنة, غير أنهم عصوا.
__________
(1) أخرجه البخاري (6163) وابن أبي عاصم في”السنة“ (957) من جديث أبي سعيد الخدري ا، وأخرجه مسلم (1063) من حديث جابر ا.
(2) برقم (1063) فما بعده.(1/129)
فمعنى الحديث أن المتقاتلين يستحقان بفعلهما النار وهم تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى، وهم لا يعرفون الجمع بين الأدلة، فقد ناظرهم ابن عباس ب، فرجع عدد منهم، والله عز وجل قد أخر فتح مكة من أجل عدد من الصحابة، قال تعالى: {وَلولا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لو تَزَيَّلوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: من الآية25].
هذه الآية دليل على أن الله أخر فتح مكة من أجل بعض المسلمين وهؤلاء يثيرون الشر على ملايين الأمة من المسلمين بسبب قلاقلهم، وطيشهم، هداهم الله.
النصيحة لمن وقع في فكر الخوارج
السؤال: ما نصيحتكم لرجل وامرأة خرجا من عند أهلهما لاعتقادهما أن أهلهما كافرون مع أنهم مسلمون وجدت بعض المعاصي عندهم لا تخرجهم عن الإسلام؟
الجواب: يجب أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن مذهب الخوارج، وسائر أهل الأهواء رديئة، يعرض الإنسان نفسه بذلك لعذاب الله كما تقدمت الأدلة، وأيضًا منها قول النبي ? لمن يذاد عن الحوض يوم القيامة من أهل الأهواء: «سحقًا لمن غيَّر وبدَّل»، ويجب عليهم أن يتفقهوا في دين الله خيركم من تعلم القرآن وعلمه(1), من يرد الله به خيرا يفقه في الدين(2)ويجب أن يسألوا علماء فيما يشتبه عليهم، قال تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: من الآية43].
__________
(1) من حديث عثمان بن عفان رواه البخاري (5027).
(2) من حديث معاوية ا رواه البخاري (71)، ومسلم (1037)(1/130)
فننصحهم بتقوى الله عز وجل وبطلب العلم الشرعي وما تنبغ هذه الفتن من الخوارج أو المعتزلة أو الحزبية إلا عند الجهل، وإلا فإذا حصل العلم فينور به الله عز وجل القلوب والبصائر، قال سبحانه وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِه} [الحديد: من الآية 28]، وقال سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّه} [البقرة: من الآية282]، وقال سبحانه وتعالى: {فَلو لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: من الآية122]، نسأل الله التوفيق والسداد لما يحب ويرضاه.
الأسئلة الأرومية
العمل تحت قواد الكافرين
السؤال: هناك بعض الجنود يعملون في الجيش عندنا ويأتيهم أوامر بالسفر إلى
أفغانستان للعمل بجانب القواد الأمريكية هناك هل يجوز لهم ذلك علما بأن الذي يرفض السفر يسجن؟(1/131)
الجواب: السجن خير له مما يدعونه إليه، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} [النساء: 144]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51]، السجن أهون له من أن يذهب يناصر جيش اليهود والنصارى، جيش أمريكا، ثم إن من نواقض الإسلام مناصرة الكافرين على المؤمنين كما قرر ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب : تعالى، وتلاه ذلك الإمام ابن باز : وغير واحد من أهل العلم، والواجب على هؤلاء الجنود البعد عن هذا العمل مع الكافرين مما يؤدي إلى إذلال الكفار لهم، والله يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، ويؤدي إلى تنفيذ أوامرهم الطاغوتية، وغير ذلك من المفاسد العظيمة، وبالله التوفيق.
الأسئلة الإندونيسية (3 جمادى الثانية 1425 هـ)
ما حكم العمل في الشرطة والجيش؟
السؤال: ما حكم العمل في الشرطة والجيش؟ وما حكم قول الجندي لمن هو أرفع منه رتبةً: يا سيدي؟(1/132)
الجواب: العمل في الشرطة والجيش إذا ما يلبسون البناطيل ولا يحلقون لحاهم ولا يرتكبون محرما فإنما يعملون طاعة لولي الأمر في ذلك العمل؛ فأمر جائز وما ينكر وجود الجيش والشرطة وحراس الملوك في السلف فأما الذين يلبسون البناطيل ويحلقون لحاهم ويرتكبون المعاصي من تقليد الكافرين، وغير ذلك من المحرمات، فلا يجوز العمل والحال هذا، وأما قول العسكري للقائد: يا سيدي، فقد قال ص: «من سيدكم يا بني سلمة؟» قالوا: جد بن قيس على أننا نبخله قال: «وأي داء أدوأ من البخل؛ بل سيدكم عمرو بن الجموح» وكان عمرو يولم عن رسول الله ص(1)، يدل على أن من الناس من هو سيد قومه، أما حديث: «لا تقولوا للمنافق يا سيد؛ فإن يك سيدا أسخطتم ربكم»(2)فهو حديث ضعيف منقطع من طريق قتادة ولم يسمع من عبد الله بن بريدة.
__________
(1) من حديث جابر ا أخرجه البخاري في ”الأدب المفرد“ (111)، وهو في ”الصحيح المسند“ (1/171-172) وقال رحمه الله هذا حديث حسن.
(2) من حديث بريدة ا أخرجه أبو داود (4977) وأحمد (5/346 347)، وقد غلظ شعيب الأرناوط في تحقيقه على ”الرياض“ (506) حيث صحح إسناده.(1/133)
يوجد من الناس من هو سيد سواء كان برًّا أو فاجرًا، فالسيد في اللغة: من ساد قومه، لكن قولهم: يا سيدي يا سيدي لم يكن هذا على عهد السلف، يقولون لأبي بكر: يا سيدنا، ولعمر يا سيدنا، أو لعثمان، أو لعلي إلى آخره أبدًا، بل إن رسول الله ص قال له رجل: يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، قال: «قولوا بقولكم الأول ولا يستجرينكم الشيطان»(1)، ونهاهم عن هذا؛ فعلى كُلٍّ هذا اللفظ يبتعد عنه مع ثبوت أن من الناس من هو سيد قومه؛ لأن السلف ما كانوا يتخاطبون بهذا التخاطب مع كبرائهم وأمرائهم.
الأسئلة الإماراتية (6 جمادى الأولى 1422هـ)
شروط الجلوس في بلاد الكفار
السؤال: ما هي الشروط للجلوس في بلاد الكفار؟
الجواب: الجلوس في بلاد الكفار لا يكون إلا لمن ذهب إليها لقصد أخذ تجارة منها ويرجع, أو قصد علاج لم يتحصل عليه في بلاد المسلمين أو ما إلى ذلك مما يبرر له البقاء بين ظهرانيهم وإلا فإنه يجب عند جمهور أهل العلم أن يخرج من بين ظهرانيهم, وذلك لمفاسد كثيرة: منها: أن المكث بينهم يسهل المعاصي؛ فيسهل التشبه بهم وتقليدهم، وهذا أمر محسوس ملموس أن من جالس الكفار جانس ولو في بعض الأمور, في اللباس والمأكل والمشارب وما إلى ذلك والتشبه بالكفار حرام.
__________
(1) من حديث عبد الله بن الشخير ا أخرجه أبو داود (13/161) ولفظه : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله ص، فقلنا : أنت سيدنا؟ فقال : «السيد الله» قلنا : وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا؟ فقال: «قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان»، وهو في ”الصحيح المسند“ (1/417)، وقال رحمه الله: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.(1/134)
وأيضا الوقيعة في الزنا والمعاصي بشتى أنواعها من شرب الخمور وغير ذلك في بلاد الكفار أكثر، وكل هذا نحن نعرفه، وقد رأينا شيء من ذلك في أثناء رحلتنا في بعض الأماكن للدعوة إلى الله عز وجل وهذا هو الحاصل من ذلك, وهو أنه لا يجوز البقاء هناك إلا إن عجز عن الخروج منها، فاتقوا الله ما استطعتم ويكون في نفسه وفي حسبانه أنه يخرج متى استطاع الخروج يجب عليه عند الجمهور من أهل العلم.
وقد أُلِّفَتْ في هذه المسألة رسائل مستقلة فيما يتعلق بأخذ عطاءات الكفار وجنسية الكفار، وكذلك السكنى بين ظهراني الكفار بما حاصل ذلك التحريم عند جمهور المتقدمين والمتأخرين من أهل العلم.
الأسئلة الأرومية
التنظيم في الجهاد
السؤال: إذا كان الجهاد فرض عين على أهل بلد وقسم أمير المجاهدين جيشه أقسامًا، فمنهم المشارك في المعارك، ومنهم من يجمع المال، ومنهم من يعلم الناس إلى غير ذلك، فهل الذين لا يشاركون في معارك الجهاد في حقهم فرض كفاية؟
الجواب: هم أعرف بمصلحتهم في هذا ورسول الله ص كان يجعل أناسا في الميمنة وأناسا في الميسرة يعني يجعل الجيش منتظما على هذا الحال وأيضا ربما استخلف أناسا من الأئمة للإمامة وللقضاء بين الناس في خلال خروجه فهم أعرف بمصالحهم فهذا الترتيب ما أرى فيه مانعًا، الذي يطبخ لهم الطعام أو يصلح لهم ما يحتاج إليه المجاهدون يؤجر إن شاء الله، وله حكم الرباط.
الأسئلة الإندونيسية (18 شعبان 1420 هـ)
إلى متى تنتهي طاعة الأمير في الجهاد؟
السؤال: المجاهدون إذا كانوا في ساحة القتال؛ فإنهم يجب عليهم طاعة الأمير، ولكن ما الحكم في حاله تالية بالنسبة إلى الطاعة، أولًا إذا توقف القتال بالسلاح وبقي هناك مرابطون من المجاهدين مع الأمير؟ وثانيا: إذا انتهى الرباط ولكن ما زال المجاهدون متواجدين خارج بلادهم للدعوة والتعليم في تلك البلاد التي وقع فيها القتال فهل تلزم أيضا طاعة الأمير في هاتين الحالين؟(1/135)
الجواب: ما دام الأمير مسلمًا؛ فنعم تلزمهم طاعة الأمير، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عبد الله بن حذافة ا على بعض الجيش، ثم أمرهم بطاعته، فلما وصل إلى بعض الطريق قال: ألم يأمركم رسول الله ص بطاعتي؟ قالوا: بلى. قال: فاجمعوا حطبًا فأوقدوا نارًا، فقال: فقعوا فيها. فأبوا فقالوا: إنما فررنا من النار فلما هدأ غضبه أخبر ذلك رسول الله ص، فقال لو نزلوها ما خرجوا منها(1)، ومعناه أنهم يكونون قاتلين لأنفسهم لو نزلوها متعمدين كما يفعل بعض المنتحرين وكما يفعل بعض المتفجرين في أنفسهم لو نزلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف وما دام يأمر بمعروف وبغير معصية الله تلزم له طاعتهم في المعروف، وإذا انتهت المعارك ورجع كل إلى بلده، فليس له طاعة (الأمير) وهم في غير غزوٍ، وتكون الطاعة لأمير البلد، إلا إذا رأوا منه ردة ونعوذ بالله فعند ذلك ما له طاعة.
الأسئلة الإندونيسية (26 شعبان 1422هـ)
إخباء الأسلحة في البيوت
السؤال: منعت الحكومة أن يخبئ المواطنون الأسلحة النارية من ناحية أن الحكومة عاجزة عن إزالتها من أيديهم بكمالها خصوصا من أيدي النصارى، وهم يستعملونها الهجوم على المسلمين إن وجدوا الفرصة، وقد وقع هذا قبل، وعلى هذا فهل يجوز للمسلمين أن يخبئوها دفعًا عن أنفسهم إذا هجم عليهم النصارى؟
__________
(1) من حديث علي بن أبي طالب ا أخرجه البخاري (7145)، ومسلم (1708).(1/136)
الجواب: الحكومة الإسلامية إذا ما استطاعت السيطرة على النصارى، والنصارى يهجمون على المسلمين بين حين وآخر بأسلحتهم فلا يجوز سلب المسلمين عن أسلحتهم وعتادهم مع بقاء أسلحة أولئك والحكومة غير قادرة على الدفع عن المسلمين؛ فإن ذلك يعتبر من التمكين لهم، والله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُو اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: من الآية60] هذا، وليعلم أن حمل السلاح للمواطنين ليس محرمًا، فلو حمله لدفع الشر عن نفسه أو للزينة، فقد قال النبي ص: «من مشى في شيء من أسواقنا ومساجدنا ومعه شيء من نبل، فليمسك على نصالها؛ أن يصيب أحدا من المسلمين»(1)، وهكذا مات النبي ص وعنده درعه وسلاحه وبغلته البيضاء،(2)فالذي ينبغي للمسلمين أنهم ما يكونون عرضة لإهانة الكافرين، وأن المؤمن يأخذ ما يدفع عن نفسه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، فلا ينبغي أن يسلب أولئك المسلمون، ويمكن للنصارى
من حين إلى آخر من هجومهم على المسلمين ويتضرر المسلمون لذلك، الواجب أن يسلب النصارى ما داوموا تحت إمارة عامة ودولة عامة وهم الذين يعطون الجزية وهم صاغرون وهم الذين يذلون ويحقرون ما يسلب المسلمون، ثم تكون القوة لأولئك الكفرة.
مناصرة المسلمين عساكر المسلمين
على عساكر الكافرين
السؤال: الجنود والعساكر هم من الفرقين المسلمين والنصارى وإذا وقع القتال لجأ كل فريق إلى أصحابهم، فهل يجوز لنا أن نتعاون مع العساكر المسلمين في صد النصارى؛ مع أن العساكر قد خرجوا عن أمر الرئيس، والرئيس منعهم عن القتال؟
__________
(1) من حديث أبي موسى الأشعري ا، أخرجه البخاري (453).
(2) من حديث عمرو بن الحارث ا، أخرجه البخاري (2873).(1/137)
الجواب: نحن ننصح الإخوان هناك وغير هناك أن يقبلوا على طلب العلم وأن يتفقهوا في دين الله، ننصح أهل السنة أن يقبلوا على ذلك، وإذا رأوا اعتداء الكافرين على بلدانهم؛ فالدفع عن أنفسهم مطلوب، سواء أعانهم عساكر، أو لم يُعِيِنُوهُم: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد»(1)، ورأى النبي ص أم سليم ومعها خنجرا فقال: «ما هذا»، قالت: أبقر بطن من دنى مني، فضحك النبي ص(2)إقرارًا لها على هذا القول، وما يتعلق بالدفع إذا اعتدى الكفار على المسلمين حتى المرأة، لها أن تقاتل وكذلك الشيخ الكبير يقاتل، فمن استطاع أن يقاتل فليقاتل فيصير فرض عين في مثل هذا الحال، وإذا اعتدى الكفار وهجموا على بلاد المسلمين، وإن أعانهم عساكر، أو غير عساكر؛ أمر طيب، وإذا لم يعينوهم، فاتقوا الله ما استطعتم، وعلى حسب ما استطاعوا، إن كان لهم قدرة فعلوا وإن لم يكن له قدرة ويعرضون أنفسهم للهلكة وللفتنة فيجتنبون، وأما قول الله عز وجل: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال:72]، هذا إذا كانوا قادرين، ولا تتضاعف عليهم الأضرار التي لا يطيقونها.
وينتظر الفرج، فقد بقي النبي ص في مكة منتظرًا للفرج من الله سبحانه وتعالى ثلاث عشرة سنة حتى أمر الله بالهجرة انتصر ورجع فاتحًا، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فهو حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2-3].
درجة أثر عمر في مكث المجاهدين في
المعركة أربعة أشهر
__________
(1) عن عبد الله بن عمرو ب (متفق عليه) خ (5/88) م(141).
(2) من حديث أنس بن مالك ا أخرجه بن سعد في الطبقات (8/ 425) بإسناد صحيح.(1/138)
السؤال: ما صحة أثر عمر ا بأنه كان يأمر المجاهدين من كان له أربعة أشهر فليرجع إلى أهله، وإن كان الأثر صحيحًا، فهل الذين يرجعون إلى أهليهم يعتبر الجهاد في حقه فرض كفاية؟
الجواب: القصة التي يذكرون فيها هذا القول من أمير المؤمنين أنه سمع امرأة وهو من خارج البيت تقول: تطاول هذا الليل وازور جانبه, وذكرت آخرها كأنها تشتاق لزوجها بتلك الأبيات، فقال لحفصة: كم تصبر المرأة؟ قالت: تصبر كذا. لم يثبت، وأيضا مما يدل على عدم ثبوتها ذلك أن أمير المؤمنين قد كان له جنود يذهبون إلى الشام ويذهبون إلى خارج الجزيرة العربية وربما لا يتسع الوقت لإعادتهم في مثل هذا الوقت ويبقى هذا راجعًا، وهذا ذاهبًا.
الأسئلة الإندونيسية (22 شعبان 1422هـ)
جهاد الأفغان
السؤال: ما حكم الجهاد في أفغانستان وما حال حركة طالبان وهل تنصحون طلاب العلم بالذهاب إليه؟
الجواب: أما ما يتعلق بجهاد الأفغانيين للأمريكيين فهم يقاتلون الكفار الذين اعتدوا عليهم، وقتال الكفار مثل هذا هو الجهاد ظاهرًا، فما هو الجهاد إذًا؟ يقول ربنا سبحانه: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} [التوبة 123]، وقال: {أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير} [الحج 39]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} [الصف: 10 11]، أمر بجهاد الكفار بالأموال والأنفس، وأما ما يتعلق بالذهاب إليهم؛ فإنهم محصورون، والذهاب إليهم لا سبيل إليه، ولكن يدعى لهم.(1/139)
نسأل الله أن ينصر المجاهدين الأفغان، وينصر الإسلام والمسلمين، أما من حيث صفاء معتقدهم، فأنا أعرف عنهم أنهم ماتريدية، وهكذا أسامة أعرف أنه جهادي متسرع في التكفير، لكن يا إخوان، شيخ الإسلام قاتل مع من هو أدنى من هؤلاء كما تعرفون، فيبين للناس ما هم عليه وألا يغتر بمعتقدهم، فالمسلم أعز عند الله من الكافر وأكرم من الكافر وخير من ملء الدنيا من الكافرين الأنجاس الأرجاس، ولا يزال حق الإسلام يوجب علينا الدعاء لهم والتألم مما يحصل لهم من الأضرار.
أصول الفقه
اعتماد الإجماع على قراءةٍ شاذة
السؤال: بعض العلماء يحتجون بالقراءة الشاذة في أدلة الأحكام كقراءة ابن مسعود ا {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، فقد استدل بها العلماء على قطع يمين السارق وقد نقل الإجماع في ذلك, فهل القراءة الشاذة يحتج بها مطلقًا؟
الجواب: لا يحتج بالقراءة الشاذة عند جماهير أهل العلم، ورأينا بعضهم ينكر على من احتج بـ (متتابعات) في قول الله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} إلى قوله: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89]، فقالوا: هذه قراءة شاذة, إذا كانوا ما يحتجون بالشاذ في الحديث؛ فكذا القراءة الشاذة، ومسألة قطع يد السارق اليمنى هذا الذي عليه الأدلة والإجماع، وليس اعتمادًا على القراءة الشاذة، بل على آثار في الباب.
الأسئلة الإندونيسية 22 شعبان 1422 هـ
هل يخرم الإجماع بخلاف واحد؟
السؤال: قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في ”التمهيد“: إن السحور لا يكون إلا قبل الفجر وهو إجماع لم يخالف فيه إلا الأعمش فشذ ولم يعرج على قوله اهـ. وتابعه في ادعاء ذلك ابن حزم كما في مراتب الإجماع, هل يفهم من هذا أن الإجماع يثبت ولو خالفه أحد من العلماء؟(1/140)
الجواب: الذي ينظر في مثل تلك الإجماعات المتيقنة التي يخالف فيها بعض
الناس، قد يجد السند إلى الخلاف فيه ما فيه، وإن ثبت السند إليه أنه قال بهذا القول، فالطبري وجماعة من أهل العلم يرون أن الواحد أو الاثنين لا يخرم الإجماع أما النووي فربما أطلق الإجماع على اتفاق الشافعية، وابن عبد البر ربما تساهل في نقل الإجماع حتى قال الفلاني: احذروا إجماعات ابن عبد البر، واتفاقات ابن رشد، واختلافات الباجي وأحاديث الغزالي أي التي في ”الإحياء“وغاية ما فيه أننا نستفيد من مثل ذلك الإجماع المنقول إن لم يكن متيقنا أنه قول الأكثرين ولو خالف بعضهم، فيكون في المسألة سلف، وبعضهم لا يعتد بخلافه، هذا في ”المجموع“ كثيرًا يقول: وقد خالف في ذلك القاشاني، والقاشاني لا يعتد بخلافه، ويقول: قد خالف في ذلك الرافضة وهذا قول ابن حزم والرافضة لا يعتد بخلافهم ما أولئك بمسلمين، أما الأعمش وأمثاله، فبلا شك أن خلاف الأعمش يخرم الإجماع؛ فإنهم يعرفون الإجماع بأنه اتفاق جميع أهل العصر كما يقول العمريطي في تعريف الإجماع:
هو اتفاق كل أهل العصر ... أي علماء الفقه دون نكر
على اعتبار حكم أمر قد حدث ... شرعًا كحرمة الصلاة بالحدث
فالشاهد من هذا أن خلاف الأعمش وغيره من هؤلاء الأئمة يخرم الإجماع على الصحيح، لكن ينظر إلى ثُبوتِ ذلك الخلاف عن الأعمش؛ فإنك ترى ربما سعيد بن المسيب نقلوا عنه بعض المخالفات، أو عن الحسن البصري فبحثنا الآثار إليهم، ونجدها غير ثابتة، والله المستعان.
الأسئلة الإندونيسية (22 شعبان 1422هـ)
صحة قول القائل: من أنكر القياس فقد فاته ثلث الشريعة
السؤال: هل أصاب القول من قال: إن من أنكر القياس؛ فقد فاته ثلث الشريعة، أم لا؟(1/141)
الجواب: يقول الله تعالى: {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} [إبراهيم: 52]، وقال: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا} [الحشر:7]، وثبت عن النبي ? أنه قال: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك»، فالدين كامل، وقد أنزل الله على نبيه في حجة الوداع قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]، الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة كافيان لا مزيد على ذلك وإن اجتهد إنسان في قياس؛ فالقياس هو اجتهاد من الاجتهادات يقول به جمهور أهل العلم ولهذا لا تثبت الصفات بالقياس كما ذكر ذلك البربهاري رحمة الله عليه في كتابه ”السنة“،وغير البربهاري مع أن الصفات تثبت بالكتاب والسنة، هذا القول فيه مبالغة إذ يقول: فاته ثلث الشريعة. فيه مبالغة، فالذي يعمل بالكتاب وبالسنة على فهم سلف الأمة لا شك أنه من الناجين بنص القرآن والسنة، وقد قال رسول الله ص: «إن الله فرض فرائضًا، فلا تضيعوها وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها»(1)، وقال عليه الصلاة والسلام: «وما سكت عنه، فهو عفو»(2)،
__________
(1) 13) من حديث أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر ا، رواه الدارقطني (4/184)، والبيهقي (10/12)، والحاكم (4/115) من طريق مكحول عن أبي ثعلبة، وفيه انقطاع، مكحول لم يسمع من أبي ثعلبة، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند الدارقطني (2/137)، والبزار كما في ”كشف الأستار“ (122) يحسن به. انظر ”غاية المرام“ رقم (4).
(2) 14) هذا قطعة من حديث أبي الدرداء الذي رواه الدارقطني المتقدم. قال البزار : إسناده صحيح، وكذا قال الهيثمي في ”المجمع“(1/171). وانظر ”الصحيحة“ (2256)..(1/142)
هذا الحديث بمجموع طرقه احتج به شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وأثبت بمجموع هذه الأدلة صفة السكوت لله سبحانه وتعالى كما في ”مجموع الفتاوى“، عدد من الأئمة ذكرهم ابن عبد البر في ”جامع بيان العلم وفضله“، والدارمي في ”مقدمة سننه“، والخطيب في ”شرف أصحاب الحديث“، وفي ”الفقيه والمتفقه“، كانوا يبغضون القياس ويحذرون منه، ومنه الشعبي كان يقول: عيرك بالقياس.
فهل نقصهم ثلث الشريعة؟! نحن نقول: القياس جائز لمن يحسن استعماله من أهل العلم، أما أن يجعل ثلث الشريعة، فهذا غير صحيح.
الأسئلة الصومالية
ضابط الأمر الإرشادي
السؤال: حديث أبي هريرة ا كما في مسلم فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا(1)، وحديث المغيرة بن شعبة ا عند الترمذي «انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما(2)وفي الصحيحين عن أنس بن مالك ا قال رسول الله ص: «تسحروا؛ فإن في السحور بركة»(3)فإن لفظ فانظر وتسحروا فعل أمر وهو للو جوب إلا أن العلماء يقولون هذا أمر إرشادي للمستحب فما ضابط أمر الإرشادي؟
__________
(1) برقم (1424)
(2) البخاري (1923) ومسلم (1095)
(3) برقم (1087) وأخرجه أيضا أحمد (4/244-245) الدارمي (2/134) وذكره الدارقطني في العلل الخلاف فيه وأثبت سماع أبي بكر بن عبد الله المزي من الغيرة انظر التلخيص رقم الحديث (1483)(1/143)
الجواب: الأصل في الأمر هو الوجوب، لقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، وقول النبي ?: «لو لا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»(1)، فمعناه: لو أمرتهم لألزمهم وجوبًا، ولكان ذلك شاقًّا عليهم, إلا إذا جاء صارف يصرفه من الوجوب إلى الندب فبها ونعم، وإن لم يأت فيبقى على الوجوب، وقد ذكروا كما في ”البدر الطالع“ للشوكاني : نقلا عن بعض العلماء في زمنه أنه قد أو صل الأمر إلى أكثر من عشرين نوعًا وأنه يأتي لقصد الوجوب وهو الأصل، ويأتي للندب، ويأتي للإرشاد ويأتي للإباحة {فإذا حللتم فاصطادوا}، ويأتي بقيد أن الأمر بعد الحظر يعود إلى ما كان عليه, والأمر بعد المنع إن كان مباحا يعود إلى الإباحة وإن كان مندوبا يعود إلى الندب وإن كان واجبا يعود إلى الوجوب فيعود إلى ما كان عليه، هذا شبه ضابط في المسألة ولم أجد ضابطا غير ما تقدم ذكره يبين لنا مسألة الإرشاد, إلا ما نرى عن أهل العلم يقولون هذا أمر إرشادي وذكروا في مثل هذا: الانتعال عند القيام، فقد جاء عن النبي ص للذي ينتعل أمر أن يجلس(2). قالوا: هذا أمر إرشادي من حيث إنه إذا انتعل وهو قائم ربما يترنح ويسقط؛ لاسيما في تلك الخفاف ولهذا يرشد إلى ما فيه سلامته أمرًا إرشاديًّا، أن يجلس يرشد إلى مصلحته، ومن هذا كثير يمثلون به.
الأسئلة الإندونيسية (22 شعبان 1422هـ)
قاعدة ازدحام المصالح،هل على إطلاقها؟
السؤال: القاعدة تقول: إذا ازدحمت المصالح قدم الأعلى منها الواجب مقدم على المستحب وهل هذه القاعدة على إطلاقها لأن قد ورد في أقوالهم أنهم أحيانا يقدمون المستحب على الواجب إذا ازدحم كما إذا ازدحم السحور على غسل الجنابة يقدمون السحور على غسل الجنابة؟
__________
(1) متفق عليه البخاري (887) ومسلم (252)
(2) من حديث جابر رواه أبو داود (4135) وإسناده حسن.(1/144)
الجواب: الله سبحانه وتعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]؛ فمسألة غسل الجنابة، والسحور قد جاء فيها دليل من رسول الله ص، أنه كان يصبح جُنُبًا من أهله، ثم يغتسل
ويصوم(1)، فما نحتاج إلى أن نأتي بالقاعدة ازدحام المصالح؛ لاسيما في مثل هذه الصورة ، فما دام الأمر فيه الأدلة يبقى ما كان عليه الدليل، لكن يمكن المثال بحديث جابر ا في الاستخارة، فمثلا يريد أن يذهب عمرة وليست واجبة عليه، أو يريد أن يبقى لطلب العلم فهذان مستحبان، أو يريد أن يتزوج فلانة أو أخرى فهذان مباحان، ففي مثل هذه الحالة قد أرشد رسول الله ص بالاستخارة: «إذا هم أحدكم فليركع ركعتين في غير الفريضة، ثم ليقل، اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب»...(2)، فما دام موجودًا عندنا كل عمل يوضع في موضعه حسب دليله و كفى، وأيضا فالسحور وقته أضيق، وغسل الجنابة وقته أوسع إلى قبل صلاة الفجر، فما دامت الأدلة موجودة فلا نحتاج إلى أن نفترض ازدحامًا من عندنا، وليس في الأمر ازدحام.
الأسئلة الإندونيسية (22 شعبان 1422هـ)
معنى قاعدة: إذا جاء النهي عن فعل شيء في باب الآداب
يقتضي الكراهة
السؤال: ما معنى قول بعض أهل العلم: إذا جاء النهي عن فعل شيء في باب الآداب يقتضي الكراهة ومثل بالنهي عن الأكل بالشمال؟
الجواب: الصحيح في الأكل بالشمال أنه محرم؛ لقول النبي ص: «لا تأكلوا
__________
(1) من حديث عائشة رواه مسلم (1110) ومن حديث أم سلمة وعائشة متفق عليه.
(2) أخرجه البخاري (1162).(1/145)
بالشمال فإن الشيطان يأكل بشماله»(1)ولقول النبي ص: «يا غلام، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بيمينك، وَكُلْ مِمَّا يَلِيْكَ»(2)، ولا صارف لهذا الأمر.
وهذا الكلام: (إذا جاء النهي عن فعل شيء من الأفعال في باب الآداب فإنه يحمل على الكراهة) نقول: إنه ليس على إطلاقه، بل يتوقف على الدليل ويبقى على القاعدة الأصلية: (الأصل في الأمر للو جوب إلا لصارف)؛ فإن باب الآداب واسع جدًّا، منه: الأدب مع الله بتوحيده، وعدم الشرك به، والأدب مع رسوله باتباعه، والأدب مع الوالدين ببرهما، والأدب مع الجيران بالإحسان إليهم وعدم أذاهم واجب، فكيف يقال: إذا كان الأمر في باب الأدب يحمل على الكراهة. هذا الإطلاق غير صحيح.
الأسئلة الجزائرية
نية اجتماع العبادتين في آن واحد
السؤال: القاعدة تقول:إذا اجتمعت عبادتان اُكْتُفِيَ عنهما بفعل واحد منهما كاجتماع غسل الجنابة وغسل الجمعة وما دليل اشتراط اتحاد النية في ذلك؟
الجواب: ما أكثر هذه القواعد، وبعضها في جعلها قاعدة نظر واضح، النبي ? يقول: «إنما الأعمال بالنية»(3)، فإذا نوى غسل الجنابة ونوى غسل الجمعة فإنه لا يشترط أن يعدد صب الماء على جسمه مرة لهذه العبادة وأخرى لتلك بعده، ما دام هذا النوع واحدًا، ولا يمكن أن يرادف صيام النافلة، وصيام القضاء؛ فإن هذا
__________
(1) عن جابر ا رواه مسلم (2019) وابن عمر ب رواه مسلم (2020).
(2) عن عمر بن سلمة ا رواه البخاري (5376) ومسلم (2022).
(3) من حديث عمر بن الخطاب متفق عليه البخاري (1)، ومسلم (1907).(1/146)
ليس متحدًا وهذا نفل وهذا فرض، وأما مسألة فيضان الماء على الجسم مع النية فالحديث في ذلك كافٍ، وهو قول جماعة من أهل العلم، وكما قال النبي ص: «وما سكت عنه فهو عفو»(1)؛ لاسيما مع وجود العموم المذكور.
ضابط الإكراه
السؤال: هل الإكراه يقع على الأقوال والأفعال أم يقع على الأقوال فقط؟
__________
(1) من حديث ابن عباس أخرجه أبو داود (3800) موقوفًا عليه وإسناده صحيح ومن حديث سلمان أخرجه الترمذي (1726)، ورجح وقفه عليه وفي الباب عن المغيرة قاله الترمذي، وانطر ”جامع العلوم والحكم“ تحت الحديث الثلاثين.(1/147)
الجواب: يقول ربنا سبحانه وتعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] الآية، وثبت عن النبي ص أنه قال: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»(1)،
__________
(1) من حديث ابن عباس رواه بن ماجه (2045)، والبيهقي (7/356 357)، والحاكم (2/128) وصححه الألباني في ”الإرواء“ (82)، وله شواهد من حديث ثوبان وأبي ذر وعقبة بن عامر وغيرهم. انظر ”الأضواء“ (ص:215-221)..(1/148)
فهذان دليلان عَامَّان في أن الإكراه يكون في الأقوال والأفعال، لكن بقي أمر وهو أن الإكراه في الأقوال متفق على أنه إن أكره بإكراه ملجئ له أن يقول ما ينقذه، وإن كان قولًا كفرًا في الظاهر وقلبه مطمئن بالإيمان، وقال ذلك القول يجوز له أن يقوله لإنقاذ نفسه، وأما ما يتعلق بالأفعال فقد اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز أن يقتل مسلما وإن أكره على ذلك فيكون أهل العلم فهموا الدليلين، أن الإكراه في الأقوال على إطلاقه إذا أكره بإكراه معتبر، فيجوز أن يقول الكلام الذي هو معصية لله سبحانه وتعالى إن أكره يجوز له أن يقول تلك الكلمة الكفرية وقلبه مطمئن بالإيمان كما في القرآن {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل:106]، والأفعال لا يجوز تلبية إكراه قتل نفس حرمها الله لإنقاذ نفسه، ولا على الزنا بامرأة محرمة عليه سواء بأمه أو بأخته أو غير ذلك من المحرمات ولا أيضًا على إراقة دم المسلمين، الأول عليه اتفاق والأمران الآخران فيهما خلاف، وهذا قول الجماهير من أهل العلم، وهناك أمور في الإكراه: {وَلا تُكْرِهوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور:33]، نهى الله عن الإكراه على الزنا، ولو أكره الأمير أمة من الناس على إقامة الجمعة صحت جمعتهم، إن أناسًا يدخلون الجنة بالسلاسل، ولو أكره الأمير متمردًا من المتمردين بأداء دين على إنسان سقط عنه الدين عن ذلك المتمرد، ألزمه الأمير بأن يؤدي دينه، فبقي أن الإكراه في مسألة الأفعال فيه تفصيل، الأصل المنع وفيه بعض النقاط تستثنى، وأن الإكراه في الأقوال على إطلاقه إذا أكره بإكراه معتبر؛ فإن الإكراه في الأقوال تشتمله تلك الأدلة ونقل عليه الاتفاق.
قال أخٌ في الحلقة: هل يستثنى من الإكراه في القول إكراهه على الشهادة بأن يشهد شهادة الزور أن فلانًا قتل فلانًا؟(1/149)
الشيخ: هذا أيضًا وسيلة إلى غاية، وسيلة بشهادته تلك إلى غاية قتل نفس حرمها الله فتلحق بما يتعلق بالأفعال المحرمة مثل قتل نفس حرمها الله، إلا إذا شهد حتى تخلّص، ثم كذب نفسه قبل أن يقتل ذلك المظلوم، فليس عليه إثم.
الأسئلة الصومالية
طريقة دراسة الفقه عند المبتدئين
السؤال: كيف طريقة دراسة الفقه مع قلة المراجع، وما أحسن الكتب فيه للمبتدئين؟
الجواب: لو عندك صحيح البخاري مع ”فتح الباري“، ومع ”شرح النووي“تستفيد خيرًا كثيرًا من أبوابه،غزارة علمية في أبوابه. صحيح البخاري وشروحه، وتفسير القرآن، كم نستفيد في اليوم من فوائد في ”تفسير ابن كثير“، قال الشوكاني :: وهو من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها ”تفسير ابن كثير“ تحصل فيه على فقه عظيم، وعلوم حديث، وتاريخ، ومواعظ، وعقيدة صحيحة، وشواهد نحويَّة، وقبل هذا ننبه على الاستفادة من المحفوظات، حفظ القرآن وما تيسر من حفظ السنة. كلما كان الإنسان أحفظ كلما تمكن من العلم، وقد حث النبي ص وفد عبد قيس على الحفظ، فقال: «احفظوا هذا وعلموه من وراءكم »(1)، وبوب الإمام البخاري في صحيحه، فقال: باب حفظ العلم، وذكر جملة من الأحاديث في الحث على الحفظ. ويأتي إلى النبي ص، الوفد يحفظون عنه ما قال: ثم ينصرفون يبلغون ذلك لقومهم.
ويحفظ الطالب بعض المختصرات، ولكن حفظ ”صحيح البخاري“ أنفع، فمن وفقه الله لحفظ ”صحيح البخاري“ بأبوابه وآثاره فقد تحصل على خير كثير، وهناك كتب في الفقه مثل ”بلوغ المرام“ وشروحه، و”عمدة الأحكام“ وشروحه، و”الدراري المضية“ للشوكاني من حيث تيسيرها وترتيبها مرتبة طيبة، و”الروضة
الندية“لصديق حسن خان مأخوذة من كتب الشوكاني فيها سهولة في الفقه، وأمثال ذلك ”سبل السلام“ و”نيل الأوطار“، وشروحات أهل العلم مثل كتب أو أشرطة العلامة ابن باز رحمة الله عليه، شرح على ”بلوغ المرام“ طيب.
__________
(1) عن ابن عباس أخرجه البخاري (53)، ومسلم (17).(1/150)
وكذلك شروحات العلامة ابن عثيمين رحمة الله عليه، كذلك أيضا بعض شروح وتعاليق العلامة الألباني، وكتب شيخنا العلامة الوادعي، وأشرطته :، المهم كتب أئمة السنة.
ومن أهم ذلك تلقي العلم على أهله: علماء الحديث والفقه، والعقيدة الصحيحة، والمداومة عليه، وسؤال أهل العلم فيما أشكل من ذلك، وربنا سبحانه يقول: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.
أسئلة الإندونيسيين
كيفية مسح الأذن إذا مسح الخمار
السؤال: كيف تمسح المرأة أذنيها إذا مسحت على الخمار؟
الشيخ: في الوضوء تعني؟
السائل: نعم يا شيخنا.
الشيخ: لا بد من مسح الأذنين سواء مسح على الرأس مباشرة أو على العمامة أو على الخمار لقول النبي ص: «الأذنان من الرأس»، وهو قد مسح على رأسه إنما لم يباشر الرأس لعارض، وهو وضع ذلك اللباس على الرأس، فلابد من المسح على الأذنين وإن كان حديث «الأذنان من الرأس» قد تكلم عليه أهل العلم، لكن عليه العمل(1).
