الأسباب الموصلة إلى إجابة الدعاء
( د. يوسف إبراهيم مُحَمَّد أبو سيل (1) ()
مُقَدِّمَة:
الحمد لله، الحكم العدل، اللطيف الخبير، نحمده هو أهل الحمد والثناء، والبذل والعطاء، علَّمنا كيف ومتى ندعوه. والصَّلاة والسَّلام على مَنْ به انكشفت الظلمات، وخمدت للكفر بفضله منارات، سيدنا محمد، معلم الإنسانيّة وهادي البشريّة إلى صراط ربها المستقيم، وعلى آله وصحبه ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،،،
إنَّ كرم الله تعالى في إعانة عبيده المفتقرين إليه لا حدود له، بل إنَّه جلَّ شأنه أكرم الأكرمين، وأجود الجوادين، يعرض كرمه على عباده، يطلب إليهم أنْ يدعوه ويتعهد لهم بالإجابة { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60]، وهو القريب إليهم إذا ما لجأوا إليه، واستنصروا به وسألوه، { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186].
وللدعاء آداب وشروط ينبغي على الداعي أنْ يلتزم بها حتَّى يكون مستجاب الدعوة، كما أنَّ عليه أنْ يتحرَّى الأزمنة والأمكنة التي فيها مظنة إجابة الدعاء، كنزول الغيث، وعند التحام الصفوف، وفي السَّحَر، وما بين الأذان والإقامة ...الخ.
ويهدف هذا البحث إلى بيان الأسباب المؤدية إلى إجابة الدعاء، حتَّى نتمسّك بها ونراعيها في دعائنا، كما يوضِّح البحث الأسباب المانعة لإجابة الدعاء فنحذرها ونتجنبها، وذلك في مبحثين.
والله تعالى أسأل أنْ يكون هذا البحث نافعاً مفيداً، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
المبحث الأول: آداب الدعاء
للدعاء آداب تجب مراعاتها عند لجوء الداعي إلى ربه الملك الرحيم الكريم، وهنالك جملة من الآداب، نذكر منها ما يلي:
[1] التوبة والإنابة إلى الله عزّ وجلّ:
__________
(1) (()أستاذ مشارك، عميد كليّة الشريعة فرع الجامعة بالأبيض (ولاية شمال كردفان).(1/1)
إنَّ من الآداب التي يجب أنْ يتحلى بها الداعي هي توبته النصوح من كلّ ما يغضب الله عزّ وجلّ الذي يتوجّه إليه بالسؤال والدعاء والتَّضرُّع، وذلك حسب طاقته البشريّة، فإنَّ ما يحل بالإنسان من مصائب يكون بسبب المعاصي في أكثر الأحوال، قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } [الشورى: 30]، فالتوبة هي تغيير لحال العبد من حال إلى حال، قال تعالى { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
[الرعد: 11].
إنَّ الذنوب من أكبر الأسباب لسد أبواب الاستجابة أمام الداعي، ولذلك قال الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : "ما نزل بلاء إلاَّ بذنب ولا رُفِعَ إلاَّ بتوبة" (1) ، وقال يحيي بن معاذ الرازي ـ رحمه الله ـ: "لا تستبطئ الإجابة إذا دعوت وقد سددت طرقها بالذنوب" (2) . وقد أخذ هذا المعنى أحد الحكماء فنظمه في قوله:
نحن ندعوا الإله في كلّ كرب ... ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابة لدعاء ... قد سددنا طريقها بالذنوب
إنَّ من أقوى أسباب الفلاح والنجاح للعبد في الدنيا والآخرة هي التوبة الخالصة له سبحانه وتعالى { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 31]، فأيّ فلاح ينتظره العبد في الدنيا أعظم من رضى الله تعالى، وأنْ يكون العبد مستجاب الدعاء.
[2] الخشوع والخضوع واستحضار القلب مع عدم رفع الصوت بالدعاء:
__________
(1) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: لابن قيم الجوزية، ص 58.
(2) شعب الإيمان: للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، 2/54.(1/2)
والمراد بالخشوع والخضوع وحضور القلب أنْ يقصد بدعائه الخضوع والتذلُّل لعظمة ربّه، كما هو وصف العبد اللازم له، ولا يكون الدعاء بلسانه، والغفلة بجنانه، فيكون مانعاً له من مراده، روي أنَّ موسى - عليه السلام - مرَّ على رجل يسأل ويلح في الدعاء، فقال موسى: يا ربّ لو كانت إليَّ حاجة هذا الإنسان، وسألني لأعطيته إيّاها، فقال: {يا موسى إنَّه يسألني بلسانه وقلبه مع غنمه} (1) ، فلو كان متوجهاً بجنانه حال الدعاء بلسانه لنال مراده والله أعلم.
إنَّ الخشوع والخضوع أرجى لقبول الدعاء؛ لأنَّ فيه تعظيم الله تعالى، واستحضار الضعف مع التأدُّب عند مناجاة الربّ، قال تعالى: { ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين َوَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }
[الأعراف: 55-56].
__________
(1) الفتوحات الربانية على الأذكار النووية: للإمام محمد بن علان الصديقي الشافعي، 4/243-244.(1/3)
قال الإمام القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ: "هذا أمر بالدعاء وتعبُّد به، ثم قرن جلّ وعزّ بالأمر صفات تحسن معه، وهي الخشوع، والاستكانة، والتضرُّع, أمر بأنْ يكون الإنسان في حالة ترقُّب وتخوُّف وتأمُّل لله عزّ وجلّ حتَّى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته، وإنْ انفرد أحدهما هلك الإنسان، قال تعالى: { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ } [الحجر: 49-50]، فرجّى وخوَّف فيدعوه الإنسان خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه، قال تعالى: { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [الأنبياء: 90]. وقال بعض أهل العلم: ينبغي أنْ يغلب الخوف الرجاء طول الحياة، فإذا جاء الموت غلب الرجاء, قال النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (لا يموتن أحدكم إلاَّ وهو يحسن الظن بالله)" (1) .
قد مدح الله تعالى عبده زكريا - عليه السلام - وأهله بتذلُّلهم عند دعائهم، قال الله تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [الأنبياء: 90]، ذكر الحافظ ابن كثير بسنده عن عبد الله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر - رضي الله عنه - ثم قال: أمَّا بعد، فإنّي أوصيكم بتقوى الله، وتثنوا عليه بما هو له أهل، وتخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة، فإنَّ الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [الأنبياء: 90] (2) .
__________
(1) صحيح مسلم، باب الأمر بحسن الظن بالله، برقم 5125. وانظر: الجامع لأحكام القرآن الكريم: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، 4/223-227.
(2) تفسير القرآن العظيم: للحافظ أبو الفداء إسماعيل ابن كثير، دار الفتح العربي، 3/185.(1/4)
كما أنَّ الدعاء مع هذه الهيئة يكون كما قال الله تعالى { خُفْيَةً } ؛ لأنَّ ذلك يكون أبعد من الرياء، ولقد مدح الله زكريا - عليه السلام - بقوله { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً } [مريم: 3]، وقال تعالى: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } [الإسراء: 110]، ذكر صاحب "التفسير الكبير": "إنَّ المراد بالصلاة الدعاء، وهذا قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وأبي هريرة، ومجاهد، وروي هذا مرفوعاً أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال في هذه الآية: إنَّما ذلك في الدعاء والمسألة، لا ترفع صوتك فتذكر ذنوبك فيسمع ذلك، فتعير بها، فالجهر بالدعاء منهي عنه، والمبالغة في الإسرار غير جائزة، والمستحب من ذلك التوسُّط وهو أنْ يسمع نفسه، كما روي عن ابن مسعود أنَّه قال: "لم يخافت من أسمع أذنيه". وروي عن الإمام مالك أنَّه قال: "إنَّما أنزلت هذه الآية { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } [الإسراء: 110] في الدعاء" (1) .
