الأساليبُ الشَّرعيةُ في تأديب الأطفال
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الطبعة الأولى 2009 م-1430 هـ
(( ماليزيا))
((بهانج- دار المعمور ))
(( حقوق الطبع لكل مسلم ))(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ،وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن تأديب الإنسان إذا قصَّر أو تقاعس في عمله،أو ارتكب شيئاً ممنوعاً، أمرٌ متفقٌ عليه بين العقلاء،ولولا العقوبة لفسدت حياة الفرد والأسرة والمجتمع .
وأما عقوبة الأطفال فقد اختلف فيها الناس اليوم،فمن قلَّد الغرب تقليداً أعمى يرى أنها لا تجوز مهما ووقع فيه من أخطاء،وتسبب للطفل العقد النفسية ...
ويرى آخرون - بحكم البيئة التي تربَّوا فيها - أنه يجب معاقبة الطفل على كل هفوة،وضربه ،حتى يرتدع ولا يعود لمثلها ...
أما الإسلام فهو - دائما - وسط بين أطراف متناقضة،فقد أقرَّ العقوبة ؛لأنها قد نزلت من السماء،فالله تعالى أباح لنا ضرب الزوجة،وهي أهم للرجل من الولد،إذا وقعت في تقصير ،ولم تجد معها وسائل الوعظ والإرشاد والهجر في المضجع، قال تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ(1/1)
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (34) سورة النساء .
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعقوبة الضرب الطفل إذا قصر في أداء الصلاة ، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ » (1) .
ومن ثمَّ يقال للمانعين للعقوبة : {.. قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ ..} (140) سورة البقرة .
والعقوبةُ جزءٌ من المنهج الإسلامي في إصلاح النفس الإنسانية،وتقويم اعوجاجها .
ولكن الإسلام وضع من الشروط والقواعد والضوابط لإيقاع تلك العقوبات،حتى لا يساء استعمالها،وتؤتي ثمارها المرجوة منها .
فهي من باب آخر الدواء الكي .
أما إذا وجدنا بعض الناس اليوم يخالف هذا القواعد والضوابط الشرعية في العقوبة،فلا يحتج بعمله،وإنما أوتي مثل هؤلاء من جهلهم،وتقصيرهم في معرفة الحكم الشرعي للعقوبة وحدودها .
وفي هذه الرسالة بيان واف لعقوبة تأدب الطفل في الإسلام،وشروطها ، وحدودها .
وقد قسمته إلى بابين :
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (495 ) صحيح(1/2)
الباب الأول = أسلوب تأديب الطفل
الأساس الأول-التأديب ضرورة تربوية
الأساس الثاني-تصحيح خطأ الطفل فكريا ثم عمليًّا
أولا - التصحيح الفكري لخطأ الطفل
ثانيا- التصحيح العملي في الواقع الميداني لخطأ الطفل
الأساس الثالث-التدرج في تأديب الطفل
المرحلة الأولى - رؤية الطفل للسوط،والخوف منه
المرحلة الثانية:شد أذن الطفل
المرحلة الثالثة:الضرب وقواعده :
القاعدة الأولى:ابتداء الضرب من سِنِّ العاشرة
القاعدة الثانية:أقصى الضربات للتأديب ثلاثة،وللقصاص عشرة
القاعدة الثالثة:الالتزام بمواصفات أداة الضرب وطريقته ومكانه
القاعدة الرابعة:لا ضرب مع الغضب
القاعدة الخامسة:ارفع يدك عن الضرب إذا ذكر الطفل الله تعالى
الباب الثاني=قضايا هامة حول تأديب الأطفال
المبحث الأول-الخلاصة في عقوبة الأطفال
1- النصح والإرشاد والتنبيه
2- الإعراض
3- التعبيس
4- الزجر(1/3)
5- الكف عن العمل
6- الهجر
7- التوبيخ
8- تعليق العصا أو السوط
المبحث الثاني-مضار القسوة في الضرب
المبحث الثالث-تضمين المعلم إذا تجاوز الحدَّ في العقوبة
سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشرِّ ، وأن ينفع بها جامعها ، وقارئها وناشرها والدال عليها ،وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 4 رمضان 1429 هـ الموافق ل 4/9/2008 م
وعدل بتاريخ في 24ربيع الآخر 1430 هـ الموافق ل 19/4/2009 م
- - - - - - - - - - - - - -(1/4)
الباب الأول
أسلوب تأديب الطفل
تمهيد :
الأساس الأول:التأديب ضرورة تربوية
الأساس الثاني:تصحيح خطأ الطفل فكريا ثم عمليًّا
الأساس الثالث:التدرج في تأديب الطفل
المرحلة الأولى:رؤية الأطفال السوط
المرحلة الثانية:شد أذن الطفل
المرحلة الثالثة:الضرب وقواعده
القاعدة الأولى:ابتداء الضرب من سن العاشرة
القاعدة الثانية:أقصى الضربات للتأديب ثلاثة،وللقصاص عشرة
القاعدة الثالثة:الالتزام بمواصفات أداة الضرب وطريقته ومكانه
القاعدة الرابعة:لا ضرب مع الغضب
القاعدة الخامسة:ارفع يدك عن الضرب إذا ذكر الطفل الله تعالى(1/5)
تمهيد :
تقدم معنا في الباب السابق الأساليب التربوية النبوية سواء منها الفكرية أو النفسية،فإذا لم تجدِ أية وسيلة مع الطفل،فهذا يعني:أن الطفل بحاجة إلى علاج بالتأديب ،لكي يحسَّ بأن الأمر جدٌّ لا هزل فيه،فيذوق ألم التأديب،فيعرف قيمة الحنان والعاطفة التي تدفقت عليه من والديه قبل التأديب،ويشعر بضرورة الانقياد والطاعة،وحسن الخلق والسيرة.
ولكن ما هي أسس التأديب،وكيف سيؤدب الأب ابنه،فيحقق حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ،أَوْ أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ،خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ كُلَّ يَوْمٍ بِنِصْفِ صَاعٍ. (1)
ولابد قبل الشروع في هذا الموضوع أن نعرف المفهوم الفقهي للتأديب،حيث يقول الكاساني في بدائع الصنائع :" َيُعَزَّرُ كُلُّ عَاقِلٍ ارْتَكَبَ جِنَايَةً لَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ،سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا،ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى،مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا،بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا،بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا ؛لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ،إلَّا الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ تَأْدِيبًا لَا عُقُوبَةً ؛لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْدِيبِ،أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:{ مُرُوا صِبْيَانَكُمْ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 33)(20900) 21206- ضعيف(1/6)
بِالصَّلاَةِ،إِذَا بَلَغُوا سَبْعًا وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا،إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا،وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } (1) ،وَذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ وَالتَّهْذِيبِ لَا بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ ؛لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي الْجِنَايَةَ،وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ جِنَايَةً،بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ؛لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ التَّأْدِيبِ ." (2)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 634) (6689) صحيح
(2) - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - (15 / 145)(1/7)
الأساس الأول
التأديب ضرورة تربوية
إن التأديب ليس عملاً انتقاميا من الطفل،وإنما هدفه تربوي،ووسيلته تربوية .
وقد قرر ابنُ الجزار القيرواني ضرورة تأديب الطفل في الصغر فقال:" الصغير أسلس قيادة،وأحسن مؤاتاة وقبولاً ؛فإن قال لنا قائل:قد نجد من الصبيان من يقبل الأدب قبولاً سهلاً،ونجد منهم من لا يقبل ذلك،وكذلك نجد من الصبيان من لا يستحي،ونجد منهم من هو كثير الحياء،ونجد منهم من يعنَى بما يعلَّمه،ويتعلمه بحرصٍ واجتهاد،ونجد منهم من هو يملُّ التعليم ويبغضه،وقد نجد أيضاً في ذوي العناية منهم،وذوي العلم من إذا مدحَ تعلَّم علماً كثيراً،ومنهم من يتعلم إذا عاتبته،أو عاتبه المعلم ،ووبخه،ومنهم من لا يتعلم إلا للفرق من الضرب،وكذلك نجد اختلافاً كثيراً،ومطرداً في الذين يملُّون التعلم،ويبغضونه .
وقد نرى من الصبيان محبًّا للكذب،ونرى منهم محبًّا للصدق،ويُرى منهم اختلاف في الأخلاق،ومضادة كثيرة بالطبع،فما معنى قولك:ويحبَّذ في أن يؤخذ الأطفال بالأدب منذ الصغر،وأنت منهم(1/8)
مثل هذا بالطبع من غير تعليم،ولا تأديب،أفترى الأدب ينقل بالطبع المذموم إلى الطبع المحمود ؟.
فنقول لقائل هذه المقالة:أما ما ذكرت من طبائع الصبيان واختلافهم،وقولك:أفترى الأدب ينقل الطبع المذموم إلى الطبع المحمود؟ فلعمري إنه لكذلك،وإنما أوتي صاحب الطبع المذموم من قبل الإهمال في الصبا،وتركه ما يعتاد مما تميل إليه طبيعته فيما هي مذمومة،أو يعتاد أشياء مذمومة أيضاً،لعلها ليست في غريزته،فإن أُخذ في الأدب بعد غلبة تلك الأشياء عسُرَ انتقاله،ولم يستطيع مفارقة ما اعتاده في الصبا،وقد قال أحد الفلاسفة:"إن أكثر الناس إنما أُتوا في سوء مذاهبهم من عادات الصبا إذا لم يتقدمهم تأديب،وإصلاح أخلاقهم،وحسن سياستهم "
فلذلك أمرنا نحن أن نؤدب الصبيان،وهم صغار ؛لأنهم ليس لهم عزيمةٌ تصرفهم لما يؤمر به من المذاهب الجميلة،والأفعال الحميدة،والطرائق المثلى،إذ لم تغلب عليهم بعد عادة رديئة تمنعهم من اتباع ما يراد بهم من ذلك،فمن عوَّد ابنه الأدب،والأفعال الحميدة،والمذاهب الجميلة في الصغر حاز بذلك الفضيلة،ونال المحبة والكرامة،وبلغ غاية السعادة،ومن ترك فعل ذلك،وتخلَّى عن العناية به أداه ذلك إلى عظيم النقص والخساسة،ولعله يعرف فضيلة ذلك في وقت لا يمكنه(1/9)
تلافيه،واستدراك ما فاته منه،فتحصل له الندامة التي هي ثمرة الخطأ،وذلك أنَّا قد نرى من الناس من يعلم أن مذاهبه رديئة،ولا تخفى عليه الطريق المحمود،ويعسر عليه النزوع إليه لتقدم العادة المعتادة فيهم .
وإن حملوا أنفسهم على بعض تلك الحالات تصنُّعاً،وحياء من الناس في الظهار لم يعدموا إذا خلوا أن يرجعوا إلى المذاهب المتمكنة في غرائزهم،وإنما أصل العادة أن الإنسان إلى العادة أميلُ،وعليها أحرصُ،وبها أشدُّ تمسُّكاً،فليس إذاً من الأسباب الذميمة شيء أقوى سبباً إذا كان في طبيعته من مثل ذلك الشيء الذي تعوَّده،فإنْ لم يعنَ في ذلك الطبع،فإن العادة وحدها تبلغ في ذلك إذا استحكمت،وتمكنت مبلغاً قويًّا،وكذلك فعل العادة وحدها في الأشياء المحسوسة الفاضلة،فإن رأيت صبيا في طبيعة جيدة،وعادة صالحة،فإنه لا تفارقه الخصال المحمودة الشريفة ؛لأنه طُبع عليها من جهتين قويتين،كما أن ذلك لا تفارقه الخصال المذمومة الدنيئة؛لأنه طُبعا عليها من هاتين الجهتين،أعني جهة العادة والطبيعة ،مع أن بعض الحكماء قال:"العادة طبيعة ثانية" فلموقع العادة هذا الموقع وجب أن يؤدب الأطفال،ويعوَّدوا بالأشياء الجميلة،وتربيتهم تربية فاضلة ليكونوا -إن قبلت طبعائهم منفعة التأديب والتعاهد- أخياراً(1/10)
فضلاء،فإن أمكن أن يكون من الصبيان من لا يقبل ذلك لزمنا نحن التواني،وإغفال ما يجب في حين يمكن فيه تأديبهم،فنرجع على أنفسنا باللوم فنقول:" إنا قد أخطأنا إذ لم تعاتبهم في حين يمكن فيه تأديبهم وقبولهم،وقد علمنا أن صغير الخطأ في أوائل الأشياء وأصولها ليس بيسير الضرر في العاقبة،كذلك فإن العاقبة في الصواب،كأنَّ الأشياء لتنبئ عن الأصول،فقد بيَّنا بياناً شافياً،وأوضحنا إيضاحاً كافياً،وتبين لمن فهم عنا قولنا:إن الصواب أن يؤدَّب الصبيٌّ،فإن كانت طبيعته طبيعة من ليس بأديب ولا لبيب،أعني:أن يكون مطبوعاً على الحياء،وحب الكرامة،والألفة،محبًّا للصدق،فإن تأديبه يكون سهلاً،وذلك أن المدح والذم يبلغان منه الإحسان أو الإساءة ما تبلغه العقوبة من غيره،فإن كان الصبيُّ قليل الحياء،مستخفًّا للكرامة،قليل الألفة،محبًّا للكذب،عسُرَ تأديباً،ولا بد لمن كان كذلك من إرهاب وتخويفٍ عند الإساءة،ثم يحقق ذلك بالضرب إذا لم ينجح التخويف،وينبغي أن يتفقد الصبي في كلامه وقعوده بين الناس،وحركته ،ونومه،وقيامه،معطمه،ومشربه،ويُلزَم في جميع ذلك ما ألزمه العقلاء أنفسهم،حتى صاروا وأمثالهم طبيعة من طبائهم " (1)
__________
(1) - سياسة الصبيان وتدبيرهم (ص 134) ت : الدكتور محمد الحبيب السهيلة ط الدار التونسية(1/11)
فإذا تقرر معنا أن التأديب ضرورة تربوية تهذيبية تقويمية للطفل،فهذا يعني ضرورة يقظة الوالدين والمربين في تعاملهم مع الطفل،وفهم طبيعته،واختيار نوع العقوبة ن وطريقتها.