السائل: إذن شيخنا إذا كانت المرأة مرتدية خمارًا فتمسح على خمارها، ثم تمسح على أذنيها.
الشيخ: هكذا، بلا شك.
الأسئلة الجزائرية
حكم الأذان الملحّن
السؤال: ما حكم الأذان الملحَّن وما حكم إجابة المؤذن الذي يلحِّن في أذانه؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله نستعينه ونستغفره، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ص تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
__________
(1) جاء عن جماعة من الصحابة، ذكره الحافظ في ”التلخيص“تحت حديث (96)، منهم: أبو أمامة، وعبد الله بن زيد،وابن عباس، وأبو هريرة، وغيرهم.(1/151)
فالأذان الملحّن بدعة. حكم الإمام أحمد وغيره أنه محدث وبدعة. ذكرنا ذلك في كتابنا ”أحكام الجمعة وبدعها“، وفي ”صحيح البخاري“ معلقًا وعند ابن أبي شيبة متصلًا بسند صحيح عن عمر بن عبد العزيز : أنه سمع مؤذنًا يُلحِّن ويمطّط في أذانه، فقال: أذنْ أذانًا سمحًا وإلا فاعتزلْنا.(1)، وحكم الترديد بعد الأذان الملحن مستحب؛ لقول النبي ص: «إذا سمع أحدكم المؤذن فليقلْ مثل ما يقول»(2)، وعموم هذا الدليل يشمل الأذان الملحَّن وغير الملحن، لكن الملحِّن نفسه ينبغي أن يتجنب ذلك التلحين والتمطيط والتكلّف فيه, والله المستعان.
الأسئلة الليبية
الراجح في حكم السترة للمصلي
السؤال: ما هو الراجح في اتخاذ السترة، وما صحة حديث: «لا يصلين أحدكم إلا إلى سترة»(3)؟
__________
(1) البخاري معلقاَ في صحيحه في باب: رفع الصوت بالنداء. ووصله ابن أبي شيبة في ”المصنف“ (ج1 ص 207)، فقال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا سفيان عن عمر بن سعيد بن أبي حسين المكي أن مؤذنًا أذن فطرّب في أذانه, فقال له عمر بن عبد العزيز: أذنْ أذانًا سمحًا وإلا فاعتزلْنا. وانظر ”أحكام الجمعة وبدعها“ باب: بدع ومنكرات الجمعة (ص 281 رقم 79).
(2) رواه مسلم (324)، وأبو داود (523)، والترمذي (3614)، والنسائي (677)، أما بلفظ: «إذا سمعتم النداء...»، فمتفق عليه: البخاري (611)، ومسلم (383)، وغيرهما.
(3) 16)من حديث ابن عمر رواه ابن خزيمة (1/93) قال الألباني : إسناده جيد ”صفة الصلاة“ (82).(1/152)
الجواب: حديث صالح بشواهده للاحتجاج وأيضا كان النبي ص تحمل له عنزة فيصلي إليها(1)وما تركها حضرا ولا سفرا وعمر بن الخطاب ا رأى رجلا يصلي إلى غير سترة فأخذه وقربه إلى سترة, ومن حديث أنس ا في الصحيح أنهم كانوا إذا انتهى المؤذن من أذان المغرب يبتدرون السواري... الحديث(2)، وفي حديث سلمة بن الأكوع أنه كان يتحرى الأسطوانة يصلي إليها(3)، هذه الأدلة لا تدل على مجرد الاستحباب فقط؛ بل تدل على الوجوب كما بين ذلك الإمام الشوكاني : في ”نيل الأوطار“، وكذلك عدة أحاديث وآثار، وأما صرف ذلك لحديث: أن النبي ص صلى إلى غير جدار(4)، فليس من السترة فقط الجدار؛ بل كثيرة، وصلى النبي ص إلى عائشة وهي معترضة(5)، وصلى إلى مؤخرة الرحل، وصلى إلى عنزته فقد بوب البخاري، فقال: باب السترة في مكة وغيرها(6)، ثم ذكر ذلك.
الأسئلة الإماراتية
الصلاة بين السواري
السؤال: إذا دخل الرجلان في المسجد فوجدا صفا قد أنشئ بين السواري فهل ينشآن صفا جديدا أم يدخلا في الصف الذي بين السواري؟
الجواب: إن كان المسجد مزدحما، فلهما أن يدخلا بين السواري؛ فإن الصفوف بين السواري منهي عنها، وكانوا يدفعون من ذلك دفعًا(7)، لكن في حالة الازدحام يجوز الصف بين السواري؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:16]، ولقول النبي ?: «ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه من حديث أبي هريرة ا.
__________
(1) 17)من حديث أبي جحيفة رواه البخاري (499) ومسلم (503)، وعن ابن عمر رواه البخاري (494)، ومسلم (501).
(2) 18) من حديث أنس رواه البخاري (503)، وأحمد (3/280).
(3) 19) رواه البخاري (502)، ومسلم (509).
(4) 20) عن ابن عباس رواه البخاري (493)، ومسلم (504).
(5) 21) رواه البخاري (508) ومسلم (512).
(6) 22) باب رقم (100).
(7) 12) من حديث أنس أخرجه أبو داود (2/370) والترمذي (2/20) والنسائي (2/94) وهو في ”الجامع الصحيح“ (2/91).(1/153)
الأسئلة السلفية الإماراتية
حكم الصلاة خلف المبتدع
السؤال: هل تصح الصلاة خلف أهل البدع والأهواء؟
الجواب: ما لم تصل بدعتهم حد الكفر، فجمهور أهل العلم على أن الصلاة خلف المبتدع صحيحة، ومن لم ير صحة الصلاة خلف المبتدع؛ فهو مبتدع، أما إن وجد إمامًا مستقيمًا، فليصل خلف ذلك الإمام المستقيم، ولا ينبغي له أن يذهب يصلي خلف المبتدع ويترك ذلك السني نقل هذا ابن أبي العز في ”شرح الطحاوية“ عند قوله ونرى الصلاة خلف بر وفاجر من المسلمين، والدليل حديث أن النبي ص رأى رجلا يبصق في قبلة المسجد فقال: «لا يصلي لكم هذا»(1)، وهو مسلم والصلاة تصح خلفه، لكن ينظر من هو أفضل للمسلمين {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: الآية74]، هذا حاصله: أن الصلاة خلف المبتدع ما لم تصل بدعته حد الكفر صحيحة، والصلاة خلف المبتدع الكافر ليست صحيحة؛ لأن الكافر لا تصح صلاته لقول الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً} [الفرقان:23]، وقوله: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88]، وقوله: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ} [إبراهيم:18]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور:39]، وقال تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141]، والصلاة خلف المبتدع المسلم مع وجود السني مكروهة، وهذه الأقوال كلها ظاهرة ماثلة عند السلف رضوان الله عليهم.
__________
(1) 23) قال الحافظ في ”الفتح“ (2/69) تحت الحديث رقم (405)، ولأبي داود ( )، وابن حبان من حديث السائب بن خلاد أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة فلما فرغ قال رسول الله ص: «لا يصلي لكم..» الحديث.(1/154)
الأسئلة الإماراتية
لفظ: الله أكبر في تكبيرة الإحرام وتكبيرة الانتقال
السؤال: هل جاء حديث صحيح في لفظ التكبير في تكبيرة الإحرام وتكبيرة الانتقال بأنها الله أكبر؟.
الجواب: حديث أبي حميد الساعدي ا فيه وصف عن النبي ص أنه كان يكبر، إذا ركع كبر وإذا ركع كبر.(1)وهكذا الأحاديث في الباب(2)تدل على أن النبي ص كان يكبر ولكن اختلف أهل العلم في تكبرة الانتقال أما تكبيرة الإحرام فواجبة هل هي واجبة أو هي سنة ليست بواجبة في تكبيرة الإحرام؟ فالصحيح ما ذكره ابن قدامة في ”المغني“ ورجحه أهل العلم أنها واجبة(3)، فأما لفظ الله الأكبر ما أعرف فيه حديثا صحيحا فالصواب الله أكبر، وأما قول بعض الفقهاء أنه يجوز أن يقول المصلي: الله الأعظم، والله الأكبر(4)، فهذا محدث ليس عليه دليل.
الأسئلة السلفية الإماراتية (6 جمادي الأولى1423هـ)
التحري بالقراءة من أول المصحف إلى آخره في الصلاة
__________
(1) أخرجه البخاري في جزء رفع اليدين (ص:5) والترمذي (2/105) وابن ماجة (862) من طرق عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمروبن عطاء عن أبي حميد. قال الحافظ: صححه بن خزيمة، وابن حبان.
(2) منها حديث أبي هريرة في البخاري (734) ومسلم (392) و(416) وحديث أنس بن مالك في البخاري (732) وبوب عليه: باب: إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة. وانظر ما ذكره الحافظ تحت هذا الحديث فقد ذكر هناك حديث علي ا، رواه البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم وحديث رفاعة ا عند الطبراني، وحديث ابن عمر ب عند أحمد والنسائي.
(3) انظر ”المغني“ (2/359) وقال الحافظ في الفتح (2/456) تحت حديث رقم (725)، وقد قال بوجوبه جماعة من السلف منهم: الحميدي شيخ البخاري.
(4) قال الحافظ في ”الفتح“ (2/455) :واستدل به وبحديث عائشة على تعين لفظ التكبير دون غيره من ألفاظ التعظيم، وهو قول الجمهور ووافقهم أبو يوسف وعن الحنفية تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم.(1/155)
السؤال: إذا قرأت كل يوم في كل أول ركعتين من الصلاة أربع صفحات من القرآن فإنك تختم القرآن في الشهر، فما حكم تحري ذلك؟
الجواب: تحري ذلك ليس من السنة، قال الله تعالى: {فَاقْرَءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، وله أن يدارس واحدًا من القراء، فيدارس القرآن كما دارس النبي ص جبريل عليه السلام، أما تحري ذلك في كل ركعة صفحتين صفحات، وفي كل ركعتين أربع صفحات لم يكن يفعل ذلك خير الخلق رسول الله ص، وهكذا الصحابة ما كانوا يتحرون ذلك على حرصهم على إتقان القرآن وعلى غيره من الطاعات، وإنما يراجعه في صلاته وفي غيرها وبدون تحديد: أربع صفحات، وبارك الله فيكم.
الأسئلة الإندونيسية
التكبير في الصلاة في سجود التلاوة
السؤال: هل يشرع التكبير في الصلاة في سجود التلاوة؟
الجواب: جاءت فيه أحاديث ضعيفة منها حديث جابر(1)، ومنها حديث مرسل(2)، ولا أعرف نصًّا صحيحًا في تكبير سجود التلاوة، وانظر ما قال الألباني : في ”تمام المنة“، وكان الشيخ مقبل : يفتي بذلك، أنه لا دليل يثبت على
التكبير في سجود التلاوة، ويبقى أن حديث: «كان يكبر في كل خفض ورفع»(3)محمول على الصلاة، أما التلاوة فابن حزم يرى أنها ليست من الصلاة ولو كان من الصلاة لكانت فيها بعض ركعات زائدة ويرى أن سجود التلاوة صحيح بوضوء وغير وضوء، وأنه صحيح بقبلة وغير قبلة.
الأسئلة الإماراتية
سجود السهو للمأموم
السؤال: إذا سها المأموم، فهل عليه سجود السهو؟
الجواب: مسألة خلافية، والظاهر أنه إن سها سهوًا لا يحتمله الإمام، مثل أن يكون زاد في صلاته، أو نقص، أو شك أنه لم يدركه؛ فإنه يسجد لحديث أبي سعيد
__________
(1) وجاء من حديث ابن عمر عند أبي داود (1413)، وهو ضعيف أيضا فيه عبد الله بن عمر العمري : ضعيف.
(2) انظر ”تمام المنة“ (ص:267).
(3) من حديث أبي هريرة عند البخاري (785)، ومسلم (392).(1/156)
الخدري ا مرفوعًا: «من شك في صلاته، فليتحرى الصواب، وليسجد للسهو»(1)، وإن شك في صلاته كأن يكون ما قرأ الفاتحة سهو ا منه في ركعة من الركعات، فعليه أن يعيد الصلاة، ويركع بذلك، ويسجد بذلك سهوًا، ويؤيد ذلك حديث عبادة بن صامت ا قال: قال رسول الله ص: «لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب»(2)متفق عليه.
الأسئلة السلفية الإماراتية
متابعة الإمام الذي يقنت
السؤال: هل يتابع الإمام الذي يقنت في صلاة الصبح، علمًا بأن الدعاء سرٌّ، وبدون رفع يديه؟
الجواب: الذي يقنت في صلاة الصبح ما يتابع في قنوته للفجر خاصة؛ لأنه يعتمد على حديث ضعيف(3)، سواء جهر أو أَسَرَّ ما يتابع، وهو حديث أنس بن مالك، أن النبي ص قنت حتى فارق الدنيا، فيه أبو جعفر الرازي، وقد أُنْكِرَ عليه هذا الحديث، ويبعد ثبوت هذا الحديث جدًّا لأن الصحابة رضوان الله عليهم من قال: هو بدعة، ولم يعلم منهم أن أحدًا منهم كان يتحرى القنوت في الفجر باستمرار، يتوالون على ترك السنة، وإجماع الصحابة معصوم من ارتكاب محرم أو ترك واجب أو حتى سنة لأنهم حملة الدين إلى الأمة، والنبي ص قال: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأصحابي أمنة للأمة، فإذا ذهب
__________
(1) 14) أخرجه مسلم (571).
(2) 15) متفق عليه. البخاري (756) ومسلم (394).
(3) 12) أخرجه عبد الرزاق وأحمد (3/162) والدارقطني ص 178. انظر ”نصب الراية“ (2/131).(1/157)
أصحابي أتى الناس ما يوعدون»(1)، والله عز وجل قد أمر المؤمنين باتباع طريقتهم, فقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، أيأمر الله باتباع من يترك السنن أو بعض السنن؟ أبدًا، قد أوصلوا إلينا الدين كاملًا كما سمعوه وكما وعوه عليهم رضوان الله ، وراجع في ذلك كلام ابن القيم فيما يتعلق بعدم
ثبوت هذا الحديث وعدم ثبوت تحري فعل هذا القنوت عند الصحابة.
الأسئلة الليبية
متابعة الإمام في رفع اليدين في قيام الليل
السؤال: ما حكم متابعة الإمام في قنوت الوتر في القيام الليل في رمضان إذا رفع يديه؟
الجواب: ما ثبت الحديث في رفع اليدين في قنوت الوتر؛ فإنه من طريق ابن أبي العمياء، لكن إذا اجتهد فتابعه باعتبار ما جاء من العمومات في رفع اليدين في الدعاء مثل حديث: «إن الله حيي كريم يستحيي من أحدكم إذا رفع يديه إليه أن يعيدهما صفرًا»، فلا ينكر عليه.
الأسئلة الليبية
إطالة القنوت
السؤال: وإذا أطال القنوت إطالة على غير ما جاء من السنة فهل نؤمن على دعائه ونرفع الأيدي؟
الجواب: أمّنْ على الكلمات في حديث الحسن: «اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شَرَّ ما قضيت»(2)، هذه خمس كلمات أَمِّنْ عليها مشروعة سنة وفيها دعاء عظيم جامع شامل، فلو استجاب الله للعبد هذا الدعاء؛ لسعد في الدنيا والآخرة، وما عدا ذلك خَلَّه يدعوا حتى ينتهي ويركع، واركع معه.
الأسئلة الليبية
هل يشرع سلام المصلي؟
__________
(1) 13) من حديث أبي موسى ا رواه مسلم (2531).
(2) 15) حديث صحيح, رواه الترمذي (474)، وأبو داود (1425)، والنسائي (1745)، وغيرهم من حديث الحسن بن علي ا.(1/158)
السؤال: إذا قال المصلي في نهاية الصلاة السلام عليكم ورحمة الله، هل يشرع لمن سمعه ولم يصلِّ أن يَرُدَّ، وبارك الله فيكم؟
الجواب: لا، ما يشرع له ذلك؛ لأنه ما سلم عليه، ولأنه ما قصد التسليم على الناس.
الأسئلة الإندونيسية
التلحين في الدعاء
السؤال: ما حكم التلحين، أو التغني في الدعاء؟
الجواب: التلحين في الدعاء ما نعرف ثبوت شيء فيه عن النبي ص.
الأسئلة الليبية
كيفية عقد التسبيح
السؤال: بين لنا كيفية عقد التسبيح بالأصابع، حيث أننا لا نعلم سنة عملية في كيفية عقد التسبيح، ولا نعلم أيضًا آثارًا في ذلك؟
الجواب: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [التغابن:16]، وفي ”سنن أبي داود“، وسند رجاله ثقات، أن النبي ص كان يعقد التسبيح بيمينه(1)، سواء كان بالأنامل، أو
كان بالأصابع كلها، بحيث كأنه يضرب بالأصبع على الكف, هذا نوع من التسبيح: يضرب بأصبعه على كفه ويقول: سبحان الله، وإن شاء أشار بالإبهام إلى العقدة من الأصبع، وقال: سبحان الله، والأول أولى؛ لدلالة هذا الحديث عليه.
الأسئلة الليبية
كيفية الإنكار على الدعاء بعد الصلاة الجماعية
السؤال: بينْ لنا كيفية الإنكار على الدعاء بعد الصلاة الجماعية؟ هل يكون بالانصراف من المسجد أم بالجلوس في مؤخرة المسجد والإنكار بالقلب فقط؟
__________
(1) 20) رواه أبو داود برقم (1502).(1/159)
الجواب: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [التغابن: 16]، وفي حديث أبي سعيد الخدري ا: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»(1)؛ فإن استطعت أن تغير باللسان تبين للناس مخالفة هذا الفعل وأن هذه الأذكار المرتبة جمعيًا والأدعية المرتبة جمعيًا بعد الصلوات أنها المحدثات، وابن مسعود ا دخل على أصحاب مسجد أبي حنيفة قال: أيها الناس, فقتم أصحاب رسول الله ص علمًا، أم جئتم بدعة ظلمًا؟ والله هذه آنية سول الله ص لم تكسر وثيابه لم تبلَ وقد أحدثتم في دين الله ما أحدثتم(2)، تنكر بما تستطيع؛ فإن لم تستطع فلك أن تتشاغل بذكر الله عز وجل فيما بينك وبين الله من تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل, من أذكار الصلاة، ولك أن تنصرف, وفي انصرافك زجر لهم إن كنت من أهل الشأن في ذلك المكان أو أقل ما فيه للسلامة من زجلتهم التي قد تشغلك عن ذكر الله عز وجل.
الأسئلة الليبية
حكم صلاة الركعتين بعد العصر
السؤال: ما حكم صلاة الركعتين بعد العصر؛ لأنه جاء من حديث عائشة ك أن النبي ص كان يصليهما في البيت(3), وقد قال بعض أهل العلم بأنهما من خصائص النبي ص، فما تعليقكم على ذلك؟
الجواب: نعم، المداومة عليها من خصائصه ?؛ فإنه لما قدم عليه وفد عبد القيس شغل عن الركعتين اللتان بعد الظهر، ثم صلاهما بعد العصر وداوم عليها؛ لأنه كان إذا عمل عملًا أثبته، أما غيره من المسلمين إذا فاتته ركعتا الظهر، ثم صلاهما بعد العصر لا يداوم عليهما.
إمام سلفي في مسجد فيه بدعة
السؤال: إمام سلفي يؤم الناس في مسجد تنتشر فيه البدع ونحن نصلي في هذا المسجد. والسؤال ما حكم الصلاة فيه معهم، سواء في رمضان أو غيره؟
__________
(1) رواه مسلم (49)
(2) أخرجه الدارمي (210)
(3) 24) أشار إلى حديث أم سلمة ك المتفق عليه, رواه البخاري (1233)، ومسلم (1930).(1/160)
الجواب: نحن ننصحكم أن تلتمسوا مسجد سنة إن تيسر تصلون فيه. فما أحسنها من راحة في الصلاة في مسجد السنة وخلف السني، ومن النكد في الصلاة في مسجد البدعة خلف المبتدع، وكما قيل:
ومن نكد الدنيا على المرء أن يجد ... عدوًّا له ما من صداقته بُدُّ
من النكد أنه ما يجد إلا مسجد بدعة وإمام بدعة وما عنده مسجد في حارته أو في قريته مسجد السنة.
الأسئلة الليبية
التسبيح للنساء عند النساء
السؤال: إذا كان النساء في صلاة دون الرجال وأمتهم امرأة فهل يصفقن إذا أردن تنبيه من تُصلي بهن على خطأ، أو يشرع لهن التسبيح لانتفاء علة عدم تسبيحهن خلف الرجال، وهي مخافة فتنة الرجال بهن، وبارك الله فيكم؟
الجواب: إذا كنّ بمفردهنّ والإمامة امرأة وحصل ما يستدعي التسبيح لهن أن يسبحن ولهن أن يصفقن الأمران جائزان أما الدليل على التسبيح فحديث أسماء لما دخلت والنبي ص يصلي صلاة الكسوف فقالت: ما للناس آية؟ فسبحت عائشة(1)، وأما الدليل على التصفيق فحديث سهل بن سعد أن النبي ص قال: «إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال»(2)، هذا إذا كن خلف الرجال ما لهن إلا التصفيق خشية الفتنة, وإذا كن بمفردهن؛ فلهن الأمران على ما تقدم بيانه.
الأسئلة الجزائرية
إذا اجتمع العيد مع الجمعة هل يترك الظهر؟
السؤال: إذا اجتمع يوم العيد مع يوم الجمعة فهل يجوز للذي صلى العيد أن يترك صلاة الظهر؟
الجواب: أما صلاة الظهر فلا يجوز له أن يتركها؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وفي صحيح مسلم أن النبي
__________
(1) رواه البخاري (1053)، ومسلم (421).
(2) رواه البخاري (684) ومسلم (421).(1/161)
ص قال: «إنما مثل صلوات الخمس كنهر جار غمر في باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات»(1)، وفي الصحيحين من حديث طلحة بن عبيد الله، أن رجلًا قال: يا رسول الله، أخبرني عن الإسلام، قال: «خمس صلوات في اليوم والليلة»، قال: هل عليَّ غيرها يا رسول الله؟ قال: «لا، إلا أن تطوع»(2)، وليس هناك دليل أن ابن الزبير ترك الصلاة في بيته، وإنما جاء فيما ذكر شيخنا : في ”الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين“ حديث ابن عباس أن يوم الجمعة وافق يوم عيد، وابن الزبير لم يخرج، قال: اجتمع في يومكم هذا عيدان فلم يخرج إليهم وصلوا فرادى.(3)وبذلك قال الصنعاني رحمة الله عليه، وذكر أنه صنف رسالة مستقلة في هذه المسألة، وهو قول سديد، فبأي دليل تسقط صلاة الظهر؟ والنبي ص يقول: «من ترك صلاة العصر حبط عمله»(4)، فالذي يترك الصلاة متعمدًا يخشى من إحباط عمله وصلاة الظهر فرض فكيف تسقط بالسنة على قول الجمهور أو بواجب آخر على قول غيرهم والأقرب أن صلاة العيد واجبة وهو الراجح في هذه المسألة والحمد لله.
__________
(1) 11) أخرجه مسلم في كتاب المساجد وموضع الصلاة باب: المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات، برقم (1521).
(2) 12) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب: الزكاة من الإسلام برقم (46)، ومسلم في كتاب الإيمان باب: بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، برقم (100).
(3) 13) انظر ”الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين“ في كتاب الصلاة باب: إذا اجتمع عيد والجمعة (2/190).
(4) 14) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة باب: إثم من ترك العصر. برقم (553).(1/162)
بقي تنبيهه على مسألة ترك الجمعة فتصير في ذلك اليوم رخصة لهم أن يصلوا جمعة ولهم أن يصلوا ظهرًا، والأولى للإمام وذوي الشأن أن يجمِّعوا لقوله ص في حديث أبي هريرة: «قد اجتمع في بومكم هذا عيدان؛ فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنَّا مجمعون» أخرجه ابن ماجه، وقال البوصيري في ”زوائد ابن ماجه“: إسناده صحيح. قلت: وله شاهد من حديث زيد بن أرقم عند أبي داود، وابن ماجه، وقال ?: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه».
الأسئلة الإماراتية
تحديد الديار في القصر في الصلاة
السؤال: كيف نحدد الديار التي تقصر عندها الصلاة في السفر يعني الخروج من الديار، كيف يكون تحديد هذه الديار؟
الجواب: إذا لم يرَ بيوت قريته إذا تجاوز بيوت القرية ولم يرها؛ فيشرع له أن يقصر بل يجب عليه أن يقصر على الصحيح كما ذكرنا في ضياء السالكين في آداب وأحكام المسافرين ويجوز له أن يجمع إذا لم ير بيوت قريته لقول الله عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101].
السائل: أقول شيخنا بارك الله فيكم، الآن بالنسبة لهذه البنايات الجديدة أو ما تسمى بالبلديات هي متقاربة فيما بينها يعني نكون في القرية التي تلي قريتنا ونرى قريتنا؟
الشيخ: لا بأس إذا كان قد توارى وهو ضارب وخارج من قريته، المقصود به قريته وحارته، ولو كان في أطراف بعض البلد؛ فإن البلدان قد توسعت في بلاد كبيرة قد يضرب ساعة وما قد خرج من ذلك البلد هذا فيه مشقة، والله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78].
الأسئلة الجزائرية
صلاة المسافر خلف المقيم
السؤال: إذا كبر المسافر للإحرام في الصلاة خلف المقيم وذلك بعد تسليمة الإمام الأولى، فهل يتم الصلاة أو يقصرها؟(1/163)
الجواب: يعني بعد، وإن كان حديث التسليمة الواحدة لم يثبت، فقد أجمعوا أنه إن سلم تسليمة واحدة أن بها تنتهي الصلاة، لم يثبت لكن نقل الإجماع على ذلك، ففي هذه المسألة ما يتابع الإمام المقيم في صلاته ويتم الصلاة، إنما يتابع الإمام إذا أدرك الصلاة أو أدرك شيئا منها؛ لحديث: «فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا»(1)
الأسئلة السلفية الإماراتية
الصلاة على الميت الغائب
السؤال: هل من السنة الصلاة على الغائب؟
__________
(1) 13) من حديث أبي قتادة رواه البخاري (635) ومسلم (604).(1/164)
الجواب: في الصحيحين من حديث أبي هريرة ا: أن النبي ص نعى النجاشي إلى أصحابه فخرج بهم وكبر أربعًا(1)، هذا فيما إذا مات عند قوم لم يصلوا عليه بدليل ما جاء في خارج الصحيح وهو في ”الصحيح المسند“ لشيخنا رحمه الله أن النبي ص قال: «إن أخًا لكم مات اليوم في غير أرضكم فقوموا وصلوا عليه»(2)، استدلوا بهذا الحديث أنه إن مات ولم يُصَلِِّ عليه المسلمون أن الصلاة عليه تجب، وإن مات أيضًا وصلى عليه المسلمون ولم يبلغوا ثلاثة صفوف، مثل: لم يُصَلِّ عليه إلا أقل من سبعة أشخاص، أنه يصلي عليه أيضا؛ لأنه في حكم من لم يصلَّ عليه، دليلنا على ذلك حديث مالك بن هبيرة أنه صلى وصف بهم ثلاثة صفوف وكانوا سبعة، وقال: سمعت النبي ص يقول: «من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب»، شاهدنا «أوجب»، أي: دخل الجنة. والصلاة على الجنازة المقصود منها الشفاعة للميت فيشفع فيه مائة كما فيه حديث عائشة.(3)ويشفع فيه أربعون كما في حديث ابن عباس(4)، وحديث عائشة انتقد وقد جاء من حديث أنس وعائشة وكلاهما في مسلم.(5)وجا من حديث أبي هريرة ا وهو في ”الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين“(6)،
__________
(1) 32) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب: التكبير على الجنازة أربعًا، برقم (1333)، ومسلم في كتب الجنائز باب: في التكبير على الجنازة برقم (2201) من حديث أبي هريرة ا.
(2) 33) الحديث بزيادة: «في غير أرضكم» أخرجه أبو عبد الله بن ماجه، وهو في ”الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين“لشيخنا العلامة الوادعي (2/262 263).
(3) 35) حديث عائشة، وأنس أخرجهما الإمام مسلم في كتاب الجنائز باب: من صلى عليه مائة شفعوا فيه. برقم (2195).
(4) 36) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب: من صلى عليه أربعون شفعوا فيه. برقم (2196) من حديث ابن عباس ب.
(5) 37) سبق بيانه في رقم (35).
(6) 38) وهو في ”الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين“ لشيخنا العلامة الوادعي : (2/55)..(1/165)
وهكذا أيضا يشفع فيه ثلاثة صفوف ولو كانوا أقل من هذا العدد على ما جاء في حديث مالك بن هبيرة وقد جاء أيضا من حديث أنس أن أبا طلحة حين مات ابنه عمير دعا النبي ص فصلى عليه في البيت هو في الصف بمفرده خلف النبي ص، وأم سليم بمفردها، الحديث لم يثبت؛ فإن أصله في الصحيحين بدون هذه الكلمة(1)، وفيه نكارة في المتن؛ لأنه صلى بمفرده خلف النبي ص، والنبي ص قال: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف»(2)، وقد جاء أن أنسًا ا قال: صليت أنا والنبي ص، والعجوز خلفنا، إنما المرأة تكون صفا وحدها(3)، وجاء في ”السنن“ للبيهقي من مراسيل عبد الله بن أبي طلحة ا الذي عند البيهقي والحاكم من طريق رجل ضعيف لم يثبت إلى عبد الله العمري عن أم يحيى (مجهولة) عن أنس فهذا الطريق ضعيف، فأقل من سبعة ما ينبغي أن يعتبر في الصلاة على الجنازة بأنها مجزئة وأنهم يشفعون، فلو صلى عليه الغائبون أو الحاضرون أقل من سبعة لا بأس من تكملة العدد كما ذكر ذلك أهل العلم. وأما البغوي في ”شرح السنة“ فيرى أن الثلاثة والواحد يجزئ اعتمادا على هذا الحديث الضعيف الذي سمعتموه والذين ناقشناه الآن، وأرجح الأقوال أنها ثلاثة الصفوف كما تقدم. والصلاة على الغائب إن لم يصل عليه يصل عليه، وإن صلي عليه قاموا بالفريضة فرض كفاية وسقط عن الباقي ولا يلزم الصلاة عليه، الدليل يدعم هذا القول، وبه يقول العلامة الألباني رحمة الله عليه وكذا شيخنا رحمة الله عليه، وقد ذكر هذا البحث في كتابنا ”جامع الأدلة والترجيحات في أحكام الأموات“، والحمد لله.
حكم نصب الحجر على القبر
السؤال: يقوم بعض الناس بنصب ثلاث لبنات على قبر الرجل ولبنتين على قبر المرأة، هل هذا العمل صحيح؟
__________
(1) 40) الحديث من حديث أنس أخرجه البخاري برقم (380).
(2) 41) رواه أحمد (4/23) وهو في ”الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين“ لشيخنا الوادعي رحمه الله (2/107) من حديث علي بن شيبان.
(3) 42) رواه البخاري (727).(1/166)
الجواب: إن الحديث في وضع حجر على قبر الرجل الميت، أو حجرين على قبر
الأنثى لم يثبت، احتج الشيخ الألباني : بحديث عثمان بن مظعون(1)أن النبي ص أتى بصخرة لا يستطيع أحد أن ينقلها فأتى النبي ص فوضعها، وقال: لأتعالم قبر أخي(2)، والحديث الصحيح فيه الانقطاع من طريق مولى المطلب ولم يدرك ذلك الصحابي فهو منقطع، ولو ثبت؛ فمحمول على التخصيص لقصد التعالم ولا يكون لكل الموتى.
الأسئلة الإماراتية (6 جمادى الأولى 1423هـ)
حكم الموعظة بعد دفن الميت
السؤال: ما حكم الموعظة بعد دفن الميت؟
الجواب: أما بعد الدفن فلا ينبغي، وتعمد ذلك محدث، وأما قبل دفن الميت فمشروعة؛ لما ثبت عن النبي ص حين جيء بالجنازة، وكان النبي ص عند القبر، وَلمَّا يلحد، وفي يد النبي ص عود ينكت به في الأرض، ثم وعظ بتلك المواعظ، من
حديث البراء ا وغيره(3)، أما الاستمرار فيه في كل جنازة، فلم يفعل ذلك النبي ص، فالموعظة بعد الدفن مخالفة للسنة، والسنة الموعظة قبل الدفن في بعض الأوقات.
خلع الخفاف بين القبور
السؤال: هل يجب علينا أن نخلع خفافنا إذا مشينا بين القبور، وكيف بحديث: «ولكن من غائط أو بول أو نوم(4)»؟
__________
(1) في ”أحكام الجنائز“ (ص100)، وحسنه.
(2) الحديث أخرجه أبو داود (3206)، والبيهقي في ”الصغرى“ (1145)، وقد صرح في ”الصغرى“ بانقطاعه حيث قال: وروينا عن المطلب عمن أخبره في قصة عثمان بن مظعون...، فذكره.
(3) الحديث أخرجه ابن أبي شيبة (3/380)، وأبو داود (13/89)، وهو في ”الصحيح المسند“ (1/112).
(4) من حديث صفوان بن عسال، أخرجه الترمذي (96)، والنسائي (1/83)، وهو في ”الصحيح المسند“ (1/360).(1/167)
الجواب: لا إشكال في ذلك، حتى وإن كان لابسًا خُفًّا وقد مسح عليها، فإذا مَرَّ بين القبور يخلعهما؛ لحديث: «يا صاحب السبتيتين، اخلع نعليك فقد آذيت»(1)، سواء كان لابسًا نعلين أو خفين يخلعهما؛ فإن هذا مما يحصل به الأذى، والأذى محرم للأموات أو للأحياء، وإذا كان قد مسح عليهما وخلعهما بعد أن مسح عليهما؛ فالصحيح أن خلعهما لا ينتقض به الوضوء، وكان علي ا يفتي بذلك، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية :، وأما حديث: «ولكن من غائط، أو بول، أو نوم»، يعني: يخلع من الجنابة، ولا يخلع من الغائط، ولا من البول، ولا من النوم، إذا أحدث مسح عليها إلا من الجنابة فقط.
الأسئلة الإندونيسية
ز كاة البطاطس والرز
السؤال: وقع الخلاف بين الدعاة في زكاة الزراعة مثل البطاطس، والأرز ونحوهما، فما القول الراجح في ذلك، وبارك الله فيكم؟
الجواب: إذا باع من تلك البضاعة وماله النقدي بلغ النصاب، وحال عليه الحول؛ ففيه زكاة، وأما إن كان مجرد البطاط ما يخرج الزكاة من البطاط، فالزكاة في تسعة أشياء على خلاف في العاشر في: الزبيب، والتمر، والشعير، والحنطة، والذهب، والفضة، والإبل، والبقر، والغنم، والعسل على خلاف فيه والصحيح أنه لا زكاة فيه؛ لعدم ثبوت الأحاديث الدالة على الزكاة فيه.
اعتماد الصيام على الحساب الفلكي
السؤال: في بلادنا يُعتمد في الصيام والإفطار على الحسابات الفلكية وعلم الهيئة. ولقد أعلنوا هذا العام بأن يوم الأربعاء يوم عيد الفطر ولم يثبت ذلك برؤية الهلال، فهل نقضي هذا اليوم أم نعمل بمقتضى حديث: «الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس(2)»؟
__________
(1) من حديث بشير بن الخصاصية، أخرجه أحمد (5/224)، وهو في ”الصحيح المسند“(1/136).
(2) من حديث أبي هريرة رواه أبو داود (2324).(1/168)
الجواب: الواجب على المسلمين صيام شهر رمضان، والشهر قد يكون ثلاثين وقد يكون تسعًا وعشرين، كما قال النبي ص : «الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا»، وأشار بأصابعه وقبض واحدة في الثالثة(1)، فنعم, إن صام مع الناس على هذا المقدار، أو أكمل العدة، فهذا مجزئ، وإن كان ما قلدوا في ذلك بعض الناس، أو
بعض الحسابات ولم يكملوا الثلاثين، ولا رأوا الهلال إنما هو مجرد التخمين وبقي من الشهر يوم فعليكم صيامه للأمر بصيام رمضان، ثم لا ينبغي الاعتماد على هذه الأمور الفلكية وإنما الاعتماد على ما ثبت من الأدلة.
الأسئلة الليبية
ما حكم صيام يوم السبت منفردًا؟
السؤال: بعضهم يسأل عن صيام السبت منفردًا؟
الجواب: لا بأس بصيامه؛ فإن حديث الصماء بنت بسر أن النبي ? نهى عن صيام يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، حديث قال الإمام مالك: هو كذب. ونقل الحافظ في ”التلخيص الحبير“ أنه أعله النسائي بالاضطراب، وكان يحيى بن سعيد يتقيه، وأعلَّه الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في ”الفروع“ لابن مفلح، ونقلنا ما قيل فيه في كتابنا ”الرياض المستطابة“ عند الحديث المذكور؛ فهو حديث مُعَلٌّ وله أن يصوم يوم السبت منفردًا للأدلة العامة في الباب، ولأقوال، جماعة من أهل العلم.
الأسئلة الإماراتية (6 جمادى الأولى 1423هـ)
حكم صوم عرفة في يوم الجمعة منفردًا
السؤال: إذا صادف عرفة يوم الجمعة فهل يشرع صيام يوم الجمعة منفردًا؟
__________
(1) 10) متفق عليه من حديث ابن عمر ب، البخاري (1908)، ومسلم (2506).(1/169)
الجواب: ذكر الحافظ ابن حجر في ”الفتح“ عند حديث أن النبي ص قال: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام إلا من كان له صوم يصومه»(1)، أن هذا مستثنى، من كان له صوم يصوم، فلا بأس أن يفرد يوم الجمعة بصيام للحديث المذكور أخرجه مسلم.(2)وقد انتقد، لكن هذا الذي عليه الفتوى وأنه إن كان له صوم يصومه بدليل ما جاء في صيام رمضان: «لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان له صوم يصومه»(3)، وبحمد الله ذكرنا هذا في ”أحكام الجمعة وبدعها“ أنه إن وافق يوم الجمعة يوم عرفة؛ فله أن يفرد يوم الجمعة بصيام لهذا الحديث الذي في صحيح مسلم وبذلك قال جماعة من أهل العلم.
