تأليف :
عبد الله بن ناصر بن عبد الله السدحان
1421هـ
مقدمة
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه...
تتمايز الحضارات البشرية بمقدار ما تملكه من رصيد إنساني وأخلاقي تقدمه للبشرية، ولقد بلغت الحضارة الإسلامية الذروة في ذلك ولم تقتصر على الإنسان فحسب، بل تجاوزته إلى الحيوان، يحدوها في ذلك قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: ( إن اللَّه كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته ( (رواه مسلم)(1)، ولقد اتسمت الحضارة الإسلامية بخصائص تتفق وطبيعة روح الإنسان وفطرته باعتباره مخلوقاً متميزاً في هذا الكون، فالطابع الخيري لها يمثل ركناً ركيناً وأساساً متيناً لها، ولا يمكن النظر إلى تاريخ الأمة الإسلامية بمعزل عن هذه السمة التي اتصف بها المجتمع المسلم أفراداً وجماعات، حكاماً ومحكومين.
ولقد فتح الإسلام منابع عديدة لنفع الآخرين، فمنها ما هو واجب كالزكاة والكفارات والنذور... وهذه لا حديث عنها باعتبارها واجباً لازماً على المسلم، ومن المنابع ما هو ذو طابع تطوعي بحت لا ملزم للمسلم ولا مكره له فيه، مثل الصدقات التطوعية والوقف، فالمسلم حين يتنازل عن حر ماله طواعية فهو يتمثل الرحمة المهداة في الإسلام للبشر أجمع ويتحرر به من ضيق الفردية والأنانية، متجاوزاً الأنا إلى الكل شاملاً المجتمع بخيرية الفرد وبانياً الجسد الواحد بكرم العضو، وهذا التفاعل تحقيقاً لحديث الرسول ( الذي حدد فيه دور الفرد المسلم تجاه مجتمع المسلمين في الحديث الذي يرويه النعمان بن بشير ـ رضي اللَّه عنهما ـ أن رسول اللَّه ( قال: ( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ( ( رواه البخاري)(2).(1/1)
ولاشك أن المجتمع المتداعي كهذا الذي وصفه النبي ( سترفرف عليه ألوية التعاون، والتكافل ، والتحاب ، والعدالة الاجتماعية ، والمساواة بين الناس، وستنظر إليه المجتمعات الأخرى بعين الإعجاب والرضا والقبول. ومن هنا فلا غرابة أن تنجفل الناس أفراداً وشعوباً للدخول في هذا الدين الذي يُوجد مثل هذا المجتمع المتداعي للخيرية بين أفراده، ويتضح هذا جلياً في العصور الإسلامية الأولى بشكل واضح .
ويعد الوقف بمفهومه الواسع أصدق تعبيراً وأوضح صورة للصدقة التطوعية الدائمة، بل له من الخصائص والمواصفات ما يميزه عن غيره، وذلك بعدم محدوديته ، واتساع آفاق مجالاته ، والقدرة على تطوير أساليب التعامل معه، وكل هذا كفل للمجتمع المسلم التراحم والتواد بين أفراده على مر العصور بمختلف مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها الأمة الإسلامية خلال الأربعة عشر قرناً الماضية، فنظام الوقف مصدر مهم لحيوية المجتمع وفاعليته وتجسيد حي لقيم التكافل الاجتماعي وترسيخ لمفهوم الصدقة الجارية برفدها الحياة الاجتماعية بمنافع مستمرة ومتجددة تتنقل من جيل إلى آخر حاملة مضموناتها العميقة في إطار عملي يجسده وعي الفرد بمسئوليته الاجتماعية ويزيد إحساسه بقضايا إخوانه المسلمين ويجعله في حركة تفاعلية مستمرة مع همومهم الجزئية والكلية.(1/2)
وينظر كثير من الباحثين إلى نظام الوقف وتبني أفراد الأمة المسلمة له باعتباره أحد الأسس المهمة للنهضة الإسلامية الشاملة بأبعادها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، وأن هذا النظام كان وراء بروز الحضارة الإسلامية وليست الدول الإسلامية المتعاقبة والخزائن السلطانية(3). ويرى ( يحي جنيد ) أن الوقف هو بؤرة النهضة العلمية والفكرية العربية والإسلامية على مدار القرون(4). لذا فقد اتجهت الأنظار مرة أخرى إلى الوقف بعد تغييب دوره العظيم لعقود طويلة باعتباره البذرة الصحيحة لبداية النهضة الشاملة لجميع مجالات الحياة في الأمة المسلمة، ولعل من المبشرات في ذلك أن الندوات عن الوقف أخذت تترى على امتداد العالم الإسلامي، فما أن تختم ندوة إلا وتبدأ ندوة أخرى، وبين الندوتين تتناقل الأخبار إجراء دراسة علمية أو مسابقة بحثية عن الوقف ودوره في الحياة.
ولا شك أن البداية الصحيحة لعودة الوقف إلى مكانه الفاعل في دولاب العجلة التنموية الشاملة هو إثارة الشعور واستنهاض الهمم نحو تجلية حقيقته والدور الذي قام به سابقاً، وما هذه الندوات التي يتم تنظيمها إلا حلقة ضمن الحلقة المتواصلة لإعادة نظام الوقف الشامل إلى بنية الأمة المسلمة كما كان سابقاً.
وسيحاول هذا البحث الإشارة إلى شيء من ذلك وتوضيح الأثر الاجتماعي للوقف والدور الذي أداه في حياة المجتمعات الإسلامية على مر العصور السابقة، وإبراز سمات التكاتف والتعاضد التي تفرَّد المجتمع المسلم وتميّزه بها عن غيره من المجتمعات، مع الإشارة إلى دور الأوقاف في مجال الرعاية الاجتماعية عبر القرون الماضية، وذلك بذكر نماذج منها . وغني عن القول أن البداية ستكون مدخلاً لوضع الوقف بشكل عام وتعريفه وأهدافه وتطوره دون التوسع الفقهي فيه وترك ذلك للمتخصصين الشرعيين. وسيكون البحث وفق المحاور الآتية :
أولاً: الوقف في الإسلام.(1/3)
ثانياً: دور الوقف في الرعاية الاجتماعية (نماذج مختارة).
ثالثاً: الآثار الاجتماعية للوقف.
رابعاً: كيف يُعاد دور الوقف في مجال الرعاية الاجتماعية ؟
واللَّه أسأل إعانته وهو المأمول فيها والمسؤول لها وهو على كل شيء قدير. وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين.
المؤلف
ص . ب 7351
الرياض 11462
أولاً : الوقف في الإسلام
يُعرف الوقف في اللغة بأنه: الحبس والمنع، ويقال: وقفت الدابة إذا حبستها على مكانها (5)، وفي تعريف الفقهاء الوقف هو: تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة(6).
والأصل في مشروعية الوقف في الإسلام السنة المطهرة والإجماع في الجملة، كما ذكر الشيخ عبدالرحمن بن قاسم ـ رحمه الله ـ في حاشية الروض المربع قول القرطبي ـ رحمه الله ـ: (( إنه لا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد واختلفوا في غير ذلك)) (7). ولقد اتفق جمهور علماء السلف على جواز الوقف وصحته(8) بناءً على الأدلة الآتية :
أ ) من القرآن الكريم:
حث القرآن الكريم في آيات عدة على فعل الخير والبر والإحسان إلى عموم المسلمين ، وهو ما يرمي إليه الوقف، ومن ذلك قوله تعالى: } لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ{ (آل عمران آية: 92)، وقوله تعالى: } وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ { (البقرة آية: 272).
ب ) من السنة النبوية:(1/4)
ورد في العديد من الآثار القولية والفعلية ما يؤكد مشروعية الوقف في الفقه الإسلامي، ومن ذلك حديث ابن عمر ـ رضي اللَّه عنهما ـ الذي يقول فيه: (( أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي ( فقال: أصبت أرضاً، لم أصب مالاً قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها(، فتصدق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء والقربى، والرقاب، وفي سبيل اللَّه، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متمول فيه )) (متفق عليه)(9).
ويدخل الوقف في حديث الرسول (: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ( (رواه مسلم)(10) وقال النووي عند شرح الحديث: إن الوقف هو الصدقة الجارية وفيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه.
ومن الأدلة العملية فعله عليه الصلاة والسلام في أموال مخيريق وهي سبعة حوائط بالمدينة أوصى إن هو قتل يوم أحد فهي لمحمد ( يضعها حيث أراه اللَّه تعالى، وقد قتل يوم أحد وهو على يهوديته فقال النبي (: ( مخيريق خير يهود ( وقبض النبي ( تلك الحوائط السبعة وجعلها أوقافاً بالمدينة للَّه وكانت أول وقف بالمدينة(11). ثم وقف عمر (، وبعد ذلك تتابع الصحابة رضوان اللَّه عليهم في الوقف حتى إن جابر ( يقول: (لم يكن أحد من أصحاب النبي ( ذو مقدرة إلا وقف). وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف واشتهر ذلك فلم ينكره أحد فكان إجماعاً (12).
وللوقف أركان كسائر الالتزامات العقدية التي يبرمها الإنسان، فالأركان المادية هي: وجود شخص واقف، ومال يوقف، وجهة يوقف عليها. والركن الشرعي وهو العقد هو الإيجاب فقط من الواقف بإحدى صيغه الشرعية المعتبرة سواءً الصريحة منها أو الكناية إذا قرنت بقرينة تفيد معناه(13).(1/5)
ونظام الوقف باعتباره نظاماً خيرياً موجود منذ القدم بصور شتى، ولن ندخل في إشكالية هل كان موجوداً في الحضارات السابقة كما هو الآن ،أم كان في صورة أخرى ، ومن المؤكد أن نظام الوقف في الإسلام بشكله الحالي يبقى خصوصية إسلامية لا يمكن مقارنته بصور البر في الحضارات أو الشعوب الأخرى، وهذا عائد إلى عدة أمور:
أ )…التعلق الشعبي به وامتداد رواقه ومظلته إلى أمور تشف عن حس إنساني رفيع.
ب)…لم يحض الوقف لدى الحضارات الأخرى بالاجتهاد التشريعي التفصيلي على وجه يصون عين الوقف ويحفظ كيانها كما هو في الإسلام (14).
جـ) عدم اقتصار الوقف على أماكن العبادة كما هو في الأديان السابقة، بل امتد في نفعه إلى عموم أوجه الخير في المجتمع.
د )…شمول منافع الوقف حتى على غير المسلمين من أهل الذمة، فيجوز أن يقف المسلم على الذمي لما روي أن صفية بنت حيي ـ رضي اللَّه عنها ـ زوج رسول اللَّه ( وقفت على أخ لها يهودي(15).
ويتميز الوقف عن أي مشروع خيري بخصائص وميزات متعددة قد لا توجد في المشاريع الخيرية الأخرى، وهذه المزايا أكسبته تلك الحيوية التي استمر أثرها في الأمة الإسلامية على مدى قرون طويلة، ومن هذه المزايا:
1- أن الإسلام منح الواقف الحرية الكاملة في الكيفية التي يرغب بها في التصرف فيما يوقفه من أموال والشروط التي تلبي رغباته وتحقق آماله فيما يوقف، وكل ذلك فيما هو في حدود الشرع(16) وفق القاعدة الفقهية (شروط الواقف كنصوص الشارع ) ما لم تخالف نصوص الشارع ، وإلا فهي كما قال ابن القيم ـ رحمه اللَّه ـ : (( ويجوز بل يترجح مخالفة شروط الواقف إلى ما هو أحب إلى اللَّه ورسوله وأنفع للواقف والموقوف عليه )) (17).
