الإدارة العامة العربية الإسلامية مفاهيم ونظرات تأصيلية
( أ. أحمد سعيد سلمان (1)
المقدمة:
الحمد لله علّم بالقلم علّم الإنسان مالم يعلم،والصلاة والسلام على رسوله الأمين صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين، وبعد،،،
أهمية البحث:
فإنَّ موضوع الإدارة العامة العربية الإسلامية من المواضيع الهامة وتكتسب أهميتها من كونها مرتبطة بحياة البشر وتنظيم شئون حياتهم في الدنيا والآخرة.
أهداف البحث:
يهدف البحث في منتهاه إلى لفت النظر لقيمة الإبداع في الإدارة وفق رؤية إسلامية تربط بين الأصول الإسلامية في علم الإدارة والمفاهيم المعاصرة. ومهما تطورت الأساليب الإدارية المعاصرة فهي لا تتجاوز إمكانات وقدرات البشر المحدودة إلا أن مستوى الإبداع في الإدارة العامة الإسلامية كما تسوقه شواهد هذا البحث متفوق ومتميز ولا يمكن تقليده من قبل الباحثين على اختلاف مللهم، إلاَّ بالاجتهاد لإضافة توجيهاً ضرورة الواقع المحلي، ولا تتعدى الفهم القرآني مهما كان الواقع المراد، وذلك استناداً لشمول القرآن الكريم وتميُّزه في التعامل مع كل الأمور، وذلك وفقاً لقوله تعالى (2) ، فالتفريط والإفراط من البشر.
منهج البحث :
استخدم الباحث المنهج الوصفي التاريخي الذي يتيح الفرصة للإطلاع على جزء من التراث الذي كتب في مجال الإدارة العامة العربية الإسلامية والإدارة المعاصرة وقد قام الباحث بما يلي:
[1] عزو كل الآيات التي وردت في البحث إلى سورها وبيَّن اسم السورة ورقم الآية.
[2] اعتمد الباحث على بعض أمهات كتب التفسير.
[3] استدلَّ الباحث بالأحاديث النبوية الشريفة وعمل على تخريجها .
__________
(1) (() وكيل جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية (السُّودان ـ أم درمان).
(2) سورة الأنعام، الآية (38).(1/1)
[4] اعتمد على بعض المراجع الأصلية والحديثة،وأثبت في الحاشية الكتب التي أخذ منها المعلومة ووضع ما نقل نصاً بين قوسين،أما ما استفاد منه الباحث صياغة فلم يضعه بين قوسين.
[5] رجع الباحث إلى معاجم اللغة لشرح معاني بعض المفردات.
خطة البحث:
جاءت خطة البحث مشتملة على مقدمة، وسبعة مباحث، وخاتمة.
أمَّا المقدمة؛ فقد تطرقت إلى أهمية الموضوع وأهدافه ومنهجية البحث فيه. وقد جاء المبحث الأول باسم تعريف الإدارة العامة في اللُّغة والاصطلاح، وقد اشتمل على ثلاثة مطالب، تناولت تعريف الإدارة في اللُّغة والاصطلاح وتوضيح مفهوم الإدارة العامة المعاصرة والإسلامية.
أمَّا المبحث الثاني؛ فقد جاء بعنوان: "ضوابط الإدارة العامة العربية والإسلامية"، وبه مطلبان،وقد اشتملا على ممارسة المناشط المباحة والعدالة بين أفراد المجتمع.
كما تناول المبحث الثالث أهداف الإدارة العامة العربية والإسلامية ومقاصدها، وفيه ثلاثة مطالب، تطرقت إلى عمارة الأرض،ورعاية الكليات الخمس، وتحصيل المصالح العامة والمحافظة عليها.
كما جاء المبحث الرابع بعنوان: "أهلية الوظيفة العامة وأسس الاختيار"، وبه مطلبان يوضحان عظمة ومسئولية الوظيفة العامة وأسس الاختيار لها.
أمَّا المبحث الخامس؛ فقد جاء عن التدريب، وقد اشتمل على أربعة مطالب، تناولت مفهوم التدريب وأهدافه ووسائله وآدابه.
وتطرَّق الباحث في المبحث السادس إلى الرقابة، من خلال مطلبين تناولا مفهوم الرقابة وأنواعها .
وجاء المبحث السابع عن الأجر، وقد اشتمل على أربعة مطالب، شملت تعريف الأجر في اللُّغة والاصطلاح، وتحديد الأجر، والوفاء به، والمطالبة بزيادته.
وفي الخاتمة توصل الباحث إلى بعض النتائج والتوصيات.
المبحث الأول
تعريف الإدارة العامة لغة واصطلاحاً
المطلب الأول: تعريف الإدارة لغة(1/2)
وردت عدة تعريفات في معاجم اللُّغة، إذ جاء تعريفها في "لسان العرب" في مادة (دور): "وأداره عن الأمر وعليه، وداوره: لاوصه، ويقال: أدرت فلاناً عن الأمر إذا حاولت إلزامه إياه وأدرته عن الأمر إذا طلب منه" (1) .
كما جاء تعريف بـ "معجم الطلاب" في مادة (أدار): "أدار الوزير العمل: أشرف عليه". وعلم الإدارة: علم يتعلق بكيفية إدارة الأعمال" (2) .
المطلب الثاني: تعريف الإدارة العامة في الاصطلاح
أورد علماء الإدارة عدة تعريفات للإدارة العامة في الاصطلاح، تتفق في معناها العام وتتفاوت في بعض الجزيئات، كما عرَّفها علماء المسلمين بتعريفات مختلفة، وسوف نورد بعض التعريفات بغرض الوقوف عليها ومقارنتها، سعياً للوصول إلى أمثل التعريفات وشمولها لمفهوم الإدارة العامة وما يميِّز معنى الإدارة الإسلامية عن مفهوم الإدارة عند غير المسلمين.
أولاً: تعريف الإدارة عند علماء الإدارة المعاصرين:
__________
(1) ابن منظور: لسان العرب، طبعة جديدة صحَّحها أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصادق العبيدي، دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، ط/1، 1416هـ 1995م، مادة (دور)، 4/448.
(2) د. محمد إسماعيل الصيني، حيمور حسن يوسف: معجم الطلاب، مكتبة لبنان، بيروت، 1991م، مادة (أدار) ص 50.(1/3)
عرَّف الدكتور سعيد المصري الإدارة العامة بأنَّها: "مجموعة الأساليب والنظم المرتبطة بالمناشط الإدارية التي تؤدِّيها منظمات وأجهزة الدولة والتي تهدف بصفة أساسية وقاطعة إلى تحقيق الصالح العام في المجتمع. والتي تؤثر قراراتها تأثيراً شاملاً وعاماً ومباشراً على مصالح أفراد المجتمع وجماعاته، والتي تتأثر حركتها وتصرُّفاتها بدرجة كبيرة بالتفاعل، والتي تتأثر حركتها المستمرة مع مقومات وعوامل البيئة القومية والعالمية بجميع أبعادها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية" (1) .