وفي "الجامع لأحكام القرآن" أنَّ الشريعة مقرّرة أنَّ السر فيما يعترض من أعمال البر أعظم أجراً من الجهر. قال الحسن بن أبي الحسن: لقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض عمل يقدرون على أنْ يكون سراً فيكون جهراً أبداً (2) .
ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء فلا يسمع لهم صوت إنْ هو إلاَّ همس بينهم وبين ربهم، وذلك أنَّ الله تعالى يقول: { ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } [الأعراف: 55].
ويبيّن العلامة ابن قيم الفوائد العديدة لإخفاء الدعاء، فيقول:
أولها: أنَّه أعظم إيماناً؛ لأنَّ صاحبه يعلم أنَّ الله يسمع دعاءه الخفي.
__________
(1) انظر: التفسير الكبير، للإمام فخر الدين الرازي، دار الكتب العلميّة، 11/72.
(2) انظر: الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، 7/223-224.(1/5)
ثانيها: أنَّه أعظم في الأدب والتعظيم، ولهذا لا تخاطب الملوك ولا تسأل برفع الصوت، وإنَّما تخفض عندهم الأصوات، ويخفت عندهم الكلام بمقدار ما يسمعونه ومَنْ رفع صوته لديهم مقتوه، ولله المثل الأعلى، فإذا ربنا يسمع الدعاء الخفي، فلا يليق بين يديه إلاَّ خفض الصوت.
ثالثها: أنَّه يعني الإخفاء. أبلغ في التضرُّع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده، فإنَّ الخاشع الذليل الخاضع إنَّما يسأل مسألة ذليل قد انكسر قلبه، وذلت جوارحه، وخشع صوته.
رابعها: أنَّه أبلغ في الإخلاص.
خامسها: أنَّه أبلغ في جمعه القلب على الله في الدعاء، فإنَّ رفع الصوت يفرّقه ويشتّته، فكلّما خفض صوته كان أبلغ في حمده، وتجريد همته، وقصده للمدعو سبحانه وتعالى.
سادسها: وهو من النكت السريعة البديعة جداً أنَّه دالٌّ على قرب صاحبه من الله، وأنَّه لاقترابه منه، وشدة حضوره يسأله أقرب شيء إليه، فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد.
سابعها: أنَّه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال، فإنَّ اللسان لا يمل، والجوارح لا تتعب، بخلاف ما إذا رفع صوته، فإنّه يكلّ لسانه وتضعف بعض قواه" (1) .
مع هذا كلّه يجب أنْ يكون الداعي حاضر القلب، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عزَّ وجلَّ أيُّها النَّاس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنَّ الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل) (2) .
[3] رفع اليدين عند الدعاء:
__________
(1) التفسير القيم: للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية، ص 87.
(2) مسند الإمام أحمد، مسند عبد الله بن عمرو، برقم 6368، 2/406 (المكتبة الشاملة، الإصدارة الثانية).(1/6)
قال الإمام السيوطي ـ رحمه الله ـ في شرحه لتقريب الإمام النووي ممثلاً لما تواتر معناه عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : "فقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - نحو مائة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، وقد جمعتها في جزء, لكنها في قضايا مختلفة، فكلّ قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيه هو الرفع عند الدعاء باعتبار المجموع" (1) .
وعقد الإمام البخاري في كتاب الدعوات باباً اسماه: "رفع اليدين في الدعاء"، و ذكر جملة من الأحاديث في المسألة منها:
قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - : "دعا النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ثم رفع يديه ورأيت بياض أبطيه" (2) .
عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنَّ الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(لا تستروا الجُدُر، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنَّما ينظر في النَّار، سلوا الله ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) (3) .
وعن عكرمة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "المسألة أنْ ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والاستغفار أنْ تشير بإصبع واحد، والابتهال أنْ تمد يديك جميعاً" (4) .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنَّها رأت النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يدعو رافعاً يديه يقول: (اللهم إنَّما أنا بشر) (5) .
__________
(1) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: للسيوطي، 2/180.
(2) فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني، دار الفكر، 11/141.
(3) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، برقم 1485.
(4) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، برقم 1489.
(5) فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني، 11/142.(1/7)
وجمهور العلماء على القول برفع اليدين عند الدعاء، للأدلة والآثار السابقة، ومن العلماء من كره ذلك، ومنهم: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ورأى شريح رجلاً رافعاً يديه فقال: مَنْ تناول بهما لا أم لك! وقال مسروق لقوم رفعوا أيديهم: قطعها الله. واختاروا إذا دعا الله في حاجة أنْ يشير بالسبابة. ويقولون: ذلك الإخلاص. وكان قتادة يشير بإصبعه ولا يرفع يديه.
وكره رفع الأيدي عطاء، وطاوس، ومجاهد، وغيرهم، وروى جواز الرفع جماعة من الصحابة والتابعين (1) .
وفي قوله تعالى { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [الأنبياء: 90]. ذكر الإمام القرطبي: "قيل: "الرغب": رفع بطون الأكف إلى السماء، و"الرهب": رفع ظهورها" (2) .
والرأي الراجح هو رأي الجمهور؛ لصحة الآثار التي دلَّت عليه، وعند نهاية الدعاء يمسح الداعي بهما وجهه في دعائه بالخير، وروى الترمذي قال: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتَّى يمسح بهما وجهه". قال ابن الملك: وذلك على سبيل التفاؤل، فكأنَّ كفيه قد ملئتا من البركات السماويّة والأنوار الإلهيّة" (3) .
روى ابن ماجة عن سلمان عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ ربكم حييّ كريم يستحي من عبده أنْ يرفع يديه إليه فيردّهما صفراً أو قال خائبتين) (4) .
__________
(1) انظر: الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، 4/224.
(2) انظر: المرجع السابق نفسه، 6/336.
(3) تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي: للإمام الحافظ أبي العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، 9/328- 329.
(4) سنن ابن ماجة،كتاب الدعاء باب رفع اليدين في الدعاء، برقم 3855.(1/8)
و في معنى الحديثين ـ حديث الترمذي وحديث ابن ماجة ـ جاء في "تحفة الأحوذي": "وفيه دليل على مشروعيّة مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء وقيل: كأنَّ المناسبة أنَّه تعالى لما كان لا يردهما صفراً، فكأن الرحمة أصابتهما، فناسب إفاضة ذلك على الوجه الذي هو أشرف الأعضاء وأحقّها بالتكريم" (1) .
[4] استقبال القبلة:
هذا أدب من آداب الدعاء، فهو أجمع لاستحضار القلب والخشوع بين يدي الله تعالى، لأنَّ هذه القبلة هي قبلة المؤمنين في الصلاة ـ وهي أعظم ركن في الإسلام ـ، ويستقبلون بها موتاهم وذبائحهم، ويكره استقبالها عند البول وقضاء الحاجة، لهذا فحريٌ بالداعي أنْ يتوجَّه إليها وقت دعائه لفضلها وشرفها.
