سلسلة الرسائل العلمية
( 1 )
للمُسْلِمِ وغَيْرِ المُسْلِمِ
بحثٌ مختصَرٌ
حولَ
الإسلام ونبي الإسلام
تأليف
الشيخ / محمدُ بنُ رِزْق بنِ طَرْهُوني
مكتبة العلم بجدة
المُقَدِّمَة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسِنا، ومنْ سيئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه .
أما بعد
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهديِ هديُ محمد ( ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدَثَةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ .
لما كنتُ أتصَفَّحُ مجلةَ الجهادِ ، العددَ السابعِ والخمسين الصادر في ذي الحجة 1409هـ ، وقعَ بصري على إعلانٍ لرابطةِ العلماءِ المسلمينَ حولَ مسابقةٍ لبحثٍ يتكلَّمُ عن شخصيةِ النبي ( وما يتعلقُ برسالتِه ، فمالَ قلبي للاشتراكِ في تلكَ المسابقةِ ، لأُمورٍ عِدَّةٍ أساسُها ارتباطي الوثيقُ بسيرتِه ( التي أتمنى لو أفنَيْتُ عمري لها ، جمعاً وتحقيقاً ، ودراسةً وتحليلاً ، فإنها في نظري الطريقُ الوحيدُ لفهمِ الدينِ ، فهماً صحيحاً مبْنِيّاً على أُسُسٍ عمليةٍ بعيدةٍ عن الفروضِ والنظرياتِ ، فضلاً عن كونها البرهانَ الساطعَ ، والدليلَ الواضحَ على نبوتِه ( ، وصدقِ ما جاء به . ولذا فقد كرَّسْتُ معظمَ وقتي للخطوةِ الأولى في ذلك . وهي خطوةُ الجمعِ والتحقيقِ حتى قطعتُ في ذلك شوطاً كبيراً ، وبدا الحلمُ حقيقةً والخيالُ واقعاً ، والحمد لله رب العالمين .(1/1)
ولما كان البحثُ المطلوبُ إعدادُه ، جزئيةً من جزئياتِ دراسةِ سيرته ( ، ولا أدري هل يكونُ في العمرِ بقيةٌ لإنجازِ الخطوةِ التاليةِ للجمعِ والتحقيقِ ، وهي الدراسةُ والتحليلُ ؛ آثرتُ أن أكتبَ فيه من بابِ قولهم : ( ما لا يدرَكُ جُلُّه لا يتركُ كُلُّه ) . ولو أنني بسببِ ضيقِ الوقتِ المحدَّدِ لإنجازِ البحثِ ـ وهو ما يقلُّ عن شهرين ـ أعلمُ تماماً أنني لن أوَفِّيَه حقَّه الذي ينبغي له ، ولكن أرجو أن يكونَ لَبِنَةً أولى ـ إن مدَّ الله في عمري وثَبَّتني على نهجي ـ أنبري للعملِ الأكبرِ الذي تُوضَعُ فيه هذه اللبنةُ في مكانها في ثوبٍ جديدٍ ، متداركٌ فيه ما شَذَّ وشَرَدَ في ذلكم البحثِ المختصر ، ولا أريدُ أن أطيلَ في تلك المقدمة ، فإن ما قلَّ وكفى خيرٌ مما كَثُرَ وألهى . ولكن لا يفوتُني الإشارةُ إلى أهميةِ هذا المبحثِ في خدمةِ الإسلام ، فإن إلقاءَ الأضواءِ على جوانبِ شخصيته ( وما يتعَلَّقُ برسالته أمرٌ في غاية الأهمية ، في دحضِ كثيرٍ من شبهاتِ المغرِضين ، وردِّ كيدِ المَكيدين ، وفي إثباتِ نبوته وصدقِه ، بما لا مجالَ لمنصفٍ في إنكارها . وقد كثُرَ الغثاءُ والعُواءُ حولَ شخصيته ( ممن لم يتعرفْ عليها عن كَثَبٍ ، وينظرْ فيها من قُرْبٍ ، فلم يُصِبْ فيما قال ، وجانَبَ الحقَّ في الفِعالِ والمقالِ ، فكانَ الكفرُ حليفاً له في الحالِ والمآلِ . ولو نظَرَ في تلكَ الشخصيةِ الفذَّةِ من بدايةِ تكوينِها ، وتابَعَها في مراحِلِ حياتها ، ونظر في تطوراتها ومدى علاقتِها بمجتمَعِها ، لتكسَّرَتْ أوهامُه على صخرةٍ صلبةٍ من الحقيقة والواقع .(1/2)
ونفسُ الأمرِ سوفَ يحدُثُ لمنْ سَوَّلَتْ له نفسُه الوقوعَ في رسالته ( ، وإلقاءَ الشُّبُهاتِ حولها . فلو أنه درَسَ البشاراتِ بها وإرهاصاتها وبدايتَها وحيثِياتِها ومعجزاتها وثمارَها وشمولهَا وكمالهَا وعمومَها وبقاءَها وشهاداتِ أعدائِها ؛ لما حامَ حولَ حريمها ، ولما جالَ في عرينها .
ثم إن كثيراً مما أوقعَ الناسَ فيما وقعوا فيه يرجعُ إلى افتقارِهم إلى التمييزِ بين ما صحَّ من الرواياتِ وما لم يصحَّ منها ، وإنْ لم يكنْ ذلك عن عمدٍ من بعضِهم . ولذا فإنني آلَيْتُ على نفسي ألا أذكرَ في بحثي هذا إلا رواياتٍ ثابتةً صحيحةً لا مجالَ للشَّكِّ فيها والارتيابِ . وهذا شرطٌ عزيزٌ ومطلبٌ شاقٌّ ، يُعتبَرُ من فرائدِ عَمَلي في السيرةِ . وفي ظني أن الاكتفاءَ بالصحيحِ الثابتِ في هذا المجالِ ، هو الذي لا ينبغي المحيدُ عنه . فعلى الرغم من وجودِ جوانبَ أخرى لشخصيته وتتعلق برسالتِه ( في الرواياتِ الضعيفةِ ، إلا أننا لسنا في حاجةٍ إليها ، فإن في الثابتِ كفايةٌ لمن أرادَ اللهُ به الهدايةَ . وإنَّ فَتْحَ بابِ الرواياتِ الضعيفةِ بحجةِ أن ذلكَ في الفضائلِ ونحوِها جرَّ على الأمةِ ويلاتٍ لا يدانَ لأحدٍ بها ، منها :
الانحرافُ في عقيدةِ كثيرٍ من المسلمين .
ومنها استنباطاتٌ خاطئةٌ في منهَجِ الدعوةِ ، وخطِّ سَيْرِ الأمة .
ومنها فتحُ المجالِ أمامَ المغرضينَ للطَّعنِ في الدينِ ، وشخصيةِ النبيِّ الأمينِ ( .
وكذلك فإن إدخالَ الرواياتِ الضعيفةِ في مجالِ شخصيته ( ، لا يعطي للقارئِ صورةً حقيقيةً عن تلكَ الشخصيةِ الفريدةِ . ويجبُ على الدارسِ حين يقدِّمُ دراسةً عنها ، لكلِّ من يرنو إلى التعرفِ عليها ، أن يبنيَ دراستَه على أسسٍ ثابتةٍ ، لا تدعُ للقارئِ مجالاً للشَّكِّ في المعلوماتِ التي بُنِيَتْ عليها تلكَ الدراسةُ .(1/3)
وحيثُ أنني قد بينتُ منهجي في نوعيةِ النُّصوصِ الحديثيةِ التي دَرَسْتُ من خلالها شخصيتَه ( ، وما يتعلقُ برسالته ، أُحِبُّ أن أنوه بأنني اعتمدتُ قبلَ كلِّ شيءٍ على كلامِ الله سبحانه وتعالى ، فإن الباحثَ إذا سَبَرَ آياتِ القرآنِ وتدبَّر فيها تحصَّلَ على مادةٍ غنيةٍ جداً بالمعلومات في ذلك المضمارِ ، ولكن هناك نقطةٌ هامةٌ ألفِتُ الأنظارَ إليها ، وهي أنَّ فهمي لدلالاتِ الآياتِ لم يكنْ وليدَ فكري ، ولكنه راجعٌ إلى كلامِ أهلِ العلمِ المشهودِ لهم بالفهم والاطلاعِ وسعةِ المعرفةِ وعلى رأسِهِم سلفُ الأمةِ من الصحابةِ والتابعينِ . وقد التزمتُ أيضاً الصحةَ فيما أُورِدُه من آثارٍ عن الصحابةِ وغيرِهم ، ليكونَ المنهجُ واحداً ، والمعلوماتُ صحيحةً .
وقد سِرت في بحثي هذا على خطةٍ منهجيةٍ ، وها أنا أذكرُها مفصلة :
بدأتُ بأن قَسَّمْتُ البحثَ إلى ثلاثةِ أبوابٍ :
1ـ جعلتُ البابَ الأولَ كالتمهيدِ للكلامِ في البابَيْنِ اللَّذَيْنِ بعدَه ، فعقدتُ فصلاً فَرْعِياً في أهمية دراسةِ البيئةِ عندَ دراسةِ شخصيةِ أفرادِها ، ثم جعلتُ تحتَ البابِ فصلَيْن :
ـ الفصلُ الأولُ : في أحوالِ أهلِ الجاهليةِ ، وما كانوا عليه قبلَ ولادتِه ( وبعدَها ، كنظرةٍ عامةٍ في المجتمعِ المحيطِ به ( ، والأفكارِ والمبادئِ التي أحاطَتْ به ( في بَدءِ حياتِه إلى أن بُعِثَ .
ـ والفصلُ الثاني : في البيئةِ الصغرى الأكثر التصاقاً به ( ، ولها التأثيرُ الأكبرُ في شخصيته ( ، وهي أسرتُه التي نَشَأَ فيها . وبالطبعِ تكلمتُ عن ولادَتِه ونشأتِه يتيماً وما إلى ذلك بإيجاز .
2ـ ثم انتقلتُ إلى البابِ الثاني ، وهو : الموضوعُ الأولُ في ذلكَ المبحثِ ، وهو شخصيتُه ( . فقسمته إلى أربعةِ فصولٍ :
ـ الفصلُ الأول : في شخصيتِه ( في طفولته حتى البلوغ .
ـ الفصلُ الثاني : في شخصيتِه ( في شبابِه حتى بَعَثَه الله نبياً .(1/4)
ـ الفصلُ الثالثُ ؛ وهو أهمُّ ما في البابِ : في شخصيته ( بعدَ البعثةِ حتى توفّاه الله تعالى .
وإنما أردتُ بهذا التقسيمِ بيانَ التَّطَوُّرِ الفكريِّ والنفسيِّ لدى النبي ( ، وبيانَ الصفاتِ الكامنةِ في شخصيته ، والتي لم تتغيرْ منذ طُفولَتِه إلى وفاتِه ( ، والصفاتِ التي اكْتَسَبَها بعد إكرامِه بالنبوة ، وكيفيةِ صنعِ الله له على عَيْنِهِ ، ليكونَ مُؤَهَّلاً لذلك الأمر، وتدّخُّلِ العنايةِ الإلهيةِ لتَصْرِفَ عنه السوءَ .
كما أنني أردتُ بيانَ المؤثراتِ التي أَثَّرَتْ في شخصيته ( في تلكَ المراحلِ ، بحيث يمكن للقارئ أن يعلمَ مدى بطلانِ ما طُرِحَ من شبهاتٍ حولَ رسالتِه ( ، من قولٍ بأنه افتراها من عنده ، أو تلقاها عن غيره ، أو كانت عرضاً لأمراضٍ نفسيةٍ ، أو حباً في الجاهِ أو المالِ ، أو .....أو .....الخ ما ادعاه المدَّعُون وافتراه المبطِلون مما يأتي بعضُه في الفصلِ الرابعِ والأخيرِ في هذا الباب .
ـ ثم الفصلُ الرابعُ : ويتضمنُ شبهةً من الشبهاتِ التي أُثيرَتْ حولَ شخصيته ( ، وبيانَ بطلانها ، من خلالِ الدراسةِ المتقدمة لتلكَ الشخصيةِ الكريمة . ولم أُطِلْ في هذا الفصلِ لأنه قد خدمَه غيرُ واحدٍ قبلي مما جعلَه قد قُتِلَ بحثاً . ولكني أردتُ ألا يخلوَ بحثي من الإشارةِ إلى شيءٍ من ذلك ، ولعلَّ اللهَ تعالى يفتَحُ علي ببعضِ الفوائدِ في هذه العجالةِ .
3ـ ثم انتقلتُ إلى البابِ الثالثِ والأخيرِ وهو فيما يتعلقُ برسالته ( ، وعقدتُ له أربعةَ فصول :
ـ الفصلُ الأول : في البشاراتِ بها ، وانتظارِ أهلِ الكتابِ لها ، وإرهاصاتهِا ، وبدءِ أمرها .
ـ الفصلُ الثاني : في دلائِلها .
ـ الفصلُ الثالثُ : في خَتْمِ الرسالات بها ، وعمومِها ، وحفظِ الله لها، و شمولها .
ـ الفصل الرابع : في ردِّ شبهةٍ مما أُلقِيَ حولهَا من شبهات .(1/5)
وقد حاولتُ جهدي الاختصارَ في هذا البابِ جملةً ، لأنَّ كلَّ فصلٍ منه لا يكفيهِ كتابٌ مستقِلٌّ .
4ـ ثم الخاتمةُ : وذكرتُ فيها أقوالاً لبعضِ المُنْصِفينَ من أهلِ الشَّرْقِ والغَرْبِ في الرسول ( وفي رسالتِه .
5ـ ثم الفهارسُ : وتشملُ فهرساً للموضوعاتِ ، ثم آخرَ للآياتِ القرآنيةِ ، ثم ثالثاً للأحاديثِ والآثارِ ، ثم الرابعَ والأخيرَ للمصادرِ والمراجعِ التي استفدت منها في البحث .
وقبلَ أن أنهيَ هذه المقدمةَ ، أودُّ أن أشيرَ إلى أن شخصيةَ النبي ( ورسالتَه ، قد شَرُفَ بالكتابةِ عنها من جوانبَ مختلفةٍ وعُنِيَ بدراستِها ، الكتّابُ قديماً وحديثاً ؛ من المسلمينَ خاصةً ، ومن الناسِ عامةً . ولكن الميزة التي امتازَ بها هذا البحثُ المتواضعُ هو الدِّقَةُ في المعلوماتِ المعتمَدَةِ فيه ، بإخضاعِها للدراسة الحديثيةِ كما أشرتُ إلى ذلك آنفاً .
ومن الكتبِ التي عَنِيَتْ بما ذكرتُ مما كتبه المسلمون :
ـ الترمذي " الشمائل المحمدية " .
ـ أبو الشيخ " أخلاقُ النبي ( " .
ـ الفريابي " دلائل النبوة " .
ـ أبو نعيم " دلائل النبوة " .
ـ البيهقي " دلائل النبوة " .
ـ ابن الجوزي " الوفا بأحوال المصطفى " .
ـ ابن القيم " زاد المعاد في هدي خير العباد " .
ـ السيوطي " الخصائص الكبرى " .
وكتبُ أهلِ العلمِ القديمةُ في ذلك كثيرةٌ ومطوَّلةٌ ، وأغلبُها يتكلَّم عن نُقطةٍ معيَّنَةٍ تتعلقُ بشخصيتة ( أو رسالتِه .
وأما الكتب الحديثةُ ـ لأنَّ الهممَ قد ضَعُفَتْ وأصبحَ الناسُ في عجلةٍ من أمرِهِم ويريدون معلوماتٍ سريعةً ـ فكانتْ أكثرَ شمولاً من ناحيةِ الموضوعاتِ المعالجَةِ فيها ، ولكن شتّانَ بين الأصولِ والفروعِ .
ومن هذه الكتبِ :
ـ محمد أبو زهرة " خاتمُ النبيين ( " مؤسسة دار العلوم .
ـ محمد الصادق عرجون " محمد رسول الله " دار القلم .
ـ العقاد " مطلع النور " مكتبة العروبة ، " عبقرية محمد " المكتبة العصرية .(1/6)
ـ عبد الكريم الخطيب " النبي محمد إنسانُ الإنسانية ونبي الأنبياء " دار الاتحاد العربي للطباعة .
ـ علي الجمبلاطي وأبو الفتوح التوانسي " محمد ( نبي الإنسانية والإسلام " دار نهضة مصر للطباعة والنشر .
ـ محمد أحمد جاد المولى بك " محمد المثل الكامل " ط. محمد علي صبيح .
ـ محمد عطية الأبراشي " عظمة الرسول ( " دار القلم .
ـ محمد رضا " محمد رسول الله " عيسى البابي الحلبي .
ـ العقيد الركن محمود شيث خطاب " الرسول القائد " . الشركة الإسلامية للطباعة والنشر ـ بغداد .
ـ الصاغ ( أركان حرب ) محمد عبد الفتاح إبراهيم " محمد القائد " . مصطفى بابي الحلبي
ـ الصاغ محمد فرج " العبقرية العسكرية في غزوات الرسول ( " دار الفكر العربي .
ـ اللواء الركن مصطفى طلاس " الرسول العربي وفن الحرب " دار القرآن الكريم ـ بيروت
ـ محمد رشيد رضا " الوحي المحمدي " ط . المنار .
ـ محمد حسين هيكل " حياة محمد " دار المعارف .
ـ د. يوسف عبد الهادي الشال " خاتم المرسلين حياة ورسالة " الشركة المصرية للطباعة والنشر .
ـ د. علي عبد الجليل راضي " حياة محمد الروحية " مكتبة النهضة المصرية .
ـ محمود شلبي ، ألَّف سلسلةً وصلت إلى تسعِ رسائل في جوانبِ شخصيته ( ط . الدار التونسية للنشر . ومنها : " محمد معالج الروح والجسد " ، " محمد المربى الأمين " ، " محمد المصلح الرحيم " ، " محمد معدن الإيمان " وألَّف أيضاً " حياة رسول الله ( " مكتبة القاهرة .
ـ عبدُ المحسنِ العبّاد " من أخلاقِ الرسول ( " مطابع الرشيد .
ـ د . محمد علي الهاشمي " شخصية الرسول ( في القرآن الكريم " دار الأصمعي .
ـ د .عبد الحميد الهاشمي " الرسول العربي المربي " دار الهدي للنشر والتوزيع .
ـ د . محمد رأفت سعيد " الرسول المعلم ومنهجه في التعليم .
ـ عبد الرحمن الشرقاوي " محمد رسول الحرية " الهيئة المصرية العامة للكتاب .(1/7)
ـ عبد الله سراج الدين " سيدنا محمد رسول الله ( شمائلُه الحميدةُ وخصالُه المجيدة " جمعية التعليم الشرعي .
ـ عبد الرزاق نوفل " محمد رسولاً نبياً .
ـ عبد الحليم محمود " الرسول ( لمحاتٌ من حياته وأنوارٌ من هديه " .
ـ محمد عبد الله السمان " محمد الرسول البشر " ، " الرسول أستاذ الحياة " .
ومما كتبه غيرُ المسلمين الذين هداهم الله بعد ذلك إلى الإسلام :
ـ الفونس اتيين دينيه " محمد رسول الله " بالاشتراك مع سليمان إبراهيم ، وترجمة عبد الحليم محمود ومحمد عبد الحليم محمود ط . نهضة مصر ، " الحج إلى بيت الله الحرام " ، " أشعة خاصة بنور الإسلام .
ـ الآب سابقاً البروفسور عبد الأحد داود " محمد في الكتاب المقدس " ترجمة فهمي شما ـ دار الضياء للنشر والتوزيع .
ومما كتبه غيرُ المسلمين الذين بقوا على ضلالهم :
ـ د . نظمي لوقا " محمد الرسالة والرسول " ط . دار الكتاب العربي
ـ مونتجومري وات " محمد فى مكة "،"محمد في المدينة " تعريب شعبان بركات .
ـ تورأنده " محمد الإنسان وعقيدته .
ـ ر . بل " رؤى محمد " .
ـ واهرنس " محمد " .
ـ وبهل " محمد " .
ـ واشنطن ارفنج " حياة محمد " ط . دار المعارف .
ـ وليام موير " حياة محمد " .
ـ توماس كارليل " الأبطال " تعريب محمد السباعي ط . المطبعة المصرية.
ـ جان برا " محمد نابليون السماء " .
ـ وليم سوبر " سيرة محمد " .
وممن كتبَ عن النبي ( أيضاً جماعة ، منهم :
ـ كايتاني ، ونودلكه ، وشفالي ، والخبيث جولد تسيهر الذي يُلمَسُ في كتابته التعصبُ المقيتُ ، وتشويه الحقائقِ ، والتضليلُ ، وتصويرُ الحقِّ بصورةِ الباطلِ . وكثيرٌ من المستشرقينَ نحا هذا النحوَ ولكن ردَّ الله كيدهم في نحورِهم بكتاباتِ المنصفينَ من أبناءِ مِلَّتِهِم . وسيأتي في آخر الكتابِ بابٌ في أقوالهم بإذن الله تعالى .(1/8)
وإلى هنا ينتهي ما أردتُ تسجيلًه في تلكَ المقدمةِ السريعةِ ، وأسألُ الله تعالى أن يجعلَ أعمالي كلَّها خالصةً لوجهِه ، وأن يُدخلَني الجنةَ بحبي لنبيه ( ، فهي أفضلُ قربةٍ أتقرَّبُ بها إلى ربي ( بعدَ إفرادِه بالعبادةِ ، وأسألُه جل شأنُه ألا يحرمَني رؤيةَ نبيه ( ، وأن يحشرَني تحتَ لوائه ، ويوردَني حوضَه ، ويسقيَني من يده الشريفةِ شربةً هنيئةً مريئةً لا أظمأُ بعدَها أبدا .
فهو الحبيبُ وليسَ حبٌّ قبلَه غيرَ الإله فِداهُ الآلُ والمالُ
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمينَ وصلى الله على نبينا وحبيبِنا وشفيعِنا محمد وعلى آله وسلَّم تسليماً كثيراً
المؤلف
محمد بن رزق بن طرهوني
المدينة المنورة
ص.ب 1783
البابُ الأوَّلُ
البيئة التي تكونت فيها شخصية النبي ( وتمت فيها بعثته
( بين يدي الباب (
لاشكَّ أن للبيئةِ المحيطةِ بالإنسانِ ، أثراً كبيراً في تكوينِ شخصيتِه . والأسرةُ والمجتمعُ وطبيعةُ الأرضِ التي تربّى عليها ، تُشَكِّلُ العواملَ الأساسيةَ في بنائِها . وهذا نستطيعُ أن نُؤَصِّلَ له من الكتابِ والسنةِ . فقد قال تعالى : ? ?????????????? ???????? ???????? ????????????? ??????????? ??????? ???????????? ??????? ???? ???????? ?????? ?????? ???????????? ??????????? ??????? ??????? ? ( التوبة : 97 )(1/9)
ذكرَ ابنُ كثيرٍ رحمه الله في تفسيرِها حديثَ ابنِ عباس ، عن النبي ( قال : " من سَكَنَ الباديةَ جفا ، ومن اتَّبَعَ الصيدَ غَفَلَ ، ومن أتى السلطانَ افْتُتِنْ "(1) . ثم قال : ولما كانتْ الغِلظةُ والجفاءُ في أهلِ البوادي ، لم يبعثْ اللهُ منهم رسولاً، وإنما كانتْ البعثةُ مِنْ أهلِ القرى ، كما قال تعالى : ? ?????? ???????????????? ??? ????????? ??????? ???????? ???????? ?????????? ????? ????????? ???????????? ? . ولما أهدى ذلكَ الأعرابيُّ تلكَ الهدية لرسولِ الله ( ، فردَّ عليه أضعافَها حتى رضي . قال : " لقد هممتُ ألا أقبلَ هديةً إلا منْ قرشيٍّ أو ثَقَفيٍّ أو أنصاريٍّ أو دَوْسِيٍّ "(2) ، لأن هؤلاءِ كانوا يسكنونَ المدنَ ، مكةَ والطائفَ والمدينةَ واليمنَ ، فهُم ألطَفُ أخلاقاً من الأعرابِ لما في طِباعِ الأعرابِ من الجفاءِ(3) . انتهى كلامُ الحافظِ ابنِ كثيرٍ رحمه الله تعالى ، وهو كلامٌ نفيسٌ في تأثيرِ البيئةِ على شخصيةِ أهلِها .
وقد دلَّ على هذا المعنى أيضاً قوله ( : " الفَخْرُ والخُيَلاءُ في أهلِ الخيلِ والإبلِ والفدادينِ أهلِ الوَبَرِ ، والسَّكينةُ في أهلِ الغنم "(4) . وقوله ( : " ألا إن القسوةَ وغِلَظَ القلوبِ في الفدادين ، عند أصولِ أذنابِ الإبلِ "(5) قال الحافظُ ابنُ حَجَرَ : [ في قوله ( أهل الوَبَرِ ) - بفتح الواو والموحدة - : أي ليسوا من أهلِ المَدَرِ ، لأن العربَ تعبِّرُ عن أهلِ الحضرِ بأهلِ المدَرِ ، وعن أهلِ الباديةِ بأهلِ الوبر ](6) .(1/10)
فانظُرْ كيفَ يتفِّقُ هذا الحديثُ مع ما قدَّمناه من تأثيرِ بيئةِ الباديةِ على شخصيةِ الأعرابِ وخاصةً في الفدادين - بتشديد الدال - جمعُ فدان ، وهو الذي يعلو صوتُه في إِبِلِه وخيلِه ، فصاحبُ الإبلِ ينشأُ على القسوةِ وغِلَظِ القلبِ ، وصاحبُ الخيلِ ينشأُ على الخُيلاءِ والفخرِ ، وصاحبُ الغنمِ ينشأُ على الهدوءِ والسكينةِ ، وذلك لما يكتَسِبُه كلٌّ من بيئته بسببِ عوامِلَ عدةٍ تُكَوِّنُ شخصيتَه .
وقد ذكر الباحثونَ في علمِ النفسِ بعدَ قرونٍ من البعثةِ ، ما يتَّفِقُ مع ما تقدَّمَ ، وبالأخَصِّ فيما يُسمى بعلمِ نَفْسِ النُّمُوِّ ، وعلمِ النفسِ الاجتماعِيِّ .
ـ فالأولُ : يتبين منه مدى تأثيرِ البيئةِ على اكتسابِ الأطفالِ تدريجياً أنماطَهم في التفكيرِ والانفعالاتِ والدوافِعِ ، والمظاهرِ الأخرى الشخصية .
ـ والثاني : أكثرُ بياناً لتأثيرِ المجتمعاتِ في سلوكياتِ الفَرْدِ ، بل إنَّ معناهُ هو دراسةُ كيفَ يتأثَّرُ الإنسانُ بالآخرينَ ويُؤَثِّرُ فيهم . ومِن فُصولِ هذا البابِ ما يُسمّى بالتطبيعِ الاجتماعيِّ ، وهي العمليةُ التي يتكامَلُ بها الأطفالُ في المجتمعِ ويُصبِحُ الأطفالُ مخلوقاتِ مجتمَعِهِم بطُرُقٍ كثيرةِ ، يتشكلون بعاداته وأنظمته(7) .
ونكتفي بهذا القدرِ كتمهيدٍ ، ونَشَرَعُ في الفصلِ الأولِ ، وهو : دراسةٌ عن البيئةِ التي نَشَأَ فيها النبيُّ ( .
( الفصلُ الأولُ (
( البيئةُ التي نَشَأَ فيها النبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلَّم (
ونحنُ إذْ نتكلمُ عن البيئةِ التي تكوَّنَت فيها شخصيةُ النبي ( ، نضع في عينِ الاعتبارِ العاملَ الخارجيَّ الأساسيَّ ، الذي جعلَ النبي ( ينفَكُّ من عمليةِ التطبيعِ الاجتماعيِّ في كثيرٍ من الأمورِ ، وهو التوفيقُ الإلهيُّ المؤهِّلُ له لتَحَمُّلِ الرسالةِ . وهذا في حَدِّ ذاتِه من دلائِلِ نبوته ( ، وسيتَّضِحُ هذا جلياً أثناءَ البحثِ إن شاء الله تعالى .(1/11)
إن أصلَ الحياةِ الفعليةِ في مكةَ المكرمةِ ، هو ما كان من مجيءِ إبراهيمَ عليه السلام ، بأمِّ ولدِه هاجرَ وولدِه منها إسماعيلَ عليه السلام ، إلى وادِ مكةَ القفرِ ، كما أمره الله تعالى وترَكهما هنالك ، حيث لا زرعَ ولا ماءَ ، ولا أنيسَ ولا جليسَ ، بعد أن أَعلَمَ هاجرَ بأن هذا أمرٌ من الله تعالى ، فاستسْلَمَتْ لأمرِ الله ثقةً فيه أنه لن يضيِّعَها هي وولدَها . وكان من أمرِ زمزمَ ما كان ، حيث ضربَ جبريلُ عليه السلامُ الأرضَ فنَبَعَتْ منها ، وحام الطيرُ حولَ الماءِ ، وجاءتْ رفقةٌ من جُرهُم استوطنتْ المكانَ ، وأَنِسَتْ بهم هاجرُ وابنُها . ونشأَ فيهم الغلامُ وتعلَّمَ العربيةَ ، وزوَّجوه منهم . وكان إبراهيمُ عليه السلامُ يتعاهدُ أهلَه وولَدَه . وماتتْ هاجرُ ، وجاء الأمرُ من الله ببناءِ البيتِ الحرامِ ، وتعاونَ الشيخُ والشابُ في البناءِ . وسجَّلَ القرآنُ العظيمُ حوادثَ القصةِ إجمالاً ، فقال تعالى - حكايةً عن إبراهيمَ عليه السلام - : ? ???????????? ????????? ?????????? ??? ????????????? ??????? ???????? ??? ?????? ????? ????????? ????????????? ?????????? ???????????? ????????????? ??????????? ??????????????? ????? ????????? ????????? ??????????? ??????????????? ????? ????????????? ??????????? ???????????? ? ( إبراهيم : 37 ) .
وقال تعالى : ? ??????? ??????????? ???????????????? ????????????? ???? ?????????? ?????????????????? ????????? ????????? ????????? ????????? ?????? ??????????? ??????????? ? ( البقرة : 127 ) .
وسجَّلَتْ السنةُ الصحيحةُ القصةَ بتفاصيلِِها ، فقد أخرجها البخاريُّ مطولةً من حديثِ ابنِ عباسٍ وساقَها سياقاً حسناً(8) ، ومضمونُها هو ما ذكرناه آنفاً .
ونشأ إسماعيلُ عليه السلام على الإسلام .(1/12)
قال تعالى ـ عن إبراهيم ـ : ? ????? ?????? ?????? ??????????? ?????????? ?????? ??????????? ??????? ??????????????????????? ????? ????????? ?????? ???????????????? ???????? ???????????? ??????????? ?????? ?????? ?????????? ?????? ????????? ????? ???????????? ??????? ????????? ???????????? ? ( البقرة : 131 ، 132 ) .
ودعا إبراهيمُ ربَّه أن يجنَّبَه وبنيه عبادةَ الأصنامِ ، بعد أن دعا لمكةَ بالأمنِ . قال تعالى : ? ??????? ?????? ??????????????? ????? ???????? ??????? ??????????? ????????? ???????????????? ?????????? ???? ??????????? ????????????? ???? ????? ??????????? ??????????? ???????? ????? ?????????? ????? ?????????? ????????????? ??????? ?????? ????????? ??????????? ???????? ???????? ????? ( إبراهيم : 35 ، 36 ) .
ودعا إبراهيمُ وإسماعيلُ عندَ بناءِ البيتِ قائلينَ : ? ????????? ????????????? ???????????? ???? ????? ???????????????? ?????????? ???????????? ????? ??????????? ???????????? ??????? ???????????? ????????? ?????? ???????????? ??????????? ? ( البقرة : 128) .
فاستمرَّ الإسلامُ ديناً لأهلِ تلكَ البقعةِ ، ودانَ العربُ بدينِ إبراهيمَ عليه السلامُ ، حتى كان ما كانَ من أمرِ عَمْرِو بنِ لحُيَ ٍّبنِ قمعة بن خندف ، أبو خزاعةَ ، فكان هو صاحبَ البدعةِ الكبرى التي غيَّرَت دينَ الله وحرَفَتْ العربَ عن المنهجِ القويمِ ، وأبعدَتهم عن دينِهم ودينِ آبائِهم ، وزيَّن لهم الشيطانُ تلكَ البدعةِ ، وتوارثَها أبناؤُهم . فانقَلَبَ النورُ إلى ظلامٍ ، ولذا قال النبيُّ ( : "رأيتُ عمروَ بنَ لحي بن قمعة بن خندف ( أبوخزاعةَ ) يجُرُّ قصبَهُ في النار "(9) وقال :" لأنه أولُ مَنْ غَيَّرَ دينَ إسماعيلَ ، فنصَبَ الأوثانَ ، وسَيَّبَ السائبةَ ، وبحرَ البحيرةَ ، ووصلَ الوصيلةَ ، وحمى الحامي"(10).(1/13)
وقال أنسٌ ( : كان الناسُ بعدَ إسماعيلَ على الإسلامِ ، فكان الشيطانُ يُحَدِّثُ الناسَ بالشيءِ ، يريدُ أن يردَّهُم عن الإسلامِ ، حتى أدخلَ عليهم في التلبيةِ ، لبَّيكَ اللهمَّ لبيكَ ، لبيك لا شريكَ لكَ ، إلا شريكٌ هو لَكَ تَمْلِكُه وما مَلَكَ ، فما زالَ حتى أخرجَهم من الإسلامِ إلى الشركِ(11) .
وانساقَتْ العربُ في البِدَعِ حتى انسلَخَتْ من الدينِ كُلِّيَّةً ، اللهم إلا النزرُ اليسيرُ ، ولكنْ وُجِدَ منهم من كان يرنُو إلى دينِ إبراهيمَ ، دينِ آبائِه الأوَّلينَ ، الذي اختَفَتْ معالمُه . ومنهم من مَقَتَ ما أحدثَه قومُه فتركهم واعتَنَقَ غيرَ دينِهم ، ومنهم من أبغَضَ تِلْكُمُ الآلهةَ المزعومةَ لكنه سايَرَ قومَه ولم يَنْفَصِمْ عنهم .
وقد اسْتَقْصَيْتُ أخبارَ أهلِ الجاهليةِ بالتفصيلِ في كتابي في صحيحِ السيرةِ النبويةِ ، وأشيرُ هنا إلى بعضِ الأشياءِ التي تُلقِي الأضواءَ على المجتمعِ الذي نشأ فيه النبيُّ ( .
ـ أولاً : اعتقادُهم :
كانوا في الأصلِ على دينِ إبراهيمَ كما قدمنا ، ولذا بقيِتَ فيهم صبابَةٌ منه ، فهُمْ بتوحيدِ الرُّبوبية مُقِرُّونَ ، وبالله مؤمنونَ ، ولكنهم لا يؤمنونَ إلا وهم مشركون . قال تعالى : ? ????? ???????? ????????????? ???????? ??????? ????? ????????????? ? ( يوسف : 106) .(1/14)
كانوا يؤمنونَ بأن الله هو الذي خلَقَهم ، وخلقَ السماواتِ والأرضَ والجبالَ ، وأنه هو الذي سخَّرَ الشمسَ والقمرَ ، وأنه هو الذي يُنزل الماءَ من السماءِ فيُحي به الأرضَ ، وأنه هو الرازقُ الذي يرزُقُهم من السماءِ والأرضِ ، وأنه يخرِجُ الحيَّ من الميتِ ، ويخرجُ الميتَ من الحيِّ ويدَبُِّ الأمرَ ، وأن الأرضَ ومن فيها له ، وأنه رب السماواتِ السبعِ ، وربُّ العرشِ العظيمِ ، وأنه بيده ملكوتُ كلِّ شيءٍ ، وهو يُجيرُ ولا يجارُ عليه . قال تعالى : ? ???????? ?????????????? ????? ?????? ??????????????? ????????????? ?????????? ?????????? ????????????? ?????????????? ??????? ???????????? ????????????? ? وقال بعدَها بآية : ? ???????? ?????????????? ???? ????????? ???? ???????????? ??????? ???????????? ???? ??????????? ???? ??????? ??????????? ?????????????? ??????? ????? ?????????? ???????? ???? ??????????????? ??? ????????????? ? ( العنكبوت : 61 ، 63 ) . وقال تعالى : ? ????? ??? ????????????? ????? ?????????????? ????????????? ??????? ????????? ?????????? ????????????????? ????? ????????? ????????? ???? ???????????? ???????????? ???????????? ???? ????????? ????? ??????????? ???????????? ???????????????? ??????? ??????? ???????? ???????????? ? ( يونس : 31 ) . وقال تعالى : ? ???? ??????? ??????????? ????? ??????? ???? ??????? ?? ??????????? ???? ????????????? ???????? ????? ???????? ?????????????????????? ???? ????? ??? ?????? ??????????????? ?????????? ??????? ?????????? ???????????? ???? ?????????????? ???????? ????? ???????? ?????????????? ???? ????? ???? ????????? ????????? ?????? ?????? ?????? ????????? ????? ???????? ?????????? ???? ??????? ????????????? ???? ????????????? ????????(1/15)
????? ???????????? ???????????????????? ????? ( المؤمنون : 84 - 89 ) .
وعن ابن عباس في قوله : ? ????? ???????? ????????????? ???????? ??????? ????? ????????????? ? ، تسألهم : من خلقَهم ومن خلق السماوات والأرض ؟ - وفي رواية : والجبالَ ؟ - فيقولون : الله ، فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره(12) .
وأما ضلالهُم المُبين وحِنْثُهُم العظيمُ ، فهو أنهم أشركوا في الألوهيةِ ، فجعلوا للهِ الشركاءَ والشفعاءَ .
قال تعالى : ? ?????????? ?????????? ?????? ????? ?????? ???? ????????? ??????? ?????? ??????????????????? ? ( الصافات : 35 ) . وقال تعالى : ? ???????????? ???? ?????????? ???????? ??????????? ???????? ???????????????? ??????? ???????? ???????? ??? ????????? ??????????? ??????????? ????????? ?????? ??????? ???????? ??????? ???? ( ص : 4 ، 5 ) .
ولكنهم تعلَّقوا في شركِهم بعلَّةٍ واهيةٍ ، وحجةٍ داحضةٍ . قال تعالى : ? ????????????? ????????????? ??? ???????????? ??????????????????? ??? ?????????????? ??????? ?????????????????? ?????? ?????? ????????? ? ( الزمر : 3 ) .
وردَّ اللهُ ذلك عليهم ، فقال تعالى : ? ??????????????? ??? ????? ?????? ????????? ??????????????? ????? ?????? ???? ?????? ????????????? ???????????????? ????????????? ?????????? ?????? ????? ( مريم : 81-82 ) .(1/16)
وكانت آلهتُهم التي يَدْعُونَ من دونِ الله ، من الحجرِ والشَّجَرِ ، ومن الجنِّ والملائكةِ . فعن ابن عباسٍ رضيَ الله عنهما قال : صارتْ الأوثانُ في قومِ نوحٍ في العربِ بعدُ .أما وُدّ فكانتْ لكلبٍ بدُومَةِ الجَنْدَلِ ، وأما سُواعٌ فكانت لهذَيْلِ ، وأما يغوثُ فكانتْ لمراد ، ثم لبني غطيف بالجُرفِ عندَ سَبَأ ، وأما يعوقُ فكانتْ لهمدان ، وأما نسرٌ فكانتْ لحِمْيَرَ ، لآل ذي الكِلاع ، أسماءُ رجالٍ صالحينَ من قومِ نوحٍ ، فلما هَلَكُوا أوحى الشيطانُ إلى قومِهم أن انصبوا إلى مجالِسِهم ، التي كانوا يجلِسون أنصاباً ، وسمُوها بأسمائِهم ففعلوا ، فلم تُعبَدْ ، حتى إذا هلكَ أولئك وتنَسَّخَ العلمُ عُبِدَتْ(13) .
وقال تعالى :?? ?????????????????? ?????????? ????????????? ??????? ??????????? ?????????????? ?????????????? ???? ????????? ??????????? ??????? ???????????? ???? ??????? ?????? ????????? ???????? ???? ????? ???? ???????? ???????????? ?????????????????? ???????? ??????????????? ????? ???????? ?????? ?????? ??? ?????????????...? ( النجم : 19-23 ) .
وغيرُ ذلك من الأصنامِ التي اتَّخذوها وسطاءَ وشُفعاءَ .(1/17)
وعن أبي واقدٍ اللّيْثِيِّ الحارثِ بنِ مالكٍ ، قال : خرجنا مع رسولِ الله (إلى حنينٍ ، ونحنُ حديثو عهدٍ بالجاهليةِ ، قال : فَسِرْنا معه إلى حنين ، قال : وكانتْ كفارُ قريشٍ ومَن سواهم من العربِ لهم شجرةٌ عظيمةٌ خضراءُ ، يقال لها : ذاتُ أَنْواطٍ ، يأتونها كلَّ سنةٍ فيُعَلِّقونَ أسلحتَهم عليها، ويَذْبَحون عندها ، ويعكُفون عليها يوماً ، قال : فرأينا ونحن نسيرُ مع رسولِ الله ( سِدْرَةً خضراءَ عظيمةً ، قال : فتَنادَيْنا من جَنَباتِ الطريقِ : يا رسولَ الله ، اجعلْ لنا ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواط . قال رسول الله ( : " الله أكبرُ ، قُلتُم ، والذي نفسُ محمدٍ بيدٍه كما قال قومُ موسى لموسى اجعلْ لنا إلهاً كما لهم آلهةٌ قال إنكم قومٌ تَجهلون . إنها السنن ، لتركَبُنَّ سُنَنَ من كان قبلكم "(14) .
وقال تعالى : ? ???????????? ??????? ???????????? ????????? ????????????? ???????????? ?????? ???????? ????????????? ?????????? ??????? ? ( الأنعام : 100 ) .
وقال تعالى : ? ??????????? ??????????????????? ?????????? ???? ???????? ?????????????? ?????????????? ???????????? ???????????? ???????????? ??????????????? ????????????????? ???? ???????????? ???? ?????? ?????????????? ??? ??????????????? ???? ????? ????????? ???? ??????? ????? ???? ??????? ????????????? ????? ( الزخرف : 19-20 ) .(1/18)
ولما نَدَبَ عمرُ ( المسلمينَ ، ليَنْفِروا إلى كسرى ، واستعمل عليهم النعمانَ بنَ مُقَرِّنٍ ، خرج عليهم عاملُ كسرى في أربعينَ ألفاً ، فقام ترجمانُ ، فقال : لِيُكَلِّمَني رجلٌ منكم . فقال : سلْ عما شئتَ . قال : ما أنتم ؟ قال : نحنُ أناسٌ من العربِ ، كنا في شقاءٍ شديدٍ ، وبلاءٍ شديدٍ ، نَمُصُّ الجلدَ والنّوى من الجوعِ ، ونلبَسُ الوبَرَ والشَّعْرَ ، ونعبدُ الشجرَ والحجرَ ، فبينا نحن كذلك إذ بعثَ ربُّ السماوات وربُّ الأَرَضِينَ ، تعالى ذكره وجلَّتْ عظمتُه ، إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمَّه .... الخ كلامه رضي الله عنه(15) .
وعن مجاهدٍ : حدَّثَني مولايَ أن أهلَه بعَثوا معه بقَدَحٍ فيه زبدٌ ولَبَنٌ إلى آلهتهم . قال : فمنعني أن أكلَ الزُّبد لمخافَتها . قال : فجاء كلبٌ فأَكَلَ الزبدَ وشرِبَ اللَّبَنَ ، ثم بالَ على الصنمِ ، وهو إسافٌ ونائلةٌ(16) .
وعن أبي عثمانَ النَّهديِّ قال : [ كنا في الجاهليةِ نعبدُ حجراً ، فسمِعنا منادياً ينادي : يا أهلَ الرِّحالِ ! إن ربَّكم قد هَلَكَ فالتمِسوا رباً ، قال : فخرجنا على كلِّ صَعْبٍ وذَلولٍ ، فبينا نحن كذلك نطلبُ إذا نحن بمنادٍ ينادي : إنا قد وجدْنا ربَّكم أو شِبْهَه . قال : فجئنا فإذا حجرٌ فنَحَرْنا عليه الجُزُرَ ](17).
وكانوا لا يؤمنونَ بالبعثِ ، بل ويُقسِمُون على عدَمِ حُدوثه ، قال تعالى : ? ?????????????? ???????? ?????? ????????????????? ??? ????????? ?????? ??? ????????? ? ( النحل : 38 ) . والآياتُ في ذلكَ كثيرةٌ .
وقد كانوا قوماً أُمّيين كما قال تعالى : ? ????? ???????? ?????? ? ?????????????????? ???????? ?????????? ? ( الجمعة : 2 ) .
وكانوا عن دراسةِِ الكتبِ المنزَلَة غافلينَ :(1/19)
قال تعالى : ? ???? ???????????? ?????????? ???????? ????????????? ?????? ???????????????? ??? ??????????? ?????? ??????? ??? ??????????????? ??????????????????????? ? ( الأنعام : 156 ) .
ولم يكن لهم علمٌ بقَصَصِ بعضِ الأنبياءِ مع أقوامهم ، قال تعالى بعدَ ذِكرِ قِصَّةِ نوح ? ????????? ???? ????????????? ???????????? ??????????? ??????????? ??? ????? ?????????????? ?????? ????? ?????????? ??? ???????? ???????? ? ( هود : 49 )
ـ ثانياً : عبادَتُهم :
أما الصلاةُ ، فقد قال تعالى : ? ????? ????? ??????????? ????? ??????????? ??????? ???????? ???????????????? ? ( الأنفال : 35 ) .
عن ابنِ عباسٍ قال : المكاءُ الصَّفيرُ ، والتَّصْدِيُة الصَّفيقُ(18) .
وقال تعالى بعدَ ذِكْرِ الأنبياءِ من ذرِّيَةِ إبراهيمَ وغيرِهم : ? ?????????? ???? ??????????? ?????? ??????????? ????????????? ???????????????? ???????????????? ????????? ??????????? ????????? ????? ( مريم : 59 ) .
وأما الزكاةُ ، فقد قال تعالى : ? ... ????????? ????????????????? ??? ??????????? ??? ??????????? ????????????? ????? ?????????????? ???? ???????????? ???? ( فصلت : 6-7 ) .
وأما الصيامُ ، فكانوا يصومونَ يومَ عاشوراء ، فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : كان يومُ عاشوراءَ ، تصومُه قريشٌ في الجاهليةِ ، وكان رسولُ الله ( يصومُه في الجاهلية ... الحديث(19) .
وأما الحجُّ والعمرةُ : فكانوا يحُجّون ويعتَمِرونَ ، وابتدعوا فيهما بدعاً كثيرةً ، فمنها ما زادوه في التلبيةِ من الشِّرْكِ بالله ، وقد تقدم .
وعنْ ابنِ عباسٍ قال : كانوا يَطوفونَ عراةٍ ، الرجالُ بالنَّهارِ ، والنساءُ بالليلِ ، وكانتْ المرأةُ تطوفُ بالبيتِ وهي عريانةٌ ، فتقول : من يُعيرُني تَطوافاً تجعله على فرجِها ، وتقول :
اليومَ يبدو بعضُه أو كلُّه فما بدا منه فلا أُحِلُّه(20)(1/20)
وابتدعتْ قريشٌ قضيةَ الحُمس :
فعنْ عروةَ قال : كان الناسُ يطوفونَ بالبيتِ عراةً إلا الحمس - والحمسُ : قريشٌ وما ولدَتْ - وكانت الحُمسُ يحتَسِبونَ على الناسِ ، يعطي الرجلُ الرجلَ الثيابَ يطوفُ فيها ، وتعطي المرأةُ المرأةَ الثيابَ تطوف فيها ، فمن لم يُعطِهِ الحمسُ طافَ بالبيتِ عُرياناً . وروى عروةُ عن عائشةَ قالت : كان الناسُ يُفيضونَ من عرفات ، وكان الحمسُ يُفيضون من المزدلفة ، يقولون : لا نُفيضُ إلا منَ الحَرَمِ ، ( نحن قطينُ الله )(21) .
وعن جابرٍ ( قال : كانتْ قريشٌ يُدعَوْنَ الحمس ، وكانوا يدخُلون من الأبوابِ في الإحرامِ ، وكانتْ الأنصارُ وسائرُ العربِ لا يَدخُلونَ من الأبوابِ في الإحرامِ ... وذكرَ الحديثَ(22)
ومن بِدَعِهِم في العمرةِ ، ما رواه ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما ، قال : كانوا يَرَوْنَ أن العمرةَ في أشهرِ الحجِّ منْ أفجَرِ الفُجورِ في الأرضِ ، ويجعلون المحرَّمَ صَفَراً ، ويقولون إذا برأَ الدبرُ ، وعفا الأثرُ ، وانسلخ صَفَرُ، حلَّتْ العمرةُ لمن اعتمر ...وذكر الحديث(23) .
ولهم بِدعٌ كثيرةٌ في أمورِ الحجِّ والعمرةِ ، ولهم أيضاً عباداتٌ أخرى من نَذْرٍ ، وعِتقٍ ، واعتكافٍ ، وغيرِها . وقد استَقْصَيْتُ ذلك في السيرةِ الصحيحةِ . ويكفي هذا القدرُ هنا .
ـ ثالثاً : معاملاتُهم :
أدْخَلَ عليهم إبليسُ - لعنه الله - كثيراً من التغييرات التي تتعلَّقُ بالتعامُلِ فيما بينَهم ، وبشؤونِ حياتهم من طعامٍ وشرابٍ ونكاحٍ ووفاةٍ وميراثٍ وتجارةٍ وغيرها .(1/21)
فأما في مطعَمِهم ومشرَبهم ، فيكفي في ذلك قولُه تعالى : ? ????? ?????????????? ????? ???????? ?????? ????? ???? ??????? ???????????? ???????? ???????? ?????????? ????? ???????? ??????? ??????? ????? ????? ?????? ????????????????????? ????? ( يونس : 59 ) ، وقوله تعالى : ? ??? ?????? ?????? ???? ?????????? ????? ???????????? ????? ?????????? ????? ?????? ??????????? ?????????? ????????? ????????????? ????? ?????? ??????????? ????????????????? ??? ????????????? ?????? ( المائدة : 103 ) .
وقدِّمنا أن أولَ من أدخَلَ ذلك عليهم ، هو عمروُ بنُ لُحَيّ . وتفاصيلُ ذلك تطولُ .
وأما في النكاح : فنذكر على سبيلِ المثالِ ما روتْه عائشةُ رضي الله عنها ، في أنواعِ النكاح في الجاهليةِ ، قالت : " إن النكاحَ كان في الجاهليةِ على أربعةِ أنحاء :
فنكاحٌ منها : نكاحُ الناسِ اليومَ ، يخطُب الرجلُ إلى الرجلِ ولِيَّتَه ، فيُصدِقُها ثم يَنكَحُها .
ونكاحٌ آخرَ : كان الرجلُ يقولُ لامرأته إذا طهُرَتْ من طَمثِها : أرسلي إلى فلانٍ فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجُها ، ولا يمسُّها أبداً ، حتى يتبينَ حملُها من ذلكَ الرجلِ الذي تستَبْضِعُ منه ، فإذا تبينَ حملُها أصابها زوجُها إن أحبَّ ، وإنما يفعلُ ذلك رغبةً في نجابَةِ الوَلَدِ، فكان هذا النكاحُ يسمى نكاحَ الاستِبْضاع .
ونكاحٌ آخرَ : يجتمعُ الرَّهطُ دونَ العشرةِ ، فيدْخُلونَ على المرأة كلُّهم يصيبُها ، فإذا حمَلَتْ ووضعت ، ومرَّ ليالٍ بعدَ أن تضعَ حملَها ، أرسلتْ إليهم ، فلم يستطِعْ رجلٌ منهم أن يمتنعَ ، حتى يجتمعوا عندَها ، فتقول لهم : قد عرفتُم الذي كان من أمرِكم ، وقد ولدتُ ، وهو ابنُكَ يا فلانُ . فتسَمّي من أحبَّتْ منهم باسمه ، فيلحقُ به ولدُها.(1/22)
ونكاحٌ رابعٌ : يجتمعُ الناسُ الكثيرُ فيدخلون على المرأة ، لا تمتنعُ ممن جاءها وهنَّ البغايا ، كنَّ ينصِبْنَ على أبوابهن راياتٍ يَكُنَّ علماَ لمن أرادَهُنَّ دخلَ عليهن ، فإذا حملت فوضعتْ حملها ، جمعوا لها ودعوا لهم القافةَ ، ثم ألحقوا ولدَها بالذي يرَوْنَ ، فالتاطَه ، ودُعِيَ ابنُه لا يمتنعُ من ذلك
فلما بُعِثَ ( هَدَمَ نكاحَ أهلِ الجاهليةِ كلَّه ، إلا نكاحَ أهلِ الإسلامِ اليومَ(24) .
وأما في الوفاةِ فنذكُرُ أيضاً على سبيلِ المثالِ ، حالَ زوجةِ المتوفّى عنها زوجُها كما رَوَتْه زينبُ بنتُ أمِّ سَلَمَةَ ربيبةُ النبيِّ ( قالت : كانت المرأةُ إذا توفي عنها زوجُها ، دخلت حَفْشاً ، ولبسِتْ شرَّ ثيابها، ولم تمسَّ طيباً ، حتى تمرَّ بها سنةٌ ، ثم تؤتى بدابةٍ - حمارٍ أو شاةٍ أو طائرٍ - فتفتضَّ به ، قلَّما تفتَضُّ بشيء إلا مات ، ثم تخرجُ ، فتُعطى بعرةً فترمي بها، ثم تراجِعُ بعدُ ما شاءتْ من طيبٍ أو غيرِه(25) .
وأما في الميراثِ فكانت المرأةُ عندَهم من الميراثِ ، فعن ابن عباسٍ قال: كانوا إذا ماتَ الرجلُ كان أولياؤه أحقَّ بامرأتِه ، إن شاءَ بعضُهم تزوَّجَها ، وإن شاءوا زوَّجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، وهم أحق بها من أهلها(26) .
وأما التجارةُ فكانوا فضلاً عن تعامُلِهِم بالربا يتبايَعون بأنواعٍ من بيوعِ الغَرَرِ ، ومن ذلك ما رواه ابنُ عُمَرَ ( قال : كان أهلُ الجاهليةِ يتبايعون لحومَ الجَزورِ إلى حَبَلِ الحَبَلَةِ . قال : وحَبَلُ الحَبَلَةِ أن تُنتِجَ الناقةُ ما في بطنِها ثم تحمِلُ التي نَتَجَتْ . فنهاهم النبي ( (27).
ولأهلِ الجاهليةِ عجائبٌ وغرائبٌ في مجالاتِ حياتِهم ، ديناً ودنيا ، ولكن مع ذلك بقيَتْ نوعيةٌ من الناس ترفُضُ هذه البِدَعَ ، وتدعو إلى نَبْذِها، ولكنها قلةٌ قليلةٌ ، ومن هؤلاءِ الأفذاذِ :
ـ زيدُ بنُ عمروِ بنِ نُفَيل :(1/23)
فعن أسماءَ ( قالت : لقد رأيتُ زيدَ بنَ عمروِ بنِ نُفيل شيخاً كبيراً مسنِداً ظهرَه إلى الكعبةِ وهو يقول : يا معشرَ قريشٍ ، والذي نفسُ زيدِ بنِ عمروٍ بيده ، ما أصبحَ منكم أحدٌ على دينِ إبراهيمَ غيري ، ثم يقول : اللهم لو أني أعلمُ أيُّ الوجوهِ أحبُّ إليكَ عبدتُكَ به ، ولكني لا أعلمُه ثم يسجد على راحته(28) .
ـ عمرو بنُ عَبسةَ السُّلَمي ( :
فقد قال - يروي عن نفسه - : كنتُ وأنا في الجاهليةِ أظنُّ أن الناسَ على ضلالةٍ وأنهم ليسوا على شيءٍ وهم يعبُدونَ الأوثان ...الخ(29) .
ـ أبو ذر الغفاري ( :
فقد كان يقول وهو يحدِّثُ عبدَ اللهِ بنَ الصّامِتٍ : " ولقد صَلَّيتُ يا ابنَ أخي قبل أن ألقى رسولَ الله ( بثلاثِ سنين . قال عبدُ الله : قلت : لمنْ ؟ قال : لله . قلتُ : فأينَ توجَّهْ ؟ قال : أتوَجَّهُ حيثُ يوجِّهُني ربي ، أصلّي عِشاءً حتى إذا كانَ من آخرِ اللّيلِ ، ألقيتُ كأني خفاء حتى تعلوني الشمس "...الخ الحديث(30) .(1/24)
وأما أهلُ الكتابِ ، فلم يكونوا بأحسنَ حالاً من أهلِ الجاهليةِ ، فقد حرّفوا كتبَهم ، وبدّلوا فيها ، وغيّروا وكتَموا منها ما شاءوا ، وجعلوها قراطيسَ ، يُبدونها ويُخْفونَ كثيراً ، ومنهم الأمِّيون الذين لا يعلمونَ من كتابهم إلا الأمانيَّ ، ولكن بَقِيَ فيهم أيضاً الغبراتُ الذين لم تتلاعبْ بهم الأهواءُ . قال تعالى - يصفُ اليهودَ - : ? ???????? ??????????? ??????????????? ????????????? ???????????? ????????????? ?????????????? ?????????????????????? ?????????? ??? ?????????????? ?????????? ??????? ??????? ?????????? ??????? ????? ???????? ?????????? ?????? ??????????? ?????????? ??????? ???????? ??????????? ? ( المائدة : 13) . وقال تعالى - عن النصارى - : ? ?????? ??????????? ?????????? ???????? ???????????? ?????????? ?????????????? ??????????? ??????? ??????? ?????????? ?????? ??????????????????? ???????????? ????????????? ???????????????????? ??????? ??????? ??????????????? ? ( المائدة : 14) . وقال تعالى : ? ?????? ???????? ????? ??????????????? ???????????????? ??????????????? ?????????? ????????? ?????????????? ?? ??????????? ??? ????????? ??????? ? ( التوبة : 34) . وقال تعالى : ? ?????????? ?????????????? ??? ???????????? ????????????? ???????? ??????????? ??????? ???? ??????? ????????????????????? ???? ?????????? ??????????? ???????????? ???????????? ??????????????? ????? ??????????? ??????? ???? ????? ?????? ?????????????? ??????? ????????? ???????? ?????????? ?????? ??????? ????????? ????????????? ????????? ?????? ?????? ??????????? ????? ( البقرة : 78 ، 79 ) .
والكلام فيهم وفي كِتمانهم العلمَ وفسادِ دينِهم يطولُ .(1/25)
وقد صوَّرَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ المجتمعَ الذي بُعِثَ فيه النبي ( بعبارَةٍ موجَزَةٍ ، فقال رحمه الله تعالى : [ وقد مقتَ الله أهلَ الأرضِ عرَبهم وعجَمَهم ، إلا بقايا من أهلِ الكتابِ - أي نزراً يسيراً - ممن تَمَسَّكَ بما بعثَ الله به عيسى ابنَ مريمَ عليه السلام ، ولهذا قال تعالى: ? ????? ???????? ?????? ? ?????????????????? ???????? ?????????? ??????????? ??????????? ????????????? ?????????????? ??????????????? ???????????? ?????????????? ?????? ????????? ??? ???????? ????? ???????? ???????? ???? ، وذلك أن العربَ كانوا مُتَمَسِّكين بدينِ إبراهيمَ عليه السلام ، فبدَّلوه وغيَّروه ، وقلَبوه وخالفوه ، واستَبدَلوا بالتوحيدِ شركاً ، وباليقينِ شكاً، وابتدعوا أشياءَ لم يأذَنْ بها الله ، وكذلك أهلُ الكتابَيْنِ قد بدَّلوا كُتُبَهم ، وحرَّفوها وغيروها وأوَّلوها ، فبعث الله محمداً - صلوات الله وسلامُه عليه - بشرعٍ عظيمٍ كاملٍ شاملٍ لجميعِ الخلقِ ، فيه هدايتُهم والبيانُ لجميعِ ما يحتاجونَ إليه ، من أمْرِ معاشِهِم ومعادِهم ، والدعوةُ لهم إلى ما يُقَرِّبهم إلى الجنةِ ورضا الله عنهم ، والنهيُ عمّا يُقَرِّبهم إلى النارِ وسخَطِ الله ، حاكمٌ فاصلٌ لجميعِ الشُّبهاتِ والشُّكوكِ والرِّيَبِ في الأصولِ والفروعِ ، وجَمَعَ له تعالى - وله الحمدُ والمنَّةُ - جميعَ المحاسِنِ ممن كان قبله ، وأعطاه مالم يُعْطِ أحداً من الأوَّلينَ ولا يعطيهِ أحداً من الآخرين . فصلواتُ الله وسلامُه عليه إلى يوم الدين(31) .(1/26)
ونختِمُ هذا الفصلَ بحديثِ عياضِ بنِ حمارٍ ( قال : إن رسولَ الله ( قال ذاتَ يومٍ في خطبَتِه : " ألا إن ربي أمرَني أن أُعَلِّمَكُم ما جَهِلتُم ، مما علَّمني يومي هذا : كلُّ مالٍ نَحَلْتُه عبداً حلالٌ ، وإني خلقتُ عبادي حنفاءَ كلَّهم ، وإنهم أتتْهم الشياطينُ فاجْتالَتْهم عن دينهم ، وحرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهم ، وأمَرَتْهُم أن يُشرِكوا بي مالم أُنَزِّلْ به سلطاناً ، وإن الله نَظَرَ إلى أهلِ الأرضِ فمَقَتَهم عرَبَهم وعَجَمَهم ، إلا بقايا من أهلِ الكتاب ، وقال : إنما بَعَثْتُكَ لأبْتَلِيكَ وأبتلي بك ، وأنزلْتُ عليك كتاباً لا يَغْسِلُه الماءُ ، تقرؤه نائماً ويقظانَ . وإن الله أمرني أن أحَرِّقَ قريشاً ، فقلت : ربِّ إذاً يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة . قال : استخرجهم كما استخرجوك ، واغزهم نغزك ، وأَنفِقْ فسنُنْفْقُ عليك ، وابعثْ جيشاً نبعثْ خمسةً مثلَه ، وقاتِلْ بمن أطاعك من عصاك . قال : وأهلُ الجنةِ ثلاثةٌ ؛ ذو سلطانٍ مُقْسِطٍ متصَدِّقٍ موَفَّقٍ ، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلبِ لكلِّ ذي قربى ، ومسلمٌ عفيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عيالٍ . قال : وأهلُ النارِ خمسةٌ ؛ الضعيفُ الذي لا زَبَرَ له الذين هم فيكم تَبَعاً لا يبتغون أهلاً ولا مالاً ، والخائنُ الذي لا يخفى له طَمَعٌ وإن دقَّ إلا خانه ، ورجلٌ لا يُصبِحُ ولا يُمسي إلا وهو يخادِعُكَ عن أهلِكَ ومالِكَ ، وذكرَ البُخلَ أو الكذبَ ، والشِّنْظيرَ الفحّاشَ " (32) .
( الفصلُ الثاني (
( ولادتُه ( وأسْرَتُه التي نشأ فيها (
ـ حادثةُ الفيلِ وولادتُه ( :(1/27)
كان من الأحداثِ العظيمةِ التي مرَّتْ بالمجتَمَعِ المكِّيِّ ، وسجَّلَها التاريخُ على مرِّ العُصورِ ، حادثةُ الفيلِ التي أجمل الله تعالى ذكرَها في كتابه ، فقصَّها علينا بأَوْجَزِ عبارةٍ وأجملِ بيانٍ ، فقال جلُّ ذكرُه : ? ??????? ????? ?????? ??????? ???????? ????????????? ????????? ??? ??????? ?????????? ?????????? ? ?????????? ??? ??????????? ?????????? ??????? ???????????? ??? ???????????? ??????????? ???? ???????? ??? ????????????? ???????? ???????????? ???? ( الفيل : 1-5 ) .
ولن نطيلَ بذكرِ تفاصيلِ هذه الوَقْعَةِ ، وإنما الذي يعنينا من الإشارةِ إليها أنه في ذلك اليومِ الذي حمى اللهُ فيه بيتَه ، وأعلى فيه كَلِمَتَهُ ، وأولى بلدَتَه الحرامَ عنايَتَه ، أرادَ الله تعالى أن يُتِمَّ نعمَتَه ، ويُسبِغَ على الخلائِقِ مِنَّتَه ، بمولِدِ مَنْ كَتَبَ قبلَ خَلْقِ آدمَ نبوتَه ، وأكْمَلَ برسالتِه شريعَتَه فعن جابرٍ وابنِ عباسٍ رضي الله عنهم قالا : وُلِدَ رسولُ الله ( يومَ الفيلِ ، يومَ الاثنينِ الثاني عَشَرَ من شهرِ ربيعٍ الأول ..الخ(33) .
قال أبو حاتم ابنُ حِبّانَ رحمه الله تعالى : وُلِدَ النبيُّ ( يومَ الاثنينِ ، لاثنَتَيْ عَشْرَةَ ليلةٍ مَضَتْ من شهرِ ربيعٍ الأول ، في اليومِ الذي بَعَثَ الله طيراً أبابيلَ على أصحابِ الفيلِ(34) .
وبسبَبِ وقوعِ ولادَته ( في ذلكَ اليومِ حُفِظَ لنا تاريخُ الوِلادةِ . وقد حَصَلَ فيه اختلافٌ كبيرٌ حتى دخَلَ فيه أهلُ الحسابِ والفَلَكِ ، فلم يصنَعوا شيئاً ، لأن الشهورَ العربيةَ القمريةَ ضابطُها رؤيةُ الهلالِ وليسَ الحسابَ(35) .
وبحمدِ الله وتوفيقِه ، وَقَفْتُ على الروايةِ المذكورةِ آنفاً ، والتي تنسفُ كلَّ ما يُخالِفُها ، ولله الفضلُ والمنَّة .
ـ أسرتُه ( :
وُلِدَ رسولُ الله ( في أَنْفَسِ بيتٍ في مكةَ ، وأشرفِ أسرَةٍ .(1/28)
فعنْ واثلةَ بنِ الأسقَعِ ( قال : قالَ رسولُ الله ( : " إن الله اصطفى كِنانَةَ من وَلَدِ إسماعيلَ ، واصطفى قريشاً من كنانةَ ، واصطفى من قريشٍ بني هاشمٍ ، واصطفاني من بني هاشم "(36) .
ولما ذَهَبَ أبو سفيانَ إلى هِرَقْل ، وسأله عن نسبِه ( فيهم قال : هو فينا ذو نسب(37) .
ولا جَرَمَ فإن جَدَّه عبدَ المطلب ، هو صاحبُ شَرَفِ حفرِ زمزمَ(38) ، وصاحبُ الكَرَمِ والجُودِ على قومه .
فعنْ عمرانَ بنِ حُصَينٍ ، أن أباه أتى النبيَّ ( ، فقال : يا محمد ، عبدُ المطَّلِبِ خيرٌ لقومِه منكَ ، كان يُطْعِمُهُم الكَبِدَ والسَّنام .... وذكرَ قِصَّةَ إسلامِ حصين(39) .
وبلغَ الشرفُ بعبدِ المطَّلِبِ مبلَغَه فيما يصوِّرُه لنا حديثُ العباسِ ابنِه إذ يقول : كان عبدُ المطلب أطولَ الناسِ قامةً ، وأحسنَ الناسِ وجهاً ، ما رآه قطُّ شيءٌ إلا أحبَّه ، وكان له مفرَشٌ في الحِجْرِ ، لا يجلِسُ عليه غيرُه ، ولا يجلِسُ معه عليه أحدٌ ، وكان الندى من قريشٍ حربُ بنُ أميةَ فمَنْ دونه ، يجلسون حولَه دونَ المفرَشِ ، فجاء رسولُ الله ( وهو غلامٌ يدرُجُ ، ليجلِسَ على المفرَشِ فجذبوه ، فبكى ، فقال عبد المطلب - وذلك بعدما حُجِبَ بصرُه - : ما لابني يبكي ؟ قالوا له : إنه أرادَ أن يجلسَ على المفرَشِ فمنعوه . فقال عبدُ المطلِّب : دعوا ابني ، فإنه يُحِسُّ بشرَفٍ ، أرجو أن يبلغَ من الشرفِ مالم يبلغْ عربيٌّ قطُّ . قال : وتوفي عبدُ المطلب والنبي ( ابنُ ثمانِ سنينَ ، وكان خلفَ جَنازَتِه يبكي حتى دُفِنَ بالحجون(40) ، فصدقَ الله تعالى إذ يقول : ? ??????? ????????? ????????? ???????????? ???? ( الضحى : 6 ) .(1/29)
قال قيسُ بنُ مخرَمةَ ( : توفي أبوه وأمُّه حُبلى به(41) . فلم يكنْ اليُتْمُ في هذه السنِّ المبكِّرَةِ ، مؤثّراً على نفسيَّتِه ( وشخصيَّتِه ، بل إنَّ الله تعالى هيَّأَ له الكفالَةَ مِنْ قِبَلِ جَدِّهِ ، صاحبِ الجاه والمنزِلَةِ التي لم تكنْ لوالدِه ، فلم يشعُرْ بنقصٍ ولا خَسِيسَةٍ في يومٍ من الأيامِ ، بل إنه اسْتَشْعَرَ الشَّرَفَ وهو دونَ الثامنَةِ من عُمره ( .
ثم إنه ( منذ أيامه الأولى ، استُرْضِعَ في باديةِ بني سعدِ بنِ بَكْرٍ ، حيث شبَّ بينَ المروجِ ، في النَّقاءِ والصفاءِ . ورضَعَ لبانَ أهلِ الباديةِ رعاةِ الغنمِ ، أهلِ الرِّفْقِ والسَّكينة .
تقولُ حليمةُ بنتُ ذُؤَيْبٍ السَّعديةُ مُرضعتُه ( : وكان يَشُبُّ شباباَ لا يشبُّه الغلمانُ ، فلم يبلغْ سَنَتَيْهِ ، حتى كان غلاماً جَفراً. قالت : فقدمنا به على أمّه ، ونحنُ أحرصُ شيءٍ على مُكْثِهِ فينا ، لما نرى من بَرَكَتِه فكلَّمْنا أمَّه ، وقلتُ لها : لو تركتِ بُنَيَّ عِندي حتى يغلظَ فإني أخشى عليه وَبَأَ مكةَ . فلمْ نَزَلْ بها حتى رَدَّتْه معنا(42) .
فنشأَ ( هذه النشأةَ الصِّحِّيَّةَ ، تَكْلَؤُه العنايةُ الإلهيةُ ، حتى رعى الغنمَ وهو دونَ الثالثةَ من عمره . كما في بقيةِ حديثِ حليمة .
ولم يفتَقِدْ ( حنانَ الأمومةِ ، بل إنه تَمَتَّعَ بحنانها في أهمِّ حُقْبَةٍ من عُمُرِ الطِّفلِ التي يحتاج فيها إلى الارتباطِ بالأمِّ أكثرَ من غيرها . وهي فترةُ عمره ( فيما دونَ الثالثة ، إلى ما يقارِبُ السادسةَ . فقد ردَّتْه حليمةُ لأمِّه ، وتركته عندَها وهو دونَ الثالثةَ كما في حديثِها المشارِ إليه آنفاً ، ثم توفيتْ آمنةُ بعدَ ذلك ورسول الله ( قَارَبَ الستَّ سنين(43) .(1/30)
ولما توفي جدُّه ( وهو ابنُ ثمانٍ كما تقدَّم ، كَفَلَه عمُّه أبو طالبٍ ، وارتَبَطَ به ارتباطاً وثيقاً حتى أنه لما أرادَ السَّفَرَ إلى الشامِ أخذَه معه ، كما في حديثِ أبي موسى في قصةِ بحيرا(44) .
ولم يكن عمُّه أبو طالبٍ بمنزلةٍ بعيدةٍ من منزلَةِ عبدِ المطلب ، فقد كان زعيمَ بني هاشمٍ الذي يفزَعون إليه في مُهِمّات أمورِهم ، ويتَّضِحُ ذلك جلياً في حديثِ القَسامَةِ الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما(45) .
وظلَّ رسولُ الله ( في كَنَفِ عمِّه ، حتى بلغَ مبلَغَ الرِّجالِ ، وبقيَتْ علاقَتُه الوطيدةُ به حتى البعثة ، وموقِفُه معه فيها معروفٌ مشهورٌ .
هذه هي الأسرةُ التي وُلِدَ فيها ( ، وتربّى بين جَنَباتِها ، ولا ريبَ أنها كان لها في نفسِه جانبٌ من التأثيرِ ، لا يجوزُ إغفالُه، وسيتَّضِحُ ذلك إن شاء الله عندَ الحديثِ عن الغَرَضِ الأوَّلِ من هذا البحثِ ، وهو شخصيتُه ( . فإلى هناك لِنَتَمَتَّعَ بذلك .
البابُ الثاني
دراسةٌ حولَ شخصيَّتِه صلى الله عليه وسلم
في طفولته ـ في شبابه ـ بعد بعثته
تنقَسِمُ دراسَتُنا لشخصيةِ النبي ( إلى ثلاثِ مراحل ، وهي : طفولتُه ، وشبابُه إلى ما قبلَ البعثةِ ، ثم بعدَ البعثةِ .
وأهمُّ ما يَعنينا هو ملامِحُ شخصيته ( في المرحَلَةِ الثالثةِ ، ولكن لا بأسَ بإلقاءِ بعضِ الأضواءِ على شخصيته ( في المرحَلَتَيْنِ الأُولَيَيْن .
( الفصلُ الأولُ (
( في طفولته (
أما ملامِحُ شخصيته ( في طفولَته فَسَنَدْرُسُها من خلالِ أربعةِ نصوصٍ :
ـ أولُّها : النصُّ المتَقَدِّمُ بعضُه في قصةِ حليمةَ واسترضاعِه ( في بني سعدِ بنِ بكرٍ .
ـ والثاني : النصُّ المتقدمُ أيضاً في منزلةِ عبدِ المطلبِ في قومه .
ـ والثالثُ : قِصَّتُه ( مع الإبِلِ ويأتي ذكرها .
ـ والرابعُ : قصةُ بحيرا التي سبق أن أشرنا إليها .
وتَتَلَخَّصُ جوانبُ شخصيته ( في تلكَ المرحلةِ في عدةِ أمورٍ منها :(1/31)
ـ الرجولةُ ، والإحساسُ بالمسؤوليةِ ، وتدبيرُ الأمورِ بالحكمةِ ، والأخذُ بالأسبابِ ، والعفةُ عما في أيدي الناس ، وهو دون الثالثةَ من العُمُرِ .
يَتَّضِحُ هذا جَليّاً في قصةِ استِرْضاعِه ، فهو مع حَداثةِ سِنِّهِ خَرَجَ لرَعْيِ الغَنَمِ مع أخيه ، وهذا أمرٌ يَحتَاج إلى عنايةٍ بالغنم ، واختيارِ ما يصلُحُ لها من المراعي ، وحراستِها وتفَقُّدِ أحوالهِا ، مع تحمُّلِ المشاقِّ في ذلكَ مِنْ بُعدٍ عن بيوتِ أهلِه ، وتحمُّلٍ للمَشْيِ الطويلِ ، ولحرارةِ الشمسِ ، وتقلُّباتِ الجَوِّ ، وغيرِ ذلك مما يلحظُه المتدبِّرُ لحالِ راعي الغنم . ثم إنهما كما في الروايةِ لم يأخُذا معهما زاداً ، فتصرُّفُه ( لحلِّ هذه المشكلةِ يدُلُّ على ما ذكرناه ، فقد تحمَّلَ المسئوليةَ الكبرى ، وعَهِدَ إلى أخيهِ بالأمرِ السَّهْلِ اليسيرِ ، حيث قال له : يا أخي ، اذهب فأْتِنا بزادٍ من عندِ أُمِّنا . فتَحَمَّلَ هو مسئوليةَ الغَنَمِ وحدَه ، كما أنه تَعَفَّفَ أن يأخُذَ طعاماً من جهةٍ أخرى غيرِ جهةِ أمِّهِ ، وقد كان معهما في المرعى غيرُهما منَ الغِلمان كما في الرواية .
ـ حسنُ المعاشَرَةِ والاجتماعية :
ويُؤْخَذُ هذا من مخاطَبَتِه لأخيه بالأخوَّةِ ، وفيه من اللُّطْفِ ما فيه ، وكذا اختيارُه لأخيه المهَمَّةَ الأيْسَرَ ، فيه من الشَّفَقَةِ عليه ما لا يخفى . وأما الاجتماعيةُ فَمِنْ لَعِبِهِ مع الغِلمانِ ، كما في الرواية ، فليس فيه انطوائيةٌ أو انعزاليةٌ عن المجتمع .
ويحسُنُ بنا أن نَسوقَ لفظَ الرِّواية التي أخذنا منها هذه السِّماتِ :(1/32)
عن عتبةَ بنِ عبدٍ السُّلَميِّ ( ، أن رسولَ الله ( قال له رجلٌ : كيفَ كان أولُّ شأنِكَ يا رسولَ الله ؟ قال : " كانتْ حاضِنَتي من بني سَعْدِ بنِ بَكْرِ ، فانطَلَقتُ أنا وابنٌ لها في بُهمٍ لنا ، ولم نأخذْ معنا زاداً ، فقلت : يا أخي اذهبْ فأْتِنا بزادٍ من عندِ أمِّنا ، فانطلَقَ أخي ومكَثْتُ عند البُهمِ ... " ، فذَكَرَ قِصَّةَ شَقِّ الصَّدْرِ(46) .
وفي حديثِ أنسٍ ( في تلكَ القصةِ قال : " فبينما هو يلعبُ مع الغِلمانِ ..." فذكرها(47) .
وأيضاً تُؤخَذُ سمةُ الاجتماعيةِ من قصةِ عبدِ المطلب ، حيث حَرَصَ رسولُ الله ( على مجالَسَةِ الملأ من قريش .
الانفعالُ النَّفسِيُّ المتَجاوبُ مع الحوادثِ المحيطة :
مما يدُلُّ على سهولةِ طبعه ( ، وخُلُوِّهِ من أيِّ تعقيداتٍ نفسيةٍ ، ويُؤخَذُ ذلكَ من ردِّ فِعلِه النَّفسيِّ تجاهَ حادِثِ شقِّ الصَّدرِ في قصةِ استِرْضاعِه ، فقد قال ( : " وفَرِقْتُ فَرَقاً شديداً "(48) . وقالت حليمةُ : " فخرجتُ أنا وأبوه نحوَه ، فوجدناه قائماً ، مُنْتَقِعاً وجهُه ، قالت : فالتَزَمْتُه والتَزَمَهُ أبوه ...الحديث "(49) .
ويُؤخَذُ ذلك أيضاً من بكائِه حينَ منعوه من الجلوسِ على فراشِ جَدِّهِ ، ويؤخَذُ كذلك من بكائِه حين فَقَدَ جَدَّهُ عندَ وفاته .
ـ الشجاعةُ والجرأةُ والاعتزازُ بالنفسِ ، مع الشُّعورِ بالشَّرَفِ وعُلُوِّ المنزلة :
وهذه الصفاتُ تَتَّضِحُ في قصةِ عبدِ المطَّلِبِ ، حيثُ أقدَم ( وهو في تلكَ السِّنِّ المبَكِّرَةِ دونَ الثامنةِ من عمره ، على مجالسةِ أشرافِ قريشٍ ، بل الإقدامِ على منزلةٍ لا يصلُ إليها أشرفُهم ، وبكائِه حينما منعوه منها لإحساسِهِ باستحقاقِه لها .
ـ نجابتُه ( ونجاحُه في المهامِ التي تُسنَدُ إليه مع صفاتٍ أخرى تقدَّمَتْ كتَحَمُّلِ المسئوليةِ والشجاعةِ :(1/33)
وسياقُ قِصَّتِه في طَلَبِ الإبِلِ يكفينا في بيانِ هذه الصفاتِ . فعَنْ كنديرِ بنِ سَعيدِ عن أبيه ، قال : كنتُ أطوفُ بالبيتِ فإذا رجلٌ يقول :
يا ربِّ رُدَّ راكبي محمدا يا ربِّ ردَّهُ واصْطَنِعْ عندي يدا
قال : قلتُ : مَنْ هذا ؟ قالوا : عبدُ المطَّلِبِ بنُ هاشمٍ ، بَعَثَ بابنِ ابنٍ له في طَلَبِ إِبِلٍ له ، ولم يبعَثْ به في حاجةٍ إلا نَجَحَ . فما لَبِثْنا أن جاءَ فضَمَّهُ إليه وقال : لا أبعثُ بكَ في حاجةٍ(50)
ـ حسنُ الصحبةِ في الأَسفارِ والتَّعاونُ معَ الرُّفَقاءِ :
ويؤخَذُ هذا من حديثِ بحيرا ، حيث كان في رعيهِ الإبِل ، وقومُه قد جاءهم بحيرا بالطعامِ ، ولم يكنْ معهم حتى أرسلوا إليه . وفي الحديثِ ما يدُلُّ على صِغَرِه في تلكَ السَّفْرَةِ ، حيث قال فيه بحيرا : أنشُدُكُم اللهَ ، أيُّكُمْ وليُّه ؟ وقد صَرَّحَتْ شواهدُ القِصَّةِ بِصِغَرِه آن ذاكَ .