كما عرَّفها محمد سعيد عبد الفتاح بأنَّها: "مزج من القوانين واللوائح والعلاقات التي تسمح بتحقيق وتنفيذ السياسة العامة. وينحصر عمل الإدارة في التوجيه والتنسيق والرقابة على مجموعة من الأفراد بقصد تحقيق أهداف محددة" (2) .
كما عرَّفها الدكتور/ أمين الساعاتي بأنَّها: "تعاون جهود الجميع في المحيط العام بحيث تنظم علاقات السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، في تعاملها البشري والمادي من أجل تحقيق الأهداف العامة" (3) .
ومن واقع التعريفات وما ترمي إليه؛ يظهر أنَّ مفهوم الإدارة المعاصرة: هو مجموعة النظم والتشريعات والقوانين والأساليب التي تمارسها الأجهزة العامة في الدولة، كالتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة من خلال تفاعلها مع البيئة المحيطة وفق ما يتوفر فيها من موارد خلال فترة زمنية محددة بهدف الوصول إلى أقصى قدر يمكن الوصول إليه في خدمة المجتمع.
ثانياً: تعريف الإدارة العامة في الإسلام:
__________
(1) د. سعيد محمد المصري: أساسيات في دراسة الإدارة العامة، دار المريخ للنشر، الرياض، ط/3، 1403هـ، 1983م،
ص 25.
(2) محمد سعيد عبد الفتاح: الإدارة العامة، المكتب العربي الحديث للطباعة والنشر، الإسكندرية، ط/5، 1986م،
ص 20.
(3) أمين الساعاتي: الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية، دار الشروق، جدة، ط/2، 1405هـ ـ 1985م، ص 21.(1/4)
وقد جاء تعريف الإدارة العامة في الإسلام أنَّها: "نشاط جماعي مشروط يقوم به الراعي مع موظفيه العاملين في جميع الأجهزة الحكومية من خلال تقديم خدمة أو سلعة مشروعة إلى الرعية أي الجمهور بلا تمييز شعوراً منهم بأمانة الإدارة أثناء ممارستهم الإدارية وفقاً لأنظمة وتعليمات مصدرها الشريعة الإسلامية مستغلين في ذلك كافة الإمكانات المتاحة. سعياً لتحقيق أهداف عامة مباحة من أجل توفير الأمن والرخاء والنماء للبلاد والعباد" (1) .
المطلب الثالث: مقارنة بين مفهوم الإدارة العامة المعاصرة والإدارة الإسلامية
الناظر إلى مفهوم الإدارة العامة المعاصرة والإدارة العامة الإسلامية من خلال التعريفات السابقة يجدهما تتفقان في أنَّهما من الأساليب والنظم والمناشط الإدارية التي تؤديها منظمات وأجهزة الدولة والتي تهدف بصفة أساسية إلى تحقيق الصالح العام والمنفعة العامة في المجتمع من خلال استغلال الموارد المتاحة في البيئة المعينة خلال فترة زمنية محددة. ولكن نجد أنَّ التمايز واضح والفرق بينها في بعض الجوانب الأساسية:
فنجد أنَّ الإدارة العامة الإسلامية محورها الأساس العقيدة والإيمان وبهما يتجاوز الفرد المسلم المنافع الشخصية الدنيوية إلى سعة التكليف الرباني الذي يجعل الحياة كلها لله، وأنَّ غاية خلق الإنسان هو العبادة والخلافة في الأرض تحقيقاً لقوله تعالى (2) .
__________
(1) أحمد بن داود المزجاجي الأشعري: مقدمة في الإدارة العامة الإسلامية، الشركة الخليجية للطباعة والتأليف، جدة، المملكة العربية السعودية، ط/1، 1421هـ 2000م،ص 49-50.
(2) سورة الذاريات، الآيتان (56- 57).(1/5)
أمَّا الفكر الإداري الغربي فهو يعالج المشكلة الإدارية في إطار نظريات ذات نظرة جزئية غير شاملة لا تضع اعتباراً ولا حيزاً لما وراء المادة والمنفعة، بل تركِّز بصفة أساسية على المنافع الشخصية أو الجماعية أو المنافع المشتركة في إطار العلاقات بين الدول دون أدنى نظرة للدين والعقائد (1) .
ومن خلال المقارنات نجد أنَّ الإدارة العامة الإسلامية تتفوَّق على الإدارة العامة المعاصرة بالآتي:
[1] الإدارة العامة الإسلامية تسعى بصفة أساسية لخدمة الأهداف المشروعة من خلال مناشطها الخدمية والسلعية المباحة يحكمها في ذلك الإيمان والعقيدة الربانية.
[2] يؤدِّي المكلَّف العمل في الإدارة الإسلامية عمله على أساس أنه على قيمة إيمانية يسعى من خلالها للعبادة.
[3] التعامل في الإدارة الإسلامية يتم على أساس الأخوة الإسلامية والمساواة واحترام إنسانية العامل ونوع العمل الذي يؤديه.
المبحث الثاني
ضوابط الإدارة العامة الإسلامية
الناظر إلى الإدارة العامة الإسلامية يجد أنَّها تسعى إلى تحقيق أهداف عامة كبيرة تتصل بالغاية التي من أجلها خلق الإنسان وهي العبادة (2) . وقوله تعالى (3) .
وحتى تحقق هذه الأهداف الكبيرة لابد من ضوابط أساسية تحكم الإدارة العامة الإسلامية حتى تتمكن من الوصول إلى أهدافها والضوابط هي:
الضابط الأول: ممارسة المناشط المباحة شرعاً:
إذ لا يجوز ممارسة العمل في أي سلعة أو خدمة غير مباحة فالعمل الصالح مطلوب بنص القرآن الكريم (4) . وكذلك يقول الله عزَّ وجلَّ (5) .
__________
(1) أ. د خالد سر الختم: علم الإدارة في الإسلام بين التنظيم والمنظور، شركة دار الحكمة للطباعة والنشر، الخرطوم بحري، 1419هـ ـ 1998م، ص 118-122.
(2) سورة الذاريات، الآية (56).
(3) سورة الأنعام، الآيتان (162- 163).
(4) سورة العصر، الآيات (1-3).
