المملكة العربية السعودية
المؤتمر الدولي الأول للتربية ا لإعلامية
الرياض 14 – صفر - 1428هـ
اليوم الثالث : الجلسة الثالثة المسؤولية التربوية للقائم بالاتصال
الإعلام والتعليم شركاء في التنمية
ورقة عمل
من إعداد
فاطمة فيصل العتيبي
مديرة تحرير مجلة المعرفة
... في ظل الظروف التي يعيشها الوطن العربي اليوم من تحديات سياسية واقتصادية وثقافية..، وفي ظل الأزمات التي تمر بها دول العالم الثالث لم يعد من مخرج إلا بالتنمية بمفهومها الشامل الذي يتناول جوانب الحياة المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
... فالتنمية الشاملة تعني إلى جانب معالجة الفقر توفير فرص العمل، ومحو الأمية، وتحقيق العدالة في توزيع الثروة القومية، وضمان الحرية في التعبير عن الرأي، والمشاركة في صنع القرار.. فهي عملية مجتمعية واعية تشمل الجوانب الروحية والذاتية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والسياسية والبشرية، وموجهة لإيجاد تحولات هيكلية تؤدي إلى إطلاق طاقة إنتاجية ذاتية يتحقق بموجبها تزايداً منتظماً في متوسط إنتاجية الفرد وقدرات المجتمع ضمن إطار من العلاقات الاجتماعية يؤكد الارتباط بين الجهد والمكافأة ويعمق متطلبات المشاركة ويضمن توفير الاحتياجات الأساسية ويوفر ضمان الأمن والاستقرار الفردي والاجتماعي والوطني، ويهيئ المجتمع لأداء رسالته الحضارية من خلال تأكيد هويته وتنمية شخصيته.
? التعليم والتنمية:
... ولعل التعليم من أهم وسائل تحقيق التنمية الشاملة؛ إذ أنه السبيل إلى تكوين قدرات ومهارات الفرد الذي يعتبر أساس التقدم الاجتماعي والاقتصادي على السواء؛ فالنهوض بمستوى التعليم يعتبر أحد المسائل الرئيسية التي تدعم الاقتصاد والتنمية.(1/1)
... لقد أصبح من المسلمات أن التعليم أساس لنهضة الدولة والأمة ويحمل على عاتقه مهمة متميزة في مجالات إعداد الكفاءات ودفع الاختراع التكنولوجي والتنمية الاقتصادية والإعلاء بروح الأمة، ويلعب دوراً ريادياً وشاملاً في عملية بناء الدولة، كما أنه مشروع استراتيجي يهم المصير في الدول النامية، فلا يمكننا أن نرفع القدرة الكاملة للدولة من حيث الأساس ونمسك بزمام المبادرة الإستراتيجية في المنافسة الدولية العنيفة إلا من خلال الارتقاء بالتعليم، ورفع مستوى الأهلية لجميع أفراد الأمة. فاليوم تدخل البشرية عصر المعلومات بخطوات متسارعة وأصبح الربط بين التعليم والتقنية أوثق يوماً بعد يوم، وقد قدمت التقنية الحديثة وسائل جديدة لرفع مستوى التعليم.
... فالنهوض بمستوى التعليم يعتبر أحد المسائل الرئيسية التي تدعم الاقتصاد والتنمية إذ يرتبط التطور الاقتصادي ارتباطاً وثيقاً بالتطور التعليمي، وقد بدأت الأنظار تتجه لدور التعليم في التنمية الاقتصادية بعد ظهور العديد من الدراسات المتعلقة بقياس مساهمة التعليم في التنمية الاقتصادية، والتي أثبتت أن عوامل التطور التقني وانتشار التعليم أدت على زيادة كبيرة في الناتج الوطني الإجمالي.
? الإعلام وسيلة تنموية:
لأن الأفراد هم هدف التنمية لذا لابد أن يكون لكل منهم دوراً في تطوير المجتمع، الأمر الذي يحتاج إلى توعية وتثقيف متصلين، وتعليم وتدريب مستمرين.