ــــــــــــــ(1/12)
الأساس الثاني
تصحيح خطأ الطفل فكريا ثم عمليًّا
مما لا شك فيه أن استئصال الخطأ من جذوره وأصوله يعدُّ نجاحاً باهراً،ونصراً كبيرا في العملية التربوية،وإذا تأملنا طبيعة أي خطأ وجدنا أن أصوله تعتمد على ثلاثة أشياء،فإما أن يكون سببه فكريًّا ،أي أن الطفل لا يملك فكرة صحيحة عن الشيء،فتصرف من عنده فأخطأ،وإما أن يكون السبب عمليًّا،أي:أن الطفل لا يستطيع أن يتقن عملاً ما،وتعمده الخطأ،أو من ذوي الطبائع العنيدة؛لذلك يصرُّ على الخطأ؛لهذا فإن تحديد أصل الخطأ يسهِّل كثيراً في تلافيه.
أولا - التصحيح الفكري لخطأ الطفل:
إن الطفل كأي كائن حي يجهل أكثر مما يعلم،فإذا علم فعل الصواب سار سيراً محموداً،وحيث إن الإنسان عدو ما يجهل ؛لذلك تكون مرحلة تعليمه الصحيح من السقيم أولى الخطوات في تقويمه،وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصحح البُنَى الفكرية للطفل إذا أخطأ،وكان يتبع في ذلك شتى الأساليب المحببة التي تمتاز بالرفق واللين،وذلك لتصحيح فكر الطفل،وإليك بيان ذلك:(1/13)
عَنِ الْفَارِسِيِّ مَوْلَى بَنِي مُعَاوِيَةَ ؛أَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلاً يَوْمَ أُحُدٍ فَقَتَلَهُ،وَقَالَ:خُذْهَا وَأَنَا الْغُلاَمُ الْفَارِسِيُّ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَا مَنَعَك أَنْ تَقُولَ:الأَنْصَارِي وَأَنْتَ مِنْهُمْ ؟ إِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ. (1)
وعَنْ أَبِي عُقْبَةَ وَكَانَ مَوْلًى مِنْ أَهْلِ فَارِسَ قَالَ:شَهِدْتُ مَعَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ فَضَرَبْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقُلْتُ:خُذْهَا مِنِّي،وَأَنَا الْغُلاَمُ الْفَارِسِيُّ فَبَلَغَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:هَلاَّ قُلْتَ:خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا الْغُلاَمُ الأَنْصَارِيُّ. (2)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُقْبَةَ،عَنْ أَبِيهِ عُقْبَةَ مَوْلَى جَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ الأَنْصَارِيِّ،قَالَ:شَهِدْتُ أُحُدًا مَعَ مَوْلايَ،فَضَرَبْتُ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ،فَلَمَّا قَتَلْتُهُ،قُلْتُ:خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا الرَّجُلُ الْفَارِسِيُّ،فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:أَلا قَالَ:خُذْهَا وَأَنَا الرَّجُلُ الأَنْصَارِيُّ ؟ فَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" (3)
فما أروع هذا التعليم في وسط المعركة؟! ثم ماذا؟ التعليم بوضع قاعدة له يسير عليها في حياته " ابن أخت القوم منهم " وكيف كان العلاج؟ إنه اللطف،والرفق ن ولين الجناح " هلا قلت " يا لروعة
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (20 / 350)(37916) وسنن أبي داود - المكنز - (5125) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 495)(22515) 22882- حسن
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي (910) حسن(1/14)
التواضع في التعليم ! .. الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول للغلام بهذه الصيغة " هلا" فصلى الله عليك يا سيدي ومرشدي ومعلمي وقدوتني.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - , قَالَ: " أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ،فَأَدْخَلَهَا فِي فِيهِ،فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : كِخْ كِخْ أَلْقِهَا أَلْقِهَا،أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ " (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَأَلْقَاهَا فِي فِيهِ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :كَخْ كَخْ،أَلْقِهَا،فَأَلْقَاهَا،فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ؟،وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ " (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِتَمْرٍ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ،فَتَنَاوَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً،فَلاَكَهَا فِي فِيهِ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :كِخْ كِخْ،إِنَّا لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ. (3)
وعن مُحَمَّدَ بْنِ زِيَادٍ ،قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:أَتَى أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - تَمْرٌ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ،فَأَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً فَلاَكَهَا،فَأَدْخَلَ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (2522 ) وشرح معاني الآثار - (2 / 9)(2976 )
كِخْ كِخْ : زجر للصبيان ، وردع عما يلابسونه من الأفعال.
(2) - مسند أبي عوانة (2109 ) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (2523) وصحيح ابن حبان - (8 / 89)(3294)(1/15)
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِصْبَعَيْهِ فِي فِيهِ فَأَخْرَجَهَا،وَقَالَ:كِخْ أَيْ بُنَيَّ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ. (1)
وعن مُحَمَّدَ بْنِ زِيَادٍ،قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِتَمْرٍ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ،فَأَمَرَ فِيهِ بِأَمْرٍ،فَحَمَلَ الْحَسَنَ أَوِ الْحُسَيْنَ عَلَى عَاتِقِهِ،فَجَعَلَ لُعَابُهُ يَسِيلُ عَلَيْهِ،فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ يَلُوكُ تَمْرَةً،فَحَرَّكَ خَدَّهُ،وَقَالَ:أَلْقِهَا يَا بُنَيَّ،أَلْقِهَا يَا بُنَيَّ،أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لاَ يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ. (2)
قَولُهُ:"كَخ" ؛بِفَتحِ الكافِ وكَسرِها وسُكُونِ المُعجَمَةِ مُثَقَّلاً ومُخَفَّفًا وبِكَسرِ الخاءِ مُنَوَّنَةٌ وغَيرُ مُنَوَّنَةٍ فَيَخرُجُ مِن ذَلِكَ سِتُّ لُغاتٍ،والثّانِيَةُ تَوكِيدٌ لِلأُولَى،وهِيَ كَلِمَةٌ تُقالُ لِرَدعِ الصَّبِيِّ عِندَ تَناوُلِهِ ما يُستَقذَرُ،قِيلَ عَرَبِيَّةٌ وقِيلَ أَعجَمِيَّةٌ،وزَعَمَ الدّاوُدِيُّ أَنَّها مُعَرَّبَةٌ،وقَد أَورَدَها البُخارِيُّ فِي "بابِ مَن تَكَلَّمَ بِالفارِسِيَّةِ.
قَولُهُ:"لِيَطرَحها" ؛زادَ مُسلِمٌ " ارمِ بِها " وفِي رِوايَةِ عِندَ أَحمَدَ:"فَنَظَرَ إِلَيهِ فَإِذا هُو يَلُوكُ تَمرَةً فَحَرَّكَ خَدَّهُ وقالَ: أَلقِها يا بُنَيَّ أَلقِها يا بُنَيَّ " ويُجمَعُ بَينَ هَذا وبَينَ قَوله:"كَخ كَخ " بِأَنَّهُ كَلَّمَهُ أَوَّلاً بِهَذا فَلَمّا
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (8 / 90) (3295) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 467)(9267) 9256- صحيح(1/16)
تَمادَى قالَ لَهُ كَخ كَخ إِشارَةً إِلَى استِقذارِ ذَلِكَ لَهُ،ويَحتَمِلُ العَكسُ بِأَن يَكُونَ كَلَّمَهُ أَوَّلاً بِذَلِكَ فَلَمّا تَمادَى نَزَعَها مِن فِيهِ.
وأَمّا قَولُهُ:"أَما شَعَرت " وفِي رِوايَةِ البُخارِيِّ فِي الجِهادِ " أَما تَعرِفُ " ولِمُسلِمٍ " أَما عَلِمت " فَهُو شَيءٌ يُقالُ عِندَ الأَمرِ الواضِحِ وإِن لَم يَكُن المُخاطَبُ بِذَلِكَ عالِمًا أَي كَيفَ خَفِيَ عَلَيك هَذا مَعَ ظُهُورِهِ،وهُو أَبلَغُ فِي الزَّجرِ مِن قَولِهِ لا تَفعَل.
وفِي الحَدِيثِ دَفعُ الصَّدَقاتِ إِلَى الإِمامِ،والانتِفاعُ بِالمَسجِدِ فِي الأُمُورِ العامَّةِ،وجَوازُ إِدخالِ الأَطفالِ المَساجِدَ وتَأدِيبُهُم بِما يَنفَعُهُم ومَنعُهُم مِمّا يَضُرُّهُم ومِن تَناوُلِ المُحَرَّماتِ وإِن كانُوا غَيرَ مُكَلَّفِينَ لِيَتَدَرَّبُوا بِذَلِكَ. واستَنبَطَ بَعضُهُم مِنهُ مَنعَ ولِيِّ الصَّغِيرَةِ إِذا اعتَدَّت مِنَ الزِّينَةِ،وفِيهِ الإِعلامُ بِسَبَبِ النَّهيِ ومُخاطَبَةِ مَن لا يُمَيِّزُ لِقَصدِ إِسماعِ مَن يُمَيِّزُ لأَنَّ الحَسَنَ إِذ ذاكَ كانَ طِفلاً. (1)
وعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ،عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَى أَزْوَاجِهِ وَسَوَّاقٌ يَسُوقُ بِهِنَّ،يُقَالُ لَهُ:أَنْجَشَةُ فَقَالَ:وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ،رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ.
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (3 / 355) وشرح النووي على مسلم - (4 / 33)(1/17)
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ:تَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ،يَعْنِي قَوْلَهُ:سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ. (1)
وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِى سَفَرٍ،وَكَانَ غُلاَمٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ،فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ،سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ ».قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ يَعْنِى النِّسَاءَ. (2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسَائِقٌ يَسُوقُ،فَأَتَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:يَا أَنْجَشَةُ،رُوَيْدًا سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ. (3)
الحادي:منشد ينشد شعرا وغناء تطرب له الإبل فتسرع في سيرها
القوارير:الأواني الزجاجية وشبه النساء بها لرقتهن وضعفهن
رويدك سوقك بالقوارير:رويدك بمعنى أمهل وتأن وارفق. قد جاء في الحديث أنه أراد بالقوارير النساء،وشبههن بالقوارير لأنه أقل شيء يؤثر فيهن. كما أن أقل شيء من الحداء والغناء يؤثر في النساء،أو أراد:أن النساء لا قوة لهن على سرعة السير،والحداء مما يهيج
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 481)(12935) 12966- وصحيح البخارى- المكنز - (6149 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6210 )
(3) - صحيح ابن حبان - (13 / 117)(5800) صحيح(1/18)
الإبل،ويبعثها على السير وسرعته،فيكون ذلك إضرارا بالنساء اللواتي عليهن. (1)
قالَ أَبُو قِلابَةَ:فَتَكَلَّمَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَلِمَةٍ لَو تَكَلَّمَ بِها بَعضكُم لَعِبتُمُوها عَلَيهِ:"سَوقك بِالقَوارِيرِ" قالَ الدّاوُدِيُّ:هَذا قالَهُ أَبُو قِلابَةَ لأَهلِ العِراق لِما كانَ عِندَهم مِنَ التَّكَلُّف ومُعارَضَة الحَقّ بِالباطِلِ.
وقالَ الكَرمانِيُّ:لَعَلَّهُ نَظَرَ إِلَى أَنَّ شَرط الاستِعارَة أَن يَكُون وجه الشَّبَه جَلِيًّا،ولَيسَ بَينَ القارُورَة والمَرأَة وجه لِلتَّشبِيهِ مِن حَيثُ ذاتهما ظاهِر،لَكِن الحَقّ أَنَّهُ كَلام فِي غايَة الحُسن والسَّلامَة عَن العَيب ؛ولا يَلزَم فِي الاستِعارَة أَن يَكُون جَلاء وجه الشَّبَه مِن حَيثُ ذاتهما،بَل يَكفِي الجَلاء الحاصِل مِنَ القَرائِن الحاصِلَة،وهُو هُنا كَذَلِكَ.قالَ:ويَحتَمِل أَن يَكُون قَصَدَ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ هَذِهِ الاستِعارَة مِن مِثل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي البَلاغَة،ولَو صَدَرَت مِن غَيره مِمَّن لا بَلاغَة لَهُ لَعِبتُمُوها.قالَ وهَذا هُو اللاَّئِق بِمَنصِبِ أَبِي قِلابَةَ.
قُلت:ولَيسَ ما قالَهُ الدّاوُدِيُّ بَعِيدًا ولَكِنَّ المُراد مَن كانَ يَتَنَطَّع فِي العِبارَة ويَتَجَنَّب الأَلفاظ الَّتِي تَشتَمِل عَلَى شَيء مِنَ الهَزل.وقَرِيب مِن ذَلِكَ قَول شَدّاد بن أَوس،فعَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ مُسْلِمِ بْنِ مِشْكَمٍ،قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ،فَنَزَلْنَا مَرْجَ الصُّفَّرِ،فَقَالَ:ائْتُونِي بِالسُّفْرَةِ
__________
(1) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (5 / 173)(1/19)
نَعْبَثْ بِهَا،فَكَانَ الْقَوْمُ يَحْفَظُونَهَا مِنْهُ،فَقَالَ:يَا بَنِي أَخِي،لاَ تَحْفَظُوهَا عَنِّي،وَلَكِنِ احْفَظُوا مِنِّي مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا اكْتَنَزَ النَّاسُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ،فَاكْتَنِزُوا هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ،وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ،وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ،وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ،وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ،إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. (1) .
