l
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فنستكمل الحديث عن الخدمات الائتمانية التي تقدمها المصارف، وقبل أن نشرع في هذه الخدمات أود أن أنبه إلى مسألة كثير من الإخوة يسأل عنها وهي من آراء من دخل في شيء من الصناديق الاستثمارية ظانًا أنها نقية أو أنها جائزة، ثم تبين له أنها لا تجوز، أو يرغب في الخروج منها، وكذلك الشخص الذي اشترى أسهمًا ثم تبين له أنَّ هذه الأسهم محرمة، فما السبيل للتخلص منها؟
نقول: القاعدة في ذلك أنَّ من كسب أموالًا بطرق غير مشروعة ثم تبين له بعد ذلك أنها، ظانًا أنها مشروعة ثم تبين له بعد ذلك أنها غير مشروعة فعليه أن يبيعها أو أن يخرج من الصناديق، يخرج من الصناديق ويبيع الوحدات، أو يبيع تلك الأسهم التي اشتراها وله كامل ثمنها، لا يلزمه أن يتخلص من شيء منها، من ذلك الثمن لقول الله تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ( [البقرة: 275] وهذه في الحقيقة بشرى حتى للذين يرتكبون المحرمات، أو يدخلون في العقود الفاسدة وهم يعلمون حتى المرابين، الشخص الذي كسب أموالًا بالربا، أو بطرق غير مشروعة سواء كان جاهلًا، عن جهل، أو كان عالمًا بالتحريم وعصى الله تعالى في ذلك ثم تاب، نقول: إذا علم من كان جاهلًا بالتحريم أو تاب من كان عاصيًا فعليه أن يتوقف عن ذلك العمل المحرم وما كسبه من الأموال قبل توبته أو قبل علمه له،ولا يلزمه التخلص منه، لكن ما لم يقبضه أو لم يكسبه من الأموال ليس له أن يأخذها بعد التوبة، أو بعد العلم، وهذا هو مفهوم قول الله تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ( [البقرة: 275].(1/1)
يعني الأموال التي أخذها من قبل هي له، قد يقول قائل: كيف تقول في الآية الأخرى الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ - فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ([البقرة: 278،279] إلى أن قال سبحانه:(وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ ([البقرة: 279] .
نقول: هذه الآية في الربا الذي لم يقبض؛ الذي لم يأخذه الشخص، إذا تاب الشخص وله ديون في ذمم الآخرين؛ أقرض أناس، مثلًا نفرض إن شخص أقرض شخصًا آخر مائة ألف ريال ليستردها مائة وعشرة، ثم تاب قبل أن يسترد المائة والعشرة، نقول في هذه الحال: ليس لك إلا رأس المال المائة فقط(1/2)
(وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ ( أما إذا كان هناك شيء من الأموال الربوية قد قبضها واستعملها وربما باع شيئًا منها وربما تحولت إلى أعيان أخرى فهذه تُعامَل وفق الآية الأخرى (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ([البقرة: 275] هذا بشرط أن يكون صادقًا في توبته إلى الله تعالى، ويدل على ذلك أن الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين أسلموا كانوا قد قبضوا أموالًا بالربا وبالعقود الفاسدة والميسر وغير ذلك، فمع ذلك لم يأمرهم النبي ( بأن يتخلصوا منها، ومما يؤيد ذلك أيضًا قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا( ماذا؟ (مَا بَقِيَ ([البقرة: 278] قال: ما بقي، ما قال: ما سلف، أو ما أخذتم من الربا، قال: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا([البقرة: 278] يعني الشيء الذي لم يقبض وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة، وأيضًا يفتي به فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه، وهذا في الحقيقة مُحفز لمن عصى الله تعالى أن يبادر بالتوبة، فالأمر سهل في طريقه، ليس عليه إلا أن يتوقف ويندم على ما مضى ويعزم على ألا يعود، وبإذن الله تعالى تنقلب الأموال التي كان قد أخذها بالربا تنقلب في حقه بدلًا من أن تكون سيئات تصبح حسنات، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الذي يقول على هذا المرابي أن يطهر ويتخلص من الأموال الربوية التي كان قد قبضها، يقول: كيف تأمره أن يتخلص من الحسنات؛ هذه الأموال أصبحت في حقه، ماذا؟ حسنات إذا صدق في توبته؛ لأن الله أبدلها له حسنات، فكذلك نقول: من دخل في الصناديق أو دخل في الأسهم فاشترى أسهمًا محرمة وأراد أن يتوب نقول: ليس عليك إلا أن تبيع حصصك في الصناديق أو في الأسهم ولك جميع المال ولا يلزمك أن تتخلص من شيء منه لكن عليك ألا تعاود الأمر مرةً أخرى، وألا تشتري إلا شيئًا مباحًا.(1/3)
نرجع إلى موضوعنا وهو الخدمة نعم الرابعة قلنا نعم، الخدمة الرابعة من التورق، من الخدمات الاستثمارية وهو التورق المصرفي، والتورق الذي تقدمه البنوك هو على نوعين.
التورق الذي تقدمه البنوك على نوعين:
النوع الأول: التورق الحقيقي:
وهو أن يحتاج شخص إلى النقد فيشتري سلعة من البنك بثمن مؤجل، ثم يبيعها على غير البنك نقدًا؛ مثلًا: يحتاج شخص إلى مبلغ ثمانين ألف ريال نقدًا، فيذهب إلى البنك ويشتري منهم سيارة بالتقسيط بمائة ألف ريال مؤجلة في أربع سنوات، فإذا تملك السيارة العميل، وقبضها، باعها في السوق على غير البنك، وعلى غير المعرض الأول الذي باعها على البنك، باعها في السوق بثمانين ألف ريال نقدًا، الآن أصبح عنده ثمانون ألف ريال وفي ذمته كم؟ مائة ألف ريال لصالح البنك، هذا يُسمى عند أهل العلم التورق، وكان معروفًا عند الفقهاء المتقدمين واختلفوا فيه، فبعضهم حرمه من أصله، وبعضهم أجازه، والذي تقتضيه الأدلة وما ذهب إليه جمهور أهل العلم أن هذا التورق جائز، وليس من العينة المحرمة؛ لأن المشتري يبيع السلعة على غير البائع الذي باعها عليه، ولأن المشتري كما أن له أن ينتفع بالسلعة بالركوب إن كانت تركب، وباللبس إن كانت تلبس، وبالاستعمال إن كانت تستعمل له كذلك أن يبيعها وينتفع من ثمنها.
فهذا التورق جائز بشرط أن تتوافر شروطه، ومن أهم شروطه:
أن يتملك البنك السلعة، ويقبضها قبضًا حقيقيًا قبل أن يبيعها على العميل، وكذلك من شروطه:
الشرط الثاني: أن يتملك العميل نفسه السلعة ويقبضها قبضًا معتبرًا شرعًا قبل أن يبيعها في السوق؛ حتى لا يدخل في نهي النبي ( عن بيع ما لا يملك، أو عن بيع ما لم يقبض.
الشرط الثالث من شروط التورق:(1/4)
ألا يبيع العميل السلعة على البنك، ولا على الشخص الذي باعها على البنك أولًا؛ لأنه إذا باعها على البنك مباشرة فهذا يسمى عند أهل العلم العينة، هذا هو العينة، وهو حيلة على الربا، كيف؟ اشترى من البنك سيارة بمائة ألف مؤجلة في ثلاث سنوات مثلًا، ثم بعد أن قبضها هو متفق مع البنك على أن يقوم ببيعها على البنك مرة ثانية بثمانين ألف ريال نقدًا، يعني كأن، فأعطاه البنك ثمانين ألف ريال نقدًا مقابل السيارة، يعني السيارة خرجت من البنك إلى العميل ثم رجعت إلى البنك مرة ثانية، يعني وربما لم تتحرك أصلًا السيارة، وحقيقة هذه المعاملة أن البنك أعطاه كم؟ ثمانين ألف ريال نقدًا، وسيرد إليه العميل بعد ثلاث سنوات مائة ألف ريال، فهي ثمانين مقابل مائة، والسيارة أدخلت ماذا؟ حيلة، أدخلت حيلة لإضفاء الشرعية على هذا العقد، ولهذا يقول ابن عباس - رضي الله عنهما – عن العينة، هذه يقول: إنها دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة، هي في الحقيقة ثمانين بمائة، لكن أُدخلت هذه السلعة للاحتيال على الربا، فلا يجوز أن يبيع العميل السلعة على البنك نفسه، ولا يجوز كذلك أن يبيع السلعة على شخص آخر كالمعرض الأول الذي سيبيعها على البنك؛ لأن يصبح هذا الطرف الثالث (المعرض الأول) كالمحلل أو الوسيط الذي بين العميل والبنك؛ لأن السلعة ستعود مرة ثانية إلى البنك مرة أخرى، فلا يجوز أن يبيعها لا على البنك ولا على المعرض الأول الذي باعها على البنك، فلنفرض حتى تضح الصورة: أن المعرض الآن باع السيارة على البنك بثمانين ألف، ثم البنك باعها على العميل بكم؟ بمائة ألف مؤجلة في ثلاث سنوات، ثم إن العميل باعها على من؟ على المعرض بثمانين ألف ريال نقدًا، طيب والمعرض أعطى العميل ثمانين ألف ريال نقدًا، ثم إن المعرض باع السيارة على البنك مرة ثانية لعميل آخر بثمانين ألف ريال والبنك باعها على العميل الجديد بمائة ألف ريال مؤجلة، والعميل باعها على المعرض مرة أخرى(1/5)
وهكذا السيارة في مكانها والأوراق تدور بين الثلاثة، وأقول لكم من العجب أني لاحظت في أحد المعارض في الرياض الذي يتعامل مع أحد البنوك يتعامل مع أحد البنوك، وعنده سيارتين، يعني في ذلك المعرض إحدى السيارات بيعت في يوم في فترة قصيرة يعني هذا كان قبل سنتين تقريبًا بفترة قصيرة أظنها في ثلاثة أيام أو في أسبوع أو أقل، بيعت ثلاثًا وستين مرة؛ السيارة تدور بين هؤلاء الثلاثة، السيارة في مكانها لم تتحرك، الأوراق تباع، المعرض يبيعها على البنك، والبنك يبيعها على العميل بالأجل، ثم العميل يبيعها على المعرض، والمعرض يبيعها على البنك فقط أوراق تدور حتى قال لي أحد الإخوة إن الورق تقطع ، ورقة البطاقة الجمركية التي للسيارة لأنها تقطعت بين أيدي العملاء، هذه يسميها أهل العلم العينة الثلاثية، البعض يقول، يعني بعض العملاء يقول: أنا ما بعت على البنك أنا بعت على المعرض، وأنا ما اتفقت مع المعرض أنه يعيدها على البنك، نقول: إذا كان هناك مواطأة وعرف تعرف أن السيارة ستعود مرة ثانية إلى البنك، فهنا نقول: لا يجوز لك أن تتعامل بمثل هذه المعاملة، فالتورق الحقيقي أن تشتري السلعة ثم تبيعها على من؟ على غير البنك وعلى غير البائع الأول الذي باعها على البنك، حتى لا تكون من العينة الثنائية، ولا من العينة الثلاثية، هذا هو التورق الحقيقي المشروع والجائز، هل هذا موجود عند البنوك؟ فنقول: نعم موجود لدى البنوك ومن أمثلته برنامج (وطني) للتورق في الأسهم الذي عند الراجحي، وأيضًا تقسيط السيارات، التورق بالسيارات الموجود أيضًا لدى شركة الراجحي حيث أنهم يتملكون السيارات، ويبيعونها بالأجل ثم يقوم العميل ببيعها على طرف آخر غير البنك، فهذا التورق جائز، وأيضًا بعض البنوك من الممكن أن تقدم هذا النوع من التورق لكن على العميل أن يتأكد من أنه إذا اشترى السيارة أو إذا اشترى سلعة أو اشترى أسهم، أو اشترى أي شيء من البنك أن يبيعها بنفسه هو(1/6)
على غير البنك وعلى غير البائع الأول؛ حتى لا يكون من العينة، هذا النوع الأول من التورق، نعم نفس الشيء ما يبيعها حتى لو باعها على فرع آخر للبنك، فالفرع الثاني يأخذ حكم الفرع الأول، البنك يعتبر شخصية اعتبارية واحدة بكل فروعه، لا يبيعها على البنك إطلاقًا.
النوع الثاني من التورق هو التورق المنظم: ما يعرف الآن بالتورق المنظم ويمكن أن نسميه أيضًا التورق السوري، وليس حقيقيًا، وهو شراء السلعة من البنك بالأجل مع توكيله ببيعها قبل أن يقبضها أي قبل أن يقبض العميل السلعة، مثال ذلك: يحتاج شخص لسبعين ألف ريال نقدًا، فيشتري من البنك معادن، يقولون: هذه المعادن مملوكة للبنك في لندن، أو في أمستردام أو في البحرين، أو في أي مكان في العالم، يقولون: إن البنك يمتلك هذه المعادن، فيأتي العميل ويشتري هذه المعادن من البنك بالأجل، هو الآن العميل يحتاج إلى سبعين ألف ريال فيشتريها من البنك بالأجل لنفرض بثمانين ألف ريال مؤجلة في سنتين ثم العميل أصلًا لا يستطيع أن يقبض هذه المعادن، ولا يستطيع أن يبيعها؛ لأن سوق المعادن هذه لا يدخلها أي شخص ولا أي شركة؛ محصورة على سماسرة محدودين معدودين في سوق المعادن، فماذا يعمل العميل؟ يوكل البنك في أن ماذا؟ يبيعها في سوق المعادن بالنيابة عنه، ولا يستطيع أن يقبضها، فيبيعها البنك في سوق المعادن بسبعين ألف ريال نقدًا ويقول: خذ هذه النقود ثمن المعادن التي بعناها، هذا هو التورق المنظم، فهنا نلاحظ أن العميل اشترى سلعة وفي نفس الوقت وكل البنك في بيعها، بأن يبيعها، الأغلب في التورق المنظم أنه يكون في السلع الدولية كالمعادن ونحوها، وقد يكون في السلع المحلية كالحديد والأرز والمكيفات ونحوها، فيشتري العميل سلعة من البنك كالحديد، وفي نفس الأوراق نموذج الشراء يقلب صفحة ويكون في توكيل بالبيع، فوضتك أن المعادن التي اشتريتها أنا أن تبيعها في السوق، أو يكون تفويض ليس للبنك نفسه وإنما(1/7)
يفوض البائع الأول الذي باعها على البنك صاحب الحديد أو صاحب المكيفات أو صاحب الأرز ونحوه أن يفوضهم ببيعها في السوق وإيداع ثمنها في حساب العميل، بمعنى أن العميل لا يقبض السلعة ولا يتصرف فيها وإنما دوره فقط التوقيع على الأوراق وإجراء التفويضات اللازمة للبنك وللأطراف الأخرى، وغاية ما هنالك أن يودع المبلغ في حساب العميل، ثم يسدد المبلغ بزيادة بعد أجل، نعم.
بعض البنوك قد تضع خيارات أمام العميل في التورق المنظم، يقولون: نحن نبيع حديد مثلًا، ولك الخيار في هذا الحديد إذا اشتريته إذا تملكته لك الخيار في أن تقبضه بنفسك أو أن توكلنا في بيعه، أو أن توكل البائع الأول صاحب الحديد الأول أن توكله في البيع، وهذا التخيير في الحقيقة في التورق المنظم الذي يكون في التورق المنظم هو في الحقيقة شكلي، تخيير شكلي؛ لأن التورق المنظم هذا إنما يكون في سلع يصعب على العميل أن يقبضها أو يتصرف فيها،ولهذا لو اختار العميل الخيار الأول، وقال: أنا أريد أن أقبضها وضع البنك عليه عراقيل كثيرة، يقولوا: إذا كان هو في جدة تذهب تستلمها من الدمام، وإذا كان في الدمام قالوا :تذهب تستلمها من جدة، وإذا كان في تبوك قالوا تروح جيزان، تستلمها من جيزان، يعني يضعون أمامه عراقيل حتى وإن لم يضعوا عراقيل سيخسر العميل في قبضه لتلك السلع خسارة كبيرة، كأن يقول لك مثلًا الطن بيع له طن الحديد مثلًا بيع له بسعر ألفين وخمسمائة الطن الواحد، بسعر ألفين وخمسمائة، لو استلمه العميل وأراد أن يبيعه في السوق لن يجد أحدًا يشتريه بأكثر من ألفين كما حصل لكثير من العملاء لما أرادوا أن يتأكدوا ويتحروا فعلًا لأنه قال بإمكانهم أن يستلموا عرفوا أنهم إذا استلموا الطن الذي يباع، الذي سيبيعه البنك عليهم بألفين وخمسمائة نقدًا أنهم إذا استلموه لن يشتريه أحد منهم في السوق إلا بكم؟ بألفين، معناها في الطن ألفين وخمسمائة، سيخسرون كم؟ خمسمائة ريال، يعني سيخسر(1/8)
عشرين بالمائة في تلك السلعة، يعني خسارة فادحة، فلا أدري كيف البنك يستطيع أن يبيع هذا الحديد في السوق بألفين وخمسمائة مع أنه يباع في السوق بألفين؟ ولهذا فالذي أراه في التورق المنظم، والذي ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي أن هذا التورق محرم ولا يجوز لعدة أمور:
الأمر الأول: أن العقد في حقيقته حيلة على الربا، فالعميل لم يقبض من البنك إلا شيء واحد، ماذا قبض؟ نقود أودعت في حسابه، وسيرد إلى البنك ماذا؟ نقودًا بأكثر مما أخذ، فحقيقة المعاملة قرض بفائدة، وإدخال السلعة هنا في هذه المعاملة إنما جيء به حيلة لإضفاء الشرعية على هذا العقد، ولهذا العميل كل العملاء الذين اتصلوا بي وسألوني عن مثل هذه العقود سألتهم الآن الحديد الذي اشتريته أو المعادن التي اشتريتها هل تعرفها؟ هل تعرف سعرها في السوق؟ هل تعرف جودتها؟ هل تعرف صفاتها؟ يقول: لا، أنا فقط وقعت على الأوراق، اشتريت معادن أو اشتريت حديد أو اشتريت أرز، وفوضت البنك في بيعها ويودعون المبلغ في الحساب، مبلغ البيع، فالعميل لا يعرف السلعة، ولا يعرف صفاتها، ولا يماكث فيها؛ يعني أي سعر يضعه البنك للسلعة سيقبله، لو كانت السلعة تباع في السوق بألفين وباعها البنك عليه بعشرة آلاف فهو يرضى بذلك لأنه يعلم أصلًا أن المبلغ الذي سيودع في حسابه سيرده بزيادة معلومة هي المتفق عليه بينه وبين البنك.
العلة الثانية، والمحظور الثاني في هذا العقد:(1/9)
أن الصورة المفترضة لهذا العقد: هي أن النقد الذي يأخذه العميل هو ثمن السلعة التي بيعت له، يعني الآن هذا العقد يقولون إنما أودع في حسابك الآن هو في الحقيقة ثمن السلعة التي بيعت لك، واضح؟ وهذا في الحقيقة هذا الأمر يكذبه الواقع، فليس بصحيح، فليس هذا النقد الذي أودع في حساب العميل أو الذي أعطيه العميل هو ثمن ما بيع له لأن عقود التورق المنظم تجري أصلًا على سلع موصوفة يعني غير معينة، يقولون: بعت كمية من الحديد أو كمية من المعادن أو كمية من الأرز غير معينة ولا محددة فهي ليست مملوكة أصلًا لا للبنك الذي باعها على العميل، ولا مملوكة للعميل الذي وكل البنك في بيعها، فالأصل أن يتبايعون شيء موصوف غير محدد، وليس موجودًا، بل وليست مملوكة للمورد أو البائع الأول الذي باعها على البنك فإن البائع الأول يجري صفقات في عقود التورق بأكثر مما عنده في مستودعاته؛ إذا كان عنده مثلًا مائة طن من الحديد من الممكن أن يجري عمليات تورق في اليوم الواحد بمثلًا خمسمائة طن من الحديد مما يدل على أن مقولتهم إن هذا المبلغ الذي أودع في حساب العميل إنما هو ثمن ما بيع له هذا كذب، ولهذا كثير من العملاء الذين رفضوا أن يوكلوا البنك أو يوكلوا البائع الأول في البيع فوجئوا بعد يوم من التوقيع على العقود هذه، هم طلبوا من البنك قالوا: نحن سنستلم الحديد نفسه من الوكيل الذي يتعامل معكم، فوجئوا إنه بعد يوم أودع المبلغ في حسابهم، كيف يودع في الحساب وهي إلى الآن لم تبع؟ وهذا ذهب يعني أحد يعني بعض الإخوة إلى البنك نفسه لما وجدوا المبلغ مودع في الحساب قالوا: إلى الآن أصلًا أنا ما بعد بعت المعادن، أو ما بعد بعت الحديد، فكيف تودعون الآن، تودعون هذا المبلغ في الحساب؟ فقالوا: نحن يعني العملية خطأ، أنت أول عميل يعني يطلب تسلم الحديد يعني بنفسه، فأصلًا البرنامج مهيأ على التوكيل المطلق إن البنك يتوكل بكل شيء، والعميل ليس عليه إلا أن يأخذ(1/10)
هذا المبلغ، ويرده بزيادة.
ومما يؤكد هذا الأمر أن هذا المبلغ ليس هو ثمن السلعة التي بيعت أن البنك يلتزم بإيداع المبلغ المتفق عليه في حساب العميل خلال فترة وجيزة، يعلن البنك، تجد في دعايتهم خلال أربعة وعشرين ساعة يكون المبلغ مودع في حساب العميل أو خلال ثمان وأربعين ساعة يكون المبلغ مودع في حساب العميل مع أنه من المعلوم أن بيع أي سلعة مهما كانت لا يخلو من المخاطرة؛ إما لتقلب الأسعار، أو لعدم وفاء المشتري، أو لظهور عيب في السلعة، أو التأخر في البيع، هم ضمنوا قالوا: سيدخل في حسابك مهما كان الأمر، مما يدل على أن المبلغ الذي يأخذه هو في الحقيقة ليس هو ثمن الشراء؛ لأن بيع السلعة مهما كان فيه مخاطرة قد يكون قد تباع اليوم وقد لا تباع، قد يرتفع ثمنها وقد ينخفض، قد يظهر فيها عيب، قد يماطل المشتري، إلى غير ذلك من الاحتمالات.
الأمر الثالث، والمحظور الثالث في التورق المنظم :(1/11)
أن هذا العقد يؤدي إلى العينة الثلاثية، والعينة الثلاثية بيناها قبل قليل وهي محرمة، فلو نظرنا في السلع المحلية كالسيارات، البنك يبيع السيارة على العميل بالأجل ثم أن العميل يبيع، ثم إن العميل يوكل المعرض، صاحب المعرض بأن يبيع هذه السيارة نقدًا، فيأتي صاحب المعرض ويبيعها على البنك، ثم البنك يبيعها على عميل آخر والعميل يبيعها على صاحب المعرض وهكذا المسألة دوران فقط تدور هذه الأوراق وليس هناك تبايع حقيقي، والسبب في ذلك أن العميل فوض إلى صاحب المعرض بيع تلك السلعة، والمفترض أن يبيعها هو بنفسه؛ أن يقبضها ويبيعها بنفسه، وكذلك في السلع، الأمر في السلع الدولية لا يختلف الأمر هو في الحقيقة نوع من العينة الثلاثية؛ لأنه في السلع الدولية من المعتاد أن البنك يشتري المعدن من أحد الموردين ثم يبيعه على العميل فالآن إذا كان، نفرض أن عملية تورق ستجرى في المعادن كما تطرحه بعض البنوك حتى تضح الصورة للجميع ما الذي يحصل؟ العميل يريد أن يشتري معدن، يريد نقد مثلًا بثمانين ألف ريال نقدًا مقداره ثمانون ألف ريال، فيشتري من البنك معادن بقيمة مائة ألف ريال مؤجلة في ثلاث سنوات مثلًا، ما الذي يحصل الآن؟ البنك اشترى هذه المعادن من ماذا؟ من مورد خارجي، من السمسار الخارجي الذي يدخل في سوق المعادن، فأخذ هذا المعدن اشتراه البنك من السمسار بثمانين ألف ثم باعه على العميل بمائة ألف مؤجلة، ثم إن العميل فوض البنك في أن يبيعه بكم؟ بثمانين ألف، البنك باعه على العميل بمائة ألف ثم إن العميل فوض البنك بأن يبيعه بثمانين ألف، على من يبيعه البنك؟ على نفس السمسار الأول، أو المورد الأول، فالمورد الأول هذا في الحقيقة إنما دخل لتخليخ كمحلل هذا للطرفين؛ لأن البنك أصلًا لا يستطيع أن يبيعه على شخص آخر غير المورد لأن هذه الأوراق مسجلة باسم المورد الأول، لا يستطيع أن يبيعها على غيره، ولذلك يقولون في مثل هذه العمليات التي تجري في(1/12)
المعادن لابد أن تجرى وقت إغلاق السوق، إغلاق سوق المعادن؛ حتى لا تضطرب الأسعار وتتغير الأسعار، يريدون أن يشتروها بسعر، ثم يبيعوها على المورد بنفس السعر، فاشتراها من المورد بثمانين ثم باعها عليه بثمانين؛ لأنه إذا كان السوق مفتوحًا كسوق الأسهم مثلًا مثل ما يكون في سوق الأسهم اشتراها ربما اشتراها بثمانين ثم باعها بسعر أعلى وهذا ما لا يريده هؤلاء الأطراف؛ يريدون أن يكون السعر أو الثمن مستقرًا فهو يشتري بثمانين ثم يردها عليه بثمانين، يعني كأن العملية للإيضاح كأنه أخذ سلعة من أحد استعار منه سلعة وقال للعميل بعتها عليك بالأجل ثم إن العميل فوضه بأن يبيعها نقدًا فرد تلك السلعة إلى صاحبها الأول، وهذا الطرف الذي أدخل إنما جيء به حيلة وهذا هو الذي يجري في التورق في السلع الدولية حتى تكون الصورة متضحة للجميع.
وأيضًا من المحاظير التي يتضمنها هذا العقد:
أن العميل يوكل البنك في بيع السلعة قبل أن يتملكها، فهو يوقع على التوكيل قبل تملكه للسلعة، وهذا يدخل في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الإنسان ما لا يملك.(1/13)
وأيضًا من المحاظير: أن العميل لم يتحمل مخاطرة السلعة أو ضمانها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن ربح ما لم يضمن، وأيضًا فإن العميل والبنك كلاهما يبيع السلعة قبل قبضها، والواقع الآن في مثل السيارات والمعادن وغيرها لا يتحقق القبض الشرعي اللازم وإنما يتم تداول هذه السلع من دون قبض، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع السلع قبل قبضها، والذي ينظر في هذا العقد يتضح له أنه ملفق من جملة من الرخص الشرعية، فهو تورق يُوكَل البنك فيه بكل شيء، يتوكل بالشراء والبيع والقبض، والتسليم والاستلام وإيداع الثمن، ومطالبة العميل، ومطالبة الأطراف الأخرى، والعميل لم يقم بأي دور في ذلك، فهو في الحقيقة تمويل سوري، ولا يجوز ولهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بعد التمعن والنظر في هذه المعاملة بتحريم هذا العقد وأنه تمويل ربوي وليس تمويلًا شرعيًا، هذا ما يتعلق بـ، ولهذا الصورة الصحيحة لمن أراد أن يدخل في عقد تورق نقول: اقبض السلعة بنفسك ثم بعها، ولا تبعها لا على البنك ولا على البائع الأول الذي باعها على البنك حتى تسلم من هذه الشبه والمحاظير، وإذا كان التورق في أسهم فلا تبع تلك الأسهم إلا إذا دخلت إلى محفظتك، فإذا دخلت إلى المحفظة فلك أن تبيعها ولو كان عن طريق شبكة التداول الموجودة لدى البنك نفسه؛ لأنها إذا دخلت في المحفظة فالشخص قد تحمل مخاطرتها وضمانها وقبضها، فله أن يتصرف بعد ذلك فيها بالبيع أو أن يحتفظ بها بخلاف ما يجري في التورق المنظم فإنه لا سبيل له إلى أن يقبضها.(1/14)
يعني بناء على رؤية لهم، وتعرفون هذه من المسائل يعني من العلماء من جوز التورق المنظم وأصدروا في قرارات بعض الهيئات الشرعية، لكن الذي أراه أنه لا يجوز وهذا هو الحقيقة الذي يعني وصلت إليه بعد التأمل، والوقوف على ما يجري فعلًا في سوق التورق المنظم، يعني من أشياء وقائع بالفعل ،أنا وقفت عليها، في التورق في السيارات وفي التورق في الحديد، وفي التورق في المعادن، في الحقيقة هذه السلع إنما يجري تداولها عن طريق الأوراق وليس هناك تداول أو بيع حقيقي؛ إنما هو عن طريق الورق، ولهذا هذه التسمية (التورق) صحيحة وحقيقية فهو تورق من الورق؛ لأنه عبارة عن تداول أوراق وليس تورقًا كما يقول الفقهاء من الوَرِق الذي هو الفضة، فهو تورق ورقي وليس تورقًا وَرِقي.
ننتقل إلى معاملة أخرى:
إذا باع السلعة على غير البنك، وغير البائع الأول فلا بأس بذلك.(1/15)
لا لا، إذا كان عن طريق البنك سيبيعها عن طريق البنك فلا يجوز، حتى ولو ثَمَّ طرف رابع أو خامس أو سادس لأنها ما تصبح عينة ثلاثية تصبح عينة رباعية أو عينة خماسية أو عينة سباعية، من الممكن يضعون ثمانية أطراف هم، لكن معروف أنها سترجع إلى البنك؛ التاسع يحولها إلى الثامن، والثامن يحولها إلى السابع، والسابع يحولها إلى السادس حتى ترجع إلى البنك، فمتى كانت الدائرة موجودة، ترجع مغلقة، ففي هذه الحال هذه هي العينة، سواء كانت ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية لابد أن تكون الدائرة مفتوحة من اشترى سلعة بالتورق يبيعها على غير الطرف الذي اشتراها منه، ولا على طرف يعلم أنه سيبيعها على الطرف الذي اشتراها منه.من اشترى بالتورق فنقول: بما أنه لم يكن يعلم بالتحريم فلا حرج عليه إن شاء الله، لكن لا يدخل في عقود تورق أخرى بما أنه قد مشى على فتوى شرعية في هذا الأمر فعفا الله عما سلف، وكما قال الله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ( [البقرة: 275] لكن فيما يستقبل من أمره ليس له أن يدخل في عمليات منظم، من أراد التورق فليدخل في التورق الحقيقي المشروع.
ننتقل إلى البطاقات المصرفية:
والبطاقات المصرفية تُعرَّف بأنها بطاقات معدنية أو لدائنية بمعنى بلاستيكية ممغنطة يُدوَّن عليها اسم حاملها، وتاريخ إصدارها وتاريخ انتهاء مدة صلاحيتها، وتستخدم في الحصول على النقد أو في شراء السلع أو الخدمات.
والبطاقات التي تصدرها المصارف على نوعين:
النوع الأول: بطاقات الخصم الفوري.
والنوع الثاني: البطاقات الائتمانية.(1/16)
فنبدأ أولًا ببطاقات الخصم الفوري، أو ما يعرف بالاسم الدارج عند الناس (بطاقات الصراف الآلي) في هذا النوع من البطاقات يتم الخصم فورًا من رصيد العيمل الموجود لدى المصرف أي أن هذه البطاقات لا تعطى إلا لمن كان له رصيد لدى المصرف، وليس له أن يستخدمها إلا في حدود ذلك الرصيد الذي لدى المصرف، تستخدم هذه البطاقات في أمرين:
الأمر الأول: في إجراء العمليات المصرفية الاعتيادية عبر أجهزة الصرف الآلي، مثل: كأن يستخدمها في السحب النقدي للحصول على نقود أو في الإيداع كما في بعض الأجهزة يكون فيها خدمة الإيداع، أو تسديد الفواتير أو الحوالات أو الاستعلام عن الرصيد ونحو ذلك من العمليات المصرفية الاعتيادية.
والاستخدام الثاني لهذه البطاقات:
أن تستخدم في دفع ثمن المشتريات من سلع وخدمات عبر نقاط البيع؛ يشتري بهذه البطاقة أو يستأجر شيئًا من الخدمات وهذه الأجهزة أجهزة نقاط البيع موجودة لدى التجار الذين يقبلون البطاقة ويتم من خلال هذه الأجهزة خصم المبالغ المستحقة على العميل تخصم من حسابه وتودع فورًا في حساب التاجر الذي يقبل تلك البطاقة فإذا اشترى شخص مثلًا بالبطاقة بطاقة الصراف من تاجر بمائة ريال فإن هذا الجهاز من خلال هذا الجهاز يتم الخصم فورًا من رصيد العميل ويودع ذلك المبلغ في رصيد التاجر في نفس اللحظة.
الحكم الشرعي لهذه البطاقات:(1/17)
هذه البطاقات يجوز إصدارها والتعامل بها؛ لأنها لا تستخدم إلا في حدود الرصيد الذي للعميل لدى البنك، فالبنك لا يقرض العميل بل الواقع أن العميل هو الذي أقرض البنك لأن الودائع المصرفية كما سنبين إن شاء الله في درس الغد هي في الحقيقة قرض من العميل للمصرف، فليس هناك قرض من البنك، وإذا لم يكن ثَمَّ قرض من البنك للمصرف فالأجور التي يأخذها البنك مقابل إصدار هذه البطاقات، أو مقابل استخدامها في السحب النقدي، أو مقابل استخدامها في الشراء، أو مقابل تجديدها أو غير ذلك كل هذه الأجور جائزة شرعًا لأنها ليست فائدة في القرض وإنما هي أجرة مقابل الخدمات التي يقدمها البنك للعميل سواء كانت تلك الأجور مبالغ مقطوعة كأن يقول مثلًا: آخذ عن كل عملية سحب مثلًا مبلغ ثلاث ريالات، أو كانت مبالغ بالنسبة، أجورًا نسبية، كأن يقول: واحد بالمائة من قيمة المبلغ المسحوب، هذا إذا كانت البطاقة بطاقة خصم فوري لأن هذه البطاقات ليس فيها قرض من البنك، الواقع الآن في بطاقات الخصم الفوري التي تصدرها المصارف أنها لا تأخذ عليها، لا تأخذ مقابل الإصدار أجورًا، ولكن البنك عند استخدامها عند استخدام هذه البطاقات فإن البنك صاحب الجهاز يأخذ من البنك صاحب، المصدر للبطاقة أجورًا ثابتة، فإذا جاء مثلًا شخص يحمل بطاقة (الراجحي) ليستخدمها في جهاز صراف (الأهلي) فإن بنك (الأهلي) يأخذ على (الراجحي) ثلاث ريالات، يأخذ ثلاث ريالات وهناك خمس وستين هللة أيضًا عن كل عملية تأخذها مؤسسة النقد مقابل شبكة (إسبان) هذه التي تربط بين البنوك، وإذا استخدمت البطاقة في نقاط البيع، من خلال نقاط البيع التي عند التجار هذه لم تستخدم في السحب النقدي فإن كان المبلغ أقل من مائة ريال فإن البنك صاحب الجهاز يأخذ ريالًا واحدًا، وإذا كان المبلغ أكثر من مائة ريال فإن البنك صاحب الجهاز يأخذ ريالين من البنك المصدر للبطاقة، وفي كل عملية من هذه العمليات تأخذ أيضًا مؤسسة(1/18)
النقد خمس وستين هللة، قد تتغير هذه الرسوم، هذه الرسوم كانت قبل يعني عهد قريب وهي تتغير كل فترة، لا سيما الرسوم التي تأخذها المؤسسة مقابل استخدام شبكة (إسبان) وهي الشبكة التي تربط بين البنوك، هذه الأجور التي تأخذها البنوك صاحبة أجهزة الصراف جائزة شرعًا؛ لأنها مقابل الخدمة التي قدمها البنك، ولا يترتب على أخذها محظور شرعي، وليس هناك إقراض من البنك صاحب الجهاز أنت حينما تستخدم البطاقة في، معاك مثلًا بطاقة الراجحي تأخذ النقود من البنك الأهلي، البنك الأهلي هنا لم يقرض العميل، ولم يقرض بنك الراجحي ما الذي قام به البنك؟ خصم عن طريق الجهاز، قام بالسحب من رصيدك الموجود لدى بنك الراجحي وسلمه إليك في المكان الذي استخدمت به البطاقة، فهو وكيل في نقل النقود، والأجر الذي يأخذه مقابل هذه الوكالة لأنه في نفس اللحظة التي يسلم فيها النقود للعميل يقوم بسحب ذلك المبلغ من حسابك الذي في شركة الراجحي، ويتسلمه هو يكون في خزينة البنك الأهلي، ويسلمك مقابله تلك النقود فالبنك هنا صاحب الجهاز لم يقرض العميل أي شيء، وليس فيه أي قرض، وإنما هو وكيل بأجر وهذه الوكالة يجوز أن يتقاضى عليها أجرًا .
هل يجوز أن يستخدم الشخص أجهزة الصراف البنوك التي تتعامل بالربا؟
نقول: الأولى ألا تستخدمها في تلك، ألا تستخدم أجهزة تلك البنوك حتى يعني لا تدعم تلك النقود، وإنما تدعم البنوك الإسلامية، لكن لا نستطيع أن نقول أن هذا محرم، لأن التعامل معهم بالاستئجار والإجارة جائز .
التعامل مع من يتعامل بالربا ، كما كان عليه الصلاة والسلام يتعامل مع اليهود .
فالجزم بالتحريم غير متعين ولا يظهر لي القول بالتحريم ، لكن نقول : الأولى أن تستخدم أجهزة البنوك الأخرى ، لكن ذلك غير محرم لا سيما إذا لم يجد الشخص بنوك ، يعني أجهزة أخرى قريبة من عنده .
والأجور التي تأخذها البنوك مقابل هذه الخدمات ليست محرمة شرعاً .(1/19)
هذا هو النوع الأول من أنواع البطاقات المصرفية .
النوع الثاني من أنواع البطاقات المصرفية.
حكم استخدام بطاقات الخصم الفوري في شراء الذهب:
نحن نعلم مثلا أن الشخص الذي يريد أن يشتري الذهب بالبطاقة المصرفية لن يسلم الصائغ نقوداً، وإنما سيتم السحب الرصيدي من خلال هذه البطاقة ، فهل يجوز استخدامها في شراء الذهب ؟
نحن نعلم الآن أن المبادلة في شراء الذهب بين ذهب وريالات ، الذهب والريالات ما الذي يشترط في المبادلة بينهما ؟
التقابض ، لأنه الآن اختلف الجنس واتحدت العلة فيشترط التقابض .
هل يتحقق التقابض في شراء الذهب بالبطاقة (بطاقة الخصم الفوري) ؟
نقول : نعم ، قد تحقق التقابض؛ لأن خصم النقود من المشتري وقيدها في حساب التاجر يتم فوراً عند الشراء ، فقد تحقق التقابض شرعاً .
وعلى هذا فيجوز أن يُشترى بهذه البطاقات الذهب والفضة ، وما يجب فيه القبض شرعاً .
النوع الثاني من البطاقات : بطاقات الائتمان :
ففي هذا النوع من البطاقات لا يلزم أن يكون لحامل البطاقة حساب لدى المصرف المصدر لها ، لا يلزم أن يكون لحاملها حساب لدى المصرف المصدر لها بل يدفع المصرف المبالغ المستحقة على العميل عند استخدامه للبطاقة ثم يطالبه بعد ذلك بأداء هذه المبالغ له.(1/20)
في الحقيقة هذا النوع من البطاقات: هي عبارة عن بطاقات قرضية ، يكون فيها نوع من القرض من البنك للعميل ، والحديث الحقيقة عن هذه البطاقات سيطول ؛ لأنها متشعبة وأنواعها متعددة وشروطها تحتاج إلى شيء من التفصيل ، وأنا أخشى إذا بدأنا فيها ألا ننتهي إلا بعد الثامنة والنصف؛ لأن الحديث عنها سيطول ، فلو رأيتم أن نؤجلها حتى تكون موضوعًا واحدًا مستقلاً لا نفرد أجزاءه فتبدأ غدًا إن شاء الله في الجلسة الخامسة في الحديث عن النوع الثاني من البطاقات المصرفية ، وهو البطاقات الائتمانية بشقيها: بطاقات الخصم الشهري ، وبطاقات الدين المتجدد، ثم بعهد ذلك نتحدث إن شاء الله عن الإجارة المنتهية بالتمليك ثم ننهي الحديث عن الأعمال المصرفية بالكلام عن النوع الثالث من الأعمال المصرفية ، وهو مجموعة الخدمات المصرفية فتشمل الحسابات بأنواعها : الحسابات الجارية والادخارية والآجلة ، ثم الحوالات المصرفية ، وأخيراً، يكون آخر درس إن شاء الله في الجلسة الأخيرة الحديث عن التأمين بأنواعه : التأمين التجاري ، والتأمين التعاوني .
هذا إن شاء الله إن أمد الله في عمرنا في درس الغد بمشيئة الله تعالى .
عارض الأسئلة :
بإذن الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد.
نبدأ فضيلة الشيخ بأسئلة تطلب بعض الكتب لهذا الموضوع ، لا سيما الربا والمعاملات المالية والأسهم ، وإذا كان هناك بعض المؤلفات لكم فنرجوا ذكرها .
الشيخ :(1/21)
من أفضل الكتب في هذا المجال : كتاب الربا والمعاملات المصرفية للدكتور : عمر مترك ، وفي أيضاً مجلة مجمع الفقه الإسلامي التي تصدر من منظمة المؤتمر الإسلامي ، هذه أيضاً فيها جميع المواد المستجدة حول المعاملات المعاصرة ، لي أيضاً رسالة حول كثير من هذه المواضيع بعنوان الخدمات الاستثمارية في المصارف وهناك أيضاً رسالة للدكتور : أحمد الخليل اسمها أحكام الأسهم والسندات ، ورسالة أيضاً للدكتور: عبد الله السعيدي ، بعنوان الربا والمعاملات المعاصرة ، وهذا الرسالة أيضاً قيِّمة ، ومؤلفها الحقيقة تحرى فيها حقق فيها كثيراً من المسائل .
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول : أنا اقترضت من البنك مبلغ مائة ألف ريال عن طريق التورق المبارك كما يقولون ، ووضعوا مالاً في حسابي ولكني لم أرى البضاعة التي اشتروها لي وهي حديد عن طريق أقساط شهرية بعدها أخذت مبلغاً من المال واشتريت سيارة، ما حكم المال الذي أخذته والسيارة التي اشتريتها فيما بعد؟
الشيخ :
هذا هو التورق المنظم ، وقلنا إنه لا يجوز لكن بما أنك دخلت في هذا المعاملة بناءً على فتوى شرعية فنقول : إنك معذور فيما سبق ، فالمال الذي أخذته والسيارة التي اشتريتها هي ملكك ولك أن تتصرف فيها ، وعليك أن تبادر في سداد الأقساط التي عليك ؛ حتى لا يحملونك غرامات عن التأخير ، أو غير ذلك ، وفيما يُستقبل إذا أردت أن تتورق أو أن تأخذ سلعة عن طريق التورق فعليك أن تقبض السلعة وتبيعها بنفسك لا تفوض البنك أو توكلهم بإجراء البيع نيابة عنك .
عارض الأسئلة :
هذا سائل من الكويت يقول: يا شيخ هل لكم قائمة بالأسهم الكويتية ؟
الشيخ :
لا، الأسهم الكويتية ليس لنا قائمة حالية ، لكن هي تحت الدراسة ، وإن شاء الله لعلها تصدر عما قريب .
عارض الأسئلة :(1/22)
أيضًا عدد من الأسئلة تسأل عن شراء الحديد بالتورق ، وهل يلزم رؤية هذه المادة ؟ والبعض أيضاً يقول : هناك من موظفي البنوك يقولون لا مانع من استلام هذا الحديد من منطقة الإمارات فإن أردت استجلاب هذا الحديد فالنفقة ستكون على حسابك .
الشيخ :
هذه من العوائق التي تضعها البنوك أمام العملاء ، لابد أن يذهب على الإمارات حتى يستلمها أو يذهب إلى لندن حتى يستلم المعدن .
أصلاً البنك نفسه لا يستطيع أن يستلم المعدن ؛ لأن البنك احتمال إن هذا المعدن أيضاً يعني الموجود منه كمية قليلة جداً ، والبنك باع مئات الأضعاف من المعادن الموجودة ، ففي الحقيقة هو لا يلزم رؤية السلعة نفسها ، بل يلزم أن يتملكها الشخص ويقبضها ويبيعها بنفسه ، ولا نعني بقولنا: أن يقبضها يعني يحوزها بيده أو أن يدخلها في مستودعاته ، لا ، أن يتسلم أوراق تثبت فعلًا تملكه لشيء معين ثم يتولى البيع بنفسه ، هو يجري عقد البيع، لا أن يجريه أحد بالنيابة عنه ، هو بنفسه يذهب ويبيعها على غير البنك وعلى غير البائع الأول .
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول : ما حكم أخذ البنك مبلغ من المال كرسوم إدارية عند صفقة التورق ؟
الشيخ :
إذا كان التورق حقيقياً فهذه الرسوم جائزة ؛ لأن الزيادة هذه في عقد بيع آجل ، والزيادة المحرمة هي ما كانت في القرض بفائدة .
عارض الأسئلة :
وهذا سؤال يقول: ما حكم الهدايا التي تعطيها البنوك للعميل مقابل الشراء بالبطاقة الائتمانية .
الشيخ :
جائزة ، هذه الهدايا جائزة ، وسنتحدث عنها إن شاء الله غداً ، عندما نتكلم عن البطاقات الائتمانية .
الخصومات والهدايا والجوائز التي تعطيها البنوك لحملة البطاقات الائتمانية هذه كلها جائزة.
عارض الأسئلة :
هذا سائل أيضًا يسأل ويقول: لدي أسهم في بعض الشركات وهي ثابتة لا أبيع هذه الأسهم البتة ، فهل على الأسهم زكاة بقيمتها السوقية أو أنَّ الزكاة على الأرباح فقط؟
الشيخ :(1/23)
إذا كنت قد اشتريت هذه الأسهم وأنت تنتظر ارتفاعها في السوق بعد مدة ولو بعد مدة طويلة فعليك أن تزكيها بقيمتها السوقية ، تخرج ربع عشر قيمتها السوقية ، أما إذا كنت إنما اشتريت هذه الأسهم من أجل الأرباح التي توزعها الشركة ففي هذه الحال لا زكاة في هذا الأسهم ، ولكن الأرباح التي تستلمها من الشركة إذا حال عليها الحول تزكيها .
عارض الأسئلة :
جزاكم الله خيرًا ، هذا سائل أيضًا يقول: لدينا صندوق للعائلة موضوع للطوارئ مثل الديات مثلاً ، فهل فيه زكاة سنوية ؟
الشيخ :
لا، هذا ليس فيه زكاة ، الصناديق التي يُقصد منها التكافل ونحو ذلك هذه ليست مملوكة لشخص بعينة ، فإذا كانت الأموال غير مملوكة لشخصٍ بعينه فإنه لا زكاة فيها ؛ لأن من شروط الزكاة ملك النصاب ، أن يكون المال مملوكاً لشخص ، ومثل هذا المال ليس مملوكاً لشخص وإنما هو لجماعة أو لقبيلة أو لموظفين مثلاً كجمعيات الموظفين هذه التي لا تكون ديناً لشخص في الجمعية ، وإنما يتبرع بالمال تبرعاً ، يوضع في الصندوق ، ففي هذه الحال هذا الصندوق ليس فيه زكاة ، حتى ولو نموها ، يعني هذه الأموال التي في الصناديق لو نميت واستثمرت لا زكاة فيها .
عارض الأسئلة :
وهذا سؤال يقول: أتعامل الآن بعملية التورق والذي ذكرتم تحريمه فماذا يلزمني الآن ؟
الشيخ :
نقول : إذا كنت قد أجريت هذه العملية بناءً على فتوى فلا شيء عليك ، وعليك ألا تقدم عليها مرة أخرى .
عارض الأسئلة :
المضارب في الأسهم عندما يشتري السهم عند توزيع الأرباح التي فيها نسبة محرمة فهل يُطهَّر ؟ مع أنه لم يشتري السهم لأخذ الأرباح ؟
الشيخ :
إذا استلم شيئاً من الأرباح عليه أن يطهر ، أما إذا لم يستلم شيئاً من الأرباح فلا شيء عليه .
عارض الأسئلة :
وسؤال يقول: ما الفرق بين التورق والمرابحة ؟
الشيخ :(1/24)
التورق في الحقيقة مكمل للمرابحة ، ففي المرابحة العميل يشتري السلعة بالأجل وهو يريد تلك السلعة، وفي التورق بعد أن يشتريها بالأجل يبيع تلك السلعة ليحصل على النقود ، فالتورق في الحقيقة الخطوة الثانية بعد الخطوة الأولى التي هي الشراء بالمرابحة .
وبالمناسبة : البنوك الآن لمَّا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع للمنظمة التابع للرابطة بتحريم التورق المنظم بدءوا يتحاشون هذه الكلمة ، كلمة (تورق) ويسمون عقود التورق عقود مرابحة حتى تكون أكثر قبولاً عند الناس ؛ لأن كثير من الناس إذا قيل له هذا تورق ، قال : لا، هذا حرام ، تورق منظم ، أو تورق اللي فيه توكيل هذا الذي صدر فيه القرار بتحريمه ، ويبدأ يسأل ويستفتي ، أما إذا قيل المرابحة ، فمعروف أن المرابحة الأصل فيها الجواز وصدرت قرارات بتجويزها ، فالعبرة بالعقود ليس بأسمائها ، وإنما بحقائقها ومعانيها ومآلاتها ، وهنا يتحرى الشخص ، هل هذا بالفعل مرابحة أو تورق .
عارض الأسئلة :
يقول: ذكرتم عدم جواز استخدام أسماء الآخرين في الاكتتاب ، ولكن إذا تم الاتفاق بين الطرفين الاسم والآخر ، يدفع المال مع وضع نسبة مثلاً : خمسين أو أربعين أو ستين بالمائة .
الشيخ :
إذا كان الاكتتاب باسم الغير عن طريق المشاركة فهو جائز في هذه الحال ، أن يدخل الشخص ، أن يشترك اثنان من أحدهما الاسم والعمل ، لأنه سيأتي بالعمل ، لأنه هو الذي سيذهب على البنك ويكتتب ؛ لأن صاحب المال لا يستطيع أن يذهب إلى البنك ، ومن الثاني المال فهذه في الحقيقة مشاركة يجوز أن يتقاسما فيها الأرباح ، يكون لأحدهما مثلاً النصف ، والآخر النصف ، أو ثلاثين بالمائة والآخر سبعين بالمائة ، وهذه جائزة؛ لأن الشركات لا تمانع من أن يكون السهم مملوكاً لاثنين فأكثر ، يسمحون بالمشاركة لكن لا يسمحون بأن يدخل الشخص باسم غيره ، ويكون ذلك السهم مملوكاً لغير صاحب الاسم .(1/25)
صاحب المال ما يستطيع أن يكتتب بنفسه ؛ النظام الآن يمنع أي شخص أن يكتتب حتى يخضر بنفسه وببطاقته ، فلابد أن يكون صاحب الاسم هو الذي قد حضر ، فهنا يأخذ هذه النسبة مقابل اسمه ومقابل عمله .
من اشترى بأسماء الآخرين في السابق بعوض أو بغير عوض ، نقول: إذا لم يكن يعلم بالتحريم فيما قبل فليس عليه شيء ، لكن عليه ألا يعاود الأمر مرة أخرى .
عارض الأسئلة :
عدد من الأسئلة يا شيخ تسأل عن حكم السحب ببطاقة الصراف لمن قلَّ رصيده عن الألف ، وأنهم يأخذون ريالين ونصف والله أعلم ، فهل هذا من الجائز الذي ذكرتموه قبل قليل؟
الشيخ :
نعم هذا من الجائز، هذه من الخدمات الجائزة ، لكن المعروفة بالريالين والنصف يأخذها البنك إذا نقص الرصيد عن ألف ريال، هذا الذي أعرفه، إذا نقص رصيد صاحب الحساب عن ألفين ريال فيأخذ البنك ريالين ونصف، هذه الأجور أو العمولة التي يأخذها جائزة ؛ لأن المحرم شرعاً أن يأخذ المقرض على المقترض زيادة ، لكن هنا من الذي أخذ على الآخر زيادة ، المقرض أو المقترض ؟ المقترض الذي هو البنك هو الذي أخذ تلك الزيادة ، فلو كان العكس ، أن البنك أعطى العميل زيادة فنقول هذا هو المحرم كما سيأتي بيانه إن شاء الله غداً في درس الودائع والحسابات الجارية .
إذا قال البنك الآن : من نزل رصيده عن ألف ريال فسآخذ عليه ريالين ونصف ، وأبقى العميل حسابه لدى البنك ، هذا في حكم الراضي ، نعم كأنه راضي ، هو في الحقيقة قد رضي بهذا الشرط .
لا لا، ما يتوجب عليه الآن، في الاكتتاب عرفتم، لا، ما يتوجب عليه ذلك.
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول: اشتريت أسهم بمبلغ مائة ألف ريال ثم قمت في نفس اللحظة بسحب المبلغ من المحفظة وتحويله إلى الحساب ، وفي هذه الحالة يتم تأمين المبلغ الذي هو مائة ألف من قبل البنك ، وبعد فترة يتم بيع الأسهم ويأخذ البنك المبلغ الذي اشترى لي به ثم يعطيني الباقي فهل هذا جائز .
الشيخ :(1/26)
هذا جائز بشرط أن تكون الأسهم التي باعها البنك عليك قد تملكها أولاً ودخلت في محفظته قبل أن يبيعها .
عارض الأسئلة :
هذا يقول: ماذا يستفيد، السائل يقول: ماذا يستفيد المعرض أو السمسار إذا باع بمبلغ ثم اشترى تلك السلعة بنفس المبلغ ؟
الشيخ :
يأخذ عمولة عن كل عملية، يعني مثلًا في السيارات مثل في المعارض يأخذ عن كل صفقة تتم عن طريقه مبلغ مائتي ريال وهكذا، هو يستفيد من تلك العمولة، وكذلك السمسار الدولي الذي يبيع المعادن يأخذ عمولة عن كل عملية تتم من خلاله.
عارض الأسئلة :
لكم قول يا شيخ سابق في صندوق النقاء وكان رأيكم في التوقف، فهل استجد في هذا الموضوع شيء؟
الشيخ:
هو في الحقيقة ما زال يعني البحث قائمًا في ذلك الصندوق يعني هل الشركات التي فيه بالفعل كلها نقية أو لا، إذا تبين أمر إن شاء الله سأكتبه في الموقع، وننشره إن شاء الله.
عارض الأسئلة :
أشارك في الوقت الحالي في صندوق استثماري معين ذكره السائل، ويقول: أنكم ذكرتم بأن من يريد أن يدخل في الصناديق عليه أن ينتظر شهرين أو ثلاثة فهل أنهي تلك المعاملة في الصندوق الحالي؟
الشيخ:(1/27)
والله إذا كان الشخص يعني رأيي أنا أن هذه الصناديق في وضعها الراهن لا تجوز، إذا كان يعني قد أخذ بفتواي في هذه المسألة ورأيي فعليه أن يسحبها، أما إذا كان سيأخذ بفتوى الهيئات الشرعية التي تشرف على تلك الصناديق فالمسألة اجتهادية ونعرف أن الأقوال فيها إن شاء الله يعني كل فيها بإذن الله مجتهد إما مجتهد مصيب فله أجران، أو مجتهد مخطئ فله أجر واحد، ويعني من احتاط وخرج منها الآن فهو الأولى والأسلم والأبرأ للذمة، ويدخل إن شاء الله تعالى متى ما يعني تخلصت تلك الصناديق من الشركات المحرمة التي فيها وإن شاء الله يعني نرجو ألا تطول المدة هذه، وإن شاء الله يعني هناك الخطوات قد بدأت في هذا الأمر، وبإذن الله تعالى سيتم تعديل المعايير والضوابط الشرعية في يعني الفترة القريبة إن شاء الله.