حكم الصيام في قتل الخطأ
السؤال: شخص انقلب في سيارته فمات ومات معه بعض الناس فهل على أوليائه صيام شهرين فإذا كان عليهم الصيام، فهل لهم أن يفرقوها بينهم؟
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصيام باب: كراهة الصيام يوم الجمعة منفردًا برقم (2679).
(2) كما في ”فتح الباري“ (4/275) طبعة دار الريان للتراث في كتاب الصوم، باب: صوم يوم الجمعة، ولفظه : ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده... أومن له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة، انتهى مختصرًا.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب: لا يتقدم رمضان بصوم يومين ولا يومين برقم (1914)، ومسلم في كتاب الصيام باب: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين برقم (2514).(1/170)
الجواب: دية قتل الخطأ على العاقلة، وأما الصيام فالنبي ص يقول: «من مات وعليه صوم صام عنه أهله»(1)قال البغوي في ”شرح السنة“ عند هذا الحديث وجماعة من أهل العلم أيضا في حق المريض، والمسافر إذا مات المريض يبعد أن شفي من مرضه وتمكن من القضاء ولم يقض؛ فإن عليه الصوم، وإذا مات بعد ذلك صام عنه وليه وأما إذا استمر عليه المرض مثلا في رمضان ولم يشف من مرضه ذلك فلم يكن عليه الصوم ولا يقض عنه وليه؛ لأن ذمته بريئة، ومثله المسافر والضارب في الأرض إن بقي واستقر ولم يقض فحينئذ إذا مات يصوم عنه وليه أما إن كان مسافرا ومات في سفره ذلك فلا يصوم عنه وليه لأن الذمة آنذاك غير مشغولة بهذا الصيام، هذا قول جمهور أهل العلم وهذه الصورة لم تكن ذمته مشغولة بتلك الكفارة وبقيت الدية فعلى العاقلة، وإن كان له مال فمن ماله تخرج الدية قبل قسمة التركة.
أما الصيام عليهم عن كل متوفى في ذلك الحادث صيام شهرين متتابعين؛ لأن الصيام لم ينعقد في ذمة ذلك المتوفى والله أعلم، ولو كان وجب عليه لجاز لهم أن يتفرقوا صيام ذلك فقد نص النووي في ”المجموع“ على جواز تفرق الأولياء للصيام عن وليهم، وابن حزم يمنع من هذا، لكن الصحيح جوازه إذا كان منعقدًا عليه، وأما إطعام ستين مسكينًا بدل صيام كفارة قتل الخطأ، فلا دليل عليه، والله المستعان.
حكم العمرة بأكثر من مرة في سفرة واحدة
السؤال: الاعتمار بأكثر من عمرة في سفرة واحدة؟
__________
(1) من حديث عائشة ب أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (1147).(1/171)
الجواب: جمع من أهل العلم يرون أنه لا ينبغي أن يكثر من العمرة في سفرة واحدة، وثبت عن النبي ص كما في حديث ابن مسعود ومن حديث ابن عباس في خارج الصحيح، قال: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد» وهذا فيه جواز المتابعة وربنا عز وجل يقول: {وَافْعَلوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، وهكذا يقول ربنا: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، هذه العمومات ليست نصوصًا في المقصود، ويؤخذ منها جواز الإكثار في العمرة لمن أراد ذلك، لكن ليس معناه أنه يعتمر مثلًا في كل يوم وما إلى ذلك، إنما أذن رسول الله ص لعائشة ك أن تخرج إلى الحل وترجع بعمرة(1)، قال بعض أهل العلم: إنما كان تطييبًا لنفسها إذ أنها لم تعتمر قبل. قالت: يا رسول الله، أرجع بحج ويرجع الناس بحج وعمرة؟ قال: «يا عبد الرحمن اذهب مع أختك إلى الحل فلترجع بعمرة»، وقال بعضهم إن هذا يدل على تكرار العمرة في عام واحد، أو سفرة واحدة إن خرج عن الميقات لحاجة ثم رجع؛ فلا بأس، وهو قول له أدلة قوية بحمد الله.
سلب الوقف من يد المنحرف
السؤال: رجل أو قف أرضا لبعض أبنائه على أن يُبنى عليها مسجد أو معهد ثم يسلمونه إلى أحد الدعاة السلفيين ليتولى أمرها فبنى عليها مسجدًا من مال بعض المحسنين، وبعد ذلك انحرف هذا الداعي نسأل الله العافية عن منهج السلف حيث دافع عن الحزبيين، فهل يجوز لهم أخذ تلك الأرض، وما بني عليها، وإن كان لا يجوز؛ فما المخرج؟
__________
(1) 17) أخرجه البخاري في كتاب العمرة باب: الاعتمار بعد الحج بغير هدي. برقم (1786) ومسلم في كتاب بالحج باب: بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج... برقم (1211) من حديث عائشة ب.(1/172)
الجواب: إذا أوقفها ذلك الواقف على أهل السنة السلفيين وانحرف القائم عليها عن السلفية، فنعم تؤخذ منه؛ فإن بقاءها مع ذلك الذي كان سلفيًّا ثم انحرف تبديل لوصية الموصي، والله عز وجل يقول: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة 181].
الأسئلة الإندونيسية (20 شعبان 1422هـ)
حكم الزواج الذي عقده أمير الخوارج
السؤال: ما حكم الزواج الذي عقده أمير الخوارج بدون ولي المرأة، ويحتجون على ذلك بأن أو لياء المرأة كفار، فما قولكم في هذا؟
الجواب: إذا كان أبوها مسلمًا فالعقد باطل على هذا الحال؛ فإن النبي ص يقول: فإذا اشتجروا فـ«القاضي ولي من لا ولي له»(1)وهذا الأمير للخوارج ما هو قاضٍ، ولا ولي، ولا يصح العقد عند جماهير أهل العلم، ما دام الولي موجودًا وهو مسلم، إلا إذا كان كافرًا كفرًا معروفًا شرعًا، ما هو بتكفير الخوارج الجهلة، ربما يختلف بعضهم في الجلسة ويكفر بعضهم بعضًا، وهذا شأنهم ما يقومون من
__________
(1) من حديث عائشة ب أخرجه أبو داود (2083)، والترمذي (1/204)، وأحمد(6/47)، وابن ماجة (1879)، وغيرهم من طرق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة وهذا إسناد صحيح، وهو في ”الصحيح المسند“ (2/492)، وصححه الألباني في ”الإرواء“ (1840).(1/173)
الجلسة إلا وقد كفر بعضهم بعضًا، ثم يتوبون ويعيدون، كما قلنا لكم: إنهم جهال لا عبرة بفتواهم, من أين لهم حلم أو علم؟ هذا العقد باطل والنكاح حرام، بعضهم في بريطانيا يعمدون إلى بعض الحدائق فيسرقون بعض الكباش؛ لأنهم يقولون إن مال الكفار حلال لهم، يحمل بعضهم الشاة على ظهره ولا تدري إلا النجدة تتابعه في الشوارع, ويذيعون على المذياع وعلى التلفزيونات فيقول الكفار: إن المسلمين يسرقون, يهينون أنفسهم, يركبون القطار ولا يدفعون حق الركوب, أهانوا أنفسهم بهذه الضلالات، وإلا فالكفار يملكون أموالهم، وقد عامل رسول الله ص أهل خيبر على شطر ما يخرج من الأرض(1)، والنبي ص اقترض ثلاثين صاعًا من الشعير من رجلٍ من اليهود(2)أرسل إلى رجل من اليهود ليشتري له ثوبين إلى ميسرة قال: محمد يريد أن يذهب بمالي. قال: «كذب عدو الله إنهم ليعلمون أنني أشدهم وفاء»(3)ما قال النبي ص: مَالُهم لنا. هؤلاء راسخون في الجهل, انظر على سبيل المثال أسامة بن لادن, لا تتلمذ على يد الشيخ ابن باز وهو في بلاده، ولا على الشيخ ابن عثيمين، ولا على سائر المشايخ هناك، ما تتلمذ على واحد من علماء أهل السنة وإنما حول الحماس ويسبب للمسلمين نكبة بعد نكبة.
قراءة القرآن قبل عقد النكاح
السؤال: ما حكم قراءة القرآن قبل عقد النكاح؟
__________
(1) من حديث ابن عمر ب، أخرجه البخاري (2328)، ومسلم(1551).
(2) من حديث عائشة ك، رواه البخاري (2068)، ومسلم (1602).
(3) عن عائشة ك أخرجه أخمد (6/741)، والترمذي (4/404)، وهو في ”الصحيح المسند“ (2/481)، ولفظه: «كذب، قد علم أني من أتقاهم لله وأداهم للأمانة».(1/174)
الجواب: تحري قراءة القرآن قبل عقد النكاح ما فعله النبي ص ولا أحد من الصحابة رضوان الله عليهم فيما نعلم. وعلى هذا فهو من المحدثات. «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، يقرأ خطبة الحاجة، يشرع له ذلك. أما قراءة القرآن قبل عقد النكاح أو يتحرى كون ذلك في المسجد، وكذلك قبض اليد أو الإسراع في القيام قبل أن يقوم ولي المرأة خشية أن تكون امرأته عليه منتصرة، كل هذا ما عليه دليل، كل هذا من المحدثات، نسأل الله أن يصلح المسلمين، وأن يبصرهم بالكتاب والسنة.
بناء المساجد، والزكاة، والحج، والعمرة من أموال القات
السؤال: ما حكم من يبني المسجد ويزكي ويحج من أموال القات؟
الجواب: ليس له أجر لقول النبي ص: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا»(1)، وما يتعلق بالحج جماعة من أهل العلم يقولون إن حجه صحيح، لكنه ما يرجع كيوم ولدته أمه, لو أنه بنى مسجدًا، أو زكى، أو تصدق، أو فعل أي شيء من أموال القات ما يؤجر على هذا الشيء؛ لأن دخل القات وناتج القات ليس بطيب وهو خبيث، شَرٌّ على البلاد والعباد وليس فيه أجر....... ولا بركة, أصحاب القات عندنا من أتعس الناس ربما حصل مليونًا ويأتي آخر العام وهو قد استلف هم أنفسهم يشهدون بالله أنه ما فيه بركة، ابتلاهم الله بالقتل والقتال حتى يذهب عنهم أعداد من الناس بسبب هذه المعاصي, ابتلاهم الله بالقحط والجذب, أيضا ابتلاهم الله بالمشاجرات مع بعضهم بعضًا، وتجدهم يختلفون على شجر، فيغرمون الملايين،
فهم مفتونون بسبب مخالفة هدي النبي ص، وبسبب ارتكاب المحرم.
الحجاب وكيفيته
السؤال: نريد أن تبين لنا أدلة وجوب الحجاب على النساء وكيفيته, وجزاكم الله خيرا؟
__________
(1) من حديث أبي هريرة ا أخرجه مسلم (2301)(1/175)
الجواب: الأدلة, قول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب 59], وَكُنَّ النساءُ يُصَلِّيْنَ مع رسول الله ص ويخرجن كالغربان ما يعرفهن أحد(1)، الحديث ثابت ذكرته في كتابي ”حشد الأدلة“(2)، وكان في أو ل الأمر نساء النبي ص ما يحتجبن، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية، أي: آية الحجاب، فأمر الله تعالى بالحجاب للنساء بستر جميع جسدها حتى بستر الوجه والكفين، أما الحديث
__________
(1) 2 أخرجه البخاري (578) عن عائشة ك قالت : كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله ص صلاة الفجر متلفعات بمروطهن, ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة, لا يعرفهن أحد من الغلس.
(2) 3 أخرجه ابن أبي حاتم في ”تفسيره“ عن صفية قالت: ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن فقالت: إن نساء قريش لفضلاء ولكني والله, ما رأيت أفضل من نساء الأنصار , أشد تصديقا بكتاب الله وإيمانا بالتنزيل , لقد أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: من الآية31], فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها, ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها كأن على رؤوسهن الغربان. قال شيخنا حفظه الله : وسند هذا الأثر عن عائشة ك صحيح ”حشد الأدلة“ (ص 34).
قال المعلق: يرحم الله نساء الأنصار و ر، وكذلك يرحم الله المهاجرات الأُوَل و ر، لقد روى البخاري (4758) عن عائشة ك قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله : {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: من الآية31] , شَقَقْنَ مُرُوْطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بها.(1/176)
الذي فيه: «يا أسماء, إن المرأة إذا بلغت لا يخرج إلا هذا وهذا» فأشار إلى الوجه والكفين، فهو حديث ضعيف, فيه عدة علل. فيه عنعنة قتادة, وفيه سعيد بن بشير ضعيف، وفيه اضطراب(1)، فيجب عليها تغطية الوجه والكفين بدليل حديث عائشة ك، وجاء عن أسماء أنهن كن في الحج قالت: فإذا حاذينا الرجال سدلنا وإذا تجاوزنا كشفنا(2)، هذا يدل أنهن كن يغطين وجوههن وجميع أجسادهن عن الأجانب، نعم إن كانت تلك التغطية بشيء أسود هذا أفضل للحديث الذي سبق ذكره كالغربان، والغراب كله أسود ما في شيء منه بارز أو غير أسود. وإن كان من لباس النساء الآخر ولو لم يكن أسود فهذا جائز(3)، أهم شيء أن يكون جسمها مستورًا جميعًا من قمة رأسها إلى أخمص قدميها. هذا هو الحجاب الشرعي الذي أمر الله سبحانه وتعالى والذي جاءت السنة كما سبق ذكره بعض الأدلة ذلك وكما قال النبي ص للتي لا تجد جلبابا: «تعيرها أختها من جلبابها»(4)
__________
(1) 4 أخرجه أبو داود (4104) وقال: هذا مرسل , خالد بن دريك لم يدرك عائشة , وسعيد بن بشير ليس بالقوي.
(2) 1 أخرجه الحاكم (1/454) وصححه. وقال شيخنا حفظه الله في ”حشد الأدلة“ ص (32): والحديث من هاتين الطريقين عن عائشة وأسماء حسن.
(3) 2 أخرجه البخاري بسنده إلى عكرمة قال: أن رفاعة طلق امرأته, فتزوجها عبر الرحمن بن الزَبِير القرظي, قالت عائشة: وعليها خمار أخضر , فشكت إليها وأرتها خضرة بجلدها , فلما جاء رسول الله ص، والنساء ينصر بعضهن بعضا، قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات , لجلدها أشد خضرة من ثوبها. الحديث ”صحيح البخاري“ كتاب اللباس، باب: ثياب الخضر (5825).
(4) 2 أخرجه البخاري (980) ومسلم (890) عن أم عطية ك..(1/177)
, تعيرها للخروج إلى صلاة العيد، وما خرجت امرأة حرَّة في عهد النبي ص إلى المصلى كاشفات الوجه أمام الرجال بعد نزول آية الحجاب، أما الحديث الذي فيه سفعاء الخدين، حين سمعت النبي ? يقول: «ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا سترًا لها من النار»، قامت فقالت: واثنين؟ قال: «واثنين»(1)، وما إلى ذلك من الأحاديث المُجْمَلة تبينه ما تقدم من الأدلة المفصلة في وجوب تغطية الوجه.
الأسئلة الأرومية
كشف الوجه والكفين للمرأة
السؤال: بعض النساء تسأل عن كشف الوجه والكفين للمرأة؟
الجواب: جاء فيه حديث أن النبي ص قال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يخرج منها إلا هذا وهذا»(2)، الحديث ضعيف فيه سعيد بن بشير: ضعيف، وفيه أيضًا عنعنة قتادة، وفيه اضطراب، وقد أصاب من ألف تلك الرسالة في تضعيفه، فالحديث فيه عدة علل فلا يصلح للاحتجاج، وقد ثبت من حديث أسماء نفسها(3)، ومن حديث عائشة بمجموع الطريقين أنهما قالتا: كنا في
__________
(1) 3 أخرجه البخاري (979) عن ابن عباس ب, ولم يذكر فيه : «سفعاء الخدين»، ومسلم تحت الحديث رقم (885) عن جابر ا قال: شهدت مع رسول الله ص الصلاة يوم العيد , فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة, ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته, ووعظ الناس , وذكّره ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكّرهن فقال: «تصدقن؛ فإن أكثركن حطب جهنم»، فقامت امرأة من النساء سفعاء الخدين، فقالت: لم, يا رسول الله؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير» قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.
(2) 28) أخرجه أبو داود (2/138)، وقال : هذا مرسل.
(3) 29) أخرجه مالك (1/328)، والحاكم (1/434)، وإسناده صحيح، انظر ”الإرواء“ (1023).(1/178)
الحج إذا حاذين الرجال أسدلنا، وإذا ابتعدنا من الرجال كشفنا.(1)مما يؤيد أنه يجب على المرأة أن تدني الحجاب على وجهها قول الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59]، وكحديث المغيرة وغيره في مسألة النظر إلى المرأة المخطوبة، وأن ذلك مشروع، بل ربما كان أحدهم يتوخى أن ينظر إلى وجهها، كان رجل في عهد النبي ص خطب امرأة، فقال النبي ص: «انظر إلى وجهها؛ فإن في عين الأنصار شيئا»(2)، هذا مما يدل على أن الوجه ينبغي تغطيته وستره، ومما يدل على ضعف ذلك الحديث ونكارته سندًا ومتنًا.
حكم أكل طعام أهل الكتاب
السؤال: هل يجوز أكل طعام أهل الكتاب؟ فقد قال الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أو تُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: من الآية5], وما هو الضابط في هذا؟
الجواب: أن يكون كتابيًّا يهوديًّا، أو نصرانيًّا، ويذكر اسم الله على ذبيحته، ويذبح؛ فإن كانوا كذلك فما زالوا على يهوديتهم، أو نصرانيتهم مستمسكين بذلك، ويسمون الله ويذبحون على طريقة إسلامية؛ فنعم, طعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم، فالمقصود بالطعام هنا: الذبح، وإلا فمجرد الرز أو الخبز، أو ما إلى ذلك ليس مُحَرَّمًا أكله إذا أتى من عندهم ما لم يكن فيه شيء من المحرمات الأخرى، قال تعالى: {وَلا تَأْكُلوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: من الآية121], فلو ذبح الكتابي ولم
__________
(1) 30) أخرجه أبو داود (1833) وابن ماجه (2935).
(2) 31) الحديث أخرجه مسلم في كتاب النكاح باب: ندب النظر إلى وجه المرأة. برقم (3470) من حديث أبي هريرة ا.(1/179)
يُسَمِّ اللهَ عز وجل دخل تحت هذا النهي, كتابيا كان أو غير كتابي والدليل على الذبح بطريقة إسلامية قوله تعالى: {إلا ما ذكيتم}، وأما قول من قال: إن كل ما جاء من بلاد الكفار يعتبر كتابيا. هذا كلام غير صحيح، أولئك الآن فيهم الزنادقة والملاحدة من العلمانيين لا دين لهم البتة، ما عند كثير منهم دين ولا يذبحون على طريقة إسلامية. هذا مجرب. والدجاج الذي يبيعونه برؤوسه، ويصعقون صعقًا وإذا أرادوا أن يخرجوا إلى بلاد المسلمين يقطعون الرؤوس حتى يظن أنه مذبوح على طريقة إسلامية، وربما يكتب على بعض السمك: مذبوح على طريقة إسلامية, والسمك لا يحتاج أن يذبح وليس من المذبوحات, مما يدل على أنهم يلبسون على المسلمين، وهذه المسألة مبحوثة في بعض الرسائل رسالة في تحريم ذبائح غير المسلمين, وقد حشد أخونا ذلك الباحث في تلك الرسالة أقوال أئمة العصر في ذلك, وأن هذا بعد التحري وبعد انظر هناك، وأنا التقيت بواحد من الذين كانوا يعملون في الدجاج في تلك المسالخ، وأخبرني أنهم يصعقونه صعقا وأنهم يكذبون أنه إذا جاء واحد من المفتش أظهروا له بعض المذابح التي هي على طريقة إسلامية. وأظهروا له أن العمال هم المسلمون وهم خائنون, {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة: من الآية10], ما كان لهم أمانة فيما بينهم وبين ربهم فكيف الأمانة بين المسلمين، فهذا حاصله أنه يتوقى الدجاج أو اللحوم بشتى أنواعها المستوردة من بلاد الكفار، ويكفي المستوردة من بلاد المسلمين, فدينهم يمنعهم على أن يذبحوا بغير طريقة إسلامية، والحمد لله.
حكم أكل ذبيحة تارك الصلاة
السؤال: هل يجوز أكل ذبيحة تارك الصلاة؟(1/180)
الجواب: جماعة من أهل العلم يكفرونه؛ لحديث بريدة، أن النبي ? قال: «الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر»، أخرجه الترمذي، وهو صحيح، ومثله حديث جابر بن عبد الله عند مسلم في صحيحه، أن النبي ? قال: «بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة»، فعلى القول بتكفيره لا تجوز ذبيحته؛ لأنه كافر وليس بكتابي.
الطلاق في بلاد المسلمين
السؤال: رجل رغب في طلاق زوجته بعد أن أنجبت له ولدًا في فرنسا ويرغب أن يكون الطلاق بدماج حتى تعيش في بيعة مستقيمة ولا يريد أن يطلقها في بلاد الكفر، فما تنصحونه به؟
الجواب: إذا جاءت معه لطلب العلم بقي عليه أن يصبر إن استطاع, وهي إمرار أيام، من الناس من يبتلى بولده, ومن الناس من يبتلى بزوجه, ومن الناس من يبتلى بالأمراض, ومن الناس من يبتلى بماله, ومن الناس من يبتلى بكثرة أعدائه وحساده, ومن الناس من يبتلى بخير, ومن الناس من يبتلى بشر ولابد من الصبر على البلوى {وَنَبْلوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]، وإذا لم يصبر الإنسان في هذه الحياة الدنيا يتعب، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان:20]، فلو طلقها وهي بمفردها بغير زوج, وفي الغربة تضيق؛ فالأولى أن يصبر عليها. فإن كان ولابد, دعى وليها حتى إن شاءت رجعت معه، والصبر طيب. قال عمر بن الخطاب: وجدنا خير عيشنا بالصبر. أهم شيء عندنا طلب العلم.
احرص أنت وأهلك على أن تطلب العلم. فإذا وفقها الله لطلب العلم وَفَّرْتَ عليك، وخففت الأثقال عليك، طالب العلم خيرٌ لنفسه وللأمة, من الرجال والنساء والجن والإنس، والعلم النافع يصلح صاحبه ولو بعد حين.
الأسئلة الفرنسية
حكم كراء الأرض(1/181)
السؤال: شيخنا الفاضل، هذا سائل يقول: ما الجمع بين ما خرج الإمام النسائي في ”سننه“، وصححه العلامة الألباني عن جابر ا أن النبي ص قال: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه ولا يكريها»(1)، وبين الحكم الفقهي القائل بجواز كراء الأرض زراعية، وبارك الله فيكم؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الأدلة تدل من حديث رافع بن خديج على أنه إما أن يزرعها وإما أن يزرعها(2)، ومعنى يزرعها أخاه له وجهان، الوجه الأول أن يعطيه يزرعها بالمشاركة كما زارع النبي ص، أو كما خابر النبي ص أهل خيبر(3)،وفي هذا حث على استعمال الأرض وأنها لا تعطل عن ثمارها وعن غلاّتها، فيجوز للإنسان أن يؤجر بالمال ويجوز أن يشاركها على بعض ما يخرج منها، بحيث يقول: ازرع لي هذه الأرض وما خرج منها إما بيني وبينك بالثلث أو حسب ما يتفقان، أما ما يفعله بعض الناس أعطيك هذه القطعة، وتزرع لي هذه القطعة، هذا هو المنهي عنه، وعليه
يُحمل ما ثبت من أحاديث النهي عن كراء الأرض.
فالحكم بالأدلة الكثيرة التي في الصحيح بجواز كراء الأرض الزراعية، أما النهي عن كراء الأرض الزراعية فالأحاديث في ذلك محمولة على كراء بعض منها، لا على شيء عن المال.
مصطلح الحديث
إجماع العلماء في العمل بحديث ضعيف
السؤال: إذا أجمع العلماء على العمل بحديث ضعيف كما قال الشوكاني : في حديث: «الماء طهور إلا أن تغير ريحه، أو لونه، أو طعمه»، فهذه الزيادة قد اتفق الحفاظ على ضعفها ولكنهم اتفقوا على العمل بها وكذا قال الشافعي : في حديث: «لا وصية لوارث» روى بعض الشاميين حديثا مما يثبته أهل الحديث فإن بعض رجاله مجهولون فاعتمدنا على المنقطع وإجماع العلماء على قبول ذلك.
__________
(1) رواه النسائي برقم (3874) وأشار المحقق إلى مسلم (5/19).
(2) رواه البخاري (2346) ومسلم (1549) والنسائي (3866).
(3) كم جاء من حديث ابن عمر ب، أخرجه البخاري (2328).(1/182)
الجواب: أما حديث: «الماء طهور لا ينجسه شيء»؛ فإنه صحيح جاء من حديث أبي سعيد الخدري ا(1)، لكنما الضعيف في زيادة: «إلا ما غلب من النجاسات على طعمه ولونه وريحه»(2)هذه الزيادة في حديث أبي أمامة من طريق رشدين بن سعد وقد اتفقوا على ضعفه وينبغي أن يعلم أن اتفاق أهل العلم على ضمن حديث لا يدل على تقويته مطلقًا، فقد يتفقون على مضمون هذا الحديث وهم إنما عملوا بعمومات من الشريعة مثل قول الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4]، ومثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، ومثل الأدلة الدالة على البعد عن النجاسات، قال تعالى: {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي
__________
(1) رواه أبو داود (67)، وأحمد (3/31) والنسائي(1/174) وغيرهم.
(2) أخرجه الدارقطني (1/28) وقال بعده لم يرفعه غير رشد بن سعد عن معاوية بن صالح وليس بالقوي انظر ”التلخيص“ (1/130).(1/183)
الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222]، ومثل هذه الأدلة العامة يعملون بها في الجملة لا على أنهم أخذوا بتلك الزيادة، ولو بحث الإنسان ينظر أن إجماعهم ذلك قام على مثل هذه العمومات، فلا نستطيع أن نقول إن هذا الحديث يصير صحيحا على ما في المسألة من إجماع وإنما نقول: الإجماع قائم على ما جاء في مثل هذه الألفاظ إذ أن استعمال ذلك الماء الذي قد صار منتنًا بالنجاسة، أو متغيرًا لونه بالنجاسة أو متغيرًا طعمه بالنجاسة يصير استعمال شيء نجس، وقد نقل ابن عبد البر الاتفاق على تحريم مباشرة النجاسة لما تقدم ذكره من البعد عن النجاسة وحتى القذر، فلما رأى النبي ص نخامة في قبلة المسجد حكها بعرجون، ولم يباشر ذلك بيده، ثم دعا بخلوق، ووضعه على العرجون، ومسح به، والحديث في مسلم، «إن الله يحب أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين»(1)، أما ما لم يشتد الضعف فيه ووجدت آثار عن بعضهم، فإننا نرى أهل العلم يشدون ذلك الحديث الضعيف بتلك الآثار كما ترى في ”مصنف ابن أبي شيبة“، يأتي بالأحاديث، ثم يسوق بعدها جملة من الآثار عن عطاء، وعن ابن جريج، وعن الزهري، وعن فلان منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف، يسوق ما في الباب، من باب أن الباحث ينظر ما يحتاج، فالشاهد من هذا أن الموقوفات الصحيحة إلى أصحابها سواء كانت من أفعالهم أومن أقوالهم إن لم يشتد الضعف في ذلك الحديث فإن عمل جماهير أهل العلم على أخذها وعلى دعم القول بها فيصير فعلهم ذلك يقوي ذلك الحديث لأنهم ما عملوا به سدى، أما إن كان الضعف شديدًا كما في حديث أبي أمامة المذكور فيه تلك الزيادة، فلا يقوى.
الأسئلة الإندونيسية (22 شعبان 1422هـ)
__________
(1) من حديث جابر بن عبد الله برقم (3008) وجاء بنحوه من حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم (548) ومن حديث أبي هريرة (550)(1/184)
هل عمل العلماء بالموقوف سبب لرفعه؟
السؤال: هل عمل العلماء بالحديث الموقوف كحديث من لم يبيت النية من الليل فلا صيام له يرفعه إلى مرتبة الحديث المحتج به؟
الجواب: هذا قد جاء عن حفصة(1)وعن صحابة آخرين(2)، نعم، لاسيما لمن لم يبيت الصيام من الليل وأيضا قد نستشهد لهذا الحديث بقول النبي ص: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»(3)، الحديث متفق عليه عن عمر بن الخطاب وعلى ذلك جمهور أهل العلم أنه إن لم يبيت الصيام من الليل؛ فإنه لا يصح صيامه على ما تقدم من حديث حفصة وغيرها، أما حديث أن النبي ص أتى إلى أهله، وقال: «هل عندكم طعام؟» قالوا: لا. قال: «إني صائم»(4)، فهذا الحديث لنا وهو دليل للجمهور بأن النبي ص كان صائمًا وقد بيت الصيام على ما دل عليه حديث عمر وغيره وبما أنه كان متنفلًا، فالمتنفل له أن يفطر، وقد جاء من حديث حفصة المتنفل أمير نفسه، والحديث فيه ضعف، لكن هذا يستدل له بقول رسول
الله ص: «إذا دُعي أحدكم وهو صائم فليجب؛ فإن شاء طعم، وإن شاء صلى»(5)، فقد خيره رسول اللهص بين الأمرين مما يدل على أن المتنفل أمير نفسه له أن يواصل الصوم، وله أن يفطر، وانظر التفصيل المذكور في الجواب الذي قبل هذا.
__________
(1) أخرجه أبو داود (726) والنسائي (4/196 197)، وغيرهما وقال الحاقظ في ”التلخيص“ عند حديث (881) واختلفوا الأئمة في رفعه ووقفه، ثم ذكر كلام الأئمة في ذلك.
(2) قال الحافظ في ”التلخيص“ (2/409)، وفي الباب عن عائشة أخرجه الدارقطني (2/171) وفيه عبد الله بن عباد وهو مجهول وعن ميمونة بنت سعد رواه أيضا وفيه الواقدي.
(3) البخاري (1) ومسلم (1907).
(4) من حديث عائشة أخرجه مسلم (2/809) وأبو داود (2455) وغيرها
(5) من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم (1150) بلفظ الأول وأبو داود (2460) وغيرهما، ومن حديث ابن مسعود عند الطبراني في ”الكبير“ (3/83) انظر الإرواء (953).(1/185)
الأسئلة الإندونيسية (18 شعبان 1420 هـ)
الضابط في مجهول العين
السؤال: راوٍ مجهول العين هل ترفع جهالة عينه بثناء مبهم من بعض الحفاظ عليه كعاصم بن زيد روى عنه واحد ولم يوثقه معتبر، وقال الذهبي :: لا يعرفوا عنه عبد الله بن نافع، وقال البخاري في ”الأدب المفرد“: وأثنى عليه إبراهيم بن شيبة خيرا وقال الحافظ في التقريب مقبول؟
الجواب: إن ذكروا لنا أنه إمام مسجد بني فلان، أو قالوا: نعرف ذلك الرجل بالخير فهذا ثناء مبهم من حيث الصلاح والدين، لا من حيث عدالته في الرواية، أو قالوا: نعرف ذلك الرجل مثلًا بصلاةٍ، فنعم يرتفع من جهالة العين إلى الحال؛ فإن جهالة العين معنى ذلك أننا لم نعرف ذات ذلك الرجل لم نعرف باطنه ولا ظاهره فهذا جهالة العين وأما إن أحدُ الناس أثنى عليه خيرًا فذلك الثناء بالخير عليه يجعله يرتقي إلى درجة مجهول الحال ما دام وقد عرفنا عينه.
الأسئلة الإندونيسية (22 شعبان 1422 هـ)
تابعي كبير روى عنه جماعة ولم يوثقه معتبر
السؤال: تابعي كبير روى عنه جماعة وذكره ابن حبان في الثقات هل يحسن حديثه كما ذهب إليه العلامة الألباني :؟
الجواب: إن روى عنه جماعة ممن لا يروون إلا عن ثقة كيحيى بن سعيد، وشعبة، ومالك، وجماعة من هذا الصنف، وليس فيه جرح، فنعم يحتج به؛ لأنه لو كان يستحق أن يتكلم فيه لبينوا ذلك.
التعارض بين قول الصحابي وبين ما يرويه
السؤال: إذا تعارض قول صحابي مع ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبأيهم يقدم؟(1/186)
الجواب: الصحابي قد يروي عن النبي ص حديثا وربما حصل منه إما نسيان، وإما يجتهد فيخطئ، فلنا روايته لا قوله واجتهاده، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: من الآية63]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]، نعم، إن الأصل أن الصحابي يروي الحديث، وقد يكون من أشد الناس عملا به لكونه رأو يا له ولكن لا مانع من أن يكون عنده اجتهاد خلاف ما ظهر في الحديث، والعمل بظاهر الحديث أولى، فقد روى ابن عمر حديث الأمر بإعفاء(1/187)
اللحية، وهذا الحديث ثابت عنه(1)، ثم إنه عمد أيام الحج، أو العمرة فقصر من لحيته رضوان الله عليه، وهذا هو طريق الاجتهاد من ابن عمر وإلا فإن رسول الله ص كانت تعرف قراءته باضطراب لحيته(2)واللحية إذا لم تكن كثيفة وطويلة لا تضطرب والرسول ص أمر بإعفاء اللحية والإعفاء ضد الأخذ منها ما زاد عن قبضة، وفرق بين أعفى الشيء ولم يعفه، وهكذا جاء: «أطلقوا اللحية»(3)، ومن الإطلاق عدم الأخذ منها ما زاد عن قبضة تقييد لها، ولو كان في الحج أو العمرة، فعلى كل حال لنا حديثه الذي نقله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويبقى اجتهاده؛ فإن اجتهد ذلك الصحابي بقول أو فعل لم يخالفه فيه جميع الصحابة؛ فإن هذا عند جمهور أهل العلم يعتبر حجة أما إن خالفه بعض الصحابة فليس بحجة قولا واحدا حتى قال صاحب ” مراقي السعود“، ونقله عنه الشنقيطي ::
رأى الصحابي على الأصحاب لا ... يكون حجة في قول من خلا
الأسئلة الإندونيسية (8 شعبان 1420 هـ)
هل قول الصحابي حجة مطلقًا؟
السؤال: أثر ابن عباس ب: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دمًا(4)استدل به الجمهور على أن من أخطأ في مناسكه عليه دم؟
الجواب: أما قول صحابي إن خالفه غيره فليس بحجة عند جماهير أهل العلم حتى قال صاحب ”مراقي السعود“ فيما نقله عنه الشنقيطي في ”مذكرة أصول الفقه“:
رأى الصحابي على الأصحاب لا ... يكون حجة في قول من خلا
__________
(1) متفق عليه البخاري (5892)، ومسلم (259).
(2) جاء بنحوه من حديث أبي هريرة رواه مسلم (260).
(3) انظر ”المذكرة“ (ص88) طبعة دار البصيرة.
(4) أخرجه مالك في ”الموطأ“ (1/419)، والشافعي في ”الأم“ (2/180)، والبيهقي في ”الكبرى“ (5/152) صحيح موقوفًا، وأما المرفوع فيه مجهولان، انظر ”التلخيص“ (2/502) رقم (912).(1/188)
وكذا إذا خالف دليلًا أيضًا، الواجب اتباع الدليل، أما أن انفرد بالقول ولم يخالف؛ فإن جمهور أهل العلم يأخذون بذلك ويحتجون به ويعتبر إجماعًا سكوتيًّا إن لم يخالف كما أبان ذلك ابن القيم في ”إعلام الموقعين“, وإن كان الأمر كذلك فالأولى أن يكون الإنسان في مثل هذه المسألة التي فيها أخذ الأموال وقد قال النبي ص: «كل مسلم على مسلم حرام دمه وماله وعرضه» وقال: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام»(1)، ما دام الأصل في أموال المسلمين الحرمة وأنه لا يلزم أحد بمال في الزكاة، ولا في الفدية، ولا في شيء فيما يتعلق في المال والدماء، وما إلى ذلك إلا ببرهان ساطع, فالأولى أن تبقى المسألة على ما جاءت به الأدلة، وذكر
__________
(1) البخاري (4406) ومسلم (1679)(1/189)
شيخنا : في كتابه ”إجابة السائل“، وقد سمعنا هذا من فيه حين ذكر تلك المسألة مستدلًا بقول الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي} [البقرة: من الآية196]، وأن الدم يكون في حق التمتع، ومستدلًا بقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: من الآية196]، بأن الدم في حق المحصر ومستدلا بقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أو بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أو نُسُكٍ} [البقرة: من الآية196]، وأن الدم يكون في حق من به أذى من رأسه وما كان من هذا الباب وهكذا أيضا مستدلا بما جاء من الآثار وبعض الأحاديث الضعفاء فيمن وقع على امرأته وهو محرم أن عليه دمًا, وهكذا الصيد، قال تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: من الآية95]، هذه خمس مسائل فيها الدماء وما عدا ذلك يندرج تحت الأدلة العامة في حرمة مال المسلمين فهذا إن شاء الله هو الصواب وأنا ما أنكر على من قال على حسب ما جاء في أثر ابن عباس بأن من ترك نسكًا فعليه دم؛ لأنه مسبوق بأقوال العلماء، وبآثار في المسألة في”السنن“ للبيهقي و”المصنف“ لابن أبي شيبة.
الأسئلة الإندونيسية (22 شعبان 1422هـ)
هل فهم الصحابة مقدم على القاعدة؟(1/190)
السؤال: ٍفي حكم الزواج بالربيبة ذهب الظاهرية إلى التفصيل استدلوا بمفهوم قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} [النساء:23]، وقد جاء هذا الفهم عن علي ا ولم يخالفه أحد من الصحابة كما جاء في ”تفسير ابن أبي حاتم“ لما قال مالك بن أو س بن حدثان كانت عندي امرأة فتوفيت ولها ابنة بالطائف فقال علي ا: فانكحها قلت فأين قول الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم} فقال علي ا: إنها لم تكن في حجرك إنما ذلك إذا كانت في حجرك وخالفهما الجمهور بعدم التفصيل ويرون بأن هذه الآية خرجت مخرج الغالب لا مفهوم لها فهل فهم الصحابة مقدم على القاعدة؟
الجواب: لم يجمع الصحابة على هذا القول لا سكوتيًّا ولا غير سكوتي، بل نقل ابن كثير القول بتحريم الربيبة مطلقًا سواء كانت في الحجر أم لا عن جمهور السلف والخلف على أن الإجماع السكوتي ليس بقوي، فقد سكتوا عن عثمان ا مع مخالفتهم له ولم يختلفوا ذلك فصلوا خلفه تمامًا بمنى وكان بعضهم إذا سئل لماذا تصلون تمامًا والنبي ص وأبو بكر وعمر يصلون قصرًا؟ قال: الخلاف شر(1)، فعلى هذا قول الجمهور هو الأصوب وهو إلى الأدلة أقرب من حيث: «دع ما يريبك إلى ما يريبك»(2)، والقاعدة: الدخول بالأمهات يحرم البنات هذه القاعدة قالها
__________
(1) رواه أبو داود (1960) وإسناده صحيح من طريق الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود مع القصة.
