أهداف نظام الإعلام الإسلاميّ
( د. محمد موسى البُر (1)
يمكن تلخيص أهداف نظام الإعلام الإسلاميّ في خمسة أهداف رئيسة، هي:
أوَّلاً : نشر عقيدة التوحيد:
ما العقيدة التي جعلناها على رأس أهداف الإعلام الإسلاميّ؟
العقيدة والعقائد هي: "الأمور التي تصدِّق بها النُّفوس، وتطمئن إليها القلوب، وتكون يقيناً عند أصحابها، لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك. وَعَقَدَ الحبل: شَدَّ بعضه، نقيض حلّه، ومادة (عقد) في اللُّغة معناها اللَّزوم والتَّأكُّد والاستيثاق، ففي القرآن { لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ } [المائدة: 89]، وتعقيد الإيمان إنَّما يكون بقصد القلب وعزمه، بخلاف لغو الحديث، ولغو اليمين، التي تجري على اللِّسان بدون قصد.
و"العقود": أوثق العهود، ومنه قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1]. وتقول العرب: "اعتقد الشَّيء": صلب واشتدّ (2) . جاء هذا في كتاب: "العقيدة في الله" (3) .
__________
(1) (() أستاذ مشارك، عميد المكتبات بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلاميّة.
(2) لسان العرب: ابن منظور، 2/836.
(3) العقيدة في الله: عمر سليمان الأشقر، ط/10، (الأردن: دار النَّفائس، 1995م)، ص 11-12.(1/1)
يجيء اهتمام الإعلام الإسلاميّ بنشر العقيدة الإسلاميّة لأنَّ التَّشريع الإسلاميّ اهتم ببيان الرُّكن الأوَّل والأساس في الإسلام، وهو العقيدة والإيمان بالله تعالى وتوحيده، ونبذ عبادة الأصنام، وأنَّ الله تعالى هو الخالق الرَّازق القادر على كُلّ شيء، وأنَّه هو الذي أحياهم ويميتهم، وقد أقام الإسلام الدَّعوة إلى هذا كُلّه على أساس من الأدلة العقليّة والتَّاريخيّة، وكُلّها كثيرة ومتوافرة، وقضيّة الإيمان والكفر هي قضيّة الإنسانيّة عامّة؛ لأنَّها تتصل بعلاقة الإنسان بربه، والأساس الذي يقوم عليه الإيمان هو الاعتقاد بوجود الله تعالى وبوحدانيته التي لا يشاركه فيها أحد، والاعتقاد بأنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رسول الله، وخاتم النَّبيين. وهذا هو الأساس الذي يتممه الاعتقاد ببقية الرُّسل، والكتب المُنْزَلَة، واليوم الآخر.
وتأكيداً لهذه الحقيقة يُحدِّد الله تعالى المهمة المشتركة التي من أجلها أرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25]، ويقول تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [النَّحل: 36] والطَّاغوت هو الباطل مطلقاً في العقائد وغيرها.
والإعلام الإسلاميّ إعلام عقائد، ونشر عقيدة التَّوحيد أهم أهدافه، والعقيدة الإسلاميّة أو (الأيدولوجيّة) الإسلاميّة، وكذلك الفلسفة الإعلاميّة الإسلاميّة لا بُدَّ أنْ تعكس العقيدة الإسلاميّة. والإعلام الإسلاميّ يجعل همّه توضيح زيغ وضلال العقائد الفاسدة غير عقيدة الإسلام، ويقع على عاتق الإسلام نقد العقائد الأخرى (1) .
__________
(1) المسئوليّة الإعلاميّة في الإسلام: مُحَمَّد سيد مُحَمَّد، بدون طبعة، (القاهرة: مكتبة الخانجيّ، بدون تاريخ)، ص 258.(1/2)
وعلى الإعلام الإسلاميّ ـ حتَّى يحقّق أهداف نشر العقيدة الإسلاميّة ـ أنْ يأخذ أنَّ الإسلام هو المنهاج الصَّحيح للإنسان؛ لأنَّه هو الحقّ، ولا يصحّ له طريق آخر حقّاً وعدلاً، قال تعالى { إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } [الأعراف: 54]، كما أنَّ الإعلام الإسلاميّ من أهدافه ربط الجانب العاطفيّ الإسلاميّ بالجانب العقديّ الرُّوحيّ (1) .
وبالطَّبع من أهداف الإعلام الإسلاميّ ـ كما تقدَّم ـ عكس العقيدة الإسلاميّة، وهو غرض مستمر وعلميّ على مرّ العصور والأجيال. ولا بُدَّ أنْ يخدم الإعلام الإسلاميّ الإسلام، ويوضِّح أنَّه الطَّريق المستقيم أو الصِّراط المستقيم (2) .
والإعلام الإسلاميّ لا بُدَّ له من ضابط يحتكم إليه ويهتدي به، حتَّى لا تزيغ به الأهواء. والعقيدة الإسلاميّة هي الرَّكيزة الأولى في دعائم الفكر الإسلاميّ، فأيُّ فكر صحيح يجب أنْ يأخذ في حسبانه الإيمان بالله تعالى وحده، والإيمان بالملائكة، والكتب، والرُّسل، واليوم الآخر، وما فيه من حساب وجزاء، وفي ضوء هذه العقيدة يكون حكمه على المواضيع الإعلاميّة وصياغتها بما يتناسب مع العقيدة (3) .
وفي مجال العقيدة على الإعلام الإسلاميّ أنْ يؤثَّر في النَّاس، ويحارب في نفوسهم ما يُذاع من الخرافات والأوهام، ويوجِّههم إلى العقيدة السَّليمة، لتقوى وحدة الأُمَّة، ولتقوم على أساس الحقّ قوي الأركان، ثابت الدَّعائم (4) .
__________
(1) مقالات في الدَّعوة والإعلام الإسلاميّ: نخبة من المفكرين والكُتَّاب، ط/1، (الدَّوحة: رئاسة المحاكم الشَّرعيّة، 1411هـ).
(2) المسئوليّة الإعلاميّة في الإسلام: مُحَمَّد سيد مُحَمَّد، مرجع سابق، ص 258.
(3) مُقَوِّمات رجل الإعلام الإسلاميّ: تيسير محجوب الغتيانيّ، ط/1، (عمَّان: دار عمَّار، 1987م)، ص 114.
(4) المرجع السَّابق نفسه، ص 112.(1/3)
وعليه أنْ يستمدّ كُلّ قيمه من الله تعالى، فلا اعتبار لقيمة من قيم الحياة كُلّها إذا لم تقبل في ميزان الله تعالى، ولا شرعيّة لوضع أو تقليد أو تنظيم يخالف منهج الله تعالى؛ لأنَّ العقيدة تُحدِّد منهج الحياة ونظامها تحديداً كاملاً دقيقاً في التَّصوُّر، والاعتقاد، والحياة، والسُّلوك. ويوضِّح الإعلام الإسلاميّ أنَّ العقيدة الصَّحيحة لا مكان لعبوديّة إلاَّ لله تعالى، ولا مكان للاستمداد والتَّلقي إلاَّ من الله تعالى في كُلّ أمور الحياة (1) .
والإعلام الإسلاميّ مناط به أنْ يُساهم بوضوح في العمل من أجل تعميق مشاعر الولاء للإسلام، والاعتزاز بالهوية المميزة للأُمَّة الإسلاميّة، والرَّغبة الصَّادقة في الارتفاع بمستوى الأُمَّة من حال الهوان والذُّل والتَّخلُّف إلى مرافئ العزة والتَّقدُّم بالقول، والعمل، والعاطفة، والعقل. ولا بُدَّ أنْ يدافع الإعلام الإسلاميّ عن الإسلام عقيدة، وحضارة، وثقافة، وواقعاً، وردّ كيد الأعداء عن الإسلام، وتفنيد الشُّبهات التي تُلْصَق به بغير وجه حقّ. وعلى الإعلام الإسلاميّ أنْ يَذُبَّ عن العقيدة الإسلاميّة الحرب الإعلاميّة المُعْلَنَة عليها (2) .
ومن أهداف الإعلام الإسلاميّ أنْ يُوضِّح أنَّ العقيدة الإسلاميّة أساسها التَّفكير والنَّظر، ولا بُدَّ أنْ يكون الإيمان بها عن يقين واقتناع، لا عن تقليد واتّباع، ولذلك كان إيمان المُقَلِّد مشكوكاً فيه (3) .
__________
(1) طريق الدَّعوة في ظلال القرآن: أحمد فائز، 2/62.
(2) الإعلام وقضايا الواقع الإسلاميّ: عبدالقادر طاش، ط/1، (الرِّياض: مكتبة العبيكان، 1995م)، ص 44.
(3) الدَّعوة الإسلاميّة والإعلام الدَّوليّ: محي الدِّين عبد الحليم، بدون طبعة، (القاهرة: دار الفكر، بدون تاريخ)، ص 121.(1/4)
إنَّ أُمَّتنا الإسلاميّة تواجه تحديّات إعلاميّة من نوع خاص، وهي التَّحديّات التي تستهدف: العقيدة، والفكر، والعقل، والوجدان، وذاكرة الأمة، وكيانها، وتاريخها. وهذه أخطر التَّحديّات التي ينبغي علينا أنْ نواجهها، وأصبح لزاماً على الإعلام الإسلاميّ أنْ يردّ على افتراءات المغرضين على الشَّبكة الدَّوليّة للمعلومات (الإنترنت). إذ إنَّ هذه الشَّبكة تُقدِّم صورة بشعة وغير صحيحة عن الإسلام (1) .