(5) سورة الكهف، الآية (103).(1/6)
فإنتاج السلعة وتقديم الخدمة غير المباحة شرعاً يخرجان فاعليهما من دائرة العمل الصالح الذي جزاؤه الجنَّة ويردي به إلى الخسران المبين فحيثما يكن التزام الشرع تكن المصلحة، ولا يمكن للمصلحة من منظور شرعي أن تجر المجتمع إلى دمار القيم والفضائل بل إنَّ أساسها درء الفاسد وجلب الصالح حتى أنَّ الشرع يقدم درء المفسدة ودفع الضرر على جلب النفع في المجتمع المسلم.
الضابط الثاني: العدالة بين أفراد المجتمع:
إنَّ العدالة هي الصفة الأساسية لمن يتولى أيّ أمر من أمور البشر قل أو كثر والإدارة العامة أساسها تولي أمور الأُمَّة والواجب فيها تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع دون تفرقة كما جاء في قوله تعالى (1) ، وقوله تعالى (2) ، وقوله تعالى ... ( (3) .
وقد أشارت هذه الآيات إلى توخي العدالة بين البشر في كل شئون حياتهم دون تفرقة لعرق أو لون أو صلة وقد حكمت الآيات أنَّ التفاضل بين البشر تحكمه فقط التقوى وقد جاء في الحديث الشريف عن المساواة بين البشر: (لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلاَّ بالتقوى)( (4) .
ولنا قدوة وأسوة حسنة في صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخليفته أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حينما قال: (وليتُ عليكم ولستُ بخيركم، القوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرد عليه حقه) (5) .
__________
(1) سورة النساء، الآية (58).
(2) سورة الحجرات، الآية (13).
(3) سورة ص، الآية (26).
(4) أخرجه أحمد، 5/411.
(5) انظر: د. زكريا بشير إمام: السياسية في القرآن الكريم، دار هزاير كنشر، الخرطوم، السُّودان، ط/1، 1999م،
ص 35- 36.(1/7)
فهذه قمة العدل والمساواة بين أفراد المجتمع، وهي ميزة انفردت بها الإدارة الإسلامية دون غيرها، وقد جاء في الأثر: (عدل يوم كعبادة أربعين سنة) (1) . وإنَّ ما نراه من تفرقة عنصرية وانتهاك لحقوق الإنسان خير شاهد على تفرُّد الإسلام وتعامله.
المبحث الثالث
أهداف الإدارة العامة الإسلامية ومقاصدها
المطلب الأول: عمارة الأرض
إنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الكون وحمَّل أمانته للإنسان كما جاء في قوله (2) .
وخصّ الإنسان بقدرات وإمكانات عقليه تمكنه من تحقيق الاستخلاف وعمارة الأرض بالاستفادة من إمكاناتها ومواردها كما جاء في قوله تعالى
(3) ، وقال تعالى
(4) ، وقال تعالى (5) ، وقوله تعالى
(6) .
والناظر إلى تفسيرات هذه الآيات يجد أن الله سبحانه وتعالى ينبه من خلالها إلى آياته العظام ومننه الجسام في تسخيره الليل والنهار يتعاقبان، والشمس والقمر يدوران، والنجوم الثوابت والسيارات في أرجاء السماوات والأرض نوراً وضياءً تكون هادية للعالمين، وكل يسير بحركة مقدرة لا يتجاوزها، والكل تحت سلطانه وتسخيره. كما سخَّر البحر بحيتانه وجواهره لعباده، وسخَّر لهم إخراجها للأكل وللحلية، وسخَّر أيضاً البحر لحمل السفن خدمة لبني
آدم (7) . وكل هذه النعم سخَّرها الله عزَّ وجلَّ لبني آدم لتمكينه من عمارة الأرض وتنميتها.
__________
(1) عماد الدين بن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي: تفسير القرآن العظيم، مكتبة دار الفيحاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط/1، 1414هـ ـ 1994م، 1/687.
(2) سورة الأحزاب، الآية (72).
(3) سورة النحل، الآيات (12-14).
(4) سورة إبراهيم، الآيات (32-34).
(5) سورة هود، الآية (61).
(6) سورة الأعراف، الآية (74).
(7) انظر: عبد الرحمن بن إبراهيم المطرودي: الإنسان ووجوده وخلافته في الأرض في ضوء القرآن الكريم، مكتبة وهبة، القاهرة، 141هـ ـ 199، ص 375-376.(1/8)
وحتى يتمكن الإنسان من عمارة الأرض نجد أنَّ الله سبحانه قد خصَّ بني آدم بما لم يخص به مخلوقاته الأخرى، فقد خصَّه بقدرات عقلية وجسدية ونفسية، وجعل له الإرادة الذاتية التي تمكِّنه من التعامل مع محتويات الكون، فيطوعها لخدمته في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فإنَّ الله سبحانه وتعالى لم يترك الإنسان في استخدام هذه المسخرات على هواه بل ضبط تعامل الإنسان بضوابط كثيرة تضمن استقامة الإنسان وتضعه على الجادة، إذ قال في محكم التنزيل (1) ، وقوله تعالى (2) ، وقوله تعالى (3) .
وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : (يا أبا هريرة كن ورعاً تكن أعبد النَّاس، وكن قنعاً تكن أشكر النَّاس، وأحب للنَّاس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب) (4) .
فإنَّ كل هذه الآيات والأحاديث تشير إلى ضرورة التزام الإنسان بالمنهج الرباني الذي يدعو إلى تسخير الكون وما حوى لعبادة الله سبحانه وتعالى وتهذيب سلوك الفرد واستقامته حتى يقوم برسالته في عمارة الأرض طاعة لله تعالى وخدمة لبني البشر كما جاء في قوله تعالى (5) .
__________
(1) سورة القصص، الآية (77).
(2) سورة لقمان، الآيات (1-5).
(3) سورة الأنعام، الآية (82).
(4) أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد باب الورع والتقوى، 2/141.
(5) سورة الأنبياء، الآية (105).(1/9)
فالتفريط في التكليف الإلهي بعمارة الأرض باتباع الأحكام الشرعية والسلوك القويم في مناحي الحياة العامة يؤدِّي إلى انتهاك خلافة الإنسان في الأرض كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة). قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) (1) .
المطلب الثاني: رعاية الكليات الخمس
من أهم الأهداف في الإدارة العامة الإسلامية رعاية الكليات الخمس، التي تتمثل في: حفظ الدين، والنَّفس، والعقل، والنَّسل، والمال، تحقيقاً للغاية التي من أجلها خلق الله تعالى الإنسان، والتي نصَّ عليها بقوله (2) .