وقد وردت أحاديث صحيحة عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - توجّه بدعائه إلى القبلة، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم ـ رحمهما الله تعالى ـ عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "استقبل النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - الكعبة، فدعى على نفر من قريش، على شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأبي جهل بن هشام، فأشهد بالله لقد رأيتهم صرعى قد غيّرتهم الشمس وكان يوماً حاراً" (2) .
__________
(1) تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، 9/329.
(2) صحيح البخاري، باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، برقم 3665، 12/357، وصحيح مسلم، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، برقم 3351، 9/277، (المكتبة الشاملة).(1/9)
وفي استقباله - صلى الله عليه وسلم - للقبلة في دعائه أخرج الإمام مسلم من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين ـ وهم ألف وصحابته ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً ـ فاستقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مدّ يديه, فجعل يهتف بربّه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إنْ تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)، فما زال يهتف بربه مادّاً يديه مستقبل القبلة حتَّى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداؤه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنَّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [الأنفال: 9]" (1) .
مع صحة هذه الأحاديث فلا يُعَدُّ استقبال القبلة شرط في الدعاء، فقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه دعا وهو غير مستقبل القبلة، والأئمة على المنابر يدعون غير مستقبلين القبلة، كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام في صلاة الجمعة.
[5] استفتاح الدعاء بالثناء على الله عزّ وجلّ بما هو أهله:
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة، برقم 3309، 9/214 (المكتبة الشاملة).(1/10)
إنَّ مَنْ يتوجّه إلى ربّه عزّ وجلّ بعد شعوره بضعفه، وحاجته الماسة إلى ملك الملوك، ومن بيديه خزائن السموات والأرض، أنْ يحمد ربه ويثني عليه، ويمجّده بما هو أهله، ويجعل ذلك وسيلته إلى رضاء ربّه وقبول دعائه، فإنَّ المتتبع لأدعية القرآن الكريم، وأحاديث خاتم المرسلين - صلى الله عليه وسلم - ، يجد ذلك بيّناً وواضحاً ـ كلّ الوضوح ـ، ومن أمثلة ذلك سورة الفاتحة، التي هي مفتاح كتاب ربّ العالمين، وأعظم وأفضل سور القرآن العظيم، وأم القرآن، والجامعة لمقاصده، بدأت بحمد الله، وأثنت عليه ومجدته سبحانه وتعالى، ثم ذكرت الاعتراف بعبوديّته، والاستعانة به وحده، وشرعت بعد ذلك في أعظم دعاء: { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } [الفاتحة: 6-7].
قال العلامة ابن قيم ـ رحمه الله تعالى ـ: "ولمَّا كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجلّ المطالب، ونيله أشرف المواهب، علَّم الله عباده كيفيّة سؤاله، وأمرهم أنْ يقدّموا بين يديه حمده، والثناء عليه وتمجيده، ثم ذكر عبوديّتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم، توسّل إليهم بأسمائه وصفاته، وتوسّل إليه بعبوديّته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يردّ معهما الدعاء" (1) .
ومن أدعية القرآن المبدوءة بتمجيد الله تعالى:
? دعاء يونس - عليه السلام - : { لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87].
? ودعاء يوسف - عليه السلام - : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [يوسف: 101].
__________
(1) مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين: لابن قيم، 1/23.(1/11)
? ودعاء الملائكة: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } [غافر: 7].
أمَّا الأحاديث التي افتتح فيها الدعاء بالثناء على الله عزّ وجلّ فكثيرة، كالذي رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث ابن عباس ـ رضي الله
عنهما ـ: "اللهم لك الحمد، أنت قيَّام السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحقّ وقولك الحقّ، والجنة حقّ، والنار حقّ، والساعة حقّ، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، وأنت المقدم والمؤخر، لا إله إلاَّ أنت" (1) .
وروى الإمام أحمد عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: "ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح دعاء إلاَّ استفتحه بـ: (سبحان ربِّي الأعلى العليّ الوهّاب) (2) .
[6] استفتاح الدعاء بالصلاة على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - :
إنَّ الصلاة على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أجلِّ القربات وأفضل الطاعات، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب: 56].
__________
(1) أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. وانظره في: مصنف ابن أبي شيبة، 7/51 (المكتبة الشاملة).
(2) الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، 14/271.(1/12)
وقد وردت آثار توضح استفتاح الدعاء وختمه بها منها حديث فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: "سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يُصَلِّ على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : (عجل هذا)، ثم دعاه فقال له أو لغيره: (إذا صلَّى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يدعو بعد بما شاء) (1) .
إنَّ للصَّلاة على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - مع الدعاء حالات ثلاث:
أحدها: أنْ يصلي على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قبل الدُّعاء، وبعد حمد الله تعالى.
والثانية: أنْ يصلي عليه في أوّل الدُّعاء، وأوسطه، وآخره.
والثالثة: أنْ يصلي عليه أوله وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما (2) .
قد وردت آثار تبيِّن فضل الصلاة على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بين الدعاء، ومن ذلك: قال أبو سليمان الدارني: "مَنْ أراد أنْ يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فإنَّ الله يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أنْ يردّ ما بينهما". وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنَّه قال: "الدعاء يحجب دون السماء حتَّى يُصلَّى على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا جاءت الصلاة على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - رفع الدعاء" (3) .
__________
(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، برقم 1481.
(2) فقه الأدعية والأذكار: لعبد الرازق بن عبد المحسن البدر، ص207.
(3) الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، 7/235.(1/13)
ومن ذلك يستحب ختم الدعاء بالصلاة على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، روى الترمذي من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "إنَّ الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتَّى تصلي على نبيك - صلى الله عليه وسلم - " (1) .
وروى رزين بن معاوية في كتابه مرفوعاً عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد حتَّى يصلَّى عليّ، فلا تجعلوني كقدح الراكب، صلّوا عليَّ أول الدعاء، وآخره، وأوسطه) (2) .
وسمع النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يصلي، حمد الله وصلَّى على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ادع تُجَب) (3) .
[7] تحرى أوقات استجابة الدعاء:
قال الإمام القرطبي: "للدعاء أوقات وأحوال يكون الغالب فيها الإجابة، وذلك كالسَّحَر، ووقت الفطر، وما بين الأذان والإقامة، وما بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء، وأوقات الاضطرار، وحالة السفر والمرض، وعند نزول المطر، والصف في سبيل الله، كلّ هذا جاءت به الآثار، ويأتي بيانها في مواضعها. وروي شهر بن حوشب أنَّ أم الدرداء قالت: يا شهر ألا تجد القشعريرة؟ قلت: نعم. قالت: فادع الله، فإنَّ الدعاء مستجاب عند ذلك. وقال جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد الفتح ثلاثاً يوم الاثنين ويوم الثلاثاء، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين، فعرفت السرور في وجهه. قال جابر: ما نزل بي أمرٌ مهم غليظ إلاَّ توخيت تلك الساعة فأدعوه فيه، فأعرف الإجابة" (4) .
__________
(1) سنن الترمذي، كتاب الصلاة، برقم 486.
(2) تفسير القرآن العظيم: لابن كثير، 3/428.
(3) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، برقم 3476.