على الإعلام الإسلاميّ أنْ يُعلِّم النَّاسَ أنَّ الدِّينَ دين يتعلَّم فيه الفرد، وأنَّ الدُّنيا ليست نهاية المطاف، ولا هي كُلّ شيء، وإنَّما هي دار مؤقتة، بُنِيَت على النَّقص لا الكمال، وأنَّ الفرد فيها يتمتَّع بأنواع قليلة من المتع، وأنَّها مزرعة للآخرة التي هي الحياة الأبديّة الخالدة. وعلى هذا فإنَّ الأعمال الدُّنيويّة والسُّلوكيّات المختلفة فيها معلَّقة بأمور العبادات، وهذه وتلك تتعلَّق بالسَّعادة في الحياة الآخرة.
__________
(1) انظر: الإعلام الإسلاميّ: عبد المجيد شكري، ط/1، (القاهرة: العربيّ للنَّشر والتَّوزيع، 1999م)، ص 8.(1/5)
ومن أهداف الإعلام الإسلاميّ ـ كما هو معروف ـ أنْ يقوم بإقناع المسلمين وغير المسلمين بهذه الحقائق، حتَّى يكون الفرد راضياً بحياته الدُّنيويّة، غير ساخط على الوضع الذي يعيشه إن كان فقيراً أو مريضاً أو محروماً من أيِّ نوع من النِّعم، فهو وإنْ كان كذلك إلاَّ أنَّه يتمتَّع بغيرها، وهو وإنْ كان كذلك إلاَّ أنه يعيش حياة دنيويّة مؤقتة يجب الرِّضا بها، والقناعة بما فيها من قليل أو كثير، وعليه أنْ يحسِّن أخلاقه وسلوكيّاته حتَّى ينعم بالحياة الآخرة التي هي دار الخلود، والتي يكون النَّعيم فيها من أجلِّ وأبهى الصُّور، حيث فيها ما لا عين رأت، ولا أُذُن سمعت، ولا خطر على قلب أحد (1) .
والإعلام الإسلاميّ لا بُدَّ أنْ يحمل رسالة الإسلام واضحة، فالإسلام يريد أنْ يكون اعتناقه عن إيمان واقتناع، لا عن إكراه وتقليد، لذلك فهو لا يُكْرِه أحداً على الدُّخول فيه؛ لأنَّ طبيعة الإيمان تتناقض مع الإكراه، وغاية الإسلام أنْ يختار الإنسان مصيره، ويتحمَّل مسؤوليّته.
ولذلك فإنَّ الله تعالى يُبيِّن في القرآن الكريم أنَّ الإسلام يرغب فيمن يدخله عن صدق ويتقبله عن يقين، فلا حسرة ولا أسف، ولا إكراه ولا تضليل، ولكن حُرِّيَّة مطلقة في الاختيار (2) .
وحُرِّيَّة الاعتقاد التي يستهدفها الإعلام الإسلاميّ تلقي على المرء تبعة اختياره وتحمُّله مسؤوليّة حُرِّيَّته. ولذا أكَّد القرآن عليها، وأنَّ مهمة الرَّسول مهمة إعلام وبلاغ فقط، تأكيداً وترسيخاً لمبدأ الحُرِّيَّة، قال تعالى: { فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ } [آل عمران: 20].
__________
(1) الأسس العلميّة والتَّطبيقيّة للإعلام الإسلاميّ: عبد الوهاب كحيل، ط/1، (بيروت: عالم الكتب، 1985م)، ص 96-97.
(2) الدَّعوة الإسلاميّة والإعلام الدَّوليّ: محي الدِّين عبد الحليم، مرجع سابق، ص 132-133.(1/6)
والمبدأ الإسلاميّ في حُرِّيَّة الاعتقاد واضح تؤيّده الكثير من الآيات والأحاديث، وتتضح أهمية الإعلام الإسلاميّ في هذا الجانب؛ لأنَّ الدَّعوة الإسلاميّة دعوة بلاغ وإعلام، وأنَّ مهمة الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - هي مهمة إعلاميّة بالدَّرجة الأولى تقوم على الإقناع وليس على الإكراه، وتعتمد على الكلمة الطَّيّبة والدَّعوة بالحسنى، وما أكثر الآيات التي تحثُّ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - ودعاة الإسلام على البعد عن الإكراه واستبعاد العنف؛ لأن الإسلام ليس بحاجة إلى هؤلاء الذين يدخلون هذا الدِّين دون اقتناع ورضا، وهذه واحدة من مهام الإعلام في نشر عقيدة التوحيد (1) .
والإعلام الإسلاميّ في الأصل قائم على العقيدة والإيمان، ومرتبط بأحكام الإسلام وتعاليمه وهديه وأخلاقه، فإنَّ أول ما نزل على الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق: 1-6]، والقراءة مفتاح التَّعلُّم، وأوّل وسائل التَّبليغ والإعلام، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الرَّسول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [المائدة: 67].
__________
(1) المرجع السَّابق نفسه، ص 123-124.(1/7)
والتَّبليغ هو ضرب من ضروب الإعلام، ونشر الدَّعوة من أولى واجبات الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهو واجب على الأُمَّة الإسلاميّة، ويبقى بالتَّالي من أهداف الإعلام الإسلاميّ (1) ، قال تعالى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... } [آل عمران: 110].
إنَّ نشر عقيدة التَّوحيد ينبغي أنْ يكون هو أوّل ما يهتم به الإعلام الإسلاميّ، فيتحتّم أن تكون من أولويّات هذا الإعلام.
ثانياً: تقويم بنيان المجتمع:
لا بُدَّ للإعلام الإسلاميّ أنْ يهتم بتقويم المجتمع وإصلاحه، والإعلام الإسلاميّ يستهدف ترقية اهتمام النَّاس، والسُّمو بعقولهم ووجدانهم وسلوكهم، وإشاعة الثَّقافة الإسلاميّة بمبادئها السَّامية وقيمها الرَّفيعة، ومحو الأُمَّيّة وانضمامها فكراً ووجداناً وولاء وتطبيقاً، مع بثّ روح الإلفة والمودة والتَّعارف والتَّآلف والانسجام بين سائر المسلمين، وتبديد القربة فيما بينهم.
والإعلام الإسلاميّ يساهم في بناء المجتمع المسلم وتقويمه، انطلاقاً من قاعدة: "مَنْ لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، وينظر إلى كافّة الأحداث والأخبار والمعلومات والأحكام بمنظور إسلاميّ أصيل، وهو يتبّنى قضايا المسلمين ويبرزها ويحلِّلها، ويعرض أنجح الحلول لها، ملحاً على المطالبة بحقوق المستضعفين حاثّاً على مناصرتهم والعمل على إنصافهم (2) .
__________
(1) أضواء على الإعلام في صدر الإسلام: مُحَمَّد عجاج الخطيب، ط/1، (سوريا: مؤسسة الرِّسالة، 1985م)، ص 13.
(2) أصول الإعلام الإسلاميّ: إبراهيم إمام، بدون طبعة، (القاهرة: دار الفكر العربيّ، بدون تاريخ)،
ص 32.(1/8)
وللإعلام الإسلاميّ هدف تنسيقيّ تضامنيّ يعمل على تماسك الأُمَّة الإسلاميّة واعتصامها بحبل الله تعالى جميعاً، فلا فرقة ولا انقسام؛ بل تعاون على البرّ والتَّقوى، والتزام دائم بالقيم الإسلاميّة، ودعوة متجدّدة إلى التَّضامن، والتَّكافل، والتَّعاضد، والتَّكامل (1) .
إنَّ المجتمع يتشكّل عن طريق الإعلام ووسائله التي يتصل بها النَّاس أكثر مِمَّا يتشكّل بمضمون الاتّصال.
إنَّ وسائل الإعلام أداة قوية لضبط المجتمع، ولذلك لا بُدَّ أنْ يوجّه الإعلام الإسلاميّ وسائل الإعلام ورعايتها، حتَّى تساهم في إنشاء مجتمع على الوصف الإسلاميّ، ومن ثَمَّ تتابع هذا المجتمع وتَّقويمه حتَّى لا ينحرف عن أهدافه ومبادئه (2) .
إنَّ عصرنا الحالي هو عصر الإعلام، لا لأنَّ الإعلام ظاهرة جديدة في تاريخ البشر؛ بل لأنَّ التَّكتيك الحديث في الإعلام قد بلغ غايّات بعيدة جداً في سعة الأفق، وعمق الأثر، وقوّة التَّوجيه (3) .
__________
(1) المرجع السَّابق نفسه، ص 53.
(2) الإعلام الإسلاميّ: عبد العزيز شرف، بدون طبعة، (القاهرة: دار قباء، 1998م)، ص 25.