فالغاية هي عبادة الله وعمارة الأرض، وبرعاية هذه الكليات والعمل على تحقيقها من خلال الوظيفة العامة متبعين قول الله عزَّ وجلَّ (3) .
ويظهر من خلال تفسير هذه الآية وعد الله سبحانه وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بأنه سيجعل المؤمنين الذين يعملون الصالحات خلفاء في الأرض ويجعلهم أئمة على الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد والعباد (4) .
وسنبيَّن بشيء من التفصيل هذه الكليات وهي:
أولاً: حفظ الدين:
فالدين ضرورة ولا فلاح للإنسان في الدنيا والآخرة إلاَّ به، فإنْ أقامه حفظ إنسانيته وعرف مهمته وغاية وجوده، ومن جهله صار كالحيوان بل هو أضل، كما جاء في قوله تعالى (5) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة، 7/188.
(2) سورة الذاريات، الآية (56).
(3) سورة النور، الآية (55).
(4) انظر: الإمام الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774هـ)، وطبعة عالم المعرفة للنشر والتوزيع،
3/358.
(5) سورة الأعراف، الآية (179).(1/10)
فحفظ الدين هدف أساسي تسعى الإدارة العامة الإسلامية على تحقيقه والمحافظة عليه وبه يصلح أمر الأمة وذلك من خلال الإيمان بالله وكمال الطاعة له وأنَّ نظام الإدارة الإسلامية لا بُدَّ من أنْ يركِّز على الحفاظ عليه من خلال إقامة أركانه الخمسة كما جاء في قوله تعالى (1) .
ثانياًً: حفظ النَّفس:
فواجب الإدارة الإسلامية حفظ النَّفس من خلال مؤسساتها العامة صوناً للإنسان وحفظاً لكرامته وقد جعل الله سبحانه وتعالى التعدي على النَّفس جريمة كبرى كما جاء في القرآن العظيم (2) ، وقال تعالى ... (3) ، فحتم على الإدارة الإسلامية حظر قتل النَّفس ومنع الاعتداء عليها والتأكُّد من قيام البيِّنة عند القصاص.
ثالثاً: حفظ العقل:
إنَّ العقل نعمة من الله على الإنسان، ميَّزه بها على سائر فصائل الحيوان، وجعل كماله شرطاً للتكليف، وبدونه لا تكون للحياة معنى. لذا فإنَّ من أوجب نشاط الإدارة الإسلامية العمل على حفظه ورعايته وحمايته من كل ما يهدده من المهددات المعنوية أو المادية.
رابعاً: حفظ النَّسل:
إنَّ حفظ النَّسل هو قوام الأُمَّة الصالحة وقد شرع الله له النكاح حتى ينشأ المجتمع الصالح. ومن أهم أهداف الإدارة العامة الإسلامية العمل على حفظه من خلال المؤسسات التي تقوم على الحض على النكاح وحماية الأعراض بإقامة حَدَّي الزِّنى ومنع كل ما يؤدِّي لهلاك النَّسل وإضعافه.
خامساً: حفظ المال:
الأصل في المال أنَّه لله تعالى وأنَّ بني آدم مستخلفون فيه لإدارته على الوجه الشرعي كما جاء في قوله تعالى
(4) .
__________
(1) سورة الحج، الآية (41).
(2) سورة المائدة، الآية (32).
(3) سورة الأنعام، الآية (151).
(4) سورة الحديد، الآية (7).(1/11)
فواجب الإدارة الإسلامية تنمية هذا المال ورعايته في كل المجالات الزراعية والصناعية والاقتصادية وإحياء الأرض الموات ومن خلال كل الأعمال المشروعة فمنهجية قواعد الشرع تحكم التعامل مع المال وجمعه بالسبل الكريمة وانفاقه في الأوجه المشروعة دون إسراف أو تقتير كما جاء في قوله تعالى
(1) .
المطلب الثالث: تحصيل المصالح العامة والمحافظة عليها
الأصل في أي عمل ـ في نظر الإسلام ـ هو السعي لتحقيق الغاية التي من أجلها خلق الإنسان وهي العبادة وحتى يتمكن الإنسان من تحقيق هذه الغاية لا بُدَّ من رعاية المصالح العامة التي تمكن الإنسان من صياغة حياته الاجتماعية والاقتصادية الصحيحة والسياسية بما يوافق الشرع كما جاء في قوله تعالى (2) ، وقوله تعالى (3) .
فحتم على الإدارة العامة والقائمين عليها الاهتمام بالمصالح العامة للأفراد لتحقيق حياة أفضل يتوازن فيها الجانبان الروحي والمادي ونوجز المصالح العامة في النقاط التالية:
أولاً: توزيع الموارد العامة على الأفراد بالعدل دون محسوبية أو مجاملة وقد جاء في قول الإمام ابن تيمية: "أن على ولي الأمر أن يأخذ المال من حله ويضعه في حقه ولا يمنعه من مستحقه" (4) .
__________
(1) سورة الإسراء، الآية (29).
(2) سورة الحج، الآية (40).
(3) سورة الأنفال، الآية (63).
(4) الدولة ونظام الحكم عند ابن تيمية، مرجع سابق، ص 55.(1/12)
ثانياً: إقامة القضاء العادل الذي يضمن صيانة الحقوق العامة والخاصة وقد جاء في كتاب ابن تيمية: "إنَّ وظيفة الدولة المسلمة هي إقامة العدل ويشمل ذلك قيام الدولة بالوظيفة القضائية" (1) ولنا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة وقدوة في تطبيق القضاء العادل بين أفراد المجتمع في حديث المخزومية التي سرقت" (2) .
ثالثاً: تنظيم المملكة الفردية من أهم المصالح العامة التي يجب مراعاتها وفيها يقول ابن تيمية: "إنَّ الناس مسلطون على أموالهم ليس لأمير أن يأخذها أو شيئاً منها إلاَّ عن طيب أنفسهم وفي المواضع التي تلزمهم" (3) ، فالتملُّك من حقوق أفراد المجتمع وعلى الدولة حمايته وتنظيمه ويمكن أن تنزعه من صاحبه في حالة الحاجة له للمصلحة العامة.
المبحث الرابع
أهلية الوظيفة العامة وأسس الاختيار
المطلب الأول: عظم مسئولية الوظيفة العامة
يقول الله عزَّ وجلَّ في محكم تنزيله (4) . ويقول جلَّ وعلا (5) .
وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة). قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) (6) .
__________
(1) انظر: شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية: السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، دار الجيل، بيروت، لبنان، ط/2، 1408هـ ـ 1998م، ص 57-60.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان، 3/16.