عارض الأسئلة :
هذا سؤال لعل الشيخ أجاب عليه لكن طردًا أيضًا للشبهة، يقول: البطاقات الفورية يصدرها البنك بلا مقابل ويتحمل مصاريف أخرى أليس هذا قرض من العميل للبنك جر نفعًا؟
الشيخ:(1/28)
لا، هذا في الحقيقة ليس قرضًا من العميل للبنك جر منفعة؛ لأن مثل هذه البطاقة يعطيها البنك للعميل حتى يستوفي الدين الذي له في ذمة البنك، فهو يسهل، المصلحة الآن مشتركة بين الطرفين، بين البنك والعميل، فالبنك لا يريد من العميل أن يأتي ويقف يعني ويمسك سير البنك ويعطل الموظفين الذين في البنك، فيعطيه هذه البطاقة لتسهل عليه استيفاء دينه الذي في ذمته، يأخذه مباشرة عن طريق الأجهزة، والعميل كذلك منتفع بها؛ حتى يأتي ويستوفي رصيده يعني يستوفي من رصيده سواء في أوقات الدوام، أو في غير أوقات الدوام في نفس البلد أو في بلد آخر، فالمصلحة مشتركة للطرفين وهنا لم يعط البنك هذه البطاقة للعميل كخدمة إضافية عن، من الخدمات التي يعطيها لعملائه، وإنما هي خدمة لتسهيل استيفاء حقوقه التي له عليه، مثل ما إذا أعطاه دفتر شيكات مجاني، ومثل ما إذا أعطاه مثلًا خط مثلًا إنترنت يستطيع أن يتعامل به مع رصيده، فمثل هذه الخدمات التي تسهل على العميل الوصول إلى رصيده لا تعد فائدة في القرض.
عارض الأسئلة :
جزاكم الله خيرًا، هذا سائل يقول:ما حكم شراء خيارات التحوط من تقلبات أسعار صرف العملات؟
الشيخ:
الحقيقة خيارات التحوط هذه منها ما هو جائز ومنها ما هو محرم، الصورة السائدة الآن التي في الأسواق المالية هي صورة أو عقد محرم لأنها تتضمن الغرر، وبيع الإنسان ما لا يملك؛ لأن الشخص يشتري خيارًا على سلعة حتى يضمن عدم تقلب تلك السلعة، فهي محرمة.(1/29)
أما الصورة الجائزة: فهي أن يشتري الشخص سلعة بثمن آجل ويكون السداد بعملة، ثم يجري عملية موازنة لها مقابلة أو معاكسة لتلك العملية بأن يبيع سلعة بعملة أخرى مقابلة لتلك العملة الأولى بحيث يكون أجل تلك العمليتين واحد، وفي هذا يحتاط في تقلبات العملة، فمثل هذا التحوط جائز إذا كان عن طريق شراء سلع بالبيع الآجل، أما إذا كان عن طريق شراء الخيارات أو ما يعرف الآن في الأسواق المالية بالـ [options] فهذا لا يجوز.
عارض الأسئلة :
نعم، جزاكم الله خيرًا، هذا يقول: هل سوق الأسهم السعودية يسير بالوجه الصحيح وما توقعاتكم لهذا السوق، ونصيحتكم في ذلك؟
الشيخ:
في الحقيقة هذا سؤال اقتصادي، وليس سؤالًا شرعيًا، لكن أقول: يعني هو في تضخم واضح في السوق، ويعني الأسهم قيمها أكثر من واقعها الحقيقي، لكن نرجو إن شاء الله ألا يعني يتضرر الناس الذين دخلوا في هذا السوق وأن يعني يستفيد الجميع لكن لابد أن يحتاط الإنسان ويتوقع أنه في أي لحظة من الممكن أن يكون هناك تعديل للوضع إلى الوضع الطبيعي؛ لأن الوضع الآن غير طبيعي لأن الشركات أصبحت قيمها أكثر من قيمها الحقيقية بأضعاف مضاعفة، يعني من المحتمل في أي لحظة أن يُصحح السوق، لكن ربما لا يكون هذا في الأمد القريب، ربما بعد سنوات متعددة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحمي أسواق المسلمين جميعًا من أي يعني مكروه، ومن أي شيء يضر بالمسلمين.
عارض الأسئلة :
اللهم آمين، يقول: ما هو الفرق بين المرابحة والقروض، إذا كانت المرابحة اليوم تتعارض مع المقاصد الشرعية وفيها فائدة أكبر من القروض، وفيها استنزاف للعميل تحت اسم معاملات إسلامية، تحت مسمى معاملات إسلامية علمًا بأن العميل لا يملك التأخر عن السداد لأن البنك يقتطع من البنك مباشرة؟
الشيخ:(1/30)
الفرق بينهما هو ما أشار الله تعالى إليه بقوله منكرًا على المشركين الذين قالوا: { إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا } [البقرة: 275] هم قالوا: ما الفرق بين القرض بقائدة والبيع الآجل، لا فرق بينهما، فالذي يبيع سلعة تساوي ألف بألف ومائة مثل الشخص الذي يقرض ألفًا ويستردها ألفًا ومائة فرد الله تعالى عليهم بقوله: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا } [البقرة: 275] ففرق بينهما كبير، لا من حيث الأثر الاقتصادي ولا من حيث الأثر النفسي ولا من حيث الأثر المالي، فمن حيث الأثر الاقتصادي: في المرابحة يكون هناك تقليب للنقود تنقلب إلى سلع ثم تعود إلى نقود مرة أخرى، وبهذا تقضي على التضخم فيكون أي نمو في النقود مصحوبًا بنمو في السلع، بخلاف القروض بفوائد فإنها في الحقيقة تؤدي إلى التضخم، فتكثر الأموال والناتج قليل، وهذا هو في الحقيقة التضخم الذي تعاني منه المجتمعات الاقتصادية اليوم.
وأما كون سعر مثلًا المرابحة أعلى من سعر القروض بفوائد وغير ذلك، فهذا في الحقيقة يعني ليس بسبب يعني المرابحة نفسها وإنما هو لسوء التطبيق قد يكون وقد يكون لأسباب أخرى عارضة لكن من حيث الأصل لو طبقت المرابحة على الوجه الصحيح فإنها أكفأ وأفضل من القروض بفوائد؛ لأنه في المرابحة يستطيع البائع أو البنك ألا يطلب من العميل أي رهن سوى السلعة التي باعها مباشرة تكون هي مرهونة بنفسها، وبالتالي لا يطالب العميل بأي رهونات أو أي ضمانات أخرى غير تلك السلعة، بينما في القروض بفوائد سيطلب حتمًا المقرض الذي هو البنك ضمانات أو رهونات أخرى غير المال الذي أقرضه لأن هذا المال لا يبقى، فمن هذا الباب تكون المرابحة أقل كلفة وأيسر على العميل الذي يريد أن يتعامل بها أو أن يحصل على تمويل آجل.
عارض الأسئلة :(1/31)
هذا سائل يشهد الله على محبتكم يا شيخ، ويقول: سؤالي هو ما حكم شراء الكوبونات التي تباع لسداد بعض المصاريف الحكومية أو غيرها، حيث يدفع مبلغ ستمائة وعشرين ريال مقابل كوبونات ستمائة ريال، وكذلك النقود المعدنية فالإنسان يدفع مبلغ عشرة ريالات مقابل تسعة ريالات معدنية؟
الشيخ:
أولًا، نقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه وأما صرف النقود عشر ريال ورقية بتسع معدنية، فالذي أراه أنه لا يجوز؛ لأنه مشتمل على ربا الفضل، لكن يجوز للصارف الذي الصيرفي الذي يجري مثل هذه العميلة أن يأخذ أجرة بمقدار أتعابه ولا تكون هذه الأجرة نسبية وإنما تكون ثابتة، فلا يقول مثلًا: آخذ واحد بالمائة أو عشرة بالمائة عن كل عملية صرف، وإنما يقول مثلًا: آخذ عشر ريالات سواء كان المبلغ المصروف مائة أو مائتين أو ثلاثمائة أو أقل أو أكثر.
وأما بالنسبة للكوبونات: كأني فهمت من السؤال أنه يقصد بالنسبة للكوبونات التي تباع عند الجوازات ونحوها فبيعها بأكثر من قيمتها هذا جائز لأن هذه الأجرة التي يأخذها الزيادة العشرين ريال أو الثلاثين مقابل العمل الذي قدمه ذلك الشخص الذي حصل على هذا الكوبون، فيجوز أن تباع بأكثر من تلك القيمة والله أعلم.
عارض الأسئلة :(1/32)
جزاكم الله خيرًا، أيها الأحبة يعني بعد ثلاث ساعات نرى رؤوسًا قد أينعت، أولًا للإطالة عليكم غدًا بإذن الله عز وجل سنحاول أو يحاول الشيخ اختصار المادة لإكمالها ونجعل وقت أيضًا مطولًا للإجابة على أسئلتكم فيما وأن الشيخ لديه رحلة لابد وأن ننهي المحاضرة في وقت محدد سنقوله لكم غدًا بإذن الله تبارك وتعالى، وإلا هناك مقترحات كثيرة بعضها يطالب المزيد، لكن الاستيعاب بعد ثلاث ساعات لعله يقل، وبعض الإخوة قد عرض اقتراح نختم به هذا اللقاء وهذه الجلسة يقول: لماذا لا يكون غدًا جلسة عشاء للحاضرين مع الشيخ؟ طبعًا هذا كله من حب الشيخ، أي نعم لأننا طلبنا يقول: الدورة للدنيا فلعلها تقودنا للدنيا والآخرة، نحن في البداية طلبنا هذه الدورة للآخرة أيها الأحبة، لم نطلب هذه الدورة صحيح أنها متعلقة بالمال والأسهم، لكن طلبناها للآخرة، لم نطلبها للدنيا ثم عنون لنفسه الكروي الحزين ابن العشرين، هذا في الإنترنت، فنقول: إذا أراد الأخ يعني أن يستضيف الحضور فلا مانع، غدًا نرتب إن شاء الله، جزاكم الله خير جميعًا.
... ...(1/33)
l
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
نستكمل بعون الله تعالى الحديث عن المعاملات المالية ، لعلكم تذكرون نحن ذكرنا في أول جلسة ، وأول درس أنَّ أسباب التحريم في المعاملات ترجع إلى ثلاثة أسباب هي:
3 – الظلم . ... 2 – الغرر ، أو الجهالة . ... 1 – الربا .
كل ما تحدثنا عنه في السابق من المعاملات المصرفية هي ذات ارتباط بـ " الربا " و قاعدة " الربا " .
وننتقل الآن إلى سبب ثانٍ من أسباب التحريم وهو :
" الغرر ، أو الجهالة "
الغرر أو الجهالة في العقود فنبين بعض التطبيقات المعاصرة لهذا السبب التي من أهمها :
" عقد التأمين " .
ونبين أحكامه ، وأنواعه ، فنبين ألًا ما هو الغرر ، وقاعدته ، أو ضابط الغر في الشريعة الإسلامية .
الغرر في اللغة : هو اسم مصدر من التغرير ، هو الخطر والخدعة .
في الاصطلاح الشرعي : بيع الغرر : هو بيع مجهول العاقبة – هو الذي يكون فيه جهالة -.
وهذه الجهالة قد تكون في المبيع نفسه : السلعة نفسها، إما لعدم العلم بها كأن يبيع مثلُا : يقول : بعتك ما في هذا الصندوق ، وهو لا يعلم ما بداخله ، يقول : بعتك ما في هذا الصندوق بمائة ريال ، هو لا يعلم ما في هذا الصندوق . هنا الجهالة في المبيع نفسه .
وقد تكون الجهالة في صفات المبيع : كأن يقول بعتك سيارتي بعشرة آلاف ريال ، ويقول : قَبِلْت . والمشتري لم يرها ولا يعلم صفاتهِا ، وهنا الجهالة في الوصف .
وقد تكون الجهالة بعدم العلم في مقدار المبيع : كأن يقول : بعتك بعض هذه الماشية التي عنده ، ونحو ذلك ، دون تحديد .
وقد تكون الجهالة بسبب عدم القدرة على التسليم ، أو " أن يبيعه ما لا يملك : كأن يبيعه سيارة وهو لا يملكها .كل هذه الصور محرمة لما فيها من الجهالة ، والغرر.(2/1)
وقد تكون الجهالة في الثمن نفسه : كأن يبيعه سلعة بثمن غير معلوم ، لا يتفقا على تحديده وقت العقد ، وهنا نقول إن العقد قد اشتمل على الغرر .
في جميع العقود التي يكون فيها غرر أو جهالة نجد أن العقد يدور بين : " الغُنْم " و " الغُرْم " ؛ إذا غَنُمَ البائع غَرُمَ المشتري – يعني : خسر -، وإذا غرم البائع – أي خسر – غنم المشتري ، فالعلاقة عكسية بين مصلحة البائع ، ومصلحة المشتري .
فمثلًا : الذي يشتري الصندوق ، وهو لا يعلم ما بداخله : يشتريه بمائة . هنا إن تبين أن ما بداخل الصندوق يساوي مائة وخمسين ، فالبائع غانم أم غارم ؟
- غارم ؛ لأنه باع ما يساوي مائة وخمسين باعه بمائه ، والمشتري غانم ؛ لأنه اشترى شيئًا تعادل قيمته مائة وخمسين ، اشتراه بمائة .
لو كان العكس : تبين أن ما بداخل الصندوق يساوي قيمته خمسين ريالًا ، فالبائع غانم ، والمشتري غارم . فالعقد دار بين الغنم والغرم .
ومن هنا يتبين أن الغرر في الحقيقة قِمَار ! لأن الغرر مبني على الجهالة ، والقمار كذلك .
إلا أن القمار يغلب إطلاقه على المسابقات ، والمغالبات بينما الغرر يغلب إطلاقه على الجهالة التي تكون في المبادلات ، والمعاوضات التجارية ؛ ولذلك يقال : باع غررًا ، ولَعِبَ قِمَارًا ؛ لأن القمار محله الألعاب ن والغرر محله المبادلات التجارية .
أما العلاقة بين الغرر ، والميسر : فالغرر في الحقيقة هو أحد نوعي الميسر .
لأن الميسر على نوعين:
1 - القمار ، أو المحرم الذي يكون على عوض ، وقلنا إن القمار هو الغرر ، فهذا هو الغرر .(2/2)
2 – اللهو المحرم ، وإن لم يكن على مال ، كأن يلعب الشخص ألعابًا محرمة لا تجوز شرعًا ، كأن يكون فيها شيء من المحاذير الشرعية مثلًا : كألعاب يكون فيها أصوات موسيقية ، أو ألعاب تصد عن ذكر الله أو الصلاة .. فهذه من الميسر ، فهذه من الميسر ، وإن لم يكن فيها مال ، ولذلك عد بعض السلف كل لهو يصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر ، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم .
وعلى هذا فالميسر يكون قمارًا ، وقد يكون بلا قمار . في الحالة التي يكون فيها قمارًا يكون بعوض يتطارحه المتسابقان ، كأن يتفقا اثنان كل واحد منهما – اثنان في سباق خيل مثلًا – يقولان : إن سبقت هذه الخيل فأعطيك ألفا ريال ، والآخر يقول : وإن سبقت الخيل الأخرى سأعطيك : ألفا ريال ، فهذا قمار وهو من الميسر ، وقد يكون الميسر بغير قمار ؛ في اللهو المحرم ، ولو لم يكن على مال ، فهذا ميسر ، والغرر عرفت أنه بمعنى القمار إلا أن محله في المعاوضات ، فعلى هذا يكون الغرر أحد نوعي الميسر .
العلاقة بين الغرر ، والمخاطرة : وهذه أشرنا إليها فيما قبل ، قلنا:
إن المخاطرة تأتي على نوعين :
1 – قد تكون مخاطرة مشروعة .
2 – أن تكون مخاطرة ممنوعة .
والمخاطرة الممنوعة : التي تكون بسبب الجهل في المبيع ، والجهل بالثمن ، كأن يشتري الشخص سلعة وهو لا يعلمها ، أو يجهل ثمنها ، أو يجهل صفاتها .. فنقول هذه في مخاطرة مشروعة أو ممنوعة ؟
ممنوعة ؛ لأنها نوع من الغرر في الحقيقة ، وقِمار .
وأما المخاطرة المشروعة : وهي التي تكون بعد العقد ، بأن يشتري شخص سلعة وهو يعلمها ويعلم صفاتها ، ويعلم ثمنها ، لكنه لا يعلم هل سيربح أم سيخسر فيها ؟ فهذه مخاطرة مشروعة ، بل لا تخلو أي تجارة من هذا النوع من هذا النوع المخاطرة ، لأن أي شخص يشتري سلعة هو معرض أن يربح فيها أو يخسر .. لا يدري . فهذا لا يعد قمارًا ، إنما هي مخاطرة ، وهي مخاطرة مشروعة .(2/3)
بيع الغرر .. عرفنا حقيقته ، وعرفنا العلاقة بينه وبين الميسر ، والقمار ، والمخاطرة ، بقي أن نعرف حكمه
ما حكم البيع الذي يشتمل على الغرر أو الجهالة ؟
نقول : الأصل في بيع الغرر أنه محرم . وقد دل على تحريمه الكتاب ، والسنة .
أما الكتاب : فقول الله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة: 90 ، 91 ].
ووجه الدلالة من هذه الآية : أننا بيّنا أن الغرر هو أحد أنواع الميسر ن فالنهي عن الميسر في هذه الآية يتضمن النهي عن الغرر .
ومن السنة : جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن ?? قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَر?? .
والحكمة من تحريم بيع الغرر: أن في بيع الغرر أكلًا للمال بالباطل كما أنه يؤدي إلى إلقاء العداوة والبغضاء والضغينة بين المسلمين ، ومن مقاصد الشريعة الإسلامية سد أي ذريعة تؤدي إلى إلقاء العداوة بين الإخوة ، وبين المسلمين ؛ فلذلك نهيّ عن بيع الغرر .
صور من المعاملات المشتملة علي بيع الغرر التي كانت سائدة عند العرب عند الجاهلية : كان العرب في الجاهلية ، يتعاملون بأنواع متعددة من المعاملات ، هي في الحقيقة حرمها الشّارع – حرمها النبي - صلى الله عليه وسلم - - لما فيها مِنْ الغرر ، فمنم ذلك مثلًا :
بيع الحصاة :(2/4)
بأن يقول مثلًا : بعتك هذا الأرض بألف مثلًا درهم على أن تأخذ منها ما تبلغه هذه الحصاة ، أرمي هذه الحصاة ، وما وصلت إليه من الأرض فهي لك بألف درهم ، قد تكون الرمية قوية فيأخذ أرضًا كبيرة ، وقد تكون الرمية ضعيفة فيأخذ أرضًا صغيرة .
ومن أمثلة بيع الغرر كذلك : " بيع الملامسة ، والمنابذة " :
بأن يقول أي ثوب لمسته أو نبذته إليّ فهو لك بدرهم .. على أي ثوب وقعت يدك فهو لك بدرهم ، فقد تقع يده على ثوب نفيس ، وقد تقع يده على ثوب رخيص ن والثمن محدد . وهنا العقد يدور بين الغنم ،والغرم ؛ فإن وقعت يده على ثوب نفيس فالبائع ؟ غارم ، ولا غانم ؟
- غارم .
وإن وقعت يده على ثوب رخيص فالبائع ؟
- غانم .
ومنه : " بيع حَبَل الحبلة " :
كانوا يتبايعون نتاج الناقة ، إذا كانت الناقة حاملًا لها نتاج في بطنها ولد ، فهو لا يبيعه الناقة ، ولا يبيعه ولد الناقة ! إنما يقول : وَلَد وَلَد الناقة !. قد يموت هذه الناقة ، وقد يموت ولدها ، وقد يخرج هذا الولد ذكرًا ، وقد يخرج أنثى ، وهناك احتمالات كثيرة ، ومع ذلك يتم البيع ويتفقان .
يقول : أعطني خمسة دراهم ، ولَكَ وَلَدُ وَلَدِ هذه الناقة .
قد لا يسلم له شيء ؛ فلهذا عنه لما فيه من الغرر ، والجهالة .
ومنه أيضًا : " بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها " :
فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها لأن فيها غررًا وجهالة ، لأنها قد تفسد قبل أن يبدو صلاحها .
ومنه أيضًا: " بيع المضامين ، والملاقيح " :
والمضامين هو ما في أصلاب الفحول ، يبيعه .. مثلًا فيقول : ما في صلب هذا الفحل ، أبيعَكَهُ ، فهو لا يعلم ما في صلب هذا الفحل ، قد لا ينجب هذا الفحل شيئًا ، وقد يخرج منه ذكر ، وقد يخرج منه أنثى ، وقد يخرج سليمًا ، وقد يخرج معيبًا ، وهكذا .(2/5)
والملاقيح : هو ما في البطون من الأجنة ، كأن يبيعه ما في بطن الشاة – الحمل الذي في باطن الشاة – يقول : بعتك الحمل الذي في بان الشاة مثلًا بعشرة دراهم ، فهنا في جهالة كبيرة ، لأنه قد يخرج الحمل حيًَا ، وقد يخرج ميتًا ، وقد يخرج ذكرًا ، أو أنثى ، أو ذكرين ، أنثيين ، إلى غير ذلك .
فهذه بعض بيوع الغرر التي كانت سائدة عن العرب في الجاهلية ، فحرمها الإسلام .
يشترط لتحريم بيع الغرر أربع شروط :
الشرط الأول : أن يكون كثيرًا .
فإن كان الغرر يسيرًا ، يعني: في العقد جهالة يسيرة ، فهنا تغتفر مثل هذه الجهالة ؛ مثل : لو اشترى شخص سيارة ، وهو لا يعلم ما بداخل السيارة من الأجهزة الداخلية في السيارة ، أحيانًا تخفى على كثير من الناس ، فمثل هذه الجهالة والغرر مغتفرة في الشرع ، لكن لا يصح أن يشتري سيارة مثلًا هو لا يعلم صفاتها ، ولا يعلم (موديلها)، لأن هذه من الأشياء المطلوبة والأساسية فيها ، لكن كونه يجهل بعض الأشياء الداخلية فيها فهذا من الغرر المغتفر ، أو اليسير .
الشرط الثاني : أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالةً .
أن يكون مقصودًا في العقد ، فعلى ذلك مثلًا : قلنا إن بيع الحمل في البطن ، ما حكمه ؟
غرر ، لو اشترى حملًا في البطن بعشرة دراهم فإن هذا لا يجوز .
لكن لو اشترى شاةً حاملًا ، وزادت قيمتها بسبب الحمل فهنا العقد جائز . فيه جهالة ؟ فنقول أن هذه الجهالة مغتفرة ؛ لأن المعقود عليه أصالة هو : الشاة ، وهي معلومة ، والشيء الذي فيه جهالة جاء تبعًا .
وانتبهوا لهذه الشروط لأننا سنحتاج إليها عندما نتكلم عن التأمين .
الشرط الثالث : ألا تدعو للعقد حاجة :(2/6)
و" الحاجة " كما قلنا أقل رتبة من الضرورة ، فإن كان هناك حاجة إلى الدخول في عقد الغرر فيجوز الدخول فيه ؛ ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومفسدة الغرر إقل من الربا ؛ فلذلك رُخِّصَ فيما تدعو الحاجة إليه منه ، فإن تحريمه أشد ضررًا من ضرر كونه غررًا " .
مفهوم كلام شيخ الإسلام رحمه الله : أنَّ الربا لا يباح إلا عند الضرورة ؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات ، بخلاف الغرر فإن مفسدته أقل من الربا فلذلك يباح عند الحاجة .
الشرط الرابع – والأخير - أن يكون في عقد معاوضة :
فلو كان الغرر في عقد تبرع فأنَّه لا يؤثر ، كما لو قال شخص لآخر : كل ما في محفظتي من النقود فهو هدية لك أو هو صدقة – لفقير – وهو لا يعلم ما بمحفظته ن النقود .. هل يصح هذا الأمر ؟ يصح ؛ لأن هذا عقد تبرع ، ولا عقد معاوضة ؟ هذا عقد تبرع . وهو في عقد التبرع يجوز ، والجهالة هنا جائزة .
لكن لو قال : أعطيك ما في محفظتي من النقود – وهو لا يعلم - بشرط أن تعطيني مائة ريال ، أو تعطيني محفظتك – بنادل المحافظ – من دون ما نفتح ، كل واحد يعطي الثاني محفظته ، أو يأخذ ما في محفظة الآخر من النقود ، نقول في هذه الحال : هذا العقد " عقد معاوضة " وقد اشتمل على الغرر فلا يجوز .
إِذًا عرفنا أن الغرر يشترط لتحريمه أربعة شروط ، متى ما اختل شرط منها – من هذه الشروط – فإن الغرر يكون جائزًا .
ومن خلال قاعدة الغرر هذه ندلج في عقد من العقود المعاصرة المهمة التي حريٌّ بالمسلم أن يعرف حكمه ، وأنواعه والصور الجائزة ، والصور المحرمة وألا وهو عقد " التأمين " ؛ فإنه وثيق الصلة بالغرر ، أولًا نعرف التأمين ؛ فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ،(2/7)
ويعرف " عقد التأمين " : بأنه عقد بين طرفين أحدهما يسمى " المُؤَمِن" - وفي الغالب يكون شركة تأمين ، وفي الغالب تكون هذه الشركة مساهمة أيضًا – والثاني " المُؤَمَن لَهُ " يلتزم في هذا العقد المُؤَمِن يدفع للمُؤَمَن له تعويضًا في حال وقوع الحادث ، أو تحقق خطر مُبَيّن في العقد ، وذلك في مقابل أقساط مالية المُؤَمن له إلى شركة التأمين ، إِذاً هو عقد بين طرفين : شركة تأمين ، ومُؤَمَن له .
شركة التأمين: تلتزم تجاه المُؤَمَن له بأن تعوضه في حال وقوع ضرر محدد في العقد .
والمُؤَمَن له : بأي شيء يلتزم ؟ أن يدفع أقساطًا لشركة التأمين .
فعلى سبيل المثال : لو كان التأمين ، تأمينًا على السيارة ، فالمُؤَمَن له يدفع أقساط سنوية ، أو شهرية لشركة التأمين ، ولنفرض أن هذه الأقساط قيمتها مائة ريال في الشهر ، فالمجموع : ألف ومائتي ريال في السنة ، وتلتزم شركة التأمين بأنه إذا حَصَلَ على المُؤَمن له حادث في سيارته أو تعرض لحادث هو بنفسه ، فإنها تعوضه بمبلغ معين أو تتكفل بإصلاح السيارة ، ونحو ذلك . وهنا هذا العقد يسمى عقد تأمين .
هذا التأمين أول ما ظهر كان في القرن الرابع عشر الميلادي :
وكان ظهوره في أوربا ، وأول أنواع التأمين ظهورًا هو التأمين البحري ؛ حيث كانوا يأمنون على السلع البحرية خشية تعرضها للسرقة أو للغرق ، وغير ذلك ، ثم توسعت ، وتشعبت صور التأمين وأصبح هناك أنواع كثيرة ومتعددة ، وأصبح يُؤَمَن على أشياء كثيرة بحسب موضوع عقد التأمين – يعني : بحسب موضوعه .
يتنوع إلى أنواع كثيرة :
فمنه : التأمين الطبي : التي تلتزم فيه شركة التأمين بتحمل تكاليف علاج المؤَمَن له .
ومنه :التأمين على الحياة : الذي تلتزم فيه شركة التأمين بدفع مبلغ معين لورثة المؤمن له في حال وفاته .(2/8)
ومنه : التأمين على المسئولية ضد الآخرين : الذي يسمى التأمين ضد الغير ، وهذا قد يكون سببه الحوادث ، والأضرار التي يوقعها الشخص على الآخرين .
ومنه: التأمين على الأشياء والممتلكات : كمن يُؤَمِن على داره ، أو على سيارته الخاصة ، أو على البضائع ونحو ذلك . فأصبح التأمين متعددًا بحسب موضوعه ، إلا أن التأمين يتنوع أيضًا بحسب طبيعة العقد بين المُؤَمِن ، والمُؤَمَن لَهُ – يعني – بين شركة التأمين ، والمُؤَمَنِ لَهُ .
وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين :
النوع الأول : التأمين التجاري : وهذا هو النوع السائد في معظم الدول ، بل لا تكاد تنصرف الأذهان إذا أطلِقَت كلمة التأمين إلا إلى التأمين التجاري ؛ لأنه هو الأكثر ذيوعًا ، والأكثر انتشارًا ن في معظم البلدان ، وفي هذا النوع من التأمين يكون التعاقد بين طرفين منفصلين تمامًا ، المُؤَمِن – الذي هو شركة التأمين - ، والمُؤَمَن له بالصورة التي ذكرناها قبل قليل ، تلتزم شركة التأمين للمُؤمن له بالتعويض ، وفي المقابل المؤمن له لشركة التأمين بدفع الأقساط .
والعلاقة هنا بين الطرفين هي علاقة معاوضة – مقابل الأقساط التعويض – والهدف من هذا التأمين هو .. ماذا ؟ هدف الشركة ؟
الاسترباح ، والربح ، فالعلاقة هنا علاقة تعويض ربحية ، وهذا النوع من التأمين لا يهدف إلى التكافل أو التعاون وإنما المقصود منه هو : الربح !
كيف تربح شركة التأمين ؟(2/9)
- هي في العادة تأخذ أكثر من التعويضات التي تدفعها للمؤمن لهم ، فإن كان مجموع المؤمن لهم يدفعون مثلًا : مليار ريال لشركة التأمين ، فالتأمين التي تدفعه هي بناءً على دراستها للوضع في العادة يكون أقل من المليار ، فيكون الفرق ما بين التعويض ، وأقساط التأمين هو ربح لشركة التأمين . هذا هو مصدر دخلها الأساسي فضلًا عن استثماراتها الخاصة بأموال التأمين ، لأن الأموال التي تتجمع لها من أقساط التأمين تقوم باستثمارها ن ويكون حقًا للشركة نفسها – شركة التأمين .
والنوع الثاني – من التأمين- التأمين التعاوني أو التبادلي :
وفي هذا النوع من التأمين يجتمع أشخاص معرضون لأخطار متشابهة يدفع كل منهم اشتراكًا معينًا ، وتخصص هذه الاشتراكات لأداء التعويض المستحق لمن يصيبه الضرر ، بمعنى أن هؤلاء الأشخاص ينشئون فيما بينهم صندوقًَا تعاونيًا أو تبادليًا أو تكافليًا ، بحسب ما يطلقونه ويسمونه عليه ، فتجمع الأموال ويدفع كل واحد منهم اشتراك ، وتُجَّمَع الأموال في الصندوق ، ويدار هذا الصندوق مهن قِبَلِهم أو مِنْ قِبَلِ غيرهم ، بحيث إذا تعرض أحدهم لشيء من المخاطر المتفق عليها بينهم يتم تعويضه من الصندوق ، فإذا كان هناك في الصندوق فائض – الأموال المُجَمَّعَة في الصندوق أكثر من التعويضات التي دفعت للمُؤَمَن لهم – فهذا الفائض لمن يكون ؟ لهَم هم ، يرد عليهم .
وإذا نقصت أموال الصندوق عن مقدار التعويض .. فما العمل ؟
هم بالخيار بين أمرين :
يُخَفَّض بنسبة تعادل نسبة النقص .
أن يُطْلَب منهم زيادة الاشتراك لتغطية الفرق .
هذه هي الصورة المبسطة للتأمين التعاوني ..هل يتصور أن تنشأ شركة للتأمين التعاوني ؟(2/10)
نقول : نعم ، من المتصور أن هذه الصورة المبسطة تديرها شركة تأمين تعاوني ، فهي تتولى جمع الأموال ، وإدارة هذه الأموال واستثمارها وتأخذ مقابل إدارة التأمين لهم تأخذ أجرًا عن كل عضو يشترك في هذا التأمين ، فتكون شركة تأمين تعاوني ، وأيضًا تستثمر الأموال الموجودة لديها لهؤلاء المُؤَمَن لهم ، تستثمرها وتأخذ حصة مقابل إدارتها واستثمارها لتلك الأموال ، وبهذا تكون شركة تأمين تعاوني .
إذاً من خلال العرض السابق إذا كان عندنا شركة أعلنت عن نفسها أنها شركة تأمين تعاوني ، ونحن لا نعلم هل هي فعلًا شركة تأمين تعاوني أو تجاري .. كيف نستطيع أن نعرف من خلال عقودها ، ومن خلال نظامها الأساسي نوع التأمين التي تقدمه ؟ .
كثير من الشركات تدعي أنها شركات تأمين تعاوني ، وهي في الحقيقة تمارس التأمين التجاري .
أنا أقول أنظر إلى عدة نقاط للتفرقة بين شركة التأمين التعاوني وشركة التأمين التجاري .
النقطة الأولى : إذا كانت الشركة تلتزم بالتعويض على أية حال مقابل أخذها للأقساط فهذه شركة تأمين تجاري ؛ لأن شركة التأمين التجاري هي تلتزم مقابل الأقساط فهي ملزمة نظامًا بأن تعوض ، حتى ولو كانت الأموال التي عندها التي أخذتها من المُؤمن لهم أقل من التعويضات التي دفعتها ، فلابد أن تلتزم بدفع تلك التعويضات ، فإذا وجِدَ الالتزام ونص على ذلك في العقد فهو تأمين تجاري .
الفارق الثاني : إذا كان الفائض من مصروفات التأمين مستحقًا لشركة التأمين نفسها ، فهي شركة تأمين تجاري ؛ لأن في شركة التأمين التجاري تعتبر الفائض هذا ربح لها ن بينما في شركة التأمين التعاوني هذا الفائض يعد حقًا لمن ؟ للمُؤمَن لهم بإمكانهم أن يستردوها ، أو أن يحتفظوا به – بهذه الأموال- كدفعة أخرى لمرحلة لاحقة للتأمين .
إذا كانت شركة التأمين التعاوني لا تربح من هذا الفرق ، فمن أي شيء تربح ؟!
هي تربح من أمرين :(2/11)
الأول : أنها تأخذ أجور – تأخذ من كل عضو يدخل أجرًا - نقول : مائة ريال ، مائتي ريال ، أو ثلاثمائة ريال مقابل إدارتها لعملية التأمين هذه ، فلا مانع من تأخذ أجرًا .
والأمر الثاني : أنها تستثمر هذه الأموال ، وتأخذ مقابل استثمارتها حصة من الأرباح .
على هذا لابد في شركة التأمين التعاوني أن بفصل صندوق التأمين عن المركز المالي للشركة ، فهي شركة مستقلة تمامًا عن صندوق التأمين .
وصندوق التأمين هذا مملوك لمن ؟
للمُؤَمَن لهم .
إن كان هناك ربح فهو لهم ، وإن كان هناك خسارة عليهم ، وهي لا تلتزم بشيء لهم ، ولكن تلتزم بالإدارة الناجحة للتأمين .
والواقع اليوم في شركات التأمين التي تدعي أنها شركات تأمين تعاوني .. ماذا تعمل :
هذا الصندوق تضمه إلى ماذا مركزها المالي ، وتصبح دينًا مستحقًا في ذمتها ، فإن كان فيه ربح فهو لها ، وإن كان فيه خسارة ، فهون عليها وهي تلتزم أمام المؤمن لهم بالتعويض .
إذًا هذان فارقان ، وهنك فرقًا ثالثًا أيضًا أود الإشارة إليه :
الثالث : أن في التأمين التجاري يكون هناك إعادة للتأمين لدى شركات التأمين التجاري كيف ؟.
شركة التأمين التجاري هذه جَمّعَت الأموال من المؤمن لهم ، فاجتمع عندها مثلًا مليار ريال ، فتتفق هي مع شركات تأمين تجاري كبرى عالمية على أن تعطيهم حصة من هذا المبلغ – نصف هذا المبلغ – ويلتزمون هم بالتأمين ، وهذا يسمى إعادة تأمين ، وهذا مع الأسف الأغلب في شركات التأمين التجاري في الدول العربية كلها ، ولذلك تجدون شركات التأمين الكبرى العالمية تخلق نوع من التهويل النفسي أمام شركات التأمين الصغيرة التي في الدول الإسلامية أنها لا يمكن أن تقوم وترعى التأمين بنفسها ؛ بأن يقولون : شركة - مثلًَا – ضخمة ، كيف تأمنون عليها لو حصل فيها حريق ، أموال كل شركاتكم لا تستطيع أن تغطي تعويض الحريق الذي يحصل في الشركة ؟(2/12)
فيوهمونهم أنهم لن يَسْتَطِيعون أن يؤدوا التأمين بأنفسهم ، بالتالي يضطرون بأن يدفعوا نصف أقساط التأمين لشركات التأمين الدولية ، ومن خلال دراستنا لإحدى الشركات المحلية التي تمارس التأمين ، وتقدمه على أنه تأمين تعاوني ، لما درسنا المركز المالي لها تبين أنها أخذت من المؤَمن لهم العام الماضي مليار ونصف المليار , منها سبعمائة مليون أخذتها شركات ألمانية ، فالواقع لا يمكن أن تسمى تأمين تعاوني ، هذا في الحقيقة تأمين تجاري لأن فيه إعادة للتأمين ، أصبحت شركة التأمين مجرد ماذا ؟ وسيط . فَلْيُتَنَبه لذلك .
في شركات التأمين التعاوني هي لا تحتاج إلى إعادة التأمين لماذا ؟.
لأنها أصلًا لا تلتزم بالتعويض الكامل ؛ لأنها هي تلتزم بإدارة التأمين ، والتعويض إنما يكون من الصندوق – من أموال المؤمن لهم أنفسهم – ومن خلال تجارب بعض شركات التأمين التعاوني ما احتاجوا أصلًا إلى أن يأخذوا أكثر من الأموال الموجودة في الصندوق ؛ لأن الأموال الموجودة في الصندوق تغطي التأمين – التعويضات – وزيادة .. في الغالب ؛ لأن شركات التأمين إنما تحدد قسط التأمين بناءً على دراسة وخبرة ، ومعرفة بالسوق .
لذلك أقول هذه أهم الفوارق بين التأمين التجاري ، وشركة التأمين التعاوني ، فمن أراد أن يدخل في أي عقد تأمين فليتنبه إلى الفرق بين هذين الأمرين .
صور التأمين التعاوني :
نقول : هو موجود ، وله صور متعددة ، وهو موجود في عدد من المظاهر التي يكون فيها التأمين تعاونيًا .
من أمثلة التأمين التعاوني :(2/13)
التأمين الاجتماعي : الذي تقدمه الحكومات ، والهيئات العامة للموظفين ، والتي تسمى التأمينات الاجتماعية ، أو صندوق معاشات التقاعد ، ونحوها . هذا التأمين في الحقيقة هو تأمين تعاوني لأنه ليس الغرض منه الاسترباح ؛ لأن الدولة ترعاه أو المؤسسات العامة ترعاه بغرض دعم الموظفين الذين يبلغون سِننًا معينًا لا يستطيعون معها العمل ، فهو في الحقيقة تأمين تكافلي تعاوني ، وليس تأمينًا تجاريًا ، فوجود الغرر في مثل هذه الحال مغتفر كما سنبينه .
ومن أمثلته كذلك : التأمين الطبي :
التي ترعاه الدولة وتتقاضى عليه رسومًا ، ربما تكون في كثير من الأحيان رمزيه ، بعض الدول يكون هناك تأمين طبي تقدمه الدولة نفسها بمعنى أنها تأخذ رسومًا من المواطنين ، رسوم رمزية في الغالب ، وهي ترعى المستشفيات – يعني – تديرها وتتولى الرعاية الطبية لهؤلاء المواطنين ، فهذا نوع من أنواع التأمين التعاوني.
ومن أمثلته كذلك : الجمعيات التعاونية ،والتأمين المعمول به في النقابات المهنية :
يعني : أحيانًا يكون في نقابة أطباء أو نقابة مهندسين ، يتفق الأطباء فيما بينهم على أن ينشئوا صندوقًا لتعويضهم في حالة حدث أخطاء طبية من خلال هذا الصندوق ، وكذلك قد يتفق بعض المهندسين – نقابة المهندسين – على إنشاء مثل هذا الصندوق للتعويض في حالة أخطاء معمارية أو هندسية ،ونحو ذلك .
الحكم الشرعي للتأمين :
نقول أولًا : التأمين التجاري : ذهب عامة الباحثين المعاصرين ، والعلماء ، ومعظم الهيئات الشرعية المعاصرة ، والمجامع الفقهية إلى تحريم التأمين التجاري من حيث الأصل ؛ لأنه عقد محرم ، سواءٌ أكان تأمين على الحياة ، أم تأمينًا طبيا ، أم تأمينًا على الممتلكات ، أم تأمينًا على السيارات .. كل صوره محرمة – التأمين التجاري – لأنه عقد يقوم على الغرر ، والمقامرة .(2/14)
فالعقد هنا – عقد التأمين – عقد معلَّق على أمر محتَمِل قد يقع ، وقد لا يقع ، ولأن كلًا من طرفي العقد لا يدري عند إنشاء العقد ما الذي سيأخذ مقابل ما بذله في العقد .
ولبيان ذلك : نفرض أن شخصًا دفع ألف ريال لشركة تأمين للتأمين على سيارته ضد الحوادث لمدة عام ، فالآن نفرض أنه خلال هذا العام لم يحصل لسيارته أي حادث ، هو دفع ألف ريال مقابل ماذا ؟
مقابل لا شيء !. لم يأخذ شيء !.
فهو غارم أم غانم ؟
يُعَدُ غارمًا ، وشركة التأمين : غانمة ؛ أخذت ألف ريال وهي لم تدفع شيئًا ، لكن لو أنه حصل له حادث خلال هذا العام بمقدار كلفه يعني أو إصلاح السيارة أو تعويض هذا الحادث يكلف ما يقارب أو ما يصل إلى خمسة آلاف ريال مثلًا ، فنقول في هذه الحال هو غانم ؛ لأنه دفع ألف ريال ، وأخذ من الشركة خمسة آلاف ريال ، والشركة غارمة ؛ لأنها أخذت ألف ريال وفي المقابل عوضته بخمسة آلاف ريال ، فالعقد هنا يدور بين الغنم ، والغرم . فهو عقد غرر وجهالة مبني على القمار والميسر ، وعند إنشاء العقد - عندما يدفع المُؤَمَن له الآن الآلف ريال – هل يعرف العوض الذي سيأخذه من الشركة ؟ هو لا يعرف شيء ، ولا يدري هل سيأخذ شيئًا أم لن يأخذ شيئًا، وإذا أخذ شيئًا لا يعلم مقدار ما سيأخذه فلهذا هو يعد محرمًا عقد التأمين التجاري.
أما التأمين التعاوني : فقد ذهب عامة العلماء المعاصرين ومنهم هيئة كبار العلماء بالمملكة إلى جواز التأمين التعاوني؛ لأن التأمين التعاوني وإن كان فيه شيء من الغرر، هو في الحقيقة فيه غرر وجهالة؛ لأن مثلًا: مثل ما قلنا إذا كان مجموعة من الناس وضعوا أموالهم في صندوق كل واحد يضع في هذا الصندوق مالًا ولا يدري هل سيأتيه تعويض من الصندوق أو لا، وإذا جاءه تعويض من ذلك الصندوق ما مقدار ذلك التعويض الذي سيأتيه، فالتأمين التعاوني أيضًا فيه غرر، لكنَّ هذا الغرر ماذا؟ مغتفر، لماذا مغتفر؟
لأنه في عقد ماذا؟ معاوضة ولَّا عقد تبرع؟(2/15)
عقد تبرع؛ لأن المقصود من العقد أصلًا التكافل والتعاون فيما بينهم، ونحن قلنا: من شروط عقد الغرر، من شروط تحريم عقد الغرر: أن يكون في عقد معاوضة، فإن كان في عقد تبرع فإنه يكون مغتفرًا وجائزًا شرعًا، فلذلك نقول: إن التأمين التعاوني وإن كان فيه شيء من الجهالة والغرر إلا أن هذه الجهالة مغتفرة شرعًا؛ لأنها؛ لأن المقصود من العقد أصلًا ليس الاسترباح وإنما هو التكافل والتعاون وهذه من المقاصد الشرعية التي يغتفر فيها الغرر.
حالات استثنائية:
قلنا: إن الأصل في التأمين التجاري أنه محرم، لماذا؟
لأنه ربا أو لأنه غرر؟ لأنه غرر.
وعلى ذلك بما أنه محرم لما فيه من الغرر فإنه يستثنى من تحريم التأمين التجاري الحالات التي مرت معنا قبل قليل التي لا يكون فيها الغرر مؤثرًا، ومن ذلك ثلاث حالات، أشير إلى ثلاث حالات:
الحال الأولى:
إذا كان التأمين تابعًا في العقد وليس مقصودًا فيه، تذكرون لما ذكرنا شروط الغرر، قلنا: إذا كان تابعًا في العقد فإنه لا يؤثر مثل: الحمل الذي يكون في بطن الشاة فيُباع تبعًا للشاة، وكذلك هنا في عقد التأمين لو كان التأمين تابعًا في العقد لم يكن العقد معقودًا أصلًا على التأمين نفسه، مثل: شخص يريد أن يشحن بضاعة واشترى مع البضاعة، نعم، يريد أن يشحن بضاعة مع وكالة للشحن ومع الأجرة التي سيدفعها للوكالة، لوكالة الشحن سيدفع لهم أجرة مقابل التأمين على البضاعة، فهنا العقد وقع أساسًا على نقل البضاعة، والتأمين جاء تبعًا للعقد، فمثل هذا التأمين يغتفر؛ لأنه جاء تبعًا وليس مقصودًا.(2/16)
شخص يريد أن يشتري سيارة، ومع شراءه للسيارة اشترى تأمينًا على السيارة من البائع نفسه، فنقول: هنا التأمين جاء تبعًا للعقد، ومثله أيضًا: شخص استأجر سيارة من شركة تأجير سيارات ومع عقد الإيجار أخذ التأمين على السيارة، فهنا جاء التأمين تبعًا للعقد، فيكون مغتفرًا حتى ولو زادت قيمة أجرة السيارة أو ثمن السيارة التي اُشتريت أو أجرة نقل البضاعة حتى ولو زادت بسبب التأمين لأنه يعني قياسًا على زيادة ثمن الشاة التي بيعت بسبب وجود الحمل، فمن المعلوم أن الشاة الحامل أكثر ثمنًا من الشاة التي ليس في بطنها شيء، ومع ذلك الشريعة جوزت بيع الشاة مع ما فيها من الحمل، فكذلك نقول: إذا جاء التأمين تبعًا في العقد فإنه يغتفر ولو كان له قيمة في العقد، ومثله أيضًا التأمين على، أو الضمان الذي يكون على الأجهزة الجديدة؛ أحيانًا يأتي شخص يريد أن يشتري جهاز جديد جهاز كمبيوتر مثلًا، فيقول له البائع: هناك ضمان يعني هذا الجهاز مضمون لمدة سنة ضمان مصنعي، لكن إذا أردت ضمان هذا الجهاز لمدة أربع سنوات كنوع من التأمين ستكون قيمة الجهاز بدلًا من ألف ريال يصبح ألف ومائتي ريال،فمثل هذا الضمان أيضًا إذا جاء تبعًا للعقد تبعًا لشراء الجهاز في عقد واحد فهو مغتفر؛ لأنه جاء تبعًا لشراء، للجهاز نفسه، وليس معقودًا عليه أساسًا، لكن لو أنه اشترى جهاز لوحده، ثم أمَّن على الجهاز أو اشترى الضمان، فنقول في هذه الحال: أصبح الضمان أو التأمين مقصودًا في العقد ووقع عليه العقد بمفرده فهذا لا يجوز.
إذًا: هذه هي الحال الأولى التي يغتفر فيها التأمين التجاري إذا كان التأمين تابعًا وليس بمقصود في العقد.
الحال الثانية:(2/17)
إذا كان التأمين مما تقتضيه الحاجة، والحاجة بمعنى أن يلحق الإنسان حرج ومشقة إذا لم يؤمن، إذا كان عليه حرج في عدم التأمين، ومن الحاجة ما إذا كان، من الحاجة: إذا كان الإنسان في بلد يلزم نظامه بالتأمين على المركبة، على السيارة، فنقول: لا حرج عليه في هذه الحال أن يؤمن على السيارة ذلك الشخص؛ لأنه إن لم يؤمن فقد يلحقه شيء من الضرر، أو الحرج أو ربما يسجل عليه مخالفة أو ربما يلزم بغرامة أو ربما لا يسمح له باستخراج الرخصة أو غير ذلك، فمثل هذه الحاجة يُغتفر فيها التأمين إذا كان نظام البلد يلزم بالتأمين، ونحن نتكلم الآن عن دخول الشخص في عقد التأمين، لا نتكلم عن النظام نفسه، نتكلم عن شخص موجود في بلد يُلزم بالتأمين التجاري، فنقول: لا حرج عليك في أن تؤمن إذا كنت ملزمًا بالنظام، ومن الحاجة كذلك لو كان الشخص في بلد تكلفة العلاج فيه باهظة إذا لم يؤمن، فيحتاج إلى التأمين الطبي كالمسلمين الذين يكونون في بلاد الغرب يعني معروف إن النظام عندهم كله قائم على التأمين الطبي، والشخص الذي لم يؤمن لو احتاج إلى علاج أو إلى عملية بسيطة ربما تذهب بأمواله كلها فنقول في مثل هذه الحال: هذا الشخص قد تحققت فيه مقتضيات الحاجة فلا حرج عليه شرعًا في الدخول في التأمين ولو كان تأمينًا تجاريًا؛ لأن التأمين التجاري محرم لما فيه من الغرر، والغرر يباح عند الحاجة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن مفسدة الغرر أقل من مفسدة الربا، ولذلك أبيح عند الحاجة، وقد ذكر أهل العلم أدلة لذلك ليس هذا مجال بسطها.
الحال الثالثة من الحالات التي يجوز فيها التأمين:(2/18)
إذا كان التأمين مجانًا بلا عوض، إذا حصل الشخص على التأمين مجانًا بلا عوض كالتأمين الطبي الذي تقدمه الشركات لموظفيها بلا عوض يعني، بلا عوض يدفعه ذلك الموظف مقابل التأمين، نحن نعرف إن كثير من الشركات الآن تعطي موظفيها تأمينًا طبيًا فإذا كان هذا التأمين بلا عوض يعني لا يدفع مقابل هذا التأمين مال للشركة نفسها، فلا حرج عليه في قبول هذا التأمين؛ لأن العقد هنا أصبح عقد تبرع وليس عقد معاوضة، والمحرم من الغرر هو ما كان في عقود المعاوضات.
نحن وعدناكم بالأمس أن نفتح مجالًا أكثر للأسئلة، ولذلك بقي نقاط يسيرة الحقيقة يعني حول بعض المعاملات اليسيرة فلعلنا نكتفي بهذا القدر يعني مما بيناه وشرحناه والمتبقي اليسير هذا من أراد أن يعني يستزيد منه فبالإمكان الرجوع إلى المذكرة التي ستكون متوفرة إن شاء الله تعالى حسب السبل أو الطرق التي سيبينها لكم الإخوة بمشيئة الله تعالى.
ولذلك استغلالًا للوقت وحتى لا نخلف الوعد الذي وعدناكم به نفتح المجال الآن للإجابة على أكثر قدر ممكن من أسئلتكم ونسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما سمعناه وأن يجعله حجة لنا لا علينا.
عارض الأسئلة :(2/19)
اللهم آمين، جزاك الله خيرًا فضيلة الشيخ على ما قدمت، وقبل البدء بالأسئلة فقط نذكر بأن المذكرة بإذن الله عز وجل ستوزع عليكم بالطريقة التي اتفقنا عليها البارحة وهي أن هناك أوراق تكتب فيها البريد الإلكتروني ثم سترسل لكم هذه المذكرة كاملة، وأما بالنسبة للتسجيلات فستكون متوفرة في جميع أنواع التسجيلات، والإخوة يسجلون ثم سينشرون يعني هذه المادة في التسجيلات لكي لا تكون حكرًا على تسجيلات معينة، ولكي يسهل على أهل الدمام والخُبَر أو أي مكان أن يأخذوا من التسجيلات القريبة منهم، وأيضًا ستكون بإذن الله عز وجل المادة كاملة بعد فترة وجيزة في موقع الشيخ، ومن يوم غدٍ بإذن الله تبارك وتعالى ستكون المادة كاملة موجودة في موقع live islam)) أو البث المباشر أو الكثير من المواقع الإلكترونية ستكون فيها المادة كاملة يستطيع الإنسان سماع هذه المحاضرة مرة أو مرتين وثلاث.
عارض الأسئلة :
هذا سائل فضيلة الشيخ يقول: هل الحكم على شراء الألماس بالبطاقة (بطاقة الصراف) كالحكم على شراء الذهب من ناحية الجواز؟
الشيخ:
نعم: الحكم واحد، بل إن الألماس أجوز من الذهب – إن صحت الصرفية أن نقول أجوز- ولأن الألماس أصلًا يجوز شراءه بالريالات بدون تقابض، وليس له حكم الذهب والفضة.
عارض الأسئلة :
نعم، أيضًا السؤال حول البطاقات (البطاقات الإلكترونية) الفيزا وغيرها، يقولون: هل هناك بطاقات مجازة وأخرى غير مجازة؟
الشيخ:
نعم بالنسبة للبطاقات هناك بطاقات غير مجازة كالتي تصدرها البنوك التي تتعامل بالربا، فهذه غير مجازة من هيئات شرعية، وتأخذ فوائد وتقسط الدين، وتزيد في الدين مقابل التقسيط.(2/20)
وهناك بطاقات مجازة من هيئات شرعية لكن في الحقيقة بعض الهيئات جوزت عملية قلب الدين التي أشرنا إليها قبل قليل، التي يقسط فيها الدين مقابل إجراء عملية تورق، فهذه لا أرى جوازها، وهناك مجازات بطاقات يعني ليس فيها عملية قلب الدين هذه، وإنما يعني تكون يعني مقصورة فقط على بطاقات الخصم الشهري فهذه تجوز لكن إذا كان البنك يأخذ أكثر من التكلفة الفعلية فلا تستخدمها في السحب النقدي.
عارض الأسئلة :
نعم، كان هناك سؤال أيها الشيخ حول التأمين على الرخصة أو على السيارات، وبعض الإخوة ذكر علل، يعني هل كثرة الحوادث اليوم، ومنها عادة المراهقين بالسيارات وتكسيرها يعني دافع أو مبرر لهذا التأمين؟
الشيخ:(2/21)
هو في الحقيقة التأمين يعتبر من الحاجيات لا شك؛ لكثرة الحوادث وأيضًا للعلاج وغير ذلك، لكن نقول: إنه من الأمور الحاجية لكن هناك البديل الشرعي الجائز الذي يفي بتلك الحاجة وهو التأمين التعاوني، فإذا كان هناك حاجة إلى التأمين فليس هناك حاجة إلى التأمين التجاري، هناك حاجة إلى التأمين التعاوني، والتأمين التعاوني في الحقيقة يفي بأغراض التأمين التجاري وزيادة، بل إن هناك دول من الدول الغربية من طبق التأمين التعاوني وطبقه بكفاءة أفضل بكثير من التأمين التجاري، فعلى سبيل المثال: التأمين الطبي في كندا هو نوع من التأمين التعاوني، وليس تأمينًا تجاريًا، بينما في أمريكا (الولايات المتحدة) هو تأمين تجاري وبإمكان أي شخص يزور هذين البلدين يدرك الفرق الكبير بين الرعاية الطبية في (كندا) والتي هي أفضل بكثير من الرعاية الطبية في الولايات المتحدة؛ لأنه حسب إحدى الإحصائيات التي قام بها أحد الإخوة الذين يحضرون رسالة دكتوراه في التأمين الطبي، والبدائل الشرعية هناك في الغرب وجد يعني حسب الإحصائية التي ذكرها أن عدد الذين يشملهم التأمين الذين يستطيعوا أن يفوا بأقساط التأمين في الولايات المتحدة لا يتجاوز الثلث فقط من السكان، بينما في كندا كل السكان تشملهم الرعاية الطبية التي تتولاها الدولة نفسها، وهو نوع من التأمين التعاوني، فلماذا نحن ننتظر أن يأتي الحل من بلاد الغرب حتى يكون مقبولًا عندنا، نحن ولله الحمد لدينا البدائل والحلول المناسبة والكافية التي من المفترض أن نصدرها نحن إلى الغرب لا أن ننتظر أن تأتي منهم، فأقول الحاجة الصحيحة القائمة للتأمين، ولكن ينبغي أن يكون تأمينًا تعاونيًا، ويعني أضرار التأمين التجاري لا شك أنها كبيرة على الأفراد والمجتمعات واقتصاد الدول وأيضًا على معتقداتهم أيضًا، كون الشخص يرضى بنظام تأميني يكون قائم على الغرر والجهالة لا شك أن فيه يعني رضى بشيء من المحرمات شرعًا وهذا لا يجوز(2/22)
ومادام وُجد البديل الآخر الذي يعني يحقق تلك المصالح فلما العدول عنه إلى شيء محرم؟
عارض الأسئلة :
نعم، جزاكم الله خيرًا، هذا سائل يقول: هل يجوز لي استوفي ديني الذي عند شخص غير قادر على السداد في الحال بأن أستخدم بطاقة عائلته في اكتتاب معين وأسقط الدين الذي عليه؟
الشيخ:
لا، هذا لا يجوز، هذا في الحقيقة هنا الدائن انتفع من اسم ذلك الشخص لأنه سيأخذ أكثر من الدين الذي له في ذمته؛ لأنه سيربح من هذا الاكتتاب مبالغ طائلة وكثيرة جدًا.