(3) الإعلام الإسلاميّ والعلاقات العامّة: النَّدوة العالميّة للشَّباب الإسلاميّ، بدون طبعة، (شركة العبيكان للطِّباعة والنَّشر، بدون تاريخ)، ص 50.(1/9)
ومن هنا تأتي أهمية الإعلام الإسلاميّ، التي لا تقتصر على التَّعبير عن الشَّعب، والتَّصوير لحال الأُمَّة، وإنَّما له أهمية تربويّة بنائيّة، والإعلام الإسلاميّ تربيّة مستمرة وثقافة مستمرة، ووسائل الإعلام أدوات للتَّنمية الحقيقيّة للأُمم، وعندما ندرك أهمية وسائل الإعلام في بناء وتقويم المجتمع، ندرك أنَّ القيادات الإعلاميّة هي أرقى القيادات في الأُمَّة، وأدقّها تخصُّصاً وأحوجها إلى الإحاطة والتَّكامل، ذلك أنَّ من أبرز مهام الإعلام ومسئوليّاته توجيه المجتمع، وتوجيه الحاكم، وترشيد المواطن، ولكن كُلّ الخطورة أنْ ينقلب إلى تكريس أخطاء الحاكم، وبذلك يمهّد للقضاء عليه ويساهم بإلقاء المواطن (1) .
من الأفكار التي تؤدي إلى تقويض المجتمع الإسلاميّ الشَّائعات. ولا بُدَّ أنْ يتصدّى إلى الشَّائعات في سبيل تقويم المجتمع والحفاظ على بنائه، وأنْ يرد الإعلام الإسلاميّ على هذه الشَّائعات مستعملاً كُلّ الوسائل والأساليب المتعلّقة بالشَّائعات.
والشَّائعات أكثر ما تُستخدم في الأوضاع المتوترة من حيث يرى تجار الحروب والمنتفعون أو المتهورون بأنَّ هذه فرصتهم للإيقاع بين الخصوم. فإنَّ استعمال سلاح الشَّائعات يعجّل بطريقة أو بأخرى من إيقاع الحرب والصِّدام بين الفريقين المتصارعين، مِمَّا يؤدي إلى تقويض بنيان المجتمع، ولذلك يقع على عاتق الإعلام الإسلاميّ ـ وفي سبيل تقويم بنيان المجتمع ـ أنْ يتصدّى للردّ على الشَّائعات بوصفها واحدة من الأسلحة التي استخدمت من قبل ـ ولا تزال تستخدم من قبل الإعلام المعاصر ـ بهدف تقويض بنيان المجتمع المسلم (2) .
__________
(1) مقالات في الدَّعوة والإعلام الإسلاميّ، مرجع سابق، ص 25-26.
(2) منهج الإعلام الإسلاميّ في صلح الحديبية: سليم عبد الله حجازي، ط/1، (جدة: دار المنار، 1986م)،
ص 59.(1/10)
توضِّح لنا أهمية الإعلام ودوره في تقويم بنيان المجتمع ما نعلمه أنَّ لدى يهود (244) صحيفة أو يزيد في الولايات المتحدة، منها (58) دوريّة، و(30) دوريّة في كندا، و(118) صحيفة في أمريكا الجنوبيّة، و(348) دوريّة مجلة في أوربا (1) .
والإعلام الإسلاميّ إعلام إنسانيّ شامل يدعو المجتمع إلى اتّباع الدِّين من حيث الوحدانية والتَّوحيد والوحدة الإنسانيّة في آن واحد معاً، وإنْ اختلف النَّاس أجناساً وقبائل، قال تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ } [الرُّوم: 22].
والإعلام الإسلاميّ ـ في سبيل تقويم بنيان المجتمع وَفقاً للمبادئ
الإسلاميّة ـ لا بُدَّ أنْ يدعو إلى المساواة، قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13].
فالمساواة هي أساس الإعلام الإنسانيّ في التَّصوُّر الإسلاميّ، كما أنَّ التَّعارف يقتضي من وسائل الإعلام إشاعة المودة والتَّعاون في كُلّ أنحاء العالم، ومن جانب آخر العدالة أساس العلاقات الإنسانيّة في الإعلام الإنسانيّ، يقول تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }
[النِّساء: 135].
__________
(1) مقالات في الدَّعوة والإعلام الإسلاميّ، مرجع سابق، ص 24.(1/11)
الإعلام الإسلاميّ بخلاف أيّ إعلام وعلى وجه الخصوص الإعلام الدَّوليّ المعاصر إعلام إيجابيّ يصل بين الإنسان وخالقه، ويوضِّح حقائق الهداية، ويوجِّه الإنسان إلى البناء من أجل الحياة الدُّنيا والآخرة (1) .
لا بُدَّ للإعلام الإسلاميّ ـ في سبيل تقويم بنيان المجتمع وتحصينه من الانحراف ـ من التَّصدي للبلبلة التي وقع فيها العالم الإسلاميّ نتيجة لكثرة الآراء والاتّجاهات، وإدخال الكثير من الضَّلالات والمفتريات، مثل: الدَّعوات المنحرفة التي أوجدها الاستعمار والصُّهيونيّة، وسخَّر لها القوّة الماديّة والفنيّة، ودعمها بشتَّى الوسائل، لإيقاع البلبلة في أفكار أفراد المجتمع المسلم، مثل: "القاديانيّة" و"البهائيّة" و"الشُّيوعيّة" بوجه خاص، مع العلم بأنَّ هناك صلات قائمة إلى الآن بين الاستعمار والصُّهيونيّة وبين الدَّعوات المنحرفة وأعداء الإسلام. ولليهود أثر كبير في السَّيطرة على وسائل الإعلام، كالإذاعة، والصّحافة، والسِّينما، ووكالات الأنباء، ويستخدمونها في الحرب النَّفسيّة، وإشاعة الفوضى، وزعزعة القيم الأخلاقيّة (2) .
وعليه يُعَدُّ تقويم بنيان المجتمع من أهم أهداف الإعلام الإسلاميّ التي ينبغي على القائمين على وسائل الإعلام أنْ يعدوا لها العُدّة، وأنْ يعملوا لتحقيق هذا الهدف بشتَّى الوسائل الإعلاميّة المشروعة.
__________
(1) الإعلام الإسلاميّ وتكنولوجيا الاتّصال: عبد العزيز شرف، مرجع سابق، ص 139.
(2) المرجع السًّابق نفسه، ص 121.(1/12)
ويستطيع الإعلام الإسلاميّ تحقيق هذا الهدف إذا ما تقيَّد بما شرع الله تعالى، حتَّى يصل إلى واحد من أهدافه: (تقويم بنيان المجتمع)، وذلك في علاقات الأفراد وعلاقات الشُّعوب والأُمم، بل والعلاقات الدَّوليّة التي هي أعظم شأناً وخطراً، ففي مجال العلاقات الدَّوليّة مثلاً نتأمل قوله تعالى { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا } [النِّساء: 85-86].
وعليه فالإعلام الإسلاميّ يقدّر أنَّ الكلمة تملك عبقريّة البناء، كما تملك عبقريّة الهدم (1) .
ثالثاً : توفير المعلومات الصَّحيحة:
تجمع الآراء على أننا نعيش اليوم مجتمع المعلومات، حيث لم تعد أهمية المعلومات في اتّخاذ القرارات وحلّ المشكلات خافية على أحد. وتداول المعلومات في المجتمع ظاهرة غاية في التَّنوُّع والتَّعقُّد، وبقدر ما يزداد فهمنا لها تزداد فعاليتها، ولا يمكن لعلم المعلومات ـ الذي يرمي لتنمية قدرتنا على فهم ظاهرة المعلومات ـ أنْ يرسي أساساً راسخاً لتطوُّره إلاَّ بتوسيع قاعدته المعرفيّة (2) .
__________
(1) الإعلام الإسلاميّ في مواجهة الإعلام الماديّ: محمود مُحَمَّد عمارة، ط/1، (المنصورة: دار الكلمة للنَّشر والتَّوزيع، 1999م)، ص 12.
(2) علم المعلومات بين النَّظريّة والتَّطبيق: حشمت قاسم، بدون طبعة، (القاهرة: مكتبة غريب، بدون تاريخ)، صفحة الغلاف الأخيرة.(1/13)
وتبرز أهمية المعلومات الصَّحيحة التي ينبغي أنْ يوقّرها الإعلام الإسلاميّ، والمعلومات أصبحت إحدى ركائز حياتنا المعاصرة، ولكن هذه المعلومات تصبح بلا قيمة إذا لم تصل إلى مريديها في الوقت المناسب وبالقدر المناسب (1) .
ولكن ما هي المعلومات التي جعلناها من أهداف الإعلام الإسلاميّ، وأنَّ الإعلام الإسلاميّ لا بُدَّ أنْ يوفّرها، وأنْ تكون صحيحة؟
ذكر د. حشمت قاسم أنَّ "المعلومات هي البيانات التي يمكن استثمارها في اتّخاذ القرارات وحلّ المشكلات" (2) .
إنَّ المعلومات في نظر الشَّخص العادي هي: الرَّسائل، والأنباء، والبيانات، والمعرفة، والوثائق، والإنتاج الفكري، والاستخبارات، والرّموز، والإشارات، والتَّلميحات، والأفكار المفيدة، وكُلّ ما تقوم بجمعه مراكز البحث وأجهزة الأمن" (3) .
ومن الصَّعب ـ إنْ لم يكن من المستحيل ـ حصر كُلّ المحاولات لتعريف المعلومات. فهناك وَفق أحد التَّقديرات أكثر من أربعمائة تعريف للمعلومات، أسهم بها مختصون ينتمون إلى مجالات مختلفة وثقافات وبيئات متباينة (4) .
هناك إجماع على أننا نعيش اليوم (مجتمع المعلومات)، فلم تعد الأهمية ـ كما تقدَّم ـ خافية على أحد، إذ إنَّ متطلبات الحياة بوجه عام تحتاج لتداول المعلومات في المجتمع، وهي ظاهرة في غاية التَّنوُّع والتَّعقُّد، وواضح أنَّها من الأهمية بمكان. وتداول المعلومات نشاط اجتماعيّ بشريّ قوامه انتقال المعنى من شخص إلى آخر من خلال أيّ من الوسائل والأدوات والآلات والوسائط التي يمكن أنْ تتوافر (5) .