(4) الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، 2/313.(1/14)
إنَّ من حكمة الله عزَّ وجلَّ أنْ فضَّل بعض الأزمنة على بعض، فهنالك أوقات فاضلة، وردت فيها آثار تدلُّ على شرفها، ومن هذا:
[أ] عشر ذي الحجة:
فقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ) قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ، قَالَ: (وَلا الْجِهَادُ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) (1) .
[ب] الدعاء يوم عرفة:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) (2) .
ويوم عرفة هو أفضل أيام السنة، لذا يستحب فيه الإكثار من الدعاء.
[ج] الدعاء يوم الجمعة وليلتها:
روى البخاري ومسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أنَّ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال: (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلاَّ أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها) (3) .
[د] الدعاء حين يبقي ثلث الليل الأخير:
روي البخاري ومسلم أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فاستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له) (4) .
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، باب فضل العمل في أيام التشريق، برقم 916، 4/33.
(2) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، برقم 3585.
(3) أخرجه الشيخان: البخاري في كتاب الجمعة برقم 883، 4/33، ومسلم في كتاب الجمعة برقم 1407، 4/322 (المكتبة الشاملة).
(4) أخرجه الشيخان: البخاري، باب الدعاء في الصلاة، برقم 1077، ومسلم في باب الترغيب في الدعاء، برقم 1261 (المكتبة الشاملة).(1/15)
[هـ] ومن الأزمنة الفاضلة شهر رمضان المبارك:
ولا سيما العشر الأواخر منه، وخاصة ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، وقد ثبت في الترمذي وغيره عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قلت يا رسول الله: أرأيت إنْ علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟! قال: (قولي:(اللهم إنّك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني) (1) .
وقال صاحب "الفتوحات": "شهر رمضان، لأنَّه شهر تصب فيه الرحمات، وتنزل فيه البركات، ومن أعظمها إجابة الدعوات، ثم الإنسان في هذا الشهر إمَّا صائم أو تارك له لعذر من سفر أو مرض، وكلّ مما ذكر من أسباب الإجابة للدعاء، فيجتمع مع ذلك شرف الشهر، ففي الحديث الصحيح: (رمضان سيد الشهور)" (2) .
وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوماً وحض على رمضان: (أتاكم شهر رمضان، شهر البركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، وينظر فيه إلى تنافسكم، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله فيه من أنفسكم خيراً، فإنَّ الشقي مَنْ حُرِمَ فيه رحمة الله" (3) .
قال الحافظ المنذري: "ورواته ثقات إلاَّ محمد بن عيسى لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل، قلت: مع ذلك يحتج به في المقام لأنَّه من الفضائل، والله أعلم" (4) .
[و] ما بين الأذان والإقامة:
__________
(1) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، برقم 3513.
(2) رواه بن أبي شيبة في مصنفه، 2/57، بلفظ: (سيّد الشهور رمضان)، وكذلك رواه البيهقي في شعب الإيمان، برقم 3483، بلفظ: (سيّد الشهور رمضان) (المكتبة الشاملة).
(3) رواه الطبراني في مسند الشاميين، برقم 2188، 6/429 بلفظ قريب من هذا (المكتبة الشاملة).
(4) الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية، مرجع سابق، 7/244– 245.(1/16)
لما ثبت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: (الدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة، فادعوا) (1) .
[ز] الدعاء عند النداء، وعند الالتحام مع جيش العدو:
عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ثنتان لا تردان أو قلّما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً) (2) .
[8] الدعاء بعد الصلوات المكتوبة:
عن أبي إمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قيل: يا رسول الله أيّ الدعاء أسمع؟! قال: (جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات) (3) .
وأوصى صلوات الله وسلامه عليه معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنْ يقول في دبر كلّ صلاة: (اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) (4) .
وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - : "إنَّ أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلوات المكتوبة، فاغتنموا الدعاء فيها.
وقال مجاهد: إنَّ الصلاة جعلت في خير الساعات، فعليكم بالدعاء خلف الصلوات" (5) .
[9] الدعاء عند ختم القرآن:
عن قتادة ـ التابعي الجليل، الإمام، صاحب أنس - رضي الله عنه - ـ قال: "كان أنس بن مالك - رضي الله عنه - إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا" (6) .
[10] أنْ يتحرى أحوال استجابة الدعاء:
ومن هذه الأحوال:
[أ] حالة السجود:
__________
(1) سنن الترمذي، كتاب الصلاة، برقم 212.
(2) سنن أبي داود، كتاب الجهاد، برقم 2540.
(3) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، برقم 3499.
(4) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، برقم 1522.
(5) إحياء علوم الدين: للإمام أبي حامد الغزالي، 1/362.
(6) حلية الأبرار وشعار الأخيار قي تلخيص الدعوات والأذكار: للإمام النووي، 2/244.(1/17)
وذلك لما ورد فيه من أحاديث، كما أنَّه حالة خضوع وانكسار لله عزّ وجلّ، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء) (1) .
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا إنّي نهيت أنْ أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأمَّا الركوع فعظموا فيه الربّ عزّ وجلّ، وأمَّا السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أنْ يستجاب لكم) (2) .
أي جدير أنْ يستجاب لكم.
[ب] حالة السفر:
روى أحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاث دعوات لا شكّ فيهنَّ: دعوة المسافر، والمظلوم، والوالد على ولده) (3) .
[ج] حالة الخروج للغزو في سبيل الله والحج والعمرة:
عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم) (4) .
[د] حالة وقوع الظلم بالشخص:
وممَّا جاء في دعوة المظلوم وصيته - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين بعثه لليمن،
فقال: (... واتق دعوة المظلوم، فإنَّها ليس بينها وبين الله حجاب) (5) .
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع، برقم 744، 3/29.
(2) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، برقم 738، 3/22.
(3) مسند الإمام أحمد، مسند أبي هريرة - رضي الله عنه - ، برقم 9233، 9/340.
(4) سنن ابن ماجة، فضل دعاء الحاج، برقم 2884، 8/440.
(5) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، برقم 1401، 5/356 (المكتبة الشاملة).(1/18)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ثلاث دعوات يستجاب لهنَّ، لا شكّ فيهنَّ: دعوة المظلوم. ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده) (1) .
[هـ] الدعاء عند نزول المطر والتقاء الجيوش:
روى الإمام الشافعي بسنده عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (اطلبوا استجابة الدعاء عند: التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث) (2) .
وروى الحاكم عن سهل بن سعد مرفوعاً: (اثنان لاتردان ـ أوقال: قلَّ ما تردان ـ: الدعاء عند النداء، وتحت المطر) (3) .
[ز] الدعاء عند حالة الاضطرار:
قال تعالى: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } [النَّمل: 62]، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: هو ذو الضرورة، المجهود". وقال السدي: "الذي لا حول له ولا قوّة". وجاء رجل إلى مالك بن دينار فقال: أسألك بالله أنْ تدعو لي، فأنا مضطر، قال: "إذاً فأساله، فإنَّه يجيب المضطر إذا دعاه".
قال الشاعر:
وإنّي لأدعو الله والأمر ضيق ... عليّ فما ينفكّ أنْ يتفرجا
ورب أخ سُدَّت عليه وجوه ... أصاب لها لما دعا الله مخرجا
__________
(1) سنن ابن ماجة، كتاب الدعاء، برقم 3852، 5/323 (المكتبة الشاملة).
(2) الأم: للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، 4/289 (المكتبة الشاملة).