قالَ الخَطّابِيُّ:كانَ أَنجَشَة أَسود وكانَ فِي سَوقه عُنف،فَأَمَرَهُ أَن يَرفُق بِالمَطايا.وقِيلَ:كانَ حَسَن الصَّوت بِالحُداءِ فَكَرِهَ أَن تَسمَع النِّساء الحُداء فَإِنَّ حُسن الصَّوت يُحَرِّك مِنَ النُّفُوس،فَشَبَّهَ ضَعف عَزائِمهنَّ وسُرعَة تَأثِير الصَّوت فِيهِنَّ بِالقَوارِيرِ فِي سُرعَة الكَسر إِلَيها.
وجَزَمَ ابن بَطّال بِالأَوَّلِ فَقالَ:القَوارِير كِنايَة عَن النِّساء اللاَّتِي كُنَّ عَلَى الإِبِل الَّتِي تُساق حِينَئِذٍ،فَأَمَرَ الحادِي بِالرِّفقِ فِي الحُداء لأَنَّهُ يَحُثُّ الإِبِل حَتَّى تُسرِع فَإِذا أَسرَعَت لَم يُؤمَن عَلَى النِّساء السُّقُوط،وإِذا مَشَت رُويدًا أُمِنَ عَلَى النِّساء السُّقُوط،قالَ:وهَذا مِنَ الاستِعارَة البَدِيعَة ؛لأَنَّ القَوارِير أَسرَع شَيء تَكسِيرًا،فَأَفادَت الكِنايَة
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 215) (935) صحيح
خطم : شد زمام البعير في أنفه ليسهل قياده والمراد أنه يمسك بزمام لسانه وكلامه(1/20)
مِنَ الحَضّ عَلَى الرِّفق بِالنِّساءِ فِي السَّير ما لَم تُفِدهُ الحَقِيقَة لَو قالَ اُرفُق بِالنِّساءِ. (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ الْفَضْلَ،رَدِفَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ،فَجَعَلَ يَلْحَظُ إِلَى امْرَأَةٍ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :مَهْ يَا غُلاَمُ،فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ حَفِظَ فِيهِ بَصَرَهُ غُفِرَ لَهُ. (2)
وهذا تصحيح مع منادة الاسم،فعَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ،قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَأَتَاهَا ذُو قَرَابَتِهَا غُلاَمٌ شَابٌّ ذُو جُمَّةٍ،فَقَامَ يُصَلِّي،فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَسْجُدَ،نَفَخَ،فَقَالَتْ:لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ لِغُلاَمٍ لَنَا أَسْوَدَ:يَا رَبَاحُ،تَرِّبْ وَجْهَكَ. (3)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،قَالَتْ: رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غُلَامًا لَنَا يُقَالُ لَهُ أَفْلَحُ،يَنْفُخُ إِذَا سَجَدَ،فَقَالَ: " يَا أَفْلَحُ،تَرِبَ وَجْهُكَ " (4)
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (10 / 545)
(2) - مسند الطيالسي - (4 / 455)(2857) صحيح
وفيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها وهذا ما لم يختلف فيه الفقهاء وفيه دليل على أن المرأة تحج وإن لم يكن معها ذو محرم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للخثعمية حجي عن أبيك ولم يقل إن كان معك ذو محرم وفي ذلك دليل على أن المحرم ليس من السبيل والله أعلم"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (9 / 124)
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 241)(1913) حسن
(4) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (1 / 335)(1052 ) حسن لغيره(1/21)
أي في الأرض ليزول عنها التراب فيسجد فقال يا أفلح ترب وجهك أي أوصله إلى التراب فإنه أقرب إلى التضرع وأعظم للثواب وهو كناية عن عدم النفخ لأنه يستلزم علوق التراب بالوجه أي أفضله وهو الجبهة وذلك غاية التواضع (1)
قَالَ الْعِرَاقِيُّ:إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى التُّرَابِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَمْكِينَ الْجَبْهَةِ مِنْ الْأَرْضِ وَكَأَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي وَلَا يُمَكِّنُ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ لَا أَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي عَلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَمَرَهُ بِنَزْعِهِ" (2)
وقد فعل الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك،فعَنْ عَمِّ أَبِي رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ،قَالَ:كُنْتُ وَأَنَا غُلامٌ أَرْمِي نَخْلَ الأَنْصَارِ،فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ هَاهُنَا غُلامًا يَرْمِي نَخْلَنَا،قَالَ:يَرْمِي النَّخْلَ،قَالَ:فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا غُلامُ،لا تَرْمِ النَّخْلَ،قَالَ:قُلْتُ:آكُلُ،قَالَ:لا تَرْمِ النَّخْلَ كُلْ مَا سَقَطَ قَالَ:وَمَسَحَ رَأْسَهُ،وَقَالَ:اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ " (3)
وعَنْ عَمِّ أَبِي:رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ،قَالَ:كُنْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَرْمِي نَخْلاً لِلأَنْصَارِ،فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقِيلَ:إِنَّ هَاهُنَا غُلاَمًا يَرْمِي نَخْلَنَا،فَأُتِيَ بِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا غُلاَمُ،لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ ؟
__________
(1) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (4 / 93)
(2) - تحفة الأحوذي - (1 / 360)
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي (1482) حسنن لغيره(1/22)
قَالَ:قُلْتُ:آكُلُ،قَالَ:فَلاَ تَرْمِ النَّخْلَ،وَكُلْ مَا يَسْقُطُ فِي أَسَافِلِهَا،ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي،وَقَالَ:اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ. (1)
قال ابن القيم: يدل على إباحة الأكل،وأن الإباحة عند الجوع أولى،وقال غيره: إنما الإباحة للجوع والضرورة،ويكون إباحة الأكل فقط لا الحمل. (2)
فنرى مع التصحيح الفكري للطفل،طريقة تعرفه للوصول إلى غرضه،فهو يريد أن يأكل من التمر،فدلَّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على طريقة شرعية صحيحة،وهي أن يأكل مما سقط من الشجرة على الأرض،بدلاً من ضرب الأشجار،وإسقاط التمر من على الشجرة بغير إذن صاحبها،ثم أتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك التعليم بالمسح على رأسه،والدعاء له،فهذا أسلوب فريد،خرج من مشكاة النبوة .
وفي هذا الإستاد لطائف:وهي تحديث الجدة عن العم للسبط،فهذا دليل ما أكدناه في السابق من تفاعل الأسرة المسلمة كلها،ومشاركتها في تربية الأحفاد والأسباط،وابن الأخ وابن الأخت،وهذا طريق حفظ العلم،فالراوي أحد الأحفاد للجدة،فروى
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 805)(20343) 20609- حسن لغيره
(2) - حاشية ابن القيم ج7 ص203(1/23)
الحديث عنها،فكان الخير كل الخير للمشتركين في التحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا أنس رضي الله عنه يصحح لابنته فكرتها،فعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ،قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ،وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ،قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا،قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَلَكَ بِي حَاجَةٌ ؟.فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ:مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا،وَاسَوْأَتَاهْ،وَاسَوْأَتَاهْ.قَالَ:هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ،رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. (1)
وعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَعْرِضُ نَفْسَهَا،فَقَالَ:" لَيْسَ لِي فِي النِّسَاءِ حَاجَةٌ "،فَقَالَتِ ابْنَةٌ لِأَنَسٍ:مَا كَانَ أَصْلَبَ وَجْهَهَا،قَالَ أَنَسٌ:كَانَتْ خَيْرًا مِنْكِ،رَغِبَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ " (2)
وعَنْ أَنَسٍ:" أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " فَضَحِكَتِ ابْنَةُ أَنَسٍ،فَقَالَتْ:مَا كَانَ أَقَلَّ حَيَاءَهَا فَقَالَ أَنَسٌ:" هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ،عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " (3)
وهذا تطبيق عملي للحديث السابق من أمير المؤمنين غمر بن الخطاب رضي الله عنه ،فعَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ،حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ،بِالْبَحْرَيْنِ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5120 )
(2) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي(10036 ) صحيح
(3) - سنن النسائي- المكنز - (3263 ) صحيح(1/24)
قَالَ:كُنْتُ فِي غِلْمَةٍ بِالْمَدِينَةِ تَلْتَقِطُ الْبَلَحَ فَأَبْصَرْنَا عُمَرَ وَسَعَى الْغِلْمَانُ وَقُمْتُ فَقُلْتُ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا هُوَ مَا أَلْقَتِ الرِّيحُ قَالَ:" أَرِنِي أَنْظُرْ " فَلَمَّا أَرَيْتُهُ قَالَ:" انْطَلِقْ " قَالَ:قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِّ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانَ إِنَّكَ لَوْ تَوَارَيْتَ انْتَزَعُوا مَا مَعِي قَالَ:فَمَشَى مَعِي حَتَّى بَلَغْتُ مَأْمَنِي " (1)
وعَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ،قَالَ:حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ،قَالَ:إِنِّي لَغُلَامٌ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،وَأَنَا مَعَ أُغَيْلِمَةٍ نَلْتَقِطُ الْبَلَحَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْخَلَالُ،إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،فَشَدَّ عَلَيْنَا،وَفَرَّ الْغِلْمَانُ،وَبَقِيَتُ أَنَا،فَقُلْتُ:" يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،هُوَ مِمَّا أَلْقَتِ الرِّيحُ،فَقَالَ:أَرِنِي،فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيَّ.فَأَرَيْتُهُ،قَالَ:صَدَقْتَ.قُلْتُ:تَرَى هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانَ ؟ لَوِ انْطَلَقْتُ أَخَذُوا مَا مَعِي،فَمَشَى مَعِي حَتَّى بَلَّغَنِي أُمِّي " (2)
وعَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ الْأُسَيِّدِيِّ،قَالَ:حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ - وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْبَحْرَيْنِ - قَالَ:" كُنَّا أُغَيْلِمَةً بِالْمَدِينَةِ فِي أُصُولِ النَّخْلِ نَلْتَقِطُ الْبَلَحَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْخَلَالُ،فَخَرَج إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،فَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَثَبَتُّ مَكَانِي،فَلَمَّا غَشِيَنِي قُلْتُ:يَا أَمِيرَ
__________
(1) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(245 ) صحيح
(2) - تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ (1652 ) صحيح(1/25)
الْمُؤْمِنِينَ،إِنَّمَا هَذَا مَا أَلْقَتِ الرِّيحُ قَالَ:" أَرِنِي أَنْظُرْ،فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيَّ "،فَنَظَر فِي حِجْرِي،فَقَالَ:" صَدَقْتَ " فَقُلْتُ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،تَرَى هَؤُلَاءِ الْآنَ،وَاللَّهِ لَئِنِ انْطَلَقْتُ لَأَغَارُوا عَلَيَّ،فَانْتَزَعُوا مَا مَعِي،قَالَ:فَمَشَى حَتَّى بَلَّغَنِي مَأْمَنِي" (1)
فهاهنا نرى اهتمام خليفة المسلمين بالأطفال،وتحريه معهم،وحرصه على معرفة الحقيقة،واستجوابه للطفل بلين وحكمة،ونرى فقه الغلام،مما دل على أن الآباء بلَّغوا أبناءهم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جواز التقاط البلح الساقط من الشجر على الأرض،ثم جرأة الطفل في طلب المعونة من أمير المؤمنين للوصول إلى بيته بأمان،حتى يتخلص من إيذاء رفقائه وأصحابه .