__________
(1) المدخل إلى علم المعلومات والمكتبات: أحمد بدر، بدون طبعة، (الرِّياض: دار المريخ للنَّشر، 1985م)،
ص 347.
(2) المرجع السَّابق نفسه، ص 17.
(3) المرجع نفسه، ص 15.
(4) المرجع نفسه، ص 15.
(5) علم المعلومات: حشمت قاسم، ص (م).(1/14)
ومعروف أنَّ المعلومات الصَّحيحة تهدف إلى زيادة فهمنا وإدراكنا في مجالات كثيرة، ومثالاً على ذلك نذكر المجالات التالية :
[1] سلوك البشر المنتجين للمعلومات ومصادرها، والمتلقين لهذه المعلومات بوصفهم في قنوات الاتّصال.
[2] الدِّراسة الكميّة لمجتمع الرَّسائل، من حيث: حجمه، ومعدلات نموه، وتوزيعه، وأنماط إنتاجه والإفادة منه.
[3] التَّنظيم الدَّلاليّ للرَّسائل والقنوات؛ الذي ييسر التَّحقُّق من محتواها من جانب كُلّ من المصدر والمتلقي.
[4] المشكلات التي ترتبط بوجه خاص بعمليات اختزان المعلومات وتحليلها واسترجاعها.
[5] التَّنظيم الشَّامل لنظم المعلومات وأدائها في تداول المعلومات.
[6] السِّياق الاجتماعيّ لتداول المعلومات، وخاصّة اقتصاديات التَّداول وسياساته (1) .
هذه نماذج للمجالات التي يهدف علم المعلومات منها إلى زيادة فهمنا وإدراكنا، تبرز حاجة الإنسان إلى المعلومات الصَّحيحة وأهمية هذه المعلومات، ومن المؤكَّد أنَّ المجتمع المسلم المعاصر في حاجة إلى المعلومات الصَّحيحة، وأنَّ تُوفِّر له هذه المعلومات للجماعة والأفراد، ولذلك أصبح من أهداف الإعلام الإسلاميّ توفير المعلومات الصَّحيحة، التي من شأنها أنْ تساعد المجتمع والجماعات والأفراد في التَّعامل وَفق هذه المعلومات الصَّحيحة.
والإعلام الإسلاميّ يأتي بالمعلومات من مصادرها، وهي أنواع: (شفويّة، وتحريريّة، ومصوَّرة).
[أ] المصادر الشَّفويّة:
مثل: المحادثة، المحاضرة، التَّسجيل السَّمعيّ، الهاتف، الإذاعة.
[ب] المصادر التَّحريريّة:
الخطاب، الخطوط، النَّص المكتوب بالآلات، النَّص المُسْتَنْسَخ، النَّص المطبوع، النُّسخة المصورة، النَّص الإلكترونيّ، مخرجات الحاسب الآليّ، مخرجات الآلات الطَّابعة عن بعد، مخرجات التّلفزيون.
[ج] مصادر مصوَّرة:
__________
(1) المرجع السَّابق نفسه، ص 14.(1/15)
الرَّسم التَّخطيطي، الرَّسم الملوَّن، الصُّورة الضَّوئيّة، الشَّرائح، قصاصات الأفلام، الفيلم الصَّامت، شريط الفيديو.
نسبة لأنَّ ثورة الاتّصال أحدثت تغييراً جذرياً في أنماط الحياة العاديّة للنَّاس وفي زيادة إنتاجيّة الأفراد والمجتمعات، ودخلت وسائل الاتّصال الحديثة مختلف المؤسسات الإداريّة والاجتماعيّة، ومن بينها المكتبات ومراكز المعلومات (1) .
لكُلّ هذا كان لا بُدَّ للإعلام الإسلاميّ أنْ يجعل واحداً من أهدافه: توفير المعلومات الصَّحيحة لجمهوره.
الإعلام الإسلاميّ عن طريق كُلّ الوسائل المشروعة لا بُدَّ أنْ يوفر المعلومات الصَّحيحة في المجتمع المسلم وغير المسلم. فالمعلومات الصَّحيحة تشتمل على كُلّ المباحث الفعليّة البحتة وبخاصّة ما وراء الطَّبيعة منها، كما يتناول النَّظر في المحسوسات الماديّة والتَّجارب الصَّحيحة المؤكَّدة التي تؤدي إلى الإيمان بكمال الله تعالى وقدرته، وسعة علمه (2) .
يُقدِّم الإعلام الإسلاميّ المعلومات الصَّحيحة في كُلّ ضرب من ضروب العلوم والمعارف، إذ إنَّ المعلومات الصَّحيحة لا تكون قاصرة على العقيدة والفرائض الدِّينيّة والشَّرائع، فالمعلومات الصَّحيحة تشتمل على كُلّ شيء، ما يتعلَّق بالطَّبيعة والقوانين وتسخيرها في خلافة الأرض، وما يتعلَّق بالعقيدة والفرائض والشَّرائع، ولكن المعلومات التي تنقطع عن قاعدة الإيمان ليست هي المعلومة الصَّحيحة المطلوب من الإعلام الإسلاميّ أنْ يقوم عليها ويوفّرها للنَّاس.
__________
(1) المدخل إلى علم المعلومات: أحمد بدر، مرجع سابق، ص 347.
(2) مُقَوِّمات رجل الإعلام الإسلاميّ: تيسير محجوب الغتيابي، مرجع سابق، ص 229.(1/16)
ومن أهداف الإعلام الإسلاميّ أنْ يُقدِّم المعلومات الصَّحيحة عن الثَّقافة الإسلاميّة القائمة على قواعد التَّصوُّر الإسلاميّ، وهي ثقافة شاملة لكُلّ حقول النَّشاط الفكريّ والواقعيّ والإنسانيّ، وفيها من القواعد والمناهج ما يكفل نمو هذا النَّشاط وحيويته، وهي وليدة رسالات السَّماء، وقامت على التَّوحيد وطابع الأخلاق، والجمع بين الدُّنيا والآخرة، والرُّوح والمادة، وأسلوبها في المعرفة قام على جناحي النَّظرة العقليّة والنَّظرة الرُّوحيّة متكاملتين (1) .
لكُلّ ما تقدَّم كان لا بُدَّ لنظام الإعلام الإسلاميّ أنْ يجعل من أهدافه توفير المعلومات الصَّحيحة، وأنْ يزوّد بها المجتمع الإسلاميّ؛ بل يزوّد بها المجتمع غير الإسلاميّ. وهدفنا أنْ نزوّد غير المسلمين بالمعلومات الصَّحيحة حتَّى يبنوا رَأْيهم على فهم وإدراك، خاصّة في المسائل التي تهم الإسلام؛ ذلك لأنَّ كثيراً من غير المسلمين يبنون الآن مواقفهم على معلومات غير صحيحة عن الإسلام والمسلمين.
رابعاً : تجميع طاقات المسلمين:
الإعلام الإسلاميّ لا بُدَّ أنْ يجعل من أهم أهدافه وأبرزها تجميع طاقات المسلمين. وذلك بعد أنْ يلح على استنهاضها؛ لأنَّ طاقات المسلمين الآن طاقات مبعثرة ومعطلّة. والإعلام الإسلاميّ بشتَّى الوسائل المعاصرة والتَّقليديّة عليه دور هام وهدف سامٍ، وهو تجميع طاقات المسلمين.
والسُّؤال هو: ما هي طاقات المسلمين، وكيف يمكن للإعلام الإسلاميّ أنْ يقوم بتجميع طاقات المسلمين؟
والسُّؤال الثَّاني: هل طاقات المسلمين الآن مشتّتة، وما سبب هذا التَّشتُّت؟
وهو سؤال كذلك يجيب عليه الإعلام الإسلاميّ من خلال منهج يعرض لأسباب التَّشتُّت وأضراره.
الطَّاقات التي ينبغي أنْ يسعى الإعلام الإسلاميّ لتجميعها كثيرة ومتعدّدة، وسنستعرض ثلاثاً فقط من طاقات المسلمين، الطاقات: الثَّقافيّة، والاقتصاديّة، والسِّياسيّة.
__________
(1) المرجع السَّابق نفسه، ص240.(1/17)
وتقف على رأس هذه الطَّاقات ـ التي تستحق التَّجميع ـ طاقة المسلمين الثَّقافيّة المنبثقة من العقيدة الإسلاميّة، وهي التي تُحدِّد هوية المسلمين. وهي قوى روحية تؤدي إلى تماسك المسلمين فكريّاً، ولا بُدَّ للإعلام الإسلاميّ أنْ يعمل على تجميع المسلمين وتوحيدهم حول ثقافة واحدة، وتُعَدُّ من الأهداف الهامة للإعلام الإسلاميّ، إذ لا بُدَّ للإعلام الإسلاميّ أنْ يحمي الذَّاتيّة الثَّقافيّة للأُمَّة الإسلاميّة.
