الإرشاد النفسي: خطواته وكيفيته نموذج إسلامي
د. عبدالعزيز بن محمد النغيمشي
تقديم وتعريف:
التوجيه أو الإرشاد النفسي عملية تتضمن مجموعة من الخدمات التي تقدّم للأفراد لمساعدتهم على فهم أنفسهم، وإدراك مشكلاتهم، والإنتفاع بقدراتهم في التغلب على هذه المشكلات وفي تحقيق أقصى ما يستطيعون الوصول إليه من نمو وتكامل في شخصياتهم[1].
وهذه العملية بهذا الوصف الذي يجمع بين معظم التعريفات الواردة عن الإرشاد كمصطلح حديث عملية ليست جديدة، وليست سهلة أما عدم جدتها فلأننا نعتقد أن المنهج الرباني المتمثل بالإسلام – بصفته ديناً شاملاً – قد تضمن عملية الإرشاد والتوجيه وأصلها وفرعها، فالقرآن كتاب هداية وإرشاد، والسنة والسيرة تفصيل وتطبيق لذلك، وأما عدم سهولتها فلأن عملية الإرشاد المذكورة تحتاج إلى علم وقدرة ومهارة في آن واحد.
وفي هذا البحث المختصر لن نتناول تفصيلات موضوع الإرشاد والخلفيات النظرية المتعددة له، ولن نتعرض إلى المدارس المختلفة في النظر والتطبيق في ميدان الإرشاد النفسي، إنما نعرض صورة إجمالية لعملية الإرشاد تتضمن بعض الشروط والأساليب وبعض النظرات والحقائق الأساسية في عملية الإرشاد مما تفتقده عملية الإرشاد في البيئة الإسلامية الحالية.
هذا البحث يجيب على السؤال الآتي:
س: كيف تتم عملية إرشاد الفرد في ظل المنهج الإسلامي؟(1/1)
وإجابة هذا السؤال تتضمن مراحل متلاحقة من حيث الزمن والإجراء ينبغي أن تشتمل عليها العملية الإرشادية، وأن تكون هذه المراحل واضحة لمن يقومون بالإرشاد النفسي كخطوات منطقية لكل عملية تتضمن علاقة إنسانية تقصد التأثير بالإتجاه الإيجابي، وهذه المراحل لا يتصور الانفصال بينها إلا في الإطار النظري بل هي مراحل متداخلة يخدم بعضها بعضاً، وفي شكل (1) ما يوضح هذه المراحل المتتابعة للعملية الإرشادية، ولأن الإرشاد يعد عملية، وليس أدباً أو وعظاً أو فلسفة، ولكي ننحو منحى عملياً ربطنا هذا النموذج بمرحلة معينة من مراحل النمو ليتم التمثيل والتوضيح واستعملنا مرحلة الشباب لأهميتها.
الواجبات قبل الإرشاد
الأهداف:
تجتمع مقاصد الإرشاد في استثمار طاقات الشباب الذاتية والتهيئة لبناء أو تعديل فكرهم وسلوكهم. وتوجيه اهتماماتهم، ورفع مستوى الإستجابة الداخلية للتهذيب النفسي والخلقي ويمكن أن تفصل بعض هذه الأهداف بما يأتي:
1- الكشف عن الحاجات الحقيقية لدى الشباب والمشكلات التي يتعرضون لها.
2- مساعدة الشباب على فهم أنفسهم في مراحل النمو المختلفة، والوصول بنمو الشباب إلى أحسن مستوياته.
3- إمداد الشباب بمجموعة من الخدمات مثل: التعريف بالوسط التعليمي وبكيفيات بناء العلاقات الأسرية والإِجتماعية والطلابية، وبالإِرشاد النفسي والمساعدة على وضع الأهداف الدراسية والمهنية[2].
4- اكتشاف واستخدام الوسائل الإِرشادية المختلفة التي تدعم العملية التعليمية وتؤدي إلى الشوق والشغف بها[3].
5- المساعدة على حل المشكلات النفسية والتعليمية التي يواجهها الشاب في الوسط التربوي.(1/2)
وهذه الأهداف عامة للإرشاد والتوجيه، ولابد عند القيام بالإِرشاد النفسي من تحديد الأهداف الخاصة للحالة المراد علاجها، وللعملية التوجيهية التي سيقوم بها المرشد على نطاق فردي أو جماعي أو داخل الوسط التعليمي، فإذا كانت الحالة مثلاً هي إخفاق طالب في دراسته أو تخلفه عن زملائه، فيجب وضع أهداف محددة للعملية الإرشادية التي سيقوم بها الموجه لعلاج هذه المشكلة بالنسبة لهذا الطالب.
والإرشاد بهذه الأهداف يمثل جزءاً من مهمة الداعية في الإسلام. والإسلام منهج شامل للحياة ييسر للناس السعادة والسواء والصحة النفسية، ويرشد المرشدين إلى الطريق الأمثل لتحقيق الذات، ونمو الشخصية، وترقي النفس في مدارج الكمال الإنساني.
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ"[4].
"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ"[5].
والقرآن يعالج ويرشد الإِنسان بطرق مختلفة، فتارة بطريق القدوة، وتارة بالإِستدلال العقلي وتارة بمخاطبة الوجدان بالموعظة والعبرة وتارة بغير ذلك.
فالطريقة الاقتدائية مثل قوله تعالى:
"فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُريَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُوَن مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ"[6].
والطريقة الاستدلالية مثل قوله تعالى:
"ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ"[7].
والطريقة الوعظية مثل قوله تعالى:(1/3)
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ"[8].
وكأن من مقاصد القرآن استخدام الأساليب المتنوعة في الإِرشاد وتنبيه المرشدين لذلك مع أن الهدف واحد وهو معالجة النفس البشرية وتزكيتها في المواقف المختلفة.
معرفة المسترشد
ثم لابد من معرفة الشاب الذي هو موضوع الإرشاد، وهذه المعرفة تأخذ اتجاهين:
معرفة حال الشاب عامة في هذه المرحلة ((مرحلة الشباب)).
2 – معرفة حال الشاب الخاص الذي سيتم إرشاده، صفاته وتاريخه وظروفه، وتاريخ الحالة.. إلخ.
والأمر الأول يتم الاستعداد له من قبل المرشد منذ أن كوّن شقافته حول الإِرشاد فهو لابد أن يكون قد أطلع على الثقافة المتخصصة في هذا الميدان في فروع علم النفس والتربية والإِجتماع من جانب، والسيرة والتاريخ والثقافة الإِسلامية وما يلزم من معلومات شرعية من جانب آخر.
وأما الأمر الثاني فلابد من إلمام المرشد الداعية بالأساليب والطرق والكيفيات التي توصله إلى معلومات شرعية من جانب آخر.
وأما الأمر الثاني فلابد من إلمام المرشد الداعية بالأساليب والطرق والكيفيات التي توصله إلى معلومات كافية وصحيحة عن الحالة، وإلى تفسير هذه المعلومات وتحليلها من أجل إعطاء إرشاد مناسب للحالة.
ويتناول هذا البحث الجوانب التي ينبغي الإِشارة إليها حول الثقافة الإسلامية والتخصصية في مجال معرفة الشباب.
1 – تحديد فترة الشباب:(1/4)
ليس هناك قول حاسم وواحد في تحديد سن البلوغ أو سن الشباب عند علماء الإسلام، فبعض الفقهاء يقرر أن الحد الأدنى للبلوغ يقع في بداية العاشرة والأعلى بالثامنة عشرة، كما هو قول أبي حنيفة (رحمه الله)، ويتفق الجمهور وفيهم أحمد والشافعي على أن سن خمسة عشر يعد هو حد البلوغ على ما في حديث ابن عمر عندما عرض على رسول الله r وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم لما عرض يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة أجازة، وقد جعل هذا عمر بن عبدالعزيز حداً بين الصغار والكبار[9].
ويستدل أيضاً على البلوغ بالتغيرات الخارجية مثل نبات شعر العانة، ويترتب عليه تحمل المسئولية، كما ورد في استعراض بني قريظة لمعرفة صبيانهم من رجالهم.
((عن عطيه القرظي، قال: كنت في سبى بني قريظة فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت[10].
أما سن الأشد فقد ورد في قول الله تعالى:
"حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نَعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ"[11].
وحدد ابن عباس بداية الأشد بثمان عشرة، وفسر الأشد ببلوغ مرحلة النكاح[12] قال تعالى: "وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ"[13].(1/5)
والمتخصصون المحدثون في علم النفس ليس لديهم تحديد قاطع لفترة المراهقة والشباب، فهناك وجهات نظر مختلفة ذلك أن التغيرات التي تحدث فيهما تتم في مدة تتراوح ما بين تسع سنوات وخمس عشرة سنة ويختلف الأطفال فيما بينهم في السن التي يبدأون فيها بالدخول في مرحلة المراهقة، ويرى – مثلاً – الدكتور سعد جلال أن فترة المراهقة والشباب تقع بين سن العاشرة إلى سن الثلاثين، ويقسمها إلى ثلاث فترات، فترة ما قبل الحلم، وفترة الفتوّة وهي تقابل في نظره المراهقة، وتمتد إلى سن الواحدة والعشرين، وفترة الرشد إلى سن الثلاثين.
ويشير سعد جلال إلى أن سن الشباب يبدأ من البلوغ إلى سن الثلاثين[14].
ويرى عمر الشيباني أن بداية مرحلة الشباب ونهايتها يمتد من سن الثانية عشرة إلى سن الخامسة والعشرين بالنسبة للغالبية من أبناء المدن، الذين ساروا سيراً طبيعياً في نموهم وتعليمهم وهو يرى أنهما بهذا التحديد تتقابل مع مراحل التعليم في البلاد العربية المتوسطة والثانوية والجامعية، أي أن طلاب كل هذه المدارس يعتبرون من الشباب ومعنيون ببرامج الشباب[15].
وقد أخذ مؤتمر وزراء الشباب العرب عام 1969م بوجهة النظر القائلة بأن فترة الشباب تقع بين سن الخامسة عشرة والخامسة والعشرين[16].
ومن هذه الآراء المتعددة يمكن الخلوص إلى أن هناك فترة يتفق عليها المختصون، تلك الفترة هي الواقعة ما بين (15 إلى 25)، وهذه الفترة مشتملة في سن الشباب أو الأشد عند علماء الإسلام، حيث تكون بداية بلوغ القوة البدنية والإِدراكية والمعرفية، وهؤلاء هم الذين خاطبهم الرسول r في حديث "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"[17].
2 – الاطلاع على تاريخ الشبان:(1/6)
أول ما ينبغي على مرشد الشباب – بهذا التحديد المذكور آنفاً – الإِطلاع على التاريخ الشبابي من خلال قصص القرآن وسيرة الرسول r والصحابة وشباب الإِسلام ليكوّن رصيداً للنموذج السوي المتزن من الشباب وليكوّن نبراساً عملياً لوقاية الشباب وإرشادهم.