(2) تقدم من حديث الحسن بن علي ب.(1/191)
الجمهور سواء كانت في الحجر أو لا, ما إن يدخل بامرأة إلا وتصير جميع بناتها محرمات عليه لقول الله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ}، وإنما كما يقول الجمهور: { فِي حُجُورِكُم} على الغالب؛ فإن الربيبة تكون في الحجر غالبا، وأن قول علي بن أبي طالب ا هو اجتهاد له في هذه المسألة والصحابي ليس معصومًا من الخطأ، وله أجر على اجتهاده، ولا يجوز متابعته على الخطأ، ولا يخرم قوله القاعدة؛ لأنه اجتهاد لم يوافق الصواب.
الأسئلة الإندونيسية (22 شعبان 1422هـ)
تفسير الصحابة للحديث، هل يكون مرفوعًا؟
السؤال: وهذا سائل بارك الله فيكم طلب منكم شرحا وتعليقا لكلام الحافظ ابن حجر في قضية كلام الصحابة يقول: والحديث لا يحكم برفعه إذا فسره الصحابة إلا بشروط أو لا أن يكون مما لا مجال للاجتهاد فيه. ثانيا أن لا يكون منقولا عن لسان العرب ثم أن يكون الصحابي أخذ الإسرائيليات من مسلمة أهل الكتاب. شيخنا، يريد التركيز عن الشرط الثاني أن لا يكون منقولا عن لسان العرب.
الشيخ: يعني في الحديث الذي يكون مرفوعًا؟
السائل: أي نعم يا شيخنا.
الجواب: هم يشترطون بارك الله فيكم في الحديث الذي لا يكون بالرأي وليس للرأي فيه مجال، فيقولون: هذا لا يكون إلا عن توقيف، مثل ذلك حديث: «الكرسي موضع قدم الرحمن»(1)موقوف على ابن عباس، وعمل أهل العلم على
ذلك؛ لأن له حكم الرفع، ومثل ذلك: «يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» هذا موقوف وله حكم الرفع، فمن هنا إذا لم يكن للرأي فيه مجال فجمهور أهل العلم أن له حكم الرفع ما لم يكن صاحب ذلك الموقوف معلومًا بالأخذ عن الإسرائيليات أيضًا بَيِّنٌ.
__________
(1) 10) رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه كما في ”تفسير ابن كثير“ (1/421) عند آية الكرسي، وهو صحيح، وانظر ”الصحيحة“ رقم (109).(1/192)
السائل: يقول شيخنا أولا أن لا يكون ممن لا مجال للاجتهاد فيه واضح، ثانيا وأن لا يكون منقولا عن لسان العرب.
الشيخ: وهكذا أيضا؛ لأن الذي يكون منقولا عن لسان العرب معناه أنه مأخوذ عن غير الحديث. فرسول الله ص عربي فإذا كان ذلك الصحابي نقله عن رسول الله ص فسينقله بما قاله رسول الله ص القائل: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها». فهذا يدل على أنه إن نقله بألفاظ مختلفة وبعضها غير واضح في العربية أو بعضها فيه رِكّة؛ فإن هذا يدل أنه ليس من مشكاة النبوة.
الأسئلة الجزائرية
تعليل المتقدمين وتصحيح المتأخرين لحديث بعينه
السؤال: إذا أعل أحد الحفاظ حديثا وبين سبب علته ثم ظهر لبعض المتأخرين بأن هذه العلة غير قادحة فهل يجوز للمتأخرين أن يصححوه أو يحسنوه مثال ذلك حديث «من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه القضاء ومن استقاء فليفطر»(1)هذا الحديث قد أعله البخاري حيث قال: لا يعرف إلا من حديث عيسى بن يونس
عن هشام بن حسان عن ابن سرين عن أبي هريرة ا وما رأيته محفوظًا, اهـ. ومع ذلك فقد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية من طريق أخرى عن حفص بن غياث عن هشام به كما عند ابن ماجه وكذا قال أبو داود في ”سننه“ حين قال: رواه أيضًا حفص بن غياث عن هشام بمثله؟
__________
(1) من حديث أبي هريرة رواه أحمد (2/498)، وأبو داود(2380)، والترمذي (1/139)، وغيرهم.(1/193)
الجواب: على هذا من وجوه, أما في المسألة أن يصحح متأخر حديثا قد أعله متقدم ففيه تفصيل فإن كان ذلك المتقدم أعل طريقا واحدا كما هو صنيع الإمام البخاري في هذا الموضع فإنه أعل حديث أبي هريرة وذكر الإمام الترمذي إعلال البخاري على هذا الحديث في جامعه وجعل الحفاظ الوهم في حديث أبي هريرة على هشام بن حسان وهمه فيه الخطابي وأنكر الحديث أحمد وقال الإمام البخاري هو غير محفوظ ومر بنا بحث الحديث في كتاب الصيام من ”منتقى ابن الجارود“ بما حاصله على أنه قد جاء عن أبي هريرة وجاء عن فضيل بن عبيد، وفيها عنعنة ابن إسحاق وجاء عن واثلة بن الأسقع، وجاء عن أبي الدرداء، جاء موقوفًا على ابن عمر(1)بسند صحيح، فنعم، القول في هذا الحديث وما كان من نظائره وأشباهه قول من صححه كشيخ الإسلام وغيره أن الحديث صحيح لذلك فقد نقل ابن المنذر الاتفاق على أن من استقاء عمدا أنه يقضى وإن ذرع القيء أنه لا قضاء عليه نعم إن مسألة نقل الاتفاق تحتاج إلى النظر فنحن نستفيد إن لم يكن الاتفاق مقطوعًا به؛ فإننا نستفيد أنه قول الأكثرين هذا، ولهذه المسألة نظائرها كثيرة، فمثل ذلك حديث جمع التقديم يقول أبو بكر بن أبي داود: ليس في جمع التقديم حديث قائم وقد رأينا حديث معاذ وبعض الصحابة قد ثبت الحديث وقد ذكره شيخنا العلامة مقبل بن هادي : في رسالته ”جمع التقديم“، واستفدنا من تلك الرسالة، وغيرها في ”ضياء السالكين“ بما حاصله ثبوت جمع التقديم، أما في عرفة فيقينًا
__________
(1) أخرجه مالك (1/304)، ومن طريقه الشافعي في ”الأم“ (2/100)، وأخرجه أيضا عبد الرزاق (7551)، وابن أبي شيبة (3/38).(1/194)
وبدون خلاف؛ لأن النبي ص بهم يوم عرفة جمع التقديم، وأما في غير عرفة؛ فعلى الصحيح أنه يجوز جمع التقديم على أن أحاديث جمع التأخير أصح ومثل ذلك أيضا قول بعض أهل العلم فيما نقله ابن القيم في ”زاد المعاد“ كأبي زرعة وأحمد في مسألة تخليل اللحية لا يثبت فيها شيء وقد رأيت أنه قد ثبت الحديث في بعض طرقه بمفرده فربما يعنون مثل هذه، والحفاظ قد يطلقون على الحديث علة أنت تكون جاهلًا بها، فالواقع في هذه لو كان الحديث أعلوه من تلك الطريق، أو يكون لم يثبت من طريق قط، أو ما إلى ذلك من الألفاظ الجامعة، فهنا تنتبه أن تصحح حديثا قد قال فيه أولئك الجبال بالضعف أو بالإعلال المطلق فما ينبغي ذلك هذا حاصله، ومثال ذلك حديث: «اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا...» الخ جاء عن جمع من الصحابة ما من طريق إلا وفيها ضعف مجموع تلك الطرق يصلح أن شاء الله كذلك تجد من هذا الباب حديث النهي عن كشف الفخذ أنه عورة جاء عن علي بي أبي طالب وعن عبد الله بن عمر وعن عبد الله بن عمرو وعن آخرين بمجموع هذه الطرق يصلح وبعضها معلق في صحيح البخاري وهكذا حديث أن النبي ص قال: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» جاء عن أبي هريرة وله عنه طرق من طريق أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة، وحلاس بن عمرو عن أبي هريرة، ومحمد بن سرين عن أبي هريرة ومحمد بي سرين سمع من أبي هريرة لكن الحفاظ قد قالوا في هذا الطريق أنها تفرد به الحاكم والحاكم ذو أوهام كثيرة فلم يعتبروا هذا الطريق التي هي من طريق محمد بن سرين بينما طرق كثيرة محفوظة من طريق حلاس بن عمرو وطريق أبي تميمة الهجيمي، وهما لم يسمعا من أبي هريرة، وله طرق أخرى بمجموع تلك الطرق يصلح الحديث للاحتجاج.
الأسئلة الإندونيسية (18 شعبان 1420هـ)
درجة تحسين الإمام الدارقطني رحمه الله(1/195)
السؤال: إذا وجدنا حديثا ظاهر إسناده ضعيف لجهالة أحد الرواة ثم حكم عليه بعض المحدثين كالدارقطني وغيره بأنه حسن الإسناد فهل يرتقي ذلك الحديث إلى الحسن لتحسين بعض المحدثين له كحديث: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله»(1)فمخرج هذا الحديث مروان بن سالم المصري، وهو مجهول الحال كما قال الحافظ في ”التقريب“: مقبول, ومع ذلك فقد حسنه الدارقطني في ”سننه“ حيث قال : إسناده حسن؟
الجواب: هذا الرجل مروان بن سالم المقفع روى عنه اثنان ولم يوثقه معتبر, وإن كان الأمر كذلك فلا يحتج بمجهول الحال وربما عبر عن هذا الصنف الحافظ ابن حجر : في ”تقريب التهذيب“ بلفظ: مقبول أي إذا توبع وإلا فلين معناه أنه يصلح للشواهد والمتابعات على قول جمهور أهل العلم ومجهول الحال يستشهد به عندهم، أما يحتج به فلا, وقد يطلقون حسن أي حسن اللفظ، أو يطلقون (حسن) باعتبار مع غيره إن وجد غيره من بابه، فهذا هو القول في هذا الحديث إن الحديث ضعيف، فحديث ابن عمر ضعيف وعلته مروان بن سالم المقفع مجهول الحال، والذي عليه الجمهور عدم الاحتجاج بحديث مجهول الحال، إنما في الشواهد والمتابعات.
الأسئلة الإندونيسية (8 شعبان 1420 هـ)
السؤال: هل يؤخذ بتصحيح وتوثيق الحاكم، والمنذري، والهيثمي رحمهم الله؟
__________
(1) الحديث أخرجه أبو داود (2357)، والنسائي في ”الكبرى“ (66/1) عنه ابن السنى (472) والدارقطني (240)، والحاكم (1/422)، والبيهقي (4/239) من طريق علي بن حسين بن شقيق أخبرني الحسين بن واقد ثنا مروان بن سالم المقفع عن ابن عمر فذكره. وتحسين الألباني في ”الإرواء“ (4/39 رقم الحديث 960).(1/196)
الجواب: الحافظ المنذري :، أما من حيث تصحيحه فرأينا تصحيحه وحكمه على الحديث في الغالب ويستفيد منه الهيثمي في ”مجمع الزوائد“، والهيثمي : تعالى له اجتهادات وكذالك المنذري أيضا له اجتهادات، الأصل أنهما حافظان وأنهما محققان وأنهما إمامان وطالب العلم ينبغي أن يبذل وسعه في معرفة الحديث إن كان يعرف ذلك فإن لم يعرف الحكم على الحديث ووجد المنذري قد حكم على حديث يعزو الحكم إليه، ومما يؤيد القول بأن الإمام المنذري الحافظ له مكانة قوية جدًّا في الأحكام على الأحاديث، أنه قد يحكم في ”الترغيب“ بداية ”الترغيب والترهيب“ إما أن يقول وروي وصدروه بصيغة التمريض يبين أنه عنده غير ثابت وإما يحكم عليه نصا ويقول: وفيه فلان وإما يضعفه فيقول: فيه ضعف وما إلى ذلك من الأحكام القوية، وكذالك الهيثمي أيضا يحذو حذوه في الحكم على الأحاديث ولكن انتبه من أن تصحح حديثا على منوال قول الهيثمي : تعالى رجاله ثقات؛ فإن هذا الحكم واسع رب علة في الحديث تكون من طريق الشذوذ، أو الانقطاع، أو أيضا رجاله ثقات وقد قيل فيه مجهول الحال وما كان من هذا ما كل حديث يقول فيه رجاله ثقات تعتبره صحيحًا، غالبًا ما يقول فيه المنذري: جيد، أنه محتج به، وإن وجد شيء يكون له اجتهاد وأنت تأخذ اجتهادك، وإلا فهو أقوي في الحكم من الهيثمي، وكلاهما في تصحيحه بعض التساهل،وكذا الحاكم متساهل في التصحيح كما أفاده علماء الشأن، وفي مقدمة ”الصحيح المسند“ للشيخ : نبذة تدل على تساهل الحاكم.
الأسئلة الصومالية
درجة قول ابن حبان في الراوي: كان متقنًا
السؤال: بشير بن شعيب روى عنه جماعة ولم يوثقه إلا ابن حبان في ”الثقات“ حيث قال: كان مُتْقِنًا. فهل نحتج بتوثيقه مع تفرده بهذا اللفظ؟(1/197)
الجواب: ابن حبان متساهل في توثيق المجاهيل، وهو أيضًا متشدد في تجريح المجروحين. إن لم تجد إلا توثيق ابن حبان ولم يأت غيره بتعديل؛ فإن جمهور أهل العلم في مثل هذا حاله لا يحتجون بحديثه ويكون في الشواهد والمتابعات دعمه الخطيب والحافظ ابن حجر، وهو الذي تطمئن إليه النفس: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»(1)، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم(2)وهذا في مقدمة صحيح مسلم ما كان الناس يسألون عن الرواة حتى حدثت هذه الفتن فقالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ عنهم وينظر إلى أهل السنة فيؤخذ عنهم(3)وهذا مجهول الحال إنما تمثيلنا مع أثر ابن سيرين : أننا لا ندري أهو عدل أو غير عدل، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6]، استدل بهذا بعض أهل العلم إن جاءنا العدل أخذنا ومجهول الحال ليس بعدل في روايته، وإن كان عدلًا في الجملة من حيث الصلاة، والصيام، وما يظهر للناس في الظاهر، أما الباطن فالله أعلم به؛ فهو مستور، وللمعلمي: تفصيل في ”التنكيل“ على ألفاظ ابن حبان، وهذا القول الذي ذكرناه هنا عندنا أصح.
الحديث
الجمع بين الحديث
السؤال: ما الجمع بين حديث: «فضلنا على الناس بخمس منها أحلت لنا الغنائم لم تحل لأحد من قبلي»(4)وحديث: «ثم أحل الله لنا الغنائم لما رأى من ضعفنا وعجزنا»(5)فالأول فضل، والثاني عجز وضعف، وبارك الله فيكم؟
__________
(1) من حديث الحسن بن علي بن أبي طالب ب رواه النسائي (8/327)، والترمذي (2518)، وأحمد (2/245)، وهو في ”الصحيح المسند“ (311).
(2) انظر: ”مقدمة صحيح مسلم“ (11)، وهذا من كلام ابن سيرين رحمه الله.
(3) المصدر السابق.
(4) عن جابر رواه البخاري (438)، ومسلم (521).
(5) عن أبي هريرة رواه البخاري (3124)، ومسلم (1747).(1/198)
الجواب: يذكر أهل العلم أن تحليل الغنائم كان على مرحلتين. المرحلة الأولى في حالة الضعف، والعجز، والمرحلة الثانية أحلت مطلقًا كما في شرح حديث جابر ب.
الأسئلة الإندونيسية
الجمع بين حديث «إن الله مع الدائن»، وحديث «مطل الغني ظلم»
السؤال: ما هو الجمع بين الحديث الوارد في السنن من قوله ص «إن الله مع الدائن»(1)وعمل بعض السلف بهذا الحديث وهو جعفر ا أنه كان يطلب من خادمه أن يدين له ويقول إني أحب أن أبيت ومعي ربي وبين قوله ص «مطل الغني ظلم»؟(2)
__________
(1) 12) من حديث عبد الله بن جعفر ا، رواه ابن ماجه (2409).
(2) 13) من حديث أبي هريرة رواه البخاري (2400)، ومسلم (1564).(1/199)
الجواب: الحديث الأول قوله: «إن الله مع الدائن» لم يثبت حتى يصير معارضًا لما في الصحيح، وثبت في الصحيح أن النبي ص قال: «من أخذ حق الناس أو مال الناس يريد أدائه أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله»(1)، وفي حديث أبي قتادة أن النبي ص ذكر صاحب الدين،قال: «إلا الدين فإن جبريل أخبرني بذلك آنفا» أي ما تكفر عنه سيئاته أخرجه مسلم(2)، هذا وأدلة تتضمن النهي عن الدين، الإنسان يجب أنه يخشى على نفسه أن يموت مديونًا، والحديث في ”فتح الباري“ مذكور في شرح حديث أبي هريرة: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله»، وعزاه لابن ماجة، والحاكم، وذكر أن فيه اختلافًا على بعض رواته، قلت: وفيه سعيد بن سفيان الأسلمي، قال الذهبي في ”الميزان“: عن جعفر الصادق، وعنه ابن أبي فديك لا يكاد يعرف، وعمل عبد الله بن جعفر بهذا الحديث لم يثبت؛ لأنه من هذه الطريق، وهو مرادف لحديث أبي هريرة الذي عند البخاري: «من أخذ حق الناس يريد أداءه أدى الله عنه»، فيكون محمولًا على الدائن الذي يريد القضاء يكون الله معه، وليس على الدائن المماطل مع قدرته على الأداء؛ لأنه يعتبر ظالمًا، فلا يكون الله معه.
الأسئلة الجزائرية
درجة حديث: «أنا والتاجر الأمين كهاتين في الجنة»، وأشار بأصبعيه
السؤال: ما صحة حديث: «أنا والتاجر الأمين كهاتين في الجنة، وأشار
بأصبعيه»، وحديث: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»؟
__________
(1) 14) من حديث أبي هريرة رواه البخاري (2387).
(2) 15) برقم (1885).(1/200)
الجواب: أما الحديث أبغض الحلال إلى الله الطلاق(1)فمرسل من مراسيل محارب بن دثار وأما حديث: «أنا والتاجر الأمين يوم القيامة كهاتين»(2)، فلا أعرفه صحيحًا. ...
الأسئلة السلفية الإماراتية (6 جمادى الأولى 1423هـ)
درجة حديث قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
السؤال: ما صحة الحديث: «قراءة سورة الكهف يوم الجمعة...»؟
الجواب: الراجح وقفه على أبي سعيد ا، ولم يثبت رفعه رجح ذلك جماعة
من الحفاظ فيما أعلم.(3) ...
درجة حديث رفع اليدين بعد التشهد الأوسط
السؤال: سمعنا بعض طلبة العلم يضعف حديث ابن عمر في البخاري(4)وذلك في رفع اليدين عند القيام في التشهد الأوسط، فهل هذا التضعيف حق أم مسألة اجتهادية؟
__________
(1) 46) أخرجه أبو داود رقم (2177)و(2178) عن ابن عمرب، قال المنذري كما في ”عون المعبود“ (3/161) : وأخرجه ابن ماجه والمشهو ر فيه المرسل وهو غريب، وقال البيهقي في رواية ابن أبي شيبة يعني : محمد بن عثمان عن عبد الله بن عمر ولا أراه يحفظه.
(2) 47) من حديث ابن عمر أخرجه ابن ماجه (1677)، والترمذي في كتاب البيوع باب: (4)، وهو في ضعيف ابن ماجه بلفظ : «التاجر الأمين...... كأجر الشهيد».
(3) 11)ومن روى موقوفًا : هشيم والثوري فقد روياه عن أبي هاشم موقوفا وخالفهما يحيى بن أبي كثير فرواه عن الشعبة عن أبي هاشم مرفوعا والثوري أرجح من يحيى على أنه قد روى الثوري عن شعبة عن أبي هاشم موقوفا ومرفوعا كما عند النسائي في ”اليوم والليلة“ (ص:529)، وهو ترجيح شيخنا الوادعي رحمه الله. انظر ”المستدرك“ (1/766: 2125) مع تعليق شيخنا، والبيهقي (3/249).
(4) برقم (739) قال الإمام البخاري رحمه الله : حدثنا عياش قال: حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا عبيد الله عن نافع أن ابن عمر كان إذا...، فذكر الحديث وفي آخره : رفع ذلك ابن إلى نبي الله ص.(1/201)
الجواب: الإمام البخاري ذكره في صحيحه وأتى له بمتابع(1)والأولى أن يبقى على ما ذكره الإمام البخاري، وإن كان الحافظ ذكر بعض الانتقادات عليه في ”الفتح“(2)، فنعم، الحديث يبقى على الثبوت.
درجة حديث: «ألبانها شفاء»
السؤال: ما صحة حديث: «ألبانها شفاء، وسمنها دواء، ولحومها داء»(3)؟
الجواب: الحديث ثابت ما عدا الزيادة «ولحومها داء»؛ فإنها زيادة منكرة، وقد انفرد بها بعض الضعفاء, وقد ضحى النبي ص عن نسائه بالبقر، ولو كان داءًا ما قدمه للناس ليأكلونه، وهو أحرص الناس على سلامة العباد في دينهم ودنياهم، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام لما جاءه ضيف جاءهم بعجل سمين، قال تعالى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلون} [الذريات:27], والعجول من البقر، وسواء كان بقر مكة أو غير مكة, أو بقر هذا الفصل أو غير هذا الفصل؛ لأن بعضهم ذهب يتأول الحديث أن بقرًا خاصًا فيه داء، ما على هذا دليل، فالحديث ثابت بدون زيادة.
الأسئلة الليبية
درجة حديث: «سبحان الذي زين الرجال باللحى»
__________
(1) قال البخاري : عقب الحديث: رواه حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي ص. ورواه ابن الطهمان عن أيوب وموسى بن عقبة مختصرا. وانظر ما ذكره الحافظ عند الحديث في ”الفتح“.
(2) 10) ذكر في الفتح (2/462) من المنتقدين : أبا داود رجح وقفه، والدارقطني في ”العلل“، والإسماعيلي كذلك، ثم ذكر نقل البخاري في جزء رفع اليدين : مازاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح؛ لأنه لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا وإنما زاد بعضهم على بعض، ثم ذكر من وافق البخاري منهم: الخطابي وابن خزيمة وابن دقيق العيد وابن بطال وغيرهما.
(3) 21) حسنه الألباني في ”الصحيحة“ (4/ص46)، ومسلم (1533)، وانظر ”المقاصد الحسنة“ للسخاوي.(1/202)
السؤال: ما صحة الحديث: «سبحان الذي زين الرجال باللحى، والنساء بالذوائب»؟(1)
الجواب: ما نعرفه حديثًا عن النبي ص يثبت.
هل حديث: «أفطر الحاجم والمحجوم» منسوخ؟
السؤال: هل حديث: «أفطر الحاجم والمحجوم» منسوخ؟
الجواب: نعم منسوخ, وقد احتجم النبي ص وهو صائم كما في ”الصحيح“(2).
درجة حديث: إن امرأتي لا ترد يد لامس
السؤال: ما صحة حديث: إن امرأتي لا ترد يد لامس،(3)وماذا يعني؟
الجواب: ومنهم من حمله على الزنى، ومنهم من حمله على غير ذلك، وأحسن ما حمله عليه أنها تعطي من ماله من يطلب منها بغير إذنه. قال ابن الأثير :: وقيل معناه إجابتها لمن أرادها, وقوله في سياق الحديث: «واستمتع بها»، أي: لا تمسكها إلا بقدر ما تقوم متعة النفس منها ومن وطرها, وخاف النبي ص إن هو أوجب عليه طلاقها أن تتوق نفسه إليها؛ فيقع في الحرام, وقيل معناه: أي تعطي من ماله من يطلب منها وهذا أشبه. قال أحمد: لم يكن ليأمره بإمساكها وهي تفجر، ثم إن النسائي أعل الحديث في ”الكبرى“ رقم: (5321)، وتبعه ابن كثير عند آية [3] من سورة النور، فقال: قال النسائي: هذا الحديث غير ثابت، وعبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف الحديث، وقد خالفه هارون بن رئاب وهو ثقة، فحديثه المرسل أولى كما قال النسائي، ثم ساق له طريقًا أخرى عن ابن عباس متصلة، وقال: رجاله على شرط مسلم، إلا أن النسائي بعد روايته له قال: وهذا خطأ، والصواب مرسل.
__________
(1) 22) قال الألباني في ”الضعيفة“ (13/ص 52/ رقم 2065): موضوع من حديث عائشة ك، أخرجه في ”مسند الفردوس“ (3/66) من طريق الحاكم، وآفته الحسن بن داود بن معاذ البلخي. قال الخطيب (8/44): لم يكن ثقة؛ فإنه روى نسخة عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس أكثرها موضوع.
(2) 23) رواه البخاري (1938) عن عبد الله بن عباس ب.
(3) 2 أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، والبزار عن ابن عباس ب وقال الحافظ في ”بلوغ المرام“ عند رقم (1133) : رجاله ثقات.(1/203)
وقال الإمام أحمد: هو حديث منكر. انتهى من ”تفسير ابن كثير“ عند آية {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً} [النور:3]، من سورة النور.
الآداب والمعاملات
استخدام التاريخ الميلادي والوقت الزوالي
السؤال: هل استخدام التاريخ الميلادي، وكذا التوقيت الزوالي يعتبر من صور موالاة الكافرين؟
الجواب: التاريخ الميلادي، وكذا التوقيت الزوالي ننصح بتركهما وننصحهم بالتاريخ الهجري والتوقيت الغروبي قال ص: «اليوم اثنتا عشرة ساعة»(1)، والناظر إلى التوقيت يرى أنه يطبق فيه هذا الحديث، أما بالتاريخ الميلادي فهو خلاف الإجماع؛ فإن عمر بن الخطاب ا كتب إليه أبو موسى ا، فقال: تأتينا كتبك وليس فيها تاريخ، فجمع الناس عمر ا واستشارهم في ذلك فقال بعضهم: يؤرخ من مبعث النبي ص، وقال بعضهم: يؤرخ من هجرة النبي ص؛ لأن الهجرة نصر الله بها نبيه ص، وانتشر الإسلام، ورضي عمر ا هذا القول فجعل التاريخ من هجرة النبي ص إلى المدينة(2). إذن لو كان جائزًا بالتاريخ الميلادي ما يحتاج إلى جمع الناس.
__________
(1) من حديث جابر ا أخرجه أبو داود (1048)، والنسائي (3/99 100)، والحاكم (1034)، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بالجلاح بن كثير ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال شيخنا الوادعي رحمه الله في ”التقريب“ الجلاح بضم ولام خفيفة وآخره مهملة أبو كثير المصري صدوق. اهـ وقال شيخنا الحجوري حفظه الله في ”أحكام الجمعة“ (ص31) حديثه حسن على أقل أحواله.
(2) جاء من حديث سهل بن سعد رواه البخاري (3934)، وانظر بحث الحافظ عند شرحه(1/204)
إذا كان رسول الله شريعته ناسخة لسائر الشرائع، فيكون ميلاد رسول الله ص، أو هجرته ناسخة لما مضي، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة 48]، وقال النبي ص: «لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار»(1)، وقال ص: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر»(2)، فمن عمومات هذه الأدلة وخصوصاتها يتبين أنه لا يجوز استخدام التاريخ الميلادي إلا إذا احتاج الإنسان إلى بيان ذلك لكونهم ما عرفوا إلا التاريخ الميلادي مع الكراهة لذلك، ومع التاريخ الهجري أيضًا بجانبه، أما أن يسترسل الناس حتى كاد التاريخ الهجري أن ينسى فهذا غلط وتشبه بالكفار في تاريخهم، و«من تشبه بقوم فهو منهم»(3)الحديث من طريق أبي المنيب الجرشي، ما رأينا من وثقه، إلا أن شيخ الإسلام حكم عليه بالجودة كما في ”اقتضاء الصراط المستقيم“، وحسنه آخرون، فالحديث محتج به.
حكم زيارة المشاهد والمتاحف
السؤال: ما حكم زيارة المشاهد كالمتاحف والهياكل ونحوهما من أجل الراحة والاعتبار، والتعقل، والتفكر فيما عندهم من الضلالات، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: المتاحف هذه فيها بعض الأصنام، وبالأخص متاحف الكفار، ومن استطاع أن يدخل في تلك المتاحف ويكسر تلك الأصنام، والأوثان الباطلة التي فيها فعل، وما أظن أنه يستطيع، وإن لم يستطع بلا شك يجتنب، أما أن يذهب إلى
__________
(1) من حديث أبي هريرة ا أخرجه مسلم (153).
(2) من حديث أبي هريرة ا رواه البخاري (7412) ومسلم (194)
(3) تقدم من حديث ابن عمر ب.(1/205)
المتحف فيه بعض الآثار القديمة من الألبسة، كيف كانوا يلبسون النعالات الكبيرة، والأواني، وبعض المتائع كانوا يسمونها الآثار القديمة، والأشياء مما كانوا يجعلونه في الجمال أو الخيول، هذا لا محظور فيه، ما هنالك مانع، وعلى المسلم ألَّا يغفل عن ذكر الله.
ومن الأدلة على ما ذكرنا، قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْو مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:72]؛ لأنه لا يستطيع تغيير المنكر؛ ولأن النبي ص قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة»(1). معنى ذلك أن الملائكة لم تدخل لو جود ذلك المنكر. وهكذا أتى جبريل يدخل في بيت النبي ص، فرأى تمثالًا، قال: «مُرْ برأس التماثيل فليقطع، ومر بالجرو فليخرج»، وأبو أيوب ا رأى أسترة مطروحة على الجدار، فلم يدخل بعد أن دعي لوليمة، هذه الأدلة كافية، وبالله التوفيق.
الأسئلة الإندونيسية
حكم لعب كرة القدم يوميًّا
السؤال: ما حكم لعب كرة القدم، وما تقول في طالب علم عندنا يلعب كرة القدم يوميًّا من بعد العصر إلى المغرب؟
الجواب: إن كان يلعب كرة القدم وهو ساتر العورة، ولا يضيع الواجبات والالتزامات الشرعية المطلوبة منه شرعًا؛ فإن ذلك من حيث التحريم ما عندنا من دليل بتحريم هذا الفعل، وقد رأى النبي ص الحبشة يلعبون في المسجد، فقال:
«
__________
(1) عن ابن عباس ب رواه البخاري (3226) ومسلم (2106).(1/206)
دونكم يا بني أرفدة»(1)، وإن كان يلعب مع كشف العورة كالفخذ مثلًا كما يفعل بعض اللاعبين، أو يضيع الصلاة، أو يضيع بعض المأمورات، فهذا منكر، ويبقى أننا ننصح طلبة العلم وأهل السنة أنهم يحافظون على الأوقات في طاعة الله؛ فإن النبي ص قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» رواه البخاري(2)انفرد به من حديث ابن عباس، الوقت رأس مال الإنسان وكذا العمر يستفيد منه وكان بعض السلف يقول: لو أن الأوقات تشترى لاشتريت من هؤلاء يعني بعض الناس الذين لا يبالون بأوقاتهم، أما كونه ما يُتْلِف وقته؛ بل يستعين بتلك الرياضة في بعض الأوقات يسيرًا على النشاط في طلب العلم وفي غير ذلك، وهو مع ستر العورة ومع محافظة الأمور الشرعية، فلا بأس، والرياضة إذا أكثر منها صاحبها ربما تتعب وإن لم يتريض قد يكل ذهنه وقد يصاب ببعض الأمراض كما يذكر الأطباء، وأنا أكره أن أضيع أوقاتي في لعب الكرة ما أعرف نفسي أني خرجت ألعب كرة القدم، لكن من حيث حكم الشرع لعبها جائز بهذه القيود، ومع عدم التشبه بالكافرين في لعبهم.
الفخذ عورة
السؤال: هل الفخذ عورة وما صحة حديث: «الفخذ عورة»؟
الجواب: نعم, الفخذ عورة كما جاء في حديث جرهد، وهو حديث مضطرب، وعلقه البخاري في ”صحيحه“(3)، وعلق البخاري حديث محمد ابن جحش(4)
__________
(1) من حديث عائشة ك أخرجه البخاري (949) ومسلم (تحت رقم 892).
(2) برقم (6412)
(3) 24) باب ما يذكر في الفخذ من كتاب الصلاة رقم 12.
(4) 26) قال الحافظ : وقد وصله أحمد (5/290) والمصنف في” التاريخ“ ( ) والحاكم في ”المستدرك“ (4/180).(1/207)
الذي زينب بنت جحش تعتبر أخت أبيه أي عمته وفي سنده أبو كثير مولى محمد بن جحش، وهو مجهول، وعلق البخاري حديث ابن عباس ب(1)كلها في هذا المعنى أن الفخذ عورة وفيه أبو يحيى القتات ضعيف، وفي الباب أيضا حديث علي بن أبي طالب ا(2)من طريق حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي ا. وقد نص ابن معين وغيره على أن حبيب بن أبي ثابت مدلس لم يسمع من عاصم بن ضمرة وإنما سمعه بواسطة عمرو بن خالد الواسطي وهو كذاب فهذا لا يصلح للشواهد، وجاء من حديث عبد الله بن عمرو(3)وجابر(4)ب، وهو بمجموع تلك الطرق يصلح للاحتجاج، وقال الإمام البخاري باب ما يذكر في الفخذ, وحديث جرهد أحوط وحديث أنس أسند حتى يخرج من اختلافهم, حديث أنس في الصحيح أن النبي ص حسر عن فخذه(5)لجده وسرعته, ويشكل على ذلك أيضا حديث عائشة ك في قصة عثمان ا أن أبا بكر استأذن ودخل وكان فخذ النبي ص مكشوفة ولم يغطها ودخل عمر ا وهو كذلك واستأذن عثمان ا فغطى فخذه وقال: «وكيف لا أستحي ممن تستحي منه الملائكة»(6), فهذه تدل على أن الفخذ عورة غير مغلظة وأنها عورة مخففة على ما دلت تلك الأدلة, والعورة عورتان: عورة مغلظة وعورة مخففة, فمن كشف العورة المخففة، فليس بحرام، إنما هو مكروه جمعًا بين هذه الأدلة.
الأسئلة الإماراتية
حكم الخضاب بغير السواد
السؤال: هل خضاب الشعر الأبيض بغير السواد سنة مستحبة أو هو جائز فقط، وهل الذي لا يخضب يعتبر تاركًا للسنة؟
__________
(1) 27) قال الحافظ : وصله الترمذي (5/111) كتاب الأدب باب ما جاء في الفخذ عورة.
(2) 28) أخرجه أبو داود (3140) والبيهفي (2/228) وابن ماجه (1460) وغيرهم.
(3) 29) لم أقف عليه.
(4) 30) لم أقف عليه أيضا.
(5) 31) أخرجه البخاري (371)
(6) 32) رواه مسلم (7/116-117)(1/208)
الجواب: نعم مستحب؛ لأن النبي صرأى أبا قحافة ا وكانت لحيته كالثغامة بيضاء، فقال رسول الله ص: «غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد»(1)،فتغيير الشيب إلى غير السواد بالحناء أو الكتم، أو ما كان من ذلك، هذا مستحب، أما بالسواد فهو منهي عنه؛ لقول النبي ص: «يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة»، من حديث ابن عباسب، من طريق عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ووهم ابن الجوزي، فقال: إن عبد الكريم ليس الجزري، بل ابن أبي المخارق وأدخله في ”الموضوعات“، والحديث في ”الصحيح المسند“ للشيخ مقبل :. بقي أن تغييره بغير السواد على هيئة تقليد الكفار لا يجوز؛ لقول النبي ?: «ومن تشبه بقوم فهو منهم».
الأسئلة السلفية الإماراتية (6 جمادي الأولى 1423هـ)
شبهة من لبس البناطيل ونحوها من لباس الكفار والرد عليهم
السؤال: استدل بعض من يبيح لبس البناطيل والكرافتات بقاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة، فما صحة هذا الاستدلال؟
__________
(1) رواه الإمام مسلم (2/44) قد ذكره شيخنا الوادعي : في ”تحريم الخضاب بالسواد“ ص (42) كما في مجموعة رسائله ورد فيه على من زعم أن قوله«اجتنبوا السواد» مدرجة.(1/209)
الجواب: هذا ما هو صحيح, الأصل في الأشياء الإباحة تعبير فيه نظر وإنما يقولون: الأصل في المطعومات والمشروبات وما إلى ذلك الإباحة، والفروج الأصل فيها التحريم؛ فالقاعدة المذكورة هل تحكم على الأدلة أم الأدلة تحكم على القاعدة؟ ما من قاعدة إلا وتحتاج إلى ما يستدل لها لا يستدل بها, فلباس البناطيل تشبه بالكفار، هل لبس النبي ص بنطالًا، وهكذا أبو بكر الصديق، وهكذا الخلفاء كلهم، وهكذا الأئمة كابن المبارك، والسفيانين، والحمادين، والأو زاعي ولا واحد, ولو كانت هذه المسألة ظهرت عندهم؛ لكانت في غاية من البغض عندهم, فهم في غاية التحذير من التشبه بالفرنج، والكفار، قال الله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} [النساء 60]، سواء في أقوالهم، وأفعالهم، وما إلى ذلك وقال تعالى {ولا تتخذوا الكافرين أو لياء من دون المؤمنين} [النساء 144]، والنبي ص يقول: «ومن تشبه بقوم فهو منهم»(1)كلام متين لشيخ الإسلام في ”اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم“ أن من لبس لباس الكفار ويرى أن هذا أهدى وأحسن من لباس المسلمين فهو كافر.