2- دوام الأجر وعدم انقطاعه طالما بقيت العين الموقوفة نافعة، بل قد يزيد هذا الأجر بزيادة منفعة العين الموقوفة إذا أحسن القائمون على الوقف إدارته واستثماره وفق ظروف كل عصر يمر عليه .(1/6)
3- يتمتع نظام الوقف في أحكامه بمرونة تمكن الواقف من توقيت الوقف بوقت معين ـ كما هو جائز عند المالكية ـ وفق ظروف عائلية معينة يعيشها الواقف تحتم عليه مثل هذا التوقيت في الوقف وعدم تأبيده، وبخاصة أن الذي ورد في السنة حول الوقف هو حكم إجمالي عام في أن يحبس أصل الموقوف وتسبيل ثمرته كما في حديث عمر ( المتقدم (( أما تفاصيل أحكام الوقف المقررة في الفقه فهي جميعاً اجتهادية قياسية للرأي فيها مجال، غير أن الفقهاء أجمعوا فيها على شيء: هو أن الوقف يجب أن يكون قربة للَّه تعالى )) (18).
لأجل ذلك لا عجب أن نرى ذلك الإقبال الكبير من لدن أفراد المجتمع المسلم ـ حكاماً ومحكومين ـ على الوقف وتحبيس جزء كبير من أملاكهم لأعمال الخير، وقدوتهم في ذلك نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام، في قصة مخيريق السابق ذكرها، ثم صحبه الكرام، (( فقد وقف مجموعة من أصحاب النبي ( منهم : أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ، والزبير بن العوام ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت، وعائشة ، وأم سلمة ، وصفية زوجات الرسول (، وأسماء بنت أبي بكر ، وسعد بن أبي وقاص ، وخالد بن الوليد ، وجابر بن عبد اللَّه وغيرهم )) (19)، ومن بعدهم من التابعين وتابع التابعين، ومن بعدهم من المسلمين، ولعل خير مثال يذكر في ذلك القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، فلقد أنفق أمواله كلها على جهات البر الاجتماعية وملأ بلاد الشام ومصر بالأوقاف الخيرية من مساجد ومدارس ومستشفيات وأربطة وغيرها دون أن يسجل على واحدة منها اسمه، هذا غاية ما يكون التجرد عن حظوظ النفس في أعمال البر والخير(20).(1/7)
ولقد كان حجم الأوقاف يمر بفترات مد وجزر، وفق الظروف السياسية والاقتصادية لكل عصر من عصور الأمة الإسلامية، ولعل مما ساعد على التوسع فيه بشكل عام سهولة تنفيذه، فالوقف التزام من جانب واحد فلا يحتاج فيه إلى قبول إذا كان الموقوف عليه جهة من الجهات الخيرية، فالوقف من العقود التي تبرم بإرادة منفردة دون أن يشترط لصحته وجود إرادتين(21)، وهذا اليسر في إنفاذه أدى ـ ولاشك ـ إلى كثرة الأوقاف وقبل ذلك اهتمام المسلم بالعمل الخيري ورغبته فيما عند اللَّه واستشعاراً منه بهموم الآخرين وحرصه على تخفيف المعاناة عن إخوانه المسلمين ونفعهم، يحدوه في ذلك قول الرسول (: ( أحب الناس إلى اللَّه تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى اللَّه عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة... ( (22).
والواقع يدل على أن هناك تناسب طردي بين تحسن الأحوال المادية إثر الفتوحات وبين ازدياد الأوقاف، فلقد كثرت الأوقاف في العصر الأموي كثرة عظيمة في عدد من بلدان العالم الإسلامي، وفي البلاد المفتوحة بسبب ما أغدقه الفتح على المجاهدين، فتوافرت لديهم الأموال، وتوافرت لديهم الدور، والحوانيت، كما امتلك الكثيرون المزارع والحدائق في منابت الصحراء العربية... (( وفي عصر الأيوبيين والمماليك كثرت الأحباس كثرة فاحشة واتسع نطاقها لدرجة أنه صار للأوقاف ثلاثة دواوين: ديوان لأحباس المساجد، وديوان لأحباس الحرمين الشريفين، وديوان للأوقاف الأهلية)) (23).(1/8)
وهذا التنظيم أدى بدوره إلى نتائج إيجابية كان من أهمها ازدهار الأوقاف. وكان الغالب في الإشراف على الأوقاف في السابق أنه تحت نظر القضاة فلقد كانت سلطات القاضي تشمل النظر في وصايا المسلمين و أوقافهم (24). وهذه المهام الحساسة المناطة بالقضاة تزيد من ثقة المجتمع في أن أوقافهم في أيدي أمينة ، و يشار هنا إلى أنه متى خفت أو انعدمت مراقبة الأوقاف ومتابعة عوائدها وتنظيم أمورها، فإن ذلك مدعاة إلى تدهورها وانحسار دورها في المجتمع، بل وتلاشيه كما حصل في كثير من ديار المسلمين في عصروها المتأخرة (25).
ثانياً: دور الوقف في الرعاية الاجتماعية عبر التاريخ الإسلامي
(نماذج مختارة)
إن الدارس للوقف في الحضارة الإسلامية ليعجب من التنوع الكبير في مصارف الأوقاف، فكان هناك تلمس حقيقي لمواطن الحاجة في المجتمع لتسد هذه الحاجة عن طريق الوقف، من خلال الأوقاف، فالوقف من حيث بعده الاجتماعي يبرهن على الحس التراحمي الذي يمتلكه المسلم ويترجمه بشكل عملي في تفاعله مع هموم مجتمعه الكبير ويبدو هذا جلياً في رصد التطور النوعي للوقف على امتداد القرون الأربعة عشر كما سنوضحه بشكل موجز ـ بإذن اللَّه ـ .
فلقد كان المسجد أهم الأوقاف التي اعتنى بها المسلمون، بل هو أول وقف في الإسلام، كما هو معلوم في قصة بناء مسجد قباء، أول مقدم رسول اللَّه ( إلى المدينة المنورة، ولعل من أبرز شواهد اهتمام المسلمين بذلك الجانب في الوقف: الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة ، والجامع الأزهر بالقاهرة، والمسجد الأموي بدمشق، والقرويين بالمغرب، والزيتونة بتونس وغيرها كثير وكثير، ثم يأتي في المرتبة الثانية من حيث الكثرة العددية والأهمية النوعية المدارس، فلقد بلغت الآلاف على امتداد العالم الإسلامي، وكان لها أثر واضح في نشر العلم ورفع مستوى المعرفة بين المسلمين.(1/9)
وقد أدى توافد طلاب العلم من جميع أنحاء العالم إلى مراكز الحضارة الإسلامية والعواصم الإسلامية إلى إنشاء الخانات الوقفية التي تؤويهم، إلى جانب تهيئة الطرق، وإقامة السقايات والأسبلة في هذه الطرق للمسافرين، وكذا دوابهم.
وصاحب ذلك ظهور البيمارستانات في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، إضافة إلى إنشاء الأربطة ودور للطلاب الغرباء لإيوائهم وتهيئة الجو المناسب لهم، واستتبع ذلك ظهور الوقف للصرف على هؤلاء الطلاب باعتبارهم من طلاب العلم المستحقين للمساعدة في دار الغربة. ولا تخلو كل هذه المراحل والأنواع من جوانب اجتماعية للوقف لها دلالتها وأهميتها وأثرها في المجتمع بشكل عام.
إلا أن الدور الفاعل للوقف في مجال الرعاية الاجتماعية يتمثل في المدارس والمحاضر والدور التي أنشئت خصيصاً للأيتام ويوفر لهم فيها المأكل والأدوات المدرسية، كما يتمثل دور الوقف في مجال الرعاية الاجتماعية في الأربطة ، والخانقاوات ، والزوايا ، والتكايا ، بالإضافة إلى الأسبلة التي يقصد بها توفير ماء الشرب للمسافرين وعابري السبيل وجموع الناس سواء داخل المدن أو خارجها.
ويمكن أن نعد كل ذلك مؤسسات اجتماعية أدت دورها الاجتماعي باقتدار، رغم صعوبة استمرار مثل هذه المؤسسات الاجتماعية وبقائها فترات طويلة وعلى مدى أجيال متوالية، ويعود ذلك إلى حاجتها الكبيرة جداً إلى موارد مالية دائمة لا تتوقف ولا تنضب، وقد تحقق لها ذلك بفضل من اللَّه ثم بفضل نظام الوقف الذي ازدهر في تصاعد مع ازدهار الحضارة الإسلامية، ذلك أن الملاحظ في كثير من حلقات التاريخ وفي العديد من بلاد العالم توقف مؤسسات خيرية ضخمة عن أداء رسالتها بعد فترة من الزمن، بسبب نضوب مواردها المالية وإفلاسها مما يضطرها إلى طلب مساعدة الخيرين بين حين وآخر، أما في الحضارة العربية الإسلامية فإنه قل أن تجد مثيلاً لهذه الظاهرة(26). وسنذكر نماذج من تلك المؤسسات الاجتماعية كصور مختارة فقط .(1/10)
أ ) في مجال رعاية الأيتام:
نجد الحرص الكبير من المسلمين على رعاية الأيتام وتربيتهم من خلال الأوقاف بحثاً عن الأجر والمثوبة وطلباً لمرافقة نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام في الجنة، ففي الحديث الصحيح أن رسول اللَّه ( قال: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً ( (27).
ويلاحظ هنا عدم وجود مؤسسات إيوائية كاملة بمعنى الكلمة للأيتام، كما هو قائم الآن في عصرنا الحاضر بحيث ينشأ اليتيم فيها منذ صغره في تلك المؤسسات، وهذا يعود إلى أمرين أساسيين، الأول: حرص الأسر المسلمة على رعاية يتيمها، فالتكافل كان على أشده في تلك العصور، فلا توجد مشكلة تخلي الأسر عن رعاية أيتامها. والأمر الآخر: قلة عدد اللقطاء في المجتمع مقارنة بالعصر الحالي، ويعود ذلك إلى الضبط الأخلاقي العام في المجتمع المسلم الأول، فكل يتيم سيعيش في وسط أسرته رغم وفاة والده أو لدى أسرة قريبة له ترعاه . ومن هنا فلم يكن هناك ثمة حاجة إلى مثل هذه المؤسسات الإيوائية .
و قد يكون هناك أسباب أخر في عدم وجود مثل هذه المؤسسات الإيوائية ولكنها ليست رئيسية مثل : صعوبة الإنفاق على المؤسسات الإيوائية لكثرة ما تحتاجه، فإنه يلزمها مصاريف مادية أكثر مما يحتاجه غيرها مثل المدارس والمساجد أو الأسبلة، حيث يلزم توفير جميع الاحتياجات المعيشية والتعليمية، والتاريخ يثبت أن أول المؤسسات الاجتماعية تضرراً من تناقص أغلال الأوقاف هي مكاتب الأيتام(28).
ومن أشهر الأوقاف لرعاية الأيتام إنشاء مكاتب لتعليمهم ورعايتهم، ومن ذلك ما نقل في مآثر صلاح الدين الأيوبي أنه أمر بعمارة مكاتب ألزمها معلمين لكتاب اللَّه عز وجل يعلمون أبناء الفقراء والأيتام خاصة ويجري عليهم الجراية الكافية لهم(29). ويقصد بالجراية الكاملة مأكلهم وكسوتهم وأدوات دراستهم كما سيأتي تفصيله بإذن الله .(1/11)
ومن صورة رعاية الأيتام مكتب السبيل الذي أنشأه السلطان الظاهر بيبرس بجوار مدرسته وقرر لمن فيه من أيتام المسلمين الخبز في كل يوم ، بالإضافة إلى الكسوة في فصلي الشتاء والصيف، كذلك أنشأ السلطان قلاون مكتباً لتعليم الأيتام ورتب لكل طفل بالمكتب جراية في كل يوم، وكسوة في الشتاء وأخرى في الصيف(30).