(3) المستدرك على الصحيحين: للحاكم، برقم 2488، 6/140 (المكتبة الشاملة).(1/19)
ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه، والسبب في ذلك أنَّ الضرورة إليه بالالتجاء ينشأ عن الإخلاص, وقطع القلب عمَّا سواه، وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمة وجد، من مؤمن أو كافر طائع أو فاجر، كما قال تعالى { حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } [يونس: 22]، وقوله تعالى { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت: 65]، فأجابهم عند ضرورتهم ووقوع إخلاصهم، مع علمه أنَّهم يعودون إلى شركهم وكفرهم. وقال تعالى { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [العنكبوت: 65] فيجيب المضطر لموضع اضطراره وإخلاصه" (1) .
[11] تحري أمكنة استجابة الدعاء:
روى صاحب "الفتوحات الربانيّة على الأذكار النواويّة" عن الحسن البصري ـ رحمه الله تعالى ـ "أنَّ الدعاء يستجاب في البيت الحرام في خمسة عشر موضعاً: في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي السعي، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي مزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث، فمحروم مَنْ لا يجتهد في الدعاء فيها) (2) .
__________
(1) انظر: الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، مرجع سابق، 7/223.
(2) الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية، مرجع سابق، 7/386-387.(1/20)
أفضل ما يكون الدعاء للحاج يوم عرفة، لما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير) (1) .
كما أنَّ في الحج أماكن يسنّ للمسلم أنْ يقف عندها ويتوجّه بالدعاء إلى الله عزّ وجلّ، اقتداء بالنَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - .
[12] عدم تكلُّف السجع فيه:
الكلام المسجوع: "هو الكلام المقفي من غير مراعاة وزن"، و الدعاء إنْ لم يكن متكلّفاً ولا صارفاً عن حضور القلب لا مانع منه، فقد وردت بعض الأدعية عنه - صلى الله عليه وسلم - مسجوعة، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب) (2) ، وكدعائه - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) (3) ، وكدعائه - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم إنّي أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع) (4) .
والسجع المتكلّف ينافي مقام الدعاء؛ لأنَّه مقام تذلُّل وخشوع وانكسار بين يدي ملك الملوك، ربّ العزة والجلال، وهذا الذي نهي عنه السلف والخلف، وروى البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه عن عكرمة عن ابن عباس
__________
(1) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، برقم 3585.
(2) صحيح البخاري، باب كان النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار أخَّر القتال حتَّى تزول الشمس، برقم 2744، 10/124.
(3) سنن أبي داود، باب في الاستغفار، برقم 1301، 4/318، ومصنّف ابن أبي شيبة، 7/134.
(4) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، برقم 3482.(1/21)
ـ رضي الله عنهما ـ قال: "حدِّث النَّاس كلّ جمعة، قال: فإنْ أبيت فمرتين فإنْ أكثرت فثلاث مرات، ولا تملّ النَّاس، هذا حديث القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم ـ وهم في حديث من معيشتهم ـ فتقص عليهم، فتقطع عليهم حديثهم فتملّهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدّثهم وهم يشتهونه، فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإنّي عهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا يفعلون إلاَّ ذلك) (1) . يعني لا يفعلون إلاَّ ذلك الاجتناب.
كما نجد أنَّ الإمام القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ يعيب على الذين يدعون بأدعية متكلّفة السجع، وقد لا يفهم الداعي معناها، فيقول ـ رحمه الله تعالى ـ: "ومنها أنْ يدعو بما ليس من الكتاب والسُّنَّة، فيتخيّر ألفاظاً منمقة، وكلمات مسجعة، قد وجدها في كراريس لا أصل لها، ولا معول عليها، فيجعلها شعاره، ويترك ما دعا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء) (2) .
إنَّ الله عزّ وجلّ السميع البصير يسمع الدعاء بأيّ لسان ولغة، إذا استوفى شروط الإجابة عنده، لذا يجب تجنُّب تكلُّف بعض الألفاظ والعبارات التي قد توقع الإنسان في اللحن الذي ربما يغيّر المعنى ويوقع الإنسان في الإثم.
[13] أنْ يكون مشتملاً على جوامع الكلم:
أي أنْ يكون جامعاً لخيريْ الدنيا والآخرة، وأنْ يكون الدعاء قليل العبارات، متضمناً لحاجيات الداعي.
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب ما يكره من السجع في الدعاء، برقم 5862، 19/411 (المكتبة الشاملة).
(2) الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، مرجع سابق، 7/266.(1/22)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (بعثت بجوامع الكلم) (1) ، لقد أعطي - صلى الله عليه وسلم - جوامع الكلم التي فسَّرها الإمام الزهري بقوله: "بلغني أنَّ جوامع الكلم أنْ يجمع الله عزّ وجلّ له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله، في الأمر الواحد والأمرين، ونحو ذلك" (2) .
كما قالت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ: "كان النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الجوامع من الدعاء، ويدع ما بين ذلك" (3) .
وَعَنْ عَائِشَة َ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهَا هَذَا الدُّعَاءَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا) (4) .
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب النصر، باب قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، برقم 2755، 10/145 (المكتبة الشاملة).
(2) دلائل النبوة:، للإمام البيهقي، باب ما جاء في تحدُّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، 6/86.
(3) أخرجه أحمد، مسند الأنصار، برقم 23996، 4/153.
(4) سنن ابن ماجة، باب الجوامع من الدعاء، برقم 3836، 11/300.(1/23)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "وكنت أسمعه - صلى الله عليه وسلم - يكثر أنْ يقول: (اللهم إنّي أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل وضلع الدَّيْن، وقهر الرجال) (1) .
وعنه أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو يقول: (اللهم إنّي أعوذ بك من الكسل والهرم، والجبن والبخل، وفتنة المسيح وعذاب القبر) (2) .
لهذا فالدعاء بما أُثِرَ عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وعن الصحابة، وعن سلف هذه الأُمَّة من أهل العلم والفقه في الدين أوْلَى من غيره.
[14] تحري الأدعية التي اشتملت على اسم الله الأعظم:
عن عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه قال: سمع النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو، وهو يقول: اللهم إنّي أسألك بأنّي أشهد أنّك أنت الله، لا اله إلاَّ أنت، الأحد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. قال: فقال: (والذي نفسي بيده قد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى) (3) .
وعن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } [البقرة: 163] وفاتحة آل عمران: { الم اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }
[آل عمران: 1-2] (4) .
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب التعوُّذ من غلبة الرجال، برقم 5886، 19/451.
(2) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، برقم 3485.
(3) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، برقم 3475.
(4) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، برقم 3478.(1/24)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً في الحلقة ورجل قائماً يصلي، فلمَّا ركع سجد وتشهّد, دعا فقال في دعائه: اللهم إنّي أسألك بأنَّ لك الحمد، لا إله إلاَّ أنت الحنان المنان, بديع السموات والأرض، ذا الإجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، إنّي أسألك. فقال النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (أتدرون بما دعا؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال (والذي نفسي بيده لقد دعا باسمه العظيم، الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى) (1) .
[15] الإلحاح على الله عزّ وجلّ في الدعاء:
إنَّ من علامة التذلُّل والافتقار إلى الله عزّ وجلّ في الدعاء: الإلحاح فيه والتكرار، وقد جاءت بذلك النصوص من الكتاب والسُّنَّة، قال تعالى في صفة أولي الألباب: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِرَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } [آل عمران: 190-194].