الأسئلة الأرومية
الرد على من أباح القات
السؤال: عندنا رجل يزعم أنه سني ويرى إباحة القات، ويقول: ما هنالك أدلة في تحريمه, والآخر يقول بإباحته ولا يأكله؟
__________
(1) من حديث ابن عمر ب رواه أبو داود (431) وقال حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو النصر يعني هاشم بن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن ثابت حدثنا حسان بن عطية عن أبي ضيب الجرشي عن ابن عمر فذكره. قال شيخ الإسلام في ”الاقتضاء“ (ص 125) طبعة الأنصار: وهذا إسناد جيد. وانظر ”الإرواء“ (1269) حيث صححه بشواهده.(1/210)
الجواب: كلاهما مخطئ الذي يبيحه ولا يأكله والذي يأكله وينافح عنه كلاهما مخطئ وعندي عدة رسائل لعدد من العلماء في تحريم القات، جماهير علماء الأمة على تحريمه، والأدلة قبل ذلك على تحريمه كقوله تعالى: {وَكُلُوْا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُسْرِفَيْنَ} [الأعراف: 31]، وقوله: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيْرًا إِنَّ المُبَذِّرِيْنَ كَانُوْا إِخْوَانَ الشَّيَاطِيْنِ} [الإسراء: 26]، {وَلَا تَقْتُلُوْا أَنْفُسَكُم إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُم رَحِيْمًا} [النساء: 29], والله، إنه يؤدي إلى الأمراض، والسقم، وإلى أمراض شتى يتسببون في قتل أنفسهم ببعض الأمراض ، وإن رسول الله ص قد أباح للمسافر أن يقصر الصلاة، بل الله أوجب لذلك، قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُم فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُم جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُم أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا} [النساء: 101]، وقال ص: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين وأقرت صلاة السفر وزيدت في الحضر»(1)، والقصر في السفر واجب رحمة لذلك المسافر وتخفيفا عليه, وأمر النبي ص كعب بن عجرة أن يحلق رأسه رحمةً له، وحفاظًا على صحته(2).
__________
(1) عن عائشة كأخرجه البخاري (350) ومسلم (685)
(2) أخرجه البخاري (1814)، ومسلم (1201).(1/211)
المريض أيضًا الذي يخاف على نفسه حدوث علة ودوام العلة من استعمال الماء يتيمم، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوْا أَنْفُسَكُم إِنَّهُ كَانَ بِكُم رَحِيْمًا} فعله عمرو بن العاص وأقره رسول الله ص(1)كل هذه من الشريعة في الحفاظ على سلامة المسلم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ لَا شَرِيْكَ لَهُ} [الأنعام 162 163]، فهو لله سبحانه وتعالى، لا يجوز أن يتصرف بإضرار نفسه، كذلك من الأضرار أنه يضيع الأوقات والنبي ص يقول: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ(2)ولو جلس على القات يستغرق أو قاتًا فلا يبالي بها. ومن الأضرار أنه يضيع الصلوات ويؤخرها عن أوقاتها، والله يقول: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ كِتَابًا مَوْقُوْتًا} [النساء 103]، ويقول ص: «من ترك صلاة العصر حبط عمله»(3)،
__________
(1) من حديث عمرو بن العاص أخرجه الإمام أحمد (4/202 204) وأبو داود (334) وهو صحيح انظر ”الإرواء“ (154).
(2) عن ابن عباس ب رواه البخاري (6412).
(3) عن بريدة ا أخرجه البخاري (553)..(1/212)
ويا لله من المخزنين!! كيف ترونهم يضيعون صلاة العصر، وصلاة العشاء, وصلاة الصبح يكون على الفراش مثل الميت، ما يستيقظ المخزن إلا بعد الضحى ويصلي بعد خروج الوقت، سبب القات الرشوة بين الناس، وسبب الغش بين الناس، ويغتال العقول، وعندنا قصص معروفة من أهل بلدنا الذين يزرعون القات وبلغني أن في بريطانيا منعوا القات, منعوه من ديار الكفر يا إخوان، وأما المسلمون لا يزالون لاجِّيْنَ في غيهم إلا من : ثم ذكر الشيخ قصص المخزنين قال: بعضهم يخزن ويصعد على شجرة يريد أن يقطع من تلك الشجرة للأغنام، ولما وصل فوق الشجرة تخيل أنه على خط واسع، ويمشي على تلك الأغصان فسقط فتكسر، قالوا: مالك؟ قال:كنت أظن أن الخط واسع, والآخر أيضا خزن وأخذ إبريقًا يريد أن يقضي حاجتة في الحمام بجانب، بيته وسافر مسافة لا تقطع إلا بالسيارة حتى أصبح ما عليه إلا السراويل قالوا له: مالك؟ قال: أريد أن أقضي الحاجة، قالوا: أنت الآن في قرية كذا مسافة طويلة وما زال يريد أن يقضي حاجته حتى طلع الفجر والإبريق معه يظن أنه ما قد وصل.
بعض القات إذا أكله شخص ربما يشعر أن الناس أمامه ذباب, وبعضهم يتهم امرأته بالزنى، وآخر خزن القات ويتخيل أن الناس يدخلون بيته فقتلوا أبناءه وبعض القات إذا أكله يصير جبانا وأصناف القات بعد هذه الأضرار تكفي في تحريمه إن الله حرم الزنا لأضراره وحرم الخمر لأضراره وحرم الرشوة لأضرارها وحرم هذه المحرمات لأضرارها وأضرار القات تربو وتزيد على هذه الأضرار.
الأكل والشرب مع النصارى
السؤال: وبعضهم يقول إن معهم في العمل يوجد نصارى، فهل يجوز الأكل والشرب معهم؟(1/213)
الجواب: إذا لم يأكلوا محرمًا، ولم يؤثروا عليه في الدعوة، ما يخشى عليه أن يغتر بهم، وسمى الله، وما نحب له أن يجالس النصارى ولا نحب له أن يداخل النصارى، يقولون كثرة المساس يُذْهِب الإحساس والنبي ص يقول: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير»(1)، وهل هناك أضر من مجالسة الكفار لو لم يكن من ذلك إلا الاغترار بأقوالهم فإن كثيرا من الناس لكثرة مجالسته للكفار والاختلاط بهم تراه إذا تكلم مع المسلمين حتى مع أمه أو مع أبيه يقلد الكفار، ومع امرأة عجوز فيقول لها إما: (أوكيه) (ok)، أو يقول: (ياس)
(
__________
(1) 20) أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد باب: المسك، برقم (5524).(1/214)
yes) من تلك الكلمات الأعجمية وليس بحاجة إليها، وقد تكلم عليها شيخ الإسلام : في ”اقتضاء الصراط المستقيم“ بكلام سديد، يعني: في تحريم ذلك لمن لا يحتاج إليه وهذا من أضرار مخالطة الكفار هذا ينبغي أن تعلموا أنه لا يجوز للإنسان أن يمرِّن نفسه ويخالط الكفار من حيث المجالسة والرضا بما هم عليه والمضاحكة وما إلى ذلك: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلو كَانُوا آبَاءَهُمْ أو أبْنَاءَهُمْ أو إخْوَانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22]، وقال النبي ص: «لا تبدءوا المشركين» وفي رواية: «اليهود» بالسلام وإذا وجدتموهم في الطريق، فاضطروهم إلى أضيقه»(1)، كان اليهود يتعاطسون عند النبي ص رجاء أن يقول لهم: يرحمكم الله، ويقول: يهديكم الله، ويصلحبالكم(2)، هذا شيء. والشيء الثاني من حيث مخالطتهم في البيع والشراء وما كان من هذا الباب فالنبي ص قد عامل أهل خيبر على بعض ما يخرج من المزارع(3)، وهكذا كان يذهب إلى أسواق عكاظ، وذي المجنة، وذي المجاز، أسواق تختلط به اليهود والمشركون، وأن يشتري منهم أو أصحابهم كذلك يبيعون ويشتري، وربما ذهب ودعاهم وخالطهم لقصد الدعوة لا لقصد الاغترار بهم.:
__________
(1) 21) أخرجه مسلم في كتاب السلام باب: النهي عن ابتداء أهل الكتاب في السلام برقم (2167)عن أبي هريرة ا.
(2) 22) وهو في ”الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين“ (2/8) من حديث أبي موسى الأشعري ا.
(3) 23) لعل الشيخ حفظه الله أشار إلى الحديث التي أخرجه البخاري من صحيحه في كتاب المغازي باب: معاملة النبي ص أهل الخيبر، برقم (4248).(1/215)
كان يذهب إلى هذه الأسواق ويقول: «قولوا لا اله إلا الله تفلحوا»، ويتبع أبو جهل بالحجارة ويقول: هذا ابن أخي؛ فإنه كذاب لا تصدقوه(1)، فعليه لعنة الله، أعني أبا جهل، وجاء أيضا أن رجلا قال: والذي بعث موسى بالحق فلطمه رجل من الأنصار ثم تحاكم إلى النبي ص فقال النبي ص: «لا تفضلوا بين الأنبياء فإني أقوم وموسى باطش بقوائم العرش لا أدري فاق قبلي أو جزي بالصعقة الأولى»(2)فهذا يدل على أنهم كان يختلطون، من حيث البيع والشراء لكن بدون محبة ومودة، وما يتعلق بالأكل أكل النبي ص حين دعي إلى بعض المشركين فأكل من شاة مسمومة(3)، وقد بوب على ذلك البخاري في صحيحه: [باب أكل النبي ص من طعام بعض المشركين]، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أسماء ك أنها قالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت راغبة، أفأصل أمي؟ «صِلي أمك»(4).
__________
(1) 24) وهو في ”الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين“ في كتاب الشمائل المحمدية باب: صبره النبي ص على الدعوة إلى الله (3/58) من حديث ربيعة بن عباد الديلي.
(2) 25) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب: قول الله تعالى {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات:139] برقم (3414)، ومسلم في كتاب الفضائل باب: من فضائل موسى عليه السلام . برقم (6103) من حديث أبي هريرة ا.
(3) 26) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الهبة باب: قبول الهدية من المشركين. برقم (2617)، ومسلم في كتاب السلام باب: السم. برقم (5669) بلفظ : أن امرأة يهو دية أتت النبي ص بشاة مسمومة فأكل منها... الحديث.
(4) 27) أخرجه البخاري في كتاب الهبة باب: الهدية للمشركين برقم (2620)، ومسلم في كتاب الزكاة باب: فضل النفقة والصدقة على الأقربين. برقم (1003).(1/216)
وكان الرجل ربما يسلم وأبو ه كافر، أو الرجل يسلم وولده كافر وزوجته، وما إلى ذلك ويأكل بعضهم مع بعض دون نكير من النبي ص، وهذا مع القيود السابقة لعدم الاغترار بهم، وعدم المحبة بهم وموالاتهم، وعدم الاندماج معهم في
الكلام وفي الضحك وما إلى ذلك مع أنه مأمون من أكل المحرمات، إذا أمن ذلك فلا بأس، وسمى الله عند بدئه في الأكل، فلا بأس.
الأسئلة الإماراتية
رد السلام جهرًا أم سرًّا؟
السؤال: رد السلام، هل لا بد أن يكون جهرا أم يجوز بمجرد تحريك اللسان وكذلك في العطس، وجزاكم الله خيرا؟
الجواب: ما يكفي بتحريك اللسان والشفتين، النبي ص يقول: «والله لا تدخل الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»(1).
إفشاء السلام ما هو بمجرد الشفتين، يقال: تفشي الشيء إذا جهر به، وظهر وانتشر، «أفشوا السلام بينكم»، فهذا يدل على الجهر به وعلى إفشائه، ثم أيضًا قَوْلُ الله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو رُدُّوهَا} [النساء:86]، فكيف يسمعك وكيف يرد عليك وأنت إنما حركت شفتيك، هذا غلط، سواء كان في العطس أو كان في إفشاء السلام، بمجرد تحريك الشفتين لا يكفي ذلك، ولا يتحصل الإنسان على الأجر المترتب في تشميت العاطس أو الأجر في إفشاء السلام بمجرد تحريك الشفتين، ولا يتحقق منه ما يترتب عليه من تبادل الخطاب، والتحاب.
الأسئلة الإندونيسية
وضع البضاعة مع وجود بضاعة مثلها
السؤال: هل يجوز أن نضع بضاعتنا في دكان مع وجود بضاعة مثلها؟
الجواب: إذا كان الشيء المؤمَّن متميزًا لا يختلط ببضاعة صاحب الدكان بما يؤدي إلى أخذ مال أحدهما بغير حقٍّ، فلا مانع من ذلك.
العطر الذي فيه كحول
السؤال: بعضهم يسألون عن عطر البخاخ...؟
__________
(1) عن أبي هريرة رواه مسلم (54).(1/217)
الجواب: أكثر أهل العلم على النهي عنه والبعد عنه؛ فإن فيه كحولا وإن فيه ريبة، والنبي ص يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»(1)ويقول النبي ص: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»(2)متفق عليه من حديث النعمان، والحديث الأول من حديث الحسن وهو حسن، أما بيعه وشراؤه لقصد شربه فحرام؛ لأنه مسكر، وبائعه، وشاريه، وحامله، وصانعه لذلك ملعونون كما لعن رسول الله في الخمر عشرة، والكالونيا بيعها للشرب يأخذ ذلك الحكم؛ فإن كان بيعه للتطيب ونحوه، فذلك ذريعة إلى محرم، وما كان ذريعة إلى محرم فبيعه وشراؤه محرم، ولو لم يدخل تحت اللعنة.
الأسئلة الإماراتية
العقيقة
السؤال: نريد منكم شرح معنى العقيقة, وهل تجزئ شاة واحدة عن الذكر علمًا بأنه لا يستطيع أن يعقّ إلا بشاة واحدة؟
الجواب: قال النبي ص عن الغلام شاتين مكافئتين وعن الجارية شاة, ثبت هذا الحديث عن النبي ص(3)، وبقي عند الإعسار عقّ النبي ص عن الحسن والحسين بكبشينٍ.(4)وهذا دليل على أنه عند اليسر يعق الإنسان عن الذكر بشاتين أو كبشين عن الذكر، وعند الإعسار ولم يستطع، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [التغابن: 16]، وله أن يعق بكبش واحد عن الذكر, وهو خلاف الأفضل.
الأسئلة الليبية
توبة المسقطة لجنينها عمدًا
__________
(1) 18) وهو في ”الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين“ (1/222) وقال : هذا حديث صحيح.
(2) 19) أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب: الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات. برقم (2051) ومسلم في كتاب المساقة والمزارعة باب: أخذ الحلال وترك الشبهات برقم (1599) من حديث النعمان بن بشير ب.
(3) صحيح, واه الترمذي (1513) وابن ماجه (3163) وابن حبان (1056) من حديث عائشة رضي الله عنها, وصححه الألباني في ”الإرواء“ برقم (1166).
(4) صحيح, رواه أبو داود (2841)، وابن الجارود (911) من حديث عبد الله بن عباس ب، وانظر ”الإرواء“ برقم (1164)(1/218)
السؤال: امرأة تعمدت إسقاط جنينها وقد ندمت على فعلها، فماذا عليها الآن؟
الجواب: إن كان بعد نفخ الروح فيه فعليها مع الإثم ما يلزم لو لي ذلك الجنين، غرة عبد أو امة لما في الصحيح بذلك(1)، وقد جاء من حديث حمل بن مالك بن
نابغة(2)؛ فإن قتلته عمدا بعد نفخ الروح فيه بشيء يقتل مثله عليها غرة عبد، أو أمة إن خرج ميتًا؛ فإن خرج حيًّا ومات من ذلك الضرب ففي هذا الحال فيها الدية على العاقلة، إذا خرج حيا ومات من أثر ذلك، وسواء في ذلك العمد أو الخطأ، نقل الإجماع على ذلك النووي في ”شرح مسلم“، عليها التوبة إلى الله قبل كل شيء.
الأسئلة الفرنسية
النهي عن الحصاد بالليل
السؤال: نهى النبي ص عن الحصاد بالليل(3)، قال جعفر بن محمد شيخ سفيان بن عيينة :: أراه من أجل المساكين. أورده الألباني في ”الصحيحة“، يقول شيخنا الفاضل: فما معنى تعليل جعفر بن محمد :؟
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، البخاري (6904)، ومسلم (4365).
(2) حديث صحيح، أخرجه أبو داود (4576) وغيره، وهو في ”الصحيح المسند“ (1/227 228).
(3) جاء من حديث علي بن حسين بن أبي طالب ا أخرجه البيهقي كما في ”تفسير ابن كثير“ (4/540) عند آية 32 سورة القلم، وظاهر الإسناد الإرسال، وهو في ”الصحيحة“ برقم (2393) من هذه الطريق التي ظاهرها الإرسال.(1/219)
الجواب: لعله من باب ما حكم الله سبحانه وتعالى أصحاب الجنة، قال تعالى: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ*وَلا يَسْتَثْنُونَ*فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُون} إلى قوله: {أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم:17-24]، فمن كان شأنه ذلك فهذا بخل وشح بما لا ينبغي فهذا منهي عنه، وفي الليل وفي النهار فالبخل والشُّحُّ محرَّمان، قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن:16]، فهذا محمول على هذا الشأن، وإلا فيجوز للإنسان أن يحصد مزرعته بليل أو نهار إلا إذا قارن ذلك ما يدل على نية غير طيبة كما حصل من أصحاب الجنة؛ فهذا حرام.
الأسئلة الجزائرية
دعاء ركوب الدابة
السؤال: هل دعاء ركوب الدابة ودعاء الصعود على الجبل خاص بالسفر أم هو وارد حتى في الحضر والإقامة؟ مع العلم بأننا نسكن في مبنى متكون من عدة طوابق ونصعد إذا أردنا الدخول إلى بيوتنا. وهل هذا الدعاء له عدد معين؟(1/220)
الجواب: يظهر من فعل النبي ص أنه كان إذا استوى على راحلته لسفر قال ذلك الدعاء كما ظهر لنا ذلك في ”ضياء السالكين في أحكام وآداب المسافرين“ أن هذا الدعاء من دعاء السفر. وقد صعد النبي ص على حمر وكذلك على بغلة, على فرس أبي طلحة عري وما نقلوا أنه قال هذا الدعاء. ركب فرس أبي طلحة يم نظر حين سمع هيئة ثم رجع وقال: «لم تراعوا»(1), وما نقلوا في هذا شيئًا. هذا من دعاء الركوب: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِين وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون, الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى, وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى, الَّلهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ, الَّلهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالخَلِيْفَةُ فِي الأَهْلِ»...(2)من دعاء الركوب للسفر, وليس كل ركوب، وهكذا دعاء الاستواء على مكان مرتفع في السفر، وليس كل ارتفاع، صعد النبي ص على جبل حِرَاء وقال: «اسكن ما عليك إلا نبي، وصديق، وشهيدان»(3)، هل نقل فيه أنه لما صعد
ذلك الجبل على أحد أنه قال هذا القول أو هذا الذكر: كبر حين صعد وحين نزل سبح؟ أبدًا، من حديث جابر في الصحيح، أن النبي ص إذا نزلنا سبحنا وإذا صعدنا سبحنا(4)، هذا من أذكار السفر.
الأسئلة الليبية
__________
(1) 16) متفق عليه من حديث أنس بن مالك ا، البخاري (2820)، ومسلم (5961).
(2) 17) رواه مسلم (3262) وأبو داود (2599) والترمذي (3447) من حديث عبدا لله بن عمرب, وهذا الدعاء له تتمة.
(3) 18) رواه مسلم برقم (6198) من حديث أبي هريرة، والبخاري عن أنس برقم (3675).
(4) 19) رواه البخاري برقم (2994) بلفظ: «كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا تصوبنا سبحنا».(1/221)
حديث أبي سعيد الخدري ا قال: إن رسول الله ص قام خطيبًا فكان فيما قال: «ألا لا يمنعن رجلًا هيبةُ الناس أن يقول بحق إذا علم»، فقال أبو سعيد ا: قد والله رأينا أشياء فهبنا.(1)
السؤال: ما حال الحديث، وكيف نُعَوِّدُ أنفسنا حتى يكون عندنا قلب لين يبكي عند النصيحة وقلب قوي عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
الجواب: أما الحديث فصحيح، رواه أحمد وغيره، وأما قوله: قد والله رأينا أشياء فهبنا، معناه أن الإنسان وإن قوي على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أنه قد يهاب أن يقوله في بعض الحالات، وما دام لم يقل محرمًا، فهو معذور عند عدم القدرة كما في حديث أبي سعيد: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده»، من رأى منكرًا يجب عليه أن يغيره بقدر الاستطاعة، ولو كان كل إنسان يسمع منكرًا، أو يرى منكرًا فيسكت ويقول: هذا سيضرني، تتعطل كثير من الشعائر. ولكن كما قال النبي ص: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مَرُّوا على من فوقهم ، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من من فوقنا؛
فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا».(2)
الأسئلة الإندونيسية
الجرح والتعديل
ترجمة شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
السؤال: شيخنا، الإخوان هنا بارك الله فيكم يودون من فضيلتكم أن تذكروا لنا شيئا من سيرة ومواقف والدنا الشيخ مقبل بن هادي الوادعي :؟
__________
(1) أحمد (3/5)، وهو في ”الصحيح المسند“ (1/ 299 300).
(2) أخرجه البخاري (2493) عن النعمان بن بشير ب.(1/222)
الجواب: والله مواقفه وسيرته طويلة، وحاصله أنه إمام محدث من أهل الحديث والسنة، وأن الله جدد به الدعوة السلفية في هذه البلاد اليمنية، وهناك تراجم كثيرة تبين ما أنتم تريدون من سيرة شيخنا رحمة الله علية السائرة على سيرة رسول الله ص، هذا خلاصة القول في ذلك وعسى أن تقفوا على بعض التراجم الموضحة، وبالله التوفيق.
الأسئلة الجزائرية
الرد على من اتهم الشيخ الألباني رحمه الله بالتساهل
والشيخ مقبل رحمه الله بالتشدد
السؤال: يقال عن الشيخ ناصر الدين الألباني : أنه متساهل في التصحيح، والتضعيف وعن الشيخ مقبل : أنه متشدد، فما صحة القولين؟(1/223)
الجواب: أما أن يقال عن الشيخ الألباني : متساهل في التصحيح والتضعيف فخطأ، كيف هذا؟ ما يضعف حديثا إلا ويأتي بالبراهين على ضعفه فهو في غاية التحري في التضعيف جدًّا، و”السلسلة الضعيفة“ شاهدة على هذا القول أنه في غاية التحري، وإنما في مسألة التصحيح قد يجتهد في بعض الأحاديث ويسوق لها طرقًا له اجتهاده فيما يتعلق باصطلاحات له، وربما يقول: وهذا الحديث بهذه الطرق حسن عندي. نعم كما يقول الحافظ أيضا في ”بلوغ المرام“: وهذا الحديث حسن، ويخالفه بعض الحفاظ أو بعض المحققين وكما يقول أيضا الزيلعي وغيره من سائر المحققين، فمسألة أنها توجد أحاديث فيها ضعف في ”الصحيحة“ فهذا أمر حاصل في ”السلسلة الصحيحة“ توجد بعض الأحاديث الذي لا يوافقه على تصحيحها بعض أهل العلم لكن في الواقع أن اجتهاده قوي جدًّا والواقع أنه نشر للمسلمين ثروة عظيمة لا يستغني عنها عالم ولا طالب، فيبقى أنه مجتهد كسائر المجتهدين في مسألة الأحاديث وأن طالب العلم ينظر الحديث حتى من ”السلسلة“ نفسها أومن إرواء الغليل ويحكم بما يراه إذا كان يوافق الشيخ : على ذلك الحكم. فنعم، وإذا رأى أنه لا يصل إلى مرتبة حكم الشيخ عليه من حيث الحسن أو الصحة فيقول ما يعتقد ويراه والحمد لله رب العالمين، أما أن الشيخ : كان يتشدد في مسألة التصحيح والتضعيف، فهذا بلا شك أنه كان في غاية التحري(1/224)
والتشدد هنا يُعْنَى به التحري، فالشيخ : ربما عرض بعض الأحاديث على العلل، وأنا قلت له من جانب الكرسي: يا شيخ، الأحاديث التي أوردتها في ”الصحيح المسند“ عرضتها على العلل؟ قال: غالبا أني أعرضها على العلل. ولا زال إلى أن مات وهو يعرض ”الصحيح المسند“ على العلل، فإذا قال الحافظ الدارقطني، أو أبو حاتم، أو أبو زرعة، أو حتى الحافظ ابن حجر، أو بعض الحفاظ نص أنه معلول حذفه من الكتاب، أو أبقاه وعلق عليه أنه معلول، والانتقادات في هذا الباب من حيث التصحيح على شيخنا رحمة الله عليه أقل بكثير من الانتقادات على العلامة الألباني فيما أعلم مع ملاحظة كثرة ما حكم عليه الشيخ الألباني من الأحاديث بجانب ما حكم عليه شيخنا منها.
الأسئلة الصومالية
المجروحون
السؤال: أبو الحسن المصري متواجد هذه الأيام في الإمارات، فماذا تنصحون الشباب الإماراتي في اتجاه هذا الرجل؟
الجواب: ننصحهم بالبعد عنه والفرار منه كما يفر من المجذوم وأشد؛ فإنه رجل ملبس إلى الغاية، يكاد يقلب الباطل حقًّا والحق باطلًا، ومثل هذا لا يغتر بكلامه. يبتعد عنه ويحذر منه وكفى ما جنى على الدعوة السلفية وما أتى عليها من البوائق والشرور التي يحمل بها فكر الإخوان المسلمين ودعوتهم بطراز جديد.
الأسئلة الإماراتية (6 جمادى الأولى 1422هـ)
أخبار أبي الحسن
السؤال: أخبرنا بارك الله فيكم عن أخبار أبي الحسن الأخيرة، وجزاكم الله خيرًا؟(1/225)
الجواب: الخبر الأول والأخير كله مترادف، وهو يصير من سيء إلى أسوأ، هذا هو بارك الله فيكم خبره، فَحَالُه يَضُرُّ وَلا يَسُرُّ، وحاصل القول فيه: إنه حزبي، إخواني اندس بين أهل السنة، ثم كشفه الله بأفعاله وأقواله الحزبية الحاقدة البائرة الفاجرة، ومع ذلك فهم منهزمون عندنا بحمد الله. والله، لو دعوا مئات الحزبيين من السعودية وكل واحد يأتي لهم بمليون سعودي أو أكثر، ما زالوا منهزمين، قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هو زَاهِقٌ وَلَكُمُ الويْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18]، قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهوقًا} [الإسراء:81]،، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [يونس: 27]، والله، إننا لنرى الذلة على رءوسهم، وإن كان عندهم تلك العملة الصعبة لكنها ما أعزتهم أبدًا، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، كلما كان الإنسان متمسكًا بالكتاب والسنة كان أعز عند الله وعند خلقه الصالحين. فنعم، هو اتفق مع الحزبيين مثل أصحاب الإصلاح وجمعية الحكمة، وأصحاب جمعية الإحسان، التقوا وألغوا الحواجز بينهم، أبو الحسن درع الحزبيين، فليبلغ الشاهد الغائب، دافع عنهم وعن بدعهم وعن القرضاوي الذي قال: أنا لا أدعو الشيعة إلى أهل السنة ولكن أدعوا أهل السنة ليكونوا شيعة، والذي أيضًا يدعو إلى وحدة الأديان، ومحبة النصارى، وما زال عند أبي الحسن ما خرج من السنة على مذهبه الأفيح ابن حفيظ، والذي هو من كبار
الصوفية، فمذهبه الأفيح يسعهم في السنة، فقد وسع كبار الإخوان المسلمين.
الأسئلة الإندونيسية
جعفر عمر طالب(1/226)
السؤال: أيها الشيخ نخبركم بأن أخانا جعفر بعد نصيحتكم الأخيرة ما تراجع عن أخطائه؛ بل يتمادى على ما هو عليه ونريد بهذه المناسبة أن نذكر لكم بعض مخالفته التي قد ارتكبها؛ فإنه قد أتى أبوابًا عظيمة من أبواب الخزي والانحراف، نسأل الله العافية، من ذلك:
1- لا يكاد يخلو من مجلسه إلا وذكر فيه النساء ومحاسنهن إعجابًا، أو مزاحًا، أو افتراء.
2- يفتي بجواز قراءة المجلة الخليعة والنظر إلى صورها لمن أراد الزواج أو لمن لا يعرف كيف يأتي أهله.
3- التهاون في أمر صور ذوات الأرواح حتى وجدت في بيته مجلات وجرائد
فيها صور ذوات الأرواح غير مطموسة بجانب كتب العلماء النافعة.
4- تهاونه بالمعاملة مع البنوك الربوية بحجة الضرورة.
5- تهاونه بمشاهدة التلفاز بحجة معرفة الواقع للجهاد.
6- فُحْش كلامه، وسوء أخلاقه على السلفيين، وتلينه، وإكرامه للرجال السياسيين خصوصًا بعد فتنة الجهاد.
أما بعد انحرافه فكما ذكر الإخوة في الرسالة إليكم أنه ألغى كل نصيحة من نصحه من المشايخ بل قال في بعض نصيحتهم: إن الشيخ قد أحاطت به نار الفتنة، فلا يمكن أن نسأله، ويرى جواز المظاهرات على الحكومة الخائنة، ويفرق بين الحكومة الخائنة والظالمة، استدلالًا بقول الإمام النووي في شرح حديث عبادة
ا المتفق عليه أن، النبي ص قال: «إلا أن تروا كفرا بواحًا»، المراد بالكفر ههنا المعاصي، قال الشيخ: وقول النووي في هذا خطأ ، ولا يزال جعفر يتعامل مع بعض الحزبيين كواحد منهم، وخبره الأخير أنه حضر دعوة الحكومة لذكر الله الجماعي مناسبة لعيد الاستقلال، وحضر في ذلك الاجتماع جميع الأحزاب بشتى أنواعها ويستدل لهم بفضائل الذكر، فما موقفنا له بعد هذه كلها، أحسن الله إليكم وبارك الله إليكم؟
الجواب: أفعاله هذه مخالفة للسنة، ومخالفة للدعوة السلفية من أصلها وفصلها، وهي أفعال الداء الحزبيين، فاحذروه وحذروا منه ومن دعوته هذه الحزبية المشئومة.(1/227)
سعيد القحطان، ومصطفى العدوي، وأبو العينين
السؤال: صاحب مكتبة السلفية في فرنسا يترجم كُتُبًا ويودُّ أن يعرف حال الرفاعي في الكويت، وسعيد القحطاني صاحب ”حصن المسلم“، وما هو أفضل كتاب ألف في حياة الصحابة؟
الجواب: الرفاعي الذي في الكويت حاله الذي أعلم أنه ما هو مَرْضِيٌّ. وسعيد القحطاني صاحب ”حصن المسلم“ هو يدعو إلى السنة، لكن الأمر عنده غير متميز، وليس كما عند سائر السلفيين الفاهمين بحيث يحذر من الحزبيين ويشيد بالسلفيين، الأمر عنده ما هو متميز، وأبو العينين ما زال مرتبكًا في أبي الحسن المصري، وبالله التوفيق.
وأفضل كتاب ألف في حياة الصحابة وتراجمهم كتاب الإمام أحمد من حيث الأسانيد ولو تحرى فيه الصحة كان أولى، ”فضائل الصحابة“ للعدوي كتاب طيب، الحق يقال لكن ما وَفَّى، بقيت تراجم كثيرة ما ذكرها وإنما أخذ المشاهير، فلو(1/228)
وَفَّى لكان مثل ذلك المجلد مرتين أو ما شاء الله، والعدوي كما تعرفون إذا جاءه أهل التحزب من اليمن مثل أصحاب الجمعيات الذين أظهروا المضادة في الدعوة السلفية في حياة الشيخ وبعد موته يحتف بهم، وهم كأنهم ما عندهم في الدعوة إلا الوقوف أمام الدعوة السلفية من التلبيس ومن التغرير ومن التزهيد في الخير السنة، وغير ذلك، وأردى من يتصدى للدعوة السلفية في هذه الآونة أصحاب أبي الحسن، فقد ذهب اثنان إلى بعض المسئولين لا أريد أن أسميه ذهب حفظ الله العديني، ومحمد الحاشدي إلى ذلك المسئول على أن يحيى الحجوي لا يرى قتال الرافضة، ويا سبحانه الله! كيف سيكون حالهم إذا ظهر كذبهم بانتشار كتابنا ”الحجج القاطعة على أن الرافضة ضد الإسلام على ممر التاريخ بلا مدافعة“عند ذلك المسئول أو عند غيره، وسوق كلام العلماء في بيان زندقتهم وبنقل بعض الجواسيس إليهم ما نقوله بين حين وآخر في حق الرافضة بما لم يتكلم به أحد منهم ولما يأتهم تأويله، لكنه الكذب يا إخوان،... الكذب والحزبية قُرنا جميعًا، التمس حزبيًّا تجد عنده الكذب، فوالله، إن محمدًا الحاشدي وحفظ الله العديني، أو من قال عنَّا ذلك أنه لكاذب مفضوح.
والعدوي هداه الله ألف فيه أبو العينين رسالة، أبو العينين إلى الآن ما زال متوقفًا في أبي الحسن، وأبان طعونه في أهل السنة، وأيضا نحن نعرف أنه إذا جاء هؤلاء الحزبيون ينضم إليهم ويجلس معهم. والله المستعان. ولو أنه فقه الدعوة السلفية فقها صحيحا لما قال إن الإخوان المسلمين على ثغرة، بالله عليكم! الإخوان المسلمون على ثغرة أم تركوا في الإسلام ثغرة؟ وصنعوا في الإسلام ثغرة، ما هو ما سدوا ثغرة، تحزب، تلبيس، اختلاس أموال الناس، تقليد الكفار، البعد عن العلم، الزهد في التوحيد، الطعون في الدعوة السلفية والتصدي لها بكل قوة وبكل مكر. هذا ثغرة في الإسلام وليس سدوا ثغرةً في الإسلام، لو كانوا سادين للثغرة لرأيت(1/229)
منهم الإقبال على طاعة الله، والبعد عن هذه المنكرات كلها، فهذا الكلام ما هو صحيح أن يقال: الإخوان المسلمون سدوا ثغرةً، هذا كلام باطل، وهذا الكلام شهد به عليه محمد جميدة على مصطفى العدوي، قال: سمعته بأذني يقول: الإخوان المسلمون على ثغرة، ومن أجل ذلك نقول ما ينبغي أن تترجم كتبه. جزاكم الله خيرًا وكتبه في الجملة مثل كتاب ”أحكام النساء“ وكتاب ”فضائل الصحابة“لا بأس بها، ينقل وبالأسانيد ويحكم بما يراه، مباحث طيبة، نحن وإن قلنا إنه عليه ملاحظات كما سبق بيانه، لكن لا يجوز لنا أن ننفر الناس من مثل كتاب ”فضائل الصحابة“، الرجل عنده أخطاء يحذر منها، وكتبه التي ألفها الذي رأيت منها مثل ”أحكام النساء“، ومثل ”فضائل الصحابة“ يستفاد منها.
الأسئلة الفرنسية (ذو القعدة 1426هـ)
أسامة القوصي
جاء أخونا عبد الرءوف الردفاني بنقل مصدق موثق عن أسامة القوصي وهو أنه يتنقص الدعوة السلفية في اليمن، ودحضنا بحمد الله تلك الأكذوبات، وانتشر ذلك الكلام على الشبكة، وكان فيه فضح لأسامة القوصي ولأكاذيبه ولتقولاته ولتلبيسه على بعض طلابه هناك، والرجل يغش من حوله بجد، يسعى في التلبيس عليهم تلبيسًا مزريًا.
وفي الآونة الأخيرة في هذه الأيام وافتنا رسالة وشريط من أسامة القوصي، ومما قاله أسامة مع تنقصه لعلماء الدعوة السلفية، ومع الإشادة بأبي الحسن إشادة هائلة أتى بالكذب سأسمعكم إياه، فقد جئت بالمسجل تسمعونه من صوته، وجمع بين الكذب وبين الغش وبين الصد عن سبيل الله في عدة كلمات يسيرة، فاسمعوا بارك الله فيكم ، ومما قال فيه: الذي يريد أن يتخرج عالمًا عليه أن يدخل القنوات،(1/230)
أنت تريد أن تكون شيخًا؟ خلاص، ادخل جامعة الأزهر حتى تكون شيخًا يوم من الأيام، ما دمت تريد أن تكون عالما فهذا هو الطريق، ما عندنا الآن إلا الطرق الرسمية بارك الله فيكم كل الطرق غير رسمية تنتهي بالفشل، أين الآن مركز شيخنا الشيخ مقبل؟ أين هو؟ انتهى بارك الله فيكم، بوفاة الشيخ انتهى مركزه، نفس الشيء في مراكز أخرى، ما دامت القنوات الرسمية غالبًا هي التي تستمر وهي التي تدوم. الآن من يريد شهادة أنه شيخ، طبعا، قل له الشهادات أنواع، تتخرج من الأزهر هل يعني أنك تتخرج تصير مفتيًا؟ تتخرج من الأزهر.
قلتُ: أسامة جمع في هذه الكلمات بين ثلاث عظائم:
العظيمة الأولى: الكذب، قال تعالى: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61] أن مركز الشيخ قد انتهى، منذ أن مات الشيخ المركز انتهى. وسائر السلفيين في العالم يعلمون أن مركز الشيخ ازداد قوة، وأن مركز الشيخ : بعد موته يسير على ما سار عليه الشيخ وزيادة في العلم والتعليم والدعوة إلى الله والتأليف والتحقيق وفي غير ذلك مما كان في حياة الشيخ : على أحسن ما يرام، ولله الحمد والمنة وله الفضل وحده سبحانه وتعالى.
العظيمة الثانية: الغش؛ فإنه بقوله هذا يغش المسلمين فيرشدهم إلى الأزهر، وأن من أراد أن يطّلع عالمًا، أنا ما أستطيع يقول أنا أطلّعك عالمًا، ما أطلّع علماء أنا، يعني هو أسامة ما يطّلع علماء ولكن قل اذهب إلى الأزهر، وإذا أردت أن تطلع شيخا عالما اذهب إلى الأزهر، وتعلمون أن الأزهر يخرّجون أشاعرة، ويخرجون مخرّفين، ويخرجون من ليسوا مستقيمين لا في أقوالهم ولا أفعالهم ولا معتقداتهم ولا لباسهم ولا مظاهرهم ولا مخابرهم، وهذا لا يحتاج إلى كبير بسط، الواقع شاهد على ذلك.(1/231)
العظيمة الثالثة: الصد عن الحق؛ فإن شأن الناصح أنه يرشد الناس إلى الحق وإلى ما ينفعهم، الله عز وجل يقول: {وَتَعَاونُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاونُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] و: «الدين النصيحة» كما أخبر بذلك رسول الله ص. الحديث عند الإمام مسلم(1)، حديث تميم الداري علقه البخاري :.