عارض الأسئلة :
وهذا سائل يقول: لدي ودائع مالية فهل لي استخدامها مع الضمان التام بإرجاعها متى طالب بها صاحبها وفي أي وقت؟
الشيخ:
لا، ما دام أنك مودَع هذه الأموال ويدك يد أمانة فليس لك أن تستثمرها لنفسك إلا بإذن من صاحب المال.
عارض الأسئلة :
نعم، هناك بعض المؤسسات تعطي تأمينًا طبيًا لموظفيها لكن مع أخذ نسبة معينة كأتعاب العلاج للمستشفى؟
الشيخ:
هذا جائز، إذا كانت الشركة تأخذ يعني أجور نسبية أو مبالغ مقابل الأتعاب
عارض الأسئلة :
عشرة بالمائة
الشيخ:
أي نعم، مثل هذه النسب هذه جائزة ولا إشكال.
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول: بعد السلام، والدي رحمه الله اكتتب لي في البنك الأمريكي منذ أكثر من خمسة وعشرين سنة ثم تضاعفت قيمة هذه الأسهم عدة مرات فما الحكم وكيف التصرف بما يرضي الله تعالى؟
الشيخ:(2/23)
بالنسبة للأسهم البنكية من ورث شيئًا منها أو كان قد ملكها ثم تاب من يعني الاتجار بها أو تملكها فيجب عليه أن يبيعها فورًا، فور توبته أو فور علمه بتملكه لها، ويتخلص من نصف أرباحها ؛ لأن النصف منها مال خبيث، ونقول: النصف لأنه الآن اختلط الحلال بالحرام ولا يعرف مقدار الحلال من الحرام، والقاعدة عند أهل العلم أنه إذا لم يعرف مقدار الحلال من الحرام فيجعل كل واحد منهما نصفًا أو مساويًا للآخر ويتخلص من نصف الأرباح التي يعني يحصل عليها من بيعه لتلك الأسهم وقولنا: إن الأسهم فيها حلال وحرام لأن البنوك ولو كانت بنوكًا ربوية جزء كبير من معاملاتها يعد حلالًا حلال مثل الحسابات الجارية، ومثل الحوالات المصرفية ومثل أيضًا الوساطة في بيع الأسهم غير البنكية كل مصادر الدخل هذه يعني جائزة شرعًا لكن هذه البنوك تمارس أيضًا المعاملات المحرمة أو الربوية، فلأجل ذلك نقول: اختلط الحلال بالحرام.
يعني بدون تسمية شركة من الشركات، قد يكون شيء من الشركات نسبة الحرام التي فيها يعني أكثر مما لدى البنوك.
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول: اشترى زميلي لي سيارة بالتأجير المنتهي بالتمليك من الشركة وسدد
الشيخ:
اشترى سيارة؟
عارض الأسئلة :
اشترى زميلي سيارة بالتأجير المنتهي بالتمليك من الشركة، وسدد أقساط السيارة وبقي ثلاثون ألفًا، فهل يجوز لي أن أكمل أقساط السيارة وآخذها؟
الشيخ:(2/24)
أولًا: التعبير قوله: اشترى سيارة بالتأجير المنتهي بالتمليك هذا التعبير خطأ، استأجر سيارة بالتأجير المنتهي بالتمليك وبقيت عليه تلك الأقساط، فنقول: إذا كان قد استأجرها فهي ليست مملوكة له، هي مملوكة للشركة نفسها للمالك، فإذا أردت أن تشتريها فاشترها من الشركة وإذا كان بينك وبين المستأجر اتفاق فلا مانع من أن يكون بينكم مواعدة بأن تعطيه تلك المبالغ ليوفي ثمن تلك السيارة ثم بعد أن يتملكها يبيعها عليك يبيعها بحسب ما تتفقان عليه بعد تملكه لها ملكًا حقيقيًا.
عارض الأسئلة :
جزاكم الله خيرًا، أسئلة عن كيفية دفع زكاة الصناديق الاستثمارية وأيضًا المساهمات العقارية؟
الشيخ:
بالنسبة للصناديق الاستثمارية يقيم حصته في الصندوق وقت حلول الزكاة ويزكي تلك القيمة فمثلًا شخص ساهم في صندوق من الصناديق بمبلغ عشر آلاف ريال فلما حل موعد زكاته تبين له أن قيمة حصته في الصندوق أصبحت خمسة عشرة ألف ريال فنقول في هذه الحال: تزكي عن الخمسة عشر ألف ريال، ولو نقصت فتزكي عن قيمتها ولو كانت ناقصة، لو نقصت مثلًا إلى ثمانية ألف ريال فتزكي عن الثمانية ألف ريال وهي قيمة ما تملكه في الصندوق، هذا بالنسبة للصناديق الاستثمارية.
وأما المساهمات العقارية: فهي على نوعين:(2/25)
مساهمات متعثرة أو ظهر فيها بوادر التعثر بمعنى أنها تأخرت عن موعد تصفيتها أو ظهر مماطلة من المدير الذي يدير تلك المساهمة أو ظهر يعني مخالفة نظامية أو نحو ذلك أو حُجز على أموال المساهمة فمثل هذه المساهمات لا زكاة فيها لأنها في حكم الدين على المعثر، ولكن متى ما قبض الشخص أمواله التي في تلك المساهمة فإنه يستأنف بها حولًا ويزكيها بعد الحول إذا كانت قد بقيت عنده نقودًا، والنوع الثاني من المساهمات: هي المساهمات المنتظمة يعني غير المتعثرة التي تسير بوضعها الطبيعي فهنا لابد من زكاتها بحسب ما يملكه الشخص من يعني أسهم في تلك المساهمة، فإذا كان قد ساهم مثلًا بعشرة آلاف ريال فلما حل موعد زكاته مثلًا تبين له أن له فيها ربح أو خسارة بحسب ما وصلت إليه المساهمة فإنه يزكي بحسب ما وصلت إليه من ربح أو خسارة.
عارض الأسئلة :
هذا طالب في الجامعة يقول: أن لدينا من المدرسين من يرون أن الفائدة الربوية ليست ربا لأن الزيادة لأجل نقصان قيمة المال (أي الريال) عبر السنين، وأيضًا يقولون: أنهم لا يعترفون بأن قياس السندات والأسهم على الذهب والفضة، أي أنها لا تقاس على الذهب والفضة؟
الشيخ:
نعم، هاتان شبهتان ذكرناهما بالأمس وقلنا: إن بعض الناس يقول: إن الفوائد البنكية جائزة ويذكر شبهتين: الشبهة الأولى:
يقول: إن الفوائد هي تعويض عن التضخم أو ما قالوا عنه إنه هبوط في القوة الشرائية لأن السلعة التي تشترى هذه السنة بمائة ريال تشترى في السنة القادمة بمائة وثلاث ريالات أو مائة وريالين، فيقولون: إن المقرض الآن يستحق تعويضًا لأجل هذا التضخم وقد أجبنا على هذه الشبهة من عدة أوجه:
الوجه الأول: قلنا: إنه لو حصل العكس، حصل انكماش بأن أصبحت السلعة التي تساوي مائة هذه السنة أصبحت تساوي ثمانية وتسعين، هل يصح أن يقال للمقترض الآن: رد على المقرض ثمانية وتسعين فقط؟(2/26)
لا أحد يقول بذلك، فلماذا يكون دائمًا المقترض هو المتحمل للضرر الواقع؟
الأمر الثاني أيضًا: أن نقول: إن الفائدة في الحقيقة هي وقود التضخم، وهي التي سببت التضخم في المجتمعات؛ لأن البنوك إذا كانت تأخذ فوائد على قروضها فإن المنتجين للسلع يحسبون من ضمن ثمن تلك السلع وقيمها تلك الفوائد التي سيدفعونها للبنوك، فترتفع الأسعار بذلك ويكون التضخم في العملة، وأيضًا أمر ثالث: أن نقول: إنه إذا حصل تضخم في البلد فإن التضخم يطال بأثره جميع أهل البلد، لا يقتصر على شخص دون آخر، فليس المقترض هو السبب في ذلك التضخم، وأيضًا إن هذه الأموال لو بقيت عند المقترض نفسه ولم يقرضها، فسينالها التضخم كذلك، فلماذا نقول: إذا أقرضها يعوض عن التضخم وإذا بقيت عنده فإنه لا يستحق التعويض؟ هو على أية حال سيأتيه التضخم سواء أقرضها أو لم يقرضها، وأما قولهم يعني قول هؤلاء: إن يعني قياس الأوراق النقدية أو السندات على الذهب غير صحيح، فنقول: إنها وإن لم يصح القياس للأوراق النقدية أو السندات على الذهب والفضة فإن القرض بفائدة محرم بإجماع العلماء بأي مال كان، سواء كان ذهبًا أو فضة أو ترابًا أو نحاسًا أو حديدًا أو غير ذلك، كل الأموال، ما أقرضت من مال واشترطت على المقترض أن يرده بزيادة فهو ربا، ولهذا أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعًا فهو ربا أيًا كان المال المقرض حتى ولو كان أوراقًا بدليل أن الربا الذي نزل القرآن بتحريمه كان في أي شيء؟ تذكرون في أي شيء؟ في الإبل كما قلنا، والإبل أصلًا ليست من الأموال الربوية ولا تقاس على الذهب والفضة، ومع ذلك عده الله تعالى من الربا؛ لأن ربا الديون يجري في كل شيء، الذي يعني يُنظر في قياسه على الذهب والفضة من عدم قياسه هو ربا البيوع، وما تقدمه المصارف الآن من قروض بفوائد هو من ربا الديون وليس من ربا البيوع، وهو محل إجماع عند أهل العلم.
عارض الأسئلة :(2/27)
عدد من الأسئلة تسأل هل من طريقة شرعية مأمونة للإستقراض من البنوك؟
الشيخ:
نعم، الطريقة الشرعية ... للتمول من البنوك، لا نسميها الاقتراض؛ لأنه في الحقيقة إذا قلت: قرض، القرض لابد أن يرد بالمثل بدون زيادة، لكن هناك طريقة للتمول من البنوك من هذه الطرق:
أولًا: المرابحة للوعد بالشراء التي أشرنا إليها في درس البارحة بأن يطلب من البنك أن يشتروا سلعة فإذا اشترى البنك السلعة اشتراها منهم بالأجل، وهذه تطبقها معظم البنوك، تقول له مثلًا: اشتروا تلك الدار أو هذه السيارة فإذا تملكها البنك وقبضها تشتريها منهم بالتقسيط، وإذا كنت لا تريد سلعة بعينها وإنما تريد النقود فبإمكانك أن تتورق تدخل في عقد تورق؛ بأن تشتري مثلًا أسهمًا من البنك بالأجل ثم تبيعها في السوق وتأخذ قيمتها نقودًا، ومن أمثلة ذلك برنامج (وطني) للتورق في الأسهم الذي تقدمه شركة (الراجحي) وكثير من البنوك أصبحت تقدم مثل هذا النوع من التورق، لكن تجنب التورق المنظم الذي لا تقبض فيه السلعة ولا تبيعها بنفسك، إذا أردت أن تتورق فاشترِ سلعة تتمكن من إدخالها في حيازتك أو في محفظتك أو قبض أوراقها ثبوتية، وأن تتولى بيعها بنفسك ولا توكل البنك في البيع ولا البائع الذي باعها على البنك.
عارض الأسئلة :
هذا السائل يقول: لديَّ تجارة وبضائع ومحلات سوبر ماركت، فهل أزكي البضاعة والأرباح أم فقط البضاعة؟
الشيخ:(2/28)
تزكي، يعني بالنسبة للشخص التاجر الذي عنده بضاعة يجب عليه أن يزكي قيمة البضاعة وقت حلول الزكاة، يعني يقيم البضاعة التي عنده لو باعها وقت حلول الزكاة كم تساوي تقديرًا ولا يلزم أن يكون بالضبط، فيقدر قيمتها ويخرج ربع عشر تلك القيمة، أي اثنين ونصف بالمائة، والأموال التي يقدرها هي عروض التجارة وهي الأشياء المعدة للبيع أما الأشياء الثابتة في الدكان هذه لا يجب فيها الزكاة مثل الأرفف والدواليب وأجهزة الكمبيوتر مثلًا التي يستخدمها في حساب الفواتير، وإذا كان عنده نقليات سيارات ينقل بها البضائع كل هذه لا يقيمها ولا يخرج عنها الزكاة لأنها أصول ثابتة هذه فقط يزكي عن العروض المعدة للبيع، وهي عروض التجارة، ويضيف إلى عروض التجارة الديون التي له على الآخرين، ونقصد بها الديون المرجوة إذا كان له ديون مرجوة على الآخرين يضيفها مع عروض التجارة ويضيف إليها أيضًا النقود التي عنده سواء كانت عنده في الدرج أو في حسابه لدى البنك، وإذا كان عليه ديون هو وهذه الديون حالَّة فإنه يخصم تلك الديون من الوعاء الزكوي الذي سيزكيه بشرط أن تكون هذه الديون حالَّة أما إذا كانت الديون مقسطة أو مؤجلة هذه لا تخصم مثل شخص مثلًا: اقترض، لو قلنا: إن الديون المؤجلة تخصم لما وجب على يعني معظم السعوديين زكاة لماذا؟ لأن أغلب الناس عليهم قروض صندوق التنمية العقاري، فهذه القروض لأنها مؤجلة ومقسطة فإنها لا تخصم ولا تمنع من وجوب الزكاة، حتى ولو كان دينًا تجاريًا إذا كان مؤجلًا بعد سنة أو سنتين أو نحو ذلك لا يخصم من الوعاء الزكوي، فقط الذي يخصم الديون الحالة.
عارض الأسئلة :(2/29)
هذا سائل يقول: أن الوالد أوصاهم قبل موته بالتبرع بثلث التركة وإنفاقها على شكل صدقات فجاءه بعض الإخوة وطلبوا منه قرضًا وأعطى أحدهم قرضًا ثم تُوفي هذا الأخ، فيقول السائل: حالتهم المالية –يقصد أهل المُتوفى- حالتهم المالية سيئة للغاية، فأتوا إلى عمهم يطلبوا منه السماح في دين أبيهم، فما حكم هذا الإقراض في الأصل، وهل يجوز له أن يتسامح عن هذا الدين؟
الشيخ:
يعني بما أن المتوفى الأول بما أن أباهم قد أوصى بأن تصرف في أوجه البر في الصدقات فلعل هذه إن شاء الله من أوجه البر من الصدقات، فأرى أن يتسامح مع هؤلاء الذين تُوفي أبوهم المدين يسامحهم وينويه صدقة لهم وينال بذلك أجره الميت الأول صاحب.
عارض الأسئلة :
قال أحد الأبناء هو الذي اقترض
الشيخ:
أحد الأبناء هو الذي اقترض؟
عارض الأسئلة :
نعم
الشيخ:
ما في مانع حتى ولو كان أحد من الأبناء بما أنه وصلت إليه، والإخوة يعني، وهذه من الصدقة وليست من التركة فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول: ما حكم التعامل مع القائمين على المساهمات الخاصة بالعمل في البورصات العالمية، مع العلم أن الأرباح تكون بمبالغ عالية تكاد تكون بنصف قيمة رأس المال شهريًا؟
الشيخ:
هذه المضاربات التي تجري في العملات لا أرى الدخول فيها ولا المساهمة معهم لأن فيها محاظير شرعية أشرنا إليها في درس الأمس عندما تكلمنا عن الشراء بالمارجن لأن الذي يجري في سوق العملات الآن هو الاتجار بها عن طريق المارجن وهي عبارة عن عقود سورية ليست حقيقية وتشتمل على قرض بفائدة وليس فيها تقابض شرعي كما هو واجب في تبادل العملات، فلذلك لا أرى الدخول فيها ولا المساهمة معهم.
عارض الأسئلة :
سائل يقول: ذكرتم أنه يجب التعلم قبل دخول السوق فما حكم من دخل صناديق الاستثمار برأي هيئاتها الشرعية ثم سمع فتواكم واقتنع وسحب ذلك المال لكنه وجد أن المال قد زاد؟
الشيخ:
بعد ما أخذه؟
عارض الأسئلة :
نعم .(2/30)
الشيخ:
نعم، إذا كان قد دخل في الصندوق بناء على فتوى شرعية فنقول إن شاء الله المال الذي أخذه ونمائه له لأنه كان متأولًا في الأمر ومتبعًا لأحد العلماء فيه فيأخذ هذا المال والنماء وليس عليه أن يخرج منه شيء.
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول: أعطيت شخصًا مبلغ من المال كقيمة سهم على أن يعمل بها ويعطيني كل شهر ما بين ألفين إلى ألفين وخمسمائة ريال شهريًا كأرباح لمدة سنة فقط، وقال لي: أنه إذا خسرنا فإنه يحق لك أن تعرف سبب الخسارة وبعد نهاية السنة فإن العميل لا يحق له أي مبلغ حتى رأس المال، ويقول: أن رأس المال قد وصلك كجزء من الأرباح؟
الشيخ:
يعني بهذا العقد، بهذه الصورة العقد غير صحيح؛ لأن المفترض أن يعطيه حصة شائعة من الأرباح لا أن يعطيه مبلغًا مقطوعًا ألفًا أو ألفين ونحو ذلك فإذا كان المبلغ محددًا فإن الشرط يكون باطلًا والعقد كذلك يبطل لفساد الشرط فيه.
عارض الأسئلة :
نعم أيها الإخوة لعلنا نكتفي بهذا لا لشيء إلا لأن الشيخ مرتبط كما ذكرنا برحلة ولا نريد أن يكون هناك أي عارض ليؤخر الشيخ عن رحلته ولي معكم كلمة بالنسبة فقط للمذكرة لأنه وفرنا عدد من النسخ لكن بعد انصراف الشيخ، لا يسعنا أيها الأحبة في ختام هذه الدورة والتي نسأل المولى تبارك وتعالى في موازين الشيخ وموازينكم أيضًا لحسن استماعكم، لا يسعنا إلا أن نتوجه بالشكر إلى المولى تبارك وتعالى أن يسر لنا هذه الدورة المباركة، ثم نثني بالشكر للشيخ الذي تجشم العناء وجاءنا من بلده إلى هذه المنطقة ليقدم لنا هذه الفائدة والمتعلقة –كما ذكر في بداية الدورة- بأمر سنسأل أمام المولى تبارك وتعالى عنه سؤالًا مركبًا؛ من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته؟(2/31)
فنقول له كما قال - صلى الله عليه وسلم - : جزاك الله خيرًا، ??ومَنْ قَالَ لِأَخِيهِ جَزَاكَ اللهُ خيرًا فَقََدْ أَبْلغَ فِي الثَنَاء?? باسمي واسمكم ونيابة أيضًا عن مركز الدعوة للإرشاد تتقدم بالشكر للشيخ نسأل الله عز وجل أن يجعل هذا في موازين حسناته وأن نجتمع معكم ومعه في مناسبات أخرى مباركة والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الشيخ:
جزاكم الله خيرًا، وبارك فيكم.(2/32)
l
وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا حي يا قيوم اللهم إنا نسألك العلم النافع والعمل الصالح أما بعد ..
أيها الأخوة والأخوات : كان حديثنا بالأمس عن الخدمات الاستثمارية في المصارف وقد أنهينا الحديث عن جزء كبير منها ، ونستكمل هذه الليلة بقية الحديث عن تلك الخدمات فقد وقف بنا المطاف عند الحديث عن الأسهم ، تحدثنا عن أحكامها ، وأنواعها وأحكام الاكتتاب ، وحكم تداول الأسهم قبل أن تبدأ الشركة بنشاطها ، ووقفنا عند الحديث عن الصناديق الاستثمارية ونقصد بالصناديق : صناديق الاستثمار بالأسهم ،من المعلوم أن البنوك تدير عدداً من الصناديق التي تستثمر الأموال التي فيها الأسهم .
والصناديق الاستثمارية الموجودة بالمملكة الآن تعد بالمئات معظمها في الأسهم .
وتنقسم تلك الصناديق إلى قسمين :
القسم الأول : الصناديق التقليدية وأقصد بها تلك الصناديق غير المجازة من هيئات شرعية فتستثمر أموال الصندوق في أسهم جميع الشركات بما فيها البنوك وربما أيضاً تستثمر أيضاً بعض أموال الصندوق في السَندات ، والسَندات كما سيأتي بعد قليل " محرمة " .
فهذه الصناديق محرمة ولا يجوز الدخول فيها باتفاق العلماء المعاصرين فيما أعلم .
فإذا لم يكن الصندوق مجازاً من هيئة شرعية وكان الصندوق كما يسمونه صندوق تقليدي يعني يدخل في جميع الأسهم فلا يجوز الدخول فيه لأنه تستثمر بعض الأموال فيه في أسهم محرمة(3/1)
وأما النوع الثاني من الصناديق : هو الصناديق المجازة من هيئات شرعية وهي تلك الصناديق التي تستثمر أموالها في أسهم وفق ضوابط شرعية وضعتها الهيئة الشرعية الموجودة في ذلك البنك الذي يدير الصندوق وهذه الصناديق متعددة ، من الصناديق المحلية الصندوق الرائد في بنك "سمبا" ، وصندوق "الأمانة" ، وصندوق "الرياض رقم (2) " وصندوق "الطيبات" ، وصندوق "المبارك في البنك العربي الوطني" ، والصندوق " الأهلي في الأسهم المحلية " المجاز من الهيئة الشرعية ، وصناديق الراجحي عموماً كلها من هذا النوع .
هذه الصناديق وضعت الهيئات الشرعية التي تشرف عليها معايير لانتقاء الشركات التي تستثمر فيها أموال الصناديق .
لكن ينبغي التفطن لعدة أمور :
الأمر الأول : أنَّ جميع هذه الصناديق التي ذكرتها ليست نقية وإنما يدخلون في شركات نقية وفي شركات مختلطة وأحيانًا في شركات فيما أرى أنها محرمة هذه الصناديق مشت على معياريين أو ضابطين وضعتهما الهيئات الشرعية المشرفة على تلك الصناديق فهي تنتقي الشركات التي أصل نشاطها مباح .
ويتحقق فيها معياران :
الأول : إذا كان يرد على الشركة إيرادات محرمة فيجب ألا تزيد هذه الإيرادات عن خمسة بالمائة (5%) من إيرادات الشركة فإن كانت تزيد عن ذلك فإن الشركة تستبعد عن الصندوق وهذا الضابط لا إشكال فيه وهو يحد كثير من الشركات .(3/2)
والضابط الثاني قالوا يجب ألا تزيد القروض التي على الشركة القروض الربوية التي على الشركة ألا تزيد عن ثلاثين بالمائة (30% )من القيمة السوقية للشركة فجعلوا نسبة مرتبطة بالقيمة السوقية وليست بالقيمة الدفترية وقد بينا الفرق بين القيمتين في درس البارحة ,اخذوا بالقيمة السوقية بناءاً على هذا الضابط لما وضعوا هذا الضابط أصبحت كل الشركات غير البنكية مسموح بها في تلك الصناديق لأن كون القروض لا تصل إلى ثلاثين بالمائة (30% )من القيمة السوقية هذا يعني أن كل الشركات سينطبق عليها هذا الضابط لماذا؟ لأن جميع الشركات المحلية قيمها السوقية مرتفعة جداً بسبب ارتفاع المؤشر العام للأسهم بل إن متوسط القيم السوقية لجميع الشركات السعودية يصل إلى أربعة أضعاف القيمة الحقيقية أو موجودات الشركة فهذا يعني أنه لو كانت القروض الربوية التي على الشركة مائة بالمائة (100% ) فبناءً على هذا المعيار إذن تصل إلى الثلث من القيمة السوقية يعني كأن هذا الضابط غير موجود لا أثر له فلما طبق هذا المعيار وهذا الضابط دخلت كل الشركات فأصبحت كل الشركات مباحة باستثناء شركة أو شركتين هما في الأصل من الشركات غير المرغوب فيهما فلذلك الذي أراه أن الصناديق في وضعها الراهن لا تجوز لأنها دخل فيه شركات وجدنا أن الربا الذي في تلك الشركات يصل إلى سبعين بالمائة (70%) وأكثر من تلك النسبة والذي أراه أنها لا تجوز جميع هذه الصناديق بهذا المعيار وبهذا الضابط الذي مشت عليه تلك الهيئات التي تشرف على الصناديق ولكن تبقى نقطة وهي أن من أخذ بفتوى المشايخ أو العلماء الذين أجازوا تلك الصناديق فلا تثريب ؛ عليه لأن هذه من المسائل الاجتهادية إذا كان الشخص مطمئنًا لتلك الفتوى ويرى صحتها وقلَّد هؤلاء العلماء الأجلاء الفضلاء لهم وزنهم وثقلهم وعلمهم إذا كان قد اخذ بفتواهم لا أقول أنه قد يعني أتى كبيرة أو أتى محرماً من المحرمات وقد قلَّد عالماً في ذلك ، لكن(3/3)
ما أراه أنا أن الصناديق بوضعها الراهن يدخل فيها شركات أرى أنها محرمة ولذلك لا أنصح أحداً بالدخول فيها ولكن مع ذلك أقول إن هناك جهودًا ولله الحمد لعدد من المشايخ وطلبة العلم لاستبعاد الشركات المحرمة وإعادة النظر في تلك المعايير التي وضعت للصناديق ، وبدأت خطوات في هذا المجال وهناك لقاءات مستمرة بين العلماء في هذا الأمر ، وربما يكون بإذن الله تعالى التغيير والتعديل في تلك المعايير مع بداية السنة القادمة بإذن الله تعالى ، يعني : بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر كحد أقصى بحيث تصبح جميع هذه المعايير موحدة في جميع الصناديق ، وتستبعد جميع الشركات المحرمة من الصناديق المجازة من هيئات شرعية ، وعلى هذا فالذي يريد أن يدخل في شيء من هذه الصناديق أنصحه بأن يتريث ، وينتظر حتى يتم تعديل المعايير التي تدار بها تلك الصناديق .
ننتقل إلى نقطة أخرى متعلقة بالأسهم كذلك وهي : " المحافظ الاستثمارية " .
وقلنا أن المحافظ الاستثمارية كالصناديق ، تجمع فيها الأموال وتستثمر في الأسهم أو في غيرها من الأدوات الاستثمارية إلا أن المحافظ تكون خاصة بشخص بعينه بخلاف الصناديق فإنها تكون لعملاء متعددين .
يأتي سؤال يَطْرَحَهُ كثير مِنْ الناس هل يجوز أَنْ أفتح محفظة استثمارية في بنك يتعامل بالربا ؟(3/4)
- نقول أَنَّ الأصل أَنَّ الإنسان يجب أَنْ يتوجه للبنوك الإسلامية دعمًا لها وتحفيزًا لنشاطها وتقوية لجانبها ولكن قد يجد الإنسان بعض المشقة أو بعض الضعف في أداء الخدمة لدى بعض البنوك الإسلامية مما يجعله محتاجًا أو يلجأ إلى البنوك الأخرى ليفتح فيها محافظ استثمارية ، أقول متى وجدت الحاجة أو وَجَدَ الإنسان أَنَّ فَتْح المحفظة في البنك الآخر أسهل من البنك الإسلامي فلا حرج عليه في هذا الأمر ولا يعتبر هذا من الإيداع في ذلك البنك لأن المحفظة كما قلنا مستقلة ومفصولة عن البنك وهي تحت نظر العميل بنفسه يديرها بنظره وبإشرافه مباشرة والأموال التي في المحفظة لا تدخل في المركز المالي للبنك وأما الرسوم التي يأخذها البنك مقابل عمليات التداول كالبيع والشراء من المعروف أن هناك رسوماً يتقاضاها البنك فهذه الرسوم جائزة شرعًا لأنها مقابل الخدمات التي قدمها البنك للعميل فالعميل في الحقيقة قد استأجر البنك لإتمام تلك العمليات واستئجار من يتعامل بالربا جائز شرعًا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود بالبيع والشراء والإجارة والاستئجار بل والمشاركة كما أَتَى في الصحيحين ?? أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ ?? .
وجاء عن علي - رضي الله عنه - كما في سنن النسائي و ابن ماجة أنه سقى ليهودي آَجَرَ نفَسَهُ لِيَهُودِيّ ??كُل دَلْو بِتَمْرَة فَكَانَ يَسْقِي لَهُ َوَيَسْتَخرِج الَْمَاءَ وَيَأْخُذ عَنْ كُلِّ دَلْوٌّ تَمْرَة?? .(3/5)
المسألة الأخيرة من مسائل الأسهم هي تمويل شراء الأسهم ، فمن المعلوم أن البنوك تقوم بتمويل المستثمرين في الأسهم بحيث يتمكنون من شراء أسهم بأكثر من المبالغ التي عندهم في محافظهم ، فمثلاً يكون عند الشخص في المحفظة أسهم تعادل مليون ريال فيأتي البنك ويعطيه أموالاً أو أسهمًا بقيمة مليون آخر فيصبح في محفظة هذا الشخص مليونان ريال يستطيع أن يستثمر بما قيمته مليونان .
فما حكم هذا التمويل الذي تعطيه البنوك للمساهمين ؟
- نقول أن هذا التمويل على نوعين :
النوع الأول : "التمويل بالقرض" وذلك بأن يقرض المصرف العميل مبلغاً من المال ليشتري به أسهماً فعنده مثلاً أسهماً بقيمة مليون ريال فيعطيه المصرف معها نقوداً مليون ريال أخرى ليضارب بها في الأسهم فهذا التمويل لا يجوز وهو محرم لأنه قرض من البنك للعميل بفائدة حيث أن العميل سيرد ذلك القرض الذي أخذه من البنك بفائدة بزيادة أربعة بالمائة (4%) أو خمسة بالمائة (5%) والسائد الآن في البنوك حوالي ثمانية بالمائة (8%) بالنسبة لتمويل شراء الأسهم فهذا لا يجوز .
أما النوع الثاني : من التمويل فهو "التمويل بالمرابحة" وذلك بان يشتري المصرف أسهمًا معينة بناءً على طلب العميل فيطلب العميل من البنك أن يشتري أسهماً بقيمة مليون ريال يحددها العميل فيشتريها المصرف وتدخل في محفظة الصرف ثم يبيعها على العميل بالأجل بزيادة بربح أو يشتريها مثلاً بقيمة مليون ريال ثم يبيعها بقيمة مليون وثمان مائة ألف ريال مثلاً على العميل مؤجلة في سنة واحدة فقط هنا التمويل بالمرابحة ومن المعلوم أيضاً أن المصرف يرهن المحفظة يكون جميع ما في المحفظة مرهوناً لدى المصرف كيف ؟(3/6)
- بمعنى أن العميل يتُاَحُ أن يبيع ويشتري بالأسهم لكن لا يستطيع أن يخرج هذه الأموال عن المحفظة لا تنقص عن حد معين يحدده البنك بحيث أنها إذا نقصت قيمة الأسهم التي في المحفظة عن حد معين فإن البنك يرسل إشعارًا للعميل يطلب منه أن يصفي التمويل الذي أعطاه إياه مباشرة يرد عليه المليون لأنه يخشى أن تنقص قيمة المحفظة عَنْ قيمة القرض الذي أعطاه إياه فيطلب مِنْهُ هذا الأمر أن ينفذه ، وإذا لم ينفذ العميل خلال فترة معينة بعد عدة إشعارات فإِنَّ البنك بنفسه يقوم ببيع الأسهم واسترداد قيمة القرض الذي أقرضه للعميل ويأخذ المليون الذي أعطاه إياه وهذا شرط من الشروط المتفق عليها بين البنك وبين العميل في التمويل بالمرابحة ، التمويل بالمرابحة حكمه هو جائز إذا توافرت شروطه وضوابطه الشرعية ومن أهم شروطه أنه يجب أن تدخل الأسهم التي يراد تمويلها أن تدخل في محفظة البنك قبل أن تنتقل إلى محفظة العميل فيكون البنك قد ملكها وقبضها قبل أن يبيعها وهذا يعد من المرابحة للوعد بالشراء الذي سنتحدث عنه بعد قليل إن شاء الله تعالى هذا ما يتعلق بالأسهم .
ننتقل بعد ذلك إلى نوع آخر من الأدوات الاستثمارية والخدمات الاستثمارية وهو السندات فقد كان حديثي فيما قبل عن الأسهم والآن نتحدث عن السندات ، والسؤال الآن من الناس عن السندات قليل لأن السندات ليس لها سوق إلى الآن ولكن أقول لكم وبكل أسف إنه أُعْلِنَ أنَّه سيفتح سوق للسندات خلال الفترة القادمة ولكن نرجو أن يُعدل الوضع وتحول إلى صكوك بدلاً من أن تكون سندات ولكن أنا متأكد من أن الناس بعد أن تطرح السندات سيكثر سؤالهم عنها ما حكم الدخول في السندات ؟ ما حكم شرائها ؟ ما حكم تداولها ؟ ما حكم الاكتتاب فيها ؟ السندات التي تطرح لأول مرة فهنا أبين أحكامها لأن الناس سيسألون عنها بعد فترة ليست بالبعيدة .
فما هي السندات ؟(3/7)
السند : هو قرض طويل الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبه أن تسدد قيمته بزيادة في تواريخ محددة ، هو عبارة عن قروض
الدافع لإصدار هذه السندات:
أن الشركة أثناء مزاولتها لنشاطها قد تحتاج إلى بعض الأموال فبدلاً من أن تطرح أسهماً جديدة للاكتتاب وتنقص بذلك حصص المساهمين بدلاً من ذلك تطرح سندات تقترض من الناس عن طريق إصدار السندات ، فعلى سبيل المثال لو أنَّ شركة من الشركات القائمة تحتاج إلى مبلغ مائة مليون ريال هي لن تطلب من المساهمين أن يكتتبوا مرة أخرى أو أن تطرح أسهماً جديدة لأنها ستنقص حصصهم بعد ذلك هي في الخيار بين أمرين إما أن تقترض من البنوك مباشرة وهنا قد يكون سعر الفائدة عالياً أو لا تستطيع أن تحصل على قروض طويلة الأجل ، والخيار الثاني أن تطرح سندات هي تحتاج إلى مائة مليون ريال الآن تطرح (مليون صك) يعني مليون وثيقة قيمة كل وثيقة مائة ريال . يأتي الشخص أو العميل مشتري السند يشتري هذا السند أو الوثيقة فيعطي الشركة مائة ريال هذا الذي يعطيه للشركة هو في الحقيقة قرض للشركة والشركة تعطيه هذا السند وتلتزم في هذا السند أن تسدد المبلغ الذي أعطاه إياها خلال مدة نفرض أنها ثلاث سنوات بزيادة بحيث أن من دفع المائة ريال يستردها بعد ثلاث سنوات مائة وعشرة أو مائة وتسعة كل سنة ثلاثة بالمائة (3%) فالواقع أنه أقرض الشركة مائة ريال واستعاد ذلك القرض بعد ثلاث سنوات مائة وتسعة فهو قرض بفائدة للشركة ومن هذا المثال التعريف السابق يتضح الفرق بين الأسهم والسندات .(3/8)
فالسندات : هي عبارة عن قروض من حامل السند أو قرض من حامل السند للشركة بينما الأسهم تمثل حصص ملكية في حقوق الشركة ، السند يعطي صاحبه حقاً في فائدة ثابتة ومضمونة يعني يعرف حامل السند أنه بعد ثلاث سنوات أو خلال هذه المدة سيسترد السند كاملاً مع فوائدة خلاف السهم فإنه معرض للربح والخسارة قد يساهم في شركة فتخسر تلك الشركة ولا يأتيه أرباح منها وقد يساهم فيها فتأتيه أرباح كثيرة السهم معرض للربح والخسارة بخلاف السندات فإن الفائدة فيها مضمونة ، ومن الفروق كذلك أنه عند تصفية الشركة يكون لكل صاحب سند الأولوية في الحصول على قيمة سنده لأنه دائن أما المساهم فإنه لا يأخذ شيئاً إلا بعد تصفية السندات وقضاء الديون التي على الشركة من الفرق كذلك أن السند لا يعطي صاحبه حقاً في الدخول في الجمعية العمومية للشركة أو بالتصويت أو بالاشتراك في إدارة أو غير ذلك مما يستحقه صاحب السهم لأن حامل السند هو في الحقيقة مقرض ودائن للشركة بخلاف المساهم فإن له حصة ملكية أو حقوق في الشركة.
من خلال العرض السابق يتبين لنا " الحكم الشرعي " للسندات :
السندات "محرمة" لأنها قروض بفوائد .
وهي من أي أنواع الربا الذي تكلمنا عنه البارحة ؟
هل هو ربا ديون أم ربا بيوع ؟ من الربا الديون من أي أنواع ربا الديون ؟.
ربا القروض ؛ لأنه قرض مشروط بفائدة فهذا من أشد أنواع الربا الذي هو ربا الديون فلا يجوز إصدار تلك السندات ولا شراؤها ولا بيعها ولا تداولها لأنها قروض بفوائد ولهذا صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي .
ونص القرار:
" إنَّ السَندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول ؛ لأنها قروض ربوية سواءً أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة تربط بالدولة " .(3/9)
لأنه أحياناً تكون السندات لا تطرحها شركة وإنما تطرحها الدولة - تطرحها خزينة الدولة – يعني : الدولة تحتاج إلى أموال وتمويل فتطرح سندات على الشركات أو على البنوك يشترونها فالحكم واحد سواء أكانت الجهة المصدرة للسند حكومة أو دولة أو كانت شركة مساهمة أو غيرها، وتكملة القرار قالوا ولا أثر لتسميتها يعني السندات ، شهادات ، أو صكوكاً استثمارية ، أو ادخارية يعني سواء سميت شهادات أو صكوك أو غير ذلك أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً كل ذلك لا أثر له .
ما هو البديل الشرعي للسندات ؟
البديل الشرعي للسندات هو ما يعرف الآن بصكوك الإجارة أو صكوك الانتفاع وهذه الصكوك تؤدي نفس أغراض السندات بل وأفضل من ذلك ومباحة شرعاً ، طبعاً الميزة التي في السندات التي تميزها عن الأسهم ما هي ؟
- ضمان رأس المال وضمان الربح يعني المخاطرة فيها قليلة فكثير من الشركات وكثير من الأفراد ما عنده استعداد أن يدخل في الأسهم لما فيها من المخاطرة فيقول إني أريد السندات لأن المخاطرة فيها شبه معدومة نقول البديل الشرعي هناك الصكوك التي فيها مخاطرة لا نقول إنها معدومة ولكنها شبه كمعدومة بإذن الله تعالى كيف ؟(3/10)
- الشركة التي تحتاج إلى مائة مليون ريال الآن بإمكانها بدلاً من أن تطرح سندات تنشئ صندوق للناس لهؤلاء الذين يريدون أن يدخلوا في السندات صندوق لحملة الصكوك بحيث أنه تطرح صكوك بقيمة مائة ريال قيمة الصك الواحد وعدد الصكوك مليون صك ولا تلتزم برد تلك الصكوك بفائدة فالآن عندنا مليون صك قيمتها مائة مليون ريال ما المشروع الذي تحتاجه الشركة لنفرض أنه تحتاج إلى محطة فتأتي جهة غير الشركة تنشئ بهذا المبلغ من الأموال المجمعة في الصندوق تنشئ محطة للشركة ثم تأتي الشركة وتستأجر تلك المحطة من حملة الصكوك فهي مستأجرة لتلك المحطة فالآن المحطة مملوكة لمن ؟ لحملة الصكوك والشركة التي تحتاج إلى المشروع استأجرته منهم وستدفع أجرة سنوية على استئجارها لذلك المشروع كل سنة مثلاً ستدفع عشرة بالمائة (10% ) أو ثمانية بالمائة (8% ) أو خمسة بالمائة (5%) من قيمة المشروع كأجرة سنوية في هذا الحال ضمن حملة الصكوك الأجرة التي ستدفعها تلك الشركة لهم فهم بدلاً من أن يأخذوا فائدة في قرض أصبحوا يأخذون أجرة من عقد إجارة ومن الممكن إذا أرادوا استرداد قيمة السندات أن يُجْعَل العقد إجارة منتهية التمليك بحيث أنه بعد فترة معينة إذا أرادت الشركة التي ترعى ذلك المشروع بإمكانها أن تشتري ذلك المشروع من حملة الصكوك بعد مدة يُتفق عليها في العقد وربما تسمعون أن هذه الصكوك طبقت في بعض دول الخليج وسيطرح بعضها إن شاء الله في السوق المحلية فهناك مثلاً شركة سابك أعلنت أنها ستطرح بدلاً من السندات صكوك ولله الحمد ، لتمويل بعض المشاريع التي ستنفذها في المستقبل هذا ما يتعلق بالسندات .
ننتقل إلى خدمة ثالثة من الخدمات الاستثمارية ، وهي :
" العملات المتاجرة بالعملات ، أو الشراء بالهامش ، أو ما يسمى الآن بـ (المارجن) وقد ظهر العديد من الشركات في السوق المحلية التي تتاجر بهذا النوع من التجارة الاتجار في المارجن في العملات .(3/11)
فلبيان الحكم الشرعي في الشراء بالهامش أو المارجن ،نبين حقيقته أولاً فإنًّ الحكم على الشيء فرع عن تصوره .
فما هو الشراء بالهامش ؟
الشراء بالهامش يعني : شراء العملات بسداد جزء من قيمتها نقداً بينما يسدد الباقي بقرض مع رهن العملة محل الصفقة ولإيضاح ذلك في هذه المعاملة يكون لها طرفان العميل والسمسار.
العميل – المستثمر- وسمسار يكون وسيطاً للعميل للدخول في سوق العملات فيأتي العميل فيفتح حساباً لدى السمسار الذي هو عبارة عن شركة وَسَاطة قد يكون هذا السمسار بنكاً وقد يكون شركة وساطة مؤسسة مالية مرتبطة في بنك آخر فيأتي العميل ويفتح حساباً لدى السمسار ويضع عنده جزءاً من المال كتأمين جزء بسيط أو يسير وذلك لتأمين العمليات أو الصفقات التي يجريها في العملات عن طريق هذا السمسار على سبيل المثال لنفرض أن عميلاً فتح حساباً لدى أحد السماسرة وضع فيه العميل تأميناً لدى السمسار بمقدار عشرة آلاف دولار وضعها عند السمسار هذا عبارة عن تأمين هذا لن يدخل في العمليات ولن يبيع ويشتري بهذا المبلغ هذا مجرد احتياطي لمجرد التأمين في المقابل إذا وضع العميل لدى السمسار هذا المبلغ عشرة آلاف دولار يقوم السمسار بتمكين العميل بأي يتاجر في سوق العملات بما قيمته مليون دولار العميل يضع عشرة آلاف دولار والسمسار ماذا يعمل ؟ يمكن العميل بأن يتاجر في سوق العملات بما قيمته مليون دولار بمعنى أنه يقرضه هذا المبلغ المليون دولار وذلك برصده في حسابه لديه أي لدى السمسار ليقوم العميل بالمضاربة بهذا المبلغ فوضع الآن السمسار لدى العميل كم ؟ مليون دولار والعميل يبيع ويشتري بالعملات فهو الآن الرصيد بالدولار رأى مثلاً أن الدولار ارتفع مقابل اليورو يبيع الدولار ويشتري اليورو إذا وجد أَنَّ اليورو ارتفع مقابل عملة أخرى يبيعه ويشتري عملة أخرى أو يشتري بها دولاراً وهكذا كلما رأى العملة التي عنده قد ارتفعت في السوق باعها ثم يشتريها بثمن(3/12)
أقل ثم يبيعها بثمن أعلى يبدأ يضارب بالعملات بالمليون الذي وضعه ماذا ؟ السمسار لديه .
نلحظ في المعاملة عدة أمور :
1 - أن السمسار سواء أكان بنكاً أم غيره أحياناً يكون السمسار بنك وأحياناً يكون وسيط مع بنك آخر لا يسلم العميل نقوداً ، فعلية لا يعطيه مبالغ حقيقية وإنما يقيد في رصيده مبلغاً من المال على سبيل الالتزام ؛ كأنه يتعهد له أمام الآخرين بأنه يستطيع أن يضارب بهذا المبلغ بل نقول إِنَّ السمسار لا يملك هذا المبلغ حقيقة المليون وإنما هو مجرد التزام ومجرد نقود قيدية ، وذلك لأن من خصائص البنوك القدرة على توليد النقود أو ما يسمونه في العرف المصرفي القدرة على خلق النقود ، والأولى أن نقول " توليد النقود " بمعنى أن البنك يستطيع أن ينشئ على نفسه التزامات أكثر من النقود التي عنده فلذلك لو جئنا مثلاً لبنك من البنوك المحلية في لحظة من اللحظات نظرنا إلى الشيكات المسحوبة على ذلك البنك في يوم ما قد نجد أن الشيكات المسحوبة على هذا البنك تعادل أربعة أضعاف النقد الذي لدى البنك حقيقة كيف ؟ لأن البنك يركبان الشخص الذي حرر شيكاً لصالح آخر ، لصالح مستفيد أن هذا المستفيد الجديد لن يأتي ويسحب هذه النقود وإنما ماذا سيعمل سيحولها إلى حسابه فلذلك لا يستطيع أن يلتزم بأموال أضعاف مما لديه لأنه يعرف أن هذه الالتزامات لن يدفعها حقيقة فكذلك السمسار يلتزم للعميل بمبلغ وإن لم يكن هذا المبلغ موجوداً عنده بالفعل .(3/13)
2 - أن العملة التي يشتريها العميل تكون مرهونة لدى السمسار لضمان سداد قيمة القرض بمعنى أن العميل يبيع ويشتري بتلك العملة لكن هذه العملة مرهونة لدى السمسار فإذا نقصت قيمة العملة التي اشتراها عن مقدار التمويل أو القرض الذي أعطاه السمسار للعميل فإن السمسار يشعر العميل أو يطلب منه أن يبيع تلك العملة ففي المثال السابق الذي ذكرناه قبل قليل الآن التأمين الذي وضعه العميل كم يعادل بالنسبة لمبلغ التمويل الذي قدمه السمسار هو أعطاه عشرة آلاف دولار والسمسار أعطاه مليون كم يعادل الآن ؟
واحد بالمائة (1%) لنفرض أن العميل اشترى بالمليون دولار هذه يورو لنفرض أنه أصبح عنده نصف مليون يورو ولنفرض أن اليورو بدأ يتناقص مقابل الدولار أصبح النصف مليون يورو بعد دقائق أصبح يساوي ثمان مائة وثمان وتسعين دولار هنا يرسل السمسار للعميل إشعاراً انتبه الآن بدأت قيمة اليورو تنقص مقابل الدولار عليك أن تصفي ماذا تعمل ؟ بع اليورو وارجع إلى الدولار حتى تسدد المليون الذي أعطيتك ، لنفرض أن العميل استمر ما باع حتى وصلت قيمة اليورو مقابل الدولار مثلاً تسع مائة وخمس وتسعين ألف يرسل إشعار آخر إذا اقترب مقدار النزول اليورو مقابل الدولار إلى عشرة ألاف ماذا يعمل السمسار ؟ يبيع مباشرة يبيع اليورو لنفرض أنه باعه بتسع مائه واثنين وتسعين ألف دولار ماذا يعمل ؟ يأخذ ثمانية من التأمين الذي وضعه العميل ثمانية مع تسع مائة اثنين وتسعين معناه أنه استرد المليون ويبقى للعميل ماذا ؟ ألفان يعني أن السمسار لا يمكن أن يخسر هو قد ضمن أن يسترد القرض الذي أعطاه للعميل فإذا كان هناك خسارة فإنها تكون على من ؟ على العميل لأن السمسار مباشرة إذا شعر أن العشرة ألاف بدأت تتآكل أو أنه ستزول مباشرة يبيع ويصفي بنفسه لأن هذا المبلغ مرهون لصالح السمسار العميل يبيع ويشتري لكنه(3/14)
يبقى مرهوناً لصالح السمسار من خلال العرض السابق يتبين الحكم الشرعي للمتاجرة بالعملات أو ما يعرف بالمارجن وأقول لكم إن هذه المعاملة انتشرت الآن بشكل مذهل وكبير عشرات الآلاف إن لم يكونوا أكثر يزاولون هذه المهنة الآن في الرياض وفي جدة وفي أبها وأظن الدمام أيضاً فيها بعض الوسطاء الذين يزاولون هذه التجارة بالعملات وحققوا أرباحاً خيالية منه والناس اندفعوا إليها اندفاعاً كبيراً ربما اندفاعهم الذي وقعوا فيه أكبر من اندفاعهم في الأسهم لأن الأرباح التي حققوها في هذه التجارة أكثر من الأرباح التي في الأسهم لكن آثارها وخطرها أعظم من الأسهم .
الحكم الشرعي في المتاجرة بالعملات :
الذي يظهر لي أنها محرمة ولا يجوز شراء العملات عن طريق ما يعرف بـ "المارجن" أو " الهامش" .
لاشتماله على عدد من المحاذير الشرعية ، أول هذه المحاذير:(3/15)
1 - أن العقد صوري وليس حقيقياً وذلك لأن الصفقات التي تعقد على المبالغ ليست حقيقية ؛ لأن السمسار في الحقيقية لا يملك ذلك المبلغ الذي وضعه للعميل ، وإنما هو مجرد رصيد وليس نقدًا حقيقيًا وهو مجرد التزام على السمسار، ولذلك لا يتمكن العميل من سحبه أو الانتفاع به في غير المضاربة في العملات ، والسبب في ذلك أَنَّ السمسار يلتزم بأكثر مِنْ المبلغ الحقيقي الذي عنده أَنَّ السِمْسَار يُدْرِك تماماً أَنْ لا أحد من العملاء الذين يتعاملون معه ، لا أحد منهم سيسحب ذلك المبلغ أو يريد العملة نفسها التي تاجر بها لأن جميع الذين يضاربون في العملات هم في الحقيقة لا يريدون العملة بل هم يريدون فقط المضاربة فقط الربح ولذلك لا يتصور أن أحداً منهم مثلاً إذا ربح في اليورو أن يأتي ويسحب اليورو هذا في نفس اليوم لا هو يريد فقط المضاربة ما بين اليورو و الدولار فلذلك يلتزم السمسار بمبالغ أكثر مما عنده فلو أنه مثلاً أن هذا السمسار عنده مليار دولار يستطيع أن يتعامل مع ألف شخص هذا السمسار ويعطي كل واحد منهم عشرة ملايين دولار فهنا كم تصبح الالتزامات التي عليه ؟ عشرة مليار وهو فقط عنده مليار لأنه يعرف أن هؤلاء لن يأتوا ويسحبوا تلك الأموال فهو يدرك تماماً أن جميع من يتعامل معه إنما يريدون المصافقة والمضاربة في العملات ولذلك أستطيع أن أقول إن حقيقة العقد أن السمسار أقرض العميل ما لا يملك والعميل باع ما ليس عنده فهي مضاربة على أشياء ليست حقيقية .(3/16)
2- عدم تحقق التقابض الواجب شرعاً في مبادلة العملات لأننا نعرف الآن مبادلة اليورو بالدولار هذه مبادلة مال ربوي بمال ربوي متفق معه في العلة ماذا يشترط فيه بناءاً على القاعدة السابقة يشترط ماذا؟ إذا اختلفا في الجنس واتحدا في العلة يشترط التقابض يداً بيد كما قال عليه الصلاة والسلام : بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم إذا كان يداً بيد . وهنا لا يتحقق التقابض لماذا ؟ لأن الذي يجري في سوق العملات إنما هو مجرد قيود محاسبية ، والقيود المحاسبية إنما يتحقق بها التقابض إذا كانت تنتهي إلى شيئ يسمى التسوية أما هنا فالقيود هنا لا تنتهي إلى تسوية ، فالتسوية في الأسواق المالية تحتاج إلى يومين عمل فالقيد يتم في يوم ولا تتم التسوية إلا بعد يومين فتسليم النقود الفعلي إنما يكون بعد يومين عمل فلذلك نقول إنه لا يتحقق التقابض في القيود المحاسبية إلا إذا كانت تنتهي إلى تسوية .
هنا في الشراء بالمارجن ليس هناك تسوية لماذا ؟ لأن العميل يشتري العملة الآن ثم بعد ثلاث ثواني أو أربع ثواني يبيع تلك العملة فهو لا ينتظر يومين عمل فلذلك نقول إنه لم يتحقق التقابض الواجب شرعاً .
أنه قرض جرَّ منفعة قرض من السمسار إلى العميل وهذا القرض جرَّ منفعة للسمسار ووجه ذلك أن المبلغ المقدم من السمسار يكيف شرعاً على أنه قرض والسمسار يستفيد من القرض فائدة مشروطة من جهتين وهنا قد يستغرب البعض ويقول :
ما الفائدة للسِمْسَار الآن مِنْ هذه العملية ؟
نقول هو يستفيد فائدتين من هذا القرض :(3/17)
الأولى: وهي الأهم بالنسبة له أنه يشترط على العميل الذي يقرضه أن يكون شراء العملات وبيعها عن طريقه ليستفيد السمسار من عمولات البيع والشراء فهناك عمولة يأخذها عن كل عملية يجريها السمسار فهذه هي فائدة السمسار فجمع العقد هنا سلف وهو القرض الذي أعطاه السمسار العميل ، وبيعاً وهو أجرة السمسرة التي يأخذها السمسار ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - : ?? لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ ?? .
والفائدة الثانية : أَنَّ السمسار يبيع العملة على العميل بسعر ويشتريها منه بسعر أقل فهو يستفيد من فروق الأسعار فهنا أقرضه وانتفع منه فهو قرض جرَّ منفعة.