وممن أولى الأيتام اهتماماً خاصاً عن طريق الوقف لرعايتهم والعناية بهم الطواشي ظهير الدين مختار، وهو من أمراء دمشق في القرن السابع الهجري الذي أوقف مكتباً للأيتام على باب قلعة دمشق ورتب لهم الكسوة والجامكية(31) وكان يمتحنهم بنفسه ويفرح بهم(32).
ومنهم كذلك ( خوندتتر ) الحجازية ابنة السلطان الملك الناصر محمد قلاوون، إذ جعلت بجوار المدرسة الحجازية التي وقفتها مكتباً للسبيل في عدة من أيتام المسلمين ولهم مؤدب يعلمهم القرآن ويجري عليهم في كل يوم لكل منهم من الخبز النقي، خمسة أرغفة ومبلغاً من الفلوس، ويقام لكل منهم بكسوتي الشتاء والصيف(33).
ومما سبق يمكن القول أنه في العصر المملوكي قلما يوجد أمير أو سلطان إلا وأوقف للأيتام مكتباً لتعليمهم والصرف عليهم، فيشير (محمد أمين) إلى أنه قلما تخلو وثيقة وقف خيري من تخصيص جزء من ريع ذلك الوقف لتعليم عدد من الأطفال الأيتام، كما يؤكد أنه قلما يوجد مسجد أو مدرسة وقفية في العصر المملوكي إلا ويوجد بجوارها مكتب لتعليم الأيتام(34).
ولقد استرعت ظاهرة كثرة المدارس والمحاضر التي تُعنى بالأيتام الرحالة ابن جبير، فقد عدها من أغرب ما يُحَدَّث به من مفاخر البلاد الشرقية من العالم الإسلامي، ثم ذكر بعض ما شاهده من أمور مرتبة لهؤلاء الأيتام(35).(1/12)
ولم تتوقف رعاية الأيتام من خلال الأوقاف على تعليمهم وتوفير المأكل والكسوة والمساعدات المادية لهم فقط ، بل حرص الواقفون على توفير الأدوات التعليمية مثل الأقلام والمداد والألواح والدوى والحصر التي يجلسون عليها (36). كما حرص الواقفون على تحديد كل ما يتعلق بتعلم الأيتام ورعايتهم في هذه المكاتب وبتفصيل دقيق، ومن ذلك تحديد المناهج، وطرق التدريس ، والتأديب ، والتربية، ففي إحدى الوثائق الوقفية نجد النص التالي: (( ويعلمهم ـ أي الأيتام ـ الأدب أولاً ثمّ ما يطيقون تعلمه من كتاب اللَّه عز وجل والخط العربي)) وفي وثيقة أخرى ورد النص التالي: (( ويعلمهم الفقيه ما تيسر لكل منهم تعلمه من القرآن والخط والهجاء والاستخراج أسوة أمثالهم على العادة ... ويعاملهم المؤدب بالإحسان والتلطف فيما يرغبون به في الاشتغال ومن أتى منهم بما لا يليق أدبه بفعل ما أباحه الشرع الشريف ولا يضرب الضرب المبرح ))(37).
ولقد بلغ حرص الواقفين على العناية بالأيتام أن اشترطوا مواصفات محددة في المؤدب الذي يتولى تعليمهم وتربيتهم، ومن ذلك أن يكون المؤدب من أهل الخير، والدين، والأمانة، والعفة، والصيانة، حافظاً لكتاب اللَّه عالماً بالقراءات السبع وروايتها، وأحكامها، وأن يعامل الأيتام بالإحسان والتلطف والاستعطاف . ويتجاوز الأمر لدى بعض الواقفين إلى اشتراط شروطٍ أكثر صرامة ، ومن ذلك ما ورد في إحدى الوثائق الوقفية مثل أن يكون (( رجلاً حافظاً لكتاب اللَّه العزيز، ذا عقل وعفة وصيانة وأمانة، متزوجاً زوجة تعفه، صالحاً لتعليم القرآن والخط والأدب ))(38).(1/13)
كما اعتنى الواقفون بمواعيد الدراسة وأيامها وأوقاتها، وتحديد ما يتم تدريسه في كل فترة ومرحلة عمرية، وجعل أيام يرتاح فيها الأيتام من كل أسبوع، ومن ذلك ما ورد في وثيقة السلطان ( قايتابي ) حيث ذكر فيها (( أن الأيتام يستمرون في أيام حضورهم بالمكتب من طلوع الشمس إلى وقت العصر فينصرفون حينئذ . وقبل انصرافهم يقرءون سورة الإخلاص والمعوذتين وفاتحة الكتاب والصلاة على النبي ( ويدعون ماعدا يوم الخميس من كل جمعة فإنهم يستمرون بالمكتب إلى الظهر ويوم الجمعة بطالتهم ــ أي عطلتهم ــ ؛ وكذلك أيام الأعياد والمواسم والأعذار الشرعية على العادة )) (39).
ولم تتوقف الرعاية الشاملة لهم حتى عند غيابهم عن المكاتب، وامتدت الرعاية حتى بعد انتهائهم من المكتب ببلوغهم البلوغ الشرعي أو الانتهاء من حفظ القرآن، حيث يُقام لليتيم احتفال كبير يسمى (الإصرفه) فيركبون الصبي على فرس أو بغلة مزينة ويسير بين يديه بقية صبيان المكتب ينشدون طوال الطريق إلى أن يوصلوه إلى بيته ، ويصرف له مبلغ من المال ليستعين به على معيشته بعد مغادرة المكتب، كما يصرف لمؤدبه مبلغاً إضافياً على مرتبه مكافأة له على جهده مع اليتيم الذي تخرج من المكتب (40).
وإن كان ما ذكر آنفاً يعبر عن مرحلة تاريخية امتدت حتى القرن العاشر الهجري فمما لاشك فيه أن هناك غير هذه الشواهد في فترات تاريخية متعددة تؤكد وجود مثل هذه العناية والرعاية الاجتماعية للأيتام من خلال الأوقاف .
ولعل ما يلزم الإشارة إليه أن دار الأيتام القائمة حالياً في المدينة المنورة تُعد من الأوقاف التي أنشأها حجاج القارة الهندية قبل أكثر من ستين عاماً لأيتام المدينة النبوية، حين كانت البلاد السعودية في بداية نشأتها السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية .(1/14)
ففي عام 1352هـ قام الشيخ عبد الغني دادا ـ يرحمه اللَّه ـ بتأسيس مكان يضم أيتام المدينة المنورة ويعلمهم فيها القرآن الكريم ويعلمهم حرفة يكتسبون منها وسماه (دار أيتام الحرمين الشريفين والضائع الوطنية) وأوقف عليها داراً له واستمر بالصرف عليها من غلة ذلك الوقف بالإضافة إلى المساعدات التي كانت تصله من الهند إلى أيتام الدار ، حتى أنشئت وزارة العمل والشئون الاجتماعية عام (1380هـ) وتولت الإشراف الكامل عليها، نظراً لتناقص غلة الوقف وانقطاع التبرعات لها ، وما زال مبناها الحالي وقفاً على أيتام المدينة المنورة، وهذا مثبت في صك شرعي صادر من محكمة المدينة المنورة عام (1356هـ)(41).
وخلاصة القول فيما ذكر من جوانب عملية آنفة تجاه رعاية الأيتام والعناية بهم وتوفير حياة كريمة لهم مثل باقي أفراد المجتمع يدل على أن الوقف كان له دور كبير في سد ثغرة اجتماعية كان سيعاني منها المجتمع المسلم في حالة إهمالها، وهذا يؤكد أهمية الوقف في علاج بعض المشكلات الاجتماعية في المجتمع .
ب ) في مجال رعاية الغرباء والعجزة:
لقد أدت الأوقاف دوراً مهماً في تحقيق الرعاية الاجتماعية الشاملة للغرباء، والعجزة بشكل عام، فما من مدرسة يُنشئوها الواقفون إلا ويوضع بجوارها بيت خاص للطلاب المغتربين ويجري عليهم فيها ما يحتاجونه من غذاء(42). لذا لا عجب أن نجد تلك الحركة البشرية المتواصلة بين المدن والقرى في العالم الإسلامي ، طلباً للعلم في المدارس الوقفية، فلا يوجد ما يعوق طلب العلم، فالطرق قد أمنت بالأسبلة الوقفية ، والمدارس قد تمّ تجهيزها بالغرف الخاصة بالغرباء، وقد تزايدت تلك الظاهرة بشكل ملفت للنظر.(1/15)
وقد أبدى الرحالة ابن جبير إعجابه الشديد بما لمسه في بلاد المشرق الإسلامي من عناية بالغرباء، ولاسيما إذ كانوا من طلاب العلم والمشتغلين به، فقال: إن هذه الظاهرة ملموسة على نطاق واسع في بلاد المشرق عامة، وفي مصر خاصة، وأن هؤلاء الغرباء كانوا موضع رعاية الحكام الذين وقفوا الأوقاف الواسعة على المرافق التي خصصوها لهم (43)، ويصف ابن جبير هذه الأماكن وما يقدم لهم فيها فيقول : (( إن الوافد من الأقطار النائية يجد مسكنا يأوي إليه ومدرسا يعلمه الفن الذي يريد تعلمه... واتسعت عناية السلطان بهؤلاء الغرباء حتى أمر بتعيين حمامات يستحمون فيها.. ونصب لهم مارستاناً لعلاج من مَرِضَ منهم... ولقد عين لهم السلطان خبزتين لكل إنسان في كل يوم، حاشا ما عينه من زكاة العيد لهم... )) (44).
وحسبك من هذا أن صلاح الدين ـ يرحمه اللَّه ـ قد خصص للغرباء من المغاربة جامع ابن طولون في مصر يسكنونه وأجرى عليهم الأرزاق في كل شهر، وفي دمشق خصص السلطان نور الدين زنكي ـ يرحمه اللَّه ـ للمغاربة الغرباء زاوية المالكية بالجامع الأموي وأوقف على ذلك أوقافاً (45).(1/16)
أما الرُبط وهي الأماكن التي تمّ إعدادها على الثغور للمجاهدين وصد هجمات الأعداء فقد تحولت مع الوقت هي والخانقات والتكايا والزوايا إلى أماكن للمتفرغين للعبادة من الجنسين ــ وإن كانت للذكور أظهر وأكثر ــ ، فكان ينقطع فيها من يرغب التفرغ للعبادة، ويجري عليها الواقفون الجرايات اليومية من غذاء وكساء، وهذا النوع من الأوقاف ينتشر بشكل كبير جداً في مدن وقرى العالم الإسلامي ، ومع مرور الوقت غدت دوراً للضيافة ، تستضيف المغتربين القادمين من أنحاء العالم الإسلامي ، بحيث لاتزيد إقامة الضيف الوافد عن ثلاثة أيام ، يلقى خلالها فيها كل ترحاب من أهل الرباط ويقدم له الطعام وغيره من مستلزمات الضيافة (46). ومن يطلع على رحلة ابن بطوطة فسيجد العجب ، فما مرّ على قرية أو مدينة في البلدان الإسلامية التي زارها في رحلته إلا ويذكر مثل هذه الأربطة والزوايا ، بل كان من المستفيدين منها و سكن في بعضها .