وفي هذا الحديثِ أيضاً دلالةٌ على جَلَدِه ( ، وقوةِ تحمُّلِه ، حيثُ أَقْدَمَ عمُّه على السَّفَرِ به في تلكَ المرحلَةِ المتَقَدِّمَةِ من العمر ، سفرةً طويلةً كهذه .
وإلى هنا نكونُ قد توصَّلْنا إلى بعضِ جوانبِ شخصيته ( في مرحلةِ الطُّفولَةِ ، ونتكلَّمُ الآن على المرحلةِ اللاحقةِ .
( الفصلُ الثاني (
( في شبابِه حتى البعثة (
لم يَتَخَلَّ النبيُّ ( في فترَةِ شبابِه إلى ما قبلَ بِعثَتِه عن السِّماتِ التي اتَّصَفَتْ بها شخصيتُه في طُفولتِه ، بل إن هذه الصفاتِ ترَعْرَعَتْ ، واتَّخَذَتْ نِطاقاً يناسِبُ تَقَدُّمَهُ في سِنِّهِ . هذا غيرُ ما اتَّصَفَ به من الصفاتِ والمميزات التي توافقُ مرحلةَ الشبابِ التي نتحدثُ عنها .
لم يرعَ النبي ( الغنمَ في صغرهِ فقط ، بل رعاه أيضاً في الكِبَرِ ، وذلك لكيْ تنمو عندَه جوانبُ الإحساسِ بالمسئوليةِ والسياسةِ وغيرِ ذلك مما تقدم .(1/34)
فعنْ أبي هريرة ( عن النبيِّ ( قال : " ما بعثَ الله نبياً إلا رعى الغنمَ ، فقال أصحابًه : وأنت ؟ فقال : نعم ، كنتُ أرعاها على قراريطَ لأهلِ مكةَ "(51) .
قال الحافظُ ابنُ حَجَرَ : [ قال العلماءُ : الحكمةُ في إلهامِ الأنبياءِ رعيَ الغنمِ قبلَ النُّبوةِ ، أن يحصُلَ لهم التمَرُّنُ برَعْيِها على ما يُكَلَّفُونَه من القيامِ بأمرِ أُمَّتِهِم ، ولأنَّ في مخالطتها ما يُحَصِّلُ لهم الحِلمَ والشَّفَقَةَ ، لأنهم إذا صبروا على رعيِها ، وجمعِها بعد تفَرُّقِها في المرعى ، ونقلِها من مسرحٍ إلى مسرح ، ودفعِ عدوِّها من سَبُعٍ وغيرِه كالسارِق ، وعلموا اختلافَ طباعِها، وشدةَ تفرُّقِها مع ضَعفِها واحتياجِها إلى المعاهَدَةِ ، ألِفُوا من ذلك الصبرَ على الأمَّةِ ، وعرفوا اختلافَ طباعَها ، وتفاوتَ عقولها ، فجبروا كسرَها ، ورفقوا بضعيفها ، وأحسنوا التعاهدَ لها ، فيكون تحملُهم لمشقةِ ذلك أسهلَ ، مما لو كُلِّفوا القيامَ بذلك من أوَّلِ وهلةٍ ، لما يحصلُ لهم من التَّدْريجِ على ذلك برعْيِ الغنم . وخُصَّتْ الغنمُ بذلك لكونها أضعفَ من غيرها ، ولأن تفرُّقَها أكثرُ من تفرُّقِ الإبلِ والبقرِ ، لإمكانِ ضَبطِ الإبلِ والبقرِ بالرَّبْطِ دونها في العادةِ المألوفةِ ، ومع أكثريةِ تفرُّقِها فهي أسرعُ انقياداً من غيرِها . وفي ذِكْرِ النبي ( لذلكَ بعدَ أن عَلِمَ كونَه أكرمَ الخلقِ على الله ، ما كان عليه من عظيمِ التواضعِ لربه ، والتصريحِ بمنتِه عليه ، وعلى إخوانِه من الأنبياءِ صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء(52) .
ولم يتركْ النبيُّ ( رعيَ الغنمِ حتى بعثه الله ، مما جعلَه يَتَشَرَّبُ تلكَ الصفاتِ .
فعنْ نصرِ بنِ حَزَن عن رسول الله ( قال : " بُعِثْتُ وأنا أرعى غنماً لأهلي بأجياد "(53) .(1/35)
وقال الحافظ أيضاً : [ والذي قاله الأئمةُ أن الحكمةَ في رعايةِ الأنبياءِ للغنمِ ، ليأخذوا أنفسَهم بالتواضِعِ ، وتعتادَ قلوبُهم الخلوةَ ، ويترقّوا من سياستِها إلى سياسةِ الأمم .ا.هـ
وبيَّنَ الخطّابيُّ أن الله لم يضعْ النبوةَ في أبناءِ الدنيا والمترفينَ منهم ، وإنما جعلَها في أهلِ التواضعِ ، كرعاءِ الشاءِ وأصحابِ الحِرَفِ .
ونلخِّصُ مما تَقَدَّمَ أن شخصيتَه ( قد اتصفَتْ بصفاتٍ عديدةٍ بسببِ ممارسَتِه للرعْيِ منها : ـ الحلمُ ، والشفقةُ ، والصبرُ ، والتواضعُ . هذا سوى ما تقدم ذكرُه في رعيه للغنمِ في طفولته ( ومن سماتِ شخصيته ( أيضاً في تلكَ الفترةِ :
ـ العِفَّةُ ، والطهارةُ ، والتَّنَزُّهُ عن قاذوراتِ الجاهليةِ :
فعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ ( قال : سمعتُ النبيَّ ( يقول : " ما هَمَمْتُ بقبيحٍ مما كان أهلُ الجاهليةِ يهُمّون به ( من النساء ) إلا مَرَّتينِ الدهرَ ، كِلتاهُما يعصِمُني الله ( منها . قلتُ ليلةً لفتى من قريش بأعلى مكةَ في أغنامٍ لأهلِنا نرعاها : انظر غَنَمي حتى أسمرَ هذه الليلةَ بمكةَ كما يسمَرُ الفتيانُ . قال : نعم . فخرجتُ فَجِئتُ أدنى دارٍ من دورِ مكةَ سمعتُ غناءً وضَرْبَ دُفوفٍ ( وغرابيل ) ومزامير ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : فلانٌ تَزوَّجَ فلانةَ لرجُلٍ من قريشٍ تزوَّجَ امرأةً من قريش ، فلَهَوْتُ بذلك الغناءِ ، وبذلك الصوتِ ، حتى غلَبَتْني عيني ، فما أيقظني إلا مسُّ الشمس ، ثم رجعت إلى صاحبي ، فقال لي : ما فعلتَ ؟ فأخبرتُه ، ثم قلتُ له ليلة أخرى مثلَ ذلك ، ففعل ، فخرجتُ فسمعتُ مثلَ ذلك ، فقيل لي مثل ما قيلَ لي ، فلهوتُ بما سمعتُ حتى غلبتني عيني ، فما أيقظني إلا مسُّ الشمس ، ثم رجعتُ إلى صاحبي فقال لي : ما فعلتَ ؟ فقلت : ما فعلتُ شيئاً . قال رسول الله ( : فوالله ما هممتُ بعدهما بسوءٍ مما يعمَلُ أهلُ الجاهليةِ حتى أكرَمني الله ( بنُبُوَّتِه "(54) .(1/36)
فمن هذا الحديثِ يتبيَّنُ لنا كيفَ كانتْ عِفَّتُه ( ، فعلى الرَّغم من طبيعةِ أهلِ الجاهليةِ ، وانتشارِ الفاحشةِ فيهم ، من غيرِ نكيرٍ ، بل إنها أخذَتْ صوراً رسميةً وأصبحتْ نوعاً من أنواعِ النكاحِ ، كما قدَّمْنا في أحوالِ البيئةِ التي نشأ فيها ( ، لم يهم ( بشيءٍ من ذلك ، في خلالِ أكثرَ من خمسةٍ وعشرين عاماً ، إلا هاتينِ المرَّتين . ولعلَّ الحكمةَ في تحديثِه نفسَه بذلك إثباتَ كمالِه الخلقي ، واستعداداتِه الطبيعية ، وميولِه الفطرية ، ولا يخفى على القارئ ما يبدو من النصِّ من عَدَمِ حِرْصِه على ذلك ، لأنه انشغل عنه بأمرٍ هَيِّنٍ ، لا ينشَغِلُ به حريصٌ على ذلك .
وأيضاً في هاتين القصَّتَينِ بيانُ تدَخُّلِ العنايةِ الإلهية ، التي حَمَتْ النبيَّ ( من التَّطبيعِ الاجتماعيِّ ، الذي أشَرْنا إليه في التمهيدِ ، وبالأخصِّ فيما يُسْتَبْشَعُ في حقِّ المصطفى للنُّبُوَّةِ كهذه الحالة .
واتَّصَفَتْ أيضاً شخصيتُه ( في تلك المرحلةِ بصفاتٍ ساميةٍ منها :
ـ الصدقُ والأمانةُ والعفافُ :
ففي حديثِ أمِّ سلمة رضي الله عنها في الهجرةِ إلى الحبشة ، قال جعفرُ مخاطِباً النجاشيَّ : كنا قوماً أهلَ جاهليةٍ نعبدُ الأصنامَ ، ونأكلُ الميتةَ ، ونأتي الفواحشَ ، ونقطعُ الأرحامَ ، ونسيءُ الجوارَ ، ويأكل القويُّ منا الضعيفَ ، فكنا على ذلك حتى بعثَ الله إلينا رسولاً منا نعرفُ نَسَبَه وصِدقَه وأمانته وعفافه ... الخ الحديث(55) .
وكانوا من شِدَّةِ أمانتِه ، يُسَمّونه الأمين . ففي قصةِ اختلافِ قريشٍ في وضعِ الحجرِ الأسودِ عندَ بناءِ الكعبةِ ، من رواية عبدِ الله بنِ السائبِ ( ، قال : فقالوا : اجعلوا بينَكم أولَّ رجلٍ يدخل من الباب ، فدخل رسولُ الله ( ، فقالوا : هذا الأمينُ ، وكانوا يسمُّونه في الجاهلية الأمين ...فذكر القصةَ(56) .(1/37)
وقد بلغَ النبيُّ ( من الصِّدْقِ ، مبلغاً أن شهدَ له الملأُ من قريشٍ ، أنهم ما جرَّبوا عليه كذباً قَطّ ، وذلك في قصةِ إنذارِه لهم لما نزَلَ قولُه تعالى : ? ?????????? ???????????? ??????????????????? ?????? (57).
ولما قيلَ لأميةَ بنِ خَلَفٍ إن النبيَّ ( أخبرَ أنه سيقتُلُه ، قال : واللهِ ما يكذِبُ محمدٌ(58) .
وفي صحيحِ البخاريِّ في قصةِ هرقلَ مع أبي سفيان ، المتقدمِ الإشارة إليها ، قال له هرقل : [ وسألتُك هل كنتم تتَّهمونه بالكذبِ قبلَ أن يقولَ ما قالَ ، فذكرتَ أن لا ، فقد أَعْرِفُ أنه لم يكن ليَذَرَ الكذبَ على الناس ويكذبَ على الله .
وقد شهِدَ له القرآنُ بذلك ، قال تعالى : ? ?????????????? ??? ????????????????? ??????????? ???????????????? ????????????? ?????? ???????????? ? ( الأنعام : 33) .
كما كانتْ شخصِيَّتُه ( ، شخصيةً تجاريةً ، عَمَلِيَّةً ، ناجحةً جداً ، مع ما رافَقَها من عَدَمِ المداراةِ والمماراةِ ، مما أتاحَ له الفرصةَ للتعاملِ مع أصنافِ الناس ، واكتسابِ الخبراتِ ، والتنَقُّلِ في الأسفارِ مع عَدَمِ الحِرْصِ على المالِ ، بالإضافةِ إلى شِدَّةِ الحياءِ ، الذي جعله يحوزُ إعجابَ مَن تعامَلَ معه .
فعن السائبِ بنِ أبي السائبِ ( أنه قال للنبيِّ ( : " كنتَ شريكي ، فكنتَ خيرَ شريكٍ ، كنتَ لا تُداري ولا تماري "(59).(1/38)
وعن جابرِ بنِ سَمُرَةَ أو رجلٍ من الصحابةِ قال : كان النبيُّ ( يرعى غنماً ، ثم كان يرعى الإبلَ مع شريكٍ له ، فأَكْرَيا أختَ خديجةَ ، فلما قَضَوا السفرَ بقيَ لهم عليها شيءٌ ، فجَعَلَ شريكُه يأتِيهم يتقاضاهم ، فيقول له : محمد ، انطلِقْ . فيقول : اذهبْ أنتَ فإني أستحيي . فقالت له مرةً - يعني للشَّرِيكِ - وأتاهم : أين محمدُ لا يجيءُ معكَ ؟ قال : قد قُلتُ له فذكرَ أنه ليستحيي . قال : فذكرَتْ ذلكَ لأختِها خديجةَ فقالت : ما رأيتُ قطُّ أشدَّ حياءً ، ولا أعفَّ من محمد ( ، فوقعَ في نفسِ أختِها خديجة ... فذكرَ قصةَ زواجِه منها(60) .
وكان رسولُ الله ( قَنوعاً من جهةِ النساءِ ، فإنه لم يتزوَّجْ غيرَ خديجة ، حتى قاربَ الخمسينَ من عمره ، على الرَّغمِ من كِبَرِ سِنِّها وكونها ثيباً .
فعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال لعائشةَ رضي الله عنها - في وفاتها يُعَدِّدُ لها مناقبَها - ولم ينكح - أي النبيُّ ( بكراً غيرَك(61) .
وذاتَ مرَّةٍ غارتْ عائشةُ من خديجةَ فقالت للنبيِّ ( : ما تذكُرُ من عَجوزٍ من عجائِزِ قريش حمراءِ الشَّدقَيْنِ هَلَكَتْ في الدَّهْرِ(62) .
وكانتْ شخصيةُ النبيِّ ( في تلكَ المرحلةِ ، شخصيةً اجتماعيةً لأبعَدِ الحدودِ ، وكانت علاقتُه بمجتَمَعِه طيبَةً ، لا يعكِّرُها شيءٌ من المشاحَناتِ والمنازَعاتِ ، فلم يُحفَظْ عنه أنه أنكَرَ عليهم شيئاً مما يفعلونَه ، بل كان رجلاً منهم ، يتنقَّلُ في أسواقِهم كما قال تعالى : ? ?????????? ????? ??????? ??????????? ?????????? ????????????? ?????????? ? ???????????????? ? ( الفرقان : 7 ) ، ويشاركُهم أعيادَهم واجتماعاتِهم ، وأعمالهَم وعباداتِهم ، وطعامَهم وعاداتِهم ، إلا ما كان يشعُرُ في داخلِه برفضٍ له ، ولكنه لم يجاهِرْهُم بذلك ، وكان الأصلُ الأصيلُ في هذا الرفضِ هو التوفيقَ الإلهي .(1/39)
فقد كان ( يُبغِضُ اللاتَ والعزّى ، ويتَّضِحُ ذلك من محاورةٍ له لخديجةَ رضي الله عنها ، يَرويها جارٌ لهما حَدَثَ أنه سمعَ النبيَّ ( ، وهو يقول لخديجةَ : " والله لا أعبدُ اللات أبداً ، والله لا أعبدُ العزّى أبداً " . فتقول خديجةُ : خلِّ اللات ، خلِّ العزى ، قال : كانتْ صنمَهم التي كانوا يعبدون ثم يضطجعون(63) .
وعلى الرغم من بُغْضِه ( للأصنامِ كان يشهدُ مع المشركينَ مشاهدَهم .
فعن جابرٍ ( قال : كان رسولُ الله ( يشهدُ مع المشركينَ مشاهدَهم ، قال : فسمع مَلَكَين خلفَه ، وأحدهما يقولُ لصاحبِه : اذهبْ بنا حتى نقومَ خلفَ رسولِ الله ( ، قال : فقال : كيف نقومُ خلفَه ، وإنما عهدُه باستلامِ الأصنامِ قبل ؟ فلم يَعُدْ بعدَ ذلك أن يشهدَ مع المشركينَ مشاهدهم(64) .
قال الطبراني رحمه الله - تفسيرُ قولِ جابر - : وإنما عهدُه باستلامِ الأصنامِ ، يعني أنه شَهِدَ مع منِ استلمَ الأصنامَ ، وذلكَ قبلَ أن يوحى إليه(65) . وبنحوِ ذلك قال الحافظُ ابنُ حَجَرَ رحمه الله تعالى(66) .
وكان ( يصومُ معهم يومَ عاشوراء كما كانوا يصومونه وقد تقدم .
وكان يحجُّ معهم ، إلا أنه من توفيقِ الله له خالَفَهم في بِدْعَتِهم في عَدَمِ الوقوفِ بعرفةَ .
فعن جُبَيرِ بنِ مطعِم ( قال : لقدْ رأيتُ رسولَ الله ( ، قبلَ أن ينزِلَ عليه الوحيُ ، وإنه لواقفٌ على بعيرٍ له بعرفاتٍ مع الناسِ من بينِ قومه ، حتى يدفعَ معهم منها ، توفيقاً من الله له(67)
وحضَرَ النبيُّ ( معهم حلفَ الفُضولِ :
فعن عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ ( عن النبيِّ ( قال : " شهدتُ حلفَ المطيَّبينَ مع عُمومتي ، وأنا غلامٌ ، فما أحِبُّ أن أنكُثَه ولي حمرُ النعم "(68) .(1/40)
وعن محمدٍ ، وعبدِ الرحمنِ ، ابني أبي بكرٍ قالا : قال رسولُ الله ( : " لقد شهدتُ مع عمومتي في دارِ عبدِ الله ابن جدعانَ حِلْفاً، لو دُعيتُ به في الإسلامِ لأجَبْتُ ، تحالفوا أن تُرَدُّ الفضولُ على أهلِها ، وألا يُعَزَّ ظالمٌ مظلوماً "(69).
وفي أمر هذا الحلفِ جوانبٌ من شخصيته ( ، ففيه بيانٌ لمنزلته ( في قومِه ، حيثُ شارَكَ فيه مع عمومَتِه وهم كبارُ قومِه . ولفظُ الروايةِ يدُلُّ على أنه كانَ من المتحالِفينَ وليسَ شهودُه من بابِ الحُضورِ فقط . ثم فيه أيضاً حرصُ النبيِّ ( في تلكَ الآونَةِ على ردِّ الفُضولِ على أهلِها ، والأخذِ على يدِ الظالمِ حتى يرُدَّ إلى المظلومِ حقَّه .
وليس هذا بمستغرَبٍ منه ( ، فهو الذي وصَفَتْه خديجةُ رضي الله عنها عندما خشيَ على نفسهِ عندَ بَدءِ الوحيِ بوصفٍ جامعٍ لجوانبَ من شخصيتِه فقالت : " والله ، ما يُخْزِيكَ اللهُ أبداً ، إنكَ لتَصِلُ الرَّحِمَ ، وتَحْمِلُ الكَلَّ ، وتَكْسِبُ المعدومَ ، وتُقري الضيفَ ، وتُعينُ على نوائِبِ الحق "(70).
فيا لها من صفاتٍ عاليةٍ ، وسماتٍ رفيعةٍ ، وقد دلَّتْ على مصارِفِ مالِه ( ، وكيف يبذُلُه في معونةِ الكَلِّ الذي لا يستَقِلُّ بنفسه ، والمعدومِ الفقيرِ الذي لا يجدُ ما يُنفِقُ ، وفي ضيافةِ الأضيافِ ، وفي كافَّةِ جوانبِ الخير .(1/41)
وإنه لمن العَجيبِ حقاً أن هذه الصفات ، هي نفسُها صفاتُ نَدِيمه وصديقِه في الجاهلية ، أبي بكرٍ الصديق(71) ، فقد وصَفَهُ بذلك ابنُ الدغنة عندما همَّ بالهجرة . فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : خرج أبو بكرٍ مهاجراً نحوَ أرضِ الحبشة ، حتى إذا بلغَ بَرْكَ الغَمادِ ، لقيه ابنُ الدغنة وهو سيدُ القارّة ، فقال : أين تريدُ يا أبا بكرٍ ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأريدُ أن أسيحَ في الأرضِ ، وأعبُدَ ربي . فقال ابن الدغنة : فإن مثلَكَ لا يُخرَجُ ؛ إنك تكسِبُ المعدومَ ، وتَصِلُ الرحمَ ، وتحملُ الكَلَّ ، وتُقري الضيفَ وتُعين على نوائبِ الحق .... الخ حديث الهجرة(72) .
ففي هذه القصةِ ، بيانُ حسنِ اختيارِه ( لنَدِيمِه ، وفيها دلالةٌ خَفِيَّةٌ على قُوَّةِ تأثيرِ شخصيته ( فيمَنْ يُلازِمُه ، كما سيأتي نحوُه مع زيدِ بنِ حارثةَ عندما نهاه عن مَسْحِ الأصنامِ . وهذا مصداقُ قوله ( : " الرجلُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم من يُخالِلْ "(73).
ومن مظاهرِ اجتماعِيَّتِه ( ، اشتراكُه مع قومِه في بناءِ الكعبةِ ، يحمِلُ معهم الحجارةَ كفَرْدٍ منهم ، وما ظهرَ في ذلكَ من صفةِ الحياءِ التي كان يتحلّى بها ( ، ومن مجاراتِه لبعضِ أفعالِ قومِه التي تَدَخَّلَ التوفيقُ الإلهيّ لإبعادِه عنها .
فعن جابرٍ ( قال : لما بُنِيَتْ الكعبةُ ذَهَبَ النبي ( والعباسُ ينقُلانِ الحجارةَ ، فقال العباسُ للنبيِّ ( : اجعلْ إزارَكَ على رَقَبَتِكَ يَقِكَ من الحجارةِ . فخرَّ إلى الأرضِ وطَمَحَتْ عيناه إلى السماء ، ثم أفاقَ فقال :" إزاري إزاري ، فشدَّ عليه إزارَه "(74).
وفي قصةِ وضعِه للحجرِ الأسودِ التي ذكرناها في أمانته ( دلالةٌ على شَرَفِه ، وعُلُوِّ منزلَتِه في قومِه ، على صِغَرِ سِنِّهِ ، لأنهم ما كانوا ليُحَكِّموا فيهم ، ويَكِلُوا أمرَ وَضْعِ الحجرِ في مكانه إلا لرجلٍ له من الشَّرَفِ والمنزلة العاليةِ مكانةٌ رفيعةٌ .(1/42)
ومن الأمورِ التي كان رسولُ الله ( مجارياً فيها قومَه ، حتى تَدَخَّلَ التوفيقُ الإلهي الذي يُعِدُّهُ لتحمُّلِ الرسالة ، ما يأتي ذكرُه في قصةِ لقائه لزيدِ بنِ عمرو بن نُفيل ، والتي فيها بيانٌ لصفاءِ نفسِه ( واستعدادِها لتقبُّلِ الفِطرةِ السليمةِ لأوَّلِ وهلةٍ .
فعن زيدِ بن حارثةَ ( قال : خرجت مع رسول الله ( وهو مُرْدِفي ، في يومٍ حارٍّ من أيامِ مكةَ ، ومعنا شاةٌ قد ذبحناها ، وأصلَحْناها ، فجعلناها في سُفرَةٍ ، فلقِيَهُ زيدُ بنُ عمروِ بنِ نُفيل فحيّا كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه بتحيَّةِ الجاهلية ، فقال النبي ( : " يا زيد - يعني ابنَ عمرو - مالي أرى قومَكَ قد شَنَفُوا لك " ؟ قال : والله يا محمد ، إن ذلك لغَيْرِ تِرَةٍ لي فيهم ، ولكن خرجت أطلبُ هذا الدينَ حتى أقدمَ على أحبارِ خيبر ، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به ، فقلت : ما هذا بالدينِ الذي أبتغي . فخرجت حتى أقدم على أحبارِ الشامِ فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به ، فقلت : ما هذا بالدين الذي أبتغي . فقال رجلٌ منهم : إنك لتسألُ عن دينٍ ما نعلمُ أحداً يعبدُ الله به إلا شيخٌ بالجزيرةِ . فخرجتُ حتى أقدمَ عليه ، فلما رآني ، قال : إن جميعَ من رأيتَ في ضلالٍ ، فمِنْ أينَ أنتَ ؟ فقلت : أنا من أهلِ بيتِ الله ، من أهلِ الشَّوكِ والقرظ . قال : إن الذي تطلُبُ قد ظَهَرَ ببلادِك ، قد بُعِثَ نبيٌّ قد طَلَعَ نجمُه فلو أُحِسُّ بشيءٍ يا محمد . قال : فقرَّبَ إليه السفرةَ . فقال : ما هذا ؟ قال : شاةٌ ذبحناها لنُصُبٍ من هذه الأنصابِ . فقال : ما كنتُ لآكلَ شيئاً ذُبِحَ لغيرِ الله . وتفرَّقا . قال زيدُ بنُ حارثةَ : فأتى النبيُّ ( البيتَ وأنا معه فطافَ به ، وكان عندَ البيتِ صَنَمانِ ، أحدُهما من نحاسٍ ، يُقالُ لأحدهما : يَساف ، وللآخر : نائلة . وكان المشركون إذا طافوا تمسَّحوا بهما . فقال النبي ( : " لا تمسَحْهُما فإنهما رجسٌ " . قال : فقلت في نفسي :(1/43)
لأمسحهما حتى أنظرَ ما يقول . فمسحتُهما ، فقال : يا زيد ، ألم تُنْهَ ؟ قال : وأُنزِلَ على النبي ( ، ومات زيدُ بنُ عمرو ، فقال النبي ( : " يُبعَثُ أمةً واحدة "(75) .
وفي بعضِ طُرُقِ هذا الحديثِ عن سعيدِ بنِ زيد قال : فما رُئِيَ النبي ( بعدَ ذلكَ اليومِ يأكلُ مما ذُبِحَ على النصب(76) .
وهذه القصةُ فيها بيانٌ واضحٌ لما كان عليه النبي ( من صلةٍ وطيدةٍ بقومِه ، حتى إنه ليَسْتَنْكِرُ على زيدٍ ما بَيْنَهُ وبينَ قومِه من عداوةٍ ، وفيها بيانٌ واضحٌ أيضاً لبُعدِ النبي ( عن دراسةِ الكتبِ ، وعلومِ الأوَّلينَ ، وغَفْلَتِه قبلَ بِعثَتِه عن مثلِ هذه الأمورِ ، حتى عن سَبَبِ عَداءِ قُريشٍ لزيدِ بنِ عمرو بن نفيل الذي كان يبحَثُ عن الدينِ الحقِّ .
وقد قال تعالى - واصفاً لحاله ( تلك - : ? ??????? ???????? ???????? ????????? ?????????? ?????? ??????????????? ????????? ??????? ?????????????? ?????? ????? ??? ??????????? ?????? ????????????????? ???? ( يوسف : 3 ) . وقال : ? ??????????? ??????????????? ?????????? ?????? ????? ???????????? ??? ????? ????????? ??? ????????????? ????? ????????????? ? ( الشورى : 52 ) وقال : ? ?????????? ???????? ????????? ???? ( الضحى : 7 ) وقال : ? ????????? ???? ????????????? ???????????? ??????????? ??????????? ??? ????? ?????????????? ?????? ????? ?????????? ??? ???????? ???????? ? ( هود : 49 ) .
وهذا كلُّه مرجعُه الأكبرُ إلى أمِّيَّتِه ، فقد كان ( أمياً ، لا يعرفُ قراءةً ولا كتابةً . قال تعالى : ? ????? ????? ???????????? ??? ??????????? ??? ????????? ????? ??????????? ???????????? ?????? ????????????? ????????????????? ????? ( العنكبوت : 48) .(1/44)
ولكن الله تعالى امْتَنَّ عليه بأن وَضَعَ عنه تلك الأوزارِ ، وابتَعَثَه رحمةً للعالمين . قال تعالى : ? ???????????? ????? ???????? ??? ????????? ???????? ????????? ???? ( الانشراح : 2-3 ) . قال قتادة : كانت للنبي ( ذنوبٌ ، قد أثْقَلَتْه فغَفَرَها الله له . وقال ابنُ زيدٍ : غَفَرَ له ذنبَه الذي كان قبلَ أن يُنَبَّأَ فوضعه(77)
فمكث ( في قومِه أربعينَ عاماً ، لم يجابههم بمخالفةٍ ولم يأتهم بغريبة . يسيرُ معهم حيث ساروا ، ويَقِيلُ معهم حيث قالوا ، ولم يُؤثَرْ عنه فيها علمٌ ، ولم يُرْوَ عنه ولو بيتُ شعرٍ . لم يُعرَفْ بفصاحةٍ ، ولم يذكَرْ ببلاغة . قال تعالى : ? ????? ??????????????? ?????????? ????? ???????????? ???????? ? ( يس : 69) . وهذه الأربعين سنة كانت كافيةً لقومه ، أن يتعرفوا عليه عن كَثَبٍ ، ولذا فقد أقام الله عليهم الحجة بها فقال تعالى : ? ???? ?????? ?????? ?????? ??? ?????????????? ?????????? ?????? ????????????? ??????? ??????? ???????? ??????? ????????? ???? ???????????? ???????? ????????????????????? ????? ( يونس : 17) .
ونستطيعُ أن نكتفيَ الآن بما سقناه من معلوماتٍ ، حولَ شخصيته ( في فترَةِ شبابِه إلى البِعثة ، ونشرعُ الآن في دراسةِ شخصيته ( بعد أن ابتعثه الله نبياً .
( الفصلُ الثالثُ (
( بعدَ البعثةِ حتى الوفاة (
أولاً : في علاقته بربه .
ثانياً : في علاقتِه بالخلق : كرسولٍ ، كمعلِّمٍ ، كداعيةٍ ، كإمامٍ وصديقٍ ، كسياسيٍّ ، كقائدٍ عسكريٍّ ، كقاضٍ ، كابنٍ ، كزوجٍ ، كأبٍ ، كأسوةٍ ، كبشرٍ .
ثالثاً : تتمة في بعض صفاته الخلقية .(1/45)
وقبل أن نشرَعَ في المرادِ يَجْمُلُ بنا ، أن نُجْمِلَ سماتِ شخصيته ( قبلَ بعثته ، لنعلمَ ما السماتُ التي جَدَّتْ عليها بعد إكرامه بالرسالة ، والصفاتُ الراسخةُ التي ظَلَّتْ معه طوالَ حياته والتي في الغالب هي : الصفاتُ التي يجبُ أن تكونَ في من يصطفيه الله للرسالة .
فها هي السماتُ مجملةً :
الرجولةُ ، والإحساسُ بالمسئوليةِ ، وتدبيرُ الأمورِ بالحكمةِ ، والأخذُ بالأسبابِ ، والعِفَّةُ عما في أيدي الناسِ ، وحسنُ المعاشرةِ ، والاجتماعيةُ ، والانفعالُ النفسي مع الحوادثِ المحيطةِ به ، والشجاعةُ ، والجرأةُ ، والاعتزازُ بالنفس ، مع الشعورِ بالشَّرَفِ وعُلُوِّ المنزلة ، والنجابةُ ، والنجاحُ في المهامِ التي تُسنَدُ إليه ، وحسنُ الصحبةِ في الأسفار ، والتعاونُ مع الرُّفَقاءِ ، والحلمُ ، والشفقةُ ، والصبرُ ، والتواضعُ ، والعفافُ ، والطهارةُ والتنزهُ عن القاذوراتِ ، والصدقُ العجيبُ الكاملُ ، والأمانةُ الفائقةُ ، وحسنُ الشَّرِكَةِ في التجارةِ ، مع عدمِ المداراةِ والمماراةِ وعدمِ الحرصِ على المالِ ، وشدةُ الحياءِ ، والقناعةُ الجنسية ، ومشاركةُ المجتمع في أسواقِه ، وأعيادُه ، وأعمالُه واجتماعاته ، وعباداته ، وطعامه وعاداته ، إلا ما كان يشعرُ في داخلِه برفضٍ له أساسُه دافعٌ خارجيٌّ وهو التوفيقُ الإلهي ، وصلةُ الرحمِ ، والكرمُ بحملِ الكَلِّ، وإكسابٌ المعدومِ ، وقَرْيُ الضيفِ ، والإعانةُ على نوائبِ الحق ، وحسنُ اختيارِ الصديقِ ، وقوةُ الشخصيةِ ، والتأثيرُ في الملازمينَ له ، وانصرافُه عما يَشينُه بعوامل خارجية ، والأمِّية ، وعدمُ العلمِ بالكُتُبِ السابقةِ وعلومِ الأولين ، بل الغفلةُ عن ذلك ، وعدمُ الاشتهارِ بفصاحةٍ ، ولا ببلاغةٍ ، ولا بقولِ شعرٍ .(1/46)
وهذه الصفاتُ لم يَرِدْ بها الاستقصاءُ وإنما هي ما تَيَسَّرَ جمعُه ، ولو أمْعَنّا النظرَ ، ودقَّقْنا في البحثِ ، لتبيَّنَ لنا غيرُها . وفي المذكورِ كفايةٌ .
والآنَ نستعينَ بالله في الشروعِ في هذا الفصلِ ، فنقول :
اتَّصَفُ الحبيبُ محمدٌ ( بعدَ بِعثَتِه ، بصفاتٍ ميَّزَتْ شخصيَّتَه ( ، عن سائرِ البشرِ من لَدُنْ آدمَ إلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها ، يعجَزُ الإنسانُ عن حَصْرِها، ويَكِلُّ البنانُ في سَطْرِها ، ومهما اجتهدَ الكاتب في إبدائها ، ردَّهُ عدمُ انتهائِها ، وطولُ سرْدِها ، فما أَكَمَلَ صفاتِه ، وما أعظمَ سِماتِه .
عن يزيدِ بنِ بابنوس قال : قلنا لعائشةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ، كيفَ كانَ خُلُقُ رسولِ الله ( ؟ قالت : كان خلقُ رسولِ الله ( القرآنَ . فقرأت : ? ????? ??????????? ??????????????? ? حتى انتهت ? ???????????? ???? ?????? ????????????? ?????????????? ? ، قالت : هكذا كان خلقُ رسولِ الله ( (78).
وقال تعالى : ? ?????? ?????????? ??????? ????? ???????????? ??????? ???????? ???????????? ??????? ????????? ?? ??????????????? ??????? ???????? ?????? ( التوبة : 128) .
فكان ( في صلاته خاشعاً ، وكان عن اللغو معرضاً ، للزكاة فاعلاً ، لفَرْجِهِ حافظاً إلا على أزواجه ، أو ما ملكتْ يمينُه ، وكان لأماناته وعهْدِهِ راعياً ، وعلى صلاتِه محافظاً ، وكان عنت الناس عليه عزيزاً ، وكان عليهم حريصاً ، وبالمؤمنين رؤوفاً رحيماً .
فمَنْ كان خُلُقُه القرآنَ ، أنّى يستطيعُ إنسانٌ ، أن يَصِفَ أخلاقَه ولو طالَ بيديه العنانَ . وكلَّما حاوَلَ أن يكتُبَ كلماتِه ، أسفَرَ عن عَجْزِه وإمْلاقِه ، ولكنْ لن نعدم أن نذكرَ اليسيرَ ، من البحرِ الغزيرِ .
ـ أولاً : شخصيةُ النبيِّ ( المتمَثِّلَةُ في عبادَته لربِّه الذي دعا الناسَ إليه :(1/47)
وهذه الفقرةُ إذا أردنا بها المعنى العامَ الشموليَّ ، استوعَبَتْ حياتَه كلَّها ( ، فقد كانت حركاتُه وسكناتُه كلُّها لله وفي سبيلِ الله ، فبذلك أُمِرَ وعليه أُجِرَ . قال تعالى : ? ????? ?????? ??????? ?????????? ???????????? ?????????? ??????? ????? ??????????????? ????? ??? ???????? ??????? ??????????? ?????????? ?????????? ???????? ???????????????? ?????? ( الأنعام : 162-163) ، وكان ( إذا افتتحَ الصلاةَ ، قال : "وجهتُ وجهيَ للذي فَطَرَ السماواتِ والأرضَ حنيفاً وما أنا من المشركينَ ، إن صلاتي ونُسُكِي ومَحيايَ ومماتي لله رب العالمين ، لا شريكَ له وبذلكَ أُمِرْتُ وأنا أولُ المسلمين "(79).
ولكنا قَصَدْنا بهذه الفقرةِ حبَّه لربِّه ، وخوفَه منه وخشيتَه له ، ورغبتَه إليه في المنشَطِ والمكْرَهِ ، والرخاءِ والشِّدَّةِ ، واليُسرِ والعُسرِ ، وتوكُّلَه عليه وثِقَتَه به ، والتجاءَه إليه ، وكثرةَ عبادتِه له ، وشوقَه إلى لقائه ، واختيارَه جوارًه .
فعن المغيرةِ ( يقول : إنْ كانَ النبيُّ ( ليقومُ - أو ليصلّي - حتى تَرِمَ قدماه - أو ساقاه - فيقال له ، فيقول : " أفلا أكونُ عبداً شكوراً "(80) .
وعن ابنِ مسعودٍ ( قال : " صليتُ مع النبيِّ ( ليلةً ، فلم يَزَلْ قائماً حتى هممتُ بأمرِ سُوءٍ . قلنا : وما هممتَ ؟ قال : هممتُ أن أقعدَ وأذرَ النبيَّ ( "(81).
وما أحسنَ قولُ عبدِ الله بنِ رواحةَ :
وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروفٌ من الفَجْرِ ساطعُ
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبُنا به موقِناتٌ أنَّ ما قال واقعُ
يَبيتُ يُجافي جنبَه عن فراشِه إذا استَثْقَلَتْ بالمشركينَ المضاجعُ(82)
وعن أبي الدرداءِ ( قال : " خرجنا مع النبي ( في بعضِ أسفارِه في يومٍ حارٍ ، حتى يضعَ الرجلُ يدَه على رأسِه من شِدَّةِ الحرِّ ، وما فينا صائمٌ ، إلا ما كان من النبيِّ (وابنِ رواحة "(83).(1/48)
وعن أبي هريرةَ قال : سمعتُ رسول الله ( يقول : " والله إني لأستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه في اليومِ أكثرَ من سبعينَ مرةً "(84) .
وعن أنسٍ قال : " كانت الريحُ الشديدةُ إذا هَبَّتْ عُرِفَ ذلك في وجهِ النبيِّ ( "(85).
وعن عائشةَ ( قالتْ : " كان النبيُّ ( إذا رأى مخيلةً في السَّماءِ ، أقبَلَ وأدْبَرَ ، ودَخَلَ وخرَج ، وتغيَّرَ وجهُه ، فإذا أمطَرَتِ السماءُ سُرِّيَ عنه ، فعرَّفَتْه عائشةُ ذلك فقال النبي ( : "وما أدري كما قال قومُ عادٍ ? ????????? ????????? ???????? ??????????????? ???????????????? ? "(86) .
وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال : قال النبيُّ ( وهو في قُبَّةٍ : " اللهم إني أنشُدُكَ عهدَكَ ووَعْدَكَ . اللهم إن شئتَ لم تُعبَدْ بعدَ اليومِ " . فأخذَ أبو بكرٍ بيده فقال : حسبُكَ يا رسولَ الله ، فقد ألحَحْتَ على ربِّكَ . وهو في الدِّرْعِ ، فخرج وهو يقولُ : " سيُهزَمُ الجمعُ ويُوَلّونَ الدُّبُرَ بلِ الساعةُ موعدُهم والساعةُ أدهى وأمر "(87) .
وعن عبدِ الله بنِ أبي أوفى ( يقول : دعا رسولُ الله ( يومَ الأحزابِ على المشركينَ فقال : " اللهم مُنْزِلَ الكتابِ ، سريعَ الحسابِ ، اللهم اهزِمْ الأحزابَ ، اللهم اهزِمْهُم وزَلْزِلهم "(88) .
وعن جابرِ بنِ عبدِ الله ( قال : غزونا مع رسولِ الله ( غزوةً قِبَلَ نجدٍ ، فأدْرَكنا رسول الله ( في وادٍ كثيرِ العضاه ، فنزلَ رسولُ الله ( تحت شجرةٍ ، فعلَّقَ سيفَه بغُصْنٍ من أغصانها . قال : وتفرَّقَ الناسُ في الواديِ يستظلّونَ بالشَّجَرِ ، قال : فقال رسولُ الله ( : " إنَّ رجلاً أتاني وأنا نائمٌ فأخَذَ السَّيفَ ، فاستيقظتُ وهو قائمٌ على رأسي فلم أشعرْ إلا والسيفُ صَلْتاً في يَدِه ، فقال لي : من يمنعُكَ مني ؟ قال : قلت : الله . ثم قال في الثانية : من يمنعُكَ مني ؟ قال : قلت : الله . قال : فشامَ السيفَ ، فها هو ذا جالسٌ . ثم لم يعرض له رسولُ الله ( " (89).(1/49)
عن عبدِ الله قال : قال لي رسول الله ( : " اقرأْ عليَّ القرآنَ " . قال : فقلت : يا رسولَ الله ، أقرأُ عليكَ وعليكَ أنزِلَ ؟ قال : " إني أشتهي أن أسمعَه من غيري " . فقرأتُ النساءَ ، حتى إذا بلغتُ ? ????????? ?????? ?????????? ??? ????? ???????????? ???????????? ???????????? ???? ?????? ?????????????? ?????????? ????? ، رفعتُ رأسي أو غَمَزَني رجلٌ إلى جنبي فرفعتُ رأسي فرأيتُ دموعَه تسيلُ(90) .
عن عائشةَ قالت : كان رسولُ الله ( وهو صحيحٌ يقول : " إنه لم يُقْبَضْ نبيٌّ قطُّ ، حتى يرى مقعَدَه من الجنة ، ثم يُخَيَّرُ " . فلما اشتكى وحضره القبضُ ورأسُه على فَخِذِ عائشةَ ، غُشِيَ عليه فلما أفاقَ شَخَصَ بصرُه نحوَ سقفِ البيتِ ثم قال : " اللهم في الرفيقِ الأعلى " . فقلت : إذاً لا يختارُنا ، فعرفتُ أنه حديثُه الذي كان يحدثنا وهو صحيح(91) .
وهذا غيضٌ من فَيضٍ ، فمن ذا الذي يحيطُ بجوانِبِ عبادته ، ومظاهرِ محبَّتِه لربِّه سبحانه وتعالى ؟ وأما دُعاؤُه ( وإنابتُه ، وذكرُه ورغبَتُه ، فبحرٌ لا قرارَ له ، ومحيطٌ لا ساحلَ له ، لا يجمعُه ديوانٌ ، ولا يُحصيه إنسانٌ ، وقد صَنَّفَ فيه المتقدمون والمتأخرون (92).
ـ ثانياً : شخصيةُ النبيِّ ( المتمثلةُ في علاقَتِه بالخلق :
وهذه الفقرةُ أيضاً إذا أُريد بها معناها العامُ الشاملُ لكانتْ عبارةً عن سَوْقٍ لسيرته ( ، ولكني أردتُ بها إلقاءَ الضوءِ على بعضِ جوانبِ شخصيتِه ( في بعضِ تمثلاتها : رسولاً ومعلماً ، وداعيةً وإماماً ، وسياسياً وقائداً ، وقاضياً ، وابناً وزوجاً وأباً ، وصديقاً ، وأسوةً ، وأخيرا ... وبشراً .
ـ سماتُ شخصيتِه ( كرَسولٍ :(1/50)
إذا نظرْنا في جوانبِ شخصيتِه ( كرسولٍ : فإنما نعني بذلكَ سفارَتَه بين الله والخلقِ ، وأهمُّ ما يتطلَّبُ من الرسولِ هو حفظُ الرسالةِ ، وعدمُ تَبديلِها ، وتبليغُها كاملةً متكاملة ، وعلى الوجه الأمثلِ الذي يرتضيه صاحبُ الرسالةِ ، والصبرُ على ما يَعرُضُ له أثناءَ أدائه لها، وبأبي هو وأمي ، والله ما آلى جهداً في كل ذلك ، بل بلَّغَ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ، بأبلغِ بيانٍ ، وأتمِّ تبليغٍ ، وإنَّ حياتَه كلَّها لشاهدةٌ على ذلك . وهذا كلُّه تطبيقاً لما أمره به مُرْسِلُه سبحانه وتعالى في قوله : ? ????????????????? ??????????? ?????????? ???? ???????? ????????? ??? ?????????? ?????? ????? ?????????? ?????? ????????????? ?????????????? ? ( المائدة : 67 ) .
وقالت عائشةُ رضي الله عنها : من حدَّثَكم أن محمداً كَتَمَ شيئاً مما أنزِلَ عليه فقد كذبَ والله يقول : ? ????????????????? ??????????? ?????????? ???? ???????? ????????? ??? ?????????? ? (93).
ولما كانتْ حجَّةُ الوداعِ أشْهَدَ النبيُّ ( الأمةَ على إبلاغه ، فكان يقولُ لهم : " ألا هلْ بَلَّغْتُ . فيقولون : نعم . فيقول : اللهم فاشهد "(94) .
واتَّسَمَتْ شخصيتُه ( بالصبر ، وتحمُّلِ الأذى والإهانة ، ثم التضحيةِ بالأهلِ والمالِ والوطن في سبيلِ إبلاغِ تلكَ الرسالةِ مع العفوِ والصفحِ عمَّن آذاه ، والرحمةِ بهم ، والشفقةِ عليهم .(1/51)
فعن ابنِ مسعودٍ ( أن النبيَّ ( كان يصلي عندَ البيتِ وأبو جهلٍ وأصحابٌ له جلوسٌ ، إذ قال بعضُهم لبعضٍ : أيُّكم يجيء بسلى جَزورِ بني فلان ، فيضعُه على ظهرِ محمد ، إذا سجد . فانبعَثَ أشقى القومِ ، فجاءَ به ، فنظر حتى إذا سجدَ النبيُّ ( ، وَضَعَه على ظهرِه بين كَتِفَيْه ، وأنا أنظرُ لا أُغني شيئاً لو كانتْ لي مَنَعَةٌ . قال : فجعلوا يضحكونَ ويميلُ بعضُهم على بعضٍ ، ورسولُ الله ( ساجدٌ لا يرفعُ رأسَه ، حتى جاءته فاطمةُ ، فطَرَحَتْ عن ظهرِه فرفَعَ رأسَه ، ثم قال : " اللهم عليكَ بقريش " ثلاثَ مرات ، فشقَّ عليهم إذ دعا عليهم . قال : وكانوا يَرَوْنَ أن الدعوةَ في ذلكَ البلدِ مستجابةٌ ، ثم سمى : " اللهم عليك بأبي جهل ، وعليكَ بعتبةَ بنِ ربيعة ، وشيبةَ بنِ ربيعة ، والوليدِ بنِ عتبة ، وأميةَ بنِ خَلَف ، وعقبةَ ابنِ أبي مُعيط " . وعدَّ السابعَ فلم أحفَظْه . قال : فوالذي نفسي بيده ، لقد رأيتُ الذين عدَّ رسولَ الله ( صرعى في القَلِيبِ قليبِ بدر(95).
وعن عروةَ قال : سألتُ ابنَ عمروِ بنِ العاص : أَخْبِرْني بأشدِّ شيءٍ صَنَعه المشركون بالنبيِّ ( . قال : بينا النبيُّ ( يصلي في حِجْرِ الكعبةِ ، إذ أقبلَ عقبةُ بنُ أبي مُعَيْطٍ فوضعَ ثوبَه في عُنُقِهِ فخَنَقه خنقاً شديداًَ ، فأقبلَ أبو بكرٍ ، حتى أخذَ بمنكبه ودفَعَه عن النبي ( ، قال : ? ???????????????? ???????? ???? ???????? ???????? ?????? ? الآية(96) .(1/52)
وعن عائشةَ رضي الله عنها أنها قالتْ للنبيِّ ( : هل أتى عليكَ يومٌ كانَ أشدَّ مِن يومِ أحد ؟ قال : " لقد لقيتُ من قومِكِ ما لقيتُ ، وكان أشدَّ ما لقيتُ منهم يوم العَقَبَةِ ، إذ عَرَضْتُ نفسي على ابن عبدِ يا لِيل بن عبدِ كلال ، فلم يُجِبْني إلى ما أردتُ ، فانطلقْتُ وأنا مهمومٌ على وجهي ، فلمْ أَسْتَفِقْ إلا وأنا بقرنِ الثعالبِ ، فرفعتُ رأسي فإذا أنا بسحابةٍ قد أظَلَّتْني ، فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ ، فناداني فقال : إن الله قد سمعَ قولَ قومِكَ لكَ وما ردّوا عليكَ ، وقد بعثَ الله إليكَ ملَكَ الجبالِ لتأمُرَه بما شئتَ فيهم . فناداني ملَكُ الجبالِ ، فسلَّمَ عليَّ ، ثم قال : يا محمد ، فقال : ذلكَ فيما شئتَ ، إن شئتَ أن أُطبِقَ عليهم الأَخْشَبَيْنِ . فقال النبي ( : بلْ أرْجو أن يخرجَ الله من أصلابهم من يعبدُ اللهَ وحدَه لا يُشْرِكُ به شيئاً " (97) .
وأما التضحيةُ بالأهلِ والمالِ والوطنِ ، فهجرتُه ( أنصعُ بيانٍ لها ، وقصةُ الهجرةِ مشهورةٌ ، فلا نُطيلُ بذكرِها ولأنها اشْتَمَلَتْ على كثيرٍ من جوانِبِ شخصيتِه ( ، فلا يَحْسُنُ بنا أن نمرَّ عليها فلا نُعَرِّجُ على شيءٍ منها ، فعلى سبيلِ المثالِ :
الأخذُ بالأسبابِ من تجهيزِ الطَّعامِ ، وإعفاءِ الآثارِ ، واسْتِئْجارِ الدليلِ الماهرِ ، وغيرِ ذلك . وفيها الحنكةُ والحَذَرُ ، وتكتُّمُ المعلوماتِ الهامّة ، فقد أتى النبيُّ ( صاحبَه أبا بكرٍ في وقتٍ لم يكن يأتيه فيه ، ثم إنه كان متقنعاً ، وأَمَرَه أن يخرجَ من عندِه في البيت(98) .
ـ سماتُ شخصيته ( كمعلِّم :
قال تعالى : ? ?????? ????? ?????? ????? ??????????????? ????? ??????? ??????? ???????? ????? ????????????? ??????????? ?????????? ????????????? ??????????????? ???????????????? ????????????? ?????????????? ?????? ????????? ??? ??????? ????? ???????? ???????? ?????? ( آل عمران : 164) .(1/53)
كان ( يسلُكُ في التعليمِ أساليبَ تربويةً كثيرةً ، ما أرْوَعَها وأوقَعَها في النفوس ، فتارةً يضربُ لهم الأمثلةَ ، وتارةَ يستخدِمُ الإشارةَ الحسيةَ ، كأن يحكي فعلَ شخصٍ ما ، وتارةً يُلَغِّزُ لهم ليُنَشِّطَهم ، وتارةً يقصُّ عليهم من أحوالِ الأمم الماضيةِ ، ليكونَ في ذلك عبرةً لهم ، وتارةً يعلِّمهم عَمَلياً ، بأن يفعلَ هو ما يريد فيتابعونه عليه ، وتارةً يسألهُم عن الشيء ، ولم يسألوا عنه ثم يجيبُهم ، وتارةً يُجيبُهم على سؤالهم بأكثرَ مما أرادوا لأجلِ فائدةٍ عظيمةٍ لهم ، وغير ذلك كثير وهذا كلُّه مع الرأفةِ والرحمةِ واللينِ وعُذْرِ الجاهلِ بجهله ، والاهتمامُ بتعليمه ، ولم يقتصِرْ هذا على الرِّجالِ فقط ، بل إنه ( اهتمَّ أيضاً بتعليمِ النساءِ ، وبذَلَ لهنَّ من وقتِه وجَهدِه ، والأمثلةُ على ما ذكرنا مبثوثةٌ في السنةِ الصحيحة ، نذكر منها على سبيل المثال :
عن ابنِ عمرَ ( عن النبيِّ ( قال : " إن من الشجرِ شجرةً لا يسقُطُ ورقُها ، وإنها مثلُ المسلم ، حدِّثوني ما هي " ؟ قال : فوقعَ الناسُ في شجرِ البوادي . قال عبدُ الله : فوَقَعَ في نفسي أنها النخلة . ثم قالوا : حدثنا ما هي يا رسولَ الله ؟ قال : هي النخلة(99) .
وعنْ معاويةَ بنِ الحَكَمِ ( قال : بينا أنا أصلي مع رسول الله ( ، إذ عَطَسَ رجلٌ من القومِ فقلتُ : يرحمُكَ الله ، فرماني القومُ بأبصارِهم ، فقلت : واثُكْلَ أمِّياه ما شأنُكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربونَ بأيديهم على أفخاذِهم ، فلما رأيتُهم يُصَمِّتُونَني ، لكني سكتُّ . فلما صلى رسولُ الله ( ، فبأبي هو وأمي ، ما رأيتُ معلماً قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليماً منه ، فوالله ما كَهَرَني ، ولا ضربني ولا شَتَمَني ، قال : " إن هذه الصلاة لا يصحُّ فيها شيءٌ من كلامِ الناس ، إنما هو التسبيحُ ، والتكبيرُ ، وقراءةُ القرآن " . أو كما قال رسولُ الله ( (100).(1/54)
وعن أنسٍ ( أن النبيَّ ( رأى أعرابياً يبولُ في المسجدِ ، فقال : " دعُوه " . حتى إذا فَرَغَ دعا بماءٍ فصبَّه عليه(101) .
وعن أبي رفاعةَ ( قال : انتهيتُ إلى النبيِّ ( وهو يخطُبُ . قال : فقلتُ : يا رسولَ الله رجلٌ غريبٌ ، يسألُ عن دينه لا يدري ما دينُه . قال : فأقبلَ على رسولِ الله ( وتركَ خطبتَه حتى انتهى إليَّ فأُتِيَ بكرسِيٍّ ، حسبت قوائمَه حديداً ، قال : فقَعَدَ عليه رسولُ الله ( ، وجعل يعلمني مما علَّمَه الله ، ثم أتى خطبتَه فأتمَّ آخرَها(102) .
وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ ( قال : قالتْ النساءُ للنبي ( : غَلَبَنا عليكَ الرِّجالُ ، فاجْعَلْ لنا يوماً من نفسِكَ . فوَعَدَهُنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه فوعَظَهُنَّ وأَمَرَهُنَّ . فكان فيما قال لهن : " ما مِنكُنَّ امرأةٌ تُقَدِّمُ ثلاثةً من ولدِها إلا كان لها حجاباً من النار " ، فقالت امرأةٌ : واثنين ؟ فقال : " واثنين "(103)
ـ سِماتُ شخصيته ( كداعيةٍ :
قال تعالى : ? ?????? ??????? ??????? ???????? ?????????????? ????????????????? ?????????????? ?????????????? ?????????? ???? ?????????? ? ( النحل : 125 ) .(1/55)
فقد كان ( يسلُكُ في دعوتِه الحكمةَ ، والوعظَ الحَسَنَ ، والمجادلةَ بالتي هي أحسنُ ، وقد بَلَغَ ( في ذلك شَأْواً بعيداً ، مع وصوله إلى الذروةِ في الرأفةِ والرحمة ، والشفقةِ والتيسيرِ ، ورفعِ الحرجِ ، وبُغْضِ التَّنفيرِ ، والحثِّ على قَبولِ الرُّخَصِ ، وعدمِ التَّنَطُّعِ ، والتضييقِ على النفس ، وإعطاءِ الحياةِ ما تستحقُّ من متطلَّباتٍ لا غِنى للإنسان عنها . وهذا كلُّه مع بلاغته ، ووضوحِ كلامِه وقِلَّتِه ، بحيث لو يعدُّه العادُّ لأحصاه ، وانفعالِه مع ما يقولُ ، وكان ( مع ذلك كثيرَ التّبَسُّمِ ، يمازِحُ الناسَ ، ولا يقولُ إلا حقاً ، ويَنْبَسِطُ إليهم صغيرِهم وكبيرِهم ، ذكرِهم وأنثاهم ، ثم هو يُبَشِّرُهم بالأجرِ والثوابِ ، ويحذِّرُهم الإثمَ والعقابَ ، وهو كذلك مشفقٌ على المشركين ، حريصٌ على أن ينقِذَهم من النار، صابرٌ جَلْدٌ لا ييأسُ ولا يَكِلُّ ولا يَمَلُّ ، حتى إنه ليأمل استجابتُهم له ، ولو في النزعِ الأخيرِ .
عن أبي هريرة ( قال : قدم طُفيلُ بنُ عمروٍ الدَّوْسيُّ وأصحابُه على النبي ( ، فقالوا : يا رسولَ الله إن دوساً عَصَتْ وأَبَتْ ، فادعُ اللهَ عليها ، فقيل : هَلَكَتْ دوسٌ . قال : " اللهم اهْدِ دوساً وائْتِ بهم "(104) .
وعنه ( قال : قيل : يا رسولَ الله : ادعُ على المشركين . قال : " إني لم أُبْعَثْ لعّاناً ، وإنما بعثت رحمة "(105) .
وعن ابنِ مسعودٍ ( قال : كان النبيُّ ( يَتَخَوَّلُنا بالموعظة في الأيامِ ، كراهةَ السآمةِ علينا(106) .(1/56)
وعن حنظلةَ الأسيدي - وكان من كُتّاب النبي ( - قال : لقِيَني أبو بكر . فقال : كيف أنتَ يا حنظلةُ ؟ قال : قلت : نافقَ حنظلة . قال : سبحان الله ! ما تقول ؟ قال : قلت : نكون عند رسولِ الله ( يُذَكِّرُنا بالنار والجنةِ ، حتى كأنا رأيَ عينَ . فإذا خرجنا من عندِ رسول الله ( عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضّيعات ، فنسينا كثيراً . قال أبو بكر : فوالله ! إنا لنلقى مثلَ هذا . فانطلقتُ أنا وأبو بكرٍ ، حتى دخلنا على رسول الله ( ، قلت : نافقَ حنظلةُ يا رسولَ الله . فقال رسول الله ( : " وما ذاك "؟ قلت : يا رسولَ الله ! نكون عندك تذكرُّنا بالنار والجنةِ حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنا الأزواجَ والأولاد والضيعات ، نسينا كثيرا . فقال رسول الله ( : " والذي نفسي بيده ، أن لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذكر ، لصافَحَتْكُم الملائكةُ على فراشِكم ، وفي طُرُقِكُم ، ولكن يا حنظلة , ساعة وساعة " ثلاث مرات(107) .
وعن عائشةَ رضي الله عنها أنها قالت : " ما خُيِّرَ رسولُ الله ( بينَ أمرَيْنِ إلا أَخَذَ أيسَرَهما مالم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان أبعدَ الناسِ منه ، وما انتَقَمَ رسولُ الله ( لنفسه ، إلا أن تُنْتَهَكُ حرمةُ الله فينتقمُ لله بها "(108) .
وعن الأزرَقِ بنِ قَيْسٍ قال : كنا بالأهوازِ نقاتل الحَرُورِيَّةَ ، فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي ، وإذا لجامُ دابتِّه بيده ، فجعَلَتْ الدابةُ تنازعه وجَعَلَ يتبَعُها - قال شعبة : هو أبو برزةَ الأسلمي - فجعل رجلٌ من الخوارجِ يقول : اللهم افعل بهذا الشيخ . فلما انصرفَ الشيخ ُ، قال : إني سمعتُ قولَكم ، وإني غَزَوْتُ مع رسولِ الله ( ستَّ غَزَواتٍ أو سبعَ غزوات أو ثمانياً ، وشهدت تيسيرَه ، وإني إن كنتُ أن أرجعَ مع دابتي أحبَّ إليَّ من أن أدعَها ترجعُ إلى مألَفِها فيشق علي(109) .(1/57)
وعن أبي مسعودٍ الأنصاري قال : قال رجل : يا رسولَ الله ، لا أكادُ أدركُ الصلاةَ مما يطول بنا فلان . فما رأيتُ النبيَّ ( في موعظةٍ أشدَّ غضباً من يومئذ . فقال : " يا أيها الناس إنكم مُنَفِّرون ، فمن صلى بالناس فليخفف ، فإن فيهم المريضَ ، والضعيفَ ، وذا الحاجة "(110).
وعن أبي هريرةَ أن رسولَ الله ( قال : " بُعِثْتُ بجوامعِ الكَلِمِ ، ونُصِرْتُ بالرعبِ . فبينا أنا نائمٌ أوتيتُ مفاتيحَ خزائِنِ الأرضِ فوُضِعَتْ في يديَّ ". قال أبو هريرة ( : وقد ذهبَ رسولُ الله ( وأنتم تَنْتَثِلونها(111).
وعن عائشةَ رضي الله عنها أن النبيَّ ( كان يحدثُ حديثاً لو عَدَّهُ العادُّ لأحصاه(112) .
وعن جابرِ بنِ عبدِ الله قال : كان رسولُ الله ( إذا خَطَبَ احمَرَّتْ عيناه ، وعلا صوتُه ، واشتَدَّ غضبُه ، حتى كأنه مُنذِرُ جيشٍ ، يقول : صبَّحَكم ومسّاكم . ويقول : " أما بعدُ ، فإن خيرَ الكلامِ كتابُ الله ، وخيرَ الهديِ هديُ محمد ، وشرَّ الأمورِ محدثاتهُا، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ " ، ثم يقول : " أنا أولى بكلِّ مؤمن من نفسه ، من تركَ مالاً فلأهله ، ومن تركَ ديناً أو ضياعا فإليَّ وعليَّ "(113) .
وعن سماكِ بنِ حَرْبٍ قال : قلت لجابرِ بنِ سمرة : أكنتَ تجالسُ رسولَ الله ( ؟ قال : نعم ، كثيراً . كان لا يقومُ من مصلاّه الذي يصلّي فيه الصبحَ حتى تطلعَ الشمسُ ، فإذا طلعتْ قامَ . وكانوا يتحَدَّثون فيأخُذون في أمرِ الجاهليةِ فيضحَكون ، ويتَبَسَّمُ ( (114).
وعن أنسٍ قال : ما رأيتُ رجلاً التقَمَ أُذنَ رسولِ الله ( فينحي رأسَه ، حتى يكون الرجلُ هو الذي ينحي رأسَه ، وما رأيتُ رجلاً أخذَ بيده فترَكَ يدَه ، حتى يكونَ الرجلُ هو الذي يَدَعُ يده(115) .
وعن عبدِ الله بنِ الحارثِ بنِ جزء ( قال : ما رأيتُ أحداً أكثرَ تبسُّماً من رسولِ الله ( (116).
وعنه ( قال : ما كان ضَحِكُ رسولِ الله ( إلا تبسُّماً(117) .(1/58)
وعنه أيضاً قال : ما رأيت أحداً أكثرَ مزاحاً من رسولِ الله ( ، ولا أكثرَ تبسُّماً منه ، وإن كان ليَسْنوا أهلُ الصبيِّ إلى مزاحه(118) .
وعن أنسٍ أن رجلاً أتى النبيَّ ( فقال : احملني ، فقال : " إنا حاملوك على ولدِ الناقةِ ". قال الشيخُ : وما أصنعُ بولدِ الناقة ؟ فقال : " وهل تلدُ الإبلُ إلا النوق" ؟ وقال : " لا يدخل الجنةَ عجوزٌ "(119) . ( يعني كلهن شابات ، يمازح عجوزاً ) .
وعن سعدٍ قال : استأذنَ عمرُ على رسولِ الله ( وعندَه نساءٌ من قريشٍ ، يُكَلِّمْنَه ويستَكْثِرْنَه ، عاليةً أصواتُهُنَّ ، فلما استأذنَ عمرُ ، قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الحجابَ . فأذِنَ له رسولُ الله ( ورسولُ الله ( يضحكُ ، فقال عمرُ : أضحكَ الله سنَّكَ يا رسولَ الله . فقال رسولُ الله ( : " عجبتُ من هؤلاءِ اللاتي كنَّ عندي ، فلما سَمِعْنَ صوتَكَ ابْتَدَرْنَ الحجابَ " . قال عمرُ : فأنتَ يا رسولَ الله أحقُّ أن يَهِبْنَ . ثم قال عمرُ : أي عدواتُ أنفسهنَّ ، أتَهَبْنَني ولا تَهِبْنَ رسولَ الله ( ؟ قلن : نعم ، أنتَ أغلظُ وأفَظُّ من رسولِ الله ( . قال رسولُ الله ( : " والذي نفسي بيده ما لَقِيَكَ الشيطانُ قطُّ سالكاً فجاً إلا سَلَكَ فجاً غيرَ فَجِّكَ "(120) .
وعن أنسِ بنِ مالكٍ ( قال : إن كانَ النبيُّ ( ليخالِطَنا حتى يقولَ لأخٍ لي صغيرٍ : " يا أبا عُمَيرٍ ، ما فعلَ النُّغَيْرُ "(121) ؟
وعن أمِّ خالدٍ بنتِ خالدٍ قالت : قدِمتُ من أرضِ الحبشةِ وأنا جويريةٌ ، فكساني رسولُ الله ( خميصةً لها أعلامٌ ، فجعلَ رسولُ الله ( يمسحُ الأعلامَ بيدِه ويقول : " سناه سناه " . قال الحُمَيديُّ : يعني : حسن حسن(122) .
وعن أنسِ بنِ مالكٍ ( أنه مرَّ على صبيانٍ ، فسلَّم عليهم ، وقال : كان النبيُّ ( يفعله(123) .(1/59)
وعن سلمةَ بنِ الأّكْوَعِ ( قال : مرَّ النبيُّ ( على نَفَرٍ من أسلَم يَنْتَضِلُون ، فقال رسولُ الله ( : " ارموا بني إسماعيلَ ؛ فإن أباكم كان رامياً ، ارموا وأنا مع بني فلان " . قال : فأمسكَ أحدُ الفريقينِ بأيديهم ، فقال رسولُ الله ( : " ما لكم لا ترمُون " ؟ فقالوا : يا رسولَ الله نرمي وأنتَ معهم ؟ قال : " ارموا وأنا معَكم كلكم "(124) .
وعن محمودِ بنِ الرَّبيعِ قال : عقَلْتُ من النبيِّ ( مَجَّةً مجَّها في وجهي وأنا ابنُ خمسِ سنين من دلو(125) .
وعن أنسٍ ( قال : كان غلامٌ يهوديٌّ يخدُمُ النبيَّ ( فمرِضَ ، فأتاه النبيُّ ( يعودُه ، فقَعَدَ عندَ رأسه فقال له : " أسلِمْ " . فنظرَ إلى أبيه وهو عندَه ، فقال له : أطِعْ أبا القاسم ( . فأسلَمَ . فخرَجَ النبي ( وهو يقولُ : " الحمد لله الذي أنقَذَه من النار "(126) .
وعن المسيِّبِ بنِ حَزْنٍ أنه لما حضرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ ، جاءه رسولُ الله ( فوجَدَ عندَه ، أبا جهلِ بنِ هشام ، وعبدَ الله بنَ أبي أميةَ بنِ المغيرة . قال رسول الله ( لأبي طالب : " يا عمِّ ، قل لا إله إلا الله كلمة أشهدُ لك بها عند الله " . فقال أبو جهلٍ وعبدُ الله بنُ أبي أميةَ : يا أبا طالبٍ ، أترْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المطَّلِّبِ ؟ فلم يَزَلْ رسولُ الله ( يعرِضُها عليه ، ويعودان بتلكَ المقالةِ حتى قال أبو طالبٍ آخرَ ما كلَّمهم : هو على ملةِ عبد المطلب ، وأبى أن يقولَ : لا إله إلا الله . فقال رسولُ الله ( : " أما واللهِ لأستَغْفِرَنَّ لكَ مالم أُنْهَ عنك " . فأنزل الله تعالى فيه : ? ??? ?? ??? ??????????? ????????????? ???????????? ... ? الآية(127) .(1/60)
ومهما ذكرنا من مواقف فلن نبلغ معشارَ ما أبدَتْه صفحةُ حياته ( ، وإنَّ جوانبَ شخصيته ( في جميع تمثلاتها ، لتتداخَلُ فيما بينها ، فهناك صفاتٌ كثيرةٌ مشترَكةٌ ، بين كونه رسولاً وبين كونه معلِّماً ، وكذا بين كونه معلِّماً وبين كونه داعيةً ، وهلمَّ جرا ، فليَضَعْ القارئُ هذا في عينِ الاعتبارِ إن شاء الله تعالى .
ـ شخصيتُه ( كإمامٍ وصديقٍ :
وإنما أدخَلْنا الصديقَ هنا ، لأنه ( كان صديقاً لرعِيَّتِه ، فكلُّهم أصحابُه ، وهو بينهم كواحدٍ منهم ، يتفَقَّدُ أحوالهَم ، يعودُ مرضاهم ، ويشهدُ جنائزَهم ، ويُسَوّي بينهم ، ويصلحُ ذاتَ بينِهم ، يتحملُ إيذاءَ المنافقين منهم ، وجَفاءَ وغلظةَ أعرابهم ، ويعفو ويصفحُ عمَّن أساءَ إليه منهم ، مع مقدِرَته عليهم ، يشارِكُهم أعمالهَم ، ويعاتِبُهم في أخطائِهم بأرقِّ ما يكون من اللُّطْفِ والرأفةِ ، يبكي على فقيدِهم ، ويبذُلُ نفسَه لهم ، ولا يحتَجِزُ دونهم ، ويذهبُ بنفسه لعاجِزِهم يُلبّي طلبَه ، لا يستكبرُ أن يمشيَ مع الأرملةِ والمسكين فيقضي له حاجتَه ، ولا يُحَقِّرُ أحداً منهم حتى المصابينَ في عقولهم ، محبوبٌ لَدَيْهم جميعاً ، مَهيبٌ في صدورِهم حتى الصغير منهم ، ويخفِضون عنده أصواتهم ، وما يحدّون إليه أنظارَهم ، كان رحيماً رفيقاً شفوقاً على أمته ، ولم يحرِمْ العصاةَ من تلكَ الصفات .
هذا كلُّه سوى ما لا تحصيه الأقلامُ ، ولا تحيطُ به الأفهامُ ، من إرشادِهم ، وتعليمِهم وتأمينِ الحاجاتِ لهم ، وأمرِهم بالمعروفِ ، ونهيِهم عن المنكَرِ ، وقد تقدَّمَ الكثيرُ من جوانبِ شخصيتِه مع أصحابِه كمزاحِه ، وحسنِ عشرتِه لهم ، وسيأتي أيضاً جوانبٌ أخرى في ذلك إن شاء الله تعالى في سماتِ شخصيته ( كأسوةٍ للأمة .(1/61)
عن جابرٍ ( قال : جاء رسولُ الله ( يعودُني ، وأنا مريضٌ لا أعقِلُ ، فتوضأَ وصبَّ عليَّ من وَضوئِه ، فعقلتُ ، فقلتُ : يا رسولَ الله لمن الميراثُ ؟ إنما يرِثني كلالةٌ . فنزلت آيةُ الفرائضِ(128)
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : " أصيبَ سعدٌ يومَ الخندَقِ في الأكحلِ ، فضربَ النبيُّ ( خيمةً في المسجدِ ، ليعودَه من قريبٍ ، فلم يرُعْهم - وفي المسجد خيمةٌ من بني غفار - إلا الدم يسيلُ إليهم فقالوا : يا أهلَ الخيمةِ ما هذا الذي يأتينا من قِبَلِكم ؟ فإذا سعدٌ يغذو جرحُه دماً ، فمات فيها "(129).
وعن عبدِ الله بنِ عمرَ قال : كنا جلوساً مع رسولِ الله ( حتى إذ جاءه رجلٌ من الأنصارِ ، فسلَّمَ عليه ، ثم أدبرَ الأنصاريُّ ، فقال رسولُ الله ( : " يا أخاً من الأنصارِ كيفَ أخي سعد ابن عبادة " ؟ فقال : صالحٌ . فقال رسولُ الله ( : " من يعودُه منكم " ؟ فقام ، فقُمنا معه ، ونحن بضعةَ عشرَ ما علينا نِعالٌ ، ولا خفافٌ ، ولا قلانسٌ ، ولا قُمصٌ ، نمشي في تلكَ السِّباخِ حتى جئناه فاستَأْخَرَ قومُه من حوله ، حتى دنا رسولُ الله وأصحابُه الذين معه(130) .
وقال تعالى : ? ??????? ??????????? ?????? ??????????? ?????? ???????? ? ( التوبة : 103 ) .
فما زال ( يصلي عليهم حتى على المنافقينَ منهم إلى أن نهاه الله تعالى بقوله : ? ????? ???????? ??????? ?????????? ???????? ?????? ????????? ????? ??????? ?????? ???????????? ? ( التوبة : 84 ) .
وعن أبي هريرة ( أن رجلاً أسودَ - أو امرأةً سوداء - كان يقُمُّ المسجدَ فماتَ ، فسأل النبيُّ ( عنه . فقالوا : مات . قال : " أفلا كنتم آذنتموني به ، دُلّوني على قبره - أو قال قبرها - " . فأتى قبرَه فصلى عليه(131) .(1/62)
وعن سهلِ بنِ سعدٍ الساعِدِيِّ أن رسولَ الله ( ذهبَ إلى بني عمروِ بنِ عَوْفٍ ، ليًصلِحَ بينهم ، فحانتْ الصلاةُ ، فجاء المؤذنُ إلى أبي بكر فقال : أتصلي للناس فأقيم ؟ قال : نعم . فصلى أبو بكر ...وذكر الحديث(132) .
وعن أسامةَ بنِ زيدٍ أن النبيَّ ( ركِبَ حماراً عليه إكافٌ ، تحتَه قطيفةٌ فَدَكِيةٌ ، وأردَفَ وراءه أسامةَ ، وهو يعودُ سعدَ بنَ عبادةَ في بني الحارثِ بنِ الخزرجِ ، وذاك قبلَ وقعةِ بدرٍ ، حتى مرَّ بمجلسٍ فيه أخلاطٌ من المسلمينَ والمشركينَ عبدةِ الأوثانِ واليهودِ ، فيهم عبدُ الله ابنُ أبَيّ ، وفي المجلسِ عبدُ الله بنُ رواحةَ ، فلما غَشِيَتْ المجلسَ عجاجةُ الدابة ، خمَّرَ عبدُ الله بنُ أُبَيٍّ أنفَه برِدائِه ، ثم قال : لا تُغَبِّروا علينا . فسلَّم عليهم النبيُّ ( ثم وقَفَ فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن . فقال عبد الله بن أبي : أيها المرءُ لا أحسنَ من هذا ، إن كان ما تقولُ حقاً ! فلا تُؤْذِنا في مجالِسِنا ، وارجِعْ إلى رَحْلِكَ ، فمنْ جاءكَ منا فاقصُصْ عليه ، فقال عبدُ الله بنُ رواحةَ : اغشنا في مجالسنا ، فإنا نحبُّ ذلك . قال : فاسْتَبَّ المسلمون ، والمشركون ، واليهود ، حتى همّوا أن يتواثبوا . فلم يزَلْ النبيُّ ( يُخَفِّضُهم ، ثم ركِبَ دابته حتى دخلَ على سعدِ بنِ عبادة فقال : " أي سعدُ ، ألم تسمعْ إلى ما قالَ أبو حباب ( يريد عبد الله بن أبي ) ؟ ، قال كذا وكذا ". قال : اعفُ عنه يا رسولَ الله ، واصفحْ ، فوالله لقد أعطاكَ الله الذي أعطاكَ ، ولقدْ اصطلحَ أهلُ هذه البحيرة أن يُتَوِّجوه فيعصبوه بالعصابةِ ، فلما ردَّ الله ذلك بالحقِّ الذي أعطاكَ شَرَقَ بذلك ، فذلك فَعَلَ به ما رأيتَ . فعفا عنه النبيُّ ( (133).(1/63)
وعن أبي موسى قال : كنتُ عند النبي ( وهو نازلٌ بالجعرانة بين مكةَ والمدينة ، ومعه بلالٌ . فأتى رسولَ الله ( رجلٌ أعرابيٌّ فقال : ألا تُنجِزْ لي يا محمدُ ما وعدْتَني . فقال له رسولُ الله ( : " أبشر " . فقال له الأعرابيُّ : أكثَرْتَ عليَّ من أبشر . فأقبَلَ رسولُ الله ( على أبي موسى وبلال كهيئةِ الغضبان . فقال : " إن هذا قد ردَّ البشرى فاقبلا أنتما " . فقالا : قبِلْنا يا رسولَ الله . ثم دعا رسولُ الله ( بقدحِ ماءٍ ، فغَسَلَ يديه ، ووجهَه فيه ، ومجَّ فيه . ثم قال : " اشربا منه ، وأفرِغا على وجوهِكما ، ونحورِكما ، وأبشرا " . فأخذا القَدَحَ ففعلا ما أمرَهما به رسولُ الله ( ، فنادتهما أمُّ سلمةَ من وراءِ السِّتْرِ : أفضِلا لأمِّكما مما في إنائِكما ، فأفضلا لها منه طائفة(134)
وتقدَّم عفوُه ( عن الرجلِ الذي اختَرَطَ السيفَ ليقتُلَه في بدايةِ هذا الباب .
وقال تعالى له : ? ???? ??????????? ????????? ???????????? ????????????? ???? ??????????????????????? ?????? ( الأعراف : 200 ) .
عن البراءِ ( قال : رأيتُ رسولَ الله ( يومَ الخندَقِ وهو ينقُلُ الترابَ ، حتى وارى الترابُ شعرَ صدرِه - وكان رجلاً كثيرَ الشَّعرِ - وهو يرتجِزُ برجز عبد الله :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدَّقْنا ولا صلّينا
فأنزِلَنْ سكينةً علينا وثبِّتِ الأقدامَ إن لقينا
إن الأعداء قد بغَوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا
يرفع بها صوته(135) .(1/64)
وعن أنسٍ ( قال : قدم النبيُّ ( فنزلَ أعلى المدينةِ في حيٍّ يقال لهم : بنو عمرو بن عوف فأقامَ النبيُّ ( فيهم أربعَ عشرةَ ليلةً ، ثم أرسلَ إلى بني النجارِ فجاءوا متقلِّدي السيوفَ ، كأني أنظر إلى ( على راحلته وأبو بكر ردفُه ، وملأُ بني النَّجّارِ حولَه ، حتى ألقى بفناءِ أبي أيوب ، وكان يحبُّ أن يصليَ حيث أدركَتْه الصلاةُ ، ويصلي في مرابضِ الغنم ، وأنه أَمَرِ ببناءِ المسجدِ ، فأرسلَ إلى ملأٍ من بني النَّجار فقال : " يا بني النجارِ ، ثامنوني بحائِطِكم هذا " . قالوا : لا ، واللهِ لا نطلُب ثمنَه إلا إلى الله . فقال أنس : فكان فيه ما أقولُ لكم : قبورُ المشركينَ وفيه خِرَبٌ وفيه نخلٌ . فأمرَ النبي ( بقبورِ المشركينَ فنُبِشَتْ ، ثم بالخِرَبِ فسُوِّيَتْ ، وبالنخلِ فقُطِعَ ، فصفّوا النخلَ قبلةَ المسجدِ ، وجعلوا عَضادَتَيْه الحجارةَ ، وجعلوا ينقُلونَ الصخرَ وهم يرتجزون ، والنبيُّ ( معهم وهو يقول :
اللهمَّ لا خيرَ إلا خيرُ الآخرة فاغفِرْ للأنصارِ والمهاجرة(136)
وعن عبدِ الله بنِ عمرَ ( قال : اشتكى سعدُ بنُ عبادةَ شكوى له ، فأتى رسولُ الله ( يعودُه ، مع عبدِ الرحمن ابنِ عوف ، وسعدِ بنِ أبي وقاص ، وعبدِ الله بن مسعود . فلما دَخَلَ عليه وَجَدَه في غشيةٍ ، فقال : " أقد قُضي " . قالوا : لا يا رسولَ الله . فبكى رسولُ الله ( ، فلما رأى القومُ بكاءَ رسولِ الله ( بَكَوْا . فقال : " ألا تسمعونَ ، إن الله لا يعذِّبُ بدمعِ العينِ ، ولا بحُزْنِ القلبِ ، ولكن يعذِّبُ بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم "(137) .(1/65)
وعن أنسِ بنِ مالكٍ ( أن رسولَ الله ( أتى على امرأةٍ تبكي على صبيٍّ لها ، فقال لها : " اتقي الله واصبري " . فقالت : وما تُبالي بمصيبتي . فلما ذهبَ ، قيل لها : إنه رسولُ الله ( ، فأخذها مثلُ الموتِ . فأتتْ بابَه فلمْ تجِدْ على بابه بوابين . فقالت : يا رسولَ الله ، لمْ أعرِفْكَ . فقالَ : " إنما الصبرُ عندَ أوَّلِ صدمةٍ " أو قال : " عندَ أوَّلِ الصَّدْمَةِ "(138) .