وهذا بن عمر رضي الله عنهما يصحح للأطفال خطأهم ،فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،قَالَ:خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ مَنْزِلِهِ،فَمَرَرْنَا بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ،وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ،فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا،فَقَالَ:ابْنُ عُمَرَ مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لَعَنَ اللَّهُ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا. (2)
__________
(1) - الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ (8434 ) صحيح لغيره
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 547)(6259) وصحيح مسلم- المكنز - (5174 )(1/26)
وعَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ،قَالَ:مَرَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ،فَإِذَا فِتْيَةٌ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا،لَهُمْ كُلُّ خَاطِئَةٍ،قَالَ:فَغَضِبَ،وَقَالَ:مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ قَالَ:فَتَفَرَّقُوا،فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يُمَثِّلُ بِالْحَيَوَانِ. (1)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ،فَمَرَرْنَا بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ،وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ،فَلَمَّا بَصُرُوا بِابْنِ عُمَرَ تَفَرَّقُوا،فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَعَنِ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا،إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْلَعَنْ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّهُ مَرَّ مَعَهُ،فَإِذَا غِلْمَانٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا،لَيْسَتْ لَهُمْ خَاطِئَةٌ مِنْ نَبْلِهِمْ،فَغَضِبَ،فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا،فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ مَثَّلَ بِالْبَهَائِمِ"
وعَنْ سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص،قَالَ: دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلامٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى رَابَطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا،فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهم - حَتَّى حَلِّهَا،ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلامِ،فَأَتَى بِهَا يَحْيَى،فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلامَكُمْ هَذَا أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ،فَإِنِّي
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 850)(3133) صحيح(1/27)
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ،أَو ْغَيْرُهَا لِلْقَتْلِ،فَإِذَا أَرَدْتُمْ ذَبْحَهَا،فَاذْبَحُوهَا. (1)
وهذا صحابي يصحح لطفله صلاته،فعَنِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:سَمِعَنِي أَبِي،وَأَنَا أَقُولُ:{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}،فَقَالَ:أَيْ بُنَيَّ،إِيَّاكَ،قَالَ:وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَبْغَضَ إِلَيْهِ حَدَثًا فِي الإِِسْلاَمِ مِنْهُ،فَإِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ،فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا،فَلاَ تَقُلْهَا،إِذَا أَنْتَ قَرَأْتَ فَقُلْ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. (2)
وعَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ،قَالَ:سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ،أَقُولُ:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،فَقَالَ لِي:أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ إِيَّاكَ وَالحَدَثَ،قَالَ:وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَبْغَضَ إِلَيْهِ الحَدَثُ فِي الإِسْلَامِ - يَعْنِي مِنْهُ - قَالَ:" وَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ،وَمَعَ عُمَرَ،وَمَعَ عُثْمَانَ،فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا،فَلَا تَقُلْهَا،إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ فَقُلْ:الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ "." حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ،وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ:أَبُو
__________
(1) - مسند أبي عوانة (6246 -6248) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 738)(16787) 16909- حسن لغيره(1/28)
بَكْرٍ،وَعُمَرُ،وَعُثْمَانُ،وَعَلِيٌّ،وَغَيْرُهُمْ،وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ،وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،وَابْنُ المُبَارَكِ،وَأَحْمَدُ،وَإِسْحَاقُ:لَا يَرَوْنَ أَنْ يَجْهَرَ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،قَالُوا:وَيَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ " (1)
وتقدم في أدب الطعام كيف صحح النبي - صلى الله عليه وسلم - طريقة طعام الغلام بالتوجيه الفكري،وهكذا وجدنا أن التصحيح الفكري،وتعليم الطفل،والحوار معه،والشرح له،وتعليل الأمور له،ركن قويٌّ في تقليل الخطأ،وتصحيح مسار الطفل .
ثانيا- التصحيح العملي في الواقع الميداني لخطأ الطفل :
كثيراً ما يُطلب من الطفل القيام بأعمال لم يسبق له عملها،أو شاهد من عملها ،لذلك يبقى في جهل،فإذا طلب منه العمل وقع في أخطاء تحتاج إلى تصحيح،فإذا عوقب على خطئه هذا كان ظلماً وحيفاً .
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (245) حسن -الحدث : الأمر الحادث الذي لم تأت به سنة.
قلت : الصواب أنها غير محدثة فقد ثبتت في بعض الروايات ، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَتْ:كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً :{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 607)(26583) 27118- صحيح(1/29)
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما يتعرض لمثل هذه المشاهد،لا يلبث أن يفهمَ الطفل بالطريقة العملية،فيشمِّر عن يديه،ويري الطفل كيف يحسن العمل،وفي هذا تعليم للوالدين والمربين ،وأي تعليم .
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِغُلاَمٍ يَسْلُخُ شَاةً،فَقَالَ لَهُ:تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ،فَإِنِّي لاَ أَرَاكَ تُحْسِنُ تَسْلُخُ،قَالَ:فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ،فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبْطِ،ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - :هَكَذَا يَا غُلاَمُ فَاسْلُخْ،ثُمَّ انْطَلَقَ فَصَلَّى،وَلَمْ يَتَوَضَّأْ،وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً. (1)
قوله حتى أريك معناه أعلمك ومنه قوله تعالى {وأرنا مناسكنا} [البقرة:128] وقوله فدحس بها إلى الإبط أي أدخل ملئ يده بذراعها إلى الإبط والدحس كالدس ويقال للسنبلة إذا امتلأت واشتد حبها قد دحست،ومعنى الوضوء في هذا الحديث غسل اليد والله أعلم . (2)
فليكن شعار المربين والوالدين في تعاملهم مع أطفالهم ((تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ ))،فإنه أدعى للعلم الصحيح،والعمل البناء الموجه،والطريقة السليمة في العملية التربوية .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 438) (1163) صحيح
(2) - معالم السنن للخطابي 288 - (1 / 68)(1/30)
وقد سار الصحابة رضوان الله عليهم بعد ذلك على هذا المنوال،يعلمون الكبار والصغار والرجال والنساء،بالتدريب العملي الواقعي،والمشاهد الحسيَّة ،فعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ،أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ جَمَعَ قَوْمَهُ فَقَالَ:يَا مَعْشَرَ الأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ،وَأَبْنَاءَكُمْ أُعَلِّمْكُمْ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي صَلَّى لَنَا بِالْمَدِينَةِ فَاجْتَمَعُوا،وَجَمَعُوا نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ،فَتَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ،فَأَحْصَى الْوُضُوءَ إِلَى أَمَاكِنِهِ حَتَّى لَمَّا أَنْ فَاءَ الْفَيْءُ،وَانْكَسَرَ الظِّلُّ قَامَ،فَأَذَّنَ فَصَفَّ الرِّجَالَ فِي أَدْنَى الصَّفِّ،وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ،وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الْوِلْدَانِ،ثُمَّ أَقَامَ الصَّلاَةَ،فَتَقَدَّمَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ،فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ يُسِرُّهُمَا،ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ فَقَالَ:سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ،ثُمَّ قَالَ:سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ،وَاسْتَوَى قَائِمًا،ثُمَّ كَبَّرَ،وَخَرَّ سَاجِدًا،ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ،ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ،ثُمَّ كَبَّرَ فَانْتَهَضَ قَائِمًا،فَكَانَ تَكْبِيرُهُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ سِتَّ تَكْبِيرَاتٍ،وَكَبَّرَ حِينَ قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ،فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ أَقْبَلَ إِلَى قَوْمِهِ بِوَجْهِهِ،فَقَالَ:احْفَظُوا تَكْبِيرِي،وَتَعَلَّمُوا رُكُوعِي وَسُجُودِي ؛فَإِنَّهَا صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي كَانَ يُصَلِّي لَنَا كَذَي السَّاعَةِ مِنَ النَّهَارِ ،ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ أَقْبَلَ إِلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَاعْقِلُوا،وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ(1/31)
وَلاَ شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ،النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ.فَجَثَى رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ مِنْ قَاصِيَةِ النَّاسِ،وَأَلْوَى بِيَدِهِ إِلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:يَا نَبِيَّ اللهِ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ انْعَتْهُمْ لَنَا حَلِّمْهُمْ لَنَا،يَعْنِي صِفْهُمْ لَنَا،شَكِّلْهُمْ لَنَا فَسُرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،لِسُؤَالِ الأَعْرَابِيِّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ تَحَابُّوا فِي اللهِ وَتَصَافَوْا،يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ نُورًا،وَثِيَابَهُمْ نُورًا،يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَفْزَعُونَ،وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ." (1)
وعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؛أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ الأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ،وَيَجْعَلُ الرَّكْعَةَ الأُولَى هِيَ أَطْوَلُهُنَّ لِكَيْ يَثُوبَ النَّاسُ،وَيَجْعَلُ الرِّجَالَ قُدَّامَ الْغِلْمَانِ،وَالْغِلْمَانَ خَلْفَهُمْ،وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ،وَيُكَبِّرُ كُلَّمَا سَجَدَ،وَكُلَّمَا رَفَعَ وَيُكَبِّرُ كُلَّمَا نَهَضَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا كَانَ جَالِسًا. (2)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 606)(22906) 23294- حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 608)(22911) 23299- حسن(1/32)
وهكذا تنطبع الصورة الصحيحة في ذهن الطفل بتعريفه عمليًّا الأحكام،وخاصة مما هو أصله عمل حسيٌّ،مقل الصلاة والحج والعمرة والصوم وغيرها .
ــــــــــــــ(1/33)
الأساس الثالث
التدرج في تأديب الطفل
فإذا لم تجد الوسيلتان السابقتان،وأصر الطفل على ارتكاب الخطأ،كان التأديب حقًّا لازماً عليه،ويتَّبعُ معه العقوبات بالخطوات التالية :
المرحلة الأولى - رؤية الطفل للسوط،والخوف منه :
كثير من الأطفال يردعهم رؤية السوط،وأداة العقوبة،فبمجرد إظهارها لهم يسارعون إلى التصحيح،ويتسابقون إلى الالتزام،وتتقوم أخلاقهم وسلوكهم .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِتَعْلِيقِ السَّوْطِ فِي الْبَيْتِ" (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:" عَلِّقْ سَوْطَكَ حَيْثُ يَرَاهُ الْخَادِمُ " (2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ،فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ. (3)
__________
(1) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (1270 ) صحيح
(2) - تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ (1129 ) صحيح
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 153)(10523 ) صحيح(1/34)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ،فَإِنَّهُ آدَبُ لَهُمْ " (1) ...
وعَنْ مُعَاذٍ قَالَ:أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قَالَ:لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ،وَلاَ تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ،وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ،وَلاَ تَتْرُكَنَّ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا ؛فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ،وَلاَ تَشْرَبَنَّ خَمْرًا ؛فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ،وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ ؛فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ،وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مُوتَانٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ،وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ،وَلاَ تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ. (2)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتِسْعٍ:لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا ؛وَإِنْ قُطِّعْتَ أَوْ حُرِّقْتَ،وَلَا تَتْرُكَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ مُتَعَمِّدًا،وَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ،وَلَا تَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ،فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ،وَأَطِعْ وَالِدَيْكَ،وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ فَاخْرُجْ لَهُمَا،وَلَا تُنَازِعَنَّ وُلَاةَ الْأَمْرِ وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّكَ أَنْتَ،وَلَا تَفْرُرْ مِنَ الزَّحْفِ،وَإِنْ
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني - (4535) والصحيحة (1446 و 1447) وصحيح الجامع (4022) صحيح لغيره
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 366)(22075) 22425- صحيح لغيره(1/35)
هَلَكْتَ وَفَرَّ أَصْحَابُكَ،وَأَنْفِقْ مِنْ طَوْلِكَ عَلَى أَهْلِكَ،وَلَا تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ،وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " (1)
فلا بدَّ من وجود السوط أو العصا في البيت،ليخاف الطفل من أن يتعمد الخطأ،والمعاندة .
المرحلة الثانية:شد أذن الطفل:
وهي أول عقوبة جسدية للطفل .. إذ بهذه المرحلة يتعرف على ألم المخالفة،وعذاب الفعل الشنيع الذي ارتكبه،واستحق عليه شد أذنه ،فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنِيِّ، - رضي الله عنهم - قَالَ:بَعَثَتْنِي أُمِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقِطْفٍ مِنْ عِنَبٍ،فَأَكَلْتُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ أُبَلِّغَهُ إِيَّاهُ،فَلَمَّا جِئْتُ بِهِ أَخَذَ أُذُنِي وَقَالَ:" يَا غُدَرُ " (2)
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مَعَهُ بِقَطْفَيْنِ:وَاحِدٍ لَهُ،وَالآخَرُ لِأُمِّهِ عَمْرَةَ،فَلَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَمْرَةَ فَقَالَ:أَرْسَلْتُ لَكِ مَعَ النُّعْمَانِ بِقِطْفٍ مِنْ عِنَبٍ،فَقَالَتْ:لاَ،فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلُدَّتِهِ،فَقَالَ:يَا غُدَرُ. (3)
وعَنْ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ،قَالَ:أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأُذُنِي فَقَالَ:" يَا ابْنَ أَخِي،لَعَلَّكَ تُدْرِكُ فَتْحَ
__________
(1) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (19 ) حسن
(2) - عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِابْنِ السُّنِّيِّ ( 400 ) حسن لغيره
(3) - مسند الشاميين 360 - (2 / 355)(1487) ضعيف(1/36)
قُسْطَنْطِينِيَّةَ،فَإِيَّاكَ إِنْ أَدْرَكْتَ فَتْحَهَا أَنْ تَتْرُكَ غَنِيمَتَكَ مِنْهَا،فَإِنَّ بَيْنَ فَتْحِهَا وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ سَبْعَ سِنِينَ " (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقُلْتُ:لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطُرِحَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةٌ فَنَامَ فِي طُولِهَا وَنَامَ أَهْلُهُ،ثُمَّ قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ،أَوْ قَبْلَهُ،أَوْ بَعْدَهُ،فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ نَفْسِهِ،ثُمَّ قَرَأَ الآيَاتِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَ،ثُمَّ قَامَ،فَأَتَى شَنًّا مُعَلَّقًا،فَأَخَذَ فَتَوَضَّأَ،ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي،فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ،ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ،فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي،ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِي فَجَعَلَ يَفْتِلُهَا،ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ أَوْتَرَ. (2)
وعَنْ أَبِي يَحْيَى الْكَلَاعِيِّ سُلَيْمٍ،قَالَ:قُلْنَا لِلْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ:يَا أَبَا كَرِيمَةَ،إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .قَالَ:بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ،وَلَقَدْ أَخَذَ بِأُذُنِي،وَإِنِّي لَأَمْشِي مَعَ عَمِّي،ثُمَّ قَالَ:" أَتَرَى أُمَّهُ تَذْكُرُهُ ؟ "،قُلْنَا:يَا أَبَا كَرِيمَةَ،حَدِّثْنَا بِمَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:" يُحْشَرُ مَا بَيْنَ السِّقْطِ إِلَى الشَّيْخِ الْفَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَبْنَاءُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً،الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ فِي خَلْقِ
__________
(1) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1310 ) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 895) (3372) وصحيح البخارى- المكنز - (4570)(1/37)
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،وَحُسْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،وَقَلْبِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،جُرْدٌ مُرْدٌ مُكَحَّلُونَ،أُولُوا أَفَانِينَ "،قُلْنَا:يَا نَبِيَّ اللَّهِ،فَكَيْفَ بِالْكَافِرِ ؟،قَالَ:" يُعَظَّمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَصِيرَ غِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعِينَ بَاعًا،حَتَّى يَصِيرَ النَّابُ مِنْ أَنْيَابِهِ مِثْلَ أُحُدٍ " (1)
وعن سُلَيْمَ بْنِ عَامِرٍ الْكَلَاعِيِّ،قَالَ:قُلْنَا لِلْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبٍ الْكِنْدِيِّ:يَا أَبَا كَرِيمَةَ،إِنَّ النَّاسَ يَدَّعُونَ أَنَّكَ لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:بَلَى وَاللَّهِ،لَقَدْ رَأَيْتُهُ،وَلَقَدْ أَخَذَ بِشَحْمَةِ أُذُنِي هَذِهِ وَإِنِّي لَأَمْشِي مَعَ عَمٍّ لِي،ثُمَّ قَالَ لِعَمِّي:" أَتَرَى أَنَّهُ يَذْكُرُهُ " ؟ قُلْنَا:يَا أَبَا كَرِيمَةَ حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:سَمِعْتُهُ يَقُولُ:" يُحْشَرُ مَا بَيْنَ السِّقْطِ إِلَى الشَّيْخِ الْفَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي خَلْقِ آدَمَ،وَقَلْبِ أَيُّوبَ،وَحُسْنِ يُوسُفَ مُرْدًا مُكَحَّلِينَ " قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَكَيْفَ بِالْكَافِرِ ؟ قَالَ:" يَعْظُمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَصِيرَ غِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا،وَقَرِيضَةُ النابِ مِنْ أَسْنَانِهِ مِثْلُ أُحُدٍ " (2)
وقد يرى البعض أن الغلام ربما اشتهى العنب فأكل منه فليست مشكلة؛وهذا هو الظاهر مما حدث أنه اشتهاه،ولكن رغم هذا هل يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الموقف يمرُّ ولا يستفيد الطفل تعلُّم الأمانة والصبر
__________
(1) - الْمُنْتَقَى مِنْ كِتَابِ الطَّبَقَاتِ لِأَبِي عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيِّ (66 ) حسن لغيره
(2) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (16449 ) حسن لغيره(1/38)
وتوصيل الأمانات إلى أهلها؟ كلا،إن إشفاق النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك الصبي أن يكون أمينًا أعظم من إشفاقه على بطن الطفل وشهوة طعامه،ولعل هذا الالتباس هو الذي غرَّ كثيرًا من الناس،حتى أن أحدهم يكره أن يوقظ ولده لصلاة الفجر إشفاقًا عليه،ليذهب إلى المدرسة مستريحًا بعد أن أخذ قسطًا من النوم كافيًا،والبعض لا يرده عن أكل حرام أو سرقة لأنه يراه صغيرًا لا لوم عليه ولا عتاب!!