إن هذا النوع من المعاملات يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية إذ إن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية حماية الأثمان من أن تتخذ سلعاً معدة للربح فالثمن والنقود ينبغي أن يحمى ويحفظ وهذه قاعدة مهمة في الشريعة في البيوع أن تحفظ الأثمان ولذلك نُهي عن ربا الفضل لأن ربا الفضل فيه المضاربة على النقود الذهب بالذهب لابد أن تكون المصارفة مثلاً بمثل ويداً بيد وكذلك الريال بالريال لابد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد ، الذي يجري هنا أنهم اتخذوا الأثمان نفسها النقود سلعاً يستربح منها مثل ما يستربح في السلع فاضطربت بذلك الأسواق وأصبحت مجتمعات ودول ينهدم إقتصاداها بسبب المضاربات التي تكون على العملات ، وهذا الضرر في الحقيقة يطول بأثره البلدان الإسلامية حيث تضرر بسبب هذه المضاربات ، وتلاحظون أحياناً تكون مضاربة على العملة العراقية مثلاً الدينار فيتضرر أهل العراق في ذلك قد تكون مضاربة على عملة آسيوية لبلدان إسلامية فيتضررون بذلك قد تكون مضاربة على الدولار فتضرر الدول الإسلامية المرتبطة بالدولار فهنا ضرر وقع على عموم المسلمين .(3/18)
أنه قرض بفائدة ؛ لأن السمسار أقرض العميل ويشترط على العميل وهو شرط معروف في عمليات المارجن أنه إذا باتت النقود التي أقرضه إياها لأكثر من ليلة ولو يرد العميل القرض أي لم يغلق الصفقة فإنه يأخذ عليه فائدة مقابل المبالغ المبيتة يعني المليون الذي أعطاه للعميل إذا لم يرده العميل في نفس اليوم للسمسار فإن السمسار سيأخذ على هذا المبلغ فوائد مقابل التبييت ، هناك بعض الشركات يسمونها شركات إسلامية يقولون إن هذه الفوائد غير موجودة أو أن هذا الشرط غير موجود لكن في الحقيقة أن هذه الشركات وإن لم يكن هذا المحظور موجوداً فيها إلا أنه تبقى المحاذير ... الأخرى الأربعة التي أشرنا إليها قبل قليل وأيضاً هذا المحظور وإن لم يكن موجوداً بين العميل والسمسار إلا أنه موجود بين السمسار والبنك الذي سيقرض السمسار مثل هذا الشرط ولا يجوز للمسلم أن يدخل في عقد فه مثل هذا الشرط ولو كان سيلتزم بأنه سيرد القرض في نفس اليوم لأن مجرد الدخول في عقد فيه هذا الشرط محرم ، هذا ما يتعلق بالشراء بالمارجن وبه نكون قد أنهينا الحديث عن المجموعة الأولى من الخدمات المصرفية وهي مجموعة الخدمات الاستثمارية
ننتقل إلى مجموعة أخرى من الخدمات المصرفية وهي :" مجموعة الخدمات الائتمانية " .(3/19)
ويقصد بـ " الائتمان" في العرف المصرفي : مبادلة مال حاضر بمال مؤجل يعني مبادلة يكون فيها تأجيل يعني يكون فيها نوع من المُدَاينة وسمي بذلك لأن الطرفين كل واحد منهما يأتمن الآخر أي يثق به ، والائتمان يعتبر من أهم الأعمال المصرفية ولذلك يكون في كل بنك إدارة معروفة بإدارة الائتمان هذه الإدارة متخصصة في دراسة المشاريع أو المنتجات التي يراد منها التمويل أو القروض أو الديون الآجلة وإذا أراد العميل أن يحصل على شيء من الخدمات الائتمانية لابد أن يدرس ائتمانيًا يعني يتأكد من قدرته على السداد لأن هاهنا في تمويل ، والسداد سيكون بعد مدة ففيه نوع من المخاطرة على البنك ولذلك البنوك السعودية أنشأت فيما بينها شركة تسمى(سِمَة) هذه الشركة متخصصة بدراسة العملاء الذين يريدون الخدمة الائتمانية من البنك فيرسل البنك إلى تلك الشركة بيانات العميل ورقم بطاقة الأحوال وهويته والمعلومات ثم ترسل الشركة تقريراً عن وضعه الائتماني والمالي وهل على العميل قروض لبنك آخر ؟ وهل هذا العميل يلتزم بالسداد أم أن هذا العميل ... مماطل ؟ هل عليه مشاكل ائتمانية أم لا ؟ فتعطيه تقريراً ؟ وهذه تسمى دراسة ائتمانية لذلك فإن البنوك أنشأت هذه الشبكة فيما بينها حتى تتابع العملاء الذين يريدون خدمات ائتمانية .
وتشمل الخدمات الائتمانية عدداً من الأعمال المصرفية نشير إلى أهمها :(3/20)
1- أول هذه الخدمات الائتمانية القرض بفائدة وهذا هو التمويل المعتاد في المصارف أو البنوك التقليدية التي تتعامل بالفائدة حيث يكون القرض بفائدة للأفراد والشركات و الهيئات الحكومية . والقروض التي تكون بفوائد إما أن تكون قصيرة الأجل تستحق في سنة أو أقل أو تكون متوسطة الأجل تتراوح ما بين سنة إلى خمس سنوات أو تكون طويلة تستحق في مدة تزيد عن الخمس سنوات . فيقدم البنك مبلغاً من المال للعميل إذا كان قرضاً أو شركة أو هيئة حكومية ثم يسترد هذا المبلغ بعد سنة أو سنتين أو ثلاث أو خمس أو عشر يسترده بزيادة فهو قرض بفائدة ما حكم هذا ؟ هذا ربا صريح وهو من ربا القروض المجمع على تحريمها ولا فرق في هذه القروض بين أن تكون قروضاً استثمارية تدفع لشركات أو أن تكون قروضاً استهلاكية تدفع للأفراد كلها محرمة .
والبعض يورد شبهتين حول هذه القروض في تبريرها وإباحتها:
الشبهة الأولى : البعض يقول إن تحريم القروض البنكية ليس أمرًا مجمعًا عليه بل هو من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف لماذا ؟
قالوا : لأن العلماء غير متفقين على أن الأوراق النقدية المعاصرة من الأموال الربوية فعلى هذا ليست في المسألة إجماع كأنهم يقولون إن الحديث حديث عبادة - رضي الله عنه - الذي أشرنا إليه بالأمس ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كم صنف ؟ ستة أصناف منها الذهب والفضة وقلنا أن الأوراق النقدية المعاصرة تلحق بالذهب والفضة بجامع الثمنية لكل منها البعض يقول : لا هذا محل خلاف العلماء ،غير متفقين على إلحاق الأوراق النقدية بالذهب والفضة وهناك البعض يقول إن العلة هي الوزنية ، والبعض يقول إن العلة هي الثمنية المطلقة إلى غير ذلك من الخلاف الذي لم نشر إليه ؛ لأن وفت الدورة لم يتسع لذلك . فعلى هذا فإن أصحاب الشبهة يقولون : مادامت أَنَّ المسألة خلافية لماذا تُحَجِرون واسعًا ؟ إذن الخلاف يسع في هذه المسألة .(3/21)
فنقول : إن الربا الذي تقدمه البنوك من الأمور المختلف فيها ليس من الأمور المجمع عليها للاختلاف في هذه القضية .
لكن نقول جوابًا عن هذه الشبهة :
نقول : إن الخلاف بين العلماء الذي أشرنا إليه في العلة الربوية إنما هو في ربا البيوع اختلفوا في ربا البيوع أما ربا الديون فلا خلاف بين أهل العلم على أن ربا الديون يجري في كل الأموال بل استثناء لا يقتصر ذلك على الأصناف الستة بل على كل الأموال حتى ولو كانت تراباً حتى لو كانت معادن حتى لو كانت أثاثاً كل شيء يدخل في ربا الديون فإنه يدخل فيه الربا في جميع الأموال بلا استثناء وهذا محل إجماع بين أهل العلم بما فيهم الظاهرية الذين يأخذون حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويقصرونه على الأصناف الستة فهم يقولون أن هذا في ربا البيوع أما ربا الديون فهو في كل الأموال بلا استثناء والربا الذي في البنوك من ربا الديون أم من ربا البيوع ؟
-من ربا الديون . وعلى هذا نقول إن المسألة مجمع عليها بين أهل العلم بدليل أن ربا الديون الذي جاء القرآن بتحريمه إنما كان في الإبل كان الرجل يبيع على الرجل البعير في سن معينة فإذا حل الأجل ولم يتمكن المدين من السداد قال : له الدائن زدني في السن و أزيدك في الأجل يعني بدلاً من أن ترد لي بعيراً لها سنتان رد علي بعيراً لها ثلاث سنوات ، وهذا الذي نزل القرآن بتحريمه ومعلوم أن الإبل ليست أصلاً من الأموال الربوية التي يجري فيها ربا البيوع مما يدل على أن ربا الديون يجري ي في كل الأموال .(3/22)
والشبهة الثانية : التي يذكرها البعض يقولون : إن الفائدة في الحقيقة تعد تعويضاً للمقرض عن التضخم وهو الهبوط في القوة الشرائية للعملة فمثلاً السلعة التي كانت تشترى في هذه السنة بألف قد تشترى في السنة القادمة بألف ومائتي ريال هنا يقال إن الريال قد حصل فيه تضخم فيقولون إن الفائدة في الحقيقة هي تعويض للدائن عن هذا التضخم فالألف في هذه السنة تعادل ألف ومائتين ريال في السنة القادمة فالواجب على المدين المقترض ألا يردها ألفاً بل يردها ألفاً ومائتين مراعاة للتضخم الذي يكون في العملة .
والرد على هذه الشبهة أن يقال :(3/23)
أولاً : إن الفائدة في الحقيقة هي السبب الرئيس للتضخم بل هي وقود التضخم لأن البنوك عندما تقرض شركات الإنتاج بفائدة شركات الإنتاج ماذا تعمل عندما تبيع منتجاتها ؟ ترفع أسعارها مقابل ارتفاع سعر الفائدة لأن الفائدة التي ستدفعها تعتبر من المصروفات التي عليها فيعود أثرها على المجتمع فالفائدة في الحقيقة هي السبب الرئيس في ارتفاع الأسعار فهي وقود التضخم أيضاً نقول لو بقيت هذه النقود في يد المقرض ولم يقرضها لم يعطها المدين هل سيطولها التضخم أم لا ؟ سيطولها قطعاً التضخم إذن التضخم الذي وقع في المجتمع ليس سببه الاقتراض وليس سببه ذلك المدين وإنما أمر عام لم يتسبب فيه ذلك الشخص بعينه وأيضاً نقول الجواب الأخير لهذه الشبهة أن يقال: لو حصل عكس التضخم وهو الانكماش لو أن العملة ارتفعت قيمتها وقوتها كما حصل في الدينار الكويتي بعد حرب الخليج الثانية كان في تضخم ضعيف ثم بدأ ماذا يحصل فيه ؟ ارتفاع في قوته الشرائية ولو حصل العكس هل نقول : إن المقترض ليس عليه أن يرد إلا قيمة ذلك القرض الذي اقترضه أو يرد القرض بمثله ؟ المفترض أن يرده بمثله فلا يرده بأنقص منه مراعاة للانكماش الذي حصل فإذا كنا نقول إنه لا يراعى المقترض عند الانكماش فكذلك لا يراعى المقترض عند التضخم هذا ما يتعلق بالخدمة الأولى من الخدمات البنكية وهو قرض بفائدة .
ننتقل إلى النوع الثاني من الخدمات الائتمانية وهو بيع التقسيط .
وهو من عقود التمويل في المصارف الإسلامية إذا كان القرض بالفائدة هو عصب التمويل في المصارف التقليدية فإن بيع التقسيط هو عصب التمويل في المصارف الإسلامية ، و يعرَّف بيع التقسيط على أنه بيع سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها الحال يدفع مفرَّقاً على أجزاء معلومة في أوقات معلومة .(3/24)
مثال ذلك : نفرض أن سيارة ثمنها أربعون ألف ريال اشتراها أحد الأشخاص بخمسين ألف ريال يدفعها مقسطة كل شهر ألف ريال . هنا نقول إن الشراء كان عن طريق التقسيط وهنا نلحظ أن الباعة عادة يضعون سعرين سعر للنقد وسعر للتقسيط يقول هذه السيارة إن اشتريتها نقداً فهي بخمسين ألف ريال وإن اشتريتها بالتقسيط على سنتين فهي بستين ألف ريال وإن اشتريتها بالتقسيط في أربعة سنوات فهي بسبعين ألف ريال وإن اشتريتها بالتقسيط في ست سنوات فهي بثمانين ألف ريال. هذا يسمى بيع التقسيط .
ما حكمه ؟
- الأصل فيه الجواز لقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ } [البقرة: 282] .
فبيع التقسيط هو في الحقيقة من بيوع المداينات فهو بيع آجل ويختلف عن سائر بيوع الأجل بأمرين : الأمر الأول أن الثمن يسدد مقسطاً لا يسدد مرة واحدة بعد أجل وإنما يسدد مقسطاً وهذا جائز تقسيط الثمن جائز ويدل عليه قصة بريرة رضي الله عنها لما كاتبت أهلها على أن تشتريها منهم على تسع أواق في كل عام أوقية والحديث في الصحيحين وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المبايعة . الأمر الثاني أن الثمن في بيع التقسيط يزيد بسبب زيادة الأجل فهو يقول في سنتين بستين وفي أربع بسبعين وفي ست بثمانين هذه الزيادة في الثمن مقابل الأجل هل لها أصل في الشرع ؟
نقول نعم لها أصل في الشرع فقد جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ??أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ البعير بالبعيرين والثلاثة من إبل الصدقة ?? .(3/25)
بمعنى أنه لما أراد أن يجهز الجيش وليس عنده إبل بدأ يشتري البعير الواحد من أصحابه ويقول أرده إليك بعد أجل بعيرين، فالأصل أن ثمن البعير الواحد بعير واحد ، لكنه اشترى البعير الواحد ببعيرين الزيادة هنا مقابل ماذا ؟ التأجيل . والنبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك . فزيادة الثمن مقابل الأجل جائزة.
إذن ما الفرق بين التمويل المشروع والتمويل الممنوع الربوي ؟ لماذا نقول أن الربا الآن محرم وهنا زيادة مقابل الأجل ؟ ما الفرق بين القرض بفائدة وبين بيع التقسيط ؟
نعم في القروض يقرضه نقوداً ويستردها نقوداً مبادلة النقد بالنقد ماذا يشترط فيه ؟ أن يكون يداً بيد .
لكن هنا يبيع عليه السلعة ويستردها ماذا ؟ نقوداً هذا هو الفرق بينهما من حيث الحكم الشرعي لكن من حيث الحكمة لماذا هذا حرِّم وهذا أُبيح ؟نقول إن الحكمة من ذلك أن هذا يحد من التضخم ويحد من زيادة الأموال دون إنتاج ففي التمويل المشروع حتى ينتفع التاجر ويربح ليس له أن يقرض النقود ويأخذ نقوداً فالنقود لا تولد النقود في الشرع لابد إن أراد أن يربح بالنقود التي عنده إذا كان عنده خمسين ألف نقول بدلاً من أن تقرضها وتستردها خمسة وخمسين ألفاً قلبها في السوق حول الخمسين ألفاً إلى سلعة حتى تنتفع أنت وينتفع أهل البلد فإذا حولتها إلى سلعة بعها بالنقود هنا تقلبت النقود إلى سلع ثم من سلع إلى نقود فحصل تقليب في النقود وتدوير للمال في المجتمع هذا حقيقي لو روعي في النظام المصرفي القائم ، وبنيت عمليات التمويل على هذا النمط ، وعلى هذا القياس ، وعلى هذا المنهج لكان في هذا حداً من التضخم الذي تعاني منه المجتمعات اليوم لماذا ؟
لأن أي تمويل يكون بهذه الطريقة يكون مرتبطاً بإنتاج وبسلع وبهذا يقلل التضخم الذي يكون في المجتمعات .
يشترط في صحة بيع التقسيط ثلاثة شروط :(3/26)
الشرط الأول : أن يكون البائع مالكاً للسلعة وقت العقد فلا يجوز أن يبيع سلعة وهو لا يملكها لحديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - الذي أشرنا إليه بالأمس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ?? لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ?? .
الشرط الثاني : كذلك أن يكون المبيع أو السلعة مقبوضة للبائع عند العقد فلا يجوز أن يبيع سلعة قد اشتراها ولكنه لم يقبضها لابد أن يكون مالكاً لها وقد قبضها لحديث حكيم بن حزام أيضاً ?? ابْنَ أَخْي فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ ?? .
الشرط الثالث : أن لا يشترط البائع على المشتري زيادة في الثمن إذا تأخر عن أداء ما عليه في الوقت المحدد يعني إذا باعه بثمن ستين ألف أو سبعين ألف لا يجوز أن يشتمل العقد على اشتراط غرامة التأخير لأنه إذا تأخر عن السداد فإنه سيدفع زيادة لأن غرامة التأخير من ربا الديون الزيادة في الدين عند حلوله .
فإذا تحققت هذه الشروط الثلاثة فإن بيع التقسيط يكون جائزاً.
الأصل في بيع التقسيط أن السلعة تكون موجودة أصلاً عند البائع التي يريدها المشتري لكن ما الحكم لو لم تكن السلعة عند طلب العميل لها موجودة لدى البائع ؟
هذا يسمى في العرف المصرفي بيع المرابحة للواعد بالشراء وهو الخدمة الثالثة من الخدمات الائتمانية .(3/27)
يعرَّف بيع المرابحة للواعد بالشراء بأنه : شراء سلعة نقداً بناءاً على طلب شخص ثم بيعها بالأجل بربح معلوم لذلك الشخص مثاله : لنفرض أن شخصاً يرغب في شراء سيارة ثمنها خمسون ألف ريال فجاء إلى البنك وطلب منهم أن يشتروا له السيارة نقداً بخمسين ألف على أنه سيشتريها منهم بالأجل في سنتين بستين ألف ريال . السيارة أصلاً لم تكن مملوكة لدى البنك لكن طلب منهم العميل أن يشتروها هم ثم سيشتريها هو منهم بعد أن يتملكوها ... بسعر أعلى وبالأجل هذا يسمى بيع المرابحة للواعد بالشراء . الواعد هو العميل هو وعدهم بأن يشتري منهم بعد أن يتملكوها ، هذه المعاملة ظهرت قبل عدة سنوات قبل تقريباً عشرين سنة في البنوك الإسلامية وعُقد لها ندوات وحلقات نقاش واستقر الأمر على جوازها ظهر فيها خلاف في أول الأمر لكن الذي صدرت به قرارات المجامع الفقهية وهيئات الفتوى والاجتهاد الجماعي هو جواز هذه المعاملة إذا توافرت شروطها التي سنذكرها وممن أفتى بجوازها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه ، واللجنة الدائمة بالمملكة ، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي وكل الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية أفتوا بجواز بيع المرابحة للواعد بالشراء .
ما الفرق بين بيع المرابحة للواعد بالشراء وبيع التقسيط ؟ هل بينهما علاقة ؟(3/28)
بيع المرابحة للوعد بالشراء هي ليست مملوكة له ابتداءً وهو نوع من أنواع البيع بالتقسيط لأنه في بيع المرابحة سيشتري السلعة ثم سيبيعها بالتقسيط لكن في بيع التقسيط الأصل أن السلعة مملوكة ابتداءً عند البائع لكن في بيع المرابحة للواعد بالشراء في الأصل أن السلعة ليست عند البائع وإنما اشتراها بناءً على طلب العميل قد تكون السلعة التي طلبها العميل معينة كأن يقول اشتري تلك الدار أو تلك الأرض بمائة ألف مثلاً وسأشتريها منك بالأجل بمائة وعشرين ألفاً ، وقد تكون السلعة موصوفة كأن يقول اشتر لي سيارة مواصفاتها كذا وكذا ، أو اشتر لي أسهماً في الشركة الفلانية ألف سهم مثلاً أو اشتر لي معادن أو اشتر لي أرز بالمواصفات الفلانية ثم يشتريها منه بالأجل فقد تكون السلعة معينة وقد تكون موصوفة .
الحكم الشرعي للمرابحة للواعد بالشراء .
قلنا : إنها جائزة إذا توافرت شروطها وهي الشروط الثلاثة السابقة في بيع التقسيط لأنه نوع من بيع التقسيط .
فلابد من : أن يتملك البائع السلعة قبل أن يبيعها على العميل هو يشتريها أولاً ثم يبيعها حتى لا يدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع مالا يملك .
والشرط الثاني :لابد أن يقبضها لا يكفي مجرد التملك لابد من القبض أن تسجل باسمه إذا كانت مما يسجل بالاسم كالسيارات أو يحوزها إلى مستودعاته إذا كانت السيارة مثلاً يمكن أن تحاز في المستودعات ونحو ذلك ، فلابد من القبض ، والقبض يختلف باختلاف العرف فقبض الأسهم كما قلنا لابد أن تدخل في المحفظة ، وقبض السيارات لابد أن يكون واحد من أمور ثلاثة ( إما بتسجيل الرخصة ، أو بنقلها إلى مستودعات المشتري أو ورقة مبايعة تثبت التملك التي عين السيارة نفسها )
قبض السلع البحرية ونحوها يكون بتسلم بوالص الشحن الأصلية فإذا تسلمها فقد قبضها فإذا قبضها فله أن يبيعها .
والشرط الثالث : أن لا يشترط البائع على المشترى غرامة عن التأخير .(3/29)
هذه الشرط الثلاثة لابد من توافرها في بيع المرابحة للآمر بالشراء ويضاف إليها شرط رابع وهو مهم وهو أن لا يكون الوعد السابق ملزماً لأي منهما ، فإذا وعد العميل البنك بأن يشتري منه ثم اشترى البنك السيارة أو السلعة فلا يحق للبنك أن يلزم العميل بتنفيذ وعده السابق فإذا أراد أن يعدل عن الشراء فله ذلك يبقى له الخيار فيه لأن الإلزام بالشراء أو بالبيع ينافي الرضا في العقد لأن العميل سيصبح مجبراً على الدخول في العقد وقد ذكرنا أن من شروط صحة البيوع شرط الرضا ، ولأننا إذا قلنا إن هذا الوعد ملزماً مع أن البنك إلى الآن لم يملك السلعة فكأن البنك أو البائع قد باع السلعة وهو لم يملكها فيجب أن يكون هذا الوعد السابق خيارياً ليس فيه إلزام .
ما الذي يجري الآن في البنوك ؟ هل تُلزم بالوعد أم لا تُلزم ؟(3/30)
-حسب ما أعلم أن جميع البنوك تُلزم بالوعد السابق عدا شركة الراجحي فقد أخذت الهيئة الشرعية لشركة الراجحي وتبنت القول بالمنع وكذلك الهيئة الشرعية لبنك البلاد ، أما الهيئات الشرعية للبنوك الأخرى فقد أخذت بجواز الإلزام بالوعد فيلزمون العميل بتنفيذ وعده ، والمسألة خلافية بين هيئات الفتوى المعاصرة أكثر العلماء المعاصرين والمجامع الفقهية وهيئات الفتوى على تحريم الإلزام بالوعد وبعض هيئات الفتوى أخذت بجواز الإلزام بالوعد ومنها أكثر الهيئات الشرعية في البنوك المحلية عدا شركة الراجحي وبنك البلاد . البنوك غير هذين البنكين أخذوا بالإلزام بالوعد ، ولذلك تجد في عقود المرابحة بنود تنص على هذا الأمر على أن العميل ملزم بالوفاء بوعده أو أن يدفع عربون أو يدفع تعويض للبنك إذا لم يوف بوعده وبناءاً على ما تقدم يتبين لنا أن هناك بعض التصرفات ... والممارسات الخاطئة التي تحصل عند تنفيذ هذا العقد بيع المرابحة للواعد بالشراء أن بعض المصارف تأخذ من العميل عربوناً في البداية عندما يطلب منه شراء السلعة للتأكد من التزامه بتنفيذ وعده فإذا اشترى المصرف السلعة ثم عجز العميل عن الشراء منه لم يرد إليه ذلك العربون . ما حكمه هنا ؟
ما حكم أخذ العربون في البداية ؟
إذا كان لم يرده إليه و إذا لم يلتزم بوعده فنقول عن أخذ العربون في هذه الحالة لا يجوز لماذا ؟ لأنه يؤدي إلى إلزام العميل بالدخول في العقد وهو كاره وهذا من أكل المال بالباطل من التصرفات الخاطئة أيضاً أن بعض المصارف توكل العميل بالشراء الأول والقبض كيف ؟(3/31)
قد يرغب العميل مثلاً في شراء سيارة ثمنها ثمانون ألف ريال فيعطيه المصرف شيكاً بهذا المبلغ يقول خذ هذا الشيك بثمانين ألف ريال ويوكله بشراء السيارة من المعرض وبتسلمها بنفسه هنا في الحقيقة هل تملك البنك ؟ أو قبض قبل أن يبيع ؟ هذا في الحقيقة تمويل ربوي لأن البنك الآن أعطاه ثمانين ألف ريال ليردها العميل بعد مدة مائة ألف أو تسعين ألف فهنا لابد أن يتسلمها البنك بنفسه وتسجل باسم البنك أو يذهب مندوب البنك فإذا قبضها باعها على العميل وإلا كان تمويلاً ربوياً
من الممارسات الخاطئة أن بعض المصارف تبيع السلع قبل أن تقبضها القبض المعتبر شرعاً يعني هي تتملك السلعة لكنها لا تقبضها كما يحصل كثيراً في تمويل الأسهم حيث يطلب العميل من البنك أن يشتروا له أسهماً ليشتريها منهم فيقوم بنقل تلك الأسهم مباشرة من شبكة التداول إلى محفظة العميل دون أن تدخل إلى محفظة البنك وهذا من التمويل المحرم والعلماء الذين قالوا بجواز بيع المرابحة للوعد بالشراء ألزموا بهذه الشروط التي ذكرناها ( التملك ، القبض ، عدم الإلزام بالوعد) .
فأي مصرف يتعامل بهذه المعاملة ولا يلتزم بهذه الشروط فإن هذه المعاملة تكون في حقه ربوية في الحقيقة لأنها قرض بفائدة .
لعلنا نقف عند هذه المسألة ونجيب على بعض الأسئلة ونستكمل بمشيئة الله تعالى بعض الخدمات المصرفية بقي علينا من تلك الأعمال :
( التورق المصرفي ،سنتحدث عنه إن شاء الله بعد الصلاة وكذلك سنتحدث عن البطاقات الائتمانية كالفيزا ، والماستر كارد ، وغيرها من البطاقات وإن بقي في الوقت متسع نتحدث أيضاً عن الإجارة المنتهية بالتمليك وإلا أرجأنها إلى درس الغد إن شاء الله تعالى .
عارض الأسئلة :
شكر الله لكم فضيلة الشيخ ونبقى بعض الوقت مع الأسئلة ، وقبل ذلك الكثير ممن يسأل عن موقع الشيخ : www.shubily.com(3/32)
وذكرنا طريقة ميسرة البارحة لكثير من الأخوة للوصول إلى هذا الموقع والذي سيجدون فيه الكثير من التساؤلات كالشركات المختلطة والشركات المباحة وغير ذلك .
نبدأ بسؤال من المغرب يقول السائل من أراد شراء سيارة بعينها من الوكالة ثم تعطيه ملفاً يذهب به إلى البنك وكل البنوك ربوية فيأخذ موافقة على أن يشتروها ويبيعوها عليه لكن بعقد إيجار فلما تنتهي المدة المحددة يعدل العقد إلى عقد تمليك على أن يعطى نسبة (1%) من ثمن السيارة الأصلي وهناك شرط في العقد أنه إذا تخلف أربعة أشهر تسحب منه السيارة بالكلية أفتونا مأجورين ؟
الشيخ :
هذه المعاملة لا تجوز لأن البنك في الحقيقة موَّل العميل بهذا العقد عن طريق الإجارة المنتهي بالتمليك وهو لم يتملكها البنك لم تكن مملوكة للبنك قبل هذا التمويل ، لابد أن يتملكها البنك أولاً ثم يؤجرها على العميل إجارة منتهية بالتمليك .
عارض الأسئلة :
وهذا سائل يقول ذكرت يا شيخ في كلامك عن الصكوك أن مُلَّاك الصكوك يستطيعون التعامل بالإيجار المنتهي بالتمليك مع أي شركة فما هو الحكم في ذلك ؟
الشيخ :
في الحقيقة صورة الصكوك أن الشركة التي تريد التمويل هي التي تستأجر منهم المشروع أو المبنى ايجارة منتهية بالتمليك لكن الذي يدير هذه العملية عملية التمويل شركة أخرى غير الشركة التي طرحت الصكوك فهو ينشئ صندوق مستقل عن الشركة ... الأم تديره جهة أخرى أو مكتب خارج عن تلك الشركة وهو الذي يقوم بعملية التأجير واستيفاء الأجرة من الشركة الأم ودفعها للمستثمرين ... أو حملة الصكوك .
عارض الأسئلة :
و أيضاً سؤال مشابه بالنسبة للصكوك وشراء هذه الصكوك من شركات المختلطة ؟
الشيخ :
نعم يجوز شرائها من الشركات المختلطة ولا تُعد هذه مشاركة لهم لأن الصكوك هي في الحقيقة تأجير تلك المباني أو تلك المشاريع ... للشركة فإذا كان أصل نشاط الشركة مباحاً فلا حرج في أن يؤجرها شيئا من الأراضي أو العقارات أو المباني .(3/33)
عارض الأسئلة :
سائل يقول هل السمسار في مسألة العملات عقده صوري ؟
الشيخ :
هو في الحقيقة العقد الذي بينه وبين العميل وبين المعاملة صوري لأن السمسار لا يضع مبلغاً حقيقياً للعميل وإنما هو مجرد التزام يعني نقود قيدية ليست حقيقية فالمعاملة في حقيقتها صورية وليست حقيقية .
عارض الأسئلة :
وهذا سؤال يقول هل سوق السندات الذي سوف يطرح قريباً يشبه سوق الأسهم الحالية ؟
الشيخ :
نعم هو يشبه سوق الأسهم لأن الأسهم لها سوقان كما قلنا بالأمس سوق أولية ، وسوق ثانوية ، السوق الأولية : هي سوق الاكتتاب .
السوق الثانوية : هي السوق التي يتم فيها التداول للأسهم بعد طرحها للاكتتاب ، كذلك السندات لها سوق أولية ، تأتي شركة مثلاً تريد تمويلاً فتطرح سندات تُشترى بسعر مخفض يعني بخمسين ريال أو مائة ريال ثم تنقل هذه السندات إلى السوق الثانوية كما أن الأسهم يُفتح لها تداول هذه السندات أيضاً يُفتح لها تداول بحيث أنها تباع وتشترى وتكون معرضة للعرض والطلب من حيث قيمتها هي أما من حيث الفائدة التي عليها فهي ثابتة لا تتغير لكن من الممكن أن ترتفع قيمتها بسبب الطلب عليها وتنخفض بسبب كثرة المعروض منها .
عارض الأسئلة :
هناك أشخاص تُحول لحسابهم مبالغ كبيرة جداً على أن يضاربوا لأصحابها في أسهم مباحة ويصل الربح في بعض الأحيان إلى نسبة (80%) أو (120%) دون إجراء مقابلة مع صاحب الحساب وإنما عن طريق سماسرة نرجو التوضيح لهذا الأمر ؟
الشيخ :
هو في الحقيقة لابد أن تضبط عمليات الوساطة هذه أن تحدد حصة السمسار وحصة المستثمر وحصة المضارب لأننا نعلم أن الاستثمار في الأسهم في الغالب يكون هناك ثلاثة أطراف المستثمر : الذي يضع المال ، الوسيط : الذي هو السمسار يجمع الأموال من المستثمرين .(3/34)
المضارب : الذي يبيع ويشتري في الأسهم فلابد أن تكون حصة كل واحد منهم في الأرباح حصة شائعة بحيث يقال مثلاً المضارب له (20%) من الربح و السمسار له مثلاً (10%) ، والمستثمر له الباقي (70%) ، وهكذا إذا لم تكن النسب معلومة ، وشائعة فإن العقد يكون باطلاً .
عارض السؤال:
هذا السؤال يقول صاحبه أخذت من بنك معين قرض عن طريق شراء وبيع معدن قيمته مائة وخمس وستين ألف ريال ثم بعد ذلك طلبت قرضاً فأُعطيت معدن بقيمة مائتين وخمسين ألف ريال ثم سددت الباقي من المبلغ الأول فما حكم ذلك ؟
الشيخ :
نعم هذا يسمى قلب الدين يأتي شخص ويأخذ تمويلاً من البنك لنفرض أنه تمويل مشروع بالتورق الصحيح الجائز لأن كثيراً من صور التورق الذي تقدمه البنوك هو غير جائز كما سنبينه إن شاء الله بعد الصلاة . لنفرض أن شخصاً أخذ تورقاً جائزاً وبقي في ذمته مائة ألف ريال من هذا الدين الذي عليه للبنك ويريد أن يزيد في أجل ذلك الدين ويخفض الأقساط التي عليه لنفرض مثلاً أنه يدفع في الشهر قسط شهري أربعة ألاف ريال ، ويريد أن يخفضه إلى ألفي ريال مثلاً ويزيد في الأجل بدلاً من أن يكون في سنتين يصبح في أربعة سنوات ماذا يعمل له البنك ؟(3/35)
يتفق مع البنك على أن يجري عملية تورق أخرى ثانية بحيث أنه يحصل على النقود من البنك لنفرض أنه أجرى عملية التورق الثانية بمبلغ مائة وخمسين ألف ريال فحصل على هذا التمويل يشترط عليه البنك أن يسدد من المائة والخمسين يسدد مائة ألف منه يسدد بها الدين الأول ويستفيد من الخمسين ألف الزائدة له ، وتبقى ذمته مشغولة بدين أكثر ممكن مائة وثمانين ألف ريال وتصبح مقسطة مثلاً على أربعة سنوات والأقساط أقل فهو في الحقيقة الدين الذي كان عليه مائة ألف ريال أصبح بالتمويل الجديد مائة وثمانين ألف ريال فهو زاد الدين وأُجل هذه مسألة زدني أُنظِرك . زيادة في الدين مقابل التأجيل وهي حيلة وهذا من قلب الدين وهو مجمع على تحريمه عند أهل العلم . محرم هذا قلب الدين . إذا شرط البنك على العميل حتى يؤجل له الدين الذي عليه ويجري عملية تورق ويسدد بها الدين الأول وينشأ في ذمته دين جديد . نقول هذه المعاملة محرمة وهي حيلة على الربا .
عرض الأسئلة :
هذا سائل يقول فضيلة الشيخ ذكرتم في الدروس الماضية يوم السبت بأن على المضارب أن يقوم بزكاة الأسهم باعتبار أنها عروض تجارة ، وضربتم على ذلك مثال وأرجو أن توضحوا للأهمية متى يتم ذلك ؟ هل يشترط حولان ؟ الحول على الأرباح المتحققة ؟ أو في أي وقت تحقق البيع والأرباح ؟
الشيخ :(3/36)
لا يشترط حولان الحول على الأرباح متى ما حال الحول على أول شراء له في الأسهم فلنفرض مثلاً أنه اشترى الأسهم في هذا الشهر شهر ذي القعدة اشترى مائة سهم ... قيمتها عشرة آلاف ريال فإذا جاء شهر ذو القعدة من السنة القادمة وقيمة أسهمه مثلاً ... عشرون ألف ريال فهنا ربح زيادة عشرة آلاف ريال أخرى فنقول تزكي عن العشرين ألف ريال كلها في السنة القادمة.لأن حول الربح حول أصله فمتى حال الحول على بداية نشاطك في الأسهم فزكها كلها الأصل والربح ، ولو نقصت قيمتها في العام القادم فلنفرض أن هذا الشخص خسر في الأسهم فأصبحت بدلاً من عشرة آلاف ريال أصبحت سبعة آلاف ريال فكم يزكي في السنة القادمة ؟ عن السبعة آلاف ريال فقط يعني يزكي عن المبلغ الموجود عنده أو قيمة الأسهم الموجودة عنده وقت حلول الزكاة .
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول أنا يا شيخ أتداول في الأسهم من الانترنت من البيت فأصدقائي يعطوني مالهم أضارب به مع مالي وآخذ عليهم في الأرباح ما مقداره 20% فما حكم ذلك هل هو جائز ؟
الشيخ :
نعم هذا جائز والعقد الذي بينك وبينهم هو عقد مضاربة أن تعمل لهم في المضاربة وهم أرباب الأموال والعقد جائز .
عارض السؤال:
هذا سائل يقترض من أشخاص مبالغ مالية لكي يكتتب بها ثم بعد التداول يرجع إليهم المبالغ ومعها نصف الأرباح فما حكم ذلك ؟
الشيخ :(3/37)
لا إذا كان على سبيل الاقتراض بأن يضمن لهم رؤوس أموالهم فهذا لا يجوز لأنه قرض بفائدة أما إذا كان على سبيل المشاركة بأن يأخذ هذه الأموال ويخبرهم أنها معرضة للربح والخسارة فهذا لا بأس به ولابد أن يحدد نسبته من الأرباح ونسبتهم من الأرباح ولابد أن تكون هذه النسبة معلومة في بداية العقد بأن يقول لي 20% ولكم 80% وأن تكون مشاعة يعني بالنسبة يعني 20% لا أن يقول مثلاً لي ألفان من الأرباح ولكم ما زاد على ذلك لأنه إذا كان مبلغاً مقطوعاً فهذا قد يربح ألفين وقد يربح أكثر من ذلك بكثير فيكون معرضاً للغم والغرم وهذا لا يجوز لابد أن يربح الطرفان جميعاً أو يخسرا جميعاً .
عارض الأسئلة :
سائل يسأل عن مقولة بأن هناك ما نسبته 60% من المساهمين في أرض الواقع يساهمون عن طريق الدين , أيضاً هناك سائل يقول نرجو إرشادنا إلى صناديق الأسهم الشرعية ؟
الشيخ :(3/38)
بالنسبة للمقولة هذه أنا لا أعلم أنها دقيقة أن 60% من المضاربين إنما يضاربون بالديون لكن ما أعلمه أن معظم المضاربات التي تجري في سوق الأسهم إنما هي من التمويل الذي تقدمه البنوك للمستثمرين فأغلب هذه المحافظ التي يتاجر بها أصحابها تجد المحفظة مثلاً فيها عشرة ملايين ريال هي في الحقيقة ليست مملوكة كلها لصاحب المحفظة منها ستة ملايين ريال أمواله الخاصة وأربعة ملايين ريال أخذها بالتمويل الذي من البنك هذا هو الأغلب في المحافظ الاستثمارية ولذلك جاء القرار الأخير الذي سمعتم عنه من مؤسسة النقد بأنها قيدت عمليات التمويل هذه والقروض التي تقدمها البنوك للمستثمرين حتى تحد من عمليات المضاربة في سوق الأسهم . هذا الارتفاع الحاد في المضاربات والتضخم الواقع في سوق الأسهم ليس من صالح المستثمرين وأما بالنسبة للصناديق الاستثمارية أعتقد أننا بينا فيها بياناً واضحاً وشافياً في بداية هذا الدرس ، قلنا إن كل الصناديق الاستثمارية ليست نقية ولكنها بعضها صناديق تقليدية ما أُجيزت أصلاً من أي هيئة شرعية و بعضها صناديق شرعية بمعنى أنها مجازة من هيئات شرعية لكن هذه الصناديق وُضع لها ضوابط ومعايير أرى أن فيها توسعاً فدخل فيها شركات فيما أرى أنها محرمة وعلى هذا فلا أرى الدخول في شيء من هذه الصناديق في الوقت الراهن لكن في المستقبل القريب إن شاء الله خلال الأشهر القريبة سيكون هناك العديد من الصناديق النقية أولاً لأن بمشيئة الله تعالى بنك البلاد وعد أنه سيطرح صندوقاً نقياً وكذلك البنوك الأخرى أو القائمون على تلك الصناديق وعدوا بأنهم سيغيرون المعايير أو الضوابط التي يديرون بها تلك الصناديق بحيث تستبعد تلك الشركات المحرمة وذلك مع بداية السنة القادمة إن شاء الله تعالى . البنك العربي الوطني أيضاً طرح صندوق اسمه صندوق النقاء ووضعوا له ضوابط وهي موافقة للشركات النقية لكن أنا أعلم ما هي الشركات التي تستثمر فيها أموال(3/39)
الصندوق إلى الآن لم يخرج الصندوق قائمة بالشركات التي تستثمر فيها أمواله فلا أستطيع أن أجزم بأن نقول إن هذا الصندوق نقي أو ليس نقياً حتى تضح الصورة أو الرؤية كاملة .
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول أليست حقوق الانتفاع من القروض التي تجر نفعاً ؟
الشيخ :
لا ليست من القروض التي تجر نفعاً هي في الحقيقة هي صكوك ملكية لأن حامل الصك يملك المبنى أو يملك المشروع ويؤجره على الشركة فليس فيها عقد قرض .
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول فضيلة الشيخ لدي محفظة أتداول فيها الأسهم النقية فقط ويطلب مني بعض الأخوان في بعض الأحيان أن اشتري لهم أسهماً ليست بنقية فهل علي شيء في ذلك ؟
الشيخ :
في الحقيقة لا أنصحك بأن توافقهم إلى طلبهم يعني الأولى والأحوط للإنسان والأبرأ لذمته أن يتاجر في الأسهم النقية لكن إذا رأى الأخ الثاني الجواز في الشركات غير النقية فلا حرج إن شاء الله في تنفيذ طلبه ذلك . الأهم أن تجتنب الشركات المحرمة لا تنفذ له طلباً في شركة محرمة أما إذا كان في شركة مختلطة فالأمر فيها إن شاء الله أيسر لكن من اقتصر على النقية فهو الأفضل .
عارض الأسئلة :
كثرت الأسئلة يا شيخ حول شركة ( ينسب ) ؟
الشيخ :(3/40)
نعم هذه الشركة من الشركات التي ستطرح للاكتتاب عما قريب وهي من الشركات التابعة لشركة (ثابت) وستكون حصة (ثابت) فيها (55%) و (10% )ستطرح على عدد من الشركات والنسبة المتبقية (35%) ستطرح لعموم الناس وفيما أعلم أن هذه الشركة هي شركة جديدة إلى الآن لم يكن لها مشاريع قائمة وظاهرة وإنما حديثة التأسيس فأرجو إن شاء الله أن لا يكون عليها أي قروض أو إيداعات محرمة لأن في الغالب الشركات الجديدة لا يكون عليها قروض ولا ودائع ربوية لكن إلى الآن لم يتبين ولم تظهر القوائم المالية لهذه الشركة لأن الشركة طرحها للاكتتاب ربما يأخذ أسابيع وربما أشهر وأسئلة الناس من حين ما أعلنت شركة ثابت أنها عينت مدير الاكتتاب وبنك سامبا انهمرت الأسئلة . الناس كلهم يسألون عن حكم الاكتتاب في هذه الشركة ... ،وهذا في الحقيقة يدل على حرص الناس ولله الحمد على الدخول في الشركات الخالية من الربا وهذه في الحقيقة ينبغي أن يعيها القائمون على الشركات المساهمة أن من أسباب نجاح الشركة في الحقيقة وربحيتها أن يطهرها من الربا فهو سبب للفوز في الدنيا وفي الآخرة ... فهي في الحقيقة لو أنها شركة نقية هذا يجعل الناس يقبلون عليها اقبالأ ً شديداً ، وما أسئلة الناس الكثيرة عن الوضع الشرعي للشركة إلا أكبر دليل على هذا الأمر . فنحن ننتظر صدور القوائم المالية لهذه الشركة ونؤمل إن شاء الله أن لا يكون عليها أي قروض أو يكون لديها أي ودائع محرمة .
عارض الأسئلة :
هناك العديد من الأسئلة في الواقع عن التورق فنرجأ هذه الأسئلة بعد أن ينتهي الشيخ من كلامه عن التورق ، وبعض الأخوة يكتبون لنا عدداً من الأسئلة في الواقع ، هذا أخ كتب لنا تسعة عشر سؤالاً فنأخذ سؤال لأنه مكرر عن نظام الادخار الذي في شركة أرامكوا ؟
الشيخ :(3/41)
أنا أعتقد أن نظام الادخار في شركة " أرامكوا " سبق أن صدر فيه فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء بتحريمه لأنه في الحقيقة عبارة عن قرض بفائدة ولعل الشركة تعدل عن النظام الموجود الآن وتنشئ نظاماً ادخارياً تعاونياً بدل من هذا النظام القائم على الاقتراض بالفائدة .
عارض الأسئلة :
الكثير من الأسئلة يسأل عن بعض المعاملات لشركات مصرفية أو شركات عامة وذكرنا أننا سنذكر إما ... قواعد عامة ، أو أن الإنسان سيجد مُبْتَغَاهُ بإذن الله تبارك وتعالى في موقع الشيخ .
...(3/42)
الأسهم
والمعاملات المالية المعاصرة
د . يوسف بن عبد الله الشبيلي
فُرغت الأشرطة بإذن من الشيخ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران:102]
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [النساء:1]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب:70 , 71] أما بعد :
أَيَّها الأخوة والأخوات يُخَصَّص هذا الدرس – بإذن الله تعالى – للحديث عن الأسهم ، والمعاملات المالية المعاصرة .
وستكون هذه المحاضرة بإذن الله تعالى بمثابة مقدمة عامة عن عدد من الأمور التي تتعلق بفقه المعاملات المالية ، ونخص المعاملات المعاصرة منها كالأعمال المصرفية ، وغيرها . ...
فنذكر البيع ، وصيغ انعقاده ، ونتكلم عن نقل الملكية ، وشروطها وصيغها ، وأنها تنقسم إلى قولية ، وفعلية ، ونتكلم عن القبض وفوائده في الشريعة ، وضابطه ، ونتكلم عن بعض طرق القبض ، أسباب الكسب المحرم في الشريعة ، وأن من أكبر أسبابها الربا ، فنتكلم عنه ، وعن حكمه ، وأنواعه ، وأنه لم يبح في شريعة قط .(4/1)
ثم نتطرق للكلام عن الأعمال المصرفية ، ونشأة المصارف وأصلها وما هي الأعمال التي تقوم بها المصارف ، وأنواع الخدمات التي تقدمها المصارف .. وإلى غير ذلك مما ييسره الله تعالى .
فنتكلم أولًا عن البيع ، وكيفية انتقال الملكية بين البائع ، والمشتري :
فنقول (1) :إذا تم البيع بِشروطِِهِ انتقلت ملكية السلعة من البائع إلى المشتري ولو لم يقبضها المشتري ، فلو اشتريت سلعة ، اشتريت سيارة من معرض السيارات فقلت للبائع: أشتري منك هذه السيارة بمائة ألف فقال البائع قبلت هنا ماذا؟ انعقد البيع وانتقلت ملكية السيارة من البائع إلى المُشتري أصبحت السيارة مملوكة لمن؟ للمشتري وإن لم تُنقل رخصة السيارة أو ما يسمى الآن بالاستمارة وإن لم تنقل إلى اسم المشتري وإن لم يتسلمها المشتري ويضعها في حِيَاَزِتِه ؛ لأن الملكية تنتقل مباشرة ولذلك إن الخطأ الذي يقع به كثيرا من الناس أنه يجري هذه المبايعة فيقول للبائع مثلاً اشتريت ويقول البائع قبلت ثم ينصرفان والمشتري يعدل عن هذا الأمر ولا يخبر البائع بذلك ولا يَسْتَقِيله يطلب منه الإذن بأن يقيله .
نقول : لا قد تمت الصفقة ويجب عليك أن تسلمه مائة ألف ، ويجب على البائع أن يسلمه السيارة إلا إذا أَقَال أحد الطرفين الآخر أما إذا لم يُقِلْهُ ، فالأصل أن البيع قد تم بالإيجاب والقبول .
لأن البيع ينعقد بصيغة قولية ، أو بصيغة فعلية :
والصيغة القولية هي : الإيجاب والقبول .
والصيغة الفعلية هي : المُعَاطَاة .
الآن نقول إنَّ السلعة قد تملكها المشترَي ولو لم يقبضها لكن إذا نقلت رخصة السيارة باسم المشتري ففي هذه الحال نقول : إنَّ المشتري قد تَمَلَّك وماذا ؟ وقبض ، إن المشتري قد تملك وقبض .
__________
(1) تنبيه : هذه المُقَدِمَة سَقْطٌ مِنْ الْمَسْموع ، فَوضَعْنَا مُقَدِمَة بِمَا يُلَائِم السِيَاق ، بعد أخذ الإذن من الشيخ – حَفِظَه الله - حتى لا يخرج الكلام عن مراده .(4/2)
فالقبض : يعني التخلية بين المشتري والسلعة وتمكينه من التصرف فيها وهو أمر زائد عن مجرد التملك، هو أمر زائد عن التملك، ما فائدة القبض ؟ هل له فائدة في الشريعة ؟ نعم .
نقول له فائدتان :
الفائدة الأولى : جواز التصرف في المبيع بعد القبض فمن اشترى سلعة فلا يجوز له أن يتصرف فيها بالبيع ونحوه إلا بعد أَنْ يَقْبِضَهَا لما جاء في حديث حكيم بن حزام له أيضاً سؤال آخر سأله النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في مسند الإمام أحمد قال : ?? قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ - انتبهوا لهذه الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم وهي وصية شاملة عامة لا تنسها أبداً في أي بيوعك أو تجاراتك - قَالَ يَا ابْنَ أَخْي فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ??.
والقبض يرجع فيه إلى العرف كما قال أهل العلم :" قبْضَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ".
فالآن الذي يشتري في الأسهم اشترى شخصاً سلع أسهماً ، نقول إذا اشتريتها ليس لك أن تبيعها حتى تقبضها كيف تقبض الأسهم؟ بالأيدي تقبض ؟ لا، تقبض بدخولها في المحفظة، في محفظة المساهم .
اشتريت ما يُعْرَف الآن بالمعادن الذي تطرحه الآن البنوك نقول: ليس لك أن تبيع تلك المعادن حتى تقبضها كيف يكون قبضها ؟ بتسلم شهادة الحيازة الأصلية وسَنُبين ذلك إن شاء الله عندما نتحدث عن التورق المصرفي، كيف يكون قبض المعادن؟ اشتريت سيارة كما يحصل الآن عند كثير من الناس يشتري سيارة من البنك أو من صاحب معرض و يريد أن يبيعها في الحال وهي في مكانها عند صاحب المعرض كيف يكون قبضها ؟
نقول قبض السيارات يكون بواحد من أمور ثلاثة :
إما أن تنقل رخصة السيارة إلى المشتري ، فهنا نقول إنَّه قد قبضها وإنْ لم يخرجها مِنْ مستودعات البائع فله أنْ يبيعها في الحال إذا نقلت رخصتها أو استمارتها باسمه .(4/3)
الأمر الثاني : أن يخرجها من مُسْتَودَعَاتِ البائع هذا يكفي في تحقق القبض وإن لم تنفل الرخصة باسمه .
الأمر الثالث : وهو أقلها ويكفي أيضاً أن يكون هناك ورقة تثبت تملك المشتري ورقة مبايعة تثبت تملك المشتري لتلك السلعة، لتلك السيارة، لا يلزم أن تكون استمارة أو رخصة، لا، تكفي ورقة المبايعة التي تعين تلك السيارة برقمها ورقم هيكلها بأنها مملوكة لذلك الشخص فإذا وجِدَ واحد مِنْ هذه الأمور الثلاثة فنقول إنْ المشتري قد ماذا ؟ قبض .
فإذا قبض فله أن يبيع في الحال أما أن يبيعها وهو لم يقبضها فنقول هذا قد دخل في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -عن ?? بيَعِ مَا لَمْ يُقْبَض?? .
الفائدة الثانية المترتبة على القبض : هي الضمان فإن السلعة قبل قبضها مضمونة على البائع وليست مضمونة على المشتري فلو اشترى شخص سلعة نفرض أنه اشترى سيارة وتملكها الآن لكنه لم يقبضها إلى الآن ثم تلفت تلك السيارة أو تضررت يعني أصابها مثلاً برد أو أي ضرر فالضمان في هذه الحال على من ؟ على البائع، نقول: بما أن المشتري، ولو كانت مملوكة للمشتري، نقول: بما أن المشتري لم يقبضها إلى الآن فهي مضمونة على البائع .
ويستثنى من ذلك حالتان :
الحال الأولى: إذا كان التلف بسبب المشتري نفسه هو الذي تسبب في ذلك الضرر فإنه يضمن في هذه الحال لأنه بفعل يده .
والحال الثانية : إذا مَكََّن البائع المشتري مِنْ تَسلّم السلعة لكنه لم يتسلمها لم يقبضها فنقول إذا حصل ضمان في هذه الحال فإنه يكون من ضمان المشتري لأنه قد فرَّط في القبض .
بعد ذلك أنتقل إلى نقطة أخرى وهى
أسباب الكسب المحرم في الشريعة :(4/4)
نقول: إن من مظاهر سماحة شريعتنا الإسلامية أن دائرة المحرمات في البيوع ضيقة ومحدودة ، فهي محدودة في أبواب معينة في المعاملات محدودة بخلاف المعاملات المباحة فإنه لا حدود لها إذ الأصل في المعاملات هو : " الْحِل " ولذلك أي نازلة تأتي أو معاملة مستحدثة بطاقة ائتمانية ، أسهم ، تورق مصرفي ، أسواق مالية ، بورصات ، وغير ذلك هذه المعاملات ما الأصل فيها ؟ الحل أو التحريم ؟ الأصل فيها هو الحل ، وهذا يدل على سعة هذه الشريعة وشموليتها إذ إنها تستوعب أي نازلة وأي معاملة مستحدثة تطرأ على الناس فنقول هذه المعاملات الأصل فيها هو الحل إلا أن تكون هذه المعاملات مندرجة ضمن باب من الأبواب المحرمة في الشريعة فتكون من المعاملات المحرمة .
والناظر في المعاملات المحرمة في الشريعة يلحظ فيها عدة أمور:
الأمر الأول : أنها محدودة في نطاق ضيق كما ذكرنا .
والأمر الثاني : أن الله تعالى لم يحرم شيئا من المعاملات إلا وأباح بدائل كثيرة من المباحات ، فالله لا يغلق باباً على الناس إلا ويفتح أبواباً لهم فمثلاً :
حرم الربا لما فيه من الزيادة المحرمة وفي المقابل أباح البيع الآجل . حرم القمار والميسر وفي المقابل أباح المسابقات المشروعة وهكذا .
الأمر الثالث : أن التحريم في المعاملات إنما يكون في الغالب لما تشتمل عليه من الظلم فكان في تحريمها مصلحة للعباد ودفع لآثارها السيئة عن المجتمع .
إذا عرفنا أن دائرة المعاملات المحرمة في الشريعة محصورة في أبواب معينة .
فما هي تلك الأبواب ؟.
وما هي أسباب تحريم المعاملات في الشريعة ؟
يقول أهل العلم: إن أسباب التحريم في المعاملات ترجع إلى ثلاثة أمور ، يعني أن المعاملة تكون محرمة لأنها مندرجة تحت واحد من هذه الأسباب أو واحد من هذه الأمور :
الأمر الأول : هو الربا .
والثاني : الغرر أو الجهالة .
والثالث : هو الظلم .(4/5)
وسنتحدث عن كل واحد من هذه الثلاثة إن شاء الله خلال هذه الدورة سنتحدث عن الربا الآن في هذه الجلسة إن شاء الله وسنبين المعاملات المعاصرة التي تندرج تحت قاعدة الربا ثم بعد أن ننتهي من المعاملات المرتبطة بالربا ننتقل إلى الدائرة الأخرى والسبب الثاني وهو الغرر أو الجهالة ونتحدث عن المعاملات المندرجة تحت هذا الباب ، ثم ننتقل إلى السبب الثالث وهو الظلم ونتحدث عن المعاملات المندرجة تحت الظلم .
فنبدأ بأول هذه الأسباب و أفحشها وأكثرها انتشاراً في هذا العصر وذيوعاً وهو : ( الربا ) .
فما هو الربا ؟ وما حكمه ؟ وما أنواعه ؟
الْرِبا في اللغة بمعنى : الزيادة ، يقال : ربى الشيء ، إذا زاد، ومنه قول الله تعالى { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَات } [البقرة:276] ، أي : ينميها و يزيدها .
وأما في الاصطلاح الشرعي ، فالربا: هو الزيادة أو النسأ يعني: التأخير في مبادلة أموال مخصوصة والربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو من الكبائر بل إنه من السبع الموبقات ولم يؤذن الله تعالى عاصياً بالحرب إلا على من ؟ آكل الربا .
أعلن الله تعالى الحرب على عاص واحد فقط في الكتاب هو المرابي { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 279] ولذلك قال أهل العلم إن من استحل الربا من قال إنه حلال فقد كفر لأنه أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة أما من تعامل بالربا وهو يعتقد تحريمه فإنه يكون فاسقاً .(4/6)
يقول الماوردي ، وغيره : إن الربا لم يبح في شريعة قط كل الشرائع حرمت الربا ؛ ودليل ذلك قول الله تعالى : { وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } [النساء: 161] يعني نهوا عنه في كتب السابقة جاء تحريم الربا في الكتب السابقة أما في كتابنا القرآن الكريم فقد جاءت أدلة كثيرة تبين حرمته وبشاعته وفظاعته ولعلنا نقتصر على آية واحدة تبين فظاعة هذه المعصية والجريمة يقول الله سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ } [البقرة:279] .