(3) الحسبة للإمام ابن تيمية، مرجع سابق، ص 16.
(4) سورة النساء، الآيتان (58-59).
(5) سورة الأنفال، الآية (27).
(6) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة، 7/188.(1/13)
يتضح من خلال الآيات التي أوردتها والحديث عِظَمِ مسئولية الوظيفة العامة كأمانة يسأل عليها الإنسان يوم القيامة ويحاسب على أدائه فيها فالأمانة وفق ما جاء في تفسير الآيات السابقة تشمل الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق لله عزَّ وجلَّ على عباده في أمور العبادات وتشمل حقوق العباد بعضهم على بعض في أمور الدنيا (1) ، وتبرز من خلال هذه المعاني عظمة أمانة الوظيفة وما يترتب عليها من حساب وعقاب عند التقصير فيها فالوظيفة العامة مسئولية شخصية يراعى فيها المكلف جانب الله عزَّ وجلَّ. وجاء في تفسير القرآن العظيم إن الآية . نزلت في الأمراء يعني الحكام بين الناس (2) وهم الذين يتولون أمر العامة.
المطلب الثاني: أسس الاختيار للوظيفة العامة
فقد ظهر في المطلب السابق عظمة الأمانة والمسئولية الملقاة على عاتق من يتولى الوظيفة العامة لهذا لا بُدَّ من وضع الأسس والمعايير اللازمة التي تحكم الاختيار لتوليها سعياً للوصول لأداء الأمانة بالكفاية المطلوبة.
وكذلك نجد أنَّ قدرات البشر العقلية والبدنية تختلف من شخص لآخر وكذلك الأعمال المطلوبة لتسيير أمور الأُمَّة من خلال الوظائف العامة فنجد الأعمال الذهنية والأعمال البدنية.
ومن أهم عوامل النجاح في أداء الوظيفة العامة هو تناسب قدرات من يتولى الأمر مع متطلبات الوظيفة سواء كانت ذهنية أو بدنية. وإنَّ الاختيار للوظيفة العامة في النظام الإسلامي مربوط بالنصوص القرآنية (3) ، وقوله تعالى (4) .
__________
(1) انظر: عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي: تفسير القرآن العظيم، مكتبة دار الفيحاء للطباعة والنشر، دمشق، ط/1، 1414هـ ـ 1994م، 1/685.
(2) انظر: تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق، 1/686.
(3) سورة القصص، الآية (26).
(4) سورة يوسف، الآية (55).(1/14)
ومن خلال هذه الآيات الكريمة تظهر لنا أهم أسس الاختيار للوظيفة العامة وهي: القوة، والأمانة، والحفظ، والعلم. وسنتناولها بالشرح الموجز:
أولاً: القوة:
هذه تشمل القوة المادية والمعنوية حسب مقتضى الحال فالقوة تعني الاستعداد الذهني والجسمي والنفسي وتحمّل أداء الأمانة كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "القوة بحسبانها" (1) . وهذا يعني أنَّ القوة حسبما تقتضي مصلحة المسلمين وحسبما تتوافق مع ما هو مطلوب من قوة إدارة أو قوة الذهن أو قوة الحُجَّة أو البرهان.
فالقوة في إمارة الحرب ترجع لشجاعة القلب والخبرة في إدارة الحروب والقوة في القضاء بين الناس ترجع إلى العلم بالأحكام وتفاصيلها من خلال الكتاب والسُّنَّة وإلى القدرة في إصدار الأحكام العادلة وتنفيذها (2) .
ثانياً: الأمانة:
إنَّ الأمانة في إطار الاختيار للوظيفة العامة تعني القدرة على التكليف والقيام بأمره، لأنَّ العمل في الإدارة العامة هو أمانة، والأمانة هي الحرص على أداء الواجبات الوظيفية بنزاهة وحياد ودقة وقد جاء في قوله تعالى (3) ، وقوله تعالى (4) ، وقوله تعالى ... (5) .
وقد ورد حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أمانة التكليف: (إنَّها لأمانة، وإنَّها لخزي وندامة إلاَّ من أداها بحقها) (6) .
__________
(1) شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية: كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، دار الجيل، بيروت، لبنان، ط/2، 1408هـ ـ 1988م، ص 15.
(2) انظر: السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، مرجع سابق، ص 15-16.
(3) سورة المؤمنون، الآية (8).
(4) سورة الأنفال، الآية (27).
(5) سورة النساء، الآية (58).
(6) أخرجه مسلم في الصحيح من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - كتاب الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، برقم 1825،
3/1457.(1/15)
وتشمل الأمانة كل ما يعهد إلى من يتولى أمراً عاماً مهما كانت درجته فالموظف ـ مثلاً ـ مؤتمن على ما بعهدته من أموال أو معلومات أو معدات، وكذلك مؤتمن على مصالح الجمهور الذي قصده للخدمة وأنْ يكون عادلاً في التعامل معه دون تفرقة أو محسوبية، فالعدل مطلوب بنص القرآن الكريم ... (1) .
والمسلم يتحمَّل الأمانة من خلال ثلاث وجهات: أمام الله، وأمام نفسه، وأمام المجتمع (2) .
ومن خلال السرد السابق وما حوى من أدلة وبراهين من القرآن والسنة ضرورة مراعاة الأمانة في الاختيار للوظيفة العامة وعلى من يتم اختياره ضرورة مراعاة الأمانة والالتزام بها ابتغاء مرضاة الله بها وطمعاً في حسن ثوابه.
ثالثاً: الحفظ:
ويعني المراقبة والمحافظة وقلة الغفلة والاهتمام بالشيء وقد جاء في قوله تعالى على لسان سيدنا يوسف - عليه السلام - (3) .
وقد طلب سيدنا يوسف - عليه السلام - من عزيز مصر أنْ يمكِّنه من إدارة الشئون المالية والاقتصادية. وذلك بعد أنْ خاطبه الملك وقال له (4) ، أي أنَّك ذو مكانة عندنا حين طلب سيدنا يوسف - عليه السلام - من الملك أنْ يجعله على خزائن الأرض، ويجوز للرجل أنْ يزكي نفسه إذا جهل أمره للحاجة (5) .
رابعاً: العلم:
والعلم المعتبر أساساً من أسس الاختيار هو كمية المعلومات والمعرفة التي تمكن من يتولى أمراً من الأمور العامة القيام به على الوجه الأكمل المطلوب. حتى لا يقع الفشل والضرر على جمهور الأمة.
وقد جاء في قوله تعالى في شأن العلم ... (6) ، وكذلك قوله تعالى
__________
(1) سورة الأنعام، الآية (152).
