الإعلام
بتخبير المصلي بمكان وضع اليدين
بعد تكبيرة الإحرام
تقديم
فضيلة العلامة المحدث الشيخ
مقبل بن هادي الوادعي
تأليف
خالد بن عبد الله بن محمد الشايع
1421هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
فقد اطلعت على رسالة الشيخ خالد الشايع ( الإعلام ) فوجدته حفظه الله قد بذل جهدا مشكورا وسلك مسلك المحدثين تصحيحا وتضعيفا والحكم على كل حديث أو أثر بما يستحقه و أبان الحق في هذه المسألة فجزاه الله خيرا ووفقه لمواصلة السير في خدمة السنة النبوية
مقبل بن هادي الوادعي
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
طالما كانت هذه المسألة تدور بخلدي ، وأعجب من قوة الخلاف النظري فيها ، وسرعة تقلب الآراء فيها ، حتى يسر الله سبحانه إمعان النظر في أدلتها ، ومحاولة استقصائها والنظر في كلام أهل العلم فيها .
فخرجت هذه الرسالة ، وكانت نشأة هذه الرسالة المتواضعة ، بحث خاص إلا أنني لما فرغت منها ، أحببت معرفة آراء العلماء وطلبة العلم في خلاصة البحث وطريقة عرضه ، وهل كانت النتيجة موفقة أم لا . فعرضته على بعض طلبة العلم ممن لهم عناية بدراسة الأسانيد فكانت الموافقة منهم على نتيجة هذا البحث . وقد أفادني غير واحد منهم بما يزين هذا البحث ويكمل النقص ، وأخص منهم الشيخين الفاضلين الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان والشيخ عبد العزيز بن عبد الله الشايع ، أثاب الله الجميع خيرا .(1/1)
ونزولا عند رغبة الأكثرين ممن اطلع عليها ، حيث نصحوا بنشرها لتعم الفائدة ، أجبت إلى ذلك مع قلة البضاعة وصعوبة الطريق والله المستعان .
وقد سميتها ( الإعلام بتخيير المصلي بمكان وضع اليدين بعد تكبيرة الإحرام ) ولقد قسمت هذه الرسالة إلى عدة مباحث :
المبحث الأول : حول إنكار المقلد على المخالف .
المبحث الثاني : بيان أن السنة هي وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة .
المبحث الثالث : ذكر صفة القبض .
المبحث الرابع : أقوال الفقهاء في مكان وضع اليدين حال القيام في الصلاة .
المبحث الخامس : خلاصة أقوال أهل العلم في المسألة .
المبحث السادس : ذكر أدلة كل قول ومناقشته .
المبحث السابع : في زيادة الثقة .
ثم ختم البحث بالخلاصة من استعراض الأدلة والحكم عليها .
ومن باب ذكر الفضل لأهله فلست الأسبق في هذه المسألة ، بل إن جمعا من أهل العلم طرقوا هذه المسألة استقلالا وضمنا ، كرسالة الشيخ محمد حياة السندي ( فتح الغفور في وضع الأيدي على الصدور ) مع أنني لم أطلع عليها الا بعد الفراغ من كتابة هذه الرسالة .
وكذلك الشيخ المباركفوري في شرحه للترمذي ( تحفة الأحوذي ) حيث نقل عن بعض علماء الحنفية ، وقد نقلت منه جزءا وهو معزو في الرسالة .
كما تكلم الشيخ بكر أبو زيد على هذه المسألة في كتابه لا جديد في أحكام الصلاة وغيرهم ، إلا أنني لم أطلع مع ضعف البحث على من استقصى المسألة منفذا الأقوال والأدلة .
تنبيه : وعندما كانت الرسالة في مرحلة الصف من الطباعة ، زودني أحد الأخوة برسالة تبحث في هذه المسألة وسماها مؤلفها ب( إتحاف السراة ) ، فثنى عزمي عن طباعتها وإخراجها ، حيث أن الباحث توصل إلى نفس النتيجة ، الا أن بعض الأخوة طلب مني طباعتها لتباين الأسلوب في الطرح والعرض ، فقارنت بين الرسالتين ، فوجدت اختلافا كثيرا وفوائد مبثوثة في كلتا الرسالتين لا يستغني عنها طالب العلم .(1/2)
فمن ذلك وهو لبها أن الباحث لم يتطرق لبحث الآثار مع كثرتها ، ولا يخفى أن عامة أدلة الفقهاء في هذه المسألة من الآثار ، وببحثها يستنير القارئ وتتضح المسألة . ولقد استقصيت جميع الآثار في ذلك إلا ما ند عني لقلة العلم .
كما وجدت بعض الفروق في الحكم على بعض الأحاديث كحديث هلب الطائي وان كانت النتيجة واحدة .
وقد أدخلت مباحث لا يستغني عنها القارئ ، كبيان أن السنة هي وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في أثناء القيام في الصلاة ، وكمبحث صفة القبض ، و أفردت مبحثا في زيادة الثقة عند علماء المصطلح وغير ذلك ، ولما كانت الفائدة هي مقصد الباحث والقارئ استجبت لرغبة الأخوة ، وأكملنا إخراج هذه الرسالة ، والله من وراء القصد .
وان من توفيق الله تعالى أن يسر لي عرض هذا البحث على فضيلة شيخنا المحدث مقبل بن هادي الوادعي في حج عام 1421 ه ، وطلبت منه كتابة تقدمة لهذه الرسالة فأجاب مشكورا مع ما يحمله من المرض شفاه الله وعافاه وجمع له بين الأجر والعافية .
والله المسؤول وحده أن يجعل هذه الرسالة عملا صالحا مقربا إليه خالصا لوجهه الكريم و أن يعفو عن الخطأ ويغفر الزلة انه جواد كريم .
وصلي الله وسلم وبارك على معلم الأمة وهاديها بإذن ربها من الضلالة إلى الهدى وعلى من اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين .
المبحث الأول : حول إنكار المقلد على المخالف :
إن الواجب علينا جميعا ، ممن أراد أن يسلك طريق طلب العلم أن يسعى جاهدا في تأصيل علمه في جميع الفنون حتى يبرأ من التقليد في جميع علومه ، وهذا مطلب عزيز وفيه صعوبة إلا على من وفقه الله تعالى .
لأن من سلك هذه الطريق بلغ بإذن الله تعالى درجة الاجتهاد .
وعلى طالب العلم أن لا يحتقر نفسه ، و أن يسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق ، فانه إذا صحت النية ، وطلب العلم على أصوله حصل التوفيق باذن الله تعالى .(1/3)
وان مما ينبغي الإحاطة به أن طالب العلم أن لم يكن هكذا فانه لا ينبغي له أن ينكر على من خالفه في الاجتهاد والتقليد إذا كان على مذهب السلف ، وذلك لأنه يقلد غيره في بعض أصول المسألة ، فهو في الحقيقة متبع لغيره في قوله أو معتمد عليه فإذا أنكر على غيره فهو داع إلى قول من قلده ، والواجب الدعوة إلى الكتاب والسنة .
أما من كان على درجة من خلالها يستطيع تمييز الأدلة ومعرفة القول الراجح من غير تقليد ، فهو إن أنكر على غيره فانه يكون منكرا على من خالف الكتاب والسنة ، وداعيا إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة بمفهوم سلف الأمة .
وحتى لا يقع الخطأ في الفهم لهذه النقطة التي وللأسف لم نسلم منها جميعا إلا من رحم الله تعالى ، فان المقصود من الإحاطة بالفنون والعلوم هو أن يتعلم من كل فن أصوله وقواعده الأساس ، حتى إذا نظر في مسألة من المسائل فلا يحتاج إلى التقليد البحت بل يمكنه المفاضلة بين الأقوال ومعرفة الأدلة الصحيحة من الضعيفة بما لديه من قواعد أصول .
فان لم يكن كذلك اضطر إلى التقليد المذموم .
- كما ينبغي أن نعلم جميعا أن طالب العلم ينبغي أن يكون سمحا رحب الصدر مع أخيه المسلم السني ، وأن يعلم أنهما يطلبان الحق والدليل ، وكل على خير .
- أما من كانت بضاعته التقليد البحت ، ويتعصب للقول المختار عنده وينكر على من خالفه ، فهذا مخالف لشرع الله تعالى الآمر بالتحاكم إلى الكتاب والسنة ( وما اختلفتم فيه من شئ ، فحكمه إلى الله ) ، ( فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والى الرسول ذلك خير وأحسن تأويلا ) .