فلماذا أخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - التمرة من فم الحسن إِذن وقال له: " كِخْ كِخْ "؟ إن المتأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكون عُرْضةً لهذه الأخطاء التي تؤثر سلبًا في الطفل.
المرحلة الثالثة:الضرب وقواعده :
إذا لم يُجد مشاهدة العصا،ولا شد أذن الطفل،وما زال مصرًّا على المشاكسة والعناد،كانت المرحلة الثالثة هذه كفيلة بكسر هذا العناد
،ولكن هل الضرب يمشي هكذا بلا ضوابط،وحسبما تهوى أنفس الوالدين،والمربين ؟ أم له قواعد تتبع لكي يسير في مساره الصحيح القويم.فما هي هذه القواعد؟
القاعدة الأولى:ابتداء الضرب من سِنِّ العاشرة :(1/39)
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ » (1) .
فإن ابتداء الضرب يكون في سن العاشرة،وذلك لأنه التقصير في عمود الدين،وركنه الأساسي،والذي يحاسب فيه المرء يوم القيامة أولاً بعد العقيدة،فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم بأذن بضرب الطفل على التقصير به قبل سن العاشرة،فمن الأولى في باقي الأمور الحياتية،والسلوكية،والتربوية التي لا تساوي مكانة الصلاة أهمية،ومنزلة عند الله تعالى .
وعَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي شُمَيْسَةُ،قَالَتْ:سَمِعْت عَائِشَةَ،وَسُئلت عَنْ أَدَبِ الْيَتِيمِ فَقَالَتْ:إنِّي لأَضْرِبُ أَحَدَهُمْ حَتَّى يَنْبَسِطَ. (2)
وعَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ،أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - :مِمَّ أَضْرِبُ يَتِيمِي ؟ قَالَ:اضْرِبْهُ مِمَّا كُنْت ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ. (3)
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ،أَنَّ أَبَاهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ،أَوْ قَالَ:أَرْسِلْ مَوْلًى لَهُ وَأَنَا مَعَهُ يَسْأَلُهُ:مِمَّ يَضْرِبُ الرَّجُلُ يَتِيمَهُ ؟ قَالَ:مِمَّ
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (495 ) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 576)( 27222) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 576)( 27223) صحيح لغيره(1/40)
يَضْرِبُ الرَّجُلُ وَلَدَهُ،قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:وَسَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ. (1)
أما قبل العاشرة فتتبع المراحل السابقة بكل دفة وأناة وصبر،وحلم على الطفل،وفي هذا لفتة نبوية رائعة في تقرير سنِّ الضرب .
قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ سَأَلْت أَحْمَدَ عَمَّا يَجُوزُ فِيهِ ضَرْبُ الْوَلَدِ قَالَ:الْوَلَدُ يُضْرَبُ عَلَى الْأَدَبِ،قَالَ:وَسَأَلْت أَحْمَدَ هَلْ يُضْرَبُ الصَّبِيُّ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ :إذَا بَلَغَ عَشْرًا ،وَقَالَ حَنْبَلٌ :إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :الْيَتِيمُ يُؤَدَّبُ وَيُضْرَبُ ضَرْبًا خَفِيفًا .
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ،فَقَالَ:عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ وَيَتَوَقَّى بِجَهْدِهِ الضَّرْبَ ،وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَلَا يَضْرِبُهُ " (2)
لهذا فإن الوالدين والمربين مدعوون إلى استخدام الفكر والروية في معالجة تصرفات الطفل،وإذا علمنا أن الطفل ما زال في مرحلة نموه الجسمي والعقلي،فإن كثرة الضرب قد تؤذي أحد أعضائه .. وأحياناً تؤدي إلى إيذاء نفسي وفكري ،أي:يمكن القول إن الضرب للتأديب كالملح يوضع بشكل قليل،فيغير من طعم
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 577)(27224) صحيح
(2) - الآداب الشرعية - (2 / 61) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 4773) -رقم الفتوى 24777 حكم ضرب الأطفال(1/41)
الطعام،ويحسنه،فكذلك،الضرب القليل المفيد المثمر هو المطلوب في العملية التربوية،لأن الهدف كما ذكرنا أن الضرب ضرورة تربوية،وليست انتقامية،أو لتفريغ شحنة غضب الوالدين أو المربين .
ولا ننسى أن كثرة الضرب واستخدامه تقلل من هيبته،وتفقده مفعوله،بالإضافة لما يولده من آثار سلبية في النمو النفسي والفكري للطفل .
القاعدة الثانية:أقصى الضربات للتأديب ثلاثة،وللقصاص عشرة :
إن أقصى عدد الضربات لا يتجاوز في أي حال من الأحوال في العملية التربوية عن عشر ضربات،فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ،إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى. (1)
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ،إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. (2)
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشْرِ ضَرَبَاتٍ إِلاَّ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ » . (3)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 438)(15832) 15926- وصحيح البخارى- المكنز - (6848 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 439)(15835) 15929- صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6849)(1/42)
وينبغي التنبه إلى أنه لا يجوز للمعلم أن يقسوَ في ضربه ولا أن يزيد على عشرة أسواط إلا أن يتعدى الطالب على شرع الله،أما فيما يتعلق بدراسته وتحضيره لها:فلا ينبغي له أن يزيد على ذلك القدر . (1)
وقال ابن القيم:" إِنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ،بَلْ هُوَ بِحَسَبِ الْجَرِيمَةِ فِي جِنْسِهِ وَصِفَتِهَا وَكِبَرِهَا وَصِغَرِهَا،وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ تَنَوَّعَ تَعْزِيرُهُ فِي الْخَمْرِ:فَتَارَةً بِحَلْقِ الرَّأْسِ،وَتَارَةً بِالنَّفْيِ،وَتَارَةً بِزِيَادَةِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ،وَتَارَةً بِتَحْرِيقِ حَانُوتِ الْخَمَّارِ،وَكَذَلِكَ تَعْزِيرُ الْغَالِّ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِتَحْرِيقِ مَتَاعِهِ،وَتَعْزِيرُ مَانِعِ الصَّدَقَةِ بِأَخْذِهَا وَأَخْذِ شَطْرِ مَالِهِ مَعَهَا،وَتَعْزِيرُ كَاتِمِ الضَّالَّةِ الْمُلْتَقَطَةِ بِإِضْعَافِ الْغُرْمِ عَلَيْهِ،وَكَذَلِكَ عُقُوبَةُ سَارِقِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ يُضَعِّفُ عَلَيْهِ الْغُرْمَ،وَكَذَلِكَ قَاتِلُ الذِّمِّيِّ عَمْدًا أَضْعَفَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ دِيَتَهُ،وَذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
فَإِنْ قِيلَ:فَمَا تَصْنَعُونَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - :{ لَا يُضْرَبُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ } .
قِيلَ:نَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا،فَإِنَّ الْحَدَّ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ أَعَمُّ مِنْهُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ ؛فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالْحُدُودِ عُقُوبَاتِ الْجِنَايَاتِ الْمُقَدَّرَةِ بِالشَّرْعِ
__________
(1) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 4949)(1/43)
خَاصَّةً،وَالْحَدُّ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ؟ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ تَارَةً وَيُرَادُ بِهِ نَفْسَ الْجِنَايَةِ تَارَةً،كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } وَقَوْلُهُ:{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } فَالْأَوَّلُ حُدُودُ الْحَرَامِ،وَالثَّانِي حُدُودُ الْحَلَالِ .
وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :{ إنَّ اللَّهَ حَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا } وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَالسُّورَانُ حُدُودُ اللَّهِ،وَيُرَادُ بِهِ تَارَةً جِنْسُ الْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً،فَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - :{ لَا يُضْرَبُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ } يُرِيدُ بِهِ الْجِنَايَةَ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لِلَّهِ .فَإِنْ قِيلَ:فَأَيْنَ تَكُونُ الْعَشَرَةُ فَمَا دُونَهَا إذْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ الْجِنَايَةُ ؟ .قِيلَ:فِي ضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَعَبْدَهُ وَوَلَدَهُ وَأَجِيرَهُ،لِلتَّأْدِيبِ وَنَحْوَهُ،فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ ؛فَهَذَا أَحْسَنُ مَا خُرِّجَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ،وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ " (1)
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ،قَالَ:كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَكْتُبُ إِلَى الْأَمْصَارِ:لَا يَقْرِنُ الْمُعَلِّمُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهَا مَخَافَةٌ لِلْغُلَامِ " (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّهُ " كَانَ يَضْرِبُ بَنِيهِ عَلَى اللَّحْنِ " (3)
__________
(1) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (2 / 87)
(2) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (348 ) حسن -المصر : البلد أو القرية - قرن : جَمَعَ أو وَصَلَ
(3) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (331 ) صحيح(1/44)
فإذا حدد الحديث عدم جواز زيادة الضرب علي عشر إلا في ثبوت حدٍّ من حدود الله تعالى،ولما كان الطفل لم يدخل سن الاحتلام والتكليف،فإن معاصيه يعزَّر فيها ويؤدب .
فاتضح لدينا أن تأديب الطفل يكون بثلاث ضريات وأقل،والقصاص أكثر من الثلاث إلى العشر،وما فوق العشر ففي الحدود .
وجهل المربي والوالدين بكيفية الضرب،وماصفات أداته،ومكان الضرب،وطريقة الضرب يجعل منه وسيلة للتشفي،والانتقام،لا للتربية والتقويم،والبناء،لهذا نحن بحاجة إلى هذه المواصفات.
القاعدة الثالثة:الالتزام بمواصفات أداة الضرب وطريقته ومكانه :
إن الالتزام بمواصفات أداة الضرب،ومكانه،وطريقته،يجعل منه ضابطاً لحماقة بعض الوالدين والمربين،ويعضهم في مواجهة الجقيقة مع أنفسهم عندما لا يلتزمون بها،فإن هذا يعني منهم الانتقام لا التربية،والغضب لا الرحمة،وسنتعرف إلى هذه المواصفات من خلال معرفة مواصفات إقامة حد من حدود الله .
وبالتالي فإن عملية التأديب والتربية تكون أخف بكثير من مواصفات إقامة الحد الشرعي .(1/45)
ويمكن القول إن كثيراً من الآباء والمربين يقومون بضرب الأطفال بشكل أعنف،وأقسى من إقامة حد من حدود الله،لهذا وجبت علينا المعرفة والبيان،لنرى أين نحن من تربية الإسلام الرفيعة .