ومن المعلوم أن المنتمين إلى الصوفية هم أكثر المستفيدين من هذا النوع من الأوقاف في العصور الماضية . وقد كان لها دور كبير في اتساع نطاق الصوفية وانتشارها في كثير من بلدان العالم الإسلامي .
ومع تطور الوقت تحولت بعض هذه الأربطة إلى ملاجئ مستديمة لفريق من الناس الذين يستحقون الرعاية، وخاصة أصحاب العاهات وكبار السن والعميان والمطلقات(47). وكان لهم رسوم في توزيع المال والطعام. ويذكر المقريزي عن رباط ( بيبرس الجاشنكير ) أنه مخصص لمائة من الجند وأبناء الناس الذين قعد بهم الوقت. كما أن السيدة (تذكار خاتون ) شيدت رباط البغدادية سنة ( 684هـ ) وأنزلت فيه مجموعة من النساء الخيرات ولهن شيخة تعظ النساء وتذكرهن وتفقههن، وتطور الأمر بالرباط حتى أصبح يودع فيه النساء اللاتي طلقن أو هجرهن أزواجهن حتى يتزوجن ، وظل هذا الرباط قائماً حتى القرن التاسع الهجري (48).(1/17)
وهذا التحول التدريجي في دور الرُبط أدى بها إلى تحقيق رسالة اجتماعية، ذلك أنها غدت مأوى للغرباء والعجزة وضعفاء المجتمع، وجميع هذه المنشآت وجدت في نظام الوقف أكبر رافد مكنها من مواصلة رسالتها .
ولازالت بعض هذه الأربطة تؤدي هذه الرسالة على امتداد المدن والقرى في العالم الإسلامي ويمكن رؤية العديد منها في كل من مدينة مكة المكرمة، والمدينة المنورة، حيث أصبحت مأوى للعديد من العجزة، والمرضى ، والمعاقين ،والغرباء، وكبار السن وأحياناً العاطلين . وهذا ما أظهرته الدراسة التي قامت بها وزارة العمل والشئون الاجتماعية عام 1419هـ عن الأربطة في منطقة مكة المكرمة (مكة المكرمة ، وجده،والطائف ) ومنطقة المدينة المنورة . وشملت الدراسة قرابة ( 70 ) رباطا في المنطقتين (49).
جـ ) في مجال رعاية الفقراء والمعدمين :
لاشك أن الأوقاف باعتبارها صدقة جارية قد قامت بدور كبير في مجال الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي لعدد كبير من أفراد المجتمع المسلم، وبخاصة أن مساهمة السلطة الحاكمة في مجال الرعاية الاجتماعية تعد محدودة مكتفية بأريحية الموسرين وأرباب الأموال تجاه الفقراء، فمن اللافت للنظر أن وثائق الأوقاف في غالبها تنص على مساعدة الفقراء والمحتاجين، بل إن هذا يُعد ركناً أساسياً في الوقف، إلا أن المساعدات تكون بأشكال وأنواع مختلفة، فمن ذلك توزيع المساعدات النقدية، وأحياناً أخرى العينية كالأكل، والملابس ، والأدوات المعيشية وبخاصة في أوقات الغلاء والأزمات المالية التي كانت تمر بها الأمة.
ومما يذكر في هذا المجال أن السلطان الظاهر بيبرس أوقف وقفاً لشراء الخبز وتوزيعه على المعدمين... وتجاوز الأمر إلى رعاية أولئك الفقراء حتى بعد وفاتهم ويكون ذلك بتحمل تكاليف تغسيلهم وتكفينهم ودفنهم، ومن أشهر هذه الأوقاف (وقف الطرحاء) الذي جعله الظاهر بيبرس برسم تغسيل فقراء المسلمين وتكفينهم ودفنهم(50).(1/18)
ومن الأمثلة التي تُذكر لرعاية الفقراء اجتماعياً من خلال الوقف ما ورد في وقفية الشيخ أبو عمر محمد بن أحمد بن قدامه المقدسي ـ يرحمه الله ـ في فلسطين في القرن السادس الهجري حيث شملت أموراً كثيرةً منها: (( وقف للخبز يفرق فيها كل يوم ألف رغيف... ووقف للأطعمة اليومية وهي أطعمة رتيبة ومنها الجريش في الشتاء... وأضحية في العيد الكبير وحلوى في المواسم ـ رجب وشعبان ـ ووقف زبيب قضامة كل ليلة جمعة وحلويات أخرى في الليالي الفاضلة من رمضان... ووقف على قمصان توزع كل سنة...)) (51).
ومن وجوه البر التي اهتم الواقفون بالصرف عليها من ريع أوقافهم كسوة العرايا والمقلين وستر عورات الضعفاء، والعاجزين، وإرضاع الأطفال عند فقد أمهاتهم أو عجزهم عن إرضاعهم، ووفاء دين المدينين، وفكاك المسجونين المعسرين، وفك أسرى المسلمين العاجزين، وتجهيز من لم يؤد الحج من الفقراء لقضاء فرضه، ومداواة المرضى غير المقتدرين(52).
وكان مما حدده السلطان المملوكي الأشرف شعبان لمصاريف أوقافه الضخمة أن جعل منها نفقات خيرية سنوية تشمل تأمين الإبر والخيوط للفقراء بمكة المكرمة(53).
كما كان هناك أوقافاً خيرية تنفق على أسر السجناء وأولادهم، حيث يقدم لهم الغذاء والكساء وكل ما يحتاجونه لحين خروج عائلهم من السجن، كما وجد مؤسسات وقفية لتجهيز البنات إلى أزواجهن ممن تضيق أيديهم أو أيدي أوليائهم عن نفقات تجهيزهن(54).
ولعل أطرف ما يرد هنا ما أوقفه صلاح الدين الأيوبي ـ يرحمه اللَّه ـ حينما جعل ما يسمى وقف الميزاب، حيث جعل في أحد أبواب قلعة دمشق ميزاباً يسيل منه الحليب، وميزاباً يسيل منه الماء المذاب فيه السكر، تأتي إليه الأمهات الفقيرات يومين في كل أسبوع ليأخذن لأطفالهن وأولادهن ما يحتاجونه من الحليب والسكر(55).
د ) في مجال رعاية المرضى اجتماعياً:(1/19)
تُعد البيمارستانات من الظواهر البارزة في تاريخ الحضارة الإسلامية في القرون الماضية ومن المعلوم أن أساس نشأتها الأوقاف بداية ، وتطويراً ، وتعليماً للعاملين فيها، وبرزت أسماء عديدة في هذا المجال، مثل: البيمارستان العضدي ببغداد، والبيمارستان النوري في دمشق، والبيمارستان المنصوري في القاهرة، وبيمارستان مراكش، والبيمارستان المقتدري.
ويقدم للمرضى في هذه البيمارستانات العناية الصحية وفق تنظيم مدهش لفت انتباه كل من زارها ، فبالإضافة إلى الأكل ، والشرب ، والملبس الذي يقدم للمرضى برزت خدمات اجتماعية مصاحبة، ومن ذلك أنه تم تخصيص بعض البيمارستانات للفقراء دون الأغنياء، فيتم علاجهم دون مقابل، ومثل هذا كان في البيمارستان الذي أنشأه نور الدين زنكي ـ يرحمه اللَّه ـ في دمشق حيث تمّ تخصيصه للفقراء دون الأغنياء مما يؤكد الهدف الاجتماعي من إنشائه.
كما طالت يد الرعاية الاجتماعية لهذه البيمارستانات الفقراء في منازلهم، فقد نص السلطان قلاوون في كتاب وقفه البيمارستان الذي أنشأه على أن تمتد الرعاية الصحية إلى الفقراء العاجزين ويصرف لهم ما يحتاجون من أدوية وأغذية، وقد بلغ عدد هذا الصنف من المرضى الذين يزورهم الأطباء في بيوتهم في فترة من الفترات أكثر من مائتي فقير(56).(1/20)
ومن الأدوار الاجتماعية التي كانت تؤديها بعض البيمارستانات رعاية المريض حتى بعد خروجه، فيعطى ما يكفيه من معيشة حتى يباشر عمله الذي يتقوت منه، بالإضافة إلى كسوة، وهذا كان دارجاً في البيمارستان المنصوري، وتمتد رعايتهم للمريض حتى بعد وفاته، فقد نصت وثيقة الوقف على أن (( يصرف الناظر ما تدعو الحاجة إليه من تكفين من يموت من المرضى والمختلين من الرجال والنساء فيصرف ما يحتاج إليه برسم غسله ، وثمن كفنه ، وحنوطه ، وأجرة غاسله ، وحافر قبره ، ومواراته في قبره ، على السنة النبوية والحالة المرضية))(57). وفي ذلك يقول أحد الشعراء المعاصرين لذلك البيمارستان الذي شملت خدماتها عموم الناس وغطى جميع جوانب الرعاية:
ولا تنس مارستانه واتساعه
وما فيه من قوامه وكفاته
فللميت المقبور حسن جهازه
وتوسعة الأرزاق للحول والشهر
ورفقهم بالمعتفين ذوي الفقر
وللحي رفق في علاج وفي جبر
ويذكر مصطفى السباعي عن غريب ما اطلع عليه في مجال الرعاية الاجتماعية والنفسية للمريض أنه وجد وقف مخصص ريعه لتوظيف اثنين يمران بالمارستان يومياً فيتحدثان بجانب المريض حديثاً خافتاً ليسمعه المريض عن احمرار وجهه وبريق عينيه بما يوحي له بتحسن حالته الصحية(58)، وهذا له أثره الفعال في نفسية المريض وسرعة شفائه.
واستكمالاً لحلقات الرعاية الاجتماعية للمرضى نجد أن الواقفين قد نصوا على أن أصحاب الوظائف الذين يعملون في المدارس التي أوقفوها حين إصابتهم بأمراض خطيرة أو معدية فإنهم يجري عليهم رزقهم طوال فترة عزلهم عن الطلاب حتى يشفوا أو يتوفاهم اللَّه(59). وهذا يمثل نظاماً للضمان الاجتماعي، وقد يعد أساساً لنظام التأمينات الاجتماعية أو نظام التقاعد في وقتنا المعاصر، كما أنه يمثل قمة الإحساس بمتطلبات الرعاية الاجتماعية لأفراد المجتمع، وتلمس حقيقي لمواطن الاحتياج لديهم .(1/21)
وختاماً لهذا المبحث فان ما ذكر فيه هو نماذج مختصرة ومحدودة لدور الوقف في مجالات الرعاية الاجتماعية وجاء ذكرها للاستشهاد فقط ومنها يتضح الدور الكبير للوقف في مجال الرعاية الاجتماعية تمثلت في رعاية الأيتام بشكل خاص والفقراء والمعدمين والغرباء والعجزة بشكل عام، كما أوجد رعايةً ذات بعد اجتماعي واضح في مجال الأربطة والزوايا وشيئا من هذه الرعاية الاجتماعية في المجال الصحي، وهذا الدور كان فعالاً وأثرّ بشكل كبير في تطور جانب الرعاية الاجتماعية في المجتمع، كما أدى الوقف عبر هذه المجالات إلى عدد من الآثار الاجتماعية في بنية المجتمع المسلم ، سنتناولها في المبحث الآتي ـ بإذن اللَّه ـ .