إنَّ احتكار دول الشِّمال لوسائل الإعلام أدَّى إلى تعريض الذَّاتيّة الثَّقافيّة لكثير من الأُمم للخطر، ولا سيما الأُمَّة الإسلاميّة، وفرض نماذج تعكس قيماً وأساليب حياة غربية، وهو ما يؤدي إلى السَّيطرة الثَّقافيّة الأمريكيّة، وتبعيّة دول الجنوب ثقافيّاً لدول الشِّمال، وقد أكَّدت لجنة "ماكيرايد" أنَّ آثار التَّبعيّة الاقتصاديّة أو الخضوع السِّياسيّ تمنع من قيام استقلال حقيقيّ فعَّال بدون أنْ تتوفّر موارد الاتّصال التي تتطلّبها حمايته، وقد قيل بحقّ: إنَّه لا يحقّ للأُمَّة أنْ تدّعي الاستقلال إذا كانت وسائلها الإعلاميّة تحت سيطرة أجنبيّة.(1/18)
إنَّ التَّنوُّع والتَّباين من أهم خصائص الثَّقافة وأقيمها، ولذلك فإنَّ العالم بأسره هو الخاسر من إجراء احتكار دول الشِّمال لوسائل الإعلام، واستخدامها للسَّيطرة الثَّقافيّة على الأُمم الأخرى، لذلك فإنَّ التَّصدي للسَّيطرة الثَّقافيّة ـ وهو مهمة عاجلة اليوم ـ وعلى الأخص من قبل الإعلام الإسلاميّ الذي ينبغي أنْ يعمل على تجميع طاقات الأُمَّة المسلمة وحدها في بوتقة واحدة حتَّى تحقِّق الهوية، وتنطلق من قوس واحدة، وتضرب بسهم واحد، لا سيما وأنَّ المسلمين يتعرّضون لغزو ثقافيّ أمريكيّ وغربيّ، يهدف إلى تبديد طاقاتهم الفكريّة والثَّقافيّة، وإلى استعمارهم ثقافيّاً وفكريّاً، وذلك عن طريق تخبُّط الشُّعوب الإسلاميّة في قالب الحياة الأمريكيّة والغربيّة ـ كما هو مشاهد ـ وهي أخطر عملية لتغيير هوية الأُمَّة الإسلاميّة. كما يهدف الغزو الثَّقافيّ إلى تثبيت فكرة "سيادة الجنس الأبيض وتقدّمه"، وبالتَّالي ضرورة التَّسليم بالسَيادة الأمريكيّة على العالم، وأنَّ هذه السّيادة الأمريكيّة هي نهاية التَّاريخ، وليس هناك أيّة فائدة في تجميع طاقة المسلمين الثَّقافيّة لمقاومة هذه السّيادة. ولذلك لا بُدَّ أنْ تكون من أهم أهداف الإعلام الإسلاميّ ومسؤوليّاته أنْ يواجه الغزو الثَّقافيّ الأمريكيّ وأنْ يقاومه، وذلك بتجميع طاقة الشُّعوب الإسلاميّة الثَّقافيّة، وإثارة اعتزاز المسلمين بهويتهم وذاتيتهم الحضاريّة، ومقاومة عقيدة وعقدة الدُّونيّة (1) .
في مجال الثَّقافة لا بُدَّ للإعلام الإسلاميّ أنْ يعيد صياغة العقل المسلم وتشكيله، والوصول إلى العقل المرتَّب اليوم، وهي دعوة مزدوجة أو ذات هدفين رئيسين:
__________
(1) انظر: أخلاقيّات الإعلام: سليمان صالح، ط/1، (الكويت: مكتبة الفلاح، 2002م)، ص 289-290.(1/19)
[1] تصحيح التَّصوُّر ؛ وذلك بالقدرة على الرُّؤية للخطوط الإسلاميّة والمسارات، وأنْ تكون متواصلة متكاملة متوازية لا يصطدم بعضها بالبعض بالآخر، لتأخذ بعدها بضبط وربط. والقدرة على تكوين العقليّة التي تمتلك أبجديّات الثَّقافة الإسلاميّة، التي تستطيع من خلالها أنْ تفسِّر الظَّواهر الاجتماعيّة تفسيراً إسلاميّاً. وتصدر عن تصوُّر شامل للكون والحياة والإنسان، ولا تقع فريسة للتفسيرات غير الإسلاميّة، كما أنَّها لا تبقى مهوشة غير قادرة على التَّوازن والاعتدال.
[2] تخليص العقل من التَّركيز على النَّظرة الجزئيّة؛ لأنَّ التَّركيز عليها يؤدي إلى آفات عقليّة أقلّها العجز والانحسار، كما يؤدي إلى تضخيم دور بعض الفروع والجزئيّات، الأمر الذي يقتل الإبداع، ويصيب قدرة العطاء عند الإنسان، ويوقع في التَّقليد ويحرم صاحبه من الإفادة من جهود الآخرين، سواء كان ذلك بالتَّعامل مع التُّراث أم بالقدرة على استلهام الكتاب والسُّنَّة لمواجهة حاجات العصر المتجدّدة (1) .
تجميع طاقات المسلمين الثَّقافيّة وتوحيد مشاربهم الثَّقافيّة يؤدي إلى وحدة فكريّة، وإلى تجميعهم وتجميع طاقاتهم الثَّقافيّة، وبالتَّالي يؤدي إلى وحدة فكريّة، والوحدة الفكريّة تؤدي بالطَّبع إلى وحدة عضويّة. وهذا كُلّه من أهم أهداف الإعلام الإسلاميّ.
__________
(1) حول إعادة تشكيل العقل المسلم: عماد الدِّين خليل، ط/2، (قطر: رئاسة المحاكم الشَّرعيّة والشُّؤون الدِّينيّة، بدون تاريخ)، ص 10.(1/20)
إنَّ تجميع طاقات المسلمين وتوحّدهم هدف هام لا بُدّ أنْ يسعى إليه الإعلام الإسلاميّ من خلال طرقه وطرحه لقضيّة الوحدة العضوية التي تقودها الوحدة الثَّقافيّة والفكريّة، فتجميع طاقة المسلمين الثَّقافيّة والفكريّة هي مقدمة طبيعيّة لوحدتهم الكبرى المطلوبة والمفقودة الآن. وتجميع بقية الطَّاقات السِّياسيّة والاقتصاديّة كُلّها طاقات يقع على عاتق الإعلام الإسلاميّ تجميعها، ذلك لأنَّ هذه الطَّاقات كُلّها تعرَّضت إلى التَّشتُّت والتَّفرُّق جراء الهجمات الاستعماريّة المعاصرة. الأمر الذي ألحق أضراراً بالمسلمين على كافّة المستويّات، وبدَّدت طاقات المسلمين، وكان لا بُدَّ للإعلام الإسلاميّ أنْ يقوم بتجميع هذه الطَّاقات من خلال الوسائل الحديثة والتَّقليديّة.
كما أنَّ تجميع طاقات المسلمين الاقتصاديّة أمر هام، ويُعَدُّ من أهداف الإعلام الإسلاميّ. وهنا لا بُدَّ أنْ يدعو الإعلام الإسلاميّ إلى التَّكامل الاقتصاديّ والوحدة الاقتصاديّة في الوطن الإسلاميّ، لا سيما وأنَّ الوطن الإسلاميّ له مناخات متنوعة وبيئات متنوعة سواءً أكانت زراعيّة أم معدنيّة، وهي طاقات اقتصاديّة هامة تحتاج إلى التَّجميع والتَّوحُّد والوحدة الاقتصاديّة في العالم الإسلاميّ. وهي هدف هام من أهداف الإعلام الإسلاميّ.(1/21)
الإعلام الإسلاميّ لا بُدَّ أنْ يبشِّر بهذه الوحدة، ويهتم بتجميع طاقات المسلمين الاقتصاديّة، ويوضِّح ما يمكن أنْ يترتّب على تجميع طاقات المسلمين الاقتصاديّة. إذا كان الإعلام الإسلاميّ من أهدافه تجميع طاقات المسلمين، فلا بُدَّ أنْ يكون من أهدافه تفجير هذه الطَّاقات المعطلّة. وعلى الإعلام الإسلاميّ أنْ يوضِّح أنَّ النِّظام الاقتصاديّ الإسلاميّ يقوم على أساس العدالة الاجتماعيّة والمساواة والعلاقات المعتدلة والمتوازنة. إنّه نظام عالميّ بما يحتويه من قيم أزليّة تؤمَّن حقوق الإنسان الفرد، وتذكّره بواجباته تجاه نفسه ومجتمعه، فالإسلام يحرِّم كافّة الاستغلال، ويحترم العمل الشَّريف، ويحدِّث المسلم دائماً عن كسب قوّته بالوسائل المشروعة والاعتدال في إنفاقها، قال تعالى : { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا } [الإسراء: 29].
والإطار العام للنِّظام الاقتصاديّ الإسلاميّ يتلّخص فيما يلي:
[1] إنَّ مصادر الثَّروة تُعَدُّ أمانة منحها الله تعالى للإنسان، وجعله سبحانه وتعالى أميناً عليها مستخلفاً فيها، وعلى ذلك يُحدِّد المسلم جهوده ونشاطه الاقتصاديّ داخل نطاق هذه الأمانة والثِّقة التي أولاها له الله تعالى.