وما لم يكن المرشد مطلعاً على أحوال فتوة الأنبياء وفتوة الرسول r وفتوة الأجيال الأولى من شباب المسلمين عندما كان المسلمون في أوج مجدهم وقوتهم وفي أعلى المستويات من الإِستقامة وممارسة دور الهداية والإِرشاد للمجتمعات، ما لم يكن كذلك فهذا أول نقص في ثقافة المرشد عن الشباب وأحوالهم، ونحن نعلم أن العصبة المؤمنة التي تركزت في دار الأرقم في مكة – وعلى يديها تحقق نصر الإِسلام – كان أكثرهم شباباً، فعمر رضي الله عنه كان عمر سبعاً وعشرين، وعثمان كان عمره قرابة الثلاثين، وعلي رضي الله عنه كان أصغر من أسلم من الصبيان وهكذا كان عبدالله بن مسعود، وعبدالرحمن بن عوف، والأرقم بن أبي الأرقم وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير، وبلال بن رباح، وعمّار بن يسار، وعشرات غيرهم.. بل مئات.. كلهم كانوا شباباً[18].
والإِطلاع على شباب هؤلاء الشباب وكيف تعاملوا مع أنفسهم، وكيف أدوا أدوارهم وأشبعوا حاجاتهم ومطالبهم العضوية والنفسية والإِجتماعية، وكيف تم إرشادهم بالمنهج الرباني عموماً وعلى يدي النبي r خصوصاً. وكذلك إرشاد بعضهم لبعض، الإِطلاع على هذا يعد خلفية ضرورية توجيه إرشاد أبناء المسلمين. والنماذج العلمية في هذا كثيرة لا تحصى نشير إلى بعضها[19].
أبو بكر: (دورة في الدعوة والإِرشاد، موقفه في الإِسراء والمعراج، مواقفه في الهجرة، أمثلة صدقه وتصديقه).
علي بن أبي طالب: (دوره في الهجرة، قصته في إسلام أبي ذر، دوره القيادي، مشاركته في المعارك والمسئووليات).
مصعب بن عمير: (موقفه من الجاهلية أول إسلامه، دوره في التعليم والإِرشاد، مشاركته في المعارك، استشهاده).(1/7)
3 – إدراك طبيعة الشباب واستعداداتهم:
ويجب أن يلم المرشد بطبيعة هذه المرحلة (المراهقة والشباب)، ومن ذلك علمه بهشاشة البناء الفكري ورقة العاطفة والوجدان، والاستعداد للإِستقامة أو الإِنحراف، وأن سهولة إنحراف الشباب وصعوبة سيطرتهم على غرائزهم أمر متوقع، ومن ثم هناك حاجة ماسة للإِرشاد إلى المجاهدة والصبر[20] اللذين يؤديان إلى الشعور بالنجاح والإِنتظار على الضعف والشهوات والمغريات. وقد ورد في الأثر ((عجب ربكم من شاب ليست له صبوة)) كما دلت النصوص على عظم شأن المجاهدة التي يمارسها الشاب مع نفسه، ومن ذلك حديث "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.." ويذكر منهم "شاب نشأ في عبادة ربه"[21] لما يتميز به الشاب من غرائز عنيفة وحاجات ملحة تطلب الإِشباع السريع، وقد ضرب الله المثل بقصة يوسف الشاب وانتصاراته المذهلة على الرغبات النفسية والبيئية والنوازع البشرية الأرضية، قال تعالى: "قَالَتْ فَذَالِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ"[22].(1/8)
والإِطلاع أيضاً على الدراسات التي تبين هذا النزوع وتلك الطبيعة وبروزها في مرحلة الشباب ضروري للمرشد، الذي يريد أن يتعامل مع الواقع، وقد دلت الدراسات[23] على أن الصراع النفسي يحدث في هذه المرحلة بكثرة، ففي الدراسة التي أجراها كونكلين على عينة من طلبة المدارس الثانوية، وجد أن 26% منهم يمارسون ((ذاتين)) مختلفتين في وقت واحد، والتقارير والبحوث التي تتحدث عن أنسب مراحل العمر لظهور الفصام ذات دلالة في هذا الصدد، فقد ذكر ستركير (E.A. Srecker) في بحث له أن حوالي 70% من حالات المرض تحدث بين الخامسة عشرة والثلاثين، وذكر ترد قولد (A.F. Tred Gold) أن مما له دلالة فعلاً أن ما لا يقل عن 75% من الحالات تبدأ بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين ويشير مصطفى سويف إلى أن الإحصائية المستخلصة من سجلات الإِستقبال بمستشفى الأمراض العقلية بالعباسية في مصر تبين أن حوالي 67% من الفصاميين تتراوح أعمارهم بين 16، و25 سنة[24].
4 – الاستعداد المعرفي للاسترشاد:
ثم لابد من العلم بالاستعداد المعرفي للاسترشاد عند الشباب ومعرفة موقف الشباب من الكبار والنظرة التي من خلالها يحكم الشاب على من هم أكبر منهم، ووجود أو إنعدام الجسور بين الطرفين، وهذه المعلومة ضرورية للمرشد الذي يريد أن يصل إلى عقول الشباب، ويخاطب وجدانهم، في هدايتهم وحل مشكلاتهم، وفي هذا المجال يدّعى الشباب وخصوصاً في المراهقة أن الراشدين لم يعودوا يفهمونهم ويدركون ظروفهم، ومشكلاتهم، ويؤيد ذلك بحوث عديدة منها بحث أجرى في تركيا وزع فيه استخبار على 3000 من المراهقين وكان من بين الأسئلة: (هل تظن أن الكبار يفهمونك على حقيقتك؟) فكانت النتيجة أن معظم المراهقين الذين تزيد أعمارهم على 14 سنة أجابوا بالنفي[25].(1/9)
ولعل إنصراف المراهقين والشباب إلى الفئات من العمر نفسه، وقرب بعضهم من بعض يدل على وجود الشعور بالتفاهم بينهم، حيث يرى المراهق أن صديقه فقط هو القادر على فهمه، ومن ثم فإنه يكون هو مصدر الاستشارة والتأييد والتوجيه. على أن هذه النزعة إلى الأعراض عن الراشدين، وعدم استشارتهم تخف ويبدأ الشاب بعد المراهقة أو في نهايتها يعود أدراجه ليستأنس برأي الكبار، ويطلب التفاهم معهم، والنصيحة منهم، وقد أشارت بعض الدراسات إلى ذلك فقد دلت دراسة قام بها الباحث على عينة من (1560) طالباً وطالبة من المدارس الثانوية بمدينة الرياض على أن الطلاب في عمر (16، 17، 18) ((وهو وسط المراهقة)) أقل توجهاً إلى الأساتذة، بينما الشباب في عمر (20، 21، 22 وما فوق)[26] يكثر توجههم إلى الكبار للاسترشاد والاستشارة. وفي دراسة لكيورتز Curtis على عينة حجمها (9056) مراهق استنتج منها أن الإِعجاب والإِقبال على آراء الكبار يضعف في سني المراهقة الأولى، كما أن الإِعجاب بآراء الأصدقاء أو الزملاء يكون محدوداً في نهاية المراهقة بخلاف الحال في السنوات الأولى للمراهقة[27].
ويرى عدد من الباحثين ضرورة حساب هذه الاتجاهات عند التعامل مع الشباب، ومحاولة بناء صداقة وأخوة يتم من خلالها ممارسة الإرشاد والنصيحة، وأن يحاول المرشد إزالة الحواجز والعقبات التي يرى المراهقون والشباب وجودها بينهم وبين الكبار، وذلك بفهمهم وتقدير حاجاتهم ومطالب نموهم مع المحافظة على صفة الاستاذية في الفكر والسلوك، والتي تهئ للاقتداء والقناعة بطلب المشورة من قبل الشباب.
5 – مطالب النمو في مرحلة الشباب:(1/10)
معرفة مطالب النمو لدى الشباب وحاجاتهم النفسية كالحاجة إلى الأمن والرفقة والتقدير والنجاح والمكانة الاجتماعية وغير ذلك مما هو مفصل في كتب علم النفس والتربية، وقد أشار المتخصصون في هذا المجال إلى قوائم بالحاجات المهمة للشباب[28] منها ما ينطبق على الشباب عموماً ومنها ما لا ينطبق إلا على بيئات معينة، ولا ينطبق على البيئة الإِسلامية. وللشباب في المنهج الإسلامي حاجات أخرى تضاف إلى قوائم الحاجات، كالحاجة إلى الهداية، وإلى السكن النفسي المتمثل بالزواج المبكر، والحاجة إلى التوبة من ثقل الخطايا والذنوب.
قال تعالى:
"مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا"[29].
وقال تعالى:
"وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا"[30].
وقال تعالى:
"وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ"[31].
التهيئة للإِرشاد ((القابلية))
والقابلية تعني استعداد المرء للاستشارة والاسترشاد وذلك بزوال العوائق التي يمكن أن تقف حائلاً بين الإِنسان وبين الإِستفادة، والإِقتناع بالنصيحة وبوجوب الأسباب والدواعي التي تدفعه وتحثه على سماعها وتطبيقها وهذه الهيئات للإِرشاد، والمتمثلة في وجود الدواعي وإرتفاع العوائق تدور في ثلاثة محاور:
1- في صفات المرشد.
2- في مصادر التلقي عند المسترشد.
3- في الاستعداد النفسي للإِسترشاد.
في صفات المرشد:
فأما صفات المرشد فلابد أن يتوفر فيه ما يأتي:
1 – الصدق والإِخلاص: حيث تمثل صفة الإِخلاص حجر الأساس الذي يتكئ عليه الممارس للأعمال الإِرشادية والدعوية، وفقد هذه الصفة يمثل أول عائق في طريق الإرشاد.
"فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا"[32].(1/11)
2 – القدوة فالشباب الذي يرى المرشد يؤجل ويهمل لا يمكن أن يتعلم منه النظام والجدية، والمراهق الذي يرد المرشد يدخن ويكذب ويسرق من عمله ولا يصلي لا يمكن أن يتعلم ترك التدخين والصدق والأمانة والمحافظة على الصلاة، والشاب الذي يرى المرشد مضطرب النفس سئ الخلق، لا يمكن أن يسترشد به في صحة النفس وحسن الخلق. ذلك أن فاقد الشئ لا يعطيه، وسلوك المرشد في هذه الحال يمثل عائقاً دون الاسترشاد بتوجيهاته مهما كانت المحاولة وإمكانات التخصص.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونْ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ"[33].
"أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ"[34].
وقد أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاعلية هذه الخصلة حين كان يجمع أهل بيته فيقول لهم: ((إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم، كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلا أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء فليتأخر[35] وهكذا فإن قوة الفعل تواكب قوة القول من حيث التأثير، لا سيما في مواطن الإِرشاد والعلاج والتربية، وقد كان عمر – بهذا السبب – فأمر الناس وينهاهم فلا يتأخر أحد عن السمع والطاعة والإِستجابة.