وقبل هذه الآية :
قال الله سبحانه { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة:275]
يقول السرخسي رحمه الله: ذكر الله تعالى في هذه الآيات خمس عقوبات لآكل الربا :
العقوبة الأولى هي : التخبط { لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } [البقرة: 275] .
يقول ابن عباس : رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية يقوم آكل الربا يوم القيامة من قبره كأنه مصروع يخنق أعاذنا الله وإياكم من ذلك .(4/7)
العقوبة الثانية هي : المحق ، يعني :محق البركة يعني أن الأموال كثيرة وطائلة والقصور فارهة وواسعة والمراكب جميلة وحسنة ولكن النفس ضيقة والبركة معدومة والشقاء حل في البيت وفي الأسرة وفي الأولاد لماذا ؟ لأن هذه الأموال نمت من الربا والعياذ بالله يقول سبحانه { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } [البقرة: 276] يعني مهما كثرت الأموال وحقق الإنسان الملايين والمليارات مآله إلى أي شيء؟ إلى المحق لأن البركة قد زالت إذ ليست العبرة بكثرة النقود وإنما العبرة بالبركة فيها .
والعقوبة الثالثة هي : الحرب ، { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 279] .
والعقوبة الرابعة هي : الكفر لمن استحله ، من استحله فقد كفر بدليل قوله في هذه الآيات: { وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [البقرة: 278] .
والخامسة العقوبة الخامسة: هي الخلود في النار أي لمن استحله أيضاً لقوله { وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 275] .
وأما من السنة فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة في الحديث المتفق عليه أنه قال : ?? قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، وَذَكَرَ مِنْهَا آَكِلُ الْرِبَا ?? .
وجاء في صحيح مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قَالَ : ?? لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ ??.(4/8)
وقد أجمعت الأمة على تحريم الربا ولهذا قال أهل العلم: إنه يجب على كل مسلم –انتبهوا لهذا- يجب على كل مسلم يريد أن يبيع أو يشتري أو يُقرض أو يقترض أو يدخل في أي معاملة يجب عليه أن يتعلم أحكام الربا قبل أن يدخل وهذا في الحقيقة يعني كلام منطقي وصحيح، الآن يعني لا أخفيكم تأتيني اتصالات لا أقول باليوم بالعشرات أقول: ربما بالآلاف يومياً ما أجيب إلا على نزر يسير منها كثير من الناس يقول : يا شيخ أنا دخلت في هذه المعاملة واشتريت مثلاً هذا السهم، لم أكن أعلم أنه محرم تعاملت في هذه المعاملة، لم أكن أعلم أنها محرمة ما المخرج من ذلك يا شيخ ؟ بعضهم يرسل رسائل إذا ما أجبت، يرسل رسائل يا شيخ أنا الآن أشعر أني الآن بموت أشعر بأني الآن في حرج شديد أستحلفك بالله إلا ترد علي أنا ما أستطيع أنام الليل من شدة يعني وقع المعاملة التي وقعت فيها ما كنت أعلم أنها ربا .
يا أخي قبل أن تدخل في هذه المعاملة المفترض أنك تعلمت وسألت يجب على المسلم وجوباً إذا أراد أن يدخل في السوق وأن يتعامل بالبيع والشراء يجب عليه أن يتعلم أحكام الربا وإلا وقع في الحرام لأنه يجب عليه أن يتقي الحرام وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما قال أهل العلم، ولذلك كان السلف رضوان الله عليهم يحذرون الشخص من أن يدخل في السوق قبل أن يتعلم أحكام الحلال والحرام في المعاملات بل إنه تجرى لهم اختبارات . عمر - رضي الله عنه - كان يسأل الباعة يختبرهم هل يعرفون مسائل الربا أو لا، ولهذا أُثر عنه - رضي الله عنه - أنه قال: لا يتجر في سوقنا إلا من تفقه وإلا أكل الربا وجاء عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : من اتجر قبل أن يتفقه ارتطم في الربا ثم ارتطم ثم ارتطم .(4/9)
يعني : دخل في عمق الربا وهذا والله صحيح، هذا الكلام صحيح، وأنا أشهد على ذلك من خلال الأسئلة التي تأتي من الناس ، بعد أن يبتلى الشخص بالمعصية ويقع بالخطأ يأتي يريد أن يصحح كيف تصحح يا أخي بعد أن يعني دخلت في المعاملة وتشبثت بها وأكلت منها وأكل منها أولادك وأكلت منه الأسرة وربما بنيت بها بيتاً وَرُبَّ اشتريت بها سيارة واشتريت بها طعاماً فأدخلت في جوفك شيئاً محرماً فالمسألة خطيرة يا إخواني من أراد أن يدخل في السوق عليه أن يعرف أحكام الربا بالذات لأن الربا في الحقيقة انتشر في المعاملات الآن بشكل فاحش حتى يعني وقع مصداق ما قاله عليه الصلاة والسلام: ?? يوشِكُ أَنْ يَأْتِي عَلَى النَّاَسِ زَمَانٌ مَنْ لَمْ يَأْكُل الْرِبَا أَوْشَك أَنْ يُصِيَبَهُ مِنْ غُبَارِهِ?? يعني لا يكاد يسلم أحد فالمسألة تحتاج إلى تحري وتدقيق .
نواصل الحديث عن الربا ، أنواع الربا يعني حتى تكون الصورة واضحة عن الربا أنا سأحاول أبسط حقيقة الربا هذا الذي تسمعون الحديث عنه في الخطب وتسمعون عنه في المواعظ والكلمات والتحذير منه سأبسطه إن شاء الله بكلمات يسيرة لعلي أوفق في ذلك .
الربا كما يقول أهل العلم إنه على نوعين:
2- ربا بيوع . ... 1 - ربا ديون .
نبدأ بالنوع الأول ؛ الذي هو الأفحش ، والأعظم والأشد تحريماً وهو "ربا الديون " :
وهو المنتشر الآن والسائد في الأسواق ربا الديون هو الربا الذي يكون محله في عقود المداينات كالقروض والبيوع الآجلة يعني في دين من طرف لطرف .
وهذا الربا على نوعين النوع الأول وهو أفحش هذين النوعين الزيادة في الدين عند حلوله.
صورة ذلك :(4/10)
أن يكون في ذمة شخص لآخر دين إما بسبب قرض؛ شخص يقرض آخر مبلغ عشرة آلاف ريال ليردها بعد مدة عشرة آلاف ريال أو بسبب بيع آجل ، شخص يبيع سيارة بالتقسيط بعشرة آلاف ريال فإذا حل الأجل ولم يتمكن المدين من السداد أو الوفاء يقول له الدائن أعطيك مهلة وتزيد في الدين يعني يزيده مقابل ماذا؟ الإنظار أو التأجيل هذا الذي يسمى الآن غرامات التأخير يسمونه الآن، ما يسمونه ربا، يقولون: لا، نضع عليك غرامة تأخير إذا تأخرت في السداد تدفع زيادة عشر ريالات أو تدفع زيادة واحد بالمائة من قيمة الدين قاعدة احفظوها قاعدة يا إخواني : (متى ما استقر على الإنسان دين إذا كان في ذمته دين بسبب قرض أو بسبب شراء سلعة إذا كان في ذمته دين فأي زيادة في ذلك الدين عند السداد للدائن تكون هذه الزيادة من الربا وهذا الربا هو ربا الأضعاف المضاعفة أشد أنواع الربا ) الذي قال الله عنه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران:130] .
نعطي مثال على ذلك :(4/11)
صَالِح باع سيارة على محمد قيمتها خمسين ألف ريال مقسطة على ثلاث سنوات، ما تمكن محمد أن يسدد الأقساط خلال ثلاث سنوات، فجاء إلى صالح وقال: لنجعلها أربع سنوات ويكون الدين بدلًا من ما هو خمسين ألف يصبحوا خمسة وخمسين ألفًا، نقول: هذه الزيادة ماذا؟ من الربا، إذا كانت هذه الزيادة بعد استقرار الدين؛ يعني بعد أن تمت المبايعة، واتفقا على الزيادة تكون هذه الزيادة من الربا، أما لو كانت الزيادة قبل الاتفاق على الدين ؛ يعني أثناء المفاوضة؛ البائع قال للمشتري: إن أردت أن تسدد خلال ثلاث سنوات فهي بخمسين، وإن أردت أن تسدد خلال أربع سنوات فهي بخمس وخمسين، أو خلال خمس سنوات فهي بستين، فاتفقوا على صفقة واحدة، على أنها خلال مثلًا خمس سنوات بستين مثلًا، ففي هذه الحال نقول: هذه الزيادة ليست من الربا؛ لأنها قبل استقرار الدين، أما إذا استقر الدين وتمت المبايعة فأي زيادة تكون من الربا أي ربا الديون.
النوع الثاني من الربا من أنواع ربا الديون:
هو الزيادة المشروطة في أصل القرض، وهذه الزيادة إنما تكون في عقود القروض فقط، في القرض؛ كأن يقرض شخص مبلغًا من المال لآخر ويشترط عليه أن يرد ذلك المبلغ بزيادة، فهنا تلاحظون الزيادة مشروطة في البداية، وليست عند السداد، أقرضه عشرة آلاف ليردها أحد عشر ألفًا، هذه الزيادة نقول: إنها من الربا، وهي محرمة لقول الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ - فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 278، 279] .
إلى أن قال سبحانه: { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ } [البقرة: 279](4/12)
فحصرت الآية حق الدائن في رأس المال فقط وأي زيادة على رأس المال فهي من الربا، لكن قد يقول قائل: أليس من الأولى والأفضل لمن اقترض من أخيه أن يرد القرض بأفضل منه أو يعطيه هدية أو يحسن إليه في رد القرض؟
نقول: هذا الإحسان إذا كان بدون شرط سابق لم يكن باتفاق بينهما في البداية، فالإحسان في رد القرض مطلوب، بل هو سنة من السنن وهكذا كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اقترض يرد القرض بأفضل منه فإنه كما جاء في الصحيح عن أبي رافع ?? أنَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا وَقَالَ إِذَا جَاءَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ قَضَيْنَاكَ فَلَمَّا قَدِمَتْ قَالَ يَا أَبَا رَافِعٍ اقْضِ هَذَا الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَلَمْ أَجِدْ إِلَّا رَبَاعِيًا -جمل كبير- فَصَاعِدًا فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْطِهِ فَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً ً?? ، هذا إذا لم يكن باتفاق مسبق بين الدائن والمدين، إذا لم يكن بينهما اتفاق فيجوز، فيشرع أن يرده بأفضل منه، هذا النوع الأول من أنواع الربا وهو ربا الديون، وقلنا: إن ربا الديون ينقسم إلى هذين القسمين: زيادة تكون وقت حلول الدين، وزيادة تكون مشروطة في ابتداء العقد.
النوع الثاني من أنواع الربا : " هو ربا البيوع "
وربا البيوع هو الربا الذي يكون محله في عقود الصرف والمقايضة بين السلع؛ يعني في المبادلات التجارية في الصرف والمقايضة بين السلع، وهذا ينقسم إلى قسمين :
2 - وربا نسيئة. ... 1 - ربا فضل .(4/13)
ولعلنا نبين هذين النوعين خلال الحديث الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيانهما فإن الأصل في ربا البيوع بنوعيه (ربا الفضل وربا النسيئة ) هو حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: استمعوا إلى هذا الحديث قال : ?? قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ?? .
في هذا الحديث كم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من صنف؟
- نعم ، ذكر ستة أصناف : الذهب والفضة، والأطعمة الأربعة: البر والتمر والشعير والملح.
هذه الأصناف تقسم إلى نوعين أو إلى مجموعتين:
القسم الأول: النقدان : وهما الذهب والفضة،و يلحق بالنقدين كل ما يشابههما في العلة، والعلة فيهما هي الثمنية، النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذين النقدين؛ لأنهما كانا أثمانًا للأشياء، فيلحق بهما كل ما يكون ثمنًا للأشياء مثل الآن الأوراق النقدية المعاصرة كالريالات والدولارات والجنيهات ونحوها كلها ملحقة بالذهب والفضة، وتعتبر كل عملة جنس مستقل بذاتها، فالريالات السعودية جنس، الريالات اليمنية جنس، الجنيهات المصرية جنس، الجنيهات الإسترلينية جنس، الذهب جنس، الفضة جنس، هذا هو النوع الأول من الأموال الربوية.(4/14)
النوع الثاني من الأموال الربوية: هو الأصناف الأربعة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي: ?? الْبُر والتَمْر والشَعِير والْمِلْح ??والعلة في هذه الأصناف الأربعة هي الاقتيات والادخار بمعنى أن هذه الأطعمة الأربعة مقتاتة؛ يعني يعتمد عليها الناس في طعامهم تعتبر قوتًا لهم يعتمدون عليها، وأيضًا قابلة للادخار؛ يعني أنها تجلس مدة طويلة، لا تفسد كالفواكه بسرعة، فيُلحق بهذه الأصناف الأربعة ما شابهها في العلة من الأطعمة مثل: الأرز الآن يعتبر مثل هذه الأصناف الأربعة، ومثل الذرة والفول والعدس ونحو ذلك من الأطعمة التي تقتات وتدخر.
عرفنا هذه الأصناف، القاعدة في ربا البيوع كالآتي حتى يحترز الإنسان من الوقوع في ربا البيع، قاعدة ربا البيوع:
نقول: لا تخلو أي مبادلة بين عوضين من إحدى حالات خمس، الذي يريد أن يتبايع عوضين لا يخلو من إحدى حالات خمس بناء على الأموال الربوية التي سبق أن أشرنا إليها:
الحال الأولى: أن تكون المبادلة بين مالين ربويين من جنس واحد من الأموال التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو التي شابهتها في العلة التي ألحقناها بها مثل: مبادلة ذهب بذهب؛ شخص يبدل ذهب قديم بذهب جديد، هنا يشترط شرطان .
لابد من توافر شرطين:
الشرط الأول: التساوي في الوزن؛ الأول عشرين جرام هذا لابد أن يكون عشرين جرامًا، لا نلتفت إلى الثمن أو القيمة ؛ العبرة في التساوي بأي شيء؟ بالوزن، إن لم يتحقق التساوي في الوزن فهذا هو ربا الفضل، ربا الزيادة.
والشرط الثاني: لابد من التقابض في الحال؛ سلم واستلم، تسلمه الذهب القديم، ويستلم منك الذهب الجديد؛ لأن المبادلة هنا بين جنسين، بين عوضين متفقين من جنس واحد، مثله كذلك لو كانت المبادلة في الأوراق النقدية؛ ريالات ورقية، مائة ريال ورقي بريالات معدنية، ما الواجب في هذه الحال؟
الآن المبادلة بين عوضين من جنس واحد فيشترط ماذا؟(4/15)
1 - شرطان التساوي؛ مائة ريال بمائة ريال، وماذا؟ .
2 - التقابض في الحال، لابد من التقابض في الحال، إن اختل شرط التساوي فهو ربا الفضل، وإن اختل شرط التقابض فهو ربا النسيئة، يعني ربا التأخير، شخص يريد أن يصرف شيك فيه ألف ريال، يصرفه بريالات، الآن المبادلة بين عوضين من جنس واحد، يشترط ماذا؟
شرطان: التساوي، والتقابض في الحال؛ تسلم الشيك للصيرفي الذي في البنك وتستلم منه في نفس المكان ماذا؟ الريالات، أما لو أعطيته الشيك وقلت أروح أشرب شاهي وأرجع ... تسوي الأوراق، أو بطلع مثلًا لدكان قريب وأرجع نقول: هنا وقع ربا ماذا؟ النسيئة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ?? قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ??.
يعني : سلم واستلم في نفس المجلس، إن لم يتحقق التقابض فهو ربا النسيئة.
الحال الثانية: أن تكون المبادلة بين مالين ربويين مختلفي الجنس، لكنهما من علة واحدة؛ يعني مبادلة ثمن بثمن، لكنهما من أجناس مختلفة مثل: ريال بجنيه مصري، ريال سعودي بريال يمني، ريال بذهب، فهنا يشترط شرط واحد فقط، وهو التقابض، لقوله عليه الصلاة والسلام: ?? فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَد ??تسلم الريالات وتستلم الجنيهات في الحال، لكن لا يشترط ماذا؟ التساوي، بأي سعر كان الصرف.
الحال الثالثة: أن تكون المبادلة بين مالين ربويين مختلفي الجنس والعلة؛ يعني ثمن مع طعام، مثل: يريد أن يشتري بالريال مثلًا: برًا أو تمرًا، هنا لا يشترط لا تقابض ولا تماثل؛ من الممكن أن تشتري التمر بالتقسيط يعني، ولا يشترط مراعاة السعر.
الحال الرابعة: أن تكون المبادلة بين مال ربوي ومال غير ربوي؛ المال الربوي مثل :(4/16)
مثلًا: ريالات من أموال ربوية يشتري بها أموال غير ربوية كالسيارات؛ السيارات هذه ليست طعامًا ولا أثمانًا، ففي هذه الحال لا يشترط تقابض ولا تماثل، فله أن يشتري السيارات بالتقسيط.
والحال الأخيرة: أن تكون المبادلة بين مالين غير ربويين أصلًا، الأموال غير الربوية كالمعادن، الأثاث، البيوت، الأراضي، الأطعمة التي لا تقتات وتدخر، إذا أراد أن يبدل بعضها ببعض فهنا لا يشترط تقابض ولا تماثل، يريد أن يبدل سيارة مرسيدس بسيارتين ... يجوز؟
يجوز لأن السيارات أصلًا ليست من الأموال الربوية.
يريد أن يشتري سيارة بسيارتين مع الأجل؛ تقسيط مثلًا، أو يكون السداد، تسليم السيارتين بعد مدة؟
فهذا جائز لأن هذه ليست من الأموال الربوية، وهكذا.
بيع جوال بجوالين ونحو ذلك فكل هذا جائز لأن هذه ليست من الأموال الربوية.
بهذا نكون قد أنهينا الحديث عن المقدمة المتعلقة بالبيوع وهي موجزة في الحقيقة لأننا سندخل بعدها في الأسهم، في الحديث عن الأسهم، والحديث عن الأسهم ربما يطول.
ألخص ما ذكرته قبل قليل، فقد ذكرنا، عرفنا البيع، وبينا شروطه،ثم بينا حقيقة القبض شرعًا ثم تحدثنا عن المحرمات في الشريعة وقلنا : إنها ترجع إلى ثلاثة أسباب، ثم تحدثنا عن الربا، وبينا أنواع الربا، وقلنا: أن الربا قد يكون ربا ديون، أو ربا بيوع.
وربا الديون على نوعين:
1 - قد تكون الزيادة عند حلول الدين .
2 - وقد تكون الزيادة مشروطة في بداية العقد.
وربا البيوع ، قد يكون ربا فضل، وقد يكون ربا نسيئة:
ربا الفضل : في مبادلة المال الربوي بجنسه، لابد في هذه الحال من التساوي .
وربا النسيئة : قد يكون في التأخير في التقابض في مبادلة المال الربوي بمال ربوي متفق معه في العلة، نشرع في هذا ولا ...؟(4/17)
نكمل بعض النقاط اليسيرة يعني حتى يعني يكون مدخلًا لحديثنا الآن مدخلًا للجلسة الثانية إن شاء الله التي ستكون بعد العشاء، فبينا يعني ما يتعلق بالبيع والمعاملات المحرمة في الشريعة، وذكرنا أن أول سبب من أسباب التحريم في المعاملات هو الربا.
فنشرع بعد ذلك في الحديث عن بعض التطبيقات المعاصرة للمعاملات التي تندرج تحت قاعدة الربا السابقة، فنبين معاملات صلتها وثيقة بالربا، وفي الحقيقة أكثر المؤسسات المالية التي يشوبها شائبة الربا هي ماذا؟ المصارف أو البنوك، والسبب في ذلك أن هذه المصارف أول ما ظهرت كانت في بيئة رأسمالية في الغرب، فكانت قائمة على نظام الفائدة يعني على الربا، وسموا الربا فائدة حتى يلطفوا هذا الاسم، يعطوه اسم مقبول عند الناس، بدلًا من أن يسموه ربا سموه فائدة، يعني حتى عند الغرب في اللغة الإنجليزية ما يسمونه ربا مع إنه معروفة هذه الكلمة عندهم وإنما يسمونه :
[Interest] يعني كفائدة حتى يكون لها قبول وبيوع عند الناس، فالحري بالشخص الذي يريد أن يتعامل مع المصرف أو مع البنك أن يحتاط في أمره؛ لأنه سيتعامل مع مؤسسة كانت نشأتها في البداية تلك المؤسسات في بيئات رأسمالية، ويكثر فيها التعامل بالربا، فلذلك سنتحدث يعني عن المعاملات البنكية ونفصل فيها تفصيلًا دقيقًا إن شاء الله، ونبين المعاملات الجائزة منها والمحرمة والبدائل الشرعية للمعاملات المحرمة.
فما هو المصرف وما هي الأعمال المصرفية؟
المصرف في اللغة: هو مكان الصرف، والصرف هو مبادلة النقود بعضها ببعض، وفي الأوساط المالية المصرف هو البنك، فكلمة مصرف هي ترجمة للكلمة اللاتينية [بنك] ويعرف المصرف بأنه مؤسسة مالية متخصصة في اقتراض النقود، ثم إقراضها والتمويل بها، كيف؟
المصرف أو البنك مؤسسة تقترض النقود تأخذ النقود من أناس يسمون المودعين عن طريق فتح الحسابات البنكية بأنواعها: الحسابات الجارية، والحسابات الادخارية، والحسابات الآجلة.(4/18)
البنك يتلقى النقود ممن؟
من المودعين عن طريق الحسابات هذه ثم إذا جمع هذه النقود ماذا يعمل بها؟ يعطيها يقرضها للمتمولين، لجهات التوظيف، فهو مؤسسة مالية وسيطة؛ يقترض ثم يقرض، وفائدة البنك أنه يقترض بسعر أقل ثم يقرض بسعر أعلى، فهو يستفيد من الفرق بين سعري الفائدة، فيعطي المودعين مثلًا فائدة بمقدار اثنين بالمائة على الودائع في السنة، ثم يعطي جهات التوظيف، يقرض هذه الأموال لجهات التوظيف ويأخذ عليها الفائدة بمقدار خمسة بالمائة فيكون قد استفاد كم؟ ثلاثة بالمائة فهو مؤسسة وسيطة، هذا هو عصب العمل البنكي وقائم على هذه المنهجية وعلى هذه الطريقة، الاقتراض ثم الإقراض، فعنده مطلوبات وعنده موجودات.
نشأة الأعمال المصرفية:(4/19)
أول ما ظهرت المصارف كان ذلك في القرن الثامن عشر الميلادي في إيطاليا، وكان سبب نشأتها وظهورها ظهور أو انتشار مسكوكات وعملات مزيفة ويعني فيها خليط غير متجانس من النقود والمسكوكات ونحوها فكان الناس يحتاجون إلى أناس متخصصين في فرز تلك المسكوكات وفي فرز تلك العملات، فظهر أناس متخصصون يعرفون بالصيارفة الذين يقومون بهذا الدور، بالتحقق من النقود وفرزها والتدقيق فيها وإبدال بعضها ببعض، وكان هؤلاء الصيارفة يجلسون على طاولات، ومن هنا جاءت التسمية [بنك] فهي مشتقة من الكلمة الإيطالية [ بنكو] التي هي بمعنى الطاولة، هي بمعنى الطاولة، هنا جاءت كلمة بنك ثم تُرجم في اللغة العربية بكلمة مصرف، فلا فرق بين أن تقول هذا مصرف أو هذا بنك، هؤلاء الصيارفة الذين كانوا يأخذون النقود من الناس تطور عملهم، فأصبحوا يحتفظون بالنقود، يوديعونها الناس عندهم؛ يأتون بالذهب والمسكوكات ويعطونها هؤلاء الصيارفة ليحتفظوا بها عندهم ويأخذ هؤلاء الصيارفة مقابل الاحتفاظ بها أجرًا، يأخذون أجورًا عن الناس مقابل حفظها، ويعطونهم يعني مقابل تلك المسكوكات يعطونهم وثائق أو إيصالات بأن هذا الشخص لديه الكمية الفلانية من الذهب، أو من النقود.(4/20)
تطور الأمر بعد ذلك فأصبح الناس لا يأخذون تلك المسكوكات التي عند الصيارفة، أصبحوا يتداولون فيما بينهم ماذا؟ تلك الصكوك التي أصدرها الصيارفة، فإذا أراد شخص أن يشتري سلعة يعطي البائع ذلك الإيصال الذي فيه إثبات أنه يملك مائة دينار مثلًا لدى الصيرفي الفلاني، فأصبح الناس يتداولون تلك الأوراق ولا يسألون عن أي شيء؟ عن المسكوكات نفسها وعن النقود الحقيقية الموجودة لدى الصيارفة، اكتشف الصيارفة ذلك الأمر، واكتشفوا أيضًا أن بإمكانهم أن يستثمروا تلك الودائع التي عندهم لأنفسهم، فأصبحوا يستثمرونها ومن هنا ظهرت الخدمات الاستثمارية في المصارف، بدأ يستثمر الصيرفي تلك الأموال وأسقط عن كواهل المودعين الأجرة، .. ما يأخذ عليهم أجرة؟ لماذا ؟ لأنه يستفيد من تلك الودائع، بل إنه بدأ يعطيهم مقابل تلك الودائع عمولة أو فائدة مقابل الإيداع، فبدأ العمل البنكي يتطور وظهر، بل إن الباعة أو الصيارفة بدءوا يصدرون أوراق، يعني أوراق بكميات ليست حقيقية موجودة عندهم، يشتريها منهم الناس، يعني يقول: إنه عنده كمية من الذهب الفلاني والناس يتداولونه، وهو في الحقيقة ليس عنده تلك الكمية ومن هنا تدخلت المؤسسات الحكومية وبدأت هي التي تشرف على الأعمال البنكية، وتراقبها، وتجعل إصدار الأوراق النقدية كالريالات والدولارات وغيرها من مهام البنوك المركزية بينما إصدار الأوراق التجارية كالشيكات والكمبيالات ونحوها من مهام البنوك التجارية وأصبح العمل منظمًا وانتشرت المصارف، وأصبحت تزاول ثلاثة أنواع من الخدمات .
أصبحت المصارف تقدم ثلاث أنواع من الخدمات:
النوع الأول من الخدمات: الخدمات الاستثمارية .
والنوع الثاني: الخدمات الائتمانية .
والنوع الثالث: الخدمات المصرفية.(4/21)
سنتحدث هذه الليلة إن شاء الله عن الخدمات الاستثمارية لأهميتها ولكثرة السؤال عنها لأن المقصود بالخدمات الاستثمارية يعني أن ينشأ البنك محافظ أو صناديق استثمار ؛ يجمع فيها أموال الناس ثم يستثمر تلك الأموال التي في الصناديق في أدوات استثمارية مختلفة كالأسهم والسندات والمعادن وغيرها سيكون حديثنا هذه الليلة إن شاء الله عن الأسهم بتفاصيلها والصناديق الاستثمارية الموجودة الآن في السوق التي تديرها البنوك، وهل هي جائزة أو محرمة وما يعني الضوابط الشرعية لعمل تلك الصناديق والضوابط الشرعية لتداول الأسهم لأنها مرتبطة في الحقيقة بالصناديق سيكون هذا إن شاء الله محل حديثنا بعد الصلاة، نعم نجيب عن بعض الأسئلة، ثم نصلي ثم نستكمل الحديث عن المجموعة الأولى من مجموعات الأعمال المصرفية وهي الخدمات الاستثمارية.
عارض الأسئلة:
شكر الله لفضيلة الشيخ هذه الفوائد، وما ذكر في بداية هذه الدورة، ونبقى مع أسئلتكم وبعد العشاء كما ذكر الشيخ سيستكمل الموضوع ثم أيضًا سيكون هناك وقت للأسئلة، والأسئلة كثيرة جدًا، ومعظم الأسئلة يعني أراها عن الأسهم وهناك مواضيع تعلقت يعني بما طرحه الشيخ مباشرة، سنبدأ بهذا ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.
هذا سؤال يقول: يا شيخ حببك الله، حديث حكيم بن حزام حينما قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : لا تبع ما لا تملك، مع أن حكيم - رضي الله عنه - يشتري عن طريق الوصف، وليس شيئًا معين، وهذا الوصف جائز، فكيف نجمع بين هذا وذاك؟
الشيخ :
نقول: ورد مع حديث حكيم بن حزام حديث آخر، حديث ابن عباس – رضي الله عنهما - الذي في الصحيحين ?? قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَقَالَ مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ??(4/22)
ومعلوم أن السلم أو السلف: البائع يبيع المسلم فيه، وهو لا يملكه إلى الآن، بل إنه غير موجود، فيأتي مثلًا التاجر ويعطي المزارع يقول: هذه عشرة آلاف ريال الآن أسلمك الآن على أن تسلمني بعد سنة أو بعد سنتين مثلًا ألف كيلو من التمر بالمواصفات الفلانية، الآن المزارع هذا أليس قد باع شيئًا لا يملكه؟ باع شيء لا يملكه أو يملكه الآن؟ يقول بعد سنتين، سيسلمه بعد سنتين، التمر إلى الآن لم يظهر، ومع ذلك جاز، جوزه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأذن لهم بذلك لأنه لأن العقد وقع على شيء موصوف غير معين، وعلى ذلك نجمع بين حديث حكيم وبين حديث ابن عباس بأن نقول: يحمل حديث حكيم بن حزام على الأشياء المعينة المحددة، وأما حديث ابن عباس فيكون على الأشياء الموصوفة لكن بشرط أن يسلم الثمن في الحال، لا أن يكون كلاهما أي يكون الثمن والمثمن مؤجلًا.
عارض الأسئلة:
جزاكم الله خيرًا، هذا سائل يقول: ما حكم عمليات عقود التوريد حيث أن كثيرًا من الشركات تورد سلعًا أو خدمات على طلب الزبون خاصة إذا كانت السلع من خارج البلاد؟
الشيخ :(4/23)
عقود التوريد في الحقيقة هي من بيع الكالئ بالكالئ، مؤجل بمؤجل؛ يأتي شخص ويتعاقد مع شركة، أو مع جهة على أن تقوم بتوريد سلع له على فترات تسلمه كل مثلًا ثلاثة أشهر تسلمه شيئًا من تلك السلع، وهو يعطيها، يعطي تلك الشركة أو تلك المؤسسة الثمن على أقساط فهنا الثمن مقسط والسلعة كذلك مقسطة أو مؤجلة، هو من الكالئ بالكالئ لكنه غير مشمول بالنهي لأن المنهي عن الكالئ بالكالئ كما سيأتي إن شاء الله فيما بعد الأصل في الكالئ بالكالئ أنه محرم إلا أنه استثني من ذلك ما تدعو إليه الحاجة، ما دعت إليه الحاجة، وذكر أهل العلم من ذلك حق الاستصناع، حق الإستصناع أن يأتي شخص، يسمى الآن عقود المقاولة، شخص يريد أن يبني دارًا فيتفق مع مقاول على أن يقوم هذا المقاول ببناء البيت ويحضر الأدوات من عنده، ويتولى تصميم البيت بالكامل ثم يسلمه تلك البيت اللي يسمى تسليم مفتاح، يسلمه البيت بعد سنة، ويسلمه الثمن وقت التسليم أو يكون تسليم الثمن على دفعات، فهنا تلاحظون المعقود عليه أو المثمن الآن مؤجل تسليم الدار، والثمن نفسه أيضًا مقسط أو مؤجل، فهل هذا من الكالئ بالكالئ؟
نقول: هذا وإن كان من الكالئ بالكالئ، أو المؤجل بالمؤجل إلا أنه مما يجوز لأن الأمة أجمعت على جوازه إجماعًا عمليًا كما ذكر ذلك الأحناف، ولأن الحاجة داعية إليه، ومثله أيضًا عقد التوريد هو وإن كان من الكالئ بالكالئ إلا أنه مما اغتفر للحاجة إليه؛ لأنه مما يحتاج إليه الإنسان، فهذه من العقود التي يغتفر فيها التأجيل لوجود الحاجة ولوجود الإجماع العملي عند الناس على التعامل بها.
عارض الأسئلة:
جزيتم خيرًا، هذا سائل يقول: هناك من يشتري من البقالة ثم تبقى له بعض الأموال، فيأتي في اليوم اللاحق أو في وقت يستوفي ما كان له من مال متبقي، فما حكم ذلك ؟
الشيخ:(4/24)
هذه في الحقيقة اللي يسميها الناس يعني الفكة أو صرف من صاحب البقالة ونحو ذلك؛ يأتي شخص إلى صاحب البقالة ويشتري منه بسبعين ريالًا مثلًا، يشتري سلعًا بسبعين ريالًا، ثم يعطيه مائة ريال، المشتري، فصاحب البقالة يقول: الآن ما عندي فكة أو ثلاثين ريال لأرد إليك الباقي ائتني غدًا وأسلمك المتبقي، هنا في الحقيقة المعاملة فيها تأجيل لأنه في صرف الآن ريالات المائة هذه منها ثلاثين ريالًا مقابل الثلاثين ريال التي سيعطيها البقال للمشتري؛ لأن السبعين مقابل السلع التي اشتراها، والثلاثين مقابل الثلاثين التي سيردها البقال للمشتري، فالصرف الآن أو المبادلة التي بين الثلاثين والثلاثين هنا مبادلة ربوي مال ربوي بمال ربوي من جنسه، يشترط فيها ماذا؟(4/25)
شرطان : التقابض والتماثل، فالواجب هو التسليم في الحال، الواجب هو التسليم في الحال، لا يجوز التأجيل أن يقول: ائتني غدًا، لكن قد اختار الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله تعالى - في مثل هذه الصورة أنه يجوز التأخر في القبض ولا يجوز التأجيل، يعني يجوز أن يخرج مثلًا صاحب البقالة أو المشتري ويذهب يبحث عن من يصرف له تلك النقود في الحال ولا يؤجله إلى الغد أو إلى ما بعد الغد، يعني لا يكون هناك تأجيل وإنما يتأخران في القبض لتعذر يعني التسليم في الحال ولوجود الحاجة مقتضية لمثل ذلك، وهذا يحصل أيضًا عند أصحاب محطات البنزين يأتي العامل ويعبي ثم تعطيه خمسمائة ريال، فيذهب ويبحث عن من يصرف له تلك النقود، نقول: خروجه وانصرافه في مثل هذا الحال مغتفر، لكن لا تؤجل التسليم إلى الغد أو ما بعد الغد حتى لا يكون من ربا النسيئة، لكن لو قال الشخص أنا قد لا أجد صرفًا الآن، نقول: لك مخرج شرعي في مثل هذه الحال ذكرها ابن قدامة رحمه الله: أن يعطيه المال المتبقي المائة كلها يعطيه المائة كلها في مثل المثال الأول يعطيه المال كله ويقول: اجعلها أمانة عندك، ويأخذ السلعة التي مقابلها، يعني لا ينوي بها الصرف، وإنما ينوي بها أن تكون أمانة عند البقال، ونحو ذلك.
لا ما يستطيع يوكله في الصرف؛ لأنه إذا وكله بالصرف هذه حيلة على الحكم الشرعي لكن المخرج الشرعي ذكره ابن قدامة قال: أن يجعل المال عنده أمانة، أمانة عند الشخص الذي يريد أن يصارفه.
عفوًا، ومثله أيضًا الشخص أحيانًا يكون في الدار أو مع أصحابه يريد أن يصرف يقول: من عنده صرف مائة عشرات مثلًا، يريد أن يصرفها عشرات، أو خمسمائة يريد أن يصرفها مثلًا مئات: هنا الصرف للخمسمائة والمئات مبادلة مال ربوي بمال ربوي من جنسه لابد من التقابض والتماثل، فإذا لم يكن عند أحد الطرفين ما يفي المال كاملًا لا مانع من أن يعطيه المبلغ كاملًا ويقول: اجعله أمانة عندك حتى تجد الصرف.(4/26)
عارض الأسئلة:
نعم، هذا سائل يقول: أعمل وسيط أسهم في أحد البنوك، وأناصح العملاء في بعض المعاملات والأسهم المحرمة، فهل علي ذنب عند البيع والشراء في هذه الشركات المحرمة للعملاء؟
الشيخ :
إذا كان البيع والشراء لأسهم بنوك، أو أسهم شركات نشاطها محرم فلا يجوز لك عمل ذلك، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد ذكرنا أن من شروط البيع أن يكون المبيع مباح المنفعة، وهنا المنفعة منفعة البيع محرمة، أما إذا كانت الأسهم التي تبيعها لشركات مختلطة أو شركات نقية فإن عملك في هذه الحال جائزة لأن الشركات المختلطة قد قال كثير يعني كثير من أهل العلم بجوازها، فالمشتري الذي يريد أن يشتري أو الذي يريد أن يبيع على الأقل هو قد أخذ بفتوى فتنفيذ يعني طلبه في هذه الحالة يترتب عليه محظور، أما بيع وشراء الشركات المحرمة فهذا لا يجوز ولا يحل لك أن تنفذ ذلك الأمر.
نعم جزيتم خيرًا، نحن سنحرص أيها الأخوة على عرض جميع الأسئلة، وطبعًا كل سؤال مهم لصاحبه، فمهما كان السؤال فصاحبه يهتم له.
هذا سائل يقول: فضيلة الشيخ كيف يرضى الصائغ باستبدال ذهب قديم بجديد من عنده، ما لم يدفع صاحب الذهب القديم الفرق من المال في القيمة للصائغ؟
الشيخ :(4/27)
هو قطعًا لم يرض الصائغ أن يستبدل الذهب القديم بالذهب الجديد بنفس الوزن، لكن المخرج الشرعي لذلك أن يبيع صاحب الذهب القديم أن يبيعه بريالات ثم إذا أخذ الريالات يشتري بتلك الريالات ذهبًا جديدًا من ذلك الصائغ أو من غيره بشرط ألا يكون هناك اتفاق بينه وبين الصائغ على أنه سيبيع عليه الذهب القديم ثم سيشتري منه ذهبًا جديدًا، إذا لم يكن هناك اتفاق فلا مانع، فنقول: بعه بريالات ثم اشتري بتلك الريالات ذهبًا كما أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالًا إلى مثل ذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بلالًا إلى خيبر فجاءه بتمر جنيب يعني تمر جيد، وكان تمر المدينة تمرًا رديئًا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ?? أَنَّى لَكَ هَذَا ؟ ?? أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ??
يعني : يبدلون صاع بصاعين من التمر، يعني صاع من التمر الجيد بصاعين من التمر الرديء، فقال له عليه الصلاة والسلام: ?? ذَلِكَ أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا ?? لأنه الآن مبادلة ربوي بجنسه، يشترط فيه ماذا؟
كم شرط؟ شرطان: التقابض والتساوي، لابد من صاع بصاع، لابد من التساوي، لا ننظر إلى الثمن، وإنما تنظر إلى الكمية والمقدار، فقال: ?? ذَلِكَ أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا ?? ولكن أرشد لاحظوا وهذا من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا حرم شيئًا ماذا؟ بين المخرج الشرعي والبديل، قال: ?? بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا?? .
اشتري به تمرًا جيدًا لأن الدراهم والتمر لا يشترط فيها التساوي أو التقابض.
عارض الأسئلة:
نعم هذا طالب يقول ..
الشيخ:(4/28)
باقي نقطة: يعني في مبادلة الذهب القديم بالذهب الجديد يستثنى حالة واحدة تجوز المبادلة بينهما مع عدم التساوي إذا كان الأقل منهما وزنًا معه نقود، إذا كان الأقل منهما وزنًا معه نقود فتجوز المبادلة في هذه الحالة، فمثلًا الذهب القديم زنته عشرين جرام، والذهب الجديد زنته ثلاثين جرام، وطلب الصائغ من المشتري قال: أعطني الذهب القديم ومعه ألف ريال، ... ألف ريال، ففي هذه الحال تجوز المبادلة، لماذا؟ لأن عشرين جرامًا من الذهب القديم مقابل عشرين جرامًا من الذهب الجديد، والألف ريال مقابل العشر جرامات الزائدة هذه يسميها أهل العلم مسألة مد .. ودرهم، فإذا كان الأقل منهما الأقل وزنًا معه نقود فيجوز في هذه الحال، أما إذا كان الأكثر منهما هو الذي معه نقود فلا يصح، لو كانت الثلاثين جرام ذهب، الذهب الجديد معها نقود هي التي معها نقود، نقول عشرين مقابل عشرين، لكن هنا في زائد عشرة ونقود، ما الذي يقابلها في هذه الحال؟ واضح.
الشيخ:
نعم، حتى لو اختلف عيار الذهب الذي ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي أنه لا ينظر إلى اختلاف العيار لابد من التساوي ؛ هذا عيار واحد وعشرين أو عيار ثماني عشر أو عيار أربع وعشرين لابد من التساوي في الوزن أن يتساويا في الوزن.
كيف؟ لا ما يلزم من البائع يحسبها بهذه الطريقة، الأهم إنه يضع نقودًا معها لا يؤتى بهذه النقود حيلة لكن تكون نقود مقصودة يعني خمسمائة ريال، ألف ريال فعلًا، يعني ما يلزم أنها تكون مقابلة في التساوي لها، واضح؟
فيعني إذا وضع مع الأقل منهما نقودًا وأوتي بها وكانت مقصودة تلك النقود لها قيمة؛ يعني ما وضع خمس ريالات أو عشر ريالات شيء تافه كذا، لا، كانت مقصودة ففي هذه الحال لا مانع من المبادلة؛ لأن الأقل بجزء من الأكثر والفائض من الأكثر يكون مقابل النقود.
عارض الأسئلة:(4/29)
هذا يقول: استلمت مكافأتي من الجامعة بواسطة شيك، وسلمته للبنك حتى يدخله في حسابي مع العلم أن حسابي في بنك والشيك باسم بنك آخر، فهل هو من الربا لعدم وجود القبض؟
الشيخ :
لا، هذا ليس من الربا؛ لأن القيد المصرفي وهذه القاعدة ستأتينا أيضًا إن شاء الله عندما نتكلم عن الحوالات المصرفية في آخر جلسة إن شاء الله في الحوالات والشيكات، والتعامل بالشيكات كيف يتم، القيد المصرفي في قوة القبض، فأنت إذا سلمت البنك شيك، البنك الآن تسلم الشيك، لكن ما الذي سلمك البنك هل سلمك شيء؟ إلا هو في الحقيقة سلمك شيء، ماذا عمل البنك ؟ قيد لصالحك مبلغًا من المال مقداره مثلًا ألف ريال، هذا القيد يكفي في تحقق القبض كأنك قد قبضت النقود، وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بأن القيد المصرفي في قوة القبض، فإذا قيد المبلغ مصرفيًا ففي هذه الحال كأن العميل قد قبض تلك النقود، لا يلزم أن يقبض النقود حسًا، وإنما يكفي القبض الحكمي بإيداعها في رصيده أو بتسجيلها في حسابات البنك، نعم.
عارض الأسئلة:
نعم، هذا يقول: أشتري بعض السلع وتتم المبايعة وإذا لم تتوفر بعض الأنواع يذهب البائع ليحضرها من محل آخر، هل في هذا من محظور؟
الشيخ:
إذا توفر الشرطان اللذان ذكرناهما قبل قليل: بأن تسلمه الثمن؛ لا تؤجل الثمن، وأن تكون السلعة التي تشتريها مما يغلب على الظن وجودها ففي هذه الحال لا بأس بذلك، وهذا يحصل كثيرًا لدى الموردين وتجار الجملة وغيرهم يعني يجرون العقود ثم يشترون السلع فنقول: إذا كانت هذه السلع موصوفة غير معينة؛ يعني يشتري أشياء مثلًا كذا من الأطعمة وكذا مثلًا من المعادن أو من الحديد، أو مثلًا من الأجهزة الكهربائية أو السيارات يعني أشياء غير معينة، وإنما تباع بالوصف فهذه يجوز إجراء العقد عليها وإن لم تكن موجودة في الحال.
عارض الأسئلة:(4/30)
نعم هناك عدد من الاقتراحات تطلب أن تكون هذه الدورة يعني مدونة ومطبوعة في مذكرة لكي توزع ويعم بذلك النفع، هذا نتركه للشيخ وتقدير الشيخ؟
الشيخ:
يعني ممكن، هي المذكرة موجودة بس تحتاج لها بعض التعديلات، لكنه قد يعني يفضل أن تعطى مكافأة لمن أو تتاح لمن حضر الدورة كلها، يعني ما يكون الشخص يأخذ المذكرة ويمشي، أي تجعل كمكافأة لمن فعلًا حضر جميع الدورة.
عارض الأسئلة:
جزاك الله خير، هذه الدورات أحيانًا تقدم بأموال، والشيخ يقدم لكم الجوائز، جزاه الله خير .
يقول سائل: إذا أخذت أسهم بالأقساط، هل هذا الشراء صحيح؟ وإذا كان غير صحيح ما المخرج ، وقد حصل ذلك؟
الشيخ :
هذه المشكلة ... حصل ذلك
عارض الأسئلة :
يقول هذا طبعًا السؤال نص السؤال ..هذا سنتكلم عنه إن شاء الله، شراء الأسهم بالتقسيط في درس العشاء إن شاء الله.
عارض الأسئلة:هذا السائل يقول: ما رأيك في صندوق الأمانة؟ طبعًا بعض الأسئلة تتوجه إلى بعض المعاملات في بنوك معينة تُذكر أسماؤها، فيقول: ما رأيك في صندوق الأمانة في بنك معين علمًا بأنني قد وضعت فيه مبلغًا معينًا لمدة شهر، وبعد ذلك لم أتمكن من إرجاعه، فاضطررت بسحب ما تبقى وتوكلت على الله؟
طبعًا السؤال : ...
الشيخ:
إذا كنت قد أودعت فيه وضعت النقود لما تسأل الآن؟(4/31)
المفترض أن يسأل الشخص قبل أن يدخل في الصندوق، ما يأتي ويعني يودع في الصندوق أو ... في الصندوق ثم يسال أهل العلم بعد هذا، هذا مثل ما يحصل عند كثير من الناس باكتتابات، إذا كان اكتتاب مدة أسبوع أو أسبوعين، ولا يجد أحد يسأله من أهل العلم يقول: اكتتب الآن، ثم إذا تبين إنه حرام بعته، لكن الآن لا تفوت الفرصة، نقول: لا، أنت إذا كانت المعاملة الاكتتاب في الشركة محرم قد وقعت في الحرام وما يدريك قد تموت وأنت يعني لم تطهر مالك هذا، وما يدريك ربما يكون هذا سببًا لمحق البركة في أموالك، إنك تدخل في معاملة وأنت تشك فيها، عمومًا الصناديق سنتحدث عنها أيضًا بعد الصلاة إن شاء الله.
عارض الأسئلة:
نعم يقول: ما حكم دفع غرامة تأخير إلى جهة خيرية مقابل مماطلة المدين؟
الشيخ:
لا يجوز هذا دفع غرامة، إلزام المدين المماطل بدفع غرامة عن تأخيره وصرف تلك الغرامة لجهات خيرية، هذا في الحقيقة من الربا؛ لأن الربا في الحقيقة هو زيادة تكون في ذمة المدين، فإذا ألزم بدفع تلك الزيادة فهذا هو الربا المحرم حتى وإن كان الدائن لن يستفيد من ذلك المبلغ، وإنما سيصرفه إلى جهة خيرية، فالجهة الخيرية إن شاء الله غنية عن مثل هذه الأموال المحرمة، والله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا.
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول: ما حكم الشرط الجزائي الذي يوضع على المقاول لينجز العمل في موعده المحدد؟
الشيخ :
الشروط الجزائية على نوعين:(4/32)
شرط جزائي يتضمن زيادة في الالتزام الذي على المدين، شرط جزائي يتضمن زيادة في الالتزام الذي على المدين، مثلًا: كأن يعني يقول الدائن للمدين إذا لم توف الدين في الوقت الفلاني فستدفع زيادة مقابل ذلك التأخير، فهذا الشرط محرم وهو من الربا، ومثله من أمثلته الآن: غرامات التأخير في الديون، ومن أمثلته كذلك أن يشترط المؤجر المالك الدار مثلًا على المستأجر أنه إذا تأخر عن سداد الأجرة عن اليوم الخامس مثلًا من الشهر فإنه يدفع زيادة مائة ريال مثلًا أو يدفع واحد بالمائة من قيمة الأجرة، هذا الشرط جزائي محرم؛ لأنه من غرامات التأخير وهو زيادة في الدين بعد ثبوته، ومثله أيضًا أن تكون شركة خدمات مثلًا كالهاتف مثلًا أو شركة كهرباء أو شركة إنترنت تقول للعميل أو المشترك معها إنه إذا تأخر عن سداد الأجرة المستحقة عليه أو سداد الفاتورة عن نهاية الشهر ودخل في الشهر الذي يليه فإنه يدفع فوائد أو غرامة عن التأخير مقدار واحد بالمائة مثلًا، أو مائة ريال كمبلغ ثابت، نقول: هذا الشرط الجزائي محرم وهو من الربا ولا يجوز.
النوع الثاني من الشروط الجزائية: الشرط الذي يقصد منه حث العامل على العمل وذلك بالخصم وليس الزيادة؛ الخصم من أجرته المستحقة إذا لم يوف بالعمل، كالمقاول مثلًا، يقال مثلًا إن أجرة المقاول أو عمله يتفق معه على أن يعطيه مليون ريال إذا أنجز مثلًا بناء الدار أو بناء المشروع خلال هذه السنة وإذا تأخر فإنه عن كل شهر سيخصم عليه لن يزيد، لا، سيخصم عليه مبلغ مثلًا واحد بالمائة من قيمة المشروع فهذا الخصم جائز لأنه على سبيل التحفيز لإسراعه في العمل ولأنه ليس زيادة وإنما هو خصم، والربا إنما يكون في الزيادة، وليس في النقصان.
عارض الأسئلة:
نعم هذا سائل يقول: إيداع الشيك في جهاز الصراف في هذه الحال لا يكون هناك تقابض، فما الحكم في ذلك؟
الشيخ :(4/33)
لا، هو يكون في تقابض، إذا كان جهاز الصراف يعطي المودع ورقة تثبت أنه أودع شيئًا فقد تحقق التقابض.
عارض الأسئلة :
نعم، وهذا سؤال يقول صاحبه: في بعض مواقع الإنترنت نستطيع التعامل في الأسهم والعملات، فيلزم الاشتراك فيها فما رأيكم في هذا الاشتراك؟
لا، ذكر عدة تفاصيل لهذا الموضوع.
الشيخ :
الاشتراك في مثل هذا الخدمات جائز من حيث الأصل، لكن يبقى عاد نوع العمل أو التجارة التي يقوم بها في الأسهم أو في العملات، هذا سيأتي تفصيله إن شاء الله عندما نتحدث عن الأسهم، وعندما نتحدث عن العملات في ثنايا هذه الدورة إن شاء الله.
عارض الأسئلة :
نعم يقول: اشتريت بضاعة ولم يكن لدي المبلغ كاملًا فدفعت بعض المبلغ ورضي البائع بأن أدفع الباقي لاحقًا، فهل هذا جائز؟
الشيخ :
نعم هذا لا بأس به، إذا كان قد دفع جزءًا من المبلغ والبضاعة سلمها إليه بالكامل، فلا مانع من تقسيط الجزء المتبقي.
عارض الأسئلة:
نعم، هذا سائل يقول: قمت بطلب شراء الأسهم وذكر بعض الشركات علمًا بأن تحديد الأسهم كان من اختياري مع أني لا أريد لا أريدها أو لا أريد هاتين الشركتين إلا مؤقتًا لبيعها وإسقاط قيمتها في المحفظة؟ والقرض: يعني ذكر مبلغ كبير جدًا وطلبوا منه أربع دفعات خلال سنة مع فائدة للمقرض ثمانية ونصف بالمائة هل يصح هذا العقد؟
الشيخ :
يعني الحقيقة الصورة غير واضحة تمامًا لكن عمومًا يعني اللي يظهر من هذا السؤال أن البنك موله أسهمًا ببيعه أسهمًا بالتقسيط، ويعني يسدد يعني ثمن تلك الأسهم بربح وهو مقداره ثمانية بالمائة أو ثمانية ونصف بالمائة حسب ما ذكر، هذه المعاملة منها ما هو جائز ومنها ما هو محرم؛ إذا كان التمويل بالأسهم فيجوز، أما إذا كان التمويل بالنقود فإنه لا يجوز وسنتحدث عنه إن شاء الله بعد الصلاة تفصيلًا.
عارض الأسئلة:
نكتفي بهذا القدر أيها الأحبة؛ نصلي العشاء ثم نستكمل الموضوع وسيكون هناك وقت بإذن الله عز وجل للأسئلة.
...(4/34)
l
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
ذكرنا أن المصارف تقدم ثلاثة أنواع من الأعمال أو ثلاث مجموعات :
المجموعة الأولى : هي مجموعة الخدمات الاستثمارية وسنتحدث في هذه الليلة عن تلك الخدمات .
ونقصد بالخدمات الاستثمارية : تلك الأوعية التي تنشئها المصارف بغرض تجميع أموال عملائها فيها ومن ثم تنميتها لهم عبر أساليب توظيف الأموال المختلفة ، وفي المقابل يأخذ المصرف أجراً أو عمولة لقاء هذه الخدمة تسمى تلك الأوعية التي تنشئها المصارف لاستثمار تلك الأموال تسمى الصناديق أو المحافظ الاستثمارية .
الصندوق الاستثماري : هو وعاء ليس وعاءاً حسياً إنما هو وعاء معنوي يقوم البنك أو المصرف فيه بتجميع الأموال أموال العملاء في ذلك الصندوق ومن ثم استثمار تلك الأموال في مجالات الاستثمار المختلفة .
من هنا نعرف أن الأموال التي في الصندوق هل هي للبنك أم للعملاء ؟ لمن هذه الأموال ؟.
- هذه الأموال للعملاء ولا تدخل في ميزانية البنك ولا تدخل في مركزه المالي ولذلك عندما يعلن البنك عن مركزه المالي الربع سنوي أو السنوي هذه الصناديق أو الأموال التي في الصناديق لا تدخل في مركزه المالي لأنها ليست أمواله ,إنما دور البنك فقط هو إدارة تلك الأموال ويديرها بعقد الوكالة كما سيتبين ذلك هناك ما يشبه الصناديق وهو ما يعرف بالمحافظ الاستثمارية . في الصناديق تجمَّع الأموال من عملاء كثر ألاف العملاء لكن في المحافظ تكون المحفظة خاصة بشخص واحد يكون هذا الشخص لديه أموال كثيرة ويريد من البنك أن يديرها له فيعطي البنك تفويضاً بذلك لإدارة تلك المحفظة الخاصة به قد تكون الأموال التي في المحفظة مقاربة للأموال التي في الصندوق لكن الصناديق تكون مطروحة للعموم إنما المحافظ تكون لأشخاص لأفراد يفوضون البنوك في إداراتها .
ما العلاقة الشرعية الآن بين البنك الذي هو مدير الصندوق والعملاء أو المودعين ؟(5/1)
العلاقة هنا تُكَيّف شرعاً على أنَّها وكالة بأجر وليست من قبيل المشاركة . هنا البنك وكيل عن العملاء بأجر فهو يدير هذه الأموال ومقابل إداراته لتلك الأموال يأخذ أجراً والبنوك عادة لا تأخذ أجراً مقطوعاً في إداراتها للصناديق وإنما تأخذ أجراً نسبياً (1%) أو (2%) من قيمة أصول الصندوق يعني إذا وصلت قيمة الصندوق مليار أو مليارين أو ثلاثة مليارات البنك كم سيأخذ ؟ (1%) من قيمة أصول الصندوق يأخذها من العملاء عند الدخول أو عند الخروج فكل عميل يريد أن يخرج من الصندوق مثلاً تُقيم أمواله في الصندوق إذا أراد أن يخرج نفرض أنها مائة ألف و عمولة البنك (2%) معناه أن البنك سيأخذ (2%) من المائة ألف , إذا كانت أموال العميل خمسون ألف معناه أن البنك سيأخذ (2%) من الخمسين ألف هذه العمولة جائزة شرعا من حيث الأصل والعقد جائز شرعاً من حيث الأصل لأنها وكالة بأجر والأجرة هنا لا يقال أنها مجهولة لأنه يجوز أن تكون الأجرة في الشرع يجوز أن تكون مبلغاً مقطوعاً كما يجوز أن تكون أجراً نسبياً كما في أجرة السمسار لو أن شخصاً أعطى سمساراً سلعاً ليبيعها وقال: له لك (2%) من ثمن ما بعته من السلع هذه السيارة تبيعها لك (2%) من قيمة بيعها فباعها مثلاً بقيمة عشرة ألاف يأخذ (2%) من العشرة ألاف لو باعها بقيمة ثمانية ألاف يأخذ (2%) من الثمانية ألاف هذا العقد جائز طبعاً فكذلك الصناديق ، مدير الصندوق أو البنك يأخذ أجراً نسبياً من قيمة الصندوق .