ثالثاً : الآثار الاجتماعية للوقف
لا تخلو أي دراسة عن الوقف من ذكر الآثار المترتبة عليه، إلا أن التركيز غالباً ما يكون على الآثار الاقتصادية أو الآثار التعليمية وانتشار الثقافة في المجتمع المسلم، ولم أجد فيما اطلعت عليه من مؤلفات ودراسات عن الوقف من تناول الآثار الاجتماعية للوقف رغم أهميتها وكثرتها، بل إن دور الوقف الاجتماعي و آثاره في تركيبة المجتمع المسلم على مدى العصور السابقة لا تقل عن دوره في الجوانب الاقتصادية ، والثقافية ، والصحية إن لم يفوقها، ولا يكاد يوجد جانب من جوانب الحياة في المجتمع المسلم إلا ولها صلة بنظام الأوقاف من قريب أو بعيد، بل يرى أحد الباحثين أن (( الأوقاف عمل اجتماعي، دوافعه في أكثر الأحيان اجتماعية وأهدافه دائماً اجتماعية، فالأوقاف الإسلامية في الأصل عمل اجتماعي )) (60) .(1/22)
ويمكن أن نورد بعض الآثار الاجتماعية المترتبة على الوقف، أو التي كان للوقف دور في تعزيزها في حياة المجتمع وترسيخها على مدى القرون الماضية بغض النظر عن نوعية تلك الآثار فبعضها ذات طابع إيجابي ــ وهو الغالب ــ وهناك بعض الآثار السلبية التي ظهرت نتيجة لسوء الفهم في تحديد مصارف غلال الأوقاف أو عدم الأمانة فيها،ومن هذه الآثار ما يلي :
1- ساعد الوقف على تحقيق الاستقرار الاجتماعي وعدم شيوع روح التذمر في المجتمع وذلك بتحقيق نوع من المساواة بين أفراده، فقد تمكن الفقير من الحصول على حقه في التعليم والعلاج والمتطلبات الأساسية في الحياة من خلال نظام الوقف، بل إن بعض الأوقاف كان يخصص ريعها للفقراء دون الأغنياء، ويشير بعض الباحثين إلى أن (( الآلاف الكبيرة من المجتمع من العلماء المبرزين في مختلف التخصصات كانوا من فئات اجتماعية واقتصادية رقيقة الحال )) (61).(1/23)
2- تمكن نظام الوقف بما يمتلكه من مرونة من بسط مبدأ التضامن الاجتماعي وشيوع روح التراحم والتواد بين أفراد المجتمع وحمايته من الأمراض الاجتماعية التي تنشأ عادة في المجتمعات التي تسود فيها روح الأنانية المادية وينتج عنها الصراعات الطبقية بين المستويات الاجتماعية المختلفة، وهناك من يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد حمت مجتمعها من امتداد ثورة العمال التي برزت مع الثورة البلشفية في روسيا إلى المجتمع العمالي في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التوسع في فتح أبواب العمل الخيري وتشجيع الشركات والأثرياء بإعفاءات كبيرة لمن يُقدْم منهم على الأعمال الخيرية فزادت المؤسسات الخيرية وتضاعفت الهبات حتى بلغت مئات الملايين في وقت مبكر من هذا القرن(62). كما أن في الوقف توزيعاً عادلاً في الثروات وعدم حبسها بأيد محدودة مما يجعلها أكثر تداولاً بين الناس لأن الواقف عندما يوصي بتوزيع غلة موقوفاته على جهة من الجهات، يعني توزيع المال على الجهة المستفيدة وعدم استئثار المالك به(63).
3- تعزيز روح الانتماء المجتمعي بين أفراد المجتمع وشعورهم بأنهم جزء من جسد واحد تحقيقاً لحديث الرسول ( ( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى( (رواه البخاري)(64). وهذا الشعور بالانتماء يشمل الطرفين الواقف والمستفيد من الوقف، فالواقف استشعر دوره المناط به في المجتمع وخصص جزءاً من ماله لسد حاجة من حاجات المجتمع. والمستفيد من الوقف يستشعر بعين التقدير مدى حاجته للانتماء لجسد المجتمع الواحد الذي قام أثرياؤه بإسعاد فقرائه من خلال نظام الوقف .(1/24)
4- أدى نظام الوقف إلى الانفتاح المجتمعي بين أجزاء العالم الإسلامي بصورته الكبيرة، وهذا ما استرعى نظر العلامة ابن خلدون في مقدمته عندما وصف الوضع الاجتماعي السائد في القاهرة وقت صلاح الدين الأيوبي بقوله : (( فاستكثروا من بناء المدارس والزوايا والرُبط ووقفوا عليها الأوقاف المغلّة، فكثرت الأوقاف وعظمت الغلاّت والفوائد وكثر طالب العلم ومعلمه بكثرة جرايتهم منها وارتحل إليها الناس في طلب العلم من العراق والمغرب ونفقت بها أسواق العلوم وزخرت بحارها )) (65)، كما أدى ذلك إلى الترابط بين الحاضرة والبادية وانتقال الأفراد من مكان إلى آخر ومن مدينة أو قرية إلى أخرى أو ما يعرف في علم الاجتماع بظاهرة (الحراك الإيكولوجي)(66) وما يستتبع ذلك من ظواهر اجتماعية أخرى، وقد تحقق هذا بوجود المدارس الوقفية والبيوت الموقوفة لرعاية الغرباء، وإحياء طرق السفر بالخانات والأسبلة. كما استطاع نظام الوقف كسر عزلة القرية وفرض على أهلها ضرورة التواصل بينها وبين المدينة، وفي هذا تحقيق تنمية اجتماعية شاملة في أرجاء البلد الواحد.(1/25)
5- إن الدارس للأثر الاجتماعي للوقف لا بد أن تستوقفه نوعية الطبقة الاجتماعية التي استفادت بشكل كبير من الوقف وكيف استطاع تغييرها وتحقيق ما يسمى بظاهرة (الحراك الاجتماعي ) في بنية المجتمع . والحراك الاجتماعي يقصد به: (( انتقال الأفراد من مركز إلى آخر ومن طبقة إلى أخرى، وقد يكون هذا الانتقال أفقياً وهو تحرك الأفراد من مركز اجتماعي إلى آخر في نفس الطبقة... وقد يكون رأسياً وهو انتقال الأفراد من طبقة اجتماعية إلى طبقة اجتماعية أعلى )) (67) ولقد مكّن التعليم الوقفي والرعاية الاجتماعية الوقفية من تغير طبقات المستفيدين منه أفقياً ورأسياً وفق مفهوم الحراك الاجتماعي، فساعد نظام الوقف على تحسين المستويات الاقتصادية ، والعلمية ، والثقافية لكثير من أفراد المجتمع، (( فالتعليم الجيد الذي قد يحمله شخص موهوب قد ينقله ليس لأن يتسلم مرتبة الإفتاء والقضاء فحسب، بل لأن يتمرس في العمل الإداري وتيسير أمور الدولة أو في أي مهنة متخصصة كالطب أو الإدارة أو غيرها والتي قد لا تتاح له لولا أن أموالاً موقوفة قد ساعدته على هذا الارتقاء وسهلت له سبيل التعليم والانتقال والارتقاء )) (68).(1/26)
6- ظهور أنماط وتقاليد اجتماعية جديدة جراء وجود وظائف مهنية مرتبطة بنظام الوقف، فمن خلال نظام الوقف بأنواعه وجدت وظائف جديدة في المجتمع واستتبع ذلك إيجاد تقاليد وأعراف خاصة بها أصبحت مع مرور الوقت جزءاً من ثقافة المجتمع ونظامه الإداري ، ويعدد ( محمد أمين ) عدداً من الوظائف المرتبطة بالوقف كان يشترطها الواقفون مثل: (البرددارية وهو الذي يتولى بريد الأوقاف، المعمارية، شاهد العمارة، المرخمين، ناظر الوقف، المباشرين، الشادية، المشارفة، الصيرفي، الجابي، الترقية، الشاهد ) وبعض هذه الوظائف قد تكون موجودة في المجتمع أصلاً إلا أن ارتباطها بالأعمال والأعيان الوقفية جعل لها طابعاً خاصاً يختلف عن غيرها من الأعمال، ومثل هذه الحرف وتقاليدها توجد تقاليد ثابتة في المجتمع، بل كانت شروط الواقفين أساساً لكثير من التقاليد في المجتمع(69) وتندرج ضمن ما يسمى بالثقافات الفرعية أو الثقافات الخاصة، وهذه الثقافة الفرعية وإن كانت تستمد أصولها من الخط الثقافي العام للمجتمع وترتبط به ارتباطاً عاماً، إلا أنها تختلف عنه في كثير من الجزئيات.
7- لقد كان لنظام الوقف ومصارف غلالها الدور الكبير في تعزيز الجانب الأخلاقي والسلوكي في المجتمع، من خلال التضييق على منابع الانحراف، فقد كانت توجد العديد من الأوقاف لرعاية النساء اللاتي طلقن أو هجرهن أزواجهن حتى يتزوجن أو يرجعن إلى أزواجهن صيانة لهن وللمجتمع ويكون ذلك بإيداعهن الرُبط، حيث ينقطعن عن الناس، وفيها من شدة الضبط وغاية الاحتراز والمواظبة على وظائف العبادات ، وتؤدب من خرجت عن الطريق بما تراه، وتُجرى عليهن الأرزاق من الأوقاف(70). فتنقطع حاجتهن التي قد تلجئهن إلى سلوك دروب الانحراف بسبب الحاجة.(1/27)
كما وجدت أوقاف خاصة لتخليص السجناء ووفاء ديونهم، وفكاك أسرى المسلمين، كما وجدت أوقاف خيرية تنفق على أسر السجناء وأولادهم، حيث يقدم لهم الغذاء والكساء وما يحتاجونه من أمور أخرى(71). وعلاوة على الصرف على المساجين وعوائلهم من أموال الوقف كان هناك بعض الأوقاف مخصصة للصرف على الفقهاء بشرط أن يؤموا المساجين أوقات صلواتهم، وأن يدرسوا ويفقهوا السجناء ويقودونهم في حياتهم العملية ليخرج هؤلاء من السجن وقد أتقنوا علماً من العلوم أو حرفة من الحرف(72). وهذا ما يسمى في الوقت الحاضر بـ ( الرعاية اللاحقة )، وهي الرعاية التي تقدم للسجين وأسرته في أثناء سجنه، حتى لا يعود إلى الانحراف مرة أخرى، وحتى لا ينحرف أحد أفراد أسرته بسبب غيبته عنهم وعدم وجود الولي والرقيب عليهم.