__________
(1) صحيح ابن حبان، باب الأدعية، برقم 894، 4/266.(1/25)
ونجد هذا الإلحاح والتكرار في دعاء إبراهيم وابنه إسماعيل ـ عليهما السلام ـ قال تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } [البقرة: 127– 129].
إنَّ المتتبع لهديه عليه الصلاة السلام يجد ذلك في كثير من أدعيته، فعن
عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان يعجبه أنْ يدعو ثلاثاً، ويستغفر ثلاثاً) (1) .
ومن دعائه - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكلّ ذلك عندي) (2) .
كما نجده - صلى الله عليه وسلم - يأمر أمته بالإلحاح في الدعاء والجدّ في المسألة، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنّه يسأل ربه) (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، فإنّه لا يتعاظم على الله شيء) (4) .
__________
(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، برقم 1524.
(2) مسند الإمام أحمد، مسند ابن مسعود - رضي الله عنه - ، برقم 3557، 8/92.
(3) صحيح بن حبان، كتاب الأدعية، برقم 890، 4/344.
(4) صحيح بن حبان، كتاب الأدعية، برقم 897، 4/268.(1/26)
وروي عن الأوزاعي ـ رحمه الله تعالى ـ "كان يقال: أفضل الدعاء: الإلحاح على الله والتَّضرُّع" (1) .
ومن آداب الدعاء: عدم الدعاء في كنيسة، وحمام، ومحل نجاسة، وقذر لعب، ومعصية، كالأسواق التي يغلب فيها القعود والأيمان الفاسدة (2) .
وقد نظم ابن البدر بن جماعة شروط الإجابة، فقال:
قالوا: شروط الدعاء المستجابِ لنا ... عشرة بها بشَّر الداعي يا فلاح
طهارة، وصلاة، معهما ندم، ... وقت خشوع، وحسن الظنّ، يا صاح
وحلّ قوت، ولا يدعي بمعصية، ... واسم يناسب، مقرون بإلحاح (3)
وهذه الآداب التي ذكرت وغيرها ممَّا لم يذكر إذا التزم بها الداعي فحريّ وحقيق أنْ يستجاب دعاءه.
المبحث الثاني: الأسباب المانعة لاستجابة الدعاء
ذكرنا في المبحث السابق بعضاً من آداب الدعاء، التي إذا توخاها الداعي وراعاها فإنَّه يكون قد استحقّ إجابة دعائه تفضُّلاً من الله تعالى وتكرُّماً، وإذا تخلَّفت أسباب استجابة الدعاء فلا ينتظر الداعي عند ذلك أثراً لدعائه.
__________
(1) رواه البيهقي في شعب الإيمان، باب أفضل الدعاء الإلحاح على الله، برقم 1119، 3/166.
(2) الفتوحات الربانية، مرجع سابق، 2/42.
(3) المصدر السابق، 7/452.(1/27)
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلّف عنه أثره، أمَّا لضعفه في نفسه بأنْ يكون دعاء لا يحبه الله، لِمَا فيه من العدوان، وإمَّا لضعف القلب وعدم إقباله على الله، وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً، فإنَّ السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً، وأمَّا لحصول المانع من الإجابة، من أكل الحرام، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها، كما في مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنَّ الله لا يقبل دعاء من قلب لاهٍ) (1) .
إنَّ الله سبحانه وتعالى قيّد إجابته لدعاء الداعين باستجابتهم لأوامره، وامتثالهم لتكاليفه، بشرط الإيمان به، قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186].
وقد وعد الله تعالى المتقين ـ وهم الممتثلون أوامره والمجتنبون لنواهيه ـ بتذليل ما شقّ عليهم من أمر، قال تعالى: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } [الطلاق: 4]، وبمفهوم المخالفة فإنَّه مَنْ لا يتقي الله لا يرجو ذلك.
إنَّ من أسباب موانع إجابة الدعاء الاعتداء فيه، قال سبحانه وتعالى:. { ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [الأعراف: 55].
__________
(1) المستدرك على الصحيحين: للحاكم، كتاب الدعاء والتكبير، برقم 1771، 4/364 (المكتبة الشاملة). وانظر: الجواب الكافي لِمَنْ سأل عن الدواء الشافي: لابن قيم، مرجع سابق، ص 8-9.(1/28)
إنَّ الاعتداء هو: "تجاوز الحدّ وفعل المحظور"، والاعتداء في الدعاء أنواعه كثيرة، روي ابن ماجه عن أبي بكر بن شيبه عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: (سيكون قومٌ يعتدون في الدعاء) (1) .
روى الإمام أحمد عن أبي نعامة أنَّ عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: "اللهم إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة إذا دخلتها"، فقال: يا بني سل الله الجنّة، وعُذْ به من النَّار، فإنّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور) (2) .
وروى أبو داود عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ ابْنٍ لِسَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا، وَكَذَا وَكَذَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ، وَسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا، وَكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، إِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِنْ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الشَّرِّ) (3) .
__________
(1) سنن ابن ماجة، كتاب الدعاء، باب كراهية الاعتداء في الدعاء، برقم 3854.
(2) مسند الإمام أحمد، مسند عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - ، برقم 19645.
(3) سنن أبي داود، برقم 1265، 4/297.(1/29)
وأنواع الاعتداء في الدعاء كثيرة، منها: ارتكاب الكبائر أو الإصرار على الصغائر، والحقّ عزّ وجلّ قال: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [الأعراف: 55]. ومن عدم محبته لهم أنَّه لا يجيب دعائهم، وجاء في الأثر: (أوحى الله تعالى إلى داود: أنْ قل للظلمة من عبادي: لا يدعوني، فإنّي أوجبت على نفسي أنْ أجيب من دعاني، وإنّي إذا أجبت الظلمة لعنتهم) (1) .
إنَّ لإجابة الدعاء شروطاً يجب توفرها في: الداعي، والدعاء، والمدعو به. وقد أورد الإمام القرطبي في جامعه حديثاً شافياً في هذا المجال، نورده سائلين الله له المغفرة والرحمة، وممَّا ذكره: فإنَّ إجابة الدعاء لا بُدَّ لها من شروط في الداعي، وفي الدعاء، وفي الشيء المدعو به.
فمن شروط الداعي: أنْ يكون عالماً بأنَّه لا قادر على حاجته إلاَّ الله، وأنَّ الوسائل في قبضته، ومسخرة بتسخيره، وأنْ يدعو بنية صادقة وحضور قلب، فإنَّ الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ، وأنْ يكون مجتنباً لأكل الحرام وألاَّ يملّ من الدعاء.
ومن شروط المدعو به: أنْ يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعاً، كما قال: ما لم يدع بإثم أو قطعية رحم، فيدخل في الإثم كلّ ما يأثم به من الذنوب، ويدخل في الرحمة جميع حقوق المسلمين ومظالمهم.
وشروط الدعاء ـ كما يقول سهل بن عبد الله التستري: ـ سبعة: التَّضرُّع، والخوف، والرجاء، والمداومة، والخشوع، والعموم، وأكل الحلال.