ضوابط عامة في الصناديق :(5/2)
صندوق يريد أن يدخل فيه شخص لابد أن يتحقق من أربعة ضوابط :لابد أن تكون يد مدير الصندوق الذي هو المصرف لابد أن تكون يده يد أمانة فهو لا يضمن أموال المستثمرين إلا في حال التعدي أو التفريط بمعنى أن مدير الصندوق هو وكيل والوكيل لا يضمن في الشريعة يده يد أمانة إلا إذا فرَّط أو تعدى . لا يجوز أن يضمن المصرف أو مدير الصندوق للمستثمرين أموالهم إذا قال مدير الصندوق : " الصندوق هنا مضمون أو نضمن لك رأس المال" .
فهنا نقول :هذا الشرط محرم والعقد لم يصبح عقد وكالة بأجر وإنما هو عقد قرض كأن المبلغ الذي أعطيته للبنك كأنه قرض في ذمة مدير الصندوق وأي فائدة تأخذها على ذلك القرض فهي من الربا لأننا ذكرنا أن القرض بفائدة هو ماذا ؟ هو ربا زيادة مشروطة في أصل العقد وعلى ذلك نعرف بناءاً على هذا الضابط أن ما يعلن عنه اليوم من الصناديق التي يقولون عنها أنها صناديق مضمونة إذا قالوا صندوق مضمون يعني أن البنك يضمن الأموال فهذه الصناديق محرمة لا تجوز حتى ولو كانت الأسهم التي فيها أسهماً نقدية لا يجوز أن يضمن مدير الصندوق أموال الصندوق .
لا يجوز استثمار الصندوق في أنشطة محرمة كالسندات والأسهم المحرمة لابد أن تسأل قبل أن تدخل في أي صندوق ما هو نشاط هذا الصندوق ؟ في أي مجال من الأسهم أو السندات يستثمر هذا الصندوق الآن في البلد قريب من 300 صندوق استثماري تديره البنوك نقول لكم مع الأسف البنوك أكثر ما تطرح من الصناديق هي صناديق غير مجازة من هيئات شرعية أصلاً ما قال أحد من العلماء بجوازها قد يكون فيها سندات قد يكون فيها أسهم بنكية قد يكون فيها أشياء محرمة في أسهم عالمية أو غير ذلك فعلى ذلك عليك أن تسأل أو أن تتأكد قبل أن تدخل في الصناديق بناءاً على الضوابط التي سنذكرها الآن في الأسهم والسندات .(5/3)
لا مانع شرعا من الاستثمار في صناديق أو محافظ استثمارية في البنوك التي تتعامل بالفائدة بشرط أن يكون محتوى الصندوق أو المحفظة جائزة وهذا سؤال يكثر طرحه من كثير من الأخوة !! يقولون مثلاً هل يجوز أن أفتح محفظة استثمارية لدى البنك الفلاني الذي يتعامل بالربا ؟ نقول فتح المحفظة في حد ذاته ليس فيه محظور شرعي لأن الأموال التي في المحفظة ليست للبنك وإنما هي تحت نظر العميل نفسه هو الذي يديرها وهو الذي يبيع ويشتري الأسهم ولذلك قلنا أن المحافظ الاستثمارية هذه لا تدخل في ميزانية البنك بخلاف الودائع ، الحسابات الجارية لأنه في الحسابات الجارية الأموال هذه تصبح ضمن أموال البنك ويستثمرها البنك ضمن أمواله وعندما نتحدث إن شاء الله عن الحسابات الجارية سنبين تحريم فتح الحساب الجاري إلا بضوابط لدى البنوك الربوية أما المحفظة الاستثمارية فالأمر فيها أخف لأن المحفظة الاستثمارية لا تدخل ضمن أموال البنك فعلى ذلك لو كان الصندوق تستثمر فيه الأموال في أسهم مباحة والبنك الذي يديره بنك ربوي فنقول لا مانع من أن تدخل في ذلك الصندوق النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه عاما أهل خيبر وهم يهود الذين كانوا يتعاملون بالربا أعطاهم أرض خيبر ليعملوا عليها ولهم نصف ما يخرج منه من ثمر وزرع وهذا ليس بأسوأ حالاً من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر اليهود هؤلاء فالعلاقة الآن بين العميل والبنك هي علاقة وكالة بأجر فأنت تعطيهم المال ليديروه بالوسائل المشروعة لابد أن يكون بأدوات استثمارية مشروعة وتعطيهم أجراً مقابل ذلك وهذا لا إشكال فيه .(5/4)
مثل ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر أرضاً مقابل عملهم في الأرض فلذلك نقول فتح المحفظة الخاصة للعميل بنفسه سواء أدارها العميل بنفسه أو أدارها له البنك والدخول في الصناديق الاستثمارية الجائزة بناءاً على الضوابط التي سنذكرها هذا يجوز حتى وإن كان في بنك يتعامل بالفائدة لأن هذه الأموال لا تدخل ضمن أموال البنك ولا يستثمرها البنك ضمن أمواله الخاصة بخلاف الحسابات الجارية فتح الحساب الجاري فإنه في الحساب الجاري إذا أودعت لدي البنك في نفس الليلة البنك يقرض هذا المال مثل ما قلنه ويقترض على طول تقرضه أنت وفي نفس الليلة يقوم بإقراضه لجهات التوظيف في الأسواق العالمية ففي فرق بين الأمرين . ...
أنواع الصناديق الاستثمارية
الصناديق التي تطرحها على أنواع متعددة أشهرها أربعة أنواع :
صناديق المرابحة ، وبعض البنوك تسميها صناديق البضائع وفي هذه الصناديق تستثمر أموال الصندوق بشراء معادن دولية نقداً أو سلع دولية شرائها نقداً ثم بيعها بالأجل ماذا يعمل البنك الذي يدير الصندوق هذا ؟ يشتري معادن بالنقد بالأموال التي عنده يشتريها مثلاً بمائة مليون في السوق الفورية السوق العاجلة ثم يذهب للسوق الآجلة سوق البيع الآجل ويبيع هذه المعادن أو السلع التي اشتراها يبيعها بالأجل بمائة وعشرة ملايين مثلاً مؤجلة في ستة أشهر أو تسعة أشهر أو سنة هذه الصناديق جائزة شرعاً ولا محظور في الدخول فيها لكن عيب هذه الصناديق في الحقيقة الناس لا يقبلون عليها لأن أرباحها قليلة جداً قد لا تكون الأرباح المتحققة منها سوى في المتوسط (4%) أو (5%) في السنة الناس اتجهوا إلى الأسهم التي تعطي في السنة تقريباً (80%) أو (90%) لكن ما يميز هذه الصناديق صناديق المرابحة أنها شبه مأمونة لا نقول مضمونة لكنها مأمونة بمعنى أنه ليس فيها إلا مخاطرة يسيرة جداً يعني في الغالب أن البنك لا يبيع يعني بالأجل إلا على شركات كبيرة قادرة على السداد .(5/5)
النوع الثاني من الصناديق وهو الأشهر هو صناديق الأسهم وفي هذه الصناديق تستثمر الأموال أموال الصندوق في شراء الأسهم والمضاربة بها والمتاجرة بها في سوق الأسهم وسنتكلم عن الأسهم تفصيلاً الآن إن شاء الله بعد أن نعدد هذه الصناديق
3- صناديق السندات وفيها تستثمر الأموال في المتاجرة في السندات وسنتحدث إن شاء الله عن النسائي السندات بعد أن نتحدث عن الأسهم .
4 – صناديق العملات وفي هذه الصناديق يقوم البنك بالمتاجرة في العملات بالبيع والشراء لكن الآن لخطورة العملات أكثر البنوك لا تتعامل بصناديق العملات يغني أُقفلت كثير من الصناديق قبل عدة سنوات لكن ظهرت شركات ومؤسسات أخرى خارج هذه البنوك بدأت تتاجر في العملات كما سنبينه إن شاء الله بعد أن ننتهي من الحديث عن الأسهم والسندات
الحديث عن صناديق المرابحة هذا لا يحتاج إلى طول نفس أو تفصيل فيه لأن الأمر فيها واضح مجرد شراء سلع ثم بيعها لكن الأمر يحتاج إلى تفصيل في الأسهم صناديق الأسهم
فما هي الأسهم ؟ وما أنواعها ؟ وما حقيقتها الشرعية ؟ وما ضوابطها ؟ وما حكم الصناديق الموجودة الآن في السوق التي تستثمر في الأسهم ؟ فالأسهم تعرف بأنه صكوك قابلة للتداول تمثل حصة شائعة في رأس مال الشركة المساهمة من خلال هذا التعريف يتبين لنا خصائص الأسهم .
خصائص الأسهم :
أول خاصية من خصائص الأسهم :أنها تصدر من ماذا ؟ ما الجهة التي تصدرها هل هي الدولة ؟ أم مؤسسات فردية ؟ الشركات المساهمة هي تصدر من شركات مساهمة مفتوحة للناس .(5/6)
الخاصية الثانية : أنها قابلة للتداول بمعنى أن هذه الأسهم صكوك معدة للبيع والشراء مباشرة تتذبذب بيعاً وشراءاً والشخص الذي يشتريها هو لا يقصد في الغالب الأرباح التي تأتي من الشركة نفسها وإنما يقصد أن يستربح من ذلك السهم أو من ذلك الصك فهو يشتريه بسعر ثم يبيعه بسعر أعلى قد يبيعه في نفس اليوم أو بعد أسبوع أو بعد سنة أو يكون بعيد النظر فيبيعه ويخطط لما بعد عدة سنوات على أنه سيشتريه الآن بسعر أقل ثم سيبيعه بسعر أعلى فلذلك نقول إن هذه الأسهم قابلة للتداول فهي بهذا الأمر تشبه عروض التجارة ولهذا ذهب كثير من الباحثين إلى أن السهم تكيف شرعاً على أنها عروض تجارة لماذا ؟ لأن المساهم في الحقيقة يربح منها كما يربح التاجر من السلعة التي عنده التاجر يشتري السلع بثمن ثم يبيعها بثمن أعلى وكذلك المساهم يشتري الأسهم بثمن ثم يبيعها بثمن أعلى ولهذا قالوا إنها تشبه عروض التجارة من هذا الجانب وألحقوا بها أحكام عروض التجارة كما سيأتي بيانه .
من خصائص الأسهم : كذلك أنها متساوية القيمة أسهم كل شركة متساوية القيمة شركة ثابت مثلاً في اليوم الفلاني كل الأسهم أسهم الشركة يعني إذا كان عند هذا الشخص عشرة أسهم وعند الثاني عشرة أسهم كل واحد سهمه يساوي قيمة السهم الثاني الذي عند الآخرين في الشركة الواحدة .
من خصائص الأسهم : أيضاً أنها غير قابلة للتجزئة أمام الشركة بمعنى أن السهم الواحد لابد أن يكون مملوكاً لشخص واحد فلو أن شخصاً توفي وورثه أبناؤه من بعده ورثوا أسهمه لابد أن تسجل تلك الأسهم باسم كل سهم السهم الواحد منها يسجل باسم واحد ما يقال هذا السهم مملوك لاثنين حتى وإن كان مملوكاً بالفعل لاثنين لكن أمام الشركة لابد أن يكون مسجلاً باسم شخص واحد ولهذا فهي غير قابلة للتجزئة أمام الشركة .(5/7)
الخاصية الأخيرة من خصائص الأسهم : أن مسئولية المساهم فيها محدودة وهذه هي التي أعطت عند الناس رغبة في الدخول في الشركات المساهمة بمعنى أنه لو أفلست الشركة المساهمة وتربت عليها ديون أكثر من موجوداتها موجودات تلك الشركة فإن الساهمين غاية ما يخسرونه هو ماذا ؟ الأسهم ولا يطالبون بسداد الديون التي على الشركة التي يملكون أسهمها غاية ما يخسره المساهم أن يخسر الأسهم التي يملكها لا يقال له نحتاج إلى أن تسدد الديون التي على الشركة لأن من خصائص الشركات المساهمة أنها ذات مسئولية محدودة .
السهم له ثلاث قيم : " قيمة اسمية ، وقيمة دفترية وقيمة سوقية "
القيمة السوقية : هي قيمة السهم عند الطرح الأول أي عند الاكتتاب .
القيمة الدفترية : فهي قيمة ما يقابل السهم من موجودات الشركة .
القيمة السوقية : هي القيمة التي يباع بها السهم في السوق .
ولِبَيَان ذَلِكَ اضرِب هَذَا المِثَال حتى تَضْحُ الصُورَة :
لنفرض أن شركة طرحت للاكتتاب طرح منها مليون سهم ورأس مالها مائة مليون هذا يعني أن كل سهم قيمته مائة ريال ونفرض أن هذه الشركة بدأت تزاول نشاطها من أول السنة وفي نهاية السنة الأولى قيمت موجودات الشركة أصولها فأصبحت تساوي مائتي مليون ريال وفي نهاية السنة الأولى كذلك كان السهم يباع بخمسمائة ريال الآن نقول إن القيمة الاسمية لسهم الشركة كم ؟ مائة ريال وهي القيمة التي طرح بها السهم في البداية هذه القيمة تثبت مع الشركة أو مع السهم لا تتغير حتى تنتهي الشركة إلا أن يكون هناك تجزئة من الجهات المنظمة بأن تجزأ الأسهم بدلاً من تكون قيمها الاسمية مائة تصبح خمسين .(5/8)
الآن الشركات السعودية كلها عندنا قيمتها الاسمية خمسون ريال وهذه ثابتة لا تتغير ، في المثال السابق كم القيمة الدفترية و الحقيقية في نهاية السنة الأولى ؟ مائتي ريال ، هذه القيمة أي قيمة الموجودات أو ما يمثله السهم من الموجودات تتغير مع نشاط الشركة وهي في العادة تتغير كل ربع سنة ، كل ثلاثة أشهر عندما تعلن الشركة عن ميزانيتها ، وعن موجوداتها تعرف القيمة الدفترية ، أو قيمة موجودات الشركة في ذلك الحين فهي تتغير كل ربع سنة .
أما القيمة الثالثة وهي القيمة السوقية وهي تعادل في المثال السابق كم تساوي ؟ خمسمائة ريال القيمة التي يباع بها السهم في السوق هذه القيمة تتغير كل كم ؟ كل ثانية أو أقل من الثانية . وبأي شيْ تتأثر هذه القيمة ؟ بالعرض والطلب أي بحسب طلب المساهمين لذلك السهم أو إعراضهم عنه فهذه القيمة السوقية لا ترتبط مباشرة بنشاط الشركة قد تكون الشركة خاسرة ؛ ومع ذلك السهم يرتفع وقد يكون العكس لماذا ؟ لأن القيمة السوقية ترتبط بالعرض والطلب بينما القيمة الدفترية ترتبط بنشاط الشركة ، والقيمة الاسمية ثابتة لا تتغير بالشركة .
أنواع الأسهم .
تتنوع الأسهم بأنواع كثيرة ، من أبرز ذلك التنوع أن تتنوع بحسب المزايا التي تعطيها لحملة الأسهم وهي بهذا الاعتبار تنقسم إلى قسمين :
1 – أسهم عادية
2 – أسهم ممتازة
أما الأسهم العادية : ففيها يتساوى المتساهمون في كافة الحقوق من حيث توزيع الأرباح والأصوات وغير ذلك من الحقوق كل بقدر الأسهم التي يملكها هذه هي الأسهم العادية .(5/9)
والنوع الثاني من الأسهم هي الأسهم الممتازة : وفي هذا النوع من الأسهم يستحق المساهم الذي يملك الأسهم الممتازة يستحق بعض الامتيازات الزائدة عن امتيازات حملة الأسهم العادية ، وبعض هذه الامتيازات جائز وبعضها محرم فمن الامتيازات الجائزة التي تكون في الأسهم الممتازة أن بعض الأسهم الممتازة تمنح حاملها حقوقاً في التصويت أو في الأرباح تكون له حصة في بقية الأرباح أكثر من بقية المساهمين مما لحملة الأسهم العادية هذه الامتيازات جائزة لأن القاعدة في الشركات في الشريعة أن قسمة الأرباح تكون بحسب الاتفاق فإذا اُتفق في مجلس إدارة الشركة أو في الجمعية العمومية على أن حصة حملة الأسهم الممتازة من الأرباح أكثر من حملة الأسهم العادية فهذا جائز شرعاً ، يجوز مثلاً في الشرع أن ينشئ شخصان شركة أحدهما يدفع مليون والثاني يدفع مليون وتكون قسمة الأرباح للأول سبعين بالمائة (70%) ، والثاني ثلاثين بالمائة (30%) .
هذا جائز في الشريعة لأنه قد يكون عند الأول من الخبرة أو الصيت أو السمعة في السوق ما ليس عند الثاني ، ومن الامتيازات المحرمة في الأسهم الممتازة أن يكون للمساهم صاحب السهم الممتاز أن يكون له الأولوية عند تصفية الشركة ، فيقال أول من يأخذ حصته من موجودات الشركة هم أصحاب الأسهم الممتازة فهذا الامتياز محرم ، ومن الامتيازات المحرمة كذلك أن تضمن الشركة لحملة الأسهم الممتازة تضمن لهم جزء من رأس أموالهم ، أو رأس أموالهم كاملة ، أو تضمن لهم جزء من الأرباح ، أو تضمن لهم أن لا يتعرضوا لخسارة كل هذا لا يجوز لأن الواجب والقاعدة في الشركات في الشريعة أن الخسارة يجب أن تكون على رأس المال بخلاف الربح ، الخسارة تكون بحسب حصة كل من الشركاء في الشركة .(5/10)
فإذا اتفق اثنان على إنشاء شركة أحدهما وضع مليون والثاني مليون هنا الأرباح تكون بحسب الاتفاق . اتفقا النصف بالنصف أو الثلث والثلثين أو غير ذلك ؛ لكن الخسارة يجب أن تكون مناصفة بحسب رأس المال ولا يجوز أن يضمن أحد الشريكين من الخسارة أكثر من الآخر فعلى هذا نقول إذا كان في السهم الممتازة ضمان لرأس المال أو للخسارة أو غير ذلك فإنها تكون محرمة .
الأسهم المتداولة الآن في السوق فيما أعلم السوق السعودية كلها من الأسهم العادية وليس فيها أسهماً ممتازة إلا أشياء نادرة لكنها غير مطروحة للتداول أما المطروح الآن للتداول فهي كلها من الأسهم العادية ‘ لكن قد يوجد فيما بعد ويوجد أيضاً في الأسواق الأخرى يوجد أسهم ممتازة فلابد أن يتحرى الشخص قبل أن يشتري السهم الممتاز. هل الامتيازات التي فيه جائزة أو محرمة ؟
الحكم الشرعي للأسهم .
من حيث الأصل بالنسبة للأسهم العادية : ما حكم المتاجرة في الأسهم والاستثمار فيها ؟
هل هذه الأسهم جائزة شرعاً ؟ وهل يجوز الدخول في الشركات المساهمة أو لا ؟
نقول من حيث الأصل هذه الشركات تندرج تحت القاعدة العامة للشركات فهي نوع من الشركات التي جاءت الشريعة بإقرارها وجوازها فهذه الشركات المساهمة لا يترتب عليها محظور شرعي من حيث الأصل .
فنقول إنها تندرج تحت القاعدة العامة وهي : ( أن الأصل في المعاملات هو الحِل) فلا إشكال في إنشاء شركات مساهمة بالضوابط التي سنذكرها . البعض في الحقيقة اعترض على هذا الحكم ابتداءً ، وقل أصلاً الدخول في الأسهم .
لا يجوز وبعضهم يذكر علتين :
العلة الأولى : أن البعض يقول إن هذا نوع من المقامرة . لأن الأسهم يشتري الواحد منا السهم بمائة ريال وبعد ثواني تصبح قيمة السهم تسعين ريالاً أو تصبح قيمته مائة وعشرة ريالات ، وهكذا يتذبذب سعره فهو في الحقيقة نوع من القمار لا يدري الشخص على أي شيء دخل هل سيربح أو سيخسر .(5/11)
ونقول في الحقيقة إن هذه مغالطة ووضع الأشياء في غير موضعها ، الذي في سوق الأسهم هو في الحقيقة مخاطرة وليس مقامرة .
وفرق بين المخاطرة والمقامرة .
ولبيان ذلك نقول إن المخاطرات على نوعين :
مخاطرة مشروعة .
مخاطرة ممنوعة .
أما المخاطرة الممنوعة فهو أن يشتري الشخص السلعة وهو لا يعلمها يجهل السلعة أو لا يعلم ثمنها أو لا يعلم الأجل متي يكون موعد السداد ؟ أو يجهل صفاتها .
نقول في هذه الحال إن الشخص اشترى شيئاً مجهولاً فهو نوع من القمار فهو عقد غرر كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، هذه المخاطرة محرمة ولا تجوز
النوع الثاني من المخاطرات : هو المخاطرة المشروعة وهو أن يشتري الشخص سلعة يعرفها ويعرف ثمنها ولكن لا يدري هل سيربح فيها أو سيخسر بعد ذلك أي بعد العقد ؟
نقول إن هذا هو شأن التجارة في الشرع كل تجارة معرضة للخطر بعضها عالية وبعضها المخاطرة فيها متدنية
حتى لو اشتريت سيارة لتبيعها فيما بعد لا تدري قد تشتري السيارة بسعر ثم لا تستطيع أن تبيعها إلا بثمن أقل هذا هو شأن التجارة ومثل هذه المخاطرات جائزة .
فالأسهم هي في الحقيقة من هذا النوع .
الشخص إذا اشترى سهماً معلوماً يعرف الثمن الذي دفعه لشراء السهم ، ويعرف الشركة التي اشتراها فنقول في هذه الحالة كونه يربح في تلك الصفقة أو يخسر هذه المخاطرة لا تؤثر في صحة العقد ولا بأس فيها ، ولذلك :
يقول شيخ الإسلام "ابن تيمية " : مبيناً هذا الأمر ?? أما المخاطرة فليس من الأدلة الشرعية ما يوجب تحريم كل مخاطرة ؛ بل عُلم أن الله ورسوله لم يحرما كل مخاطرة ولا ما كان متردداً بين أن يغنم أو يغرم أو يسلم ?? .
وكذلك يقول : ?? كل متابعين لسلعة يرجو أن يربح فيها ويخاف أن يخسر فمثل هذه المخاطرة جائزة في الكتاب والسنة والإجماع والتاجر مخاطر?? أ. هـ.
وجود المخاطرة في التجارة لا يقتضي أنها محرمة .(5/12)
العلة الثانية : أنهم يقولون إن تداول الأسهم في الحقيقة تداول غير منتج وهي سلع غير منتجة ،ماذا سيستفيد المجتمع والبلد والاقتصاد في مثل هذه المضاربات التي تجري على الأسهم ؟.
والجواب عن هذا الأمر أن نقول إن هذا الأمر جزء منه صحيح وجزء منه غير صحيح الأسهم في الحقيقة لها سوقان :
أسوق أولية . ... سوق ثانوية .
السوق الأولية : هي السوق الأولى التي يطرح فيها السهم عند الاكتتاب عندما تُنشأ شركة وتطرح للاكتتاب هذا الاكتتاب يسمى السوق الأولية ... . السوق الأولية منتجة لأنها في الحقيقة تنشئ بها شركة تقوي اقتصاد البلد وتنشئ مشاريع داخل البلد ثم بعد السوق الأولية تأتي السوق الثانوية .
السوق الثانوية : هي التي يتم فيها تداول الأسهم أو الأوراق المالية التي طرحت في السوق الأولية نعم السوق الثانوية ليس فيها إنتاج للبلد وليس فيها زيادة لاقتصاده وليس فيها زيادة للناتج القومي للبلد ؛ ولكن السوق الثانوية ضرورية للسوق الأولية .
الناس لا يمكن أن يقدموا على السوق الأولية إلا إذا عرفوا أن هناك سوق ثانوية .
لماذا يقبل الناس على الاكتتاب ؟ لأنهم يعرفون أنهم سيبيعون تلك الأسهم إذا فُتح التداول أما لو قيل لن يكون في الشركات المساهمة إلا سوق أولية فقط سنكتتب ولن يكون هناك تداول للأسهم لن يقدم أي شخص لماذا ؟ لأنه يستطيع أن ينشئ شركة خاصة فيما بينه وبين مجموعة من الأفراد لا يريد أن يربط في تلك الشركة لعقود أو لسنوات هو يريد أن يتخلص من الشركة متى ما أراد .
ثم إننا نقول أمر آخر البيوع في الشريعة والمتاجرات ليس من شروطها أن يكون العقد منتجاً ، ذكرنا شروط البيع السبعة فيما قبل ؛ هل من شروط البيع أن تكون السلعة إنتاجية وأن تستفيد منها البلد ؟ ليس هذا من شروط البيع صحيح نقول إن الأفضل والأولى أن توجه الأموال لما فيه إنتاج ؛ لكن القول بالتحريم لعدم الإنتاج نقول هذا مما لم يرد في الشرع .(5/13)
على سبيل المثال الشخص الذي يُحيي أرضاً ميتة هذا في الحقيقة عمله منتج .
هذا الأول باعها على ثان ، والثاني باعها على ثالث ، والثالث باعها على رابع ، والرابع على خامس إلى أن وصلت إلى العشرين أو الثلاثين رقم الأربعين هو الذي بنى هذه الأرض وأنشأ عمارة فيها مثلاً ، التداول الذي تم على هذه الأرض من رقم واحد إلى رقم تسعة وثلاثين هل هذا التداول منتج ؟ هذا غير منتج أبداً للبلد ؛ بل بالعكس فإنه يؤدي لارتفاع الأسعار في العقارات ، وارتفاع أسعار العقارات يؤدي إلى خطر أكثر من خطر ارتفاع أسعار الأسهم ، لأن العقارات يحتاج إليها عامة الناس .
الشاب الذي يريد أن يتزوج يريد أرضاً ليسكن ؛ فالتداول الذي يكون في العقارات في نظري يكون أخطر من التداول الذي يكون في الأسهم لأن العقارات في الحقيقة مما تمس الحاجة إليها وارتفاع الأثمان فيها وارتفاع قيمها من أخطر ما يكون إذا ارتفعت فمثل هذا التداول لا يمكن أن يقول أحد بتحريمه مع أنه غير منتج الذي في العقارات فقط الذي أنتج هو الشراء الأول لمن أحيا الأرض ، و المشتري الأخير الذي أقام على الأرض مشروعاً أما التداول الذي في الوسط فهو غير منتج فلذلك لا يصح أن يحكم على تداول سلعة بانها محرمة لمجرد أن هذا التداول غير منتج أو لا يحقق أثراً اقتصادياً في البلد ، لكن نقول مع ذلك إن فيه إنتاج وفيه أرباح للمتداولين لا سيما أن المتداولين لا يقدمون على السوق الأولية المنتجة إلا إذا عرفوا أن هناك سوقاً ثانوية ، وعلى ذلك بما أننا أجبنا على هذين الاعتراضين .
فنقول : إن الأصل في الأسهم هو الإباحة ولكن بضوابط وهذه الضوابط مستقاة من واقع الناس وما لمسته من تعاملهم في الأسهم .(5/14)
1 – الضابط الأول : يجب أن لا تطغى على حياة الشخص الذي يتعامل في الأسهم لأننا نلحظ الآن كثير من الناس الذين ابتلوا ودخلوا في هذه السوق أصبحت تطغى على حياتهم فهنا نقول إن التداول والبيع والشراء في حقك أصبح محرماً لأنها طغت على حياته.
2 – الضابط الثاني : يجب أن لا يخل بواجب عليه لأن على الشخص حقوقاً والتزامات تجاه دينه مثل الصلاة في الجماعة ،
بعض الناس للأسف يجلسون أمام الشاشات في صالات التداول ويتركون صالات الجماعة فنقول هم آثمون بذلك ، ويجب أن لا تخل بواجب عليك تجاه أبويك وتجاه أبنائك وأسرتك و وظيفتك . فلا يجوز أن يتداول في الأسهم ويبيع ويشتري وهو في العمل لأن هذا يخل بالواجب المنوط به .
3 – الضابط الثالث : وهو الأهم أن تكون تلك الأسهم مباحة .
ما هي السهم المباحة ؟
نقول : إِنَّ أهل العلم يقسمون الشركات التي تصدر الأسهم إلى ثلاثة أقسام
النوع الأول : " هو الشركات المحرمة "
ويقصد بها : الشركات التي يكون أصل نشاطها في أغراض محرمة أُنشأت من حيث الأصل لأغراض محرمة كالبنوك الربوية ، وشركات القمار ، و الشركات التي تتاجر في الخمور ونحو ذلك فهذه الشركات لا يجوز شراء أسهمها لا على سبيل الاستثمار ولا المضاربة
ونقصد بالاستثمار يعني شراء السهم لفترة طويلة ونقصد بالمضاربة شراء السهم لفترة قصيرة فلا يجوز الآمران لا الاستثمار ولا المضاربة لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان والله سبحانه وتعالى يقول : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2].
ولا خلاف بين العلماء المعاصرين على تحريم الدخول في مثل هذه الشركات .
النوع الثاني : " هو الشركات المباحة "(5/15)
ونقصد بها : تلك الشركات التي أصل نشاطها في أغراض مباحة ولا تتعامل بمعاملات محرمة واصطلح على تسميتها بالشركات النقية بمعنى أن جميع معاملاتها منضبطة بالضوابط الشرعية فهذه الشركات يجوز الدخول فيها والمساهمة سواء ً على سبيل الاستثمار أو المضاربة إذ أنها مندرجة تحت القاعدة العامة في الشريعة وهي أن الأصل في المعاملات هو الحل ولا يترتب على الدخول فيها محظور شرعي .
النوع الثالث : "الشركات المساهمة "
وهو الأكثر هو الشركات المختلطة ونقصد بها تلك الشركات التي أصل نشاطها في أغراض مباحة ، لكنها قد تتعامل ببعض المعاملات المحرمة التي ليست من ... نشاط الشركة و إنما هي طارئة على نشاط الشركة ، ومن أكثر المعاملات ذيوعاً وانتشاراً بين الشركات المساهمة هو الاقتراض من البنوك بالربا أي بالفائدة ، والإيداع لدى البنوك بالفائدة . الشركات أحد نوعين
إما أن تكون الشركة محتاجة لنقود لتوسيع بعض مشاريعها فتقترض من البنوك بالربا أو يكون عندها فائض سيولة نقود فتضعه لدى البنوك وتأخذ على تلك الأموال فوائد ربوية فالشركة قد تكون زراعية ، أو صناعية ، أو تجارية لكن تزاول مثل هذا العمل .
فوجود مثل هذه المعاملة المحرمة هل يقتضي حرمة هذا السهم الصادر من الشركة أم أن هذه المعاملة تكون طارئة ، ولا تقتضي حرمة ذلك السهم ؟
اختلف العلماء المعاصرون في هذه الشركات اختلافاً كبيراً وأقول : لكم ربما أن هذه هي أكبر مسألة نوقشت في المجامع الفقهية وأعقدها وأكثرها جلسات و نداوات للاختلاف الكبير فيها في المجامع والندوات الفقهية .
فهذه الأسهم الخاصة بالشركات المختلطة اختلف فيها العلماء المعاصرون على نوعين :(5/16)
القول الأول : تحريم الدخول فيها مطلقاً ولو كانت نسبة المعاملات المحرمة التي فيها يسيرة لا يجوز الدخول فيها لا على سبيل الاستثمار ولا على المضاربة وممن أخذ بهذا القول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه ، وأيضاً كان هناك فتاوى سابقة للجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة بهذا الأمر بتحريم الدخول في مثل هذه الشركات المختلطة ومستند هذا القول أنهم قالوا : إن الدخول في مثل هذه الشركات فيه إعانة لهم على الربا وفيه أكل الربا أو توكيل له والله سبحانه وتعالى قد حرَّم الربا كله قليله ، وكثيره لا فرق بين القليل والكثير منه ، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه لكن قد يرد على مثل هذا القول في الحقيقة أن الذين قالوا بهذا القول نظروا إلى الشركة المساهمة على أنها شركة كسائر الشركات المعروفة ، وأن المساهم شريك فيها وفي العمل الذي يكون في الشركة ، وهذا في الحقيقة غير مسلم فيه كما سنبينه بعد قليل .
فلمساهم في الحقيقة ليس شريكاً كمثل الشريك الذي في الشركات الخاصة بينهما فرق . لأن الشركة المساهمة تختلف عن الشركات العادية في عدد من الفروق سنبينها بعد قليل .
القول الثاني :(5/17)
من يرى جواز الدخول فيها بشرط أن يتخلص المساهم من النسبة المحرمة التي ترد عليه من إيرادات الشركة ومن أرباحها فيقولون إن وجود مثل هذا القدر اليسير من المحرم لا يحرم السهم كله إنما يتخلص من الحرام ويبقى أصل السهم مباحاً وأصحاب هذا القول يقولون ننظر إلى نشاط الشركة فإذا كان نشاطها مباحاً فنقول يجوز الدخول فيها مع التطهير فإذا كانت شركة زراعية أو صناعية أو تجارية وأصل نشاطها في أغراض مباحة فلا مانع من الدخول فيها بشرط التطهير ، وممن أخذ هذا القول الشيخ محمد العثيمين رحمه الله كان يفتي بهذا القول وأخذت به كثير من الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية . وفي الحقيقة كثرت الفتاوى التي تأخذ بهذا القول في الآونة الأخيرة ، وكثر عند المتداولين ، والمساهمين الذين يقولون : اتَّجر في كل الأسهم ماعدا البنوك
أصبحت هذه كلمة دارجة لدى كثير من المساهمين ، وأنا أود أن أنبه إلى قضية لعلها غابت عن بال من قال بجواز كل الأسهم عدا البنوك(5/18)
أقول : أسهم البنوك ليست محرمة في أنها أسهم البنوك ذاتها هي محرمة لما فيها من الاستثمارات المحرمة ، و لذلك لو كان البنك بنكاً إسلامياً لا يتعامل بالربا فيجوز شراء أسهمه فالبنوك ليست محرمة في ذاتها وإنما لما فيها من الاستثمارات المحرمة ولا فرق في هذا الأمر بين البنوك والشركات التي تعتمد في نشاطها على الاستثمار المحرم بل ؛ إني أقول لكم تجربة ومعرفة بالشركات ودراسة لقوائمها هناك من الشركات الزراعية أو الصناعية أو التجارية أو الخدمية ما يكون فيها من الاستثمارات المحرمة أكثر مما في البنوك ، والسبب في ذلك أن الشركات اتجهت في الآونة الأخيرة إلى أن تستثمر في الاستثمارات المالية الشركة مُنشأة لأغراض زراعية أو صناعية لكن هذه مكلفة ، الشركة بدلاً من ذلك تقول أشتري أسهم أو أضع ودائع بنكية ، و أستثمر في السندات مثلاً استثمارات مالية تحقق أرباحاً أكثر والكلفة أقل ، وقد جاءني مدير إحدى الشركات يقول بعنا مشروع لنا في الشركة بمائتين مليون على أساس ننشئ محفظة أسهم .
فسألته ليش ؟ أنا أعلم أن هذه الشركة شركة صناعية
قال : لا المشروع هذا يحقق لنا في السنة عشرة بالمائة هذا على أحسن الأحوال (10%)
لكن محفظة الأسهم نستطيع أن نحقق بها في السنة تسعين بالمائة (90%) أرباح .(5/19)
فأصبحوا يتاجرون في الأسهم أو تركوا نشاطهم الحقيقي النشاط التشغيلي ، واتجهوا للاستثمارات المالية ، ولا أبالغ إذا قلت إن إحدى الشركات منذ أُنشئت وإلى ساعتنا هذه لم تنقص الاستثمارات المحرمة التي فيها عن الثلثين (65%) مع أنه مصنفة على أنها شركة خدمات ، وكل عملها في الاستثمارات المالية وفي السندات وفي أسهم البنوك وفي الودائع البنكية . هذا في الحقيقة تسميتها شركة صناعية أو شركة زراعية أو شركة خدمات هذا كذب في الواقع هي في الحقيقة شركة وساطة مالية هي بنك هذه ، فلذلك أن لا نغتر بالتصنيف أنها شركة زراعية أو غير ذلك لا نغتر بذلك . انظر إلى القائمة المالية للشركة ومركزها المالي قد تجد أنها في الحقيقة أسوأ من البنوك لذلك أنا أقول ربما الذين قالوا بالجواز ربما لم يراعوا هذه القضية فمن الشركات ما هو في نظري أشد تحريماً من البنوك . الذي يظهر لي في هذه المسألة والله أعلم هو التوسط فيه وهو أن نقول :
إذا كانت الشركة لا تعتمد في نشاطها على الاستثمار المحرم ، وإنما كان هذا الاستثمار طارئاً على نشاط الشركة ، وأصل نشاط الشركة وعملها من خلال مسيرتها الإنتاجية ، ومن خلال قوائمها المالية هو في الإنتاج المباح ، وفي الاستثمارات المباحة لكن تطرأ عليها بعض المعاملات المحرمة فإن هذا الأمر لا يقتضي حرمة السهم كله .
بل ؛ نقول إن أصل السهم مباحاً وما طرأ عليه من الزيادة الحرام هذا يمكن التخلص منه فيبقى السهم مباحاً ويتخلص منه .(5/20)
ما الضابط الآن في التفرقة بين اليسير ، والكثير ؟ نقول نرجع إلى القوائم المالية للشركة ونرجع إلى العرف المحاسبي . فإذا كانت الإيرادات المحرمة التي في الشركة كثيرة وتعتمد عليها الشركة ففي هذه الحالة نقول إن الشركة محرمة .أما إذا كانت طارئة ، ويسيرة فإن القاعدة الشرعية أن اليسير التابع مغتفر لا سيما مع عموم البلوى ، ولا نقول هنا إن الربا أصبح مباح ! لأ لا شك أن الربا محرم وكبيرة من كبائر الذنوب ولكن هو محرم على من زاول ذلك العمل أو رضي أو أذن به لعلل سأذكرها وسأبينه في هذه المسألة .
أما المساهم الذي لم يرض بذلك ولم يأذن به فنقول إذا كانت الشركة لا تعتمد على نشاط محرم فإن ذلك لا يقتضي حرمة السهم كله .
والذي سوغ للمساهم أن يدخل في مثل هذه الشركات عدة أمور :
الأمر الأول : أن الشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة عن المساهمين فالمساهم في الحقيقة ليس شريكاً من كل وجه في الشركة فهو ، وإن كان يملك في السهم إلا أنه لا يمتلك في موجودات الشركة . لأن موجودات لشركة بما فيها الموجودات المحرمة ليست ملكاً للمساهمين ، وإنما هي ملك للشركة بشخصيتها الاعتبارية ، ولهذا الأنظمة تفصل ما بين ملكية السهم ، وملكية موجودات الشركة فالسهم مملوك للمساهمين ، وموجودات الشركة مملوكة للشركة بشخصيتها الاعتبارية ، ولهذا مثلاً إذا أراد المساهم أن يزكي فهو يزكي عن الأسهم والشركة عن موجوداتها . إذا كان الشخص يضارب في الأسهم فلابد أن يزكي عن أسهمه والشركة تزكي عن الموجودات التي عندها ، ولا يعد هذا فنية للزكاة لأن الأسهم شيء والموجودات شيء آخر . ومما يؤكد ذلك أنه لو نقصت القيمة السوقية للأسهم عن قيمة ما يقابله من موجودات في الشركة فما الذي للمساهم الآن ؟ له الأسهم فقط .(5/21)
شخص مثلاً يملك نصف أسهم شركة مساهمة مثلاً هذه الشركة قيمة أسهما السوقية تساوي مثلاً مائة مليون ، والشخص يملك فيها النصف . بينما قيمتها الدفترية و موجوداتها تساوي مائتي مليون يعني أن القيمة السوقية هابطة كما في بعض الأسواق الخارجية .
الآن هذا الشخص إذا أراد أن يصفي ويخرج من الشركة كم له ؟ له خمسين فقط .
لو أراد أن يطالب بحصته من الموجودات ؟ لا يقال له إن الأموال التي دفعتها في موجودات الشركة ليست لك أصبحت مملوكة للشركة ، وأنت ليس لك إلا الأسهم فهناك فرق بين الأسهم وموجودات الشركة نفسها ، وهذا موجود في الشركة المساهمة فقط ولا يوجد في غيرها من الشركات . ففي هذا الأمر نقول إن الشركة المساهمة وضعها مختلف عن بقية الشركات .
أيضاً مما يؤيد هذا الأمر الذي رجحناه أن نقول أن الأسهم في الحقيقة كما ذكرنا خصائصها هي صكوك قابلة للتداول فهي تأخذ حكم عروض التجارة .(5/22)
وعروض التجارة الآن والسلع لو كانت السلعة معظمها مباح ، وفيها شيء يسير من الحرام فإن السلعة لا تحرم كلها ؛ بل يلزم الشخص المالك أن يتخلص من الجزء الحرام ويبقى الجزء المباح على أصله وهو الإباحة وهذا كما لو كان هناك دواء يباع في الصيدلية مثلاً ، وجزء منه فيه الكحول كما في بعض الأدوية كما تعرفون ؛ لكن لو شرب الشخص من هذا الدواء فإنه لا يسكر سواء أقل أو كثر ففي هذه الحالة بيع هذا الدواء ما حكمه ؟ جائز لأنه غير مسكر مع أن فيه نسبة من الكحول لماذا ؟ لأنه لم يظهر لهذا الكحول أثر لا في طعم ولا في لون ولا في رائحة ولا إسكار في ذلك الدواء فيقال إنه جائز مع أن فيه شيئاً يسيراً من الحرام ، فكذلك السهم إذا كان فيه نسبة يسيرة لم يظهر أثرها في السهم ومعظم السهم مباح فإننا نقول إن هذه النسبة مغتفرة كما اغتفر الكحول الذي في الدواء ؛ لكن إذا أخذ أرباحاً من الشركة عليه أن يتخلص من النسبة المحرمة التي تأتيه من الشركة وهذا أيضاً كما في الماء إذا وقع فيه قطرات من البول ، ولم تغير طعمه ولا لونه ولا رائحته فإن هذا الماء لا يتنجس لوجود قطرات يسيرة من البول لم يظهر أثرها في الماء .
كذلك نقول إن السهم لا يتنجس ، ولا يحرم لوجود شيء خبيث منه ولكن يلزم التطهير كما سيأتي بيانه إن شاء الله .(5/23)
أيضاً مما يؤيد هذا الأمر أن تداول السهم هو في الحقيقة منفصل عن نشاط الشركة ، وهذا الأمر غائب عن كثير من الناس فالبعض يظن أن تداول السهم مرتبط بنشاط الشركة ، وهذا غير صحيح فقيمة السهم قد ترتفع ونشاط الشركة قد ينقص ، وقد يكون العكس ، وما يدفعه المساهم المشتري لشراء السهم إلى أين يذهب هذا ؟ لا يذهب للشركة منه ريال واحد وإنما يذهب لمساهم البائع ، والمال الذي يأخذه المساهم البائع هل يأخذه من الشركة ؟ إنما يأخذها من المساهم المشتري فتداول الأسهم منفصل عن الشركة ، ولذلك قلنا إن الأسهم هي بمثابة العروض ، وعلى ذلك إذا كثر الحرام الذي في السهم فإنه يكون عرضاً محرماً يكون سلعة محرمة كما ذكرنا في البداية في شروط البيع أن تكون السلعة مباحة .(5/24)
فعلى ذلك لو كان نشاط الشركة يغلب عليه النشاط المحرم نقول إن السهم في ذاته أصبح سلعة محرمة لا يجوز تملكها بخلاف السهم التي في أصلها مباحة وليس فيها إلا نسبة يسيرة من الحرام . أيضاً أقول لعل ما يؤيد هذا الأمر والتفرقة بين القليل والكثير أن في هذا تحقيقاً للمصلحة الشرعية في القضاء على الربا الذي انتشر في كثير من الأسواق بين الشركات المساهمة . فالربا في الحقيقة قد ضرب أطنابه في الشركات المساهمة ، وقد يصعب تطهير الشركات منه دفعة واحدة ، ويصعب على المساهمين أيضاً التشديد عليهم في هذا الأمر فلو أخذ الأمر بالتدريج فأنا أجزم بإذن الله تعالى أن الشركات خلال سنوات معدودة سوف تصبح كلها نقية لأن المساهمين الآن ولله الحمد بدءوا يتابعون الشركات النقية ويسألون هل الشركة نقية أو مختلطة أو محرمة فمثل هذه المتابعة ومثل هذه الأسئلة تدفع القائمين على الشركات أن يطهروا معاملاتهم من الحرام ونحن قمنا بمتابعة للشركات وبينا للمساهمين أنواع الشركات ، وكان لها أثر إيجابي وطيب على الشركات . كثير من الشركات اتصلوا بي وبالعديد من الأخوة الذين يهتمون بموضوع الشركات وبيان المعاملات المحرمة التي فيها الكثير من الشركات يقولون نحن نريد أن تخلص من الحرام الذي فيها ... .
نريد أن تصبح شركاتنا نقية ماهو السبيل ؟كيف نتخلص من القروض؟ كيف نتخلص من الإيداعات المحرمة لدينا ؟
وهذا في الحقيقة يبشر بالخير ، ويدل على أن الناس حريصون على تنقية أموالهم من الحرام حتى القائمين على الشركات هم في الحقيقة حريصون ، ووجدت الآن ولله الحمد البدائل الشرعية .
فأقول معها هذا التدريج إن شاء الله ، ومتابعة الشركات لعل القضاء على الربا برمته يكون إن شاء الله في الأمد القريب .(5/25)
وعلى هذا فالذي يظهر لي في هذه المسالة هو التفرقة بين الشركات المختلطة التي يكثر فيها الحرام ، والشركات المختلطة التي لا تعتمد على المحرم . الأولى محرمة ، والثانية جائزة لأكن من تورع عنها فهو الأفضل اتقاءً للشبهة وتجنباً للاختلاف في هذه المسالة ، ودعماً للشركات النقية ، لكن من دخل فيها فيجب عليه أن يتخلص من النسبة المحرمة ، ولو كانت يسيرة ، وهو لا يلزمه ان يطهر من الأرباح التي تكون بالبيع والشراء ، فإذا اشترى سهماً من شركة مختلطة بمائة ثم باعه بمائة وعشرين لا يلزمه ان يخرج شيئاً لأن الثمن الذي أخذه لم يأته من الشركة وإنما جاءه من المساهم المشتري الذي حل محله ، ولأن الارتفاع هنا بسبب الطلب على هذا السهم وليس بسبب مباشر من نشاط الشركة إنما الذي يلزم التطهير فيه هو الإيرادات والأرباح التي تأتي من الشركة ففي هذه الحالة عليه أن يتخلص من تلك النسبة المحرمة ، وقد قمنا بدراسة الشركات المحلية هناك شركات محرمة وهناك شركات نقية وهناك شركات مختلطة حصرناها الشركات التي لا تتجاوز نسبة الإيرادات المحرمة التي فيها خمسة بالمائة (5%) ، وعددها يقارب تسعة وثلاثين شركة فمن دخل في شيء من هذه الشركات عليه أن يخرج هذه النسبة من الأرباح أما الشركات التي تزيد نسبة الإيرادات المحرمة عن هذه النسبة (5%) فهذه في العرف تعد كثيرة ومن صميم نشاط الشركة .
لذلك ففي العرف المحاسبي تُلزم الشركة التي تزيد إيراداتها عن هذا الحد أن تفصح عنه وان تبينه لأنه أصبح كثيرا في نشاط الشركة أما ما كان دون ذلك فإنها لا يلزمها أن تدرجه ضمن نشاطها التشغيلي بل يعتبر ضمن إيراداتها الأخرى .
إذن خلاصة القول في هذه المسألة هو ما ذكرناه من التفصيل في وضع الشركات وبعضها شركات محرمة ، وبعضها شركات مختلطة وبعضها شركات مباحة .
ننتقل بعد ذلك إلى مسألة أخرى تتعلق بالأسهم ، وهي زكاة الأسهم كيف يزكي المساهم أسهمه ؟(5/26)
فنقول يفرق في زكاة الأسهم بين المستثمر والمضارب .
فالمستثمر هو من يقتني السهم بقصد الاستفادة من ريعه السنوي أي الأرباح التي توزعها الشركة
فإذا كانت الشركة تزكي فلا يلزمه أن يزكي عن أسهمه لأن زكاة الشركة تُعد زكاة له ، وجميع الشركات السعودية الآن ملزمة بدفع الزكاة لمصلحة الزكاة والدخل .
أما إذا كانت الشركة لا تزكي كما في الشركات الخارجية ففي هذه الحالة يلزم المستثمر أن يزكي بأن يخرج ربع عشر القيمة الدفترية للسهم .
والنوع الثاني : من المساهمين المضاربون
فالمضارب هو الذي يتاجر في السهم بمعنى انه اشترى السهم للاستفادة من ارتفاع سعره ليبيعه . سواء خطط لبيعه قريباً أو في نفس اليوم أو في يوم آخر أو بعد أسبوع أو بعد أسبوعين أو شهر أو سنة أو سنتين إذا كان من نيته أنه ما اشترى ذلك السهم إلا ليبيعه بعد أن يرتفع ثمنه فنقول أنت مضارب ولست مستثمراً . فهذا يجب أن يزكي أسهمه ولو كانت الشركة تزكي لن السهم أصبحت في حقه عروض تجارة فتزكى زكاة عروض التجارة ، وكيفية الزكاة أن يقوم الأسهم التي عنده بقيمتها السوقية وقت حلول الزكاة ، ويخرج ربع عشر تلك القيمة يعني يقسم القيمة على أربعين ويخرج الناتج كزكاة له .
ولإيضاح ذلك نضرب هذا المثال :
حلَّ موعد الزكاة لأحد الأشخاص وهو يمتلك عشرة أسهم في شركة من الشركات وهذه الشركة قيمة سهمها الدفترية مائة ريال ‘ وقيمتها السوقية خمسمائة ريال فإذا كان هذا الشخص مستثمراً كم تبلغ زكاته ؟
نضرب عشرة في مائة الناتج يكون ألف ، ثم نقسم ألف على أربعين. اثنين ونصف بالمائة من الألف يعني خمسة وعشرون ريالاً أما لو كان هذا الشخص مضارباً كيف يزكى ؟
نضرب عشرة في خمسمائة الناتج يكون خمسة آلاف ربع العشر الخمسة آلاف يعني اثنين ونصف بالمائة من الخمسة آلاف يساوي مائة وخمسة وعشرون .
فهذا هو الفرق بين زكاة المستثمر والمضارب ، وتلاحظون أيهما أكثر زكاة ؟ المضارب(5/27)
وأيضاً المضارب لابد أن يزكي ولو كانت الشركة تزكي .
وهنا يأتي سؤال الكثير من الناس لا يهتم به " هل أنت مستثمر أو مضارب " ؟
البعض يقول لو اشتريت أسهم وخليتها سنة أو سنتين أنا مستثمر .
نقول : لا أنت مستثمر بالمعنى الاقتصادي ، وليس بالمعنى الشرعي . أنت عندما اشتريت السهم هل كنت تنظر إلى الأرباح التي توزعها الشركة ؟ هذا هو الذي دفعك لشراء السهم
أم كنت تنتظر ارتفاع قيمة السهم ثم تبيعه بعد أن يرتفع ؟
فإن كان الأول فأنت مستثمر ولا زكاة عليك .
أما إذا كنت تنظر إلى ارتفاع قيمة السهم ولو بعد سنة أو سنتين أو ثلاثة فأنت في الحقيقة مضارب ، ولذلك أغلب الناس هم مضاربون يشتري الأسهم ليبيعها بعد أن ترتفع قيمتها .
إذا كنت تستثمر في صناديق استثمار فأنت مضارب ولست مستثمر لأن صناديق الاستثمار كلها تدار بالمضاربة ولذلك أي شخص يدخل في الصناديق الاستثمارية نقول إن هذا الشخص مضارب في الأسهم عليه أن يزكي عن جميع الأسهم التي عنده بقيمتها السوقية سواء كانت تلك الأسهم من الأسهم الموجودة في صندوق الاستثمار أو من الأسهم التي يملكها في محفظته الخاصة لأنه أصبح مضاربًا.
إذا اكتتبت في شركة الذين اكتتبوا مثلًا في اتحاد اتصالات أو في البلاد ماذا كانوا ينتظرون ؟ هل ينتظرون الأرباح التي توزعها الشركات ؟ ما في أحد اكتتب في هذه الشركات ويريد الأرباح التي توزعها الشركات بل إن هاتين الشركتين من المتوقع ألا توزع أرباح في الأمد القريب لأن الشركات هذه جديدة مثل شركة (د:1.00.40) وغيرها وفي الحقيقة أغلب الناس إنما اكتتبوا لأي شيء ؟ لأجل ارتفاع قيمة السهم هو سيكتتب بخمسين ثم ربما يبيع بتسعمائة بعد سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات فنقول إذًا أنت مضارب وليس مستثمرًا فعلى ذلك لا بد أن يتنبه الشخص إلى قضية الزكاة وأمرها خطير .
ننتقل إلى قضية أخرى متعلقة بالأسهم وهي الاكتتاب :(5/28)
فالاكتتاب هو في الحقيقة طرح الأسهم في السوق الأولية ومن القضايا المهمة في الاكتتاب حكم المساهمة بأسماء آخرين نحن نعلم أن البلد - يعني في السوق المحلية - مقبل بمشيئة الله تعالى على اكتتابات كثيرة خلال هذه السنة ربما يكون بعضها خلال الأسبوعين القادمين وسيأتي هذا السؤال أول سؤال يتوقعه المفتي من الناس: ما حكم الاكتتاب باسم شخص آخر هل يجوز لي أن آخذ اسم أخي أو اسم قريبي أو اسم جاري واكتتب باسمه ؟ لأنه من المعلوم أن الأنظمة تضع حدًّا أعلى للاكتتابات أو لأعداد الأسهم لكل مكتتب .
فنقول : الذي يظهر والله أعلم أنه لا يجوز لشخص أن يكتتب باسم غيره سواء كان ذلك بعوض يدفعه الشخص لصاحب الاسم أو كان ذلك بغير عوض مجانًا لما في ذلك من المحاذير الشرعية المتعددة منها:
أولًا: التدليس والكذب على الشركة لأن الشركة شرطت عند تأسيسها وعند الاكتتاب بها ألا يدخل أي شخص إلا باسمه الحقيقي وتنص على أن الشخص يحضر بطاقة الأحوال الخاصة به فلا تأذن بأن يكتتب الشخص باسم غيره .(5/29)
الأمر الثاني : لما في هذا الأمر من تعدي الشخص وتجاوزه للحد المستحق له نظامًا وتعديه على حق غيره ممن التزم بالنظام الحقيقة البعض يقول أنا لن أضر أحدًا أخي لن يكتتب أن أريد أن آخذ اسمه أو جاري لن يكتتب أنا أريد أن آخذ اسمه ؟ نقول هو في الحقيقة أنت لن تظلم أحدًا ولا تظلم جارك لكنك ظلمت من ؟ بقية المساهمين لأن المساهمين بدلًا من أن يخصص لهم عشرة أسهم لكل واحد أصبح سيخصص لهم خمسة أسهم وأنت لأنك لم ترض باسمك فقط سيخصص لك ستمائة سهم لأنه جمع أسماء الأقارب والجيران وأهل الحي ومن حوله فهو في الحقيقة تجاوز الحد المستحق له في النظام وأخذ من حقوق الآخرين لأن هناك من نقصت حصصهم وأنصبتهم لا سيما أن كثير من الناس يأخذ أسماء كثير جدًّا حتى حدثني بعض الأشخاص أنه أخذ أكثر من ثلاثة آلاف اسم كلها سجلها باسمه عند الاكتتاب في إحدى الشركات السابقة ، صار مليونيرًا بالاكتتاب لكنه بأسماء الآخرين .