من هنا برز دور وسائل الإعلام في المجتمعات النامية باعتبارها جزءا من منظومة التعليم والتدريب المستمر وبخاصة فيما بعد مراحل التعليم والتدريب المدرسي.
وتأتي أهمية استخدام وسائل الإعلام المختلفة في الدول النامية من حاجة تلك الدول إلى إعلام يواكب خططها الإيمانية، ويعمل على خلق المشاركة من جانب الأفراد في عجلة التنمية؛ فهو السبيل لنشر المعرفة بخطط الدولة وأهدافها.(1/2)
وقد أكدت عدة دراسات أجراها علماء الاتصال على وجود علاقة إيجابية بين الإعلام والتنمية منها الدراسة التي أجراها ولبر شرام على مائة دولة من الدول النامية لإلقاء الضوء على العلاقة بين الاتصال الجماهيري والتنمية حيث توصل إلى أن معامل الارتباط بين النشاط التنفيذي لوسائل الإعلام وبين نتائج تنفذ خطط التنمية قد وصل إلى 72?، وقد يكون أعلى من ذلك لوجود مجموعة من العوامل السلبية التي تحول دون تنفيذ الخطط في كل من التخطيط الإعلامي والتخطيط للتنمية بالدقة المطلوبة وبالتالي فإن هذه العوامل السلبية قد أضعفت مستوى الارتباط وقللت درجته على 72?.
ولا شك أن الأهداف التي تقع ضمن المسؤوليات الأساسية للإعلام الجماهيري هي نفسها أهداف التنمية، وتنقسم أهداف التنمية إلى قسمين: أهداف عامة تستهدف تطوير المجتمع ورفع المستوى العام للجمهور وصنع المواطن الصالح ودعم الديمقراطية وزيادة الدخل العام مع مراعاة ارتباط ذلك بالشرائع السماوية وقوانين الحكومات ومواثيق الهيئات والمنظمات الدولية والمحلية.
أما الأهداف الخاصة للتنمية فتتصل بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية لأفراد المجتمع، حيث تهدف التنمية إلى تزويد أفراد المجتمع بالمعرفة وتقديم المساعدات التي تمكنهم من زيادة دخولهم والارتفاع بمستوى هذه الدخول، بالإضافة إلى تثقيف الأفراد وتوعيتهم بما يدور حولهم من أحداث وظواهر وأفكار مستحدثة على الصعيدين الدولي والمحلي، وتنمية الإمكانيات الاقتصادية، وتوسيع مجال الترويح، وإتاحة الفرصة لأفراد المجتمع لاكتشاف مواهبهم واستغلالها للصالح العام، والاهتمام بتحسين الأحوال الصحية العامة.(1/3)
عموماً فإن العلاقة بين التخطيط الإعلامي وبرامج وخطط تنمية المجتمعات المحلية هي علاقة عضوية لأن أهم الأسس التي ترتكز عليها منهج تنمية المجتمع هي توجيه أفراده لمساعدة أنفسهم والمساهمة في الجهود التي تبذلها الحكومات لتحسين مستوى معيشتهم وتشجيعهم للقيام بدور فعال في تنمية مجتمعهم المحلي، وتوعيتهم بمشكلات بيئتهم وتدريبهم على الحكم الذاتي، وهذا كله لن يقدر له النجاح إذا لم يضع المخطط الإعلامي في اعتباره ظروف المجتمع وسماته واحتياجاته.
? الإعلام وتنمية المجتمع:
مسؤولية الإعلام تجاه تنمية المجتمع هي تزويده بأكبر قدر من الحقائق والمعلومات الدقيقة والصحيحة فبقدر ما في الإعلام من حقائق ومعلومات دقيقة بقدر تحقيق أهداف التنمية، ويسمي العلماء الدور الذي يضطلع به الإعلام في تطوير المجتمعات باسم (الهندسة الاجتماعية للإعلام الجماهيري) خاصة وأن هذا الدور ينصب على كيفية توجيه الجمهور لخدمة الرخاء الإنساني.