وعنه قال : قال رجلٌ من الأنصار : إني لا أستطيعُ الصلاةَ معك - وكان رجلاً ضخماً _ فصنعَ للنبيِّ ( طعاماً فدعاه إلى منزله ، فبسطَ له حصيراً ، ونضحَ طَرَفَ الحصيرِ فصلى عليه ركعتين . فقال رجلٌ من آل الجارودِ لأنسٍ : أكان النبيُّ ( يصلي الضحى ؟ قال : ما رأيته صلاها إلا يومئذ(139) .
وعن أبن أبي أوفى ( ، قال : كان رسولُ الله ( يُكثِرُ الذِّكْرَ ، ويقل اللَّغوَ ، ويطيلُ الصلاةَ ، ويقصُرُ الخطبةَ ، وكان لا يأنَفُ ، ولا يستَكْبِرُ أن يمشيَ مع الأرملةِ والمسكين فيقضي له حاجته(140).
وعن أنسٍ ( أن امرأةً كان في عَقْلِها شيءٌ فقالت : يا رسولَ الله إن لي حاجة . فقال : " يا أمَّ فلانٍ انظري أيُّ السِّكَكِ شئتِ حتى أقضيَ لكِ حاجَتَكِ " فخلا معها في بعضِ الطُّرُقِ ، حتى فرَغَتْ من حاجتها(141) .
وفي صلحِ الحديبيةِ ، لما رَجَعَ عروةُ بنُ مسعودٍ إلى أصحابه ، قال : أيْ قومِ ، والله لقدْ وَفَدْتُ على الملوكِ ، ووَفَدْتُ على قيصرَ وكسرى والنجاشيِّ ، والله إن رأيتُ مليكاً قطُّ يُعَظِّمُه أصحابُه ما يعظِّمُ أصحابُ محمدٍ محمداً ، والله إن يتَنَخَّمُ نخامةً إلا وَقَعَتْ في كفِّ رجُلٍ منهم فدَلَكَ بها وجهَه وجِلدَه ، وإذا أمرَهم ابتدَروا أمرَه ، وإذا توضَّأَ كادوا يقتَتِلونَ على وَضوئِه ، وإذا تكلَّموا خفضوا أصواتَهم عنده ، وما يُحِدُّونَ إليه النظرَ تعظيماً له ...الحديث(142) .(1/66)
وعن عمروِ بن العاص ( قال : وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ من رسولِ الله ( ، ولا أجلَّ في عيني منه ، وما كنتُ أُطيقُ أن أملأَ عيني منه إجلالاً له ، ولو شئتُ أن أصِفَه ما أطقْتُ لأني لم أكنْ أملأُ عيني منه(143) .
وعن عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ ( قال : بينا أنا واقفٌ في الصفِّ يومَ بدرٍ ، فنظرْتُ عن يميني وشمالي ، فإذا أنا بغلامَينِ من الأنصارِ حديثةٌ أسنانهما ، تمنَّيْتُ أن أكونَ بين أضلعَ منهما ، فغمزني أحدُهما ، فقال : يا عم ، هل تعرفُ أبا جهلٍ ؟ قلت : نعم . وما حاجتُك إليه يا ابنَ أخي ؟ قال : أُخبِرْتُ أنه يسبُّ رسولَ الله ( ، والذي نفسي بيده لئن رأيتُه لا يفارِقُ سوادي سوادَه حتى يموتَ الأعجلُ منا . فتعجَّبْتُ لذلك ، فغمزني الآخرُ فقال لي مثلَها ، فلم أنشب أن نظرتُ إلى أبي جهلٍ يجولُ بينَ الناس . فقلت : ألا إن هذا صاحبَكما الذي سألتماني . فابتدراه بسيفَيْهما ، فضرباه حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسولِ الله ( فأخبراه فقال : " أيُّكما قَتَلَه " ؟ قال كلُّ واحدٍ منهما : أنا قتلتُه . فقال : " هل مَسَحْتُما سيفَيْكُما " ؟ قالا : لا . فنظرَ في السيفين فقال : " كلاكُما قَتَلَه ، سلَبُه لمعاذِ بنِ عمروِ بنِ الجَموحِ " . وكانا معاذَ بنَ عفراءِ ، ومعاذَ بن الجموح(144) .
وعن مالكِ بنِ الحُويرِثِ ( قال : أتيتُ النبيَّ ( في نفرٍ من قومي ، فأقمنا عنده عشرينَ ليلةً ، وكان رحيماً رفيقاً ، فلما رأى شوقَنا إلى أهالينا قال : " ارجعوا فكونوا فيهم ، وعلِّموهم ، وصلّوا ، فإذا حضرتْ الصلاةُ ، فلْيَؤَذِّنْ لكم أحدُكم ، وليؤمكم أكبرُكم "(145).(1/67)
وعن أبي هريرة ( قال : قال رسولُ الله ( : " مثلي كمثلِ رجلٍ استوقَدَ ناراً ، فلما أضاءتْ ما حولها جعلَ الفَراشُ وهذه الدوابُ التي في النارِ يَقَعْنَ فيها . وجَعَلَ يحجُزُهُنَّ ويَغْلِبْنَه فيَتَقَحَّمْنَ فيها . قال : فذلكم مثلي ومثلكم . أنا آخذُ بحجزكم عن النار ، هلم عن النار ، هلم عن النار . فتغلبوني تقحمون فيها "(146) .
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : إن كانَ رسولُ الله ( ليدعُ العملَ ، وهو يحبُّ أن يعملَ به ، خشيةَ أن يعملَ به الناسُ فيُفرَضُ عليهم ، وما سبَّحَ رسولُ الله ( سبحةَ الضُّحى وإني لأسبُّحها (147).
وعن أبي قتادةَ ( عن النبيِّ ( قال : " إني لأقومُ في الصلاةِ أريدُ أن أطوِّلَ فيها ، فأسمعُ بكاءَ الصبيِّ فأتَجوَّزُ في صلاتي ، كراهيةَ أن أشقَّ على أمه "(148) .(1/68)
وعن بريدةَ ( أن ماعزَ بنَ مالكٍ الأسلمي ، أتى رسولَ الله ( فقال : يا رسولَ الله ، إني قد ظلمتُ نفسي وزَنَيْتُ ، وإني أريدُ أن تطهرني . فرده . فلما كان من الغد أتاه فقال : يا رسول الله ، إني قد زنيتُ . فردَّه الثانيةَ . فأرسل رسولُ الله ( إلى قومه ، فقال : " أتعلمونَ بعقلِه بأساً ، تُنكرون شيئاً " ؟ . فقالوا : ما نعلَمُه إلا وفي العقلِ من صالحينا ، فيما نرى . فأتاه الثالثةَ فأرسَلَ إليهم أيضاً ، فسأل عنه ، فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله . فلما كان الرابعةَ حَفَرَ له حفرةً ، ثم أَمَرَ به فرُجِمَ . قال : فجاءت الغامديةُ ، فقالت : يا رسولَ الله إني قد زنيت ، فطَهِّرْني . وإنه ردَّها فلما كان الغد . قالت : يا رسولَ الله لمَ تَرُدَّني ، لعلَّكَ أن تردني كما ردَدْتَ ماعزاً ، فوالله إني لحُبلى . قال : " أما لا ، فاذهبي حتى تلِدي " . فلما ولدَتْ ، أتته بالصبي في خِرْقَةٍ . قالت : هذا ولدتُه . قال : اذهبي فأرضِعيه ، حتى تفطُميه . فلما فطمَته ، أتته بالصبيِّ في يده كسرةُ خُبْزٍ . فقالت : هذا يا نبيَّ الله قد فطمتُه ، وقد أكلَ الطعامَ . فدفعَ الصبيَّ إلى رجلٍ من المسلمينَ ، ثم أمرَ بها فحُفِرَ لها إلى صدرِها ، وأمرَ الناسَ فرجموها ، فيُقبِلُ خالدُ بنُ الوليدِ بحَجَرٍ فرمى رأسَها ، فتنضحُ الدمَ على وجهِ خالدٍ فسبَّها . فسمِعَ نبيُّ الله ( سبَّه إياها ، فقال : " مهلاً يا خالد ، فو الذي نفسي بيده لقد تابتْ توبةً لو تابها صاحبُ مُكْسٍ لغُفِرَ له " . ثم أَمَرَ بها فصلى عليها ودُفنت(149) .
وعن أبي هريرة ( قال : أُتِيَ النبيُّ ( برجلٍ قد شَرِبَ ، قال : " اضربوه " . قال أبو هريرةَ ( : فمنا الضاربُ بيده ، والضاربُ بنَعْلِه ، والضاربُ بثوبه ، فلما انصرفَ ، قال بعضُ القوم : أخزاكَ الله . قال : " لا تقولوا هكذا ، لا تُعينوا عليه الشيطانَ "(150).(1/69)
وعن عمرَ بنِ الخطابِ أن رجلاً كان على عهدِ النبيِّ ( كان اسمه عبدَ الله ، وكان يلقَّبُ حماراً ، وكان يُضحِكُ رسولَ الله ( ، وكان النبيُّ ( قد جلده في الشرابِ ، فأتي به يوماً فأمَرَ به فجُلِدَ ، فقال رجلٌ من القوم : اللهم الْعَنْه ما أكثرَ ما يؤتى به ! فقال النبي ( : " لا تلعنوه ، فوالله ما علمتٌ أنه يحبُّ اللهَ ورسولَه "(151).
ـ سماتُ شخصيته ( كسياسيٍّ :
وهذه الفقرةُ تتداخَلُ مع الفقرةِ السابقةِ وغيرِها ، ولكننا سنشيرُ إلى بعض ما هو لصيقٌ بها هنا ، على سبيلِ المثالِ أيضاً وليس الاستقصاء ، فإنه بعيدُ المنال .
كان ( حكيماً في تصرُّفَه ، رشيداً في أمورِه ، له سياسةٌ داخليةٌ ، ومرَّ الكثيرُ منها في شخصيتِه كإمامٍ ، ونضيفُ هنا تَكَتُّمُه على القلاقِلِ الداخليةِ ، وعلاجُها بحكمةٍ ، وتأليفُه قلوبَ حديثي الإسلامِ ، وبخاصةٍ الرؤساءَ ووجوهَ القومِ ، ويَكِلُ أقوياءَ الإيمانِ إلى إيمانهم ، وتفقدُّه قوةَ المسلمينَ بتدوينِ من تلفَّظَ بالإسلامِ ، وحصرُ أعدادِهم ، والإكثارُ من المشورة .(1/70)
فعن أنسٍ أن أناساً من الأنصار ، قالوا لرسولِ الله ( حينَ أفاءَ الله على رسوله ( ، من أموالِ هوازنَ ما أفاءَ ، فطفِقَ يُعطي رجالاً من قريشٍ المائةَ من الإبلِ ، فقالوا : يغفرُ الله لرسولِ الله ( يعطي قريشاً ويدَعُنا ، وسيوفُنا تقطُر من دمائِهم . قال أنسٌ : فحدَّثَ رسولَ الله ( بمقالَتِهِم ، فأرسلَ إلى الأنصارِ ، فجَمَعَهم في قُبَّةٍ من أَدَمٍ ، ولم يَدْعُ معهم أحداً غيرَهم ، فلما اجتَمعوا جاءَهم رسولُ الله ( فقال : " ما كان حديثٌ بلغني عنكم " ؟ قال له فقهاؤهم : أما ذوو آرائِنا يا رسول الله ( فلم يقولوا شيئاً ، وأما أناسٌ منا حديثةٌ أسنانُهم فقالوا : يغفرُ الله لرسولِ الله ( يعطي قريشاً ويتركُ الأنصارَ ، وسيوفُنا تقطُرُ من دمائِهم . فقال رسولُ الله ( : " إني لأعطي رجالاً حديثٌ عهدُهم بكفرٍ ، أما تَرْضَوْنَ أن يذهبَ الناسُ بالأموالِ ، وترجِعوا إلى رحالِكم برسولِ الله ( ، فوالله ما تنقَلِبون به خيرٌ مما ينقلبون به " . قالوا : بلى يا رسول الله ، قد رضينا . فقال لهم : " إنكم ستَرَوْنَ بعدي أثرةً شديدةً ، فاصبروا حتى تلقَوا الله ورسولَه ( على الحوضِ " . قال أنسٌ : فلم نصبرْ(152) .
وعنه ( قال : قال النبيُّ ( : " إني أعطي قريشاً أتألَّفُهم ، لأنهم حديثُ عهدٍ بجاهلية "(153)
وعن سعدٍ ( أن رسولَ الله ( أعطى رهطاً - وسعدٌ جالسٌ - فتركَ رسولُ الله ( رجلاً هو أعجبُهم إليَّ . فقلت : يا رسولَ الله مالَكَ عن فلانٍ ؟ فوالله إني لأراه مؤمناً . فقال : " أو مسلماً " . فسكتُّ قليلاً ، ثم غلبني ما أعلمُ منه ، فعُدْتُ لمقالتي ، وعادَ رسولُ الله ( ، ثم قال : " يا سعدُ إني لأعطي الرجلَ وغيرُه أحبُّ إليَّ منه ، خشيةَ أن يكبَّه الله في النار "(154).(1/71)
وعن حذيفةَ ( قال : قال النبيُّ ( : " اكتبوا لي من تَلَفَّظَ بالإسلامِ من الناس " . فكتبنا له ألفاً وخمسمائة رجلٍ ، فقلنا : نخافُ ونحنُ ألفٌ وخمسمائة ؟ فلقدْ رأيتُنا ابتُلِينا حتى إن الرجلَ ليصلّي وحدَه وهو خائفٌ(155) .
وقال تعالى : ? ????????????? ? ???????????? ? ( آل عمران : 159) .
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : ما رأيتُ رجلاً أكثرَ استشارةً للرجالِ ، من رسولِ الله ( (156).
وأما سياستُه الخارجيةُ : فمبنِيَّةٌ على الدعوةِ إلى الله ، مؤيَّدَةٌ بالجهادِ . وسيأتي بعضُ جوانبِ الجهادِ ، في شخصيته العسكريةِ ، ونذكرُ هنا أن سياستَه ( كانت انفتاحيَّةً لخدمةِ الدَّعوَةِ ، فراسَلَ الملوكَ وأرسلَ لهم الرسلَ ، واتَّخَذَ الخاتَمَ تجاوباً معهم لكونهم لا يقبَلون كتاباً إلا مختوماً ، واستقْبَلَ الوفودَ ، ورحَّبَ بهم ، وكان يُجيزُهم ، ويخاطِبُ كلاً منهم بالأسلوبِ الذي يناسِبُه ، ولا يَضْجَرُ ممن سأله ممن يَفِدُ عليه ولو شدَّدَ عليه في المسألةِ ، ويُنزِلُ الناسَ منازِلهم ، ثم هو يُبرِمُ المعاهداتِ بشرطِ أن يكون فيها تعظيمٌ لحرماتِ الله ، ويَغُضُّ الطرفَ عن بعضِ التنازلاتِ التي لا تضرُّ في الحالِ ولا في المآلِ ، وهي تَقَعُ من الطَّرْفِ الآخرِ بمكان ، وينظرُ في ذلك النظرةَ البعيدةَ ، ولو كانتْ النظرةُ السطحيةُ ترفُضُ هذه التنازلاتِ .
فعن أنسِ بنِ مالك ( قال : كَتَبَ النبيُّ ( كتاباً - أو أرادَ أن يكتبَ - فقيل له : إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً ، فاتَّخَذَ خاتَماً من فضةٍ نقشُه ( محمدٌ رسولُ الله ) كأني أنظرُ إلى بياضِهِ في يدِه(157) .(1/72)
وعنِ ابنِ عباسٍ أن وفدَ عبدِ القَيْسِ ، لما أتَوْا النبيَّ ( قال : " من القوم ، أو من الوفد " ؟ قالوا : من ربيعة . قال : " مرحباً بالقومِ أو بالوفدِ غير خزايا ولا ندامى " . فقالوا : يا رسولَ الله ، إنا لا نستطيعُ أن نأتِيَكَ إلا في الشهرِ الحرامِ ، وبيننا وبينك هذا الحيُّ من كفّارِ مُضَر ، فمُرْنا بأمرٍ فصلٍ نُخبِرُ به من وراءنا ، وندخلُ به الجنة . وسألوه عن الأشرِبة ، فأمرَهم بأربَعٍ ، ونهاهم عن أربع : أمرهم بالإيمانِ باللهِ وحدَه . قال : " أتدرون ما الإيمانُ بالله وحده " ؟ قالوا : الله ورسولُه أعلم . قال : " شهادةُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله ، وإقامُ الصلاةِ ، وإيتاءُ الزكاةِ ، وصيامُ رمضانَ ، وأن تُعطوا من المغنم الخُمُسَ ". ونهاهم عن أربع : عن الحَنتم ، والدُّبّاء ، والنقير والمزفت . وقال : " احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم "(158) .(1/73)
عن أنسِ بنِ مالكٍ ( قال : بينما نحن جلوسٌ مع النبي ( في المسجدِ ، دخلَ رجلٌ على جملٍ ، فأناخَه في المسجد ، ثم عَقَلَه . ثم قال لهم : أيُّكم محمدٌ ؟ والنبيُّ ( متكىءٌ بين ظهرانَيهم . فقلنا : هذا الرجلُ الأبيضُ المتكيءُ . فقال له الرجل : ابنَ عبدِ المطَّلِبِ . فقال له النبيُّ ( : " قد أجبْتُكَ ". فقال الرجلُ للنبي ( : إني سائلُك فمُشَدِّدٌ عليكَ في المسألةِ ، فلا تَجِدْ عليَّ في نفسِكَ . فقال : " سلْ عمّا بدا لك " . فقال : أسألُك بربِّكَ وربِّ من قبلَك ، ءآلله أرسلَكَ إلى الناسِ كلِّهم ؟ فقال : " اللهم نعم ". قال: أنشدُك بالله ، ءآلله أمرَك أن نصليَ الصلواتِ الخمسَ في اليوم والليلةِ ؟ قال : " اللهم نعم " . قال : أنشدك بالله ، ءآلله أمرَك ، أن نصومَ هذا الشهرَ من السنة ؟ قال : " اللهم نعم " . قال : أنشدُك بالله ، ءآلله أمرَكَ أن تأخذَ هذه الصدقةَ من أغنيائنا فتقسمَها على فقرائنا ؟ فقال النبي ( : " اللهم نعم " . فقال الرجلُ : آمنتُ بما جئتَ به وأنا رسولُ مَن ورائي من قومي ، وأنا ضِمامُ بنُ ثعلبةَ أخو بني سعدِ بنِ بكر(159) .
وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال : يومُ الخميس وما يومُ الخميس ؟ ثم بكى حتى خَضَبَ دمعُه الحصباءَ ، فقال : اشتدَّ برسولِ الله ( وجَعُه يومَ الخميس ، فقال : " ائتوني بكتابٍ أكتبُ لكم كتاباً لن تَضِلّوا بعدَه " ، فتنازعوا - ولا ينبغي عندَ نبيٍّ تنازعٌ - فقالوا : هَجَرَ رسولُ الله ( . قال : " دعوني ، فالذي أنا فيه خيرٌ مما تدعوني إليه ". وأوصى عندَ موتِه بثلاثٍ : " أخرِجوا المشركينَ من جزيرةِ العَرَبِ ، وأجيزوا الوفدَ بنحوِ ما كنتُ أُجِيزُهم " ، ونسيتُ الثالثةَ (160).
سماتُ شخصيتِه ( كقائدٍ عسكرِيٍّ :
قال تعالى : ? ???????????? ? ????????? ?????? ??? ??????????? ??????? ??????????? ? ( النساء : 84 )(1/74)
لم يكن ( لأنه القائدُ والإمامُ ، بعيداً عن ساحةِ المعركةِ ، أو في الصفوفِ المتأخرةِ ، بل كان دائماً في صفوفِ المقاتلينَ ، بل في مقَدِّمَتِهم صلوات الله وسلامُه عليه . كان أشجعَ الناسِ ، وأكثرَهم إقداماً ، وأعظمَهم تضحيةً بنفسه ، ويتحمَّلُ الأذى في سبيلِ الله . ثَبَتَ إذ فرّوا من حولَه ، وهو يدعو المشركينَ إليه ، يُعَرِّفُهم بنفسه ، هاجماً عليهم ببغلته ، يُكَفْكِفُها الناسُ حرصاً عليه . كان جُنَّةً لمن وراءَه ، إذا حَمِيَ البأسُ اتَّقى به الناسُ . كان ( محنَّكاً خِرِّيتاً ، عَلَّمَه الله فأحسنَ تعليمَه . كان لَيْثاً في ساحات الوغى لا يَئِنُّ ، ومُدَبِّراً في وقتِ السِّلْمِ لا يَكِنُّ . يُخطِّطُ للهجومِ والدِّفاعِ ، ويستخدُم حربَ العصاباتِ وعمليّاتِ الاستنزاف ، ويستغِلُّ في حروبه عاملَ المباغَتَةِ والمفاجَأَةِ والخُدعةِ ، ولا يألوا في تدميرِ قوى عدُوِّهِ النفسيةِ وكَبْتِه ولو في وقتِ الهدنة . يستشيرُ أصحابَه وينظرُ فيما يُشيرونَ به عليه ، ويَنزِلُ على مشورتهم عند المصلحة . يعاهِدُ عدوَّه فيَفي له ، ولا يغدُرُ . يستخدِمُ الطلائعَ ، ويُرسِلُ العيونَ ، ويُوَرّي بالغزوات تكتُّماً للمعلوماتِ ، واهتماماً بالسِّرِّيَّةِ التامة في العملِ العسكري مع عدَمِ إهمالِ ظُروفِ الجنود وحاجَتِهم للاستعداد . يعرِفُ أحوالَ عدوِّه وطَبْعِه فيستغلُّ ذلك وينتهِزُه لمصلحةِ المسلمين .
وأما تحريضُه للمؤمنين فحدِّثْ ولا حرجَ ، وإن هذا لأشهرُ من أن يدَلَّلَ عليه ، فإن أقوالَه في ذلك بَيَّضَتْ صفحاتِ الكتب . كانت حياتُه كلُّها جهاداً في سبيل الله ، غزا في عشرِ سنواتٍ تسعَ عشرةَ غزوةً غيرَ السرايا والبعوث ! وكلُّ ذلك في إطارِ يقينِه بربه وتصديقِه بوعده .(1/75)
عن أنس بنِ مالك ( قال : كان رسولُ الله ( أحسنَ الناس ، وكان أجودَ الناس ، وكان أشجعَ الناس . ولقد فَزِعَ أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ ، فانطَلَقَ ناسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ ، فتلقّاهم رسولُ الله ( راجعاً . وقد سَبَقَهم إلى الصوت ، وهو على فَرَسٍ لأبي طلحةَ عُرْيٍ في عُنُقِه السيفُ ، وهو يقول : " لم تراعوا ، لم تراعوا " . قال : " وجدناه بحراً ، أو إنه لبحر "(161).
وعن عليٍّ ( ، قال : كنا إذا احمَرَّ البأسُ ولقي القوم ، اتَّقَيْنا برسولِ الله ( ، فما يكونُ أحدٌ أقربَ إلى العدوِّ منه(162) .
وجاء رجلٌ إلى البراء ، فقال : أكنتُم وَلَّيْتُم يومَ حُنين يا أبا عمارة ؟ فقال : أشهدُ على نبي الله ( ما ولّى ، ولكنه انطلقَ أخفاء من الناسِ وحَسَرَ إلى هذا الحي من هوازن ، وهم قومٌ رماةٌ ، فرمَوْهم برشقٍ من نَبْلٍ ، كأنها رجل من جراد ، فانكَشَفوا ، فأقبلَ القومُ إلى رسولِ الله ( ، وأبو سفيانَ بنُ الحارثِ يقودُ به بغلتَه ، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول :
أنا النبيُّ لا كَذِبْ ……أنا ابنُ عبدِ المطَّلِبْ
اللهم نَزِّلْ نصرَك .
قال البراء : كنا والله إذا احمرَّ البأسُ ، نَتَّقِي به ، وإن الشجاعَ منا للَّذي يحاذي به . يعني النبي ( (163).
وعن أبي أُسَيد قال : قال النبيُّ ( يومَ بَدْرٍ ، حين صَفَفْنا لقريش ، وصفُّوا لنا : " إذا أكثَبوكم فعليكم بالنَّبْلِ "(164) .
وأما استخدامُه لحربِ العصاباتِ وعمليّات الاستنزافِ ، فتتضح صورتُها جليَّةً في بعثِه لقتلِ كعبِ بنِ الأشرفِ ، وبعثِه لقتلِ أبي رافعٍ ، وهما من كبارِ يهود ، وقد آذى كلٌّ منهما اللهَ ورسولَه :(1/76)
عن جابرٍ ( قال : قال رسولُ الله ( : " من لكعبِ بنِ الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله " ؟. فقام محمدُ بنُ مسلمةَ فقال : يا رسولَ الله ، أتحِبُّ أن أقتُلَه ؟ قال : " نعم ". قال : فَأْذَنْ لي أن أقولَ شيئاً . قال : " قل " . فأتاه محمدُ بنُ مسلمةَ ، فقال : إن هذا الرجلَ قد سألنا صدقةً ، وإنه قد عنانا ، وإني قد أتيتُك أسْتَسْلِفُكَ . قال : وأيضاً والله لتملنه . قال : إنا قد اتبعناه ، فلا نحبُّ أن ندَعَه حتى ننظرَ إلى أيِّ شيءٍ يصيرُ شأنُه ، وقد أردْنا أن تُسَلِّفَنا وِسقاً أو وسقين . فقال : نعم ، أرهِنُوني . قالوا : أيُّ شيءٍ تريد ؟ قال: أرهنوني نساءَكم . قالوا : كيف نرهِنُكَ نساءنا وأنت أجملُ العربِ ؟ قال : فأرهنوني أبناءَكم. قالوا : كيف نرهنك أبناءنا فيُسبَ أحدُهم ، فيقال : رُهِنَ بوَسْقٍ أو وسقين ! هذا عارٌ علينا ، ولكنا نرهنُك اللأْمَة .- يعني السلاحَ - فواعَدَه أن يأتِيَه فجاءَه ليلاً ومعه أبو نائلة - وهو أخو كعبٍ من الرضاعة - فدعاهم إلى الحصنِ ، فنزَلَ إليهم ، فقالت له امرأتُه : أين تخرجُ هذه الساعةَ ؟ فقال : إنما هو محمدُ بنُ مسلمةَ وأخي أبو نائلة . قالت : أسمعُ صوتاً كأنه يقطُرُ منه الدمُ . قال : إنما هو أخي محمدُ بنُ مسلمةَ ورضيعي أبو نائلة ، إن الكريمَ لو دُعِيَ إلى طعنةٍ بليلٍ لأجابَ . قال : ويُدخِلُ محمدُ بنُ مسلمة معه رجلين ، فقال : إذا ما جاءَ فإني قائِلٌ بشَعْرِه فأشمَّه ، فإذا رأيتُموني استَمْكَنْتُ من رأسه فدُونَكم فاضرِبوه . فنزل إليهم متوَشِّحاً ، وهو ينفُح منه ريحُ الطِّيبِ ، فقال : ما رأيتُ كاليومِ ريحاً - أي أطيبَ - قال : عندي أعطرُ نساءِ العربِ ، وأكملُ العَرَبِ . فقال : أتأذَنُ لي أن أشمَّ رأسَكَ ؟ قال : نعم . فشمَّه ، ثم أشمَّ أصحابَه ، ثم قال : أتأذنُ لي ؟ قال : نعم . فلما اسْتَمْكَنَ منه قال : دونَكم . فقتلوه . ثم أتوا النبيَّ ( فأخبروه (165).(1/77)
وعن البراءِ بنِ عازب : قال بعثَ رسولُ الله ( إلى أبي رافعٍ اليهوديِّ رجالاً من الأنصارِ فأمَّر عليهم عبدَ الله بنَ عتيك ، وكان أبو رافع يؤذي رسولَ الله ( ويُعينُ عليه ، وكان في حِصْنٍ له بأرضِ الحجاز ، فلما دنَوا منه - وقد غَرَبَتْ الشمسُ وراح الناسُ بسَرْحِهِم - فقال عبد الله لأصحابِه : اجلسوا مكانَكم ، فإني منطَلِقٌ ومُتَلَطِّفٌ للبَواب لعلي أن أدخلَ . فأقبلَ حتى دنا من البابِ ، ثم تقنعَ بثوبِه كأنه يقضي حاجةً ، وقد دخَلَ الناسُ ، فهَتَفَ به البوابُ : يا عبدَ الله إن كنتَ تُريدُ أن تدخلَ فادخلْ ، فإني أُريدُ أن أُغلِقَ البابَ . فدخَلْتُ فكمَنْتُ ، فلما دخلَ الناسُ أغلقَ البابَ ثم علَّقَ الأغاليق على ود . قال : فقمت إلى الأقالِيد فأخذتها ففتحتُ البابَ ، وكان أبو رافعٍ يُسمَرُ عنده ، وكان في علالي له ، فلما ذهبَ عنه أهلُ سَمَرِه صعدتُ إليه فجعلتُ كلَّما فتحتُ باباً ، أغلقتُ عليَّ من داخل . قلت : إن القومَ إذا نذَروا بي لم يخلُصوا إلي حتى أقتلَه فانتهيتُ إليه ، فإذا هو في بيتٍ مظلِمٍ ، وسطَ عِيالِه ، لا أدري أينَ هو من البيت . فقلت : أبا رافع . قال : من هذا ؟ فأهوَيْتُ نحو الصوتِ فأضربَه ضربةً بالسيفِ وأنا دَهِشٌ فما أغنيتُ شيئاً . وصاحَ ، فخرجتُ من البيتِ فأمكثُ غيرَ بعيدٍ ، ثم دخلتُ إليه فقلت : ما هذا الصوتُ يا أبا رافعٍ ؟ فقال : لأُمِّكَ الويلُ ، إن رجلاً في البيتِ ضَرَبَني قبلُ بالسيفِ . قال : فأضرِبُه ضربةً أثْخَنَتْه ولم أقْتُلْهُ ، ثم وضعتُ ضبيبَ السَّيفِ في بطنِه حتى أخذَ في ظَهْرِه ، فعرَفْتُ أني قتلتُه ، فجعلْتُ أفتحُ الأبوابَ باباً باباً حتى انتهيتُ إلى درَجَةٍ له ، فوضعتُ رجلي وأنا أرى أني قد انتهيتُ إلى الأرض فوقَعْتُ في ليلةٍ مُقْمِرَةٍ ، فانكَسَرَتْ ساقي ، فعصَبْتُها بعمامةٍ ثم انطَلَقْتُ حتى جلستُ على البابِ ، فقلتُ : لا أخرجُ الليلةَ حتى أعلمَ أقتلتُه ؟(1/78)
فلما صاحَ الدِّيكُ ، قام النّاعي على السور فقال : أنْعي أبا رافعٍ تاجرَ أهلِ الحِجازِ . فانطلَقْتُ إلى أصحابي فقلت : النَّجاءَ ، فقد قَتَلَ الله أبا رافعٍ . فانتهيتُ إلى النبيِّ ( فحدَّثْتُه ، فقال لي : " ابسُطْ رجلَك " ، فبسطْتُ رجلي ، فمسحها ، فكأنها لم أَشْتَكِها قط(166) .
وأما المباغتة :
فعن أنسٍ ( أن رسولَ الله ( غزا خيبرَ فصلَّينا عندَها صلاةَ الغداةِ بغَلَسٍ ، فركِبَ نبيُّ الله ( وركِبَ أبو طلحةَ وأنا رديفُ أبي طلحة ، فأجْرَى نبيُّ الله ( في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمسُّ فَخِذَ نبي الله ( ، ثم حَسَرَ الإزارَ عن فَخِذِه حتى إني أنظرُ إلى بياضِ فخذ نبي الله ( ، فلما دخلَ القريةَ قال : " الله أكبرُ خَرِبَْت خيبرُ ، إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساءَ صباحُ المنذَرين " ، قالها ثلاثاً . قال : وخرج القومُ إلى أعمالهم ، فقالوا : محمدُ والخميس ( يعني الجيش ) . قال : فأصَبْناها عنوةً ... وذكر الحديث(167) .
وعنِ ابنِ عَوْنٍ قال : كتبتُ إلى نافعٍ ، فكتبَ إليَّ إن النبيَّ ( أغارَ على بني المصطَلِقِ ، وهم غارّون ، وأنعامُهم تُسقى على الماء ، فقَتَلَ مُقاتِلَتَهم وسبى ذراريهم ، وأصابَ يومَئِذٍ جُويرية . حدثني به ابنُ عمرَ ، وكان في ذلك الجيش(168) .
وقد نصرَه الله بالرعب كما ذكرنا ذلك فيما تقدم .
ومن أمثلة كَبْتِه للعدو :
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال : " قَدِمَ رسول الله ( وأصحابُه ، فقال المشركون : إنه يقدُم عليكم وقد وَهَنَهم حمى يثرب ، فأمرَهم النبيُّ ( أن يرمُلوا الأشواطَ الثلاثةَ ، وأن يمشوا بينَ الرُّكْنَينِ ، ولم يمنَعْه أن يأمُرَهم أن يرمُلوا الأشواطَ كلَّها ، إلا الإبقاء عليهم "(169).(1/79)
وأما مشورته لأصحابِه فما أكثرها ! وهذا منه ( امتثالٌ لأمرِ الله تعالى له : ? ????????? ????????? ?????????????????? ?????? ????????????? ? ???????????? ????????? ????????? ???????????? ????? ??????? ? ( آل عمران : 159 ) وقد تعرضنا لذلك فيما مضى .
وعن سلمةَ بنِ الأكوعِ ( قال : خَفَّتْ أزوادُ القومِ ، وأملَقوا ، فأتَوا النبيَّ ( في نَحْرِ إِبِلِهم فأذِنَ لهم ، فلَقِيَهم عمرُ ، فأخبروه ، فقال : ما بقاؤكم بعدَ إبلكم ؟ فدخل على النبيِّ ( ، فقال : يا رسولَ الله ما بقاؤُهم بعدَ إبلهم ؟ فقال رسولُ الله ( : " نادِ في الناسِ يأتُون بفضلِ أزوادِهم " ، فَبَسَطَ لذلك نِطْعٌ وجعلوه على النِّطع ، فقام رسولُ الله ( فدعا وبرَّكَ عليه ، ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناسُ حتى فرغوا . ثم قال رسولُ الله ( : " أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله ، وأني رسول الله "(170).
وفي حديثِ هرقلَ مع أبي سفيانَ المتقدِّمِ غيرَ مرَّةٍ قال هرقل له : وسألتك ، هل يغدر فزعمت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر .
وعن جابر قال : قال النبي ( : " من يأتيني بخبرِ القوم "؟ يومَ الأحزاب . فقال الزبيرُ : أنا ، ثم قال : " من يأتيني بخبر القوم "؟ قال الزبير : أنا . فقال النبيُّ ( : " إن لكلِّ نبيٍّ حوارياً وحواريَّ الزبير "(171).(1/80)
وعن كعبِ بنِ مالك قال : لم أتخلَّفْ عن رسولِ الله ( في غزوةٍ غزاها إلا في غزوةِ تبوك ، غير أني كنتُ تخلَّفْتُ في غزوةِ بدر ، ولم يعاتِبْ أحداً تخلَّفَ عنها ، إنما خرج رسولُ الله ( يريدُ عِيرَ قريش ، حتى جمع الله بينهم وبينَ عدوِّهم على غيرِ ميعادٍ ، ولقد شهدتُ مع رسولِ الله ( ليلةَ العقبة ، حين تواثَقْنا على الإسلامِ وما أحبُّ أنَّ لي بها مشهدَ بدرٍ ، وإن كانت بدرُ أذكرَ في الناس منها . كان من خبري أني لم أكنْ قطُّ أقوى ولا أيسرَ حين تخلَّفتُ عنه في تلك الغزاة ، والله ما اجتمَعَتْ عندي قبلَه راحلتانِ قط حتى جمعتُهما في تلكَ الغزوةِ ، ولم يكن رسولُ الله ( يريدُ غزوةً إلا ورّى بغيرها حتى كانت تلكَ الغزوةُ ، غزاها رسولُ الله ( في حرٍّ شديدٍ ، واستقبَلَ سفراً بعيداً ومفازاً ، وعدواً كثيراً . فجلّى للمسلمين أمرَهم ليتَأَهَّبُوا أهبةَ غزوهم ، فأخبرهم بوجهه الذي يريدُ ، والمسلمونَ مع رسولِ الله ( كثيرٌ ، ولا يجمَعُهم كتابٌ حافظق ... الحديث(172) .
وأما معرفتُه لطباعِ عدُوّه ، واستغلالُه لذلك ، فيظهر بأدنى تأمل في قصة الحديبية ؛ فإنه ( لما أشرَفَ عليه الرجلُ الكناني ، قال : " هذا فلانٌ وهو من قومٍ يعظِّمونَ البُدْنَ فابعثوها له " . فبُعِثَتْ له واستقبله الناسُ يُلَبُّونَ ، فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ! ما ينبغي لهؤلاءِ أن يُصَدّوا عن البيت ، فلما رجعَ لأصحابه قال : رأيتُ البدنَ قد قُلِّدَتْ وأُشْعِرَتْ ، فما أرى أن يصدوا عن البيت(173)
وعن زيدِ بنِ أرقمَ وقيل له : كم غزا النبيُّ ( من غزوةٍ ؟ قال : تسعَ عشرةَ . قيل : كم غزوتَ أنتَ معه ؟ قال : سبعَ عشرة . قيل : فأيُّهم كانتْ أوَّلَ ؟ قال : العشير أو العسيرة(174) .
ـ سماتُ شخصيته ( كقاضٍ :(1/81)
اتَّسَمَتْ شخصيتُه ( عامةً بالإنصافِ ، والعدلِ ، وعدمِ المحاباة . وهذه أهمُّ صفاتٍ لا بدَّ وأن تكون متوافرةً في القاضي الحق . ثم إنه ( كان يُصغي للخَصْمَيْنِ ، ويسمع كلامَ كلٍّ منهما ، ويحكُمُ على الشريفِ والوضيعِ ، والقريبِ والبعيدِ . هذا مع حَزْمِهِ في أحكامِه ، ومعاقبته من يعترضُ على القضاءِ ، بحرمانه من الحكمِ الذي فيه تنازلٌ من غريمه عن بعضِ حقِّهِ ، والقضاءِ باستيفاءِ الحقِّ للغريمِ . وإذا حَكَمَ فلا يحكمُ إلا بما أنزلَ الله سواء كان بين المسلمين أو غيرهم .
قال تعالى : ? ??????? ??????? ??????????? ??????? ???????? ?????? ????? ?????????? ??????????????? ? ( المائدة : 49 )
وعن سهلِ بنِ سعدٍ ( : أُتِيَ النبيُّ ( بقَدَحٍ ، فشرِبَ منه ، وعن يمينِه غلامٌ أصغرُ القوم ، والأشياخُ عن يساره ، فقال : " يا غلامُ ، أتأذنُ لي أن أعطِيَه الأشياخَ " ؟ قال : ما كنتُ لأوثرَ بفضلي منك أحداً يا رسولَ الله . فأعطاه إياه(175) .
وعن أنسٍ ( أنه قال : حَلَبْتُ لرسولِ الله ( شاةً داجن - وهو في دارِ أنس بن مالك - وشِيبَ لبنُها بماءٍ من البئرِ التي في دارِ أنس ، فأُعطِيَ رسولُ الله ( القدحَ ، فشرِبَ منه ، حتى إذا نزع القدحَ عن فيه ، وعن يسارِه أبو بكرٍ ، وعن يمينِه أعرابيٌّ ، فقال عمر - وخاف أن يُعطِيَه الأعرابيَّ - : أعطِ أبا بكرٍ يا رسولَ الله عندَك . فأعطاه الأعرابيَّ الذي عن يمينه ، ثم قال : " الأيمن فالأيمن "(176) .
وعن أبي هريرةَ ( قال : قام رسولُ الله ( حين أنزلَ الله ( : ? ?????????? ???????????? ??????????????????? ? قال : " يا معشرَ قريش - أو كلمة نحوها - اشتَروا أنفسَكم ، لا أُغني عنكم من الله شيئاً . يا صفيةُ عمةَ رسولِ الله لا أغني عنك من الله شيئا . ويا فاطمةُ بنتَ محمدٍ سَلِيني ما شئتِ من مالي لا أغني عنك من الله شيئا "(177).(1/82)
وعن عائشةَ رضي الله عنها : أن امرأةً من بني مخزومٍ سَرَقَتْ ، فقالوا : من يكلِّمُ فيها النبيَّ ( ؟ فلم يجترئ أحدٌ أن يكلِّمَه ، فكلَّمه أسامةُ بنُ زيدٍ ، فقال : " إن بني إسرائيلَ كان إذا سرق فيهم الشريفُ تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيفُ قطعوه . لو كانتْ فاطمةُ لقطعتُ يدَها "(178).
وعن أنسِ بنِ مالكٍ ( : أن رجالاً من الأنصارِ استأذنوا رسولَ الله ( فقالوا : يا رسولَ الله ، ائْذَنْ لنا فلنتْرُكْ لابنِ أختِنا عباسٍ فداءَه . فقال : " لا تَدَعُون منها درهماً "(179).
وعن عروةَ بنِ الزبيرِ قال : خاصمَ الزبيرُ رجلاً من الأنصارِ في شَرِيجٍ من الحرَّةِ . فقال النبيُّ ( : " اسق يا زبير ، ثم أرسلِ الماءَ إلى جارك " . فقال الأنصاريُّ : يا رسولَ الله أن كان ابنَ عمَّتِكَ ؟ فتلوَّنَ وجهُه ثم قال : " اسق يا زبير ، ثم احبِسْ الماءَ حتى يرجعَ إلى الجدر ، ثم أرسِلْ الماءَ إلى جارك " . واستوعى النبي ( للزبيرِ حقَّه في صريحِ الحكمِ حين أحفَظَه الأنصاريُّ ، وكان أشار عليهما بأمرٍ لهما فيه سعة . قال الزبير : فما أحسبُ هذه الآيات إلا نزلت في ذلك ? ?????? ?????????? ??? ??????????????????? ??????? ???????????? ?????? ?????????? ???????????? ? (180) .
ـ سماتُ شخصيته ( كابن :
على الرغم من كونِ أمِّه ( ماتَتْ على دِينِ أهلِ الشِّرْكِ ، فقد بقيَ بارّا بها ، تأخُذُه الرحمةُ شفقةً عليها ، لكونها من أهلِ النار ، حتى إنه ليبكي عليها رحمةً لها .
فعن أبي هريرةََ ( قال : زارَ النبيُّ ( قبرَ أمِّه فبكى وأبكى من حولَه ، فقال : " استأذَنْتُ ربي في أن أستغفرَ لها فلم يأذَنْ لي ، واستأذنتُ ربي في أن أزورَ قبرَها فأذِنَ لي ، فزوروا القبورَ فإنها تذكِّرُكم الموت "(181)(1/83)
وعمُّه الذي يُعَدُّ في منزلةِ والده ، قد قدَّمنا كيف كان يحاولُ هدايتَه حتى آخرَ لحظةٍ من حياته ، فإنه لم ينسً له موقفًه في مؤازَرَةِ الإسلامِ ونصرتِه فشفَعَ له عندَ ربه فشُفِّعَ فيه ، فهو أهونَ أهلِ النارِ عذابا .
فعن العباسِ بنِ عبدِ المطلب أنه قال للنبي ( : ما أغنيتَ عن عمِّكَ ، فإنه كان يحوطُكَ ويغضَبُ لك ؟ قال : " هو في ضحضاحٍ من نار ، ولولا أنا لكان في الدَّرْكِ الأسفلِ من النار "(182)
ـ سماتُ شخصيته ( كزوجٍ :
أما النبيُّ ( كزوجٍ ، فنعمَ الزوجُ هو . ما أحسنَ عشرتَه ، وما أشدَّ غَيْرَتَه ، ما ألطَفَه مع أهله ، وما أعظمَ تواضعه في بيته ، ما أحلَمَه على الكَبَواتِ ، وما أصفَحَه عن الهنات ، ما أكملَ رجولَتَه ، وما أملَكَه لإربته ، ما أعدَلَه في قَسمه ، وما أقواه في جسمه ، يرأَفُ بهن ، ويعالج غيرَتهن . حُبِّبَ إليه من دنياه النساءُ ، فما شَغَلْنَه عن البناءِ . يُقَدِّرُ رغباتهنَّ ، ويحترِمُ عواطِفَهُن . يحسنُ تأديبَهن ، ولا يلتَمِسُ عثراتهنَّ . يَقبَلُ مشورتُهن في عظائمِ الأمورِ ، ويبقى وفاؤه لهنَّ غرةً في جبينِ الدهور.
ومهما تكلَّمْنا عن شخصيته ( كزوجٍ فلن نوفِّيَها حقَّها ، فحياتُه مع أهلِه هي الشقُّ الثاني من حياته ، وهي مدرسةٌ كاملةٌ ، حوت معاني هائلة .
عن عائشةَ قالت : ما ضربَ رسولُ الله ( شيئاً قط بيده ، ولا امرأةً ، ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله . وما نيلَ منه شيءٌ قطُّ فينتقم من صاحبه ، إلا أن يُنتهكَ شيءٌ من محارمِ الله ، فينتقم لله ((183) .
وعن أنسٍ : أن النبيَّ ( أتى على أزواجِه ، وسواقٌ يسوقُ بهنَّ يقال له أنجشة . فقال : " ويحكَ يا أنجشةُ رويداً سوقُكَ بالقواريرِ "(184).(1/84)
وعن عائشةَ زوجِ النبيِّ ( قالت : دخلَ الحبشةُ المسجدَ يلعبونَ ، فقال لي : " يا حميراء ، أتحبينَ أن تنظري إليهم ؟" فقلت : نعم . فأسندْتُ وجهي على خَدِّه ، قالت : ومِن قولهم يومئذٍ : أبا القاسمِ طيباً ، فقال رسولُ الله ( : " حسبُكِ ". فقلت : يا رسولَ الله لا تعجلْ ، فقام لي ثم قال : " حسبك " . فقلت : لا تعجلْ يا رسولَ الله . قالت : ومالي حبُّ النَّظَرِ إليهم ، ولكني أحببتُ أن يبلغَ النساءَ مقامُه لي ، ومكاني منه(185) .
وعنها رضي الله عنها قالت : كنت أشربُ وأنا حائضٌ ثم أناولُه النبيَّ ( فيضَعَ فاه على موضِعِ فيَّ فيشرَبُ ، وأتعَرَّقُ العِرقَ وأنا حائضٌ ثم أناولُه النبيَّ ( فيضعُ فاه على موضِعِ فيَّ(186) .
وعنها رضي الله عنها قالت : خرجنا مع رسولِ الله ( في بعضِ أسفارِه حتى إذا كنا بالبيداءِ - أو بذاتِ الجيشِ - انقطع عِقْدٌ لي ، فأقامَ رسولُ الله ( على التماسِه ، وأقامَ الناسُ معه ، وليسوا على ماء . فأتى الناسُ إلى أبي بكر الصديق ، فقالوا : ألا ترى ما صنعَتْ عائشةُ ؟ أقامت برسولِ الله ( والناسِ وليسوا على ماءٍ وليس معهم ماء . فجاء أبو بكرٍ ورسولُ الله ( واضعٌ رأسَه على فخذِي قد نام ، فقال : حبسْتِ رسولَ الله ( والناسَ ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء . فقالت عائشةُ : فعاتَبَني أبو بكر ، وقال ما شاء الله أن يقولَ ، وجَعَلَ يطعَنُني بيده في خاصِرَتي ، فلا يمنعُني من التحركِ إلا مكانَ رسولِ الله ( على فخذي . فقام رسولُ الله ( حين أصبحَ على غيرِ ماءٍ ، فأنزلَ الله آيةَ التيمُّمِ ، فتيمَّموا . فقال أُسَيْدُ بنُ الحُضَير : ما هي بأولِ بركتكم يا آلَ أبي بكر . قالت : فبعَثْنا البعيرَ الذي كنتُ عليه ، فأصَبْنا العقدَ تحتَه(187) .(1/85)
وعن جابرِ بنِ عبدِ الله ( أن عائشةَ رضي الله عنها في حَجَّةِ النبي ( - وساق حديثا قال فيه : وكان رسولُ الله ( رجلاً سهلاً ، إذا هَوِيَتْ الشيءَ تابعها عليه ، فأرسلها مع عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكرٍ ، فأهَلَّتْ بعمرةٍ من التنعيم(188) .
وعن الأسودِ قال : سألتُ عائشةَ ما كانَ النبيُّ ( يصنَعُ في بيتِه ؟ قالت : كان يكونُ في مهنةِ أهلِه - تعني خدمة أهله - فإذا حضرتِ الصلاةُ خرج إلى الصلاة(189) .
وعن عائشةَ رضي الله عنها : قالت : قال لي رسولُ الله ( : " إني لأعلمُ إذا كنتِ عني راضيةً ، وإذا كنت عليَّ غضبى " . قالت : فقلت : من أينَ تعرِفُ ذلك ؟ فقال : " أما إذا كنت عني راضية ، فإنك تقولين : لا وربِّ محمدٍ ، وإذا كنتِ غضبى ، قلتِ : لا وربِّ إبراهيمَ " . قالت : قلت : أجل ، والله يا رسولَ الله ، ما أهجُرُ إلا اسمَكَ (190).
وعن أنسِ بنِ مالكٍ أن نبيَّ الله ( كان يطوفُ على نسائِه في الليلةِ الواحدةِ ، وله يومئذٍ تسعُ نسوةٍ(191) .
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : كان النبيُّ ( يُقَبِّلُ ، ويباشِرُ ، وهو صائمٌ ، وكان أملكُكُم لإِرْبِهِ(192).
وعن أنسٍ قال : كان النبيُّ ( عندَ بعضَ نسائه ، فأرسلَتْ إحدى أمَّهاتِ المؤمنينَ بصحفةٍ فيها طعامٌ ، فضَرَبَتْ التي النبيُّ ( في بيتِها يدَ الخادِمِ ، فسقَطَتْ الصحفةُ فانفَلَقَتْ ، فجمعَ النبي ( فلقَ الصحفةِ ، ثم جعل يجمع فيها الطعامَ الذي كان في الصحفةِ ويقول : " غارتْ أمُّكُم " . ثم حَبسَ الخادمَ حتى أتِيَ بصحفةٍ من عندِ التي هو في بيتها فدفع الصحفةَ الصحيحةَ إلى التي كُسِرَتْ صحفتُها ، وأمسَكَ المكسورةِ في بيتِ التي كُسِرَتْ فيه (193).
وعن أنسٍ ( قال : قال رسولُ الله ( : " حُبِّبَ إليَّ من دنياكُم النساءُ والطِّيبُ ، وجُعِلَتْ قرةُ عيني في الصلاة "(194).(1/86)
وعن عائشةَ رضي الله عنها : أن رسولَ الله ( كان يسألُ في مرضه الذي مات فيه : " أين أنا غداً ، أين أنا غداً " ، يريدُ يومَ عائشةَ ، فأذِنَّ له أزواجُه يكونُ حيثُ شاءَ ، فكان في بيتِ عائشةَ حتى ماتَ عندها . قالت عائشةُ : فمات في اليومِ الذي كان يدورُ عليَّ فيه في بيتي . فقبَضَه الله وإنَّ رأسَه لبينَ نَحري وسَحْري ، وخالَطَ ريقُه ريقي(195) .
وعن ابنِ عمرَ ( قال : فما زالَ رسولُ الله ( يعتذِرُ إلى صفيةَ ، ويقول : " يا صفيةُ ، إنَّ أباكِ ألَّبَ عليَّ العربَ ، وفَعَلَ " . حتى ذهبَ ذلكَ من نفسِها(196) .
وعن أنسِ بنِ مالكٍ ( قال : كنا مع النبيِّ ( مَقْفَلَه من عسفان ، ورسولُ الله ( على راحلته ، وقد أردفَ صفيةَ بنتَ حُيَيّ ، فعَثَرَتْ ناقتُه فصُرِعا جميعاً ، فاقْتَحَمَ أبو طلحةَ ، فقال : يا رسولَ الله جعلني الله فداءَك . قال : " عليكَ المرأةَ " . فقََلَبَ ثوباً على وجهه وأتاها فألقاه عليها ، وأصلَح لهما مركَبَهُما فركبا ، واكتَنَفْنا رسولَ الله ( ، فلما أشرَفْنا على المدينةِ قال : " آيبون ، تائبون ، عابدون ، لربنا حامدون " . فلم يزل يقولُ ذلك حتى دخلَ المدينة (197) .
وعن أنسٍ ( قال : كان النبيُّ ( لا يطرُقُ أهلَه ، كان لا يدخُلُ إلا غدوةً أو عشيةً(198) .
وعن سعدِ بنِ عبادةَ ( قال : يا رسولَ الله ، لو وجدتُ مع أهلي رجلاً لم أمسَّه حتى آتي بأربعةِ شهداء . قال رسول الله ( : " نعم ". قال : كلا ، والذي بعَثَكَ بالحقِّ إن كنتُ لأعالجه بالسيفِ قبلَ ذلك . قال رسولُ الله ( : " اسمعوا إلى ما يقول ! إنه لغيورٌ ، وأنا أغيرُ منه ، والله أغيرُ مني "(199).
وعن عائشةَ قالت : دخلَ عليَّ رسولُ الله ( وعندي رجلٌ قاعدٌ ، فاشتَدَّ ذلك عليه ، ورأيتُ الغضَبَ في وجهِه . قالت : فقلت : يا رسولَ الله إنه أخي من الرَّضاعة . قالت : فقال : " انظرنَ إخوَتَكُنَّ من الرَّضاعةِ ، فإنما الرضاعةُ من المجاعة "(200).(1/87)
وفي قصةِ الحديبيةِ عندَ البخاريِّ ، لما فَرَغوا من قضيةِ الكتاب ، قال رسولُ الله ( لأصحابه : " قوموا فانحروا ثم احلِقوا " قال : فوالله ما قامَ منهم رجلٌ ، حتى قال ذلكَ ثلاثَ مراتٍ . فلما لم يقمْ منهم أحدٌ دخلَ على أم سلمةَ فذكر لها ما لَقِيَ من الناس . فقالت أمُّ سلمة : يا نبيَّ الله ، أتحبُّ ذلك ؟ اخرجْ ، ثم لا تكلِّمْ أحداً منهم كلمةً حتى تنحَرَ بُدَنَك ، وتدعو حالقَكَ فيحلقك . فخرج فلم يكلِّمْ أحداً منهم حتى فعلَ ذلك ؛ نَحَرَ بُدَنَه ، ودعا حالقَه فحلقه . فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضُهم يحلِقُ بعضاً ، حتى كادَ بعضُهم يقتُلُ بعضاً غماً(201) .
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : " ما غِرْتُ على أحدٍ من نساءِ النبيِّ ( ما غرتُ على خديجةَ ، وما رأيتُها ، ولكن كان النبي ( يكثِرُ ذكرَها ، وربما ذَبَحَ الشاةَ ثم يقَطِّعُها أعضاءَ ثم يبعثُها في صدائِقِ خديجةَ ، فربما قلتُ له : كأنه لم يكنْ في الدنيا امرأةٌ إلا خديجة ؟ فيقول : " إنها كانت وكانت ، وكان لي منها الولدُ "(202) .
وعنها رضي الله عنها قالت : استأذَنَتْ هالةُ بنتُ خويلد - أختُ خديجة - على رسولِ الله ( ، فعرَفَ استئذانَ خديجةَ ، فارْتاعَ لذلك ، فقال : " اللهم هالة ". قالت : فغِرْتُ ، فقلت : ما تذكُرُ من عجوزٍ من عجائِزِ قريشٍ حمراء الشَّدْقَينِ هَلَكَتْ في الدهر ، قد أبدَلَكَ الله خيراً منها(203)
ـ سماتُ شخصيته ( كأب :
إذا كان ( رحيماً ، رقيقاً مع أولادِ الناسِ ، يداعِبُهم ويمازِحُهم ، كما قدَّمْنا ، فلا ريبَ أنه ( أكثرُ رحمةٍ وشفقةٍ على أولاده . والأحاديثُ الصحيحةُ التي تدُلُّ على ذلك كثيرةٌ ، وهي تشهَدٌ أيضاً بحبِّه الشديدِ لهم ، وحزنِه على فقدانهم ، واهتمامِه بتأديبِهم ، وفقاً لتعاليمِ الشَّرْعِ ، سواءٌ منهم ذَكَرُهم وأنثاهُم . ونذكرُ من هذه الأحاديثِ على سبيلِ المثال :(1/88)
عن عائشةَ قالت : قدِمَ ناسٌ من الأعرابِ على رسولِ الله ( . فقالوا : أتُقَبِّلونَ صِبيانَكم ؟ فقالوا : نعم . فقالوا : لكنا والله ما نُقَبِّلُ . فقال رسولُ الله ( : " وأمْلِكُ إن كان اللهُ نَزَعَ منكم الرحمةَ "(204).
وعن أبي هريرةَ ( أن الأقرَعَ بنَ حابسٍ أبصَرَ النبيَّ ( يُقَبِّلُ الحَسَنَ ، فقال : إن لي عشرةً من الولَدِ ما قبِّلْتُ واحداً منهم . فقال رسولُ الله ( : " إنه من لا يَرحَمُ لا يُرْحَمُ "(205).
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : إنا كنا أزواجَ النبيِّ ( عندَه جميعاً لم تغادِرْ منا واحدةٌ ، فأقبَلَتْ فاطمةُ عليها السلام تمشي ، ولا والله ما تخفى مشيتُها من مِشيةِ رسولِ الله ( فلما رآها رحَّبَ ، قال : " مرحبا بابنتي " . ثم أجلَسَها عن يمينه - أو عن شماله - ثم سارَّها فبَكَتَ بكاءً شديداً ، فلما رأى حُزنَها سارَّها الثانيةَ فإذا هي تضحكُ . فقلتُ لها - أنا من بينِ نسائه - : خَصَّكِ رسولُ الله ( بالسِّرِّ من بيننا ثم أنتِ تبكينَ !؟ فلما قامَ رسولُ الله ( سألتُها عما سارَّكِ ؟ قالت : ما كنتُ لأفشي على رسولِ الله ( سرَّه . فلما توفي قلتُ لها : عزمتُ عليكِ - بما لي من الحق - لما أخبرتِني . قالت : أما الآنَ فنعم . فأخبَرَتْني ، قالت : أما حينَ سارَّني في الأمرِ الأوَّلِ ، فإنه أخبرني أن جبريلَ كان يعارضُه بالقرآنِ كلَّ سنةٍ مرَّةً ، وإنه قد عارضني به العامَ مرتين ، ولا أرى الأجلَ إلا قد اقتربَ ، فاتقي الله واصبري فإني نِعمَ السَّلَفِ أنا لك . قالت : فبكيتُ بكائي الذي رأيتِ . فلما رأى جَزَعي سارَّني الثانية قال : " يا فاطمةُ ، ألا ترضَينَ أن تكوني سيدةَ نساءِ المؤمنين ، أو سيدةَ نساءِ هذه الأمة "؟(206) .
وعن أبي هريرة ( قال : كان رسول الله ( ليدلَعُ لسانَه للحسنِ بنِ عليٍّ ، فيرى الصبيُّ حمرةَ لسانِه ، فيبهشُ إليه(207) .(1/89)
وعنه ( قال : كنت مع رسولِ الله ( في سُوقٍ من أسواقِ المدينةِ ، فانصرَفَ ، فانصرَفْتُ ، فقال : أينَ لكع ؟ ثلاثاً ، ادع الحسنَ بن علي . فقام الحسنُ بنُ علي يمشي وفي عنقه السخاب . فقال النبي ( بيده هكذا ، فقال الحسنُ بيده هكذا ، فالتزمه ، فقال : " اللهم إني أحبه ، فأحبه ، وأحب من يحبه "(208).
وعن أبي قتادةَ الأنصاريِّ أن رسولَ الله ( كان يصلي ، وهو حاملٌ أمامةَ بنتَ زينبِ بنتِ رسولِ الله ( ، ولأبي العاصِ بنِ ربيعةَ بنِ عبدِ شمس ، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها(209).
وعن أنسِ بن مالك ( قال : دخلنا مع رسولِ الله ( على أبي سيف القين - وكان ظئراً لإبراهيمَ عليه السلام - فأخذ رسولُ الله ( إبراهيمَ فقبَّلَه وشَمَّه ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك - وإبراهيمُ يجودُ بنَفْسِه - فجعَلَتْ عينا رسولِ الله ( تذرفان ، فقال له عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ ( : وأنتَ يا رسولَ الله ؟ فقال : " يا ابنَ عوفٍ ، إنها رحمةٌ ". ثم أتبعها أخرى فقال ( : " إن العينَ تدمَعُ ، والقلبَ يحزنُ ، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا ، وإنا بفراقِك يا إبراهيمَ لمحزونون "(210)
وعن أسامةَ بنِ زيدٍ ( قال : أرسَلَتْ ابنةُ النبيِّ ( إليه : إن ابناً لي قُبِضَ ، فأْتِنا . فأرسَلَ يُقرئُ السلامَ ويقول : " إن لله ما أَخَذَ وله ما أعطى ، وكلٌّ عندَه بأجلٍ مسمّى ، فلتَصْبِرْ ولتَحْتَسِبْ " . فأرسَلَتْ إليه تُقْسِمُ عليه ليأْتِيَنَّها . فقام ومعه سعدُ بنُ عبادةَ ومعاذُ بنُ جَبَلٍ وأبي بن كعبِ وزيدُ بنُ ثابتٍ ورجالٌ ، فرُفِعَ إلى رسولِ الله ( الصبيُّ ونفسُه تَتَقَعْقَعُ كأنها شن ، ففاضت عيناه ، فقال سعدٌ : يا رسولَ الله ما هذا ؟ فقال : " هذه رحمةٌ جعلها اللهُ في قلوبِ عبادِه ، وإنما يرحمُ الله من عباده الرحماءَ "(211).(1/90)
وعن أنسِ بنِ مالك ( قال : شهدنا بنتاً لرسولِ الله ( ، قال : ورسولُ الله ( جالس على القبرِ ، قال : فرأيتُ عينيه تدمَعانِ ، قال : فقال : " هل منكم رجلٌ لم يقارِفْ الليلةَ " ؟ فقال أبو طلحة : أنا . قال : " فانزل " . قال : فنزل في قبرها(212) .
وعن أبي هريرةَ ( قال : أخذَ الحسنُ بنُ عليٍّ تمرةً من تمرِ الصَّدَقَةِ ، فجعلَها في فيه ، فقال رسولُ الله ( : " كخ كخ ، ارمِ بها ، أما علمتَ أنا لا نأكلُ الصدقةَ "(213).
ـ سماتُ شخصيته ( كأسوةٍ :
إن كلَّ السِّماتِ التي ذكرناها قبلَ ذلك داخلةٌ تحتَ هذه الفقرة ، فإنَّ حياتَه ( كلَّها أسوةٌ . قال تعالى : ? ???????? ????? ?????? ? ??????? ?????? ?????????? ????????? ?????? ????? ?????????? ?????? ????????????? ?????????? ???????? ?????? ???????? ????? ( الأحزاب : 21 ) .
ونُضيفُ هنا بعضَ جوانبِ شخصيته ( التي لم نذكُرْها من قبلُ ، وليسَ المقامُ لاستيفاءِ المقالِ ، وإنما هو لعرضِ المثالِ .(1/91)
كان ( متواضعاً ، يُحَذِّرُ من تعظيمِه ، يكرَه أن يقومَ الناسُ له ، وينهاهم عن إطرائه ، ويجعلُ نفسَه مع عامَّةِ الناس .كان أحسنَ الناسِ معاملةً حتى مع الخدم . كان حليماً يقابلُ الإساءةَ بالإحسانِ . لم يكن فاحشاً ، ولا متفَحِّشاً ، ولا سخّاباً في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئةَ ، ولكن يعفو ويصفح . كان جواداً كريماً ، يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقرَ . أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدْرِها . لا يَعيبُ شيئاً من الطعامِ ويُكرِمُ ضيفَه ولو كان كافراً . كان خيرَ الناسِ وأحسنَهم قضاءً . يقبَلُ الهديةَ ويثيبُ عليها . وكان أجزى الناسِ بِيَدٍ . أنظفَ الناسِ ، وأطيبَهم ريحاً وعُرْفاً . طويلَ الصَّمتِ ، يكثرُ الذكرَ ، ويُقِلُّ اللغوَ . كان زاهداً في الدنيا صابراً على شِدَّةِ العيشِ ، منفقاً في سبيلِ الله مدَّخِراً ذلك في الآخرة ، متخشِّعاً في لباسه ومضجعه ، ولكنه ( كان معتدلاً في مطالبِ الحياةِ .
عن أنسِ بنِ مالكٍ ( قال : لم يكنْ شخصٌ أحبَّ إليهم من رسولِ الله ( ، فكانوا إذا رأَوْه لم يقوموا إليه ، لما يعرِفونَ من كراهيتِه له(214) .
عن أمِّ العلاءِ - امرأة من الأنصارِ بايَعَتْ النبي ( - أنه اقتَسَمَ المهاجرون قرعةً ، فطارَ لنا عثمانُ بنُ مظعون فأنزلناه في أبياتِنا ، فوُجِعَ وجعُه الذي توفي فيه ، فلما توفي ، وغُسِّلَ ، وكُفِّنَ في أثوابه ، دخلَ رسولُ الله ( فقلت : رحمةُ الله عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك لقد أكرمكَ الله . فقال النبي ( : " وما يدريكِ أن الله قد أكرمه " ؟ فقلت : بأبي أنتَ يا رسولَ الله ، فمن يكرمه الله ؟ فقال : " أما هو فقد جاءه اليقين . والله إني لأرجو له الخيرَ ، والله ما أدري - وأنا رسولُ الله - ما يُفعلُ بي " . قالت : فوالله لا أزكي أحداً بعده أبدا(215) .(1/92)
وعن عمرَ ( قال : سمعتُ النبي ( يقول : " لا تُطروني كما أطرتِ النصارى ابنَ مريم ، فإنما أنا عبدٌ ، فقولوا : عبد الله ورسوله "(216).
وعن أنسٍ ( أن ناساً قالوا : يا رسولَ الله ، يا خيرَنا وابنَ خيرِنا ، وسيدَنا وابنَ سيدنا . فقال : " يا أيها الناس قولوا بقولكم ، ولا يسْتَهْوِيَنَّكم الشيطانُ ، أنا محمدٌ عبدُ الله ورسوله ما أحبُّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله ( "(217).
وعن عبد الله بنِ الشِّخِّير ( قال : انطلقتُ في وفدِ بني عامرٍ إلى رسولِ الله ( . فقلنا : أنت سيدنا . فقال : " السيدُ الله تباركَ وتعالى "(218).
وعن أنس ( قال : لم يأكلْ النبيُّ ( على خوانٍ حتى ماتَ ، وما أكلَ خبزاً مرقَّقاً حتى مات "(219).
وعن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذٍ قالت : دخلَ عليَّ النبيُّ ( غداة بُنِيَ عليَّ ، فجلسَ على فراشي ، وجويرياتٌ يضربْنَ بالدف يندبن من قُتِلَ من آبائهن يومَ بدر ، حتى قالت جارية : وفينا نبيُّ يعلمُ ما في غد . فقال النبي ( : " لا تقولي هكذا ، وقولي ما كنت تقولين "(220).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسولَ الله ( جاءَ إلى السقاية ، فاستسقى . فقال العباس : يا فضلُ اذهب إلى أمك فأْتِ رسولَ الله ( بشرابٍ من عندِها . فقال : " اسقني " . قال : يا رسولَ الله ، إنهم يجعلون أيديهم فيه . قال : " اسقني " ، فشرِبَ منه . ثم أتى زمزمَ وهم يسقون ويعملون فيها . فقال : " اعملوا فإنكم على عملٍ صالح ". ثم قال : " لولا أن تُغلَبوا لنزلت حتى أضع الحبلَ على هذه - يعني عاتقِه - وأشار إلى عاتقه "(221).
وعن أبي هريرةَ ( قال : قال رسولُ الله ( : " لن ينجيَ أحداً منكم عملُه " . قالوا : ولا أنتَ يا رسولَ الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة . سدِّدوا وقارِبوا ، واغْدوا ورُوحوا ، وشيء من الدُّلجة . والقصدَ القصدَ تبلُغوا "(222).(1/93)
وعن عبدِ الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال : لما نَزَلَ برسولِ الله ( طفِقَ يطرَحُ خميصةً له على وجهه ، فإذا اغْتَمَّ بها كَشَفَها عن وجهه ، فقال - وهو كذلك - : " لعنةُ الله على اليهودِ والنصارى اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ ". يُحَذِّرُ ما صنعوا(223) .
وعن أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما : أن رسولَ الله ( ركِبَ على حمارٍ على إكافٍ عليه قطيفة ، وأردفَ أسامةَ وراءه(224).
وعن أنسِ ( قال : كان رسولُ الله ( من أحسنِ الناسِ خُلُقاً . فأرسلني يوماً لحاجةٍ . فقلت : والله لا أذهبُ . وفي نفسي أن أذهبَ لما أمرَني به نبيُّ الله ( . فخرجتُ حتى أمرَّ على صبيانٍ وهم يلعبونَ في السّوقِ . فإذا رسولُ الله ( قد قَبَضَ بقفايَ من ورائي ، قال : فنظرت إليه وهو يضحك . فقال : " يا أُنَيْس ، أذهبتَ حيث أمرتُكَ " ؟ قال : قلت : نعم . أنا أذهبُ يا رسولَ الله(225) .
وعنه ( قال : خدمتُ النبي ( عشرَ سنينَ ، فما قال لي أف ، ولا لم صنعتَ ؟ ولا ألا صنعتَ ؟(226).
وعنه أيضاً قال : " كنت أمشي مع رسولِ الله ( وعليه بُردٌ نجرانيٌّ غليظُ الحاشيةِ ، فأدرَكه أعرابيٌّ ، فجَبَذَ برِدائه جبذةً شديدةً ، قال أنس : فنظرتُ إلى صفحةِ عاتقِ النبي ( وقد أثَّرَتْ فيها حاشيةُ الرداءِ من شدَّةِ جَبْذَته ، ثم قال : يا محمدُ ، مُرْ لي من مالِ الله الذي عندَك . فالتفتَ إليه فضحِكَ ، ثم أمرَ له بعطاءٍ "(227) .
وعن عبدِ الله بنِ عمرو رضي الله عنهما قال : لم يكنْ النبيُّ ( فاحشاً ولا مُتَفَحِّشاً ، وكان يقول : " إن من خيارِكم أحسنَكم أخلاقاً "(228).
وعن أبي عبدِ الله الجدلي قال : سألتُ عائشةَ عن خُلُقِ رسولِ الله ( ؟ فقالت : لم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً ، ولا صخّاباً في الأسواقِ ، ولا يجزي بالسيئةِ السيئةَ ولكن يعفُو ويصفحُ(229).
وعن جابرِ بنِ عبد الله ( قال : ما سُئِلَ رسولُ الله ( شيئاً قطُّ فقال : لا(230).(1/94)
وعن أنسٍ ( أن رجلاً سألَ النبيَّ ( غنماً بينَ جبلين فأعطاه إياه . فأتى قومَه فقال : أيْ قوم أسلِموا . فوالله إن محمداً ليعطي عطاءً ما يخافُ الفقرَ . فقال أنسٌ : إن كان الرجلُ ليسلمُ ما يريدُ إلا الدنيا . فما يسلمُ حتى يكونَ الإسلامُ أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها(231) .
وعن سهلٍ ( : أن امرأةً جاءتْ النبيَّ ( ببردةٍ منسوجةٍ فيها حاشيتُها . أتدرون ما البردة ؟ قالوا : الشملة . قال : نعم . قالت : نسجْتُها بيدي ، فجئتُ لأكْسُوكَها . فأخذها النبي ( محتاجاً إليها ، فخرج إلينا وإنها إزارُه ، فحسَّنَها فلانٌ ، فقال : اكسُنيها ما أحسَنَها . قال القوم : ما أحْسَنْتَ ، لبِسها النبي ( محتاجاً إليها ثم سألتَه وعلمتَ أنه لا يرُدُّ . قال : إني والله ما سألتَه لألبَسَها ، إنما سألتُه لتكونَ كفني . قال سهل : فكانتْ كفنَه(232) .
وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ ( قال : كان النبي ( أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدْرِها(233) .
وعن أبي هريرة ( قال : ما عابَ النبيُّ ( طعاماً قطُّ ، إن اشْتَهاهُ أَكَلَه ، وإلا تركه(234) .
وعنه ( أن رسولَ الله ( ضافَه ضيفٌ وهو كافرٌ ، فأمَرَ له رسولُ الله ( بشاةٍ فحُلِبَتْ فشَرِب حِلابَها ، ثم أخرى فشرِبه ، ثم أخرى فشربه ، حتى شرب حلابَ سبعِ شياه . ثم إنه أصبحَ فأسلمَ . فأمرَ له رسولُ الله ( بشاةٍ ، فشرِبَ حلابها ثم أمرَ بأخرى ، فلم يستَتِمَّها . فقال رسولُ الله ( : " المؤمنُ يشرَبُ في معىً واحدٍ ، والكافرُ يشرَبُ في سبعةِ أمعاء "(235) .
وعنه ( قال : كان لرَجُلٍ على رسولِ الله ( حقٌّ ، فأغلَظَ له ، فهمَّ به أصحابُ النبيِّ ( فقال النبي ( : " إن لصاحبِ الحقِّ مقالاً " . فقال لهم : " اشتروا له سنه ". فاشترَوه فأعطَوْه إياه . قال : " فإن من خيرِكم أو خيرُكم أحسنُكم قضاءً "(236) .
وعن عائشةَ ( قالت : كان رسولُ الله ( يقبَلُ الهديةَ ، ويُثيبُ عليها(237) .(1/95)
وعن جابرِ بنِ عبدِ الله ( قال : كان رسولُ الله ( من أجزى الناسِ بيد(238) .
وعن أبي هريرةَ ( : كان رسولُ الله ( إذا أُتِيَ بطعامٍ ، سأل عنه : " أهديةٌ أم صدقةٌ " ؟ فإن قيلَ : صدقة . قال لأصحابه : " كُلوا " . ولم يأكلْ . وإن قيل : هدية . ضرَبَ بيده ( فأكلَ معهم "(239).
وعن أنسٍ ( قال : ما مَسَسْتُ حريراً ولا ديباجاً ، ألْيَنَ من كفِّ النبيِّ ( ، ولا شممتُ ريحاً قطُّ أو عَرفاً قط أطيَبَ من رِيحِ أو عرفِ النبي ( (240).
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : - وسُئِلَتْ بأيِّ شيءٍ كان يبدأُ النبيَّ ( إذا دَخَلَ بيتَه ؟ - قالت : بالسواكِ(241) .
وعن حذيفةَ أن رسولَ الله ( كان إذا قامَ من الليلِ يشُوصُ فاه بالسِّواكِ(242) .
وعن عبدِ الله بنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال : انطلقَ النبيُّ ( من المدينةِ ، بعد ما ترَجَّلَ وادَّهَنَ ولبِسَ إزارَه ورداءَه ، هو وأصحابُه ، فلم ينْهٍ عن شيءٍ من الأَرْدِيَةِ والأُزُرِ تُلبَسُ إلا المزعفرةَ التي تردع على الجلد ... وذكر الحديث(243) .
وعن جابرِ بنِ سَمُرَةَ ( قال : كان النبيُّ ( طويلَ الصَّمْتِ(244) .
وعن عقبةَ قال : صلَّيتُ وراءَ النبيِّ ( بالمدينةِ العصرَ فسلَّمَ ، ثم قام مسرعاً ، فتخطّى رقابَ الناسِ إلى بعضِ حُجَرِ نسائِه ، ففزِع الناسُ من سُرْعَتِه ، فخرَج عليهم فرأى أنهم عجِبوا من سرعته فقال : " ذكرتُ شيئاً من تِبْرٍ عندَنا ، فكرِهْتُ أن يحبِسَني ، فأَمَرْتُ بقِسْمَته "(245) .(1/96)
وعن أبي هريرة ( قال : خرجَ رسولُ الله ( ذاتَ يومٍ أو ليلةٍ فإذا هو بأبي بكر وعمر . فقال : " ما أخرَجَكما من بيوتِكما هذه الساعة "؟ قالا : الجوعُ يا رسولَ الله . قال : " وأنا والذي نفسي بيده لأَخْرَجَني الذي أخرَجَكُما " ، قوموا . فقاموا معه ، فأتى رجلاً من الأنصارِ ، فإذا هو ليسَ في بيته ، فلما رأتْه المرأةُ ، قالت : مرحباً وأهلاً . فقال لها رسولُ الله ( : " أين فلانٌ " . قالت : ذهبَ يَسْتَعْذِبُ لنا من الماءِ ، إذ جاءَ الأنصاريُّ فنَظَرَ إلى رسولِ الله ( وصاحِبَيهِ ، ثم قال : الحمدُ لله ، ما أحدٌ اليومَ أكرمَ أضيافاً مني. قال : فانطَلَقَ فجاءهم بعذقٍ فيه بُسرٌ وتمرٌ ورُطَبٌ ، فقال : كلوا من هذه ، وأخذ المديةَ . فقال له رسولُ الله ( : " إياك والحلوبَ " . فذَبَحَ لهم ، فأكلوا من الشاةِ ، ومن ذلك العذقِ وشرِبوا ، فلما أن شبِعوا ورَوُوا ، قال رسولُ الله ( لأبي بكر وعمر : " والذي نفسي بيده لتُسأَلُنَّ عن هذا النعيمِ يومَ القيامةِ ، أخرجكم من بيوتِكم الجوعُ ثم لم ترجعوا ، حتى أصابكم هذا النعيمُ "(246).
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : توفي النبيُّ ( حينَ شبِعْنا من الأسوَدَيْنِ التمرِ والماءِ (247).
وعن أنسٍ ( قال : ما علمتُ النبيَّ ( أَكَلَ على خِوانٍ قطُّ(248) .
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : ما شبِعَ آلُ محمدٍ ( منذُ قدِمَ المدينةَ من طعامِ البرِّ ثلاثَ ليالٍ تباعاً حتى قُبِضَ (249).(1/97)
وعن أيمنَ قال : أتيتُ جابراً ( فقال : إنا يومَ الخندقِ نحفُرُ فعرضَتْ كديةٌ شديدة ، فجاءوا النبي ( فقالوا : هذه كدية عرضت في الخندق فقال : " أنا نازل " . ثم قامَ وبطنُه معصوبٌ بحجرٍ ، ولبثنا ثلاثةَ أيامٍ لا نذوقُ ذواقاً ، فأخذَ النبيُّ ( المعولَ فضرب في الكدية ، فعاد كثيباً أَهْيَلَ أو أهيَمَ . فقلت : يا رسولَ الله ائذنْ لي إلى البيتِ . فقلتُ لامرأتي : رأيتُ بالنبي ( شيئاً ما كان في ذلك صبرٌ ، فعندَكِ شيءٌ ؟ فقالت : عندي شعير وعناق . فذبحتُ العناقَ ، وطحنتُ الشعيرَ ، حتى جعلْنا اللحمَ بالبُرمةِ . ثم جئتُ النبي ( والعجينُ قد انكَسَرَ ، والبرمة بين الأثافي قد كادتْ أن تنضجَ ، فقلت : طُعَيِّمٌ لي ، فقم أنت يا رسولَ الله ، ورجلٌ أو رجلان . قال : " كم هو " ؟ فذكرت له ، فقال : " كثير طيب " . قال : " قل لها لا تنزعَ البرمةَ ولا الخبزَ من التنور حتى آتي ". فقال : " قوموا " . فقام المهاجرون والأنصارُ . فلما دخلَ على امرأته قال : ويحكِ ، جاء النبيُّ ( بالمهاجرينَ والأنصارِ ، ومن معهم . قالت : هل سألك ؟ قلت : نعم ، فقال : " ادخلوا ولا تضاغَطوا " . فجعل يكسِرُ الخبزَ ويجعلُ عليه اللحمَ ، ويُخَمِّرُ البرمةَ والتَّنُّورَ إذا أخذَ منه ، ويقرب إلى أصحابِه ثم ينزع ، فلم يزلْ يكسرُ الخبزَ ويغرِفُ حتى شبِعوا ، وبقي بقيةٌ ، قال : " كلي هذا وأهدي ، فإن الناس أصابتهم مجاعةٌ "(250).