ننتقل إلى نقطة أخرى حتى لا نطيل وهي تداول الأسهم قبل أن تبدأ الشركة في نشاطها :
إذا طرحت الشركة للاكتتاب بعد فترة تطرح الأسهم للتداول فإذا كانت الشركة حديثة التأسيس هل يجوز تداول أسهمها أم أن هذا من مبادلة النقد بالنقد لأن معظم موجودات الشركة في الحقيقة من النقود ؟(5/30)
الذي أراه أنه إذا كانت الشركة مباحة فلا مانع شرعًا من تداول أسهمها ولو كانت الشركة حديثة التأسيس ولا يعد هذا من مبادلة النقد بالنقد لأن النقود إنما تمثل أغلبية من الأشياء المحسوسة في الشركة الأشياء العينية أما إذا نظرنا إلى الشركة بشكلها المتكامل الكلي فهناك حقوق معنوية الاسم التجاري التصاريح التي صدرت بها الشركة منافع الموظفين أو العاملين في الشركة وقت التأسيس بعض الأصول المملوكة للشركة كل هذه الحقوق في الحقيقة ترفع من قيمة السهم الارتفاع الذي كان موجودًا في قيمة السهم ليس عائدًا لكثرة النقود التي فيها أو قلتها وإنما هو للارتفاع في القيمة المعنوية للحقوق التي في الشركة ، فالسهم الذي يكتتب به بخمسين ثم يباع بألف بعد التداول ما الذي رفعه من الخمسين إلى الألف هذا الشخص المساهم الجديد الذي يشتري السهم بألف هل يريد النقود التي فيه ماذا يريد؟ يريد الاسترباح من ذلك السهم والحقوق المعنوية التي يمثلها له السهم فهذا الارتفاع ليس عائدًا إلى النقود نفسها والنقود التي في السهم تابعة وليست مقصودة لأن أي مساهم يشتري السهم بهذا الثمن هو لا يقصد النقود التي فيه وإنما يقصد الحقوق الأخرى التي في السهم فعلى هذا لا حرج شرعًا من تداول أسهم الشركات حديثة التأسيس .
والذين يقولون إن الشركة وقت التأسيس هي نقد محض هم في الحقيقة لا يعرفون حقائق الشركات المساهمة فالشركة المساهمة قد تحتاج إلى سنوات قبل أن تطرح للاكتتاب قد يكون لها موجودات الترخيص وحدة أحيانًا يحتاج إلى عدة سنوات حتى يحصل الشخص على الرخصة ، الرخصة أحيانًا قد تباع بأكثر من قيمة موجودات الشركة نفسها بل بأكثر من النقود التي في الشركة وتعرفون في شركة اتحاد الاتصالات الرخصة فقط اشترتها الشركة بأكثر من اثني عشر مليار ريال وهذه حق معنوي قيمته أكثر من رأس مال الشركة الذي كان حوالي ثلاث مليارات ريال .(5/31)
غدًا إن شاء الله سنتحدث عن الصناديق الاستثمارية والمحافظ وتمويل شراء الأسهم عن طريق المرابحة أو القرض ونتحدث عن السندات وكذلك سنتحدث عن المعاملات الأخرى كبيع التقسيط والتورق المصرفي والبطاقات الائتمانية .
والآن نجيب عن بعض الأسئلة .
عارض الأسئلة:
من باب أيها الإخوة عدم إهمال ما جاءنا من مقترحات فقط سنجمل بعض الأشياء ونَجمع النقاط المشتركة لبعض الأوراق أو الكثير في الواقع من الأوراق .
هناك عدة اقتراحات تقترح أن تكون بداية هذه الدورة بعد صلاة العشاء لطول الليل وقصر النهار وبعض الإخوة ذكر ذلك دون سبب وبعضهم ذكر سببًا ونذكر فقط سببًا من أحد الأسباب التي ذكرها الإخوة مع إن المسألة فيها صعوبة أيها الأحبة :
يقول : لماذا لا يبدأ الدرس بعد العشاء لأن فترة المغرب فترة تداول أسهم حيث إن كثيرًا من الحاضرين يفقدون فرصة التداول أثناء الدرس .
نقول : يعني الشيخ جزاه الله خيرًا بذل من وقته وجهد وجاءنا من بُعد فالآن نستطيع ترك التداول لمدة ثلاثة أيام (د: 1.08.05)
لكن هناك عدد من الأسئلة تقترح التأجيل ونقول قد تكون هذه المسألة فيها صعوبة .
والمسألة يعني ذهب يوم وبقي يومان .
عارض الأسئلة:
نحن ذكرنا أن من شروط تداول الأسهم قبل قليل ألا يضيع حقًّا من الحقوق الواجبة عليه ولعل هذا مثال يؤكد الذي ذكرناه إذا كان الشخص يجب عليه أن يتعلم الأحكام الشرعية قبل أن يدخل في المعاملات التجارية هذا شيء واجب عليك يعني ليست سنة أو نفلًا أو فرض كفاية أو غيره لا إذا دخلت في سوق الأسهم يجب عليك أن تعرف أحكام الأسهم يجب عليك أن تعرف الصناديق الاستثمارية إذا أردت أن تستخرج بطاقة ائتمانية يجب عليك أن تعرف أحكامها قبل أن تستخدمها فهذه من الأشياء الواجبة عليك التي يتحتم عليك تعلمها قبل أن تمارس ذلك النشاط .
أقول : يجب ألا يطغى تداول الأسهم على حق واجب عليك .
عارض الأسئلة:(5/32)
جزاكم الله خيرًا ، أيضًا هذه الأسئلة لها نقاط مشتركة .
الكثير من الإخوة يسأل عن الشركات النقدية وهل هناك مستجد لهذه الشركات .
والكثير أيضًا يسأل عن حكم التعامل مع شركات بأعيانها أو نوعية من التعامل مع بنوك معينة وذكرت الأسماء لهذه المعاملات وهذه البنوك ولكن نحن سنذكر فيما يلي القاعدة في هذه المسائل ونسأل الشيخ عن القاعدة فبهذه القاعدة ننطلق بإذن الله عز وجل .
طبعًا الشيخ له موقع والإخوة أيضًا يسألون عن موقع الشيخ .
وأتوقع يا شيخ أن هناك قائمة بهذه الشركات النقية في موقع الشيخ ؟
الشيخ:
نعم.
عارض الأسئلة:
والبحث عن الموقع سهل جدًّا في محركات البحث يوضع اسم الشيخ حتى يأتيكم الموقع .
هناك أيضًا عدد من الأسئلة تسأل عن رقم جوال الشيخ وبعضهم .....!
مع الأسف أيها الإخوة لا نريد أن يلح السائل ويستحلف بالله عز وجل : إلا أن تقدم هذا السؤال ونريد جوال الشيخ .......
فنريد هذه الطريقة أن نجتنبها نوعًا ما .
طبعًا الكثير يسأل عن جوال الشيخ والشيخ قبل قليل ذكر أن هناك عشرة آلاف متصل تقريبًا أو أكثر أو أقل في اليوم فإذا أراد الشيخ أن يزيد هذا العدد بألف فله أن يذكر الرقم .
الشيخ:
عمومًا أنا الآن خصصت الإجابة على الأسئلة من خلال الموقع الذي بإمكانكم الذهاب إليه وخصصت وقت الإجابة .
أيضًا في موقع حددنا ساعات الإجابة والساعات التي نستقبل فيها المكالمات الهاتفية فرجاءً من أراد أن يتصل أن يتصل في ذلك الوقت المحدد الذي يحدد دوريًّا في الموقع.
وفي ذلك الموقع أيضًا نحدد الشركات التي نرى أنها من الشركات الجائزة أو الشركات المختلطة أو الشركات المحرمة فمن أراد أن يتابع الفتاوى المستجدة يراجع الموقع حتى لا ندخل في التفاصيل .
لكن كثير من الإخوة يسأل يقول : هل كثرت الشركات النقية أو زادت ؟(5/33)
أقول : ولله الحمد الشركات – الشركات النقية - هي في الطريق إلى الازدياد ، ولكن المنهج الذي أسير عليه في الحكم على أي شركة بأنها نقية أو خالية من الربا أني لا أعتمد على التقارير أو القوائم المالية الربعية في الشركة التي في ثلاثة أشهر تصدر لأن هذه القوائم مجملة غير مفصلة تصدرها الشركة ولا تكون مدققة وليس فيها إيضاحات تجمل كثير من القضايا وكثير من الشركات قد توهم وتدخل بعض الأشياء بصورة إجمالية في القوائم الربعية الذي أعتمد عليه في الحكم على الشركة بأنها نقية هي القوائم المدققة التي تصدر في أول السنة لأن هذه القوائم أولًا مدققة من جهات خارجية خارج الشركة يدققون على كلام الشركة نفسها وأيضًا هذه القوائم فيها إيضاحات توضح بالتفصيل نشاط الشركة وجميع الأموال التي عند الشركة فمن باب الاحتياط هناك شركات أتوا إلينا في المكتب وفي الجامعة وشرحوا وبينوا أنهم فعلًا في طريقهم إلى التخلص من الحرام الذي عندهم وهذا في الحقيقة يبشر بالخير ونحن شجعناهم على هذا الأمر لكن نقول : إذا استمررتم على هذا الأمر واتضح في القائمة الأخيرة أن فعلًا الشركة الأخيرة التزمت بالضوابط فتدرج ضمن الشركات المباحة ولذلك لا يتوقع أن نزيد (د: 1.12.45) النقية في الفترة خلال الشهر هذا ربما في الشهر القادم بعد نهاية السنة ربما إن شاء الله تضاف بعض الشركات .
عارض الأسئلة:
هناك أيضًا بعض الأسئلة تسأل عن كيفية التطهير للنسب الربوية وفي ثنايا المحاضرة وفي آخر المحاضرة أيضًا ذكر الشيخ شيئًا من هذا للجواب على هذه التساؤلات فإذا كان نكتفي أو تزيد ؟
الشيخ:
فقط نقول : أرباح المضاربة التي بالبيع والشراء هذه ليس فيها تطهير أما الأرباح التي تأتي من الشركة هذه التي تطهر بشرط ألا تزيد النسبة المحرمة التي في الشركة عن النسبة التي ذكرناها وهي خمسة بالمائة أما إذا زادت فالشركة أصلًا يصبح السهم محرمًا لا يجوز امتلاكه .
عارض الأسئلة:(5/34)
وآخر النقاط المشتركة : ما هي القاعدة في زكاة هذه الأسهم ؟
الشيخ:
أعتقد ذكرناها هذه : إذا كان الشخص مضاربًا فيزكي بالقيمة السوقية وأما إذا كان مستثمرًا فبالقيمة الدفترية إلا إذا كانت الشركة تزكي فلا زكاة عليه .
عارض الأسئلة:
وأسئلة أيضًا كثيرة تسأل عن الصناديق أو حكم التعامل بصناديق الاستثمار في بنوك بعينها ؟
لكن إذا كان أيضًا قاعدة ممكن تُعاد في التعامل مع الصناديق الاستثمارية .
الشيخ:
في الحقيقة الصناديق الاستثمارية الحديث عنها ربما يحتاج إلى شيء من التفصيل وغدًا لعلنا إن شاء الله نبدأ الحديث في الدرس أو الدورة إن شاء الله عن الصناديق الاستثمارية أنواعها يعني صناديق الأسهم أقصد لأن حقيقة صناديق الأسهم الآن في المملكة تزيد عن مائتي صندوق موجودة ونحتاج إلى أن نفصل فيها ونبين الجائز منها أو أنواع تلك الصناديق .
وهناك تطورات في الحقيقة يعني مما يبشر هذا أيضًا بالخير أن مجموعة من العلماء كان لهم دور في توجيه تلك الصناديق لضبط معاييرها الشرعية والضوابط التي تدار بها تلك الصناديق فقد كانت هناك معايير معتمدة في إدارة تلك الصناديق بانتقاء الشركات وكان فيها توسع وسنبين هذه المعايير إن شاء الله غدًا وكان هناك حث من كثير من العلماء لإدارات تلك الصناديق إلى ضبط تلك المعايير ومحاولة استبعاد الشركات المحرمة من دخولها في تلك الصناديق وبالفعل هناك توجه الآن وربما خلال شهر أو شهرين تسمعون إن شاء الله أخبارًا طيبة عن كثير من الصناديق القائمة الآن .
الحقيقة لن نستعجل الأمر سنتكلم إن شاء الله عن الصناديق غدًا بإذن الله تعالى ونفصل فيها .
عارض الأسئلة:
هذا السائل وغيره من الأسئلة الكثيرة تتكلم عن التورق ؟ فأيضًا نريد قاعدة عامة للتعامل مع هذه البنوك أو هذه الشركات التي تتعامل بالتورق؟
الشيخ:(5/35)
التورق أحد عناصر الدورة وفي الحقيقة هو من العناصر التي سنتطرق لها غدًا إن شاء الله بعد العشاء : التورق المصرفي بنوعيه التورق العادي والتورق المنظم الذي يكون في المعادن أو في السيارات أو في الحديد أو في الأسهم أو غيرها .
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول : ما هي الضوابط الشرعية للعمل لدى البنوك المعاصرة ؟
الشيخ:
الضوابط الشرعية : إذا كان البنك إسلاميًّا كل معاملاته خاضعة للشريعة الإسلامية ففي هذه الحال لا مانع من العمل في ذلك البنك إذا كان من سياسته البنك الخضوع للشريعة الإسلامية في جميع معاملاته في هذا الحال لا مانع من العمل في ذلك البنك أما إذا كان البنك في أصله يتعامل بفائدة أو بالربا ولكنه يفتح نوافذ إسلامية فروع إسلامية ففي هذه الحال لا مانع من العمل في الفروع فقط بشرط أن تكون تلك الخدمات التي تقدم مجازة بضوابط شرعية صحيحة لا أن تكون العقود التي فيها صورية ولذلك بعض العقود التي سنتحدث عنها غدًا إن شاء الله كالتورق الذي تجريه المصارف هو في الحقيقة تقدمه بعض البنوك عن طريق هذه النوافذ وهو في حقيقته قرض بفائدة فهو أمام العملاء تورق وفي داخل البنك قرض ففي هذه الحال إذا كان الشخص يعرف أن هذا هو حال البنك وأن البنك إنما هو يضلل العملاء فلا يجوز العمل حتى في هذه النوافذ الإسلامية لأنها ما زادت الأمر إلا سوءًا فهي جمعت ما بين الربا والمخادعة والتدليس .
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول : أعمل وسيط أسهم وآخذ نسبة من الأرباح من بعض العملاء وهو اتفاق بيني وبينهم وأكون مسئولًا عن محافظهم . فما الحكم؟
الشيخ:(5/36)
إذا كان يعمل في البنك وسيط أسهم لا يجوز أن يأخذ عمولة على العملاء لأن هذا في الحقيقة يجعله يقصر في العمل المنوط به أصلًا في البنك ولأن هذا أيضًا قد يدخل في هدايا العمال التي قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - : ??هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ?? فإذا كان يأخذ مرتبًا من البنك فلا يجوز أن يأخذ عمولات من العملاء .
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول : ما حكم شراء الأسهم بنظام الآجل مع أني أمتلكها وبعتها بنفسي وهل الزيادة المشروطة في العقد مع بنك معين – ذكر اسم هذا البنك – تعتبر ربًا؟
الشيخ:
إذا كان البنك يتملك الأسهم ثم يبيعها على العميل بالآجل فيجوز أم إذا كان البنك ينقل تلك الأسهم من شبكة التداول إلى محفظة العميل بدون أن يتملكها البنك فهذا التمويل غير جائز والبنوك الآن تُجري هذين النوعين كليهما من التمويل ؛ التمويل بالأسهم .
حتى يكون الأمر أوضح : ما يجري بشركة الراجحي مثلًا كله منضبط بالضوابط الشرعية وهم يلتزمون بإدخال الأسهم التي سيمولونها يبيعونها للعملاء تدخل في محفظة البنك ثم يبيعها على العملاء .
أما في البنوك الأخرى فقد يكون هناك بعض التجاوزات فيوجد فيها الأمران قد يكون التمويل النقدي أو تمويل بالأسهم لكنها لا تدخل في محفظة البنك وقد يوجد التمويل الحقيقي أنه يتملكها البنك وتدخل في محفظته ثم يبيعها على العميل .
على العميل أن يتحرى ويتأكد من أن الأسهم التي مُوِّلَ إياها أن يتأكد أنها قد دخلت في محفظة البنك قبل أن تدخل في محفظته هو ويأخذ ما يسمى بكشف الحساب أو الإيصال الذي يبين أن هذه الأسهم انتقلت من محفظة البنك إلى محفظة العميل أما إذا كان كشف الحساب لا يبين أن البائع هو البنك ففي هذا الحال لا يقبل أن يعطى هذا التعامل محرمًا وهذا التمويل لا يجوز لأنه صوري .
عارض الأسئلة:(5/37)
هذا سائل يسأل عن حكم التعامل بالبطاقات الائتمانية لدى بنوك – عَيَّنَها – ولكن نحن نسأل أيضًا بصفة عامة إذا كان هذا سيكون عنصرًا ؟
الشيخ:
هذا أحد عناصر الدورة : البطاقات الائتمانية ، بطاقات (الفيزا) و(الماستر كارد) ، بطاقات الصراف الآلي إن شاء الله .
عارض الأسئلة:
هذا السؤال فيه عموم في الواقع لكن الأخ من الإمارات يسأل عبر الشبكة العنكبوتية يقول : ما حكم الأسهم في وضعها الحالي ، يقصد لديهم هناك ؟
الشيخ:
الأسهم الإماراتية أنا كتبت فيها أيضًا فتوى مفصلة ومصنفة في الأسهم الإماراتية :
فيها أسهم مباحة وأسهم مختلطة وأسهم محرمة فبإمكان الأخ السائل أن يرجع إلى الموقع ويتطلع على تصنيف تلك الأسهم من خلال دراسة القوائم المالية لتلك الشركات .
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول : هل يجوز البيع بين السيد والعبد وهل يتم البيع في هذه الحالة ؟
الشيخ:
نعم يجوز البيع بين السيد والعبد لأن العبد له ذمة مستقلة عن السيد فلا مانع من التبايع بينهما .
عارض الأسئلة:
هذا سائل أيضًا يقول : ما حكم إذا جاء الطرف الأول إلى الطرف الثاني وهو البائع وطلب منه أن يشتري له مبيعًا معينًا فهل هذا محرمًا ؟ ومن يريد شراء أسهم من شركة معينة فهل يملك هذا البنك أن يشتريها للبائع مع عدم رغبة البنك أصلًا فيها؟
الشيخ:
نعم هذا يجوز هذه تسمى في البنوك بيع المرابحة للواعد بالشراء وسنتحدث عنها إن شاء الله يأتي شخص إلى البنك ويقول اشتروا تلك الأسهم فإذا ملكتموها فسأشتريها منكم بالتقسيط فيأتي البنك ويشتريها نقدًا مثلًا بمائة ألف فيبيعها على العميل بمائة وعشرين ألفًا بالأجل هذه المعاملة جائزة بشرط أن يتملك البنك الأسهم أو السلعة السيارة مثلًا أو الأرض يتملكها ويقبضها ثم يبيعها بعد تملكه وقبضه لها بضوابط سنتحدث عنها إن شاء الله في بيع المرابحة .
عارض الأسئلة:
هذا سائل أيضًا يسأل عن حكم التداول عبر رسائل الجوال ؟
الشيخ:(5/38)
نعم يجوز ؛ إذا كان التداول يتم بالبيع والشراء عبر الرسائل وتلف تلك الرسائل فهذا جائز ، ولا إشكال فيه .
عارض الأسئلة:
سائل يقول : يشك البعض في تجارة وتداول الأسهم البيع والشراء ويصفها البعض بأنها قمار شرعي نرجو من فضيلتكم
توضيح ذلك وخاصة فيما يحصل في السوق من مضاربات يومية .
الشيخ:
هو في الحقيقة ليس قمارًا وقد بينا أنه فيه مخاطرة وليس فيه مقامرة لكن ما يحصل من بعض المساهمين أو المتداولين من رفع قيمة بعض الأسهم ثم إذا ارتفعت يبيعها في السوق ويتصرف بنوع من المجازفات والمخادعة لبقية المساهمين هذه التصرفات تكون محرمة لأنها من النجش والنبي - صلى الله عليه وسلم - »نهى عن النجش« أن يرفع السلعة وهو لا يريد شرائها وإنما يريد أن يغر غيره بها
فمثل هذا تصرف محرم لكن لا نقول أن تداول الأسهم كله أصبح محرمًا .
عارض الأسئلة:
وهذا سؤال يقول صاحبه : أنا في شركة بها صندوق تعاون للموظفين عبارة عن مشاركات برضاهم وهذا الصندوق يقرض المشتركين به مبالغ بدون فائدة ويخصم عشرون ريالًا للمساهمة في الأمور الخيرية ولا ترد للموظف هذا الخصم يتم من راتب المشترك في الصندوق فما حكم ذلك ؟
الشيخ:
هذا جائز ولا إشكال فيه لأن الخصم هنا لا يعتبر زيادة في القرض .
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول: إذا أردت أن أشتري أسهمًا من بنك معين فهل يملكها أم يشتريها لي وما الحكم لو اشتراها لي وهل يشترط لي أن أفتح محفظة عند شرائي للأسهم ؟
الشيخ:(5/39)
مثل ما قلنا : بعض البنوك تلتزم بأن تتملكها ثم تبيعها مثل شركة الراجحي بينما البنوك الأخرى قد يحصل فيها الأمران جميعًا مع أن الأكثر في تمويل الأسهم أن البنك ينقل الأسهم من شبكة التداول إلى محفظة العميل دون أن تدخل في محفظة البنك هذا هو الأكثر مع الأسف وهذا لا يجوز ومع أن البنوك لا تدخلها في محفظتها لأنهم يقولون هذه زيادة عبء على النظام الذي في البنك وأجهزته وأيضًا قد يكون فيه شيء من الكلفة والرسوم لأن الرسوم تحسب مرتين لكن نقول : الواجب هو الانضباط بالضوابط الشرعية وإن كانت أكثر كلفة .
عارض الأسئلة:
سائل يقول : اشتريت حاسبًا آليًا ودفعت ثمنه والبائع أحضر بعد ذلك بعض القطع من محل مجاور هل يجوز ذلك ؟
الشيخ:
نعم يجوز ذلك إذا كان الثمن غير مؤجل أو مقسط .
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول : أنا وقعت في الغرامة البنكية فماذا أفعل الآن مع أنهم يأخذونها شهريًّا؟
الشيخ:
لا يجوز أن تدفعها بأي حال من الأحوال لأن الغرامة هي ربًا فأنت في الحقيقة تؤكلهم الربا ويُخشى أن يكون الشخص الذي يتعامل بمثل ذلك مشمولًا بلعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : »آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه« فالواجب أن يحتاط الإنسان لنفسه ولا يدخل في عقد فيه شرط غرامة التأخير .
عارض الأسئلة:
إذا كان الراتب مثلًا يوضع في البنك أصلًا بغير إرادته ؟
الشيخ:
هو له أن يشكوهم إلى المحاكم الشرعية لكن أصلًا كيف دخل في العقد الذي فيه شرط غرامة التأخير هذا لا يمكن أن أقول أنه يجوز أن تأذن لهم بأخذ الغرامة بأي حال من الأحوال عليك أن تحاول وتلح عليهم وتبذل كل الوسائل لعدم خصم تلك الغرامة أو أخذها .
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول : قلتَ أنه يجوز فتح محافظ ببنوك ربوية فكيف نأمنهم وهم يتعاملون بالربا ؟
الشيخ:
إذا كان يلتزم بالاستثمار في أسهم معينة وينص على تلك الأسهم فلا يستطيع(5/40)
أن يستثمر في غيرها فالأصل أنه مُلزم بالاستثمار في تلك الأسهم التي أعلن عنها لأن هذا البنك يراقب من قبل جهات متعددة مؤسسات النقد وهيئة سوق المال وغيرها فكلهم يعني لو حصل مثلًا أنه أعلن أنه سيستثمر في عشر شركات ثم استثمر في شركات أخرى غير هذه العشر فأنه سيحاسب على مثل هذا العمل لا لأنه ارتكب محظورًا شرعيًّا بل لأنه خالف العقد الذي بينه وبين المستثمرين .
عارض الأسئلة:
نختم بهذا السؤال أيها الأحبة : سائل يستفسر ويستوضح عن مقولة لبعض الدعاة وهي أن أقل أحوال المساهمات الشبهة فما صحت هذه المقالة ؟
الشيخ:
هو في الحقيقة إذا كانت الشركة لا يظهر في تعاملاتها شيء محرم فلا يصح القول بأن فيه شبهة إنما يقال بالشبهة إذا ظهر من أعمال الشركة وأنشطتها شيء محرم فهنا نقول أنها محرمة أما الجزم بأن فيها شبهة مع أنه لا يظهر فيها شيء محرم فهذا لا يصح .
عارض الأسئلة:
ختامًا نشكر فضيلة الشيخ على هذه الكلمات الطيبات المباركات ونسأل الله عز وجل أن يجعلها في موازينه يوم القيامة وأيضًا أنتم على حسن استماعكم والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
...(5/41)
l
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا يا حي يا قيوم ، اللهم إنا نسألك العلم النافع والعمل الصالح .
أما بعد : فأرحب بكم جميعًا أيها الإخوة والأخوات في الليلة الثالثة من ليالي هذه الدورة المباركة التي نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بها.
وكُنَّا قد تحدثنا في درس البارحة عن البطاقات المصرفية ، وذكرنا :
أن البطاقات المصرفية تنقسم إلى قسمين :
1- بطاقات الخصم الفوري .
2- والبطاقات الائتمانية .
وأنهينا الحديث عن بطاقات الخصم الفوري، ونشرع الآن في الحديث عن البطاقات الائتمانية .
فالبطاقات الائتمانية هي النوع الثاني من أنواع البطاقات المصرفية ، وهي بطاقات لا يلزم أن يكون لحاملها رصيد لدى البنك المصدِر لها ، بل إن البنك يدفع عن حامل البطاقة جميع المبالغ المستحَقَّة على تلك البطاقة ثم يطلُب من حاملها أن يسدد تلك المبالغ في فترة لاحقة ، ففي هذه البطاقات يعطي البنك العميلَ فترة سماح لسداد المبالغ أو الفواتير المستحقة عليه ، كما أن البنك يعطي العميلَ حدًّا ائتمانيًا أو رصيدًا ائتمانيًا ، بمعنى أن العميل لا يتمكن من استخدام هذه البطاقة إلا في حدود ذلك الحد والصك الائتماني ، قد يكون الصك الائتماني مثلًا خمسة آلاف ريال أو عشرة آلاف ريال أو أقل أو أكثر ، فالمبلغ الذي يستطيع أن يستعمل به العميل البطاقة في حدود ذلك الصك الائتماني ، وسميت هذه البطاقات البطاقات الائتمانية ؛ لأنها تشتمل على الائتمان ، فالعميل يستخدم البطاقة في وقت ثم يسدد المبالغ المستحقة عليه بعد أجل ، وهذا هو معنى الائتمان لدى البنوك.
تستخدم البطاقات الائتمانية في أمرين:(6/1)
الأمر الأول: الحصول على النقد في حدود مبلغ معيَّن من أجهزة الصرف الآلي ، فحامل البطاقة نحن نعلم الآن أنه قد لا يكون له رصيد ، لكن يستطيع أن يستخدم هذه البطاقة لدى جهاز الصرف الآلي ويحصل على النقود ، فالبنك المصدِر للبطاقة يقرضه تلك النقود ، وهذا قرض من البنك لحامل البطاقة ؛ لأن حامل البطاقة ليس لديه رصيد لدى البنك المصدِر ، وعادة ما تتقاضى البنوك رسومًا مقابل هذه العملية ، قد تكون هذه الرسوم أجورًا ثابتة ، مثل أن يحدد مبلغ أربعين ريالًا عن كل عملية شحن ، وقد تكون هذه الرسوم أجورًا نسبية ، كأن يتقاضى البنك واحدًا بالمائة أو اثنين بالمائة أو ثلاثة بالمائة من المبلغ المسحوب ، فالعقد هنا هو عقد قَرْض والبنوك تتقاضى أجورًا مقابل تلك العملية أو ذلك القرض الذي قدَّمه لي العميل ؛ لأن هذا المبلغ الذي أخذه العميل سيسدده بعد فترة السماح والتي تتراوح عادةً ما بين ثلاثين إلى ستين يومًا حسب ما يتفق عليه البنك مع العميل .
الأمر الثاني : الذي تستخدم في هذه البطاقات هو شراء السلع واستئجار الخدمات عن طريق البطاقات الائتمانية ، وفي هذه عندما يستخدم العميل البطاقة الائتمانية في شراء السلع أو استئجار الخدمات يقوم البنك المصدر للبطاقة بسداد المبالغ المستحَقة على العميل وقت الشراء أو وقت الاستئجار ثم يطالبه بسداد تلك المبالغ في فترة لاحقة ؛ أي بعد مُضِيِّ فترة السماح ، وتتقاضى البنوك مقابل تلك العملية كذلك عمولات ، لكن هذه العمولات لا تأخذها من العميل حامل البطاقة ، إنما تأخذها من التاجر قابِلِ البطاقة ؛ ولإيضاح ذلك نضرب هذا المثال :(6/2)
لنفرض أن شخصًا يحمل بطاقة من أحد البنوك ، وأراد أن يستخدمها في شراء سلعة قيمتها مائة ريال أو ثمنها مائة ريال من أحد التجار ، فاشترى العميل هذه السلعة بمائة ريال ، وأجرى حال التاجر قابِل البطاقة ؛ يعني أجرى الإجراءات اللازمة لسداد المبلغ بأن أدخل البطاقة عبر الجهاز أو مرر البطاقة عبر الجهاز الذي يسمى نقطة البيع التي تربِطه بالبنك المصدِر للبطاقة ، ثم تخرج فاتورة يُدَون فيها المبلغ المستحق على العميل ، فالفاتورة الآن خرجت بمبلغ مائة ريال لأن ثمن السلعة هو مائة ريال ، فيوقع العميلُ على هذا المبلغ أنه اشترى سلعة بمبلغ مائة ريال ، ثم ما الذي يحصل؟ التاجر يرسل هذه المعلومات من خلال هذا الجهاز من خلال البنك المصدِر للبطاقة ، والبنك المصدر للبطاقة يسدد تلك الفاتورة ، لكن يخصم منها عمولةً متفَق عليها بينه وبين التاجر ، نسبةُ الخصم هذه تتراوح ما بين واحد بالمائة إلى ثمانية بالمائة من قيمة الفاتورة ، فإذا كان مبلغ الشراء مائة ريال ونسبة الخصم تُعادل اثنين بالمائة ، فإن البنك لن يدفع للتاجر مائة ريال ، وإنما سيدفع له ثمانية وتسعين ريالًا ؛ يخصم هذه العمولة ، ثم إن البنك بعد مُضِيِّ فترة السماح ؛ أي بعد شهر مثلًا يرسل الفواتير المستحَقة - فواتير المبالغ المستحقة - إلى العميل ومنها تلك العملية ، فيرسل إليه الفاتورة بالمبلغ الذي يطلبه منه وهو يساوي كم؟ مائة ريال ، البنك دفع ثمانية وتسعين وسيأخذ من العميل مائة ريال ، وهذى إحدى الفوائد التي تجريها المصارف أو البنوك من البطاقات الائتمانية ؛ نسبة الخصم هذه التي تتقاضاها من التجار .(6/3)
فهذان أمران تستخدم فيهما البطاقة الائتمانية : السحب النقدي ، والشراء أو استئجار الخدمات ؛ السحب النقدي يأخذ البنك أجرًا أو عمولة من العميل مباشرة ، بينما في استخدامها في نقاط البيع وفي شراء السلع واستئجار الخدمات يأخذ البنك عمولته من التاجر ولا يأخذها من العميل نفسه .
التكييف الشرعي للبطاقة الائتمانية على الوصف الذي ذكرناه في هذين الأمرين ؛ الأصل أن العلاقة التي تحكم البنك بالعميل هي علاقة الضمان ، فالبنك يضمن العميل أمام التاجر وأمام من يتعامل معه ، هذا الضمان قد يؤول إلى القرض ، وذلك فيما إذا استخدم العميل البطاقة في السحب النقدي ؛ فهو في الحقيقة قرض أقرضه هذا المبلغ ، وكذلك إذا استخدمها في الشراء من نقاط البيع ، فإن المبلغ الذي يدفعه البنك للتاجر هو في الحقيقة قرض من البنك للعميل ، كأنه أقرضه هذا المبلغ ؛ فهي ضمان ابتداءً تؤول إلى القرض ، فالعلاقة هي علاقة ضمان وهذا الضمان يؤول إلى القرض ، وعلى ذلك فيجب أن تراعى أحكام القرض في هذه البطاقة ؛ بمعنى أن هذا القرض يجب ألا يأخذ عليه البنك فائدة مشروطة من العميل ، فإن تضمن فائدة فإنه يكون محرمًا على النحو الذي سنبينه إن شاء الله تعالى ؛ هذه هي استخدامات البطاقة الائتمانية وهذا هو تكيِفها الشرعي .
البطاقات الائتمانية ليست على نوع واحد ؛ هي على نوعين :
النوع الأول: ما يُعرف ببطاقات الخصم الشهري ؛ وهي بطاقات يطالَب حاملُها بتسديد المبالغ المستحَقة عليه دفعةً واحدة بدون زيادة بعد مُضِيِّ فترة سماح متفَق عليها بينه وبين البنك ، فمثلًا إذا استخدم العميل هذه البطاقة - مثلًا - بمبلغ ألف ريال أو ألفَيْ ريال يعطى فترة سماح ؛ ثلاثين يومًا أو أربعين يومًا أو خمسين يومًا ، ثم يطالَب بتسديد ذلك المبلغ كاملًا ولا يتاح له فرصة التقسيط ؛ تقسيط ذلك المبلغ .(6/4)
هذه البطاقات تسمى بطاقات الخصم الشهري ، ومن أمثلة هذه البطاقات بطاقة (الأميركان إكسبرس) المشهورة ، وكذلك بطاقات (الفيزا) و(الماستر كارد) اللتان تصدران من البنوك الإسلامية فإنهما - يعني : هاتين البطاقتين اللتين تصدران من البنوك الإسلامية - من بطاقات الخصم الشهري.
الحكم الشرعي لبطاقات الخصم الشهري :
نقول: الأصل في بطاقات الخصم الشهري أنها " جائزة " ؛ يجوز للإنسان أن يحصل عليها أو يَسْتصدِرها وأن يستعملها وأن يشتري بها .
لكن بشرطين :
الشرط الأول:(6/5)
ألا يشتمل عقد البطاقة على اشتراط غرامة عند تأخر حامل البطاقة في السداد للمَصْرَف ، يعني لا يجوز أن يشتمل عقد البطاقة على شرط غرامة ماذا؟ التأخير ، كان يكون من ضمن البنود أو الشروط المنصوص عليها في عقد البطاقة أن العميل إذا تأخر أو أن حامل البطاقة إذا تأخر عن سداد الفواتير المستحقة عليه فإنه يدفع غرامة عشر ريالات مثلًا عن كل يوم ، أو عشر ريالات مثلًا عن كل شهر ، أو واحدًا بالمائة من قيمة الفاتورة عن كل يوم ؛ فهذا الشرط لا يجوز سواء كانت الغرامة أجرًا ثابتًا أو أجرًا نسبيًّا ، وعلى هذا فبطاقة (الأميركان إكسبرس) لا تجوز ؛ لأن جميع عقودها – عقود هذه البطاقة – منصوص فيها على هذا الشرط بأن العميل يتحمل غرامات التأخير في حال تأخره عن السداد ، يحرم الدخول في هذه البطاقات حتى وإن كان الشخص يعلم من حاله أو يغلب على ظنه أنه قادر على السداد ؛ لأنه لا يجوز للمسلم أصلًا في عقد فيه شرط فاسد ، فقط يجوز الدخول في البطاقات التي فيها مثل هذا الشرط إذا كان الشخص في بلد لا يوجد فيه أي بطاقات تخلو من هذه الشروط ، وهو محتاج لمثل هذه البطاقات ، أحيانًا يكون الإنسان في بلد لا غنًى به عن مثل هذه البطاقات ، يعني ربما استئجار السيارات لا يتمكن فيه من الاستئجار إلا عن طريق البطاقة ، وأحيانًا النزول في الفنادق لا يمكن أن ينزل إلا بالبطاقة ، أحيانًا بعض المحلات لا تقبل السداد نقدًا وإنما تشتَرِط أن يكون السداد بالبطاقة ، فيكون الشخص محتاجًا لمثل هذه البطاقات وليس هناك بديل مشروع وخال من هذه الشروط ، فنقول في مثل هذه الحال : لا بأس بأن يحصل على مثل هذه البطاقات بشرط أن يكون قادرًا على السداد في الوقت المحدد دون أن يُلزم بغرامة التأخير ؛ بأن يكون عنده مصدرُ دَخْلٍ يغلب على ظنه أنه قادر على أن يسدد دون أن يُلزم بذلك الشرط الفاسد .
والشرط الثاني لجواز هذه البطاقات :(6/6)
ألا يستخدمها حاملُ البطاقات في السحب النقدي إذا كان المصرِف يأخذ عمولة نسبية عن كل عملية سحب ، وكذلك إذا كان المصرِف يأخذ أجرًا مقطوعًا يزيد عن قدر التكلفة الفعلية لتلك العملية ؛ نوضح هذا الشرط .
نحن نقول البطاقة جائزة من حيث الأصل ، لكن يتنبَّه لاستخدامها في السحب النقدي ؛ لأنه في السحب النقدي البنك سيأخذ عمولة أو أجرًا على حامل البطاقة ، فهو أقرضه وأخذ عليه ماذا؟ زيادة ، - ما حكم هذه الزيادة ؟
أقول : فيها تفصيل هذه الزيادة ؛ إن كانت هذه الأجور – الزيادة عبارة عن أجور يأخذها البنك – إذا كانت هذه الأجور مبلغًا مقطوعًا ثابتًا ، يعني ليس نسبيًّا ، وبقدر التكلفة الفعلية التي تَكَبَّدها البنك لأجل إتمام هذه العملية ، فلا مانع في هذه الحال من أخذ هذه الأجور ؛ لأن هذه الأجور مقابل الخدمات التي قدمها ، لأننا نعرف أن العملية الواحدة من السحب النقدي فيها كلفة اتصالات ومراسلات وعمولات ؛ شبكات الوساطة كلها تأخذ عمولات مقابل هذه العملية ، فلا مانع من أن يحسِب البنك تلك التكلفة ويأخذها من العميل بشرط أن تكون مبلغًا مقطوعًا ، وقامت الهيئة الشرعية في بنك البلاد بدراسة التكلفة الفعلية للسحب النقدي كم يكلف؟ فعلًا السحبة الواحدة كم تكلف البنك؟ وبعد دراسات وإجراءات ومتابعات تبين أنها تتراوح هذه التكلفة ما بين عشرين إلى خمس وعشرين ريالًا في السحبة الواحدة ؛ لأن هناك أجور الاتصالات ، هناك شركة (الفيزا) تأخذ أجورًا ، وشبكة (إسبان) المحلية ، هذه كلها تأخذ رسومًا ، ففي المتوسط هي تتراوح ما بين عشرين إلى خمس وعشرين ريالًا ، وعلى هذا فنقول : إذا كان البنك الذي أصدر هذه البطاقة يأخذ أجورًا مقطوعة أكثر من التكلفة الفعلية فلا يجوز استخدام هذه البطاقة في السحب النقدي ، وإذا كان البنك المصدِر للبطاقة يأخذ أجورًا نسبية ، ما يأخذ أجورًا مقطوعة ، لا بالنسبة ، يقول : عن كل مبلغ مسحوب آخذ واحدًا بالمائة أو(6/7)
اثنين بالمائة ، فهذه من باب أولى لا تجوز ؛ لأن هذه الأجور لم تقدر بحسب التكلفة وإنما حسبت بحسب المبلغ المسحوب ، ومعلوم أن التكلفة لا تختلف باختلاف المبلغ المسحوب ، فعلى هذا لا بد من مراعاة هذا الشرط الثاني وهو أن الشخص إذا حصل على هذه البطاقة فلا حرج في أن يستخدمها في الشراء من المحلات واستئجار الخدمات ؛ هذا لا إشكال فيه ، ولا حرج عليه أيضًا أن يستخدمها في السحب النقدي بشرط أن يكون البنك لا يتقاضى أو لا يأخذ أجرًا إلا بمقدار التكلفة الفعلية .
إذا سألتم عن الواقع الآن في البنوك ؛ هل تلتزم بأنها تأخذ مقدار التكلفة الفعلية ؟
فأقول : إنها لا تلتزم بذلك ، فمعظم البنوك الآن تأخذ نسبة عن المبلغ المسحوب ، وبعضها تضع أجرًا مقطوعًا يقارب - يعني في المتوسط - أربعين ريالًا وهو أكثر بكثير من التكلفة الفعلية .
قد يقول قائل الآن : اشترط هذه الشروط في السحب النقدي ، إذًا كيف نُكيِّف العمولة التي يأخذها البنك من التاجر؟ أليست هذه الزيادة في القرض لأنه الآن أقرض العميل وأخذ الزيادة من التاجر ؟
نقول: لا ، هذه العمولة أو نسبة الخصم التي يأخذها البنك من التاجر ليست زيادة في القرض الذي أعطاه للعميل ، وإنما تُكيَّف شرعًا على أنها أجرة سَمْسَرة ؛ لأن البنك قام بالتسويق للتاجر لأنه إذا وضع الجهاز عنده فالعميل يرغب في الشراء من هذا التاجر لوجود هذا الجهاز الذي يقبل هذه البطاقة ، فهذا يعد نوعًا من السمسرة أو التسويق للتاجر ويستحق البنك مقابل هذه السمسرة أجرًا ، والأجرة يجوز أن تكون مبلغًا مقطوعًا أو نسبيًّا كما ذكرناه سابقًا في الأجور ، وعلى هذا فهذه النسبة التي يأخذها البنك من التاجر جائزة شرعًا ولا إشكال فيها ، إنما المحظور في الأجرة أو المبالغ التي يأخذها البنك من العميل في حال السحب النقدي ؛ فعلى هذا ينبغي على الإنسان أن يتحرى في استخدام بطاقة السحب النقدي .(6/8)
إذًا لاستخدام بطاقات الخصم الشهري لا بد أن يتأكد الشخص من الشرطين هذين :
الشرط الأول : هو ألا يكون هناك شرط غرامة التأخير ، إذا تضمن عقد البطاقة اشتراط غرامة عند التأخير فلا يجوز الدخول في هذه البطاقة .
الشرط الثاني : أن يلتزم البنك في حال السحب النقدي بأن لا يأخذ أجرًا إلا بمقدار التكلفة الفعلية ولا بد أن يكون هذا الأجر مبلغًا مقطوعًا .
قد يقول الشخص : اتفاقية البنك منصوص عليها على أنه يأخذ أجرًا مقطوعًا ، يعني يقول: أنا بسهولة أعرف هل الأجر الذي يأخذه أجرًا مقطوعًا أم أجرًا نسبيًّا ، لكن قد يصعب عليَّ أن أعرف هل هو بقدر التكلفة أم أنه ليس بقدر التكلفة ؟
نقول: اقرأْ اتفاقية البطاقة أو شروط البطاقة ؛ إذا كان في الاتفاقية قد نُصَّ على أن الأجور التي يأخذها البنك هي بمقدار التكلفة الفعلية ، فلا حرج عليك في أن تستخدمها في السحب النقدي ، أما إذا لم يُنَصَّ على ذلك فالأصل أن البنوك تأخذ أكثر من التكلفة الفعلية ، وهذا هو الواقع في جميع البطاقات الائتمانية الموجودة الآن في السوق المحلية .
بقي نقطة أخيرة متعلقة ببطاقات الخصم الشهري ؛ وهي :
حكم استخدام هذه البطاقات فيما يجب فيه القبض شرعًا :
نقول: يجوز استخدام هذه البطاقات في شراء الذهب والفضة وما يجب فيه التَّقابُض شرعًا ؛ لأن البنك يقيض الثمن لصالح البائع فور إجراء عملية البيع ، في نفس اللحظة التي تتم فيها عملية البيع يتم تَقْيِيد الثمن لصالح البائع ، هو في نفس اللحظة يتم القيد ، لكن قد تتأخر التسوية ، مثل ما قلنا : التسوية تتأخر ليوم أو يومين ، والعرف جرى على أن القبض يتحقق بماذا؟ بالقيد المصرفي ، وهذا هو قرار مجمع الفقه الإسلامي ؛ أن القيد المصرفي يُعَدُّ في قوة القبض بشرط أن يؤول هذا القيد إلى تسوية ، فإذا كان هذا القيد يؤول إلى تسوية فالقيد بحد ذاته يُعَدُّ قَبْضًا .
هذا ما يتعلق ببطاقات الخصم الشهري .(6/9)
ننتقل إلى النوع الثاني من أنواع البطاقات الائتمانية ؛ لأننا قلنا أن البطاقات الائتمانية نفسها تنقسم إلى قسمين أو إلى نوعين :
النوع الأول: بطاقات الخصم الفوري .
والنوع الثاني : هي بطاقات الدَّيْن المتجدد .
وهذه البطاقات يتم فيها تقسيط الدين المستحَق على حامل البطاقة على فترات وتزداد قيمة الدين بزيادة فترة التقسيط ، فمثلًا : لو أن شخصًا – يعني في هذه البطاقات ؛ بطاقات الدين المتجدد مثلما قلنا يكون فيها فرصة لتقسيط المبلغ المستحق على العاملين – فلو أن حامل البطاقة في هذه البطاقات ؛ بطاقات الدين المتجدد ، استخدمها بمبلغ خمسة آلاف ريال مثلًا فإنه يعطى فترة سماح شهر أو شهرين ، في نهاية هذه المدة يكون بالخيار بين أن يسدد المبالغ المستحقة عليه كاملة بدون زيادة أو أن يُقسَّط الدين المستحق عليه على أقساط ، لنفرض أنها على ستة أشهر ، وتزداد قيمة الدين ؛ بدلًا من أن يكون خمسة آلاف ريال تكون في ستة أشهر ويدفع في كل شهر ألف ريال ، فيصبح مجموع الدين ستة آلاف ريال ؛ هذه البطاقة تسمى بطاقة الدين المتجدد ، وهذا هو الأصل في بطاقات (الفيزا) و(الماستر كارد) ، وهذا الذي جعل لهما بُيوعًا وانتشارًا في العالم ؛ لأنه في هاتين البطاقتين يتم تقسيط المبالغ المستحقة على حملة البطاقات ، فتلاحظون أن الدين قد زاد بسبب زيادة الأجل .
ما حكم هذه البطاقات ؟
هنا زيادة – تذكرون أخذنا قاعدة في أول درس : أي زيادة في الدين بعد ثبوته فهي من الربا ، تُعَدُّ من الربا – فهذه البطاقات محرمة باتفاق العلماء إذا كان الشخص سيُقَسِّط الدين الذي عليه على فترات وتزداد قيمة الدين بزيادة مدة السداد .(6/10)
في الحقيقة هذه البطاقات ؛ مع أنه مُجْمَع على تحريمها ، إلا أن بعض البنوك أصدرت بطاقات سمتها بطاقات شرعية ، وفيها في الحقيقة تحايل على هذه القضية ، وهي معقدة وأَوَدُّ أن تنتبهوا لكيفية عملها ، في مثل هذه البطاقات ؛ هي بطاقة دين متجدد ، لكن قالوا : الدين هنا لا يزيد بزيادة المدة وإنما يكون هناك عملية تَوَرُّق أو قَلْب للدَّين كالآتي :
لنفرض أن شخصًا استخدم البطاقة بمبلغ خمسة آلاف ريال ، فلما انقضت فترة السماح وحل موعد السداد ، هو الآن بالخيار بين أن يسدد الخمسة آلاف ريال أو أن يُقَسَّط عليه المبلغ بمدة ستة أشهر بستة آلاف ريال ، ماذا يقولون ؟
يقولون : فَوِّضِ البنك - أو هو قد فَوَّضَ البنك أصلًا في البداية من أول ما أَصْدَر البطاقة – أنه إذا جاء موعد السداد ولم يُسدِّد أن يبيع له البنك معادن ؛ معادن مملوكة لدى البنك ، فيبيعها البنك عليه – على عَمِيله – بستة آلاف ريال مقسَّطة في ستة أشهر ، وقد فَوَّض البنكَ كذلك هو في بداية إصدار البطاقة بأن يقوم البنك ببيع تلك المعادن في السوق نقدًا على غير البنك بخمسة آلاف ريال ، وفَوَّضَ البنكَ كذلك بأن يأخذ الخمسة آلاف ريال هذه ثمنَ ما باعه ماذا يعمل بها ؟ يُسدِّد بها دين البطاقة ، فيكون دين - يقولون - انتهى الآن دين البطاقة سَدَّدْتَه ، الخمسة آلاف ريال التي أخذتَها من بيع المعادن سُدِّدَ بها دين البطاقة ، بقي في ذمتك ماذا ؟ دين المعادن التي بِعْنَاها عليك وهي ستة آلاف ريال مُقسَّطة في ستة أشهر ، كل شهر تدفع ألف ريال ؛ سَمَّوْا هذه البطاقة بطاقة الخير وبطاقة التيسير وبطاقة المبارك ، وغير ذلك من الأسماء .(6/11)
هذا في الحقيقة مخادعة وتحايل ، الله سبحانه وتعالى لا يُخدع ، يعني كَوْن الشخص يأتي الربا صراحةً قد يكون أسهل من الدخول في مثل هذه المخادعات ، ولذلك يقول أيوب السختياني رحمة الله عليه : يخادعون الله كما يخادعون الصبيان ، لو أَتَوُا الأمر من بابه لكان أسهل .
ومع الأسف تُرَوَّج مثل هذه البطاقات على أنها بطاقات مُجازة من هيئات شرعية ، والناس يستعملونها ويتداولونها بلا تورع ولا خوف لماذا ؟ يقولون لأن هذه البطاقة مجازة من هيئات شرعية ، بالسابق كان الناس يَتحاشَوْن الدخول في البطاقات ذات الدين المتجدد لأنه واضح فيها زيادة ربوية ، لكن هنا الناس اندفعوا في استخدام مثل هذه البطاقات لأنهم يقولون هذه بطاقات مجازة ، وواضح فيها التركيب والتحايل ، يعني الشخص فوض البنك في كل شيء ؛ من أول ما يَستلِم البطاقة يقولون فوضنا إذا جاء موعد السداد فوضنا بأن نبيعك معادن وأن نبيع تلك المعادن لصالحك وأن يسدد ذلك المبلغ الدين الذي عليك ويبقى عليك دين معادن ، وفي الحقيقة هذه من الحيل الربوية التي لا تزيد الأمر إلا سوءًا ، فنبهتُ عليها لأجل أن يحتاط ويبتعد عنها الإخوة خشية الوقوع فيها .
وهذه – يعني : قلب الدين هذا بهذه الطريقة - قد نص الفقهاء على تحريمه وقالوا : إن هذا ربًا صريح وهو حيلة على الربا لا تزيد العقل إلا فُحشًا وتحريمًا وخبثًا .
وأُجِيزَتْ بناءً على اجتهادات ، لكن أرى أن مثل هذا الاجتهاد قد خَرَق الإجماع في مسألة سابقة ؛ في مسألة قَلْب الدين ، هذا قلبُ الدين وهو من الحيل التي كانت موجودة عند الفقهاء المتقدمين وبيَّنُوها وذكروها وحَذَّروا الناس منها ، فلا ينبغي التساهل فيها.
وبعض البطاقات تحتال - في الحقيقة - بحيلة أخرى ، ماذا يقولون ؟(6/12)
يقولون: نحن لا نأخذ زيادةً مقابل تجديد الدين ، ولكن هناك رسوم شهرية ثابتة على تلك البطاقة ، حسبوا متوسط سعر الفائدة على دين البطاقة فيما لو استخدم الشخص البطاقة هذه خلال الشهر ، لو استخدم البطاقة بخمسة آلاف ريال كم الفائدة التي يمكن أن تؤخذ عليه في المتوسط ؟ الفائدة التي يمكن أن تؤخذ عليه مثلًا خمسين ريالًا ، فقالوا : كل حملة البطاقات يدفعون خمسين ريالًا كرسوم شهرية.
في الحقيقة هذه أصبحت أشد وقعًا وأثرًا وحرمةً من البطاقة الصريحة في الربا ؛ لأن هذه حملت جميع حملة البطاقات الفوائد أن يدفعوها ؛ من استعملها ومن لم يستعملها ، وهذه لا تقل سوءًا عن سابقتها.
هذا ما يتعلق بالبطاقات الائتمانية .
إذًا الخلاصة فيما يتعلق بالبطاقات المصرفية : أن البطاقات المصرفية على نوعين :
النوع الأول : بطاقات خصم فوري : وهذه البطاقات قلنا إنها جائزة ، والرسوم أو الأجور التي يأخذها البنك من عملائه جائزة أيضًا ولا حرج فيها شرعًا سواء كانت مبالغ مقطوعة أو أجورًا نسبية ، ويجوز استخدام هذه البطاقات - بطاقات الخصم الفوري - في السحب النقدي وفي الشراء من المحلات ، ويجوز استخدمها كذلك فيما يجب فيه التقابض شرعًا كشراء الذهب ونحو ذلك.
النوع الثاني من البطاقات : البطاقات الائتمانية ، وهذه البطاقات على نوعين :
1- بطاقات الخصم الشهري .
2- وبطاقات الدين المتجدد.
أما بطاقات الخصم الشهري فتجوز بشرطين :
الشرط الأول: ألا يشتمل عقدها على شرط غرامة التأخير .
والشرط الثاني: ألا يتقاضى البنك مقابل السحب أجورًا أكثر من التكلفة الفعلية .
ويجوز استخدام هذه البطاقات في شراء الذهب وما يجب فيه التقابض شرعًا .
وأما النوع الثاني من البطاقات الائتمانية وهو بطاقات الدين المتجدد :
وقلنا إن هذه البطاقات كلها - بطاقات الدين المتجدد – لا تجوز ولو سُميت بأسماء إسلامية ولو جُعل لها حيل أو مخارج لتجديد أو زيادة الدين على حامل البطاقة .(6/13)
- رسوم البطاقة الائتمانية جائز ، فقط التي فيها إشكالية هي رسوم السحب النقدي .
لعل الأسئلة رأيت أن نجعلها في الآخر إن شاء الله حتى ما يتشتت الموضوع .
ننتقل بعد ذلك إلى نوع آخر من الخدمات الائتمانية ، فنشرع في الحديث عن :
"الإجارة المنتهية بالتمليك " فنأخذها بإيجاز :
تُعرف الإجارة المنتهية بالتمليك بأنها : عقد إيجار مقرون بوعد بالبيع يقوم بموجبه أحد المتعاقدين ، بإيجار شيء إلى آخر لمدة معينة ، ويكون للمستأجر عند انقضائها خيارُ شرائها بسعر معين أو بدون مقابل .
فمثال عقد الإجارة المنتهي بالتمليك : أن يرغب شخص باستئجار سيارة وأن يتملكا بعد ذلك ، فيتم الاتفاق مع مالك السيارة على أن يستأجر هذا الشخص السيارة لمدة أربع سنوات ، ويدفع أجرة شهرية لتلك السيارة بمقدار ألف ريال شهريًّا ، على أنه في نهاية المدة - إذا انقضت مدة الإجارة - يكون للمستأجر الحق في أن يتملك السيارة ، يكون له الحق في تملك السيارة بشرط أن يُنْهِي فترة الإجارة هذه ويسدد جميع الأجور المستحَقة عليه .