وقال ابن عطاء: إنَّ للدعاء: أركاناً، وأجنحة، وأسباباً، وأوقاتاً، فإنَّ وافق أركانه قوي، وإنْ وافق أجنحته طار في السماء، وإنْ وافق مواقيته فاز، وإنْ وافق أسبابه أُجيب، فإنَّ أركانه: حضور القلب، والرأفة، والاستكانة، والخشوع، وأجنحته: الصدق، ومواقيته الأسحار، وأسبابه: الصلاة على النَّبيّ محمد - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، 2/310.(1/30)
وقيل: شرائطه أربع: حفظ القلب عند الوحدة، وحفظ اللسان مع الخلق، وحفظ العين عن النظر إلى ما لا يحل، وحفظ البطن من الحرام.
وقيل: إنَّ من شروط الدعاء: أنْ يكون سليماً من اللحن، كما أنشد بعضهم:
ينادي ربه باللحن ليث ... كذاك إذا دعاه لا يجيب
وقيل لإبراهيم بن أدهم: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟
قال: "لأنَّكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرّسول فلم تتبّعوا سُنّته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نِعَم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتهم الجنَّة فلم تطلبوها، وعرفتم النَّار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب النَّاس".
قال علي - رضي الله عنه - لنوف البكالي: "يا نوف إنَّ الله أوحى إلى داود أنْ مُرْ بني إسرائيل ألاَّ يدخلوا بيتاً من بيوتي إلاَّ بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأيد نقية، فإنّي لا أستجيب لأحد منهم، ما دام لأحد من خلقي مظلمة، يا نوف لا تكوننَّ شاعراً، ولا عريفاً، ولا شرطياً، ولا جابياً، ولا عشاراً (1) ، فإنَّ داود قام في ساعة من الليل فقال: إنَّها ساعة لا يدعو عبد إلاَّ أستجيب له فيها إلاَّ أنْ يكون عريفاً أو شرطياً أو جابياً أو عشاراً أو صاحب غرظية، وهي الطنبور أو صاحب كوبة ـ وهي الطبل ـ.قال سفيان بن عيينة: لا يمنعنَّ أحداً من الدعاء ما يعلمه من نفسه، فإنَّ الله قد أجاب دعاء شرّ الخلق إبليس: { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } [الأعراف: 14- 15]" (2) .
__________
(1) "العريف": الذي يلي أمور طائفة من النَّاس، ويتعرَّف أمورهم، ويبلغها لأمير المؤمنين, و"الشرطي" ـ كتركي وكجهني ـ: هم أعوان الحاكم, و"العشار": من يتولى أخذ أعشار الأموال.
(2) الجامع الأحكام القرآن،مرجع سابق، 2/311-313.(1/31)
من موانع إجابة الدعاء أنْ يدعو الإنسان بما هو مستحيل شرعاً، كأنْ يسأل الله أنْ يكون نبياً أو ما هو ينافي المعتاد عقلاً. ومن موانع إجابة الدعاء أنْ يدعو بطلب معصية، كأنْ يسأل أنْ يُسهل له شرب خمر أو ارتكاب فاحشة. وألاَّ يشغله الدعاء عن فرض من فرائض الله تعالى.
ومن هذه الشروط ما يكون مخالفته كفراً أو حراماً، ومنها ما لا يكون كذلك كما بيّنه الزركشي: "فمن الكفر الدعاء بالمغفرة لمن مات كافراً، أي يقيناً أو بطلب الراحة من أهوال القيامة أو بتخليد مؤمن في النَّار أو استدامة الحياة للراحة من هول الموت أو لجميع بني آدم بالسلامة من إبليس وجنوده أو بأنْ يرى الله في اليقظة أو أنْ يفيض عليه ما هو مختص بالقدرة الإلهيّة، كالإيجاد، والإعدام، والقضاء النافذ، لاستحالة ذلك في البعض وتكذيب خبر الصادق" (1) .
كما أنَّ من عدم إجابة الدعاء أنْ يتخلَّى الداعي عن الأدعية المأثورة بأدعية مستحدثة، وقد لا يفهم معناها، ظانّاً أنَّ الخير فيها، قال القاضي عياض: "أذن الله في دعائه في كتابه لخليقته، وعلم النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاث أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللُّغة، والنَّصيحة للأُمَّة، فلا ينبغي لأحد أنْ يعدل عن دعائه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد احتال الشيطان للنَّاس من هذا المقام، فقيّض لهم قوم سوء، يخترعون لهم أدعية يشغلون بها عن الاقتداء بالنَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وأشدّ ما في الحال أنَّهم ينسبونها إلى الأنبياء الصالحين، فيقولون: من دعاء نوح - عليه السلام - ، ودعاء يونس - عليه السلام - ، ودعاء أبي بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - ، فاتقوا الله في أنفسكم، لا تشتغلوا من الحديث إلاَّ بالصحيح.
__________
(1) الفتوحات الربانية، مرجع سابق، 7/238.(1/32)
وقال الإمام محمد بن الوليد الطرطوسي في كتاب: "الأدعية": "ومن العجب العجاب أنْ تعرض عن الدعوات التي ذكرها الله في كتابه عن الأولياء والأصفياء مقرونة بالإجابة، ثم تنتقي ألفاظ الشعراء والكتّاب، كأنَّك قد دعوت في زعمك بجميع دعواتهم، ثم استعنت بدعوات مَنْ سواهم، وقد قيل: إنَّ أوراد المشايخ وأحزابهم لا بأس بالاشتغال بها، غير أنَّ الخير والفضل إنَّما هو في اتّباع المأثور في الكتاب والسُّنَّة، وهذا ليس كذلك، وفيهما ما يكفي السائل في سائر أوقاته" (1) .
إنَّ من موانع إجابة الدعاء: استعجال الداعي إجابة دعائه، روى الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) (2) .
وثبت في صحيح مسلم عنه - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل)، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: (يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم يستجب لي، فيتحسّر عند ذلك ويدع الدعاء) (3) .
__________
(1) الفتوحات الربانية، المرجع السابق نفسه، 1/17.
(2) أخرجه الشيخان: البخاري في كتاب الدعوات برقم 5865، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، برقم 4916.
(3) صحيح مسلم، باب بيان (يستجاب للداعي...)، برقم 4918، 13/277.(1/33)
وفي هذين الحديثين بيان لمانع من موانع إجابة الدعاء، وإخبار منه - صلى الله عليه وسلم - باستجابة دعاء العبد إذا انتفى هذا المانع، وكأن الداعي حين يتعجَّل قد فقد الثقة في ربّه عزّ وجلّ، والعبد بطبيعته جاهل لما فيه المصلحة، ومن هذا ينبغي للمسلم أنْ يستوفي شروط إجابة الدعاء، ويتأدّب بآداب الداعي، ويظل يدعو ويدعو مع ثقته التامة في إجابة دعائه، وذكر مكي أنَّ المدة بين دعاء زكريا - عليه السلام - وطلب الولد والبشارة أربعون سنة (1) .
وذكر ابن عطية عن ابن جرير، ومحمد بن علي، والضحاك، أنَّ دعوة موسى - عليه السلام - على فرعون لم تظهر إجابتها إلاَّ بعد أربعين سنة" (2) .
إنَّ الإنسان خلقه الله تعالى، وأوجد فيه غرائز وفطر، فيكون أحياناً في غاية السرور والفرح من نفسه أو من أحد أقاربه وأصدقائه، وقد يتغيَّر الحال تماماً، فيصير القريب عدواً، والعدو صديقاً، بل قد يدعو الإنسان أحياناً على نفسه وولده، ثم يندم بعد قليل، فلو استجيبت الدعوة لدام حزن هذا الإنسان إلى الأبد، قال سبحانه وتعالى: { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } [يونس: 11]. وقال سبحانه وتعالى: { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } [المؤمنون: 71].