فمن هذا الباب وجب علينا جميعا أن نسعى جاهدين لطلب العلم من مصادره الأصلية على أهل العلم حتى نعبد الله تعالى على علم وبصيرة ويقين .
المبحث الثاني : أن السنة هي وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة.
اختلف أهل العلم في هيئة اليدين أثناء القيام في الصلاة .(1/4)
قال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط ( 3 / 92 ) : ثبن أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأخذ شماله بيمينه إذا دخل في الصلاة ، وكذا نقول ، وممن رأى أن توضع اليمنى على اليسرى في الصلاة : مالك بن أنس وأحمد وإسحاق وحكى ذلك عن الشافعي ، وقال أصحاب الرأي ( يستحب أن يعتمد بيده اليمنى على اليسرى وهو قائم في الصلاة ) .
وقد روينا عن غير واحد من أهل العلم أنهم كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة إرسالا .
ولا يجوز أن يجعل إغفال من أغفل استعمال السنة أو نسيها أو لم يعلمها حجة على من عملها وعمل بها ، فممن روينا عنه أنهكان يرسل يديه عبد الله بن الزبير والحسن البصري وابراهيم النخعي وابن سيرين ، وروي عن سعيد بن جبير أنه رأى رجلا يصلي واضعا إحدى يديه على الأخرى فذهب ففرق بينهما ا . ه .
وقال ابن قدامة في المغني ( 1 / 514 ) : أما وضع اليمين على اليسار في الصلاة فمن سنتها في قول كثير من أهل العلم .
يروى ذلك عن على وأبي هريرة والنخعي وأبي مجلز وسعيد بن جبير والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وحكاة ابن المنذر عن مالك وظاهر مذهبه الذي عليه أصحابه إرسال اليدين وروي ذلك عن ابن الزبير والحسن ا . ه .
وقال ابن حجر في الفتح ( 2 / 262 ) : قال ابن عبد البر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين ، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره .
وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال ، وصار إليه أكثر أصحابه ، وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة ، ومنهم من كره الإمساك ، ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة ا . ه . ، وكذا نقل الزرقاني في شرحه على الموطأ ( 1 / 321 ) .
وانظر كلام ابن عبد البر في التمهيد ( 4 / 564 ) فتح البر .
وقال النووي في المجموع ( 3 / 267 ) : قال أصحابنا السنة أن يحط يديه بعد التكبير ، ويضع اليمنى على اليسرى .(1/5)
وبه قال على بن أبي طالب و أبو هريرة وعائشة وآخرون من الصحابة رضي الله عنهم
وسعيد بن جبير والنخعي وأبو مجلز وآخرون من التابعين .
وسفيان الثوري و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد وإسحاق و أبو ثور وداود وجمهور العلماء .
وقال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وحكى ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير والحسن البصري والنخعي أنهم كانوا يرسلون أيديهم ولا يضعون إحداهما على الأخرى ، وحكاه القاضي أبو الطيب عن ابن سيرين ، وقال الليث بن سعد : يرسلهما ، فإن طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة ، وقال الأوزاعي : هو مخير بين الوضع والإرسال ، وروى ابن عبد الحكم عن مالك الوضع ، وروى عنه ابن القاسم الإرسال وهو الأشهر وعليه جميع أهل المغرب من أصحابه أو جمهورهم ا.ه ه .
هذا كلام بعض ؟أهل العلم في هذه المسألة ، والحجة في الدليل من الكتاب والسنة ، وفيما يأتي بيان ذلك :
الأدلة في المسألة :
أخرج البخاري في صحيحه ( 2 / 262 ) مع الفتح ( باب وضع اليمنى على اليسرى ) من حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ، قال أبو حازم : لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
و أخرج مسلم في صحيحه ( 1 / 301 ) من حديث وائل ابن حجر – رضي الله عنه - .. وفيه ( ثم وضع يده اليمنى على يده اليسرى ) .
وأخرج الإمام أحمد في مسنده ( 5 / 226 ) وغيره من حديث هلب الطائي قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه ) .
وهناك آثار موقوفة على الصحابة ، ومقطوعة على التابعين ، وغيرها يأتي ذكرها في أدلة الأقوال في مكان وضع اليدين أثناء القيام في الصلاة .
من خلال ذلك يتبين أن السنة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة أثناء القيام ، وأن القول بالسدل خلاف السنة الصريحة الصحيحة . والله تعالى أعلم .(1/6)
المبحث الثالث : ذكر صفة قبض اليمنى على اليسرى .
الذي تدل عليه الأدلة من السنة الصحيحة ، أن للقبض صفتين هما :
أن يضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد .
ودليل ذلك ما أخرجه الإمام أحمد ( 4 / 318 ) وغيره من حديث وائل بن حجر – رضي الله عنه – قال : قلت : ( لأنظرن إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كيف يصلي ؟ فنظرت إليه وقد وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد ) . والرسغ : مفصل ما بين الكف و الذراع ( اللسان : مادة رسغ ) .
أن يضع اليد اليمنى على ذراعه اليسرى .
ودليل ذلك ما أخرجه البخاري ( 2 / 262 ) مع الفتح من حديث سهل بن سعد قال : ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة .. ) .
وهذا هو اختيار سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعليقه على الفتح من دروس عام 1411 ه .
المبحث الرابع : أقوال الفقهاء في مكان وضع اليدين حال القيام في الصلاة :
قال في المغني ( 1 / 515 ) : اختلفت الروايات في موضع وضعهما ، فروي عن أحمد أنه يضعهما تحت سرته ، وروى ذلك عن علي وأبي هريرة و أبي مجلز والنخعي والثوري وإسحاق .
وعن أحمد أنه يضعهما فوق السرة ، وهو قول سعيد بن جبير والشافعي وعنه أن مخير في ذلك لأن الجميع مروي و الأمر في ذلك واسع . ا . ه .
وقال في المجموع ( 3 / 269 ) : المستحب جعلهما تحت الصدر فوق سرته وبهذا قال سعيد بن جبير وداود وقال أبو حنيفة والثوري وإسحاق يجعلهما تحت السرة وبه قال أبو إسحاق المروزي من أصحابنا ... ، وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة والنخعي و أبي مجلز وعن على بن أبي طالب روايتان إحداهما : فوق السرة ، والثانية : تحتها ، وعن أحمد ثلاث روايات هاتان والثالثة : التخيير بينهما ولا تفضيل ا . ه .
وقال بن المنذر في الأوسط ( 3 / 93 ) : واختلفوا في المكان الذي توضع عليه اليد من السرة :(1/7)
فقالت طائفة : تكونان فوق السرة ، وروي عن على أنه وضعهما على صدره وروي عن سعيد بن جبير أنه قال فوق السرة .
وقال أحمد بن حنبل : فوق السرة قليلا وان كان تحت السرة فلا بأس .
وقال آخرون : وضع الأيدي على الأيدي تحت السرة ، روى هذا القول عن علي بن أبي طالب و أبي هريرة وإبراهيم النخعي و أبي مجلز و به قال سفيان الثوري وإسحاق .
وقال قائل : ليس في المكان الذي يضع عليه اليد خبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن شاء وضعهما تحت السرة وان شاء فوقها ا . ه .
وقال ابن عبد البر في التمهيد ( فتح البر 4 / 564 ) :
روي عن مجاهد أنه قال : إن كان وضع اليمين على الشمال فعلى كفه أو الرسغ عند الصدر وكان يكره ذلك .
ولا وجه لكراهية من كره ذلك ، لأن الأشياء أصلها الإباحة، ولم ينه الله عن ذلك ولا رسوله ، فلا معنى لمن كرهه ، هذا لو لم يرو إباحته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف وقد ثبت عنه ما ذكرناه ، وكذلك لا وجه لتفرقة من فرق بين النافلة والفريضة ، ولو قال قائل : إن ذلك في الفريضة دون النافلة ، لأن أكثر ما كان يتنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ليلا ، ولو فعل ذلك في بيته لنقل ذلك عنه أزواجه ، ولم يأت عنهن في ذلك شئ ا . ه .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار ( 2 / 211 ) :
الحديث استدل به من قال إن الوضع تحت السرة وهو أبو حنيفة وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه و أبو إسحاق المروزي من أصحاب الشافعي ، وذهبت الشافعية – قال النووي وبه قال الجمهور – إلى أن الوضع يكون تحت صدره فوق سرته .