وعن أبي موسى ( قال : خرجنا مع النبي ( في غزاةٍ ، ونحن في ستةِ نفرِ بيننا بعيرٌ نعتقِبه ، فنقبت أقدامُنا ونقبتَ قدماي وسقطت أظفاري ، فكنا نلفُّ على أرجلِنا الخِرَقَ ، فسُمِّيَتْ غزوةَ ذاتِ الرِّقاع لما كنا نعصِبُ من الخرق على أرجلنا . وحدث أبو موسى بهذا الحديثِ ثم كَرِهَ ذاك قال : ما كنت أصنعُ بأن أذكرَه . كأنه كره أن يكونَ شيءٌ من عملِه أفشاه (251).(1/98)
وعن عمرَ ( قال : كانت أموالُ بني النضيرِ مما أفاءَ اللهُ على رسولِه ( ، مما لم يوجِفْ المسلمون عليه بخيلٍ ولا رِكابٍ ، فكانت لرسول الله ( خاصةً ، وكان ينفِقُ على أهله نفقةَ سنَتِه ، ثم يجعلُ ما بَقِيَ في السِّلاحِ والكراع عُدَّةً في سبيل الله (252).
وعن أبي ذرٍّ ( قال : كنتُ مع النبي ( فلما أبصر - يعني أُحُداً - قال : " ما أُحِبُّ أنه تحوَّلَ لي ذهباً يمكث عندي منه دينارٌ فوقَ ثلاثٍ إلا ديناراً أرصُدُه لدَيْنٍ " . ثم قال : " إن الأكثرين هم الأقَلُّونَ ، إلا من قال بالمالِ هكذا وهكذا - وأشار الراوي بين يديه ، وعن يمينه ، وعن شماله - وقليل ما هم " . وقال : " مكانك " . وتقدَّمَ غيرَ بعيدٍ فسمعتُ صوتاً ، فأردتُ أن آتيَه . ثم ذكرتُ قوله : مكانك حتى آتيكَ . فلما جاء قلت : يا رسولَ الله ، الذي سمعت - أو قال : الصوت الذي سمعت - قال : " وهل سمعت "؟ قلت : نعم ، قال : " أتاني جبريلُ عليه السلام فقال : من ماتَ من أمَّتِكَ لا يشركُ بالله شيئاً دخلَ الجنةَ ، قلت : ومن فعلَ كذا وكذا ؟ قال : نعم "(253).
وعن عائشةَ رضي الله عنها أنها قالتْ لعروةَ : ابنَ أختي ، إن كنا لننْظُرُ إلى الهلالِ ثم الهلالِ ، ثلاثةَ أهلَّة ، وما أُوقِدَتْ في أبياتِ رسولِ الله ( نارٌ . فقلت : يا خالة ، ما كان يعيشكم ؟ قالت : الأسودان ؛ التمر والماء . إلا أنه قد كان لرسولِ الله ( جيرانٌ من الأنصارِ كانت لهم منائحُ ، وكانوا يمنحونَ رسولَ الله ( من ألبانهم فيسقينا (254) .
وعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال : أتى النبيُّ ( بيتَ فاطمةَ فلم يدخلْ عليها ، وجاء عليٌّ فذَكَرَتْ له ذلك ، فذكره للنبيِّ ( ، قال : إني رأيتُ على بابها سِتْراً موشياً فقال : " مالي وللدنيا "؟ فأتاها عليٌّ فذكرَ ذلك لها ، فقالت : ليأمُرْني فيه بما شاء . قال : " ترسِلي به إلى فلانٍ ، أهلِ بيتٍ فيهم حاجة "(255).(1/99)
وعن عمروِ بنِ الحارثِ ختنِ رسولِ الله ( أخي جويريةَ بنتِ الحارثِ قال : ما تركَ رسولُ الله ( عندَ موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمةً ولا شيئاً ، إلا بغلتَه البيضاءَ وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة (256).
وعن أنسٍ ( قال : جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوتِ أزواجِ النبيِّ ( يسألون عن عبادة النبي ( فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها ، فقالوا : وأينَ نحن من النبي ( ؟ قد غَفَرَ الله له ما تقدَّمَ من ذنبه وما تأخَّرَ . قال أحدُهم : أما أنا فأنا أصلّي الليلَ أبداً . وقال آخر : أنا أصومُ الدهرَ ولا أفطرُ . وقال آخرُ : أنا أعتزلُ النساءَ فلا أتزوجُ أبداً . فجاء رسولُ الله ( ، فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصومُ وأفطر ، وأصلي وأرقُد ، وأتزوَّجُ النساءَ ، فمن رغِبَ عن سنتي فليس مني "(257) .
وعن سلمةَ بنِ الأكوعِ ( قال : بعثَ النبيُّ ( عثمانَ بنَ عفانٍ إلى مكةَ ، فأجارَه أبانُ بنُ سعيد ، فقال : يا ابنَ عمِّ ، ألا أراك متخشعاً ، أسبِلْ كما يُسبِلُ قومُكَ . قال : هكذا يأتزِرُ صاحبُنا إلى نصف ساقيه(258) .
وعن أبي هريرةَ ( قال : قال رسولُ الله ( : " اللهم اجعلْ رِزْقَ آل محمدٍ قوتاً "(259) .
وعن النعمانِ بنِ بشيرٍ ( قال : ألستُمْ في طعامٍ وشرابٍ ما شئتُم ؟ لقد رأيتُ نبيَّكم ( وما يَجِدُ من الدَّقَلِ ما يملأُ به بطنه(260) .
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : إنما كان فراشُ رسولِ الله ( الذي ينامُ عليه أدماً حشوُه ليفٌ(261) .
ـ سمات شخصيته ( كَبَشَرٍ :(1/100)
وهذه الفقرةُ لا بدَّ منها لاستكمالِ الحديثِ عن شخصيته ( ، فإن الله لم يرسلْ لخلقِه إلا بشراً ليحصلَ بذلك الابتلاءُ ، وتقومَ به الحجةُ ، فلا بدَّ وأن تبقى صفاتُ البشريةِ في شخصيته ( . ومن وجهٍ آخرَ فإن وجودَ هذه الصفاتِ يظهرُ عجزَه وفقرَه ( وحاجَتَه إلى ربه ، وأنه لا يملكُ من أمره شيئاً ، فلا يُفتَحُ المجالُ لأحدٍ أن يرفَعَه فوقَ منزلته .
قال تعالى : ? ????? ?????????? ???????? ???????? ?????????????? ????????? ???????? ??????????? ????????????? ????????? ???????? ? ( الكهف : 110) .
وجوانِبُ البشريةِ فيه ( كثيرةٌ فكان يجوعُ ويظمأُ فيأكلُ ويشربُ ، ويأتي بلازمهما ، ويتعبُ وينامُ ويمرض ويتداوى وغير ذلك . والأدلة على ما سبقَ كثيرةٌ ، وأما هنا فسنشيرُ إلى صفةِ الغضبِ والرضا ، وصفةِ النسيان ، وبعضِ المواقفِ التي خالفَ فيها رسول الله ( السماتِ المميزةَ لشخصيته بدافعِ بشريته ، فمن ذلك أنه (لم يكن سباباً ولا لعاناً ولكن قد تحصُلُ بعضُ المواقفِ يقع منه فيها السبُّ على خلافِ عادته ، وكذا تروي عائشةُ رضي الله عنها أنه لم يضربْ امرأةً قطُّ ولكنه في موقفٍ من المواقف أيضاً لكزَها بيده فأوجَعَهَا .
عن معاذِ بنِ جَبَلَ ( قال : خرجْنا مع رسولِ الله ( عامَ غزوةِ تبوك ثم قال : " إنكم ستأتون غداً ، إن شاء الله عينَ تبوك . وإنكم لن تأتُوها حتى يضحى النهارُ ، فمن جاءها منكم فلا يمسَّ من مائها شيئاً حتى آتي " ، فجئناها وقد سَبَقَنا إليها رجلان ، والعينُ مثلُ الشراكِ تبضُّ بشيءٍ من ماء . قال : فسألهما : " هل مَسَسْتُما من مائها شيئاً "؟ قالا : نعم . فسبَّهما النبيُّ ( وقال لهما ما شاء الله أن يقول . قال : ثم غرفوا بأيديهم من العينِ قليلاً قليلاً حتى اجتمعَ في شيءٍ . قال : وغسلَ رسولُ الله ( فيه يديه ووجهَه ، ثم أعاده فيها . فجَرَتِ العينُ بماءٍ منهمِرٍ(262) .(1/101)
وعن أبي هريرة ( قال : سمعتُ رسولَ الله ( يقول : " اللهم إنما محمدٌ بشرٌ يغضَبُ كما يغضب البشرُ ، وإني اتَّخَذْتُ عندَك عهداً لن تخلفَنيه ، فأيُّما مؤمنٍ آذيتُه أو سببتُه أو جلدْتُه فاجعلْها له كفارةً وقربةً تقربه بها إليك يوم القيامة "(263).
وعن محمدِ بنِ قيسٍ عن عائشةَ رضي الله عنها قالت : ألا أحدِّثُكم عني وعن رسولِ الله ( ؟ قلنا : بلى ... فذكرَت حديثاً فيه : فلم يلبثْ إلا ريثَما أن قد رقدْتُ ، فأخذ رداءَه رويداً ، وانتعلَ رويداً ، وفتحَ البابَ فخرج ، ثم أجافه رويداً . فجعَلْتُ دِرعي في رأسي واختمرت وتقَنَّعتُ إزاري ، ثم انطلقتُ على أثَرِه حتى جاءَ البقيعَ ، فقامَ فأطالَ القيامَ ثم رفعَ يديهِ ثلاثَ مراتٍ ، ثم انحرَفَ ، فانحرَفْتُ ، فأسرَعَ ، فأسرَعتُ ، فهروَلَ ، فهرولتُ ، فأَحْضَرَ ، فأحضرتُ ، فسبقتُه فدخلتُ ، فليس إلا أن اضطجَعتُ ، فدخل فقال : " مالك يا عائش حشياً رابياً " ؟ قالت : قلت : لا شيء . قال : " لتخبريني أو ليخبرني اللطيفُ الخبير " . قالت : قلت : يا رسولَ الله بأبي أنت وأمي ، فأخبرته . قال : " فأنتِ السوادُ الذي رأيتُ أمامي "؟ قلت : نعم . فلَهَدَني في صدري لهدةً أوجَعَتْني ، ثم قال : " أظننتِ أن يحيفَ الله عليكِ ورسولُه ..." الحديث(264) .
وعن عبدِ الله ( قال : صلّى النبيُّ ( فلما سلَّم قيل له : يا رسولَ الله أحَدَثَ في الصلاة شيءٌ ؟ قال : " وما ذاك " ؟ قالوا : صليتَ كذا وكذا . فثنى رجليه واستقبلَ القبلةَ وسجدَ سجدتين ثم سلَّم ، فلما أقبلَ علينا بوجهه قال : " إنه لو حَدَثَ في الصلاةِ شيءٌ لنبَّأتُكم به ، ولكن إنما أنا بشرٌ مثلُكم ، أنسى كما تنسَونَ ، فإذا نسيتُ فذكّروني . وإذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه فلْيَتَحَرَّ الصوابَ ، فليتمَّ عليه ، ثم يسلِّمُ ، ثم يسجدُ سجدتين "(265) .
فمع كمالِ صفاتِه ( فهو بشرٌ ، ومع بشريته فهو بشرٌ ليس كالبشر ! ( تسليماً كثيراً .(1/102)
ـ ثالثاً : تتمة في بعضِ صفاته ( الخَلقية :
بعد أن ذكرْنا كثيراً من سماتِ شخصيته ( ، أرى أنه من لوازمِ الكلامِ عنها ، أن نذكرَ شيئاً عن صفاته الخَلْقِيَّةِ ، لما لها من تعلقٍ وطيدٍ بتكوينِ الشخصية ، فإن الإنسانَ القبيحَ المنظرِ أو الشديدَ القِصَرِ أو فارعَ الطُّولِ أو المصابَ بتشوُّهٍ خَلْقي أو نحوِ ذلك ، يشعرُ بنوعٍ من الإنطوائية ، أو يحصلُ عنده أحياناً بسبب نظراتِ المجتمعِ له شيءٌ من العداءِ لمجتمعه والنقمةِ عليه ، كما أنه قد يحاولُ إثباتَ شخصيته بأيِّ نوعٍ من المخالفةِ لمجتمعه بسببِ العقدة النفسيةِ التي عنده ، والتي تَسَبَّبَ فيها الشعورُ بالنقص .
وهذا كلُّه منتفٍ في حقِّ الحبيبِ محمد ( وهاك البيان :
عن أنسٍ ( قال : كان رسولُ الله ( ليس بالطويلِ البائنِ ولا بالقصيرِ ، ولا بالأبيضِ الأَمْهَقِ وليس بالآدَمِ ، وليس بالجعدِ القَطَطِ ولا بالسبطِ . بعثه الله على رأسِ أربعين سنةٍ ، فأقامَ بمكةَ عشرَ سنين وبالمدينةِ عشرَ سنين ، فتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرةً بيضاء (266)
وعن البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنهما قال : كان النبيُّ ( مربوعاً بعيدَ مابينَ المنكبينِ ، له شعرٌ يبلُغُ شحمةَ أذنَيْهِ ، رأيتُه في حلةٍ حمراءَ لم أرَ شيئاً قطُّ أحسنَ منه(267) .
وعن أبي إسحاقَ قال : سئِلَ البراءُ : أكانَ وجهُ النبي ( مثلَ السَّيْفِ ؟ قال : لا ، بلْ مثلَ القَمَرِ(268) .
وعن كعبِ بنِ مالكٍ وهو يحدِّثُ حين تخلفَ عن تبوك قال : فلما سلمتُ على رسولِ الله ( وهو يبرُقُ وجهُه من السرورِ ، وكان رسولُ الله ( إذا سُرَّ استنارَ وجهُه حتى كأنه قطعةُ قمرَ ، وكنا نعرف ذلك منه (269) .
وعن البراءِ قال : كان رسولُ الله ( أحسنَ الناس وجهاً . وأحسنَه خَلْقاً . ليس بالطويلِ الذاهبِ ولا بالقصيرِ(270) .(1/103)
وعن سماكٍ عن جابرِ بن سمرة قال : كان رسولُ الله ( ضليعَ الفمِ . أشكلَ العينِ . منهوسَ العَقِبَينِ . قال الراوي : قلتُ لسماكٍ : ما ضليعُ الفمِ ؟ قال : عظيمُ الفمِ . قال : قلت : ما أشكلُ العينِ ؟ قال : طويلُ شقِّ العينِ . قال : قلت : ما منهوسَ العقبِ ؟ قال : قليلُ لحمِ العقب(271) .
وعن أبي الطُّفَيلِ- وقيل له : أرأيتَ رسولَ الله ( - قال : نعم . كان أبيضَ ، مليحَ الوجهِ(272) .
وعن جابرِ بنِ سمرةَ قال : كان رسولُ الله ( قد شَمَطَ مقدمَ رأسِه ولحيته . وكان إذا ادَّهَنَ لم يتبيَّنْ ، وإذا شعثَ رأسُه تبيَّنَ ، وكان كثيرَ شعرِ اللِّحْيَةِ . فقال رجل : وجهُه مثلُ السيْفِ ؟ قال : لا . بل كان مثلَ الشمسِ والقمرِ ، وكان مستديراً . ورأيتُ الخاتَمَ عندَ كتِفِه مثلَ بيضةِ الحمامةِ يشبه جسده(273) .
ونكتفي بهذا القدرِ من صفاتِه ( ، ومن أرادَ الاستفاضةَ فليراجعْ ما كتبتُه في صحيحِ السيرةِ فإن فيه وصفاً كاملاً له ( (274).
( الفصل الرابع (
( شبهاتٌ حول شخصيته ( (
لقد أثارَ أعداءُ الإسلامِ بعضَ الشُّبُهاتِ الواهنةِ الواهيةِ حولَ شخصيَّتِه ( ، والمجالُ لا يتَّسِعُ هنا لتفنيدِها واحدةً تِلْوَ الأخرى ، إلا أننا سنحاوِلُ الردَّ على أكثرِ هذه الشبهاتِ ذُيوعاً ، على الرَّغْمِ من أن جميعَ هذه الشبهاتِ قد صُنِّفَتْ الكتبُ والرسائلُ في الردِّ عليها ، ولكني أحِبُّ ألا يخلوَ بحثُنا من الإشارةِ إلى شيءٍ من ذلك .
وإن من أوائلِ ما يقابِلُنا من هذه الشبهاتِ التي أثارَها الملحِدُون والحاقِدونَ حولَ شخصية النبيِّ الكريمِ صلواتُ الله وسلامُه عليه والتي ما أرادوا بها إلا هدفاً واحداً خبيثاً يوافقُ ما هم عليه من خبثِ الطِّباعِ ؛ قولهم : [ إن محمداً كان رجلاً شهوانياً يسيرُ وراءَ شهواتِه وملذاتِه ولذا عدَّدَ الزوجاتِ بما يزيدُ عن عشرِ نِسوَةٍ ] .(1/104)
والهدفُ الذي أرادوه من إلقاءِ تلكَ الشبهةِ الداحِضَةِ ، هو تأليبُ جنسِ النساءِ الذي يُعَدُّ أساسَ بناءِ المجتمعِ الإسلاميِّ على شخصِ الرسولِ الكريمِ صلواتُ الله وسلامُه عليه ، وذلك لما فَطِنوا له من أهميةِ الدَّورِ الذي تقومُ به المرأةُ في إعلاءِ صرحِ الإسلامِ ، إذا التزَمَتْ بشرعِ الله وما أمرَ به الرسولُ ( ، فأرادوا - ردَّ الله كيدَهم في نحرِهم - استغلالَ طبيعةِ الغَيْرَةِ عندَ المرأةِ ، بالإضافةِ إلى ما أحاطوها به من دعاوى توهِمُها بأنهم يريدونَ لها الحريةَ ! وهي دعاوى ظاهرُها فيه الرحمةُ وباطنُها فيه العذابُ والويلاتُ ، ولكن ! ويمكرونَ ويمكرُ الله والله خيرُ الماكرين ، انفَضَحَتْ دعاواهم وانقلبَ قولهُم عليهم ، ووقعَ الحقُّ وبَطَلَ ما كانوا يعملون ، وغُلِبوا هنالك وانقلبوا صاغرين .
ونحن إذ نرُدُّ على هذه الشبهةِ ؛ نقول : إنه قد انبرى لرَدِّها غيرُ واحدٍ ، وتكلموا فيها بكلامٍ دقيقٍ وواضحٍ لا غموضَ فيه ، وردّوا هذه الفريةَ بأكثرَ من وجهٍ ، وما أذكرُه الآنَ قليلٌ اقْتَبَسْتُ فيه من بعضِ تلكَ الرُّدودِ .
فأقولُ مستعيناً بالله : مَنْ هؤلاءِ المنكرون الذين قاموا لنصرةِ المرأةِ من خلالِ الطعنِ في رسولِ البشريةِ والإنسانيةِ ( ؟ أمِنَ اليهودِ هم أم من النصارى ؟
إن كانوا من أحدِ الفريقينِ فيقالُ لهم : إنَّ كتابَكم المقدس - في زعمِكم - يذكرُ عن بعضِ الأنبياءِ أنه تزوَّجَ الكثيرَ من النساءِ كنبيِّ الله داودَ وابنِه سليمانَ . فما الذي حدثَ حتى أصبحَ النبيُّ ( يُشارُ إليه بأصابعِ الاتِّهامِ ؟ فالنبيُّ ( لم يكنْ بدعاً من الرُّسُلِ بل هو واحدٌ منهم . قال تعالى : ? ????? ??? ????? ?????????? ?????? ?????????? ? ( الأحقاف : 9) .
وقال : ? ???????? ????????????? ?????? ???? ????????? ???????????? ?????? ??????????? ?????????????? ? ( الرعد : 38 ) .(1/105)
ثم إن كتابَكم المزعومَ يصفُ أنبياءَ الله ، بل يصفُ اللهَ - تعالى عما تصفون - بأبشعِ ما يُتَصَوَّرُ ، فهذا يعقوبُ يصارعُ اللهَ ويطرحُه أرضاً ! وهذا نوحٌ يتعرّى ويطَّلِعُ ابنُه على عورته ، وهذا لوطٌ تسقيه ابنتاه خمراً ويفعلُ بهما الفاحشةَ الواحدةَ تِلوَ الأخرى في ليلتَينِ متواليتين ، وهذا داودُ يزني بامرأةِ أوريا ويُتَمِّمُ جريمتَه بتقديمه عندَ التابوتِ في القتالِ ليُقتَلَ فيخلُو له الجوُّ ، وهذا سليمانُ يعبدُ الأصنامَ ويدينُ لآلهةٍ أخرى إرضاءً لشهوته الجارفةِ تجاهَ حبيباتِه من النساءِ ، وغيرُ ذلك من المخازي التي يَندى لها الجبينُ . ولا يسَعُنا إلا أن نقولَ كما قال تعالى : ? ??????????? ???????? ????? ??????????? ?????? ?????????????????? ????? ?????????? ????? ??????????????????????? ????? ???????????? ??????? ????? ??????????????????????? ?????? ( الصافات : 180-182 ) .
فهل لأمثالِ هؤلاءِ حقٌّ في أن تَسمعَ لهم أذنٌ ؟ أو يلتفتَ أحدٌ إلى تُرَّهاتهم إذ يتكلمون في خِيرةِ الخلقِ ؟ وفي أيِّ شيءٍ ؟ في أمرٍ يُعتَبَرُ على أسوأِ تقديراتِهم القذرةِ ، شامةً في جبينِ اعتقاداتهم في الأنبياءِ والمرسلين .(1/106)
وإن كانوا لا دينيين بطوائِفهم المختلفةِ ، فيكفيهم فضائحُهم اللاأخلاقيةُ ، فمؤسِّسُ الشيوعيةِ مثلاً من أصحابِ الشذوذِ الجنسي ، ودعاةُ اللادينيةِ في الغربِ ومن تابعهم ، أصبحت المرأةُ عندهم سلعةً تُعرَض في واجهاتِ المحلات ! ووالله إن المرأة لتُعرَض في بلادِهم عاريةً تجلِسُ كالتمثالِ في واجهةِ المحلِّ كاشفةً عن فرجِها وباقي جسدِها تنتَظِرُ من يأتي لينتقيَ ويدفعَ الثَّمَنَ ! وإن عروضَ العُريْ في المسارحِ وغيرِها ومجلاتِ الجنسِ الفاضحةِ لتشهَدُ بمدى عبوديةِ المرأة عندهم ، حتى إنك لا تكادُ تطرُقُ مكاناً إلا ويقعُ بصرُك على امرأةٍ أو صورةِ امرأةٍ كاشفة عن عوراتها ! وعلى الرغم من كلامِهم هنا على تعدُّدِ الزوجاتِ ، فليس لديهم أيُّ نكيرٍ على تعددِ الخليلاتِ الزانياتِ اللاتي يعتبرُهُنَّ الرجالُ كمرحاضٍ لإلقاءِ القاذوراتِ ، وبعدها تبحث هي عن كيفية التخلصِ من هذه القاذوراتِ من إجهاضٍ وخلافِه ، أو تحتاطُ ابتداءً ، وكثيراً لا ينفعها الاحتياطُ ، فبلادهم تعاني من كثرةِ اللُّقطاءِ وأولادِ الزنا ، وماذا بعدَ هذه العلاقاتِ الخسيسةِ ؟ الإيدز ! وما أدراكَ ما الإيدز ؟ وليس المجالُ هنا مجالَ عرضٍ لما جنَتْ عليه أيديهم وعقولهُم ، بل وفروجُهم ! فالصحفُ والمجلاتُ قد أغْنَتْنا عن عرضِ ما هم فيه من الخوفِ الهالعِ والدمارِ الذي ينتظرونه بينَ الحينِ والآخرِ بسببِ هذه الإباحيةِ(275) .(1/107)
وهؤلاء المغرضون يعرفون بَداهةً حاجةَ الرجلِ الملِحَّةِ إلى أكثرِ من زوجة ، لما يعتري المرأةُ من ظروفِ حيضٍ وحملٍ ونفاسٍ ، وفتراتٍ موسميةٍ تضعُف عندها أثناءها الرغبةُ الجنسيةُ ، بل تكرَه فيها الجماعَ جملةً ، ولما رُكِّبَ في الرجلِ من إمكانيةِ إثارَتِه بأقل ما في المرأة من مفاتن ، بخلاف المرأةِ التي يصعُبُ تحريكُ شهوتها في الغالِبِ إلا بالمداعبةِ أو الإثارةِ الشديدةِ . ولكن بسببِ عدمِ قدرتهم على تحمُّلِ مسئوليةِ أكثرَ من امرأة ، وعدمِ قدرتهم على إدارةِ أكثرَ من بيتٍ وإعالةِ أكثرَ من أسرة ، بل أكثرُهم يهرُب من مسؤوليةِ بيتٍ واحدٍ ! رضوا بهذه الخِسَّةِ وبأن يفرغوا هذه الشهوةَ بتلكَ الطريقةِ القذرة . ثم أعمَلوا عقولهَم التجاريةَ الفذَّةَ في استخدامِ تلك الغريزةِ الطبيعية في جمع ما يمكنُ من المالِ ، والضحيةُ من ؟ هذا المرحاضُ البشريُّ !!(1/108)
فهل أمثالُ هؤلاء يجرؤون على الطعنِ في أعظمِ من كرَّمَ النساءَ ، وحمى لهن حقوقَهن ، وحفظَ لهن إنسانيتهن ؟ هؤلاء الذين عبدوا الجنسَ يتكلمونَ في إمامِ الزاهدينَ وقدوةِ الناسكين ! الذي كانت حياتُه بين العبادةِ والدعوةِ والجهادِ في سبيلِ إخراجِ الناسِ من عبوديةِ العبادِ إلى عبوديةِ ربِّ العبادِ ! وقد حدثني بعضُ الأخوةِ وهو من فضلاءِ المشايخِ أنه رأى بالهندِ معبداً في وسطِه تمثالٌ لفرجِ امرأةٍ وبداخِلِه ذكرُ رَجُلٍ ! والناس هناك يعبدونه ويطوفون به !!! ما أقبحَ ما أوصَلَتْهم إليه عقولهُم ، وأنتجَتْه أفهامُهم . إنَّ الأَبْلَهَ الشاذَّ فرويد الذي يعدونه علماً من أعلامِهم يعتَبِرُ كلَّ ما يجري في هذه الحياةِ من حركاتٍ وسكناتٍ منبعُه ومصبُّه الجنسُ ! حتى الطفلَ البريءَلم ينجُ من فِكرِه ِالسقيمِ القذرِ ! العالمُ كلُّه الآنَ يعيشُ بين فرجِ المرأةِ وذكرِ الرجلِ إلا مَن رحم الله ، حتى دولَ المسلمين الذين تخلوا عن دينهم . فهم جميعاً يُدخِلون المرأةَ في كلِّ شيءٍ لما علموه من شغَفِ الرجلِ الجنسيِّ بها ، وذلك لتروجَ بضاعتُهم وتحققَ لهم المكاسبَ المطلوبة ، فتراها على أغلفةِ الجرائدِ والمجلاتِ ، وعلى علبِ الطعامِ والأغذية ، وعلى الإعلاناتِ ، وفي وسائلِ الإعلامِ ، وفي الطائراتِ ، وفي المكاتبِ ، وفي المحلاتِ ، وفي كلِّ مكانٍ . يضحكون على المرأةِ ويشترطون عليها أن تكونَ كالدميةِ ، ليكسِبوا من ورائِها أكثرَ ، وتخسرُ هيَ وأيُّ خسارةٍ !!
وكلُّ ما ذكرتُه آنفاً ليس من بابِ الدفاعِ عن شخصيته ( ، وإنما هو من بابِ فضحِ هؤلاءِ المغرضين وبيانِ أنهم سائرونَ على المثل القائل : [ رمَتْني بدائِها وانسَلَّتْ ] .(1/109)
وأما الدفاعُ عن الشخصيةِ الكريمةِ فأمْرُه يسيرٌ ، فإنَّ وضوحَ بطلانِ دعوى الطاعنينَ لا يخفى على إنسانٍ يعرفُ شيئاً عن شخصيته ( أو عن حياته ، فكيفَ مع ما سُقناه في هذا الكتابِ من معلوماتٍ عن بعضِ سِماتِه ( ؟ ولكن لا بأسَ بأن نسوقَ بعضَ الأدلةِ على بطلانِ ما ذكروه والله المستعانُ على ما يصفون .
إن هؤلاء المشهِّرينَ المتَقَوِّلينَ ، نسُوا كلّ حقيقةٍ من حقائقِ حياته ( الزوجيةِ التي سُجِّلَتْ لنا بأدقِّ تفاصيلِها ، ولم يذكروا إلا هذا الشيءَ الذي حرَّفوا معناه وقلَبوا مغزاه .
نسوا أنه ( اتَّسَمَ بالطُّهرِ والعِفَّةِ في شبابه فلم يقعْ مرةً فيما كان شبابُ الجاهليةِ يستبيحونه لأنفسهم من اللهوِ المطروقِ لكلِّ طارقٍ من غيرِ مشقَّةٍ ولا نكيرٍ .
ونسوا أنه بلغَ سنَّ النكاحِ وتعداه بسنواتٍ ، ولم يتعسَّفْ في طلبه وهو قادرٌ عليه مع ما أوتيه من الجمالِ والشرفِ في قومه .
ونسوا أنه عندما تزوَّجُ كان هو المخطوبَ وليس الخاطب ! وممن ؟ من امرأةٍ كانت ثيباً أرملةً كبيرةً في السِّنِّ اكتفى بها فترةَ شبابِه وكهولتِه حتى جاوزَ الخمسينَ .
نسوا أنه عندما تزوَّجَ لم يبحثْ عن البِكرِ الجميلةِ الصغيرةِ المطلوبةِ للمتعةِ ، وقد كانتْ بينَ يديه بأيسرِ السُّبُلِ ، فالكلُّ كان رهنَ إشارته ويتمنى مصاهرَتَه . ولم يكن هذا منه ( عن جهلٍ بنوعيةِ المرأةِ التي تُشتَهى لكمالِ الاستمتاعِ ، فقد قال لصاحبِه جابرٍ ( عندما تزوَّجَ : " ما تزوجتَ "؟ فقال جابرٌ : تزوجتُ ثيباً . فقال له : " مالك وللعذارى ولعابها "(276). وإنما كان هذا من كمالِ زهدِه ( ، واهتمامِه بأمورٍ ومقاصدَ أخرى بعيدة عما سَوَّلَتْه لهم نفوسُهم المريضةُ المغرضة .
فهل يعقَلُ أن يتزوَّجَ الأراملَ ويتركَ الأبكارَ ؟ ويتزوجَ في سِنِّ الشيخوخةِ ويترُكَ سنَّ الصِّبا إذا كان غرضُه الاستمتاعَ والشهوة ؟(1/110)
ونسوا أن الرجلَ الذي وصفوه بتغلُّبِ لذاتِ الحسِّ عليه لم يكنْ يشبَعُ في بعضِ أيامه من خبزِ الشعيرِ ، ومفاتيحُ الأرضِ بين يديه ، وأكوامُ الذَّهَبِ يحثو منها لأصحابه ، ومع ذلك همَّ بفراقِ نسائِه كلِّهِنَّ اللائي يمثلن بزعمِهم أهمَّ ما في حياته لما سأَلْنَه بعضَ التوسُّعِ في النَّفَقَةِ ، بل واعتزَلَهُنَّ كلَّهنَّ شهراً كاملاً كما ثبت في الصحيحين وغيرهما .
قال تعالى : ? ????????????????? ??????????? ???? ??????????????? ???? ???????? ??? ?????? ????????????? ???????????? ????????????? ??? ???????????? ??????????????? ????????????????? ?????????? ??????? ???? ?????? ???????? ????????????????? ?????? ???????????? ??????????? ??????????? ????????? ?????? ????????? ????????????????? ???????? ????????? ?????????? ????? ( الأحزاب : 28-29 ) .
نسوا حياتَه ( الحافلةَ بالعبادةِ والدعوةِ والجهادِ والتربيةِ والتعليمِ والتي لم يشغَلْه عنها النساءُ ولم تعبثْ بها الشهوة .
إني أدعوكَ إلى العودةِ مرةً أخرى لتقرأَ البابَ السابقَ لتعرفَ مدى سخافةِ هؤلاء المضلِّلينَ ، ولتعلمَ أنهم نَسوا كلَّ هذا وهو ثابتٌ تاريخياً ثبوتاً يفوقُ ما ثبتَ من تعدادِه للنساءِ . ولكن لماذا نسوه ؟ لأنهم ما أرادوا بيانَ الحقيقةَ وإنما أرادوا التضليلَ والتشويهَ وإبطالَ الحقائقِ . ولكن :
قد تنكرُ العينُ ضوءَ الشمسِ من رمد وينكر الفمُ طعمَ الماء من سَقَمِ .(1/111)
ثم نقول لهم : يا أيها الدعاةُ إلى الزنا ، ويا حماةَ اللوطية والسحاق والشذوذِ الجنسي القذر ، ويا من يشتكي أمَرَّ الشَّكوى من التَّفَكُّكِ الأُسَرِيِّ وكثرةِ الأبناءِ الغيرِ شرعِيِّينَ ويا من ... ويا من ... نقولُ لكم بملئِ أفواهِنا : إن القوةَ الجنسيةَ في الرجلِ ليستٍ عيباً وإنما هي دليلٌ واضحٌ على كمالِ رجولته ، والضعفُ الجنسيُّ عجزٌ ونقصٌ في الرجلِ يؤدي به إلى العُقَدِ النفسيةِ والإحساسِ باللاوجود . والذي يعيبُ الرجلَ استبدادُ الشهواتِ به واستعبادُها له ، وأما إذا كان الرجلُ كاملاً في كلِّ شيءٍ فهذه هي العظمةُ الحقيقيةُ . وقد كانتْ قدرتُه ( الجنسيةُ فائقةً كما كانتْ قدرتُه العسكريةُ والسياسيةُ وكما كانت قدرتُه على تحمُّلِ مشاقِّ الدَّعوةِ وكما كانت قدرتُه على الرضا بشظَفِ العيشِ وغيرِ ذلك ، كما أنه ( مع كمالِه جنسياً كان كاملاً أيضاً في التحَكُّمِ في هذه القدرةِ . فهو كاملٌ في كلِّ شيءٍ .
وأخيراً نقول : إنه على الرغم من أننا لا ننفي أن من دواعي نكاحِه ( رغباتٍ طبيعيةً : كميلٍ للنساءِ ، وتقديرٍ للجمالِ ، ورغبةٍ في النَّسْلِ ، وقضاءٍ للوَطَرِ من الطَّرَفَينِ ، وطلبٍ للألْفَةِ والسكنِ ، وغيرِ ذلك ؛ فهو ( بشرٌ كما قدَّمنا ولكنه أكملُ البشر :
فمبلغُ العلمِ فيه أنه بشرٌ وأنه خيرُ خلقِ الله كلِّهِمِ
نقول إنه على الرغمِ من وجودِ تلكَ الدواعي الطبيعيةِ ، فإن في تعدُّدِ زواجِه ( حِكَماً كثيرةً ؛ منها التعليميةُ ، ومنها التشريعيةُ ، ومنها الاجتماعيةُ ، ومنها السياسيةُ ، وتفاصيلُ ذلك مبحثٌ مستَقِلٌّ بذاته ، ولكننا نُجمِلُ القولَ هنا فنقول :
كان في زواجه ( بأكثرَ من امرأةٍ دَوْرٌ هامٌ جداً في نقلِ التعاليمِ الشرعيةِ الخاصةِ بالنساءِ ، وفي نقلِ دقائقِ الحياةِ الزوجيةِ والمنهجِ النبويِّ فيها ، والتي هي تشريعٌ باقٍ إلى أن يرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها .(1/112)
وكان فيه إبطالٌ لعاداتٍ عندَ أهلِ الجاهليةِ وتشريعٌ لخلافِها بطريقةٍ عمليةٍ ، كإبطالِ عادةِ التَّبَنّي .
وكان فيه توطيدٌ للعلاقاتِ بين النبي ( وبين وَزيرَيْه والخليفتينِ من بعدِه أبي بكر وعمرَ . وكان فيه سببٌ لإسلامِ أقوامٍ وعتقِهم من الرِّقِّ ، وسببٌ في تأليفِ قلوبِ أقوامٍ معادينَ للإسلامِ وإيقافٌ لكثيرٍ من مناوآتهم .
وكان فيه إكرامٌ وإحصانٌ وإعالةٌ لمسْلِماتٍ مؤمناتٍ هَجَرْنَ الأهلَ والبلدَ في سبيلِ الله ولم يبقَ لهنَّ من يقومُ عليهِنَّ .
وكان فيه حفظٌ لأيتامٍ شهداءَ بذلوا دماءَهم وأرواحَهم رخيصةً في سبيلِ هذا الدينِ في أُولى لَبِنَاتِه .
هذا وكثيرٌ غيرُه من الحِكَمِ والمعاني الساميةِ التي تلمَحُها في هذه الزيجاتِ المبارَكةِ ، ولا تكادُ تجدُ امرأةً تزوَّجَها النبي ( إلا وفي زواجِه منها غاياتٌ نبيلةٌ وأغراضٌ رفيعةٌ .
وبعدَ ما قدَّمناه نستطيعُ أن نقولَ : فلتُرْغَمْ الآن الأنوفُ ، ولتُلقَمْ الأفواهُ الصخورَ ، والحمدُ لله ربِّ العالمين(277) .
الباب الثالث
دراسةٌ حولَ رسالتِه (
بينَ يديْ الباب - حاجةُ الناسِ إلى الرِّسالاتِ
البشاراتُ بها - انتظارُ أهلِِ الكتابِ لها - إرهاصاتها - بدايتها - دلائلها - ختمُ الرسالاتِ بها - عمومُها - حفظها - شمولها - شبهات حولها
( بين يدي الباب (
قال تعالى : ? ?????? ?????????? ???? ??????????????????? ?????? ?????? ?????????? ? ( الحج : 75 ) . وقال : ? ???????? ????????????? ?????????? ????????? ??? ??????????? ???????? ?????????? ?????? ???? ???????? ?????? ??????? ?????? ????????? ??????? ?????????? ???????????????? ? ( الأنعام : 124 ) .(1/113)
فليس اختيارُ الرسولِ أمراً عشوائياً - حاشا لله تعالى - بل هو اختيارٌ على علمٍ . والمتَدّبِّرُ في البابِ السّابقِ يتَّضِحُ له ذلك أيَّما اتّضاحٍ ، وليسَ إرسالُ الرُّسُلِ بأمرٍ حتْمِيٍّ حتى تقومَ حجةُ الله على عباده ، وإنما هو تفضُّلٌ منه سبحانه ، لأن حجَّتَه قائمةٌ بما أخذَ على العبادِ قبلَ أن يولَدوا من الميثاقِ بأنه ربُّهم ، وبما أَوْدَعَ في كَوْنِه من دلائِلَ على وحدانيَّتِه سبحانه ، وبما مَنَحَ الإنسانَ من نعمةِ العقلِ التي تدُلُّه على وجودِه سبحانه وتعالى وتفردِّه بخلقِ هذا الكون .
قال تعالى : ? ??????? ??????? ??????? ???? ??????? ??????? ??? ???????????? ????????????????? ??????????????? ??????? ????????????? ????????? ????????????? ????????? ???????? ??????????? ???? ??????????? ??????? ?????????????? ??????? ??????? ???? ??????? ????????????? ????? ????? ???????????? ?????????? ????????? ???????????????? ??? ??????? ????????? ???????????? ????? ???????????? ?????????????????? ????? ??????? ????????????????? ?????? ( الأعراف : 172-173 ) . وقال تعالى : ? ???????? ??????????? ?????? ??????????? ??????? ???????? ???? ???????? ???????????? ?????? ???????? ???? ???????? ??????????? ????? ????????? ???? ???????? ??????????? ?????? ???????? ???? ??????????? ?????????? ?????? ?????????? ????? ( الغاشية : 17-21 ) . وقال تعالى : ? ??????? ????????? ??????????? ??????????? ??????????? ???? ???? ???????????? ????????????????? ?????????? ?????? ??????? ???????? ???? ??????? ????????????? ??????? ??????? ?????????????? ???? ???????? ???????? ??????? ??????? ????????? ?????????? ??????????? ???????????? ? ( يس : 60-62 ) .(1/114)
ولكنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ العذرَ من نفسه ، ثم هو يريدُ أن يَشْرَعَ لخلقِه الشرائِعَ ، ويطلبَ منهم العباداتِ ، ليجزيَ المحسنَ بإحسانِه ، والمسيءَ بإساءته ، ولهذينِ الأمرينِ أرسلَ الله رسلَه وأنزلَ كتبَه .
قال تعالى : ? ??????? ?????????????? ???????????? ???????? ???????? ????????? ????? ?????? ???????? ??????? ??????????? ? ( النساء : 165 ) .
وعن المغيرةِ ( عن رسولِ الله ( قال : " ولا أحدٌ أحبُّ إليه العذرَ من الله ، ومن أجلِ ذلك بعثَ المبشِّرينَ والمنذرين "(278) .
وعن ابن مسعودٍ ( قال : قال رسولُ الله ( : " وليسَ أحدٌّ أحبَّ إليه العذرُ من الله ، من أجل ذلك أنزلَ الكتابَ وأرسلَ الرسلَ "(279) .
فكانت بعثَتُه ( إحدى هذه الرسالاتِ من الله تعالى إلى عبادِه ، تفضَّلَ عليهم بها عندما نظرَ إلى أهلِ الأرضِ عربِهم وعجَمِهم ، فمَقَتَهم ، إلا بقايا من أهلِ الكتابِ ، كما تقدَّم ذكرُه من حديثِ عياضِ بنِ حمارٍ . فختَمَ الله بها الرسالاتِ ، وأكملَ بها الشرائعَ ، والحمدُ لله على كرَمِه ، وله المنةُ والفضلُ على خلقه .
( حاجةُ الناسِ إلى الرِّسالاتِ ((1/115)
وأما حاجةُ الناسِ إلى الرسالاتِ فعظيمةٌ ، أجمَلَها شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في بيانٍ بديعٍ فقال : [ الرسالةُ ضروريةٌ للعبادِ ، لا بدَّ لهم منها ، وحاجتُهم إليها فوقَ حاجتِهِم إلى كلِّ شيءٍ ، والرسالةُ روحُ العالمَ ونورُه وحياتُه ، فأيُّ صلاحٍ للعالمِ إذا عَدِمَ الروحَ والحياةَ والنورَ ؟ والدنيا مظلمةٌ ملعونةٌ إلا ما طلعتْ عليه شمسُ الرسالةِ ، وكذلك العبدُ ، مالم تشرِقْ في قلبه شمسُ الرسالةِ ، وينالُه من حياتها وروحِها فهو في ظلمةٍ ، وهو من الأمواتِ ، قال الله تعالى : ? ????? ??? ????? ?????????? ????????????????????? ???????????? ?????? ??????? ???????? ????? ? ????????? ????? ???????????? ? ??????????????? ??????? ?????????? ?????????? ? فهذا وصفُ المؤمنِ كان ميتاً في ظلمةِ الجهلِ ، فأحياه الله بروحِ الرِّسالةِ ونورِ الإيمانِ ، وجعلَ له نوراً يمشي به في الناسِ ، وأما الكافرُ فميتُ القلبِ في الظلمات ](280) .
وتبعه تلميذُه ابنُ القيمِ فزادَها شيئاً من التفصيلَ ، فقال :(1/116)
فإنه لا سبيلَ إلى السعادةِ والفلاحِ لا في الدنيا ، ولا في الآخرةِ ، إلا على أيدي الرسلِ ، ولا سبيلَ إلى معرفةِ الطَّيِّبِ والخبيثِ على التفصيلِ إلا من جهتهم ، ولا يُنالُ رضا اللهِ البتَّةَ إلا على أيديهم ، فالطَّيِّبُ من الأعمالِ والأقوالِ والأخلاقِ ، ليس إلا هديُهم وما جاءوا به ، فهم الميزانُ الراجِحُ الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقِهم تُوزَنُ الأقوالُ والأخلاقُ والأعمالُ ، وبمتابعَتِهم يتمَيَّزُ أهلُ الهدى من أهلِ الضلالِ ، فالضرورةُ إليهم أعظمُ من ضرورةِ البدنِ إلى روحِه ، والعينِ إلى نورِها ، والروحِ إلى حياتها. فأيُّ ضرورةٍ وحاجةٍ فُرِضَتْ ، فضرورةُ العبدِ وحاجتُه إلى الرُّسُلِ فوقَها بكثير . وما ظنُّكَ بمن إذا غابَ عنك هديُه وما جاءَ به طرفةَ عين ، فَسَدَ قلبُكَ ، وصارَ كالحوتِ إذا فارقَ الماءَ ، ووُضِعَ في المقلاةِ ؟ فحالُ العبدِ عندَ مفارقةِ قلبِه لما جاءَ به الرسلُ ، كهذه الحالِ ، بل أعظمُ ، ولكن لا يُحِسُّ بهذا إلا قلبٌ حيٌّ .
وما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ(281)
هذا وقد اختلفَ الناسُ في الفَرْقِ بينَ الرِّسالةِ والنبوةِ ، أو بالأصَحِّ بينَ الرَّسولِ والنبيِّ ، فمنهم من قال : النبيُّ هو مَنْ نَبَّأَهُ الله بخبرِ السَّماءِ ولم يأْمُرْهُ أن يبلِّغَ غيرَه . والرسولُ هو مَنْ نبَّأَه الله بخبرِ السماءِ وأمرَه أن يبلِّغَ غيرَه(282) .
ومنهم من قال : النبيُّ هو من بَعَثَه الله بشريعةٍ جديدةٍ يدعو إليها ، أو بعثه لتقريرِ شريعةٍ سابقةٍ . والرسولُ هو من بعثه الله بشريعةٍ جديدةٍ يدعو إليها(283).(1/117)
وكلا التَّعريفَيْنِ عندي خطأٌ مَحْضٌ ، ويكفي في إبطالهما قوله تعالى : ? ??????????? ? ????????????? ????????????????? ?????????? ????? ??????? ?????????? ??????? ???????? ??????????? ???? ??????? ?????????? ?????????? ???????????????? ?????????????? ??????? ????? ?????????? ??????????? ? ( مريم : 54-55 ) .
فكونُ الله تعالى جمعَ بين الرسالةِ والنبوةِ لواحدٍ بعينه ، يعني إبطالَ القولِ الأولِ ، لأنه يمتنع أن يكونَ مأموراً بالبلاغِ ، وفي نفسِ الوقتِ غيرُ مأمورٍ به .
وكونُ إسماعيلَ عليه السلام وُصِفَ بأنه رسولٌ ، يعني إبطالَ القولِ الثاني لأنه لم يُبعَثْ بشريعةٍ جديدةٍ ، بل هو مقرِّرٌ لشريعةِ إبراهيمَ عليه السلام .
والذي أراه صواباً - والله أعلم - أن كلاً من الرسولِ والنبيِّ وَصْفٌ لمن بَعَثَه الله تعالى إلى أمةٍ لإبلاغِها ، ووُصِفَ بالنُّبُوَّةِ باعتبارِ رفعةِ مكانِه عند الله ؛ على كونِ اشتقاقِها من النَّباوَةِ وهي الرِّفعةُ ، أو باعتبارِ كونِه طريقاً إلى الله ، وتكونُ مشتقةً من النبي وهو الطريقُ الواضحُ ، أو باعتبارِ أنه يأتيه نبأُ السماءِ على كونِ اشتقاقِها من الإنباءِ وهو الإخبارُ . والأخيرُ أصحُّ حيث قرأ نافعٌ ، وهو إمامُ أهلِ المدينةِ في القراءةِ ، وقراءتُه إحدى القراءاتِ السبعِ المتواترةِ ، بهمزِ تلك المادةِ كلِّها(284) . ويشهدُ لذلك كثيرٌ من الآياتِ المصرِّحَةِ بإنباءِ الله تعالى لرسله . وأما وصفُه بالرسالةِ فباعتبارِ بعثتِه برسالةٍ موجَّهَةٍ لغيره من قِبَلِ الله تعالى .(1/118)
فهذا كوصفِ الرُّسُلِ بأنهم مبشِّرون ومنذِرون ، فهم مبشرونَ من جهةِ حملهم البشرى للمؤمنينَ ، ومنذرون من جهة إنذارهم للعاصين ، ولا يحتاجُ الأمرِ للبحثِ عن عمومٍ وخصوصٍ بين وصفِهِم بالبشارةِ والنذارة . فكذلك في وصفِهم بالرسالةِ والنبوةِ ، فهما وصفانِ متلازمانِ لأنه ما منْ رسولٍ مرسَلٍ برسالةٍ من عندِ الله إلا وهو يأتيه النبأُ من السماء ، وكذلك ما من نبيٍّ يأتيه نبأُ السماءِ إلا وهو مرسَلٌ به إلى غيره ، وفي كلا الأمرين هو في منزلةٍ عاليةٍ ومكانةٍ رفيعةٍ وهو طريقٌ إلى الله .
وإن كانَ ولا بدَّ من التفرقةِ بينهما ؛ فيقال : النبيُّ هو كلُّ من كانتْ له منزلةٌ عاليةٌ عند الله من نوعيةٍ خاصةٍ سواءٌ أرْسِلٍٍ بشريعة أم لم يرسَل , والرسولُ هو كلُّ من كانتْ له منزلةٌ عاليةٌ عند الله فأرسلَه إلى قومٍ بشريعةٍ جديدةٍ أو سابقةٍ .
وعلى هذا يُحمَلٌُ الحديثُ المروي في المسنَد عن أبي ذرٍّ إن صحَّ إسنادُه ، فإن فيه نظراً .
ونكتفي بهذا لضيقِ المقامِ ، والكلامُ في ذلك يحتاجُ إلى رسالةٍ خاصةٍ ، وبالله التوفيقُ .
( الفصلُ الأولُ (
البشاراتُ بها ، انتظارُ أهلِ الكتابِ لها ، إرهاصاتها ، بدءُ أمرِها
ـ البشاراتُ برسالته ( :
وهذه الفقرةُ من هذا الفصلِ الكلامُ فيها يطولُ ، ولكننا سوف نكتفي إن شاء الله تعالى بما تدعو إليه الحاجةُ ، ويخدُمُ الغرضَ المنشودَ من هذا المبحثِ المختَصَرِ .
أما بدءُ أمرِه ( فنفْسَحُ له المجالَ أن يحدِّثَنا عنه :
فعن خالدِ بنِ معدانَ عن أصحابِ رسولِ الله ( أنهم قالوا : يا رسولَ الله ، أخبرنا عن نفسِكَ . فقال : " دعوةُ أبي إبراهيمَ ، وبشرى عيسى ، ورأتْ أمّي حين حَمِلَتْ بي أنه خرجَ منها نورٌ أضاءتْ له بصرى " . وبصرى من أرض الشام(285) .(1/119)
أما قولُه ( : " دعوةُ أبي إبراهيم "، فقد عنى به قولَه تعالى - حاكياً عن إبراهيمَ وإسماعيلَ وهما يبنيان الكعبة - ? ????????? ??????????? ??????? ???????? ????????? ?????????? ?????????? ???????????? ???????????????? ?????????????? ?????????????? ???????????????? ????????? ?????? ??????????? ??????????? ?????? ( البقرة : 129 ) .
وأما قوله : " وبشرى عيسى " ، وفي بعض الروايات : " وبشرى أخي عيسى ". فقد عنى به قولَ الله تعالى : ? ??????? ?????? ?????? ??????? ????????? ?????????? ?????????????? ???????? ??????? ?????? ?????????? ????????????? ?????? ??????? ??????? ???? ???????????????? ????????????? ????????? ????????? ???? ???????? ?????????? ?????????? ? ( الصف : 6 ) .
وإنه لمن الجديرِ بالذِّكْرِ أن من أهمِّ أسبابِ بعثةِ عيسى عليه السلام التوطئةَ لرسالته ( والتبشيرَ به ، ولعلَّ ذلك هو السببُ الذي لأجله نصَّ النبيُّ ( على عيسى فقط ، على الرغم من أنه قد بَشَّرَ به غيرُه من الأنبياءِ . وسيأتي فيما نذكُرُه من النُّقولِ من إنجيل برنابا بيانُ ذلك .
قال تعالى : ? ??????? ??????? ?????? ?????????? ???????????????? ?????? ??????????????? ???? ????????? ?????????? ????? ?????????? ??????? ???????????? ??????? ???????? ?????????????? ????? ???????????????????? ?????? ????????????????? ?????????????? ?????? ?????????? ????????? ?????????? ???????????????? ?????? ??????????????? ?????????? ??????? ????? ???????????????? ????? ( آل عمران : 81 ) .
فما من نبيٍّ إلا وقد أخذَ الله عليه الميثاقَ ، وبالتالي على أمتِه أن يؤمنوا به ( ويناصروه إذا جاءهم ، ولذلك فقد ثبتَ عن جابرٍ ( أن النبيَّ ( قال : " والذي نفسي بيدِه لو أن موسى ( كان حياً ما وَسِعَهُ إلا أن يتبعني "(286) .(1/120)
وسنُرَكِّزُ في هذه الفقرةِ إن شاء الله تعالى على ذكرِ بعضِ البِشاراتِ برسالته ( في التوراةِ والإنجيل ، قال تعالى : ? ??????????? ???????? ??????? ???????????? ???????? ???????????? ????? ???????????? ?????????? ????????????? ???????????? ???????? ????????? ?????????????? ??????? ????? ?????? ??????????????? ?????????? ??? ?????????? ????? ???????? ???????????? ??????? ?????????? ? ???????????????? ?????????????? ? ???????????? ???????? ????????? ??????????? ??????????????? ??????????????????? ?????????????? ?????? ????????? ????????? ????????????? ??????????? ?????? ????????????? ? ( الفتح : 29 ) .
ونظراً لما أحدَثَه أهلُ الكِتابَيْنِ منَ التَّحْرِيفِ والتَّبديلِ في كُتُبِهِم ، وعدمِ وجودِ نسخةٍ موثوقةٍ من الكتابَيْنِ اللَّذَينِ أنزلهما الله تعالى ، فستكونُ النُّصوصُ التي نذكرُها مشيرةً إلى المرادِ غير مصرِّحَةٍ به اللهم إلا ما نذكرُه نقلاً عن مذكَّراتِ الحواري برنابا المسماة ( إنجيل برنابا ) والتي تمَّ اكتشافُ النسخةِ الأولى منها عام 1709 م . بواسطة أحدِ مستشاري ملك بروسيا ويدعى كريمر ، والتي تُعَدُّ أصح الأناجيلِ الموجودةِ الآن .
ونبدأ بذكرِ بعضِ البشاراتِ ، نقلاً من العهدَيْنِ القديمِ والجديدِ والمشْتَمِلَيْنِ على : التوراةِ ، والإنجيلِ ، والمزاميرِ ، وبعضِ أسفارِ الأنبياءِ ، والرسائلِ(287) .(1/121)
جاء في التوراةِ السامرية في سفر التثنية 18 ( 17-22 ) : ( قال لي الربُّ : قد أحسَنوا فيما تكلَّموا ، أقيمُ لهم نبياً من وسَطِ إخوَتِهم مثلَك ، وأجعلُ كلامي في فمِه ، فيكلِّمُهم بكلِّ ما أوصيه به ، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمعُ لكلامي الذي يتكلمُ به باسمي ، أنا أطالبُه . وأما النبيُّ الذي يطغى فيتكلَّم باسمي كلاماً لم أوصِهِ أن يتكلَّمَ به ، أو الذي يتكلمُ باسمِ آلهةٍ أخرى ، فيموت ذلك النبيُّ . وإن قلتَ في قلبكَ : كيفَ نعرفُ الكلامَ الذي لم يتكلمْ به الربُّ ؟ فما تكلمَ به النبيُّ باسمِ الربِّ ، ولم يحدث ولم يصر ، فهو الكلامُ الذي لم يتكلمْ به الرب . بل بطغيانٍ تكلَّم به النبي ، فلا تخفْ منه ) .
فإخوةُ بني إسرائيلَ هم بنو إسماعيلَ ، وليسَ هناك نبياً أُرسِلَ في بني إسماعيلَ غيرُ النبي ( ، كما أنه لم يرسَلْ نبيٌّ بعدَ موسى عليه السلام ، يصدُقُ عليه أنه مثلُ موسى غير النبي ( ، فكلاهما جاء برسالةٍ مستقِلَّةٍ ، وبتشريعاتٍ في الحياة ، وبأمرٍ بقتالِ الأعداءِ ، وغيرِ ذلك . وكلامُ الله الذي يجعلُه في فيه هو القرآنُ الذي لا يشبِهُ كلامَ البشرِ ، والذي يحقِّقُ ذلك أيضاً أمِّيَتَه ( وعدمُ معرفتِه ببلاغةٍ ، ثم هو يتكلَّمُ بهذا الكلامِ العظيمِ ! فكأنما وُضِعَ في فيه وضعًا . ثم مِنَ الدلائلِ لهم على أنه هو ؛ أنَّ ما أخبرَ به وقعَ ، وأن دينَه انْتَشَرَ ، وأنه عاشَ حتى تمَّ له ما أرادَ .
وجاء في سفر التثنية 33 ( 1-2 ) :(1/122)
وهذه البركةُ التي بارك بها موسى- رجل الله - بني إسرائيلَ قبلَ موتِه ، فقال : ( جاءَ الربُّ من سيناء ، وأشرقَ لهم من سَعير ، وتلألأ من جبلِ فاران ، وأتى من ربوات القدس ، وعن يمينه نارٌ شريعة لهم ) ، فمجيءُ الربِّ من سيناءَ إشارةٌ إلى رسالةِ موسى ، وإشراقُه من سعيرِ إشارةٌ إلى رسالةِ عيسى ، وأما تلألُؤُه من جبلِ فارانِ فلا يعني إلا الرسالةَ المحمديةَ لأن جبلَ فاران من جبالِ مكةَ ، وقد نصَّتْ التوراةُ على كونِ إسماعيلَ عليه السلام سَكَنَ برِّيَةَ فاران ( انظر سفر التكوين 21-21 ) وانظر إلى فارقِ التعبيرِ في كلٍّ من الرسالاتِ المشارِ إليها ، وقارِنْ ما هاهنا بقوله تعالى : ? ??????????? ????????????????? ??? ??????? ????????? ??? ????????? ??????????? ?? ????????? ???? ( التين : 1-3 ) . وأما باقي النصِّ فقد حرَّفوه في هذه الترجمةِ التي أنقلُ منها ، وقد جاء في ترجمة سنة 1844م بلفظ ( واستَعْلَنَ من جبلِ فاران ، ومعه ألوفُ الأطهارِ في يمينه سنةٌ من نار ) والنص أصلاً بالعبرية : ( ويومر يهووه مسيناتي به وزارح مسعير لامو هو فيع مهر باران وأتا مر ببوث قودش حيميفو أيش داف لامو ) ، وترجمتة هكذا : ( إن الربَّ جاء من سيناء ، ونهضَ من سعير لهم ، وسطع من جبل فاران ، وجاء مع عشرةِ آلافِ قديس ، وخرجَ من يمينه نار شريعة لهم ) . وعليه فإن باقي النص يتمِّمُ البشارةَ به ( ، فإنه لا يعرَفُ قطُّ نبيٌّ سار بعشرةِ آلافِ قِدّيس غيرِ النبي ( .
فهذا معنى البركةِ التي بارَكَ بها موسى قومَه قبلَ موته بأن بشرَّهم ببعثةِ عيسى ومحمدٍ عليهم جميعاً الصلاة والسلام .(1/123)
وجاء في المزمورِ 45 : ( فاضَ قلبي بكلامٍ صالحٍ ، متكلمٌ أنا بإنشائي للملَك ، لساني قلم كاتب ماهر : أنت أبرعُ جمالاً من بني البشر ، انسكَبَتْ النعمةُ على شفتيك لذلك باركك الله إلى الأبد ، تقلَّدْ سيفَكَ أيها الجبار - جلالك وبهاؤك - وبجلالك اقتحم اركب ، من أجلِ الحقِّ والدَّعَةِ والبر ، فتريك يمينك مخاوف ، نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك ، شعوب تحتك يسقطون ) .
كرسيك يا الله إلى دهر الدهور ، قضيب استقامة قضيب ملكك ، أحببتَ البر وأبغضتَ الإثم ، من أجلِ ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاجِ أكثر من رفقائك . كلُّ ثيابِك مر وعود وسليخة ، من قصور العاج سرتك الأوتار ، بنات ملوك بين حظياتك ، جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير ... إلى أن قال : عوضا عن آبائك يكون بنوك ، تقيمهم رؤساء في كل الأرض ، أذكر اسمك في كل دور فدور ، من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر وإلى الأبد ) .
فهذه البشارةُ منطبقةٌ تماماً عليه ( ، فبراعته في الجمالِ قد سبقَ وأن تكلَّمنا عليها ، وأما تقلُّده سيفَه وركوبُه خيلَه لأجلِ الحق والدعة والبر ، فأمر لا يختلف فيه اثنان ، وقارِن هذا بقوله ( : " بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له "(288) . وأما النَّبل فالمشتَهَر بها العرب بنو إسماعيل ، وقد نصت التوراة على رمي إسماعيلَ بالسِّهامِ ( انظر سفر التكوين21 : 20 ) وفي حديث بناءِ إبراهيمَ للكعبةِ الذي ذكرناه في أولِ الكتاب أن إسماعيلَ كان يَبري نبلَه . وعن سلمة بنِ الأكوع قال : مرَّ رسولُ الله ( على نفرٍ من أسلَمَ ينتَضِلون ، فقال النبيُّ ( : ارمُوا بني إسماعيلَ فإن أباكم كان رامياً ، ارموا وأنا مع بني فلان ... الحديث(289).(1/124)
وفي هذا الحديثِ اهتمامُ النبيِّ ( بالرَّمْيِ ، وسبقَ أن ذكرنا قوله ( لجنودِه في يومِ بدرٍ : " إذا أكثَبوكم فعليكم بالنبل " . واهتمام النبيِّ ( بالرمي بالنبل ، وتحريضُه عليه ، واستعمالُه له في قلوبِ أعداءِ الله ، أشهرُ من أن يُذكَرَ ، ولم يعرَفْ أحدٌ من الأنبياءِ بذلك . وأما قوله : ( شعوبٌ تحتَكَ يسقطون ) ، فلا يمكنُ أن يرادَ به غيرُ النبيِّ ( ، وسقوطُ العربِ والعجمِ تحتَ رسالته ( أمرٌ يعلمُه كلُّ إنسانٍ . وأما قوله : ( مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك ) فواضحٌ جليٌّ ، لأن خصوصياتِه ( على سائرِ الأنبياءِ كثيرةٌ ، وسيأتي ذكرُ بعضِها في الكلامِ على عمومِ بعثته ( . وأما قوله : ( كل ثيابك مر وعود ) فإن أريدَ به ظاهرُه فقد تقدم حبه ( للطيبِ ، واهتمامُه به ، ومدى جمالِ رائحته ( . وأما قوله : ( بنات ملوك بين حظياتك ) فإن أريدَ بالملوكِ ما أريدَ بقوله تعالى لبني إسرائيل : ? ??????????? ??????????? ? ( المائدة : 20 ) فلا شكَّ أن صفيةَ بنتَ حُيَيٍّ من بناتِ الملوكِ . وإن أريدَ بالملوكِ أمثالُ كسرى وغيره ، فقد صارت بناتُ ملوكِ العالم تحتَ خِدمةِ المسلمين ، بل إن شهربان بنت يزدجرد كسرى فارس كانت تحت الحسين ( ، حفيدِ النبي ( .
وأما قوله : ( عوضا عن آبائك يكون بنوك ) فإن أريدَ ببنيه أمته - لأن النبي أبٌ لمن أرسلَ إليهم وأزواجُه أمهاتٌ لهم ، كما في قوله تعالى : ? ??????????? ????????? ?? ??????????????? ???? ????????????? ???????????????? ????????????????? ? ( الأحزاب : 6 ) ، وجاء عن غيرِ واحدٍ من السلفِ أنه كان يقول : وهو أبٌ لهم(290) - فإن أريدَ به ذلك فأمرُه واضحٌ جداً ، وإن أريدَ به أبناؤه حقيقةً ، فإن من أبناءِ الحسنِ ( الكثير ممن ملَكَ مشارقَ الأرض ومغاربها .(1/125)
وأما قوله : ( أذكر اسمك في كل دور فدور ) فيكفي فيه ذكرُ النبي ( في الأذان في البر والبحر ، والسهل والحَزْنِ ، والبدوِ والحضرِ ، والشَّرقِ والغربِ ، من الأبيضِ والأسودِ ، والأصفرِ والأحمرِ ، والعربِ والعجمِ ، وقد قال تعالى : ? ????????????? ???? ???????? ???? ( الشرح : 4 )
ثم تدبر قوله : ( تحمدك الشعوب إلى الدهر وإلى الأبد ) وارتباطه الوثيقُ باسمه الشريف : محمد ( ، الذي يذكرُ به في الأذانِ والصلاةِ والدعوات ، وفي كلِّ حينٍ يذكرُ فيه على ألسنة الملايين من المسلمين ، ليلَ نهار ، وصباحَ مساء . بل على ألسنةِ الكفار والمشركين ، فإنهم عندما يذكرونه باسمه يحمدونه من حيث لا يشعرون ! وقد فطنَ إلى ذلك المشركون الأوائل فأرادوا الهروبَ من ذلك ، فكان كرامة له ( ، فعن أبي هريرةَ ( قال : قال رسولُ الله ( : " ألا تعجبونَ كيفَ يصرِفُ الله عني شَتْمَ قريش ولعنَهم ؟ يشتُمونَ مُذَمَّماً ، ويلعنونَ مُذَمَّماً ، وأنا محمد "(291) . قال الحافظُ ابنُ حَجَرَ : [ والمحمدُ الذي حُمِدَ مرةً بعدَ مرةٍ ] .(1/126)
وجاء في سفرِ أشعياء 42 ( 1-17 ) : بشارةٌ طويلةٌ ببعثته ( ، نقتطفُ منها بعضَها خشيةَ الإطالة : ( هو ذا عبدي الذي سرت به نفسي ، وضعت روحي عليه ليخرج الحق للأمم . لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته ... لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض ، وتنتظر الجزائر شريعته ... أنا الرب قد دعوتك بالبر ، فأمسك بيدك ، وأحفظك ، وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم . تفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة ... لترفع البرية ومدنها صوتها ، الديار التي سكنها قيدار ، لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ، ليهتفوا ، ليعطوا الرب مجداً ، ويخبروا بتسبيحه في الجزائر ... أسير العمي في طريق لم يعرفوها ، في مسالك لم يدروها أمشيهم ، أجعل الظلمة أمامهم نوراً ، والمعوجات مستقيمة ... يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات ، القائلون للمسبوكات أنتن آلهتنا ) .
قارنْ هذا النصَّ بما رواه عبدُ الله بنُ عمروِ بنِ العاص ( لما سُئِلَ عن صِفَةِ رسولِ الله ( في التوراة ، قال : أجلْ ، والله إنه لموصوفٌ في التوراةِ ببعضِ صِفَتِه في القرآن : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وحرزاً للأمِّيينَ ، أنتَ عبدي ورسولي ، سمَّيْتُكَ المتوكلَ ، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا سخّابٍ في الأسواقِ ، ولا يدفعُ بالسيئةِ السيئةَ ، ولكن يعفو ويغفرُ ، ولن يقبضَه الله حتى يقيمَ به الملةَ العوجاءَ ، بأن يقولوا لا إله إلا الله ، ويفتح بها أعينَ عُمْيٍ ، وآذانَ صمٍّ ، وقلوبَ غلفٍ )(292) .
وجاء مثلُه عن عبدِ الله بن سلام الحبرِ اليهوديِّ الذي أسلَمَ بين يديه ( . وجاء أيضاً نحوَه عن كعبِ الأحبارِ وفيه زياداتٌ ، منها ( عبدي المختار ، أمتُه الحمّادون ، يحمدون الله في السراءِ والضراءِ . يحمدون الله في كل منزلة ، ويكبرون على كل شرف ... )(293) .(1/127)
وبعد أن تعقدَ المقارنةَ ، انظر إلى قوله : ( نوراً للأممِ ) ، فإنه لم يُبْعَثْ نبيُّ لكلِّ الأممِ غيرِ النبيِّ ( ، وانظرْ ما سيأتي في كلامِنا على عمومِ البعثةِ . ثم انظرْ إلى قوله : ( الديارُ التي سكنَها قيدار ) فإنه صريحٌ في البشارةِ به ( ، لأن قيدارا من أبناءِ إسماعيلَ بنصِّ التوراةِ ( انظر سفر التكوين : 14:25 ) ثم مَنْ مِنَ الأنبياءِ وصلتْ شريعتُه للجزائرِ ، وهُتِفَ بمجدِ الله وحمدِه على رؤوسِ الجبال في دينه ؟ أليستْ هذه الأمورُ تبدو جليةً في الأذان ، وفي الحجِّ ، وفي الصلواتِ في سائرِ بقاعِ الأرضِ .
ونختمُ كلامَنا على العهدِ القديمِ بما ذكرَه الفاضلُ حيدرُ علي القرشي في كتابه المسمى بخلاصةِ سيفِ المسلمين بالأوردية ( 63 - 64 ) أنَّ القسيس أوسكان الأرمني ترجمَ كتاب أشعيا باللسان الأرمني سنة 1666 وطبعت هذه الترجمة سنة 1733 في مطابع أنتوني بورتولي ويوجد في هذه الترجمة في الباب الثاني والأربعين هذه الفقرة ( سبِّحوا لله تسبيحاً جديداً ، وأثر سلطنة على ظهره ، واسمه أحمد ) قال : وهذه الترجمة موجودةٌ عند الأرمن فانظروا إليها.ا.هـ (294) ، ونكتفي بهذا القدر من العهد القديم ونثَنّي بالعهدِ الجديد :(1/128)
جاء في إنجيل متى 20 ( 1-16 ) : ( فإن ملكوت السماواتِ يشبه رجلاً رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكَرْمِه ، فاتَّفَقَ مع الفعلة على دينارٍ في اليوم ، وأرسلهم إلى كرمه ، ثم خرج نحو الساعةِ الثالثة ورأى آخرين قياماً في السوقِ بطالينَ ، فقال لهم : اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فأعطيكُم ما يحقُّ لكم . فمضوا ، وخرج أيضاً نحوَ الساعة السادسة والتاسعة وفعل ذلك ، ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرجَ ووجدَ آخرين قياماً بطالين ، فقال لهم : لماذا وقفتم ههنا كلَّ النهار بطالين ؟ قالوا له : لأنه لم يستأجِرْنا أحدٌ . قال : اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فتأخذوا ما يحقُّ لكم . فلما كان المساءُ قال صاحبُ الكرم لوكيلِه : ادع الفعلة وأعطِهِم الأجرةَ مبتدئاً من الآخرينَ إلى الأولينَ . فجاء أصحابُ الساعةِ الحاديةَ عشرةَ وأخذوا ديناراً ديناراً ، فلما جاء الأولون ظنوا أنهم يأخذون أكثرَ فأخذوا هم أيضاً ديناراً ديناراً ، وفيما هم يأخذون ، تذمّروا على ربِّ البيتِ قائلين : هؤلاءِ الآخرون عملوا ساعةً واحدةً وقد ساويتَهم بنا نحن الذين احتملنا ثقلَ النهارِ والحر . فأجاب وقال لواحدٍ منهم : يا صاحب ما ظلمتك ! أما اتفقت معي على دينار ؟ فخذ الذي لكَ واذهبْ ، فإني أريدُ أن أعطيَ هذا الأخيرَ مثلَك ، أوَ ما يحلُّ لي أن أفعلَ ما أريدُ بمالي ؟ أم عينُك شريرةٌ لأني أنا صالحٌ ؟ هكذا يكونُ الآخرون أولين والأولون آخرين ، لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون ) .(1/129)
قارن هذا بما رواه ابنُ عمرَ رضي الله عنهما عن النبي ( قال : " مثلُكم ومثلُ أهلِ الكتابَيْنِ كمثلِ رجلٍ استأجَرَ أُجراءَ فقال : من يعملْ لي من غدوةٍ إلى نصفِ النهارِ على قيراطٍ ؟ فعمِلَتْ اليهود . ثم قال : من يعمل لي من نصفِ النهارِ إلى صلاةِ العصرِ على قيراطٍ ؟ فعملت النصارى . ثم قال : من يعملْ لي من العصرِ إلى أن تغيبَ الشمسِ على قيراطينِ ؟ فأنتم هم . فغضبتْ اليهودُ والنصارى فقالوا : ما لَنا أكثرُ عملاً وأقلُّ عطاءً ؟ قال : هل نقصتكم من حقِّكم ؟ قالوا : لا . قال : فذلك فضلي أوتيه من أشاء "(295) .
وعن أبي هريرة وحذيفةَ رضي الله عنهما قالا : قال رسولُ الله ( : " نحن الآخرونَ من أهلِ الدنيا والأولونَ يومَ القيامة المقضيُّ لهم قبلَ الخلائق "(296).(1/130)
فإذا عرفتَ هذا ، فليس هناك أمةٌ بعدَ اليهودِ والنصارى غيرَ أمَّتِهِ ( ، وليس هناك أمةٌ كانت بطّالةً لم تُستَعْمِلْ غيرَ أمةِ العرَبِ ، فإنهم ما أُرسِلَ لهم رسولٌ من عهدِ أبيهم إسماعيلَ عليه السلام الذي هو أصلُ العربِ المستعرِبة ، واليهودُ ينتظرون إلى الآن نبياً واحداً يعلمون أنه آخرُ الأنبياءِ ، والنصارى كذلك ، ولكنهم قالوا في النبي ( : ليسَ به . وادَّعوا أنه من بني إسرائيلَ وهم كذبةٌ في دعواهم تلكَ ، والدليلُ على ذلك ما جاءَ في إنجيلِ متى 21 ( 42-44 ) : ( قال لهم يسوع : أما قرأتُم قطُّ في الكتبِ الحجرَ الذي رفضه البناؤون هو قد صارَ رأسَ الزاوية من قِبَلِ الربِّ كان هذا ، وهو عجيبٌ في أعيننا ! لذلك أقولُ لكم : إن ملكوتَ الله يُنزَعُ منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ، ومن سقطَ على هذا الحجر يترضَّض ، ومن سقط هو عليه يسحقُه ) " . فانظر إلى التعبير بالحجرِ الذي رفضه البناؤون ، وعجيبٌ انطباقُه على أمةِ العربِ ، التي كانتْ أمةً لا قيمةَ لها ولا اعتبارَ ، ومعروفةً بالجهلِ والهَمَجِيَّةِ ، والخلوِّ من العلمِ والرسالات . وانظر إلى النصِّ على كونِ الملكوتِ يُنزَعُ منهم ، فهو صريحٌ في ذهابِ النُّبوةِ من بني إسرائيل . وانظر إلى قوةِ هذا الحجرِ المعبَّرِ عنها في هذا النصِّ ، وكذلك سَحَقَتْ أمةُ الإسلامِ كلَّ من جابَهَها حتى عَلَتْ كلمةُ الله .
وقد جاء في التوراةِ فيما لم نذكُرْه من البشاراتِ الإشارةُ إلى ذلك ، وسنذكُره هنا للمناسبة ، ففي سفر التثنية 32 ( 21 ) : ( هم أغاروني بما ليس إلهاً ، أغاظوني بأباطيلِهم ، فأنا أغيرهم بما ليسَ شعباً بأمةٍ غبيةٍ أغيظهم ) .(1/131)
وجاء في إنجيلِ يوحنا 16 ( 5 - 8 ) : ( وأما الآن فأنا ماض إلى الذي أرسلني ، وليس أحدٌ منكم يسألُني أين تمضي ؟ لكن لأني قلتُ لكم هذا قد ملأَ الحزنُ قلوبَكم ، لكني أقولُ لكم الحقَّ : إنه خيرٌ لكم أن أنطلقَ لأنه إن لم أنطلقْ لا يأتيكم المعزي ، ولكن إن ذهبتُ أُرسِلُه إليكم ، ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة ) .
وقد كان النص في الطبعاتِ سنة 1821 و 1831 و 1844 خالياً من لفظة : ( المعزي ) ، ويوجد فيه بدلاً منها : ( الفارقليط ) ! ولما كانت ترجمةُ الفارقليط من اليونانيةِ إلى العربية تعني محمداً ، بدَّلوها في الطبعاتِ الأخيرة ! وهذه عادةٌ عندَهم ، فهم يتلاعبونَ بكثيرٍ من النصوصِ في الترجماتِ المختلِفة ، وقد نقلَ كثيرٌ من أهلِ العلمِ نصوصاً قد قرؤوها في كتبِهم ولا توجدُ الآنَ ، ومن ذلك ما ذكره ابنُ حزمٍ في كتابه الفصل قال : ( وفي المزمورِ الحادي والستين أن العربَ وبني سبأَ يؤدّون إليه المالَ ويتَّبعونه ، وأن الدمَ يكونُ له عندَه ثمنٌ ، وفيه أيضاً ويظهرُ من المدينةِ هكذا نصاً )(297) ولم أجدْ هذا النصَّ في المزاميرِ ولا غيرِها بعدَ البحث .
وأياً كان اللفظُ المذكورُ في النصِّ الذي سُقناهُ من إنجيلِ يوحنا ، فإن البشارةَ فيه بالرسولِ ( واضحةٌ ، ودعواهم أن المعزى هو الرُّوح المنزل على الحواريينِ بعدَ رفعِ عيسى عليه السلام باطلٌ من ثلاثةَ عشرَ وجهاً فصَّلها الشيخُ رحمةُُ الله بنُ خليلِ الرحمنِ الهندي(298) ، أظهرُها لكلَّ متدَبِّرٍ : أن قولَه : يبكت العالم ... الخ لم يكنْ من عملِ هذا الروحِ على الإطلاقِ . وأيضاً فإن الروحَ المذكورَ قد نَزَلَ في وجودِ عيسى ، وهو هنا يقول : إنه إن لم ينطلقْ لا يأتيهم .
ثَمَّتَ بشارةٌ أخرى نُنهي بها الكلامَ عن هذهِ الأناجيلِ وهي من دلائلِ تحريفِ الترجمةِ أيضاً :(1/132)
جاء في إنجيل لوقا 2 ( 14 ) في قصةِ ميلادِ المسيحِ أن الملائكةَ ظَهَرَتْ للرُّعاةِ قائلينَ : ( المجدُ لله في الأعالي ، وعلى الأرضِ السلامُ وبالناسِ المسرة ) .
وهنا يناقشُ الترجمةَ قسٌّ كبيرٌ من كبارِ القساوِسَةِ هداه الله تعالى إلى الإسلامِ ، وهو البروفسور عبدُ الأحدِ داود ، فيُثبِتُ من خلالِ مناقشته تحريفَ هذه الترجمة ، أن أصلَ كلمةِ السلام وهي لفظةٌ ( إيريني ) ترجمتها الصحيحة ( الإسلام ) ! وأن أصلَ كلمةِ المسرة وهي لفظة ( أيودوكيا ) ترجمتُها الصحيحةُ محمدٌ أو أحمدُ ! ويقرِّرُ هذا بمبحثٍ لغويٍّ نفيسٍ ، ويستدِلُّ بأدلةٍ من الإنجيلِ على بطلانِ معنى الترجمةِ الموجودةِ حالياً . وقد أعانه على ذلك خبرتُه الواسعةُ بهذا الدين ، وتمكُّنُه العجيبُ من لغته الأصليةِ ، بحيث كشفَ الكثيرَ من عوراتهم على رؤوسِ الأشهادِ(299) ويقول الدكتورُ أحمد شلبي : ( ومما يؤيِّدُ بطلانَ هذه الترجمة أن تولوستوي المفكرَ الروسيَّ الشهيرَ ، كتبَ مؤلَّفاً عن الأناجيلِ الأربعةِ ، ورتَّبَ من الأربعةِ الأناجيلِ إنجيلاً واحداً ، ربَطَ جملَ الآياتِ المفيدة - على زعمه - بعضَها ببعضٍ ، ولم يُثبِتْ تولوستوي هذه الآية في إنجيله الشاملِ زاعماً أنها من الآياتِ المحرَّفَةِ التافِهَةِ ومن لغوِ القولِ )(300).