ومن المعلوم لدى المربين والمرشدين أن التعلم بالملاحظة (أي الاقتداء) أحد النماذج المهمة والمؤثرة والتي تفرض نفسها في الواقع، وقد أثبت جدواها في التغيير، وقد بينت دراسات عديدة، أن التلاميذ يتأثرون بسلوك معلميهم وتصرفاتهم، أكثر من تأثرهم بأقوالهم ونصائحهم فالمعلم المستجيب والمتعاون والايثاري والودود.. إلخ يزود طلابه بأنماط سلوكية هامة تسعى التربية إلى تكوينها جاهدة عن الأجيال[36].(1/12)
إن التربية والإِرشاد بالقدوة الصالحة هي العماد في تقويم الإِعوجاج، وهي الباب إلى ترقية الشباب نحو الفضائل والمكرمات النبيلة والأساليب الصحيحة الحميدة.
3 – العلم: فالمرشد ينبغي أن يكون عالماً بأصول الإِرشاد والتوجيه سواء ما كان من المصادر الشرعية، أو من المراجع المتخصصة الحديثة. وكون المرشد يعرف بقلة العلم، وضحالة الإِطلاع، وإنعدام متابعة المعلومات يؤدي بالشباب إلى الإِعراض عنه، والزهادة بما عنده، فلا يقصدونه لتوجيههم وحل مشكلاتهم وحال هذا المرشد كحال من قال فيه الشاعر.
أما ذوو الجهل فارغب عن مجالسهم
((قد ضل من كانت العميان تهديه))
والعلم يمهد لقبول المرشد والأخذ برأيه والعناية بنصحه:
"قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ"[37].
4 – توفر القدرات والوسائل: وهذا جانب مكمل للعلم، فإن العلم وحده لا يكفي لإِحداث التغيير بل لابد من القدرات ووسائل التغيير، سواء كانت هذه القدرات قدرات شخصية ونفسية أو قدرات مادية وإدارية. ولذلك فإن عملية الإِرشاد قد تعاق أو تتعثر لا لفقد العلم أو الإِخلاص أو القدوة في المرشد، وإنما لفقد القدرة والإِمكانية.
في مصادر التلقي عند المسترشد:
وأما مصادر التلقي عند المسترشد وهو المحور الثاني للتهيئة فمن المعلوم أن هناك عوائق كثيرة تحول دون وصول الإِرشاد إلى مستحقه تتمثل في جهات التحكم، ومصادر التوجيه للشاب، فهو ينتمي إلى أسرة وإلى صحبة، وهو يتلقى من وسائل الإِعلام، ومؤسسات المجتمع المختلفة. كل هذه مصادر للتلقي إما أن تهئ للإِرشاد وإما أن تعوقه، ونوضح هذا الجانب بمثالين:
1 – المثال الأول:(1/13)
من الأسرة كمؤثر مهم في سلوك الشاب وفكره، حيث أن الأسرة[38] تعتبر المحضن الأول الذي يتفاعل معه الفرد منذ البداية الأولى لحياته، وهي إما أن تكون مساعدة للفرد على إشباع حاجاته الجسمية والنفسية الأساسية، وعلى تحقيق نموه المتكامل إذا كانت العلاقة به تقوم على أسس سليمة، أو تكون معرقلة لإِشباع حاجات الفرد، ومثبطة لهمته ومطامحه وغير مبالية بدوره ومستقبله، ومن ثم تحول بين الإِرشاد وبين الشباب بصورة مباشرة أو غير مباشرة. المباشرة تكون بعدم الإِهتمام بإرشاد الشباب وتوجيهه وإشغاله عن ذلك أو الحيلولة بينه وبين جهات الإِرشاد والتوجيه، بدلاً من توثيقها وحث الشباب على السماع منها واستثمارها. وغير المباشرة تكون بالرصيد التراكمي من سوء المعاملة للشباب أثناء طفولته ومراهقته وتقييد حريته ومعاملته كطفل صغير، والتسلط عليه بطريقة لا تسمح بتنمية روح المبادأة والمشورة ومناقشة الآراء.
وهذا ينعكس على استعدادات الشاب للإِسترشاد والإِستعانة بآراء الآخرين ومناقشتهم للوصول إلى أفضل الطرق لسلامة النمو، وحل المشكلات التعليمية والنفسية.
إن إيجاد الذهنية القابلة للنصيحة المبنية على الاقتناع الفكري بضرورة المداولة والمحاورة في مشكلات الشاب وقضاياه أمر لابد منه، إذا كانت الأسرة قد أفسدت الذهنية وأفقدتها القابلية.
2 – والمثال الثاني:(1/14)
هو الأعلام كمصدر مهم من مصادر التلقي، والتي يتم عبرها تلقي عشرات الأنواع من ثقافة الوسيلة وثقافة الغاية ومن منابع مختلفة، ومصدر التلقي هذا مصدر جماهيري يمارس دور التوجيه والإِرشاد بطريقته الخاصة، والباحث في تأثير وسائل الأعلام الجماهيرية على الشباب توجيهاً وإرشاداً، عليه أن يمعن النظر في التأثير بعيد المدى الذي يمكن لهذه الوسائل أن تحدثه في عقليات الشباب ونفسياتهم، وسلوكهم الإجتماعي، وأن يأخذ في حسبانه البعد التراكمي للوسائل الإعلامية التي يتلقاها الشباب في مختلف مراحل حياتهم وخصوصاً في مرحلة الصبوة والمراهقة والفتوة.
((إن رسالة واحدة تهدف إلى تغيير موقف ما أو تحوير سلوك إجتماعي معين، قد لا يكون لها أثر مباشر وسريع على نفسيات الشباب... ولكن تراكم عدد كبير من الرسائل الإعلامية بطرق مشوقة وجذابة وعبر مدى زمني ممتد وهي تركز على موقف معين أو تبشر بسلوك محدد قد يكسب ذلك الموقف أو السلوك شرعية إجتماعية ويكسر الحواجز النفسية بين الجمهور وبين ذلك الموقف أو السلوك المعتاد عليه ويتقبله واقعاً معترفاً به))[39].
وهذا يبدي صعوبة إيصال الإِرشاد إلى الشاب الذي يتلقى من هذه الوسائل بمحتوياتها المعاصرة والتي يظهر عليها الإِنحراف مما ينعكس على واقع الشباب الخلقي التأثر بالإِرشاد، وقد بين الله في القرآن أثر التراكم على القلب وتكوينه للحجب والموانع التي تحول بينه وبين التأثر بالموعظة والإِحساس بالمصيبة، والشعور بالوازع أو الدافع إلى الخير وطلبه قال تعالى:
"إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ، كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ"[40].(1/15)
أي غطى على قلوبهم ما كانوا يكسبون من الإثم والمعصية، والقلب الذي يعتاد على المعصية ينطمس ويظلم، ويرين عليه غطاء كثيف يحجب النور عنه ويحجبه عن النور، ويفقده الحساسية شيئاً فشيئاً حتى يتبلد ويموت[41].. ومما يؤسف له ويزيد الأمر سوءاً أن معظم الناس يعلمون هذه الخطورة لوسائل الإعلام ولكنهم رغم ذلك لا يهتمون بتصحيح أوضاعهم، وتحصين نفوسهم، والعمل على حجب أو تخفيف هذه الآثار المتراكمة، ففي دراسة قام بها الدكتور عبدالرحمن عيسوي على الآثار النفسية والإجتماعية للتلفزيون وجد أن التلفزيون يضر أكثر مما ينفع عند الغالبية من أفراد المجتمع، حيث ان 72% من العينة الإحصائية قالت أن ضرره أكثر من نفعه[42].
في الاستعداد النفسي للاسترشاد:
المحور الثالث للتهيئة ويتمثل في الاستعداد النفسي للإسترشاد وهذا الجانب يتعلق بصاحب القضية أو المشكلة، وهو الطالب – هنا – والحديث في هذا الموضوع من ألصق الأمور بموضوع الإرشاد، فإن صاحب المشكلة هو موضوع الإرشاد ومقصوده، وكما أنه لابد من استعداد الطالب النفسي للتعلم، فإنه لابد من استعداد الطالب للإسترشاد، ولهذا جعل بعض[43] المخططين لتعليم القيم والأخلاق مرحلة قبلية لابد من توفرها سموها: (الاستقبال)، وهو أول مراحل هذا التعلم، إذ أن الإستعداد النفسي والإنتباه الإختياري لسماع الإرشاد والنظر فيه أول خطوة، ولا يتم ما بعدها إلا بها، وفي بعض الأحيان يواجه المربون الصعوبات والعقبات في سبيل تحقيق هذا المستوى الضروري للتربية.
قال تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ"[44].
وقال تعالى: "فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ، وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي ءَاذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ"[45].(1/16)
ويتركز إهتمام المرشد في هذه المرحلة التي هي نهاية عملية التهيئة وبداية عملية الإرشاد على جلب إنتباه الطالب إلى أهمية الإرشاد وإيجاد الرغبة لديه في الإستقبال والسماع.
الإرشاد
عملية الإرشاد ومفهومها:
إن عملية الإرشاد هي: ((عملية تعليمية تساعد الفرد على أن يفهم نفسه بالتعرف على الجوانب الكلية المشكلة لشخصيته، حتى يتمكن من إتخاذ قراراته بنفسه، وحل مشكلاته بموضوعية مجردة، مما يسهم في نموه الشخصي والإجتماعي والتربوي والمهني))[46] ويتم ذلك خلال علاقة تعاونية بينه وبين المرشد النفسي.
وهذا القالب لعملية الإرشاد والذي يتفق عليه المنظرون للإرشاد النفسي مع إختلاف الصياغة[47] يتفق مع السياق الإسلامي لعلاج الإنحرافات والمشكلات النفسية والسلوكية، التي قد يعيشها الفرد المسلم في المجتمع إلا أن المنطلقات والمحتويات والوسائل تختلف كثيراً أو قليلاً عما هو مطروح في الإرشاد الغربي – كما سنرى –.
والإرشاد النفسي بالتعريف السابق يشتمل على عناصر خمسة[48]:
1 – أنه عملية:
أي أنه ليس حديثاً عارضاً بل هو مفهوم يتصف بالاستمرارية وتحتاج هذه العملية إلى فترات من الزمن منتظمة حتى تتاح الفرصة للمرشد النفسي أن يلاحظ ما قد يطرأ من التغيرات في سلوك المسترشد.
2 – أنه عملية تعليمية:
فهو ليس نصيحة أو حلاً جاهزاً، وإنما هو مساعدة المسترشد على تعلم كيفية عوض مشكلته، وكيفية التعرف على جوانب شخصيته، وكيف يحل المشكلة على ضوء ذلك.
3 – أنه مساعدة:
وهذا من أهم عناصر الإرشاد النفسي بل إن بعض المتخصصين يصفون عملية الإرشاد بأنها: (المساعدة) أي أن عملية الإرشاد = المساعدة، واعتبروا هذا العنصر هو المفتاح الأساسي للعملية.
4 – أنه مبني على العلاقة الإنسانية:
فالصلة الأخوية والمشاركة الوجدانية بين المرشد النفسي والمسترشدين يتوقف عليهما نجاح العملية الإرشادية.