(2) انظر: مقدمة في الإدارة الإسلامية، مرجع سابق، ص 237.
(3) سورة يوسف، الآية (55).
(4) سورة يوسف، الآية (54).
(5) انظر: تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق، 2/633.
(6) سورة الزمر، الآية (9).(1/16)
(1) ، وقد جاء في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) (2) .
خامساً: استعمال الأصلح:
بعد النظر في كل أسس الاختيار والتي قلَّ أن تجتمع في شخص واحد ولكن الواجب أن يولي الأمر لمن هو أصلح، وقد جاء في كتاب ابن تيمية "اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول: اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة" (3) .
المبحث الخامس
التدريب
المطلب الأول: مفهوم التدريب
هو العملية التي تسعى من خلالها الإدارة العامة إلى زيادة المهارات والقدرات الذهنية والبدنية بغرض رفع الكفاية في أداء الوظيفة العامة (4) ، امتثالاً لقول الله عزَّ وجلَّ مخاطباً رسوله الكريم
(5) ، وقوله تعالى ... (6) ، وقوله تعالى ... (7) .
ومن خلال المعاني الواردة في هذه الآيات واستنباطاتها يظهر اهتمام الدين الإسلامي بالتدريب وكسب المهارات عن طريق اكتساب العلم والحض عليه وتكريم العلماء مما يؤدي إلى الإحسان في العمل، وهذه قيمة أساسية من قيم الدين وقد أمر الله سبحانه وتعالى بها ووعد الذين يحسنون أعمالهم ويتقنونها بحفظ الثواب كما جاء في قوله تعالى (8) .
المطلب الثاني: أهداف التدريب
من أهم أهداف التدريب التي تسعى الإدارة العامة العربية الإسلامية إلى تحقيقها ما يلي:
أولاً: تعليم وتبصير الموظف العام بالمهارات والخبرات التي يحتاجها في عمله بغرض أن يكون متميزاً في عمله ملماً لمعارفه ومهاراته.
__________
(1) سورة طه، الآية (114).
(2) المنذري: الترغيب والترهيب في الحديث الشريف، برقم 10، 1/96.
(3) السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، مرجع سابق.
(4) انظر: د. حمدي أمين عبد الهادي: الفكر الإداري الإسلامي والمقارن، دار الفكر العربي، القاهرة، ط/3،
د. ت، ص 174.
(5) سورة طه، الآية (114).
(6) سورة المجادلة، الآية (11).
(7) سورة الزمر، الآية (9).
(8) سورة الكهف، الآية (30).(1/17)
ثانياً: تمكين الموظف من أداء عمله بإتقان وحسن جودة، وقد حثَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على إتقان العمل كما جاء في الحديث الشريف: (إنَّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أنْ يتقنه) (1) .
ثالثاً: تطوير تقنيات ومهارات العاملين حتى تواكب التقدم العلمي والاستفادة من مهارات التقنية وإنزالها على الواقع العملي بغرض تطويره وتحديثه ليكون أكثر منفعة وأيسر خدمة للأمة (2) .
المطلب الثالث: وسائل التدريب
إنَّ الإسلام يأمر باتخاذ كل الوسائل والأسباب التي تؤدي إلى الإتقان والإحسان والتجويد، وقد جعل عدة وسائل للتدريب أولها القراءة، وقد جاء فيها من القرآن الكريم
(3) .
أمَّا وسيلة التدريب الثانية فهي المشاهدة والملاحظة والتأمُّل والتفكُّر فيها وصولاً إلى بعيد أهدافها وغاياتها، وقد جاء في قوله تعالى ... (4) . أما الوسيلة الثالثة للتدريب فهي السماع، وتبرز من خلال الآية الكريمة (5) ، أمَّا الوسيلة الرابعة للتدريب هي الممارسة العملية والتي تمكن من يقوم بها من حسن الإتقان والتجويد.
فنجد أنَّ وسائل التدريب الأربع، وهي: القراءة، والمشاهدة، والسمع، والممارسة؛ تتم من خلالها كل أنواع التدريب كالندوات وحلقات النقاش والمؤتمرات (وورش) العمل والدورات العلمية والتدريبية، وكلها تهدف إلى رفع قدرات العاملين والارتقاء بها وصولاً إلى الإتقان والتجويد في أداء الوظيفة العامة.
المطلب الرابع: آداب التدريب
وهي قسمان: قسم يخص المدرب، وآخر يخص المتدرب.
أولاً: آداب المدرب:
__________
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، 4/98 بلفظ: (أن يضمن).
(2) انظر: د. عبد المعطي محمد عسّاف: التدريب وتنمية الموارد البشرية، طبعة دار زهران للنشر والتوزيع، عمان،
د. ت، ص 47. وانظر: مقدمة في الإدارة الإسلامية، مرجع سابق، ص 416-418.
(3) سورة العلق، الآيات (1-5).
(4) سورة يونس، الآية (101).
(5) سورة الزمر، الآية (18).(1/18)
[1] الإخلاص في نقل المعرفة للمتدربين ابتغاء وجه الله عزّ وجلّ وامتثالاً لقوله تعالى (1) ، وكذلك قوله تعالى (2) .
[2] أنْ يكون المدرب قدوة حسنة للمتدربين من خلال سلوكه العملي كما جاء في قوله تعالى
(3) .
فعلى المدرب مراعاة جانب الله سبحانه وتعالى في كل أقواله وأفعاله وتعامله مع المتدربين بأحسن التعامل حتى يقتدي به المتدربون ويستفيدوا من قدراته ومهاراته التدريبية.
وعلى المدرب أيضاً أنْ يتأكد من استيعاب المتدربين للمادة المطلوب التدريب عليها حتى تعم الفائدة.
ثانياً: آداب المتدرب:
حتى تكتمل الفائدة من عملية التدريب لا بُدَّ من ضوابط وآداب يتحلى بها المتدرب أهمها:
[1] الاجتهاد في طلب العلم والمعرفة، وذلك من خلال الاهتمام والتركيز لاستيعاب البرامج المطروحة والاستفادة منها وأخذها مأخذ الجد على أساس أنها أمانة ومسئولية هو محاسب عليها في الدنيا والآخرة.
[2] التخلُّق بأخلاق طالب العلم واحترام المدرب بحسبانه معلِّماً، كما جاء في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا) (4) .