أولا- مواصفات أداة الضرب( السوط أو العصا):
يقول العلامة أبو الأعلى المودودي رحمه الله في نوعية السوط في حد الزنى " أو إشارة عن كيفية ضرب السوط تتضمنها حكمة ( فاجلدوا ) من آية القرآن نفسه،فإن الجلد مأخوذ من الجِلد،وهو ظهر البشرة من جسد الإنسان،ومن ثم قد اتفق أصحاب المعاجم وعلماء التفسير على أن الضرب بالسوط ينبغي أن يصيب الجلد فقط،ولا يعدوه إلى اللحم ،فكل ضرب يقطع اللحم،أو ينزع الجلد،ويجرح اللحم مخالف لحكم القرآن الكريم .
ويجب ألا يكون كل سوط أو عصا يستعمل للضرب شديداً جدا،ولا رقيقاً ليناً جدا،بل يجب أن يكون بين اللين والشدة والغلظة والدقة ،فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ:أَنَّ رَجُلاً اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَوْطٍ فَأُتِىَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ :« فَوْقَ هَذَا ». فَأُتِىَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ :« بَيْنَ هَذَيْنِ ». فَأُتِىَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ فَلاَنَ فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ ثُمَّ قَالَ :« أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَةِ(1/46)
شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ » (1) . ...
وعَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ قَالَ:أُتِىَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - بِرَجُلٍ فِى حَدٍّ فَأُتِىَ بِسَوْطٍ فِيهِ شِدَّةٌ فَقَالَ:أُرِيدُ أَلْيَنَ مِنْ هَذَا ثُمَّ أُتِىَ بِسَوْطٍ فِيهِ لِينٌ فَقَالَ:أُرِيدُ أَشَدَّ مِنْ هَذَا. فَأُتِىَ بِسَوْطٍ بَيْنَ السَّوْطَيْنِ فَقَالَ:اضْرِبْ وَلاَ يُرَى إِبْطُكَ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ (2) . وكذلك لا يجوز أن يستعمل في الضرب سوط فيه العقد،أو له فرعان،أو ثلاثة فروع " (3) ...
ثانياً - مواصفات طريقة الضرب :
" يجب أن يكون الضرب بين الضربين،وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله يقول للضارب :"اضْرِبْ وَلاَ يُرَى إِبْطُكَ " أي:لا
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (8 / 326) (18029) صحيح مرسل
قَالَ الشَّافِعِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ هُوَ نَفْسُهُ حُجَّةٌ وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا مَنْ يَعْرِفُهُ وَيَقُولُ بِهِ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ. ...
القاذورة : كل فعل أو قول قبيح يُستقذر بين الناس.
من يبد لنا صفحة وجهه : أي من يظهر لنا فعله الذي يخفيه ، كأن وجهه قد غطاه ، فكشفه فرأيناه.
لم تقطع ثمرته : ثمرة السوط : عذبته ، أراد أنه جديد فيه قوة وجفاء ، لأنه لم يستعمل.
(2) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (8 / 326) (18030) صحيح
(3) - تفسير سورة النور للمودودي (ص : 73)(1/47)
تضرب ضرباً بكل قوة يدك،والفقهاء متفقون على أن الضرب لا ينبغي أن يكون مبرحا،أي موجعاً " (1)
ولخص الشيخ الفقيه ( شمس الدين الإنباني) طريقة ضرب تأديب الطفل في كتابه:" رسالة رياضة الصبيان " فقال في كيفية ضرب الصبي :
1- أن يكون مفرقاً لا مجموعاً في محل واحد.
2- أن يكون بين الضربتين زمن يخف به ألم الأول .
3-ألا يرفع الضارب ذراعه لينقل السوط لأعضده حتى يرى بياض إبطه،فلا يرفعه لئلا يعظم ألمه " (2)
فأنت تلاحظ أن هذه الضوابط لكي يؤتي الضرب ثمراته التربوية في التأديب،والتهذيب،فيتقدم الطفل نحو الأحسن لا الأسوأ،ونحو الأعلى لا الأسفل،ونحو الكمال لا النقصان،ونحو القمة الأخلاقية والسلوكية لا الحضيض.
ثالثاً- مواصفات مكان الضرب :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُجْلَدُ الصَّحِيحُ الْقَوِيُّ فِي الْحُدُودِ،بِسَوْطٍ مُعْتَدِلٍ،لَيْسَ رَطْبًا،وَلاَ شَدِيدَ الْيُبُوسَةِ،وَلاَ خَفِيفًا لاَ يُؤْلِمُ،وَلاَ غَلِيظًا
__________
(1) - التربية في الإسلام ( ص :135)
(2) - منهج تربية الطفل ص 198(1/48)
يَجْرَحُ.وَلاَ يَرْفَعُ الضَّارِبُ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ بِحَيْثُ يَبْدُو بَيَاضُ إِبِطِهِ،وَيَتَّقِي الْمَقَاتِل،وَيُفَرِّقُ الْجَلَدَاتِ عَلَى بَدَنِهِ (1)
واتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُضْرَبُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْمَذَاكِيرِ وَالْمَقَاتِل ،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ،فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ.. (2)
وعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ:أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ،أَوْ فِي حَدٍّ،فَقَالَ:اضْرِبْ،وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ،وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ. (3)
ثُمَّ إِنَّ الْوَجْهَ أَشْرَفُ أَعْضَاءِ الإِْنْسَانِ وَمَعْدِنُ جَمَالِهِ فَلاَ بُدَّ مِنْ تَجَنُّبِهِ خَوْفًا مِنْ تَجْرِيحِهِ وَتَقْبِيحِهِ .
وَأَمَّا عَدَمُ ضَرْبِ الْمَقَاتِل فَلأَِنَّ فِي ضَرْبِهَا خَطَرًا ؛وَلأَِنَّهَا مَوَاضِعُ يُسْرِعُ الْقَتْل إِلَى صَاحِبِهَا بِالضَّرْبِ عَلَيْهَا،وَالْقَصْدُ مِنَ الْحَدِّ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ لاَ الْقَتْل . (4)
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (15 / 247) وابن عابدين 3 / 147 - 178 ، والزرقاني 8 / 114 ، وروضة الطالبين 10 / 172 ، والمغني 8 / 313 - 315 .
(2) - صحيح ابن حبان - (12 / 420)(5605) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : يُرِيدُ بِهِ صُورَةَ الْمَضْرُوبِ ، لأَنَّ الضَّارِبَ إِذَا ضَرَبَ وَجْهَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ضَرَبَ وَجْهًا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ.
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 502) (29268) حسن
(4) - فتح القدير 4 / 126 - 127 ، وتبين الحقائق 3 / 198 ، والدسوقي 4 / 354 ، ومغني المحتاج 4 / 190 ، والمغني 8 / 317 ، وعون المعبود 12 / 200 .(1/49)
وَقَدْ أَلْحَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الرَّأْسَ بِالْوَجْهِ بِالْمَعْنَى،وَاعْتَبَرُوهُ مِنَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فِي الضَّرْبِ،لأَِنَّهُ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ،وَبِعَدَمِ ضَرْبِهِ جَزَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَالْبُويطِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ .
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الرَّأْسَ لاَ يُسْتَثْنَى مِنَ الضَّرْبِ ؛لأَِنَّهُ مُعَظَّمٌ ( أَيْ يُحْوَى بِالْعَظْمِ ) وَمَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ فَلاَ يُخَافُ تَشْوِيهُهُ،بِخِلاَفِ الْوَجْهِ،لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْقَاسِمِ ؛أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ،فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:اضْرِبْ الرَّأْسَ،فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ (1) .
وَلاَ شَكَّ أَنَّ هَذَا ( أَيْ مَنْعَ ضَرْبِ الْوَجْهِ ) لَيْسَ مُرَادًا عَلَى الإِْطْلاَقِ لأَِنَّا نَقْطَعُ أَنَّهُ فِي حَال قِيَامِ الْحَرْبِ مَعَ الْكُفَّارِ لَوْ تَوَجَّهَ لأَِحَدٍ ضَرْبُ وَجْهِ مَنْ يُبَارِزُهُ وَهُوَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَال الْحَمَلَةِ لاَ يَكُفُّ عَنْهُ،إِذْ قَدْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقْتُلُهُ،فَلَيْسَ الْمُرَادُ إِلاَّ مَنْ يُضْرَبُ صَبْرًا فِي حَدٍّ (2) .
وَقَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِاتِّقَاءِ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ أَيْضًا (3) .
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 608) (29641) حسن مرسل
(2) - فتح القدير 4 / 127 .
(3) - فتح القدير 4 / 127 ، والإقناع 4 / 246 .(1/50)
وَلاَ يُلْقَى الْمَجْلُودُ عَلَى وَجْهِهِ،وَلاَ يُمَدُّ،وَلاَ يُجَرَّدُ عَنِ الثِّيَابِ،وَلاَ يُتْرَكُ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ الأَْلَمَ مِنْ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَفَرْوَةٍ،وَيُجْلَدُ الرَّجُل قَائِمًا،وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً عِنْدَ الأَْئِمَّةِ:أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (1) .
وعَنْ عَامِرٍ ؛قَالَ:النِّسَاءُ لاَ يُجَرَّدْنَ،وَلاَ يُمْدَّدْنَ،يُضْرَبْنَ ضَرْبًا دُونَ ضَرْبٍ،وَسَوْطًا دُونَ سَوْطٍ،وَتُتَّقَى وُجُوهُهُنَّ. (2)
وعَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عَزَّةَ،قَالَ:شَهِدْتُ الشَّعْبِيَّ وَنَهَى عَنْ ضَرْبَ رَأْسِ رَجُلٍ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ،وَهُوَ يُجْلَدُ. (3)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الجصاص :" اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى تَرْكِ ضَرْبِ الْوَجْهِ وَالْفَرْجِ .
وَإِذَا لَمْ يَضْرِبِ الْوَجْهَ فَالرَّأْسُ مِثْلُهُ ؛لِأَنَّ الشَّيْنَ الَّذِي يَلْحَقُ الرَّأْسَ بِتَأْثِيرِ الضَّرْبِ كَاَلَّذِي يَلْحَقُ الْوَجْهَ،وَإِنَّمَا أَمَرَ بِاجْتِنَابِ الْوَجْهِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَلِئَلَّا يَلْحَقَهُ أَثَرٌ يَشِينُهُ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ . (4)
__________
(1) - ابن عابدين 3 / 147 ، والزرقاني 8 / 114 ، والروضة 10 / 172 ، والمغني 8 / 313 - 315 .
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 608) (29640) صحيح لغيره
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 609)(29642) صحيح
(4) - أحكام القرآن للجصاص - (8 / 18)(1/51)
ويفضل سحنون الضرب على الرجلين،كما نقل القابسي عنه في رسالته" أحوال المتعلمين،وأحكام المعلمين والمتعلمين " فيقول:" وليجتنب أن يضرب رأس الصبي أو جهه،فإن سحنون قال فيه:لا يجوز له أن يضربه،وضرر الضرب فيهما بيِّنٌ قد يوهن الدماغ،أو تطرف العين ـ أو يؤثر أثراً قبيحاً،فليجتنبا،فالضرب في الرجلين آمن،وأحمل للألم في سلامة " (1)
ويضيف (شمس الدين الإنباني) فيقول:" وأن يكون في غير وجه ومقتل"
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْلَةَ،قَالَ:كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَعْدٍ يُؤَدِّبُ الْوَلِيدَ وَسُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ:" يَا سُلَيْمَانُ لَا تَضْرِبْ وُجُوهَ بَنِيَّ " وَكَانَ فِي خُلُقِ سُلَيْمَانَ شِدَّةٌ " (2)
وعَنْ مَرْوَانَ بْنِ شُجَاعٍ،قَالَ:كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ يُؤَدِّبُ وَلَدَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ يَوْمًا وَقَدْ حَمَلَ جَارِيَةً عَلَى ظَهْرِ غُلَامٍ وَهُوَ يَضْرِبُهَا فَقَالَ لَهُ:مَهْ يَا إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الْجَوَارِيَ لَا يُضْرَبْنَ عَلَى أَعْجَازِهِنَّ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْقَدَمِ وَالْكَفِّ (3)
__________
(1) - التربية في الإسلام ( ص 270)
(2) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(343 ) صحيح - الشدة : التعب والإرهاق والضيق والعسر
(3) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (344 ) فيه انقطاع
جارية : المراد : أنثى -مه : كلمة زجر بمعنى كف واسكت وانته - العجز : مؤخرة الإنسان(1/52)
ومن خلال ما تقدم نجد أن أفضل مكان للتأثير:الدين والرجلين .
القاعدة الرابعة:لا ضرب مع الغضب :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصِنِى.قَالَ « لاَ تَغْضَبْ ».فَرَدَّدَ مِرَارًا،قَالَ « لاَ تَغْضَبْ » . (1)
وإن علامة الغضب بذاءة اللسان في السب،والشتم،وتقبيح الطفل،ولهذا أوصى القابسي برسالته المذكورة بالابتعاد عن ذلك،فقال عندما يكثر خطأ الطفل " ولم يغن فيه العذل،والتقريع بالكلام الذي فيه القواعد من غير شتم،ولا سب لعرض ،كقول من لا يعرف لأطفال المؤمنين حقا: فيقول:يا مسخ،يا قرد!،فاستغفر الله منها،ولتنته عن معاودتها،وإنما تجري الألفاظ القبيحة من لسان من تمكن الغضب من نفسه،وليس هذا مكان الغضب،وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقضي القاضي وهو غضبان ،فعن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قال،حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي بَكَرَةَ،أَنَّ أَبَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ابْنٍ لَهُ،وَكَانَ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6116 )(1/53)
قَاضِيًا بِسِجِسْتَانَ:أَمَّا بَعْدُ،فَلاَ تَحْكُمَنَّ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:لاَ يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ (1) .