5 – المرشد النفسي يكون مهنياً متدرباً:(1/17)
فالمرشد ينبغي أن يتصف بالخبرة والخلفية الشاملة في علم النفس والتربية، ويفضل من عمل في مهنة التدريس أو العلاج النفسي أو من تدرب على الإرشاد، وأثبت جدارته كل وفق مجال عمله.
وجهة الإرشاد في المنهج الإسلامي:
أما عندما نتكلم عن المنطلقات والمحتويات والوسائل فإننا نجد أن المنهج الإسلامي قد طرح رؤية مستقلة عن النفس البشرية، وحاجاتها وطريقة إشباع تلك الحاجات، وأسس هذا الطرح في النقاط الثلاث التالية، والتي يجب أن يعيها المرشد المسلم ويتعامل على أساس منها:
1- الحاجات.
2- ضوابط إشباع الحاجات وكيفياته.
3- كيفية بناء الشخصية وترقيها (تشكل الشخصية).
الحاجات:
إن للإنسان حاجات جسمية ونفسية تجعله يحس بضرورة إشباعها، وسد مطالبها، وعندما يحول حائل بين الحاجة وبين الإشباع يقع الاضطراب النفسي أو الجسمي أو كلاهما، فالجوع يشير إلى الحاجة للطعام، والإرهاق يشير إلى الحاجة للنوم، والخوف إلى الحاجة إلى الأمان، والعثور بالوحدة إلى الحاجة للرفقة وهكذا، ومن يمنع شيئاً من هذه الحاجات يقع له الاضطراب فمنع النوم يؤدي إلى إنهيار الجسم، وفقد الأمن يؤدي إلى القلق والخوف، وفقد الرفقة يؤدي إلى إنهيار الجسم، وفقد الأمن يؤدي إلى القلق والخوف، وفقد الرفقة يؤدي إلى الإغتراب والوحشة، وتلك تمثل إضطرابات جسمية أو نفسية، وفي منهج الإسلام بيان لحاجات الإنسان النفسية وأهميتها، ومن أهم الحاجات التي أشار إليها القرآن أو السنة الحاجة إلى الأمن والطمأنينة.
قال تعالى: "وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ"[49].
ويقول الرسول r: "من أصبح منكم معافي في جسده، آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا"[50].(1/18)
والحاجة إلى الحب: أي حب الآخرين له حسب درجات علاقاتهم به.
قال تعالى:
"وَالَّذِينَ تَبَوَءُو الدَّارَ وَالإْيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ"[51].
وكان المهاجرون أحوج ما يكونون إلى هذه المحبة، فقد تركوا بلادهم وأموالهم وأهلهم، وأقبلوا على ديار جديدة، وبيئة غريبة، وقد ضمن لهم المنهج الإسلامي هذه المحبة، حيث أمد الأنصار رضي الله عنهم إخوانهم المهاجرين بما يحتاجون إليه من محبة وقبول وتأييد ومؤازرة.
وقال r:
"والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"[52].
والحاجة إلى الحرية إلى التقدير وإلى النجاح وإلى غير ذلك[53] من الحاجات التي يقصد الإسلام إلى إشباعها، ونظرة الإسلام إلى الحاجات أوسع وأدق مما ذكره علماء النفس سواء من حيث المنطلق أو من حيث الحاجة ذاتها أو من حيث طريقة إشباعها، فالإسلام ينظر إلى تكوين الإنسان على أنه يشتمل على الجسد والروح معاً:
"إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقُ بَشَراً مِّن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ"[54].
فالإنسان قبضة من طين الأرض تتمثل في حقيقة الجسد: العضلات والأعضاء والأحشاء والأكسجين والحديد والأيدروجين.. إلخ وهو نفخة من روح تتمثل في الجانب الروحي للإنسان: في الوعي والإدراك والعقل والإرادة والعاطفة وفي الخير والبر والإخاء.. إلخ وشواهد ثقلة الجسم كثيرة وهي تمثل اتجاهات في السلوك:
"خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ"[55].
"وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا"[56].
"إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ"[57].
وشواهد سمو الروح كثيرة وهي تمثل اتجاهات في السلوك أيضاً:(1/19)
"قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ"[58].
"وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً"[59].
وعلى هذا الأساس الآنف الذكر قامت الحاجات منبعثة من هذا التكوين الفريد. فالحاجات إما أن تنطلق من الروح، أو من الجسد، أو منهما جميعاً ولا فصل بينهما فهو تكوين ممتزج مترابط، ولتميز هذا الأساس جدت حاجات لم ينتبه لها علماء النفس، واختلفت حاجات لإختلاف الأساس الذي بنيت عليه ونشير هنا إلى بعضها:
1 – الحاجة إلى الهداية التي تتمثل في التطلع والرغبة في التعرف الواعي على الخالق البارئ، والجدير بالذكر أن الشباب – بغير الإرشاد السليم – يتعرض للشك الفلسفي في قضايا الألوهية والوحي والبعث والنشور.. ولكنه حتى عندئذ يعاني قلقاً روحياً لا ذهنياً فحسب لأن الجانب الروحي في كيانه متفتح وفي حالة نشاط. وحين لا يجد الزاد الصحيح فإنه يضطرب ويختل، ويكون القلق هو العرض الدال على ذلك..[60].
وقد نص القرآن على هذا في السورة العظيمة سورة الفاتحة:
"اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ".
إذ أن الحاجة إلى الهداية أمر مهم للإنسان ونعمة عظيمة من الرحمن.
"يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلاَمَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقينَ"[61].
فالهداية إلى الإيمان نعمة كالطعام والشراب والهواء يمتن الله بها على من يشاء من عباده فتمتلئ بها جوانحه، ويطمئن قلبه، ويقابلها التيه والضياع الذي يشعر معه الفرد بالحاجة إلى من يهديه الطريق ويقوده إلى الجادة.(1/20)
2 – الحاجة إلى التوبة: حيث تتناسب مع طبيعة الإنسان المعرض للخطأ والإنحراف والقابل للندم والأسف والرجوع.
"وَتُوبُواْ إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"[62].
وقال رسول الله r: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون الله فيستغفرون فيغفر لهم"[63].
3 – الحاجة إلى ذكر من الغفلة والنسيان:
قال تعالى: "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً"[64].
"وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً"[65].
"أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"[66].
والأذكار الشرعية المطلقة والمقيدة لتلبية الحاجة إلى الذكر كثيرة ليس هذا مقام سردها وهي تدل على الحاجة الماسة للذكر وعلى كونه ضرورة الإنسان المطبوع على الغفلة والمستهدف من قبل الشيطان وجنده.
4 – الحاجة إلى الإنتماء: وهي من الحاجات المذكورة في علم النفس، لكن الإسلام أسسها بطريقة مختلفة. فالإنسان يحتاج إلى الجماعة أو الحزب وينفر من العزلة والوحدة. وقد أسس الإسلام هذه الحاجة على مبادئ مرنة وواسعة يمكن أن تسع الناس جميعاً. "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"[67].
فلم يجعل الإنتماء على أساس الأرض أو اللون أو الجنس، وإنما جعله على أساس العقيدة والفكر، وعلى أساس الوحدة النفسية والقلبية المبنية على وحدة الشعور والولاء والتوجه.
قال تعالى: "إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"[68].
"وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً"[69].
إشباع الحاجات:(1/21)
أما طريقة إشباع الحاجات وكيفياته فقد بينه المنهج الإسلامي، وشرع لكل جانب من جوانب حياة الإنسان هدياً، وبدخول الإنسان في الإسلام يصبح مخاطباً بهذا الهدي الذي ينظم له كيفيات السلوك، والتعامل مع الجهات المختلفة للحياة، والذي يشرع له من الأحكام والآداب والنظم ما يتلاءم مع طبعه وجبلته وطاقته النفسية، إذ الشريعة الإسلامية شريعة الفطرة والتيسير، نزلت من عند الله الخالق البارئ فهي ((نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العيون، وحياة القلوب ولذة الأرواح، فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة))[70].
ولبيان الإطار العام أو المحاور التي تنظم مطالب الإنسان وكيفيات الإشباع، نشير إلى مقاصد الشريعة الإسلامية والترتيبات الهرمية للمطالب داخل هذه المقاصد. فالشريعة جاءت لخدمة مقاصد رئيسية هي:
1- حفظ الدين.
2- حفظ النفس.
3- حفظ العقل.
4- حفظ النسل.
5- حفظ المال.
وتتم خدمة هذه المقاصد حسب موقع المطلب الجرئي في التسلسل الهرمي التالي من الأهم إلى الأقل أهمية:
1- الضروريات وهي: مصالح لا قيام لحياة الإنسان بدونها، وإذا فاتت حل الفساد واختل النظام الإنساني.
2- الحاجيات وهي: مصالح يحتاج إليها الإنسان ليعيش بيسر وسهولة، وإذا فاتت يصيبه ضيق وحرج.
3- التحسينات وهي: مصالح ترجع إلى محاسن العادات والأخذ بما يليق مما يقع موقع التحسين والتيسير.(1/22)
وحاجات الإنسان كلها سواء ما بيّنه المنهج الإسلامي أو ما بينته أبحاث علم النفس مما ينسجم مع المنهج الإسلامي تدخل في هذه المقاصد، فحفظ الدين يدخل فيه حاجة الإنسان إلى الدينونة والعبودية والهداية، وحاجته إلى الهوية المميّزة له. وحفظ النفس يدخل فيه رغبة الإنسان في الحياة وكراهية الموت والحاجة إلى الطعام والشراب والهواء وتجنب الألم والبرودة والحرارة. وفي حفظ العقل تدخل حاجة الإنسان إلى التفكير والاستطلاع والمعرفة، ورغبته في إكمال الناقص من الأشياء والميل للمنطقية والترتيب. وفي حفظ النسل تدخل الحاجة لإشباع الغريزة الجنسية، والحاجة للأمومة والأبوة والبنوة، والحاجة للحنان والمساندة والاحترام. وفي حفظ المال تدخل الحاجة للملكية الفردية، ويدخل فيه حب المال والجاه والسلطان وتحقيق الذات عن طريق العمل والدور أو الوظيفة.
ومن البدهى أن هذه المقاصد الخمسة لا ينفصل بعضها عن بعض انفصالاً تاماً، بل هي متداخلة يخدم بعضها بعضاً، ويكمل بعضها الآخر، وبعض الحاجات تعدّ مشتركة بين أكثر من مقصد من مقاصد الشريعة.(1/23)
ويمكن أن نمثّل للحاجات وكيفية ضبطها – من خلال مفهوم مقاصد الشريعة والتدرج في تحقيقها – بالحاجة إلى الطعام، فالطعام به يحفظ الإنسان نفسه، ويقيم جسمه، وهذا الحفظ تارة يكون ضرورياً وهو ما يقيم أصل الحياة ويدفع الموت عن الإنسان، ولهذا أباح الله الأكل من الميتة لسدّ الرمق، وتارة يكون حاجيا وهو ما يمدّ الجسم بحاجاته المهمة وعناصره المتكاملة، وتارة يكون تحسينياً يشمل كماليات الطعام كبعض التوابل والمقبلات والمرطبات.. إلخ، وبالتدرج نفسه يقع الحكم الشرعي من الوجوب إلى الندب إلى الإباحة، فطلب الطعام والسعي له والتزويد به يكون تارة فرضاً لازماً وهو ما يقيم الحياة ويدفع الموت، وتارة يكون واجباً أو مستحباً وهو ما يتناوله الإنسان عادة من العناصر والمكونات الغذائية التي يحتاج إليها الجسم لكماله سوائه وتارة يكون مباحاً وهو في حق كماليات الطعام.