المبحث السادس
الرقابة
المطلب الأول: مفهوم الرقابة
الرقابة ركن أساسي من أركان الإدارة العامة، وقد عرّفها الأستاذ
الدكتور/ أبو سن بأنَّها: "هي عملية متابعة دائمة تهدف أساساً إلى التأكيد من أنَّ الأعمال الإدارية تسير في اتجاه الأهداف المخططة بصورة مرضية، كما تهدف إلى الكشف عن الأخطاء والانحرافات ثم تصحيح تلك الأخطاء والانحرافات بعد تحديد المسئول عنها ومحاسبته المحاسبة القانونية العادلة" (5) .
__________
(1) سورة البقرة، الآية (42).
(2) سورة فاطر، الآية (28).
(3) سورة الصف، الآيتان (2-3).
(4) المناوي: فيض القدير شرح كتاب الجامع الصغير، برقم 7694، 5/389.
(5) أحمد إبراهيم أبو سن: الإدارة في الإسلام، مرجع سابق، ط/5، ص 137.(1/19)
وعرّفها الدكتور/ محمد رفعت عبد الوهاب بأنَّها: "عملية التحقُّق من قيام المنظمات الإدارية بأداء المهام والخدمات بطريقة فعَّالة وفي إطار المشروعية القانونية الملزمة" (1) .
إنَّ تعريف الرقابة في الإدارة العامة الإسلامية ـ كما عرَّفها المزجاجي ـ أنَّها: "وظيفة إدارية فردية وجماعية، ومهمتها متابعة النشاط الإداري وفحصه داخل المنظمة بموضوعية بهدف التقويم أو التغيير عند اللزوم وذلك للتأكد من سلامة ومشروعية العملية الإدارية أداء ووسيلة وغاية" (2) .
والنَّاظر إلى التعريف الإسلامي للرقابة يجده شاملاً لكل أعمال المنظمة من رقابة عاملين ومناشط وسياسات حالية ومستقبلية والتأكد أيضاً من مشروعية عمل المنظمة، وذلك استناداً إلى التوجيه الرباني (3) ، وقوله تعالى (4) . فالرقابة حسب تفسير هذه الآيات هي تكليف رباني تحكمه شريعة السماء لا قوانين البشر القاصرة، وجاء في الحديث أيضاً: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) (5) .
المطلب الثاني: أنواع الرقابة الإدارية
الرقابة ثلاثة أنواع:
[1] رقابة ذاتية.
[2] ورقابة داخلية.
[3] ورقابة خارجية.
وسنتناولها بشيء من الإيجاز.
أولاً: الرقابة الذاتية:
وهي تنبع من مبدأ المسئولية الفردية في الإسلام والتكليف بالأمانة في الأداء، فواجب المسلم مراعاة الله في كل أعماله وأقواله، وهو يعلم أنه محاسب عليها. وقد مدح الله تعالى المؤمنين المراعين للأمانات والعهود بقوله (6) .
__________
(1) د. محمد رفعت عبد الوهاب: الإدارة العامة، طبعة دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، د. ت، ص 345.
(2) المزجاجي الأشعري: مقدمة في الإدارية الإسلامية، ط/1، مرجع سابق، ص 346.
(3) سورة التوبة، الآية (105).
(4) سورة المؤمنون، الآية (8).
(5) سنن أبي داود، برقم 2928، 3/343.
(6) سورة المؤمنون، الآية (8).(1/20)
وأساس الرقابة الذاتية هو الخوف من الله سبحانه وتعالى وحسن العمل ليوم الحساب كما يقول الله عزّ وجلّ (1) .
ثانياً: الرقابة الداخلية:
وهي رقابة الإدارة على موظفيها من خلال جهاز إداري داخلي (مراجعة داخلية)، وتهدف الرقابة الداخلية إلى التأكُّد من أنَّ العمل يسير وفق الخطة العامة ومحاولة كشف الأخطاء أولاً بأول والعمل على معالجتها.
ثالثاً: الرقابة الخارجية:
وهي الرقابة التي تقيمها الدولة لمراجعة أداء المؤسسات العامة بوساطة جهات مختصة لهذا الغرض. وهي نوعان: رقابة سابقة، ورقابة لاحقة.
أمَّا الرقابة السابقة؛ فإنها تكون في شكل تعليمات وقرارات وأوامر تصدر من الجهات العليا في الدولة، وعلى الجهاز التنفيذي الالتزام بها.
وأمَّا الرقابة اللاحقة؛ فيقوم بها الجهاز المختص للتأكُّد من صحة سير العمل خلال عملية التنفيذ أو بعد وقوع الخطأ بغرض التصحيح والمحاسبة (2) .
وهناك عدد من الأجهزة التي تقوم على الرقابة في الإدارة الإسلامية أهمها: ديوان المظالم، وديوان المراقبة العامة، وزارة المالية، والرقابة الشعبية. وكل هذه الأجهزة حدَّد لها النظام الإسلامي وظائف ومهام مستمدة من القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة وممارسة السلف لا يتسع المجال لذكرها.
المبحث السابع
الأجر
إنَّ الأجر من العوامل الأساسية في استقرار الكفايات والخبرات. وإنَّ استقرار الكفايات من العوامل المهمة في تقدم الدولة وتطويرها، لذا لا بُدَّ من عناية خاصة بنظام الأجور من خلال الإدارة العامة العربية الإسلامية. وسنتناول الأجر من خلال أربعة مطالب.
المطلب الأول: تعريف الأجر
جاء تعريف الأجر في اللُّغة على أنَّه: "الجزاء على العمل" (3) .
__________
(1) سورة الإسراء، الآيتان (13-14).
(2) انظر: د. عبد الرحمن الفيمان: الإدارة في الإسلام الفكر والتطبيق، مرجع سابق، ط/2، ص 124-125.
(3) ابن منظور: لسان العرب، 1/7. وانظر: القاموس المحيط، 1/376.(1/21)
وجاء تعريفه في الشرع على أنَّه: "عقد على منفعة مباحة معلومة تؤخذ شيئاً فشيئاً مقابل أداء عمل معين ومحدد" (1) .
وعقد العمل في الشريعة الإسلامية له أركان أساسية لا بُدَّ من توافرها، ومن أهمها: الأهلية والرضا. والأهلية تشمل اكتمال العقل والرشد لإبرام العقد حتى لا يحدث ضرر لأي طرف من أطراف العقد. أمَّا عقد العمل فيقصد به أنْ يكون كل طرف من أطرافه عالماً بما في العقد مقتنعاً به قادراً على إنفاذ ما هو مطلوب منه في العقد.
المطلب الثاني: تحديد الأجر
يحدد الأجر في نظام الإدارة المعاصر على أساس: الهيكل الراتبي، والدرجات، والخبرة العلميّة والعملية، وموقع الوظيفة، بغض النظر عن الحالة الاجتماعية لشاغل الوظيفة (2) .