وهذا غش للمجتمع هناك ومن يسمع كلامه ممن هو ربما يتأثر به، وأسامة الآن رجل أصحاب جمعية البر، وأحد أذناب أبي الحسن، أبو الحسن ذنب الإخوان المسلمين، وهو ذنب لأبي لحسن، أفسده أبو الحسن، فمن يكون أسامة حتى يقبل
منه هذا القول في مركز الشيخ مقبل أنه انتهى؟ أو في الدراسة في الأزهر ويتركون الدعوة السلفية ويذهبون ويدرسون في الأزهر؟ إلا من غشه من الناس هناك، «من غشنا فليس مِنَّا»(2)، ولا حول ولا قوة إلا بالله، {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].
إنها والله، لفضيحة لأسامة، نحن أصلا هذا الكلام لا يسوؤنا باعتبار أنه كما يقال: ما يصنع الأعداء في جاهل ما يصنع الجاهل في نفسه، فهو بفعله هذا يعرض نفسه لتكذيب كل سلفي يتابع الدعوة السلفية في اليمن يكذبه، سواء زار اليمن أو لم يزره؛ فإن كتب وأصحاب دار الحديث بدماج وغير ذل من المراكز العلمية في اليمن ملأت المكاتب علمًا، وفقهًا، وتوحيدًا، ونحوًا، ومصطلحًا، وحديثًا، وغير ذلك مما يتعلق بالعلوم النافعة، ولكن هذا وأمثاله قليلوا الورع من أن يتكلم أحدهم بكذب يكذبه فيه الناس، وقليل الورع من أن يتكلم بصد عن سبيل الله وعن الحق، والله يقول: {وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:94]، وقليل الورع من أن يتكلم بغش المسلمين، ويغش المسلمين
__________
(1) برقم (55).
(2) أخرجه مسلم (279) من حديث أبي هريرة ا.(1/232)
بفعله ذلك، وأما رسالته فإنه خبّط فيها وخلّط، وتكلم بما لا يحسنه ولما يأتي تأو يله في قضية أبي الحسن وفي غيرها، ومن ذلك مناداة له أنه يناديه أن يلحق بهم، يقول: تعال إلينا يا أبا الحسن، أهلًا وسهلًا بك، أخًا سلفيًا فاضلًا.
وله شريط آخر صدر في ذي الحجة (1426هـ) يقول فيه: إنه الآن على خط جديد، ويحث على الانتخابات، وعلى السير على مسار العوام في معاصيهم، وأنه لابد من المعاصي وغير ذلك مما في ذلك الشريط من التلبيس، والتغرير، والغش، والهذرمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوهَّابُ} [آل عمران:8]. مات الشيخ : والدار فيه من الألف إلى نحو ذلك، والآن الدار فيها أكثر من أربعة آلاف من حين إلى آخر يتزايدون أكثر، سعة ولله الحمد حسية ومعنوية، علمية ودعوية، والفضل في هذا لله سبحانه وتعالى، ثم للشيخ :.
فليمت الحاقدون، والحاسدون، والحزبيون من أمثال أسامة القوصي بغيظهم، قال تعالى: {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:119].
أبو نداء الإندونيسي
السؤال: يقول أبو نداء وأصحابه: في الحقيقة إن هذه الكتب والأشرطة كالجمادات علمًا بأنهم يقولون هذا الكلام بعد أن وصلت إليهم بعض الكتب والأشرطة، منها: ”جماعة واحدة لا جماعات“ للعلامة ربيع المدخلي حفظه الله و”هجر المبتدع“ للشيخ بكر أبي زيد، و”منهج أهل السنة في نقد الرجال والكتب والطوائف“ للعلامة ربيع المدخلي و”السياسة بين فراسة المجتهدين“ للشيخ عبد المالك بن المبارك الجزائر، فما قولكم في مثل هذا الكلام؟(1/233)
الجواب: أقول: مثل هذا الكلام هراء، كيف مثل الجمادات؟ هل استفدنا من الجمادات سُنَنًا؟ هل استفدنا من الأحجار والأخشاب دِيْنًا؟ هل أقام الناس هذا الجهد وأضاعوا أوقاتهم على مثل الجمادات؟ الذين صنفوا، ودونوا، وتعبوا، وسهروا من أجل أشياء لا يحصل منها إلا الجماد؟! ما الفائدة إذن؟ هذا فيه امتهان للسلف، واحتقار لهم، أنهم أضاعوا جهودًا، وصرفوا نفائس أوقاتهم في أشياء مثل الجمادات؟ حسبنا الله، ونعم الوكيل.
يزيد بن عبد القدير جواز الإندونيسي
السؤال: قال يزيد بن عبد القدير جواز: إن التحذير من أهل البدع حق العلماء فقط، فما قولكم في هذا؟
الجواب: إن أراد أن الجرح يختص بالعلماء، فهم الذين يجرِّحون، فعلى هذا إضافة، وهي: يجب التعاون معهم بنقل الحق الذي جرحوا به أهل الباطل؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى، والنبي ? يقول: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، أخرجه مسلم، وإن أراد أن التحذير من أهل البدع من حق العلماء دون غيرهم، فلا يجرح(1/234)
المبتدعة الذين ليسوا بعلماء ولا منافقون، فهذا باطل، قال الله تعالى: {هو الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأو يلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأو يلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولون آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أو لو الْأَلْبَابِ} [آل عمران:7]، ويقول عز وجل {لو خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأوضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة:47]، وقال بعد هذه الآية {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهونَ} [التوبة:48]، وهذا القرآن الذي تلوناه آنفا منزل في المنافقين، في أناس كانوا يصلون ويصومون؛ بل يغزون مع رسول الله ص إلى تبوك وغيرها ولما لم يكن بيدهم من أمر وصولة وجولة عمدوا إلى فتن وشبهات بل ونفخهم الشيطان بالغرور والكبرياء {يَقُولون لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8]، ما آتاهم الله فقهًا في الدين طمس الله بصائرهم وأيضا عن طريق مادة يظنون أن المادة هي التي ترفع، وهي التي تضع، وهي التي تنصر وهي التي تخذل وهذا إنما من خذلانهم {هُمُ الَّذِينَ يَقُولون لا تُنْفِقُوا عَلَى مَن ْعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهونَ} [المنافقون:7]، وهذا شأن المرتابين المرتبكين منذ زمان، من المنافقين وأضرابهم أنهم يستوردون من لدن(1/235)
الشيطان تلك الشبه وكأنه ذكاء، خارق، عندهم، لم يتحصل ولم يتوفر لأهل السنة إذ يقولون تلك الأقوال فيأتون بها بين شباب أهل السنة للتشكيك والتفكيك، والواقع أنه خذلان من الله تعالى، وإلا فإن ربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَتَعَاونُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاونُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: من الآية2]، هم مطالبون بالتعاون على إقامة السنة فإن أهل السنة في قلة، وإن أهل السنة في كل بلد على هذا الحال كما قال الأوزاعي: يا أهل السنة، ترفقوا. وجاء عن غيره: فإنكم أقل الناس. وقد ثبت ذلك في حديث رسول الله ص في صحيح الإمام مسلم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء»(1)، ومع هذا فإننا معشر أهل السنة وهم يعرفون ذلك حفظهم الله أن الكلمة لهم والحجة معهم وإن النصر حليفهم، يقول النبي ص: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم»(2)
__________
(1) من حديث إبي هريرة ا برقم: (145).
(2) جاء عن جماعة من الصحابة منهم: معاوية ا عند البخاري (3641)، ومسلم (1037)، وعن ثوبان ا رواه مسلم (1920)، وعن المغيرة ا رواه البخاري (364)، ومسلم (1921)، وغيرهم..(1/236)
يخالفون ويخذلون من قبيل ذوي الأهواء من حسدة، ومبتدعة، وماكرين، ومرتابين، ومرتبكين، كل هذه لا تضرهم بحمد الله عز وجل، فإن لم يكن كتاب الله وسنة رسوله ص والاعتصام بهما هو الحق فماذا الحق وما هو الحق إذن؟ {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس:32]، نعم، تحذر بقدر ما تستطيع، ولا أزال أكرر هذا، فعلماؤنا رحمة الله عليهم أتوا بما لا مزيد عليه من التحذير، والتربية، والتعليم، قاصدين بذلك نقل هذا العلم للغير، قال تعالى: {وَتَعَاونُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]، وقال تعالى:{وَافْعَلوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77]، قال ص: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه»(1)«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»(2)«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد»(3)، كل ذلك يدل على التعاون على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ص.
عون الرفيق غفران الإندونيسي
السؤال: يقول عون الرفيق غفران إن طرد المبتدع من البيت لا دليل فيه؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم جاءهم الكفار ولم يغلقوا أبواب بيوتهم، ولم يفعل ذلك رسول الله ص مرة قط، أما أنا إن جاءني مبتدع فأنصحه، فهل هذا صحيح وما تقول في هذا الرجل؟
__________
(1) من حديث أنس بن مالك رواه البخاري (13)، ومسلم (45).
(2) عن أبي موسى الأشعري رواه البخاري (481) ومسلم (2585).
(3) عن النعمان بن بشير ب رواه البخاري (6011)، ومسلم (2586).(1/237)
الجواب: جاء رجل إلى ابن سيرين من أهل الأهواء وأراد أن يقرأ قرآنًا، فأمر ابن سيرين به فَأُخْرِجَ، وقال رجل لأيوب بن أبي تيمية:أريد أن أكلمك كلمة، قال: ولا نصف كلمة، وهكذا أيضا الإمام مالك أعرض عن ذلك المبتدع وقال: أنا على بصيرة من أمري. وعمر ا ضرب صبيغًا وأخرجه من البلد فضلًا عن إخراجه من البيت فقط، وعندنا من القرآن ما يؤيد ذلك في إهانة ذوي الأهواء، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [يونس:27]، {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة:20].
عبد الحكيم عبدة الإندونيسي
السؤال: يقول بعضُ دعاةِ الحزبيين، عبد الحكيم عبدة المزعوم بأنه محدث عندهم مع كونه مبنطلًا ومسبلًا في لباسه ذلك، ويقصر لحيته في بعض الأوقات، يقول في تأو يل حديث: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»: إن الذي يدخل النار هو البدعة وأما أهل البدعة فليس بلازم. وهذا الرجل أنكر على من خرج من الجامعة الاختلاطية قائلا: هل إذا خرجتم منها تكونون علماء؟(1/238)
الجواب: لو كانت المعاصي من بدع، وخرافات، وزنا، وسرقة، وقتل النفس، وشرب الخمر، كل هذه المعاصي تدخل النار وأصحابها لا يدخلون النار، فما فائدة وجود النار؟ وما جزاء أهلها؟ وماذا يستفيد الناس من التخويف بالنار؟ وما فائدة تلك الوعيدات المذكورة في القرآن إذا كانت المعاصي بذاتها هي التي تدخل النار دون أهلها، والله يقول: {مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة:63]، ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك فِي الْأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ. كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:20 21] يستريح أهل الباطل ويطمئنوا ما دام كفرهم هو الذي يدخل النار وهم في سلامة، والله يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أو لَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍٍ} [فاطر:36 37]، ويقول سبحانه: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج:19]، والنبي ? يقول فيما يروي عن ربه: «أنتِ النار عذابي أعذب بك من أشاء، وأنتِ الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكليكما عليَّ ملؤها»، إن من عصى الله ورسوله يستحق الذلة في الدنيا، ويستحق عذابه في الآخرة، الجمهور من(1/239)
أهل العلم يقولون: الواجب يثاب فاعله ويستحق العقاب تاركه، وهكذا الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:116]، الآية تدل أن صاحب المعاصي دون الشرك قد يغفر الله له وقد يعذب لذنوبه إن شاء تعذيبه، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي ص قال: «يخرج أناس من النار كالفحم»(1)، فأين أدلة الشفاعة؟ مثل حديث أبي موسى الأشعري ا أن النبي ص: «أترونها أي: الشفاعة للمتقين؟ لا، ولكنها للخاطئين المذنبين المتلوثين»(2)، وأدلة الشفاعة كلها تدل على أن أصحاب المعاصي قد يشفع فيهم قبل الدخول فيها، وقد يشفع فيهم بعد الدخول فيها على ما جاء في حديث أنس بن مالك ا أن النبي ص قال: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»(3)، فحاصله على أنها كلمة ساقطة لا يلتفت إليها، ولما ذهب النبي ص إلى حنين ومعه بعض أصحاب النبي ص من المسلمين الجدد من الصحابة رضوان الله عليهم، قال بعضهم: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، شجرة نعلق عليها سيوفنا للبركة كما يفعلون ذلك، فقال النبي ص: «إنها سنن من قبلكم، والذي نفسي بيده، لقد قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلون*إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلون}» [الأعراف: 138/139](4)
__________
(1) من حديث أبي سعيد الخدري رواه مسلم (185).
(2) جاء من حديث ابن عمر عند أحمد : (2/75) وانظر مجمع الزوائد (1/378).
(3) من حديث أنس أخرجه أحمد (3/213)، وأبو داود (5/116)، وانظر ”الشفاعة“ (ص100) للشيخ مقبل رحمه الله حيث حسنه هناك.
(4) من حديث أبي واقد الليثي رواه الترمذي (2180)، وأحمد (5/218)..(1/240)
مُتَبَّرٌ، أي: هالكٌ ما هم فيه، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ*قالوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِين*قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلون} [الأحقاف:21-23].
وأما مسألة الجامعة الاختلاطية قد تقدم عليها جواب نذكر نبذة بما قد لا يصل ذلك القول هناك من ذلك قول النبي ص: «إياكم والدخول على النساء» قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت»(1)، هذا الحديث متفق عليه، من حديث عقبة إن كنت مذعنًا وكذلك قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59]، قال ابن كثير : عند الآية: يعرفن أنهن حرائر ولسن بعواهر، العواهر ذلك الزمان، المجتمع يئن بما فيه من التبرج والسفور، وبما فيه من العهر من النساء، وبما فيه من الشر، وأنت تأتي تزيد الطين بلة، أنت وأمثالك هداكم الله.
الأسئلة الإندونيسية
أسئلة أهل أرض الزلزال والحوادث
هذه أسئلة من أرض الزلزال وما يتعلق بالمصائب والحوادث التي حدثت في بلاد إندونيسيا ونحوها، نقدمها إلى شيخنا الفاضل أبي عبد الرحمن يحيى بن على الحجوري حفظه الله تعالى ورعاه سائلين الله أن يثبته في الإجابة عليها حتى نسير في كل أمر من أمورنا على العلم، والهدى، والرشاد، إنه وَلِيُّ ذلك والقادر عليه.
النصيحة لولاة الأمور
__________
(1) من حديث عقبة بن عامر، أخرجه البخاري (5232)، ومسلم (2172).(1/241)
السؤال الأول: ما نصيحتكم لولاة أمورنا وحكومتنا وفقهم الله فإنهم لما أحدثت هذه الحوادث حثوا المجتمع على الذكر الجماعي والتهليل ظَنًّا منهم أن هذا العمل لدفع المضرات، وجزكم الله خيرًا؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَالْعَصْرِ*إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 4]، وما من نبي إلا وينصح لقومه كما في سورة الأعراف عن جملة منهم، وفي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي ا قال: بايعنا رسول الله ص على : إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم(1).
وأهل ذلك البلد الذي حصل فيه ما قد علم وما يزال يحصل بين الحين والآخر جلهم فيما نعلم مسلمون، وللمسلم على المسلم حق النصح، وحق التعاون على طاعة الله سبحانه وتعالى؛ لحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»(2)، ولقول الله {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]، ومما ننصح به أهل ذلك البلد حكومة وشعبًا، علماء وطلابًا، وعامة ورجال ونساء، وسائر بلاد المسلمين الذي ننصح به الجميع هو الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والتوبة إليه قال الله عز وجل: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جميعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].
__________
(1) 1 أخرجه البخاري (7199)، ومسلم (1709)
(2) أخرجه البخاري (13)، ومسلم (45) عن أنس بن مالك ا.(1/242)
فعلق الله الفلاح وهو عام في الدنيا والآخرة بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ*وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات:50 51].
هذا أمر من الله سبحانه وتعالى وبالرجوع إليه، وبالفرار إليه، وأنه لا يحصل على الإنسان ضرر إلا بسبب ذنوبه سواء كان هذا الضرر في الدنيا أو في الأخرى قال الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، وقال سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]، وقال سبحانه: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لو كَانُوا يَعْلَمُونَ} [القلم:33]، ومن لم يكن على ذنب؛ فإن الله يرفع بذلك دراجاته ممن علم الله منه الصلاح، قال نبي الله هود كما أخبر الله عنه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلوا مُجْرِمِينَ} [هود:52]، وهكذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا, يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا, وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا, مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا, وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:10 14]، إن المعاصي الضاربة بأطنابها بين أوساط المسلمين لهي من أسباب انتقام الله سبحانه وتعالى من العباد في الدنيا والأخرى، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ(1/243)
ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة:22]، وقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 126] قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بعد أن ذكر من أخذه الله قال: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40]، وقال سبحانه وتعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف:59]، وقال سبحانه وتعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]، أي: بسبب صنعهم وفعلهم، وقال سبحانه وتعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:163]، وأنت لاحظ كلمة: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، أي: بسبب فسقهم ومعاصيهم، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أو معَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قالوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ(1/244)
وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ*فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهونَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ*فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهو ا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 164 166]، وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ, فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ*وَقالوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ*فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف:130 133] إلى آخر الآية كما أبان الله سبحانه وتعالى عنهم أنه عاقبهم بهذه الجنود التي سلطها عليهم، وقال الله سبحانه وتعالى: {وَلو أنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ*أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ*أو أمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ*أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:96 99]، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ(1/245)
فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29]، من الذي يستطيع أن يدفع بأس الله ونقمة الله؟ هذا الذي سبق بيانه من كتاب الله سبحانه وتعالى يدل على أنه إذا استشرى الشر في بلد وانتشرت الفتن في بلد، إن الله يغار على دينه: «إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله»(1)، قال سبحانه وتعالى: {وَلو يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر:45]، هذا الذي نتواصى به الرجوع إلى الله في هذا البلد وفي سائر بلاد المسلمين، فوالله، لقد انتشرت المعاصي في بلاد المسلمين، وتفشت بينهم كانتشار النار في هشيم الحطب، الشرك بالله سبحانه وتعالى، والبدع، والخرافات، والرفض، والتشيع، والتصوف، والتحزب، والديمقراطية، والانتخابات، وتقليد الكافرين، وتصوير ذوات الأرواح وقل المنكرون وكثر المتمالئون مع الباطل، وفي الصحيحين من حديث زينب بنت جحش أن النبي ص حين قام ليلة، قال: «لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه»، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها, قالت زينب بنت جحش: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم, إذا كثر الخبث»(2)،
__________
(1) 1 أخرجه البخاري (5222)، ومسلم كتاب التوبة، باب: غيرة الله.
(2) 2 أخرجه البخاري (7135) ومسلم (2880)..(1/246)
فكثرة الخبث في أو ساط المسلمين سبب للهلكة, النبي ص أخبر عن أمة نبي من الأنبياء أعجبه قومه، وفي رواية قال: من يكافئ هؤلاء؟ فَأُوِحي إليه: اختر لقومك بين إحدى ثلاث: بين أن أسلط عليهم عدوًّا من غيرهم أو الجوع أو الموت فقالوا: أنت نبي الله، فَخِرْ لنا، فاختار الموت فسلط عليهم الموت ثلاثة أيام فمات منهم سبعون ألفًا، فالذي ترون أني أقول: «رب بك أقاتل وبك أصول ولا حول ولا قوة إلا بك»(1)إلى آخر الحديث، حديث صهيب ا، وهو حديث صحيح في ”الصحيح المسند“ للشيخ : الشاهد من هذا أن الاعتماد على الله سبحانه وتعالى سبب النجاة. وأن ضعف الإيمان هو الفتنة, والهرولة وراء الكافرين، ومتابعة المبطلين سبب النقمة، ثبت من حديث ابن عمر عن النبي ص قال: «وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري»(2)، فالذلة والصغار، والقحط وقلة الأمطار، أو حصول الأمراض والدمار، كل ذلك بسبب فساد الأشرار، فقد ثبت من حديث ابن عمر ب، أن النبي ? قال: «يا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنّ, وَأَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ, حَتّى يُعْلِنُوا بِهَا, إِلاّ فَشَا فِيهِمُ الطّاعُونُ وَالأوجَاعُ الّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الّذِينَ مَضَوْا.
__________
(1) 2 أخرجه أحمد (4/332).
(2) 1 أخرجه أبو داود (4031)، وقال شيخ الإسلام في ”الاقتضاء“ : إسناده جيد وصححه الإمام الألباني في ”الإرواء“ (1269).(1/247)
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ, إِلاّ أُخِذُوا بِالسّنِينَ وَشِدّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ, إِلاّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السّمَاءِ, وَلو لاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ, إِلاّ سَلّطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوّا مِنْ غَيْرِهِمْ, فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمّتُهُمْ بِكِتَابِ اللّهِ, وَيَتَخَيّرُوا مِمّا أَنْزَلَ اللّهُ, إِلاّ جَعَلَ اللّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ»(1)، هذا حديث صحيح، وهو حديث عظيم، انظر إلى الآثار والأخطار والأضرار التي تحصل من المعاصي، وكم يعود أضرارها على الفرد والمجتمع, في الصحيحين عن النبي ص قال: «يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأو لهم وآخرهم» قالت عائشة ب: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: «يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم»(2)،
__________
(1) 2 أخرجه ابن ماجه , كتاب الفتن باب العقوبات (4191) وهو في ”الصحيحة“ للإمام الألباني رقم (106) وصححه في رقم (107) وحسنه شيخنا حفظه الله في ”حشد الأدلة“ (ص63).
(2) 3 أخرجه البخاري (2118)، ومسلم (2882)..(1/248)
فالرجوع، الرجوع عباد الله, والزموا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، واعرفوا أن الله سبحانه وتعالى قد أهلك من قد مضوا قبل ممن كان أشد قوةً وأكثر جمعًا، قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أو لِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ*وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:76 77]، أحسن في العمل، أحسن في القول، أحسن في الاتباع، أحسن في الإسلام، أحسن في الدعوة شامل لجميع الإحسان «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» كذا قال النبي ص, وقال تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ*قَالَ إِنَّمَا أوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أو لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هو اشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ*فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ*وَقَالَ الَّذِينَ أوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ*فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ*وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولون وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ(1/249)
عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لولا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ*تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلوا فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:77 83]، وعلى هذا ننصح المسلمين أن لا يركنوا إلى الذين ظلموا من دعاة السوء، من الدعاة إلى أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها دعاة الخنى، دعاة الاختلاط، دعاة الرذيلة، دعاة الشر مثل: عمرو خالد, أشهد بالله أن حديث حذيفة ينطبق عليه، وعلى أمثاله، «دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها»(1)فنعم يا أخي، تحت الإسلام يتبع اليهود, وينافح عن اليهود، كذاب أشر, رجل لعاب الكرة، كما يسمونه (كَابْتِن)، ويحضر له جموع الجاهلين وجموع المغرر بهم, لا حديث، ولا فقه، ولا عقيدة صحيحة، ولا منهاج سليم، ولا خلق قويم، إي والله, ما من هذا شيء، ولا رأي سديد، عقلاني، فلسفي, ما هو مع الدليل، وتراه يعبث بعقول النسوة، ويستدعي المرأة إليه من الممثلات. نعم, ويلتقي بإسرائيليين بين الفينة والأخرى، دعاة إسرائيل يلتقي بهم، وهذا مقرر عليه؛ ولضعف ثقافة المسلمين ولبعدهم عن دعاة السنة والهدى اغتروا بهؤلاء الذين هم يعتبرون من أذناب الإخوان المسلمين وتربيتهم وذيولهم، الإخوان المسلمون يندس فيهم حتى النصارى والزنادقة، وأضراب المنافقين وهم جحر ومأوى لكل بلية.
إنها تأتي على المسلمين على ممر التاريخ ضربات ولطمات بجراء ذنوبهم ومخالفاتهم. فقد قال النبي ص: «دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» .(2)
__________
(1) 1 أخرجه البخاري كتاب المناقب (3606).
(2) 1 أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337) عن أبي هريرة ا.(1/250)
وأما الذكر الجماعي فمحدث، إنما حدث في الدولة العباسية؛ فهو من المعاصي التي يستحق العباد عليها العقوبة؛ لأنها من البدع، فقد قال النبي ص: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»(1)، ألا ترون أن البعد عن العلم والعلماء وعدم الرجوع إليهم يريد الإنسان أن يصلح فيفسد ويريد أن يرشد فيضل ويريد أن يهدى، فيزيغ بسبب بعدهم عن العلم، وعن علماء كتاب الله، وسنة رسوله ص، فننصحكم بالبعد عن البدع والبعد عن خرافات الصوفية، فما حصل في بلاد المسلمين من ضرر على المسلمين في دينهم إلا من قبيل أهل الأهواء، ابن مسعود ا أتى على قوم في مسجد بني حنيفة ينبري واحد يقول: سبحوا مائة, حمدوا مائة, كبروا مائة.
__________
(1) 2 أخرجه البخاري (2697) ومسلم (1718) عن عائشة ك.(1/251)
هذا في الظاهر ذكر، وجاء أبو موسى قبل ذلك إليهم، ورأى مثل ذلك, فأتى إلى ابن مسعود, فقال: يا أبا عبد الرحمن, رأيت أمرًا أنكرته, وما رأيت إلا خيرًا, قال: وما رأيت؟ قال: رأيت واحدًا يقوم أمام الناس يقول: سبحوا مائة, حمدوا مائة, كبروا مائة إلى آخر الأثر, قال: هلا قلت لهم يعدون سيئاتهم, فإني ضامن لهم ألا يضيع من حسناتهم شيء, ثم أتاهم, قال: أيها الناس, فقتم أصحاب رسول الله ص علمًا أم جئتم ببدعة ظلمًا, والله إن هذه آنية رسول الله ص لم تكسر, وثيابه لم تبلى, وقد أحدثتم في دين الله ما أحدثتم، وأنكر عليهم إنكارًا شديدًا, قال الذي روى الأثر عن ابن مسعود كما في مقدمة ”سنن الدارمي“ وغير ذلك, والأثر حسن, فلقد رأيت أولئك الذين أي: أصحاب تلك البدعة يطاعنون برماحهم وسيوفهم مع أصحاب النهروان(1)، رجعوا مع الخوارج بسبب بدعتهم، آلت عليهم بالشر، ولم يقبلوا النصح من ذلك الإمام، قال تعالى: {وَلو أنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلوا أَنْفُسَكُمْ أو اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلو هُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلو أنَّهُمْ فَعَلوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا, وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا, وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء:66 68].
الحوادث عقاب من الله، أم فيه تفصيل؟
السؤال الثاني: هل كل حادثة من تلك الحوادث عقاب من الله للظالمين بسبب ظلمهم أم فيه تفصيل، وإن كان الأول، ففيه مدخل لمن قال بحادثة طبيعية, وقالوا: كيف يكون هذا عقابًا على أن جُلَّ سكان هذا البلد مسلمون؟ فهل يعذب المسلمون؟ مع العلم بأن أكثر سكانها الصوفيون، والخوارج، والعصاة، ويظهرون عداوة شديدة للدعوة السلفية, فما الرد عليهم، وجزاكم الله خيرًا؟
__________
(1) 1 رواه الدارمي في ”المقدمة“ رقم (210)(1/252)
الجواب: سبق بعض الأدلة في الجواب على هذا، وذكر الله عز وجل عن الأتقياء الأزكياء أنهم إذا أصيبوا ببلاء أن الله يرفع بها درجاتهم، فبعد أن ذكر الله ما ابتلي به يوسف عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ} [يوسف:83]، والمؤمن إذا أصيب بالبلايا تكفر سيئاته؛ لحديث: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم, حتى الشوكة يشاكها, إلا كفر الله بها من خطاياه»(1)، قال تعالى: {لهم عذاب في الحياة الدنيا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16]، وقولهم: هل يعذب المسلمين؟ المسلمون غير معصومين, والذنوب سبب للعقاب كما ذكر الله سبحانه وتعالى , الذنوب سبب للعقاب, أمة أهلكها بعقر الناقة, قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا, وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس:14 15], وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ*وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابوا الصَّخْرَ بِالوادِ*وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأوتَادِ*الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ*فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ*فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ*إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:6 14].
__________
(1) 2 أخرجه البخاري (5641) ومسلم (2573).(1/253)
أمةٌ أهلكها الله بتطفيف الكيل, وهي قوم شعيب, وأمة أهلكها باللوطية, وهو قوم لوط, وغير ذلك من الأمم الهالكة بسبب معاصيها، ولو كانت في حق المسلمين, فإنها من أسباب عقاب الله سبحانه وتعالى على ما ذكرنا من الأدلة السابقة, فالمسلمون فيهم عصاه, وهذه المعاصي لو أنهم تأبوا إلى الله عز وجل فما كان الله ليعذبهم عليها, قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ*وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أولِيَاءَهُ إِنْ أولِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال:33 34], نعم, فعلى هذا, يوجد البر والفاجر, حديث زينب: أنهلك وفينا صالحون, قال: «نعم, إذا كثر الخبث», ولا مدخل لأولئك الزائغين من الطبائعيين واليهود والنصارى وغيرهم, ما كانت الطبيعة لتخلق حبة الخردل, قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ*أَمْ خَلَقُوا السَّمَاواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:36], قال النبي ص في المصورين يوم القيامة: «فليخلقوا حبة, وليخلقوا ذرة, وليخلق شعيرة» حديث قدسي(1)
__________
(1) 1 أخرجه البخاري (5953) ومسلم (2111) عن أبي زرعة : دخلت مع أبي هريرة في دار مروان , فرأى فيها تصاوير، فقال: سمعت رسول الله ص يقول: «قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي ؟ فليخلقوا ذرة , أو ليخلقوا حبة , أو ليخلقوا شعيرة», قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث : هذا أمر تعجيز. المنهاج شرح صحيح مسلم تحت رقم (2111) , قال المعلق : لم يظهر أن هذا الكلام القدسي يكون يوم القيامة , ولعل شيخنا حفظه الله لما قال : قال النبي ص في المصورين يوم القيامة..عنى به حديث ابن عمر ب وما أشبهه , فيه : أن رسول الله ص قال: «الذين يسمعون الصور يعذبون يوم القيامة , يقال لهم : أحيوا ما خلقتم»، أخرجه مسلم (2108) , فيه ذكر أحوال المصورين يوم القيامة , قال الإمام النووي : أما قوله ص: «ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم» فهو الذي يسميه الأصوليون أمر تعجيز , كقوله تعالى :{قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} [هود:13]. اهـ. المنهاج شرح صحيح مسلم تحت رقم (2108) وما بعده, قال المعلق : في كلا الحديثين تحادي تعجيز من رب العالمين على المصورين والطبائعيين، وأمثال هؤلاء , فهل من خالق غير الله؟ فبهت الذي فسق, والله لا يهدي القوم الظالمين، ثم إن تصوير ما ليس فيه روح ليس به بأس , عن سعيد ن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس ب فقال : أني رجل أصور هذه الصور , فأفتني فيها , فقال له: ادن مني , فدنا منه , ثم قال : ادن مني , فدنا حتى وضع يده على رأسه , قال : أنبئك بما سمعت من رسول الله ص, سمعت رسول الله ص يقول: «كل مصور يجعل له بكل سورة صورها , نفسا فتعذبه في جهنم» , وقال: «إن كنت لا بد فاعلا , فاصنع الشجر وما لا نفس له». أخرجه البخاري (2225)، ومسلم (2110)، وهذا لفظ مسلم. قال الإمام النووي رحمه الله: وهذه الأحاديث صريحة في تحريم تصوير الحيوان وأنه غليظ التحريم , وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا تحرم صنعته ولا التكسب به , وسواء الشجر المثمر وغيره , وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا؛ فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه. المنهاج شرح صحيح مسلم تحت رقم (2110) , والله أعلم.(1/254)
, قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*سَيَقُولون لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ*قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ*سَيَقُولون لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ*قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهو يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*سَيَقُولون لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون:84 89], وقال تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:4], وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30], وقال تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف:51], وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ*أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ*نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ*عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ*وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأولى فَلو لا تَذَكَّرُونَ*أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ*أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ*لو نشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهونَ*إِنَّا لَمُغْرَمُونَ*بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ*أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ*أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلون*لو نشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلو لا تَشْكُرُونَ*أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ*أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ*نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة:58 73] قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ(1/255)
إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ*قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ*وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:71 73]، الضُلَّالُ يهونون من آيات الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16] خوف الله, قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59], وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإنْسَانُ كَفُورًا, أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أو يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا, أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء:67 69], من يأمن مكر الله سبحانه وتعالى؟ هذا كله من بطش الله من مكر الله, لله الأمر حتى الرياح يصرفها كيف يشاء, الريح من روح, إما تأتي بالرحمة وإما تأتي بالعذاب سلطها الله على عاد فأرسلها فأصبحوا حتى كأنهم أعجاز نخل خاوية, فهل ترى لهم من باقية, وهكذا بحار، وهكذا قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [(1/256)
فاطر:41]، وما بين السموات والأرض كلها لله، قال تعالى: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هو آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هو د:56], فعلى هذا, إن هذا القول أنها عبارة أن البلدة أو القرية مبنية على البركان, وهذا السبب في انفجار هذا البركان لأنه على كذا وكذا تهو ين من الآيات ويصدر عن الزائغين يجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى عن قولهم حوادث طبيعية، بل هي آيات وتخويف من الله سبحانه وتعالى , ولما خسفت الشمس في زمن النبي ص، خرج يجر رداءه, وأمر بالصلاة, ثم نادى بالصلاة, وصلى, ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله, لا ينخسفان لموت أحد, ولا لحياته, فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة»(1), وجاءت آثار أنه إذا حصلت الحوادث أنه يصلي, لكن لا يثبت من ذلك شيء(2)
__________
(1) 1 أخرجه البخاري (1059) ومسم (912) عن أبي موسى ا فيه : (هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته , ولكن يخوف الله به عباده , فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعاءه واستغفاره) , وكذلك عن عائشة كعند مسلم (901) , وعن ابن مسعود ا عند مسلم (911).
(2) 2 منها حديث ابن عباس في الصلاة عند الزلزال , أخرجه البيهقي (3/343) موقوفًا عليه , انظر ”تلخيص الحبير“ تحت الحديث (710)..(1/257)
, فتكفي التوبة إلى الله عز وجل، والتضرع إليه, أما الصلاة فيما دل عليه الدليل مثل الكسوف, وأما ما عدا ذلك, فكل بحسبه, القول بأن هذه حوادث طبيعية قول الزنادقة الذين لا يؤمنون بالله ولا برسله ولا بما دلت عليه الأدلة, فعلى هؤلاء أن يتوب إلى الله, وعلى المسلمين أن يحذروا هؤلاء الضلال ممن يقول حوادث طبيعية, والحياة حوادث طبيعية, والليل والنهار حوادث طبيعية, والأشجار حوادث طبيعية, والبحار حوادث طبيعية, قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ*وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:21 23], وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [صّ:27], قال سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاواتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ, مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ, إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ*يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الدخان:38 41], قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ*أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلون*أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ*أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ(1/258)
إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ*أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ, أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:59 64], كل هذا رد على هؤلاء الضلال الزائغين الذين يقولون هذه حوادث طبيعية, هذا القول يؤدي إلى الشرك بالله سبحانه وتعالى، وإلى تصرف شيء من المخلوقات في الكون مع الله أو من دون الله سبحانه وتعالى, قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هو وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وهو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:107], وقال تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أو أرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلون} [الزمر:38], هذا قول الزنادقة, قول يفضي إلى الشرك, احذروا أيها المسلمون من دعاة الضلال, احذروا من دعاة الفتنة الذين لبسوا عليكم دينكم, ما أحسن قول أبي قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء, فإني أخشى أن يغمسوكم في البدعة ويلبسوا عليكم أمر دينكم, قال تعالى: {يا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ*وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ(1/259)
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ*وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران:71 73], وهكذا شأن أهل الهوى يلبسون على المسلمين دينهم ويدخلونهم في الضلالات، والمتاهات، والشركيات، والبدع، والخرافات من حيث يعلمون أو لا يعلمون, الله، الله أيها المسلمون، بالالتزام بكتاب الله وسنة رسوله ص, وبالثقة بالله سبحانه وتعالى، وأنا لكم ناصح، قال تعالى: {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:9]، نريد أن ترجعوا إلى أهل السنة, وأن تحذروا دعاة الفتنة ممن هذا مقالهم وتلك فعالهم، {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118], {وَمَكْرُ أولئك هو يَبُورُ} [فاطر:10].
هل المصابون شهداء؟
السؤال الثالث: هل المصابون في تلك الحوادث يقال لهم شهداء، المصابون من الهدم والغرق ونحوهما؟
الجواب: المصابون في تلك البلاد طرائق قددا, ما هم كلهم شهداء, منهم من هو شهيد, فالهدم شهادة, في الصحيحين من حديث أبي هريرة ا أن النبي ص قال: «المطعون شهيد, وصاحب الهدم شهيد, والغرق شهيد, والمقتل في سبيل الله شهيد»(1), فمن كان من أهل الخير والاستقامة يرجى له الشهادة, ومن كان من أهل الباطل، والردى، والفساد حتى وإن تردى؛ فإنه ما زال في الردى, وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب ا، أنهم يوم خيبر أتى أناس من أصحاب
__________
(1) 1 أخرجه البخاري (652) ومسلم (1914).(1/260)
النبي ص فقالوا: فلان شهيد, وفلان شهيد, وفلان شهيد, حتى ذكروا رجلًا, فقال ص: «كلَّا، إنه في النار, في شملة غلَّها»، أو قال: «في خباءة غَلَّها»(1), فدل هذا على أن من يكون على كبيرة من هذه الكبائر ويموت، سواء مات بالهدم، أو بالتردي، أو بالغرق، أو مات حتى في صف الكافرين يقتله الكافرون وهو على هذا الحال لا يقال إنه شهيد بنص هذا الحديث, وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة ا: شهدنا خيبر، فقال رسول الله ص لرجل ممن معه يدعي الإسلام: «هو من أهل النار» فلما حضر القتال, قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة, فكاد بعض الناس يرتاب, فوجد الرجل ألم الجراحة, فأهو ى بيده إلى كنانته, فاستخرج منها أسهما, فنحر بها نفسه, فاشتد رجال من المسلمين فقالوا: يا رسول الله, صدق الله حديثك, انتحر فلان فقتل نفسه, فقال: «قم يا بلال, فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن, إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر»(2).