ومثال آخر هو الحاجة إلى اللباس والتي أشار إليها القرآن عند قوله تعالى عن آدم عليه السلام:
"فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى، فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ"[71].
وعند قوله تعالى:
"يَا بَنِي ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ ءَايَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"[72].(1/24)
فالإنسان يحتاج إلى الستر واللباس بطبعه وفطرته، ولا يشعر بآدميته وكرامته وكماله إلا باقتناء اللباس واستعماله، لكن هذا الاقتناء تارة يكون ضرورياً وهو ستر ما لابد من ستره كالعورة، وتارة يكون حاجيا وهو اللباس العادي الذي لا يستغنى عنه غالب الناس، ولا يشعرون بالراحة واليسر إلا به، وتارة يكون تحسينياً وهو كماليات اللباس. وقد أشارت الآية الآنفة الذكر إلى هذه الدرجات قال تعالى:
"قَدْ أَنَزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً".
وقد أورد بن كثير رحمه الله هذا في تفسيره مبيناً أن اللباس يكون لستر العورات، والرياش والريش ما يتجمل به ظاهراً، فالأول من الضروريات، والريش من التكملات والزيادات[73]. والحكم الشرعي يسير متدرجاً وفق هذه المستويات، فالنوع الأول هو أوجبها وألزمها، والثاني يقع بين الوجوب والندب، والثالث يغلب أن يكون مباحاً.
وهكذا لو تناولنا الحاجة إلى الولد أو (الأبوة والأمومة) وهي داخلة في مقصد حفظ النسل، فلولا وجود الشعور الفطري بالأبوة والأمومة، ووجود الميل الطبيعي للولد لما استقام أمر استمرار النسل وحفظه، ولتعرض الجنس للإنقراض. وهذا الحفظ درجات، فأحياناً يكون ضرورياً لازماً، ويدخل في هذا منع الإختصاء، ومنع اطراد العزوبة، ومنع استئصال الرحم، ومنع الإجهاض. وأحياناً يكون حاجياً مهماً كالنكاح بصورته الشرعية، وكالحاق الأبناء بالآباء، فإن ذلك يسهم إسهاماً جوهرياً في حفظ النسل. وأحياناً يكون تحسينياً كالإكثار من الأولاد، وتعدد الزوجات ونحو ذلك[74].(1/25)
وموضوع مقاصد الشريعة موضوع طويل، بحثه بعض العلماء[75] لبيان كيفية سلوك المسلم وتعامله مع الواقع والمستجدات في كل حين، وليس هنا موضع التفصيل فيه وإنما وجبت الإشارة إليه في سياق الحديث عن كيفية إشباع الحاجات والمطالب في المنهج النفسي الإسلامي، وهو باب مهم في موضوع ضبط السلوك وتربية الشخصية، وتحديد المقبول والمفروض من أنواع الإشباع.
ثم بعد الوضوح النظري لكيفية إشباع الحاجات تأتي الممارسة الفعلية والمواجهة العلمية حيث تبرز هذه المطالب والحاجات وهي أكثر ما تكون وأشد ما تكون إلحاحاً في فترة الفتوة والشباب، بسبب تميزها بالحيوية والجدة والقوة وفقد الحياة، فالحاجة إلى الطعام، والشراب، والنكاح، والنجاح، والتقدير، والذكر، والإستطلاع، والسكن النفسي، والهداية، والتوبة، والإنتماء وغير ذلك تكون واضحة مشتدة، في هذه المرحلة. وهنا تبرز أهمية مفاهيم المواجهة والممارسة للإشباع، حيث أن للمنهج النفسي الإسلامي مفاهيم معرفية نفسية ذات مصطلحات خاصة، تصف طبيعة العلاقة بين الحاجات المتعددة الملحة وأنواع وطرق إشباعها، ومن هذه المفاهيم:
1- الابتلاء.
2- الوسطية (الاعتدال في الإشباع).
3- المجاهدة.
4- الصبر.
وفيما يلي إشارة إلى إثنين منها:
1 – مفهوم الابتلاء: حيث أن الحياة إنما خلقت للإبتلاء والإختبار والنظر، في عمل هذا الإنسان وسلوكه أحسن هو أم سئ أمعروف أم منكر أسوي أم شاذ قال تعالى:
"الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالحَيَاةِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"[76].
"إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ"[77].
"وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ"[78].
وتتصف حياة الإنسان في هذا الوجود بالمعاناة والمشقة:
"لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ"[79].
"يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ"[80].(1/26)
وإذاً فالمعاناة والشدة في طبيعة الحياة ووجود الخيارات وأنواع المطلوبات يجعل الإنسان في حالة اختبار وإمتحان في مسالكه، واختياراته وهذا هو مفهوم الإبتلاء الذي يحرص المنهج النفسي الإسلامي على وضوحه عند المسلم وتحسيسه به.
2 – مفهوم المجاهدة: مادامت الحاجات والمطالب موجودة متأصلة في الإنسان ولابد من إشباعها، ولابد من كيفية معينة للإشباع وفق المنهج الإسلامي – كما مر – وما دام هذا الإشباع بهذه الكيفية المحددة نوع من الإبتلاء لهذا الإنسان للنظر أيستقيم في إشباع هذه الحاجات أم ينحرف، إذاً فلابد من عملية المجاهدة والمقاومة في سبيل الفوز على عناصر الشر ودواعي الفتنة، وذلك بإشباع حاجات النفس إشباعاً متكيفاً مع الضوابط والهيئات الشرعية المبنية على أصولها المستقلة في المنهج الإسلامي.
قال تعالى:
"وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"[81].
ومن قول الرسول r:
"حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره"[82].
وهكذا تستمر المجاهدة متمثلة في تعدد المطالب وتجددها، وفي قدرة الفرد وإرادته لضبط إشباعها حسب الكيفية المقصودة من الشارع، ومن خلال النصر والهزيمة في هذه المجاهدة والمقاومة يتم الترقي أو الهبوط في سلم الإيمان.
تشكل الشخصية:
عملية الإرشاد تعني بمعرفة كيفية تشكل الشخصية، وكيفية تعديل هذا التشكيل، وهذه المعرفة تساعد على تحديد الخلل في شخصية المسترشد وعلى العمل لعلاجها وفق التصور النفسي الإسلامي لبناء الشخصية.(1/27)
ويرتبط موضوع إشباع الحاجات إرتباطاً وثيقاً بتكوين الشخصية إذ أن حاجات الإنسان النابعة من كيانه وطريقة إشباعها يؤثران في بناء شخصيته، وقد ذكرنا إغفال علماء النفس لجوانب من حاجات الإنسان عندما تطرقنا لموضوع الحاجات، ومن أسباب هذا الإغفال إعراض علماء النفس عن الشق الآخر من كيان الإنسان وهو الجانب الروحي. ويرى محمد عثمان نجاتي أن هذا الاغفال ((أدى إلى قصور واضح في فهمهم للشخصية الإنسانية وفي معرفتهم للعوامل المحددة للشخصية السوية وغير السوية، كما أدى هذا إلى عدم اهتدائهم إلى تكوين مفهوم واضح دقيق للصحة النفسية))[83].
ونحن نرى أيضاً أن إغفال الجانب الروحي خصوصاً، وإغفال النظر إلى طبيعة حياة الإنسان وغاياته عموماً، أدى إلى عدم الاهتداء إلى الطريقة الشاملة والمناسبة لبناء الشخصية، وإلى ربط ذلك بمفاهيم بنائية داخلية وخارجية متناسبة مع هذه الطبيعة.
وفي رأي الباحث أن الشخصية تتشكل في المنهج الإسلامي من خلال ترقيها في درجات الإيمان – وفق المفهوم الشرعي للإيمان – ولربط ما سبق ذكره من إشباع الحاجات وكيفياته بتشكل الشخصية يمكن تصور ذلك في سلسلة من ثلاث حلقات كما في شكل (2).
إن الشخصية تنبني في البيئة الإسلامية وفق مفهومي الدين والإيمان[84] اللذين يقررهما القرآن والسنة والنبوية، وذلك بتدرجها في سلم الإيمان الذي يؤهلها لاكتساب صفات وسمات معينة حسب الدرجة التي تقع فيها. أما المبادئ التي ينبغي عليها هذا التصور فتتمثل في أربعة مبادئ لمفهوم الإيمان وآثاره وهي:
1- أن العمل والسلوك مكون رئيسي للإيمان.
2- أن الإيمان يزيد وينقص.
3- أن المؤمنين يتفاوتون في الإيمان.
4- أن للمؤمنين صفات وسمات.
وتمثل هذه المبادئ الأربعة تسلسلاً مرتباً أي أن الأول يؤدي إلى الثاني والثاني يؤدي إلى الثالث وهكذا، والشكل (3) يبين ذلك الترتيب.
المبدأ الأول:(1/28)
إن الأعمال والممارسات أو السلوك – في مصطلح علم النفس داخل في مسمى الإيمان إلى جانب الاعتقاد والشعور.
قال رسول الله r: "الإيمان بضع وستون شعبة – وفي رواية بضع وسبعون شعبة – أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"[85].
فالإيمان له شعب متعددة وكل شعبة منه تسمى إيماناً فالصلاة من الإيمان والزكاة والصوم والحج كذلك، والأعمال الباطنة كالتوكل والإنابة إلى الله من الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق[86].
وقال رسول الله r: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"[87]. وفي رواية "ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"[88]. وهذا يدل على قوة الإيمان وضعفه بحسب الأعمال كماً وكيفاً، وهو مبدأ مهم في مجال دراسة السلوك وتوجيهه وتنميته، ويترتب عليه تصور واسع وشامل لأنشطة الإنسان وجزئيات سلوكه، فصومه وصلاته وصدقه وبره وصلته وخلقه ومعاملته وزياراته وأعماله وتجارته وجميع أنواع سلوكه، الصغيرة والكبيرة، هي أجزاء في الإيمان سلباً أو إيجاباً سواء كانت أجزاء هذا السلوك فردية أم إجتماعية عبادية أو عادية فهي إنجاز وتحصيل للإيمان أو خسارة فيه حسب اتجاه السلوك، وموقعه من الكيفيات الشرعية المحددة للفرد المسلم.
قال بن عمر رضي الله عنه: (( لقد لبثنا برهة من دهر، وأحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن تنزل السورة على محمد r فنتعلم حلالها وحرامها، وأمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما يتعلم أحدكم السورة. ولقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يعرف حلاله ولا حرامه، ولا أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدقل))[89].(1/29)
ويقول جندب بن عبدالله: ((كنا مع النبي r ونحن غلمان حزاوره فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً))[90].