وعن أحمد روايتين كالمذهبين ، ورواية ثالثة أنه يخير بينهما ولا ترجيح .
وبالتخيير قال الأوزاعي وابن المنذر ، قال ابن المنذر في بعض تصانيفه : لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شئ فهو مخير .
وعن مالك روايتان : إحداهما : يضعهما تحت صدره ، والثانية يرسلهما ولا يضع إحداهما على الأخرى . ا . ه .(1/8)
وجاء عن القاضي عياض وضعهما عند النحر ، كما ذكره العلامة الألباني رحمه الله في صفة الصلاة ص 61 ، وروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما عند تفسير قوله تعالى : ( فصل لربك وانحر ) .
المبحث الخامس : خلاصة أقوال أهل العلم في المسألة :
يتلخص مما سبق ذكره عن أهل العلم من الأقوال التي لها حظ من النظر :
القول الأول : أن اليدين توضعان في أثناء القيام عند الصدر .
وهو المشهور من مذهب الشافعية .
القول الثاني : أن اليدين توضعان تحت الصدر فوق السرة .
مذهب الشافعي ورواية عن أحمد .
وهذا القول والذي قبله كأنهما واحد لأن تحت الصدر فوق السرة هو عند الصدر .
القول الثالث : أن اليدين توضعان تحت السرة .
وهو مذهب أبي حنيفة والثوري و إسحاق بن راهويه وهو المشهور من مذهب أحمد .
القول الرابع : التخيير في ذلك .
رواية عن أحمد ، وقال بها أبو المنذر ، ومال إليها الترمذي .
المبحث السادس : ذكر أدلة كل قول ومناقشته :
القول الأول : أن اليدين توضعان في أثناء القيام عند الصدر :
عرض أدلة هذا القول إجمالا :
أخرج ابن خزيمة في صحيحه ( 1 / 243 ) رقم ( 479 ) حديث وائل بن حجر قال : ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره ) .
أخرجه البيهقي في سننه ( 2 / 30 ) حديث وائل بن حجر وفيه : ( وضع يمينه على يسراه على صدره ) .
أخرج الإمام أحمد في مسنده ( 5 / 226 ) حديث هلب الطائي قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره ورأيته قال : يضع هذه على صدره ) وصف يحيى اليمني على اليسرى فوق المفصل .
أخرج أبو داود في سننه ( 1 / 201 ) رقم ( 759 ) عن طاووس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة ) .(1/9)
أخرج البيهقي في سننه ( 2 / 30 ) أن عليا قال في هذه الآية : ( فصل لربك وانحر ) قال : ( وضع يده اليمنى على اليسرى ثم وضعهما على صدره ) وكذلك أخرج عن أنس مثله .
وممن قال بهذا القول ما ذكره العلامة الألباني رحمه الله في صفة الصلاة ص 61 في الحاشية : ( قال المروزي في المسائل ص 222 : كان إسحاق يوتر بنا .... ويضع يديه على ثدييه أو تحت ثدييه ا . ه .
مناقشة الأدلة :
حديث وائل بن حجر رضي الله عنه :
ورد حديث وائل بعدة ألفاظ في بعضها طي واختصار وفي الأخرى بسط إلا أنه في بعض الروايات جاءت زيادة لفظة ( على صدره ) وباقي الروايات لم تذكر ذلك عن وائل ، واليك تفصيل ذلك :
الروايات التي وردت بدون الزيادة :
أخرج الإمام أحمد ( 4 / 318 ) ثنا عبد الصمد ثنا زائدة وفيه ( ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد ) .
و أخرجه ( 4 / 318 ) ثنا يونس بن محمد ثنا عبد الواحد ، وفيه ( ثم أخذ شماله بيمينه ) .
و أخرجه ( 4 / 318 ) ثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان وفيه ( ورأيته ممسكا يمينه على شماله في الصلاة ) .
و أخرجه ( 4 / 318 ) ثنا أسود بن عامر ثنا زهير .
و أخرجه ( 4 / 319 ) ثنا أسود بن عامر ثنا شعبة وفيه ( فوضع يده اليمنى على اليسرى ) .
و أخرجه أبو داود في سننه ( 726 ) ثنا مسدد ثنا بشر بن المفضل .
و أخرجه ( 727 ) ثنا الحسن بن علي ثنا أبو الوليد ثنا زائدة .
و أخرجه ابن ماجة في سننه ( 810 ) ثنا علي بن محمد ثنا عبد الله بن إدريس ح ثنا بشر بن معاذ الضرير ثنا بشر بن المفضل وفيه ( فأخذ شماله بيمينه ) .
و أخرجه النسائي في سننه ( 889 ) ثنا سويد بن نصر ثنا ابن المبارك عن زائدة .
و أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ( 477 ) ثنا عبد الله بن سعيد الأشج عن ابن إدريس .
و أخرجه ( 478 ) ثنا هارون بن إسحاق الهمداني ثنا ابن فضيل وفيه ( ضرب بيمينه على شماله فأمسكها ) .(1/10)
( زائدة وسفيان وشعبة وعبد الواحد وابن إدريس الكوفي وبشر بن المفضل وزهير بن معاوية وابن فضيل ، ثمانيتهم عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل مرفوعا ) .
وكذلك أخرجه مسلم في صحيحه ( 1 / 301 ) ثنا زهير بن حرب ثنا عفان ثنا همام ثنا محمد بن جحادة .
و أخرجه أحمد ( 4 / 316 ) ثنا وكيع عن المسعودي عن عبد الجبار بن وائل حدثني أهل بيتي عن أبي وفيه ( ويضع يمينه على يساره في الصلاة ) .
و أخرجه ( 4 / 317 ) ثنا عفان عن همام ثنا محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن علقمة ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وفيه ( ثم وضع يده اليمنى على اليسرى )
وأخرجه ( 4 / 318 ) ثنا يحيى بن أبي بكر ثنا زهير ثنا أبو إسحاق .
و أخرجه ( 4 / 318 ) ثنا حسن بن موسى ثنا زهير ثنا أبو إسحاق .
و أخرجه الدارمي في سننه ( 1 / 283 ) أخبرنا أبو نعيم ثنا زهير ثنا أبو اسحق .
( محمد بن جحادة و أبو إسحاق و المسعودي ، ثلاثتهم عن عبد الجبار به ) .
و أخرجه أحمد ( 4 / 316 ) ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر بن أبي العنبس .
و أخرجه أحمد ( 4 / 316 ) ثنا وكيع ثنا موسى بن عمير العنبري .
( حجر بن أبي العنبس وموسى بن عمير العنبري ، كلاهما عن علقمة بن وائل عن أبيه).
هؤلاء كلهم لايذكرون زيادة ( على صدره ) .
الروايات التي وردت بذكر الزيادة :
أخرج ابن خزيمة في صحيحه ( 479 ) ثنا أبو موسى ثنا مؤمل ثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل وفيه ( على صدره ) .
و أخرجه أبو الشيخ في الطبقات ( 2 / 268 ) ثنا محمد بن يحيى ثنا محمد بن عاصم ثنا مؤمل به .
و أخرجه البيهقي في سننه ( 2 / 30 ) أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الصوفي ثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ثنا ابن صاعد ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا محمد بن حجر الحضرمي ثنا سعيد بن عبد الجبار بن وائل عن أبيه عن أمه عن وائل به وفيه ( على صدره ) فهذه الزيادة انفرد بها مؤمل بن إسماعيل ومحمد بن حجر الحضرمي .(1/11)
- بيان حال مؤمل :
هو مؤمل على وزن محمد مهموز ابن إسماعيل أبو عبد الرحمن البصري مولى عمر بن الخطاب . قال فيه الذهبي في الميزان ( 4 / 228 ) : ( حافظ عالم يخطئ ، وثقة ابن معين وقال عنه أبو حاتم : صدوق شديد في السنة كثير الخطأ وقال البخاري : منكر الحديث ( وهذا ذكره الزي في تهذيب الكمال ( 29 / 178 ) والذهبي في الميزان ( 4 / 226 ) ، وابن حجر في التهذيب ( 10 / 381 ) ولم يذكره البخاري في التاريخ فلينظر . ) ، وقال أبو زرعة : في حديثه خطأ كثير . ا . ه .