أمَّا تحديد الأجر في الإدارة الإسلامية؛ فيحكمه حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - :: (من ولي لنا أمراً وليس له منزل فليتخذ منزلاً أو ليس له زوجة فليتخذ زوجة أو ليس له دابة فليتخذ دابة) (3) .
وقد أشار بعض الفقهاء إلى أنَّ تحديد الأجر يتم على أساسين، هما: قيمة العمل، وما يكفي العامل وأسرته مع مراعاة وضعه الاجتماعي وقدرته المهنية، كما يجب أنْ يراعى عند تحديد الأجر عدم وقوع أي ضرر على أي طرف من أطراف عقد الأجر.
المطلب الثالث: الوفاء بالأجر
أكَّد الشرع على ضرورة الوفاء بالأجر، طالما أنَّ الأجير قد أدَّى واجبه بحسبان أنَّ الأجر يحكمه عقد بين الطرفين، وقد جاء في القرآن العظيم
...
__________
(1) انظر: البهوتي: كشّاف القناع عن متن الإقناع، 3/546. وانظر: البهوتي: شرح منتهى الإرادات، 2/320.
(2) انظر: إبراهيم النعمة: العمل والعمال في الفكر الإسلامي، الدار السعودية للنشر، جدة، 1405هـ ـ 1985م، ط/1، ص 57-58.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، 4/229.(1/22)
(1) ، وأيضاً في الحديث الشريف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أعطوا الأجير حقه قبل أنْ يجف عرقه) (2) .
المطلب الرابع: المطالبة بزيادة الأجر
إنَّ المطالبة بزيادة الأجر جائزة في الشرع، ولكن المطالبة لا بُدَّ أنْ تكون وفق أسس وضوابط وقوانين، وعن طريق جهات مختصة قادرة على تقييم العمل وتقدير الأجر المناسب له، ولنا في صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخليفته أبي بكر الصديق أسوة وقدوة فقد جاء في رواية أنَّ سيدنا أبا بكر الصديق قال: (قد علم قومي أنَّ حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي، وقد شُغلت بأمر المسلمين، وسأحترف للمسلمين في مالهم وسيأكل آل أبي بكر من هذا المال (فجعلوا له ألف درهم)، وفي رواية: ثلاثة دراهم في اليوم من بيت المال، ثم قال: زيدوني فإنَّ لي عيالاً وقد شغلوني عن التجارة، فزادوه خمسمائة درهم) (3) .
الخاتمة
بعد الدراسة للإدارة العامة العربية الإسلامية ومقارنتها بالإدارة المعاصرة، فقد ظهرت بعض النتائج والتوصيات التي تتفرد بها الإدارة العامة العربية الإسلامية، نلخصها في الآتي:
أولاً: النتائج:
[1] إنَّ الإدارة العامة الإسلامية تسعى إلى تحقيق الأهداف المشروعة التي لا تخرج من دائرة التكليف الرباني للبشر بتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، وبالتالي فإنَّ كل المناشط الإدارية تنحصر في تقديم السلع والخدمات المباحة، بخلاف الإدارة العامة المعاصرة التي تركِّز بصفة أساسية على المنافع الشخصية والجماعية دون أي اعتبار لما وراء المادة والمنفعة.
__________
(1) سورة المائدة، الآية (1).
(2) سنن ابن ماجة، 2/817، والسنن الكبرى للبيهقي، 6/121.
(3) أبو سن: الإدارة في الإسلام، مرجع سابق، ط/5، ص 51.(1/23)
[2] التصرُّفات في الإدارة العامة الإسلامية يحكمها الإخلاص والإتقان كعقيدة للمكلَّف بالوظيفة، وأنَّ التصرف في الإدارة العامة سواء أكان إتقاناً أو تقصيراً فإنه يتعدى الجزاء الدنيوي إلى جزاء الدار الآخرة خيراً أم شراً.
[3] سبق الإسلام بإقامة نظام الإدارة العامة الإسلامية وكفل لها من التشريعات والقوانين ما يحكم المعاملات فيها وفق منهج القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة، وهو تشريع يتصف بالصلاح والشمول لكل زمان ومكان غير متضارب مع مستجدات الإدارة وتقنيِّاتها، بل إنَّ التقنيات والمعلومات التي يثبتها العلم الحديث تجد أصولها ثابتة في القرآن الكريم، مما يعني سبق الإسلام وشموله وطهره، بخلاف الإدارة المعاصرة التي ترتكز على فكر البشر القاصر الذي يتصف بالمحدودية والقصور.
[4] التعامل وعلاقات العمل في الإدارة العامة الإسلامية بين المكلَّفين مبني على الأخوة الإسلامية والمساواة واحترام الأمير دون أي فوارق عرقية أو اجتماعية، بخلاف ما نراه من تنازع بين العاملين في الإدارة المعاصرة، مآله الضعف والفشل.
[5] الوظيفة العامة في الإدارة العربية الإسلامية مسئولية ربانية مطلوب من خلالها العمل على تحكيم شرع الله ورعاية خلافته في الأرض، وإنَّ التقصير فيها أو حسن الأداء يتعدى إلى عقاب أو ثواب في الدار الآخرة.
[6] تحرص الإدارة العربية الإسلامية على صقل المهارات والإتقان بحسن التدريب وتحصيل العلم باعتباره عبادة وأمانة، وجعلت له آداباً وشرائع تفردت بها عن الإدارة المعاصرة كالخشية من الله تعالى، والأمانة في نقل العلم والمعرفة للمتدربين بالأمانة والتواضع والرفق.
[7] تفرَّدت الإدارة العربية الإسلامية بالرقابة الذاتية الشخصية، وهي أبلغ وأقوى أنواع الرقابة، لأنَّ كل وسائل الرقابة الأخرى مهما كانت دقتها يمكن اختراقها إلاَّ الرقابة الذاتية التي تفرد بها النظام الإسلامي.(1/24)
[8] تفردت الإدارة العامة العربية الإسلامية في تعاملها مع الأجور إذ جعلت الأصل فيها الأجر الكافي للمكلَّف بالوظيفة حتى لا يتعرض للفتنة، وأتاحت له المطالبة بزيادة الأجر في حالة عدم الكفاية، وهذا ما لم يحدث في النظم الإدارية الحديثة.
ثانياً: التوصيات:
يوصي الباحث بضرورة تطبيق نظام الإدارة العامة الإسلامية على مستوى العالم العربي والإسلامي.
اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئاً، وصَلِّ اللهم وسلِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
.. وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين ..(1/25)