ونختم هذه الفقرةَ المباركةَ ، والذي يطولُ فيها الكلامُ ويطولُ ، بفقْرَتَيْنِ من إنجيلِ برنابا بدونِ تعليقٍ ، لأن الكلام حولَ هذا الإنجيل يزيدُ البحثَ طولاً ، وقد اكتَفَيْنا بفقرتينِ فقط للدَّلالةِ على ما فيه من بابِ الإشارةِ ، وإلا فهو مليءٌ بالبشاراتِ الدالةِ على رسالتِه ( ، والمصَرِّحَةِ باسمه في بعضِ الأحايين ، وقد اسْتَقْصَيْتُ ذلك في السيرةِ الصحيحةِ .(1/133)
يقول برنابا في 43 ( 13-31 ) ، 44 ( 1-31 ) : ( الحقُّ أقولُ لكم : إنَّ كلَّ نبيٍّ متى جاء فإنه يحملُ لأمةٍ واحدةٍ فقط علامةَ رحمة الله ، ولذلك لم يتجاوزْ كلامُهم الشعبَ الذي أُرسِلوا إليه ، ولكن رسولُ الله متى جاء يعطيه الله ما هو بمثابةِ خاتَمِ يدِه ، فيحمل خَلاصاً ورحمةً لأممِ الأرضِ الذين يَقبَلون تعليمَه ، وسيأتي بقوةٍ على الظالمين ويَبيدُ عبادةَ الأصنام بحيث يخزى الشيطانُ ، لأنه هكذا وعدَ اللهُ إبراهيمَ قائلا : انظر فإني بنسْلِكَ أباركُ كلَّ قبائلِ الأرضِ ، وكما حطَّمْتَ يا إبراهيمُ الأصنامَ تحطيماً هكذا سيفعلُ نسلُك . أجاب يعقوبُ : يا معلَِّمُ قلْ لنا بمن صنعَ هذا العهد ؟ فإن اليهودَ يقولون بإسحقَ ، والإسماعليون يقولون بإسماعيل . أجاب يسوع : ابنُ منْ كان داود ؟ ومن أيِّ ذرية ؟ أجاب يعقوب : من إسحقَ ، لأن إسحقَ كان أبا يعقوب ، ويعقوب كان أبا يهوذا ، الذي من ذريته داود ، فحينئذ قال يسوع : ومتى جاء رسولُ الله فمن نَسْلِ من يكون ؟ أجاب التلاميذ : من داود . فأجاب يسوع : لا تغُشُّوا أنفسَكم ، لأن داودَ يدعوه في الروحِ رباً قائلا هكذا : قال الله لربي : اجلسْ عن يميني حتى أجعلَ أعداءَك موطئاً لقدميك ، يرسلُ الربُّ قضيبَك الذي سيكون ذا سلطانٍ في وسط أعدائِك فإذا كان رسولُ الله الذي تسمونه مسيا ابن داود ، فكيف يسميه داود ربا ؟ صدقوني لأني أقولُ لكم الحق ، إن العهدَ صُنِعَ بإسماعيلَ لا بإسحق . حينئذ قال التلاميذُ : يا معلِّم ، هكذا كُتِبَ في كتابِ موسى أن العهدَ صنِعَ بإسحاقَ . أجاب يسوع متأوِّهاً : هذا هو المكتوبُ ، ولكنَّ موسى لم يكتبْه ولا يشوعُ ، بل أحبارُنا الذين لا يخافون الله ، الحقُّ أقولُ لكم إنكم إذا أعمَلْتُم النظرَ في كلامِ الملاك جبريل ، تعلمون حيث كتبتنا وفقهائنا ، لأن الملاك قال : يا إبراهيمُ سيعلمُ العالمُ كلُّه كيف يحبُّكَ الله ، ولكن كيفَ يعلم العالم محبتَك لله(1/134)
حقاً ؟ يجب عليك أن تفعلَ شيئاً لأجلِ محبةِ الله . أجاب إبراهيم : ها هو ذا عبدُ الله مستعدٌ أن يفعلَ كلَّ ما يريدُ الله . فكلَّم الله حينئذٍ إبراهيمَ قائلا : خذْ ابنَكَ بكرَكَ إسماعيلَ واصعدْ الجبلَ لتقدِّمَه ذبيحةً ، فكيف يكون إسحاقُ البكرَ ؛ وهو لما وُلِدَ كان إسماعيلُ ابنَ سبعِ سنين ؟ فقال حينئذ التلاميذ : إن خداعَ الفقهاءِ لجليٌّ ، لذلك قل لنا أنتَ الحقَّ ، لأننا نعلم أنك مرسلٌ من الله . فأجاب حينئذٍ يسوع : الحقُّ أقولُ لكم إن الشيطانَ يحاولُ دائماً إبطالَ شريعةِ الله ، فلذلك قد نَجَّسَ هو وأتباعُه والمراؤونَ وصانعوا الشرِّ كلَّ شيءٍ اليومَ ، الأولون بالتعليمِ الكاذب ، والآخِرون بمعيشةِ الخلاعةِ ، حتى لا يكادَ يوجدُ الحقُّ تقريباً ، ويلٌ للمرائين ، لأن مدحَ هذا العالم سينقلبُ عليهم إدانة وعذاباً في الجحيم . لذلك أقول لكم : إن رسولَ الله بهاء ، يسر كل ما صنع الله تقريبا ، لأنه مزدان بروحِ الفهمِ والمشورةِ ، روحِ الحكمةِ والقوةِ ، روحِ الخوفِ والمحبة ، روحِ التبَصُّرِ والاعتدالِ ، مزدانٌ بروحِ المحبةِ والرحمةِ ، روحِ العدل والتقوى ، روحِ اللطفِ والصبرِ ، التي أخذ منها من الله ثلاثة أضعافِ ما أعطى لسائرِ خلقه ، ما أسعدَ الزمن الذي سيأتي فيه إلى العالم ! صدقوني إني رأيتُه ، وقدَّمتُ له الاحترامَ ، كما رآه كلُّ نبي ، لأن الله يعطيهم روحه نبوة ، ولما رأيته امتلأتُ عزاءً قائلاً : يا محمدُ ليكن الله معك ، وليجعلني أهلاً أن أحُلَّ سير حذائِك ، لأني إذا نلتُ هذا صرتُ نبياً عظيماً ، وقدوسَ الله ) .(1/135)
وقال في 220 ( 19-20 ) : ( فلما كان الناسُ قد دَعَوني الله وابنَ الله على أني كنتُ بريئاً في العالم ، أراد الله أن يهزأ الناسُ بي في هذا العالم ، بموتِ يهوذا معتقدين أنني أنا الذي متُّ على الصليبِ ، لكيلا تهزأَ الشياطينُ بي في يوم الدينونةِ . وسيبقى هذا إلى أن يأتيَ محمدٌ رسولُ الله ، الذي متى جاء كشفَ هذا الخداعَ للذين يؤمنون بشريعة الله ) .
وبهذه البشارةِ نختمُ هذه الفقرةَ ، ونشرعُ الآنَ في الفقرةِ التالية .
ـ انتظارُ أهل الكتابِ لها :
ونظراً لما تقدَّم من البشاراتِ به ( الموجودةِ في كتبِ أهلِ الكتاب كانت طائفةٌ منهم في انتظارٍ له وترقُّبٍ لوقتِ بعثته حتى أن بعضَهم قَدِمَ المدينةِ لأجلِ ذلك :
فعن عاصمِ بنِ عمرَ بنِ قتادةَ عن رجالٍ من قومه ، قالوا : إن مما دعانا إلى الإسلامِ ، مع رحمةِ الله تعالى وهُداه لنا ، لما كنا نسمَعُ من رجالِ يهود . وكنا أهلَ شركٍ أصحابَ أوثانٍ ، وكانوا أهلَ كتابٍ ، عندَهم علمٌ ليس لنا ، وكانت لا تزالُ بيننا وبينهم شرورٌ ، فإذا نلنا منهم بعضَ ما يكرَهون ، قالوا لنا : إنه قد تقاربَ زمانُ نبيٍّ يُبعَثُ الآن ، نقتلُكم معه قتلَ عادٍ وإِرَمٍ . فكنا كثيراً ما نسمع ذلك منهم . فلما بعثَ الله رسولَه ( أجبناه فآمنّا به ، وكفروا به . ففينا نزلَ هؤلاءِ الآياتِ من البقرة : ? ???????? ?????????? ????????? ????? ????? ?????? ??????????? ??????? ???????? ??????????? ??? ??????? ?? ???????????????? ????? ?????????? ????????? ????????? ????????? ???? ?????????? ????????? ???????? ???????????? ?????? ????? ???????????????? ?????(301) .(1/136)
وعن سلمةَ - وكان من أصحابِ بدر - قال : كان لنا جارٌ من يهودٍ في بني عبدِ الأشهَلِ ، قال : فخرج علينا يوماً من بيته حتى وقفَ على بني عبدِ الأشهل - قال سلمة : وأنا يومئذٍ من أحدثِ من فيه سناً ، على بردةٍ لي ، مضطجعٌ فيها بفناءِ أهلي - فذكرَ القيامةَ والبعثَ والحسابَ والميزانَ والجنةَ والنارَ ، قال : فقال ذلك لقومٍ أهلِ شركٍ أصحابِ أوثانٍ ، لا يرَوْنَ أن بعثاً كائنًا بعد الموتِ ، فقالوا له : ويحكَ يا فلانُ أَوَ ترى هذا كائناً ، أن الناسَ يُبعَثون بعدَ موتِهم ، إلى دارٍ فيها جنةٌ ونارٌ يُجْزَونَ فيها بأعمالهم ؟ قال : نعم ، والذي يُحلَفُ به . ولوَدَّ أن له بحظِّه من تلك النارِ أعظم تَنُّورٍ في الدارِ ، يُحمونَه ثم يُدخِلونه إياه فيطينونه عليه ، بأن ينجوَ من تلكَ النارِ غداً ، فقالوا : ويحك يا فلان ! فما آيةُ ذلك ؟ قال : نبيٌّ مبعوثٌ من نحوِ هذه البلادِ ، وأشار بيده إلى مكةَ واليمنِ ، فقالوا : ومتى تراه ؟ قال : فنظرَ إليَّ وأنا من أحدَثِهم سناً ، فقال : إن يستَنْفِدْ هذا الغلامُ عمرَه يُدْرِكْه . قال سلمة : فوالله ما ذهبَ الليلُ والنهارُ حتى بعثَ الله محمداً رسولًه ( ، وهو حيٌّ بينَ أظهُرِنا ، فآمنا به ، وكفرَ به بغياً وحسداً . قال : فقلْنا له : ويحكَ يا فلانُ ، ألستَ الذي قلتَ لنا فيه ما قلتَ ؟ قال : بلى ، ولكن ليس به(302) .(1/137)
وعن عاصمِ بنِ عمرَ بنِ قتادةَ عن شيخٍ من بني قريظةَ قال لي : هل تدري عمَّ كان إسلامُ ثعلبةَ بنِ سعية ، وأُسيدِ بنِ سعية ، وأسدِ بنِ عُبيد ؟ - نفرٌ من بني هدل ، إخوة بني قريظة ، كانوا معهم في جاهليتِهم ، ثم كانوا سادتهم في الإسلام - قال : قلت : لا والله . قال : فإن رجلاً من يهود من أهلِ الشامِ يقال له : ابن الهيبان . قدم علينا قُبَيل الإسلامِ بسنين . فحلَّ بين أظهرِنا ، لا والله ، ما رأينا رجلاً قطُّ لا يصلي الخمسَ أفضلَ منه . فأقامَ عندنا ، فكنا إذا قحطَ عنا المطرُ ، قلنا له : اخرج يا ابن الهيبان فاستَسْقِ لنا . فيقول : لا والله ، حتى تقدِّموا بين يديْ مخرَجِكم صدقةً . فيقولون له : كم ؟ فيقول : صاعاً من تمرٍ أو مُدَّينِ من شعير . فنُخرجها ، ثم يخرج بنا إلى ظاهرِ حرَّتِنا ، فيستسقي اللهَ لنا ، فوالله ما يبرَحُ مجلسه حتى يمرَّ السحابُ ونُسْقى . قد فعل ذلكَ غيرَ مرَّةٍ ولا مرتينِ ولا ثلاث . قال : ثم حضَرَتْه الوفاةُ عندنا ، فلما عرفَ أنه ميتٌ ، قال : يا معشرَ يهودَ ، ما تَرَوْنَه أخرجني من أرضِ الخمرِ والخميرِ إلى أرضِ البؤسِ والجوعِ ؟ قال : قلنا : إنك أعلمُ . قال : فإني إنما قدِمْتُ هذه البلدةَ ، أتَوَكَّفُ خروجَ نبيٍّ قد أظلَّ زمانُه ، وهذه البلدةُ مهاجرُه ، فكنت أرجو أن يُبعَثَ ، فأتَّبِعُه . وقد أظلَّكم زمانُه ، فلا تُسبَقَنَّ إليه يا معشرَ يهود ، فإنه يُبعَثُ بسفكِ الدماءِ ، وسَبْيِ الذراري والنساءِ ممن خالفَه ، فلا يمنَعُكم ذلك منه . فلما بُعثَ رسولُ الله ( ، وحاصرَ بني قريظة ، قال هؤلاءِ الفتيةُ - وكانوا شباباً أحداثاً - : يا بني قُريظَةَ ، والله إنه للنبيُّ الذي كان عَهِدَ إليكم فيه ابنُ الهيبان . قالوا : ليس به . قالوا : بلى والله إنه لهو بصفَتِه . فنزلوا وأسلَموا ، وأحرَزُوا دماءَهم وأموالهَم وأهْليهم(303) .
ـ إرهاصاتُها :(1/138)
قال شيخُ الإسلامِ : إن آياتِ الأنبياءِ ودلائلَ صِدْقِهم متنوعةٌ ؛ قبلَ المبعثِ ، وفى حياتهم ، وبعدَ موتهم . فقَبل : مثلَ أخبارِ من تقدَّمَ من الأنبياءِ ، ومثلَ الإرهاصاتِ الدالةِ عليه ... الخ كلامه رحمه الله(304) .
وقد تكلَّمْنا عن البشاراتِ ، فلنتكلمْ الآن عن الإرهاصاتِ .
والإرهاصةُ : هي الأمرُ الخارقُ الذي يتقدَّمُ بعثةَ نبيٍّ ، توطئةَ ودلالةً على بعثته . وقال الزمخشريُّ في مادةِ ( رهص ) : ومن المجاز : أرهَصَ الشيءَ وأسَّسَه ، وكان ذلك إرهاصاً للنبوةِ(305). والأمورُ الخارقةُ التي تقدَّمَتَ بعثَتَه ( متعددةٌ قد أطْنَبَ في ذكرِها المصنِّفون ، ولكنَّ غالبَها لا يثبُتُ ولا يصِحُّ عندَ عرضِها على ميزانِ النقدِ الحديثيِّ سنداً ومتناً ، وقد صحَّ بعضُها ، ونذكر من ذلكَ البعضَ أهمَّ أربعةِ أمورٍ :
ـ أوَّلُها وثانيها : يومَ ولادَته . وثالثُها : في طفولته . ورابعُها : عندَ بعثته .
فأما ما كان يومَ ولادَته : فما حدثَ لأصحابِ الفيلِ ، وقد سبقَ بيانُ ولادته ( في ذلك اليوم .
عن ابنِ عباس ( قال : أقبلَ أصحابُ الفيلِ ، حتى إذا دَنَوْا من مكةَ ، اسْتَقْبَلَهم عبدُ المطَّلب ، فقال لملِكِهم : ما جاء بكَ إلينا ، ما عنّاك يا ربنا ، ألا بعثْتَ فنأتيكَ بكلِّ شيءٍ أردتَ ، فقال : أُخبِرْت بهذا البيت الذي لا يدخُلُه أحدٌ إلا أمِنَ ، فجئتُ أُخيفُ أهلَه ، فقال : إنا نأتيكَ بكلِّ شيءٍ تريدُ فارجِعْ ، فأبى إلا أن يدخلَه ، وانطلقَ يسيرُ نحوَه ، وتخلَّفَ عبدُ المطلب ، فقامَ على جبلٍ ، فقال : لا أشهدُ مهلِكَ هذا البيتِ وأهلَه ، ثم قال :
اللهمَّ إن لكلِّ إلهٍ حلالاً فامنَعْ حلالَكْ
لا يغْلِبَنًّ محالهم أبداً محالكْ
اللهم فإن فعَلْتَ فأمْرٌ ما بدا لكْ(1/139)
فأقبَلَتْ مثلُ السحابةِ من نحوِ البحرِ حتى أظَلَّتْهم ، طيرٌ أبابيلَ التي قال الله ( : ? ???????????? ??????????? ???? ???????? ???? ، فجعل الفيلُ يعجُّ عجاً ، فجعلهم كعصفٍ مأكولٍ(306) .
وكذلك ما حدثَ ليلةَ مولِدِه ، من طلوعِ نجمِه الذي يدُلُّ على ولادته ( ، وبه عرفتْ اليهودُ أنه قد وُلِدَ .
فعن حسانَ بنِ ثابتٍ ( قال : والله إني لغلامٌ يفعةٌ ، ابنُ سبعِ سنينَ أو ثمانٍ ، أعقِلُ كلَّ ما سمعتُ ، إذ سمعتُ يهودياً يصرُخُ بأعلى صوته : يا معشرَ يهود . حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له : ويلَكَ ، مالَكَ ؟ قال : طلعَ نجمُ أحمدَ الذي وُلِدَ به .(1/140)
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : كان يهوديٌّ قد سَكَنَ مكةَ ، يتَّجِرُ بها ، فلما كانتْ الليلةُ التي وُلِدَ فيها رسولُ الله ( قال في مجلسٍ من قريش : يا معشرَ قُريشٍ ، هل وُلِدَ فيكم الليلةَ مولودٌ ؟ فقال القوم : والله ما نعلمُه . قال : الله أكبرُ ، أما إذ أخطَأَكم فلا بأسَ ، انظروا واحفَظوا ما أقولُ لكم ، وُلِدَ فيكم هذه الليلة نبيُّ هذه الأمةِ الأخيرةِ بين كَتِفَيْهِ علامةٌ ، فيها شعراتٌ متواتراتٌ كأنهنَّ عرفُ فَرَسٍ ، لا يرضَعُ ليلتينِ ، وذلك أن عِفريتاً من الجنِّ أَدْخَلَ إصبَعَه في فمه فمنعه الرضاعَ . فتصدَّعَ القومُ من مجلِسهم ، وهم يتعجَّبونَ من قولِه وحديثِه ، فلما صاروا إلى منازِلهم ، أخبَرَ كلُّ إنسانٍ منهم أهلَه ، فقالوا : لقد وُلِدَ لعبدِ الله بنِ عبدِ المطلب غلامٌ سَمَّوه محمداً ، فالتقى القومُ ، فقالوا : هل سمعتُم حديثَ هذا اليهوديِّ ؟ بلَغَكُم مولدُ هذا الغلامِ ؟ فانطلقوا حتى جاءوا اليهوديَّ فأخبروه الخبرَ . قال : فاذهبوا معي حتى أنظرَ إليه . فخرجوا به حتى أدْخَلُوه على آمنةَ ، فقال : أَخرِجي إلينا ابنَكِ ، فأخْرَجَتْه ، وكشَفوا له عن ظهرِه ، فرأى تلك الشامةَ ، فوقعَ اليهوديُّ مغْشِياً عليه ، فلما أفاقَ ، قالوا : ويلَكَ مالَكَ ؟ قال : ذهبتْ واللهِ النبوةُ من بني إسرائيلَ ، أَفَرِحْتُمْ به يا معشرَ قريش ؟ أما والله ليَسْطُوَنَّ بكم سطوةً يخرج خبرُها من المشرقِ والمغربِ .
وكان في النفرِ الذي قال لهم اليهوديُّ ما قال : هشامٌ ، والوليدُ ، ابنا المغيرة ، ومسافرُ بنُ أبي عمرو ، وعبيدةُ بنُ الحارث ، وعقبةُ بنُ ربيعة - شابٌ فوقَ المحتلم - في نفرٍ من بني عبدِ منافٍ وغيرُهم من قريش(307) .(1/141)
وهذا النجمُ هو ما يُسمى عند علماءِ الهيئةِ منْ أهلِ المشرقِ : قرانُ ملةِ الإسلامِ ، أو قرانُ الملة . وهو عندَهم عبارةٌ عن اقترانِ المريخِ بزحلٍ في برجِ العقربِ ، وأن النبيَّ ( ، وُلِدَ في السنة الأولى من هذا القرانِ ، بعدَه بقليل(308) .
وأما في طفولتِه ( : فحادثةُ شقِّ الصَّدْرِ التي حَصَلَتْ له وهو في باديةِ بني سعدٍ ، وقدْ جاءتْ من عِدَّةِ طُرُقٍ ، ولن نذكرَ القصةَ بطولها ، إلا أننا سنشيرُ إليها باختصار .
عن أنسٍ ( قال : إن رسولَ الله َ( أتاه جبريلُ ( وهو يلعَبُ مع الغلمانِ ، فأخذه فصَرَعَه فشقَّ عن قلبِه ، فاسْتَخْرَجَ القلبَ ، فاستخْرَجَ منه علقةً ، فقال : هذا حظُّ الشيطانِ منكَ . ثم غَسَلَه في طِسْتٍ من ذهبٍ بماءِ زمزمَ ، ثم لأَمَهُ ، ثم أعادَه في مكانه . وجاء الغلمانُ يَسْعَوْنَ إلى أمِّه - يعني ظئرَه - فقالوا : إن محمداً قد قُتِلَ . فاسْتَقْبَلوه وهو منتَقِعُ اللونِ .
قال أنسٌ : وقد كنتُ أرى أثرَ ذلك المَخِيطِ في صدرِه(309) .
وأما ما كان عند بعثَتِه ( فهو تسليمُ الحجرِ عليه :
فعن جابرٍ ( قال : قال رسولُ الله ( : " إني لأعرفُ حَجَراً بمكةَ كان يسلِّمُ عليَّ قبلَ أن أُبعثَ ، إني لأعرِفه الآن "(310).
ـ بدايتُها :
أما بدايةُ رسالتِه ( ، فهي كما وَصَفَتْها عائشةُ رضي الله عنها بقولها :(1/142)
أولُ ما بُدِئَ به رسولُ الله ( من الوحيِ الرُّؤيا الصالحةُ في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءتْ مثلَ فَلَقِ الصبحِ . ثم حُبِّبَ إليه الخلاءُ ، وكان يخلو بغارِ حِراءٍ فَيَتَحَنَّثُ فيه - وهو التعبُّدُ - اللياليَ ذواتَ العَدَدِ ، قبل أن يَنْزِعَ إلى أهله ويتزودَ لذلك ، ثم يرجع إلى خديجةَ فيتزَّودُ لمثلِها ، حتى جاءه الحقُّ وهو في غارِ حراءٍ ، فجاءه الملَك فقال : اقْرأ . قال : " ما أنا بقارئٍ " . قال : " فأخذني فغطَّني حتى بلغَ مني الجُهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . قلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثانيةَ حتى بلغَ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة ، ثم أرسلني فقال : ? ????????? ???????? ???????? ???????? ?????? ??? ?????? ????????????? ???? ?????? ??? ??????????? ?????????? ????????????? ???? فرجع بها رسولُ الله ( يرجُفُ فؤادُه ، فدخل على خديجةَ بنتِ خويلدٍ رضي الله عنها فقال : " زمّلوني زملوني " . فزمَّلوه حتى ذهبَ عنه الروع ، فقال لخديجةَ وأخبرَها الخَبَرَ : " لقدْ خَشيتُ على نفسي " . فقالت خديجةُ : كلا والله ما يُخزيكَ الله أبداً ، إنك لتصِلُ الرَّحِمَ ، وتحمِلُ الكَلَّ ، وتكسِبُ المعدومَ ، وتُقْري الضيفَ ، وتُعينُ على نوائبِ الحقَّ . فانْطَلَقَتْ به خديجةُ حتى أتتْ به ورقةَ بنَ نوفلِ بنِ أسدٍ بنِ عبدِ العزّى - ابنَ عمِّ خديجةَ - وكان امرَأً تنَصَّرَ في الجاهلية ، وكان يكتبُ الكتابَ العَبرانيَّ ، فيكتُبُ من الإنجيلِ بالعبرانية ما شاءَ الله أن يكتبَ ، وكان شيخاً كبيراً قد عميَ ، فقالت خديجةُ : يا ابنَ عمِّ اسمعْ من ابنِ أخيكَ . فقال له ورقةُ : يا ابنَ أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسولُ الله ( خبرَ ما رأى . فقال له ورقة : هذا الناموسُ الذي نزَّلَ الله على موسى ، يا ليتَني فيها جذعاً ، ليتني أكونُ حياً إذ يُخرِجُكَ قومُكَ . فقال رسولُ(1/143)
الله ( : " أَوَ مُخْرِجِيَّ هم " ؟ قال : نعم ، لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثلِ ما جئتَ به إلا عُودي ، وإن يُدْرِكْني يومُك أنْصُرْكَ نصراً مؤزَّراً . ثم لم يَنْشَبْ ورقةُ أن توفي ، وفَتَرَ الوحيُ "(311).
وأمرُ الرسالةِ أمرٌ عظيمٌ ، فعلى الرغم من أن الله تعالى كان قد هيأَ رسولَه ( إلى تَقَبُّلِ مثلِ هذا الأمرِ بمقدِّماتٍ عديدةٍ ، وقد ذكَرْنا بعضَها في الإرهاصاتِ ، ونزيدُ هنا أنه ( مَكَثَ قبلَ بِعثَتِه سبعَ سنينَ يرى الضوءَ ويَسمَعُ الصوتَ(312) ، ثم أراه الله ( ما وَقَعَ له في غراءِ حراءٍ في رؤيا منامِيَّةٍ(313) ، توطِئَةً لرؤيا اليقظةِ وتهيئةً لنفسه ( ، أقولُ : على الرغم من ذلكَ كلِّه لم يَقْوَ النبيُّ ( على تَحَمُّلِ مثلِ هذا الأمرِ من أولِ وهلَةٍ ، واشتكى ، ففَتَرَ الوحيُ عنه ( فترةً يسيرةً هدأتْ فيها نفسُه نوعاً ما كما سيأتي . وكان من مزاياها أنه ( اشتاقَتْ نفسُه لعَوْدِ الوحيِ له مرةً أخرى ، فعادَ ولكن بصورةٍ أخرى أقوى من الأولى ، ولم يمهَّدْ له برؤيا مناميةِ ، وهذا كلُّه تمحيصٌ وتقوية لقلبه ( على تحمُّلِ الوحيِ فكان من أمرِه في تلكَ المرَّةِ ما يحكيه لنا جابرٌ ( عن الرسولِ ( وهو يحدِّثُ عن فترةِ الوحي ، فقال في حديثه : " بينا أنا أمشي ، إذ سمعتُ صوتاً من السماءِ ، فرفَعتُ بصري ، فإذا الملَكُ الذي جاءني بحراءٍ جالسٌ على كرسيٍّ بينَ السماءِ والأرضِ ، فرُعِبْتُ منه ، فرجَعت فقلت : زملوني . فأنزل الله تعالى : ? ???????????????? ??????????????? ??? ????? ???????????? ???? إلى قوله : ? ???????????? ???????????? ???? فحَمِيَ الوحيُ وتَتَابَعَ "(314) .(1/144)
وهكذا أصبحَ النبيُّ ( مؤهَّلاً لأن يتتابعَ عليه الوحيُ . وهنا يفرِّقُ بعضُ أهلِ العلمِ بين نزولِ اقرأ ، ونزولِ يا أيها المدَّثِرُ ، فيرى أنه ( نُبِّئَ بنزولِ اقرأ ، وأُرسِلَ بنزول يا أيها المدثر(315) . وهذا إنما بناه قائلُه على وجودِ فرقٍ بين النُّبُوَّةِ والرسالة ، وقد تكلَّمنا على ذلك في أوائلِ مبحثِ ما يتعلقُ برسالته ( فليُراجَع .
ثم إن فترةَ الوحيِ لم تكنْ بالطويلةِ بل كانت يومينِ أو ثلاثة :
فعن جُندبٍ ( قال : اشتكى رسولُ الله ( فلمٍ يقُمْ ليلتينِ أو ثلاثاً ، فجاءتْ امرأةٌ فقالتْ : يا محمدُ ، إني لأرجو أن يكونَ شيطانَك قد تَرَكَكَ ، لم أرَهُ قَرَبَكَ منذ ليلتين أو ثلاثاً ، فأنزلَ الله ( : ? ???????????? ??? ???????????? ?????? ?????? ??? ??? ????????? ???????? ????? ??????? ???? (316) . فكانت السورةَ التاليةَ لـ ( يا أيها المدثر ) هي سورة الضحى .
ولِقِصَرِ تلكَ الفترةِ ، والتي كما ذكرنا إنما هي للتهيئةِ والتوطِئَةِ ، ولم يكنْ النبيُّ ( قد اسْتَثْبَتَ فيها من أمره ؛ يُعتَبَرُ ( بدأ بالبلاغِ لتلكَ الرسالةِ من لحظتِها الأولى ، وكانت البدايةُ بخديجةَ ، واستمرَّ البلاغُ سرِّياً ، حتى أمره الله ( بأن يُنذِرَ عشيرَته الأقربينَ علناً ، وأمَرَه بأن يصدَعَ بما يؤمَرٌ ، قال تعالى : ? ?????????? ???????????? ??????????????????? ?????? ( الشعراء : 214 ) ، وقال : ? ??????????? ?????? ????????? ????????????? ???? ??????????????? ????? ( الحجر : 94 ) .(1/145)
وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال : لما نزلت ? ?????????? ???????????? ??????????????????? ?????? صَعَدَ النبيُّ ( على الصَّفا فجعل ينادى : يا بني فهرٍ ، يا بني عدي - لبطونِ قريش- حتى اجتمعوا ، فجعلَ الرجلُ إذا لم يستطِعْ أن يخرُجَ أرسلَ رسولاً لينظُرَ ما هو ، فجاء أبو لهبٍ وقريشٌ . فقال : " أرأيتكم لو أخبرتُكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تُغيرَ عليكم أكنتم مصدِّقِيَّ " ؟ قالوا : نعم ، ما جرَّبنا عليك إلا صدقاً . قال : " فإني نذيرٌ لكم بين يَدَيْ عذابٍ شديدٍ " . فقال أبو لهب : تباً لك سائرَ اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت ? ????????? ??????? ??????? ?????? ???????? ??? ???? ??????????? ???????? ????????? ????? ?????? ???? (317) . وبالحديث عن بدايةِ رسالتِه ( ، ينتهي الفصلُ الأولُ ، ونشرَعُ الآن في الفصلِ الثاني ، والله الموفق .
( الفصلُ الثاني (
دلائلُ رسالةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
مازال الناسُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ، يطالِبون أيَّ صاحبِ دعوى بالدليلِ والبرهانِ على صدقِه فيما ادَّعاه ، وهذا هو سبيلُ العُقَلاءِ . ولا يَضيرُنا وجودُ بعضِ البُلْهِ من الناس ، ممن تنطلي عليهم بعضُ الدعاوى التي لا دليلَ عليها ولا برهان . وقد أيَّدَ الله رسلَه وأنبياءه ، بالأدِلَّةِ السّاطعةِ ، والبراهينِ القاطعة ، التي تُثْبِتُ صدقَهم في دعواهم أنهم مرسَلونَ من عندِ الله تبارك وتعالى . وقد كان للحبيبِ محمد ( النصيبُ الأوفى من تلك الدلائلِ ، على الرغم من كون سيرته ( قبل بعثته كانت كافيةً في الدلالة على صدقِه في دعواه ، فإذا أضيفَ إليها ما كان يدعو إليه من تعاليمِ تلكَ الرسالة ، لم يعُدْ لأحدٍ حجةٌ في تكذيبه . وبهذا فقط استدَلَّ هرقلُ على صحةِ رسالته ، وقد أشرنا لبعضِ ذلك فيما تقدم ولكنْ آنَ الأوانُ لسَوْقِ هذا الحديثِ الرائعِ :(1/146)
عن أبي سفيانَ بنِ حربٍ أن هرقلَ أرسلَ إليه في ركبٍ من قريش ، وكانوا تُجّاراً بالشامِ في المدةِ التي كان رسولُ الله ( مادَّ فيها أبا سفيانَ وكفّارَ قريش . فأتَوْهُ وهم بإيلياء ، فدعاهم في مجلسه وحولَه عظماءُ الرومِ ، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال : أيُّكُمْ أقربُ نَسَباً بهذا الرجلِ الذي يزعُمُ أنه نبيٌّ ؟ فقال أبو سفيان : فقلت : أنا أقربهم نسباً . فقال : أَدْنُوه مني ، وقرِّبوا أصحابَه فاجعَلوهم عندَ ظهره . ثم قال لتَرجُمانه : قل لهم : إني سائلٌ هذا الرجلَ ، فإن كَذَبَني فكذِّبوه . فوالله لولا الحياءُ من أن يأثِروا عليَّ كَذِباً لكذبتُ عنه . ثم كان أوَّلَ ما سألني عنه أن قال : كيف نسبُه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القولَ منكم أحدٌ قبلَه ؟ قلت : لا . قال : فهل كان من آبائِه من مَلِكٍ ؟ قلت : لا . قال : فأشرافُ الناس يتَّبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقلت : بل ضعفاؤهم . قال : أيزيدونَ أم ينقصُونَ ؟ قلت : بل يزيدون . قال : فهل يرتَدُّ أحدٌ منهم سَخْطَةً لدينه بعد أن يدخلَ فيه ؟ قلت : لا . قال : فهل كنتم تتَّهمونه بالكذبِ قبل أن يقولَ ما قال ؟ قلت : لا . قال : فهل يغدِرُ ؟ قلت : لا ، ونحن منه في مدةٍ لا ندري ما هو فاعلٌ فيها . قال : ولم تُمَكِّني كلمةٌ أُدخِلُ فيها شيئاً غيرَ هذه الكلمة . قال : فهلْ قاتلتموه ؟ قلت : نعم ، قال : فكيف كان قتالُكم إياه ؟ قلت : الحربُ بيننا وبينه سجالٌ ، ينالُ منا وننالُ منه . قال : ماذا يأمرُكم ؟ قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم . ويأمرُنا بالصلاةِ والصِّدقِ ، والعفافِ والصِّلةِ . فقال للترجمان : قل له : سألتُك هل قال أحدٌ منكم هذا القولَ ؟ فذكرتَ أن لا ، فقلتُ : لو كان أحدٌ قالَ هذا القولَ قبله لقُلت رجلٌ يأتَسي بقولٍ قيلَ قبلَه . وسألتُك هل كان من آبائه من ملك ؟ فذكرت أن لا قلت : فلو كان من(1/147)
آبائه من ملكٍ قلتُ رجلٌ يطلبُ ملكَ أبيه . وسألتك هل كنتم تتَّهمونه بالكذبِ قبل أن يقولَ ما قال ؟ فذكرت أن لا ، فقد أعرفُ أنه لم يكنْ لِيَذَرَ الكذبَ على الناس ويكذبَ على الله ، وسألتُك أشرافُ الناسِ اتَّبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه ، وهم أتباعُ الرسل ، وسألتُك أيزيدون أم ينقصون ؟ فذكرتَ أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمانُ حتى يتمَّ . وسألتك أيرتَدُّ أحدٌ سخطةً لدينه بعد أن يدخلَ فيه ، فذكرتَ أن لا ، وكذلك الإيمانُ حين تخالِطُ بشاشَتَه القلوبَ . وسألتك هل يغدِرُ ؟ فذكرتَ أن لا ، وكذلك الرُّسُلُ لا تغدِرُ . وسألتك بما يأمرُكم ؟ فذكرتَ أنه يأمرُكم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمرُكم بالصلاةِ والصدقِ والعفافِ . فإن كان ما تقولُ حقاً فسَيَمْلِكُ موضعَ قدَمَيَّ هاتين . وقد كنتُ أعلمُ أنه خارجٌ لم أكنْ أظنُّ أنه منكم ، فلو أني أعلمُ أني أخلُصُ إليه لتَجَشَّمْتُ لقاءَه ، ولو كنتُ عندَه لغسَلْتُ عن قَدَمِه . ثم دعا بكتابِ رسولِ الله ( الذي بعثَ به دحيةَ إلى عظيمِ بصرى ، فدفعه إلى هرقلَ ، فقرأه ، فإذا فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمدٍ عبدِ الله ورسولِه إلى هرقلَ عظيمِ الرُّومِ : سلامٌ على من اتَّبَعَ الهدى . أما بعد : فإني أدعوكَ بدعايةِ الإسلامِ ، أسلِمْ تسلَمْ ، يُؤتِكَ اللهُ أجرَكَ مرتينِ . فإن توَلَّيْتَ فإن عليكَ إثمَ الأَرِيسِيِّينَ و ? ????? ???????????????? ????????????? ???????????? ??????? ???????? ????????? ??????????? ?????????????? ??????? ?????????? ??????? ?????? ????? ?????????? ????? ????????? ????? ?????????? ???????????? ???????? ????????????? ???? ????? ??????? ??????? ???????????? ??????????? ???????????????? ?????????? ?? ????????? ?????" . قال أبو سفيانَ : فلما قال ما قالَ ، وفرغَ من قراءةِ الكتابِ ، كَثُرَ عندَه(1/148)
الصَّخَبُ ، وارْتَفَعَتْ الأصواتُ ، وأُخْرِجْنا . فقلت لأصحابي حين أُخرِجْنا : لقد أَمِرَ أمْرُ ابنِ أبي كَبْشَةَ ، إنه يخافُه مَلِكُ بني الأصفر . فما زلتُ موقناً أنه سيظهرُ حتى أدخَلَ الله عليَّ الإسلامَ(318) .
وعلى الرغم من وضوحِ صحةِ دعواه ( بما قدَّمْناه ، فإن الله تعالى أبى إلا أن يُقيمَ الحجةَ على جميعِ عبادِه على صحةِ هذه الرسالة ، سواءٌ منهم من يعرفُ شخصَه ( ومن لم يعرِفْه ، وسواءٌ منهم العربي والعجمي ، وسواءٌ منهم من أدرَكه ومن لم يُدْرِكْه ، وذلك لعمومِ تلكَ الرسالةِ وبقائِها إلى أن يرِثَ الله الأرضَ ومن عليها ، كما سيأتي بيانًه في الفصلِ الثالثِ إن شاء الله تعالى .
وكان أعظمَ ما أوتيه النبيُّ ( دلالة على صحةِ رسالته ، هو نفسُ رسالتِه المتمثلةِ في شِقِّها الأولِ بالقرآنِ العظيمِ الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه . قال تعالى : ? ??????????? ???????? ???????? ????????? ?????????? ???? ??????????? ????? ?????????? ???????????? ????? ?????? ????????????? ???????? ???????? ???????????????? ???? ????????? ?????????? ?????????? ???????????? ???????? ????????????? ?????????? ??????????? ?????? ? ??????? ??????????? ??????????? ?????????? ?? ?????????? ????? ( العنكبوت : 50-51 ).
عن أبي هريرةَ ( قال : قال النبيُّ ( : " ما مِنَ الأنبياءِ نبيٌّ إلا أُعطيَ من الآياتِ ما مثلُه آمنَ عليه البشرُ ، وإنما كان الذي أوتيتُه وحياً أوحاه الله إليَّ ، فأرجو أن أكونَ أكثرَهم تابعاً يومَ القيامةِ "(319) .
فالقرآنُ الكريمُ هو المعجزةُ الخالدةُ للرسالةِ المحمدية ، وذلك أن المعجزاتِ الأخرى معجزاتٌ وقتِيَّةٌ ، ودلالتُها على صحةِ الرسالةِ لا تكونُ إلا لمن عايَنَها ، ولذا خصَّ النبيُّ ( هذه المعجزةَ هنا بالذكرِ .(1/149)
وللحافِظِ ابنِ حَجَرَ كلامٌ جامعٌ للمعنى الذي لأجله خُصَّتْ هذه المعجزةُ بالذكرِ هنا وها نحن نذكُرُه ، قال : ( قوله " وإنما كان الذي أوتيتُه وحياً أوحاه الله إليَّ " أي : أن معجزتي التي تحدَّيْتُ بها ؛ الوحيُ الذي أُنزِلَ عليَّ ، وهو القرآنُ ، لما اشْتَمَلَ عليه من الإعجازِ الواضحِ ، وليس المرادُ حصرَ معجزاته فيه ، ولا أنه لم يؤتَ من المعجزاتِ ما أوتيَ من تَقَدَّمَه ، بل المرادُ أنه المعجزةُ العظمى التي اختُصَّ بها دونَ غيره ، لأن كلَّ نبيٍّ أُعطِيَ معجزةً خاصةَ به لم يعطَها بعينِها غيرُه تحدّى بها قومَه ، وكانتْ معجزةُ كلِّ نبيٍّ تقَعُ مناسِبَةً لحالِ قومه ، كما كان السحرُ فاشياً عندَ فرعونَ فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنَعُ السحرةُ ، لكنها تلقَّفَتْ ما صنعوا ، ولم يقعْ ذلك بعينه لغيره .
وكذلك إحياءُ عيسى الموتى ، وإبراءُ الأكْمَهِ والأبرَصِ ، لكون الأطباءِ والحكماءِ كانوا في ذلكَ الزمانِ في غايةِ الظُّهورِ ، فأتاهم من جنسِ عَمَلِهم بما لم تَصِلْ قدرتُهم إليه . ولهذا لما كان العربُ الذين بُعِثَ فيهم النبيُّ ( في الغايةِ من البلاغةِ ؛ جاءهم بالقرآنِ الذي تحداهم أن يأتوا بسورةٍ مثلِه فلم يقدِروا على ذلك .
وقيل : المرادُ أن القرآنَ ليس له مثلٌ لا صورة ولا حقيقة ، بخلافِ غيره من المعجزات ، فإنها لا تخلو عن مثلٍ .
وقيلَ : المرادُ أن كلَّ نبيٍّ أُعطِيَ من المعجزات ما كان مثلُه لمن كان قبلَه صورةً أو حقيقةً ، والقرآنُ لم يؤتَ أحدٌ قبلَه مثلَه . فلهذا أردَفه بقوله : " فأرجو أن أكونَ أكثرَهم تابعاً " .(1/150)
وقيل : المرادُ أن الذي أوتيتُه لا يتطرَّقُ إليه تخييلٌ ، وإنما هو كلامٌ معجِزٌ لا يقدرُ أحدٌ أن يأتيَ بما يتخيَّلُ منه التشبيه به ، بخلافِ غيرِه فإنه قد يقعُ في معجزاتهم ما يقدِرُ الساحرُ أن يخيِّلَ شبهه ، فيحتاج من يميِّزُ بينهما إلى نظرٍ ، والنظرُ عرضةٌ للخطأ ، فقد يخطئ الناظرُ فيظنُّ تساويهما .
وقيل : المرادُ أن معجزاتِ الأنبياءِ انقرَضَتْ بانقراضِ عصورهم فلم يشاهِدْهم إلا من حضرَها ، ومعجزةُ القرآنِ تشاهَدُ بالبصيرةِ ، فيكون من يتبعه لأجلِها أكثرَ ، لأن الذي يشاهَدُ بعينِ الرأس ينقرضُ بانقراضِ مشاهِدِه ، والذي يشاهَدُ بعينِ العقلِ باقٍ يشاهِدُه كلُّ من جاء بعد الأولِ مستمراً .
قلت : ويمكن نظمُ هذه الأقوالِ كلها في كلامٍ واحدٍ ، فإن محصَّلَها لا ينافي بعضُه بعضاً(320) .
وأما أوجهُ إعجازِ القرآنِ الدالةُ على كونِه من عندِ الله تعالى فكثيرةٌ جداً ، أعلاها ما جاء فيه نفسه من تحدٍّ للإنسِ والجنِّ باقٍ إلى يومِ القيامةِ على أن يأتوا بمثلِه فلم يحصُلْ ، ولن يحصلَ .
قال تعالى : ? ???? ???????? ????????????? ????????? ??????????? ??????? ???? ???????????? ?????????? ??????? ?????????????? ??? ??????????? ??????????? ??????? ????? ??????????? ???????? ????????? ????? ( الإسراء : 88 ) .
قال الحافظُ ابنُ حَجَرَ : قد جمعَ بعضُهم إعجازَ القرآنِ في أربعةِ أشياء :
ـ أحدها : حسنُ تأليفِه ، والتئامُ كلامِه ، مع الإيجازِ والبلاغةِ .
ـ ثانيها : صورةُ سياقِه ، وأسلوبُه المخالفُ لأساليبِ كلامِ أهلِ البلاغةِ من العربِ نظماً ونثراً ، حتى حارَتْ فيه عقولُهم ، ولم يهتَدوا إلى الإتيانِ بشيءٍ مثلِه مع توفُّرِ دواعيهم على تحصيلِ ذلك ، وتقريعِه لهم على العجزِ عنه .(1/151)
ـ ثالثها : ما اشْتَمَلَ عليه من الأخبارِ عما مضى من أحوالِ الأممِ السالفةِ ، والشرائعِ الدائرةِ ، مما كان لا يُعلَمُ منه بعضُه إلا النادر من أهلِ الكتابِ .
ـ رابعُها : الإخبارُ بما سيأتي من الكوائِنِ التي وقعَ بعضُها في العصرِ النبوي وبعضُها بعده . ومن غير هذه الأربعة : آياتٌ ورَدَتْ بتعجيزِ قومٍ في قضايا أنهم لا يفعلونها ، فعجزُوا عنها مع توفُّرِ دواعيهم على تكذيبه ، كتمني اليهودَ الموتَ . ومنها الروعةُ التي تحصُلُ لسامعه . ومنها أنه آيةٌ باقيةٌ لا تُعدَمُ ما بقيتْ الدنيا . ومنها جمعُه لعلومٍ ومعارفَ لا تنقضي عجائبُها ولا تنتهي فوائدُها(321) .
والحقيقةُ أن المجالَ هنا غيرُ متَّسِعٍ على الإطلاقِ للحديثِ عن جوانبِ إعجازِ القرآنِ ، ولكن نشيرُ هنا إلى الشيءِ اليسيرِ حتى لا نعدم الفائدةَ ، فنجْمِلُ بعضَ المعاني التي يرجعُ إليها براعةُ النظمِ والتأليفِ في تسعِ نقاطٍ فنقول :
1ـ نظمُ القرآنِ ككُلٍّ خارجٌ عن المألوفِ من كلامِ العربِ كالشعرِ والنثرِ وغيرِ ذلك .
2ـ فصاحةُ الألفاظِ ، وقوةُ المعاني ، وكثرةُ الحِكَمِ ، مع عدمِ التفاوتِ والاختلافِ ، مما لا يُعرَفُ في أسلوبِ أحدٍ من البشرِ . قال تعالى : ? ?????? ???????? ????????? ??????????? ? ( الزمر : 23 ) وقال : ? ?????? ????? ???? ????? ????????? ?????? ??????????? ????? ?????????????????? ???????? ? ( النساء : 82 ) .
3ـ اشتمالُ القرآنِ على كثيرٍ من الأغراضِ ، مثل : القصصِ ، والمواعظِ ، والحِكَمِ ، والإعذارِ ، والإنذارِ ، والأحكامِ . وقد جاءَ في أروعِ ما يمكنُ أن يكونَ من براعةِ النظم والتأليف . أما الشاعرُ البليغُ فلا يُجيدُ إلا لوناً واحداً أو لونينِ ، فإذا خرجَ عما اعتادَ عليه وبرَعَ فيه ، أساءَ وقصَّرَ .(1/152)
4ـ أنه وقعَ موقِعاً من البلاغةِ ، عجزَ عن الإتيانِ بمثلِه الجنُّ كما عجزَ الإنسُ ، لأنه تحدّاهم فبلحوا . قال تعالى : ? ???? ???????? ????????????? ????????? ??????????? ??????? ???? ???????????? ?????????? ??????? ?????????????? ??? ??????????? ??????????? ??????? ?? ??? ??????????? ???????? ????????? ????? ( الإسراء : 88 ) . وقال : ? ??????? ???????????? ?????????? ???????? ????? ????????? ???????????????? ????????????? ????????? ????????? ??????????? ???????????? ????????? ??????? ????????? ??????? ?????????? ??????????? ????? ( الأحقاف : 29 ) ، وقال : ? ????? ???????? ???????? ????????? ??????????? ???????? ????? ????????? ????????????? ???????? ?????????? ?????????????? ????????? ??? ???????? ?????? ???????????? ?????????????? ?????? ????? ?????????? ????????????? ???????? ???? ( الجن : 1-2 ) .
5ـ اشتمالُه على جميعِ أنواعِ البلاغةِ ، ويتجاوزُها إلى مالم يعرفْه العربُ ولا يستطيعونه .
6ـ يتضمنُ كثيراً من الأحكامِ الرائعةِ التي لا خلافَ فيها ، والردَّ على الملحدينَ بأبدَعِ الحُجَجِ والألفاظِ ، فأتى بتشريعٍ متكاملٍ ، وهذا لا يستطيعُه البشرُ .
7ـ إذا اقتبسَ منه الأدباءُ بعضَ ألفاظِه ، جمَّلَ أسلوبَهم ، وزادتْ فصاحتُهم ، وتكونُ الآية في كتاباتهم كالقلادةِ في العقد .
8ـ أنه تألَّفَ من حروفِ العربِ ، وقد افْتُتِحَتْ بعضُ السورِ بهذه الحروفِ تنبيهاً على ذلك ، ومع هذا فلم يستطيعوا أن يأتُوا بمثله .
9ـ أتى في أسلوبٍ سهلٍ لا غموضَ فيه ، له تأثيرٌ عجيبٌ في النفوسِ ، يبادرُ معناه لفظَه إلى القلب(322) .
والنقطةُ السادسةُ سيأتي الكلامُ عليها في فصلٍ خاصٍ إن شاء الله تعالى .(1/153)
والقرآنُ معجِزٌ في بيانه ، وفي عجائِبِه ، وفي أسرارِ ترتيبه ، بل في رسمِه ، وطريقةِ تلاوتِه ، بل في كيفيةِ حفظِه إلى الأجيالِ على مرِّ الدُّهورِ .
وإني لمتحَسِّرٌ على عجزيِ عن الإتيانِ بالأمثلةِ على ذلك ، لضيقِ المقامِ . ولكني أُرشِدَ القارئَ إلى بعضِ الكتبِ التي أشْبَعَتْ ذلك بحثاً ، ومع ذلكَ لم تخضْ بعدُ بحراً .
فانظرْ ما كتَبَه الرازي في كتابِه ( عجائبُ القرآنِ ) من أسبابِ تشبيهِ الإيمانِ فيه بالنارِ وتشبيهِه بالنورِ وبالترابِ والماءِ ، وما الحكمةُ في تشبيهِ نورِ المعرفةِ بنورِ السراجِ وبالمصباحِ ، وغير ذلك كثير(323) .
وانظر ما كتبه السيوطي في ( أسرار ترتيب القرآن ) الذي تكلَّمَ فيه عن مناسباتِ ترتيبِ السورِ ، وبيانِ أنَّ كلَّ سورةٍ شارحةٌ لما أُجمِلَ في السورةِ قبلَها ، ومناسبةِ أوائلِ السورِ لأواخرِها ، ومناسبةِ أسماءِ السورِ لها ، وغيرِ ذلك(324) .
وأما رسْمُه ، فانظر ما كتَبه الزركشيُّ في ( فصل اختلافِ رسمِ الكلماتِ في المصحفِ ، والحكمةُ فيه ) ، وذكر أنه قد تصدّى له بالتأليفِ ابنُ البنّاءِ في كتابِه ( عنوانُ الدليلِ في مرسومِ خطِّ التنزيلِ ) وبيَّنَ أن هذه الأحرفَ إنما اختُلِفَ حالُها في الخطِّ ، بحسبِ اختلافِ أحوالِ معاني كلماتها ، ومن فوائدِ ذلك أيضاً التنبيهُ على العوالم الغائبِ والشاهدِ ومراتبِ المقاماتِ ...ثم ذكرَ الزركشيُّ ما يُثبِتُ ذلك بالتفصيلِ(325) .
وأما طريقةُ تلاوتِه وقراءاتِه ، فهي معروفةٌ مشهورةٌ ، لا تُشبِه قراءةَ غيرِه ، ولا يشارِكُه فيها شيءٌ ، والكتبُ في بيانِ ذلكَ كثيرةٌ .
وأما كيفيةُ حفظه من التحريفِ والضياعِ والنسيانِ على مرِّ العُصورِ ، فسيأتي الكلامُ عليها في فقرةٍ خاصةٍ إن شاء الله تعالى .(1/154)
وأما وجوهُ إعجازِ القرآنِ التي تكلَّم فيها أهلُ العلمِ في العصورِ المتأخرةِ فكثيرةٌ ، أثبتَتْ عطاءَ القرآنِ الخالدِ في إقامةِ الحجةِ على الناسِ في كلِّ عصرٍ وزمانٍ .
فإعجازُ القرآنِ في العلومِ الإنسانيةِ وغيرِها من العلومِ الحديثةِ كعلمِ الاجتماعِ ، وعلمِ النفسِ ، وعلمِ الفلسفة ، وعلمِ الأجنةِ ، وعلمِ الطبِّ ، وعلمِ الفلكِ ، وعلمِ النباتِ ، وعلمِ الحيوانِ ، وعلمِ الكيمياءِ ، وعلمِ الوراثةِ ، وعلمِ طبقاتِ الأرضِ ، وعلمِ الفضاءِ ، وعلمِ الحسابِ والعددِ ، بل وعلمِ الموسيقى ! وغيرِ ذلك قد أشْبَعَه الكُتابُ والباحثونَ بدراساتٍ تفصيليةٍ لا تدعُ مجالاً للشَّكِّ في كونِ هذا القرآنِ هو الرسالةَ الخالدةَ المنزلةَ من عند العليم الخبير(326) .
وكذلك فإنَّ سنَّتَه ( شاهدةٌ على صدقِ رسالتِه ، ودالةٌ على نبوَّتِه . وهي الشقُّ الثاني من الرسالةِ والجانبِ الآخرِ منها :
فعن المقدامِ بنِ معدي كرب عن رسولِ الله ( أنه قال : " ألا إني أُوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه ، لا يوشِكُ رجلٌ شبعانَ على أريكته يقول : عليكُم هذا القرآنَ ، ما وجدتم فيه من حلالٍ فأحلُّوه ، وما وجدتُم فيه من حرامٍ فحرِّموه "(327) .
وفي سنَّته ( من جوامعِ الكلمِ ما يحارُ فيه الطرفُ ، وقد سبقَ الدليلُ على أن ذلك مما فُضِّلَ به على سائرِ الأنبياءِ في كلامنا على شخصيتِه ( .
وفي سنته أيضاً من الإخبارِ عن الأممِ الماضيةِ ، والحوادثِ المستقبلةِ ، والإعجازِ العلميِّ ، الشيءُ الكثيرُ(328) .
ونكتفي بهذا الذي ذكرناه حولَ دلالةِ الرسالةِ نفسِها على صحتِها ، والآنَ نذكرُ طرفاً يسيراً جداً في معجزاته ( التي جَرَتْ في زمانِه للدلالةِ على نبوته .(1/155)
قال الإمامُ البيهقيُّ بعد أن تكلَّمَ عن دلالةِ القرآنِ على النبوةِ : ثم إن لنبينا ( وراءَ القرآنِ من الآياتِ الباهراتِ والمعجزاتِ ما لايخفى وأكثر من أن يحصى ... ثم أشارَ إلى البشاراتِ به ، ثم الإرهاصات ، ثم قال : ثم إن له من وراءِ هذه الآياتِ المعجزاتِ : انشقاقَ القمر ، وحنينَ الجذع ، وخروجَ الماء من بين أصابعه حتى توضأ منه ناسٌ كثيرٌ ، وتسبيحَ الطعامِ ، وإجابةَ الشجرةِ إياه حين دعاها ، وتكليمَ الذراعِ المسمومةِ إياه ، وشهادةَ الذئبِ والضبِّ والرضيعِ والميتِ له بالرسالة ، وازديادَ الطعامِ والماءِ بدعائه حتى أصابَ منه ناسٌ كثيرٌ ، وما كان من حلبِه الشاةَ التي لم يَنْزُ عليها الفحلُ ونزولَ اللبن لها ، وما كان من إخباره عن الكوائن فوُجِدَ تصديقُه في زمانه وبعده ، وغير ذلك مما قد ذكر ودون في الكتب .
غيرَ أن الله تعالى لما جمعَ له بين أمرين :
ـ أحدهما : بعثِه إلى الجنِّ والإنسِ عامةً .
ـ ثانيهِما : ختمِه النبوةَ به .
ظاهرَ له من الحججِ ، حتى إنْ شَذَّتْ واحدةٌ عن فريقٍ بلَغَتْهم أخرى . وإن لم تنجَعْ واحدةٌ نجعَتْ أخرى . وإن درَسَتْ على الأيامِ واحدةٌ بقيت أخرى . وله في كلِّ حالٍ ، الحجةُ البالغةُ وله الحمدُ على نظره لخلقه ، ورحمتِه لهم كما يستحقه(329) .
وقال الحافظُ ابنُ كثير- بعد أن تكلَّم عن إعجازِ القرآن ، وبعد أن عَقَدَ فصلاً ذَكَرَ فيه كلاماً رائعاً جامعاً لشيخ الإسلام ابن تيمية ، في إثباتِ نبوتِه ( ، من خلالِ سيرتِه وأخلاقِه وأقوالِه وأفعالِه - قال : ( باب دلائلِ النبوةِ الحِسِّيَّةِ ) ، ثم قال : [ ومن أعظمِ ذلك كلِّه انشقاق القمرِ المنيرِ فِرْقَتَيْنِ . وقال : وقد وردَتْ الأحاديثُ بذلك من طرقٍ تُفيدُ القطعَ عندَ الأمة ] ، ثم ذكره من حديثِ أنسٍ ، وجبيرِ بنِ مطعم ، وحذيفة بن اليمان ، وعبدِ الله بن عباس ، وعبدِ الله بن مسعود ، وعبدِ الله بنِ عمر(330) .(1/156)
ونذكر هنا روايتين من هذه الروايات :
عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ ( قال : انشقَّ القمرُ على عهدِ رسولِ الله ( فرقتينِ : فرقةً فوقَ الجبلِ ، وفرقةً دونه . فقال رسولُ الله ( : " اشهدوا "(331) .
وعن أنسٍ ( قال : سألَ أهلُ مكةَ أن يُرِيَهم آيةً فأراهم انشقاقَ القمرَ(332) .
ثم ذكر ابنُ كثيرٍ بعدَ سَوْقِ تلكَ الرواياتِ ، أنه قد ذكرَ غيرُ واحدٍ من المسافرينَ أنهم شاهدوا هيكلاً بالهندِ مكتوباً عليه أنه بني في الليلةِ التي انشقَّ القمرُ فيها . ثم عقَدَ - رحمه الله - باباً للمعجزاتِ الأرضيةِ ، فذكرَ تكثيرَه الماء من روايةِ أنسٍ والبراءِ وجابرٍ وابنِ عباسٍ وابنِ مسعودٍ وعمرانِ بنِ حصين وأبي قتادة(333) .
ونذكر هنا إحدى هذه الروايات :
عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ ( قال : كنا نَعُدُّ الآياتِ بركةً وأنتم تعدُّونها تخويفاً ، كنا مع رسولِ الله ( في سفرٍ ، فقلَّ الماءُ فقال : " اطلُبوا فَضْلَةً من ماءٍ " . فجاءوا بإناءٍ فيه ماءٌ قليلٌ ، فأدْخَلَ يدَه في الإناءِ ثم قال : " حيِّ على الطَّهورِ المبارَكِ ، والبركةُ من الله " ، فلقد رأيتُ الماءَ ينبُع من بين أصابعِ رسولِ الله ( ، ولقد كنا نسمَعُ تسبيحَ الطعامِ وهو يؤكَلُ(334) .
ثم عقدَ الحافظُ باباً في تكثيرِه عليه السلامُ الأطعمةَ ، وذكرَ ذلك من روايةِ أبي هريرةَ وابنِ مسعودٍ وأمِّ معبدٍ والمقدادِ وابنه حباب ونافعٍ وسعدٍ مولى أبي بكر ، وكلها في اللبن خاصة .
ومن روايةِ أمِّ سُليم وأم أوسٍ البهزية وأبي هريرة وجابر ، وكلها في السمن خاصة .
ومن رواية أنسٍ وأبي هريرةَ وجابرٍ وسمرةَ بنِ جندبٍ وعبدِ الرحمن بن أبي بكرٍ وأبي عمرةَ الأنصاريِّ وأبي حنيس الغفاريِّ وعمرَ بنِ الخطاب وسلمةَ بنِ الأكوعِ والعرباضِ وعائشةَ ونوفلِ بنِ الحارثِ وابنِ مسعود وواثلةَ بنِ الأسقعِ والزارعِ وأبي رافعٍ ودكينٍِ بنِ سعيد وأبي رجاء ، وهي في الطعام عامة .
ونذكر هنا إحدى هذه الروايات :(1/157)
عن أنسِ بنِ مالك ( قال : قال أبو طلحةَ لأمِّ سُلَيمٍ : لقد سمعتُ صوتَ رسولِ الله ( ضعيفاً أعرفُ فيه الجوعَ ، فهل عندَكِ من شيءٍ ؟ قالت : نعم . فأخْرَجَتْ أقراصاً من شعيرٍ ، ثم أخرجَتْ خماراً لها فلفَّتْ الخبزَ ببعضِه ، ثم دسَّتْه تحتَ يدي ، ولاثَتْني ببعضه ، ثم أرسَلَتني إلى رسولِ الله ( . قال : فذهَبْتُ به ، فوجدتُ رسولَ الله ( في المسجدِ ومعه الناسُ ، فقمتُ عليهم ، فقال لي رسولُ الله ( : " آرسَلَكَ أبو طلحةَ " ؟ فقلت : نعم . قال : " بطعام " ؟ قلت : نعم . فقال رسولُ الله ( لمن معه : " قوموا " . فأنطَلِقُ بينَ أيديهم حتى جئتُ أبا طلحةَ فأخبَرْتُه ، قال أبو طلحةَ : يا أمَّ سُليم قد جاء رسولُ الله ( بالناسِ وليسَ عندنا ما نطعمُهم . فقالت : اللهُ ورسولُه أعلمُ . فانْطَلَقَ أبو طلحةَ ، حتى لقيَ رسولَ الله ( ، فأقبلَ رسولُ الله ( وأبو طلحةَ معه ، فقال رسولُ الله ( : " هلمي يا أمَّ سُليم ما عندَكِ " . فأتتْ بذلكَ الخبز . فأمرَ به رسولُ الله ( ففُتَّ ، وعَصَرَتْ أمُّ سُليم عكةً فأَدَمَتْه ، ثم قال : " ائذنْ لعشرة " . فأذن لهم ، فأكَلُوا حتى شبِعوا ، ثم خرجوا . ثم قال : " ائذنْ لعشرةٍ " . فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا . ثم قال : " ائذن لعشرة " . فأذِنَ لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا . ثم قال : " ائذن لعشرة " . فأكلَ القومُ كلُّهم حتى شبِعوا ، والقومُ سبعونَ أو ثمانونَ رجلاً(335) .
وعقد الحافظُ ابنُ كثيرٍ باباً في حَنينِ الجذعِ شوقاً إليه ( وحُزْناً على فراقِه . وقال : وقد ورَدَ من حديثِ جماعةٍ من الصحابةِ بطرقٍ متعدِّدَةٍ تُفيدُ القطعَ عند أئمةِ هذا الشأنِ وفرسانِ هذا الميدان . ثم ذكرَ ذلك من روايةِ أُبَيِّ بنِ كعبٍ وأنسٍ وجابرٍ وسهلِ بنِ سعد وابنِ عباسٍ وابنِ عمرَ وأبي سعيد الخدري وعائشةَ وأمِّ سلمة .
ونذكر هنا إحدى هذه الروايات :(1/158)
عن جابرٍ ( أن النبيَّ ( كان يقومُ يومَ الجمعةِ إلى شجرةٍ أو نخلةٍ ، فقالت امرأةٌ من الأنصارِ : يا رسولَ الله أنجعلُ لك منبراً ؟ قال : " إن شئتم " . فجعلوا له منبراً ، فلما كان يومَ الجمعةِ دُفِعَ إلى المنبرِ فصاحَتْ النخلةُ صياحَ الصبيِّ . ثم نَزَلَ النبيُّ ( فضمَّه إليه ، فجعلَ يئنُّ أنينَ الصبيِّ الذي يُسَكَّنُ . قال : " كانت تبكي على ما كانتْ تسمعُ من الذكرِ عندها "(336) .
واستمَرَّ الحافظُ ابنُ كثيرٍ في سَوْقِ دلائلِ نبوته ( الأخرى ، وبيانِ طُرُقِها ، والكلامِ عليها . وأما ما ذكرناه وأشَرْنا إلى طرقه فإنما ثبتَ عنه ( بالتواترِ ، بحيثُ يقطَعُ ألسنةَ أيِّ معترِضٍ . ونكتفي بهذا القدرِ ، ومن أراد الاستزادةَ فليراجِعْ الكتبَ المشارَ إليها ، والحمدُ لله ربِّ العالمينَ .
( الفصل الثالث (
ختمُ الرسالاتِ بها ، عمومُها ، حفظُ الله لها ، شمولُها
ـ مدخلٌ إلى هذا الفصلِ :
إن مسألةَ ختمِ الرسالاتِ تقتضي ثلاثةَ أمورٍ لا بدَّ وأن تتوافرَ في الرسالة الخاتمة :
ـ أولُها : أن تكونَ الرسالةُ الخاتمةُ عامةً لا تختَصُّ بأمةٍ دونَ أمةٍ ، أو بزمانٍ دونَ آخرَ ، أو بمكانٍ دونَ مكانٍ . لأن انعدامَ ذلك يعني حاجةَ الأمةِ الأخرى أو الزمانِ الآخرَ أو المكانِ الآخرَ إلى رسالةٍ ، وذلك لما قدَّمناه في كلامِنا عن حاجةِ الناسِ إلى الرسالات .(1/159)
ـ والثاني : أن تكونَ تلكَ الرسالةُ الخاتمةُ محفوظةً لا تتغيَّرُ ولا تَتَبَدَّلُ ، فقد كانتْ الرسالاتُ الأخرى إذا حصلَ فيها شيءٌ من التغييرِ ، جاءت الرسالةُ التاليةُ مبيِّنَةً وموضِحةً وفاضحةً لما غُيِّرَ من سابقتِها ، كما في قوله تعالى : ? ???????????????? ????????????? ????? ?????????? ??????????????? ??????????? ?????? ???????? ??????? ??????? ??????????? ???? ???????????? ????????????? ??? ???????? ? ( المائدة : 15 ) ، فلما كانت تلك الرسالةُ خاتمةً ، فلنْ يظهَرَ تبديلِها أو تحريفِها إذا حصلَ ذلك بكلامٍ معصومٍ مُؤَيَّدٍ، فاقتضى ذلك أن تكونَ محفوظةً بطريقةٍ إلهيةٍ غيرِ موكولَةٍ للبشر
ـ الثالثُ : أن تكونَ تلك الرسالةُ شاملةً لمتطلباتِ الدنيا والآخرة ، صالحةً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ ، ومتوافقةً مع النوعياتِ المختلِفَةِ من أجناسِ البشرِ وطبائِعهم واتجاهاتهم ، بخلافِ الرسالةِ الغيرِ خاتمةٍ ، والتي إذا كانت تعاليمُها قاصرةً على جنسٍ معيَّنٍ ، أو صالحةً لفترةٍ زمنيةٍ محدَّدَةٍ ، أمكنَ إرسالُ الرسالةِ التي تليها إلى الجنسِ الآخَرِ ، أو بما يصلُح للناسِ في الفترةِ الزمنيةِ الحالة .
وبناءً على ما تقدَّمَ ، فإنني إن شاء الله تعالى سأبَيِّنُ كونَ رسالةِ النبيِّ ( هي الرسالةَ الخاتمة ، وبالتالي سأُبين بشيءٍ من التفصيلِ مقتضياتِ ذلك ، والله المستعانُ وعليه التُّكلانُ .
ـ أولاً : ختمُ الرسالاتِ بها :
قال تعالى : ? ???? ????? ?????????? ???????? ??????? ???? ???????????? ????????? ???????? ?????? ??????????? ????????????????? ? ( الأحزاب : 40 ) .(1/160)
قال الحافظ ُابنُ كثيرٍ - رحمه الله تعالى - : [ فهذه الآيةُ نصٌّ في أنه لا نبيَّ بعدَه ، وإذا كان لا نبيَّ بعدَه فلا رسولَ بطريقِ الأولى والأحرى ، لأن مقامَ الرسالةِ أخصُّ من مقامِ النبوة ، فإن كلَّ رسولٍ نبيٌّ ، ولا ينعكس . وبذلك وردتْ الأحاديثُ المتواترةُ عن رسولِ الله ( من حديثِ جماعةٍ من الصحابة ](337).
ونحن نذكرُ بعضَ هذه الأحاديثِ التي تدُلُّ على ذلك ، وقد قدَّمْنا أن المختارَ كونُ النبوةِ مشتَقَّةٌ من الإنباءِ وهو الإخبارُ من الله ، وأنه لا فرقَ بين النبيِّ والرَّسولِ ، وذلك في بداية البابِ
عن جابرٍ ( قال : قال النبي ( : " مَثَلي ومثلُ الأنبياءِ كرجُلٍ اشترى داراً فأَكْمَلَها وأحْسَنَها إلا موضعَ لَبِنَةٍ ، فجعلَ الناسُ يدخُلونها ويتعَجَّبونها ويقولون : لولا موضعُ اللبنة "(338).
وعن أبي هريرةَ أن رسولَ الله ( قال : " مثلي ومثلُ الأنبياءِ من قبلي ، كمثلِ رجلٍ بنى بنياناً فأحْسَنَه وأجمَلَه ، إلا موضعَ لبِنَةٍ من زواياه ، فجعلَ الناس يطوفونَ به ويعجَبون له ، ويقولون : هلا وضعتَ هذه اللبنةَ ! قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين "(339) .
وعن جُبيرِ بنِ مطعِم ( قال : قال رسولُ الله ( : " إن لي أسماءً : أنا محمدٌ ، وأنا أحمدُ ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفرَ ، وأنا الحاشرُ الذي يُحشَرُ الناسُ على قَدِمَي ، وأنا العاقبُ الذي ليسَ بعدَه أحدٌ "(340)(1/161)
وعن أنسِ بنِ مالك ( قال : قال رسولُ الله ( : " إن الرسالةَ والنبوةَ قد انْقَطَعَتْ فلا رسولَ بعدي ولا نبي " . قال : فشقَّ ذلك على الناسِ . قال : قال : " ولكن المبشرات " . قالوا : يا رسولَ الله ، وما المبشِّراتُ ؟ قال : " رؤيا الرجلِ المسلمِ ، وهي جزءٌ من أجزاءِ النبوة "(341) . قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله : [ والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ ، فمِنْ رحمةِ الله بالعبادِ إرسالُ محمدٍ صلواتُ الله وسلامُه عليه إليهم ، ثم من تشريفِه له ختمُ الأنبياءِ والمرسلينَ به ، وأكمَلَ الدينَ الحنيفَ به . وقد أخبر الله تعالى في كتابه ، ورسولُه في السنةِ المتواترةِ عنه ، أنه لا نبيَّ بعدَه ، ليعلَموا أن كلَّ من ادَّعى هذا المقامَ بعدَه ، فهو كذابٌ أفّاكٌ ، دجّالٌ ضالٌّ مضلٌّ ، ولو تخرَّقَ وشَعْبَذَ ، وأتى بأنواعِ السحرِ والطلاسمِ والنيرجيات ، فكلُّها محالٌ وضلالٌ عند أولي الألباب . كما أجرى الله سبحانه وتعالى على يدِ الأسوَدِ العَنسي باليمنِ ، ومسيلمةَ الكذابِ باليمامةِ ، من الأحوالِ الفاسدةِ ، والأقوالِ الباردةِ ، ما عَلِمَ كلُّ ذي لُبِّ وفَهمٍ وحِجى ، أنهما كاذبان ضالانِ لعنهما الله . وكذلك كلُّ مُدَّعٍ لذلكَ إلى يومِ القيامةِ حتى يُختَموا بالمسيحِ الدجالِ ، يخلق الله معه من الأمورِ ما يشهدُ العلماءُ والمؤمنون بكذِبِ من جاء بها . وهذا من تمامِ لطفِ الله تعالى بخَلْقِه ، فإنهم بضرورةِ الواقعِ ، لا يأمُرونَ بمعروفٍ ولا يَنْهَونَ عن منكرٍ إلا على سبيلِ الاتِّفاقِ ، أو لِما لهم فيه من المقاصدِ إلى غيرِه ، ويكونون في غايةِ الإفكِ والفجورِ في أقوالهم وأفعالهم كما قال تعالى : ? ???? ????????????????? ?????? ??? ?????????? ???????????????? ????? ?????????? ?????? ????? ?????????? ???????? ??????... الآية ، وهذا بخلافِ الأنبياءِ عليهم السلام ، فإنهم في غايةِ البِرِّ والصِّدقِ ، والرُّشْدِ والاستقامةِ(1/162)
فيما يقولونه ويفعلونه ، ويأمُرونَ به ويَنْهَوْنَ عنه ، مع ما يؤيَّدونَ به من الخوارقِ للعاداتِ ، والأدلةِ الواضحاتِ ، والبراهينِ الباهراتِ . فصلواتُ الله وسلامُه عليهم دائماً مستمِراً ما دامتْ الأَرَضُونَ والسماواتُ(342) .
وقد ادعى قومٌ النبوةَ مصداقاً لحديثِ أبي هريرةَ ( عن النبيِّ ( قال : " لا تقومُ الساعةُ حتى يَقْتَتِلَ فئتانِ فيكونُ بينهما مقتلةٌ عظيمة ، دعواهُما واحدةٌ . ولا تقومُ الساعةُ حتى يُبعَثَ دجالونَ كذابونَ قريباً من ثلاثينَ ، كلُّهم يزعُم أنه رسولُ الله "(343) .
وكان منهم من ادَّعى ذلك في حياتِه ( وهما : مسيلمةُ الكذابُ ، والأسودُ العنسي ، وقُتِلا لعنهما الله .
عن أبي هريرةَ ( قال : قال رسولُ الله ( : " بينما أنا نائمٌ إذ أُوتيتُ خزائنَ الأرضِ ، فوُضِعَ في يدي سوارانِ من ذهبٍ ، فكبرا عليَّ وأهَمّاني ، فأوحي إلي أن انفُخْهما ، فطارا . فأوَّلتُهما الكذابَيْنِ الذَين أنا بينهما : صاحبَ صنعاء ، وصاحبَ اليمامة "(344).
وأما الباقونَ فأولُّهم : طليحةُ بنُ خويلدٍ في بني أسد ، ثم سَجاحٌ التميميةُ في عهدِ أبي بكر الصديق ، وقد نُقِلَ أنهما تابا . ثم خرجَ المختارُ بنُ أبي عُبيدٍ الثقفيُّ في أوَّلِ خلافةِ ابنِ الزبير ، وقُتِلَ . ومنهم الحارثُ الكذابُ خرجَ في خلافةِ عبدِ الملك بنِ مروان ، فقُتِلَ . وقال الحافظُ ابنُ حَجَرَ : [ وليسَ المرادُ من الحديثِ من ادَّعى النُّبُوَّةَ مطلقاً ، فإنهم لا يُحصَوْنَ كثرةً لكونِ غالبِهم ينشأُ لهم ذلك عن جنونٍ أو سوداءٍ ، وإنما المرادُ ؛ من قامَتْ له شوكةٌ ، وبدَتْ له شبهةٌ ، كمنْ وَصَفنا . وقد أهلَكَ الله تعالى من وقعَ له ذلك منهم ، وبقيَ منهم من يلحَقُه بأصحابِه ، وآخرُهم الدجالُ الأكبرُ ](345).(1/163)
وقد سمي جماعةً من هؤلاءِ الكذابين : منهم قائدُ فتنةِ الزنجِ بهبودُ في زمنِ المعتمِد ، ويحيى القرمطي في زمنِ المكتفي ، وكذا أخو يحيى وابن عمه عيسى بن مهرويه ، وخرج أبو طاهر القرمطي في خلافةِ المقتدِرِ ، ومحمد بن عليٍّ الشفعاني في خلافةِ الراضي ، وخرج رجلٌ بنهاوَنْد وتبِعَه خلقٌ كثيرٌ أُخِذوا وقُتلوا في خلافةِ المستظهِرِ ، وغيرُ هؤلاءِ جماعةٌ وفيما ذكرناه كفاية(346) .
ولا شكَّ أن الزنديقَ غلامُ أحمد قادياني منهم وهو آخرُ من ادّعى النبوةَ ، ومازالتْ له شوكةٌ إلى زمانِنا هذا . وقد هلكَ بالكوليرا وماتَ ببيتِ الخلاءِ ! في السادسِ والعشرينَ من شهرِ مايو سنةَ ألفٍ وتسعمائة وثمانية ميلادية ، أي قبلَ ما يقرُبُ من ثمانينَ سنة(347) . وللأسفِ له أتباعٌ ودعاةٌ كثيرونَ من جَهَلَةِ العَجَمِ .
هذا ، وقد وضعَ محمدُ بنُ سعيد ، المصلوبُ على الزندقة - صَلَبَه المنصورُ- زيادةً في حديثِ : " أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي " فقال : ( إلا أن يشاء الله ) ، وروى ذلك عن حميدٍ عن أنسٍ عن النبي ( . قال ابن الجوزي : [ هذا الاستثناءُ موضوعٌ ، وَضَعَه محمدُ بنُ سعيدٍ لما يدعو إليه من الإلحادِ ] . ثم ذَكَرَ من صَرَّحَ بوضعه من الأئمةِ ، وذكرَ الكلامَ الذي اتُّهِمَ به هذا الزنديق(348)
وكما بدأنا بذكرِ بعضِ الأحاديثِ في كونِ هذه الرسالةِ هي الخاتمة ، نختِمُ أيضاً بذكرِ جزءٍ من حديثِ أبي هريرةَ الذي يرويه عن النبي ( في الموقفِ يومَ القيامةِ ، وفيه فَزَعُ الناسِ إلى الأنبياءِ واحدٍ بعدَ الآخَرِ ، واعترافُهم له ( بخَتمِه النبوة .(1/164)
قال ( : " فيأتُون عيسى فيقولون : يا عيسى أنتَ رسولُ الله وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ ، وروحٌ منه ، وكلَّمتَ الناسَ في المهدِ صبياً ، اشفَعْ لنا ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول عيسى : إن ربي قد غَضِبَ اليومَ غضباً لم يغضبْ قبلَه مثلَه ، ولن يغضَبَ بعدَه مثلَه - ولم يذكرْ ذنْباً - نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى محمدٍ ( . فيأتون محمداً ( ، فيقولون : يا محمد ، أنت رسولُ الله وخاتمُ الأنبياءِ ، وقد غفرَ الله لكَ ما تقدَّمَ من ذنبِكَ وما تأخَّرَ ، اشفَعْ لنا إلى ربِّكَ ، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه ؟ فأنْطَلِقُ ... "(349) الحديث .