والإجارة المنتهية بالتمليك لها عدة صور :
الصورة الأولى : عقد إجارة مقرونة بِهِبة السلعة للمستأجِر في نهاية المدة ، بمعنى : أن يُؤْجِرَهُ السيارة بأجرة معلومة لمدة معينة ويكون هناك بينهما اتفاق وشرط مُلْزِم على أنه في نهاية المدة تنتقل ملكية السيارة من المالك إلى المستأجر ، ويكون ذلك على سبيل الاتفاق والشرط بينهما ، فهنا عقد الإجارة اقترن بعقد ماذا؟ تملُّك عن طريق البيع ولَّا عن طريق الهبة ؟ الهبة لأنه بدون عِوض بدون مقابل ، وهنا جمع بين عقدين : عقد إجارة وعقد هبة ، واتَّفَقا على أنهما يبدءان أو يشرعان بعقد الإجارة وأن هذا العقد – عقد الإجارة – ينتهي بعقد هبة ، فهنا عقد الإجارة اقترن بعقد الهبة .(6/14)
الصورة الثانية : أن يكون عقد الإجارة مقترنًا بعقد بَيْع ، بحيث يكون تملُّك السلعة في نهاية المدة بعِوضٍ يدفعه المستأجر للمالك ، ويكون هذا التمليك مُلْزِمًا لهما جميعًا ، يعني يكون على سبيل الاتفاق أو الاشتراط بينهما ، فيقول : أَجَرْتُكَ هذه السيارة مدة أربع سنوات تدفع في شهر ألف ريال وفي نهاية المدة تدفع دفعةً أخيرة أو قسطًا أخيرًا بمقدار عشرين ألف ريال وتتملَّك السيارة ، ويكون عقد البيع مقرونًا بعقد الإجارة ، فيقول : آجَرْتُكَ وبِعْتُكَ ، فيكون البيع مشروطًا مع الإجارة .
والصورة الثالثة : هي عقد إجارة مقرون بوعد ، وليس بعقد ، وإنما مُواعدة فقط ؛ أن يعد المالك المستأجر ، عقد إجارة مقرون بوعد من المُؤْجِر للمستأجِر ببيع السلعة أو هبتها له في نهاية المدة ، فهو يقول : آجَرْتُكَ هذه السيارة مدة أربع سنوات تدفع في شهر ألف ريال وفي نهاية المدة أَعِدُكَ بأن تتملكها إذا دفعتَ دفعةً أخيرة بمقدار عشرين ألف ريال ، فهنا عقد إجارة اقترن بماذا؟ بوعد بالتمليك أو بوعد بالبيع ، لم يكن البيع مشروطًا وإنما موعودًا فقط على سبيل الوعد ، بمعنى أنه غيرُ ملزِم للطرفين ؛ لا للمالك ولا للمستأجر.
وقد يكون الوعد بالتمليك على سبيل الهبة وليس على سبيل البيع ، فيقول: آجرتك السيارة مدة أربع سنوات تدفع في كل شهر ألف ريال وفي نهاية المدة أعدك بأن أُمَلِّكُك هذه السيارة بلا عوض ، فيكون عقد إجارة مقترن بوعد للهبة .
الصورة الجائزة من صور "الإجارة المنتهية بالتمليك " هي ما توافر فيها الضوابط أو الشروط الآتية ؛ ثلاثة شروط:(6/15)
الشرط الأول: وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر زمانًا ، بحيث يكون إِبْرَام عقد البيع أو عقد التمليك بعد عقد الإجارة ، لا بد من الفصل بين العقدين ، لا أن يُربط البيع بالإجارة أو الهبة بالإجارة ، لا بد أن يمضى عقد البيع بعد أن ينتهي عقد الإجارة ، يعني بعد أن تمضي الأربع سنوات يجري الطرفان ماذا؟ عقد بين ، أما إذا رُبط بين العقدين بحيث اتفقا على أن عقد الإجارة إذا انتهى يتحول تلقائيًّا إلى عقد تمليك بدون إجراء عقد جديد فهنا نقول هذا العقد لا يصح ؛ لأنه من البيعتين في بيعة ولأنه يؤدي إلى محظور شرعي وهو الكالئ بالكالئ ، لأن السيارة سوف تُتَمَلَّك أربع سنوات والقسط الأخير الذي هو مقابل شراء السيارة سوف يُدفع بعد أربع سنوات ، فهو مُؤَجَّل بمؤجَّل ، فهذا لا يجوز .
إذًا هذا هو الشرط الأول ؛ لا بد من الفصل بين العقدين ، وأن يكون عقد التمليك - سواء بالبيع أو بالهبة - أن يكون بعد انتهاء عقد الإجارة .(6/16)
الشرط الثاني : إذا كان هناك وعد بالتمليك - وهذا هو الأصل ؛ أنه يوجد في الإجارة المنتهية بالتمليك وعد من المالك للمؤجِر بالتمليك – فيجب أن يكون الوعد بالتمليك غير ملزِم لا للمالك ولا للمستأجر ، فيكون لكل منهما الخيار في نهاية المدة أن يُمَلِّك المالكُ السيارةَ أو السلعة للمستأجِر أو أن يَعدِل المستأجر عن الشراء أو التملك ، فلا يُلْزَم المستأجر في نهاية المدة بأن يدفع القسط الأخير ، لو كان هناك قسط أخير مثلًا أو دفعة لتملك السيارة لا يكون هذا الأمر ملزِمًا للمستأجر ، فيكون له الخيار ؛ إن أراد أن يدفع تلك الدفعة ويتملك السيارة أو يعدل عن ذلك ولا يتملكها ، لأنه إذا كان الوعد ملزِمًا فهو في الحقيقة في منزلة العقد ، كأنهما أَجْرَيَا عقد البيع مع عقد الإجارة وسَمَّيَاه بدلًا من أن يكون عقد بيع سمياه وعدًا بالبيع وكان ملزِمًا ، إذًا لا فرق بين الوعد الملزِم والعقد ؛ لأن الوعد إذا كان ملزِمًا فهو في حكم العقد ، فنقول : لا مانع من الوعد بشرط ألا يكون ملزِمًا.(6/17)
الشرط الثالث من شروط الإجارة المنتهية بالتمليك: لا بد أن تكون الإجارة حقيقية وليست ساتِرةً للبيع ، يعني لا بد أن تطبَّق أحكام الإجارة الحقيقية في فترة الإجارة ، لأننا نعلم أن السنوات الأولى الأربع مثلًا - إذا كان عقد الإجارة لمدة أربع سنوات – هذه الفترة هما سَمَّيَا العقد بأنه عقد إجارة ينتهي بالتمليك ، لا بد أن تطبَّق أحكام الإجارة خلال هذه الفترة ، فالمالك هو في الحقيقة مؤجِر والذي يستعمل السيارة هو مستأجر ، فلا بد أن تطبَّق الأحكام ، كل واحد منهما يتحمل مسئولياته ؛ المستأجر يتحمل مسئولياته والمؤجِر يتحمل مسئولياته ، أما أن يسمى تأجيرًا منتهيًا بالتمليك والبائع أو المالك يُحَمِّل جميع المسئوليات المتعلقة بالسلعة على المستأجر ، نقول : هذا ليس إجارة منتهية بالتمليك وإنما هو بيع تقسيط في الحقيقة ؛ سَمُّوا الأشياء بأسمائها الحقيقية ، وإذا كان بيع تقسيط لا بد من تطبيق أحكام أخرى غير الإجارة المنتهية بالتمليك ، فلذلك نقول : حتى يكون عقد الإجارة المنتهية بالتمليك صحيحًا لا بد من مراعاة أحكام الإجارة خلال هذه المدة .
ومن أهم أحكام عقد الإجارة التي يكثر فيها الخلل في عقود الإجارة المنتهية بالتمليك هو : الضمان ؛ ضمان السلعة كالسيارة مثلًا أو الدار أو غير ذلك ، دعونا الآن من الإجارة المنتهية بالتمليك ، عقد الإجارة العادي : على مَنْ يكون ضمان السلعة ؟ إذا استأجر الشخص سيارة مثلًا - استأجرتها من محلات تأجير السيارات – على من يكون ضمان السيارة ؟ هل هو على المالك أو على المستأجر ؟ على صاحب السيارة ؟
في الحقيقة هذا فيه تفصيل ، فنقول :
الضمان الذي يكون في عقد الإجارة هو على أربعة أنواع :(6/18)
الأول: ضمان التَّلَف الذي يكون في السلعة ، يعني مثل ضمان سرقة السيارة أو مثلًا تعرضها للتلف ببَرَدٍ أو نحو ذلك أو أي نازلة تنزل بالسيارة ونحو ذلك مما يُتلفها ، يعني شيء يُفقد قيمتها بالكلية أو يفقد معظم قيمتها ، فضمان التلف هذا يكون على مَنْ يكون في الأصل ؟
الأصل أنه على المالك ، وفي العادة شركات التأجير المنتهي بالتمليك تُحمِّل هذا الضمان على شركة التأمين ، تُؤَمِّن على السيارة ، فنقول: إذا كان هناك تأمين على السيارة ضد ضمان التلف فيجب أن يكون هذا التأمين أولًا تعاونيًّا لا تجاريًّا ، كما سنوضح إن شاء الله عندما نتعرض للتأمين التجاري والتعاوني بعد الصلاة ، ويجب أن يتحمل هذا التأمين من ؟ المالك ، لا أن يجعله على المستأجر ، لا مانع من أن يدفعه المالك ويجعله من ضمن التكلفة التي يحسبها على المستأجر ؛ يحسب الضمن يعني ثمن السيارة ، لا مانع من ذلك ، لكن لا يُفَوِّض الأمر غلى المستأجر بأن يقول : أنتَ تتولى التعاقد مع شركة التأمين وإذا حصل تفريق من شركة التأمين فأنتَ الذي تتولاه . لا ، لا بد أن يتحمل التأمين هو – المالك – ويكون عليه تبعات عقد التأمين ؛ هذا النوع الأول من الضمان .
النوع الثاني من الضمان : هو ما يسمى بالصيانة الأساسية أو ما يُعرف بالصيانة غير التَّشْغِيليَّة ، مثل ما لو حصل في السيارات مثلًا عَطَل في المكينة أو في ناقل الحركة الذي يسمى الجير أو في الأجزاء الرئيسية في السيارة ، مَن الذي يتحمل هذا العَطَل؟ المالك أو المستأجر؟ وفي الدُّور أيضًا في المنازل لو جئنا للمنازل ، لو حصل عطل مثلًا في المكيفات ، أو حصل عطل في الأشياء التي تعتبر جوهرية في الدار مثلًا كالأجهزة الكهربائية التي بها ، من الذي يتحمل هذا العطل ؟(6/19)
الأصل أن الذي يتحمله هو المالك لأنه ملكه ، ولأن الأجرة إنما بُذِلت مقابل الانتفاع بهذه الأشياء ، المستأجر يدفع هذه الأجرة مقابل الانتفاع بها ، فالأصل أنه يتحمله المالك ، لكن لا مانع شرعًا من أن يتحملها المستأجر بالشرط ، كأن يتفق مثلًا مالك الدار مع المستأجر على أنه يتحمل هو صيانة المكيفات ويتحمل مثلًا صيانة الأشياء الأساسية التي في الدار ، وكذلك يتفق مالك السيارة مثلًا مع المستأجر على أنه يتحمل مثل هذه الأعطال ؛ هذا لا مانع منه شرعًا إذا كان ذلك بالشرط والاتفاق بينهما .
النوع الثالث من الضمان : هو ما يُعرف بالصيانة التشغيلية أو الصيانة الدَّوْرِية ، والتي تكون بسبب الاستعمال والاستهلاك ، مثل في السيارات مثلًا : تعبئة الزيت ، تغيير الزيت وتغيير الذي يسمى الكَفَرات والإطارات ونحو ذلك ، هذه من الذي يتحملها ؟ المستأجر ؛ لأنها بسبب استعماله.
والنوع الأخير : الضمان الذي يكون بسبب تعدِّي أو تفريط المستأجر ، مثلًا يستخدم السيارة يُحَمِّل فيها أشياء ما تُحَمَّل فيها عادة ، أو وضعها في مكان ونسي المفتاح مثلًا وهي مفتوحة تشتغل وتركها مفتوحة فسُرِقت ، فالذي يتحملها في هذا الحال هو المستأجر ؛ لأنه تعدَّى أو فرَّط.
إذا عرفنا هذه الأنواع الأربعة :
1- ضمان التلف.
2- والصيانة الأساسية.
3- والصيانة التشغيلية.
4- والضمان الذي يكون بسبب التعدي أو التفريط.
نُطبق هذه الأحكام الأربعة على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك ، فنقول :
1- بالنسبة لضمان التلف : يجب أن يتحمله المالك ، وإذا هناك تأمين فيجب أن يكون التأمين تعاونيًّا وأن يتحمله المالك .
2- وأما ضمان الصيانة الأساسية : فهذه الأصل أن يتحملها المالك ، لكن لا مانع من أن يتفقا على أن يضمنها المستأجر .
3- وأما الصيانة التشغيلية أو الدورية : فهذه لا إشكال في أنه يتحملها المستأجر.(6/20)
4- وأما ما كان بسبب تعدي المستأجر أو تفريطه : فإنه هو الذي يتحمل هذه الصيانة أو هذا الضمان .
إذًا هذا ما يتعلق بالإجارة المنتهية بالتمليك ، نقول : الأصل في عقد الإجارة المنتهي بالتمليك أنه عقد جائز إذا توافرت فيه الشروط الثلاثة التي أشرنا إليها وهي :
الأول : وجود عقد منفصل بالبيع أو بالهبة منفصل عن عقد الإجارة .
والثاني : ألا يكون الوعد بالتمليك في نهاية المدة ملزِمًا للطرفين .
والثالث : تطبيق أحكام الإجارة خلال فترة الإجارة .
فإذا تحققت هذه الشروط الثلاثة فالعقد جائز ، وهذا ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي التابع بمنظمة المؤتمر الإسلامي .
البعض قد يقول: إن هيئة كبار العلماء قد صدر منهم قرار قبل عدة سنوات بتحريم الإجارة المنتهية بالتمليك ؟
فنقول : إن الصورة التي صدر بها قرار مجمع الفقه الإسلامي ليست شاملة لكل أنواع وصور الإجارة المنتهية بالتمليك ، وإنما انصبَّ القرار على الصور التي هي في الحقيقة محرمة ، كالحالات التي يُربط بين عقد الإجارة وعقد البيع ، والحالات التي لا يراعى فيها أحكام الإجارة ، ففي مثل هذه الحالات لا إشكال أن العقد يكون محرمًا.
ننتقل بعد ذلك إلى النوع الثالث من أنواع الأعمال المصرفية أو المجموعة الثالثة ؛ وهي مجموعة الخدمات المصرفية :
ويقصد بالخدمات المصرفية في البنوك تلك الأعمال المتعلقة بالنقود وأعمال الصَيْرفة الاعتيادية ، كالحوالات وصرف العملات وتحصيل الشيكات ونحو ذلك .(6/21)
وهذا النوع من الخدمات – الخدمات المصرفية – هو مصدر رزق البنوك المصدِر الذي تجمع منه الأموال ، تذكرون في أول درس قلنا إن البنوك تتلقى الأموال ثم تُقرضها ؛ فهي تَقترض ثم تُقرض ، فالبنوك تقترض عن طريق الخدمات ماذا؟ الخدمات المصرفية ، عن طريق الحسابات تفتح أنواع متعددة من الحسابات : حسابات جارية ، حسابات ادخارية ، حسابات آجلة ، فتأتيها الأموال عن طريق هذه الخدمات ثم تقرض هذه الأموال عن طريق الخدمات السابقة ، وهي الخدمات الائتمانية كالقروض وبيع التقسيط والتَّوَرُّق وغير ذلك ، فهي تقترض عن طريق الخدمات المصرفية وتقرض عن طريق الخدمات الائتمانية .
فالخدمات المصرفية متعددة لدى المصارف ، من أهمها الحسابات أو الودائع المصرفية .
فالودائع المصرفية تنقسم لدى البنوك إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : الودائع الجارية :
وهو ما يُعرف بالودائع تحت الطلب ، ولا أظن أن أي أحد من الموجودين إلا وله – يعني في الغالب – نوع من هذه الودائع ؛ الودائع تحت الطلب أو الودائع الجارية ، قد تسمى ودائع جارية أو حسابات جارية أو حسابات تحت الطلب ، فهي سُميت جارية لأنها غير مستقرة تتحرك ، وتحت الطلب لأن الشخص يستطيع أن يأخذها في أي وقت .
تُعَرَّف هذه الودائع بأنها الأموال المودَعة في المَصْرِف بقصد حفظها والسحب منها عند الحاجة ، بحيث تُرَدُّ بمجرد الطلب في أي لحظة يريدها صاحبها يستطيع أن يسحبها .(6/22)
هذه الودائع تُكَيَّف شرعًا على أنها قروض من المُودِع إلى البنك ، فالمودِع مقرِض والبنك مقتَرِض ، والسبب في ذلك أن المصرِف أولًا يضمن هذه الأموال ، فهي في ضمان ، فهو يضمنها على أية حال ، سواء حصل منه تفريط أو تَعَدٍّ أو لم يحصل منه تفريط أو تعد ، وأيضًا فإن المصرف يستخدم هذه الأموال ويستثمرها لنفسه ، وهذا موجود في جميع اتفاقيات الودائع الجارية ؛ يشترط البنك على المودِع أن له الحق في استثمار هذه الأموال ، يستثمرها لحسابه الخاص ، وإذا توافر هذان الأمران فهذا يدل على أن العقد هو في الحقيقة عقد قَرْض وليس وديعة ، هو يسمى الآن وديعة لأن الأصل في نشأة المصارف لما تكلمنا ؛ تذكرون لما تكلمنا عن الصيارفة الذين يجلسون في الطاولات كانوا يُعْطَوْن تلك المصكوكات والنقود على أنها ودائع للفَكِّ ، فاستمرت هذه التسمية ؛ أن الأموال التي تعطى عند البنوك أنها ودائع ، لكنها من الناحية الشرعية هي في الحقيقة قروض وليست ودائع .
إذ إن القرض يختلف عن الوديعة في الفقه الإسلامي في أمرين :
الأمر الأول : أن المقترِض الذي يأخذ المال له الحق في استعماله والانتفاع به لنفسه ، فمن اقترض مالًا مثلًا بعشرة آلاف ريال فله الحق في أن يستثمره لنفسه ويَرُد بدله ، بينما المودَع المؤتَمَن أو الأمين الذي يعطى مالًا ليحفظه ، هل يجوز له أن يستثمر هذا المال؟ لا يجب عليه أن يحفظه ولا يستثمره إذا كان سيستثمره أو ينتفع به .
فنقول في هذا الحال : هذا المال أصبح في ذمتك ماذا ؟ قرضًا وليس وديعة ، وإنْ سُمي وديعة .(6/23)
الشيء بالشيء يُذكر : بعضُ الناس ، من الأخطاء الحقيقة المنتشرة التي لمستُها من كثرة الأسئلة حول هذه المسألة ، أحيانًا الشخص يُؤتَمن على بعض الأموال ؛ يكون وكيلًا مثلًا يجمع تبرعات أو مثلًا يكون مُفَوَّضًا بأمر ما فيجمع هذه الأموال ، ثم يستثمر هذه الأموال ، يقول : بدلًا من أن تكون هذه الأموال مجمَّدة أنا سأنتفع بها وأستثمرها لنفسي وأربح منها .
نقول : هذه الأموال ليست قرضًا في ذمتك ، إنما هي وديعة ليس لك أن تستخدمها ، وأنتَ مؤتَمن على ذلك وليس لك الحق في أن تستثمرها ، ولو استثمرها الشخص فهو آثم أولًا وأيضًا يجب عليه أن يرُد على هؤلاء – أصحاب الأموال – أن يعطيهم حِصتهم من أرباح تلك الأموال ؛ لأن هذه أموالهم ولم يأذنوا باستثمارها .
الفارق الثاني بين القروض والودائع : أن الأموال في ذمة المقتَرِض مضمونة ، بمعنى أنه يضمنها على أية حال ؛ فرَّط أو لم يفرط ، تعدَّى أو لم يتعدَّ ، فمثلًا لو اقترضتَ من شخص عشرة آلاف ريال كقرض ثم بعد ساعات سُرقت منك تلك الأموال أو احترقت ، هل تضمنها لصاحبها ؟ نعم تضمنها ، مثل ما لو أخذتَ قرضًا من البنك مثلًا ثم تَلِفَتْ تلك الأموال ، فلا بد أن تسدد المال لأنه قرض مضمون في الذمة هذا .
بينما الوديعة – يد المودَع يد أمانة - يَدُ المودَع المؤتَمَن هو يَدُ أمانةٍ ، فلو أُعْطِيتَ مالًا لتحفظه فوضعته في حِرز أمين ومكان يُعتاد حفظُه فيه ثم سُرق هذا المال أو حصل حريق مثلًا في الدار واحترق ذلك المال ، هل تضمن ذلك المال لصاحبه ؟ لا تضمنه ؛ لأن يد المودَع يد أمانة .
فقط يضمن في حال تعدِّيه أو تفريطه :
تعدِّيه : مثلًا مثل ما لو أخذ مالًا ثم استثمره بدون إذن صاحبه ، أو أُودِع مثلًا ساعة يحفظها فبدأ يستعملها بدون إِذْن صاحبها ، فهنا نقول : يضمنها ، يضمن هذه الساعة لو سرقت أو تلفت .(6/24)
وأما التفريط : فهو أن يترك أمرًا واجبًا عليه في الشرع أو في العُرف ، مثل أن يعطى أموال يحفظها فيضعها مثلًا في درج السيارة ؛ مبالغ بالآلاف مثلًا ، نقول : هنا قد فرَّط ، فلو سرقت أو ضاعت أو حصل لها شيء فإنه يضمنها .
الآن لو نظرنا إلى الودائع البنكية التي تسمى ودائع ، الآن هل تنطبق عليها أحكام القروض أو تنطبق عليها أحكام الودائع ؟
البنك أولًا يضمنها ، وثانيًا يستثمرها لنفسه ، بل إنه لا يُبقيها عنده ولا ليوم واحد ، مباشرةً يستثمر هذه الأموال ، فهي في الحقيقة قروض .
وعلى هذا ؛ إذا عرفنا أنها قروض فما الحكم الشرعي فيها ، ما حكم الودائع الجارية ؟
نقول :
إن الودائع الجارية جائزة بشرطين :
الشرط الأول : ألا يأخذ المودِع – صاحب المال – أيَّ فائدة مقابل هذه الوديعة في الحسابات الجارية ، لماذا؟ لأنه الآن هو مقرِض وإذا أخذ أي فائدة فهي فائدة مشروطة في القرض ، سواء كانت الفائدة زيادة في قيمة الوديعة ؛ كأن يُقرض مثلًا عشرة آلاف ريال أو يودِع عشرة آلاف ريال ويَرُدُّ إليه البنكُ مثلًا هذه الوديعة بزيادة مثلًا عشرة آلاف ومائتي ريال ، فنقول : هذه الزيادة من الربا ؛ لأنها من أنواع ربا الديون .
أو كانت هذه الزيادة عبارة عن هدايا أو جوائز يعطيها البنك لأصحاب الحسابات الجارية ، مثلما تفعل بعض البنوك تُرسِل لأصحاب الحسابات الجارية الكبيرة العالية نسبيًّا ، يُرسلون إليهم بعض الهدايا : مثلًا ساعة ، وأحيانًا طبق حلوى ، وأحيانًا بِشْت ، وأحيانًا جهاز كمبيوتر ، وأحيانًا (لاب تب) أو غير ذلك ، فنقول : مثل هذه الهدايا لا يجوز قبولها ، فهي زيادة في القرض ولا يجوز أخذها .(6/25)
لكن أحيانًا قد يقدم البنك بعض الخدمات أو التسهيلات التي تساعد صاحب الحساب الجاري على الوصول إلى رصيده ، مثل : أن يعطيه بطاقة صَرَّاف مجانية ، دفتر شيكات ، خط إنترنت مثلًا للوصول إلى حسابه ، نقول : مثل هذه الخدمات جائزة ؛ لأنها لتسهيل استيفاء الدائن أو صاحب الوديعة أمواله ، وهذه لا حرج فيها شرعًا ، أما ما كان من قبيل الجوائز والهدايا ونحو ذلك التي لا علاقة لها بالحساب فهذه لا يجوز قبولها ؛ لأنها ليست لتسهيل الوصول إلى الحساب .
الشرط الثاني لجواز الودائع الجارية : ألا تكون الوديعة في مصرِف يتعامل بالربا ؛ لأن في ذلك إعانة على المعصية ، بمعنى أنه لا يجوز من حيث الأصل أن يُودِع الشخص أو يفتح حسابًا جاريًا لدى بنك رِبَوِي ؛ لما فيه من الإعانة على المعصية ، لأن البنوك تستثمر هذه الأموال في أنشطتها ومن ضمن أنشطتها الأنشطة الربوية التي تتعامل بها ، بل إن البنك يستطيع أن يُوَلِّد من الريال الواحد خمسة ريالات من هذه الحسابات الجارية ، فعلى ذلك نقول : لا يجوز الإيداع من حيث الأصل في البنك الربوي .
لكن يُستثنى من ذلك ما إذا كان هناك حاجة للإيداع لدى البنك والحاجة أقل رتبة من الضرورة ، لا يلزم أن يصل الإنسان إلى مرحلة الضرورة بل يكفي وجود الحاجة ؛ لأن تحريم الإيداع لدى البنك الربوي إنما هو من باب تحريم الوسائل لأنه وسيلة أو ذريعة إلى أن ينتفع به البنك في شيء محرَّم ، إذ العقد في نفسه الإيداع نفسه مباح ، لكن لأن البنك قد ينتفع أو سينتفع بهذا المال في شيء محرم حَرُم الإيداع ، فهو من باب تحريم الوسائل ، والقاعدة عند أهل العلم : أن ما حُرِّمَ تحريم وسائل فإنه يباح عند الحاجة أو المصلحة الراجحة ، فعلى ذلك نقول : متى ما وُجِدت حاجة لفتح حساب جارٍ لدى بنك يتعامل بالربا فلا بأس بالإيداع لديه .(6/26)
ومن الحاجة مثلًا : أن يحتاج الشخص إلى خدمة أو معاملة مصرفية لا يجدها في البنك الإسلامي ، فنقول : لا حرج في هذه الحال أن تفتح في البنك الآخر إذا كنتَ تستطيع أن تجد تلك الخدمة الجائزة شرعًا .
من الحاجة كذلك : أن يكون الشخص في بلد ليس فيه بنوك إسلامية ، فهنا نقول : قد تحققت في حقه الحاجة ؛ لأنه يريد أن يحفظ أمواله ، ويريد أن يتعامل بها ، وأن يُحِيل عليها ويحول منها ، فلا حرج أن يفتح حسابًا جاريًا لدى تلك البنوك .
من الحاجة كذلك : ألا يتمكن الشخص من تسهيل بعض معاملاته إلا عن طريق تلك البنوك ، فلا حرج في مثل هذه الحال .
من الحاجة كذلك : أن يحتاج الشخص إلى فتح مِحفظة استثمارية ، والبنوك عادة تشترط قبل فتح المِحفظة الاستثمارية أن يفتح أولًا حسابًا جاريًا ، فنقول : لا مانع تفتح حسابًا جاريًا ثم تنقل جميع الأموال التي في الحساب الجاري إلى المِحفظة الاستثمارية ، تنقلها مباشرة بحيث لا تُبقيها للبنك حتى لا ينتفع بها البنك ، وإنما تكون تحت نظرك وإدارتك في المِحفظة الاستثمارية.
هذا ما يتعلق بالودائع الجارية .
القسم الثاني - من الودائع البنكية - هي : الودائع الآجلة .
وتُعَرَّف الودائع الآجلة بأنها الأموال المودَعة لدى المصرف بقصد استثمارها ، وهذه الودائع تكون مرتبطة بأجل لا يجوز لأصحابها السحب منها إلا بعد انقضاء ذلك الأجل المتفَق عليه ، فيُودِع وديعة لدى البنك خمسين ألف ريال مثلًا ويشترط عليه البنك أن يُبقي هذه الوديعة لمدة ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو تسعة أشهر ويسترد تلك الوديعة بعد تلك المدة بزيادة ، فالإيداع هنا ليس بقصد الحفظ أو بقصد السحب منها متى شاء ، وإنما هو بقصد الاستثمار ويريدها أن تنمو ؛ هذه تسمى الودائع الآجلة .
والنوع الثالث هي : الودائع الادخارية .(6/27)
وهي ودائع تَجمع خصائص النوعين السابقين ؛ إذ إن صاحبها يحصل على فائدة ويستطيع أن يسحب منها متى شاء ، لكن الفائدة التي يأخذها على تلك الودائع – الودائع الادخارية – تكون قليلة جدًّا أقل بكثير من الودائع الآجلة ؛ لأن البنك في هذه الحال يحسِب الفائدة أو الربح المستحَق على تلك الوديعة بأدنى رصيد بَقِيت فيه تلك الوديعة لدى البنك ، فإذا كان الشخص قد أودع لدى البنك في بداية الشهر خمسين ألفًا ؛ هذا في الودائع الادخارية ، ثم بعد عشرة أيام أصبحت ثلاثين ألفًا ، ثم في اليوم الخامس عشر أصبحت عشرة آلاف ، ثم في اليوم العشرين أصبحت ستين ألفًا ، ثم في اليوم الخامس والعشرين أصبحت سبعين ألفًا ، ثم في اليوم الثلاثين سبعين ألفًا كذلك ، يحسب له البنك الفائدة على أن وديعته ؛ كم تساوي؟ عشرة آلاف فقط على أدنى رصيد ؛ هذا في الودائع الادخارية التي يكون لصاحبها الحق في السحب ويأخذ مقابلها أرباحًا أو فوائد .
والحكم الشرعي لهذين النوعين - الودائع الادخارية والودائع الآجلة – يختلف بحسب طبيعة العقد بين البنك والعميل :
فإذا كان البنك يضمن رأس مال الوديعة وفائدة محددة على تلك الوديعة العقد ، هنا هو عقد قرض ، إذا أودع العميل عشرة آلاف والبنك يضمن له هذه الوديعة وزيادة عليها واحد بالمائة أو اثنين بالمائة أو ثلاثة بالمائة فالعقد هنا في الحقيقة عقد قرض ، العميل أقرض البنك ويسترد هذا القرض بزيادة ، فهذا العقد لا يجوز لأنه قرض بفائدة والوديعة هنا محرمة ، سواء كانت وديعة آجلة أو ادخارية ، وسواء سُميت وديعة آجلة أو وديعة استثمارية أو شهادة استثمارية أو غير ذلك من التسميات ، متى ما كان البنك يضمن رأس المال للعميل فإن أخذ الزيادة على هذه الوديعة محرمة .(6/28)
وأما إذا كان المصرف لا يضمن رأس المال ولا ربحًا محددًا ، فتكون الوديعة معرَّضة للربح والخسارة ، فيستثمر المصرِف هذه الأموال أو تلك الوديعة إنْ رَبِح فيها ربح معه العميل وإن خَسِر فيها خسر معه العميل ، فالعقد هنا عقد مضاربة ، فالمودِعُ – صاحب المال – هو في الحقيقة ربُّ المال ، والمصرِفُ هو في الحقيقة العاملُ في عقد المضاربة ، والربح مقسومٌ بينهما بحسب الاتفاق ، فمثل هذه الوديعة جائزة وهي مطبقة في عدد من البنوك الإسلامية
إذن يُفرق بين الودائع التي يُضمن فيها رأس المال والودائع التي لا يُضمن فيها رأس المال ، وهذا هو الفرق بين القرض والمضاربة ، في القرض المقتَرِض الذي يأخذ المال يضمن للمُقرِض ماذا ؟ يضمن له رأس المال ولهذا لو شُرِط في عقد القرض للمقرِض زيادة فهذه الزيادة تكون محرمة لكن في المضاربة ؛ المضاربة التي هي نوع من أنواع الشركات آخِذ المال - العامل في المضاربة – هذا لا يضمن لرب المال سلامة رأس المال ولهذا لو ضمن له سلامة رأس المال نقول أنت لست مُضارَبًا أو لست عاملًا في المضاربة أنت في الحقيقة مقتَرِض لأن الضمان هو الفيصل ما بين القرض والمضاربة ولهذا تجدون بعض الأشخاص الذين يتاجرون في أموال بعض المستثمرين الذين يفتحون مكاتب وغيرها يأخذ على نفسه تعهُّدًا أو التزامًا وأحيانًا بعضهم يكتب شيك على نفسه يقول : المبلغ الذي تعطيني إياه أضمن لك رأس المال أنك لن تخسر نقول متى ما وُجِد هذا الشرط فحقيقة هذا العقد هو قرض وليس مضاربة ولا مشاركة وإذا كان المعطِي للمال قد يربح في هذا العقد فهو قرض بزيادة فلا يجوز ، فلا يجوز اشتراط الضمان في مثل هذه التجارات ؛ هذا ما يتعلق بالودائع المصرفية .
وخلاصتها أن الودائع المصرفية على ثلاثة أنواع :
ودائع جارية وهذه جائزة بشرطين :
الشرط الأول : ألا يودِع في بنك يتعامل بالربا .
والشرط الثاني : ألا يأخذ أي فائدة مقابل هذه الوديعة .(6/29)
والنوعين الآخرين : " الودائع الادخارية " و " الودائع الآجلة "
قلنا إذا كان البنك يَضمن للمودِع رأس المال فإن هذه الودائع تكون محرمة وأما إذا كان لا يضمنها وإنما هي عرضة للربح والخسارة فهذه تُكَيَّف على أنها عقد مضاربة وهي جائزة شرعًا.
عارض الأسئلة :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :
شكر الله لفضيلة الشيخ ما قدم ونبدأ بعرض بعض الأسئلة التي وصلت :
هذا سائل يسأل أيها الشيخ ويقول :
هل هناك سوق أولية وثانوية للشركات القائمة فعلًا ؟
الشيخ:
نعم كل الشركات المساهمة القائمة في السوق كان له سوق أولية يعني طُرِحت أولًا للاكتتاب هذا هو معنى السوق الأولية أول ما طرحت للاكتتاب ثم نُقِلت إلى السوق الثانوية عن طريق طرحها للتداول فالآن الموجود في السوق هو السوق الثانوية.
عارض الأسئلة :
هذا سائل يقول : النتيجة من تداول الأسهم وكثرة الطلب عليها هو التضخم ونوع من تجميد الأموال وعدم تقليبها بالشكل الإنتاجي المطلوب فأريد أن أسأل ما الحكمة من تحريم الربا إذن؟
وبعضهم يسأل : هل التضخم يُجيز الربا ؟
الشيخ:(6/30)
هو في الحقيقة وجود التضخم مثلًا في العملات لا يعني أن المعاملة نفسها أصبحت محرمة المحرم هو في الحقيقة الزيادة الربوية من الأسباب المؤدية إلى التضخم هو الربا بل هو من أهم أسبابه فكون الأسهم مثلًا ترتفع وتتضخم هذا لا يعني أن المعاملة أصبحت من الربا أو أنها دخلت في المحظور الشرعي لأن هذا يرد على كل السلع الآن المضاربات التي تجري على العقارات أو تجري على كثير من السلع هذه في الحقيقة ترتفع أثمانها مع أنه ليس فيها إنتاج وهذا لا يقتضي تحريمها لأنه لو أُغلِق الباب وقيل لا تجوز التجارة شرعًا إلا فيما فيه إنتاج لكان في ذلك تضييق على الناس وحرج ومشقة عليهم فنقول الأصل أن الأولى – يعني في النظر الشرعي – أن توجِّه الأموال إلى ما فيه ولذلك لو لاحظتم في الزكاة في الزكاة الأموال الإنتاجية هذه ليس فيها زكاة بينما الأموال التي تُتَداول من غير إنتاج هذه فيها الزكاة فمثلًا إذا كان شخص عنده مصنع يُنتج سلعًا يعني قيمة هذا المصنع المكائن التي عنده والمعدات تصل قيمتها إلى مليار ريال هل عليه زكاة في هذا المصنع ؟ ليس عليه زكاة لأن هذه تسمى في الفقه عروض كنية يعني للبيع لكن لو أن شخصًا أو هذا الشخص لنفرض أن عنده مليارًا آخر اشترى به سلعًا اشترى به مواد غذائية واشترى به أساس وغير ذلك ليبيعها في السوق اشتراها بمليار وسيبيعها بمليار ومائتي مليون نقول ماذا ؟ أن تُزَكِّي عن المليار ومائتي المليون كاملة يعني عن قيمتها وقت البيع لماذا ؟ لأنه في الحالة الأولى عمله إنتاجي في الحقيقة في البلد لأنه ينتج سلعًا وينتج أشياء للبلد بينما في الصورة الثانية هو مجرد ماذا ؟ وسيط يشتري السلع ويبيعها فهذا يدل على أن الشارع نظر إلى هذا الاعتبار وخفف على المستثمرين أو التجار الذين يزاولون التجارة التي فيها إنتاج بينما فرض الزكاة على من يكون عمله مجرد تداول وبيع للسلع فنقول مثل هذه المضاربات والتداول لأسهم تعالج بالزكاة(6/31)
الشرعية فالزكاة الشرعية هي التي تَحُدُّ من هذه المداولات والمضاربات إذا عَرف الشخص أنه بالمضاربة بالأسهم سيدفع زكاةً فربما هذا يَحُدُّ أيضًا من هذه المضاربة ويحمله ذلك إلى الدخول في السوق الإنتاجية كالمصانع والعمارات ونحو ذلك مما فيه مصلحة للبلد .
عارض الأسئلة :
جزاكم الله خيرًا ؛ هذا سائل يقول : ما حكم المساهمة في شركات الإعلام والقنوات الفضائية ؟
الشيخ:
لا تجوز المساهمة فيها إذا كانت تلك القنوات تبث أشياء محرمة شرعًا أو كانت الإعلانات التي تنشرها تلك الشركات تقدم مواد محرمة لكن لو كانت القناة تلتزم بالضوابط الشرعية ولا يظهر فيها أي محظور شرعي فالمساهمة فيها في هذا الحال جائزة لكن لا أعلم في الحقيقة الآن قناة فضائية خالية من المحاذير الشرعية وهي مطروحة كشركة مساهِمة لا أعلم ذلك.
عارض الأسئلة :
جزاكم الله خيرًا ؛ هذا سائل يقول : لدي محل لبيع الملابس ويوجد لدي مكينة نقاط البيع ويأتي لدي أصحاب بطاقات (الفيزا) و(الماستر كارد) وبما أن السعر لدي في الأصل للنقد ولذا أزيد عليه بنسبة أربعة أو ثلاثة في المائة وهو المبلغ الذي يُخصم عليَّ من البنك فما حكم هذه الزيادة؟
الشيخ:
هذا لا يجوز لأمرين :
الأمر الأول : أن فيه مخالفة للشرط المتفَق عليه بينك وبين الجهة التي أعطتك ذلك الجهاز لأن من شروط تقديم هذه الخدمة عند التجار ألا يزيدوا هذه العمولة على المشترين .
والأمر الثاني : أن هذا يؤول إلى الربا لأنك كأنك حَمَّلْتَ هذه العمولة على حامل البطاقة المشتري الذي هو المقتَرِض فكأن المقتَرِض - المشتري - قد دفع هذه الزيادة ، يعني كأنه اقترض من البنك مائة ورَدَّ على البنك مائة وريالين أو الزيادة التي تأخذها منهم فالعقد أصبح متضمنًا للربا فلا يجوز ذلك .
عارض الأسئلة :(6/32)
هذا سؤال يقول : كثير من الأخيار أَحْجَمَ عن الأسهم من باب التورع والبعد عن الشبهات فتعرضوا للوم من البعض الآخر بحجة عدم الاستفادة من هذه المعاملات الحلال ودعم البنوك الإسلامية كي تقارع البنوك الربوية فأي الفريقين في نظركم محقًّا؟
الشيخ:
كلاهما محق إن شاء الله من تورع فليس عليه حرج إن شاء الله والبعض قد لا يرتضي مثل هذه المضاربات التي تكون في الأسهم وبعضهم يقول ربما يكون هناك بعض العقود المحرمة داخل الشركة التي لا نعلمها فنقول من أراد أن يتورع فالأمر فيه مجال للتورع لكن لا ينبغي على هذا الذي تورع أن ينكر على غيره ممن دخل في الشركات النقية وكذلك من أراد أن يدخل في الشركات المباحة فليس له أن ينكر على من تورع عنها لأن المجال – ولله الحمد – واسع .
وقوله إن هذا فيه دعم للشركات أو البنوك الإسلامية نقول إن هذه الشركات قد دُعِمَتْ بما فيه الكفاية فالذين دخلوا في أسهم هذه الشركات عددهم أضعاف أضعاف ما تحتاجه تلك الشركات فبالعكس هم يبغون الواحد يُخفف الآن ما يَبغون كثرة المُكْتَتِبين أو المساهمين .
عارض الأسئلة :
هذا يقود إلى سؤال سأله سائل من أثيوبيا ولعل السائل لديه ثقافة خارجية يقول السؤال: ما توقعاتكم للأسهم السعودية وهل تتوقع أنها وصلت لتضخم ليس بعده إلا الانهيار فيحصل لنا ما حصل في سوق المناخ وهل هناك مؤشرات يمكن من خلالها التَّنَبُّؤ بانهيار أسهم التداول في أي بلد ؟
الشيخ:(6/33)
لا إن شاء الله أَمِّلُوا بالله خيرًا والمسلم من أهم الركائز التي يرتكز عليها في تجارته أنه يدرك ويثق بأن الرزق عند الله تعالى وأنه لن يأتيه من المال إلا ما كتبه الله تعالى له إن كان قد كتب الله له ربحًا فسيأتيه وإن كتب عليه خسارة فستأتيه تلك الخسارة وقد جاء في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : »إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ قَدْ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الْطَلَبِ«.(6/34)
فأقول من دخل في هذه السوق وأوغل فيها برفق لم يتوسع فيها ويحمل نفسه ديونًا أكثر مما لديه من الأموال فنقول إن شاء الله هذا بإذن الله في مأمن وعليه أن يتوكل على الله تعالى في ذلك والله سبحانه وتعالى هو خير حافظًا ، لكن المحظور في الحقيقة ما يفعله كثير من الناس الذين أستطيع أن أسميهم متهورين في سوق الأسهم يكون عنده مبلغ من المال فيقترض مبلغًا آخر وربما يبيع بعض ممتلكاته ليدخل في سوق الأسهم هذا نقول إنه قد خاطر مخاطرة ويخشى عليه مثل هذا الشخص الأَوْلى أن يدخل في مثل هذه السوق برفق ولا يتوسع فيها إذا كان عنده رأس مال لا يضع كل رأس ماله في الأسهم لأنها في أي وقت هي عرضة للخسارة وليس الأمر متعلقًا بالأسهم فقط بل حتى العملة نفسها العملة نفسها يمكن أن تتعرض لأي ارتفاع أو انخفاض هذا لا يتعلق بالأسهم وحدها ، ولذلك كل السلع التي نراها الآن بما أنها مرتبطة بالعملة بالريال أو بالدولار أو بغير ذلك هي معرَّضة للارتفاع أو الانخفاض في أي وقت فيما إذا تأثرت العملات فالأمر الآن في الأسواق المالية كلها يعني قضية المضاربات والمذبذبات هذه واردة ومتوقعة في أي وقت لكن لا أتصور مثل ما ذكره أو لا أعتقد مثل ما ذكره الأخ السائل من أن السوق قد تَضَخَّمَتْ إلى الحد الذي ليس بعده زيادة لكنا نقول إن شاء الله السوق بوضعها الراهن قد تكون مطمئنة إلى أمد قريب إن شاء الله تعالى لكن على الإنسان ألا يتوسع فيها وأن يحتاط وهذه الحيطة من الأخذ بالأسباب التي جاء الشارع بها بأن يحتاط الإنسان بعدم التوغل والتوسع في هذه السوق خشية أن يصيب شيء من الخسارات التي قد تقع في أوقات غير متوقَّعة أو لا يكون الإنسان قد احتاط لها .
والأشد الذي ينبغي للإنسان أن يحتاط له هو الدين ألا يتوسع في الاستدانة .(6/35)
ومع الأسف الآن ظهرت أرقام مخيفة ، يعني لما أعلنتها مؤسسات النقد والجهات المعنية أن الاستثمار الذي يكون في سوق الأسهم إنما هو باقتراض من البنوك وهذا في الحقيقة لا شك أنه يدل على خطورة تسير عليها السوق ويسير عليها كثير من المستثمرين فمما ينبغي على الإنسان ألا يتوسع في هذا الأمر لأن الدين بحد ذاته أمره خطير فكيف إذا كان في سلع وأمور معرَّضة للخسارة أو الانهيار في أي وقت فيتنبه المرء لذلك .
عارض الأسئلة :
جزاكم الله خيرًا ، يُتوقَّع من ذاك السؤال أن فيه شيء من الترويع لكن الشيخ طرح إجابة لها جانب اقتصادي وأيضًا نفسي .
هذا سائل يقول : من خلال القوائم المالية التي نراها في الجرائد ألا ترى أن هناك نوع من الغموض في تقرير الخاص القانوني ؟
الشيخ:
لا هو في الحقيقة ليس هناك نوع من الغموض القوائم المالية على نوعين التي تصدرها الشركات
النوع الأول : قوائم مدقَّقة وهذه تصدر في الغالب في نهاية السنة المالية هذه القوائم تكون مفصَّلة وموضَّح فيها جميع بنود الميزانية وتكون مراجَعة من مكتب محاسبي معتمد لدى الهيئات الرسمية في البلد ويكون هذا المكتب خارجًا عن الشركة يعني ليس في مظَّلة الشركة فهذه القوائم في الغالب تكون قد أوضح فيها إيضاحًا شافيًا إلى درجة كبيرة يستطيع من يريد أن يدرس هذه الشركة أن يعرف جميع الأشياء التي يريد أن يصل إليها في تلك الشركة .(6/36)
والنوع الثاني من القوائم هي القوائم غير المدققة وهي القوائم الرُّبْعِيَّة قد تصدر في ثلاثة أشهر في الربع الأول والربع الثاني والربع الثالث هذه أتفق مع السائل بأنها قوائم مجملة يعني يستطيع أن يصل الإنسان فيها إلى مطلوبِهِ فلذلك في الحكم على الشركة أنا في الحقيقة عندما أَدْرُس شركة لا أعتمد إلا على القوائم المدققة السنوية لكن القوائم الربعية هذه تفيد في بعض الأشياء أو بعض المتغيرات التي حصلت في الشركة التي تساعد في الحقيقة ولا يُعتمد عليها وإنما تفهم مع القوائم السنوية المدققة فيُجمع بين الأمرين فلذلك عندما أتكلم عن شركة من الشركات وأقول هذه الشركة مباحة أو نقية لا يمكن أن أعتمد على قائمة رُبعيَّة لأني أعرف أن القائمة الرُبعيَّة فيها إجمال كثير فإذا كانت الشركة مثلًا من الشركات المحرمة أو الشركات المختَلِطة لا يمكن أن تصبح قائمة هذه الشركة نقية إلا بعد صدور قائمتها المدققة وذلك للتأكد من أن جميع معاملاتها وجميع البنود الميزانية التي فيها موافِقة للشريعة الإسلامية .
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول : إن هناك الكثير من بنود العقد بالنسبة لأنواع من التأمين غير واضحة ؟
وهناك أسئلة تسأل عن التأمين بصفة عامة ، وأسئلة تسأل عن تأمين الرخصة ؛ رخصة القيادة ؟
وسؤال أخير أيضًا متعلق بالتأمين : ما يتعلق بالراتب الذي يأخذه المتقاعد من التأمينات الاجتماعية ؟
الشيخ:
ما يتعلق بالتأمين هو موضوعنا القادم إن شاء الله ؛ إذن نرجئ هذه الأسئلة .
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول : كيف يستطيع المضاربة في العملات بوضعها الحالي من تأخير يومين وهل هناك طرق شرعية ؟
الشيخ:(6/37)
المتاجرة في العملات تحدثنا عنها وقلنا أنه لا يتحقق فيها الضوابط الشرعية ففيها إذا كانت بالمارجن أو بالهامش ففيها محاذير أشرنا إليها وإذا كانت بدون تمويل وإنما مضاربة برأس المال فهذه فيها محظور عدم تحقق التقابض لأن القيود المحاسَبية أو المصرفية إنما تعتبر قبضًا إذا كانت تؤول إلى التسوية النهائية أما في مثل هذه المضاربات في سوق العملات فلا يكون فيها أي تسوية وإنما يشتري العملة الآن ثم يبيعها بعد دقائق أو لحظات فقد اختل فيها شرط من شروط الصرف وهو التقابض .
عارض الأسئلة:
هذه أسئلة عن معاملات معينة لذاتها ، وكنا قد تجنبنا بعض هذه الأسئلة لكن نطرحها وإذا كان الشيخ له رأي في الإجابة عليها فنترك المجال للشيخ .
بعض الإخوة يسألون عن المساهمة في المعدنية هل هي شركة ؟
الشيخ:
نعم هي من الشركات المختلِطة .
عارض الأسئلة:
أيضًا بعضهم يسأل عن صندوق الأمانة ؟
الشيخ:
هذا بينا حكمه الشرعي وقلنا أنه من ضمن الصناديق الشرعية المجازة والتي لا أرى الدخول فيها في الوقت الراهن لوجود شركات محرمة فيها وأنصح جميع إخواني أن ينتظروا حتى يتم تعديل الضوابط الشرعية لتلك الصناديق .
عارض الأسئلة:
التكافل التعاوني في بنك الجزيرة ؟
الشيخ:
التأمين التكافلي الذي في بنك الجزيرة هم وضعوه بناءً على أنه كصورة من صور التأمين التعاوني وأجيز من هيئتهم الشرعية ولم يظهر لي فيه محظور شرعي فهو إن شاء الله جائز .
عارض الأسئلة:
صناديق بنك البلاد الأربعة التي ستطرح؟
الشيخ:
صناديق بنك البلاد سيُطرح منها صندوق نقي في الأسهم المحلية وصندوق المرابحة يكون في السلع الدولية وصندوق آخر أيضًا سيكون في الأسهم الكويتية وكلها إن شاء الله صناديق جائزة فلا حرج إن شاء الله في الدخول فيها.
عارض الأسئلة:(6/38)
بطاقة (الفيزا) الراجح يأخذون خمسة وأربعين ريالًا على كل عملية سحب نقدي وهو فوق التكلفة كما تفضلتم ، فما حكم استخدامها في الشراء فقط دون السحب ؟
الشيخ:
نعم أنا قلت لا تستخدم في السحب النقدي واستخدمها في شراء السلع واستئجار الخدمات .
عارض الأسئلة:
إذا بدأ الاكتتاب في صكوك شركة ثابت فما الراجح ؟
الشيخ:
في الحقيقة لا نريد أن نستبق الأحداث يعني حتى تصدر هذه الصكوك ونتأكد من أنها موافِقة للضوابط الشرعية فإذا صدرت فلكل حادث حديث ونؤمل إن شاء الله تعالى أن تكون صكوكًا شرعية .
عارض الأسئلة:
أيضًا صندوق النقاء الذي ذكرتموه .
الشيخ:
نعم قلنا صندوق النقاء هذا التزموا فيه بضوابط شرعية بأن تكون جميع الشركات التي فيه من الشركات النقية لكن إلى الآن لم نعرف الشركات لكن إلى الآن لم نعرف الشركات التي استُثمر فيها أموال الصندوق فعلًا فحتى تظهر هذه الشركات نبين إن شاء الله تعالى حكم الدخول في هذا الصندوق .
عارض الأسئلة:
بيع الأسهم للمساهمات التي لم تبدأ بعد ؟
الشيخ:(6/39)
إذا كان الشخص قد ساهم في شركة من الشركات ولم يُطرح سهمها للتداول إلى الآن مثل الآن شركة (دانه غاز) لأني جاءتني أسئلة كثيرة خلال الأيام الثلاثة الماضية لأني حسب ما فهمت من أسئلة الإخوة أنها ستطرح للتداول أعتقد أنه غدًا أو بعض غد فالذي اكتتب في أسهم هذه الشركة مثلًا ويريد أن يبيعها الآن قبل أن تطرح للتداول نقول لا حرج شرعًا في بيعها ولو لم تطرح للتداول لأن الشخص الذي قد اكتتب فيها قد ملك هذه الأسهم وقبضها أيضًا لأنها سُجلت باسمه فلا مانع شرعًا من أن يبيعها لكن المشتري الذي اشتراها ليس له أن يبيعها في هذه الحال لشخص آخر لأنها لم تسجل باسمه فهو لم يقبضها بعد فعلى هذا نقول البيع في البداية هذا جائز لكن من اشتراها فليس له أن يبيعها مرة أخرى لأنه لم يقبضها ولأن هذا قد يؤدي أيضًا إلى المنازعة والاختلاف إذا كان الناس يتداولونها قبل أن تطرح للتداول لن يعرف مَن هو المالك الحقيقي لها .
عارض الأسئلة:
هذا سائل عبر الشبكة يقول : في بعض المنتجات التجارية مثل الصابون والحليب وغيرها يجد المشتري مبلغًا من المال ريال أو ريالين إلى الخمسة ريالات تقريبًا فما حكم هذا المبلغ غن وجده المشتري في السلعة علمًا بأن هذا المبلغ أصبح يجعل الأولاد يشترون تلك السلع؟
الشيخ:
مثل هذه المبالغ جائزة لأنها غير مقصودة في السلعة نفسها مقصود المشتري هو تلك السلعة وكون الصغار مثلًا يتهافتون على هذا المنتج لوجود هدية فيه هذا لا يجعل في العقد غَرَرًا أو جهالة لأن هذه النقود تابعة وليست مقصودة .
عارض الأسئلة:
نختم بهذا السؤال أيها الأحبة وهو في الواقع أسئلة وليست سؤالًا:
تسأل عن توجه بعض البنوك لتغيير مسارها إلى المسار الشرعي فيسألون بعض الإخوان هذا التوجه وهل يشجعون أم أنها ليس لها شيء من الواقع ؟
الشيخ:(6/40)
هو في الحقيقة التوجه الذي حصل لدى كثير من المصالح لتحويل أنشطتها وأعمالها إلى المصرفية الإسلامية هذا مما يبشر بالخير وأن لديهم إن شاء الله النية إلى تحسين أو السلامة أعمالهم المصرفية ولا شك أن المسلم يفرح بمثل هذا التوجه ، لكن مثل هذا التوجه يحتاج إلى ضبط ويحتاج إلى متابعة ونحن نعرف أنه في البدايات قد يكون هناك كثير من الثغرات وكثير من العثرات والقصور فنحن عندما نقول أن هذه المعاملة غير صحيحة لا نقصد من ذلك التثبيط أو إيقاف هذه المسيرة لا نحن نقصد من ذلك التصحيح وأن تأخذ هذه المسيرة طريقها ومسارها الصحيح فنقول مثل هذا التوجه في أصله مقبول ولكن الأمر يحتاج إلى متابعة واستمرار وتدقيق وتصحيح لهذا المسار ومن أهم القضايا التي يجب مراعاتها في أَسْلَمَة المصارف الإسلامية وجود الرقابة الشرعية التي تتابع تنفيذ القرارات التي تصدر من الهيئات الشرعية فوجود هيئة شرعية في البنك لا يكفي لم يصبح دور الهيئة في الحقيقة كهيئة استشارية تُستشار في بعض القضايا التي تَعرِض على البنك لا بد أن يكون مع الهيئة الشرعية رقابة يعني مراقبين شرعيين يتأكدون من أن البنك فعلًا يلتزم بالقرارات التي أصدرتها الهيئات الشرعية وهناك مصارف جادة في هذا الأمر ووضعت لها رقابة مع هيئاتها الشرعية حتى تضبط تلك الرقابة الشرعية مسيرة الأسلمة في البنك وهناك بعض البنوك لم تضع مثل هذه الرقابة ولذلك تجد كثير من الأخطاء والسلوكيات الخاطئة في تنفيذ القرارات التي تصدر من الهيئات الشرعية .
جزاكم الله خيرًا.(6/41)