إنَّ من أكبر موانع استجابة الدعاء، والتي قد عمت بها البلوى، ولا يلتفت إليها كثير من النَّاس إلاَّ من رحمه الله، وقليل ما هم، أكل الحرام، فقد بيَّن ذلك هادي البشريّة، ومعلم الإنسانيّة، محمد - صلى الله عليه وسلم - في حديثه الذي أخرجه الإمام مسلم
__________
(1) الفتوحات الربانية، مرجع سابق، 7/250.
(2) المحرر الوجيز: لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية المحاربي، 3/385
(المكتبة الشاملة).(1/34)
ـ رحمه الله تعالى ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إنَّ الله طيّب لا يقبل إلاَّ طيّباً، وإنَّ الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون: 51]. وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟) (1) .
في هذا الحديث دلالة على أنَّ الله عزّ وجلّ لا يقبل العمل، ولا يضاعف ثوابه، إلاَّ أنْ يأكل الحلال، كما أنَّ أكل الحرام يفسد الأعمال، ويجعلها غير مقبولة عنده عزّ وجلّ، وهذا لكلّ الأمم والرسل الذين أرسلوا إليهم، والمعنيين بالذكر هم النَّاس جميعاً، وأمَّا الرسل فمعصومون، ثم يبيِّن هذا الحديث العظيم ـ الذي هو أصل في هذا الباب ـ، ويوضِّح فيه الرسول عليه الصلاة والسلام صفات اتّصف بها الداعي، وكلّ منها يجعل الدعاء مظنة الإجابة، وهي:
[1] طول السفر والمسافر ممن يستجاب دعاؤه:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (ثلاث دعوات يستجاب لهنّ لا شكّ فيهنّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده) (2) .
[2] أن يكون الداعي أشعث أغبر:
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب، برقم 1686، 5/192.
(2) سنن بن ماجة، كتاب الدعاء، باب دعوة الوالد، برقم 3852، 11/323.(1/35)
وهذه الحالة أمارة على التذلُّل والخضوع والانكسار، وهي مظنة إجابة الدعاء، لما جاء عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (رُبّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرّه) (1) .
ومن السُّنَّة عند الفقهاء الخروج لصلاة الاستسقاء في ثياب متواضعة خلقة، إظهاراً للخضوع والتذلُّل لله عزّ وجلّ، "كان مطرف بن عبد الله
قد حُبس له ابن أخ، فلبس خلقان ثيابه، وأخذ عكازاً بيده، فقيل له: ما هذا؟ قال: أستكين لربّي، لعلّه يشفعني في ابن أخي" (2) .
[3] رفع اليدين إلى السماء في الدعاء:
وهذه الحالة يرجى منها إجابة الدعاء، ففي سنن أبي داود وغيره عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أنْ يردّهما صفراً خائبتين) (3) .
[4] الإلحاح في الدعاء وأنْ يقول: يا ربّ يا ربّ:
هذا أرحب لإجابته، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان يعجبه أنْ يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً) (4) .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنَّه يسأل ربّه) (5) .
وروي عن الأوزاعي ـ رحمه الله تعالى ـ كان يقول: "أفضل الدعاء الإلحاح على الله والتَّضرُّع" (6) .
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، برقم 4754.
(2) جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الحديث من جوامع الكلم: للإمام زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي البغدادي، طبعة دار الفكر،، ص 90.
(3) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، برقم 1488.
(4) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، برقم 1524.
(5) صحيح بن حبان، كتاب الأدعية، برقم 890، 4/268.
(6) رواه البيهقي في شعب الإيمان، باب أفضل الدعاء الإلحاح على الله، برقم 1119, 3/166.(1/36)
قال يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعاً: (ما من عبد يقول: يا ربّ يا ربّ؛ إلاَّ قال له ربّه: لبيك لبيك).
ثم روى أبو الدرداء - رضي الله عنه - وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنَّهما كانا يقولان: اسم الله الأكبر: ربّ، وعن عطاء قال: ما قال عبد: يا ربّ ثلاث مرات إلاَّ نظر الله إليه، فذكر ذلك للحسن فقال: أما تقرءون القرآن، ثم تلا قوله الله سبحانه وتعالى: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } [آل عمران:
191 – 195] (1) .
__________
(1) جامع العلوم والحكم، ص 92.(1/37)
كلّ هذه الحالات والصفات يرجى ممن اتصف بها إجابة الدعاء، فإذا اجتمعت في الداعي كان أرجى لقبول دعائه، ولكن هناك صفة واحدة اتصف بها هذا السائل منعت إجابة دعائه، وهي الكسب الحرام، فكان مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام، فلا ينتظر هذا إجابة لدعائه.
وممَّا يعضّد هذا الحديث ما رواه الطبراني ـ بإسناد فيه ضعف ـ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا خرج الرجل حاجّاً بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء: لبيك وسعديك، وزادك حلال، وراحلتك حلال، وحجّك مبرور غير مأذور، وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة، فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجّك غير مبرور) (1) .
من هذا الأثر يتبيَّن قبح وعظم تجني النَّاس على أنفسهم بالكسب الحرام، الذي صار اليوم بضعف الإيمان، والجري وراء إشباع رغبات النَّفس، التي لا تحدّها حدود وللمنافسة والتباهي في كماليات وضروريّات الحياة، وكذلك يكون العبد قد خدع نفسه ومتعها بعرض زائل، حيث يقول الحقّ عزّ وجلّ: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27]. قال أبو عبد الله الناجي الزاهد ـ رحمه الله تعالى ـ: "خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله عزّ وجلّ، ومعرفة الحقّ، وإخلاص العمل لله، والعمل على السُّنَّة، وأكل الحلال، فإنْ فقدت واحدة لم يرتفع العمل" (2) .
خاتمة:
__________
(1) المعجم الكبير: للطبراني، برقم 1299، 20/40 (المكتبة الشاملة).
(2) جامع العلوم والحكم، مرجع سابق، ص 87.(1/38)
من خلال هذا العرض يهدف البحث إلى توضيح الآداب التي يجب على الداعي مراعاتها عند لجوئه إلى ربّه عزّ وجلّ، فعدّ منها ما يسّره الله ابتداءً بالتوجّه لله عزّ وجلّ، وختاماً بالإلحاح على الله عزّ وجلّ، فأوجز في بعضها واسترسل، وأفاض في أخرى لأهميتها والحاجة إليها، كتحري أوقات استجابة الدعاء، وأحوالها وأسبابها، من خلال الاستدلال بالآيات والأحاديث وأقوال العلماء.
كما أوضح البحث ـ أيضاً ـ الأسباب المانعة من استجابة الدعاء، والتي من أهمها الاعتداء في الدعاء، قال تعالى: { ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } [الأعراف: 55-56].
من خلال ذكر الأسباب والموانع لإجابة الدعاء حاول البحث أنْ يلفت انتباه الداعي إلى أهميتها، حتَّى يكون على بيّنة من أمره عند الدعاء.
وختاماً أسأل الله تعالى أنْ يتقبل مني هذا العمل المتواضع، ويجعله صالحاً ولوجه خالصاً، إنَّه ولي ذلك، والقادر عليه.
وصلَّى اللهم وسلَّم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير.
.. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ..(1/39)