8- شيوع روح التراحم والمعاملة بالحسنى بين أفراد المجتمع، وهذا يؤدي إلى مزيد من التماسك المجتمعي، ويتضح ذلك في أثر الوقف الاجتماعي بشكل عام لشعور الفئة المستفيدة من الوقف برحمة الآخرين لهم، بالإضافة إلى اشتراط الواقف صفات خاصة فيمن يباشر صرف غلة الوقف، وبخاصة في الأسبلة، حيث يرد في الوثائق الوقفية أن يعامل متولي توزيع المياه من السبيل الناس بالحسنى والرفق ليكون أبلغ في إدخال الراحة على الواردين، وهذا الشرط أصبح من التقاليد المرعية في جميع الوثائق الوقفية في العصر المملوكي(73). ولاشك أن هذه القيمة الأخلاقية موجودة في المجتمع ولكن مثل هذه الشروط الوقفية تعمل على تعزيزها بطرق مباشرة وغير مباشرة، وبخاصة إذا علمنا ضخامة الأوقاف في العصور السابقة.(1/28)
9- لقد كان لنظام الوقف دور فاعل في تحقيق درجة عالية من الترابط بين أفراد المجتمع، ويمكن ملاحظة ذلك من طبيعة الوقف ذاته وآثاره على المستفيدين من الوقف وتقديرهم للموقفين، كما يمكن ملاحظة ذلك من خلال التعرف على درجة ومقدار الالتقاء بين أفراد المجتمع، فإذا عرفنا أن المساجد تأتي في المرتبة الأولى من حيث الأعيان الموقوفة على امتداد العالم الإسلامي، فهي أكثر من أن تُحصى وأعز من أن تُستقصى ... كما أن مظاهر كثرة المساجد من الظواهر التي أثارت دهشة الرحالة الأوربيين للعالم الإسلامي(74). وهذه الكثرة في المساجد مدعاة لتعدد اللقاءات بين أفراد المجتمع الذين يؤدون الصلوات خمس مرات في اليوم والسؤال عمن غاب وعيادته إن كان مريضاً وكل ذلك يعمل بشكل غير مباشر على تماسك وترابط أفراد المجتمع الواحد بسبب كثرة المساجد المعتمدة في قيامها على نظام الأوقاف.(1/29)
10- ترسيخ العديد من التقاليد الاجتماعية المرتبطة بالمواسم الدينية البدعية، مثل الاحتفال بالمولد وعاشوراء وليلة النصف من شعبان، وإحضار المنشدين وإيقاد الشموع وصرف المبالغ الطائلة عليها أو القراءة على القبور، أو وظيفة الترقية وهو الذي يعلن ظهور الخطيب يوم الجمعة . ورغم التحفظ الشرعي على هذه الأمور التي ليس لها دليل يعضدها من الكتاب أو السنة المطهرة ، إلا أن الواقفين عملوا على تعزيز هذه التقاليد وترسيخها في المجتمع المسلم من خلال الشروط والمصارف التي كانوا يثبتونها في حججهم الوقفية وتحبيس الأعيان عليها، ونظراً لكثرة الأوقاف وانتشارها في مصر في أثناء العصر المملوكي فإن (( بعض هذه التقاليد ما زالت باقية حتى اليوم في المجتمع المصري، وهكذا خرجت الأوقاف عما شُرعت له بمعناها الإسلامي الدقيق فبعد أن كانت الأوقاف إحدى الوسائل من أجل تحقيق التضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع الإسلامي أصبحت الأوقاف عالة على المجتمع تبدد ثرواته في أمور أقل ما توصف به أنها ليست من الدين في شيء )) (75).(1/30)
11- يمكن القول أن الفهم غير الصحيح لمقاصد الوقف قد جعل بعض الواقفين يجتهدون في تحديد مصارف لغلات أوقافهم وهذا التحديد قد عاد ببعض الجوانب السلبية على المجتمع، ومن ذلك ظهور فئة من أفراد المجتمع استكانت وآثرت الدعة والبطالة وأصبحت عالة على المجتمع تعيش على صدقاته ، وقد حدث هذا حينما توسع الواقفون في جعل الرُبط والزوايا والتكايا والخوانق باسم التفرغ للعبادة . نعم لو كانت تؤدي هذه الأربطة والزوايا رسالتها في أساس نشأتها وهي إيواء الغرباء وطلبة العلم، كما وصف الرحالة ابن جبير ذلك بقوله : (( إن هؤلاء الطلبة قد استصحبوا الدعة والعافية، وتفرغوا لما هم بشأنه من عبادة ربهم وطلبهم للعلم ووجدوا في ذلك كل معين على الخير الذي هم بسبيله )) (76). ولكنها في العصور الأخيرة انحرفت عن هدفها الأصلي، وساعدت على تنامي تيار التصوف،في العالم الإسلامي ، وهذا أثر عقدي ليس المجال هنا للحديث عنه، ولكن الحديث عن روح الاستكانة والتذلل والبطالة ، (( والانصراف إلى الحياة اللاهية الخاملة... نتيجة اعتماد الكثيرين على الأوقاف ولاسيما المقيمين منهم بالخانقاوات والرٌبط والقباب )) (77) . وكان هذا نتيجة لصرف الأوقاف عن هدفها الأساس ووظيفتها السامية.
وهذا ما أظهرته الدراسة التي أعدتها وزارة العمل والشئون الاجتماعية عن الأربطة بمنطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، فقد وجد قرابة النصف من سكانها يعتمدون على المساعدات فحسب رغم قدرتهم على العمل وتتنامى لديهم و ذريتهم روح الاستكانة وذل السؤال والبطالة مع مرور الوقت ، فضلاً عن المشاكل الأمنية التي قد تحدث من سكان هذه الأربطة (78).(1/31)
وجماع القول في هذا المبحث أن للوقف دوراً اجتماعياً كبيراً ومهماً، ورغم عدم وضوحه في بعض الأحيان وذلك يعود إلى تأخر ظهور الآثار الاجتماعية في حياة المجتمعات واحتياجها إلى سنوات وأحياناً إلى عقود طويلة من السنين والأعوام لتتضح للعيان، وهذه الآثار في جملتها آثار إيجابية نافعة، وإن حدث بعض الآثار السلبية كما لوحظ في الأثرين الأخيرين، إلا أن ذلك عائد بالتأكيد إلى خلل في تحديد مصارف الوقف أو في ضعف الإشراف عليه وليس إلى الوقف ذاته، وهذا ما يؤكد ضرورة العودة بالوقف إلى دوره الفعال في المجتمعات المسلمة لجني ثماره الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بشكل متوازن ومتكامل .
ومما لاشك فيه أن الآثار الاجتماعية للوقف تزداد كماً ونوعاً كلما كان الوقف مركزاً على الاحتياجات الاجتماعية في المجتمع مثل رعاية الفئات الخاصة بشكل عام مثل اللقطاء والأيتام والمسنين والمعاقين والمساجين وأسرهم... الخ.
وسنتناول في المبحث القادم تصور عملي لكيفية إعادة الدور الاجتماعي للوقف في وقتنا الحاضر، وبخاصة في ظل الظروف الحالية التي تستوجب هذا الأمر ولا تحتمل التأخر فيه.
رابعاً : كيف يُعاد دور الوقف في مجال الرعاية الاجتماعية ؟
لقد تنامي الاهتمام بالوقف بشكل مستمر باعتباره المحرك لنهضة شاملة تباشرها الأمة الإسلامية عن قريب بإذن اللَّه، ومن المبشرات في ذلك تتابع الندوات عن الأوقاف وتزايد تناول هذا الموضوع رغم أنه مازال تحت المستوى المأمول، إلا أن أول الغيث قطرة، ولعل مما يبعث الأمل في هذه الصحوة الوقفية اتجاه الحكومات إلى بعثه وليس الأفراد فحسب، فما وجود وزارات للأوقاف وقيامها بعقد الندوات وطباعة الكتب إلا مؤشر حيّ على الرغبة الأكيدة والعزيمة الصادقة على إعادة الوقف إلى ماضي عزه وسالف مجده الفاعل في عجلة التنمية الشاملة في الدول الإسلامية.(1/32)
ولعل فيما ذكر في المباحث السابقة ما يوضح الأثر الكبير المتوقع من الوقف في مجال الرعاية الاجتماعية، وليس ذلك بغريب، فإن المتأمل في تاريخ الأمة ليجزم وبقوة أن الرعاية الاجتماعية في المجتمع المسلم طوال القرون الماضية لم توجد إلا عن طريق الوقف، ويندر أن تكون الدول المتعاقبة قد أسهمت بشيء من هذا، ذلك أن الدولة كانت تعد هذه الخدمات الحيوية والأساسية من وجوه البر، ولم تر أن أي من هذه الوجوه تدخل ضمن رسالتها (79).
وفي عصرنا الحالي، ورغم وجود مفهوم الدولة القائم بشكله المعاصر، وقيامها بكثير من الخدمات الاجتماعية التي كانت تقوم بها الأوقاف سابقاً، إلا أن الظروف المالية للدول توجب إعطاء الوقف دوره الحقيقي في المساهمة في جوانب الرعاية الاجتماعية، وهذه المشاركة من قبل أثرياء الأمة لا تعني تقليل الأعباء عن الحكومات بقدر ما تؤدي إلى ترسيخ قيم الانتماء في النفوس للمجتمع المسلم الكلي وجعل أفراد الأمة أكثر استعداداً للمشاركة الفعالة في تبني هموم المجتمع وتقديم الحلول لمشاكله بقدر الاستطاعة والتخفف من الاتكالية الشائعة لدى الناس اعتماداً على جهود الدولة، والدولة فقط .
وهذا الأمر ليس بدعاً من القول، فلقد كانت الأوقاف على مر التاريخ أحد الروافد الأساسية لبيت المال، يصرف ريعه على جهات البر المختلفة من مؤسسات دينية وصحية إلى جانب كثير من المنشآت التعليمية والصحية والمرافق العامة الأخرى ، (( كما أن الأوقاف العديدة التي كانت في عز مجد الحضارة الإسلامية أتاحت للدولة التخفف من كثير من المسئوليات التي حملت هذه الأيام لميزانيات الدولة والتي أصبحت تستنفد معظم الدخل القومي في أنشطة غير منتجة )) (80).(1/33)
ومما يدعو إلى الأخذ بهذا الاتجاه بشكل قوي هو النتائج الإيجابية المتوقعة من اضطلاع الوقف بدوره في مجال الرعاية الاجتماعية، ذلك أن الأوقاف وإدارتها يمكنها أن تملك من المرونة الإدارية والاجتماعية ما لا تملكه الإجراءات الرسمية، وهذه المرونة هي ما تحتاجه برامج الرعاية الاجتماعية بشكل عام بعيداً عن الجمود الروتيني والأنظمة المقيدة .
وهذا لا يعني أن عدم الاستفادة من الوقف في الوقت الحالي عائد إلى كون الأوقاف تسيرها الأنظمة الروتينية المقيدة في كثير من الأحيان، بل إن من معوقات الاستفادة من الأوقاف في مجال الرعاية الاجتماعية في العصر الحالي قد يكون من الواقفين أنفسهم وذلك بجعل مصارف الوقف في أشياء قد تكون الحاجة الحقيقية للمجتمع في وقتنا الحاضر قد تجاوزتها.
ومن هذا كله فإن الحاجة ماسة لتكثيف الدعوة نحو إعادة الوقف لموقعه الطبيعي في نهضة الأمة الإسلامية بشكل عام، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص فهي كيان مهم في العالم الإسلامي، فما يتم على الأوقاف في المملكة يُعد مثالاً يُحتذى به لاعتبارات عدة لا تخفى .
وفيما يلي طرح لبعض المقترحات عن كيفية إرجاع دور الوقف في مجال الرعاية الاجتماعية ، وهي مقترحات عامة أجزم أنها بحاجة إلى مزيد من البحث والتطوير، ولعل في مناقشتها إثراءً لها للوصول إلى ما يطمح إليه الجميع بإذن اللَّه، فمن ذلك:
1- تنفيذ حملة إرشاد وتوعية تهدف إلى إبراز قيمة الصدقات وأجر الإنفاق في سبيل اللَّه، وبخاصة ما كان منها صدقة جارية ( الوقف ) للإقبال على إحياء هذا النظام وجعله يؤدي دوره الكبير في حياة المجتمعات كما أداها باقتدار في الفترات السابقة.