شاهدنا: أنه فاجر, ولو كان في ظاهره فيما رآه بعض الناس أنه يقاتل, صاحب الكبيرة فاجر, قاتل نفسه فاجر, وهو مستحق لو عيد الله ولعذاب الله, لا كما يقول بعض الجهال, ربما يقتل واحد تارك صلاة, ويقولون: شهيد, قافلة من قطاع الصلاة, قافلة من الاشتراكيين، ومن البعثيين، والديمقراطيين, وقالوا: شهيد, شهيد من توزيعكم, لا من كتاب الله, ولا سنة رسوله ص.
كيفية تجهيز الموتى الكثيرين
السؤال الرابع: كثر الموتى والجثث, فكيف تجهيزها, وكيف الصلاة عليها, ودفنها؟
الجواب: تجهيزهم كما يلي:
~ يُغسلون كغيرهم من الموتى، ومن وجدوا منه رأسه أو أكثر جسده يغسل، ومن خيف أن يتزلع جسمه، أو يتهرى لحمه من الغسل يصب عليه الماء صبًّا، أو يُيَمَّم.
__________
(1) 1 رقم (114) ومن حديث أبي هريرة ا عنده رقم (115).
(2) 2 أخرجه البخاري (4203) ومسلم (111).(1/261)
~ وإن استُطِيْعَ تكفين كل واحد في ثلاثة أثواب فهذا حسن، وإلا كفن في ثوب واحد ساتر، ولو من ثيابه النظيفة، فقد كفن أبو بكر في أحد أثوابه.
~ ويُجْمَعُ الموتى ولو كثروا من الرجال والنساء، ويقدم الرجال ثم يليهم النساء، ويصلى عليهم صلاة الجنازة.
~ وإن استُطِيْعَ دفن كل واحد في قبر وحده، وإلا دفن الاثنان والثلاثة من الرجال في قبر واحد، ومن علموه أكثر حفظًا للقرآن قدَّموه في اللحد.
دفن الرجال والنساء فى حفرة واحدة
السؤال الخامس: وكيف يتم دفنها, هل يجوز في حفرة واحدة من النساء والرجال؟
الجواب: هذا مسألة خلافية, وقد ثبت عن واثلة بن الأسقع، أنه قال أو أفتى بجواز دفن النساء والرجال عند الاضطرار، الأصل أن الإنسان يدفن بمفرده, والمرأة كذلك، أو الرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة، وإذا دفنت المرأة الأجنبية مع الرجل الأجنبي يجعل بينهما حاجزًا على ما أفتى به النووي, وكذلك أيضًا الشيرازي في ”المهذب“ وهو قول الإمام الشافعي، وهو قول قتادة كما في ”المغني.
المفقود
السؤال السادس: وكيف بالمفقود منها؟
الجواب: إن وجدوه صلوا عليه, وإن لم يجدوه كأن يكون ساكنًا في الحال
في هذا البيت, ثم غار ذلك البيت بما فيه, فيصلي عليه صلاة الغائب ما دام من المسلمين يصلى عليه، وما يتعلق بأحكامٍ للمفقود أخرى ذكرناها في رسالتنا ”توضيح الإشكال في أحكام اللقطة والضَّوَال“بما يغني عن إعادة ذلك هنا، وبالله التوفيق.
الدفن بالشيولات
السؤال السابع: إذا دفنت الجنائز بالشيولات، أو القلاب، ثم تقطعت بعض أجزاء الموتى بغير قصد, فهل ينطبق عليهم حديث: «كسر عظم الميت ككسره حيًّا»(1)؟
__________
(1) 1 أخرجه أبو داود (3207) وابن ماجه (1616) وغيرهما عن عائشة ب، وصححه الإمام الألباني في ”الإرواء“ (763).(1/262)
الجواب: لا يؤخذوا بالشيولات, وإن كانوا مئات الناس؛ فإن هذا يؤدي إلى تكسيرهم، والحديث المذكور يدل على تحريم كسر عظام الموتى، هذه إهانة للموتى، وقد حصل الطاعون في سنين ماضية وما كانوا يدفنونهم بما يكسر العظام، وكانوا يصبرون ويحفرون ويوسعون القبر ويدفنون بالاثنين أو الثلاثة، أما تكسيرهم بالشيولات, هذا لا يجوز للحديث المذكور، ما هم حطب، أين حرمة المسلم؟ «كل المسلم على المسلم حرام»(1)، «لايظلمه، ولا يخذله»(2)، وهذا من الظلم لهم، فالشيول
يحفر لهم عند المشقة، ويؤخذون برفق ويدفنون، وإن لم يوجد قريبه، فحق على بيت مال المسلمين أن يدفن الموتى، وما جعل بيت مال المسلمين إلا لمثل هذا الحال، وبالله التوفيق.
السكنى فى البلاد المدمرة
السؤال الثامن: هل يجوز لنا السكنى في تلك البلاد المدمرة بعد تلك الواقعة؟
الجواب: هل دمرت البلاد كلها؟
السائل: نعم.
__________
(1) 2 أخرجه مسم (1218) عن جابر ا.
(2) 3 أخرجه البخاري (2442)، ومسلم (2580) عن ابن عمر ب.(1/263)
فقال الشيخ: جاء من حديث ابن عمر ا ما أن النبي ص قال: «لا تدخ على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين؛ فإن لم تكون باكين فلا تدخل عليهم أن يصيبكم ما أصابهم»(1)، (ديار ثمود) ذكر البغوي : في ”شرح السنة“ عن الخطابي أنه قال: معناه أن الداخل في دار قوم أُهلكوا بخسف، أو عذاب إذا لم يكن باكيًا خوفًا من حلول العذاب به، فلا يأمن إذا كان كذلك أن يصيبه ما أصابهم، وأن ديار هؤلاء المعذبين لا تتخذ مسكنًا ووطنًا؛ لأنه لا يكون دهره باكيًا أبدًا، وقد نُهي أن لا يدخلها إلا هكذا، وما تعلق بممتنع فهو ممتنع، وكما فعل النبي ص حين مر بذلك الوادي، وادي محسّر، مر بهم وهو مسرع، وهذا والله عز وجل يقول: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45] حصلت في أزمنة ماضية الزلازل، ولاسيما في العراق الزلازل أكثر كما في الحديث: «منه الزلازل والفتن ومنه يطلع قرن الشيطان»، ولو قرأت ”البداية والنهاية“ ترى أنه يقول: في زمن كذا حصل زلزال، هلك كذا وكذا، فمن كان من أهل تلك البلد ويشق عليه الانتقال منها فيبقى فيها، ويتوب إلى الله،
ويصبر كما لم ينتقل أولئك الذين كانوا بالعراق، ومن كان من غير أهل هذا البلد فلا يقدم عليها؛ لحديث: «إذا وقع الطاعون بأرض فلا تقدم عليها، وإن كنتم فيها فلا تخرجوا فرارًا منها», وهذا يقاس عليه، وكذلك أيضا قول عمر لما حصلت زلزلة في المدينة، قال: أحدثتم والله, لئن حصلت زلزلة لأخرجن من بين أظهركم. هذا ثابت في ”التمهيد“ لابن عبد البر، فعلى هذا في حال الزلزلة لا يأتي إليها أحدٌ، وإذا زالت وصارت كديار ثمود فلا يسكنها أحدٌ، وإن لم تدمر وإنما حصلت زلزلة، فمات بعضٌ وبقي بعضٌ، فلا بأس بسكناها بعد ذلك، والله أعلم.
الانتفاع بالأمتعة المطروحة
__________
(1) 4 أخرجه البخاري (433)، ومسلم (2980) عن ابن عمر ب.(1/264)
السؤال التاسع: هل يجوز لنا الانتفاع ببعض الأمتعة المطروحة ولم يعلم صاحبها أو يعلم صاحبها ولكنه قد مات ولم يترك ورثة, لأننا لو تركناها فسدت أو ضاعت من غير فائدة؟
الجواب: ثبت أن النبي ? قال: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه»(1)، وتلك الأمتعة المطروحة قد يكون صاحبها في مستشفى من المستشفيات ما تعلمه أنت، أو ربما شفاه الله وبعد حين يأتي إلى متاعه وقد أُخذ, وقد يكون له ورثة ما تعلمهم أنت وهم أحق بذلك, قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أو كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء:7]، من ديار أو غيرها له حق فيه وإن لم تعلمه أنت، فدع هذا واجتنبه ولا تأخذه، وينبغي إن لم يوجد له أحد أن يجعل عند أولياء الأمور في مكان معلوم يكتب عليه أن هذا مال من مكان كذا وكذا، وكل من أتى بشيء أتوا به وجعلوا عليه ما يعلم أنه من قرية كذا وكذا، من بيت كذا وكذا، من جوار كذا،
وكذا، إن جاء أحد وإلا فبيت المال ممكن يستوعب ذلك، ويصرفه بعد حين على نيات أصحابه، هذا الذي يظهر في هذه المسألة، أما كل من جاء غرف له هذا لعب بأموال المسلمين و: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».
الأرض الموات
السؤال العاشر: هل الأرض التي لا سكنى فيها بعد هذه المصيبة تعتبر مواتًا؟
__________
(1) 2 من حديث من جماعة من الصحابة , وصححه الإمام الألباني في ”الإرواء“ رقم 1459.(1/265)
الجواب: في هذا, ولا يعلم حق أحد, فهل يأخذ ولي الأمر ذلك إذا لم يعلم؟ نعم, ممكن أن يأخذ ذلك ويستغلَّه للمصالح العامة، ومن أتى ببصيرة أو برهان على حقه أعطاه، ومن لم يأتِ ببرهان على حقه ورأى أنه محتاج أقطع له، وإن كان في ديار عامة المسلمين، فلا يقطع له على الإطلاق سواء من شارع عام، أو من حِمَى عام، أو غير ذلك كما أبان ذلك السيوطي في رسالة ”الإقطاع في الشارع“, رسالة مستقلة في هذا الصدد، وإنما إذا كان لا يدري من صاحب هذا المال يقطع له للانتفاع به، فإذا علم صاحبه عاد المال إلى صاحبه الأصلي، هذا هو الذي يظهر لي في هذه المسألة، وتراجع رسالة السيوطي وهكذا مبحث الماوردي في ”الحاوي“، وهو مبحث واسع ينبغي أن يلخص، والحمد لله.
أرض ليست لها بينة
السؤال الحادي عشر: الحكومة قد أخذت جميع الأراضي التي لم تكن لها بينة أو وثائق, فكيف موقفنا إذا أيقنَّا على أن هذه الأرض لنا, وليست هناك وثيقة بسب هذه المصيبة؟
الجواب: يقول تعالى: {لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: من الآية279], والنبي ص يقول: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه»(1)، إذا أتى ببرهان فبها
ونعمت, وإن لم يأت ببرهان يجتهد ولي الأمر، أما يظلم الناس وتؤخذ حقوقهم، وهم قد ذهبت بصائرهم؛ بل ذهبت أرواح أهاليهم؛ بل ذهب ما في بيوتهم ودورهم يخسف باليت كاملا, ثم يرجع إلى أرضه يقال له: ما لك شيء. لا يظلم, فمن علم أنهم من قرية كذا وكذا يجتهد ولي الأمر في إعطائهم حقوقهم بالقرائن والبينة، أو الأيمان، ثم يعطيه، ومتى ظهر لتلك الأرض مطالب آخر غير هذا فليبرز دليله.
الميت إذا لم يعرف أمسلم هو أم كافر؟
__________
(1) 1 صحيح , جاءت من جماعة من الصحابة , منهم عم أبي حرة الرقاشي، وأبو حميد الساعدي، وعمروبن يثربي , وعبد الله بن عباس ي، وصححه الألباني في ”الإرواء“ (1459).(1/266)
السؤال الثاني عشر: ماذا نصنع إذا وجدنا ميتا في مكان ما وقد انتن أو بعض عظامه، ولم نعلم أكافرٌ هو أم مسلمٌ؟
الجواب: في هذا البلد الذي فيه خليط من المشركين والكافرين, موتى لا يدرى مسلم هو أم كافر، في مثل هذا نص بعض أهل العلم أنه يصلى على الأخلاط في بلاد المسلمين بنية الصلاة على المسلمين: «إنما الأعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى»(1)وأنت ترى دعاء صلاة الجنازة: «اللهم اغفر لحينا»، أي: لحي المسلمين «وميتنا»، أي: ميت المسلمين «وصغيرنا، وكبيرنا، وذكرنا، وأنثانا»(2)، وفي حديث آخر: «اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان»(3)،
__________
(1) 1 متفق عليه عن عمر بن الخطاب ا.
(2) 2 أخرجه أبو داود (3201)، والترمذي (1024)، والنسائي في ”عمل اليوم والليلة“ (1088) عن أبي هريرة ا، وصححه الإمام الألباني في ”الجنائز“ (124)، وكذلك شيخنا يحيى في بعض دروسه.(1/267)
فالضمائر كلها عائدة إلى المسلمين، ولا يدخل في ذلك الصلاة على الكافرين، وينوي أيضا مع هذا الصلاة على المسلمين، فلا بأس إذا شك أ مسلمون هم أو كفار؟ لا يترك الصلاة عليهم جميعًا, وينوي الصلاة على المسلمين ويدفنونهم، وإن كانوا أخلاطًا لا تشمل الصلاة على الكافرين, ولا يدخل تحت قول الله عز وجل: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه} [التوبة: من الآية84]؛ لأن الصلاة فيها مشتركة بين النية كما ترى في الألفاظ والضمائر وهذا ما نوى على الكافر لمثل هذا الحال, وإنما نوى الصلاة على المسلم. نص على ذلك بعض أهل العلم. هذا وإن لم يجد من الميت إلا بعض أجزائه. فإن وجد الرأس صلى عليه, «الصورة الرأس»(1)، ولحديث: «وأمر برأس التمثال أن يقطع حتى يكون كهيئة الشجرة»، وإن وجد أكثر أجزاء الجسم صلى عليها، أما إن وجد بعض الأضلاع مثل قطعة من اليد, قطعة من الرجل, قطعة من كذا فلا يصلى عليها.
تصوير وجوه الموتى
السؤال الثالث عشر: هل يجوز تصوير وجوه الموتى ثم نعلقها في أماكن شتى ليعرف أهلها أين يبحث عنها؟
الجواب: ما يجوز تصوير ذوات الأرواح, «الصورة الرأس», فإذا قطع الرأس فلا صورة، «وإن كان لابد فالشجر، وما لا روح فيه»(2)، أما أن يصور رأس الإنسان، أو غيره من الحيوان، فهذا واقع في المحظور، وسواء وجد أو لم يوجد، يأمر الله يوم القيامة كل من مات أن يجتمع، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهودٌ*وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ
__________
(1) 3 الحديث موقوف على ابن عباس كما أبان ذلك شيخنا الوادعي في رسالة ”تحريم الصور“.
(2) 1 متفق عليه عن ابن عباس كما تقدم.(1/268)
مَعْدُودٍ} [هود:103 104]، الأولون والآخرون يجتمعون، ما فاتك في الدنيا، تجده في الآخرة إن شاء الله، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21].
تصوير الأبنية
السؤال الرابع عشر: هل يجوز تصوير الأبنية المهدمة ليكون عبرة وقد فعل هذا القطبيون وباعوها؟
الجواب: إذا صوروا جدارًا مهدمًا ما فيه شيء من ذوات الأرواح يجوز ذلك، لحديث: «وإن كان لابد فالشجر، وما لا روح فيه»، أما الحزبيون يا أخي, ما يتحرون في هذا، فهم يصورون ذوات الأرواح، ولا يبالون بالمناهي الشرعية في ذلك، المهم عندهم يحصلون على الأموال، وكذلك أيضا أصحاب الجرائد الصحفيون, عُبَّادُ البطون يا إخوان، «تعس عبد الدينار, تعس عبد الدرهم, تعس عبد الخميصة»(1)، نعم, قال النبي ص: «إن مما أخاف عليكم من بعضي بطونكم وفروجكم ومضلات الأهواء».
حكم أخذ المساعدة من الكفار والحزبيين
السؤال الخامس عشر: جاء الكفار والحزبيون للمساعدة على المصابين ما حكم أخذ مساعدتهم؟ وهل هناك فرق في مساعدة أهل الكتاب وغيرهم؟
الجواب: مساعدة الكفار مِنَّة يمنون بها على المسلمين، أو لشيء مقابل دينهم، ولا يجوز قبول مساعدة الكفار على حساب الدين، وكما قيل:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
__________
(1) 1 أخرجه البخاري (2887) عن أبي هريرة ا.(1/269)
قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جميعًا} [فاطر: من الآية10]، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: من الآية8], «اليد العليى خير من اليد السفلى»(1)، لا كفالات الأيتام، ولا ضمانات العاجزين، ولا حقوق الإنسان، لسنا بحاجة إليهم, لسنا بحاجة إليهم. والله, إن المسلمين في عزة وفي نعمة لو اعتزوا بالله سبحانه وتعالى بما عندهم من الدين والعفة؛ فإن أعطوا بغير مقابل ولا تنازل ديني ولا مودة لهم, وقبلها بعض المسلمين أو أعطوا بعض الأيتام أو المكاسير، أو بعض من عندهم من هذه الحالات التي قدر الله عليهم, قال النبي ص: «ما أُعْطِيْتَ من هذا، فخذه، وتموله بغير استشراف، ولا تطلع؛ فإن شئت أكلت، وإن شئت تصدق به»(2)، وقد قبل النبي ? هدية المشرك حين دُعيَ إلى ذلك الطعام، فأكل منه، وكان مسمومًا كما في الصحيح، وقد ثبت حديث: «اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عن من سواك»(3), وحديث «ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله, وما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر»(4).
حكم الصلاة على جنازة مبهمة
السؤال السادس عشر: هل يُصَلَّى على جنازة مبهمة؟
__________
(1) 3 أخرجه البخاري (1429) ومسلم (1033) عن ابن عمر ب.
(2) 1 أخرجه البخاري (1473) ومسلم (1045) عن عمر ا.
(3) 2 أخرجه الترمذي (3558) وأحمد(1/154) عن أبي وائل قال: أتى عليًّا رجلٌ فقال: يا أمير المؤمنين, إني عجزت أن مكاتبتي فأعني. فقال علي ا : ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله ص لو كان عليك مثل جبل صير دنانير لأداه الله عنك؟ قلت : بلى قال: قل (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عن من سواك). حسنه الإمام الألباني في ”الصحيحة“ (266).
(4) 3 أخرجه البخاري (1469) ومسلم (1053) عن أبي سعيد الخدري ا.(1/270)
الجواب: إذا كان هناك علامة أنه كافر, كأن يكون غير مختون لا يصلون عليه، هذا إذا لم يتميز بعضهم عن بعض، وقد نظروا على عطية القرظي، ورأو ه لم ينبت فتركوه لم يقتلوه، النظر في مثل هذا الحال لا بأس به، ينظر بعض الناس, فمن وجدوه مختونًا ووجدوا عليه علامات الإسلام, يصلون عليه، وقد يكون أيضًا من الحلولية، والحلولية كفار من غلاة الصوفية, أو ما إلى ذلك ممن ارتد من الزنادقة وقد اختتن وارتد، ومثل هذا إذا اجتهد المسلمون وصلوا عليه باعتبار أنه في بلادٍ الأصل فيها الإسلام، وعليه علامة الإسلام، وهو إن كان مسلمًا نفعته شفاعتهم ودعاؤهم، وإن كان غير مسلم لم تنفعه، ولا إثم عليهم في الصلاة عليه؛ لأنهم مجتهدون في ذلك، ويؤجرون على اجتهادهم، وكذلك يجتهدون في أمر دفنه بين المسلمين، ولا ينبغي لكافر أن يدفن في مقابر المسلمين.
حكم أخذ المساعدين المساعدة
السؤال السابع عشر: جاء المساعدون من خارج هذا البلد, هل يجوز لهم أن يأخذوا بعض الحاجات من هذه المساعدة التي أعدت للمصابين؟
الجواب: هم جاءوا يساعدون أم جاءوا يلقطون؟ وإن جاءوا يساعدون يساعدوا يصبروا ويحتسبوا هذا يسمى المحتسب، وإن جاءوا عمالًا يأخذون مقابل
أعمالهم فقط, ولا يأتون نهابين، كلما وجدوا شيئًا انتهبوه، هذا ما يجوز, «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه», إن كان هناك مساعدة جاءت من منكوبين فليس لهؤلاء الناس حق. ويعطون لمقابل أجرتهم ممن احتسب ذلك أومن أو لياء الأمور، والله المستعان.
حكم أكل السمك الذى يأكل الإنسان
السؤال الثامن عشر: ما حكم أكل السمك الذي يأكل الإنسان، ووجد في بطنه عضو من أعضاء الإنسان؟(1/271)
الجواب: قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: من الآية96], «هو الطهور ماءه الحل ميتته»(1)سبق، وهو حديث صحيح عن أي هريرة ا، وإذا كان كذلك فيجوز أكل السمك ولو كان ميتًا في البحر، ولا يؤكل ذلك العضو الذي فيه؛ لقوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: من الآية12] ما وجد من لحم الإنسان، أو عظم الإنسان تجنب, وأما السمك فيجوز أكله، ومثل هذا كمثل الجلالة، إذا استطيع حبسه في ماء مدةً، ويعطى من غير ذلك المأكول، فأمر طيب، وإلا أُكِلَ وتُجُنِّبَ ما عُلِم أنه من الإنسان، وبالله التوفيق.
إقامة المؤسسة والجمعيات للمنكوبين
السؤال التاسع عشر: أراد بعض السلفيين أن يقيموا مؤسسة أو جمعية لرعاية الأيتام أو ذووا الحاجة، هل لهم ذلك؟
__________
(1) 1 أخرجه: مالك (1/22)، والشافعي (1/16)، وأحمد (2/361)، وأبو داود (83)، وغيرهم عن أبي هريرة ا، وصححه البخاري، وابن عبد البر، وابن مندة، وابن المنذر، والبغوي، وغيرهم انظر ”التلخيص“ (1/12)، وقال ابن عبد البر: هذا إسناد وإن لم يخرجه أصحاب الصحاح؛ فإن فقهاء الأمصار وجماعة من أهل الحديث متفقون على أن ماء البحر طهور, بل هو أصل عندهم في طهارة المياه الغالبة على النجاسات المستهلكة لها. وهذا يدلك على أنه حديث صحيح المعنى, يتلقى بالقبول والعمل الذي هو أقوى من الإسناد المنفرد، ”الاستذكار“ رقم 1569)، وصححه الإمام الألباني في ”الصحيحة“ رقم (480).(1/272)
الجواب: من كان يستطيع أن يساعد هؤلاء المنكوبين فجزاه الله خيرا من أيتام وأرامل، ومكاسير، وجياع، وما إلى ذلك ممن قد قدر الله عليهم بهذا المقدور، ويدعى أيضا للمسلمين المتوفين بالرحمة، قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} [محمد: من الآية19]، وقال: {الَّذِينَ يَحْمِلون الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَأبوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ, رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ, وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9]، يقول الله سبحانه وتعالى عن نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح:28]، وفي الصحيحين: «أولئكِ شِرَارُ الخلق عند الله», ويقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أولئك هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6], فلا يجوز استغفار المطلق كما سمعنا من بعض الناس إذا حصل في بلد من البلدان فيهم الكافر، وفيهم المسلم، وفيهم الكافر والمنافق, قالوا: اللهم اغفر للمنكوبين, هذا غلط، وأيضًا لا نحتاج إلى إقامة جمعية لمساعدتهم.
خروج السكان من البلاد(1/273)
السؤال العشرون: طلبت الحكومة من ساكني ذلك البلد أن لا يخرجوا منها حتى تعود الحال إلى ما كان عليها، ولكن بعضهم أبوا إلا الخروج, فما كان عليهم؟
الجواب: تقدم الجواب على هذا.
نصيحة لطالب العلم الذي أصيب بعض أهله
السؤال الحادي والعشرون: توفي والد بعض طلبة العلم ولم يبق معه إلا أخ له وقد بلغ الحلم وهو الآن يدرس في الجامعة، وطلب هذا الأخ أخاه ليرجع إليه، وقال: إن لي عليك حقًّا، وقد اتفق معه أعمامه في ذلك، فهل لذلك الطالب أن يلبي طلبهم؟
الجواب: إذا كان لمجرد الزيارة يزورهم ولا يتلف وقته في ضياع الأوقات، ولا فيما لا يعود عليه بكبير نفع؛ فله أن يزورهم، يواسيهم بزيارة ثم يعود إن كان يستطيع العود، وإن كان يشك أنه يشق عليه العود؛ فليبق، وليصبر، وليراسلهم، ويتصل لهم يعزيهم؛ فإن النبي ص لما أرسلت إليه ابنته: إن ابني قد احتضر فاشهدنا، أرسل إليها يقرأ السلام، ويقول: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب»، فألحَّتْ عليه, فقام هو وقام بعض الصحابة حتى أتوا إليها، من حديث أسامة في الصحيحين.(1)
السؤال الثاني والعشرون: ما نصيحتكم لسكان بلادنا خصوصا لمن أصيب بهذه المصيبة وكذلك طلاب العلم هاهنا الذي أصيب بعض أهاليهم، وجزاكم الله خيرًا؟
__________
(1) 1 أخرجه البخاري (1284) ومسلم (923) عن أسامة بن زيد ب.(1/274)
الجواب: عليهم بالصبر، وسبق ذكر بعض الأدلة، يعني فيما يتعلق بالمصائب، ومنها قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: من الآية10]، ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِيْنَ الَّذِيْنَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُصِيْبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أولئك عَلَيْهِمْ صَلواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأولئك هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:157], وقال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[الشورى:43]، وفي الصحيح: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير, إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن»(1)، أخرجه مسلم من حديث صهيب. وحديث أبي هريرة عند الإمام البخاري عن النبي ص فيما يروي عن ربه: «ما جزاء عبدي إذا قبضت صفيه في الدنيا ثم احتسب إلا الجنة»(2), وفي حديث أنس نحو ذلك: «من أخذت حبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة»(3), كلاهما قدسي، المقصود بحبيبتيه: عيناه. فإذا أخذ قريبًا له فمن باب الأولى، وهكذا «إذا قبضت عبدي ولده فصبر، قال الله عز وجل: ابنوا لعبدي بيتا وسموه بيت الحمد»(4), ولما مات عبد الله بن عبد
__________
(1) 1 أخرجه مسلم (2999) عن صهيب بن سنان الرومي ا.
(2) 2 أخرجه البخاري (6424) عن أبي هريرة ا.
(3) 1 أخرجه البخاري (5653) عن أنس ا.
(4) 2 أخرجه الترمذي (1021) وحسنه , عن أبي موسى ا، وقال الإمام الألباني رحمه الله : فالحديث بمجموع طرقه حسن على أقل الأحوال. ”الصحيحة“ رقم 1408).(1/275)
الأسد أبو سلمة، قال النبي ص أمرها أم سلمة أن تقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون الله، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها»(1), فأخلف الله لها خيرًا لها في ولدها، وفي نفسها، وفي دينها، وكانت زوجة لرسول الله ص، وما يضيع الله سبحانه وتعالى من كان من أهل الاستقامة, قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أبو هُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: من الآية82]، كذا قال الله سبحانه وتعالى، فقد يحفظ الله ذرية إنسان بصلاح والده. فعلينا وعليكم بتقوى الله سبحانه وتعالى، واحذروا البدع والخرافات, وتمسكوا بكتاب الله وبسنة رسوله ص، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ*إِنَّ الَّذِينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ*نَحْنُ أولِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ*نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 32].
وإلى هنا، والحمد لله رب العالمين.
الأسئلة النسائية
حكم سفر مجموعة من النساء من غير محرم
السؤال: هل يجوز أن تسافر المرأة مع نساء أُخَر بغير محرم؟ وما الرد على من أجاز ذلك؟
__________
(1) 3 أخرجه مسلم (918) عن أم سلمة ك.(1/276)
الجواب: الذي يقول بجواز ذلك مخطئ, ويُرَد عليه بقول النبي ص: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم»(1)، جاء عن أبي هريرة(2), وأبي سعيد(3), وابن عباس(4)ي، وغيرهم من أصحاب النبي ص, ذكرنا بعض ذلك في ”ضياء السالكين“(5), هذه الفتوى باطلة، الأدلة تردها وقد نقل القاضي عياض الاتفاق على تحريم سفر المرأة بغير محرم، والخلاف في سفرها بغير محرم إلى الحج والعمرة الواجبان، وعدم الخلاف في شرعية سفرها بغير محرم للهجرة كما في ”الإعلام شرح عمدة الأحكام“ لابن الملقن, قال تعالى:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُون} [الجاثية: من الآية6], وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: من الآية21], وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: من الآية63]، لا يجوز لامرأة تؤمن باله واليوم الآخر, هل الكافرة لها ذلك من مفهوم الحديث؟ الكافرة إذا سافرت بغير محرم تأثم على كفرها، وتأثم على سفرها بغير محرم؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {مَا
سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ*قالوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ*وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر:42-44], فعذبوا على كفرهم وعلى ترك الصلاة، ولقوله سبحانه وتعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاة} [فصلت: من الآية6 7], عذبوا على شركهم، وعذبوا على ترك الزكاة، نعم, فالكفار مخاطبون بالإسلام، ومخاطبون بفروع الإسلام على حد تعبير من يقول ذلك، وهذا قول الجمهور من أهل العلم، قال العمريطي رحمة الله عليه:
__________
(1) 1 يأتي من كلام الشيخ بعده.
(2) 2 أخرجه البخاري (1088) ومسلم تحت الحديث (1339).
(3) 3 أخرجه مسلم (1340).
(4) 4 أخرجه البخاري (3006) ومسلم (1341).
(5) 5 ص (215-222).(1/277)
المؤمنون في خطاب الله ... قد دخلوا إلا الصبي والساهي
وذوالجنون كلهم لم يدخلوا ... والكافرون في الخطاب دخلوا
في سائر الفروع للشريعة ... وفي الذي بدونه ممنوعة
أما إن تابت يغفر الله لها كما في حديث عمرو بن العاص: «الإسلام يهدم ما قبله»، في صحيح مسلم.(1)الشاهد أن هذه الفتوى باطلة, وربما يستدلون بحديث الظعينة التي تذهب من صنعاء إلي حضرموت لا تخاف إلا الله، وما يدريك أنها مسلمة أو كافرة أو أنه مجرد خبر لا إقرار من النبي ص. والأوامر والنواهي جاءت في سائر السنة في النهي عن ذلك، نسأل الله الثبات للمسلمين.
الأسئلة الأرومية
حكم ركوب النساء دراجة نارية وقيادة السيارة
السؤال: ما حكم ركوب النساء الدراجة النارية وكذلك قيادة السيارة وحدها، ومعلوم أن جسمها معرض لهبوب الريح حين ركوبها، وجزاكم الله خيرًا؟
__________
(1) 1 برقم (121).(1/278)
الجواب: صحيح أنها تعترضها في أثناء سواقتها للسيارة إما بعض الحوادث وتكون معرضةً لأهل المرور، كذلك قد يحصل منها سوء التصرف من حيث أن النساء كما قال النبي ? «ناقصات عقل»(1)، فربما ترتبك إذا رأت حادثًا، أو حصل اصطدام فتسبب الحوادث وتضر بالمسلمين، وأمور أخرى في مفاسد قيادة المرأة للسيارة، وحتى للدراجة النارية وهي أشر من حيث الهيئة التي يركب فيها ما هي هيئة طيبة على الدراجة؛ فعلى هذا ننصح بالبعد عن ذلك، أيضًا تفضى بها إلى أنها تخرج إلى أماكن بعيدة، والمرأة ينبغي أن تكون في إطار بيتها وكذلك وأن لا تتبرج تبرج الجاهلية الأولى وأن لا تخرج إلا مع محرم، وإذا خرجت بغير محرم فلربما تؤدي إلى سفر، وهي تظن ما هو سفر بحسب سرعة السيارة وتسافر بغير محرم والرسول ? يقول: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تسافر إلا مع ذي محرم»(2)مثلًا السفر في بلاد الغرب من برمنجهام إلى لندن، رأينا النساء المسلمات يسقن السيارة من هذه المسافة الكاملة إلى هذا المكان بمفردها، وهي تقود السيارة
وهو سفر، فالبعد عن هذا لازم.
الأسئلة السلفية الإندونيسية (26 جمادى الثانية 1424هـ)
ركوب السيارات مع العاريات للضرورة
السؤال: هل يجوز ركوب السيارات التي فيها نساء عاريات، علمًا بأنه لا توجد إلا تلك السيارة؟
__________
(1) جاء من حديث عبد الله بن عمر ب أخرجه مسلم ( 79 ).
(2) من حديث ابن عمر ب أخرجه البخاري ( 1086 )، ومسلم ( 1338 ) بلفظ له وجاء أيضًا من حديث أبي هريرة ا رواه البخاري ( 1088 )، ومسلم ( 1339/421 )، وفي الباب عن عدد من الصحابة.(1/279)
الجواب: لا يجوز؛ لأنه يعرض نفسه لمرض قلبه, لا يدري أنه يصل إلا وقد فسد، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا, وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 3], يركب بين العاريات من أمامه عارية ومن وراءه عارية، وعن يمينه عارية وعن شماله عارية، النبي ص يقول: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب»(1)؛ لأن يبقى أيامًا ينتظر السيارة أهون له وخير له وأتقى له عند الله سبحانه وتعالى من أن يعرض نفسه لفساد تلك المضغة، إلا عند حالة يخاف على نفسه فيها من حصول ما لا يتحمله إذا بقي ينتظر سيارة أخرى؛ فله أن يركب وهو كاره، ويغض بصره، وبالله التوفيق.
رحلة النساء لإلقاء المحاضرة أو التدريس
السؤال: إذا دعيت المرأة لإلقاء محاضرة للنساء أو تدريسهن في مدارس غير مختلطة في أماكن شتى وقد يكون ذلك المكان قريبًا وقد يكون بعيدًا، فهل لها ذلك، وجزاكم الله خيرًا؟
__________
(1) 2 أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599) عن النعمان بن بشير ب.(1/280)
الجواب: الرحلة بغير محرم أو مع محرم إلى بلدة كذا للدعوة إلى الله وجاءت الشيخة، وذهبت الشيخة إلى آخره، هذا ما كان موجودًا عند السلف، الرحلات من النساء على هذا المنوال، وأما إذا خرجت زيارة وألقت للنساء نصيحة، أو خرجت حجًّا، أو عمرة وقامت بدعوة للنساء فجزاهن الله خيرًا، أو ذهبت للعلاج وقامت بالدعوة أمر طيب، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]، لكن توسع بعض النساء، تراها تسوق سيارتها أو تأخذ لها بعض المحارم من مكان إلى مكان للدعوة، وهذا أمر ينبغي البعد عنه، وذلك أن النبي ? قال: «هذه ثم ظهور الحصر»(1)، أي: قال لأزواجه: هذه الحجة تكفيكن، ثم الزمن ظهور الحصر في بيوتكن كما قال الله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [النور:33]، أمر طيب أن تبقى في بيتها، وتدعو من أتى إليها من النساء والمحارم، وبالله التوفيق.
الأسئلة الإندونيسية ليلة الأحد (2 رمضان 1424هـ)
الدروس في الخياطة والطباخة للنساء
السؤال: تعلم النساء الطباخة والتزين والزينة والخياطة والصناعة وإصلاح شؤون البيوت لأجل إدخال السرور لنفوس أزواجهن فهل هذا مشروع وكيف كانت نساء السلف في هذا الباب، وجزاكم الله خيرًا؟
__________
(1) من حديث أبي واقد الليثي أخرجه أبو داود (1722)، وأحمد (5/219) وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد (6/324)، وقد صححه الشيخ حفظه الله في ”ضياء السالكين“ (218 219).(1/281)
الجواب: ما هناك مانع إن يتعلمن الطباخة والغَزْلَ من أجل أن تصلح ثيابها وثياب زوجها وأولادها وما هناك مانع أن يتعلمن ما يختص بالنساء؛ فإن النبي ?: «سأل بريرة عن شأن عائشة، قالت: إنها تنام عن العجينة، وتأتي الداجن تأكله»(1)، مما يدل أن شأن النساء الطباخة، وأسماء بنت أبي بكر ك كانت تعلف الفرس لزوجها(2)تتعاون معه، ومن التعاون معه الطباخة وتغسيل الثياب وهذا على الصحيح واجب على المرأة أنها تتعاون مع زوجها وتخدمه فيما تستطيع عليه، وما لا مشقة عليها.. {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:34]، وفي الحديث: «إنهن عوان عندكم»(3)، {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]، لا بأس بذلك بقى أنه لا يعطي هذا فوق مستواه، وفوق حجمه، تدريس
الطباخة أرى فيه ضياعًا للأوقات، ولا تكونوا مثل أولئك الزراع حق المشاتل، فبعضهم يدرس عشرات السنين يتخرج مزارعًا، والمزارع يزرع الطماط، ويزرع البصل، يستطيع أن يزرعها العامي وكذلك أنتم، الطباخة، عامية تصلح الطعام والرز والحمد لله، ولا يحتاج إلى هذه التكلفات وضياع الأوقات فيها، الأمر مباح لكن لا ينبغي تضييع الأوقات فيه، وإذا كان من طريق المنظمات فلا يجوز لأنهم يدخلون في ذلك الدعوة إلى الفسق والدعوة إلى العهر، والدعوة إلى الفساد، فلا يجوز عن طريق تلك المنظمات، وبالله التوفيق.
حكم الرياضة البدنية للنساء
__________
(1) أخرجه البخاري برقم ( 2637 ) ومسلم : ( 2770 ).
(2) أخرجه البخاري : ( 5224 ).
(3) جاء من حديث أبي جرة القاشي عن عمه أخرجه أحمد ( 5/72 )، وفيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف ومن حديث عمرو بن الأحوص عند الترمذي (1163)، وفيه سليمان بن عمرو لين، وبالطريقين يرتقى إن شاء الله إلى الحسن، وقال الترمذي حديث حسن صحيح.(1/282)
السؤال: هل يجوز للنساء أن يتعلمن تدريب الجسم بالرياضة البدنية المأخوذ من الغرب لحفظ حسنها وجمالها لأن من أجازها يستدل بما فعل به النبي ? أنه كان يسابق عائشة ك في بعض أسفاره، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب: ما هناك مانع للمرأة غير الحامل لأن الحامل ربما تسقط ولدها وتصير آثمة، أما غير الحامل فلا بأس لها أن تتريض بما لا يخل بالحشمة، وبما لا تشبه فيه بالكوافر، وهي لا ترمل الرمل في الثلاثة الأشواط من الطواف القدوم؛ لأنها عورة، ولأنها كما قال النبي ?: «إذا خرجت المرأة استشرفها الشيطان»(1)، كذلك أيضًا إذا كانت بين الرجال ولو لم تَجْرِ وإذا كانت بين الرجال لا تتريض، و لا تبرز العضلات؛ لأنها عورة ومن أجل ذلك؛ فإنها تحرم بثيابها إلا ما خصه الدليل فبهذا القيد يجوز لها أن تتريض في بيتها ومع زوجها، أو مع نساء مثلها بما هو في حدود الشرع.