وتتضح المعادلة التي دعت إلى تسمية دور الإعلام بالهندسة الاجتماعية إذا عرفنا أن الهدف الجوهري للتنمية الاجتماعية لا يستطاع تحقيقه بدون رفع المستوى الاقتصادي باستخدام برامج ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتوفير الخدمات وإشاعة العدالة التي تثير في نفوس الأفراد مشاعر الولاء لمجتمعهم والذي ترتبط به كل مصالحهم الحيوية ارتباطاً وثيقاً، وما دامت تنمية أفراد المجتمع وبيئتهم المادية من الأهداف الأساسية للتخطيط فمن الضروري أن يتم إنجاز هذه المسؤوليات وفق خطة مدروسة قائمة على تخطيط شامل لكافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والبيئية.
? الجانب البشري في التخطيط الإعلامي:(1/4)
تهتم الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية اهتماماً كبيراً بالقوى البشرية والسياسات التعليمية، فجميع المخططين في المجال الاقتصادي يدركون أهمية توافر العنصر البشري خصوصاً ما يتعلق بالتعليم والتدريب بوجه عام.
من ناحية أخرى تمثل القوى البشرية أهمية كبرى في التخطيط الإعلامي من أجل ربطهم بأهداف خطة التنمية سواء كان العنصر البشري وسيلة للتنمية أو غايتها.
والنقطة الرئيسية في كل من التخطيط الإعلامي والتخطيط للتنمية الشاملة هي أن كليهما يهدف إلى تطوير الشخصية الإنسانية من الجمود إلى الحركة ومن التقليدية إلى التقدمية، فالمحور الرئيسي في التنمية هم الناس أنفسهم، والتخطيط للتنمية هو ترتيب وتنظيم ذلك بوضوح، وإذا كان الإعلام هو محاولة لربط أفكار أفراد المجتمع وتصوراتهم وقيمهم واعتقاداتهم بالتخطيط للتنمية وبأسلوب التنفيذ مع وضع المستويات الاقتصادية والاجتماعية في الاعتبار فإن التخطيط الإعلامي هو أيضاًَ ترتيب وتنظيم ذلك بوضوح اعتماداً على أن الإطار الثقافي هو الذي يخلق فكر كافة الأفراد في المجتمع.
? دور الإعلام في دعم العملية التعليمية:
في مجال التعليم يستطيع الإعلام –بل يحب- أن يقوم بدور مهم في خدمة التعليم وقضاياه المتعددة، فإذا كنا نؤكد على التوجه العالمي الجديد في تأكيد أهمية الاستثمار في التعليم على مستوى الحكومات والقطاع الخاص فإن هذا الاستثمار يتجاوز ذلك إلى إقناع أفراد المجتمع بجدوى الاستثمار في التعليم وبأن ما ينفقه الأب على تعليم أبنائه أهم وأكثر مردودية من أي وجه من وجوه الإنفاق الأخرى.
إن المعضلة الرئيسية التي يواجهها التعليم في بلدان العالم الثالث أننا ننظر إلى التعليم كمهمة من مهام الحكومة ولا نعتبره هما أسرياً ينبغي أن يشارك فيه كل بيت، وليس من المبالغة في شيء أن نجد من الآباء من لا يعرف السنة الدراسية التي يدرس بها بعض أبنائه!!(1/5)
إدخال التعليم إلى بؤرة اهتمام كل بيت وإقناع أفراد المجتمع بأن المسألة تخصه وأبناءه قضية إعلامية من الدرجة الأولى، ويجب أن تجند لها مختلف وسائل الإعلام.
قبل أكثر من عقد لاحظ الأمريكيون تدني مستوى التحصيل والاستيعاب لطلاب المدارس الأمريكية مقارنة بنظرائهم في اليابان وبعض البلدان الأوروبية، عندها قامت الدنيا ولم تقعد في المجتمع الأمريكي، وأصبحت المسألة قضية أمن قومي، وعقد لها مؤتمر بعنوان (أمة في خطر)، وانبرت وسائل الإعلام تناقش مستقبل التعليم الأمريكي حتى غدت القضية حديث كل بيت.