وينبغي لمعلم الأطفال أن يراعي منهم،حتى يخلص أدبهم لمنافعهم،وليس لمعلمهم في ذلك شفاء من غضبه،ولا شبء يريح قلبه من غيظه،فإن ذلك إنْ أصابه ،فإنما يضرب أولاد المسلمين لراحة نفسه،وليس هذا من العدل " (2)
القاعدة الخامسة:ارفع يدك عن الضرب إذا ذكر الطفل الله تعالى:
بسم اللَّه الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. اللَّه جل ثناؤه،وتقدست أسماؤه؛ينبغي على عباده إذا ذُكر اسم اللَّه عندهم أن يخشعوا ويهجعوا،ويستحيوا ويرجعوا،فإذا ضُرب الطفل فاستغاث باللَّه،فينبغي لمؤدبه ومربيه أن يستجيب،وأن يوقف الضرب؛تقديسًا لاسم اللَّه وتعظيمًا لشأنه جل وعلا،ورحمةً بالطفل،فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 841)(20467) 20741- وصحيح مسلم- المكنز - (4587 )
فيه أنه يحرم على القاضي أن يحكم بين الخصمين وهو غضبان. قال في [العدة شرح العمدة]: لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ذلك.تيسير العلام شرح عمدة الحكام- للبسام - (2 / 191)
(2) - التربية في الإسلام (ص : 270)(1/54)
فَأَعِيذُوهُ،وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ،وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ،وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ،فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا اللَّهَ لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ (1) .
قال المباركفوري: قال الطيبي: هذا إذا كان الضرب لتأديبه،وأما إذا كان حدًا فلا،وكذا إذا استغاث مكرًا. انتهى (2)
وفي هذا لفتة رائعة،فإن هذا الطفل وصل إلى قناعة بخطئه،وسيصلحه،أو وصل إلى مرحلة الألم التي لم يعد يتحملها،أو وصل إلى مرحلة الانهيار النفسي،أو الخوف الشديد .
وإن الاستمرار في الضرب وحالة الطفل هذه تعدُّ جريمة في حق تربية الطفل،وهو دليل على حب الانتقام والتشفي من هذا الطفل المسكين،الذي وقع في الظلم،وأحضان الوالد الظالم .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ. (3)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (8 / 199) (3408) صحيح
(2) - تحفة الأحوذي (ج 6، ص 68).
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (2077 ) والفوائد لتمام 414 - (1 / 386)(686) ضعيف
وفيه أبو هارون العبدي عمارة بن جوين ، قال ابن عدي: له أحاديث صالحة عن أبي سعيد الخدري وغيره وقد حدث عنه عبد الله بن عون بغير حديث ، والحمادان وهشيم وشريك وعبد الوارث والثوري وغيرهم من ثقات الناس ، وقد حدث أبوهارون عن أبي سعيد بحديث المعراج بطوله، وقد حدث عنه الثوري بحديث المعراج ، ولم يذكر عنه شيئا من التشيع والغلو فيه ، وقد كتب الناس حديثه ا هـ 5/79(1/55)
ولا عبرة بقول أهل الجدل أن الطفل سيتخذها حيلة ومخرجًا من العقوبة في كل مرة. لأن البركة والتوفيق والهداية كلها في طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ،قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (54) سورة النور.
ولما فيه من تعظيم الله تعالى في نفس الطفل،وهو كذلك علاج للضارب من أن حالته الغضبية كبيرة جدا ن مما استدعى من الطفل ذكر الله تعالى،والاستغاثة به .
وصحيح أنه يمكن أن يحتال بذلك بعض الأطفال،لكن مَن الذي أوْصلهم إلى هذه الدرجة واضطرهم إلى الدهاء والمكر؟ فلا بد من التراجع من المربِّي،ومراجعة الأخطاء،والانطلاق من قاعدة شرعية تربوية علمية صحيحة؛حتى لا يحدث التعارض والتصادم في الجانب التربوي.
ـــــــــــــ(1/56)
الباب الثاني
قضايا هامة حول تأديب الأطفال
المبحث الأول-الخلاصة في عقوبة الأطفال
المبحث الثاني-مضار القسوة في الضرب
المبحث الثالث-تضمين المعلم إذا تجاوز الحدَّ في العقوبة(1/57)
المبحث الأول
الخلاصة في عقوبة الأطفال
العقوبة في مفهوم التربية الإسلامية عقوبة هادفة وموجهه فليس المقصود منها الانتقام من المخطئ أو إلحاق الضرر به أو إقامة الحد عليه ،كما أنها ليست هي الوسيلة الوحيدة في تقويم اعوجاج الأبناء.. العقوبة وسيلة واحدة من وسائل التربية الإسلامية المتعددة وهي تستهدف خير الأبناء وصلاحهم وتكون مشفوعة بالرحمة والشفقة ومنضبطة بضوابط مشروعة لا تنفصل عنها وهي في حالة التطبيق تأخذ شكل التدرج والبدء بالعقوبة الأخف فالأشد. ومن هذه العقوبات:
1- النصح والإرشاد والتنبيه:
وقد مارس الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الأسلوب تجاه أحد الأبناء المخالفين فقد رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - غلاما تطيش يده في الطعام فقال له يعلمه طريقة الأكل: فعن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى(1/58)
الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ،وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ».فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ . (1)
2- الإعراض:
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْكَذِبِ،وَمَا اطَّلَعَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَيَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ تَوْبَةً. (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْكَذِبِ،وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَهُ الْكَذْبَةَ فَمَا تَزَالُ فِي نَفْسِهِ،حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً. (3)
3- التعبيس:
قد يفيد بعض النفوس فيردعها عن أخطائها. فعن عَبْدِ اللَّهِ بِن مَسْعُودٍ:"لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلا مِنَ الْجِنِّ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ الإنْسِيُّ،فَقَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ: عَاوِدْنِي،فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ،فَقَالَ لَهُ الإنْسِيُّ: إِنِّي لأَرَاكَ ضَئِيلا شَحِيبًا كَانَ ذُرَيِّعَتَيْكَ ذُرَيِّعَتَا كَلْبٍ،فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْجِنِّ أَوْ أَنْتَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ،قَالَ: لا وَاللَّهِ إِنِّي مِنْهُمْ لَضَلِيعٌ،وَلَكِنْ عَاوِدْنِي الثَّالِثَةَ فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلَّمْتُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ فَعَاوَدَهُ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5376 )
(2) - كشف الأستار - (1 / 108)(193) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (13 / 45) (5736) صحيح(1/59)
فَصَرَعَهُ،قَالَ: هَاتِ عَلِّمْنِي،قَالَ: هَلْ تَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ،قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَهَا فِي بَيْتٍ إِلا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ لَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ لا يَدْخُلُهُ حَتَّى يُصْبِحَ"،قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ،مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: فَعَبَسَ عَبْدُ اللَّهِ،وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ،وَقَالَ: مَنْ يَكُونُ هُوَ إِلا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. (1)
4- الزجر:
ومثاله زجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي رضي الله عنهما فعَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِى فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ». (رواه مسلم) (2) .
5- الكف عن العمل:
فقد طلب الرسول المربي - صلى الله عليه وسلم - من الشخص الذي تجشأ في حضرته أن يدع ذلك،فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِى الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ » (3) .
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 80) (8738 ) حسن لغيره
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2522 )
كِخْ كِخْ : زجر للصبيان ، وردع عما يلابسونه من الأفعال.
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (2666 ) حسن
تجشأ : خرج من فمه ريح مع صوت من الشبع(1/60)
وعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَكَلْتُ ثَرِيدَ بُرٍّ وَلَحْمًا،فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأَنَا أَتَجَشَّأُ فَقَالَ: " اكْفُفْ أَوِ احْبِسْ عَنَّا مِنْ جُشَائِكَ يَا أَبَا جُحَيْفَةَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا،أَطْوَلُكُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالَ: فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ،حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا،كَانَ إِذَا تَعَشَّى،لَمْ يَتَغَدَّ،وَإِذَا تَغَدَّ لَمْ يَتَعَشَّ (1) .
6- الهجر:
إذا احتاج إليه المربي كأن يترك الولد الصلاة أو تصدر منه بعض الكلمات المخلة بالآداب،فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ،فَنَهَاهُ،وَقَالَ:إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - :نَهَى عَنِ الْخَذْفِ وَقَالَ:إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا،وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا،وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ،وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ قَالَ:فَعَادَ،فَقَالَ:أُحَدِّثُكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهُ،ثُمَّ عُدْتَ،لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:دَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ:مَا يُبْكِيكِ ؟ لَعَلَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَكِ ؟ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَكِ وَرَاجَعَكِ مِنْ أَجْلِي وَاللَّهِ لئِنْ طَلَّقَكِ لا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا " (3)
__________
(1) - شعب الإيمان - (7 / 443) (5256 ) حسن لغيره
(2) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (4 / 378) (3226) صحيح
(3) - الآحاد والمثاني - (5 / 221)(3051) وصحيح مسلم- المكنز - (5165 )(1/61)
وعَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَهُوَ يُؤَذِّنُ فَقَالَ يَا أَبَا مَرْيَمَ أَتُؤَذِّنُ إِنِّى لأَرْغَبُ بِكَ عَنِ الأَذَانِ. فَقَالَ زِرٌّ أَتَرْغَبُ عَنِ الأَذَانِ وَاللَّهِ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. (1)
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ:حَدَّثَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلاً بِحَدِيثٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَجُلٌ:قَالَ فُلاَنٌ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ:أُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ قَالَ فُلاَنٌ؟ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. (2)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جِبْرِيلٍ،مَوْلَى أَبِي لُبَابَةَ،وَيَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ،عَنِ ابْنَتَهِ لُبَابَةَ،قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا صَاحَبْتَهُ،فَكَانَ يَقُولُ: شُدِّي وَثَاقَ عَدُوِّ اللهِ الَّذِي خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ،فَمَرَّ بِهِ أَبُو رِفَاعَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَنَادَاهُ: يَا أَخِي،هَلُمَّ أُكَلِّمْكَ ؟ فَقَالَ: لَا وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا حَتَّى يَرْضَى الله عَنْكَ وَرَسُولُهُ،فَسَأَلَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالُوا: هُوَ فِي الْمَسْجِدِ،وَأَخْبَرُوهُ بِخَبَرِهِ،فَقَالَ: " لَوْ جَاءَنِي لَكَانَ لِي فِيهِ أَمْرٌ " فَنَزَلَتْ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ } [الأنفال: 27] الْآيَةُ،وَنَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُخْرَى فِيهِ: { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ } [التوبة: 106] " (3)
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3674 ) صحيح
(2) - سنن الدارمى- المكنز - (449) حسن
(3) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (6 / 3438) (7828 ) فيه ضعف(1/62)
وقال النووي رحمه الله:"فِيهِ:هِجْرَان أَهْل الْبِدَع وَالْفُسُوق وَمُنَابِذِي السُّنَّة مَعَ الْعِلْم.وَأَنَّهُ يَجُوز هِجْرَانه دَائِمًا،وَالنَّهْي عَنْ الْهِجْرَان فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هَجَرَ لِحَظّ نَفْسه وَمَعَايِش الدُّنْيَا،وَأَمَّا أَهْل الْبِدَع وَنَحْوهمْ فَهِجْرَانهمْ دَائِمًا،وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُؤَيِّدهُ مَعَ نَظَائِر لَهُ كَحَدِيثِ كَعْب بْن مَالِك وَغَيْره " (1)
7- التوبيخ :
وهو عبارة عن شدة في القول يفعله المربي لمن لا يقبل النصح. فعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَنَّهُ خَرَجَ فِى جَنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا خُرُوجًا عَلَى دَوَابِّهِمْ رُكْبَانًا فَقَالَ لَهُمْ ثَوْبَانُ:أَلاَ تَسْتَحْيُونَ،مَلاَئِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ رُكْبَانٌ." (2)
وعَنْ ثَوْبَانَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ فِي جَنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا عَلَى الدَّوَابِّ فَقَالَ أَلاَ تَسْتَحْيُونَ ؟ مَلاَئِكَةُ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ رُكُوبٌ عَلَى ظُهُوَرِ الدَّوَابِّ. (3)
وعن عَوْنَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ،أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ،" لَمَّا رَأَى مَا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْغَوْطَةِ مِنَ الْبُنْيَانِ وَنَصْبِ الشَّجَرِ،قَامَ فِي مَسْجِدِهِمْ فَنَادَى:يَا أَهْلَ دِمَشْقَ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:أَلَا
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (6 / 444)
(2) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (4 / 23)(7103) فيه ضعف
(3) - مسند الشاميين 360 - (1 / 273)(476) حسن(1/63)
تَسْتَحْيُونَ ؟ أَلَا تَسْتَحْيُونَ ؟،تَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ،وَتَبْنُونَ مَا لَا تَسْكُنُونَ،وَتَأْمَلُونَ مَا لَا تُدْرِكُونَ،قَدْ كَانَتْ قَبْلَكُمْ قُرُونٌ يَجْمَعُونَ فَيُوعُونَ وَيَبْنُونَ فَيُوثِقُونَ وَيَأَمِّلُونَ فَيُطِيلُونَ فَأَصْبَحَ أَمَلُهُمْ غُرُورًا وَأَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُورًا وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ قُبُورًا،أَلَا إِنَّ عَادًا مَلَكَتْ بَيْنَ عَدْنَ وَعُمَانَ خَيْلًا وَرِكَابًا،مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي مِيرَاثَ عَادٍ بِدِرْهَمَيْنِ ؟ " (1)
وعَنْ عَلِيٍّ قال:أَمَا تَغَارُونَ أَنْ تَخْرُجَ نِسَاؤُكُمْ ؟ وَقَالَ هَنَّادٌ فِي حَدِيثِهِ:أَلاَ تَسْتَحْيُونَ،أَوْ تَغَارُونَ ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَكُمْ يَخْرُجْنَ فِي الأَسْوَاقِ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ. (2)
8- تعليق العصا أو السوط:
يستحب للمربي أباً كان أو مدرسا أن يعلق السوط على الجدار ليراه الأولاد فينزجروا ،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ،فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ (3) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :عَلِّقْ سَوْطَكَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُكَ. (4)
__________
(1) - تَفْسِيرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (14786) وشعب الإيمان - (13 / 237)(10255 ) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 377)(1118) حسن
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 153) (10523 ) صحيح لغيره
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 153) (10524 ) صحيح لغيره(1/64)
فالضرب وسيلة لاستقامة الولد،لا أنه مرادٌ لذاته،بل يصار إليه حال عنت الولد وعصيانه.