2- استمرار عقد الندوات العلمية وطرحها بشكل موسع ومتتابع ومتجدد، بحيث تكون المشاركات من دول العالم الإسلامي وعدم قصرها على المستوى المحلي.(1/34)
3- إبراز دور الوقف الاجتماعي في النهضة الإسلامية وطرحها عبر القنوات الإعلامية، مع التركيز على ضرورة التنوع في مصارف غلال الأوقاف وفق حاجات المجتمع الماسة التي تسد الثغرات الاجتماعية التي لا تنشط فيها الأجهزة الحكومية، فلعل الإكثار من الحديث عنه يدفع إلى إعادته إلى المجتمعات الإسلامية في ظل الظروف المالية المتكالبة على الدول بشكل عام، وبخاصة أن الوقف قد أثبت قدرته على سد هذه الثغرات الاجتماعية على مدى القرون الماضية.
4- طباعة أبحاث الندوات التي أقيمت عن الوقف في كتب وطرحها إلى الأسواق للبيع وعدم الاقتصار على التوزيع المجاني لها .
5- النظر في إنشاء جهة خاصة بالأوقاف تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلالية وبقدر كبير من المرونة بحيث لا تكون جهة حكومية خالصة ولا تكون مستقلة استقلالاً كاملاً، ولعل في نظام المؤسسات الحكومية مخرج لهذا، بحيث يُنشأ مؤسسة عامة للأوقاف على غرار المؤسسات الحكومية الأخرى ، فمثل هذه المؤسسات تتمتع بقدر كبير من المرونة الإدارية والمالية من خلال مجالس الإدارة، والإدارات التنفيذية المباشرة، وسوف تحقق مثل هذه الجهة أو الهيئة شبه المستقلة (( خدمة الأوقاف، خدمة تحفظ للأوقاف الغبطة والمصلحة في التصرف فيها بيعاً وشراء وتأجيراً وتعميراً وإصلاحاً وتوزع غلالها على جهاتها الشرعية وذلك عن طريق التخلص من الروتين الإداري الذي قد يعوق هذه التصرفات فيفوت على الأوقاف فرص تحقيق الغبطة والمصلحة))(81).
6- تحويل جميع عمليات الوقف من مبادرات فردية إلى عمل مؤسسي منظم من خلال إنشاء صناديق وقفية متخصصة يندرج ضمنها الأوقاف القائمة حالياً، وما يستجد من أوقاف في إطار واحد تحدده شروط الواقفين، ويؤكد هذا أن مؤسسات الرعاية الاجتماعية لا يمكن أن تنهض برسالتها إلا في ظل موارد مالية ضخمة ودائمة باستمرار ، وهذا يتحقق بجلاء في نظام الوقف والتجربة التاريخية السابقة أثبتت ذلك.(1/35)
وتختص هذه الصناديق المقترحة القيام بالأنشطة الشرعية ، والثقافية ، والصحية، بالإضافة إلى الأنشطة الاجتماعية من خلال إنفاق ريع الأموال الوقفية بما يحقق أغراض الواقفين، وتتكون موارد كل صندوق من ريع الأموال والأعيان الوقفية ويقوم على إدارة كل صندوق لجنة متخصصة، والصناديق المقترحة هي:
- صندوق رعاية المساجد.
- صندوق الرعاية الاجتماعية.
- صندوق الرعاية التعليمية والثقافية.
- صندوق الرعاية الصحية(82).
وتساعد مثل هذه الصناديق على توفير رأس مال كبير من مجموع الأوقاف المتناثرة، مما يعطي فرصة أكبر لتنمية وتثمير رؤوس الأموال تلك، وإنشاء مشاريع كبرى تحقق تنمية واسعة .
ويمكن لتلك الصناديق دعم المشاريع الخيرية التي تتوافق مع شروط الواقفين، بحيث تتقدم أية جهة بمشروع متكامل من حيث الدراسة والتنفيذ ونوعية ومقدار المستفيدين منه ، ليقوم الصندوق بعد ذلك بدراسة المشروع وتحديد مدى إمكانية دعمه من عدمه وفق معايير يضعها كل صندوق لنفسه، وبذلك نضمن تحقيق أكبر فائدة من الأوقاف في المجالات المختلفة ومنها جهات الرعاية الاجتماعية .
5- من المعلوم أن الأربطة الخيرية هي الجانب الظاهر من دور الوقف في مجال الرعاية الاجتماعية ، وبخاصة في المملكة ، حيث تشتهر منطقة مكة المكرمة ومنطقة المدينة المنورة بكثرة الأربطة الخيرية بها، والتي أنشئت على طول العقود الماضية، إلا أنه أصابها ما أصاب غيرها من الأوقاف نتيجة عوامل عدة ، فلقد أظهرت دراسة لوزارة العمل والشئون الاجتماعية العديد من النتائج التي تؤكد تناقص دور الأربطة، بل وعدم تحقيق شروط العديد ممن أوقفوها، وخراب العديد منها .(1/36)
كما ظهر لبعضها آثار سلبية من الجوانب الأمنية والأخلاقية في ظل وضعها الحالي (83). وهذا الأمر يتطلب إعادة النظر وبشكل جدي في وضعها، فقد تحتاج إلى دراسة شرعية خاصة بها للنظر في كيفية تحقيق الاستفادة منها بشكل يتوافق مع شروط الواقفين ويحقق البعد الاجتماعي والهدف الخيري الذي قصده الواقف منها.
ويمكن تحقيق ذلك بخطوات عدة منها: إسناد بعض هذه الأوقاف في نظارتها إلى بعض الجمعيات الخيرية لتتولى متابعتها وصرف ريعها وفق شروط الواقف. ووضع شروط لتسكين المستفيدين تتفق مع شروط الواقف بوضوح، وعدم تركها مجالاً لتشجيع البطالة بين ضعاف النفوس ممن ألفوا الدعة والراحة .
الهوامش
الهوامش
_____________________________________
(1)…محيي الدين أبي زكريا النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبائح وتحديد الشفرة، دار الخير، بيروت، 1414هـ، وقال النووي في شرح الحديث: إن هذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام، جزء 13، ص92.
(2)…محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى البُغا، دار القلم، بيروت، 1401هـ، جزء 5، ص2238.
(3)…محمد عمارة، دور الوقف في النمو الاجتماعي وتلبية حاجات الأمة، ضمن أبحاث ندوة: (نحو دور تنموي للوقف)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ص158.
(4)…يحيى محمود جنيد، الوقف وبنية المكتبة العربية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1408هـ، ص 9.
(5)…ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ، ج 9، ص359، وكذلك: إبراهيم مصطفى وزملاءه، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1989، ج2، ص1051، وكذلك: الجرجاني، كتاب التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1418هـ، ص328.
(6)…ابن قدامة، المغني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1401هـ، ج5، ص597.
(7)…عبد الرحمن بن قاسم، حاشية الروض المربع، 1403هـ، ج5، ص530.(1/37)
(8)…مصطفى الزرقاء، أحكام الأوقاف، دار عمار، عمان، 1418هـ، ص22.
(9)…محمد بن إسماعيل البخاري، مرجع سابق، ج3، ص1019، وكذلك: محيي الدين أبي زكريا النووي، مرجع سابق، ج4، ص254.
(10)…محيي الدين أبي زكريا النووي، مرجع سابق، ج4، ص254.
(11)…أبي الفداء إسماعيل بن كثير، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار الفكر، بيروت، 1410هـ، ج3، ص72، وكذلك: ابن حجر، فتح الباري، دار الريان للتراث، القاهرة، 1407هـ، ج6، ص234.
(12)…ابن قدامة، مرجع سابق، ج6، ص599.
(13)…مصطفى الزرقاء، مرجع سابق، ص38-41.
(14)…برهان زريق، نظام الوقف خصوصية إسلامية، مجلة الفيصل، عدد 162، ذي الحجة، 1410هـ، ص14.
(15)…ابن قدامة، مرجع سابق، ج5، ص646.
(16)…عبد الوهاب أبو سليمان، الوقف مفهومه ومقاصده، ضمن أبحاث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة، 1420هـ، ص17.
(17)…ابن القيم، أعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، القاهرة، 1414هـ، ج3، ص236.
(18)…مصطفى الزرقاء، مرجع سابق، ص19.
(19)…عبد اللَّه بن سليمان المنيع، الوقف من منظور فقهي، ضمن أبحاث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة، 1420هـ، ص4.
(20)…الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، 1416هـ، ج27، ص126.
(21)…إبراهيم فاضل الدبو، الضمان الاجتماعي في الإسلام، مطبعة الرشاد، بغداد، 1408هـ، ص91.
(22)…الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ج12، ص453.
(23)…محمد أبو زهرة، محاضرات في الوقف، دار الفكر العربي، القاهرة، بدون تاريخ، ص11-17.
(24)…إبراهيم بن سلمان الكروي، طبقات مجتمع بغداد في العصر العباسي الأول ،مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية ، 1989م، ص 28.(1/38)
(25)…إبراهيم بن محمد المزيني، الوقف وأثره في تشييد بنية الحضارة الإسلامية، ضمن أبحاث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة، 1420هـ، ص11.
(26)…سعيد عاشور، المؤسسات الاجتماعية في الحضارة العربية في (موسوعة الحضارة العربية الإسلامية)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987م، ج3، ص340.
(27)…محمد بن إسماعيل البخاري، مرجع سابق، ج5، ص2032.
(28)…محمد أمين، الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر (648-923) دراسة تاريخية وثائقية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1980م، ص242 وكذلك ص263.
(29)…ابن جبير ، رحلة ابن جبير ، دار صادر، بيروت،بدون تاريخ ، ص 27 .
(30)…سعيد عاشور، مرجع سابق، ص343.
(31)…الجامكية جمعها الجامكيات و هي : مرتب خُدّام الدولة من العسكرية والملكية . انظر : لويس معلوف ، المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق ، بيروت ، بدون تاريخ ص 102.
(32)…ابن كثير، البداية والنهاية، مكتبة المعارف، بيروت، ج14، ص78.
(33)…يحيى محمود جنيد، الوقف والمجتمع- نماذج وتطبيقات من التاريخ الإسلامي، مؤسسة اليمامة الصحفية، سلسلة كتاب الرياض، العدد 39، 1417هـ، ص56 .
(34)…محمد أمين، مرجع سابق، ص262.
(35)…ابن جبير، مرجع سابق ، ص 245.
(36)…محمد أمين، مرجع سابق، ص 275 .
(37)…محمد أمين، مرجع سابق، ص269.
(38)…محمد أمين، مرجع سابق، ص265.
(39)…سعيد عاشور، مرجع سابق، ص 345.
(40)…سعيد عاشور، مرجع سابق، ص 344 .
(41)…عبد اللَّه بن ناصر السدحان، رعاية الأيتام في المملكة العربية السعودية، الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، 1419هـ، ص82.
(42)…محمد أمين، مرجع سابق، ص253.
(43)…ابن جبير ، مرجع سابق، ص 258 .
(44)…ابن جبير ، مرجع سابق، ص16 .
(45)…سعيد عاشور، مرجع سابق، ص342، ص366.
(46)…سعيد عاشور، مرجع سابق، ص 367 .
(47)…محمد أمين، مرجع سابق، ص206.(1/39)
(48)…سعيد عاشور، مرجع سابق، ص 368 .
(49)…وزارة العمل والشئون الاجتماعية ، تقرير عن الأربطة الخيرية في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة ،تقرير غير منشور ، 1419 هـ ، ص 3 .
(50)…سعيد عاشور، مرجع سابق، ص342، ص346.
(51)…يحيى محمود بن جنيد، مرجع سابق (الوقف والمجتمع)، ص37.