إن إعلامنا مطالب بتغيير كثير من الأفكار التي تنظر إلى التعليم كمجرد وسيلة للحصول على شهادة تيسر السبيل إلى فرصة عمل، فالتعليم الناجح ليس هو الذي يخرج موظفين بل أناس قادرين على التفكير الخلاق وحل مشكلات المجتمع وقضاياه.
إن التحديات التي واجهت ومازالت تواجه التنمية في العالم الثالث ليست تحديات مادية اقتصادية، بل فكرية ذهنية أيضاًَ، في المجتمعات العربية –بما فيها مجتمعنا السعودي- مازال ينظر إلى التعليم الفني والحرفي كدرجة أقل من التعليم الجامعي وما يعنيه ذلك من تكدس خريجي هذا النوع من التعليم، بينما لعب خريجو "كليات المجتمع" في البلدان الغربية الدور الكبير في إنجاز خطط التنمية.
بل إن قيمة العمل تختلف في مجتمعاتنا فهي لا تتبع فقط تقسيم العمل إلى العمل الحلال والعمل الحرام، بل أيضاً للعمل ترتيباً يضع العمل الحرفي في أسفل سلم العمل.(1/6)
في المجتمع السعودي يوجد حوالي سبعة ملايين وافد بينما بدأت تظهر مشكلة البطالة بين شبابنا، وتتفاوت تقديرات أعداد العاطلين منهم بين نصف مليون ومليون ونصف، أي أننا أمام مشكلة مفتعلة فهي ليست مشكلة بطالة بل تأهيل الشباب وإقناعهم للعمل في مهن معينة، وهنا يبرز دور الإعلام في محاربة الأفكار التي تحط من شأن التعليم الفني ومخرجاته وتعلي من شأن التعليم الجامعي ومخرجاته وتنظر إلى مهن محددة نظرة دونية.
ولاشك أن وسائل الإعلام تستطيع أن تقوم بدورها في هذا الصدد من خلال وظائفها المختلفة، وبما تملكه من خصائص تميزها عن غيرها من الوسائل الأخرى.
? وظائف وسائل الاتصال:
تتم أشكال الاتصال من خلال استخدام وسائل مختلفة لتوصيل الرسالة سواء كانت بالكلام أم باللغة المكتوبة أم بالإشارات الرمزية أم بالصوت والصورة أم باستخدام آلات ووسائل تنقل تلك الرسائل مثل البرق والهاتف والفيلم والتسجيلات والراديو والتليفزيون والصحافة والكومبيوتر، ويمكن استخدام أكثر من صيغة في عملية الاتصال.
ويكمن دور الاتصال التنموي من خلال وظائف عمليات الاتصال المرتبطة بهدف التكيف والتواؤم البيئي للمجتمع الذي يتحقق من خلال نظام التغيير لإنجاز التنمية والابتكار والتحديث وهذه الوظائف تتمثل فيما يلي:
? الإخبار: حيث تقوم بنقل الأخبار بمختلف أنواعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية سواء كانت محلية أو عالمية وقد ساعد التطور التقني لهذه الوسائل وانتشار الفضائيات على جعل العالم قرية كونية فأصبح الإنسان أكثر اتصالاً بالعالم الخارجي فضلاً عن اتصاله بمجتمعه.
? الإعلام والتعليم: حيث تقدم وسائل الإعلام نوعاً من المعلومات المنهجية لتدعيم عملية التعليم الرسمي أو معلومات تكسب المرء مهارات جديدة في إطار التعليم غير الرسمي.(1/7)
? ترابط المجتمع: حيث تعمل وسائل الإعلام على ترابط المجتمع والحفاظ على كيانه ومعتقداته وعاداته وتقاليده وتوحيد أهدافه وربط الأفراد بعضهم ببعض وربطهم بحكومتهم، فوسائل الإعلام في المجتمع كالجهاز العصبي في الجسم كلاهما يعمل على تماسك الأعضاء وتنسيق حركاتها.