[2] إنَّ الثَّروة لا بُدَّ أنْ تكون مكتسبة بالعمل والجهد وبوسائل مشروعة، ويجب حمايتها والمحافظة عليها واستخدامها طبقاً لما أمرنا به الله تعالى
ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
[3] عندما تفي ثروة الفرد كافّة حاجاته الضَّروريّة والمشروعة دون تقتير
أو إسراف فإنَّ عليه إنفاق الفائض لسد حاجات المحتاجين.(1/22)
[4] إنَّ التَّطوُّر والتَّقدُّم من المتطلبات الضَّروريّة، وإنَّ المشاركة في النَّشاط الاقتصاديّ أمر أوجبه الله تعالى على كُلّ مسلم، فعليه أنْ يعمل بجد في سبيل إنتاج وكسب ما يفيض عن احتياجاته الفرديّة حتَّى يتسنَّى له إخراج الزكاة ويساهم في النُّهوض بمجتمعه.
[5] لكُلّ فرد الحقّ في أنْ ينال أجراً عادلاً جزاء عمله دون أيّ تمييز قائم على أساس الجنس أو العرق أو اللَّون أو الدِّين.
[6] الكسب الحلال والإرث المشروع هما أساس الدَّخل الذي يعترف به الإسلام، إنَّ تنمية الثَّروات وكافّة وسائل الإنتاج يجب أنْ تكون مطابقة لنصوص الشريعة الإسلاميّة. فالرِّبا، والمقامرة، واكتناز الأموال دون استثمارها في التَّنمية، وما شابه ذلك من الأمور التي يحرّمها الإسلام كمصدر للدَّخل.
[7] إنَّ مبادئ المساواة والأخوة في الإسلام توجب تطبيق حقّ المشاركة العادلة في حالة اليسر أو العسر، فحقّ الزَّكاة، والصَّدقات، والعفو، والميراث، من مبادئ التَّوزيع العادل للثَّروة في المجتمع الإسلاميّ.
[8] إنَّ التَّكافل الاجتماعيّ يعطي المحرومين والمستضعفين والعاجزين الحقّ في ثروات المجتمع، الذي يُعَدُّ مسؤولاً مسؤوليّة كاملة عن تزويدهم بالمسكن، والملبس، والمأكل، والتَّعليم، والرِّعاية الصَّحيّة، دون تمييز في السِّن أو الجنس أو اللَّون أو الدِّين.
[9] يجب إقامة الثَّروة الاقتصاديّة للأُمَّة الإسلاميّة على أسس من التَّعاون والتَّكامل لصالح أبنائها (1) .
__________
(1) الإسلام والطَّاقات المعطلّة: مُحَمَّد الغزالي، طبعة جديدة ومنقحة، (القاهرة: نهضة مصر، 1998م)،
ص 161-162.(1/23)
من أهم أهداف الإعلام الإسلاميّ تجميع طاقات المسلمين السِّياسيّة وتوحيدها تجاه قوى البغي والعدوان، وتوحيد المواقف السِّياسيّة، وأنْ يُبشّر بأنْ يساهم كُلّ مسلم في بناء المصير السِّياسيّ الإسلاميّ على أنْ يقوم بممارسة السُّلطة مَنْ هو أهل لها إذا توافرت لديه الشُّروط الفقهيّة المعروفة التي أقرّتها الشَّريعة الإسلاميّة، وأنْ يوضِّح الإعلام الإسلاميّ أنَّ طاعة السُّلطة الشَّرعية الحاكمة أمر واجب على كُلّ مسلم طالما أنَّ هذه السُّلطة تطبّق شريعة الله تعالى وسنة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - . وعلى الإعلام الإسلاميّ أنْ يوضِّح أنَّ الإسلام ضمن للأقليّات غير المسلمة الحماية لها ولجميع حقوقها المدنيّة وحُرِّيَّتها في ممارسة شعائرها (1) .
إنَّ للمسلمين طاقات عديدة في مجالات مختلفة إذا تم تجميع هذه الطَّاقات يمكن أنْ يقودوا أنفسهم، ويمكنهم أنْ يقودوا العالم إلى الخير والأمن والرَّفاه والسَّلام. ومناط الإعلام الإسلاميّ أنْ يقوم بتجميع طاقات المسلمين، وأنْ يفجّر هذه الطَّاقات حتَّى لا تكون معطلّة، وهي الأخرى من أهداف الإعلام الإسلاميّ، فإذا كان تجميع طاقات المسلمين واجباً فأنه لا يتم إلاَّ بتفجير هذه الطَّاقات، وما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب.
خامساً: التَّصدي للحملات التي تواجه المسلمين:
واجه الإسلام على مدى تاريخه الطَّويل ـ ولا يزال ـ تحديّات وحملات عديدة تستهدف الإسلام والمسلمين، وتستهدف حقيقة وجود الإسلام، والسَّيطرة الكاملة على كُلّ أرضه، وكُلّ أرض يذكر فيها اسم الله تعالى، ويصلى فيها على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) المرجع السَّابق نفسه، ص 161-162.(1/24)
وبلغت هذه التَّحديّات والحملات حداً كبيراً من القسوة والبشاعة وصلت إلى حدّ ممارسة الإبادة الجماعيّة للمسلمين، مثلما يحدث اليوم في: فلسطين، وفي البوسنة والهرسك، والبلقان، وكشمير، والشيشان، وغيرها كثير من بلاد المسلمين، وتتخذ هذه الحملات كُلّ يوم شكلاً ولوناً جديداً، وكان منها ما يُسمَّى بـ "العلمانيّة" أحد هذه الأشكال. بل تُعَدُّ أخطرها على الإسلام والمسلمين، وهي العلمانيّة بمفهومهما اللا دينيّ المعادي للدِّين الإسلاميّ التي يستتر وراءها أعداء الإسلام من أجل توجيه ضربات موجعة إلى الإسلام في محاولة لإبعاد المسلمين عن إسلامهم، وبينما رفع شعار العلمانيّة وقامت حملتها انبهر بها في مجتمعاتنا الإسلاميّة كثير من مفكرينا فآمنوا بها ودعوا لها، ثُمَّ عمل هؤلاء وبخاصّة الذين يسيطرون على المنابر الإعلاميّة المختلفة عملوا على خلق أجيال من شبابنا بلا قضية وبلا قدوة حتَّى يتسنى إخراج المسلمين من دينهم (1) .
وينبغي تبيين الدَّور الذي يلعبه الإعلام الإسلاميّ أو الدَّعوة إلى الإسلام في التَّصدي لحملة العلمانيّة وغيرها من الحملات، والتَّحديّات التي تستهدف الإسلام والمسلمين، وذلك باستخدام وسائل الاتّصال الحديثة المتاحة بكُلّ ما لحق بها من تقدُّم، والتَّصدي للحملات التي تواجه المسلمين واحد من أهداف الإعلام الإسلاميّ.
__________
(1) دور الإعلام في مواجهة العلمانيّة المعادية: عبد المجيد الشّكريّ، ط/1، (القاهرة: دار الوفاء، 1965م)،
ص 78.(1/25)
إنَّ الإعلام الإسلاميّ عندما يتصدَّى للحملة العلمانيّة لا بُدَّ أنْ يدرسها دراسة كاملة من مصادرها، ويبيِّن مناقضتها للدِّين؛ بل لكُلّ الأديان ولا سيما الدِّين الإسلاميّ. ويبيِّن خطرها على العالم الإسلاميّ وعلى عقيدة المسلمين ويكشف عوارها. ويوضِّح الإعلام الإسلاميّ أنَّ العلمانيّة كان لظهورها في الغرب المسيحيّ مبررات، ولا يوجد مبرر أنْ تسيطر على العالم الإسلاميّ وعلى المسلمين. إنَّ العلمانيّة "صناعة غربية" لم تنبت في أرضنا، ولا تستقيم مع عقائدنا ومسلماتنا الفكريّة (1) .
والإعلام الإسلاميّ عليه أنْ يوضِّح أنَّ العلمانيّة ضدّ الدِّين، وأنَّها ضدّ الشَّريعة بصفة خاصّة، وبهذا تناصب العلمانيّة العداء للدِّين الإسلاميّ الذي أنزله الله تعالى نظاماً شاملاً للحياة، كما أنَّ الإسلام يناصبها العداء أيضاً، لأنَّها تنازعه سلطانه الشَّرعيّ في قيادة سفينة المجتمع، وتوجيه دفتها، وَفقاً لأمر الله تعالى ونهيه والحكم بما أنزله، على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا لم يحكم المجتمع بما أنزل الله تعالى سقط ـ لا محالة ـ في حكم الجاهلية، وهو ما حذَّر الله تعالى منه رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين من بعده حين قال { وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: 49-50].
__________
(1) وجهاً لوجه؛ الإسلام والعلمانيّة: يوسف القرضاويّ، ط/1، (القاهرة: دار الصَّحوة للنَّشر، 1987م)،
ص 52.(1/26)
وعلى الإعلام الإسلاميّ أنْ يوضِّح في تصديه للحملة العلمانيّة أنَّ العلمانيّة بمعيار الدِّين دعوة مرفوضة، لأنَّها دعوة إلى الجاهليّة، أيّ إلى الحكم بما وضع النَّاس لا بما أنزل الله تعالى (1) .
والعلمانيّة من ناحية أخرى ضدّ أصالتنا وسيادتنا، لأنَّها مبدأ مستورد من خارج أرضنا، ومن قوم غير قومنا، ولهم تاريخ غير تاريخنا، ومفاهيم غير مفاهيمنا، وقيم غير قيمنا، وعقائد غير عقائدنا، وقوانين غير شريعتنا، وأوضاع غير أوضاعنا، إنَّهم احتاجوا للعلمانيّة لظروف خاصّة بهم، ونحن لا حاجة لنا إلى العلمانيّة، لأنَّها كانت حلاً لمشاكلهم ومشكلهم مع كنسيتهم، وهي عندنا تكون مشكلاً في ذاتها (2) .