وقيل عنه أنه دفن كتبه فكان يحدث من حفظه فكثر خطؤه، وقال يعقوب بن سفيان : يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه ، فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه وهذا أشد فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنا نجعل له عذرا .
وقال الساجي : صدوق كثير الخطأ ، له أوهام يطول ذكرها .
وقال محمد بن نصر المروزي : المؤمل إذا انفرد بحديث يجب أن يتوقف ويثبت فيه لأنه كان أسئ الحفظ كثير الخطأ . ا . ه . بتصرف من التهذيب .
فيظهر من كلام الأئمة أن مؤملا كثير المناكير و الأخطاء ، فمثل هذا و أضرابه ليس بحجة ولا يقبل حديثه ، فكيف وقد خالف من هو أوثق منه .
فقد روي هذا الحديث عبد الله بن الوليد العدني راوي جامع سفيان عن سفيان بدون هذه الزيادة كما أخرجها أحمد ( 4 / 318 ) ثنا عبد الله بن الوليد به .
وعبد الله أحسن حالا من مؤمل قال الإمام أحمد عن عبد الله بن الوليد : ما كان صاحب حديث ، ولكن حديثه صحيح ، وربما أخطأ في الأسماء ، كتبت عنه كثيرا .
وقال أبو زرعة : صدوق . وقال الحافظ ابن عدي : ما رأيت لعبد الله حديثا منكرا فأذكره . ا . ه . من التهذيب ( 6 / 70 ) .
فالحديث من طريق مؤمل ضعيف لضعف مؤمل ، ولما خالف من هو أوثق منه صار حديثه منكرا . لأن حديث عبد الله في درجة الحسن في أقل الأحوال .
رواية محمد بن حجر الحضرمي :(1/12)
هذا وقد توبع مؤمل من غير طريق سفيان ، فقد أخرج البيهقي في سننه ( 2 / 30 ) أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الصوفي ثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ثنا ابن صاعد ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا محمد بن حجر الحضرمي ثنا سعيد بن عبدالجبار بن وائل عن أبيه عن أمه عن وائل به وفيه ( على صدره ) .
إلا أن هذه المتابعة لا يفرح بها ، ففيها أربع علل :
الأولى :
محمد بن حجر الحضرمي قال عنه الذهبي : محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل عن عمه سعيد له مناكير .
الثانية : سعيد بن عبد الجبار ، قال ابن معين : لم يكن بالثقة ، وقال عنه البخاري في التاريخ : فيه نظر ، وذكره أبو زرعة في الضعفاء ا . ه . من تهذيب الكمال . وكذلك حكم بضعفه الذهبي وابن حجر .
الثالثة : أم عبد الجبار مجهولة ، لم أجد لأهل العلم فيها جرحا ولا تعديلا . وقال ابن التركماني كما في الجوهر النقي ( 2 / 30 ) مع السنن : هي أم يحيى لم أعرف حالها ولا اسمها ا . ه .
الرابعة : نكارة هذه الرواية ، حيث أن أم عبد الجبار مع جهالتها تروي هذه الزيادة عن وائل .
وقد رواها عن وائل كليب بن شهاب ، وعلقمة بن وائل بدون هذه الزيادة .
وبهذا يتضح سقوط ونكارة هذه الرواية فلا تصلح للاعتبار .
خلاصة الطرق لرواية وائل :
رواه ( سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد وشعبة وزهير وزائدة بن قدامة وبشر بن المفضل وعبد الله بن إدريس ومحمد بن فضيل ) ثمانيتهم عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل .
كما رواه ( محمد بن جحادة و أبو إسحاق والمسعودي ) ثلاثتهم عن عبد الجبار بن وائل به ، كما رواها ( حجر بن أبي العنبس وموسى بن عمير العنبري ) كلاهما عن علقمة بن وائل عن أبيه فهؤلاء ثلاثة عشر راويا فيهم أئمة كلهم لا يذكرون زيادة ( على صدره ) .
ثم يخالفهم مؤمل بن إسماعيل ومحمد بن حجر ، الضعيفان ، فنكارة هذه الزيادة واضحة بينة .
مرسل طاووس بن كيسان :(1/13)
رواه أبو داوود في المراسيل ص 85 والسنن ( 759 ) ثنا أبو توبة ثنا الهيثم بن حميد عن ثور عن سليمان بن موسى عن طاووس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة ) ا . ه .
وهذا المرسل عده أصحاب هذا القول شاهدا لحديث مؤمل ومحمد بن حجر إلا أنه لا يصلح لذلك ، فهو حديث مرسل كما هو ظاهر كما أن في سنده من تكلم فيه ، وإن كان الكلام فيهم لا يؤثر ، إلا أنه في مثل هذه المسألة لما كان الخلاف في زيادة لفظة في الحديث أصبح أدنى جرح في الراوي يؤثر خصوصا إذا لم يوجد له من يتابعه على ذلك(1) .
__________
(1) وذلك إذا كان الجرح معتبرا مقبولا ، وهذا الذي اعتبره الأئمة ، فينزلون الراوي من مرتبة الثقة إلى الصدوق ونحوها ، لأنهم لم ينزلوه عن هذه المنزلة إلا لمعنى أرادوه ، وهذا المعنى يعود إلى ضبطه وإتقانه ، وبهذا يعتبر الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله عندما يقول عن الراوي الصدوق وشبهه : يكتب حديثه وينظر فيه ، وذلك مما استفاده من ألفاظ الأئمة لهذا الشأن وهذا مما يثير شبهة في نقله تحتاج إلى احتياط بالغ وتحر شديد للخلوص إلى تقوية حديثه وتجويده ، ولهذا إذا انفرد هذا وأمثاله بالحديث أو بزيادة لفظه ، لا تأتي إلا من طريقة ، قلنا : أين ثقات الأمة وأئمتها من طبقته عن حفظ هذا الأصل ونقله ، لينفرد به صدوق دونهم ؟
ولو تأملت كتاب الضعفاء للعقيلي أو الكامل لابن عبدي أو الميزان للذهبي وما أودعوا فيها مما ينكر على رواتها من الحديث مع وصف الكثيرين منهم بالصدق ، لقام لك البرهان جليا على صحة ما ذكرت لك فكنت يقظا لذلك ، واعلم أن الحديث الحسن الذي يساوي الصحيح في الاحتجاج به هو ما نتج عن الحكم بحسنه عن سبر ونظر وتأمل ، لا بمجرد النظر إلى ظاهر الإسناد ) ( المقنع في علوم الحديث لابن الملقن ) ( 283 / 1 ) حاشية للجديع .(1/14)
فهذا الأثر مرسل وهو من قسم الضعيف ، وفي بعض رواته كلام ولو صح فإن المرسل وحده ضعيف يحتاج إلى ما يعضده في الشواهد والمتابعات ولا يوجد ، لأن الروايات التي سبق ذكرها كلها أحاديث منكرة أو شاذة وهي غير صالحة للاعتبار .
ثم إن هذا المرسل مخالف للأحاديث الصحيحة في عدم ذكر وضع اليدين على الصدر ، فمثل هذه الزيادة لا يحتملها الحديث الضعيف ، فضلا عن المرسل .
حديث هلب الطائي :
( هلب بضم الهاء وسكون اللام ) كما في التقريب .
وقال الهندي في المغني ص 270 : بمضمومة وسكون اللام كذا يرويه أهل الحديث والصواب بفتح هاء وكسر لام ) .
أخرجه الإمام أحمد ( 5 / 226 ) ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان ثنا سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره ، ورأيته قال يضع هذه على صدره ) وصف يحيى اليمنى على اليسرى فوق المفصل ا . ه .
قوله : ( يضع هذه على صدره ) انفرد بها يحيى بن سعيد وهو القطان إمام من الأئمة ، وخالفه وكيع بن الجراح فأخرجه أحمد ( 5 / 226 ) ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن سفيان به .
وقد توبع وكيع في روايته عن سفيان :
فقد أخرج البيهقي في سننه ( 2 / 295 ) من طريق الحسين بن حفص عن سفيان به .
و أخرج الدار قطني في سننه ( 1 / 285 ) من طريق عبد الرحمن بن المهدي عن سفيان به و أخرج عبد الرازق في المصنف ( 2 / 240 ) عن سفيان به .