? الرقابة: حيث تلعب وسائل الإعلام دوراً مسانداً للحكومة في الرقابة والإشراف على البيئة التي يتم فيها الاتصال وذلك لكشف ما يهدد قيم المجتمع ويؤثر فيها، كما تلعب دوراً رئيسياً في الدفاع عن مصالح الناس وهي وظيفة ملحة في العالم الثالث حيث تحتاج هذه الدول على تعبئة جهودها الوطنية من أجل التنمية وهذا يستدعي كشف كل المعوقات وأشكال الفساد والمحاباة والمحسوبية وعدم الكفاءة والفشل في إدارة المشاريع وتنفيذها وهذه وظيفة أساسية لتقدم المجتمعات.
? تكوين الآراء والاتجاهات: تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في تكوين الرأي العام ويتصل بهذه الوظيفة وظيفة ترتيب الأولويات –وضع الأجندة- حيث تعد تكنيكاً خاصاً يستخدم لتكوين الآراء وترتيب الموضوعات لدى الجمهور حسب أولوياتها وحسب التركيز التي تلقاه من قبل وسائل الإعلام.
? الترفيه: حيث تعمل وسائل الاتصال على تحقيق بعض الإشباعات النفسية والاجتماعية لإزالة التوتر الإنساني على مستوى الأفراد والجماعات في أي مجتمع، من هنا لجأت إلى التنويع في برامجها من حيث الشكل والمضمون.
ويهمل العديد من دارسي الإعلام أهمية الدور الترفيهي في العملية التنموية برغم أهميته حيث يمكن من خلاله تسريب قيم تنموية ونماذج للاحتذاء تساعد على دعم العمل التنموي، بالإضافة إلى أن الترفيه يعمل على الحفاظ على جمهور الوسيلة الإعلامية بدلاً من تسربه على الوسائل المنافسة.
? الإعلان والترويج: وهي من الوظائف الرئيسية للاتصال لخدمة المنتج والمستهلك والوسيلة التي يتم فيها الإعلان مما ينشط الحركة الاقتصادية والتجارية والوطنية والعالمية.(1/8)
ويرى عالم الاتصال المعروف (شرام) أن وسائل الاتصال يمكن أن تقوم بدور كبير فيما يلي:
? دعم الشعور بالانتماء للأمة.
? التخطيط القومي والتعبير عنه.
? المساعدة في تعلم المهارات للأفراد.
? تهيئة الناس للقيام بأدوار جديدة تتلاءم مع خطوات الخطة القومية.
? المساعدة في توسيع الأسواق العملية.
ولاشك أن هذه الوظائف ترتبط بحاجات الأفراد كالحاجة إلى المعرفة والاندماج الاجتماعي وغيرها. وجدير بالذكر أن شمولية وسائل الإعلام ومحاصرتها للإنسان في كل مكان وزمان وهيمنتها على بيئة المعلومات يمكنها من إيصال رسالتها إلى الجمهور والتأثير فيه.
ولا يجادل أحد في أهمية الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام في تغيير الاتجاهات وتشكيل الرأي العام ووضع أجندة الجمهور، فهي محرك اجتماعي فاعل واستثمار اقتصادي ناجح في العمل على زيادة مساهمة الجمهور في دعم العملية التعليمية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
? إعادة الرسائل الإعلامية على مدى زمني معين (التكرار) مما يعزز تأثيرها.
? التركيز على جمهور معين تستهدفه الراسلة الإعلامية.
? تحديد الأهداف بعناية ليقوم القائم بالاتصال بإنتاج رسائل منسجمة مع هذه الأهداف.
? دور وسائل الإعلام في التعبئة:
تلعب وسائل الإعلام الجماهيري دوراً كبيراً في تحريك الناس حيث أنها تسهم بكفاءة في نشر التعبئة النفسية بين الناس، ونتيجة لزيادة وسائل الإعلام اليوم فإنها تلعب دوراً مضاعفاً في عملية الحراك الاجتماعي وفي انتشار الشخصية المتحركة وتصبح بديلاً لانتقال الفرد مادياً (الهجرة والسياحة) إلى مكان آخر؛ إذ أنها تدخل إلى المجتمعات التقليدية لتنقل إليها العالم الخارجي مما يؤدي إلى شحذ الخيال وإثارة الطموحات وزيادة التوقعات.(1/9)
أي أن وسائل الإعلام الجماهيري تعمل على أن تجعل الحراك الذهني الخيالي بديلاً للحركة المادية البدنية، وحيث أن التحضر حالة ذهنية توفر للفرد الاستعداد للتغيير والتكيف فإن دور وسائل الإعلام الجماهيري يصبح مهماً في توسيع آفاق الناس وتزويدهم بعناصر ترفد تطلعاتهم وتشحذ خيالهم بخبرات الآخرين وهذا يساعد في نمو الشخصية المتحركة ويزيد من التقمص لأنها تعلم الناس مواقف جديدة وخبرات غريبة عنهم وآراء لم يختبروها من قبل.