وإنني إذْ أخْتَتِمُ هذه الفقرةَ ، أُحِبُّ أن أشيرَ إلى أهميةِ بيانِ هذه العقيدة ، وهي عقيدةُ ختمِ النبوةِ ، وليسَ ما ذكرتُه فيها إلا إشارات . وقد انْبَرى لها أحدُ الإخوةِ الفضلاءِ وهو الأخُ أحمدُ بنُ سعيدِ بنِ حمدانَ الغامدي فألَّفَ فيها بحثاً جيداً سماه ( عقيدةُ ختمِ النبوةِ بالنبوةِ المحمدية ) واستطاعَ أن يُلِمَّ بأكثرِ الجوانبِ الخاصةِ بهذا الموضوعِ ، وجمعَ معلوماتِه من مائتي مرجعٍ وثلاثينَ مرجعاً . وأرى أن التنويهَ بذكرِ بعضِ مباحثِ الكتابِ يَسُدُّ عجزي عن استيفاءِ المبحثِ هذا حقَّه لضيقِ المجالِ ، فأقولُ :(1/165)
بدأ المؤلفُ كتابَه بمبحثٍ لُغَوِيٍّ واصطلاحيٍّ في معنى الختمِ والنبوةِ .ثم أثبتَ بالأدلةِ من الكتابِ والسنةِ والإجماعِ عقيدةَ ختمِ النبوةِ بنبوةِ النبي ( بتفصيلٍ جيِّدٍ .ثم أردَفَ ذلك ببعضِ البشاراتِ من الكتبِ السابقةِ التي تدُلُّ على هذا . ثم استدَلَّ بخصائصِ الرسالةِ المحمَّديَّةِ على أنها خاتمُ الرسالات . ثم استدلَّ بخصائصِ الأمةِ المحمدية على الختمِ . وختمَ البابَ الأول بشبهاتٍ قد يتعلَّقُ بها البعضُ ورَدَّها . ثم استعرَضَ في البابِ الثاني موقفَ الشيعةِ والصوفيةِ من هذه العقيدةِ ، وبيَّنَ عدمَ اعتقادِ بعضِهم فيها ، وخصَّ بالبحثِ من الشيعةِ الإماميةَِ ، ومن الصوفيةِ ابنَ عربي وأما البابُ الثالثُ ، ففي ذكرِ المتَنَبِّئِينَ ، فذكر الأسودَ وطلحةَ ومسيلمةَ وسجاحَ وبعضَ ترهاتهم وأخبارِهم ، ثم ذكر سبعةً من كبارِ المتنبئين في العصرَيْنِ الأمويِّ والعبّاسيِّ وبعضاً من أخبارِهم وعقائِدهم . وأما البابُ الرابِعُ فخصَّ به ثلاثَ دعواتٍ خطيرةٍ في العصرِ الحديثِ ، أشرنا إلى خاتمتها فيما مضى وهي القاديانية ، وسابقتُها وهي البابية ، ووليدتُها وهي البهائية ، ودرَسَ الثلاثَ دعواتٍ دراسةً مختصرَةُ ، ولكنها وافيةٌ .ثم ختَمَ الكتابَ بالبابِ الخامس ِوهو في أسبابِ هذه الحركاتِ التنبؤية ونتائجِها وواجبِ المسلمينَ تجاهَها(350) .
جزى الله الأخَ المذكورَ خيراً ، ومن أرادَ الاستزادةَ فليرْجِعْ إلى كتابه . والحمد لله رب العالمين .
ـ ثانيا : عمومُ رسالتِه ( :(1/166)
قال تعالى : ? ?????? ????????????????? ??????? ???????? ???????????????? ?????? ( الأنبياء : 107 ) وقال : ? ???? ????? ???????????????? ????????? ?????????? ????? ???? ??????? ????????? ??????????????? ? ( الأنعام : 90 ) وقال : ? ????? ????????????????? ???????? ???? ???????? ????? ???? ??????? ?????? ????????????????? ?????? ( يوسف : 104 ) وقال : ? ????????? ???????? ???????? ?????????????? ?????? ?????????? ????????? ??????????????? ????????? ???? ( الفرقان : 1 ) وقال : ? ????? ???? ??????? ??????? ????????????????? ????? ( القلم : 52 ) وقال : ? ????? ???? ??????? ?????? ????????????????? ? ( يوسف : 104 و التكوير : 37 ) .
قال ابن عباس ( : ( العالمين ) : الإنسُ والجنُّ(351) .
وقال تعالى : ? ????? ????????????????? ????????? ??????? ??????? ?????? ??????????? ????????? ???????? ????? ?????? ??????????????? ?????????????? ???? ????????? ??????? ???? ???????? ??????????? ??????????????? ???????? ??????????? ??????????? ???????????? ???????? ???????? ???????? ??????????????? ???????????????? ??????????? ????????????? ?????? ( الأعراف : 158 ) وقال : ? ?????? ??????????????????? ??????? ??????????? ?????????? ????????? ??????????? ? ( سبأ : 28 ) .(1/167)
قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ : [ يقول تعالى لنبيِّه ورسولِه محمدٍ ( : ( قل ) يا محمد ( يا أيها الناس ) وهذا خطابٌ للأحمرِ والأسودِ ، العربيِّ والعجميِّ ( إني رسول الله إليكم جميعا ) أي : جميعِكم، وهذا من شرفِه وعظمتِه ؛ أنه خاتَمُ النَّبِيِّينَ ، وأنه مبعوثٌ إلى الناسِ كافّةً ، كما قال تعالى : ? ????? ??????? ???????? ????????? ???????????????? ?????????? ???????? ??????? ?????????????? ????????????? ????? ?????? ????????? ? وقال تعالى : ? ????? ?????????? ????? ???? ?????????????? ???????????? ?????????????? ? وقال تعالى : ? ?????? ??????????? ????????? ????????????? ???????????????????? ????????????????? ???????? ???????????? ???????? ????????????????? ??????? ???????????? ???????????? ???????? ??????????????? ? ، والآياتُ في هذا كثيرةٌ كما أن الأحاديثَ في هذا أكثرُ من أن تُحْصَرَ ، وهو معلومٌ من دينِ الإسلامِ ضرورةً أنه صلواتُ الله وسلامُه عليه رسولُ الله إلى الناس كلهم(352) .(1/168)
وقال الطاهرُ ابنُ عاشورٍ في تفسيرِ الآية الأولى : [ هذه الجملةُ معترِضةٌ بينَ قِصَصِ بني إسرائيلَ ، جاءتْ مستَطْرِدةً لمناسبةِ ذكرِ الرسولِ الأمِّيِّ تذكيراً لبني إسرائيلَ بما وعَدَ الله به موسى عليه السلام ، وإيقاظاً لأفهامهم بأن محمداً ( هو مصداقُ الصفاتِ التي علَّمَها اللهُ موسى . والخطابُ بـ ( يا أيها الناس ) جَمَعَ البشرَ . وضميرُ التكلُّمِ ضميرُ الرسولِ محمدٍ ( . وتأكيدُ الخبر بـ ( إن ) باعتبار أن في جملةِ المخاطبين منكِرينَ ومترددِين ، استقصاءً في إبلاغِ الدعوةِ إليهم . وتأكيدُ ضميرِ المخاطَبين بوصف ( جميعا ) الدالِّ نصاً على العمومِ لرفعِ احتمالِ تخصيصِ رسالته بغير بني إسرائيل ، فإن من اليهودِ فريقاُ كانوا يزعمون أن محمداً ( نبيٌّ ويزعمون أنه نبيُّ العربِ خاصةً ، ولذلك لما قال رسولُ الله ( لابنِ صيادٍ - وهو يهودي- : " أتشهدُ أني رسولُ الله " ؟ قال ابنُ صياد : أشهدُ أنك رسولُ الأمّيين(353) . وقد ثبتَ من مذاهبِ اليهودِ مذهبُ فريقٍ من يهودِ أصفهانَ يُدْعَونَ بالعيسوية ، وهم أتباعُ أبي عيسى الأصفهاني اليهوديِّ القائلِ بأن محمداً رسولُ الله إلى العربِ خاصةً لا إلى بني إسرائيلَ ، لأن اليهودَ فريقان : فريقٌ يزعُمونَ أن شريعةَ موسى لا تُنسَخُ بغيرِها . وفريقٌ يزعمون أنها لا تُنسَخُ عن بني إسرائيل ، ويجوز أن يُبعَثَ رسولٌ لغيرِ بني إسرائيل(354) .
وعن جابرِ بنِ عبد الله ( أن النبيَّ ( قال : " أُعطِيتُ خمساً لم يعطَهُنَّ أحدٌ قبلي ؛ نُصِرْتُ بالرعبِ مسيرةَ شهرٍ . وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجداً وطهوراً ، فأيُّما رجلٍ من أمتي أدرَكَتْه الصلاةُ فليُصَلِّ . وأُحِلَّتْ ليَ المغانمُ ، ولم تُحَلَّ لأحدٍ قبلي . وأُعطِيتُ الشفاعةَ . وكان النبيُّ يُبعَثُ إلى قومِه خاصةً ، وبُعثتُ إلى الناسِ عامة "(355).(1/169)
وفي روايةٍ : " كان كلُّ نبيٍّ يُبْعَثُ إلى قومِه خاصةً ، وبُعثتُ إلى كلِّ أحمرٍ وأسود "(356).
وعن أبي هريرةَ ( قال : قال رسولُ الله ( : " فُضِّلْتُ على الأنبياءِ بستٍّ ؛ أُعطيتُ جوامعَ الكَلِمِ ، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ ، وأحِلَّتْ لي الغنائمُ ، وجُعِلَتْ ليَ الأرضُ طهوراً ومسجداً ، وأُرسِلْتُ إلى الخلقِ كافَّةً ، وخُتِمَ بي النبيون "(357).
قال الحافظُ ابنُ حَجَرَ - رحمه الله تعالى- : [ لا يُعترَض بأن نوحاً عليه السلام كان مبعوثاً إلى أهلِ الأرضِ بعدَ الطوفان ، لأنه لم يبق إلا مَن كان مؤمناً معه وقد كان مرسلاً إليهم ، لأن هذا العمومَ لم يكن في أصلِ بعثتِه وإنما اتَّفَقَ بالحادثِ الذي وقعَ ، وهو انحصارُ الخلقِ في الموجودين بعد هلاك سائرِ الناسِ . وأما نبيُّنا ( فعُمومُ رسالتِه من أصلِ البعثةِ ، فَثَبَتَ اختصاصُه بذلك . وأما قولُ أهلِ الموقفِ لنوحٍ كما صحَّ في حديثِ الشفاعةِ : " أنتَ أولُ رسولٍ إلى أهلِ الأرضِ " ، فليس المرادَ بهُ عمومُ بعثته ، بل إثباتُ أوليةِ إرساله . وعلى تقديرِ أن يكون مرادا فهو مخصوصٌ بتنصيصِه سبحانه وتعالى في عدةِ آياتٍ على أن إرسالَ نوحٍ كان إلى قومه ، ولم يذكُرْ أنه أُرسِلَ إلى غيرهم . واستدَلَّ بعضُهم لعمومِ بِعثَتِه بكونِه دعا على جميعِ من في الأرض ، فأُهلِكوا بالغرقِ إلا أهلَ السفينةَ ، ولو لم يكن مبعوثاً إليهم لما أهلكوا ، لقوله تعالى : ? ????? ??????? ???????????? ??????? ?????????? ???????? ? ، وقد ثبتَ أنه أولُ الرسلِ . وأجيبَ بجوازِ أن يكون غيرُه أرسِلَ إليهم في أثناءِ مدةِ نوح ، وعلِم نوحٌ بأنهم لم يؤمنوا ، فدعا على من لم يؤمنْ من قومِه ومِن غيرهم فأجيبَ . وهذا جوابٌ حسنٌ ، لكن لم يُنقَلْ أنه نبىء في زمنِ نوحٍ غيرُه . ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبيِّنا ( في ذلك ، بقاءَ شريعتِه إلى يومِ القيامة . ونوحٌ وغيرُه بِصَدَدِ أن يبعث نبيٌّ في زمانه(1/170)
أو بعدَه ، فينسخُ بعضَ شريعته . ويحتمل أن يكون دعاؤه قومَه إلى التوحيد بلغ بقيةَ الناسِ فتمادَوْا على الشركِ ، فاستحقوا العقابَ . وإلى هذا نحا ابنُ عطيةَ في تفسيرِ سورةِ هود قال : [ وغيرُ ممكنٍ أن تكونَ نبوتًه لم تبلُغْ القريبَ والبعيَد لطولِ مدَّتِه ] ، وَوَجَّهَهُ ابنُ دقيقِ العيدِ بأن توحيدَ الله تعالى يجوز أن يكون عاماً في حقِّ بعضِ الأنبياءِ وإن كان التزامُ فروعِ شريعته ليسَ عاماً ، لأن منهم من قاتَلَ غيرَ قومِه على الشركِ ، ولو لم يكن عندَ إرسالِ نوحٍ إلا قومَ نوحٍ فبعثَتُه خاصةٌ لكونها إلى قومِه فقط ، وهي عامةٌ في الصورةِ لعدَمِ وجودِ غيرِهم ، لكن لو اتَّفَقَ وجودُ غيرِهم لم يكن مبعوثاً إليهم(358) .
وما قيلَ في نوحٍ في آخرِ وجهٍ ، هو الجوابُ المتعَيِّنُ في مسألةِ كونِ آدمَ أُرسِلَ إلى أولادِه ولم يكن ثَمَّ غيرُهم ، فقد أوردَه الرازي على هذا الحديث(359) .(1/171)
وتوجيهُ ابنِ دقيقِ العيد لا بأس به لحلِّ بعضِ الإشكالاتِ التي قد تُورَدُ على قوله ( : " وكان النبي يبعثُ إلى قومه خاصة " ، فقد نصَّ القرآنُ على بعثةِ موسى إلى فرعونَ وقومِه ، ولم يكونوا من بني إسرائيلَ ، وكذا أمَرَه الله بقتالِ الجبارينَ ، ولم يكونوا من بني إسرائيلَ ، وآمنَ لموسى الرجلُ المؤمنُ الذي من آلِ فرعونَ ، وكذا امرأةُ فرعونَ والسحرةُ وليسوا من بني إسرائيلَ . ودعا إبراهيمُ أهلَ حرانَ وإبراهيمُ كان من أهلِ بابل(360) ، ولا شكَّ أنه لما سارَ إلى مصرَ دعا إلى الله هناك ، وكذا خلَّفَ إسماعيلَ في مكةَ وعلَّمه الإسلامَ وبالتالي دانَ العربُ به ، ودعا لوطٌ أهلَ سدوم وليس هو منهم(361) . ودعا شعيبٌ أصحابَ الأيكةِ وهم غيرُ أهلِ مدين الذين هو منهم على قول(362) . وأُرسِلَ سليمانُ إلى بلقيسَ وهمَّ بمقاتلتها ، وليست من بني إسرائيلَ هي وقومُها . ودعا يوسفُ صاحبَيْ سِجْنِه وليسا من بني إسرائيل . ودعا ذو القرنين القوم الذين وجَدَهم عند مغربِ الشمس . وغير ذلك مما في القرآن مما يدلُّ على دعوةِ الرسلِ لغير قومهم الذين ينتسبون إليهم .
ويمكننا أن نُجمِلَ سببَ ورودِ هذا الإشكال ، في مدلولِ كلمةِ قومِه الواردةِ في الآياتِ وفي الحديثِ . فمَنْ فَهِمَ أنها تعني عشيرتَه التي ينتمي إليها ، كأن يقال : أُرسِلَ موسى إلى بني إسرائيل لأنهم عشيرتُه . فيحصُلُ لصاحبِ هذا الفهمِ إشكالٌ بإرسالِه إلى فرعونَ وغيرِه ممن ليس من بني إسرائيل .
وهناك توجيهاتٌ أذكرُها الآنَ على جناحِ العَجَلَةِ لضيقِ المقامِ ، وأُصَدِّرُها بما قاله الراغبُ الأصفهاني ، في معنى القوم في القرآن ، قال : [ والقومُ جماعةُ الرِّجالِ في الأصلِ دونَ النساءِ ولذلك قال : ? ??? ????????? ???????? ???? ??????? ?... الآية ، قال الشاعرُ :
أقومٌ آلَ حصن أم نساء(1/172)
وفي عامةِ القرآنِ أريدوا به والنساء جميعاً ، وحقيقتُه الرجالُ ، لما نبه عليه قوله : ? ??????????? ?? ?????????? ????? ?????????????? ?... الآية(363) .
وعلى هذا فيمكنُ أن يقال : ( إلى قومه ) أي : الرجال والنساء من عشيرته ، وهذا أراه ضعيفاً .
ويمكن أن يقالِ : ( إلى قومه ) ، أي : الرجال والنساء الذين يتكلمونَ بلسانه ، وهذا مُتَّجِهٌ نوعاً ما ، ولكن يشكِلُ عليه بعضُ ما تقَدَّمَ ، ويشهد له قوله تعالى : ? ?????? ???????????????? ??? ???????? ??????? ?????????? ?????????? ?????????????? ??????? ? ( إبراهيم : 4 ) .
ويمكن أن يقال : ( إلى قومه ) أي : جميعُ الرجالِ والنساءِ الذين في زمانه ، وهو ضعيف ، لأنه يشكِلُ عليه حالُ كثيرٍ من الأنبياءِ الذين علم أنهم لم يبلغوا الدعوة لسائرِ أهلِ زمانهم .
ويمكن أن يقال : ( إلى قومه ) أي : الإنس ، ولا يدخلُ فيهم الجن ، ويشكِلُ عليه ما على سابِقِه ، وأيضاً قولُه تعالى- حكايةِ عن الجن - : ? ???????? ?????????? ???????????? ???????? ???? ??????? ??????? ? ( الأحقاف : 30 ) . ويمكن أن يقال : ( إلى قومه ) أي : إلى الرجالِ والنساءِ من بعثته إلى النبي الذي يأتي بعدَه ، وهذا يُشكِلُ عليه بعضُ ما سبق .(1/173)
والذي أكادُ أجزِمُ به في معنى ( قومه ) أن المرادَ : الرجالُ والنساءُ الذينَ أُمِرَ بإبلاغِ الرسالة لهم ، بغضِّ النظرِ عن كونهم عشيرتَه أو من الإنسِ أو من الجنِّ أو من بني عصرِه أو ممن بعدَهم ، فهو مأمورٌ بإبلاغِ الرسالةِ لأناسٍ في فترةٍ من الزمانِ ، ثم هو قد يؤمَرُ بإبلاغِها لغيرِهم بعدَها وهكذا . فكلُّهم قومُه ، ويدلُّ على ذلك تسميةُ الله ( أهل سدوم قومَ لوط ، قال تعالى : ? ??? ??????? ?????????? ?????????????? ??????? ???????? ?????? ? ( هود : 70 ) وقال تعالى : ? ????????? ????? ?????? ?????????????? ??????????????? ?????????????? ? ( الأعراف : 80 ) وغير ذلك كثير .
فباختصارٍ نقول : إن قومَه همُ الجماعةُ من الناسِ الذين حدَّدَهم الله له من جميعِ الخلقِ كي يبلغَهم الرسالة .(1/174)
وكان عيسى عليه السلام مثلاً ، رسولاً إلى بني إسرائيلَ ، وكانت رسالتُه ملزمةً لهم إلى بعثةِ النبيِّ ( ، ومعنى كونِه رسولاً إلى بني إسرائيلَ أن هؤلاءِ هم الذين كُلِّفَ بإبلاغِهم ، ولا يعني هذا عدمَ إبلاغِ غيرِهم فقد يبلِّغُ غيرَهم من بابِ الفضلِ والخير . وكلُّ من بَلَغَتْه دعوتُه لزمه اتباعه . قال تعالى : ? ?????????? ??????? ??????? ??????????????? ????????? ?????? ??????????? ???????????? ???? ????????????? ? ( آل عمران : 49 ) . وجاء في إنجيل متى ( 15 : 21-28 ) : ثم خرجَ يسوعُ من هناكَ وانصرَفَ إلى نواحي صور وصيدا ، وإذا امرأةٌ كنعانيةٌ خارجةٌ من تلكَ التُّخومِ ، صرَخَتْ إليه قائلةً : ارحمني يا سيد ، يا ابن داود ابنتي مجنونةٌ جداً . فلم يُجِبْها بكلمةٍ ، فتقدَّمَ تلاميذُه وطلبوا إليه قائلين : اصرِفْها لأنها تصيحُ وراءَنا ، فأجاب وقال : لم أرسَلْ إلا إلى خرافِ بيتِ إسرائيلَ الضالة . فأتَتْ وسجَدَتْ له قائلةً : يا سيد أعِنّي . فأجابَ وقال : ليسَ حسناً أن يؤخذَ خبزُ البنين ويطرَحَ للكلابِ . فقالت : نعم يا سيد ، والكلابُ أيضاً تأكلُ من الفتاتِ الذي يسقطُ من مائدةِ أربابها حينئذٍ أجابَ يسوعُ وقال لها : يا امرأة ، عظيمٌ إيمانُك ! ليكنْ لكِ كما تريدين . فشفيت ابنتُها من تلك الساعة . وجاء فيه أيضا ( 10 : 5-6 ) : موصياً الحواريين : إلى طريقِ أممٍ لا تمضوا ، وإلي مدينةِ للسامريين لا تدخُلوا ، بل اذهبوا بالحري إلى خرافِ بني إسرائيلَ الضالةِ .(1/175)
ولا نأمَنُ أن تخلُوَا هذه النصوصُ من التحريفِ ، ولكنها تؤيِّدُ بعضَ ما قلناه . وإذا تقرَّرَ ذلك ، فنعودُ إلى أصلِ كلامِنا في هذه الفقرةِ لبيانِ عمومِ رسالته ( ، قال النووي [ قوله ( : " وبعثت إلى كلِّ أحمرٍ وأسود " وفي الروايةِ الأخرى : " إلى الناسِ كافةً " قيلَ المرادُ بالأحمرِ : البيض من العجمِ وغيرهم ، وبالأسود : العربُ لغلبةِ السُّمرةِ فيهم وغيرُهم من السودان . وقيل : المرادُ بالسودِ السودان ، وبالحمر : من عداهُم من العربِ وغيرِهم . وقيل : الأحمرُ الإنس ، والأسود الجن . والجميعُ صحيحٌ فقد بُعِثَ إلى جميعهم(364) .
وأقولُ : أما بعثَتُه إلى الإنسِ والجنِّ من عهدِه ( إلى قيامِ الساعةِ فبإجماعٍ من الأمةِ ، وأدِلَّتُه متواترةٌ ، ذكرَ ذلك غيرُ واحدٍ . وإنما حصلَ الخلافُ في بعضِ اللَّطائِفِ ، كبعثَتِه للملائكةِ ، وبعثتِه للأممِ التي سبَقَتْه من لدنْ آدمَ ، وبعثتِه إلى الشجرِ والحجرِ والدوابِ والأنعامِ ونحوها ، والقولُ بهذا جميلٌ جداً ومتَّجِهٌ إذا كان بمعنى الشهادةِ له بالنبوةِ ، والاعترافِ برسالته ، وأما التكليفُ فلا يتَّجِهُ . ويُقَوّي هذا قولُه ( : " وأرسِلْتُ إلى الخلقِ كافةً " .
قال الشيخُ تقيُّ الدينِ السبكي - رحمه الله - في كتابه : ( التعظيمُ والمنة ) في ? ?????????????? ????? ???????????????????? ? : [ في هذه الآيةِ من التنويهِ بالنبيِّ ( وتعظيمِ قدرِه العليِّ ما لا يخفى ، وفيه مع ذلك أنه على تقديرِ مجيئِه في زمانهم يكونُ مرسَلٌ إليهم ، فتكون نبوَّتُه ورسالتُه عامةً لجميعِ الخلقِ من زمنِ آدمَ إلى يومِ القيامة ، وتكونُ الأنبياءُ وأممُهم كلُّهم من أمتِه ، ويكون قوله : " بعثتُ إلى الناسِ كافةً " لا يختَصُّ به الناسُ من زمانِه إلى يومِ القيامة ، بل يتناوَلُ من قبلَهم أيضاً . ويتبينُ من ذلك معنى قوله ( : " كنتُ نبياً وآدمُ بين الروحِ والجسدِ "(365).(1/176)
وقال الحافظُ السيوطيُّ في إجابته على سائلٍ يسأل عن تحريرِ مسألةِ بعثتِه ( للملائكةِ : ... والقولُ الثاني : أنه كان مبعوثاً إليهم ، وهذا القولُ رجَّحْتُه في كتابِ الخصائصِ ، وقد رجَّحَه قبلي الشيخُ تقيُّ الدين السبكي ، وزاد : أنه ( مرسَلٌ إلى جميعِ الأنبياءِ والأممِ السابقةِ ، وأن قولَه : " بُعِثْتُ إلى الناسِ كافةً " شاملٌ لهم من لدنْ آدمَ إلى قيامِ الساعةِ . ورجَّحَه أيضاً البارزي وزاد : أنه مرسَلٌ إلى جميعِ الحيواناتِ ، واستدَلَّ بشهادةِ الضبِّ له بالرسالةِ ، وشهادةِ الحجرِ والشجرِ له . وأزيدُ على ذلك أنه مرسَلٌ إلى نفسه ا.هـ
ثم استفاضَ في الاستدلالِ على بعثته ( إلى الملائكةِ ، ولكنه أتى بأشياء فيها بعضُ تكلُّفٍ ، وأشياء ليس فيها دلالةٌ على أنهم تلقَّوها عن النبي ( ، بل هي من باب ِالموافَقَةِ ، وهي أوامرٌ من الله لهم مباشرةً . ونذكرُ هنا دليلاً مما استُدل به وهو قوله تعالى : ? ????? ??????? ???????? ????????? ????????? ???? ??????????? ?????????? ?????????? ??????????? ? ، قال : فهذه الآيةُ إنذارٌ للملائكةِ على لسانِ النبي ( في القرآنِ الذي أُنزِل إليه ...الخ(366) .
فيخلُص مما ذكرناه أن النبي ( فارَقَ غيرَه من الأنبياءِ في أمرِ الرِّسالةِ في نقاط :
ـ أولاً : إلزامُ الخلائقِ من لدنْ آدمَ إلى بعثتِه ( بالإيمانِ بها ، وهذا لا يوجَدُ في رسالةٍ أخرى .
ـ ثانياً : أنها للإنسِ والجنِّ وليستْ للإنسِ فقط ، والرُّسُلُ إنما أرسلوا للإنسِ فقط على أظهرِ القولين .
ـ ثالثاً : أنها لا تنسخُها رسالةٌ أخرى لأنها الرسالةُ الخاتمة كما سيأتي بيانُه ، فهي ملزِمَةٌ للخلائقِ إلى يومِ القيامة ، وإنما كانتْ الرسالاتُ الأخرى وقْتِيَّةً ، كلُّ رسالةٍ تنقضي بالتي تليها.
ـ رابعاً : أنها لم تكنْ محدَّدَةً بقومٍ ما ، وإنما هي لجميعِ الأممِ والأجناسِ ، والرسالاتُ السابقةُ كانتْ لأقوامٍ معيَّنينَ .(1/177)
ـ خامساُ : أن الملائكةَ والجماداتِ والحيواناتِ ملزمةٌ بالإيمانِ بها على تفصيلٍ ، ولم يُعرَفْ ذلك لرسالةٍ أخرى .
وبقيَ أن نشيرَ إلى أن رسالته ( أخَذَتْ وضعَها في هذا العُموم في فترةِ ما بعدَ البعثةِ بصورةٍ تدريجية ، فإنه ( أُمِرَ أولاً بإبلاغِها لعشيرتِه الأقربينَ ، ثم في أهلِ مكةَ ، ثم في الأمّيين جميعِهم ، ثم في سائرِ الناسِ ، فكاتبَ ملوكَ الأرضِ ونَفَرَ إليهم . وهذا أدلَّتُه كثيرةٌ جداً ، ولستُ أعني بهذا أن رسالتَه ( كانت أولاً خاصةً ثم أصبحَتْ عامةً ، كلا وإنما أردتُ التدرُّجَ العَمَلِيَّ في تبليغِها . وإلا فجَهْرُه ( بأنه رسولُ الله إلى الناسِ جميعا كان من أولِ بعثته وهو في مكةَ ، يدلُّ على ذلك ما رواه أبو الدرداءِ ( في قصةِ ما دارَ من محاورةٍ بين أبي بكرِ وعمرَ ، وفيها : أن عمرَ أغضَبَ أبا بكرٍ فندِمَ عمرُ على ما كان منه ، فأقبلَ حتى سلَّمَ وجلسَ إلى النبي ( وقصَّ على رسولِ الله ( الخبرَ . قال أبو الدرداء : وغضبَ رسولُ الله ( ، وجعل أبو بكرٍ يقول : والله يا رسولَ الله ، لأنا كنتُ أظلم . فقال رسولُ الله ( : " هل أنتم تاركوا لي صاحبي ؟ هل أنتم تاركوا لي صاحبي ؟ إني قلت : يا أيها الناس إني رسولُ الله إليكم جميعاً . فقلتم : كذبتَ . وقال أبو بكر : صدقت "(367).
ونختم هذه الفقرة المباركة بهذا الحديث :
عن أبي هريرةَ ( أن رسولَ الله ( قال: " والذي نفسُ محمدٍ بيدِه ، لا يَسْمَعث بي أحدٌ من هذه الأمة ، يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ، ثم يموتُ ولم يُؤْمِنْ بالذي أُرسِلْتُ به ، إلا كان من أصحابِ النار "(368).
ـ ثالثاً : تكفُّلُ الله تعالى بحفظِ رسالتِه الخاتمة ، ومظاهرُ ذلكَ :
سبقَ أن ذكرنا أن الرسالةَ تنقسمُ إلى قسمينِ لا ينفَصِلُ أحدُهما عنِ الآخَرِ ، أعني الكتابَ والسنةَ .(1/178)
فالسُّنَّةُ وحيٌ من الله تعالى ، كما أن القرآنَ وحيٌ ، إلا أن بينهما فروقاً لا يتَّسِعُ المجالُ لذكرِها . وقد قال الله تعالى عن رسولِه ( : ? ????? ???????? ???? ??????????? ??? ????? ???? ??????? ?????? ???????? ???? ( النجم : 3 ) . قال أبو محمد عليُّ بنُ أحمدَ بنِ حزمٍ بعد أن ذكرَ هذه الآية : [ فصحَّ بذلكَ أن الوحيَ ينقسمُ من اللهِ ( إلى رسولِه ( إلى قسمينِ : أحدُهما وحيٌ متلوٌّ مؤلَّفٌ تأليفاً معجِزَ النظامِ ، وهو القرآنُ . والثاني وحيٌ مرْوِيٌّ منقولٌ غيرُ مؤلَّفٍ ولا معجِزُ النظامِ ولا متلوٌّ لكنه مقروء(369) .
وجاء في عدةِ أحاديثٍ ما يدُلُّ على أن السنةَ كانتْ توحى إلى النبي ( ، لدرجةِ أنه كان يعتريه أحياناً ما يعتريه عند تَنَزُّلِ القرآنِ .
فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : خَرَجَتْ سودةُ بعدما ضُرِبَ الحجابُ لحاجَتِها ، وكانت امرأةً جسيمةً لا تخفى على مَنْ يعرِفُها ، فرآها عمرُ بنُ الخطابِ فقال : يا سودةُ ، أما والله لا تَخْفَيْنَ علينا ، فانظُري كيف تخرجينَ . قالت : فانْكَفَأَتْ راجعةً ، ورسولُ الله ( في بيتي ، وإنه ليتعشّى وفي يده عِرْقٌ ، فدخلَتْ فقالت : يا رسولَ الله ، إني خرجتُ لبعضِ حاجتي فقال لي عمرُ كذا وكذا ، قالتْ : فأوحَى الله إليه ، ثم رُفِعَ عنه وإن العِرْقَ في يده ما وَضَعَه ، فقال : " إنه قَدْ أُذِنَ لكُنَّ أن تَخْرُجْنَ لحاجَتِكُنَّ "(370) .
وقال تعالى ضامناً للأمة حفظَ دينِه : ? ???????? ?????? ???????????? ??????????? ?????????? ?????? ??????????????? ???? ( الحجر : 9 ) والسنةُ من الذكرِ المنَزَّلِ بنصِّ القرآنِ ؛ قال تعالى : ? ??????????????? ????????? ??????????? ??????????? ????????? ??? ???????? ??????????? ????????????? ??????????????? ? ( النحل : 44 ) ] .(1/179)
وقال أبو محمد : [ وقال تعالى : ? ????? ?????????? ??????????? ????????????? ? ، فأخبرَ تعالى كما قدَّمْنا أن كلامَ نبيِّهِ ( كلَّه وحيٌ ، والوحيُ بلا خلافٍ ذِكْرٌ ، والذكرُ محفوظٌ بنصِّ القرآنِ ](371).
ومما سَبَقَ يتبيَّنُ أن كلاً منَ القرآنِ والسنةِ المبينةِ له المذَكِّرَةِ للناسِ التي حدَّثَ بها النبيُّ ( بالجزمِ فلم يُصَرِّحْ أنها بظنٍّ ارتآه كما في مسألَةِ تأبيرِ النَّخْلِ التي في الصحيحينِ ، لا بدَّ وأن تُحفَظَ لورودِ النصِّ بذلك . وحفظُ هذا الدينِ من خصوصياته التي انفَرَدَ بها عما سَبَقَه من الأديانِ ، لأن الله تعالى كان قد أوْكَلَ حِفْظَها إلى الأحبارِ ، بدليلِ قولِه : ? ????????? ??????????? ??????????????? ??????? ?????? ????????? ?????????? ?????? ?? ???????????? ?????????? ????????????? ?????????? ???????? ??????????????????????? ??????????????? ?????? ????????????????? ??? ???????? ?????? ??????????? ???????? ??????????? ? ( المائدة : 44 ) ، ولكنهم لم يقوموا بما استُحْفِظوا ، فحَرَّفوا وبدَّلوا ، فأرسلَ الله ( لهم رسولَه ، ففَضَحهم وبَيَّنَ مساويهم ، ولما كانتْ هذه الرسالةُ هي الرسالةُ الخاتمةُ الخالدةُ ، تكفَّلَ الله ( هو بحفظِها .
ولنا الآنَ أن نتساءَلَ : ما مظاهِرُ هذا الحفظِ ؟
ـ أولاً : مظاهِرُ حفظِ القرآنِ الكريمِ :
لم يَحْظَ كتابٌ منذُ خَلَقَ الله السماواتِ والأرضَ بما حَظِيَ به هذا القرآنُ من الاهتمامِ والحِفْظِ والعنايةِ . وتبدأُ مظاهِرُ حفظِه منذُ وقتِ نزوله ، فقد كانَ رسولُ الله ( إذا تَلَقّاه مِن جبريلَ حَرَّكَ لسانَه يَعْجَلُ به مخافةَ ألا يحفَظَه ، وكان يَلقى من ذلكَ شدةً .(1/180)
عن ابنِ عباسٍ ( قال : كان رسولُ الله ( يعالجُ من التنزيلِ شدةً ، وكان مما يُحَرِّكُ شَفَتَيْه . قال ابنُ عباس : فأنا أحَرِّكُهما لكُم كما كانَ رسولُ الله ( يحرِّكُهُما . فأنزل الله تعالى : ? ??? ?????????? ????? ?????????? ?????????? ?????? ???? ?????? ??????????? ????????? ???????????????? ????? قال : جمعَه لكَ في صدرِكَ وتقرأَه ، ? ????????? ??????????????? ?????????????? ????????????? ????? قال : فاستَمِعْ له وأنْصِتْ ، ? ????? ?????? ??????????? ??????????? ????? : ثمَّ إن علينا أن تقرأه . فكان رسولُ الله ( بعدَ ذلك إذا أتاه جبريلُ اسْتَمَعَ ، فإذا انْطَلَقَ جبريلُ ، قرأهُ النبيُّ ( كما قرأه(372) .
ثم كانت طريقةُ التَّلَقي المثلى بينَ الصحابةِ هي المشافهةُ والحفظُ عن النبي ( مباشرةً .
عن ابن مسعودٍ ( قال : أخذتُ من فِي رسولِ الله ( سبعينَ سورةً ولا ينازِعُني فيها أحدٌ(373) .
ومع أن الكتابةَ في حواضِرِ الحجازِ زَمَنَ البعثةِ لم تكنْ واسعةَ الانتشارِ ، ومع أنَّ وسائلَها كانتْ بدائيةً وغيرَ ميسورةٍ ؛ فإنَّ النبي ( كان حريصاً على تسجيلِ ما ينْزِلُ عليه من القرآنِ ، حتى أنه نهى في البدايةِ عن كتابةِ شيءٍ غيرِ القرآنِ خشيةَ اختلاطِه بكتابِ الله(374) .
عن أبى سعيدٍ الخدريِّ ( أن رسولَ الله ( قال : " لا تكتبوا عني ، ومن كَتَبَ عني غيرَ القرآنِ فلْيَمْحُهْ . وحدِّثوا عني ولا حَرَجَ ، ومن كَذَبَ عليَّ متعمِّداً فلْيَتَبَوّأ مقعَدَه من النارِ "(375) . وكان مِنْ كَتَبتِه ( زيدُ بنُ ثابتٍ ( .(1/181)
فعنِ البراءِ ( قال : لما نَزَلَتْ ? ???? ????????? ??????????????? ???? ??????????????? ???????? ???????? ?????????? ???????????????????? ? ????????? ?????? ? قال النبيُّ ( : " ادْعُ لي زيداً ولْيَجِئْ باللَّوحِ والدَّواةِ والكَتِفِ " . ثم قال : " اكتب ? ???? ????????? ??????????????? ? وخلفَ ظهرِ النبيِّ ( عمروُ بنُ أمِّ مكتومٍ الأعمى فقال : يا رسولَ الله ، فما تأمُرُني ؟ فإني رجلٌ ضريرُ البَصَرِ ، فنزَلَتْ مكانَها : ? ???? ????????? ??????????????? ???? ??????????????? ???????? ???????? ?????????? ???????????????????? ? ????????? ?????? ? (376) .
وأوصلَ البعضُ كُتّابَ النبيِّ ( إلى ثلاثةِ وأربعينَ كاتباً(377) .
وقد نصَّ العلماءُ على أنَّ القرآنَ كلَّه قَدْ كُتِِبَ على عهدِ رسولِ الله ( في الصُّحُفِ والألواحِ والعُسُبِ ، لكنه لم يكن مجموعاً في موضِعٍ واحدٍ ، ولا مُرَتَّبَ السُّوَرِ(378) . ويدلُّ على ذلكَ حديثُ زيدٍ الآتي بعدَ قليلٍ .
ولما كان عهدُ أبي بكر الصديق ( - خليفةِ رسولِ الله ( - جمعَ القرآنَ بحضرةِ كبارِ الصحابةِ ، وفى وجودِ حُفّاظِهِ المتوافرينَ ، وجعلَ صاحبَ المهمةِ هو كاتبَ النبيِّ ( المشارَ إليه آنفاً زيدَ بنَ ثابتٍ .(1/182)
فعن زيدٍ قال : أرسَلَ إليَّ أبو بكرٍ الصديقُ مقتَلَ أهلِ اليمامةِ ، فإذا عمرُ بنُ الخطابِ عندَه ، قال أبو بكرٍ ( : إن عمرَ أتاني فقال : إنَّ القَتْلَ قد اسْتَحَرَّ يومَ اليمامةِ بقراءِ القرآنِ ، وإني أخشى إن استَحَرَّ القتلُ بالقراءِ بالمواطِنِ فيذهبَ كثيرٌ من القرآنِ ، وإني أرى أن تأمرَ بجَمْعِ القرآنِ . قلتُ لعمرَ : كيفَ نفعلُ شيئاً لم يفْعَلْه رسولُ الله ( ؟ قال عمرُ : هذا واللهِ خيرٌ . فلمْ يزلْ عمرُ يراجعُني حتى شَرَحَ الله صدري لذلكَ ورأيتُ في ذلك الذي رأى عمرُ . قال زيدٌ : قال أبو بكرٍ : إنكَ رجلٌ شابٌّ ، عاقلٌ ، لا نَتَّهِمُكَ ، وقد كنتَ تكتبُ الوحيَ لرسولِ الله ( ، فتَتَبَّعْ القرآنَ فاجْمَعْه . فوالله لو كَلَّفوني نقلَ جبلٍ من الجبالِ ما كانَ أثقلَ عليَّ مما أمرني به من جمعِ القرآنِ . قلتُ : كيف تفعلونَ شيئاً لم يفعلْه رسولُ الله ( ؟ قال : هو والله خيرٍ ، فلم يزلْ أبو بكرٍ يراجعُني حتى شرحَ الله صدري للذي شرحَ له صدرَ أبي بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما . فتتبعتُ القرآنَ أجمَعُه من العُسُبِ واللِّخافِ وصدورِ الرجالِ ، حتى وجدتُ آخرَ سورةِ التوبةِ مع أبي خزيمةَ الأنصاريِّ لم أجدْها مع أحدٍ غيرِه ? ?????? ?????????? ??????? ????? ???????????? ??????? ???????? ???????????? ? حتى خاتمة براءة . فكانت الصحفُ عندَ أبي بكرٍ حتى توفّاه الله ، ثم عندَ عمرَ حياتَه ، ثم عند حفصةَ بنتِ عمرَ رضي الله عنها(379) .(1/183)
وقد كانَ آخرَ براءةٍ محفوظاً لدى جمعٍ من الصحابةِ منهم أبيُّ بنُ كعبٍ وغيرُه ممن جمعَ القرآنَ ، ومنهم زيدٌ نفسُه الذي عَلِمَ بنقْصِها ، ولكن كان المطلوبُ وجودَها مكتوبةً . وثَمَّ آيةٌ أخرى من سورةِ الأحزابِ حصلَ فيها نفسُ الأمرِ ، ووجدَها زيدٌ عندَ أبي خزيمةَ كذلكَ(380) ، فتمَّ جمعُ المصحفِ مع توافرِ الشرطينِ : الحفظِ في الصدورِ ، والكتابةِ في السطورِ ، والحمدُ لله ربِ العالمينَ .
قال الحافظُ ابنُ حَجَرَ - شارحاً للآثارِ الواردةِ في اشتراطِهم في الجمعِ وجودَ شاهدينِ على ما سجَّلوه - : [ كأنَّ المرادَ بالشاهدينِ الحفظُ والكتابُ ، أو أن ذلك هو المكتوبُ بينَ يديْ رسولِ الله ( ، أو المرادَ أنهما يشهدان على أن ذلكَ من الوجوهِ التي نَزَلَ بها القرآنُ . وكان غرضُهم ألا يُكْتَبَ إلا من عينِ ما كُتِبَ بين يديْ النبيِّ ( لا من مجرَّدِ الحِفْظِ ](381) .
ثم استنسخَ عثمانُ المصاحفَ ، وشَكَّلَ لذلك أيضاً لجنةً على رأسِها زيدُ بنُ ثابتٍ ، وبعثَ بالمصاحفِ التي اسْتَنْسَخَها إلى الأمصارِ ، ليَحْسُمَ بها أيَّ اختلافٍ يقعُ بسببِ مصحفٍ كتبه بعضُهم لنفسِه ، فأدْرَجَ فيه بعضَ التفسيرِ أو ألفاظاً منسوخةً أو خطأ وقعَ منه أثناءَ الكتابةِ بسببِ عَدَمِ الدِّقَّةِ ، ويدفعُ بها أيضاً الأخطاءَ الناشئةَ عن الوهمِ في حفظِ بعضِ الحفاظِ ، ونحوَ ذلك .(1/184)
فعن أنسٍ ( أن حذيفةَ بنَ اليمانِ قدمَ إلى عثمانَ ، وكان يغازي أهلَ الشامِ في أرمينية وأذربيجان مع أهلِ العراقِ ، فأفزَعَ حذيفةَ اختلافُهم في القرآنِ ، فقال حذيفةُ لعثمانَ : يا أميرَ المؤمنينَ ، أدركْ هذه الأمةَ قبلَ أن يختلفوا في الكتابِ اختلافَ اليهودِ والنصارى . فأرسل عثمانُ إلى حفصةَ أن أرسِلي إلينا بالصحفِ ننسَخُها في المصاحفِ ثم نردُّها إليكِ . فأرسلتْ بها حفصةُ إلى عثمانَ ، فأمرَ زيدَ بنَ ثابتٍ وعبدَ الله بنَ الزبيرِ وسعيدَ بنَ العاصِ وعبدَ الرحمنِ بنَ الحارثِ بنِ هشامٍ ، فنَسخوها في المصاحفِ ، وقال عثمانُ للرَّهْطِ القُرَشِيّين الثلاثةِ : إذا اختلفتم أنتم وزيدُ بنُ ثابتٍ في شيءٍ من القرآنِ فاكتبوه بلسانِ قريشٍ فإنما نزلَ بلسانهم . ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحفَ في المصاحفِ ردَّ عثمانُ الصحفَ إلى حفصةَ ، فأرسلَ إلى كلِّ أُفُقٍ بمصحفٍ مما نسخوا ، وأمرَ بكلِّ ما سواه من القرآنِ في كلِّ صحيفةٍ أو مصحفٍ أن يحرَّقَ(382) .(1/185)
فهذا شأنُ كتابةِ القرآنِ من عهدِه ( إلى أن اشتهرتْ في الأمصارِ . والكتابةُ الموجودةُ الآنَ في المصاحفِ ، والمسماةُ بالرسمِ العثمانيِّ هي عينُها التي أجمعَ عليها أصحابُ النبيِّ ( في عهدِ عثمانَ ، وقد حُفِظَتْ لنا حفظاً عجيباً ، حتى إن الهمزةَ الساقطةَ فيها ساقطةٌ عندنا ، والواوَ الزائدةَ زائدةٌ عندنا ، والألفَ المحذوفةَ محذوفةٌ عندنا ، والحرفينِ المتصلَين متصلانِ عندنا ، والحرفينِ المنفصِلَينِ منفصلان عندَنا ، وهلمَّ جرا . وقد ألحِقَتْ الحروفُ الساقطةُ بخطٍ صغيرِ ، ونُبِّهَ على الحروفِ الزائدةِ بعلاماتٍ معينة ، وذلك في الطبعاتِ الحديثِةِِ لتيسيرِ القراءةِ على الناسِ ، وكانتْ قبلَ ذلكَ تلحَقُ بالمدادِ الأحمرِ . فأما الأولُ فيُسمّى علمَ رسمِ المصحَفِ وقد صُنِّفَتْ فيه الكتبُ وروى أصحابها بأسانيدِهم عمن رأَوْا مصاحفَ عثمانَ وكيفيةَ كتابتٍها . وأما الثاني فيُسمَّى علمَ ضبطَِ المصحف ، وفيه كيفيةُ النَّقْطِ والشَّكْلِ وغيرُ ذلكَ ، حيثُ إن الكتابةَ الأولى لم تكنْ منقوطةً ولا مشِكَّلةً . واعلم أن هذا البابَ بابٌ واسعٌ اكتَفَيْنا فيه بهذهِ الإشاراتِ السريعةِ ، ومن أرادَ الفهمَ الكاملَ فعليه بالمطوَّلات المخصصة لذلك(383) .
وقد سبقَ لنا أن ذكرنا في دلائلِ الرسالةِ أن هناكَ جماعةً من أهلِ العلمِ ذهبوا إلى أن الرسم يتضمنُ إعجازاً من وجوهٍ عدَّةٍ ، علَمِها من عَلمها وجَهِلَها من جهلها ، وقد أشرنا إلى بعضِها في الموضعِ المذكورِ .
وما زالتْ الأمةُ الإسلاميةُ إلى الآنَ بعدَ انصرامِ أربعةَ عشرَ قرناً متمسكةً بما كان عليه سلفُها من المنعِ من كتابةِ المصحفِ بغيرِ الرسمِ العثمانيِّ ، وهذا في حدِّ ذاتِه طعنةٌ في نحورِ أعداءِ هذا الدينِ ، حيث إنه لا درجةَ أعلى من ذلكَ في الحفظِ ، وإذا حُفِظَتْ طريقةُ الكتابةِ فما بالُكَ بالمكتوبِ ؟(1/186)
سبحان الله ! أي حفظٍ َهذا ؟ إنه لم يَقِفْ إلى هذا الحدِّ - على الرغمِ من أننا لم نتكلمْ إلا على حفظِه مكتوباً- بل جاوَزَه إلى درجةٍ أعلى من ذلكَ بكثيرٍ بطريقةِ حفظِه في الصدورِ ، فإنه لم يقفْ عندَ تلقي القَرْنِ عن القرنِ ، والجيلِ عن الجيلِ ، وهو النقلُ المتواترُ الذي لا تتطرَّقُ إليه شائبةٌ .
ومنْ بابِ تقريبِ الأمرِ نقول : إن ابنَ الجزريِّ رحمه الله تعالى سَجَّلَ ما وقفَ عليه من مشاهيرِ وأئمةِ القراءِ الذين تصدَّوا للإقراءِ ، وذَكَرَهم التاريخُ بأسمائِهم وأسماءِ مشايخهم وتلاميذِهم خلالَ ثمانيةَ قرونٍ من بَدءِ البعثةِ فبلغوا أربعةَ آلافِ نفسٍ(384) . وهذا يعني أن متوسطَ عددِ أئمةِ كلِّ قرنٍ حسبَ ما وصَلَ إليه علمُ ابنِ الجزريِّ خمسمائة إمام ، فكيف بمن لم يعلَمْهم ؟ وهذا رقمٌ خياليٌّ فإن هؤلاءِ هم الأئمةُ المتصدِّرونَ ، والقرآنُ يحفظُه غيرُ العلماءِ الذين هم في الأمة كالشامةِ في البعيرِ : الصغيرُ والكبيرُ ، والشابُّ والشيخُ ، والرجلُ والمرأةُ ، والعاميُّ والأمِّيُّ ، والمثقَّفُ وغيرُ المثقفِ ، فإذا أردنا إحصاءَ حفاظِ القرآنِ عامةً في كلِّ قرنٍ لهالنا العددُ ، ولو حصرنا الحافظينَ لبعضِ أجزاءٍ من القرآنِ لما بالغنا إذا قلنا كلُّ المسلمينَ !(1/187)
أقولُ لم يصِلْ الحدُّ إلى هذا النقلِ الفريدِ والذي لا يوجدُ في كتابٍ آخرَ في عالم الناسِ ، بل تجاوَزَه من حفظِ الألفاظِ إلى حفظِ طريقةِ تلاوةِ هذه الألفاظِ ، فهذا الحرفُ فيه مدٌّ ، وفي ذاك غنةٌ ، وفي ثالثٍ إشمامٌ ، وفي رابعٍ إمالةٌ ، وهلمَّ جرا ، وندخلُ في علمٍ عجيبٍ وهو علمُ القراءاتِ والتجويدِ الذي نُقِلَ إلينا بالتلقي من الأفواهِ من عهدِ النبيِّ ( إلى عهدِنا هذا . ولما قلَّ في الأزمنةِ المتأخرَةِ عددُ أئمةِ الإقراءِ بالنسبةِ لعددِ الناسِ الهائلِ ، بحيث صعبَ أن يجدَ كلُّ مسلمٍ من يتلقى القراءةَ على يديه ، وضعتْ له القواعدُ وصنفتْ فيه الكتبُ . وقد جزمَ العلماءُ بوجوبِ قراءةِ القرآنِ بنفسِ طريقةِ الأداءِ التي وَصَلَنا بها ، قال ابنُ الجَزَرَي :
والأخذُ بالتجويدِ حتمٌ لازمُ من لم يُجَوِّدْ القرآنَ آثمُ
لأنه به الإلهُ أنزلا … وهكذا منه إلينا وصلا(385)
فأيُّ حفظٍ بعدَ هذا الحفظِ ، ناهيكَ عن باقي العلومِ التي خَدَمَتْ هذا الحفظَ من حصرٍ لعددِ آياتِ القرآنِ ودراسةٍ لأماكنِ نزوله وأوقاتِه وأسبابه ، وقد تتبَّعَ السيوطيُّ رحمه الله منها ثمانينَ علماً ! نذكرُ منها على سبيلِ المثال : ( المكيُّ والمدنيُّ ) ، ( والحضري والسفري ) ، ( والأرضي والسماوي ) ، ( والليليُّ والنهاري ) ، وغيرُ ذلك(386) .
ومازال القرآنُ إلى الآنِ ، يتلقّاه القراءُ بالأسانيدِ المتصلةِ إلى النبيِّ ( بقراءاتِه المتواترةِ ، كلُّ تلميذٍ يَعرِضُه على شيخِه كاملاً وهكذا حتى يبلغَ منتهاه .
والمجالُ أضْيَقُ من أن أُسهِبَ فيه أكثرَ من هذا ، فسبحانَ من صدقَ وعدَه ونصرَ عبدَه ، وحَفِظَ كتابَه ، وجعلَ أهلَه خاصَّتَه وأحبابَه .
ـ ثانياً : مظاهرُ حفظِ السنةِ :
وأما السنةُ فلم تبعُدْ العنايةُ بها عن مقدارِ العنايةِ بكتابِ الله ، وتقدَّمَ معنا نهيُ النبيِّ ( عن كتابتِها في بدءِ الأمرِ ، ثم رخَّصَ بعدُ في ذلكَ .(1/188)
فعن أبي هريرةَ ( : أن خزاعةَ قتلوا رجلاً من بني ليثٍ عامَ فتحِ مكةَ بقتيلٍ منهم قتلوه ، فأُخبِرَ بذلكَ ( فركِبَ راحلتَه فخطَبَ فقال : " إن الله حَبَسَ عن مكةَ الفيلَ ، وسلَّطَ عليهم رسولَ الله ( والمؤمنينَ ، ألا وإنها لم تَحِلَّ لأحدٍ قبلي ، ولنْ تحلَّ لأحدٍ بعدي ، ألا وإنها أحلَّتْ لي ساعةً من نهارٍ . ألا وإنها ساعتي هذه حرامٌ ؛ لا يُختَلى شوكُها ، ولا يعضَدُ شجرُها ، ولا تُلتَقَطُ ساقطتُها إلا لمنشدٍ . فمن قُتِلَ له قتيلٌ فهو بخير النَّظَرَينِ ؛ إما أن يُعقلَ ، وإما أن يقادَ أهل القتيل " . فجاء رجلٌ من أهلِ اليمنِ ، فقال : اكتبْ لي يا رسولَ الله . فقال : " اكتبوا لأبي فلان "(387) وإنما يرجعُ النهيُ أولاً ، إلى الحفاظِ على كتابِ الله ألا يختَلِطَ به غيرُه ، لأنه كلامٌ معجِزٌ ، ونظمٌ عجيبٌ ، وهو متعبَّدٌ بتلاوتِه ، وله خواصٌّ كثيرةٌ ليست في غيرِه ، فهو كلامُ الله سبحانه وتعالى . وأما كلامُ النبيِّ ( ، فهو وإن كانَ معناه مُوحىً من عندِ الله إلا أن اللفظَ لفظُ بشرٍ ، وليسَ فيه إعجازٌ ، ولا تعبُّدٌ بتلاوته ، فلو ذهبَ لفظُه فلن يذهبَ معناه من صدورِ الصحابةِ رضي الله عنهم ، فإن العهدَ قريبٌ . ثم رخَّصَ النبيُّ ( في الكتابةِ بعدَما أمِنَ اختلاطَ القرآنِ بغيرِه ، وفي هذا سرٌّ عجيبٌ ، لأنه لو لم يرَخِّصْ فيها لأعرضَ المسلمونَ في سائرَ الأزمنةِ عن كتابةِ الحديثِ ، ففُقِدَ كثيرٌ منه وأضيفَ فيه ما ليس منه .
ومن عهدِ النبيِّ ( بدأ حفظُ السنةِ ، بضبطِها في الصدورِ ، وتقييدِها في السطورِ . وكان من أصحابه جهابذةٌ حفاظٌ كأبي هريرةَ ( الذي اختُصَّ في ذلك بميزةٍ لم تحصُلِ لغيره .(1/189)
فعن أبي هريرةَ ( قال : إن الناسَ يقولون أكثرَ أبو هريرةَ ، ولولا آيتانِ في كتابِ الله ما حدثتُ حديثاً ، ثم يتلو ? ?????? ?????????? ??????????? ???? ???????????? ???? ?????????????????? ?... إلى قوله ? ??????????? ? . وإن إخوانَنا من المهاجرينَ كان يشغَلُهم الصفقُ بالأسواقِ ، وإن إخواننا من الأنصارِ كان يشغَلُهم العملُ في أموالهم ، وإن أبا هريرةَ كان يلزَمُ رسولَ الله ( بشِبَعِ بطنه ، ويحضُر ما لا يحضُرونَ ، ويحفظُ ما لا يحفظونَ(388) .
وعنه ( قال : قلتُ : يا رسولَ الله إني أسمعُ منكَ حديثاً كثيراً أنساه . قال : " ابْسُطْ رداءَكَ " . فبسَطْتُه . قال : فَغَرَفَ بيدِه ثم قال : " ضُمَّهُ " . فضَمَمْتُه فما نسيتُ شيئاً بعدَه(389) .
وعنه ( قال : قلتُ : يا رسولَ الله من أسعدُ الناسِ بشفاعتك يومَ القيامة ؟ قال رسولُ الله ( : " لقد ظننتُ يا أبا هريرةَ ألا يسألني عن هذا الحديثِِ أحدٌ أولَّ منكَ ، لما رأيتُ من حرصِكَ على الحديثِ . أسعدُ الناسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ من قالَ لا إلهَ إلا اللهُ خالصاً من قلبه أو نفسه "(390) .
فكان عددُ رواةِ الحديثِ من الصحابةِ ما يقاربُ الألفَ نفسٍ ، وقد ذَكَرَ أسماءَهم أبو محمد ابنُ حزمٍ في رسالته ( أسماءُ الصحابةِ الرواةِ وما لكلِّ واحدٍ من العددِ ) ، فذكرَ منهم أبا هريرةَ وله خمسةُ آلافِ حديثٍ وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثاً ، ومن أصحابِ الألفينِ فما زادَ ابنَ عمرَ وأنساً وعائشةَ ، ومن أصحابِ الألفِ فما زادَ عبدَ الله بنَ عباس وجابراً وأبا سعيدٍ الخدري وهكذا ذكرَ كلَّ واحدٍ وماله من الأحاديثِ(391) .
وعدَّ الذهبيُّ رحمه الله الحفاظَ الجهابذةَ من الصحابةِ فبلغوا ثلاثاً وعشرينَ نفساً وترجَم لهم(392)(1/190)
أما المسجِّلونَ للحديثِ كتابةً من الصحابةِ فرافعُ بنُ خديجٍ وعبدُ الله ابنُ عمروِ بنِ العاصِ وعليُّ بنُ أبي طالبٍ وابنُ عباسٍ وأبو سعيدٍ الخدري وأنسُ بنُ مالكٍ وغيرُهم(393) .
ثم أتى بعدَ الصحابةِ طبقةُ التابعينَ الذين رووا عنهم الأحاديثَ ، وهم كثيرون جداً ، برزَ منهم جماعةٌ اعتُبِروا من الحفاظِ الجهابذةِ ، بلغ عددُهم ثلاثينَ ومائةَ نفسٍ ، ترجَمَ لهم الذهبيُّ رحمه الله(394) .
واشتَهَرَ بالكتابةِ منهم الحسنُ وبشيرُ بنُ نهيكٍ وكثيرُ بنُ أَفْلَحَ وسعيدُ بنُ جُبيرٍ وابنُ عقيلٍ ومجاهدٌ وأبو بكرِ بنُ عمروِ بنِ حزم والزهريُّ وغيرُهم كثيرٌ(395) .
وقد بلغ عددُ حفاظِ الأمةِ من عصرِ الصحابةِ إلى الحافظِ ابنِ حَجَرَ العسقلانيِّ - ت 852 هـ - ألفاً ومائة وتسعينَ حافظاً حسبَ إحصاءِ الحافظِ السيوطي(396) .
ثم كثرُتْ المصنفاتُ في عصرِ تابعي التابعينَ فرووا الأخبارَ بأسانيدِهم العاليةِ ، فليسَ بينهم وبين النبي ( إلا طبقتينِ من خِيرةِ أهلِ الأرضِ . وكانتْ أشهرَ المصنفاتِ في هذا العصرِ موطأُ مالكٍ ، والمغازي ، وأيضاً السنن لابنِ إسحاق ، والموطأ لابنِ أبي ذئبٍ ، والمصنَّفُ لحمادِ بنِ سلمةَ وغيرها(397) .(1/191)
وهكذا نشطتْ حركةُ التصنيفِ في الحديثِ ، وما من حديثٍ يُنسَبُ للنبيِّ ( ويُعتَقَدُ نسبتُه إليه ، إلا ويُشتَرَطُ أن يكون مَروِياًّ في أحدِ المصنَّفاتِ المشهورةِ بإسنادٍ من صاحبِ هذا المصنف إلى النبي ( ، ويشتَرَطُ فيه أن يكونَ بروايةِ العدلِ ( الذي ثَبَتَتْ عدالتُه بألا يُعرَفَ بارتكابِ شيءٍ من المنهياتِ ، ولا بتركِ شيءٍ من الواجباتِ ) الضابطِ ( الحافظِ لما يرويهِ إما في صدرِه أو في كتابه ) عن مثله ، إلى منتهاه ، أي أن يكونَ كلُّ رجالِ السندِ من هذا النوعِ . ويُتسامَحُ فيمنْ كان دونَ ذلكَ بقليلٍ . ويُشْتَرَطُ في الحديثِ أيضاً ألا يكونَ شاذاً ( أي مخالفاً لما هو أوثقُ منه ، لاحتمالِ ورودِ الخطأ من الثقةِ ولو في النادرِ ) ، وألا يكون معلَّلاً ( يعني فيه علةٌ خَفِيَّةٌ في سندِه أو متنه لا تظَهرُ إلا بعدَ الثَّبْرِ والغور ) . وهذه الشروطُ غايةٌ في الدِّقَّةِ والتحَرّي(398) .
ولأجلِ النظرِ في الرواةِ المذكورينَ في هذه الأسانيدِ ، ومعرفةِ توافُرِ هذه الشروطِ في الأحاديثِ ، صُنِّفَتْ كتبٌ لا حصرَ لها . فكانتْ كتبُ التراجُمِ ، وعلمُ الجرحِ والتعديلِ ، وعلومُ مصطلحِ الحديثِ ، وعلومُ التخريجِ ودراسةِ الأسانيدِ ، وكتبُ العِلَلِ ، وكتبُ الأنسابِ ، وهلمَّ جراً .. بثَراءٍ علميٍّ منقطعِ النظيرِ ، وقواعدَ دقيقةٍ للنقدِ والتمحيصِ ، بحيثُ لم يبقَ مجالٌ لداسٍّ أن يدسَّ شيئاً في كلامِ رسولِ الله ( فلا يعرَفُ ، وبحيثُ حُفظِتْ لنا السنةُ حفظاً عجيباً ، فلم يضِع منها شيءٌ . حتى أن ابتسامَ النبي ( ، وصفةَ مَشيِهِ ، وطريقةَ نومِه ، واكتحالَه وتطيُّبَه ، وغيرَ ذلك مما هو دونه حُفِظَ لنا ، فضلاً عما هو أعظمُ منه من الأقوالِ والأفعالِ والإقراراتِ .
وانقَسَمَ نقلُ هذه السنةِ إلى قسمينِ :(1/192)
الأولُ : نقلٌ عن طريقِ التواترِ . وهو إما لفظيٌّ ( ويعني : روايةَ الجَمْعِ عن الجمعِ على مرِّ العصورِ نفسَ اللفظِ والمعنى عن النبي ( ) ، وإما معنويٌّ ( وهو نفسُ الشَّرطِ إلا أنه في المعنى فقط ) .
والمتواتِرُ من الحديثِ يكادُ يكونُ في مستوى من الصحةِ يقاربُ مستوى القرآن .
والقسمُ الثاني : نقلٌ عن طريقِ الآحادِ ، وهو مالم يتوافَرْ فيه شرطُ التواترِ . فربما جاءَ من طرقٍ ، وربما جاءَ من طريقٍ واحدٍ ، وكلُّه حجةٌ بشرطِ توافُرِ الشروطِ المذكورةِ آنفاً . ولكنه في درجةٍ دونَ درجةِ المتواترِ ، وهو نفسُه يتفاوتُ فيما بينه وبين بعضِه(399) .
ومازال المشتغلونَ بالعلمِ إلى الآنَ ، يتناقلونَ الأسانيدَ المتصلةَ إلى النبيِّ ( عن طريقِ الإجازاتِ . وهذا لِيبقى الإسنادُ علامةً لهذه الأمةِ ، وسمةً من سماتِ هذه الرسالة الخاتمة .
هذا ، وقد صنفَ أهلُ العلمِ مصنفاتٍ شرَطوا فيها صحةَ الأحاديثِ ، ومصنفاتٍ أخرى جمعتَ ولم يُشترَطْ فيها الصحةُ ، وإنما أحالت القارئَ إلى النظرِ في الإسنادِ . والكلامُ في ذلك يطولُ ، وليسَ هذا مجاله ، وإنما أردنا التنبيهَ والتلميحَ فقط .
ثم إنه لم تقفْ مظاهرُ حفظِ الكتابِ والسنةِ عندَ هذا الحدِّ ، بل تعدَّتْ ذلك إلى حفظِ ما يُحتاجُ إليه لفهمِ هذينِ الأصلينِ العظيمينِ ! فأقوالُ الصحابةِ والتابعينَ مما يُحتاجُ إليها لفهمهما ، ولذا حُفظَتْ لنا بالأسانيدِ ، وصنفتْ لها الكتبُ الخاصةُ والعامةُ . وكذلك اللغةُ التي نَزَلَ بها القرآنُ وخاطبنا بها النبيُّ ( حُفِظَتْ حفظاً عجيباً ، حتى إنها لتُروى بالأسانيدِ كما تروى الأحاديثُ والآثارُ !
وهذا كلُّه من الله من عَجيبِ حفظِه ، وكمالِ لُطفِه . سبحانَه ، جلَّ شأنُه ، وعَلَتْ قدرتُه ، وتَمَّتْ نعمتُه .
ـ رابعاً : شموليةُ الرسالةِ الخاتِمَةِ :(1/193)
والمرادُ من هذه الفقرةِ بيانُ شمولِ الرسالةِ الخاتمة لكلِّ ما يحتاجُه الناسُ على الإطلاقِ ، فلا تخلو حادثةٌ من الحوادثِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ إلا ولها بيانٌ في هذه الشريعةِ إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها .
قال تعالى : ? ???? ???????????? ? ????????????? ??? ???????? ? ( الأنعام : 38 ) ، وقال : ? ??????? ??????? ??????????????? ??????????? ? ( الإسراء : 12 ) ، وقال : ? ??????? ????? ? ??????????? ???????? ???????????? ???????????????? ??? ????? ?????????? ??????????? ????????? ?????????? ???????? ??????? ????????? ???????????? ????? ?????? ????????? ??????????? ????????? ???????????? ?????? ( يوسف : 111 ) .
قال القرطبي : [ وتفصيلُ كلِّ شيءٍ : مما يحتاجُ العبادُ إليه من الحلالِ والحرامِ والشرائعِ والأحكامِ ](400) . وقال تعالى : ? ?????????????? ???????? ????????????? ????????????? ???????? ?????? ????????? ??????????? ???????????? ??????????????? ? ( النحل : 89 ) .
قال الشافعيُّ رحمه الله في هذه الآية : [ فليست تَنْزِلُ بأحدٍ من أهلِ دينِ الله نازلةٌ ، إلا وفي كتابِ الله الدليلُ على سبيلِ الهدى فيها ](401) .(1/194)
قال سيد قطب رحمه الله بعد أن تكلَّمَ عن محدوديةِ الرسالاتِ السابقةِ : [ حتى إذا أرادَ الله أن يختمَ رسالاتِه إلى البشرِ ، أرسلَ إلى الناسِ كافةً ، رسولاً خاتمَ النبيين ، برسالةٍ للإنسانِ ، لا لمجموعةٍ من الأناسيِّ في بيئةٍ خاصةٍ في زمانٍ خاصٍ في ظروفٍ خاصةٍ . رسالةٌ تخاطبُ الإنسانَ من وراءِ الظروفِ والبيئاتِ والأزمنةِ ، لأنها تخاطِبُ فطرةَ الإنسانِ التي لا تَتَبَدَّلُ ولا تَتَحَوَّرُ ولا ينالهُا التغير ، ? ???????? ?????? ???????? ??????? ?????????? ??????????? ??? ?????????? ???????? ??????? ??????? ????????? ???????????? ? وفَصَّلَ في هذه الرسالةِ شريعةً تتناولُ حياةَ الإنسانِ من جميعِ أطرافِها وفي كلِّ جوانبِ نشاطِها ، وتضعُ لها المبادئَ الكليةَ والقواعدَ الأساسيةَ فيما يتطورُ فيها ويتحَوَّرُ بتغيرِ الزمانِ والمكانِ ، وتضعُ لها الأحكامَ التفصيليةَ والقوانينَ الجزئيةَ فيما لا يتطَوَّرُ ولا يتحورُ بتغيرِ الزمانِ والمكانِ .
وكذلك كانت هذه الشريعةُ بمبادئها الكليةِ وبأحكامِها التفصيليةِ ، محتويةً كلَّ ما تحتاجُ إليه حياةُ الإنسانِ منذ تلكَ الرسالةِ إلى آخرِ الزمانِ ، من ضوابطَ وتوجيهاتٍ وتشريعاتٍ وتنظيماتٍ لكي تستمرَ وتنمو وتتطورَ وتتجددَ حولَ هذا المحورِ وداخلَ هذا الإطارِ .
وقال الله سبحانه للذين آمنوا : ? ?????????? ??????????? ?????? ????????? ?????????????? ?????????? ?????????? ????????? ?????? ???????????????? ???????? ? فأعلنَ لهم إكمالَ العقيدةِ وإكمالَ الشريعةِ معاً ، فهذا هو الدينُ .. ولم يعدْ للمؤمنِ أن يتصورَ أن بهذا الدينِ - بمعناه هذا - نقصاً يستدعي الإكمالَ ، ولا قصوراً يستدعي الإضافةَ ، ولا محليةً أو زمانيةً تستدعي التطويرَ أو التحوير .. وإلا فما هو بمؤمنٍ ، وما هو بمصدقِ الله ، وما هو بمرتضٍ ما ارتضاه الله للمؤمنين !(1/195)
إن شريعةَ ذلكَ الزمانِ الذي نزلَ فيه القرآنُ ، هي شريعةُ كلِّ زمانٍ لأنها بشهادةِ الله شريعةُ الدينِ الذي جاءَ للإنسانِ في كلِّ زمانٍ وفي كلِّ مكانٍ ، لا لجماعةٍ من بني الإنسانِ ، في جيلٍ من الأجيالِ ، في مكانٍ من الأمكنةِ ، كما كانت تجيءُ الرسلُ والرسالاتُ .
الأحكامُ التفصيليةُ جاءت لتبقى كما هي ، والمبادئُ الكليةُ جاءتْ لتكونَ هي الإطارَ الذي تنمو في داخله الحياةُ البشريةُ إلى آخرِ الزمانِ دون أن تخرجَ عليه ، إلا أن تخرجَ من إطارِ الإيمانِ .
والله الذي خلقَ الإنسانَ ويعلمُ مَنْ خَلَقَ ، هو الذي رضيَ له هذا الدينَ المحتوي على هذه الشريعةِ . فلا يقول : إن شريعةَ الأمسِ ليستْ شريعةَ اليومِ إلا رجلٌ يزعُمُ لنفسه أنه أعلمُ من الله بحاجاتِ الإنسانِ ](402)
وشموليةُ القرآنِ لما يحتاجُ إليه العبادُ نتجتْ عن تضمنِّه لكلياتٍ يندرِجُ تحتَها جميع ما يحتاجونَ إليه ، وعلى الرغمِ من كونِ الرسالةِ كما ذكرنا تتكونُ من الكتابِ والسنةِ ، فإن القرآنَ قد تضمَّنَ الأمرَ باتباعِ السنةِ إجمالاً ، وجعلَ طاعةَ الرسولِ ( طاعةً لله . قال تعالى : ? ???? ????????? ??????????? ??????? ?????????? ??????? ? ( النساء : 80 ) . وقد احتَجَّ ابنُ مسعودٍ ( بدلالةِ القرآنِ على كونِ كلِّ ما في السنةِ يُعتَبَرُ موجوداً في القرآنِ .
فعن علقمةَ قال : لعنَ ابنُ مسعودٍ الواشماتِ والمتنَمِّصاتِ والمتفَلِّجاتِ للحسنِ المغيراتِ خلقَ الله . فقالت أمُّ يعقوب : ما هذا ؟ قال عبدُ الله : ومالي لا ألعنُ من لعنَ رسولُ الله ( وفي كتابِ الله ؟ قالت : والله لقد قرأتُ ما بينَ اللوحينِ فما وجدتُه ! فقال : والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه ? ?????? ???????????? ??????????? ?????????? ????? ??????????? ???????? ?????????????? ? (403) .(1/196)
ثم إن الكتابَ والسنةَ تضمَّنا الدلالاتِ على الإجماعِ والاجتهادِ والمصالحِ المرسلةِ وغيرِها من كلياتِ الشريعةِ ، وعليه فما من صغيرةٍ ولا كبيرةٍ ، إلا وقد شملَتْها الرسالةُ الخاتمةُ ، مهما تغيرّ الزمانُ واختلفتْ الأحوالُ(404) .
ويقول المودودي : [ أما الرسالةُ فهي الوسيلةُ التي يصلُ بها إلينا القانونُ الإلهيُّ ، فالذي تلقيناه بواسطتها : كتابُ الله الذي بَيَّنَ الله فيه قانونَه ، والثاني : شرحٌ لهذا الكتابِ وتفسيرٌ له مستند ، قدَّمَه الرسولُ ( بقوله وفعلِه من حيثُ إنه نائبٌ عن الله وخليفتُه في هذه الدنيا .
أما الكتابُ فقد بَيَّنَ الله فيه من الأصولِ والمبادئِ ، جميعَ ما ينبغي أن يقومَ عليه نظامُ الحياةِ الإنسانيةِ . وأما ما نحتاجُ إليه بعدَ ذلكَ من الشرحِ والبيانِ لتلكَ الأصولِ والمبادئِ فقد بَيَّنَه الرسولُ ( ومثَّلَه في حياته تمثيلاً بتأسيسِ نظامٍ للحياةِ الإنسانيةِ وتدبيرِه وفقَ ما اقتضاه الكتابُ ، حتى يكونَ ذلك أسوةً حسنةً لمن بعدَه . فمجموعُ هذين الأصلينِ يسمى في المصطلحِ الإسلاميِّ بـ " الشريعة " فهذا الدستورُ الأساسيُّ الذي ينهض عليه صرحُ الدولةِ الإسلامية ](405).(1/197)
ولو حاولنا الإشارةَ إلى بعضِ جوانبِ شموليةِ رسالةِ الإسلامِ لحاجاتِ البشريةِ جمعاءَ ، في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ، لقصَّرَ اللسانُ عن البيانِ ، ولعجَزَ القلمُ وكلَّ البنانُ ، ولكن ما من الإشارةِ إلى ذلك بدٌّ . فالإسلام بادئَ ذي بَدءٍ نظرَ إلى الإنسانِ بشقيه الجسدِ والروحِ ، فلم يهتمَّ بشقٍّ على حسابِ الآخَرِ ، وإنما أولى كلاً منهما ما يستحقُّ من اهتمامٍ ورعايةٍ قائمةٍ على قواعدَ دقيقةٍ لم تغادرْ صغيرةً ولا كبيرةً ، تعملُ على حفظِ التوازنِ بينهما . ولذا فاللَّبِنةُ الأساسيةُ في هذا العالم لا يصنعها الإسلامُ لتَغْرَقَ في بحارِ الشهواتِ الماديةِ فتصبحَ أحطَّ من وحوشِ الغاب ، ولا لتحلِّقَ في روحانياتٍ تُخرِجُها عن حقيقتِها الإنسانيةِ ودورِها في عمارةِ هذه الأرض . والمشاهَدُ في حياةِ الإنسانِ العمليةِ ، أنه إذا رَكَنَ إلى المادةِ وأهملَ الروحَ ، راودتْه روحُه للانطلاقِ من هذا الجسدِ المتخَمِ ، مما يجعل نهايته الانتحارَ . وإذا ركنَ إلى الروحِ وأهملَ المادةَ ، أضاعَ الجسدَ الذي تقومُ به الروحُ ، مما يؤدي به إلى التلفِِ فرداً ومجتمَعاً . والإنسانُ في الواقعِ متطلباتُ روحِه أعظمُ من متطلباتِ جسدِه ، ولذا فالاهتمامُ بها يجبُ أن يكونَ في الدرجةِ الأولى ، لأن كثيراً من متطلباتِ الجسدِ إنما هي إشباعٌ لمتطلباتِ الروحِ . والأمرُ في حفظِ التوازنِ بينهما يحتاجُ إلى العليمِ الخبيرِ الذي خلقَ هذه الروحَ في هذا الجسدِ . ونحن إذ نتكلمُ عن هذا الجانبِ في شموليةِ الرسالةِ الخاتمةِ نكتفي بسَوْقِ بعضِ الأدلةِ لضيقِ المقامِ ، والكتابُ والسنةُ مليئانِ بما يقررُ هذا المنهجَ وبما يُفَصِّلُه تفصيلاً دقيقاً .
قال تعالى : ? ????????????? ??????? ??????????? ?????? ????????? ???????????? ????? ?????? ?????????? ???? ?????????????? ? ( القصص : 77 ) .(1/198)
وقال : ? ???? ????????? ??????????????? ???????????? ? ??????????????? ?????????? ??? ??????????? ?????????? ??????? ??????? ????????????? ????? ???????????????? ?????? ???????? ??????? ?????????? ??????????? ??????? ??????????? ?????? ( البقرة : 201 - 202 ) .
وقال : ? ???? ???????? ?????? ?????? ??????????? ????????? ???????????? ? ?????????????? ?????????? ??? ??????????? ???????????? ???????????? ????? ( تبارك : 15 ) . وقال : ? ? ???????????????? ??????? ???????????? ???? ??????????? ????????? ?????????????? ?????????????????? ????????????? ?????????? ?????????????? ?????? ( آل عمران : 133 ) . وقال : ? ????????? ????????? ???????????? ??????????????? ? ??????????? ???????????????? ??? ??????? ?????? ????????????? ?????? ???????? ???????????? ????????????? ????? ( الجمعة : 10 ) .
وعن أنسٍ ( قال : جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوتِ أزواجِ النبيِّ ( يسألون عن عبادةِ النبيِّ ( فلما أُخبِروا كأنهم تقالّوها ، فقالوا : وأينَ نحنُ من النبيِّ ( ؟ غَفَرَ الله له ما تقدَّمَ من ذنبه وما تأخَّرَ . قال أحدُهم : أما أنا فأنا أصلي الليلَ أبداً . وقال آخرُ : أنا أصومُ الدهرَ ولا أفطرُ . وقال آخرُ : أنا أعتزلُ النساءَ فلا أتزوجُ أبداً . فجاءَ رسولُ الله ( فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصومُ وأفطرُ ، وأصلي وأرقُدُ ، وأتزوجُ النساءَ ، فمن رغبَ عن سنتي فليس مني "(406) .
ويكفي القارئ أن يرجعَ صفحاتٍ إلى سماتِ شخصيتِه ( بعدَ البعثةِ ، ليلمَسَ هذا التوازنَ في أبهى صُورِه ، وأكملِ درجاته ، وقد سقنا هناك ما يزيد عن الكفايةِ .(1/199)
وقد شرعَ الإسلامُ للإنسانِ من الشرائعِ ما يكفَلُ له الجانبينِ المعنويَّ والماديَّ ، فكما أنه شرعَ له الاعتقاداتِ والعباداتِ التي تُرَكِّزُ على الجانبِ الروحانيِّ أكثرَ ، شرع له أيضاً الحدودَ والمعاملاتِ التي تركزُ على الجانبِ الماديِّ أكثرَ ، وينطلق ذلكَ من اللبنةِ الأولى ، إلى المجتمعِ المصغَّرِ وهو الأسرةُ ، ومن ثَمَّ إلى المجتمعِ الأكبرِ ، ثم إلى العالم أجمع ، ويشملُ العلاقةَ القائمةَ بينَ الإنسانِ وأخيهِ الإنسانِ ، وبين الإنسانِ وما حولَه في هذا الكونِ من جنٍّ وحيوانٍ ونباتٍ وجمادٍ ، وتفصيلُ ذلك يطولُ ويُبهِرُ العقولَ ، حتى إنه ما من شيءٍ في حياةِ الإنسانِ إلا وله تشريعٌ في الإسلامِ .
عن سلمانَ ( قال : قيلَ له : قد علَّمكُم نبيًّكًُم كلَّ شيءٍ حتى الخراءة ، فقال : أجلْ نهانا أن نستقبلَ القبلةَ بغائطٍ أو بولٍ ، وأن نستَنْجِيَ باليمينِ ، وأن نستنجيَ بأقلِّ من ثلاثةِ أحجارٍ ، أو أن نستنجيَ برجيعٍ أو بعظمٍ(407) .