وبهذا يفهم للإيمان ندرك أنه محل للتحصيل والانجاز، إذ أن الأعمال والممارسات داخلة فيه، فالفرد في حالة تحصيل يومي للإيمان حسب أنواع سلوكه وهيئاته ومقداره.
المبدأ الثاني:
أن الإيمان يزيد وينقص وفق مقدار السلوك واتجاهه، وهذا يترتب على المفهوم السابق الذي يجعل السلوك والأعمال جزءاً من الإيمان، فالإيمان المشتمل على السلوك يزيد وينمو بالطاعة وينقص وينحسر بالمعصية.
قال تعالى:
"إِنِّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً"[91].
وقال تعالى:
"وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ"[92].
وهذه الزيادة في الإيمان المذكورة في الآيات ليست مجرد التصديق بأن الله أنزلها بل زادتهم إيماناً بحسب مقتضى الآية وما يترتب عليها من أمر أو نهي أو تشريع[93].
ويتبين من هذا أن الإيمان موضوع تحصيلي يشبه المادة التي تعد أو توزن والتي يحدث لها الزيادة كما يحدث لها النقصان بحسب السلوك المكتسب، وأن للإيمان أثراً تراكمياً وفقاً للتحصيل العلمي والعملي الذي قد يصل إلى مستوى عالٍ من الكم والكيف حتى يكون الإيمان أمثال الجبال.
قال مالك بن دينار:
"الإيمان يبدو في القلب ضعيفاً ضئيلاً كالبقلة فإن صاحبه تعاهده فسقاه بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة وإماط عنه الدغل وما يضعفه ويوهنه، أوشك أن ينمو ويزداد، ويصير أمثال الجبال.."[94].
وقيل لبعض السلف: ((يزداد الإيمان وينقص؟ ((قال: نعم يزداد حتى يصير أمثال الجبال. وينقص حتى يصير أمثال الهباء))[95].(1/30)
ونخلص من هذا إلى أن دخول الأعمال في الإيمان يؤدي به إلى الزيادة أو النقصان عبر البرنامج اليومي لسلوك الفرد، وأن هذا المبدأ ذو قيمة نفسية داخلية وذو قيمة سلوكية خارجية، لأن الأعمال غذاء يكوّن الإيمان والإيمان الداخلي المتعمق في النفس دافع لمزيد من السلوك والعمل.
المبدأ الثالث:
أن الناس يتفاوتون في الإسلام والإيمان على مراتب، وهذا مبني على درجات إيمانهم المشتمل على السلوك. ولذلك فإن الناس طبقات ودرجات في مستوى الإيمان يبدأ من وجود أصل الإيمان والذي يعد في أدنى المستويات وينتهي إلى الطبقات العليا السابقة إلى الخيرات.
قال تعالى:
"ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقُ بِالْخَيْرَاتِ"[96].
فالظالم لنفسه هو المسلم ظاهراً وباطناً[97]. ولابد أن يكون معه إيمان، ولكن لم يأت بالواجب، والمقتصد الذي أدى الواجب وترك المحرم، والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه وهو يقع في الدرجات العالية من الإيمان.
ثم إن هذا الترتيب ينبني عليه إختلاف الدرجات في الجزاء الأخروي:
قال تعالى:
"فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ، وَأَمَّا إِن كَاَن مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ"[98].
المبدأ الرابع:
أن لشخصيات المؤمنين سمات وصفات تتفاوت حسب درجاتهم في الإسلام والإيمان وقد سبقت الإشارة إلى بعض أقسام المؤمنين التي وردت في القرآن تحت أنماط معينة كالشخصية الظالمة لنفسها والمقتصدة والسابقة بالخيرات.
قال تعالى:
"ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقُ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ".(1/31)
فالنمط الظالم لنفسه هو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات، والنمط المقتصد هو الذي اقتصر على التزام الواجبات واجتناب المحرمات فلم يزد على ذلك ولم ينقص منه، وهؤلاء هم الأبرار وأصحاب اليمين[99]. والنمط السابق بالخيرات هو الذي يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، ويترك ما لا بأس به خوفاً مما به بأس، سمته دوام التقرب إلى الله والمزيد من الطاعات[100] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله r: "إن الله تعالى قال: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصره به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما ترددت عن سئ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته"[101].
وإذا كان هذا تفاوت ما بين المؤمنين أتباع الرسل فكيف تفاوت ما بينهم وبين الرسل وقد ذكر الله تبارك وتعالى أن الرسل متفاضلون:
"تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ"[102].
وأفضل الرسل أولو العزم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، لما لهم من صفات تميزوا بها. فالناس متفاوتون في الدين بتفاوت الإيمان فأفضلهم وأعلاهم أولو العزم من الرسل، وأدناهم المخلطون من أهل التوحيد وبين ذلك درجات لا يحيط بها إلا الله عزّ وجل[103].(1/32)
ومن الواضح في تعريف هذه الأنماط أو الطبقات الناحية الإجرائية العملية، فهي ليست تعريفات نظرية أو عامة، وإنما تصف هيئة السلوك وفقه متطلبات الهدي الإسلامي، فالمقتصد مثلاً – هو الذي اقتصر على التزام الواجبات وإجتناب المحرمات، فالتعريف محدد وواضح، ورغم وجود هذه التعريفات لبعض الأنماط إلا أن هذا المبدأ هو أحوج المبادئ إلى الاستقصاء للوصول إلى أنواع أوصاف المؤمنين، وطبقاتهم من القرآن الكريم ومن السنة وشروحاتها ومن أقوال سلف الأمة وعلمائها، ليتسنى تحديد هذه الأنماط أو بعضها كي تكون أهدافاً عملية لبناء الشخصية المسلمة، وليتسنى اقتراح البرامج والسبل لتحقيق هذه الأهداف وفق التسلسل والكيفيات المذكورة في المصادر الإسلامية، ووفق ما يقترحه النفسيون أو التربويون فيما هو محل للاجتهاد.
وهكذا يتبين – مما سبق – أن المنهج النفسي الإسلامي ينطلق في نظرته للإرشاد والعلاج من نظرة شاملة ومتكاملة للإنسان، الذي هو محل الإرشاد فحاجات الإنسان النابعة من كيانه وطبيعته الحلقة الأولى في التعرف على الحالة أو المشكلة، وقد فصل المنهج الإسلامي هذه الحاجات سواء كانت متفقة مع طرح النفسيين أم مختلفة أو جديدة، وهيئة الإشباع وضوابطه هي الحلقة الثانية وهي ذات أثر فعال في بناء عادات الإنسان ومسالكه في سوائه وانحرافه – وقد وضع الإسلام منهجاً واضحاً ومحدداً لضوابط الإشباع وكيفياته، ولم يغفل المنهج الإسلامي تكوين الشخصية ومحدداتها، وكيفيات بنائها وأنماطها، لأنها الكيان المتكامل للفرد، والذي تظهر عليه هيئات السواء أو الإنحراف، وتكمن فيه أسباب الصحة والمرض، وتلك الحلقة المهيمنة والمكمّلة للعملية الإرشادية والعلاجية.
وبمقارنة مختصرة بين مدارس علم النفس المختلفة وبينها وبين المدرسة النفسية الإسلامية نجد الفروقات الجوهرية والشكلية.(1/33)
فعند دراسة آراء المدارس النفسية المختلفة وأسسها الإرشادية نجد اختلافاً كبيراً فيما بينها حول النظرة إلى طبيعة الإنسان، ومحددات شخصيته بين مفهوم يجعل البيئة الخارجية تحدد الإنسان وتشكَّله، ومفهوم يجعل الحاجات والغرائز الداخلية هي التي تحدده وتشكِّله، وبين مفهوم يجعل الإنسان كائناً قادراً على الإختيار وحراً في التصرف والتأثر، ومفهوم يجعل الإنسان – في أساسه – آلة تدار عبر الحوافز والمعززات المختلفة من ثواب وعقاب.
وقد تتفق وجهات نظر الكثيرين منهم على إمكانية التغيير في الإنسان لكن بدرجات متفاوتة[104].
وهذا الإختلاف في أسس النظريات هو أهم أسباب الاختلاف والتناقض في أهداف الإرشاد وعملياته وطرقه بين المدارس المختلفة، فإذا نظرنا إلى أهداف الإرشاد عند هذه المدارس وجدنا إختلافاً واسعاً، فبعض المدارس يهدف إلى إعادة بناء شخصية المسترشد، وبعضها كالمدرسة السلوكية (Skinner) وغيره يهدف إلى التركيز على إزالة المعاناة والألم بمعرفة العرض ومعالجته، وبعضها وخاصة الذين يركزون على الفرد مثل روجرز (Rogers) أو على الإنسان مثل ماسلوا (Maslow) يهدف إلى تنمية معنى الحياة عند الفرد وتوفير الخدمات لنموه إلى أقصى حد أو تنمية أشخاص يحققون ذواتهم.
ورغم محاولات بعض علماء النفس[105]. التوفيق بين هذه الأهداف المختلفة والذهاب إلى أن هذه المدارس – وإن اختلفت – تمثل مراحل إرشادية أو علاجية، كل مدرسة منها تركز في أهدافها على مرحلة من هذه المراحل، أي أن هناك مدارس تركز على الأهداف المباشرة وأخرى على الأهداف الوسيطة وثالثة على الأهداف النهائية.(1/34)
رغم هذه المحاولات إلا أن الفروق قائمة، إذ أن آراء المرشدين المنتمين لهذه المدارس مختلفة المنطلقات والتفسيرات للإنحراف أو المرض النفسي الذي يعاني منه المسترشد، فالعلة في المعاناة النفسية عند سكنر (Skinner) شكلية سلوكية، يتم السيطرة عليها عن طريق التحكم في المتغيرات البيئية بإستخدام جداول التدعيم وبرامج تشكيل السلوك[106]. والعلة عند فرويد تكمن في أعماق الإنسان وفي تاريخه الماضي، وقد يتم السيطرة عليها عبر التحليل النفسي والوصول إلى الأسباب اللاشعورية للمشكلة[107]. والعلة عند ماسلو (Maslow) تكمن في بنيان الشخصية ومدى تكاملها وتحقيقها لذاتها ومطالبها المختلفة، وتتم السيطرة عليها بإشباع حاجات الإنسان وفق التدريج المقترح في النظرية الإنسانية[108]. وهكذا فالإختلاف في النظرة إلى الإنسان ثم الإختلاف في تفسير الظاهرة المرضية يؤديان للإختلاف في أهداف العلاج وأشكاله.
والمنهج النفسي الإسلامي – كما أشرنا – يختلف في نظرته لطبيعة الإنسان، وفي نظرته لما ينتاب هذه الطبيعة من أعراض انحرافية ومرضية عن المناهج الأخرى، ويختلف أيضاً في تفسيراته ومعالجته لأزمات ومشكلات الفرد النفسية.