يتأكد دور وسائل الإعلام في نشر التعبئة والتحريك النفسي بكفاءة بين الناس الذين حصلوا على شروط مسبقة للتحريك الجغرافي والاجتماعي، فالناس الذين يعيشون معاً في ظل نظام سياسي واحد يطورون طرقاً لتوزيع المعلومات تتدفق بتفاعل مع توزيع السلطة والثروة والوضع الاجتماعي لتشكل نظماً تنسجم بإحكام بحيث أنه لو تم اختلاف مؤسساتي في قطاع ما فيه يصاحب باختلاف في القطاعات الأخرى، وهكذا يوجد تفاعل بين الأنظمة الاتصالية والاجتماعية حيث يعد نظام الاتصال أحد عوامل التأثير والتغيير في النظام الاجتماعي الشامل.
حينما يتسلح الناس بطريقة يستطيعون فيها القيام بأعباء تجربة التحديث الجديدة فإنهم يتسلحون بالتعليم لتجربتهم الجديدة التي انتقلت إليهم عبر وسائل الإعلام، وسنشدون الرضا لدمج مهاراتهم الجديدة تلك، ولذا ففن المشاركة الإعلامية ترفع من المشاركة في جميع القطاعات النظام الاجتماعي لما تقدمه من معلومات ومعارف وخبرات وتجارب جديدة للناس.
? دور وسائل الإعلام في التنمية من خلال نظرية نشر الأفكار المستحدثة:
أهتم علماء الاجتماع بكيفية تغيير النظم الاجتماعية عن طريق نشر الأفكار المستحدثة أما علماء الاتصال فاهتموا بكيفية استخدام الأنشطة الاتصالية لدعم ونشر الموافقة والقبول للمنتجات والأفكار الجديدة. واستطاعت الدول المتقدمة تحقيق نجاحات كبيرة في هذا الشأن.(1/10)
وكان للعالم (أفريت روجز) السبق في بناء نظرية الاتصال والأفكار المستحدثة، وقد أشار إلى أهمية الاتصال في عملية التغيير الاجتماعي التي تمر بثلاث مراحل متعاقبة وهي:
? الاختراع الذي يتم بواسطته خلق أو تطوير الأفكار الجديدة.
? الانتشار ويقصد به العملية التي تتم بواسطتها توصيل هذه الأفكار الجديدة على الجمهور.
? النتائج ويقصد بها التغيرات التي تحدث داخل النظام الاجتماعي كنتيجة لتبني أو رفض الأفكار الجديدة.
وعملية اتخاذ القرارات في الفكرة المستحدثة تمثل بالمراحل التالية:
? مرحلة الوعي والمعرفة بوجود الفكرة الجديدة من خلال وسائل الأصال المختلفة.
? مرحلة الاهتمام بالفكرة الجديدة والبحث عن معلومات عنها.
? مرحلة التعميم حيث يختار الفرد تبني الفكرة المستحدثة أو رفضها.
? مرحلة التجريب أو المحاولة حيث يحاول الفرد تجربة الفكرة الجديدة على نطاق ضيق لتقرير الموافقة أو الرفض.
? مرحلة التبني حيث يستخدم الفرد الفكرة الجديدة بصفة مستمرة على نطاق واسع وتتم المرحلة الأخيرة بناء على عدة صفات في الفكرة وهي:
o تميزها عن الأفكار أو المنتجات السابقة.
o التوافق والانسجام مع النظم والتقاليد القائمة في المجتمع.
o درجة تعقد الفكرة الجديدة وصعوبة فهمها أو استخدامها.
o القابلية للتجريب على نطاق ضيق.
o القابلية للملاحظة أي درجة رؤية نتائج الفكرة المستحدثة من قبل الآخرين.