ولا يسعني في هذه العجالةِ لكيْ أدلِّلَ على شموليةِ الرسالةِ الخاتمة إلا أن أعرضَ عرضاً موضوعياً سريعاً جداً لبعضِ ما تضَمَّنَتْهُ السورةُ الأولى من القرآنِ البالغِ عددُ سُوَرِه مائةً وأربعَ عشرةَ سورةً تتفاوتُ في حَجْمها وموضوعاتها ، ثم أشيرُ إلى نحوِ ذلك في بعضِ الفصولِ المختارةِ من كتابٍ من الكتبِ التي جمعتْ من أحاديثِ السنةِ الصحيحةِ قسطاً لا بأسَ به ، ووقعَ الاختيارُ على مختصرِ صحيحِ مسلمٍ للحافظِ المنذريِّ .
وأعني بالسورةِ الأولى من القرآنِ سورةَ البقرة ، فإن الناظرَ فيها لأولِ وهلةٍ يتَّضِحُ له بداهةً شموليةَ هذه الرسالة ، ولم أخترْ الفاتحةَ لأن إدراكَ ذلك منها يحتاجُ إلى نظرٍ ثاقبٍ وطولِ كلامٍ ، وقد اسْتَنْبِطَ منها الرازي رحمه الله ألفَ مسألةٍ ! وكتبَ في تفسيرِها مئاتِ الصفحاتِ .(1/200)
أقولُ : تضمَّنَتْ هذه السورةُ غيرَ الدعوةِ إلى الإيمانِ بالله والملائكةِ والرسلِ والكتبِ المنزلة واليومِ الآخرِ وما في الجنةِ والنارِ ووعدِ الله ووعيدِه وقدرِه خيرِه وشرِّه بتفصيلٍ بالغٍ في هذه الأمورِ ، وغيرَ الكلامِ عن بَدءِ الخليقةِ وجَعْلِ الإنسانِ خليفةً في هذه الأرضِ ، وتعليمِ الله له وتكريمه إياه بهذا العلمِ ، وغيرَ الأمرِ بإقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ والحجِّ والعمرةِ والصيامِ وتفاصيلِ الأحكامِ الشرعيةِ لها ، وغيرَ التحذيرِ من غوايةِ الشيطانِ والحثِّ على التوبةِ والامتنانِ على الإنسانِ بما سخَّرَه الله له من نِعَمٍ شَمَلَتْ ما في الأرضِ جميعاً والحثِّ على ذكرِ الله والدعاءِ والاستسلامِ له . تضمنتْ هذه السورةُ أموراً عديدةً نذكرُ منها :(1/201)
الحديثَ عن كثيرٍ من الظواهرِ الكونيةِ والمخلوقاتِ الحيَّةِ واستخدامَها في ضربِ الأمثلةِ ، بأروعِ طُرُقٍ التعليمِ التربويِّ ، وتحدٍّ للبشريةِ أن تأتي بمثلِ سورةٍ واحدةٍ من هذا القرآنِ . وتقسيمِ البشريةِ إلى شرائحَ ثلاثٍ : مؤمنينَ وكافرينَ ومنافقينَ ، مع بيانٍ تفصيليٍّ لسلوكياتِ كلِّ شريحةٍ ، والتركيزِ على شريحةِ المنافقينَ وبيانِ مداخلِها بأدقِّ التفاصيلِ ، وذلك لعِظَمِ خَطَرِها على المجتمعِ وكثرةِ تلونِّها له . وعرضٍ تاريخيٍّ تفصيليٍّ لبني إسرائيلَ ، وفضحِ مخازيهم ، وبيانِ تحريفِهم لكتابهم ، وكَتْمِهم لما عندَهم من العلم ، وعصيانهم وقتلِهم لرسلِهم ، ومقابَلَتِهم نعمَ الله الكثيرةَ التي أنعم الله عليهم بها بالكفرانِ والجحودِ والسخريةِ ، ودعوتِهم للإيمانِ بالرسالةِ الخاتمة ، وتحدّيهم فيما زعموه من محبةِ الله لهم أن يتمنوا الموتَ ، ولو تَمَنَّوْه لماتوا من لحظَتهم فلم يفعَلوا . والكلامِ عن السحرِ ومنشَئِه واستخدامِ اليهودِ له ، وبيانِ عدائهم وحسَدِهم لأهلِ الإسلامِ . والحديثِ عن إبراهيمَ عليه السلامِ وملتِه التي وصى بها بنيه وهي الإسلامُ ، وبنائِه الكعبةَ ودعائه لمكةَ ولذريته . والردِّ على اليهودِ فيما أشاعوه من سفاهاتٍ حولَ تحويلِ القبلةِ ، والأمرِ بالقتالِ في سبيلِ الله وبيانِ منزلةِ الشهداءِ ، والدعوةِ إلى الصبرِ على المصائبِ وما يعتري الإنسانَ من أوقاتِ خوفٍ ومجاعاتٍ وفقرٍ وموتٍ وسنينَ ، والدعوةِ إلى نبذِ التقليدِ والحثِّ على استقلاليةِ الفكرِ ، والحثِّ على انتقاءِ الحلالِ الطيبِ من الطعامِ وبيانِ حرمةِ ما خبُثَ منه كالميتةِ والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله ، وإباحةِ ذلك للضرورة . والنهيِ عن اتباعِ خطواتِ الشيطانِ وأمرِه للناسِ بالسوءِ والفحشاءِ وتقوُّلِ ما ليسَ لهم به علمٌ . وبيانِ وجوهِ البِرِّ من إيتاءِ المالِ على حُبِّه ذوي القربى واليتامى والمساكينَ وابنَ(1/202)
السبيلِ والسائلينَ وفي الرقابِ ، والحثِّ على الوفاءِ بالعهدِ والصبرِ في البأساءِ والضراءِ وحينَ البأسِ . وبيانِ بعضِ شرائعِ الحدودِ كالقصاصِ في القتلى والإشارةِ إلى دَوْرِه في ضمانِ الحياةِ للبشرية . والكلامِ على وصيةِ الميت وأحكامِها . والحديثِ عن الحياةِ الزوجيةِ وأهميتها للنوعِ البشريِّ سواءٌ منه الذكر والأنثى . وبعضِ أحكامِ الاعتكافِ ، والنهيِ عن أكلِ المالِ بالباطلِ عن طريقِ رفعِ الدعاوى إلى الحكامِ ، والحديثِ عن ظاهرةِ الأهلَّة وفائدتها للناسِ ، والردِّ على بعضِ العاداتِ الجاهليةِ ، والنهيِ عن الاعتداءِ ، والأمرِ بقتالِ من بدأ بالقتالِ ، وتعظيمِ القتالِ عندَ المسجدِ الحرامِ وجوازِه مع مَنْ انْتَهَكَ حرمتَه بالقتالِ ، وبيانِ المرادِ من تشريعِ القتالِ وهو نفيُ الفتنةِ من الأرضِ وإعلاءِ دينِ الله ، وشرعيةِ القصاصِ في الحرماتِ وردِّ الاعتداءِ ، والحثِّ على الإنفاقِ في سبيلِ الله وخطرِ التقاعسِ عنه ، وجوازِ التجارةِ في مواسمِ الحجِّ ، والحث على الحرصِ على الجمعِ بين خيرَيْ الدنيا والآخرة وسؤالِ الله من كلٍّ . وتحذيرِ المسلمينَ ممن يتقنَّع تحتَ الأقوالِ الرنانةِ ويُبطُنُ الإفسادَ ، وبيانِ جزائه ، وبيانِ منزلة من يبيعُ نفسَه لله ويبذلُ التضحياتِ في سبيلِه ، وأمرِ الناس جميعاً بالدخولِ في الإسلامِ بجميعِ شرائعه وتحذيرِهم من غوايةِ الشيطانِ حتى تأتيَهم الساعةُ فلا ينفعهم الندمُ ، وبيانِ أهميةِ إرسالِ الرسلِ وإنزالِ الكتبِ وذمِّ الاختلافِ ، وبيانِ أهميةِ الابتلاءِ في تمحيصِ الصفوفِ وكونِ ذلك سنةً لله في خلقه ، والعاقبةُ للمؤمنينِ . وتوضيحِ وجوهِ إنفاقِ الخيرِ ، ثم الأمرِ بالقتالِ وبيانِ كراهته على النفسِ ولكن العبرةَ بما يؤول إليه من المنفعةِ . وبيانِ حرمةِ القتالِ في الشهرِ الحرامِ وعِظَمِ جريمةِ الصدِّ عن سبيلِ الله والكفرِ به وفتنِ المؤمنين . وبيانِ حرصِ المعادينَ على(1/203)
رِدَّةِ المسلمينَ وحُكمِ المرتدِّ . وترجيحِ الإثمِ الموجودِ في الخمرِ والميسرِ على المنافعِ التي فيهما ، ودعوةٍ إلى التفكرِ في الدنيا والآخرةِ ، ثم بعضِ أحكامِ اليتامى وبعضِ أحكامِ النكاحِ من تحريمٍ للزواجِ من المشركينَ والمشركاتِ وتفضيلِ العبيدِ والإماءِ المؤمنينَ عليهم وسببِ ذلك . وبيانِ بعضِ أحكامِ الحيضِ وكونِه أذىً للزوجَينِ ، وتحريمِ إتيانِ الحائضِ حتى تطهرَ ، والأمرِ بإتيانِ المرأة من موضعِ الحَرْثِ وإباحةِ ذلك على أيِّ كيفيةٍ شاء الزوجانِ ، ثم الكلامِ على الأيمانِ والحَلِفِ وجوازِ التراجعِ فيه إذا كان في ذلكَ برٌّ وتقوى وإصلاحٌ وبعضِ أحكامِه . ثم أحكامِ بعضِ العلائقِ الزوجيةِ من إيلاءٍ وطلاقٍ ورجعةٍ وصُلحٍ وضمانٍ لحقوقِ المرأة في حالةِ الاتفاقِ وفي حالة الافتراقِ وأنَّ لها مثلَ الذي عليها لزوجِها ، وبيانِ قوامةِ الرجلِ عليها ، وتحذيرٍ للأزواجِ والأولياءِ أن يضروا بالمرأةِ المطلقةِ ، والكلامِ عن بعضِ أحكامِ الرضاعِ وموقفِ الزوجينِ منه في حالةِ الافتراقِ ، وأحكامِ المتوفى عنها زوجُها وعدتِها وتعريضِ الخُطّابِ لها بالزواجِ وموقفِهم منها قبلَ انتهاءِ العدَّةِ ، وبيانِ بعضِ أحكامِ الطلاقِ وحقوقِ المرأة فيه إذا لم يدخلْ بها زوجُها ، ثم الأمرِ بالقتالِ والإنفاقِ في سبيل الله ووصفٍ لحالةِ قومٍ من بني إسرائيلَ من بعدِ موسى عندما كُتِبَ عليهم القتالُ وتفصيلٍ للمعركةِ التي قَتَلَ فيها داودُ جالوتَ لأخذِ العظاتِ من ذلك والاستفادةِ منه في الحياةِ العسكرية ، وبيانِ أهميةِ القتالِ لدفعِ الشرورِ عن الأرضِ برَدِّ الصائلِ وكفِّ المفسدِ عن إفسادِه ، وأن فرضَ القتالِ من تفضُّلِ الله على خلقِه . وتوضيحِ كونِ الدينِ لا يمكنُ الإكراهُ فيه لتعلقِه بالقلبِ ، وأن الرُّشدَ قد تبيَّنَ من الغيِّ ، فكلٌّ يختارُ طريقَه عن بينة ، والحديثِ عن محاجَّةِ إبراهيمَ عليه السلام للنمروذِ ، وقصةِ رجلٍ(1/204)
أماته الله مائةَ عامٍ ثم بعثَه ، وقصةِ طلبِ إبراهيمَ عليه السلام من ربه أن يُرِيَه كيف يحيي الموتى . ثم الكلامِ على الإنفاقِ في سبيلِ الله وثوابِه الجزيلِ وبيانِ مبطلاتِه من مَنٍّ وأذىً ورياءٍ وتشبيهِ ذلك بما يشاهدُه الإنسانُ من مزروعاتٍ وعلاقةِ نجاحِها بنوعيةِ المطرِ والتربةِ وبُعدِ الآفاتِ التي تجتاحُها . وبيانِ أن الحكمةَ فضلٌ ومنةٌ من الله يؤتيها من يشاء ، والإشارةِ إلى النذرِ، وعقدِ مقارنةٍ بين الصدقةِ المظهَرَةِ والصدقةِ التي تُدفَعُ إلى الفقيرِ في الخفاءِ ، وبيانِ صفةِ الفقيرِ الحقيقيِّ . ثم الانتقالِ إلى الحديثِ عن التجارةِ وحِلِّها والفرقِ بينها وبين الربا وتحريمه ، وبيانِ عقابِ من يتعاطاه في الدارَيْنِ . والأمرِ بإنظارِ المعسرينَ في الديونِ والحثِّ على وضعِ الديونِ عنهم . ثم الأمرِ بكتابةِ الدَّيْنِ المحدَّدِ إلى أجلٍ مسمىً وتفاصيلِ كتابته والإشهادِ عليه والعددِ المشترطِ في ذلك من الرجالِ والنساء ، وأمرِ الشهداء بالاستجابةِ للشهادةِ واستثناء التجارةِ الحاضرةِ من ذلك ، والأمرِ بالإشهادِ على البيوعِ وألا يضارَّ كاتبٌ ولا شهيدٌ . ثم الكلامِ على الرَّهنِ والحاجةِ إليه في السفرِ ، والأمرِ بأداءِ الأمانةِ وعدمِ كتمانِ الشهادةِ . وغيرِ ذلك مما تضمَّنَتْه هذه السورةُ العظيمةُ .
فانظر أيها القارئُ الكريمُ إلى ما حَوَتْه هذه السورةُ فقط من معلوماتٍ دينيةٍ وعقائديةٍ وتشريعيةٍ وقضائيةٍ وعلميةٍ ونفْسِيةٍ وتاريخيةٍ واقتصاديةٍ وصِحِّيَّةٍ وطبيةٍ وعسكريةٍ وسياسيةٍ وتعليميةٍ وتربويةٍ وسلوكيةٍ وفكريةٍ وجزائيةٍ وطبيعيةٍ وكونيةٍ ونباتيةٍ وحيوانيةٍ ، بالإضافةِ إلى المحاجّاتِ والتحدِّياتِ وضربِ الأمثلةِ ، وغيرِ ذلك كثيرٌ مما يتبينُ للناظرِ فيما عرضناه من موضوعاتٍ حوَتْها هذه السورةُ ، فما بالُكَ بالقرآنِ كلِّه ؟(1/205)
وأما السنةُ فسنَختَارُ لبيانِ شُمولِيَّتِها خمسةَ كُتبٍ من تقسيماتِ الكتابِ المختَصَرِ الذي أشرنا إليه ، مع العلمِ بأنه يحتوي على ثمانيةٍ وستينَ كتاباً . وقد وقعَ الاختيارُ على كتابِ البيوعِ ، وكتابِ القضاءِ والشهاداتِ ، وكتاب الإمارةِ ، وكتاب الأدبِ ، وكتابِ المرضِ والطبِّ . وليعلمْ القارئُ أن كلَّ كتابٍ من هذه الكتبِ يحتوي على عدةِ أبوابٍ ، وكلَّ بابٍ يذكرُ صاحبُ الكتابِ الأحاديثَ النبويةَ التي تندرِجُ تحتَه ، ولن نطيلَ بذكرِ أسماءِ كلِّ الأبوابِ وإنما سنختارُ بعضَها .
فمما يحتويه كتابُ البيوعِ الأحاديثُ الواردةُ في أحكامِ بيعِ الطعامِ بالطعامِ ، وبيعِ الطعامِ قبلَ أن يستوفِيَه البائعُ ، وبيعِه جزافاً ، والنهيِ عن بيعِ الثمارِ حتى تطيبَ أو يبدُوَ صلاحُها ، وأحكامِ أنواعٍ من البيوعِ مثل العرايا والمخابَرةِِ والمحاقَلة والمعاوَمَةِ والمصَرّاةِ والملامسةِ والمنابذةِ والغررِ والحصاةِ وحَبَلِ الحَبَلةِ ، وحكمِ الجائحةِ في بيعِ الثمر ، وبيعِ ما حُرِّمَ أكلُه كالخمرِ والميتةِ والخنزيرِ وبيعِ الأصنامِ ، والنهيِ عن ثمنِ الكلبِ والسِّنَّوْرِ وكسبِ البغيِّ وحلوانِ الكاهنِ ، وحكمِ أجرةِ الحجّامِ ، والنهيِ عن النجشِ وعن بيعِ الرجلِ على بيع الشديد عن الغش في البيوع ، وأحكام الصرف وبيع الذهب والورق ، والربا وأصنافه ولعنِ أخيه ، والنهيِ عن تلقي السلعِ ، والنهيِ عن الاحتكارِ ، والأمرِ بالصدقِ في البيعِ ، والنهيِ عن الربا ولعنِ آكلَه وموكلَه وكاتبَه وشاهدَيه ، وحكمِ التسليفِ والقضاءِ ، والنهيِ عن الحَلِفِ في البيعِ ، ومطلِ الغنيِّ ، وما جاءَ في الحوالة ، والتفليسِ ، والرهنِ ، والشفعةِ ، والسَّلَفِ في الثمارِ ، وجزاءِ من ظلمَ شبراً من الأرضِ ، والحكمِ إذا اختُلِفَ في عرضِ الطريقِ .(1/206)
ومما احتواه كتابُ القضاءِ والشهاداتِ الأحاديثُ الواردةُ في الحكمِ بالظاهرِ ولحنِ بعضِ الخصومِ بحجَّتِه ، وبغضِ الله للألَدِّ الخَصِمِ ، وقضاءِ الحاكمِ باليمينِ على المدَّعَى عليه ، والقضاءِ باليمينِ والشاهدِ ، والنهيِ عن أن يقضيَ القاضي وهو غضبانُ ، وما جاءَ في اجتهادِ الحاكمِ واختلافِ المجتهدينَ في الحكم ، وما جاءَ في صلحِ الحاكمِ بين الخصومِ ، وما جاءَ في الشهادةِ وخيرِ الشهداءِ .
ومما احتواه كتابُ الإمارةِ الأحاديثُ الواردةُ في كونِ الخلفاءِ من قريشٍ ، وجوازِ الاستخلافِ وتركِه ، والأمرِ بالوفاءِ ببيعةِ الخلفاءِ الأوَّلِ فالأولِ ، والحكمِ إذا بويِعَ لخليفتينِ ، وبيانِ أن الكلَّ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته ، وكراهيةِ طلبِ الإمارةِ والحرصِ عليها ، وعدمِ استعمالِ من يطلبُها ، وأجرِ الإمامِ العادلِ ، وجزاءِ الوالي إذا رفقَ بالرعيةِ أو شقَّ عليهم ، وما جاء في النصحِ للولاةِ ، وعقابِ من غشَّ رعيَّتَه ، وما جاء في غُلولِ الأمراءِ وهداياهم ، وحكمِ المبايعةِ على الموتِ وعلى السمعِ والطاعةِ وعلى تركِ الفرارِ ، والأمرِ بطاعةِ الإمامِ في المعروفِ ولا طاعةَ لمخلوقٍ في المعصيةِ ، وما جاء في الإنكارِ على الأمراءِ وتركِ قتالهم ما صلَّوا ، والأمرِ بلزومِ الجماعةِ عندَ الفتنِ ، وحكمِ من خرجَ من الطاعةِ وحكمِ من فرَّقَ الأمةَ ومن حمل عليها السلاحَ ، وغيرِ ذلك .(1/207)
ومما تضمنَّه كتابُ الأدبِ الأحاديثُ الواردةُ في أحكامِ تسميةِ المولودِ وما يستحبُّ منها وما يُكرَه ، وما جاءَ في تغييرِ الاسمِ القبيحِ باسمٍ حَسَنٍ ، وتكنيةِ الصغيرِ ، وقولِ الرجلِ لمن ليس بابنه يا بنيَّ ، والنهيِ عن التسمي بملِكِ الأملاكِ يعني شاهِنْشاه ، وحقوقِ المسلمِ على أخيه المسلمِ ، والنهيِ عن الجلوسِ في الطرقاتِ إلا أن تؤدّى حقوقُها ، وأحكامِ الاستئذانِ والسلامِ ، وحكمِ من اطَّلَعَ في بيتِ قومٍ بغيرِ إذنهم ، وأحكامِ المجالسِ والنهيِ عن أن يقيمَ الرجلُ الرجلَ من مجلِسِه ويجلسَ فيه ، ومن قامَ من مجلسه ثم رجعَ فهو أحقُّ به ، وأحكامِ خروجِ النساءِ والإذنِ لهنُّ في حاجَتِهِنَّ ، والنهيِ عن المبيتِ عند امرأةٍ ليست من المحارمِ ، وحكمِ المخنَّثينَ ، والأمرِ بإطفاءِ النارِ عندَ النومِ ، وغيرِ ذلك .
ومما تضمنَّه كتابُ المرضِ والطبِّ الأحاديثُ الواردةُ في أجرِ المؤمنِ إذا مرضَ ، وفضلِ عيادةِ المرضى ، وبيانِ أن لكلِّ داءٍ دواءٌ والحثِّ على التداوي ، وما جاء في الحُمّى والأمرِ بإبرادها بالماءِ ، وما جاء في الصَّرَعِ ، والتداوي بالتلبينةِ وبالعسلِ وبالحبةِ السوداءِ ، وفائدةِ التصبُّحِ بتمرِ العجوةِ في درءِ ضررِ السمِّ والسِّحرِ ، والتداوي بماءِ الكمأةِ في علاجِ أمراضِ العينِ ، والتداوي بالعُودِ الهنديِّ ، واللدودِ ، والحجامةِ ، والسعوطِ ، والكيِّ وأحكامِه ، والنهيِ عن التداوي بالخمرِ ، وغيرِ ذلك .(1/208)
والآن لعلَّكَ أيها القارئُ بهذا العرْضِ السريعِ لموضوعاتِ سورةٍ واحدةٍ من سُوَرِ القرآنِ الكريمِ وبعضِ الموضوعاتِ التي عالجَتْها السنةُ المطهَّرةُ ؛ قد لَمَسْتَ يقيناً مدى شموليةِ هذه الرسالةِ الخاتمةِ ، وندلُّكَ للاستزادةِ وتقويةِ اليقينِ على أن تنظرَ نظرةً شاملةً في القرآنِ جملةً ، وفي الكتابِ المشارِ إليه كاملاً على الأقلِّ . وإن لم يكنْ لديكَ فرصةٌ للنظرِ فندلُّكَ على بعضِ الكتبِ التي عالجَتْ هذا الموضوعَ باستفاضةٍ مثل : كتاب ( روح الدين الإسلامي ) لعفيفِ عبدِ الفتاح طبارة ، وهو باللغتين العربيةِ والإنجليزيةِ ، وقد طُبِعَ أكثرَ من إحدى وعشرين طبعةً ، وكتاب ( الإسلام ) لسعيدِ حوى ، وكتاب ( الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية ) للدكتور عابد بن محمد السفياني وهو عبارةٌ عن رسالةِ دكتوراه بجامعةِ أم القرى .
وننتقلُ الآنَ إلى الفصلِ التالي وهو في طرحُ شبهةٍ من الشبهاتِ التي أُثيرَتْ حولَ الرسالةِ المحمدية وبيانُ زيْفِها ، فإلى هناك .
( الفصل الرابع (
( في الشبهاتِ حولَ الرسالةِ المحمديةِ (
إن الطاعنينَ في رسالةِ الإسلامِ كثيرون ، وهم لا يألُون جهداً في تشويهِ سمعةِ الإسلامِ ، ويوصِدون الأبوابَ أمامَ الراغبينَ في التعَرُّفِ عليه ، بطرحِ الشبهاتِ السقيمةِ التي لا تحوي إلا الافتراءاتِ والأكاذيبَ وتزويرَ الحقائقِ . ولم يقفْ حدُّهم عندَ صدِّ الناسِ عن دينِ الله ، بل راحوا يُحيكونَ هذه الأباطيلَ في مجتمعاتِ المسلمين اليومَ ، والتي تفشّى فيها الجهلُ بالدينِ وهُجِرَ القرآنُ وتُركت السنةُ . وقد وجدوا الفرصةَ مواتيةً في غفلةِ أكثرِ القائمينَ على الدعوةِ والمتصدِّينَ لنشرِ الدينِ ، ولكن إن نامتْ عيونُ الناس فإن عينَ الله لا تنامُ ، وهو ناصرُ دينِه ومعزُّ رسالتِه ولو كره الكافرون .(1/209)
ونظراً لكثرةِ الشبهاتِ المزعومةِ ، والتي بدأت منذ مهدِ الرسالة على أيدي كفارِ قريش ومن نحا نحوَهم ؛ كاتِّهامِه ( بالسحرِ والكِهانةِ والشعرِ والجنونِ وتلقي القرآنَ عن الآخرينَ وغيرِ ذلك ، فإننا سنكتفي بذكرِ آخرِ ما وقفتُ عليه من أساليبِ الطعنِ في تلكَ الرسالةِ ، والتي تعد تكراراً في الواقعِ لما عليه سلفُ هؤلاء .
فبالأمسِ البعيدِ وردَ على شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ كتابٌ من قبرص فيه طعونٌ من النصارى في دينِ الإسلام ، ويحتَجّون فيه لدينِهم بتحريفِ الكلِمِ عن مواضعه ، فقال ابن تيميةَ رحمه الله : [ فاقتضى أن نذكرَ من الجوابِ ما يحصُلُ به فصلُ الخطابِ ، وبيانُ الخطأ من الصوابِ ، لينتفعَ بذلك أولوا الألبابِ ، ويظهرَ ما بعثَ الله به رسولَه من الميزانِ والكتابِ . وأنا أذكر ما ذكروه بألفاظِهم وأعيانهم فصلاً فصلاً ، وأُتْبِعُ كلَّ فصلٍ بما يناسبُه من الجوابِ فرعاً وأصلاً ، وعقداً وحلاً . وما ذكروه في هذا الكتابِ هو عمدَتُهم التي يعتمِدُ عليها علماؤهم في مثلِ هذا الزمانِ وقبلَ هذا الزمانِ ، وإن كان قد يزيدُ بعضُهم على بعضٍ بحسب الأحوالِ ، فإن هذه الرسالةَ وجدناهم يعتمدون عليها قبلَ ذلك ، ويتناقلَها علماؤهم بينهم ، والنُّسخُ بها موجودةٌ قديمةً ، وهي مضافةٌ إلى ( بولص ) الراهبِ أسقفِ صيدا الأنطاكي ، كتبها إلى بعضِ أصدقائه . وله مصنفاتٌ في نصرِ النصرانيةِ ، وذكر أنه كتبها لما سافرَ إلى بلادِ الرومِ والقسطنطينيةِ وبلادِ الملافطة وبعضِ أعمالِ الإفرنج ورومية واجتمعَ بأجلاءِ أهلِ تلكَ الناحيةِ ، وفاوضَ أفاضلَهم وعلماءَهم ، وقد عظَّمَ هذه الرسالةَ وسماها ( الكتابُ المنطيقي الدولة خاني المبرهن عن الاعتقاد الصحيح والرأي المستقيم ) ](408) .(1/210)
وبالأمسِ القريبِ كتب جولدتسيهر المستشرقُ الأعمى البصيرةِ كتابَه : ( العقيدةُ والشريعةُ ) الذي أجلَبَ فيه بخيلِه ورَجِلِه على الإسلامِ ورسولِ الإسلامِ ، وتقيَّأَ كلَّ ما في عقلِه من مكرٍ وخداعٍ وتدليسٍ وتحريفٍ . فردَّ عليه أحدُ الكُتّابِ المعاصرين ، وهو محمدُ الغزالي فيما افتراه من الإفكِ المبينِ ، وقدَّمَ لردِّه بمقدمةٍ حولَ المستشرقينَ وأهدافِهم وأساليبِهم التي يتفنَّنُون فيها للكيدِ للإسلامِ(409) . بيدَ أنه ثَمَّ وقفاتٌ معه في بعضِ المواضعِ من كتابه على الرغمِ من أنه من أجودِ ما كُتب(410) .
واليومَ يتابِعُ سلسلةَ التقيؤ المجلسُ المللي للأقباطِ الأرثوذكس بالإسكندريةِ ، تحتَ رئاسةِ الأُسقفِ العامِ ورئيسِ المجلسِ والنائبِ الباباوي تيموناوس ، فيصدرُ منشوراً يخاطبُ فيه المسلمينَ يدعوهم إلى الإيمانِ بالإنجيلِ ، ويشكِّكُ المسلمينَ في عقيدتهم فيدَّعي أن للقرآنِ مصادرَ عَنْوَنَ لها بعنوان ( مصادرُ الوحيِ المزعومِ ) ثم زعمَ أن هناك أخطاءً علميةً في القرآنِ ، وأخرى تاريخيةً ، وثالثةً لغويةً ، ورابعةً تشريعيةً ، وخامسةً أخلاقيةً ، وأخيراً أن هناك حذفاً في القرآنِ ! وكلُّ ما كتَبَه نوعٌ من الهَوَسِ وأسلوبٌ من أساليبِ الممخرقين . وقد انبرى للردِّ عليه شيخُنا الدكتور فتحُ الرحمنِ عمر محمد أستاذُنا في مادةِ الديانات ، في رسالة سماها : ( فصلُ الخطابِ في الردِّ على مفترياتِ الأسقفِ العامِ للأقباط الأرثوذكس ) .
وسنكتفي في هذا الفصلِ بذكرِ إحدى هذه الترهات ، والردِّ عليها ، كمثالٍ لسوءِ الفهمِ وخبثِ الطَّوِيَّةِ . وما تركتُه أشدُّ في ذلك مما ذكرته ، ولكني اخترتُ أقصرَ الفقراتِ في الرسالةِ ، والتي يمكن فصلُها عن سابقِها ولاحقِها .
في الردِّ على الأخطاءِ التاريخيةِ المزعومةِ ، قال شيخُنا الفاضلُ :(1/211)
[ يقولُ الأسقفُ في أخطائه عن غرقِ فرعونَ ونجاته ببدنِه : إن القرآنَ ناقضَ نفسَه حينَ يقول أنه نجيَ من الغرقِ في بعضِ الآياتِ ثم يقولُ إنه غرقَ في آياتٍ أخرى . وحددَّ لذلك أرقامَ الآيات ( 89 ، 90 ) من سورةِِ يونس ، و ( 37 ، 39 ) من سورةِ القصص . وإلى القارئِ الكريمِ نصوصُ هذه الآياتِ ليقفَ بنفسه على الحقيقة مقدَّماً .
الآياتُ التي يعنيها الأسقف في سورة يونس هي ( 90 ، 92 ) وليسَ ( 89 ، 90 ) قال تعالى : ? ? ?????????????? ????????? ??????????????? ?????????? ?????????????????? ???????????? ???????????? ??????????? ?????????? ???????? ??????? ??????????? ??????????? ?????? ???????? ?????????? ???? ????????? ??????? ????????? ????????? ?????? ????????? ??????????????? ?????????? ???? ??????????????? ???? ?????????????? ???????? ?????????? ??????? ??????? ???? ???????????????? ???? ????????????? ???????????? ??????????? ?????????? ?????? ???????? ????????? ???????? ???????? ????? ????????? ???? ????????????? ???????????????? ????? ، والآياتُ من سورةِ القصص هي في الحقيقة ( 39 ، 40 ) قال الله تعالى : ? ??????????????? ???? ????????????? ? ??????????? ?????????? ????????? ????????????? ??????????? ???????????? ??? ???????????? ???? ????????????????? ????????????? ?????????????????? ? ?????????? ??????????? ?????? ????? ?????????? ???????????????? ????? ، فما تقرِّرُه هذه الآياتُ الكريمةُ من سورةِ يونس وسورةِ القصص معاً ، أن فرعونَ قد أهلكه الله بالغرقِ . وما أظنُّ الأسقفَ يختلفُ معنا في فهمِ آياتِ سورةِ القصصِ ، ولكن الإشكالَ الذي أوردَه من غيرِ فهمٍ هو نجاتُه من الغرقِ ، والإنجاءُ قد حددته الآياتُ الكريمةُ بنجاةِ البدنِ من غيرِ روحٍ ? ????????????? ???????????? ??????????? ? ، أما(1/212)
الروحُ فقد أُزهِقَتْ بالغَرَقِ . والغرقُ يتحقَّقُ فقط بخروجِ الروحِ لا بضياعِ الجسدِ في الماءِ ، فمن ماتَ غرقاً ثم انتُشِلَتْ جثَّتُه من الماءِ ، لا يُقالُ عنه إنه نجا من الغرقِ ، فالغرقُ شيءٌ ونجاةُ البدنِ شيءٌ آخرَ .
وما أفصَحَتْ عنه الآياتُ الكريمةُ ، لهوَ من روائعِ الإعجازِ في القرآنِ الكريمِ ، وإنه وحيُ الله العليمِ ، وليس من قولِ البشرِ . فقد اكتُشِفَ ذلك حديثاً وبالتحديدِ في عام 1976م حيث كتبتْ الصحفُ المصريةُ بحثاً مطوَّلاً عن التحاليلِ التي أُجرِيَتْ على جثةِ أحدِ ملوكِ الفراعنةِ المحفوظةِ في المتحفِ المصري والمتَّهمُ بأنه فرعونُ موسى ، فقد دلَّتْ تلكَ التحاليلُ على أن هذا الملكَ ميتٌ عن طريقِ الغرقِ بالماءِ ! أليس هذا ما جاء في القرآنِ الكريمِ عن قصةِ غرقِ فرعونَ ؟ وليستمعْ معنا الأسقفُ إلى ما قاله المفسرونَ منذُ زمنٍ بعيدٍ عن هذه الحادثةِ . فقد جاء في تفسيرِ الإمامِ ابنِ كثيرٍ عن الآياتِ في سورةِ يونسَ والتي ادّعى الأسقفُ أنها تقررُ نجاةَ فرعونَ من الغرقِ ما يلي : [ قوله تعالى : ? ????????????? ???????????? ??????????? ?????????? ?????? ???????? ????????? ? قال ابنُ عباسٍ وغيرُه من السلفِ : إن بعضَ بني إسرائيلَ شكّوا في موتِ فرعونَ ، فأمرَ الله البحرَ أن يُلقِيَه جسداً سوياً بلا روحٍ ، ليتحقَّقوا موتَه وهلاكَه . ولهذا قال تعالى : ? ????????????? ???????????? ? أي : نرفَعُكَ على نشزٍ من الأرضِ ? ??????????? ? ، قال مجاهد : بجَسَدِكَ . وقال الحسنُ : بجسمٍ لا روحَ فيه . وقوله تعالى : ? ?????????? ?????? ???????? ????????? ? أي : لتكونَ لبني إسرائيلَ دليلاُ على موتكِ وهلاكِك ، وأن الله هو القادرُ الذي ناصيةُ كلِّ دابَّةٍ بيدِه ] .(1/213)
ونحن نقولُ زيادةً على ما قاله الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله : أي لتكونَ لبني إسرائيلَ ، والنصارى ، ولكلِّ العالمينَ إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومَنْ عليها ، آيةً ودليلاً على صدقِ رسولِ الله محمدٍ ( ، وإن كثيراً من الناسِ عن هذه الآياتِ لغافلون(411) .
وأخيراً ، ومن بابِ نافلةِ القولِ ، أشيرُ إلى أن هذا هو دأبُ هؤلاءِ التائهينَ . يُوهِمٌ كبارٌهم رعاعَهم ودَهْماءَهم ، بأن في دينِ الله أخطاءً وتناقضاتٍ ، فيأخذونَ كلامَهم من بابِ المسلَّمات ولا يعطونَه حقَّه من البحثِ والدراسةِ ، أو حتى المراجعة وراءهم ، أو إعمالِ الفكرِ فيه . وأذكرُ أنني عندما كنت طالباً بكليةِ الهندسةِ قبل تحوُّلي إلى الدراساتِ الشرعيةِ كمتخَصِّصٍ ، جرَتْ بيني وبين أحدِ الزملاءِ وهو نصرانيٌّ يخدُم في الكنيسةِ عدةَ مناقشاتٍ أسفَرَتْ عن انقطاعِ حجَّتِه ، ودفعتُ إليه كتابَ ( النصرانية ) لأحمد شلبي ووضعتُ له خطوطاً تحتَ بعضِ الأمورِ الهامةِ لعلَّه يهتدي ، فلما ردَّ لي الكتابَ ، وجدتُ فيه ورقةً فيها بعضُ الترَّهاتِ التي يلبِّسُ بها علماؤهم عليهم ، وفيها من الغلطِ في فهمِ لغةِ القرآنِ وأسلوبه الشيءَ الكثيرَ ! بل جلُّ اعتمادِهم على تحريفِ الكلمِ عن مواضعه . ولكني لم أرَ هذه الورقةَ إلا بعد مفارَقتِه بسنواتٍ ، وما أدري ما فعلَ الله به .
وفي نهايةِ المطافِ أرجو من القارئِ الكريمِ أن يعلمَ تماماً أن كلَّ ما يوردُه المغرضونَ في هذا البابِ ، إنما هو زَبَدٌ ، وقد ذهبَ جفاءً منذ زمنٍ بعيدٍ . فما من شبهةٍ يوردونها اليومَ إلا وقد أوردَها أسلافُهم من قبلُ ، فأَدْحَضَهم أئمةُ الإسلامِ وأعلامُ الهدى بحجةٍ دامغةٍ وبرهانٍ ساطعٍ ، فما عليه إلا أن يتعرفَ على كتبِ أهلِ العلمِ ، فيجدُ فيها الجوابَ الكافي والدواءَ الشافي .(1/214)
هذا وقد شهدَ إخوانهم من بني جنسِهم وممن يَدينُ بملتهم بعكسِ ما قالوا ، وخاتمةُ الكتابِ فيها الدليلُ على ما أقول . والله الموفقُ والهادي إلى سواءِ السبيلِ .
الخاتمةُ
أقوال بعض المنصفين من أهل الشرق والغرب في الرسول ( وفي رسالته
إلى من لم يعرفْ الإسلامَ على حقيقته ، إلى من لم يقدِّرْ نعمةَ الله عليه ممن وُلِدَ مسلماً فلم يعرفْ من دينِه إلا اسمَه ، إلى من تكلَّمَ عن الإسلامِ بدافعِ الحقدِ والحسدِ ، إلى من قرأ شيئاً عن الإٍلامِ بهدفِ التنقيصِ والطعنِ ، إلى من اغتَرَّ بالغربِ وأهلِه واسمعَ للمستشرقينَ وأذنابِهم ؛ إلى هؤلاءِ جميعاً أقدمُ هذه الأقوالَ مصداقاً لقولِ النبي ( : " إن اللهَ يؤيِّدُ هذا الدينَ بالرجلِ الفاجِرِ "(412)
قال دوديانوس الوزيرُ الفرنسي : [ جاء الإسلامُ مخالفاً لكثيرٍ من الأديانِ التي ضاعتْ حقيقتُها ، ولكنه جاءَ مُنَزَّهاً عما لا يُعقَلُ من الخرافاتِ والأباطيلِ ، وإن خالفَ المسيحيينَ في أن المسيحَ بشرٌ لا يملِكُ لنفسه ضراً ولا نفعاً إلا بإذن الله . والإسلامُ مكمِّلٌ للإنسانيةِ ، لا غموضَ فيه ، وهو يقرِّرُ الوحدانيةَ ، فسَلِمَ من التناقضِ والمعارضةِ العقليةِ . الإسلامُ أمرَ بالمساواةِ ، والاشتغالِ بالعملِ ، والتنَزُّهِ عن الرهبانيةِ . أما تأخرُ أهلِه فناشئٌ من أنهم انحرَفوا عن أصولِه ، وتوجَّهوا لغير مرامِه ].
وقال شارل مزمر الفرنساوي المعروفُ : [ إنني أظهرُ فكري بكلِّ صراحةٍ وأقولُ : لو وَجَدَ دينُ الإسلامِ المبلغينَ المقتدرينَ الذينَ يقدرون على المذاكرةِ والتفاهمِ مع علماءِ النصارى في هذه الأزمنةِ التي تنتشرُ فيها مذاهبُ الضلالةِ وتنتَصِرُ ، لأسلمَ الناسُ جميعاً ] .(1/215)
وقال الكاتبُ الفيلسوفُ برناردوشو المعروف : [ سيجيء يومٌ يعتنقُ فيه الغربُ الإسلامَ ، فإنه مضتْ قرونٌ كاملةٌ كان للغربِ فيها كتبٌ وجرائدٌ مملوءةٌ من الافتراءاتِ على دينِ الإسلامِ ونبيه ( أما اليومَ فقد تُرجِمَتْ معاني القرآنِ ، وبعضِ كتبِ الإسلامِ ، إلى لغاتِ بلادِ أوروبا ولا سيما الإنجليزية ، ففهِمَ رجالُ الغربِ أن الإسلامَ الحقيقيَّ ليس الذي كانوا يقرؤونه ويعرفونه في الجرائد والكتبِ السابقةِ ].
وقال أيضاً : [ إن الرجلَ العالِمَ يميلُ بطبعه إلى الإسلامِ لأنه الدينُ الوحيدُ الذي ينظرُ إلى أمورِ الدنيا والآخرةِ سواء ] .
وقال أيضاً : [ إني أعتقدُ أن رجلاً كمحمدٍ لو تَسَلَّمَ زمامَ الحكمِ المطلَقِ في العالَمِ أجمعَ لتمَّ له النجاحُ في حكمه ، ولقادَهُ إلى الخيرِ ، ولحلَّ مشاكلَه على وجهٍ يكفُلُ للعالَمِ السلامَ والسعادةَ المنشودةَ ] .
ويقول أيضاً : [ قد وضعتُ دائماً دينَ محمدٍ ( موضعَ الاعتبارِ السامي بسببِ حَيَوِيَّتِه المدهشة . فهو الدينُ الوحيدُ الذي يلوحُ لي أنه حائزٌ أهليةَ الهضمِ لأطوارِ الحياةِ المختلفةِ ، بحيث يستطيعُ أن يكونَ جذاباً لكلِّ جيلٍ من الناسِ . ولقد تَنَبَّأتُ بأن دينَ محمدٍ - ( - سيكونُ مقبولاً لدى أوروبا غداً . ولقد بدا كونَه مقبولاً لديهم اليومَ . وقد صور أكليدوس القرونَ الوسطى للإسلامِ بأحلَكِ الألوانِ ، إما بسببِ التعصبِ الذميمِ ، أو بسببِ الجهلِ الممقوتِ ] .(1/216)
ثم قال : [ ولقد كانوا في الواقعِ يُمَرَّنونَ على كراهيةِ محمدٍ وكراهيةِ دينِه . وكانوا يعتبرونه خصماً للمسيحِ . ولقد درَسْتُه باعتبارِه رجلاً مدهِشاً ، فرأيتُه بعيداً عن مخاصمةِ المسيحِ . بل يجبُ أن يُدعَى منقذَ الإنسانيةِ . وإني لأعتقدُ بأنه لو تولى رجلٌ مثلَه زمامَ العالَمِ الحديثِ لنجَحَ في حلِّ مشاكِلِه بطريقةٍ تجلبُ إلى العالَمِ السلامَ والسعادةَ ، اللَّذَينِ هو في أشدِّ الحاجةِ إليهما . ولقد أدركَ ذلك في القرنِ التاسع عشر مفكِّرونَ أمثال : كارليل ، و جون ، وهكذا وُجِدَ تحوُّلٌ حَسَنٌ في موقفِ أوروبا من الإسلامِِ ] .
وقال بيرك في بعضِ خطاباته في البرلمان الإنجليزي : [ إن دينَ الإسلامِ هو أحكمُ وأعقلُ وأرحمُ تشريعٍ عرفَه التاريخُ البشريُّ ] .
وقال توماس كارليل : [ لقد أصبحَ من أكبرِ العارِ على أيِّ فردٍ متمدْيِنٍ من أبناءِ هذا العصرِ أن يُصغي إلى ما يظنُّ أن دينَ الإسلامِ كَذِبٌ وأن محمداً خداعٌ مزوَّرٌ . وآن لنا أن نحاربَ ما يُشاعُ من مثلِ هذه الأقوالِ السخيفةِ المخجِلةِ ، فإن الرسالةَ التي أداها ذلك الرسولُ ما زالتْ السراجَ المنيرَ اثني عشر قرناً ، لنحوِ مائتي مليونٍ من الناسِ أمثالِنا ، خلقَهم الله الذي خلقنا ، أفكان أحدُكُم يظنُّ أن هذه الرسالةَ التي عاش بها ومات عليها هذه الملايينُ الفائتةُ الحصرِ والإحصار أكذوبةٌ وخدعةٌ ؟ أما أنا فلا أستطيعُ أن أرى هذا الرأيَ أبداً . ولو أن الكذبَ والغشَّ يروجانِ عندَ خلقِ الله هذا الرواجَ ويصادفان منهم مثل ذلكَ التصديقِ والقبولِ ، فما الناسُ إلا بُلْهٌ ومجانين ، وما الحياةُ إلا سخفٌ وعبثٌ وأضلولةٌ ، كان الأولى بها ألا تخلق . فوا أسفاه ما أسوأَ مثلَ هذا الزعم ! وما أضعفَ أهلُه وأحقهم بالرثاء والمرحمة ! ] .(1/217)
ثم قال : [ وعلى هذا فلسنا نَعُدُّ محمداً هذا قطُّ رجلاً كاذباً متصنِّعاً يتذرَّعُ بالحِيَلِ والوسائلِ إلى بغيةٍ أو يطمحُ إلى درجةِ ملِكٍ أو سلطانٍ أو غيرِ ذلك من الحقائرِ والصغائرِ . وما الرسالةُ التي أداها إلا حقٌّ صراحٌ . وما كَلِمَتُه إلا صوتٌ صادقٌ صادرٌ من العالَمِ المجهولِ . كلا ، ما محمدٌ بالكاذبِ ولا الملفِّقِ وإنما هو قطعةٌ من الحياةِ قد تَفَطَّرَ لها قلبُ الطبيعةِ ، فإذا هي شهابٌ قد أضاءَ العالَمَ أجمعَ . ذلك أمرُ الله ، وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاءُ ، والله ذو الفضلِ العظيمِ . وهذه حقيقةٌ تدفَعُ كلَّ باطلٍ ، وتدحضُ حجةَ القومِ الكافرين ] .
وقال عن القرآن : [ إن القرآنَ كتابٌ لا ريبَ فيه ، وإن الإحساساتِ الصادقةَ الشريفةَ والنياتِ الكريمةَ تُظهِرُ لي فضلَ القرآنِ . والفضلُ الذي هو أول وآخرُ فضلٍِ ، وُجِدَ في كتابٍ نتجَتْ عنه جميعُ الفضائلِ على اختلافِها ، بل هو الكتابُ الذي يُقال عنه في الختام : وفي ذلكَ فليتنافَسِ المتنافسونَ ، لكثرَةِ ما فيه من الفضائلِ المتعددةِ ] .
وقال المستشرقُ الإنجليزي هـ.جي ويلز : [ إن من أرفعِ الأدلةِ على صدقِ محمدٍ كونَ أهلِه وأقربِ الناسِ إليه يؤمنون به . فقد كانوا مطَّلعينَ على أسرارِه ، ولو شكّوا في صدقِه لما آمنوا به ] .
وقال المؤرخُ الكبيرُ جوستاف لوبون عن القرآنِ الكريمِ والدعوةِ المحمدية : [ حسبُ هذا الكتابِ جلالةً ومجداً أن الأربعةَ عشرَ قرناً التي مرَّتْ عليه لم تستَطِعْ أن تُجَفِّفَ ولو بعضَ الشيءِ من أسلوبِه الذي لا يزال غَضاً . كأن عهدَه وعهدَ رسالتِه بالوجودِ أمسِ ] .
ويقول في كتابه ( حضارةُ العرب ) : [ إذا ما قِيسَتْ قيمةُ الرجالِ بجليلِ أعمالهم كان محمدٌ أعظمَ من عَرَفَه التاريخُ ] .(1/218)
وقال العالم الفرنسي بلانيشه : [ لقد جاء محمدٌ بكتابٍ تحدّى فيه البشرَ جميعاً ، أن يأتوا بسورةٍ من مثلِه ، فقعَدَ بهم العجزُ ، وشمَلَتْهم الخيبةُ ، وبُهِتوا أمامَ ذلك الإحراجِ القوي الذي أقفلَ في وجوهِهم كلَّ بابٍ ] .
وقال الشاعرُ الفرنسي اللامعُ الفونس لامارتين - الذي عُرِفَ بحبِّه للشرقِ وتعمُّقِه في الدراساتِ الشرقيةِ الإسلاميةِ - : [ إن حياةً مثلَ حياةِ محمدٍ وقوةً كقوةِ تأمُّلِه وتفكيرَه وجهادَه ووثبَتَه على خرافاتِ أمته وجاهليةِ شعبه ، وبأسَه في لقاءِ ما لَقِيَه من عَبدةِ الأوثانِ ، وإيمانَه بالظَّفَرِ وإعلاءِ كلمته ورباطةَ جأشِه لِتثبيتِ أركانِ العقيدةِ الإسلاميةِ - إن كلَّ ذلك - أدلةٌ على أنه لم يكن يُضْمِرُ خِداعاً ، أو يعيشُ على باطلٍ ، فهو فيلسوفٌ وخطيبٌ ورسولٌ ومشرِّعٌ وهادي للإنسانِ إلى العقلِ ، وناشرُ العقائدِ المعقولةِ الموافقةِ للذهنِ واللُّبِّ ، ومؤسسُ دينٍ لا فِريةَ فيه ، ومُنشئُ عشرينَ دولةً في الأرضِ ، وفاتحُ دولة في السماءِ من ناحيةِ الروحِ والفؤادِ . فأيُّ رجلٍ أدركَ من العظمةِ الإنسانيةِ مثلَ ما أَدْرَكَ ؟ وأيُّ إنسانٍ بَلَغَ من مراتبِ الكمالِ مثلَ ما بلغَ ]
وقال أيضاً : [ إن محمداً أقلُّ من إلهٍ وأعظَمُ من إنسانٍ عاديٍّ ، أي إنه نبيٌّ ] .(1/219)
وكتبَتْ دائرةُ المعارفِ البريطانية (الطبعة الحادية العشرة ) : [ كان محمدٌ أظهرَ الشخْصِيّاتِ الدينيةِ العظيمةِ ، وأكثرَها نجاحاً وتوفيقاً . ظهرَ النبيُّ في وقتٍ كان العربُ فيه قد هَوَوا إلى الحضيضِ فما كانتْ لهم تعاليمُ دينيةٍ محترَمَةٍ ، ولا مبادئُ مدنيةٍ أو سياسيةٍ أو اجتماعيةٍ . ولم يكن لهم ما يفاخِرونَ به من الفنِّ والعلومِ ، وما كانوا على اتصالٍ بالعالَمِ الخارِجيِّ ، وكانوا مفكَّكِينَ لا رابطةَ بينهم ، كلُّ قبيلةٍ وحدةٌ مستقلَّةٌ ، وكلٌّ منها في قتالٍ مع الأخرى . وحاولت اليهوديةُ أن تَهدِيَهم فما استطاعَتْ ، وباءَتْ محاولاتُ المسيحيةِ بالخيبةِ ، كما خابت جميعُ المحاولاتِ السابقةِ للإصلاحِ . ولكن ظهرَ النبيُّ محمدٌ ( الذي أرسِلَ هدىً للعالمينَ ، فاستطاعَ في سنواتٍ معدوداتٍ أن يقتَلِعَ جميعَ العاداتِ الفاسدةِ من جزيرةِ العربِ ، وأن يرفَعَها من الوثنيةِ المنحَطَّةِ إلى التوحيدِ . وحوَّلَ أبناءَ العربِ الذين كانوا أنصافَ برابرةٍ إلى طريقِ الهدى والفرقانِ ، فأصبحوا دعاةَ هدى ورشادٍ ، بعد أن كانوا دعاةَ وثنيةٍ وفسادٍ . وانتشروا في الأرضِ يعمَلونَ على رفعِ كلمةِ الله ، وعبدوا الله حقَّ العبادةِ حتى فاقوا النُّسّاكَ والزاهدين . ولقد وصلَ المسلمون إلى ذروةِ السمُوِّ الروحيِّ والرخاءِ الاقتصاديِّ وتثقَّفوا بعلومِ الإسلامِ التي فاضَ خيرُها على العالَمِ أجمع في ذلك الوقتِ ، والتي تغلغل ضوؤها ليبَدِّدَ دياجيرَ الجهلِ المتفشي في كلِّ مكانٍ . وإنه العجيبُ حقاً أن يتمَّ هذا في عشرينَ عاماً فقط ! إذاً ، لقد كانت تعاليمُه سهلةً من الميسورِ الأخذُ بها ، وناجعةً قاضيةً على جميعِ العِلَلِ الاجتماعيةِ والأمراضِ الخُلُقيةِ . وليسَ الطبيبُ البارعُ من يدَّعي أنه الطبيبُ ، بل الطبيبُ البارعُ أن يشفيَ أكبرَ عددٍ من الحالاتِ المستعصيةِ ، كذلك المصلِحُ الناجحُ ليس من يدعى أنه المصلحُ الأولُ ، بل(1/220)
من يقومُ بإصلاحِ العالَمِ فيهديه إلى الصراطِ المستقيمِ . وهذا هو الذي رفعَ النبيَّ فوقَ هاماتِ المصلحينَ والهادينَ في أعينِ المفكرينَ ذوي العقولِ الناضجةِِ ] .
ثم ذكرتْ المميزاتِ التي اختَصَّ بها الرسولُ ( من بينِ سائرِ الرسلِ فعدَّدَتْ ما يلي :
1ـ أنه أُرسِلَ إلى العالَمِ كافَّةً ، بينما كانت الرسالاتُ غيرَه محدودةً ، كلُّ رسولٍ لأمةٍ واحدةٍ خاصةٍ ، وهكذا كانت كتبهم المنزلةُ ، كلُّ كتابٍ لشعبٍ معيَّنٍ ، أما النبي محمدٌ فكانت رسالتُه عالميةً .
2ـ كان هدفُ الرسالاتِ السابقةِ السمُوَّ بطبيعةٍ من طبائعِ البشرِ العاديةِ المتعددةِ ، فكان كلُّ نبيٍّ من الأنبياءِ آيةً في صفةٍ واحدةٍ من الصفاتِ ، ولكن النبيَّ محمداً كان آيةً في جميعِ السجايا ، وجاء ليسمُوَ بأخلاقِ الناسِ كلِّهم ، وكان المثلَ الأعلى للإنسانِ الكاملِ .
3ـ إن ميزةَ هذا النبيِّ العظمى هي وضعُ أساسِ السِّلمِ العالميِّ ، فهو لم يضعْ الأسسَ التي يعيشُ الأفرادُ بمقتضاها في سلامٍ جنباً إلى جنبٍ فحسب ، بل عَلَّمَهم كيفَ تعيشُ القبائلَ والشعوبَ في سلامٍ ووئامٍ .
ألم يكنْ أعظمَ من ظَهَرَ على وجهِ الأرضِ ؟ ومع ذلك كان عظيمَ التواضعِ لا يعتَبِرُ نفسَه إلا إنساناً عادياً كسائرِ البشرِ . ? ????? ?????????? ???????? ???????? ?????????????? ????????? ???????? ? ، كان يعتبِرُ نفسَه فرداً من الأفرادِ ، له ما لهم من حقوقٍ ، وعليه ما عليهم من واجباتٍ . حقوقٌ للجميعِ متساويةٌ لا فرقَ بينَ كبيرٍ وصغيرٍ ، ولا ذكرٍ ولا أنثى ، ولا عربيٍّ وأعجميٍّ ، هذه هي عدالةُ الإسلامِ .(1/221)
وقال الفيلسوفُ الروسيُّ تولستوي : [ خلاصةُ الديانةِ التي نادى بها محمدٌ ( ، هي أن الله واحدٌ لا إلهَ إلا هو ، ولذلك لا يجوزُ عبادةُ أربابٍ كثيرةٍ . وأن الله هو رحيمٌ عادلٌ . وأن مصيرَ الإنسانِ النهائيَّ متوقِّفٌ على الإنسانِ نفسِه ، فإذا سارَ حسبَ شريعةِ الله وائتَمَرَ بأوامِرِه واجتَنَبَ نواهيَه ، فإنه يظفَرُ بالقوةِ في الحياةِ الدنيا ، ويؤجَرُ أجراً حسناً في الحياةِ الآخرةِ . وأنَّ كلَّ شيءٍ في هذه الدنيا زائلٌ ، ولا يبقى إلا الله . وأنه بدونِ الإيمانِ بالله وإتمامِ وصاياه لا يمكنُ أن تكونَ حقيقة . وأن الله تعالى يأمرُ الناسَ بمحبَّتِه ومحبةِ بعضِهم بعضاً ، ومحبةُ الله تكونُ في الصلاةِ . ومحبةُ الناسِ تكونُ في مشاركتهم في السراءِ والضراءِ ، ومساعدتِهم ، والصفحِ عن زلاتِهم . وأن الذينَ يؤمنونَ بالله واليومِ الآخرِ يقتضي عليهم أن يبذُلوا وسعَهم لإبعادِ كلِّ ما من شأنه إثارةَ الشهواتَ النفسيةِ ، والابتعادِ أيضاً عن الملذاتِ الأرضية ، وأنه يتحتم عليهم أن لا يخدموا الجسدَ ويعبدوه ، بل يجب عليهم أن يحترموا الروحَ والجسدَ معاً. ومحمدٌ ( لم يقُلْ عن نفسه أنه نبيُّ الله الوحيدُ بل اعتقدَ أيضاً بنبوةِ موسى وعيسى .(1/222)
وقال : إن اليهودَ والنصارى لا يُكرَهونَ على تركِ دينِهم . وفي سنِيِّ دعوةِ محمدٍ ( احتمَلَ كثيراً من الاضطهادِ من أصحابِ الدياناتِ القديمةِ شأنَ كلِّ نبيٍّ قبلَه نادى أمتَه إلى الحقِّ ، ولكنَّ هذا الاضطهادَ لم يثنِ عزمَه ، بل ثابَرَ على دعوته في قوةٍ وثقةٍ وإيمانٍ لا مثيلَ له في التاريخِ . ومما لا ريبَ فيه أن النبيَّ محمداً من أعظمِ الرجالِ المصلحينَ الذين خدَموا الهيئةَ الاجتماعيةَ خدماتٍ جليلةً . ويكفيه فخراً أنه هدى مئاتِ الملايين إلى نورِ الحقِّ وإلى السكينةِ والسلامِ . وفتحَ للإنسانيةِ طريقاً للحياةِ الروحيةِ العالميةِ ، وهو عملٌُ عظيمٌ لا يقومُ به إلا شخصٌ أوتيَ قوةً وإلهاماً وعوناً من السماءِ ] .(1/223)
وقال السير وليام موير الإنجليزي في كتابِه ( حياة محمد ) : [ ومن صفاتِه عليه السلامُ الجديرةِ بالتنويهِ والإجلالِ ؛ الرقةُ والاحترامُ اللتان كان يعامِلُ بهما أتباعَه حتى أقلَّهم شأناً . فالتواضُعُ والرأفةُ الإنسانيةُ وإنكارُ الذاتِ والسَّماحةُ والإخاءُ تغلغلتْ في نفسه ووثَّقَتْ به محبةَ كلِّ مَن حولَه . فقد قالت عائشةُ : إنه كان أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدرِها . إذا ساءه شيءٌ تبيَّنّاه في أساريرِ وجهِه أكثرَ من كلامِه ، ولم يمسَّ أحداً بالضررِ إلا في سبيلِ الله . ويؤثَرُ عنه أنه كان لا يمتنعُ عن إجابةِ دعوةٍ إلى بيتٍ مهما كان حقيراً ، أو يرفضُ هديةً مهداةً مهما كانت صغيرةً . وإذا جلسَ إلى صاحبه لم يرفَعْ نحوَه ركبتيه تشامخاً منه وكبراً ، وكانت له تلكَ الخلة النادرة التي يجعل بها كلَّ فردٍ من صحابته يظن أنه المفضَّلُ المختارُ . وكان يرثي كثيراً للثكالى والمنكوبينَ واليتامى ، كما كان سهلاً ليِّنَ العريكةِ مع الأطفالِ . وكان يُشرِكُ غيرَه في طعامِه حتى في أوقاتِ العسرةِ والإملاقِ ، ويهتَمُّ جهدَ الطاقةِ بتوفيرِ أسبابِ الراحةِ لأنصارِه وتابعيه . وكان صديقاً وفياً كما كان في ممارسته للحكمِ عادلاً رحيماً رفيقاً حتى بأعدائه . وقد أصدَرَ عفواً عاماً عن مشركي مكةَ رغمَ ما لاقاه منهم من سخريةٍ وإهانةٍ واضطهادٍ . وتلكَ الخلالُ العاليةُ هي جماعُ الفضائلِ الإنسانيةِ ، وهي آيةٌ على أنه كان مؤسِّساً لديانةٍ سماويةٍ لا متطَلِّعاً لملكٍ دنيويٍ .(1/224)
وقال العالم الهندي د .ت .ل . فسواني : [ تأملْتُ أمرَ محمدٍ - ( - فتعجبتُ من هذا الرجلِ العظيمِ الذي نشأ بينَ هؤلاءِ القومِ المختَلّي النظامِ ، الفاسدي الأخلاقِ ، العابدين للأحجارِ . هذا الرجل محمد - (- وقَفَ تقريباً وحدَه شجاعاً متحدِّياً غيرَ هيّابٍ ولا وَجِلٍ في وجهِ التوعُّدِ بالقتلِ ، فمن أعطاه القوةَ التي قام بها ؟ كان بطلاً من أبطالِ الأساطيرِ . ثم استمِعوا إلى بيانه فمِنْ أين جاءَ سحرُ بيانِه ؟ ثم انظروا إلى أعمالِه كيف ألَّفَ بين النبلاءِ والأشرافِ والصعاليكِ المنبوذينَ حتى صاروا إخواناً وخلاناً ؟ فنحن هنا في الهند إلى الآن ، لم نزلْ نقتَتِلُ من أجلِ جوازِ لمسِ البعضِ البعضَ الآخرَ وعدمِه ! ولا نزالُ عاجزينَ عن إباحةِ الدخول ِإلى بيوتِ الآلهةِ للمنبوذينَ من أبناءِ جلدتِنا ؟ من أين استمدَّ محمدٌ قوةَ حياتِه العاليةَ ؟ الهندُ إلى الآن مصابةٌ بشربِ الخمرِ ، والرجلُ محمدٌ - ( - كما تقولُ الكتبُ المقدَّسَةُ اقتَرَحَ مقاطعةَ الخمرِ وكلِّ شرابٍ مسكرٍ ، فقام أصحابُه وألقَوا دنان الخمرِ في أزقَّةِ المدينةِ وحطَّموها تحطيماً ! لقد كانَ تصرفُ محمدٍ - ( - في قومِه كالتنويمِ المغناطيسيِّ ، فمن أين جاءَ سرُّ هذه القوةِ ؟ ألم ترَ أنهم كانوا أشتاتاً عمَّتْهم الفوضى فألَّفَ بين قلوبهم وجعلَهم أمةً واحدةً ، وكانوا راسبينَ في التوجُّسِ فرفَعَهَم وأنقذهم وجعلهم عظماءَ أقوياءَ في أعينِ أممِ الأرضِ كلِّها . فصارت الأمةُ العربيةُ صاحبةَ القيادةِ العليا في التمدُّنِ ، وصارتْ اللغةُ العربيةُ آخذةً بيمينِها مصباحَ التهذيبِ والرقِيِّ . والتهذيبُ العربيُّ هو الذي أنشأ في آسيا وأوربا نشأةً جديدةً وإنسانيةً جديدةً .
إليك يا محمدُ وأنا الخادمُ الحقيرُ أقدِّمُ إجلالي بخضوعٍ وتكريمٍ . إليك أطأطئُ رأسي . إنك لنبيٌّ حقاً من الله . قُوَّتُكَ العظيمةُ كانت مستمدَّة من عالم الغيبِ الأزلي الأبدي ] .(1/225)
ويقول الفريد غليوم أستاذُ الدراساتِ الشرقيةِ بجامعة ليدن : [ علينا من المبدأ أن نقررَ أن محمداً ( كان واحداً من أعلامِ التاريخِ العظماءِ . وكان يقينُه الغالبُ أنه لا إله إلا الله ، وأنه يدعو إلى ملةٍ واحدةٍ ، وكانت قدرتُه على التدبيرِ بين المشاكلِ المعقَّدةِ التي تواجهُه قدرةً خارقةً بغيرِ مراءٍ . فما استطاعَ عربيٌّ بعزةِ الجيوشِ والشرطةِ والدواوينِ أن يجمعَ شملَ قومِه كما فعلَ . فإن قيلَ : إن العالَمَ الإسلاميَّ عندَ وفاته كان عالماً صغيراً بالقياسِ إلى دولةِ خلفائِه . فالجوابُ عن ذلكَ : أن إخلاصَ خلفائه لدعوتِه ، وإيمانَهم بها ، وفهمَهم لها ، قد جعلهم يعملون على تعميمِ الدعوةِ الرحيمةِ ، مصداقاُ لقوله تعالى : ? ?????? ????????????????? ??????? ???????? ???????????????? ?????? .
ويقول جولدتسيهر - على الرغمِ من حقدِه الدفيِن على الإسلام - : [ إن الإسلامَ رَسَمَ للحياةِ مثلاً أعلى غيرَ المثلِ الأعلى للحياةِ الجاهليةِ ، وهذان المثلانِ لا يتشابهانِ ، وكثيراً ما يتناقضانِ ، فالشجاعةُ الشخصيةُ والشهامةُ التي لا حدَّ لها ، والكرمُ إلى حدِّ الإسرافِ ، والإخلاصُ التامُّ للقبيلةِ ، والقسوةُ والانتقامُ ، والأخذُ بالثأرِ ممن اعتدى عليه أو على قريبه أو على قبيلته بقولٍ أو فعلٍ ، هذه هي أصولُ الفضائلِ عندَ العربِ الوثنيينَ في الجاهليةِ .
أما في الإسلامِ ، فالخضوعُ لله وحدَه ، والانقيادُ لأمرِه ، والصبرُ ، وإخضاعُ منافعِ الشخصِ ومنافعِ قبيلته لأمرِ الدينِ ، والقناعةُ وعدمُ التفاخرِ والتباهي ، وتجنبُ الكبرِ والعظمةِ هي المثلُ الأعلى للإنسانِ في الحياةِ ] .
ويقررُ الشاعرُ الألماني جوتِه ذلك بقوله : [ إذا كان هذا هو الإسلامُ فنحنُ جميعاًَ ندينُ بالإسلامِ ] .(1/226)
وقال أيضاً : [ كلما قَلَّبْنا النظرَ في القرآنِ ، تملَّكَتْنا الروعةُ والوجلةُ ، لكننا سرعانَ ما نشعُرُ نحوَه بجاذبيةٍ تنتهي بنا حتماً إلى الإكبارِ ، فهو بين الكتبِ المقدسَةِ عالٍ رفيعٌ ، ولسوفَ يحيا تأثيرُه في النفوسِ في جميعِ الأجيالِ والعصورِ .
وقال إسحاق تيلر رئيس الكنيسة الإنجليزية : [ في بلادِ الإنجليز ، الإسلامُ ينشُرُ لواءَ المدنيةِ التي تُعَلِّمُ وتأمرُ بالنظافةِ والاستقامةِ وعزةِ النفسِ ، فمنافعُ الدينِ الإسلاميِّ لا ريبَ فيها ، وفوائدُه من أعظمِ أركان المدنيةِ ومبانيها ] .
وقال القس لوزون الفرنسي الشهير - صاحب المواقف العديدة بالجهر بالحق - قال بعد كلامٍ طويلٍ - : [ والخلاصةُ أن اللهَ هو اللهُ ، وأن محمداً وموسى أنبياءٌ وأن عيسى رسولُه . تلك هي صفةُ الأديانِ التي سيعرفُها أبناءُ المستقبَلِ ، إن كان أبناءُ اليومِ لم يستعدوا لها الآن ] .
إلى أن قال : [ محمدٌ بلا التباسٍ ولا نكرانٍ من النبيينَ والصديقينَ ، وهو رسولُ الله القادرِ على كلِّ شيءٍ ، أمكنه بإرادةِ الله ، تكوينَ الملة الإسلاميةِ ، وإخراجَها من العدمِ إلى الوجودِ ، بما صارَ أهلُها ينوفون على ثلاثمائة مليون من النفوسِ ، وبرماحِهم قطعوا دابرَ أهلِ الضلالِ إلى أن صارتْ ترتعدُ من ذِكرهم فرائصُ المشرقِ والمغربِ ] .(1/227)
وقالت الدكتورة لورا فيتشا فاليري الكاتبة الإيطالية في كتابها ( محاسن الإسلام ) : [ في بلدٍ قَفرٍ بوادي غيرِ ذي زرعٍ منعزلٍ عن الإنسانيةِ المتمدنةِ ، تفجَّرَ ينبوعُ ماءٍ سلسلٍ عذبٍ منعشٍ ، بين قومٍ من الهَمَجِ جبابرةٍ غلاظِ القلوبِ لا يخضعونَ لسلطانٍ ولا يتقيدون بقيدٍ . ذلك الينبوعُ هو دينُ الإسلامِ الذي تدفَّقَ بغزارةٍ ، واتَّخَذَ سبيلَه في الأرضِ سرباً ، فكان نُهَيراً استحالَ بعده إلى نهرٍ عظيمٍ . سرعانَ ما تفرَّعَتْ منه آلافُ الجداولِ والأنهارِ التي تغلغلتْ في البلادِ طولاً وعرضاً . ولم يلبثْ الناسُ أن تذوَّقوا هذا الشرابَ العجيبَ ، وشُفوا من أمراضِهم الاجتماعيةِ ، واتَّحَدَ المختلفون منهم والمتخاصمونَ ، وانطفأتْ نيرانُ الحقدِ والكراهيةِ المبثوثةِ في صدورِهم ، وزالَ من بينهم أسبابُ النفورِ والخلافِ . استحالَ هذا الماءُ المقدَّسُ سيلاً جارفاً اكتسحَ بقوته الساحرةِ بلاداً عظيمةً ، فثَلَّ عروشَها وطُوِيَ مجدُها طيّض السجِلِّ للكتبِ . لم يعرفْ التاريخُ حادثاً مماثلاً لهذا الحادثِ الخطيرِ ، لأن السرعةَ العظيمةَ التي أتم بها الإسلامُ فتوحاتِه ، كان لها أبلغَ الأثرِ في حياته . إذ أنه بعدَ أن كان عقيدةَ نفرٍ كثيرٍ من المتحمسينَ ، أصبحَ ديناً لعدةِ ملايينَ من الناسِ ! وليتَ شعري كيف تأتّى لهؤلاء المجاهدينِ غيرِ المدربينَ أن ينتصروا على شعوبٍ يفوقونهم مدنيةً وثروةً ، ويزيدونَ عليهم درباً ومراساً للحروبِ ؟ وكيف استطاعوا أن يبسطوا سلطانهم على بلادٍ متسعةِ الأرجاءِ ، وأن يحتفظوا بفتوحاتِهم هذه ويوطِّدوا هذا الصرحَ العظيمَ الذي ثبتَ أمامَ حروبٍ شديدةٍ استمرَّتْ قروناً عديدةً فلم تقوَ على هدمِه ونقضِ بنيانِه الشامخِ المتينِ ؟ وكيف أمكنَ لهذا الدينِ أن يوطِّدَ في نفوسِ أولئك المهتدينَ الحديثي الإيمانِ أمتنَ الأسسِ ؟ وكيف تسنى له أن يحتفظَ بحيويته العظيمةِ التي لم تعرِفْ مثلَها ديانةٌ(1/228)
أخرى من قبلُ ، حتى بعدَ ثلاثةَ عشرَ قرناً خَلَتْ بعد حياةِ مؤسِّسِهِ ؟ وكيف استطاع هذا الدينُ أن يغرسَ تلكَ الحماسةَ الدينيةَ في نفوسِ أتباعِه الجددِ ، المختلفينَ عن أتباعه الأولِ في الجنسِ والثقافة ، فحذَوْا حذوَهم في الإخلاصِ والتضحيةِ في سبيله ؟ لعَمري إن هذا كلَّه ليبعثُ في الإنسانِ الشيءَ الكثيرَ من الدهشةِ والذهولِ .
ثم قالت : أفليسَ من أكبرِ معجزاتِ هذا الدينِ الجديدِ أن يؤلِّفَ بين قلوبِ أقوامٍ كهؤلاءِ العربِ ، عاشُوا أجيالاً عديدةً في مخاصماتٍ شديدةٍ وحروبٍ أهليةٍ مستمرةٍ ، فعرفوا بفضلِه الاتحادَ والإخاءَ والسلامَ ؟
ثم قالت : إن الإسلامَ يمتازُ بفضائلَ ، وأكبرُها فضيلتا الرحمةِ والعدلِ . وإن الناس لتتلهفُ على دينٍ يتفقُ وحاجياتهم ومصالحهم الدنيوية ولا يكون قاصراً على إرضاءِ مشاعرِهم ، بل يريدون أن يكونَ وسيلةً لأمنِهم وطمأنينتهم في الدنيا والآخرة . وليس هناك من دينٍ تتوفَّرُ فيه هذه المزايا كلُّها بشكلٍ رائعٍ سوى دين الإسلام ] .
ونكتفي بهذا القدرِ لأن أضعافَ هؤلاءِ المذكورينَ قد أنطقَ الله ألسنَتَهم بالشهادةِ للنبيِّ ( ورسالتِه ، وإن لم يدخلوا في دينِه صراحةً . ولا ندري ما فعلَ الله بهم ! ولعلَّ أكثرَهم هداه الله للإسلامِ قبلَ أن يموتَ ، أو كان مؤمناً في السرِّ بينَه وبينَ نفسه ، ولم تكن له القدرةُ على إظهارِ ذلكَ على الملأ .(1/229)
ونذكر هنا بعضَ الأشخاصِ ، الذين حُفِظَتْ لهم أقوالٌ بنحوِ ما ذكرناه عمَّنْ سَبَقَ : الكونت هنري دي كاستري أحد وزراء فرنسا ، وأحدُ حكام الجزائر السابقين ، الأستاذ سنكس صاحب كتاب الإسلام في عصر العلم ، إدوارد مونتييه مدير جامعة جنيف وله محاضرة بعنوان الإسلام ينتشر بنفسه ، آرثر هود صاحب كتاب شهود تاريخ يسوع ، ويل ديورانت صاحب كتاب قصة الحضارة ، الامبراطور نابليون بونابرت ، المستر وليم شد صاحب كتاب الإسلام والكنيسة الشرقية ، المسيو شامبون مدير مجلة ريفو بارلنتيرا الفرنسية ، الدكتور م . إهنو قنصل اليابان في مصر ، الأستاذ شيرل عميد كلية الحقوق بجامعة فيينا ، الدكتور هوكنج أستاذ الفلسفة بجامعة هارفارد وصاحب كتاب روح السياسة العالمية ، المؤرخ ديكنز صاحب كتاب معالم تاريخ الإنسانية ، المؤرخ والكاتب فرانسيسكو إيزولدو ، دوري أحد وزراء معارف فرنسا السابقين ، العلامة هوار أستاذ الألسن الشرقية بباريس صاحب كتاب تاريخ العرب ، المستر غاندي زعيم الهندوس ، المسيو وامبري المجري ، الأستاذ كازانوفا ، الأستاذ كاراديفو ، الأستاذ جارسان دي تاس ، الأستاذ سنوك هورجد ونج المستشرق الهولندي ، إدوارد جورج ، جيمس متشز ، العلامة ماستيون ، جيبون ، دوزي ، سيديو، داود كوهرت ، لوتروب الأمريكي ، المسيو هنري لاوس ، الدكتور إنسباتو الإيطالي ، المستر ويلز ، المؤرخ الفرنسي الشهير لاقيس ، ماركس مايرهوف ، المؤرخ غود فرواد مبومبين ، المستشرق ماسينون ، كارل ماركس ، المسيو كلود فاير ، العلامة بارتلمي سانت هيلر ، الدكتور موريس الفرنسي ، المستر أدموند بورك الإنجليزي المشهور ، المسيو دافيد بورت ، الدكتور أثراكونسبتوا ، السير تشارلز أرمان ، الأستاذ بورست سميث ، المسيو جاك مليان ، المستر ونتر أحد الكتاب المشهورين البارزين ، المسيو آثر هاملتون ، الدكتورة إيلزي ، موريسون ، الدكتور بول .
وممن شهد للنبي ( من نصارى العرب :(1/230)
الأستاذ نجيب نصار صاحب جريدة الكرمل ، الأستاذ الكبير المنصف خليل إسكندر قبرصي الذي نشر في جريدة الفتح وغيرها عدة مقالات جمعت في رسالة بعنوان دعوة نصارى العرب إلى الدخول في الإسلام ، والشاعر النصراني رياض عيسى إسكندر المعروف ، لبيب الرياشي ، فارس الخوري بك أحد وزراء سوريا ، الدكتور شبلي شميل وهو نصراني بحاثة ملحد ، نصري سلهب اللبناني ، جورجي زيدان الكاتب المعروف ، نظمي لوقا صاحب كتاب محمد الرسالة والرسول .
وقد شهد للنبي ( جماعةٌ من كبارِ المفكرين ، كانوا كفاراً فهداهم الله إلى الإسلامِ ، وهم كثيرون جداً نذكرُ منهم :
الدكتور عمر رولن بارون أهرنفليز النمساوي أستاذ علم الأجناس البشرية ، محمد إسكندر راشيل الأمريكي وهو سياسي ومؤلف وصحفي ، عمر ميتا الياباني وهو من رجال الاقتصاد وباحث اجتماعي وواعظ ، محمد سليمان تاكيوتشي الياباني وهو عضو بجمعية علم الأجناس البشرية اليابانية ، إبراهيم فو الملاوي ، محمود جونار إيريكون السويدي ، عبد الكريم جرمانوس المستشرق المجري ، اللورد هيدلي ، الشيخ عبد الله كوليام ، الدكتور سوسة الإسرائيلي وهو دكتور في الفلسفة في جامعات الولايات المتحدة .
ونختم هذا الباب بل هذا الكتاب بقصيدة شعرية قالها نصراني في مدح النبي ( وهو عبد الله بوركي حلاق بعنوان ( إني مسيحي أجلُّ محمداً ) :
قبسٌ من الصحراءِ شعشعَ نورُه فجلا ظلامَ الجهل عن دنيانا
ومشى وفي أدراجِه عبقُ الهدى وأريجُ فضلٍ عطَّرَ الأكوانا
بعثَ الشريعةَ من عميقِ ضريحِها فرعى الحقوقَ وفتحَ الأذهانا
مرحى لأمِّيٍّ يعلمُ سِفرَه نبغاءُ يعرب حكمةً وبيانا
أمحمدٌ والمجد نسج يمينه مجدت في تعليمك الأديانا
ونشرتَ ذكرَ الله في أمية وثنية ونفحتها الإيمانا
بعث الجهاد لدن بعثت وجردت أسياف صحبك تقمع الطغيانا
وتساعد الضعفا وتصفع من بغى صفعات صدق تزهق البهتانا
إني مسيحي أجل محمدا وأراه في سفر العلا عنوانا(1/231)
وأطأطئ الرأس الرفيع لذكر من صاغ الحديث وعلم القرآنا
إني أباهي بالرسول لأنه صقل النفوس وهذب الوجدانا
صان الفخار البكر ذكر محمد وهفا وشنف باسمه الأذانا(413)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
كان الفراغ منه في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة عشر وأربع مائة بعد الألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم المؤلف محمد بن رزق بن طرهوني ملحوظة : بعد الانتهاء من هذا البحث وأثناء طباعته حدث عطل في الحاسب الآلي مما تسبب في تأخيره فلم يقدر له الاشتراك في المسابقة المشار إليها في المقدمة ، ولعله خير ، والله تعالى أعلم .
الفهارس
فهرس المراجع
1. القرآن الكريم .
2. الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير ـ الجوزقاني ـ إدارة البحوث الإسلامية بنارس.
3. الأبطال ـ توماس كارليل ـ تعريب محمد السباعي ـ المطبعة المصرية .
4. الإتقان في علوم القرآن ـ السيوطي ـ مطبعة مصطفى الحلبي .
5. الإحكام في أصول الأحكام ـ ابن حزم ـ مكتبة عاطف .
6. أخبار القضاة ـ محمد بن خلف وكيع ـ عالم الكتب .
7. أخلاق النبي ( ـ أبو الشيخ .
8. الأدب المفرد ـ البخاري .
9. الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة ـ عبد القادر شيبة الحمد ـ الجامعة الإسلامية .
10. الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة ـ محمد صديق حسن خان ـ مكتبة المدني .
11. أساس البلاغة ـ الزمخشري .
12. أسرار ترتيب القرآن ـ السيوطي ـ دار الاعتصام .
13. أسس السلوك الإنساني ، مدخل إلى علم النفس ـ دار عالم الكتب للنشر .
14. أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد ـ ابن حزم ـ مطبوعة في آخر جوامع السيرة .
15. الإسلام ـ سعيد حوى ـ مكتبة وهبة .
16. الإسلام والرسول في نظر منصفي الشرق والغرب ـ أحمد بن حجر آل بوطامي ـ قطر .
17. الإصابة في تمييز الصحابة ـ ابن حجر ـ مكتبة الكليات الأزهرية .
18. أصول التخريج ودراسة الأسانيد ـ الطحان .(1/232)
19. إصلاح المساجد من البدع والعوائد ـ القاسمي ـ المكتب الإسلامي .
20. إظهار الحق ـ رحمة الله بن خليل الهندي ـ مطبعة الرسالة .
21. الإعجاز الجيولوجي في القرآن .
22. الإعجاز الطبي في القرآن ـ د. السيد الجميلي ـ دار التراث العربي .
23. إعجاز القرآن ـ الباقلاني ـ دار المعارف .
24. أمهات متون علوم التجويد ـ مجموعة مؤلفين ـ مكتبة القاهرة .
25. إنجيل برنابا ـ ترجمة د. خليل سعادة .
26. الإنجيل والصليب ـ ( الآب سابقاً ) عبد الأحد داود .
27. الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ـ ابن كثير ـ شرح أحمد شاكر ـ دار التراث .
28. بحث في سيرة إبراهيم الخليل ـ حازم الفلسطيني ـ على الآلة الكاتبة .
29. البداية والنهاية ـ ابن كثير ـ مكتبة المعارف .
30. البرهان في علوم القرآن ـ الزركشي ـ مطبعة عيسى الحلبي .
31. بيان إعجاز القرآن ـ الخطابي ( انظر ثلاث رسائل ) .
32. تاريخ بغداد ـ الخطيب البغدادي ـ دار الكتاب العربي .
33. تاريخ دمشق ـ ابن عساكر ـ مخطوطة الظاهرية ـ نسخة مصورة نشر مكتبة الدار بالمدينة .
34. تاريخ مكة ـ الأزرقي .
35. التجرير والتنوير ـ الطاهر ابن عاشور ـ الدار التونسية .
36. تحفة الأِشراف ـ المزي ـ المكتب الإسلامي ، الدار القيمة .
37. تخريج المشكاة ـ الألباني ـ المكتب الإسلامي .
38. تزيين الأرائك في إرسال النبي ( إلى الملائك ـ انظر الحاوي .
39. تذكرة الحفاظ ـ الذهبي ـ دار إحياء التراث العربي .
40. تعدد الزوجات في الإسلام ـ عبد التواب هيكل ـ مكتبة الحرمين .
41. تفسير ابن أبي حاتم ـ عبد الرحمن بن أبي حاتم ـ مجموعة رسائل بجامعة أم القرى .
42. تفسير عبد الرزاق ـ عبد الرزاق بن همام ـ على الآلة الكاتبة .
43. تفسير القرآن العظيم ـ ابن كثير ـ دار الشعب .
44. تفسير النسائي ـ النسائي ـ على الآلة الكاتبة .
45. تقييد العلم ـ الخطيب البغدادي .
46. تيسير مصطلح الحديث ـ الطحان .(1/233)
47. الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية ـ د. عابد بن محمد السفياني ـ مكتبة المنارة .
48. الثقات ـ ابن حبان ـ دار العلم .
49. ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي والجرجاني ـ الجامعة الإسلامية .
50. جامع البيان ـ ابن جرير الطبري ـ مصطفى بابي الحلبي .
51. الجامع الصحيح ـ البخاري ـ مكتبة الرياض الحديثة .
52. الجامع لأحكام القرآن ـ القرطبي .
53. الجرح والتعديل ـ ابن أبي حاتم الرازي ـ دائرة المعارف العثمانية .
54. جريدة السياسة الكويتية .
55. الجزرية ـ ابن الجزري ( انظر أمهات متون علوم التجويد ) .
56. الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ـ ابن تيمية ـ مطابع المجد .
57. الحاوي للفتاوي ـ السيوطي ـ دار الكتاب العربي .
58. الخصائص الكبرى ـ السيوطي ـ دار الكتب العلمية .
59. دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين ـ محمد الغزالي ـ دار الكتب الحديثة .
60. دليل الحيران في شرح مورد الظمآن ـ الخراز .
61. دلائل النبوة ـ أبو نعيم ـ دار المعرفة .
62. دلائل النبوة ـ البيهقي ـ دار الكتب العلمية .
63. الرسالة ـ الشافعي ـ تحقيق أحمد شاكر .
64. الرسل والرسالات ـ عمر الأشقر .
65. رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات ـ عبد الفتاح القاضي .
66. الرسول ( ـ سعيد حوى .
67. روح الدين الإسلامي ـ عفيف عبد الفتاح طبارة ـ دار العلم للملايين .
68. الروض الأنف ـ السهيلي .
69. زاد المعاد في هدي خير العباد ـ ابن القيم ـ مؤسسة الرسالة .
70. السلسلة الصحيحة ـ الألباني ـ المكتب الإسلامي .
71. السنن ـ الترمذي ـ مصطفى بابي الحلبي .
72. السنن ـ أبو داود ـ دار الكتاب العربي .
73. السنن ـ الدارمي ـ دار الكتب العلمية .
74. السنن الصغرى ـ النسائي ـ دار الفكر .
75. السيرة الذهبية ـ محمد بن رزق بن طرهوني ـ مكتبة العلم بجدة .
76. السيرة النبوية ـ ابن هشام ـ مكتب الكليات الأزهرية .
77. السيرة النبوية ـ الذهبي .(1/234)
78. شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات الرسول ( ـ الصابوني .
79. شرح العقيدة الطحاوية ـ تخريج الألباني ـ مكتبة الدعوة الإسلامية .
80. شفاء الغرام في أخبار البلد الحرام ـ الفاسي .
81. صحيح ابن حبان ـ ترتيب الأمير علاء الدين ـ المكتبة السلفية بالمدينة .
82. صحيح السيرة النبوية ـ انظر السيرة الذهبية .
83. صحيح مسلم مع شرح النووي ـ مسلم بن الحجاج ـ المطبعة المصرية .
84. صحيح مسلم ـ مسلم بن الحجاج ـ تحقيق محمد فؤاد ـ دار إحياء الكتب العربية .
85. صحيح الجامع ـ الألباني ـ المكتب الإسلامي .
86. الطبقات الكبرى ـ ابن سعد ـ دار صادر .
87. عجائب القرآن ـ الرازي ـ دار الكتب العلمية .
88. عشرة النساء ـ النسائي .
89. عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية ـ أحمد بن سعد الغامدي ـ دار طيبة .
90. عمل اليوم والليلة ـ ابن السني ـ دار المعرفة .
91. عمل اليوم والليلة ـ النسائي .
92. غاية النهاية في طبقات القراء ـ ابن الجزري ـ دار الكتب العلمية .
93. فتح الباري ـ ابن حجر ـ مكتبة الرياض الحديثة .
94. فصل الخطاب في الرد على مفتريات الأسقف العام ـ د. فتح الرحمن عمر ـ على الآلة الكاتبة .
95. الفصل في الملل والأهواء والنحل ـ ابن حزم الأندلسي ـ دار المعرفة .
96. في ظلال القرآن ـ سيد قطب ـ دار الشروق .
97. القول المفيد في وجوب التجويد ـ محمد موسى نصر ـ شركة المطابع النموذجية .
98. الكتاب المقدس ـ دار الكتاب المقدس .
99. كشف الأستار عن زوائد البزار ـ الهيثمي ـ مؤسسة الرسالة .
100. الكشف عن وجوه القراءات السبع ـ مكي بن أبي طالب ـ مجمع اللغة العربية بدمشق .
101. الكلم الطيب ـ ابن تيمية .
102. مجمع الزوائد ـ الهيثمي ـ دار الكتاب العربي .
103. مجموع الفتاوى ـ ابن تيمية ـ جمع عبد الرحمن بن قاسم النجدي .
104. محمد الرسول البشر ـ محمد عبد الله السمان .
105. محمد رسول الله ( ـ محمد الصادق عرجون .(1/235)
106. محمد في الكتاب المقدس ـ عبد الأحد داود ( الآب سابقاً ) ـ ترجمة فهمي شما ـ دار الضياء .
107. محمد المثل الكامل ـ محمد أحمد جاد المولى ـ مطبعة محمد علي صبيح .
108. مختصر صحيح مسلم ـ المنذري ـ المكتب الإسلامي .
109. مرويات الإمام أحمد في التفسير ـ سورة التوبة ، يوسف ـ الطرهوني ـ تحت الطبع
110. المستدرك ـ الحاكم ـ دار الكتاب العربي .
111. المسند ـ أحمد بن حنبل ـ دار الفكر .
112. المسند ـ أحمد بن حنبل ـ تحقيق أحمد شاكر .
113. المسند ـ أبو يعلى الموصلي ـ دار المأمون للتراث .
114. المسيحية ـ أحمد شلبي ـ مكتبة النهضة .
115. المصنف ـ ابن أبي شيبة ـ الدار السلفية .
116. المصنف ـ عبد الرزاق ـ المكتب الإسلامي .
117. المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية ـ ابن حجر .
118. معجزة الأرقام والترقيم في القرآن الكريم ـ عبد الرزاق نوفل .
119. معجم طبقات الحفاظ والمفسرين مع دراسة عن السيوطي ـ عالم الكتب .
120. المعجم الكبير ـ الطبراني ـ وزارة الأوقاف العراقية .
121. معرفة الصحابة ـ أبو نعيم ـ مخطوط بمكتبة أحمد الثالث ـ لدي نسخة مصورة عنه .
122. مفاتيح الغيب ـ الرازي ـ دار إحياء التراث العربي .
123. المفردات في غريب القرآن ـ الراغب الأصبهاني ـ دار المعرفة .
124. منتخب المسند ـ عبد بن حميد ـ دار الأرقم ، مكتبة ابن جرير .
125. موارد الظمآن لزوائد ابن حبان ـ الهيثمي ـ دار الكتب العلمية .
126. الموضوعات ـ ابن الجوزي ـ المكتبة السلفية .
127. النبوة والأنبياء ـ الصابوني .
128. النبي محمد إنسان الإنسانية ونبي الأنبياء ـ عبد الكريم الخطيب ـ دار الاتحاد العربي .
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
خطة الكتاب
2
من الكتب التي عنيت بما ذكرت مما كتبه المسلمون
6
ومما كتبه غير المسلمين الذين هداهم الله بعد ذلك للإسلام
7
ومما كتبه غير المسلمين الذين بقوا على ضلالهم
8(1/236)
الباب الأول ( البيئة التي تكونت فيها شخصية النبي ( وتمت فيها بعثته )
10
بين يدي الباب
10
الفصل الأول ( البيئة التي نشأ فيها النبي ( )
12
أصل الحياة الفعلية في مكة المكرمة
12
بعض أخبار أهل الجاهلية
13
أولاً : اعتقادهم
14
ثانياً : عبادتهم
18
ثالثاً : معاملاتهم
19
نوعية من الناس ترفض هذه البدع
21
وأما أهل الكتاب
22
الفصل الثاني ( ولادته ( وأسرته التي نشأ فيها )
25
حادثة الفيل وولادته (
25
أسرته (
26
الباب الثاني ( دراسة حول شخصيته ( في طفولته ـ في شبابه ـ بعد بعثته )
29
الفصل الأول ( في طفولته )
30
الفصل الثاني ( في شبابه حتى البعثة )
33
الفصل الثالث ( بعد البعثة حتى الوفاة )
44
إجمال سمات شخصيته ( قبل بعثته
44
أولاً : شخصية النبي ( المتمثلة في عبادته لربه الذي دعا الناس إليه
45
ثانياً : شخصية النبي ( المتمثلة في علاقته بالخلق
48
سمات شخصيته ( كرسول
48
سمات شخصيته ( كمعلم
50
سمات شخصيته ( كداعية
52
سمات شخصيته ( كإمام وصديق
57
سمات شخصيته ( كسياسي
64
سمات شخصيته ( كقائد عسكري
68
سمات شخصيته ( كقاض
73
سمات شخصيته ( كابن
75
سمات شخصيته ( كزوج
76
سمات شخصيته ( كأب
80
سمات شخصيته ( كأسوة
83
سمات شخصيته ( كبشر
92
ثالثاً : تتمة في بعض صفاته ( الخلقية
94
الفصل الرابع ( شبهات حول شخصيته ( )
96
الرد على أكثر هذه الشبهات ذيوعاً وهي قولهم : إن محمداً كان رجلاً شهوانياً يسير وراء شهواته وملذاته ولذا عدد الزوجات بما يزيد عن عشرة نسوة
96
الهدف الذي أرادوه من إلقاء هذه الشبهة
96
فضح القائلين إن كانوا من اليهود أو النصارى
97
الكتاب المقدس ـ زعموا ـ يذكر عن بعض الأنبياء أنه تزوج الكثير من النساء
97
الكتاب المزعوم يصف أنبياء الله ، بل يصف الله تعالى بأبشع الأوصاف
97
فضح القائلين إن كانوا لا دينييين
97
المرأة عندهم
98
وماذا بعد هذه العلاقات الخسيسة
98
آخر خبر وقفت عليه عن الإيدز
98(1/237)
لماذا رضوا بهذه الخسة
98
عقولهم التجارية الفذة في استخدام تلك الغريزة الطبيعية
98
هذا المرحاض البشري
98
عبدوا الجنس
98
الأبله الشاذ فرويد
98
إدخالهم المرأة في كل شيء
99
الدفاع عن الشخصية الكريمة
99
في تعدد زواجه ( حكم كثيرة
101
الباب الثالث ( دراسة حول رسالته ( )
103
بين يدي الباب
103
حاجة الناس إلى الرسالات
105
إجمال شيخ الإسلام ابن تيمية لها في بيان بديع
105
كلام تلميذه ابن القيم
105
اختلاف الناس في الفرق بين الرسالة والنبوة
106
الفصل الأول ( البشارات برسالته ( )
108
بدء أمره (
108
بعض البشارات برسالته ( في التوراة والإنجيل
109
البشارة الأولى في التوراة السامرية
110
البشارة الثانية فيها
110
اختلاف الترجمات في النص وإثبات التحريف
110
البشارة الثالثة فيها
111
البشارة الرابعة فيها
113
إحدى الترجمات فيها تصريح باسمه أحمد
114
البشارة الأولى في العهد الجديد
115
البشارة الثانية فيه
116
البشارة الثالثة فيه
116
اختلاف النص في الطبعة الحديثة عن الطبعات السابقة
116
نصوص كانت في كتبهم ولا توجد الآن
117
البشارة الرابعة فيه وقس من كبار القساوسة هداه الله إلى الإسلام يناقش الترجمة
117
بشارتان من إنجيل برنابا بدون تعليق
119
انتظار أهل الكتاب لها
121
إرهاصاتها
121
معنى الإرهاصة
121
ما كان يوم ولادته
122
ما حدث ليلة مولده
123
قران ملة الإسلام
123
في طفولته
123
ما كان عند بعثته (
124
بدايتها
127
الفصل الثاني ( دلائل رسالة النبي ( )
128
استدلال هرقل على صحة رسالته
129
أعظم ما أوتيه النبي (
130
أوجه إعجاز القرآن الدالة على كونه من عند الله تعالى
131
بعض المعاني التي يرجع إليها براعة النظم والتأليف
133
الرازي وكتابه عجائب القرآن
133
السيوطي وكتابه أسرار ترتيب القرآن
133
الإعجاز في رسمه
133
الإعجاز في طريقة تلاوته وقراءاته
133
الإعجاز في كيفية حفظه
133(1/238)
وجوه الإعجاز التي تكلم فيها أهل العلم في العصور المتأخرة
134
دلالة سنته على صدق رسالته
134
طرف يسير من معجزاته ( الأخرى
135
انشقاق القمر
136
تكثير الماء
136
سماع تسبيح الطعام وهو يؤكل
136
تكثير الطعام
137
حنين الجذع
138
الفصل الثالث ( ختم الرسالات بها ، عمومها ، حفظ الله لها ، شمولها )
138
مدخل إلى هذا الفصل
138
ثلاثة أمور لا بد وأن تتوافر في الرسالة الخاتمة
138
أولاً : ختم الرسالات بها .
138
الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك
138
الأمور التي تشهد بكذب من ادعى النبوة
140
من ادعى ذلك في حياته (
141
من ادعى ذلك بعد موته (
141
الزنديق غلام أحمد قادياني آخر من ادعى النبوة
141
هلاكه بالكوليرا في بيت الخلاء
141
وضع أحد الكذابين زيادة في حديث أنا خاتم النبيين
142
أهمية بيان عقيدة ختم النبوة
142
كتاب خاص في ذلك والتنويه بذكر بعض مباحثه
143
ثانياً : عموم رسالته (
143
الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك
146
بعض الإشكالات التي قد تورد على قوله ( : " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة
147
نص الإنجيل على اختصاص عيسى ببني إسرائيل
150
الخلاف في بعثة النبي ( إلى الملائكة وبعض اللطائف
150
من قال ببعثته إليهم وأدلته
150
النقاط التي فارق فيها غيره من الأنبياء في أمر الرسالة
151
جهره برسالته إلى الناس جميعاً من أول بعثته
151
ثالثاً : تكفل الله تعالى بحفظها ومظاهر ذلك
151
انقسام الرسالة إلى قسمين
152
ما يدل على أن جبريل كان ينزل بالسنة
152
السنة من الذكر المنزل بنص القرآن
153
أولاً : مظاهر حفظ القرآن الكريم
153
مظاهر حفظه منذ وقت نزوله
153
تكفل الله بحفظ دينه
154
تسجيل النبي ( لما ينزل عليه من القرآن
154
كتبته (
154
جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق
155
استنساخ عثمان للمصاحف
156
الكتابة الموجودة الآن في المصاحف المسماة بالرسم العثماني
156
علم رسم المصحف
156
علم ضبط المصحف
156(1/239)
الطريقة الثانية لحفظ القرآن وهي حفظه في الصدور
157
عدد مشاهير وأئمة الإقراء
157
حفظ طريقة تلاوة القرآن
157
باقي العلوم التي خدمت هذا الحفظ
158
القرآن يتلقاه القراء بالأسانيد المتصلة إلى الآن
158
ثانياً : مظاهر حفظ السنة
158
النهي عن كتابة السنة في بدء الأمر ثم الترخيص في ذلك
158
سبب النهي أولاً
159
سر عجيب في الترخيص ثانياً
159
حفظ السنة بدأ من عهد النبي (
159
أبو هريرة واختصاصه في ذلك بميزة لم تحصل لغيره
159
عدد رواة الحديث من الصحابة
160
المسجلون للحديث كتابة من الصحابة
160
رواة الحديث من التابعين
160
المسجلون للحديث كتابة من التابعين
160
كثرة المصنفات في عصر تابعي التابعين
160
ما يشترط في أي حديث ينسب للنبي ( ويعتقد نسبته إليه
161
حفظ السنة حفظاً عجيباً
161
انقسام نقل السنة إلى قسمين
161
المشتغلون بالعلم إلى الآن يتناقلون السنة بالأسانيد المتصلة
162
حفظ ما يحتاج إليه لفهم الكتاب والسنة
162
رابعاً : شمولية الرسالة الخاتمة
162
السر في شمولية القرآن لما يحتاج إليه العباد
163
القرآن قد تضمن الأمر باتباع السنة إجمالاً
164
نظرة الإسلام إلى الإنسان بشقيه الجسد والروح
164
الكتاب والسنة تضمنا كليات الشريعة
164
تشريع الإسلام ما يكفل للإنسان الجانبين المعنوي والمادي
166
ما من شيء في حياة الإنسان إلا وله تشريع في الإسلام
167
عرض موضوعي سريع لبعض ما تضمنته سورة البقرة
167
عرض موضوعي سريع لبعض ما تضمنه جزء من مختصر صحيح مسلم
170
بعض الكتب التي عالجت الشمولية باستفاضة
172
الفصل الرابع ( في الشبهات حول الرسالة المحمدية )
173
آخر ما وقفت عليه من أساليب الطعن في تلك الرسالة والتي تعد تكراراً في الواقع لما عليه سلف هؤلاء
173
ما ورد على ابن تيمية من طعون النصارى في الإسلام وجوابه لهم
173
ما كتبه جولد تسيهر ورد الغزالي عليه
174
ما افتراه المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس بالإسكندرية
174(1/240)
رد شيخنا الدكتور فتح الرحمن عليهم
174
ذكر إحدى هذه الترهات والرد عليها
174
من روائع الإعجاز في القرآن
175
التكرار فيما يوردونه وإدحاض الأئمة لهم على مر العصور
177
شهادة إخوانهم بعكس ما قالوا
177
الخاتمة
178
أقوال بعض المنصفين من أهل الشرق والغرب في الرسول ( وفي رسالته
178
حديث : " إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " .
178
ما قاله دوديانوس الوزير الفرنسي
178
ما قاله الكاتب الفيلسوف برناردو شو
178
ما قاله بيرك في بعض خطاباته في البرلمان الإنكليزي
179
ما قاله توماس كارليل في كتابه الأبطال
179
ما قاله المستشرق الإنجليزي هـ . جي ويلز
180
ما قاله في كتابه حضارة العرب
180
ما قاله العالم الفرنسي بلانشيه
180
ما قاله الشاعر الفرنسي اللامع الفونس لامارتين
180
ما كتبته دائرة المعارف البريطانية
181
ما ذكرته من خصائص الرسول (
182
ما قاله الفيلسوف الروسي تولستوي
182
ما قاله السير وليام موير الإنجليزي في كتابه حياة محمد
183
ما قاله العالم الهندي د. ت . ل . فسواني
184
ما قاله الفريد غليوم أستاذ الدراسات الشرقية بجامعة ليدن
184
ما قاله جولد تسيهر على الرغم من حقده
185
ما قاله الشاعر الألماني جوته
185
ما قاله إسحاق تيلر رئيس الكنيسة الإنجليزية
185
ما قاله القس لوزون الفرنسي الشهير
185
ما قالته الدكتورة لورا فيتشافاليري الكاتبة الإيطالية في كتابها محاسن الإسلام
185
بعض الأشخاص البارزين الذين حفظت لهم أقوال بنحو ما ذكرناه عمن سبق
187
بعض من شهد للنبي ( من نصارى العرب
188
جماعة من كبار المفكرين شهدوا للنبي ( وهداهم الله إلى الإسلام
188
قصيدة قالها نصراني بعنوان ( إني مسيحي أجل محمدا )
188
ملحوظة
189
الفهارس
190
وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً(1/241)
(1) أخرجه أحمد رقم ( 3362 ) ، وابو داود في الصيد ، باب في اتباع الصيد 3 / 111 ، والترمذي في الفتن 4 / 523 ، 524 ، والنسائي في الصيد ، باب في اتباع الصيد 7 / 195 ، 196 .
وقال الترمذي : حسن غريب . وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح . وقال الألباني : صحيح ( صحيح الجامع 6172 ) .
والحديث في إسناده ضعف يسير ، ويشهد له حديث أبي هريرة عند أبي داود والبيهقي وغيرهما ، فهو حديث حسن . ( وانظر مرويات الإمام أحمد في التفسير ، سورة التوبة : 97 ) .
(2) أخرجه أحمد 2 / 292 ، 247 ، وأبو داود في البيوع ، باب قبول الهدايا 3 / 290 ، والترمذي في المناقب ، باب مناقب ثقيف 5 / 730 ، 731 من حديث أبي هريرة . وقال الترمذي : حسن . وأخرجه أحمد رقم ( 2687 ) من حديث ابن عباس بنحوه ، وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح .
(3) تفسير القرآن العظيم 4 / 140 ، 141 .
(4) جزء من حديث أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها سعف الجبال 6 / 350 عن أبي هريرة .
(5) جزء من حديث أخرجه البخاري في بدئ الخلق ، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال 6 / 350 ، عن ابن مسعود
(6) فتح الباري 6 / 352 .
(7) انظر للاستفاضة : أسس السلوك الإنساني مدخل إلى علم النفس العام ، الفصل الثالث عشر ، والفصل الرابع عشر ص 513 - 605 .
(8) انظر صحيح البخاري ، كتاب الأنبياء 6 / 395 - 399 .
(9) أخرجه البخاري في المناقب ، باب قصة خزاعة 6 / 547 ، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب النار يدخلها الجبارون 4 / 2191 ، 2192 ، ط. فؤاد . واللفظ له ، والزيادة بين القوسين من البخاري كلاهما من حديث أبي هريرة .
(10) هذا اللفظ بعضه من رواية البخاري السابقة ، وهو بتمامه في السيرة لابن إسحاق 1 / 76 بسند صحيح ، وهو نفس الحديث السابق .(1/242)
(11) أخرجه البزار ( انظر كشف الأستار 2 / 15 ) ، وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ( مجمع الزوائد 3 / 223 ) ، وفيه عنعنة قتادة ، وهي مما يتساهل فيها لا سيما وله شواهد في الصحيح وغيره ، ومنها ما تقدم عن أبي هريرة .
(12) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره رقم ( 787 ) ، وإسناده حسن . ويشهد له ما أخرجه الطبري من طريق آخر عنه 13 / 77 ، وهي الرواية المشار إليها ، وله شواهد مرسلة عن عكرمة والشعبي ومجاهد وقتادة وعطاء وابن زيد عندهما .
(13) أخرجه البخاري في التفسير ، تفسير سورة نوح ، باب وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق 8 / 667 .
(14) أخرجه ابن إسحاق ( انظر السيرة 2 / 442 ) ، وأحمد 5 / 218 ، والترمذي في كتاب الفتن 4 / 475 وقال : حسن صحيح ، والنسائي في التفسير رقم ( 205 ) وغيرهم . وإسناده صحيح .
(15) أخرجه البخاري في الجزية والموادعة ، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب 6 / 258 .
(16) أخرجه الدارمي 1 / 4 بإسناد حسن عن مجاهد به .
(17) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 13/ 60 ، ومن طريقه الخطيب في تاريخ بغداد 10 / 204 بإسناد حسن عن أبي عثمان به .
(18) أخرجه الطبري 9 / 240 ، 241 من ثلاث طرق عن ابن عباس ، وهو صحيح ، وله شواهد عنده عن ابن عمر وعن جماعة من التابعين .
(19) أخرجه البخاري في الصوم ، باب صيام يوم عاشوراء 4 / 244 .
(20) أخرجه مسلم في التفسير ، باب في قوله تعالى ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) 4 / 320 ط. فؤاد ، والطبري 8 / 160 وغيرهما .(1/243)
(21) أخرجه البخاري في الحج ، باب الوقوف بعرفة 3 / 515 ، وفي التفسير ، تفسير سورة البقرة ، باب ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) 8 / 186 ، ومسلم في الحج ، باب الوقوف وقوله تعالى ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) 2 / 893 ، 894 ، ط. فؤاد . والترمذي في الحج ، باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها 3 / 222 . وما بين القوسين منه ، وليس فيه مرسل عروة . وأما مرسل عروة فأخرجه الشيخان والله أعلم لأن آخره يدل على أنه أخذه عن عائشة ، والدليل على ذلك أيضاً أن مسلماً أخرج بعضه مصرحاً بأنه عن عائشة . ويشهد للإعارة ما تقدم من قول المرأة من يعيرني تطوافاً .
(22) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير ، تفسير سورة البقرة رقم ( 887 ) ، والحاكم في المستدرك ، في المناسك 1 / 483 ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وسكت الذهبي . وإسناده حسن وهو على شرط مسلم .
(23) أخرجه البخاري في الحج ، باب التمتع والقران والإفراد بالحج 3 / 423 .
(24) أخرجه أبو داود في الطلاق ، باب في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية 2 / 281 - 282 ، وإسناده حسن .
(25) أخرجه البخاري في كتاب الطلاق ، باب مراجعة الحائض 9 / 484 ، 485 ، 490 ، ومسلم في الطلاق باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام 2 / 1124 ، 1125 ط. فؤاد .
(26) أخرجه البخاري في التفسير ، باب ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) 8 / 245
(27) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار ، باب أيام الجاهلية 7 / 149 .
(28) أخرجه ابن إسحاق 1 / 225 بإسناد صحيح عن أسماء . وله طريق أخرى عند الحاكم في المستدرك 3 / 440 ، وغسناده صحيح أيضاً . وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وسكت الذهبي .
(29) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين ، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها 6 / 114 ( المصرية ) .(1/244)
(30) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي ذر 4 / 290 ط. فؤاد .
(31) التفسير 8 / 142 .
(32) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها 17 / 197 ، 198 ( المصرية )
(33) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، ومن طريقه الجوزقاني في الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير 1 / 126 بإسناد مسلسل بالحفاظ إلى ابن أبي شيبة . وإسناده صحيح على شرط البخاري . وقد فصلت القول فيه وذكرت شواهده في السيرة الصحيحة ، وهو موافق لقول الجمهور ( وانظر البداية والنهاية 2 / 260 ) .
(34) الثقات 1 / 14 - 15 .
(35) انظر على سبيل المثال كتاب نتائج الأفهام في تقويم العرب قبل الإسلام ، وفي تحقيق مولده وعمره عليه الصلاة والسلام ص 28 - 35 ، وقد راجعت نتائج المؤلف الحسابية بالحاسب الألكتروني فوجدته أخطأ في حساب المقدمات التي بنى عليها كتابه كله .
(36) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب فضل نسب النبي ( وتسليم الحجر عليه قبل النبوة . 4 / 1782 ط. فؤاد .
(37) أخرجه البخاري في بدء الوحي 1 / 32 .
(38) انظر قصة حفره لها مطولة فيما أخرجه ابن إسحاق في السيرة 1 / 143 - 145 بإسناد صحيح عن علي بن أبي طالب . وقال الفاسي : رجاله ثقات ( انظر شفاء الغرام 1 / 246 ) وله شواهد كثيرة ذكرتها في صحيح السيرة .
(39) أخرجه أحمد 4 / 444 ، وابن حبان 2 / 138 ، وإسناده صحيح ، وقد صححه ابن حبان والحافظ ابن حجر في الإصابة ( 2 / 257 ) .
(40) أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة 1 / 314 - 315 ، بإسناد حسن ، وعلقه الذهبي في السيرة من غير طريق الأزرقي ص 25 ، وله شواهد مرسلة ( انظر دلائل النبوة للبيهقي 2 / 22 ، مصنف عبد الرزاق 5 / 318 ، وانظر أ]ضاً الخصائص الكبرى 1 / 81 ) .
(41) أخرجه الحاكم في المستدرك 2 / 605 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وسكت الذهبي . وهو حديث حسن له شواهد ، وليس على شرط مسلم كما ذكر الحاكم رحمه الله .(1/245)
(42) أخرجه ابن إسحاق ( انظر السيرة 1 / 162 ) ، ومن طريقه الطبري في التاريخ 2 / 158 ، والطبراني 24 / 213 ، وابن حبان في صحيحه ( انظر موارد الظمآن ص 512 ) بإسناد حسن عن حليمة . وقد صححه ابن حبان ، وقال الذهبي : حديث جيد الإسناد ( انظر السيرة ص 21 ) وله شواهد كثيرة .
(43) أخرجه ابن إسحاق 1 / 168 من مرسل عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، وهو مرسل صحيح . وله شاهد مرسل صحيح عن الزهري عند عبد الرزاق في المصنف 5 / 318 ، وشاهد آخر مرسل أيضاً عن عاصم بن عمر بن قتادة عند ابن سعد ، وشاهد موصول عن ابن عباس عند بان سعد أيضاً ، وفيهما الواقدي ( انظر الطبقات 1 / 116 ) . وفيه أيضاً ما أخرجه أبو نعيم عن أم سماعة بنت رهم عن أمها . وقال السيوطي في الحاوي 2 / 429 سنده ضعيف . وبمجموع هذه الروايات يثبت ما ذكرناه .
(44) أخرج قصة بحيرا ابن أبي شيبة في مصنفه 11 / 479 ، 14 / 286 ، والترمذي في المناقب ، باب ما جاء في بدء نبوة النبي ( 5 / 590 ، والطبري في التاريخ 2 / 278 والخرائطي في الهواتف رقم ( 22 ) وغيرهم . وإسنادها صحيح . وفيها لفظة منكرة استنكرها الحفاظ وهي وهم من أحد الرواة ، وقد صحح هذا الحديث غير واحد ، وحسنه الترمذي .
(45) الصحيح في مناقب الأنصار ، باب القسامة في الجاهلية 7 / 156 .
(46) أخرجه أحمد 4 / 184 ، والدارمي 1 / 8 ، والحاكم 2 / 616 وابن عساكر 1 / 559 ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، وسكت الذهبي . وقال في السيرة ص 21 : صحيح ، وقال الهيثمي في المجمع ( 8 / 222 ) : وإسناد أحمد حسن اهـ وهو حديث حسن وله شواهد .
(47) أخرجه مسلم في الإيمان ، باب الإسراء برسول الله ( 2 / 216 ( المصرية ) .
(48) في رواية عتبة بن عبد المخرجة آنفاً .
(49) في رواية حليمة التي خرجناها في دراسة الأسرة التي نشأ فيها ( .(1/246)
(50) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 112 ، والحاكم في المستدرك 3 / 603 ، 604 ، والبيهقي في الدلائل 1 / 152 ، 2 / 20 ، وأبو نعيم في المعرفة ق 281/ب /1 , وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم وسكت الذهبي . وقال الهيثمي : رواه أبو يعلى والطبراني ، وإسناده حسن ( المجمع 8 / 224 ) وإسناده حسن كما قال الهيثمي لا سيما وله طريق آخر عند البيهقي في الدلائل 2 / 21 ، وله شواهد كثيرة ذكرتها في صحيح السيرة .
(51) أخرجه البخاري في الإجارة ، باب رعي الغنم على قراريط 4 / 441 .
(52)
فتح الباري 4 / 441 .
(53) أخرجه النسائي في التفسير رقم ( 344 ) بإسناد صحيح ، وقال الحافظ : رجاله ثقات ( الفتح 6 / 439 ) .
(54) أخرجه البخاري في الترايخ الكبير 1 / 130 ، والبزار ( انظر كشف الأستار 3 / 129 ) وأبو نعيم في الدلائل ص 143 ، والحاكم في المستدرك 4 / 245 بإسناد حسن ، وقد صححه ابن حبان . وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وسكت الذهبي . وقال الهيثمي : رجاله ثقات ( المجمع 8 / 226 ) ، وقال الحافظ ابن حجر : إسناد حسن متصل ورجاله ثقات ( انظر الخصائص 1 / 89 ) ، وله شاهد من حديث عمار بن ياسر أخرجه الطبراني في الصغير 2 / 54 ، وما بين القوسين زيادة عند بعض من خرج الرواية .
(55) أخرجه ابن إسحاق 1 / 324 ، ومن طريقه أحمد 1 / 201 ، وإسناده صحيح .
(56) أخرجه أحمد 3 / 425 ، والدارمي 1 / 4 مختصراً ، والحاكم 1/458 وهذا لفظه ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وسكت الذهبي . وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير هلال بن خباب ، وهو ثقة اهـ ولا داعي لهذا الاستثناء فهلال من رجال الصحيحين ، فالإسناد صحيح وله شواهد عدة .
(57) أخرجه البخاري في التفسير ، باب ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) 8/501 .
(58) أخرجه البخاري في المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام 6/629 .(1/247)
(59) أخرجه أحمد 3/425 بإسنادين ؛ أحدهما صحيح والآخر حسن ، عن السائب به . وكذا أخرجه أبو داود في الأدب ، باب في كراهية المراء 2/293 .
(60) أخرجه البزار ( انظر كشف الأستار 3/237 ) ، والطبراني . وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير أبي خالد الوالبي وهو ثقة ( المجمع 9/222 ) والحديث إسناده حسن ، وإن كان أبو خالد صحابياً كما رجحت في السيرة فالإسناد صحيح ، وما بين القوسين من رواية الطبراني .
(61) أخرجه البخاري في التفسير ، باب ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ) 8/483 .
(62) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار ، باب تزويج النبي ( خديجة 7/134 .
(63) أخرجه أحمد 4/222 بإسناد صحيح ، وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ( المجمع 8/225 ) وسقطت بعض الألفاظ من المسند واستدركتها من المجمع ومن الخصائص الكبرى 1/90 .
(64) أخرجه أبو يعلى في مسنده 3/398 ، والبيهقي في الدلائل 2/35 ، وغيرهما . وإٍسناده حسن . وحصل حوله كلام بينت ما فيه في صحيح السيرة .
(65) أخرجه البيهقي عنه في الدلائل 2/36 .
(66) انظر المطالب العالية 4/179 .
(67) أخرجه ابن إسحاق 1/203 ، 204 بإسناد صحيح ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل 2/37 واللفظ له ، وهو في الصحيحين من طريق آخر عن جبير بن مطعم بنحوه ، وفيه زيادات ( البخاري في الحج ، باب الوقوف بعرفة 3/515 ، ومسلم في الحج ، باب في الوقوف وقوله تعالى ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) 2/894 ) .
(68) أخرجه أحمد 1/190 ، 193 ، والبخاري في الأدب المفرد ص 83 ، والبيهقي في السنن الكبرى 6*366 ، وإسناده صحيح . وله شاهد عن أبي هريرة عند البيهقي . وانظر ما يأتي .
(69) أخرجه الحميدي ( انظر الروض الأنف 1/155 ) بإسناد صحيح ، وله طريقان آخران ، أحدهما عند ابن إسحاق في السيرة 1/134 ، والآخر عند ابن سعد في الطبقات 1/129 .
(70) أخرجهالبخاري في بدء الوحي 1/22 .(1/248)
(71) أخرج البيهقي في الدلائل 2/164 ، بإسناد لا بأس به إلى أبي ميسرة ما يصرح بذلك ولكنه مرسل ، إلا أنه يشهد له ما رواه وكيع في أخبار القضاة 1/182 ، وابن أبي خيثمة ( انظر البداية والنهاية 3/29 ) ، وابن عساكر 9/544 - 550 من حديث عائشة ، وإسناده جيد ، وفيه كلام طويل بينته في صحيح السيرة .
(72) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار ، باب هجرة النبي ( وأصحابه رضي الله عنهم إلى المدينة 7/230 ، 231 ، 232 .
(73) أخرجه أحمد 2/303 ، 334 ، والترمذي في الزهد 4/589 ، وأبو داود في الأدب ، باب من يؤمر أن يجالس 4/259 ، وعبد بن حميد ( انظر المنتخب 3/200 ) ، والحاكم 4/171 وغيرهم . وقال الترمذي : حسن صحيح ، وهو كما قال . وفي الإسناد زهير بن محمد : رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة ، وهذه ليست منها . وله طريق آخر يشهد له أخرجه الحاكم ، وقال : صحيح إن شاء الله وسكت الذهبي ( وانظر السلسلة الصحيحة رقم 927 ) .
(74) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار ، باب بنيان الكعبة 7/145 ، 146 ، ومسلم في الطهارة ، باب الاعتناء بحفظ العورة 4/33 ، 34 .
(75) أخرجه البزار ( انظر كشف الأستار 3/283 ) ، والطبراني 5/86 ، والحاكم 3/216 ، والبيهقي في الدلائل 2/34 ، 124-127 واللفظ له ، وإسناده حسن . وقد صححه الحاكم على شرط مسلم ، وسكت الذهبي في التلخيص وحسنه في السيرة ص 42 ، وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث . ( انظر المجمع 9/417 ) وأصله في صحيح البخاري من حديث ابن عمر مختصراً ، في كتاب مناقب الأنصار ، باب ذكر زيد بن عمرو بن نفيل 7/124 ، وهكذا في رواية البيهقي ( ما استلم ) وفي رواية غيره ( ما استلمت ) وهي أصوب ، والله أعلم .
(76) أخرجه البزار ( الموضع السابق ) وغيره ، وهذا الجزء منه حسن ، ويشهد له حديث الباب ، وحديث عائشة عند أبي نعيم في الدلائل ص 145 .(1/249)
(77) أخرجهما الطبري 30/ 234 ، 235 بإسنادين صحيحين .
(78) أخرجه النسائي في التفسير رقم ( 368 ) ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي ( ص 29 بإسناد حسن . ويشهد له ما أخرجه مسلم في صحيحه ، في صلاة المسافرين وقصرها ، باب جامع صلاة الليل ( 1/512 ط. فؤاد ) من طريق سعد بن هشام قال : قلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله ( ، قالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى ، قالت : فإن خلق نبي الله كان القرآن ... في حديث طويل .
(79) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه ( 1/535 ط. فؤاد ) عن علي بن أبي طالب في حديث طويل .
(80) أخرجه البخاري في التهجد ، باب قيام النبي ( حتى ترم قدماه ( 3/14 ) .
(81) أخرجه البخاري في التهجد ، باب طول القيام في صلاة الليل ( 3/19 ) .
(82) أخرجه البخاري في التهجد ، باب فضل من تعار من الليل فصلى ( 3/39 ) .
(83) أخرجه البخاري في الصوم ( 4/128 ) .
(84) أخرجه البخاري في الدعوات ، باب استغفار النبي ( ( 11/101 ) .
(85) أخرجه البخاري في الاستسقاء ، باب إذا هبت الريح ( 2/520 ) .
(86) أخرجه البخاري في بدء الخلق ، باب ما جاء في قوله : ( وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته ) ( 6/300 ) .
(87) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب ما قيل في درع النبي ( والقميص في الحرب ( 6/99 ) ز
(88) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ( 6/105 ) .
(89) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس ( 7/62 ) ز
(90) أخرجه مسلم في الصلاة ، باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه للاستماع ... الخ ( 2/195 ) ز
(91) أخرجه البخاري في المغازي ، باب مرض النبي ( وفاته ( 8/136 ) .(1/250)
(92) انظر كتاب عمل اليوم والليلة للنسائي ، وكتاب عمل اليوم والليلة لتلميذه ابن السني ، كمثال للمتقدمين ، وكتاب الكلم الطيب لشيخ الإسلام ، وكتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب لتلميذه ابن القيم كمثال للمتأخرين .
(93) أخرجه البخاري في التفسير ، باب ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) ( 8/175 ) .
(94) أخرجه البخاري في الحج ، باب الخطبة أيام منى 3/573 عن أبي بكرة .
(95) أخرجه البخاري في الوضوء ، باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة ... ( 1/349 ) .
(96) أخرجه البخاري ، باب ما لقي النبي ( وأصحابه من المشركين بمكة ( 7/165 ، 166 ) .
(97) أخرجه البخاري في بدء الخلق ، باب إذا قال أحدكم ( آمين ) والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه ( 6/313 ) . وأخرجه مسلم في الجهاد والسير ، باب ما لقي النبي ( من أذى المشركين والمنافقين ( 5/181 )
(98) أخرج حديث الهجرة بطوله البخاري في مناقب الأنصار ، باب هجرة النبي ( وأصحابه ( 7/230 ، 231 ، 232 ) .
(99) أخرجه البخاري في العلم ، باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ( 1/147 ) .
(100) أخرجه مسلم في الصلاة ، باب نسخ الكلام في الصلاة ( 2/70-71 ) .
(101) أخرج البخاري في الوضوء ، باب ترك النبي ( والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد ( 1/322 ) .
(102) أخرجه مسلم في الجمعة ، باب التعليم للعلم في الخطبة ( 3/15 ) .
(103) أخرجه البخاري في العلم ، باب هل يجعل للنساء يوماً في العلم ( 1/195 ) .
(104) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم ( 6/107-108 ) .
(105) أخرجه مسلم في البر والصلة ، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها ( 8/24 ) .
(106) أخرجه البخاري في العلم ، باب ما كان النبي ( يتخولهم بالموعظة ( 1/162 ) .(1/251)
(107) أخرجه مسلم في التوبة ، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة ، والمراقبة ، وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات ، والاشتغال بالدنيا ( 4/2106 ) ط. فؤاد
(108) أخرجه البخاري في المناقب ، باب صفة النبي ( ( 6/566 ) ، وأخرجه مسلم في الفضائل ، باب مباعدته ( للآثام واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته ( 4/1813 ط. فؤاد ) .
(109) أخرجه البخاري في العمل في الصلاة ، باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة ( 3/81 ) .
(110) أخرجه البخاري في العلم ، باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا ما رأى ما يكره ( 1/186 ) .
(111) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب ما قيل في لواء النبي ( ( 6/126 ) .
(112) أخرجه البخاري في المناقب ، باب صفة النبي ( ( 6/567 ) .
(113) أخرجه مسلم في الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة ( 3/11 ) .
(114) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب تبسمه ( وحسن عشرته ( 4/1810 ) .
(115) أخرجه أبو داود في الأدب ، باب في التجاوز في الأمر ( 4/250 ) ، وأخرجه أبو الشيخ ص 31 وإسناده حسن له طرق كثيرة عن أنس عند أبي الشيخ ص ( 32 ، 33 ، 37 ) .
(116) أخرجه الترمذي في المناقب ، باب في بشاشة النبي ( ( 5/601 ) وأبو الشيخ ص 30 ، وإسناده حسن ، وله شاهد عن عائشة عند أبي الشيخ .
(117) أخرجه الترمذي في المناقب ، باب في بشاشة النبي ( ( 5/601 ) وقال : صحيح غريب . وهو كما قال .
(118) أخرجه أبو الشيخ ص 77 ، وإسناده حسن .
(119) أخرجه أبو الشيخ ص 78 بإسناد صحيح ، وأخرجه أبو داود مختصراً ، وله شاهد عن ابن عباس وآخر عن عكرمة مرسلاً عند أبي الشيخ ( 97 ، 98 ) .
(120) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب من فضائل عمر ( 7/115 ) .
(121) أخرجه البخاري في الأدب ، باب الانبساط إلى الناس ( 10/526 ) .
(122) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار ، باب هجرة الحبشة ( 7/188 ) .(1/252)
(123) أخرجه البخاري في الاستئذان ، باب التسليم على الصبيان ( 11/32 ) .
(124) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب قول الله تعالى ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ) ( 6/413 ) .
(125) أخرجه البخاري في العلم ، باب متى يصح سماع الصغير ( 1/172 ) .
(126) أخرجه البخاري في العلم ، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه ، وهل يعرض على الصبي الإسلام ( 1/218 ) .
(127) أخرجه البخاري في الجنائز ، باب إذا قال المشرك عند الموت : لا إله إلا الله ( 3/222 ) .
(128) أخرجه البخاري في الوضوء ، باب صب النبي ( وضوءه على المغمى عليه ( 1/301 ) .
(129) أخرجه البخاري في الصلاة ، باب الخيمة في المسجد ( 1/556 ) .
(130) أخرجه مسلم في الجنائز ، باب في عيادة المرضى ( 3/40 ) .
(131) أخرجه البخاري في الصلاة ، باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى ( 1/552 ) .
(132) أخرجه البخاري في الصلاة ، باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول ( 2/167 ) .
(133) أخرجه مسلم في السير ، باب دعاء النبي ( وصبره على أذى المنافقين ( 5/182 - 193 ) .
(134) أخرجه مسلم في فضائل النبي ( ، باب فضل أبي موسى الأشعري ( 7/169 ، 170 ) .
(135) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق ( 6/161 ) .
(136) أخرجه البخاري في الصلاة ، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد ( 1/524 ) .
(137) أخرجه مسلم في الجنائز ، باب البكاء على الميت ( 3/40 ) .
(138) أخرجه مسلم في الجنائز ، باب البكاء على الميت ( 3/40 ) .
(139) أخرجه البخاري في الأذان ، باب هل يصلي الإمام بمن حضر ؟ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر ؟ ( 2/155 ) .
(140) أخرجه أبو الشيخ ص 33 ، 34 وإسناده حسن ، وأخرجه أيضاً النسائي في كتاب الصلاة ، باب رقم ( 189 ) .
(141) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب مباعدته ( للآثام ( 4/1812 ، 1813 ) ط. فؤاد .(1/253)
(142) أخرجه البخاري في الشروط ، باب الشروط في الصلح .( 5/330 ) .
(143) أخرجه مسلم في الإيمان ، باب الإسلام يهدم ما قبله والحج والعمرة ( 1/78 ، 79 ) ط. فؤاد .
(144) أخرجه البخاري في فرض الخمس ، باب من لم يخمس الأسلاب ( 6/246 ) .
(145) أخرجه البخاري في الأذان ، باب من قال : ليؤذن في السفر واحد ( 2/110 ) .
(146) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب شفقته ( على أمته ، ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم ( 4/1789 ) ط. فؤاد .
(147) أخرجه البخاري في التهجد ، باب تحريض النبي ( على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب ( 3/10 ) .
(148) أخرجه البخاري في الأذان ، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي ( 2/201 ) .
(149) أخرحه مسلم في الحدود ، باب من اعترف على نفسه بالزنى ( 5/120 ) .
(150) أخرجه البخاري في الحدود ، باب الضرب بالجريد والنعال ( 12/66 ) .
(151) أخرجه البخاري في الحدود ، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة ( 12/75 ) .
(152) أخرجه البخاري في فرض الخمس ، باب ما كان النبي ( يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه ( 6/250-251 ) .
(153) نفس المصدر السابق .
(154) أخرجه البخاري في الإيمان ، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة ( 1/79 ) .
(155) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب كتابة الإمام الناس ( 6/177 ، 178 ) .
(156) أخرجه أبو الشيخ ص ( 205 ، 206 ) . وله شاهد عن أبي هريرة أخرجه ابن أبي حاتم ( انظر الدر المنثور ) ولمعناه شواهد كثيرة ، والآية أيضاً تشهد له فهو حسن .
(157) أخرجه البخاري في العلم ، باب ما يذكر في المناولة ، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان ( 1/154 ) .
(158) أخرجه البخاري في الإيمان ، باب أداء الخمس من الإيمان ( 1/129 ) .
(159) أخرجه البخاري في العلم ، باب ما جاء في العلم ( 1/149 ) .
(160) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب جوائز الوفد ( 6/170 ) .(1/254)
(161) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب في شجاعة النبي ( وتقدمه للحرب ( 4/1802 ) ط. فؤاد .
(162) أخرجه أبو الشيخ ص 53 واللفظ له ، والنسائي في الكبرى ( انظر تحفة الأشراف 7/357 ) وإسناده جيد ، ويشهد له حديث البراء الآتي .
(163) أخرجه مسلم في المغازي ، باب غزوة حنين ( 5/167 ، 168 ) .
(164) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب التحريض على الرمي ( 6/91 ) .
(165) أخرجه البخاري في المغازي ، باب قتل كعب بن الأشرف ( 6/336 ، 337 ) .
(166) أخرجه البخاري في المغازي ، باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق ( 7/340 ، 341 ) .
(167) أخرجه البخاري في الصلاة ، باب ما يذكر في الفخذ ( 1/479 ، 480 ) .
(168) أخرجه البخاري في العتق ، باب م نملك من العرب رقيقاً فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية ( 5/170 ) .
(169) أخرجه البخاري في الحج ، باب كيف بدء الرمل ( 3/470 ) .
(170) أخرجه البخاري في الشركة ، باب الشركة في الطعام والنهد والعروض ( 5/128 ) .
(171) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب فضل الطليعة ( 6/52 ) .
(172) أخرجه البخاري في المغازي ، باب حديث كعب بن مالك وقول الله ( ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) ( 8/113 ) .
(173) الحديث بطوله أخرجه البخاري في الجهاد ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب ( 5/329 ) .
(174)
(175) أخرجه البخاري في المساقاة ، باب من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة ( 5/29 ، 30 ) .
(176) أخرجه البخاري في المساقة ، باب من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة ( 5/29 ، 30 ) .
(177) أخرجه البخاري في الوصايا ، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب ( 5/383 ) .
(178) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة ، باب ذكر أسامة بن زيد ( 7/88 ) .
(179) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب فداء المشركين ( 6/167 ) .
(180) أخرجه البخاري في التفسير ، باب ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) ( 8/254 ) .(1/255)
(181) أخرجه مسلم في الجنائز ، باب استئذان النبي ( ربه ( في زيادة قبر أمه 2 / 671 ط. فؤاد .
(182) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار ، باب قصة أبي طالب ( 7/193 ) .
(183) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب مباعدته ( للآثام ، واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته ( 4/1813 ) ط. فؤاد . وأخرجه البخاري مختصراً ( 10/524 ) .
(184) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب رحمة النبي ( للنساء ، وأمره لسواق مطاياهن بالرفق بهن ( 4/1811 ) .
(185) أخرجه النسائي في عشرة النساء ص 98 ، وقال الحافظ : إسناده صحيح ، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا ( الفتح 2 / 444 ) وأخرجه البخاري من وجه آخر مختصراً ، في كتاب النكاح ، باب حسن المعاشرة مع الأهل ( 9/55 ) ، وكذا مسلم في صحيحه ، صلاة العيدين ، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد 2/608-610 ط. فؤاد .
(186) أخرجه مسلم في الحيض ، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه ( 1/168 ) .
(187) أخرجه البخاري في التيمم ، باب قول الله تعالى ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) ( 1/431 ) .
(188) أخرجه مسلم في الحج ، باب بيان وجوه الإحرام ( 2/882 ) .
(189) أخرجه البخاري في الأذان ، باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج ( 2/162 ) .
(190) أخرجه البخاري في النكاح ، باب غيرة النساء ووجدهن ( 9/325 ) .
(191) أخرجه البخاري في النكاح ، باب من طاف على نسائه في غسل واحد ( 9/316 ) .
(192) أخرجه البخاري في الصوم ، باب المباشرة للصائم ( 4/149 ) .
(193) أخرجه البخاري في النكاح ، باب الغيرة ( 9/320 ) .
(194) أخرجه أحمد ( 3/127 ، 199 ، 285 ) ، والحاكم ( 2/160 ) وصححه على شرط مسلم ، وسكت الذهبي . وصححه الألباني ( صحيح الجامع 3119 ) .(1/256)
(195) أخرجه البخاري في النكاح ، باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهم فأذن له ( 9/317 ) .
(196) أخرجه أبو الشيخ ( 65 ، 66 ) ، وإسناده صحيح .
(197) أخرجه البخاري في الجهاد ، ما يقول إذا رجع من الغزو ( 6/192 ) .
(198) أخرجه البخاري في العمرة ، باب الدخول بالعشي ( 3/619 ) .
(199) أخرجه مسلم في اللعان ، باب الذي يجد مع امرأته رجلاً ( 4/210 ) .
(200) أخرجه البخاري في النكاح ، باب من قال لا رضاع بعد حولين ( 9/146 ) ، ومسلم في الرضاع ، باب إنما الرضاعة من المجاعة ( 4/170 ) .
(201) أخرجه البخاري في الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب ( 5/332 ) .
(202) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار ، باب تزويج النبي ( خديجة وفضلها رضي الله عنها ( 7/133 ، 134 ) .
(203) المصدر السابق .
(204) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب رحمة النبي ( الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك ( 4/1808 ) .
(205) المصدر السابق .
(206) أخرجه البخاري في الاستئذان ، باب من ناجى بين يدي الناس ولم يخبر بسر صاحبه ، فإذا مات أخبر به ( 11/79 ، 80 ) .
(207) أخرجه أبو الشيخ ص 78 بإسناد حسن .
(208) أخرجه البخاري في اللباس ، باب السخاب للصبيان ( 10/332 ) .
(209) أخرجه البخاري في الصلاة ، باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة ( 1/590 ) .
(210) أخرجه البخاري في الجنائز ، باب قول النبي ( ( إنا بك لمحزونون ) ( 3/172 ، 173 ) ، وأخرجه أيضاً مسلم بنحوه .
(211) أخرجه البخاري في الجنائز ، باب قول النبي ( ( يعذب الميت ببكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته ) ( 3/151 ) .
(212) المصدر السابق .
(213) أخرجه مسلم في الزكاة ، باب تحريم الزكاة على رسول الله ( وعلى آله ( 3/117 ) .
(214) أخرجه الترمذي في الأدب ، باب كراهية قيام الرجل للرجل ( 5/90 ) ، وأبو الشيخ ص 58 ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، وهو كما قال .(1/257)
(215) أخرجه البخاري في الجنائز ، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه ( 3/114 ) .
(216) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب قول الله ( واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها ) ( 6/478 ) .
(217) أخرجه أحمد ( 3/153 ، 241 ، 249 ) ، وقال الألباني : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ( انظر إصلاح المساجد ص 139 ) وهو كما قال .
(218) أخرجه أحمد ( 4/24 ، 25 ) ، وقال الألباني : هذا حديث صحيح على شرطهما ( انظر إصلاح المساجد ص 139 ) وهو كما قال .
(219) أخرجه البخاري في الرقاق ، باب فضل الفقر ( 11/273 ) .
(220) أخرجه البخاري في المغازي ( 7/315 ) .
(221) أخرجه البخاري في الحج ، باب سقاية الحاج ( 3/491 ) .
(222) أخرجه البخاري في الرقاق ، باب القصد والمداومة على العمل ( 11/294 ) .
(223) أخرجه البخاري في الصلاة ( 1/532 ) .
(224) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب الردف على الحمار ( 6/131 ) .
(225) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب كان رسول الله ( أحسن الناس خلقاً ( 4/1804 ) ط. فؤاد .
(226) أخرجه البخاري في الأدب ، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل ( 10/456 ) .
(227) أخرجه البخاري في الأدب ، باب التبسم والضحك ( 10/503 ، 504 ) .
(228) أخرجه البخاري في المناقب ، باب صفة النبي ( ( 6/566 ) .
(229) أخرجه الطيالسي ( 214 ) ، والترمذي في البر والصلة ، باب ما جاء في خلق النبي ( ( 4/369 ) وقال الترمذي : حسن صحيح ، وهو كما قال .
(230) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب ما سئل رسول الله ( شيئاً قط فقال : لا ، وكثرة عطائه ( 4/1805 ، 1806 ) ط. فؤاد .
(231) المصدر السابق .
(232) أخرجه البخاري في الجنائز ، باب من استعد الكفن في زمن النبي ( فلم ينكر عليه ( 3/143 ) .
(233) أخرجه البخاري في المناقب ، باب صفة النبي ( ( 6/566 ) .
(234) المرجع السابق .(1/258)
(235) أخرجه مسلم في الأطعمة ، باب المؤمن يأكل في معى واحد ( 6/133 ) .
(236) أخرجه مسلم في البيوع ، باب من استلف شيئاً فقضى خيراً منه ( 5/54 ) .
(237) أخرجه البخاري في الهبة ، باب المكافأة في الهبة ( 5/210 ) .
(238) أخرجه هكذا مختصراً أبو الشيخ ( 199 ) ، وأصله مطولاً في قصة دفن رأس النفاق في البخاري ، في كتاب الجنائز ، باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة ( 3/214 ) .
(239) أخرجه البخاري في الهبة ، باب قبول الهدية ( 5/203 ) .
(240) أخرجه البخاري في المناقب ، باب صفة النبي ( ( 6/566 ) .
(241) أخرجه مسلم في الوضوء ، باب السواك ( 1/152 ) .
(242) المرجع السابق .
(243) أخرجه البخاري في الحج ، باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر ( 3/405 ) .
(244) أخرجه أبو الشيخ ص 84 بإسناد صحيح ، ويشهد له حديث هند بن أبي هالة في وصفه ( ، وفيه : طويل السكت . ومعظمه حسن لأن له شواهد ، وصححه بعضهم ، وقد ذكرت ما فيه في صحيح السيرة .
(245) أخرجه البخاري في الصلاة ، باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم ( 2/337 ) .
(246) أخرجه مسلم في الأطعمة ، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك ويتحققه تحققاً تاماً واستحباب الاجتماع على الطعام ( 6/116 ، 117 ) .
(247) أخرجه البخاري في الأطعمة ، باب من أكل حتى شبع ( 9/527 ) .
(248) أخرجه البخاري في الأطعمة ، باب الخبز المرقق والأكل على الخوان والسفرة ( 9/530 ) .
(249) أخرجه البخاري في الأطعمة ، باب ما كان النبي ( وأصحابه يأكلون ( 9/594 ) .
(250) أخرجه البخاري في المغازي ، باب غزوة الخندق ( 7/395 ) .
(251) أخرجه البخاري في المغازي ، باب غزوة ذات الرقاع ( 7/417 ) .
(252) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه ( 6/93 ) .
(253) أخرجه البخاري في الاستقراض ، باب أداء الديون ( 5/54 ، 55 ) .(1/259)
(254) أخرجه البخاري في الهبة ، باب الهبة وفضلها والتحريض عليها ( 5/197 ) .
(255) أخرجه البخاري في الهبة ، باب هدية ما يكره لبسها ( 5/228 ) .
(256) أخرجه البخاري في الوصايا ، باب الوصايا ( 5/355 ) .
(257) أخرجه البخاري في النكاح ، باب الترغيب في النكاح ( 9/104 ) .
(258) أخرجه أبو الشيخ ص 96 بإسناد رجاله ثقات غير عبيد وهو ابن جناد ، قال أبو حاتم : صدوق ( الجرح 5/404 ) وذكره ابن حبان في الثقات ( 8/432 ) ، وأخرجه أيضاً الترمذي في الشمائل ، والبزار مختصراً ، وفيه متابع لعبيد وهو موسى بن عبيدة الربذي ( انظر كشف الأستار 3/363 ) وفي كون إزاره ( إلى نصف الساق أحاديث كثيرة .
(259) أخرجه مسلم في الزهد والرقائق ، باب اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً ( 8/217 ) .
(260) أخرجه مسلم في الزهد والرقائق ، باب ( لا يجد دقلاً ( 8/220 ) .
(261) أخرجه مسلم في اللباس ، باب لباس ثياب الحبرة ( 6/145 ) .
(262) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب في معجزات النبي ( ( 4/1784 ) ط. فؤاد .
(263) أخرجه مسلم في البر والصلة ، باب من لعنه النبي ( أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة ( 8/25 ، 26 ) .
(264) أخرجه مسلم في الجنائز ، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها ( 3/64 ) .
(265) أخرجه البخاري في الصلاة ، باب التوجه نحو القبلة حيث كان ( 1/503 ) .
(266) أخرجه البخاري في المناقب ، باب صفة النبي ( ( 6/564 ) .
(267) المرجع السابق .
(268) المرجع السابق ( 6/565 ) .
(269) المرجع السابق .
(270) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب صفة النبي ( وأنه كان أحسن الناس وجهاً ( 4/1819 ) ط. فؤاد .
(271) المرجع السابق ، باب صفة فم النبي ( وعينيه وعقبيه ( 4/1820 ) ط. فؤاد .
(272) المرجع السابق ، باب كان النبي ( أبيض مليح الوجه ( 4/1820 ) ط. فؤاد .
(273) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب شيبة النبي ( ( 4/1823 ) ط. فؤاد .(1/260)
(274) انظر صحيح السيرة النبوية ( 1/189 - 193 ) .
(275) آخر خبر وقفت عليه عن الإيدز - وذلك بعد حوالي سنة من كتابة هذا البحث - ما نشرته جريدة السياسة الكويتية - هدى الله أصحابها - في العدد 7863 بتاريخ 27/11/1410هـ تحت عنوان ( الإيدز عام 2000 ) : قال عالم رائد في دراسة فيروس مرض نقص المناعة المكتسبة " إيدز " أن عدد ضحايا المرض هو ضعف العدد المعلن عنه رسمياً وأنه سيتضاعف عشرة أمثال خلال العشر سنوات القادمة ! وتحدد منظمة الأمم المتحدة للصحة العالمية عدد حالات المرضى المصابين بالإيدز حتى الآن بما يصل إلى 260000 حالة . ثم سمت الجريدة قائل ذلك وهو لوك مونتانييه الذي عزل الفيروس القاتل عام 1981 وبينت أنه صرح بذلك أول أمس .
(276) أخرجه البخاري في النكاح ، باب تزويج الثيبات ( 9/121 ) .
(277) نقلت كثيراً من هذه الردود بتصرف من الكتب الآتية : الرسول ( ( 1/170، 174 ) ، شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات الرسول ( ص ( 11-32 ) وانظر أيضاً : النبي محمد إنسان الإنسانية ونبي الأنبياء ص ( 339 ، 364 ) محمد المثل الكامل ص ( 270 - 278 ) ، تعدد الزوجات في الإسلام وحكمة التعدد في أزواج النبي ( ص ( 115-141 ) .
(278) أخرجه البخاري في التوحيد ، باب قول النبي ( : " لا شخص أغير من الله " ( 13/399 ) .
(279) أخرجه مسلم في التوبة ، باب غيرة الله وتحريم الفواحش ( 4/2114 ) ط. فؤاد .
(280) مجموع الفتاوى ( 9/39 ) .
(281) زاد المعاد ( 1/69 ) .
(282) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 107 والنبوة والأنبياء ص 11 .
(283) انظر الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة ص 5 .
(284) انظر الكشف عن وجوه القراءات ( 1/243 - 245 ) وانظر عقيدة ختم النبوة ص 14،15 .(1/261)
(285) أخرجه ابن إسحاق ( انظر السيرة 1/166 ) ومن طريقه الحاكم في المستدرك ( 2/600 ) ، والبيهقي في الدلائل ( 1/145 ) بإسناد صحيح عن خالد به . وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وسكت الذهبي . وقال ابن كثير : إسناد جيد قوي ( البداية والنهاية 2/275 ) وأرى أن فيه شيئاً من الإرسال قد بينته في صحيح السيرة ، ولكن للحديث شواهد كثيرة ، منها عن أبي أمامة وعن العرباض بن سارية .
(286) أخرجه أحمد ( 3/387 ) وقال الهيثمي بعد أن عزاه أيضاً لأبي يعلى والبزار : فيه مجالد بن سعيد ، ضعفه أحمد ويحيى بن سعيد ( انظر المجمع 1/173 ) ، ومجالد حديثه حسن في الشواهد ، والحديث هنا له شواهد ، منها عن عبد الله بن ثابت عند أحمد ، ومنها عن عمر ، ومنها عن إبراهيم النخعي مرسلاً ( انظر مرويات الإمام أحمد في التفسير ، سورة يوسف ، آية رقم 3 .
(287) استعنت في بعض هذه النقول بالكتب اآتية : محمد في الكتاب المقدس ، لعبد الأحد داود ( الأب سابقاً ) . والرسول ( لسعيد حوى . والمسيحية لأحمد شلبي ، والرسل والرسالات لعمر الأشقر .
(288) أخرجه أحمد في المسند رقم ( 5114 ، 5115 ، 5667 ) عن ابن عمر بإسناد حسن ، وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح ، وكذا قال الألباني .
(289) أخرجه البخاري في الجهاد ، باب التحريض على الرمي ( 6/91 ) وقد سبق ذكره كاملاً .
(290) انظر تفسير ابن كثير ( 6/382 ) .
(291) أخرجه البخاري في المناقب ، باب ما جاء في أسماء رسول الله ( ( 6/555 ) وانظر فتح الباري للشرح .
(292) أخرجه البخاري في البيوع ، باب كراهية السخب في الأسواق ( 4/342 -343 ) ، وحديث ابن سلام علقه بعده ، وقد وصله الدارمي في الموضع الآتي .
(293) أخرجه الدارمي ( 1/5 ) وإسناده إلى كعب صحيح .
(294) انظر إظهار الحق ( 2/295 ) .
(295) أخرجه البخاري في الإجارة ، باب الإجارة إلى نصف النهار ( 4/445 ) .(1/262)
(296) أخرجه مسلم في الجمعة ، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة ( 2/586 ) ط. فؤاد .
(297) الفصل في الملل والأهواء والنحل ( 1/207 ) .
(298) انظر إظهار الحق ( 2/282-287 ) ، وانظر أيضاً محمد في الكتاب المقدس ص 207-229 .
(299) انظر كتابيه النفيسين : محمد في الكتاب المقدس ( 147-165 ) ، والإنجيل والصليب ( 33-53 ) .
(300) المسيحية ص 69 .
(301) أخرجه ابن إسحاق ( السيرة 1/211 ) ومن طريقه البيهقي في الدلائل ( 2/75 ) وإسناده صحيح .
(302) أخرجه ابن إسحاق ( السيرة 1/212 ) ومن طريقه البيهقي في الدلائل ( 2/78 ) وإسناده صحيح .
(303) أخرجه ابن إسحاق ( السيرة 1/213 ) ومن طريقه البيهقي في الدلائل ( 2/80 ) وإسناده صحيح .
(304) انظر الجواب الصحيح ( 4/265 ) .
(305) أساس البلاغة ص 181 .
(306) أخرجه الحاكم في المستدرك ( 2/535 ) وعنه البيهقي في الدلائل ( 1/121 ) بإسناد حسن حيث إن له شواهد كثيرة ، منها ما عند عبد الرزاق في تفسيره برقم ( 3650 ) عن ابن عباس مختصراً ، وإسناده صحيح . ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 14/283 ) عن سعيد بن جبير مرسلاً ، وغير ذلك ؟ وقد تتبعتها في صحيح السيرة ( 1/268-270 ) .
(307) أخرجه الحاكم في المستدرك ( 2/601 ) وعنه البيهقي في الدلائل ( 1/108، 109 ) وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ا.هـ وإسناده حسن ، وله طريق آخر عند ابن سعد في الطبقات ( 1/160 ) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق ص 1/539 وإسناده حسن أيضاً . وقد حسنه الحافظ في الفتح . ( انظر محمد رسول الله ( 1/129 ) .
(308) انظر نتائج الأفهام في تقويم العرب قبل الإسلام ص 33 .
(309) أخرجه مسلم في الإيمان ، باب الإسراء برسول الله ( ( 2/216 ) المصرية .
(310) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب فضل نسب النبي ( وتسليم الحجر عليه قبل النبوة 4/1782 ط.فؤاد .
(311) أخرجه البخاري في بدء الوحي ( 1/22 ) .(1/263)
(312) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب كم أقام النبي ( بمكة والمدينة ( 4/1827 ) ط. فؤاد من حديث ابن عباس .
(313) ذكرت دليل في صحيح السيرة فليراجعه من شاء في المجلد الثاني .
(314) أخرجه البخاري في بدء الوحي ( 1/26 ) .
(315) انظر السيرة النبوية للذهبي ص 69 .
(316) أخرجه البخاري في التفسير ، سورة الضحى ، باب ( ما ودعك ربك وما قلى ) 8/710 ، وفي لفظة شيطانك نظر ، واختلفت الرواة ، وقد بينت ما فيها في صحيح السيرة .
(317) أخرجه البخاري في التفسير ، سورة الشعراء ( 8/501 ) .
(318) أخرجه البخاري في بدء الوحي ( 1/32 ، 33 ) .
(319) أخرجه البخاري في فضائل القرآن ، باب كيف نزل الوحي ( 9/3 ) .
(320) فتح الباري ( 9/6 ، 7 ) .
(321) فتح الباري ( 9/7 ) .
(322) هذا عبارة عن تلخيص لمعظم الفصل الثالث من كتاب إعجاز القرآن للباقلاني ص 51-72 ، وقد شرحها بالتفصيل في الفصل الرابع . وانظر أيضاً ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ، أولها بيان إعجاز القرآن للخطابي ص 27-28 ، والثانية النكت في إعجاز القرآن للرماني ص 75-109 ، وأما الثالثة وهي الرسالة الشافية للجرجاني فليست في بيان وجوه الإعجاز .
(323) انظر عجائب القرآن 73-83 وما قبل ذلك وما بعده .
(324) انظر أسرار ترتيب القرآن ص 66 ، وهي مقدمة المؤلف .
(325) البرهان في علوم القرآن ( 1/380 ، 431 ) .
(326) انظر كتاب معجزة الأرقام والترقيم في القرآن الكريم ص 27-67 وما قبل ذلك وما بعده . وانظر كتاب الإعجاز الطبي في القرآن الكريم ص 20-120 ، وكتاب الإعجاز الجيولوجي في القرآن .
(327) أخرجه أبو داود في السنة ، باب في لزوم السنة ( 4/200 ) وإسناده صحيح . وأخرجه أيضاً أحمد والدارمي والترمذي وابن ماجه ، وقال الألباني : سنده صحيح ( انظر المشكاة 1/58 ، صحيح الجامع رقم 2640 ) .
(328) انظر في أمثلة ذلك : كتاب الإعجاز الطبي في القرآن ص 141 - 169 ، الرسول ( ( 1/36-46 ، 122-142 ) .(1/264)
(329) دلائل النبوة ( 1/18 ، 19 ) ز
(330) انظر البداية والنهاية ( 6/65 ، 77 ) .
(331) أخرجه البخاري في التفسير ، باب ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) ( 8/617 ) .
(332) المرجع السابق .
(333) انظر البداية والنهاية ( 6/93-101 ) .
(334) أخرجه البخاري في المناقب ، باب علامات النبوة ( 6/586 ) .
(335) أخرجه البخاري في كتاب المناقب ، باب علامات النبوة ( 6/586 ) .
(336) أخرجه البخاري في كتاب المناقب ، باب علامات النبوة ( 6/601 ) .
(337) التفسير ( 6/423 ) .
(338) أخرجه البخاري في المناقب ، باب خاتم النبيين ( 6/558 ) ، ومسلم في الفضائل ، باب ذكر كونه ( خاتم النبيين ( 4/1790 ) ط. فؤاد .
(339) أخرجه مسلم في الفضائل ، باب ذكر كونه ( خاتم النبيين ( 4/1791 ) ط. فؤاد .
(340) أخرجه البخاري في المناقب ، باب ما جاء في أسماء رسول الله ( ( 6/554 ) ، ومسلم في الفضائل ، باب في أسمائه ( ( 4/1827 ) ط. فؤاد .
(341) أخرجه أحمد ( 3/267 ) ، والترمذي في الرؤيا ، باب ذهبت النبوة وبقيت المبشرات ، وإسناده حسن ، وقال الترمذي : صحيح غريب من حديث المختار بن فلفل .
(342) التفسير ( 6/425 - 426 ) .
(343) أخرجه البخاري في المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام ( 6/616 ) .
(344) أخرجه البخاري في التعبير ، باب النفخ في المنام ( 12/423 ) .
(345) انظر فتح الباري ) 6/617 ) .
(346) انظر الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة من 100-101 .
(347) انظر الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة ص 92 .
(348) انظر الموضوعات ( 1/279 ) .
(349) أخرجه البخاري في التفسير ، سورة الإسراء ، باب ( ذرية من حملنا مع نوح ) ( 8/396 ) .
(350) انظر عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية ص 10-303 .(1/265)
(351) أخرجه ابن جرير ( 1/63 ) وابن أبي حاتم ( 1/16 ) ، والحاكم ( 2/258 ) وحسنه أحمد شاكر ، وهو كما قال ، لا سيما وله شواهد عن سعيد بن جبير ومجاهد وغيرهما ، وله شاهد عن ابن عباس أيضاً أخرجه ابن أبي حاتم ( انظر تفسير ابن كثير 6/506 ) .
(352) التفسير ( 3/488 ) .
(353) أخرجه مسلم في الفتن ، باب ذكر ابن صياد ( 4/2241 ) ط. فؤاد عن أبي سعيد الخدري .
(354) التحرير والتنوير ( 9/1/139 ) .
(355) أخرجه البخاري في كتاب التيمم ( 1/435 ) .
(356) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ( 5/3 ) ط. المصرية .
(357) نفس المصدر السابق ( 5/5 ) .
(358) فتح الباري ( 1/436-437 ) .
(359) انظر مفاتيح الغيب ( 15/27 ) .
(360) انظر البداية والنهاية ( 1/140 ) ، وبحث في سيرة إبراهيم الخليل ص 41، 54 .
(361) انظر البداية والنهاية ( 1/176 ) .
(362) انظر تفسير ابن كثير ( 6/168 ) .
(363) مفردات القرآن ص 418-419 .
(364) شرح النووي على صحيح مسلم ( 5/5 ) .
(365) انظر الخصائص الكبرى ( 1/4-6 ) ، والحديث أخرجه الحاكم ( 2/608 ) عن ميسرة بإسناد صحيح .
(366) انظر تزيين الأرائك في إرسال النبي ( إلى الملائك ( الحاوي للفتاوي ص 317 ، 327 ) .
(367) أخرجه البخاري في التفسير ، سورة الأعراف ، باب ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ) ( 8/303 ) .
(368) أخرجه مسلم في الإيمان ، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ( ( 1/93 ) .
(369) الإحكام في أصول الأحكام ( 1/108 ) .
(370) أخرجه البخاري في التفسير ، سورة الأحزاب ، باب قوله تعالى ( لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم .. ) 8/528 .
(371) الإحكام ( 1/110 ) .
(372) أخرجه البخاري في بدء الوحي إلى رسول الله ( ( 1/29 ) .
(373) أخرجه أحمد رقم ( 3599 ، 3697 ، 3845 ، 3864 ، 3906 ، 3218 ، 4330 ) وهذا لفظه ، وهو صحيح ، وقد صححه أحمد شاكر .
(374) انظر رسم المصحف ص 96 .(1/266)
(375) أخرجه مسلم في الزهد والرقائق ، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم ( 4/2298 - 2299 ) ط. فؤاد .
(376) أخرجه البخاري في فضائل القرآن ، باب كاتب النبي ( ( 9/22 ) .
(377) انظر رسم المصحف ص 98 .
(378) انظر رسم المصحف ص 99 .
(379) أخرجه البخاري في فضائل القرآن ، باب جمع القرآن ( 9/10 ) .
(380) انظر رسم المصحف ص 117-119 ، وأصل الرواية عند البخاري مدرجة في آخر قصة جمع عثمان ، والصواب أنها في جمع أبي بكر .
(381) انظر فتح الباري ( 9/14-15 ) .
(382) أخرجه البخاري في فضائل القرآن ، باب جمع القرآن ( 9/11 ) .
(383) انظر رسم المصحف ص 235-461 ، 463-609 ، ورسم المصحف والاحتجاج به في القراءات ص 9-13 ، ودليل الحيران ص 37-40 ، 320-323 .
(384) انظر غاية النهاية ( 2/408 ) .
(385) الجزرية ( انظر أمهات متون علوم التجويد ص 5 ) ، وانظر القول المفيد في وجوب التجويد ص 10-36 .
(386) انظر الإتقان في علوم القرآن ( 1/9 ) .
(387) أخرجه البخاري في العلم ، باب كتابة العلم ( 1/205 ) .
(388) أخرجه البخاري في العلم ، باب حفظ العلم ( 1/213 ) .
(389) أخرجه البخاري في العلم ، باب حفظ العلم ( 1/215 ) .
(390) أخرجه البخاري في العلم ، باب الحرص على الحديث ( 1/193 ) .
(391) انظر الرسالة المذكورة في آخر جوامع السير ص 275-315 .
(392) انظر تذكرة الحفاظ ص 2-44 .
(393) انظر تقييد العلم ص 72-98 .
(394) انظر تذكرة الحفاظ ( 1/48 ) .
(395) انظر تقييد العلم ( 101-113 ) .
(396) انظر معجم طبقات الحفاظ والمفسرين ص 42 ، 55 .
(397) انظر الباعث الحثيث ص 25 ، وأصول التخريج ودراسة الأسانيد ص 135 ، 136 .
(398) انظر الباعث الحثيث ص 17 .
(399) انظر نخبة الفكر ( 18-26 ) وتيسير مصطلح الحديث ( 18-31 ) .
(400) الجامع لأحكام القرآن ( 10/228 ) .
(401) الرسالة ص 20 .
(402) في ظلال القرآن ( 2/842 - 843 ) .(1/267)
(403) أخرجه البخاري في اللباس ، باب المتنمصات ( 10/377 ) .
(404) انظر لهذا المبحث كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية ص 130-142 .
(405) نظام الحياة في الإسلام ص 36-37 .
(406) أخرجه البخاري في النكاح ، باب الترغيب في النكاح ( 9/104 ) .
(407) أخرجه مسلم في الطهارة ، باب الاستجمار بالأحجار ( 1/154 ) .
(408) انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ( 1/19 ، 20 ) وما بين القوسين يقتضيه السياق .
(409) انظر كتاب دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين ص 7-18 ، وهي مقدمة الطبعة الأولى .
(410) يلاحظ أن للغزالي كتابات فيها الكثير من مجانبة الصواب ، وقد رد عليه جماعة من أهل العلم ، وعلى الرغم من ذلك فإن له صوابه وعليه خطؤه ، ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق .
(411) فصل الخطاب ص 52 ، 53 .
(412) جزء من حديث أخرجه مسلم في الإيمان ، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه 1/106 ط. فؤاد .
(413) استفدت هذه النقول من كتاب الإسلام والرسول في نظر منصفي الشرق والغرب ص 129-197 ، والأبطال ص 53-96 ، ومحمد الرسول البشر ص 120-121 .
??
??
??
??
10(1/268)