الأسئلة الإندونيسية (26 من جمادي الثانية 1424هـ)
تدريس النساء بغير حجاب
السؤال: ما نصيحتكم لمن يدعي أنه مستقيم، وهو يدرس النساء بغير حجاب ويقول: طالبات علم؟
__________
(1) جاء من حديث عبد الله بن مسعود ا أخرجه الترمذي ( 1/219 220 )، وقال : حديث حسن غريب رقم ( 273 )، والطبراني (3/64) من طريقين عن فتادة عن مورق عن ابن الأخوص عن ابن مسعود ا، وصححه الألباني في ”الأرواء“ (1/303).(1/283)
الجواب: هو مريض, وليس بمستقيم، نصيحتي له أن يتوب إلى اله سبحانه وتعالى، ومن الأدلة على تحريم ذلك قوله ص: «إياكم والدخول على النساء»(1), وقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْألوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: من الآية53], هذا مريض ينبغي أن يحذر منه ولا يغشكم: أنه سلفي، وهو يختلط بالنساء ويمتع نظره كأنه من دعاة الإخوان المسلمين المفتنين، إلا إذا كان مُلبسًا عليه يدعي بالرفق؛ فإن أبى واستمر وما زال متماديا في خطئه يحذر منه.
الأسئلةالأرومية
عقد الرجل بأخته بغير إذن أبيه
السؤال: هل يجوز للرجل أن ينكح أخته لرجل آخر بغير إذن أبيه وهما في بلد واحد والمسافة ينهما نصف يوم؟
الجواب: العقد باطل إن عقد بها وأبوها حيٌّ ولم يأذن, إلا إذا وَكَّلَهُ، أو أذن له أبوها, أما إن كان الوالد حيًّا مسلمًا، وهو يعقد بأخته؛ فباطل لحديث أبي موسى
الذي تقدم ذكره، أن النبي ص قال: «القاضي ولي من لا ولي له»(2), والولي الأعلى هو أبوها إلا إذا كان كافرًا أبوها, قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: من الآية 141].
بيان تعدد الزوجات
السؤال: نرجو منكم البيان باختصار حول الأحكام المتعلقة بتعدد الزوجات وباليتامى، علمًا أن الذين استشهدوا تركوا أزواجهم وأولادهم يحتاجون إلى الرعاية والتربية؟
__________
(1) 4 أخرجه البخاري (5252)، ومسلم (2173) عن عقبة بن عامر ا.
(2) 1 أخرجه أبو داود (6/ص98)، والترمذي (4/ص227)، وابن ماجه (1/605) عن عائشة ك قالت: قال رسول الله ص : «أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل» ثلاث مرات ؛ فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها؛ فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له», صححه الإمام الوادعي في ”الجامع الصحيح“ (3/ص64).(1/284)
الجواب: يقول الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: من الآية3] إلى قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولوا} [النساء: من الآية3], ومعنى قوله تعالى: {أَلَّا تَعُوْلُوْا} ألا تجوروا، وليس المقصود: ألا يكثر عيالكم، كما يقول أصحاب تحديد النسل أصحاب تلك الفكرة الخبيثة، فالعول يأتي بمعنى جار في أحد معانيه، قال ابن عباس: خير هذه الأمة أكثرها نساء، يعني: رسول الله ?، وقال ص: «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم»(1), والمسألة فيها أدلة قاضية بشرعية ذلك يعرفها المسلمون(2)،
__________
(1) 2 أخرجه أو داود (6/ص47) عن معقل بن يسار ا، وصححه الإمام الوادعي في ”الجامع الصحيح“ (3/ص79).
(2) 4 قال المعلق: وقد طعن المستشرقون في رسول الله ص لكثرة نسائه، وذلك لجهلهم بالحكمة البالغة من رب العالمين ولقلة فهمهم السياسة الشرعية الكاملة في ذلك مع أنهم يتباهون بما عندهم من العلم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره ص من النساء عشرة أوجه تقدمت الإشارة إلى بعضها.
أحدها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك. ثانيها: لتتشرف قبائل العرب بمصاهرته.
ثالثها: للزيادة في تألفهم لذلك.
رابعها: للزيادة في التكليف حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ. خامسها: لتكثير عشيرته من جهة نساءه فتزاد أعوانه على من يحاربه.
سادسها: نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال, لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.
سابعها: الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوج أم حبيبة وأبو ها إذ ذاك يعاديه , وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها, فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن.
ثامنها: ما تقدم مبسوطا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل في المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال, وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه ص.
تاسعها وعاشرها: ما تقدم نقله عن صاحب ”الشفاء“ من تحصينهن والقيام بحقوقهن, والله أعلم ”الفتح“ (9/144 145).(1/285)
وأما مسألة اليتامى، فالنبي ص
يقول: «من عال على يتيم كنت أنا وهو في الجنة كهاتين»(1), وقال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلون أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلون فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلون سَعِيرًا} [النساء:10], فينبغي أن يرعى اليتيم ولا يؤكل ماله, ويحسن إليه، وقد ألَّف في أحكام اليتيم أخونا أبو الدحداح الحجوري جزاه الله خيرًا.
امرأة تتهم زوجها بأنه سب الله فأنكر تلك التهمة
السؤال: رجلٌ يسب الله ورسوله فاشتكت امرأته إلى أهلها فأنكر هو ذلك, وكذلك هولا يصلي، فماذا تفعل، وهل يجوز لها البقاء عنده؟
__________
(1) 3 أخرجه البخاري (5304) عن سهل بن سعد ب مرفوعًا بلفظ: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا»، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما، وأخرجه أيضا مسلم (2983) عن أبي هريرة ا مرفوعًا بلفظ: «كافل اليتيم , له أو لغيره, أنا وهو كهاتين في الجنة» وأشار مالك راوي الحديث بالسبابة والوسطى.(1/286)
الجواب: قال النبي ص: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر»(1)؛ فإن أتت هذه المرأة ببينة على زوجها أنه يسب الله ورسوله، أو ما يصلي؛ فإنه يجب أن يفارق بينهما لأن ساب الله عز وجل ورسوله يعتبر كافرًا, قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ, لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: من الآية65-66], و قال تعال: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: من الآية22], وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: من الآية57], وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58], فكيف بمن يؤذي الله ورسوله ص, وقال تعالى:{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولون هو أذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [التوبة: من الآية61]؛ فإن ثبت أنه لا يصلي المكتوبة؛ فلا تبقى زوجته معه, قال ص: «العهد بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها، فقد كفر»(2), وكذا قال النبي ص: «بين الرجل، وبين الشرك،
__________
(1) 1 أخرجه البخاري (5442)، ومسلم (1711) عن ابن عباسب.
(2) 1 أخرجه الترمذي (2623)، والنسائي (1/231)، وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في ”الجامع الصحيح“ (2/81).(1/287)
والكفر: ترك الصلاة»(1), و:«المهر بما استحل من فرجها»(2), وإن لم يثبت ذلك ويحمل أنها أرادت أن تخلص منه فلها الفراق بالفسخ على ما ثبت من حديث ابن عباس م في صحيح البخاري أن امرأة ثابت بن قيس أتت إليه ص فقالت: يا رسول الله, لا أعيب على ثابت خلقا ولا دينا ولكن أكره الكفر في الإسلام، فقال ص: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم. فأمره بفراقها.(3)قال أهل العلم: الكفر هنا كفر العشير, فعلى هذا تطلب الفسخ إن كانت لا تريده أو تبغضه وترد عليه المهر؛ فإن قبل بعض المهر وفارق على ذلك فهو خلع, ورواية: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة»، قد أشار البخاري إلى أنه شَذَّ برفع ذلك أزهر بن جميل، والفائدة من معرفة ذلك أن الفراق مقابل المهر يعتبر فسخًا، وليس فيه عدة إلا استبراء الرحم بحيضة، أما على أنه طلاق؛ ففيه عدَّة الطلاق.
الأسئلة الإماراتية
الحضانة
السؤال: من الأحق بحضانة الطفل بعد طلاق والدته؟
الجواب: هي أحق به ما لم تتزوج؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ص جاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله, هذا ولدي, وإن أباه يريد أن يأخذه مني، فقال رسول الله ص: «أنت أحق به ما لم تنكحي»(4), هذا ما لم يميز،
__________
(1) 2 أخرجه مسلم (82) عن جابر ا.
(2) 3 أخرجه البخاري (5212)، ومسلم ( 1493) كتاب اللعان (5).
(3) 4 أخرجه البخاري كتاب الطلاق رقم (5273).
(4) 1 أخرجه أبو داود (2276)، والدارقطني (418)، وعنه البيهقي (8/4 5)، وأحمد (2/182) عن عبد الله بن عمرو بن العاصب بسند حسن.(1/288)
فهي أحق به, أما بعد التمييز فقد خير النبي ص غلاما بين أبيه وأمه كما ثبت ذلك من حديث أبي هريرة ا وهو في ”الصحيح المسند“لشيخنا :؛ فإن لم تكن أمه حَيَّة فالخالة بمنزلة الأم(1)، لحديث البراء بن عازب م عن النبي ص: «الخالة بمنزلة الأم»(2).
وضع الثياب ستارًا بين الرجال والنساء
السؤال: عندنا مسجد يقسم قسمين للرجال وللنساء وليس بينهم ستار إلا قطعة من الثياب أو الجدار ولهن باب خاص بهن؟
الجواب: إن لم تحصل فتنة بالأصوات لا بأس, وليكنَّ خلف الصفوف، لا يكن أمام الإمام أو الصفوف, يقول النبيص: «خير صفوف النساء آخرها»(3), هذا ما لم تحصل فتنة, أما إن حصلت فتنة من ذلك فبيوتهن خير لهن؛ لحديث: «صلاة المرأة في بيتها وحجرتها خير لها من صلاتها في المسجد»(4), ولو كان في المسجد في الجماعة كما دل على ذلك حديث ابن مسعود: «صلاة امرأة في حجرتها أفضل من
__________
(1) 4 قال المعلق: أي أن الطفل لأمه , فإن لم تكن حية فلخالتة كما في الحديث الآتي.
(2) 3 أخرجه البخاري (2699و4251) ومسلم (1783) في قصة عمرة القضاء, وفيها: فخرج النبي ص, فتَبعَتْه ابنةُ حمزةَ تُنادِي: ياعمّ ياعمّ. فتَنأو لها عليّ فأخذَ بيدها وقال لفاطمة عليها السلامُ: دُونكِ ابنةَ عمّكِ حمّليها. فاختصم فيها عليّ وزيدٌ وجعفرٌ: قال عليّ: أنا أخذتها وهي بنتُ عمي وقال جعفرٌ: ابنةُ عمّي وخالتُها تحتي. وقال زيدٌ: ابنة أخي. فقضى بها النبيّ صلى الله عليه وسلم لخالتِها وقال: «الخالةُ بمنزلة الأم»، وقال لعليٍّ: «أنتَ مني وأنا منك»، وقال لجعفر: «أشبهت خَلقي وخُلقي»، وقال لزيد: «أنتَ أخونا ومَولانا»، الحديث.
(3) 1 أخرجه مسلم (440) عن أبي هريرة ا.
(4) 2 أخرجه أبو داود (2/277) ن ابن مسعود ا , وصححه شيخنا حفظه الله في ”كشف الوعثاء“ (ص 36).(1/289)
صلاتها في دارها...» إلى آخره(1), وإن كان في جهة اليمين أو الشمال فالصلاة في هذه الحالة تكون مكروهة، وتصح لقوله ص: «خير صفوف النساء آخرها», فينبغي أن تكون صفوف النساء في المؤخرة.
معالجة النساء عند أطباء رجال
السؤال: ما حكم معالجة النساء عند أطباء رجال عند الضرورة وغير الضرورة؟
الجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم فمنهم من يقول إن المرأة ينبغي أن تتعالج عند الرجل الخيّر أولى من أن تتعالج عند امرأة فاجرة ونحن إن ذكرنا مزيدًا على ذلك للفائدة أو كافرة؛ لقول الله عز وجل: {أو نِسَائِهِنّ} [النور: من الآية31], واشترط الله عز وجل: {نِسَائِهِنّ}, والكافرة ليست من نسائهن؛ بل هي من غير نسائهن من الكافرات، وقال سبحانه: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أو آبَائِهِنَّ أو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أو أبْنَائِهِنَّ أو أبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أو إخْوَانِهِنَّ أو بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أو بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أو نِسَائِهِنَّ}، وهذا قول غير صحيح بل عند المرأة الكافرة أولى من عند الرجل المستقيم وذلك أن النساء اليهوديات كن يدخلن على نساء النبي ص ودخلت يهودية وقالت: أعاذك الله من عذاب القبر فقالت: إنما يعذب اليهود, وغضبت عليها, ولما أتى النبي ص أخبرته عائشة ك فبعد ذلك قال النبي ص:
«
__________
(1) 3 كما سبق ذكره.(1/290)
يا عائشة، إنه أُوْحِيَ إليَ أنكم تفتنون في قبوركم قريبًا من فتنة الدجال»(1), فهذا يدل على أن الكافرات والمشركات كن يدخلن على أزواج النبي ص وغيرهن من الصحابيات. وفي الصحيح أن أسماء قالت: يا رسول الله, إن أمي قدمت وهي راغبة, أأصل أمي؟ قال: «صِلِي أمك»(2), وهي مشركة, وربما تكون البنت مسلمة والأم كافرة أو العكس، وهي يدخل بعضهن على بعض، وهذا أمر لا خلاف فيه أن النساء المشركات كن يدخلن على المسلمات ولم يكن يحتجبن من الكافرات، لكن يمكن أن يبتعدن من حيث إظهار الزينة وتكون عليها من التحرز أكثر من غيرها؛ لأن ما عند الكافرة خوف من الله فقد تذهب وتصف محاسنها إلى الرجال، ولأن الرجل مهما كان صلاحه لا تؤمن عليه فتنة النساء.
الأسئلة الإماراتية
كلمة عبر الهاتف إلى الإمارات بعنوان: الصدق
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
فبفضل الله في هذه الليلة المباركة، وعبر الهاتف أن نستضيف فضيلة الشيخ الفاضل يحيى ابن علي الحجوري حفظه الله الذي قال فيه الشيخ مقبل : في بعض
مقدمة كتبه: الشيخ الفاضل التقي الزاهد المحدث الفقيه يحيى ابن علي الحجوري، وقال فيه أيضا: الشيخ الفاضل السني السلفي الذي لا تزال دروسه وكتبه تحارب البدع، وقال فيه أيضا في وصيته: فإنه الناصح الأمين، فليتفضل الشيخ بارك الله فيه وجزاه الله خيرا ليلقي محاضرته وكلمته الطيبة.
__________
(1) 1 أخرجه أحمد (6/139)، والنسائي (4/14) من حديث طويل، وصححه الإمام الوادعي في ”الجامع الصحيح“ (2/552)، وجاء من حديث أسماء ك عند أحمد (6/345)، والنسائي (4/104) بنحوه وهو صحيح أيضا , وقد وهم القرطبي في ”التذكرة“ إذ عزاه لمسلم.
(2) 2 أخرجه البخاري (2620)، ومسلم (1003).(1/291)
قال الشيخ حفظه الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم بعد الحمد والثناء قال: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سفيان ا أن هرقل لما سأله ما يأمركم محمد؟ قال: يقول: «اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف والصلة»(1)، ففي هذا الحديث أن أول دعوة رسول الله ص كان يركز فيها على توحيد الله عز وجل، ودعوة الناس إلى ربهم على ما أمر ربه عز وجل، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذريات:56]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36]، ثم يأمرهم بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة، وهذا يدلنا على أهمية هذه الأمور التي كان يطرقها رسول الله ص في مَنْشَأ دعوته عليه الصلاة والسلام من العفاف، والصلة، والصدق، ولا شك أنه لا يستقيم حال إنسان ولا يرضى الله سبحانه وتعالى خلقه ولا دينه إلا بالصدق مع الله بداية، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ا عن النبي ص قال: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلو بكم وأعمالكم»(2)، وهكذا روى في صحيحه من حديث أبي هريرة ا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي باب [6] برقم( 7)، ومسلم في كتاب الجهاد باب كتابه ص إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام برقم (1773) من حديث أبي سفيان ابن حرب ا.
(2) أخرجه مسلم كتاب البر والصلة والأدب باب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره. برقم (2564).(1/292)
أن النبي ص قال: «أنا أغنى الشركاء عن الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»، هذه دعوة الصادقين، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا*إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا*يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا*يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا*يا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:41-45]، فأنت ترى في هذه الآية أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما وصفه الله عز وجل به من الصدق والنصح، يدعو قومه إلى توحيد الله بداية من أبيه وغيره، ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم:51]، ويقول عن إسماعيل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:54 55]، ويقول سبحانه وتعالى عن إدريس: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا*وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم:56 57]، ومريم عليها السلام، يقول عز وجل عنها: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة:75]، لا بد لكل مسلم من الصدق بداية مع الله سبحانه وتعالى، الصدق مع الله في المعتقد الصحيح على كتاب الله وسنة رسوله ص، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16]، وقال: {أولَمْ يَكْفِهِمْ(1/293)
أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:51]، الصدق مع الله يشمل الإخلاص له، وابتغاء مرضاته، والعمل له؛ فإن الله سبحانه وتعالى يجازي على الصدق ولو لم يحصل كبير عمل، إذا اطلع على نية صادقة صالحة، ففي صحيح البخاري من حديث أنس ا عن النبي ص قال: «إن بالمدينة لَرِجَالًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم حبسهم العذر»(1)، فبصدق نيتهم وقصدهم أثابهم الله تعالى أجر غزاة المجاهدين في سبيله، والنبي ص يقول كما ثبت عنه من حديث سهل بن حنيف في صحيح مسلم: «من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه»(2)، وعلى العكس من ذلك إذا اطلع الله عز وجل على قلبٍ أنه غير صادق؛ فإن الله عز وجل لا يثيبه على عمله بل يجزيه على سوء قصده، ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة ا أن النبي ص قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه»(3)،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب من حبسه العذر عن الغزو برقم (2839) من حديث أنس ا، وجاء نحوه من حديث جابر ب أخرجه مسلم في كتاب الإمارة باب: فضل الغزوفي البحر برقم (1911).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى برقم (1909).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] فسماه المؤمنين برقم (31)، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة باب إذا تواجه المسلمان بسيفهما، برقم (2888) واللفظ للبخاري..(1/294)
علم الله ما في قلبه فجازاه على ما في قلبه فجعل عليه الوزر، ونظيره ذلك الرجل الذي قاتل الكفار وقالوا: ما أجزأ اليوم مثل فلان، والحديث في الصحيحين سهل ابن سعد، ثم إنه ذهب إلى مكانٍ مَا وَبِه جراح فاتكأ على السيف حتى نفذ من ظهره وقد كان رسول الله ص قال: «إنه في النار»، وبعض الناس وقع في قلبه من هذا شيء رجل يقاتل الكفار وهو في النار، وبعد أن علموا أنه قتل نفسه وأخبروا رسول الله ص، قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله»، وقال: «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»، شاهدنا أن مجرد العمل بغير صدق مع الله لا يكون نافعًا في الأخرى، يجب على المسلم أن يكون صادقًا مع الله وذلك خيرٌ له، قال ربنا سبحانه وتعالى: {فَلو صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21]، وأخبر سبحانه وتعالى أن الصدق بِرٌّ، فقال عز وجل: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أولئك الَّذِينَ صَدَقُوا وَأولئك هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177]، فالصدق يشمل جميع أعمال البر، ومما يدل على ذلك أيضًا ما في الصحيحين من حديث ابن مسعود ا عن النبي ص قال: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صِدِّيقًا»(1)،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] برقم (6094)، ومسلم في كتاب البر والصلة والأدب باب: قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، برقم (2607).(1/295)
ويعني بذلك الصدق من جميع جوانبه، الصدق مع الله في الإخلاص وفي المتابعة وفي الاعتقاد، في الأقوال في الأفعال، من توفر لديه الصدق كان مطمئن البال حسن الحال وذلك أن النبي ص يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة»(1)، يكون مطمئنًا في أقواله، مطمئنًا في أفعاله غير متردد ولا متزعزع من قول فلان ولا علان: قال تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: 6]، وقال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا}، [النساء:174]، وقال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57].
__________
(1) أخرجه الترمذي (2518)، والنسائي (5714)، والحديث صحيح كما صححه شيخنا العلامة الوادعي في ”الصحيح المسند مما لسي في الصحيحين“ برقم (311)، والإمام الألباني في ”الإرواء“ (12).(1/296)
ثبت من حديث عبد الله بن شداد ا أن رجلا أتى النبي ص فقال: يا رسول الله، أريد أن أهاجر معك، أسلم وأراد الهجرة فوكل به رسول الله ص بعض أصحابه فانطلق ذلك الرجل معهم إلى الغزو فجعل رسول الله ص له نصيبًا، وأتى فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا نصيبك، هذا سهمك جعله رسول الله ص لك، فأتى النبيَّ ص، فقال: يا رسول الله، ما على هذا بايعتك، بايعتك على الجهاد والهجرة وأن يحصل لي سهم فيدخل من ههنا وأشار إلى موضع في حلقه، ويخرج من ههنا وأشار إلى موضع في حلقه، قال: فحصلت المعركة وأصيب ذلك الرجل في الموضع الذي أشار إليه بأصبعه، فقال النبي ص حين أتي به: «صدق الله فصدقه الله، صدق الله فصدقه الله»، فقال: «اللهم، إنه شهيد، وأنا أشهد على ذلك»، شهد النبي ص شهادته، فالصدق فيه بركة في الدين والدنيا، ففي الصحيحين من حديث حكيم بن حزام ا عن النبي ص قال: «البيان في الخيار ما لم يتفرقا فإن صدق وبين بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما»(1)، وما أحسن ما قيل:
الصدق حلوٌ وهو المر ... والصدق لا يتركه الحر
جوهرة الصدق لها زينة ... يحسدها الياقوت والدر
__________
(1) 11) أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب: إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا برقم (2079)، ومسلم في كتاب البيوع باب: الصدق في البيع والبيان برقم (1532).(1/297)
جوهرة الصدق لها زينة في الأقوال، لها زينة في الأفعال، فأنت ترى الرجل ربما يكون في غاية من الجمال، وفي غاية من الهيئة وسعة المال، وما يكون صادقًا لا يحسب له الناس قيمة، إذا كان فاسد العقيدة، وترى الآخر ربما ما يكون له تلك الهيئة وما عنده ذلك الجاه وما عنده ذلك المنصب، وهو صادق مع الله عز وجل، يساوي ملء الدنيا مثل ذلك الآخر كما في البخاري، ووهم النووي إذ قال في الصحيحين في ”رياض الصالحين“ من حديث سهل بن سعد حين مَرَّ ذلك الرجل قال: «ما رأيك في هذا؟» قال: هذا رجل حري إن خطب لا ينكح وإن تكلم لا يسمع له، ثم مر آخر وقال: «ما رأيك في هذا؟»، قال: هذا رجل من أشراف القوم، إن خطب حري أن ينكح وإن تكلم يسمع له...... فقال: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا»، أي: ذلك المسكين الضعيف الصادق المسلم، الله سبحانه وتعالى يقول: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وهل أكرم الله سبحانه وتعالى أصحاب نبيه إلا بالصدق مع الله ومع رسوله، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، فكونوا مع الصادقين وهكذا أثنى عليهم، فقال سبحانه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:23].(1/298)
أيها الناس، إن عاقبة الصدق حميدة في الدنيا والآخرة الصدق فيه نجاح، قال كعب بن مالك: والله ما أنعم الله علي بنعمة أعظم من صدقي رسول الله ص... الحديث طويل، أهلك الله المنافقين ونجَّا الله كعب بن مالك، ومرارة بن ربيع، وهلال بن أمية بصدقهم، قال تعالى {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:117]، {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ(1/299)
عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هو التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:118]، تاب الله عليهم وأهلك أولئك المنافقين الذين كذبوا على رسول الله، وكان قد قبل منهم النبي ص علانيتهم، لكن الله عليم بذات الصدور، وثبت في صحيح البخاري عن ابن عباسب، أنه قال في سورة التوبة: وسميت سورة الفاضحة، ما زال الله يقول: ومنهم، ومنهم، ومنهم، حتى كاد ألا يبقي منهم أحدًا، قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة:75]، وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة:58]، وقال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولون هو أُذُنٌ} [التوبة: 61] الآية، وهكذا فضحهم الله سبحانه وتعالى ما يبقي إلا الصدق، وهل أعد الله سبحانه جنته للصادقين، قال الله تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:119]، فالفوز العظيم للصادقين، إنها دار الابتلاء وإنها دار الاختبار ومحنة ليعلم الله الصادق من غيره، قال تعالى: {الم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 3] الله يعلم المفسد من المصلح كما أخبر سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ(1/300)
الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلو شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220 ] إن الله عز وجل قد أعد الجنات للصادقين، فقال في كتابه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 55]، هنيئًا للصادقين، ويا هول مصيبة الكاذبين سواء كان في المعتقد، أو في الأقوال، أو في الأفعال، أو في دينهم ودنياهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
محاضرة شيخنا الناصح الأمين أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى
الموجهة للشباب السلفي بمدينة قسطنطينية بالجزائر عبر الهاتف
وكانت ليلة (27 من ذي القعدة 1426هـ)
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ص تسليمًا كثيرًا، أما بعد:(1/301)
فيقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]، ويقول النبي ص كما ثبت عنه من حديث المقداد بن الأسود ا :«إن السعيد لمن جنب الفتن, إن السعيد لمن جنب الفتن, ولمن ابتلي فصبر فواها»(1)، ومعنى «واها»، أي: عجبًا له، ومن شواهد هذه الكلمة قول بعض الشعراء: (واهًا لسلمي ثم واها واها...)، أي: عجبًا لها.يقول أهل العلم في هذا الحديث: واعجبًا لمن ابتُلي فصبر، هذا من دواعي العجب أن يصبر على السراء والضراء، والشدة والرخاء؛ فإن هذا يدل على ثباته ويدل على قوته, وقد قال النبي ص فيما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة ا: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل»(2)، وَإِنَّ مِنَ القوة الصَّبْرُ في هذه الحياة الدنيا على طاعة الله، والبعد عن معصية الله.
__________
(1) رواه أبو داود (11/344)، وهو في ”الصحيح المسند“ (2/197).
(2) رواه مسلم برقم (2664).(1/302)
وقد قال النبي ص: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يمل نفسه عند الغضب»، أخرجه الإمام البخاري من حديث أبي هريرة ا(1)، وهذا يدل على أن الشديد القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب, ومن باب الأولى عند حصول الفتن. ومن هنا يعلم أن من أراد الله به خيرا ودفع الله به فتنة وضيرا أنه يجنب عن الفتن ويبغضها من صميم قلبه سواء كانت فتنة المال التي يقول فيها رسول الله ص: «لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال»(2)، أو كانت فتنة النساء التي يقول فيها رسول الله ص: «إن الدنيا حلو ة خضرة وإن الله يستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أو ل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»(3)، أو كانت فتنة البدع والمحدثات التي يقول الله سبحانه وتعالى فيها: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَبذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف:152]، أو كانت فتنة الولد والانشغال بهم عن ذكر الله وطاعته التي يقول الله سبحانه وتعالى فيها: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأولادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15]، أو كانت فتنة الجاه والمنصب وطلب ذلك على حساب الدين التي يقول النبي ص فيها: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه»(4)، وإذا علم أن الفتن تتكاثر، وأن موادها تترى وتتناثر، فيجب على المسلم أن يعرف المخارج منها، وأن يسلك مسالك النجاة، ومن أعظم المخارج من الفتن
__________
(1) رواه البخاري برقم (6114).
(2) من حديث كعب بن عياض. رواه الترميذي (2377) وهو في ”الصحيح المسند“ (2/150).
(3) عن أبي سعيد الخدري، رواه مسلم (2742).
(4) من حديث كعب بن مالك. رواه الترمذي (2377) وهو في ”الصحيح المسند“(2/151).(1/303)
التي قد تلاطمت أمواجها واتسع فجاجها لهي تقوى الله سبحانه وتعالى، وهو الذي قال في كتابه الكريم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب} [الطلاق:2 3]، فمن أراد الله أن يجعل له مخرجًا من الفتن، ومخرجًا من الجهل، ومخرجًا من ضيق الصدور، ومخرجًا من مآزق الأمور، ومخرجًا من الفقر، ومخرجًا من كل هم وغم؛ فعليه بتقوى الله سبحانه وتعالى لكي يستبصر، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201]، وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد:28]، وقال سبحانه وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم*وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أو يَقْتُلوكَ أو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:29 30]، هذا مخرج عظيم من هذه الفتن التي تتوالى على المسلمين من فوقهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن كل حدب وصوب، ومن المخارج منها الثقة بالله سبحانه وتعالى وأن الله لن يخذل أولياءه ولن يسلط على الصالحين أعداءه.(1/304)
الثقة بالله سبحانه وتعالى، وأن الله لن يترك عمل المؤمن الصالح، قال تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]، وقال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:87 88]، ومن المخارج المهمة التمسك بالسنة فهو مخرج من كل محنة وفتنة، قال أبو بكرة ا كما روى الإمام البخاري في صحيحه: لقد نَجَّاني اللهُ بحديث سمعته من رسول الله ص يوم الجمل سمعته يقول حين سمع عن ابنة كسرى أنهم(1/305)
وَلَّوا عليهم ابنة كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»(1)، دَلَّ هذا على أن الله خلّصه وبقي معتزلا لما حصل بسبب هذا الحديث العظيم، وروى الترمذي في جامعه من حديث العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه قول الله سبحانه وتعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:92] قال: وعظنا رسول الله ص موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا»، ثم دلهم عن المخرج من تلك الفتن فقال: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة»(2)، يا له من مخرج من الفتن لمن تمسك به وعض عليه بالنواجذ كما أرشد رسول الرحمة والهدى عليه الصلاة والسلام، والله لقد رأينا بأعيننا أن من تمسك بالسنة سلم من البدع ومن الحزبيات، وسلم من فتنة الدنيا، ومن تمسك بالسنة سلم من فتنة الاختلاط ومرض القلوب، ومن تمسك بالسنة سلم من فتنة الشيطان بإذن الله عز وجل. قال النبي عليه الصلاة والسلام عن عمر بن الخطاب حين كان قمة في الثبات على الكتاب والسنة: «إن الشيطان ليفرق منك يا عمر»(3)، وقال ص: «لو سلك عمر
__________
(1) رواه البخاري (4425) و(7099).
(2) رواه أبو داود (4607) والترمذي (2678) وأحمد (4/126) وهو في ”الصحيح المسند“ (1/139).
(3) جاء من حديث بريدة بن الحصيب ا، رواه أحمد (5/353) وهو في ”الصحيح المسند“ (1/139).(1/306)
فَجًّا لسلك الشيطان فَجًّا غير فَجِّهِ»(1)ليس ذلك إلا لقوة إيمانه وثباته على الحق عليه رضوان الله... نعم هذا ومن أعظم المخارج: كتاب الله وسنة رسول الله ص، قال تعالى: {أو لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51]، وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]، في الأخلاق، وفي المعاملات، وفي العبادات، وفي سائر الحياة، من أراد أقوم طريق وأحسن طريق وأيسر طريق وأوسع طريق، فعليه بطريق القرآن والسنة، صراط واحد وطريق واحد لا اعوجاج فيه، وقال تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر:28]، وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} [الكهف:1]، وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]، هذه وصية رب العالمين أن نأخذ بهذا الصراط العظيم وهو كتاب الله وسنة رسوله ص على فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، هذه هي طريق النجاة من سائر الفتن التي يئن منها القاصي والداني والمسلم والكافر والبر والفاجر والصالح والمفسد والرجل والمرأة والجن والإنس كلهم يئنون من الفتن فالفتن لا يحبها أحد إلا من سخره الله لقلقلة نفسه والناس، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة ا أن النبي ص قال: «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل في قبر الرجل يقول يا ليتني مكانه وما به الدين، ما به إلا الفتن»(2)
__________
(1) 10) رواه البخاري (3294)، ومسلم (2396) من حديث سعد بن أبي وقاص ا.
(2) 11) رواه البخاري (7115)..(1/307)
علينا وعليكم بالعلم النافع؛ فإنه مخرج عظيم من مخارج الفتن، ثبت عن النبي ص قال: «يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس في غربلة ويشتبكون فيصيرون هكذا» وشبك بين أصابعه، قالوا: يا رسول الله، ما المخرج؟ قال: «تلزمون أمر خاصتكم، وتدعون أمر عامتكم، وتأخذون ما تعرفون، وتذرون
ما تنكرون»(1)، وفي الصحيح من حديث حذيفة(2)أن النبي ص أخبر حين سأله حذيفة من الفتن، أخبر أن المخارج منها: أن الإنسان يعض على الحق ولو أن يأخذ بلحى شجرة أو بأصل شجرة، الله، الله بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ص؛ فإن ذلك السعادة والفرج، يقول ربنا سبحانه وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أو أنْثَى وهو مؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلون} [النحل:97]، نجاة عظيمة في التمسك بالسنة، ثبت من حديث عقبة بن عامر ا أن النبي ص قال له رجل: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك»(3)، هذا من جوامع الكلم رسول الله ص معناه: أصلح نفسك بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ص وهو نظير الحديث المرسل عن زين العابدين عند مالك في ”الموطأ“(4): «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، فليقبل المرء على شأنه حتى يوفقه الله سبحانه وتعالى ويعبد الله؛ فإن أعظم ما يستفيده الإنسان في الفتن أن يقبل على عبادة الله، قال النبي ص كما في الصحيح عن معقل: «العبادة في الهرج كهجرة إليّ»(5)،
__________
(1) 12) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصب، رواه أبو داود (4334) وابن ماجه (3957).
(2) 13) رواه البخاري (7084) ومسلم (1847).
(3) 14) رواه الترمذي (2408) وأحمد (4/148-158) و(5/259).
(4) 15) في كتاب حسن الخلق، حديث رقم (3) وأخرجه الترمذي (2318) وابن ماجه (3976).
(5) 16) رواه مسلم (2948)..(1/308)
وهي أيضا من أسباب الفرج من الشدائد ومن أسباب البعد عن الفتن، قال الله سبحانه وتعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة:105]، وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لو يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ(1/309)
إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:109]، ثم دلهم على مخرج من الفتن ومن شر الأعداء جميعًا وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلون بَصِيرٌ} [البقرة:110]، ورسول الله ص كانت تتوالى عليه فتن الكفار والمشركين والمنافقين، فيقول: «أرحنا بالصلاة يا بلال»(1)، ويقول ص: «وَجُعْلَتْ قُرَّةُ عيني في الصلاة»(2)، إنها السكينة التي تنزل على القلوب، والتي لا تحصل إلا بعبادة الله وفي طاعة الله وفي العلم الشرعي والتفقه في دين الله، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلوبُ} [الرعد:28]، ويقول النبي ص: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده»(3)، ويقول النبي ص كما في حديث أبي أمامة وغيره: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في حجرها، وحتى الحيتان في الماء ليصلون على معلم الناس الخير»(4)،
__________
(1) 17) من حديث رجل من الأنصار، رواه أبو داود (4977)، وأحمد (5/364)، وهو في ”الصحيح المسند“ (2/437) وجاء من حديث علي بن أبي طالب ا عند أبي داود (4978)، وأحمد (5/371).
(2) 18) من حديث أنس ا. رواه النسائي (7/61)، وهو في ”الصحيح المسند“ (1/90).
(3) 19) من حديث أبي هريرة رواه البخاري (6408)، ومسلم (2689).
(4) 20) رواه الترمذي (2686) وقال : حديث حسن، وصححه الألباني..(1/310)
بالله عليكم!! إذا كان الله سبحانه وملائكته، وصالحوا عباده من المخلوقات يثنون على معلم الناس الخير، أيتركه الله سبحانه؟ كلا، والله إنه محفوظٌ بحفظ الله، وإنه مُصَانٌ برعاية الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ
بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:42]، هكذا عباد الله يجب أن نتواصى بتقوى الله سبحانه وتعالى وبالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ص حتى نتخلص من هذه الفتن التي تتوالى على المسلمين وهم يئنون منها، ولله الحمد والمنة أبعد الناس عن الفتن وأريح عن الفتن وأهدأ الناس عن الفتن هم أهل السنة الذين يقولون: قال الله وقال رسوله، الذين يأخذون من كتاب الله وسنة رسول الله ص وَيَدْعُونَ الناس إلى ذلك، ومن المخارج البعد عن جلساء السوء، فلقد علمتم وعلمنا وعلم المسلمون ما في كتاب الله سبحانه وتعالى من التحذير من ذلك، فكم لهم من آثارٍ سيئةٍ، وأبو طالب كم له من الآثار بسب أولئك الجلساء هلك ومات على الكفر والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأوا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة:166]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا*يا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا.(1/311)
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:27 29]، وقال: {وَقَالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]، والرسول ص أخبر أن الإقبال على طاعة الله والعمل الصالح أنه نجاة، قام ليلةً، فقال: «لا إله إلا الله ماذا أنزل اليوم من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجرات، رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة»(1).
وفي الختام بعض النصائح المهمة
السؤال: ما نصيحتكم لإخوانكم السلفيين في إندونيسيا لما وقع بين الدعاة من الخلاف؟ وكيف نتعامل في هذه الفتنة، وبارك الله فيكم؟
الجواب: تُعَامَلُ بتقوى الله وبالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ص، والتجرد عن الهوى، ومن رأى أنه دفعه شيء من ذلك؛ فليتق الله، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، ونوصي من يبلغه هذا الكلام من السلفيين بالتآخي، والتحابب، والتزاور، وإفشاء السلام، وعيادة المريض، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وحسن الخلق، والشعور بأهمية اجتماع كلمة أهل الحق، وإلغاء حواجز ذلك بينهم، والجد في طلب العلم النافع، وسؤال أهل العلم بالسنة عما أشكل عليهم، والدعوة إلى التوحيد والسنة، والبعد عن الشركيات، والبدع، والخرافات، والحذر من الحزبية، ومن فتنة الدنيا، وكثرة ذر الله عز وجل على الوجه المشروع، والحذر من التشبه بالكافرين، وبالله التوفيق.
__________
(1) 21) رواه البخاري (3346)، ومسلم (2880).(1/312)