و أخرج ابن قانع في معجم الصحابة ( 3 / 199 ) و أبو نعيم في معرفة الصحابة ( 5 / 163 ) من طريق محمد بن كثير عن سفيان به .(1/15)
فهؤلاء ( عبد الرحمن بن مهدي ، ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث ، قال ابن المديني : ما رأيت أعلم منه . ، والحسين بن حفص بن الفضيل الهمداني . خرج له مسلم وكان له القضاء والفتوى والرياسة بأصبهان ، قال أبو حاتم محله الصدق . ، وعبد الرازق بن همام بن نافع الحميري مولاهم ثقة حافظ مصنف شهير . ، وعبد الصمد بن حسان المروزي كان قاضي هراة قال البخاري كتبت عنه وهو مقارب . قال بن حجر وهو صدوق إن شاء الله روى عنه أبو قدامة والناس . ، ومحمد بن كثير العبدي أبو عبد الله البصري ، قال أبو حاتم : صدوق وقال أحمد بن حنبل : ثقة لقد مات على سنة ، وقال سليمان بن قاسم : لا بأس به .
قلت : وتكلم فيه ابن معين وابن قانع ، وقد أخرج له البخاري ومسلم وبقية الستة . وقال ابن حجر في التقريب : ثقة لم يصب من ضعفه ) . خمستهم كلهم عن سفيان بدون هذه الزيادة .
أضف إليهم وكيع بن الجراح الإمام الثقة الحافظ العابد .
فيكون يحيى بن سعيد وهو إمام بل هو من جبال الحفظ قد خالف هؤلاء الستة و الإمام قد يهم والمعصوم من عصمة الله .
وسيأتي بإذن الله أن الإمام أحمد توقف في رواية مالك ( من المسلمين ) عندما انفرد بها .
فرواية يحيى بن سعيد على الصحيح والله تعالى أعلم شاذة لمخالفته لهؤلاء الثقاة .
ومما يزيد هذا الحكم وضوحا ، أن رواية سفيان عن سماك بدون هذه الزيادة ، قد وافق عليها الرواة عن سماك .
فقد أخرجها الإمام أحمد ( 5 / 226 ) من طريق شريك عن سماك به .
وأخرج أحمد ( 5 / 226 ) وأبو داوود في سننه ( 1 / 273 ) وابن حبان في صحيحه ( 5 / 339 ) من طريق شعبة عن سماك به . و أخرج أحمد ( 5 / 226 ) والترمذي في السنن ( 2 / 32 ) من طريق أبي الأحوص عن سماك به .
و أخرج أحمد ( 5 / 227 ) من طريق زائدة عن سماك به .
و أخرج الطبراني في الكبير ( 22 / 164 ) من طريق أسباط به نصر عن سماك به .(1/16)
وأخرج الطبراني في الكبير ( 22 / 165 ) من طريق حفص به جميع عن سماك به .
و أخرج الطبراني في الكبير ( 22 / 167 ) من طريق زكريا بن أبي زائدة عن سماك به .
وأخرج ابن قانع في معجم الصحابة ( 3 / 198 ) من طريق إسرائيل عن سماك به .
و أخرجه ( 3 / 199 ) من طريق قيس بن الربيع عن سماك به .
فهؤلاء ( شريك ، وشعبة ، و أبو الأحوص ، و زهير ، وزائدة ، وأسباط ، وحفص ، وزكريا ، وإسرائيل ، وقيس ) عشرتهم عن سماك بن حرب به ، بدون هذه الزيادة .
فلا يبقى شك بعد ذلك في شذوذ رواية يحيى بن سعيد رحمه الله .
ومما يقوي شذوذ هذه الزيادة ، أن الأمام أحمد رحمه الله أخرجها في المسند كما ترى بهذه الروايات ، وبرواية الزيادة ، ومع ذلك نص رحمه الله على كراهة وضع اليدين على الصدر .
قال ابن المفلح في الفروع ( 1 / 412 ) : ( ويكره وضعهما على صدره نص عليه ، مع أنه رواه أحمد ) ا . ه .
وقال أبو داود في مسائله ص 31 : سمعته يقول : يكره أن يكون ، يعني وضع اليدين عند الصدر . ا . ه .
وزيادة على شذوذها فهناك علة قد تؤثر خصوصا في مثل هذه المسألة وهي أن قبيصة بن هلب مدلس ، ثم هو ممن رمز له بقبول الحافظ يعني حيث يتابع وإلا فلين الحديث . والذي يظهر أن قبيصة لم يرو عن أبيه فهو منقطع(1) .
حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه :
__________
(1) وبهذا تعرف أن قول العلامة الألباني رحمه الله في صفة الصلاة ص 61 : ( وحسن بعض أسانيده الترمذي ) ليس بحسن بل هو غفلة منه رحمه الله ، لأن الترمذي إنما حسن إسناد الحديث من غير هذه الزيادة ، حيث أن الترمذي رحمه الله لم يخرج هذه الزيادة في سننه والاستدلال كان موضعه هذه الزيادة ، فتأمل !!(1/17)
أخرجه البيهقي في سننه ( 2 / 30 ) أخبرنا أبو بكر أحمد بم محمد بن الحارث الفقيه أنا أبو محمد بن حيان أبو الشيخ ثنا أبو الحريش الكلابي ثنا شيبان ثنا حماد بن سلمة ثنا عاصم الجحدري عن أبيه عن عقبة بن صهبان ( كذا ) قال : وضع اليد اليمنى على اليسرى ثم وضعهما على صدره . قال أبو الحريش ثنا شيبان ثنا عاصم الحول عن رجل عن أنس مثله أو قال عن النبي صلى الله عليه وسلم . ا . ه .
قال ابن التركماني ( 2 / 30 ) الجوهر النقي : في سنده ومتنه اضطراب ا . ه .
قلت : إيضاح كلمة ابن التركماني ، أن هذا الأثر يروى عن عقبة بن صهبان كما في سنن البيهقي ، ويروى عن عقبة بن ظبيان كما في التاريخ الكبير للبخاري ( 6 / 437 ) وكذا عن عقبة ابن ظهير .
و أحيانا يذكر في المتن ( على صدره ) كما في السنن ، و أحيانا يقصر الراوي فلا يذكرها كما في الجرح والتعديل ( 6 / 313 ) ترجمة عقبة بن ظبيان .
وقال ابن حاتم ، اختلف حماد بن سلمة ويزيد بن أبي الجعد في هذا الحديث فقال حماد : عن عاصم الجحدري عن أبيه عن عقبة بن ظبيان عن علي ، وروى يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عاصم الجحدري عن عقبة ابن ظهير عن علي ا. ه . يعني باختلاف الراوي عن علي ، وبإسقاط أبيه .
كما أن الإسناد فيه أبو الحريش الراوي عن شيبان لم أعثر له على ترجمة بعد طول بحث ، وكذلك أبو عاصم الجحدري ، اسمه العجاج لم أجد من ذكره أو تعديل ، وعقبة بن ظبيان لم يوثقه غير ابن حبان .
- وأما أثر أنس رضي الله عنه فكما تلحظ أن الراوي عن أنس مبهم ، فيغني عن بحث إسناده خصوصا في مثل هذه المسألة التي كثر فيها الاختلاف والاضطراب .
فقد ذكر ابن المنذر رحمه الله في الأوسط ( 3 / 94 ) عن إسحاق أنه قال : تحت السرة أقوى في الحديث ، وأقرب للتواضع ، وعزاه المحقق إلى مسائل أحمد و إسحاق ( 1 / 53 ) .(1/18)
ثم قوله ( أو تحت الثديين ) يدل على الشك مما يضعف المقصود من ذكره على وضعهما على الصدر ، ولعل الأقرب حمل هذا الفعل منه على أنه يرى التخيير أو وضعهما تحت الثديين يعني فوق السرة .
ومع هذا فهذه فتوى من الإمام رحمه الله ، ولا يلزم بها أحد من الناس لأن العمدة كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أو ما روي عن الصحابة ولم يعلم لهم مخالف منهم رضي الله عنهم أجمعين .