(52)…محمد أمين، مرجع سابق، ص134-135.
(53)…راشد سعد القحطاني، أوقاف السلطان الأشرف شعبان على الحرمين، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1414هـ، ص107.
(54)…ابن بطوطة، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تحقيق: محمد العريان، دار إحياء العلوم، بيروت، 1417هـ، ج1، ص119.
(55)…مصطفى السباعي، من روائع حضارتنا، الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، الكويت، ص181-182.
(56)…محمد أمين، مرجع سابق، ص169.
(57)…سعيد عاشور، مرجع سابق، ص342، ص349-353.
(58)…مصطفى السباعي، مرجع سابق، ص207.
(59)…محمد أمين، مرجع سابق، ص177.
(60)…عبد الرحمن الضحيان ، الأوقاف ودورها في تشييد بنية الحضارة الإسلامية ، ضمن أبحاث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة، 1420هـ ، ص 18 عن : محمد بن عبد الله، الوقف في الفكر الإسلامي ، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في المغرب ، 1416هـ ، جزء 2، ص220 .
(61)…شوقي أحمد دنيا ، أثر الوقف في إنجاز التنمية الشاملة ، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ، الرياض ، السنة السادسة عشر،1415هـ ، ص 136.
(62)…جمال برزنجي، الوقف الإسلامي وأثره في تنمية المجتمع، ضمن أبحاث ندوة (نحو دور تنموي للوقف)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1993م، ص142.
(63)…إبراهيم فاضل الدبو، مرجع سابق ، ص 90 .
(64)…محمد بن إسماعيل البخاري، مرجع سابق، ج5، ص2238.
(65)…عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون ، تحقيق : حجر عاصي ، دار مكتبة الهلال ، بيروت ، 1986م ، ص 276 .(1/40)
(66)…أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، 1986م، ص271.
(67)…أحمد زكي بدوي، مرجع سابق، ص271.
(68)…عبد الملك أحمد السيد، الدور الاجتماعي للوقف، في (إدارة وتثمير ممتلكات الأوقاف) تحرير: حسن الأمين، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، 1415هـ، ص256.
(69)…محمد أمين، مرجع سابق، ص374.
(70)…سعيد عاشور، مرجع سابق، ص368.
(71)…الموسوعة العربية العالمية، مرجع سابق، ص129.
(72)…عبد الملك أحمد السيد، مرجع سابق، ص251.
(73)…محمد أمين، مرجع سابق، ص151.
(74)…محمد أمين، مرجع سابق، ص181-182.
(75)…محمد أمين، مرجع سابق، ص140، وكذلك: ص293.
(76) ابن جبير، مرجع سابق، ص27.
(77) محمد أمين، مرجع سابق، ص222، وكذلك: ص286.
(78)… وزارة العمل والشئون الاجتماعية ، مرجع سابق، ص 3 .
(79)…محمد أمين، مرجع سابق، ص374.
(80)… صالح كامل ، دور الوقف في النمو الاقتصادي ، ضمن أبحاث ندوة (نحو دور تنموي للوقف)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1993م، ص33 .
(81)…عبد اللَّه المنيع، مرجع سابق، ص14.
(82) علي فهد الزميع، التجربة الكويتية في إدارة الأوقاف، ضمن أبحاث ندوة (نحو دور تنموي للوقف)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1993م، ص63-64.
(83) وزارة العمل والشئون الاجتماعية، مرجع سابق، ص4.
المراجع
( 1 ) إبراهيم بن سلمان الكروي ، طبقات مجتمع بغداد في العصر العباسي الأول ، مركز الإسكندرية للكتاب ، الإسكندرية ، 1989م .
( 2 ) إبراهيم بن محمد المزيني، الوقف وأثره في تشييد بنية الحضارة الإسلامية، ضمن أبحاث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة، 1420هـ .
( 3 ) إبراهيم فاضل الدبو، الضمان الاجتماعي في الإسلام، مطبعة الرشاد، بغداد، 1408هـ .
( 4 ) إبراهيم مصطفى وزملاءه ، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ، القاهرة، 1989م .(1/41)
( 5 ) إبراهيم نويري، الوقف ( صورة مشرقة في التاريخ الإنساني للحضارة الإسلامية ، مجلة القافلة، المملكة العربية السعودية،عدد شوال، 1418هـ .
( 6 ) أبو الأعلى المودودي ، نظام الحياة في الإسلام ، الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، الكويت ، 1405هـ .
( 7 ) أبي الفداء إسماعيل بن كثير، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار الفكر، بيروت، 1410هـ .
( 8 ) أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، 1986م .
( 9 ) ابن القيم، أعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، القاهرة، 1414هـ .
( 10 ) ابن بطوطة ، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تحقيق :محمد عبد المنعم العريان ، دار إحياء العلوم، بيروت ، 1417هـ .
( 11 ) ابن جبير ، رحلة ابن جبير ، دار صادر ، بيروت ، بدون تاريخ .
( 12 ) ابن قدامة، المغني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1401هـ .
( 13 ) ابن كثير، البداية والنهاية، مكتبة المعارف، بيروت ، بدون تاريخ .
( 14 ) ابن منظور الأفريقي ، لسان العرب، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ .
( 15 ) ابن حجر، فتح الباري، دار الريان للتراث، القاهرة، 1407هـ .
( 16 ) الجرجاني، كتاب التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1418هـ .
( 17 ) الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
( 18 ) الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر، المملكة العربية السعودية ، الرياض، 1416هـ .
( 19 ) برهان زريق، نظام الوقف خصوصية إسلامية، مجلة الفيصل، المملكة العربية السعودية ،عدد 162، ذي الحجة، 1410هـ .
( 20 ) جمال برزنجي، الوقف الإسلامي وأثره في تنمية المجتمع، ضمن أبحاث ندوة (نحو دور تنموي للوقف)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1993م .(1/42)
( 21 ) حسن عبد الغني أبو غدة، أضواء على الوقف عبر العصور، مجلة الفيصل، المملكة العربية السعودية ،عدد 162، رجب، 1415هـ .
( 22 ) راشد سعد القحطاني، أوقاف السلطان الأشراف شعبان على الحرمين، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1414هـ .
( 23 ) زيد بن عبد المحسن الحسين، بنماذج العطاء تتميز الحضارات، مجلة الفيصل، المملكة العربية السعودية ،عدد 217، رجب، 1415هـ .
( 24 ) سعيد عاشور، المؤسسات الاجتماعية في الحضارة العربية في (موسوعة الحضارة العربية الإسلامية)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987م .
( 25 ) شوقي احمد دنيا ، اثر الوقف في إنجاز التنمية الشاملة ، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض ، السنة السادسة ، العدد 24، رجب 1415هـ .
( 26 ) صالح كامل ، دور الوقف في النمو الاقتصادي ، ضمن أبحاث ندوة (نحو دور تنموي للوقف)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1993م .
( 27 ) عبد الرحمن الضحيان، الأوقاف وأثرها في تشييد بنية الحضارة الإسلامية، ضمن أبحاث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة، 1420هـ .
( 28 ) عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون ، تحقيق : حجر عاصي ، دار مكتبة الهلال ، بيروت ، 1986م .
( 29 ) عبد الرحمن بن قاسم، حاشية الروض المربع، بدون ناشر ، 1403هـ .
( 30 ) عبد العزيز بن محمّد الداود ، الوقف ـ شروطه وخصائصه ـ ، مجلة أضواء الشريعة، كلية الشريعة ، جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية ، المملكة العربية السعودية ، العدد الحادي عشر ، 1400 هـ .
( 31 ) عبد الملك أحمد السيد، الدور الاجتماعي للوقف، في (إدارة وتثمير ممتلكات الأوقاف) تحرير: حسن الأمين، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، 1415هـ .
( 32 ) عبد اللَّه بن سليمان المنيع، الوقف من منظور فقهي، ضمن أبحاث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة المنورة، 1420هـ .(1/43)
( 33 ) عبد اللَّه بن ناصر السدحان، رعاية الأيتام في المملكة العربية السعودية، الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة ، الرياض، 1419هـ .
( 34 ) عبد الوهاب أبو سليمان، الوقف مفهومه ومقاصده، ضمن أبحاث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة، 1420هـ .
( 35 ) علي جمعه محمّد ، الوقف وأثره التنموي، ضمن أبحاث ندوة: (نحو دور تنموي للوقف)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1993م .
( 36 ) علي فهد الزميع، التجربة الكويتية في إدارة الأوقاف، ضمن أبحاث ندوة (نحو دور تنموي للوقف)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1993م .
( 37 ) لويس معلوف ، المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق ، بيروت ، بدون تاريخ .
( 38 ) محمد أبو زهرة، محاضرات في الوقف، دار الفكر العربي، القاهرة، بدون تاريخ .
( 39 ) محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى البُغا، دار القلم، بيروت، 1401هـ .
( 40 ) محمّد عمارة، دور الوقف في النمو الاجتماعي وتلبية حاجات الأمة، ضمن أبحاث ندوة: (نحو دور تنموي للوقف)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1993م .
( 41 ) محمّد كمال الدين عز الدين علي ، المكاتب ودورها في النهضة الفكرية والاجتماعية في مصر المملوكية، مجلة الدارة ، العدد الأول ، السنة السادسة عشر ، 1410هـ .
( 42 ) محمد محمد أمين، الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر (648هـ ـ 923هـ ) دراسة تاريخية وثائقية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1980م .
( 43 ) محمود أحمد مهدي، تجربة البنك الإسلامي للتنمية في تثمير الأوقاف الإسلامية ، ضمن أبحاث ندوة: ( نحو دور تنموي للوقف )، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1993م .
( 44 ) محيي الدين أبي زكريا النووي، صحيح مسلم بشرح النووي ، دار الخير، بيروت، 1414هـ .
( 45 ) مصطفى الزرقاء، أحكام الأوقاف، دار عمار، عمان، 1418هـ .(1/44)
( 46 ) مصطفى السباعي، من روائع حضارتنا، الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، الكويت .
( 47 ) نزيه حماد ، أساليب استثمار الأوقاف وأسس إدارتها ، ضمن أبحاث ندوة: (نحو دور تنموي للوقف)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1993م .
( 48 ) وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الأوقاف في المملكة العربية السعودية، الرياض، 1420هـ .
( 49 ) وزارة العمل والشئون الاجتماعية ،تقرير عن الأربطة الخيرية بمنطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة ، تقرير غير منشور ، 1419هـ.
( 50 ) يحيى محمود جنيد، الوقف والمجتمع- نماذج وتطبيقات من التاريخ الإسلامي، مؤسسة اليمامة الصحفية، سلسلة كتاب الرياض، العدد 39، 1417هـ .
( 51 ) يحيى محمود جنيد، الوقف وبنية المكتبة العربية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1408هـ .
الفهرس
الموضوع
الصفحة
مقدمة
5
أولاً : الوقف في الإسلام
11
ثانياً : دور الوقف في الرعاية الاجتماعية ( نماذج مختارة ) :
19
أ ) دور الوقف في مجال رعاية الأيتام
22
ب ) دور الوقف في مجال رعاية الغرباء والعجزة
29
ج ) دور الوقف في مجال رعاية الفقراء والمعدمين
33
د ) دور الوقف في مجال رعاية المرضى اجتماعيا
36
ثالثاً : الآثار الاجتماعية للوقف
41
رابعاً : كيف يعاد دور الوقف في مجال الرعاية الاجتماعية :
55
الهوامش
65
المراجع
73
الفهرس
81
??
??
??
( 10 )(1/45)