هناك حملات عديدة ومتنوعة ضدّ الإسلام والمسلمين إذا أراد الإعلام الإسلاميّ تصحيح المعلومات الخاطئة عن الإسلام التي تستند عليها الحملات يجب عليه أنْ يبحث عن الجذور الفكريّة التَّاريخيّة للمواقف المعادية للإسلام والمسلمين، حتَّى تكون مواجهته لذلك كُلّه مواجهة سليمة مبنيّة على دراسة عميقة تكشف عن الأسباب الحقيقية للمواقف الغربيّة إزاء الإسلام ولا تكتفي بدراسة الظَّاهرة من سطحها. ويبرز هنا مجال من أهم المجالات الجديرة بالدَّراسة وحملة من أهم الحملات التي يتصدَّى لها الإعلام الإسلاميّ، وهو موضوع الإسلام في تصوُّر علماء الغرب وفلاسفته (3) .
الإعلام الإسلاميّ لا بُدَّ أنْ يعرف أسباب إساءة الغرب غير المسلم إلى الإسلام والمسلمين، وهي تتمثَّل في ما يلي:
[1] هناك جدل كبير يدور بين المسلمين حول ما إذا كانت الشَّريعة الإسلاميّة تتيح للمسلمين الانخراط في منظمات وهيئات غير المسلمين أم لا.
__________
(1) المرجع السَّابق نفسه، ص 83.
(2) المرجع نفسه، ص 98.
(3) مسؤوليّة الإعلام الإسلاميّ في ظلّ النِّظام العالميّ الجديد: رشدي شحاتة أبو زيد، ط/1، (القاهرة: دار الفكر العربيّ، 1999م)، ص 236.(1/27)
[2] تأثُّر غير المسلمين في الخارج بكتب التَّاريخ التي تعكس 1400 عام من الكتابات المسيحيّة التي تعبِّر عن الجهل بحقيقة الإسلام، كما أنَّها في كثير من الأحيان تمثِّل تحيُّزاً ضدّ الإسلام وتحاملاً عليه، فتتهمه بأنَّه دين ضدّ العلم، والثَّقافة، والعقل، والانفتاح، والتَّنوير، ويرفض القيم الدّيمقراطيّة.
[3] هناك مفهوم خاطئ عند غير المسلمين مضمونه ومحتواه أنَّ المسلمين كافّة مسؤولون في نظر وسائل الإعلام في أيّ مكان في العالم عن أيّ عمل مخالف لتعاليم الإسلام يقع من بعض المسلمين ويُعدّونه يمثِّل وجهة نظر جميع المسلمين في العالم كُلّه.
[4] يعتقد غير المسلمين أنَّ تراث المسلمين يتحامل على المرأة، ويفرِّق بينها وبين أخيها الرجل. والغريب أنَّ الكثيرين من الذين يردّدون تلك الأقاويل يرفضون أيّ حوار في هذا الشَّأن (1) .
ومن خلال هذا الفهم دخلت إلى العالم الإسلاميّ ظاهرة التَّغريب التي لا بُدّ للإعلام الإسلاميّ أنْ يتصدّى لها بوصفها واحدة من الحملات التي تواجه المسلمين.
والتَّغريب هو: مجموعة من الدِّراسات والثَّقافات والنُّظم التي تجري حول المسلمين وتُطبَق على مجتمعاتهم وتؤدي بهم في النِّهاية إلى أنْ يتشبّعوا بالفكر الغربيّ والحضارة الغربيّة المعادية للإسلام، فتغريب المسلمين هو تحويل ولائهم للغرب ونظمه وعاداته وتقاليده بعد صرفهم عن الإسلام، الذي شوّه لهم (2) .
__________
(1) المرجع السَّابق نفسه، ص 245-246.
(2) الغزو الفكريّ وأثره على المنهج الإسلاميّ المعاصر: علي عبد الحليم محمود، بدون طبعة، (الكويت: دار البحوث العلميّة، 1979م)، ص 123.(1/28)
والغزو الفكريّ ـ كما هو معروف ـ حملة خطيرة، إنَّه التَّغيير الذي يجري ـ أول ما يجري ـ داخل العقول والقلوب، ثُمَّ ينتقل إلى الأخلاق والتَّقاليد والعادات، ويُخطِّط لهذا التَّغيير علماء النَّفس والاجتماع فوق أجهزة التَّخابر والإحصاء العامّة المختلفة، ويُعَدُّ الغزو الفكريّ كما تقدم من أخطر الحملات التي تواجه الإسلام والمسلمين.
والإعلام الإسلاميّ لا بُدَّ أنْ يكون واحداً من المصدات التي تواجه هذا الغزو، وذلك بشتَّى وسائل الإعلام. وبما أنَّ الغزو الفكريّ للعالم الإسلاميّ دخل عن طريق الإعلام لا سيما الصّحافة ـ التي كانت رائدتها الصّحافة المصريّة ـ؛ فلا بُدَّ أنْ يكون الإعلام ـ لا سيما الإعلام الإسلاميّ ـ هو الذي يتصدَّى للحملات الفكرية الغازية للعالم الإسلاميّ .
لقد كان للصّحافة المصريّة دور طيّب في التَّصدي للحملات ورياح التَّغريب التي كانت تهبّ على مصر والمجتمع الإسلاميّ خلال الاحتلال الإنجليزيّ على البلاد المصرية آنذاك، حاربت الصّحافة العادات والتَّقاليد والمظاهر التي كانت تحاكي عادات وتقاليد الأوربيين، وندَّدت بالمواطنين الذين انزلقوا إلى الارتماء في أحضان الغرب أو الذين قاموا بتقليد الغرب والانتصار لحضارته أو ما كان يطلق عليهم في هذه الفترة بـ "المتفرنجين". والصّحافة وهي تقوم بالتَّصدي للتغريب وحملاته؛ وهي صحافة إسلاميّة تحقِّق أهداف الإعلام الإسلاميّ في التَّصدي للحملات التي تواجه الإسلام والمسلمين (1) .
__________
(1) صحافة الاتّجاه الإسلاميّ في مصر: جمال عبد الحي عمر النَّجّار، ط/1، (المنصورة: دار الوفاء، 2000م).(1/29)
ومن الحملات الضَّارية التي يتعرَّض لها المسلمون حملات التَّبشير بالنَّصرانيّة، الذي يصحّ أنْ يقال له: "التَّنصير"، أطلق اسم "التَّبشير" على الحملات الحديثة المنظمة، وعلى المنظمات الدِّينيّة الغربيّة التي تهدف إلى تعليم الدِّين المسيحيّ ونشره، وخاصّة في دول العالم الإسلاميّ (1) .
والجدير بالذِّكر أنَّ الإعلام الإسلاميّ قد تصدَّى لحملات التَّنصير، إذ كتب علماء المسلمين والمفكرون الإسلاميّون كتباً متنوعة منذ قرون توضِّح خطر الزَّحف النَّصرانيّ على العالم الإسلاميّ، ولا يزال الإعلام الإسلاميّ المكتوب يتصدَّى لهذه الحملة.
والمطلوب من الإعلام الإسلاميّ المزيد من التَّصدي لهذه الحملات، ومواجهة أساليب المنصِّرين، وتعريف الجماهير المسلمة بهذه الحملات، وتحصين المسلمين ضدّ الدِّعايات المغرضة التي تستهدف الإسلام والمسلمين، وأنْ يوضِّح الإعلام الإسلاميّ أنَّ قادة هذه الحملات هم أعداء الشُّعوب الإسلاميّة وأعداء لعقيدة الإسلام.
وقد قال أحد المبشِّرين (المنصِّرين): "إنَّه وإنْ خاب أمل الصَّليبيين في انتزاع القدس من أيدي المسلمين ليقيموا دولة مسيحيّة في قلب العالم الإسلاميّ؛ لكن الحروب الصَّليبية لم تكن لإنقاذ هذه المدينة بقدر ما كانت لتدمير الإسلام"، قال هذه بعد أنْ هزمهم صلاح الدِّين الأيوبيّ وأجلاهم عن العالم الإسلاميّ بعد احتلال دام قرنين من الزَّمان.
وحتَّى يمكن للإعلام الإسلاميّ التَّصدي لهذه الحملات التي تواجه الإسلام والمسلمين كان لا بُدَّ أنْ يحاول الإعلام الإسلاميّ تشكيل العقل المسلم، ويعيد صياغته وَفقاً للمفاهيم الإسلاميّة الصَّحيحة في العقيدة والشَّريعة، وذلك لأنَّ العقل المسلم لحق به كثير من الغزو الفكريّ المعاصر، ولكن للإعلام الإسلاميّ أنْ يدعو لصياغة العقل المسلم في بعدين:
[1] تصحيح التَّصوُّر :
__________
(1) المرجع السَّابق نفسه، ص 209.(1/30)
وذلك بالقدرة على رؤية الخطوط الإسلاميّة والمسارات الإسلاميّة متواصلة متكاملة متوازية، لا يصطدم بعضها بالآخر، لتأخذ بعدها بضبط وربط. والقدرة على تكوين العقليّة التي تمتلك أبجديّات الثَّقافة الإسلاميّة، فتحسن القراءة الإسلاميّة التي تستطيع من خلالها أنْ تُفسِّر الظَّواهر الاجتماعيّة تفسيراً إسلاميّاً، وتصدر عن تصوُّر شامل للكون والحياة والإنسان، ولا تقع فريسة للتَّفسيرات غير الإسلاميّة، كما أنَّها لا تبقى مهوشة غير قادرة على التَّوازن والاعتدال.