فالاهتمام يبدأ في النظر إلى الإنسان وطبيعة تكوينه ثم إلى الأسس والمقومات التي بنيت عليها شخصية الفرد، ثم إلى حالة التفاوت والافتراق التي وقعت بين الصورة النموذجية للشخصية، والصورة المرضية القائمة ثم إلى كيفية إعادة تشكيل الشخصية لتستقر على أحسن وضع ممكن وفق المعايير والإجراءات الشرعية.
((ملخص البحث))
الإسلام منهج شامل للحياة ييسر للناس السعادة والسواء والصحة النفسية، ويرشد إلى الطريق الأمثل لتحقيق الذات، ونمو الشخصية، وترقيها في مدارج الكمال الإنساني، وهو – أيضاً – يخبر طبيعة النفس البشرية، ويعالج مشكلاتها، ويستنقذها من مواطن التيه والضعف والإنحراف، قال تعالى:(1/35)
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ".
ويهدف هذا البحث إلى معالجة الإجابة على سواء يتعلق بالإرشاد النفسي هو: كيف تتم عملية إرشاد الفرد في ظلّ المنهج الإسلامي؟.
وقد تم عرض نموذج للمراحل التي تشتمل عليها العملية الإرشادية في ضوء المنهج الإسلامي – كما يراها الباحث – في تسلسل منطقي متلاحق ومترابط، يبدأ بمرحلة ما قبل الإرشاد وتشتمل على عملين إجرائيين هما: وضع الأهداف، ومعرفة المسترشد، ويثني بمرحلة التهيئة، وتشتمل على عملين – أيضاً – هما إزالة العوائق المعرقلة للإرشاد، وإيجاد الدواعي، ويثلث بمرحلة الإرشاد، وتشتمل على مرتكزاته، وكيفياته، وطرقه، والمرحلة الرابعة هي: ما بعد الإرشاد، وتعني بتقويم الإرشاد، والقيام بتعديل الأساليب والطرق عند الحاجة. والجزء الأكبر من هذا البحث يعالج المرحلة الثالثة (الإرشاد) إذا أنه جوهر البحث ومقصده. ولكي يأخذ البحث منحى عملياً فقد ربط النموذج بمرحلة معينة من مراحل النمو – وهي مرحلة المراهقة والشباب – ليتم التمثيل والتوضيح من خلالها، كما زوّد البحث بالأشكال المساعدة على تصوّر التسلسل المنطقي لبعض المبادئ المطروحة في البحث.(1/36)
بدأ البحث ببيان الواجبات قبل الإرشاد ومن أهمها: و ضع الأهداف العامة للإرشاد في مرحلة ما – كمرحلة الشباب – ووضع الأهداف الخاصة لحالة أو فرد بعينه، وقد بيّن الباحث بعض هذه الأهداف، ثم انتقل إلى عملية التعرف على المسترشد وعناصرها، مستخدماً نوعاً من المسترشدين – للتمثيل – هم الشباب، فتطرق إلى أهمية معرفة المرشد لحدود فترة الشباب، ومعرفة التاريخ الشبابي الإسلامي المعروض في قصص القرآن، وسيرة الرسول r، وسيرة الصحابة والسلف وغيرهم، وإدراك طبيعة مرحلة الشباب واستعدادهم، ومن ذلك هشاشة البناء الفكري، ورقة العاطفة، والإستعداد للاضطرابات الشخصية، وتطرق – أيضاً – إلى أهمية العلم بالإستعداد المعرفي للإسترشاد، ومعرفة موقف الشباب من الكبار، ومدى إقبال المسترشد على المرشد وإنصرافه عنه، والعنصر الأخير في التعرف على المسترشد هو معرفة مطالب النمو لدى الشباب وحاجاتهم النفسية، سواء كانت مطالب عامة لكل الشباب، أم مطالب خاصة بالشباب المسلم.
أما مرحلة التهيئة – المتعلقة بإيجاد الدواعي وإزالة العواطف – فموضوعاتها تدور في ثلاثة محاور: الأول في صفات المرشد، وقد تناول أهم الصفات – من وجهة نظر الباحث – التي تهئ لجدوى الإرشاد وقبوله وهي: الصدق والإخلاص، والقدوة، والعلم، وتوفر القدرات والوسائل. والثاني في مصادر التلقي عند المسترشد، ومن أهم المصادر الميسّرة للإرشاد أو المعيقة له الأسرة، والإعلام، وقد بين البحث أثر هذين المصدرين على المسترشد سلباً أو إيجاباً في مرحلة التهيئة للإرشاد. والثالث في الاستعداد النفسي للإسترشاد، ويمثل نهاية عملية التهيئة، وبداية عملية الإرشاد، حيث يعمل المرشد على جلب إنتباه المسترشد إلى أهمية الإرشاد، وإيجاد الرغبة في الإستقبال والسماع.
وفي مرحلة الإرشاد – وهي جوهر العملية الإرشادية – ثم تناول وجهة الإرشاد في المنهج الإسلامي من خلال ثلاثة عناصر، هي:
1- الحاجات.(1/37)
2- ضوابط إشباع الحاجات.
3- كيفية تشكّل الشخصية.
وتمثل هذه العناصر مساقاً متصلاً يكمن السواء والإنحراف النفسيين فيه أو في أحد عناصره، ومن ثم يتم بناء الشخصية بناء سوياً أو منحرفاً. والحالات المسترشدة التي تعاني من الاضطراب النفسي لابد أن تدرس في ضوء هذا المساق.
فأما الحاجات فقد تناولها المنهج الإسلامي تناولاً يتفق – أحياناً – مع وجهة النظر النفسية الحديثة، ويختلف – أحياناً – أخرى، وذلك للإختلاف في تفسير طبيعة النفس البشرية، وقد عرض البحث أنواعاً من الحاجات مثل الحاجة إلى الأمن، وإلى المحبة، وإلى الإنتماء، ومثل الحاجة إلى الهداية، وإلى الذكر، وإلى التوبة.
ثم يأتي بعد ذلك موضوع إشباع الحاجات الذي يخضع لنظام دقيق – في الإسلام – من حيث الكم والكيف والطريقة، ويسير وفق الهدي الإسلامي المبني على تصوّر شامل عن فطرة الإنسان وخصاله.
وقد بين البحث الأطر والمسارات التي تحكم وتوجه عملية الإشباع، وتتمثل هذه المسارات في مقاصد الشريعة الخمسة وهي:
1- حفظ العقل.
2- حفظ النفس.
3- حفظ العقل.
4- حفظ النسل.
5- حفظ المال.
وفي الترتيبات الهرمية داخل هذه المقاصد وهي:
1- حفظ الدين.
2- حفظ النفس.
3- حفظ العقل.
4- حفظ النسل.
5- حفظ المال.
وفي الترتيبات الهرمية داخل هذه المقاصد وهي:
1- الضروريات.
2- الحاجيات.
3- التحسينات.
ففي كل مقصد تشبع الحاجة في مستويات ثلاثة، تبدأ من الأهم إلى الأقل أهمية، فأحياناً تكون ضرورية، وأحياناً تكون حاجية، وأحياناً تكون تحسينية، وقد شرح الباحث ذلك ومثل له بثلاثة أمثلة وهي:
1- الحاجة للطعام.
2- والحاجة للباس.
3- والحاجة للولد.
ثم بعد إيضاح كيفيات الإشباع ومساراته في المنهج الإسلامي، بين الباحث بعض مفاهيم المواجهة والتطبيق التي يحرص المنهج الإسلامي النفسي على تأسيسها في نفسية الممارس وهو يقوم بإشباع حاجاته ومطالبه، ومنها:
1- مفهوم الابتلاء.(1/38)
2- ومفهوم الوسطية.
3- ومفهوم المجاهدة.
4- ومفهوم الصبر، وتم إيضاح إثنين من هذه المفاهيم.
أما تشكل الشخصية – وهو العنصر الثالث في مرحلة الإرشاد – فيخضع هو – أيضاً – لنظام محدد في المنهج الإسلامي، وقد رأى الباحث أن تكوين الشخصية في البيئة الإسلامية يتم وفق التسلسل الذي يتضمنه مفهوم الإيمان، كما يقرره القرآن والسنة، وأن الشخصية تتشكل من خلال ترقبها في سلم الإيمان الذي يؤهلها لإكتساب صفات وسمات معينة حسب الدرجة التي تقع فيها. أما المبادئ التي تحكم هذا التسلسل فهي أربعة – يترتب بعضها على بعض – أولها:
أن السلوك مكوّن رئيس للإيمان، أي أن الإيمان محل للتحصيل والانجاز عن طريق الأعمال والممارسات اليومية للفرد، ويكون مستوى التحصيل بحسب الإنسجام مع كيفية إشباع الحاجات في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية ودرجاتها المذكورة سابقاً. وثانيها:
أن الإيمان يزيد وينقص وفق مقدار السلوك وكيفية، يزيد بالطاعة وينحسر بالمعصية، وعليه فإن للإيمان أثراً تراكمياً وفقاً للتحصيل العملي الذي قد يصل إلى مستوى عال في الكم والكيف، حتى يكون أمثال الحبال. وثالثها:
أن المؤمنين يتفاوتون في الإيمان، ولذلك فإن الناس طبقات ودرجات في مستوى الإيمان يبدأ من وجود أصل الإيمان الذي يعدّ أدنى المستويات، وينتهي إلى الطبقات العليا السابقة بالخيرات. ورابعها:(1/39)
أن لشخصيات المؤمنين سمات تتفاوت بحسب درجاتهم في مقدار الإيمان، وأن هناك – بناء على ذلك – أنماطاً للشخصية بحسب مستوياتها الإيمانية، كالشخصية الظالمة لنفسها، والشخصية المقتصدة، والشخصية السابقة. وبهذا يتضح أن في المنهج الإسلامي بيان لمحددات الشخصية وأنماطها، وكيفية بناءها بناء متكاملاً، ويتضح أيضاً أن الاختلال في بناء الشخصية وفي توسيمها، وما يظهر عليها من شذوذ أو اضطراب يكمن في اختلال طريقة البناء، وفي فقد أو اختلال المعايير والسمات التي تحاكم إليها الشخصية، أو تبني عليها.
وقد عرض البحث – أخيراً – مقارنة مختصرة بين المدرسة النفسية الإسلامية وبين مدارس علم النفس في النظرة إلى طبيعة الإنسان، وإلى أسس بناء شخصيته، وفي نظرتها للإرشاد.
مراجع البحث
1- توق (محيى الدين) وعدس (عبدالرحمن): أساسيات علم النفس التربوي، نيويورك: جون وايلي وأولاده، 1984م.
2- ابن تيمية (أحمد) (شيخ الإسلام): الإيمان، بيروت: المكتب الإسلامي، 1392هـ.
3- جلال (سعد): المرجع في علم النفس، القاهرة: دار الفكر العربي، 1985م.
4- ابن الجوزي (عبدالرحمن بن علي): مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1402هـ – 1982م.
5- الحكمي (حافظ بن أحمد): معارج القبول، المطبعة السلفية، 1392هـ/ 1404هـ.