وفي نهاية عرض أدلة القائلين بوضع اليدين على الصدر ، ربما يسأل سائل ، ألا تتقوى الأحاديث والآثار بعضها ببعض ؟
الجواب :
أنها لا تتقوى بذلك ، وذلك أن حديث مؤمل منكر ، لأنه ضعيف ، خالف الثقاة ، ولا يقال إنها زيادة من ثقة ، لأم مؤملا ضعيف كما سبق بيانه .
ولأن الطرق الباقية والشواهد المذكورة ما بين شاذ ومنكر .
و مثل هذه الروايات لا تصلح للاعتبار ، وذلك لأننا حكمنا على الراوي فيها بالخطأ فكيف نبحث له عن شواهد ومتابعات .
وينبغي أن يعلم أن الزيادة في الإسناد عند الحكم عليها بالشذوذ لا يلزم أن تكون المخالفة صريحة في لفظ الحديث أو سنده ، بل إن مجرد الزيادة التي يتركها الأئمة ، ثم يرويها من هو أقل منهم حالا ، فضلا عمن هو متكلم فيه وليس أهلا لأن ينفرد بهذه الزيادة ، تعد شاذة للتفرد بها ، حيث إن الثقة إذا قصر الحديث ثم جاء غيره وزاد فيه حكما ، فإنها تعد مخالفة ولو كانت غير صريحة ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله في مبحث زيادة الثقة .
القول الثاني : أن اليدين توضعان فوق السرة تحت الصدر .
عرض أدلة أصحاب هذا القول إجمالا :
أخرج أبو داود في سننه ( 1 / 201 ) رقم ( 757 ) عن جرير الضبي ، قال : رأيت عليا يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة .
أخرج البيهقي في سننه ( 2 / 31 ) عن سعيد بن جبير أنه قال : فوق السرة . وممن قال بهذا القول إسحاق بن راهويه كما سبق بيانه .(1/19)
وممن قال به كذلك الإمام أحمد ، روى أبو داود في مسائله ص 31 قال : أبو داود سمعته سئل عن وضعه فقال : فوق السرة قليلا وإن كانت تحت السرة فلا بأس. ا.ه
مناقشة الأدلة :
أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
أخرجه أبو داود في سننه ( 757 ) ثنا محمد بن قدامة – يعني ابن أعين – عن أبي بدر عن أبي طالوت عبد السلام عن ابن جرير الضبي عن أبيه قال : رأيت عليا ... فذكره .
هذا الأثر في سنده أبو بدر وهو شجاع بن الوليد متكلم فيه له أوهام ، وكذلك ابن جرير الضبي وهو غزوان وأبوه جرير لم يوثقهما غير ابن حبان .
فالأثر لا يصح ، خصوصا و أن عليا اختلف عليه في الرواية ، فسبق في القول الأول أنه قال على الصدر ، وسيأتي عنه تحت السرة ، والراجح أن عليا رضي الله عنه لم يصح عنه في ذلك شئ .
أثر سعيد بن جبير رحمه الله :
أخرجه البيهقي في سننه ( 2 / 31 ) أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا الحسن بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنا زيد ثنا سفيان عن ابن جريح عن أبي الزبير قال : أمرني عطاء أن أسأل سعيدا أين تكون اليدان في الصلاة فوق السرة أو أسفل من السرة ؟ فسألته عنه فقال : فوق السرة. ( يعني سعيد بن جبير ) ا . ه .
هذا الأثر في سنده يحيى بن أبي طالب ، فقد روى الخطيب في تاريخه ( 14 / 220 ) بسنده عن الآجري ، قال : خط أبو داود سليمان بن الأشعث على حديث يحيى بن أبي طالب وروى بسنده عن موسى بن هارون يقول : أشهد على يحيى بن أبي طالب أنه يكذب وبسنده عن أبي أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ قال : يحيى بن أبي طالب ليس بالمتين . وقال الخطيب : روى الحاكم أبو عبد الله بن البيع أنه سمع الدارقطني ذكر يحيى بن أبي طالب فقال : لا بأس به عندي ، ولم يطعن فيه بحجة ا . ه . قلت : إن صح الأثر فهو من كلام سعيد بن جبير رحمه الله ، وهو من أجله التابعين وكلامه يستأنس به ولا يعد دليلا .
وأما أثر إسحاق فقد مضى الكلام عليه في أدلة القول الأول .(1/20)
وأما ما ذكر عن الإمام أحمد ، فهذا واضح في أن الأمر عنده واسع وأن المسلم مخير بين وضعها فوق السرة بقليل أو تحتها بقليل أو عليها .
ثم هذان القولان عن إسحاق وأحمد لا تعد من الأدلة إنما هي فتاوى واختيارات يستأنس بها
القول الثالث : أن اليدين توضعان تحت السرة :
عرض أدلة أصحاب هذا القول إجمالا :
أخرج عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على المسند ( 1 / 110 ) وغيره عن علي رضي الله عنه قال : من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة .
أخرج أبو داود في سننه ( 1 / 201 ) رقم ( 758 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة .
ما رواه أبو معشر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكره التكفير وهو وضع اليدين على الصدر .
ما ذكره ابن حزم في المحلى ( 3 / 30 ) عن أنس رضي الله عنه قال ( ثلاث من أخلاق النبوة ... وفيه وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى تحت السرة ) .
أخرج زيد بن علي في مسنده ص 183 عن علي رضي الله عنه قال : ثلاث من أخلاق الأنبياء ، وذكر منها : وضع الكف على الكف تحت السرة .
وممن قال بهذا القول من السلف :
أبو مجلز لاحق بن حميد السدوسي ، والنخعي و إسحاق بن راهويه ، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى .
مناقشة أدلة أصحاب القول الثالث :
حديث علي رضي الله عنه :
أخرجه عبد الله في زوائده ( 1 / 110 ) ثنا محمد بن سليمان الأسدي لوين ثنا يحيى بن أبي زائدة ثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد بن زيد السوائي عن أبي جحيفة عن علي رضي الله عنه .
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 1 / 391 ) ثنا أبو معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق به .
و أخرجه أبو داود في سننه ( 756 ) ثنا محمد بن محبوب ثنا حفص بن غياث عن عبد الرحمن ابن إسحاق به .
وأخرجه الدار قطني في سننه ( 1 / 276 ) من طريقين مدارهما على عبد الرحمن بن إسحاق وأخرجه البيهقي ( 2 / 31 ) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق به .(1/21)
هذا الحديث له حكم الرفع لقوله ( من السنة ) ولكن الحديث ضعيف جدا . ف إن مداره على عبد الرحمن ابن إسحاق هو الواسطى أبو شيبة قال أبو داود : سمعت أحمد يضعفه وقال أبو طالب عن أحمد : ليس بشيء منكر الحيث ، وضعفه ابن معين وابن سعد ويعقوب بن سفيان وأبو داود والنسائي وابن حبان .
وقال البخاري : فيه نظر ، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال ابن خزيمة لا يحتج بحديثه ا . ه . من التهذيب ( 6 / 136 ) .
حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
أخرجه أبو داود في سننه ( 1 / 201 ) رقم ( 758 ) ثنا مسدد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي عن سيار أبي الحكم عن أبي بن وائل قال أبو هريرة : أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة ا . ه .
هذا حديث ضعيف جدا لأن في سنده عبد الرحمن بن إسحاق متفق على تضعيفه ، كما مضى في أثر علي السابق له .
ولما أخرج أبو داود هذا الحديث في سننه ( 1 / 201 ) قال بعده : سمعت أحمد بن حنبل يضعف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ا. ه .
أثر أبي معشر(1) :
ذكر ابن القيم هذا الأثر في كتابه بدائع الفوائد ( 3 / 91 ) مستدلا به على كراهة وضع اليدين على الصدر .
هذا الأثر لا يعرف له سند صحيح ، كما أنه لو صح فإن دلالته ليست بصريحة .
أما دلالة المعنى ، فقد قال الإمام أحمد كما في طبقات الحنابلة ( 1 / 8 ) قال عبد الله سألت أبي عن حديث إسماعيل بن علية عن أيوب عن أبي معشر قال : ( كان يكره التكفير في الصلاة ) قال أبي : التكفير : أن يضع يمينه عند صدره في الصلاة ا.ه ه .
ولكن قال ابن الأثير في النهاية ( 4 / 188 ) : هو الانحناء الكثير في الصلاة حال القيام قبل الركوع ا . ه .