لاشك أن الفرد يجمع معلومات عن الفكرة في مختلف مراحلها وتختلف مصادر المعلومات باختلاف كل مرحلة، فوسائل الاتصال الجماهيرية أكثر تأثيراً في المرحلة الأولى إذ تتسم بقدرتها على جعل الأشياء معروفة للجمهور.
? دور وسائل الإعلام في ترتيب الأولويات عند الجمهور (وضع الأجندة):(1/11)
يؤكد علماء الاتصال وجود علاقة إيجابية بين ما تركز عليه وسائل الإعلام في رسائلها وبين ما يراه الجمهور هاماً، فهي تسهم بدور كبير في ترتيب الأولويات لدى الجمهور ومن ثم فإنها تقوم بمهمة تعليمية حيث ترشد وتعلم الناس عما يتحدثون.
وتبعاً لهذا فإن الجمهور لا يتعلم من وسائل الإعلام فحسب حول المسائل العامة والأمور الأخرى ولكنه يتعلم كذلك كم تبلغ هذه المسائل من أهمية تبعاً لما تلقاه من قبل وسائل الإعلام.
وبمعنى آخر فإن الإعلاميين يلعبون دوراً مهماً في تشكيل حياتنا الاجتماعية حينما يمارسون دورهم في اختيار وعرض الأخبار علينا وترتيب الأولويات فيها.
وظيفة وضع الأجندة للاتصال الجماهيري تتمثل في مقدرتها للتأثير على تغيير المعرفة عند الأفراد وتقوم ببناء تفكيرهم، وهنا يكمن أهم تأثير لوسائل الاتصال وهو مقدرتها على ترتيب العالم وتنظيمه عقلياً لنا.
إن ترتيب الأولويات كوظيفة تأثيرية لوسائل الإعلام تتمثل عملياً في كونها نصيراً أكبر في صنع الثقافة السياسية للجمهور بحيث أنها تربط بين تصور إدراك الناس للواقع السياسي وبين الشؤون السياسية اليومية.
ويمكن أن تلعب وسائل الإعلام من خلال وظيفة وضع الأجندة دوراً اجتماعياً بتحقيق الإجماع حول بعض الاهتمامات عند الجمهور التي يمكن أن تترجم فيما بعد باعتبارها رأياً عاماً.
وجدير بالذكر أن بعض أصحاب القرار في المؤسسات المختلفة يستطيعون أن يؤدوا دوراً في ترتيب الأولويات –وضع الأجندة- حيث يمكنهم إشراك وسائل الإعلام في تبني بعض قضايا الأجندة المؤسساتية وطرحها على الجمهور والتركيز عليها إلى أن تصبح من الأولويات المنتظمة لأجندة وسائل الإعلام.(1/12)
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام تستطيع أن تحقق فعاليتها القصوى كوسائل تنموية إذا أخذت في الاعتبار عدة عوامل منها: ما يمتلكه المتصل من خبرة، ودراية بالبيئة التي يتم فيها الاتصال، وقدرة على تحديد الهدف تحديداً دقيقاً وفهم للجمهور ومعرفة خصائصه واهتماماته والعوامل الانتقائية المؤثرة في سلوكه الاتصالي، وإعداد الرسالة المناسبة لنوعية الجمهور والقادرة بأسلوبها على اجتذابه مع مراعاة اختيار الوسيلة المناسبة.
المراجع :
1- محمد منير حجاب: الإعلام والتنمية ط3, 2001م.
2- اليونسكو: تمويل التعليم – الاستثمارات والعوائد, دراسة منشورة على الموقع.
3- د. شاهيناز طلعت: وسائل الإعلام والتنمية الشاملة, القاهرة 1995م.
4- د. محمد سيد محمد: الإعلام والتنمية, القاهرة, 1998م.
5- صالح خليل أبو أصبع: الاتصال الجماهيري (عمان, در الشروق, 1999م).