6- الحنفي (علي بن أبي العز): شرح العقيدة الطحاوية، بيروت: المكتب الإسلامي، 1978م.
7- زهران (حامد عبدالسلام): الصحة النفسية والعلاج النفسي، القاهرة عالم الكتب، 1978م.
8- السباعي (مصطفى): السيرة النبوية، دار الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1392هـ – 1972م.
9- السفاريني (محمد بن أحمد): لوامع الأنوار البهية، دمشق: مؤسسة الخافقين، 1402هـ.
10- السمالوطي (نبيل محمد): الإسلام وقضايا علم النفس، جدة: دار الشروق، 1400هـ.
11- سويف (مصطفى): الأسس النفسية للتكامل الاجتماعين القاهرة: دار المعارف، 1981م.(1/40)
12- الشاطبي (أبو إسحاق إبراهيم): الموافقات بيروت: دار المعرفة.
13- الشيباني (عمر محمد التومي): الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب، بيروت: دار الثقافة، 1973م.
14- صالح (محمد عزمي): إرشاد طلاب الجامعات (بحث) الرياض: مقدم إلى حلقة التوجيه والإرشاد النفسي من 25/6 إلى 4/7/1405هـ، قسم علم النفس، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
15- طاش (عبدالقادر): أثر وسائل الإعلام في توجيه الشباب (بحث)، الرياض: مقدم إلى حلقة التوجيه والإرشاد النفسي من 25/6 إلى 4/7/1405هـ، قسم علم النفس، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
16- العسقلاني (ابن حجر): فتح الباري، القاهرة: دار الريان للتراث، 1407هـ.
17- علوان (عبدالله): تربية الأولاد في الإسلام، بيروت: دار السلام، 1398هـ.
18- عمر (محمد ماهر): المرشد النفسي المدرسي، القاهرة: دار النهضة العربية، 1984م.
19- القاضي (يوسف) وبالجن (مقداد): علم النفس التربوي في الإسلام، الرياض: دار المريخ، 1401هـ.
20- قطب (سيد): في ظلال القرآن، بيروت: دار إحياء التراث العربي 1386هـ.
21- قطب (محمد): منهج التربية الإسلامية (الجزء الثاني)، بيروت: دار الشروق، 1400هـ.
22- ابن القيم: أعلام الموقعين، بيروت: دار الجبل.
23- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، بيروت: دار الأندلس، 1385هـ.
24- ابن ماجه: سنن ابن ماجه، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، الرياض: شركة الطباعة العربية السعودية، 1404هـ – 1984م.
25- المباركفوري: تحفة الأحوذي، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، 1407هـ.
26- مرسى (سيد عبدالحميد): الشخصية السوية، القاهرة: مكتبة وهبة، 1406هـ.
27- ابن منده (محمد بن اسحاق): كتاب الإيمان، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1406هـ.
28- نجاتي (محمد عثمان): الحديث النبوي وعلم النفس، بيروت: دار الشروق، 1409هـ – 1989م.
29- نشواتي (عبدالمجيد): علم النفس التربوي، عمان: دار الفرقان، 1404هـ.(1/41)
30- النووي: صحيح مسلم بشرح النووي، المطبعة المصرية ومكتبتها، 1349هـ.
------------------------------------------------------------
[1] انظر حامد عبدالسلام زهران: الصحة النفسية والعلاج النفسي، ص291، 292، وأنظر عمر التومي الشيباني: الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب، ص524.
[2] سيد عبدالحميد مرسي: الشخصية السوية، ص179.
[3] محمد عزمي صالح: إرشاد طلاب الجامعات، الرياض: بحث مقدم إلى حلقة التوجيه والإرشاد النفسي من 25/6–4/7/1405هـ قسم علم النفس جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص5.
[4] يونس: 57.
[5] الجمعة: 2.
[6] المائدة: 31.
[7] الزمر: 29.
[8] الحج: 2,1.
[9] يوسف القاضي، مقداد بالجن: علم النفس التربوي في الإسلام، ص114، 115، وأنظر بن حجر: فتح الباري: 5/327.
[10] أخرجه أبو داود، سنن أبي داود: 4/561 وأخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد أيضاً. وأنظر أيضاً ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 2/204 عند تفسير قوله تعالى: "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح".
[11] الأحقاف: 15.
[12] أنظر يوسف القاضي، مقداد بالجن: علم النفس التربوي في الإسلام، ص133.
[13] النساء: 6.
[14] سعد جلال: المرجع في علم النفس، ص373، 374.
[15] عمر محمد النومي الشيباني: الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب، ص39.
[16] المرجع السابق: ص38.
[17] أخرجه البخاري ومسلم.
[18] مصطفى السباعي: السيرة النبوية، ص82، 83.
[19] وأنظر عبدالله علوان: تربية الأولاد في الإسلام، ص1083، 1084، وأنظر أيضاً الصفحات 303 – 308 وكذلك 568، 569.
[20] أنظر الحديث عن هذا في مفاهيم المواجهة الإسلامية عند الكلام عن إشباع الحاجات، ص27.
[21] أخرجه البخاري، أنظر ابن حجر، فتح الباري: 2/168.
[22] يوسف: 32، 33.
[23] أنظر مصطفى سويف: الأسس النفسية للتكامل الاجتماعي، 233 – 234.
[24] أنظر المرجع السابق، ص234.
[25] انظر المرجع السابق، ص233.
[(1/42)
26] Noghaimshi, A. Students' Perception of Teachers and Student- Teacher personal Intersction, P. 1448.
[27] Curtis, R.L. ''Adolescent Orientations Toward Parents and Peers'', Adolescence, 10 (40): 481-494.
[28] انظر عمر الشيباني: الأساسي النفسية والتربوية لرعاية الشباب، ص127 – 130.
[29] الإسراء: 15.
[30] الروم: 21.
[31] الشورى: 25.
[32] الكهف: 110.
[33] الصف: 2، 3.
[34] البقرة: 44.
[35] عبدالرحمن بن الجوزي: مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ص240.
[36] أنظر عبدالمجيد نشواتي: علم النفس التربوي، ص354 – 359.
[37] الزمر: 9.
[38] انظر عمر الشيباني: الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب ص149 – 151.
[39] عبدالقادر طاش: أثر وسائل الإعلام ودورنا في توجيه الشباب، الرياض، بحث مقدم إلى حلقة التوجيه والإرشاد النفسي من 15/6 – 4/7/1405هـ قسم علم النفس، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص7، 8.
[40] المطففين: 13، 14.
[41] سيد قطب: في ظلال القرآن: 8/505.
[42] عبدالرحمن عيسوي: الآثار النفسية والاجتماعية للتليفزيون العربي، ص147.
[43] توق وعدس: أساسيات علم النفس التربوي، ص48.
[44] ق: 37.
[45] فصلت: 4، 5.
[46] محمد ماهر عمر: المرشد النفسي المدرسي، ص40.
[47] أنظر مثلاً حامد عبدالسلام زهران: الصحة النفسية والعلاج النفسي، ص291، 292.
[48] أنظر ماهر عمر: المرشد النفسي المدرسي، ص48 – 42.
[49] النحل: 112.
[50] أخرجه ابن ماجة، أنظر سنن ابن ماجة: 2/415، رقم الحديث 4193، وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب، أنظر الباركفوري: تحفة الأحوذي، 7/11، 12. قوله حيزت: حمعت.
[51] الحشر: 9.
[52] أخرجه مسلم. أنظر مسلم بشرح النووي: 2/35.
[53] أنظر مثلاً نبيل السمالوطي: الإسلام وقضايا علم النفس، ص189 – 113.
[54] سورة ص: 71، 72.
[55] سورة الأنبياء: 37.
[56] سورة الفجر: 20.
[57] سورة يوسف: 53.
[58] الأنعام: 63، 64.
[(1/43)
59] الإنسان: 8.
[60] أنظر محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، الجزء الثاني، ص269.
[61] الحجرات: 17.
[62] النور: 31.
[63] أخرجه مسلم، أنظر مسلم بشرح النووي: 17/65.
[64] طه: 15.
[65] الكهف: 24.
[66] الرعد: 28.
[67] الأنبياء: 107.
[68] الحجرات: 10.
[69] آل عمران: 103.
[70] ابن القيم، أعلام الموقعين: 3/3.
[71] سورة طه: 120، 121.
[72] سورة الأعراف: 26.
[73] انظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 3/155.
[74] بعض هذه الأمثلة اقتبسناها من كتاب: مقاصد الشريعة الإسلامية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الصفحات 78 – 83.
[75] انظر – مثلاً – الشاطبي، الموافقات: 2/8.
[76] الملك: 2.
[77] الإنسان: 2.
[78] الأنبياء: 35.
[79] البلد: 4.
[80] الاشتقاق: 6.
[81] العنكبوت: 69.
[82] أخرجه البخاري، أنظر ابن حجر: فتح الباري 11/327، وأخرجه مسلم أيضاً.
[83] محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، ص276، 277.
[84] أنظر في مفهومي الدين والإيمان، محمد بن أحمد السفاريني، لوامع الأنوار البهية: 1/428، 429.
[85] أخرجه مسلم أنظر مسلم بشرح النووي: 2/3.
[86] انظر علي بن أبي العز الحنفي. شرح العقيدة الطحاوية، ص382.
[87] أخرجه مسلم أنظر مسلم بشرح النووي: 2/25.
[88] لمسلم أيضاً أنظر مسلم بشرح النووي، 2/27.
[89] محمد ابن اسحاق بن منده/ كتاب الإيمان، ص369، 370. قوله (نشر الدقل) وهو ردئ التمر ويابسه.
[90] المرجع السابق، ص370.
[91] الأنفال: 2.
[92] التوبة: 124.
[93] أنظر ابن تيمية: الإيمان، ص315، 216.
[94] المرجع السابق: ص213.
[95] المرجع السابق: ص213.
[96] فاطر: 32.
[97] ذكرنا ظاهراً وباطناً احترازاً من المناطق لأنه لا يدخل في هذه الأصناف أنظر المرجع السابق، ص351.
[98] الواقعة: 88 – 91.
[99] كما ورد في سورة الواقعة وسورة المطففين.
[100] أنظر المرجع السابق، ص351، وأنظر محمد بن أحمد السفاريني لوامع الأنوار البهية، 1/403.
[(1/44)
101] أخرجه البخاري، أنظر ابن حجر، فتح الباري: 11/348، 349.
[102] سورة البقرة: 253.
[103] أنظر حافظ بن أحمد الحكمي: معارج القبول: 2/280 – 286.
[104] Patterson, C. H. Theories of Counsling and Psychotherapy, P, 523-525.
[105] أنظر المرجع السابق، (الفصل الأخير).
[106] أنظر سارونوف أ. مدنيك وآخرون: التعلم، ترجمة محمد عماد الدين اسماعيل، ص73، 74.
[107] أنظر جوليان روتر: علم النفس الاكلنيكي، ترجمة عطية محمود هنا، ص141 – 143.
[108] Monite, C. Beneath the Mask, P 560ه 562.(1/45)