وقال ابن منظور في اللسان ( 5 / 151 ) مادة (كفر ) :وفي حديث أبي معشر أنه كان يكره التكفير في الصلاة ، وهو الانحناء الكثير في حال القيام قبل الركوع ا . ه .
أما من جهة السند :(1/22)
فإن هذا الحديث لم أجد له سندا صحيحا بعد طول البحث ، سوى ما ذكره عبد الله بن الإمام أحمد كما في الطبقات وهو إسناد مقطوع على أبي معشر وسيأتي زيادة كلام عليه .
قال الشيخ مقبل الوادعي حفظه الله في رياض الجنة ص 119 : أنه لا يعرف لهذا الحديث سندا ، وقال : إنه من رواية أبي معشر وهو من أتباع التابعين وهو ضعيف ، قال عنه البخاري وغيره : منكر الحديث . كما في الميزان .
هذا إن صح الإسناد إليه ووجدنا له سندا ، ولكن يقال ( ثبت عرشك ثم انقش ) ا . ه .
وقال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه ( لا جديد في أحكام الصلاة ) ص 20 : وهذا الحديث لم أجده ا . ه .
قلت فلا حجة في هذا الأثر لعدم السند الصحيح وكذلك الاختلاف في المعنى .
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه :
هذا الحديث ذكره ابن حزم في المحلى ( 3 / 30 ) عن أنس ( ثلاث من أخلاق النبوة وفيه .. وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت السرة ) ا . ه .
وهذا الحديث لا يعرف له إسناد .
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي ( 2 / 88 ) : ( لم أقف على سند هذا الحديث ، وعلماء الحنفية يذكرونه في كتبهم ويحتجون به ، ولكنهم لا يذكرون إسناده ، فلمات لم يعرف إسناده لا يصلح للإحتجاج ولا للاعتبار .
وقال صاحب الدرة ( الدرة في إظهار غش نقد الصرة ) : و أما حديث أنس قال فيه العيني : أنه رواه ابن حزم ، فسنده غير معلوم ينظر فيه هل رجاله مقبولون أم لا ، وقد روي عن غير واحد من المحدثين من غير زيادة تحت السرة ، والزيادة إنما تقبل من الثقة المعلوم .
وقال هاشم السندي في رسالته ( دراهم الصرة ) : ومنها ما ذكره الزاهدي في شرح القدوري ... ( إلى أن قال ) : لم أقف على سند هذا الحديث .
وقال ابن أمير الحاج وابن نجيم : إن المخرجين لم يعرفوا فيه موقوفا ولا مرفوعا بلفظ ( تحت السرة ) . ا . ه . باختصار .
حديث زيد بن على رحمه الله :(1/23)
الحديث أخرجه زيد بن علي في مسنده عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه قال : ثلاث من أخلاق الأنبياء ، وذكر منها ( وضع الكف على الكف تحت السرة ) ص 183 .
ولكن هذا المسند لا تصح نسبته للإمام زيد بن علي رحمه الله ، فإن في إسناده إليه كذابين . وللاستزادة انظر كتاب ( كتب وأخبار ورجال و أحاديث تحت المجهر ) ص 71 للشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان .
أما الآثار المروية عن السلف :
أثر أبي مجلز :
رواه ابن أبي شيبة في المصنف ( 1 / 390 ) ثنا يزيد بن هارون أنا الحجاج بن حسان قال سمعت أبا مجلز أو سألته كيف يصنع ؟ قال : يضع باطن كف يمينه على ظاهر كف شماله ويجعلها أسفل السرة .
وأخرجه أبو داود في سننه ( 1 / 201 ) معلقا .
وهذا أثر سنده حسن وهو مقطوع على أبي مجلز من قوله وهو من كبار الطبقة الثالثة تابعي جليل .
أثر إبراهيم النخعي :
رواه ابن شيبة في مصنفه ( 1 / 390 ) ثنا وكيع عن ربيع عن أبي معشر عن إبراهيم قال : كان يضع يمينه على شماله في الصلاة تحت السرة ا . ه . ، وفي سنده الربيع هو ابن صبيح سيئ الحفظ متكلم فيه من أجل حفظه وضعفه النسائي وقال الذهبي كان صدوقا ا . ه .
قلت : من أثنى عليه فإنما أثنى عليه لعبادته وصلاحه ، أما الحديث فلم يكن من صنعته ، ولذلك قال عنه عفان بن مسلم : أحاديثه مقلوبة .
وقال ابن حجر : صدوق أسئ الحفظ عابد مجاهد .
قلت : فحديثه يصلح للشواهد والمتابعات .
أما أبو معشر الذي يروي عن إبراهيم فقد روى عنه مسلم وهو غير أبي معشر صاحب المغازي الذي قال عنه البخاري منكر الحديث .
أثر إسحاق بن راهويه :
ذكر ابن المنذر في الأوسط ( 3 / 94 ) عن إسحاق بن راهويه أنه قال : ( تحت السرة ) أقوى في الحديث و أقرب للتواضع وعزاه المحقق إلى مسائل أحمد و إسحاق ( 1 / 53 ) .
أما اختيار الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله :(1/24)
فقد قال ابن القيم في البدائع ( 3 / 91 ) روى أبو طالب قال : سألت أحمد بن حنبل أين يضع يده إذا كان يصلي ؟
قال : على السرة أو أسفل منها وكل ذلك عندي واسع إن وضع فوق السرة أو عليها أو تحتها ا . ه .
وكان يكره وضعهما على الصدر ويقول إنه التكفير .
وقال أبو داود في مسائله ص 31 : سمعته سئل عن وضعه فقال : فوق السرة قليلا ، وإن كان تحت السرة فلا بأس .
وقال : سمعته يقول : يكره أن يكون ، يكون وضع اليدين عند الصدر ا . ه .
وجميع ما ذكر من أقوال التابعين ومن بعدهم يستأنس به ، ولا يعد دليلا كما سبق بيانه .
القول الرابع : التخيير في ذلك :
وذلك أن المصلي له الخيار في أي وضع شاء ، فإن شاء جعلهما فوق السرة أو تحتها أو عليها .
وهذا ما اختاره الإمام أحمد وابن المنذر – كما حكاه عنه الشوكاني – والأوزاعي .
وبه صرح الترمذي في سننه كما سنوضح ذلك في الخلاصة من البحث إن شاء الله .
أما القول بأنهما توضعان على النحر :
روى عن ابن عباس ، واختاره القاضي عياض .
أما قول ابن عباس رضي الله عنهما ، فقد أخرجه البيهقي ( 2 / 30 ) أخبرنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق أنا الحسن بن يعقوب بن البخاري أنا يحيى بن أبي طالب أنا زيد بن الحباب ثنا روح بن المسيب قال حدثني عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قوله تعالى : ( فصل لربك وانحر ) قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر ا . ه .
وهذا الأثر في سنده يحيى بن أبي طالب سبق الكلام عليه في القول الثاني عند أثر سعيد بن جبير .
كما أن في سنده روح بن المسيب قال ابن حبان في المجروحين ( 1 / 299 ) : يروي عن الثقاة الموضوعات يقلب الأسانيد ويرفع المقلوبات ، وهو أنكر حديثا من غضيف لا تحل الرواية عنه ، ولا كتابة حديثه إلا للاختبار ا . ه . وكذلك عمرو بن مالك النكري متكلم فيه ، انظر التهذيب .(1/25)
*والخلاصة أن هذا الأثر لا يصح ، كما أنه قد روي عن ابن عباس خلاف ذلك في تفسير الآية : ولعله يحسن بنا بيان التفسير الصحيح لهذه الآية .
- قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره ( 8 / 528 ) : قوله : ( فصل لربك وانحر ) أي : كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة – ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته – فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك ، فاعبده وحده لا شريك له ، وانحر على اسمه وحده لا شريك له ، كما قال تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت و أنا أول المسلمين ) قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن : يعني بذلك نحر البدن ونحوها ، وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرضي والضحاك والربيع وعطاء الخرساني والحكم وإسماعيل بن أبي خالد وغير واحد من السلف .
وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله ، والذبح على غير اسمه كما قال تعالى : ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق .... ) الآية ، وقيل المراد بقوله (وانحر ) وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر : يروى ذلك عن علي رضي الله عنه ولا يصح وعن الشعبي مثله ، ... ( وذكر أقوالا أخرى في المراد بالآية ثم قال ) وكل هذه الأقوال غريبة جدا والصحيح القول الأول أن المراد بالنحر ذبح المناسك ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ... قال أبو جعفر بن جرير : والصواب قول من قال : معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان ، شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك به .
وهذا الذي قاله في غاية الحسن ، وقد سبقه إلى هذا المعنى : محمد بن كعب القرضي وعطاء . ا . ه بتصرف .(1/26)
أما اختيار القاضي عياض لهذا القول ، فإنه من متأخري المالكية ولعله قال هذا بناء على أثر ابن عباس وغيره وقد عرفت ما في هذه الآثار ، ثم هو اختيار ولا يلزم أحد بقول أحد والعبرة بالدليل من الكتاب والسنة .
المبحث السابع : في زيادة الثقة :
قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه ص 7 : حكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقاة من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا ، و أمعن في ذلك على الموافقة لهم فإذا وجد كذلك ثم بعد ذلك زاد شيئا ليس عند أصحابه ، قبلت الزيادة ، فأما من تراه يعمد إلى مثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره ، أو لمثل هشام بن عروة ، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك ، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره فيروى عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم ، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس . ا . ه .
وقال ابن رجب رحمه الله في شرحه لعلل الترمذي ( 2 / 631 ) : فإذا زاد حافظ ممن يعتمد على حفظه قبل ذلك عنه ... وهو أن يكون الحديث في نفسه مشهورا لكن يزيد بعض الرواة في متنه زيادة تستغرب ، وقد ذكر الترمذي أن الزيادة ، إن كانت من حافظ يعتمد على حفظه فإنها تقبل ، يعني : إن كان الذي زاد ثقة لا يعتمد على حفظه لا تقبل زيادته . ا . ه .
وقال ( 2 / 632 ) : وقال أحمد في روايته عنه : كنت أتهيب حديث مالك ( من المسلمين ) يعني حتى وجدته من حديث ( العمريين ) قيل له : أمحفوظ عندك ( من المسلمين ) قال: نعم .
وهذه الرواية تدل على توقفه في زيادة واحد من الثقاة ولو كان مثل مالك حتى يتابع على تلك الزيادة ، وتدل على أن متابعة مثل العمري لمالك مما يقوي رواية مالك ، ويزيل عن حديثه الشذوذ و الإنكار . ا . ه .(1/27)
وقال ( 2 / 634 ) : فالذي يدل عليه كلام الإمام أحمد في مثل هذا الباب : أن زيادة الثقة للفظة في حديث من بين الثقاة إن لم يكن مبرزا في الحفظ والتثبت على غيره ممن لم يذكر الزيادة ولم يتابع عليها ، فلا يقبل تفرده ، وإن كانت ثقة مبرزا في الحفظ على من لم يذكرها ففيه روايتان لأنه قال مرة في زيادة مالك ( من المسلمين ) : كنت أتهيب حتى وجدته عند العمريين .
وقال مرة : إذا انفرد مالك بحديث فهو ثقة ، وما قال أحد بالرأي أثبت منه .
وقال في حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر المرفوع ( من حلف فقال : إن شاء الله فلا حنث عليه ) خالفه الناس ، عبيد الله وغيره فوقفوه . ا . ه .
مع أن أيوب رحمه الله إمام ولكن ما انفرد بزيادة في الإسناد وهي رفعة فلما خالفه من هو أرفع منه كعبيد الله ، لم تقبل هذه الزيادة . وقال ( 2 / 637 ) : ولا فرق في الزيادة بين الإسناد والمتن كما ذكرنا في حديث النكاح بلا ولي . ا . ه .
وقال ( 2 / 637 ) : ولا فرق في الزيادة بين الإسناد والمتن كما ذكرنا في حديث النكاح بلا ولي . ا . ه .
وقال ( 2 / 637 ) : وذكر الخطيب في الكفاية حكاية عن البخاري أنه سئل عن حديث أبي إسحاق في النكاح بلا ولي فقال : الزيادة من الثقة مقبولة ، وإسرائيل ثقة .
وهذه الحكاية إن صحت فإنما مراده الزيادة في هذا الحديث ، وإلا فمن تأمل كتاب تاريخ البخاري تبين له قطعا أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة .(1/28)
وهكذا الدار قطني يذكر في بعض المواطن أن الزيادة من الثقة مقبولة ثم يرد في أكثر المواضع زيادات كثيرة من الثقاة ويرجع الإرسال على الإسناد ، فدل على أن مرادهم زيادة الثقة في مثل تلك المواضع خاصة وهي إذا كان الثقة مبرزا في الحفظ ، وقال الدارقطني في حديث زاد في إسناده رجلان ثقتان رجلا ، وخالفهما الثوري فلم يذكره ، قال : لولا أن الثوري خالف لكان القول من زاد فيه ، لأن الزيادة من الثقة مقبولة ، وهذا تصريح بأنه إنما يقبل زيادة الثقة إذا لم يخالف من هو أحفظ منه . ا . ه .
وغالب كلام أئمة الحديث على هذه الطريقة ، وللفائدة راجع الإلزامات والتتبع تحقيق الشيخ مقبل الوادعي حفظه الله ص 13 وما بعدها ، فقد جمع كلام أهل هذا الفن في هذه المسألة .
كما ينبغي أن يعلم أن الشذوذ لا يقتصر على المخالفة في الإسناد أو المتن ، بل إن مجرد التفرد بشيء في الإسناد أو المتن يعد شذوذا .
قال ابن الوزير في التنقيح ( 1 / 345 ) مع التوضيح :
إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه ، فإن كان مخالفا لما رواه غيره فينظر في هذا المتفرد فإن كان عدلا ضابطا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ، ولم يقدح الانفراد فيه ، و إن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به ، كان انفراده به خارقا له مزحزحا عن مرتبة الصحيح ثم هو من بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه ، فإن كان المتفرد به غير بعيد من درجة الحافظ المتقن المقبول استحسنا حديثه ذلك ولم يحطه إلى قبيل الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر . ا . ه .
الخلاصة
بعد هذه الدراسة الشاملة لأدلة المسألة ، يظهر لنا جليا ضعف الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة في مكان وضع اليدين أثناء القيام في الصلاة .
وما صح عن التابعين يستأنس به كما سبق إيضاحه .(1/29)
وما كان شأنه من المسائل هكذا ، فإن ترك الأمر فيه واسعا هو الأفضل . فالمصلي مخير بين وضعهما فوق سرته أو عليهما أو تحتها .
أما وضعهما على النحر أو عنده ، فلم يرد القول بها عن السلف ، وهي هيئة مخالفة لهيئات الصلاة ، بل هي صفة المعذبين من أهل النار والعياذ بالله كما في قوله تعالى ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ) .
وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . انظر لا جديد في أحكام الصلاة 34. فالمصلي مخير في ذلك كما قال الإمام أحمد رحمه الله : كل ذلك واسع عندي إن وضع فوق السرة أو عليها أو تحتها .
وقال ابن المنذر في الأوسط ( 3 / 94 ) : وقال قائل : ليس في المكان الذي يضع عليه اليد خبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن شاء وضعهما تحت السرة وإن شاء فوقها ا . ه .
وقال الإمام الترمذي رحمه الله في سننه ( 1 / 338 ) والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم : يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة ، ورأى بعضهم أن يضعها تحت السرة ، وكل ذلك واسع عندهم . ا . ه .
ولذلك ينبغي للمسلم ألا ينكر على أحد وضع يديه عند صدره أو على سرته أو تحتها أو فوقها ، لأن الأمر واسع ولله الحمد ، وأمثال هذه المسائل التي لا يثبت فيها الدليل ينبغي أن يترك الأمر فيها واسعا ، وهذه هي طريقة الإمام أحمد رحمه الله ، كما في هذه المسألة ، وكمسألة القبض بعد الرفع من الركوع ، جعل الأمر فيها واسعا والمصلي مخير بين القبض والإرسال .
رزقنا الله وإياكم الفقه في الدين ، والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله وسلم بارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتبها
خالد بن عبد الله الشايع
وكان الفراغ منها بحمد الله تعالى
في اليوم الثالث من عيد الفطر المبارك
لعام 1418 هـ في مدينة الرياض
ص.ب 152264 الرياض 11795(1/30)