6- جيهان أحمد رشتي: الأسس العلمية لنظرية الإعلام, القاهرة, 1993م.
7- ولبر شرام: أجهزة الإعلام والتنمية الوطنية, ترجمة محمد فتحي, 1970م.
ملخص ورقة عمل
الإعلام والتعليم شركاء في التنمية
الإعلام والتعليم والتنمية:
التنمية الشاملة هي الحل الأمثل للأزمات والتحديات التي تواجه مجتمعاتنا العربية..
وإذا كان التعليم والنهوض به يعد من أهم المسائل الرئيسية التي تدعم التنمية والاقتصاد فإن الإعلام هو الوسيلة لتحقيق أهداف التنمية والتطوير ومواكبة خطط الدولة والتعريف بأهدافها.
وتتناول الورقة عدة جوانب بالتفصيل منها:
الإعلام وتنمية المجتمع: ومن هذا الدور الخلاق الذي يضطلع به الإعلام جاءت تسمية دور الإعلام بالهندسة الاجتماعية. إذ أن الدور الجوهري للتنمية الاجتماعية يتطلب وعياً فردياً عالياً ومن ثم اجتماعياً وهذه المهمة منوطة بالتعليم والإعلام معاً من حيث تعديل أفكار المجتمع ونظرة الأفراد تجاه سلم الأولويات وقيم العمل وارتباطها بالناتج الاقتصادي والثقافي.(1/13)
دور الإعلام في دعم العملية التعليمية:
لا بد أن يتصدى الإعلام لخدمة التعليم وقضاياه المتعددة.. وإذا كان التوجه العالمي الجديد يؤكد على الاستثمار في التعليم فإن مسؤولية الإعلام هو إقناع الأفراد والمجمع بشكل كامل بأهمية هذا التوجه وتظهر هنا مقولة الأمة في خطر التي أطلقها الأمريكيون حينما قارنوا مستوى تحصيل طلاب المدارس الأمريكية مقارنة بنظرائهم في اليابان.
وظائف وسائل الاتصال:
يمكن دور الاتصال التنموي من خلال وظائف عمليات الاتصال المرتبطة بهدف التكيف والتواؤم البيئي للمجتمع.
وهذه الوظائف تتمثل في:
الأخبار, والإعلام والتعليم, وترابط المجتمع, والرقابة, وتكوين الآراء والاتجاهات حيث تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في تكوين الرأي العام.
دور وسائل الإعلام في التعبئة
يتأكد دور وسائل الإعلام في نشر التعبئة والتحريك النفسي بكفاءة بين الناس الذين حصلوا على شروط مسبقة للتحريك الجغرافي والاجتماعي.
دور وسائل الإعلام في التنمية من خلال نظرية نشر الأفكار المستحدثة. كان للعالم (أفريت روجرز) السبق في بناء نظرية الاتصال والأفكار المستحدثة وقد أشار إلى أهمية الاتصال في عملية التغيير الاجتماعي التي تمر بثلاث مراحل متعاقبة وهي:
- الاختراع الذي يتم بواسطته خلق أو تطوير الأفكار الجديدة.
- الانتشار ويقصد به العملية التي تتم بواسطتها توصيل هذه الأفكار الجديدة.
- النتائج ويقصد بها التغيرات التي تحدث داخل النظام الاجتماعي كنتيجة لتبني أو رفض الأفكار الجديدة.
دور وسائل الإعلام في ترتيب الأولويات عند الجمهور(1/14)
تسهم وسائل الإعلام بدور كبير في ترتيب الأولويات لدى الجمهور ومن ثم فهي تقوم بمهمة تعليمية حيث ترشد وتعلم الناس عما يتحدثون ولهذا فإن الجمهور يتعلم كم تبلغ هذه المسائل من أهمية تبعاً لما تلقاه من اهتمام من وسائل الإعلام.. ولذا فإن الإعلاميين ووسائل الإعلام هم من يتولون وضع وترتيب الأولويات حينما يمارسون دورهم في اختيار وعرض الأخبار علينا.. ووضع الأجندة للاتصال الجماهيري من خلال تكامل دورهم مع دور صناع القرار.(1/15)