[2] تخليص العقل المسلم من التَّركيز على النَّظرة الجزئيّة:
لأنَّ التَّركيز على النَّظرة الجزئيّة يؤدي إلى آفات عقليّة أقلّها العجز والانحسار، كما يؤدي إلى تضخيم دور بعض الفروع والجزئيّات، الأمر الذي يقتل الإبداع، ويصيب قدرة العطاء عند الإنسان، ويوقع في التَّقليد ويحرم صاحبه من الإفادة من جهود الآخرين، سواء أكان ذلك بالتَّعامل مع التُّراث أم بالقدرة على استلهام الكتاب والسُّنَّة لمواجهة حاجات العصر المتجدّدة (1) .
ومتابعة للحملات التي تواجه المسلمين تبرز واحدة من أهم الحملات المعاصرة التي تواجه الإسلام والمسلمين، وهي الحملة الصُّهيونيّة المعاصرة، التي استطاعت أنْ تقيم لها دولة في الوطن الإسلاميّ، وكان ـ ولا يزال الإعلام ـ من أهم أسلحة هذه الحملة. ولذلك من أهداف الإعلام الإسلاميّ التَّصدي لهذه الحملة.
__________
(1) حول تشكيل العقل المسلم: عماد الدِّين خليل، ط/1، (الولايات المتحدة الأمريكيّة، بدون دار نشر، 1991م)، ص 17-18.(1/31)
إنَّ القضيّة الفلسطينيّة قضيّة فريدة في قضايا العالم المعاصر. الغزو اليهوديّ في حقيقته غزو استعماريّ حاقد على العروبة والإسلام. وهو في الوقت نفسه غزو يهوديّ، صهيونيّ، استيطانيّ، حاقد أيضاً، التقت فيه أهداف الاستعمار الشِّريرة. هذا الالتقاء لم يكن عفويّاً، وإنَّما كان وليد اتّفاقيّات ومؤامرات على جعل أرض فلسطين وطناً لليهود، يجمعون فيه شتاتهم، ويقيمون دولتهم، لتكون هذه الدَّولة رأس حربة يُنْطَلَق منها إلى أيَّة بقعة في العالم الإسلاميّ، وذلك لإثبات النُّفوذ، وفرض السّيادة الفكريّة والسِّياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة عليها، وذلك لاستغلالها وتحويل مسيرتها الحضاريّة. ولقد ركَّزت الجهود الاستعماريّة والصُّهيونيّة المتحالفة على إيجاد المناخ الملائم والظروف المناسبة لتثبيت هذه الدَّولة اليهوديّة الاستيطانيّة العنصريّة، وحمايتها على مرتكزات أهمها:
? تقسيم المنطقة إلى أركان ضعيفة وتفتيتها، بحيث لا تستطيع الاعتماد على نفسها، وإنَّما تعتمد على الخارج المتمثِّل في الدُّول الاستعماريّة، حتَّى تبتعد عن التَّفكير في الوحدة التي تمنحها القوّة وحُرِّيَّة الحركة.
? بذر بذور الشِّقاق في الصُّفوف، وافتعال المنازعات والخصومات لتفتيت طاقتها، وتفتيت الوحدة الإسلاميّة بإبقاء هذه الشُّعوب في دوامة الفوضى السِّياسيّة.
? افتقار الدُّول المحيطة بالدَّولة اليهوديّة عن طريق محاصرة هذه الدُّول اقتصاديّاً، ومنعها من التَّقدُّم، والحيلولة بينها وبين الاعتماد على النَّفس.
? إضعاف الرُّوح المعنويّة لدى شعوب المنطقة عن طريق نشر وسائل الفوضى وإفساد الأخلاق، وتدمير القيم، وطبع الجيل الجديد على أخلاق غريبة عن حياته وعقيدته وقيمه ومُثُله.(1/32)
? دعم اليهود والدَّولة اليهوديّة عسكريّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً، وجعل قوتها تعادل قوّة الدَّول العربيّة المحيطة بها، حتَّى تكون ضعيفة لا تقوى على الصَّراع مع دولة اليهود. غير أنَّ الدِّراسة أثبتت أنَّ مجموعة الدُّول المحيطة بدولة اليهود إذا توحَّدت يمكن أنْ تفوق دولة اليهود في كُلّ مُقَوِّمات الحرب.
? فتح باب الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين، بحيث تستوعب الملايين من اليهود الذين يهاجرون من جميع بلدان العالم إلى فلسطين، وتهيئة المستعمرات والمستوطنات لتوطينهم وأخذ مواقعهم في الدَّولة اليهوديّة بعد طرد أهلها منها. دون شك فإنَّ هذه المستوطنات تُشكِّل بطبيعتها حصوناً دفاعيّة في حالة الحرب (1) .
الحملة الصُّهيونيّة المعاصرة من كبرى الحملات التي واجهت المسلمين، ولا بُدّ للإعلام الإسلاميّ أنْ يتصدَّى لها ويجعلها من أهدافه، ولا بُدّ من تفنيد ادّعاءات اليهود حول حقّهم المزعوم في أرض الإسلام، وكشف زيفهم وخططهم. وذلك يكون من خلال التَّخطيط المكافئ لهذه الحملة الجائرة التي تولَّى كبرها اليهود بما لهم من قوّة في مجال الإعلام، لا سيما تلك الأكذوبة التي تقول: إنَّ قوّة إسرائيل تفوق قوّة الدُّول العربيّة مجتمعة. فقد ثبت أنَّ هذا تضليل إعلاميّ يهوديّ لم يجد له ما يردّه ويكذبه.
ولذلك من أهداف الإعلام الإسلاميّ كسر هيبة الدَّولة اليهوديّة، وجعلها في نظر المسلمين الدَّولة التي يمكن أنْ تُغْلَب إذا اتّحد المسلمون ضدّ هذا الكيان الصَّغير، وهو هدف من أهداف الإعلام الإسلاميّ لا بُدّ أنْ يتخذ له الوسائل المشروعة المعاصرة والتَّقليديّة.
__________
(1) أفكار خطرة: عبد الكريم عبد الله نيازي، ط/1، (بدون بلد، بدون نشر، بدون تاريخ)، ص 150-152.(1/33)
من الحملات المعاصرة التي تستهدف الإسلام ما يسمى بـ "قضايا المرأة" إذ إنَّ هناك اتّهام للإسلام بأنَّه متحيّز للرِّجال ضدّ النِّساء، ومسقط لحقوق المرأة. الإسلام متهم بإهانة المرأة واستضعافها، فهل في كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يبعث على التُّهمة؟
القرآن بين أيدينا لم يتغيَّر منه حرف، وهو قاطع بأنَّ الإنسانيّة تطير بجناحين الرَّجل والمرأة معاً، وأنَّ انكسار أحد الجناحين يعني التَّوقُّف والهبوط.
ويمكن للإعلام الإسلاميّ أنْ يرد كيد هذه الحملة بما يورده من القرآن والسُّنَّة النَّبويّة الصَّحيحة.
يقول الشَّيخ محمد الغزاليّ: (نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - يوصي بأنْ تذهب النِّساء إلى المساجد (تفلات)، أي غير متعطرات ولا متبرجات. وفي البخاريّ أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أجاز أنْ يُسلِّم الرِّجال على النِّساء، وجاء فيه أنَّ الرَّسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة ـ رضي الله عنها ـ: (هذا جبريل يقرأ عليك السَّلام، وكان في صورة رجل) (1) .
الإعلام الإسلاميّ في مجال التَّصدي للحملات التي تواجه الإسلام والمسلمين لا بُدَّ أنْ يعرض الإسلام وتعاليمه عرضاً يخرج من الوجه الدَّميم، ليخدم هدفه في التَّصدي للحملات التي تواجه الإسلام.
__________
(1) قضايا المرأة: مُحَمَّد الغزاليّ، ط/1، (بيروت: دار الشُّروق، 1990م)، ص 6.(1/34)
وفي مجال قضايا المرأة يمكن للإعلام الإسلاميّ أنْ يستدلَّ بما كفله الإسلام للمرأة من حقوق. فقد كان لها شخصيّة مقدرة وأثر يحسب، يقول المحدّثون: لما نزل قوله تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشُّعراء: 214] صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّفا ونادى: (يا بني عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله، يا صفيّة عمّة رسول الله ويا فاطمة بنت رسول الله اشتريا أنفسكما فإنّي لا أغني عنكما من الله شيئاً، سلاني من مالي ما شئتما) نداء للنِّساء بصوت عال وجهير، وبأسمائهنّ مِمَّا يدلُّ على الاحترام والتَّقدير.
والحملات التي ينبغي أنْ يتصدَّى لها الإعلام الإسلاميّ كثيرة ومتجدِّدة. والتَّصدي لها يظلّ من أهداف الإعلام الإسلاميّ، ولا بُدَّ للإعلام الإسلاميّ وهو يتصدَّى للحملات هذه من وضع الخطط والأفكار والمناهج، فهي تساعده عند التَّنفيذ.
ما تقدَّم نماذج لهذه الحملات المعادية للإسلام والمسلمين، وهي حملات يُخطِّط لها أعداء الإسلام ليل نهار للنَّيل من المسلمين.(1/35)