والشرع جعل نظام العقوبة في الإسلام وذلك في الإسلام كثير كحد الزاني والسارق والقاذف وغير ذلك،وكلها شرعت لاستقامة حال الناس وكف شرهم .
فتربية الأولاد تكون ما بين الترغيب والترهيب،وأهم ذلك كله إصلاح البيئة التي يعيش بها الأولاد بتوفير أسباب الهداية لهم وذلك بالتزام المربيين المسؤولين وهما الأبوان . (1)
ولتنويع هذه الأساليب في العقوبة حكمة تتناسب مع اختلاف النفوس وتنوعها فنفس ينفع معها النصح ولا يجدي معها الزجر وأخرى يردعها الزجر ولا تقبل الهجر ونفس لا تنصاع للحق وترعوي عن الشر إلا بالتخويف والترهيب والضرب.. وهكذا الناس مشارب مختلفة.. وكل ميسر لما خلق له.
ــــــــــــ
__________
(1) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 13) وفيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (9 / 392)(1/65)
المبحث الثاني
مضار القسوة في الضرب
إن الغرض من العقوبة في التربية الإسلامية إنما هو الإرشاد والإصلاح،لا الانتقام والتشفِّي. ولهذا ينبغي أن يراعَي طبيعة الطفل ومزاجه قبل الإقدام على معاقبته،ويُشجع على أن يشترك بنفسه في تفَهُّم وإصلاح الخطأ الذي أخطأه،وتُغفر أخطاؤه وهفواته بعد إصلاحها.
يذكر ابن خلدون رحمه اللَّه في مقدمته ما يفيد أنه ضد استعمال الشدة والقسوة في تربية الأطفال،يقول: "مَن كان مُربَّاه (أي تربيته) بالعسف والقهر من المتعلمين والمماليك أو الخدم؛سطا (أي سيطر) به القهر،وضيق القهر على النفس في انبساطها،وذهب بنشاطها،ودعاه إلى الكسل،وحمله على الكذب والخُبْث خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه،وعلَّمه القهر المكر والخديعة،فصارت له هذه عادةً وخُلُقًا،وفسدت معاني الإنسانية التي له". اهـ (1) .
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (5 / 5121) وأطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلي الله عليه وسلم - (1 / 4) ونضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - (1 / 168) ومقدمة ابن خلدون - (1 / 347) الفصل الأربعون -في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم(1/66)
كما يجب ألا يمس نوع العقوبة كرامة الطفل،وألا يكون فيها إهانة له،كأن يُضرب أمام الناس،أو يُعلن عندهم أنه سرق أو نحو هذا،فإن للطفل شخصية يجب أن تُراعى،وكرامة يجب أن تُصان. كثيرًا ما أخطأ المربون الغرض من العقوبة فضلوا السبيل،وظنوا مخلصين أن الشدة على البنين والبنات؛قد تأتي في ظنهم بخير ما يرجون،وذلك لقلة يقظتهم للحقيقة المؤلمة،فقد أدت الشدة إلى كثير من البلايا التي ولَّدت بعض المشاكل الاجتماعية التي يتألم منها المجتمع الإنساني،فجعلت الطفل كائنًا ميت النفس،ضعيف الإرادة نحيف الجسم،مضطرب الأعصاب خائر العزيمة،قليل النشاط والحيوية. وإن كثرة الضرب وشدته لا تزيد الطفل إلا بلادة وجمودًا،على أن الطفل إذا وجد بجانبه من يبصِّره بالواجب بالحكمة والموعظة الحسنة،ويستميله دائمًا إلى العمل؛لم تكن هناك حاجة إلى هذه العقوبات القاسية،وإذا كان الغرض من العقوبة الإصلاح فالضرب ليس بوسيلة للإصلاح،وإن التفاهم على انفراد يؤدي إلى نتيجة أحسن من نتيجة السوط والعصا،ومن الخطأ أن تهدد الطفل بعقاب لن تقوم بتنفيذه،أو لا يمكنك تنفيذه،فقد يعود الطفل إلى الخطأ؛فتزداد الخطورة والمشكلة). أقول: وإن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك هو أكمل الهَدي،وإن تطيعوه تهتدوا {سورة النور: 54}.)(1/67)
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَىْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَىْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (1)
وهذا شيء لا يفعله إلا أولو العزم وأولو الصبر،فلِكَي يكظم الإنسان غيظه عن ولده أو خادمه أو امرأته،فهذا لا يقدر عليه إلا الأقوياء الأشداء،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ،إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ » (2) .
أما عن قواعد الضرب فهي:
1- ألا يكون قبل سن العاشرة،وهذا في شأن الصلاة التي هي الركن الأعظم بعد الشهادتين،فلا شك أن ما هو دون الصلاة من الأمور الحياتية والسلوكية والتربوية فلا يُضرب الطفل عليها قبل ذلك السن،إلا ضربًا هو أيضًا دون الضرب من أجل الصلاة،من باب التهذيب حتى لا يترك الطفل يميع إلى سن العاشرة ويراعى الاعتدال قدر الإمكان.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6195 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6114 ) - الصرعة :الذي يصرع الناس بقوته.(1/68)
2- أن يقلل منه ما أمكن،بحيث يكون كالملح في الطعام،وهو قليل،لكنه يصلح الطعام،فإذا كثُر أفسد،وكذلك فإن كثرة الضرب تقلل من هيبته ومفعوله،وتعوِّد الطفل عليه ثم على البلادة .
وعليه فإن أقصى الضرب عشر ضربات،وهذا في حق البالغ المكلف؛فما بالنا بمن لم يبلغ سن التكليف؟ لا شك أنه لن يُضرَب إلى العشرة. والضرب هنا يسمى تأديبًا وليس عقوبة.
3- علماء التفسير على أن الضرب بالسوط ينبغي أن يصيب الجلد فقط،ولا يعدوه إلى اللحم،فكل ضرب يقطع اللحم أو ينزع الجلد،أو يجرح اللحم فهو مخالف لحكم القرآن،والمقصود من قوله: "فَاجْلِدُواْ" وهو ظاهر البشرة من جسم الإنسان. (وهو أن يُجلد،أي يُضرب على جلده مائة جلدة عقوبة لما صنع) (1)
وهذا العدد بخصوص البالغين عند إقامة الحد عليهم.
4- ألا يكون السوط غليظًا أو به عُقَد لورود النهي عن ذلك.
5- ألاَّ يرفع الضارب يده رفعًا عاليًا ،والمقصود في هذا ألاَّ يكون الضرب مبرِّحًا أي قويًا وشديدًا؛لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
ويأمر - صلى الله عليه وسلم - بوقف الضرب عن الطفل إذا استغاث باللَّه،كما مر بالحديث ..
__________
(1) - محاسن التأويل للقاسمي ( سورة النور ص 249).(1/69)
وأعود فأقول: إنه لا ينبغي الإكثار من العقوبة لما يترتب على ذلك من الآثار السيئة "فالشدة المستمرة مع الأطفال مضرة بهم جسميًا،وخلقيًا،ووجدانيًا،ولا بد إذًا من الأخذ بالحكمة القائلة: (الوقاية خير من العلاج)،فالمربي الحازم هو الذي يبعد الطفل عن البيئة التي تشجعه على الأخطاء..." (1)
ــــــــــــــ
__________
(1) - كتاب: الأولاد وتربيتهم في ضوء الإسلام ص 164، ينقله عن كتاب: الطفل في الشريعة الإسلامية لمحمد الصالح. وانظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 4773) -رقم الفتوى 24777 حكم ضرب الأطفال وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (5 / 63)(1/70)
المبحث الثالث
تضمين المعلم إذا تجاوز الحدَّ في العقوبة
أولا- جواز الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ :
لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَتَعَلَّمُ عِنْدَهُ لِلتَّأْدِيبِ (1) .
وَبِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ حَقَّ الْمُعَلِّمِ فِي ضَرْبِ الصَّبِيِّ الْمُتَعَلِّمِ بِقُيُودٍ مِنْهَا :
أ - أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا،يَعْلَمُ الْمُعَلَّمُ الأَْمْنَ مِنْهُ،وَيَكُونُ ضَرْبُهُ بِالْيَدِ لاَ بِالْعَصَا،وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ الثَّلاَثَ.
ب - أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ،لأَِنَّ الضَّرْبَ عِنْدَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ،وَإِنَّمَا الضَّرْبُ عِنْدَ سُوءِ الأَْدَبِ،فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيمِ فِي شَيْءٍ،وَتَسْلِيمُ الْوَلِيِّ صَبِيَّهُ إِلَى الْمُعَلِّمِ لِتَعْلِيمِهِ لاَ يُثْبِتُ الإِْذْنَ فِي الضَّرْبِ،فَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ الضَّرْبُ،إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ نَصًّا .وَنُقِل عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلُهُمْ:الإِْجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ بِدُونِ إِذْنِ الْوَلِيِّ (2) .
__________
(1) - مواهب الجليل 2 / 472 ، ومغني المحتاج 4 / 193 نشر دار إحياء التراث العربي ، والمغني لابن قدامة 5 / 537 ط الرياض ، وابن عابدين 5 / 363 .
(2) - المبسوط للسرخسي 16 / 13 ، وابن عابدين 5 / 363 ، وبدائع الصنائع 7 / 305 ، ومغني المحتاج 4 / 193 ، وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية 10 / 23 .(1/71)
ج - أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ يَعْقِل التَّأْدِيبَ،فَلَيْسَ لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ مَنْ لاَ يَعْقِل التَّأْدِيبَ مِنَ الصِّبْيَانِ،قَال الأَْثْرَمُ:سُئِل أَحْمَدُ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ،قَال:عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ،وَيَتَوَقَّى بِجَهْدِهِ الضَّرْبَ وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا لاَ يَعْقِل فَلاَ يَضْرِبُهُ (1) .
ثانيا- ضَمَانُ ضَرْبِ التَّعْلِيمِ :
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُعَلِّمَ إِذَا أَدَّبَ صَبِيَّهُ الأَْدَبَ الْمَشْرُوعَ فَمَاتَ،فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ (2) .
وَبِهَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ.إِلاَّ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ لِنَفْيِ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ قَدْ حَصَل بِإِذْنِ الأَْبِ أَوِ الْوَصِيِّ،فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا،فَإِذَا ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ صَبِيًّا يَتَعَلَّمُ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الأَْبِ أَوِ الْوَصِيِّ ضَمِنَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ،لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الضَّرْبِ،وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ (3) .
__________
(1) - المغني لابن قدامة 5 / 237 ، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 506 ، وغاية المنتهى 3 / 285 .و الموسوعة الفقهية الكويتية - (13 / 13)
(2) - المغني لابن قدامة 5 / 237 ، وغاية المنتهى 3 / 285 ، وجواهر الإكليل 2 / 296 والميزان الكبرى للشعراني 2 / 172 .
(3) - ابن عابدين 5 / 363 ، وبدائع الصنائع 7 / 305 ، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 275 ، والمبسوط للسرخسي 16 / 13 .(1/72)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ:لَوْ مَاتَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ،فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَكَانَ مِثْلُهُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ،لأَِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ ؛إِذِ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لاَ الْهَلاَكُ،فَإِذَا حَصَل بِهِ هَلاَكٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مغني المحتاج 4 / 199 ، ونهاية المحتاج ، وحاشية الشبراملسي 5 / 308 ط الحلبي .و الموسوعة الفقهية الكويتية - (13 / 14)(1/73)
أهم المصادر
1. مسند أحمد (عالم الكتب)
2. مصنف ابن أبي شيبة
3. سنن أبي داود - المكنز -
4. مسند أبي يعلى الموصلي
5. صحيح مسلم- المكنز -
6. شرح معاني الآثار
7. مسند أبي عوانة
8. صحيح ابن حبان
9. السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي
10. سنن النسائي- المكنز -
11. النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا
12. مسند الطيالسي
13. فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة -
14. شرح النووي على مسلم
15. جامع الأصول في أحاديث الرسول
16. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد
17. معرفة الصحابة لأبي نعيم
18. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
19. تحفة الأحوذي
20.(1/74)
حاشية ابن القيم على تهذيب السنن
21. تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ
22. الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ
23. سنن الترمذى- المكنز -
24. معالم السنن للخطابي
25. الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ
26. تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ
27. المعجم الكبير للطبراني
28. المعجم الأوسط للطبراني
29. سلسلة الأحاديث الصحيحة الألباني
30. صحيح الجامع الصغير الألباني
31. عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِابْنِ السُّنِّيِّ
32. الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ
33. الْمُنْتَقَى مِنْ كِتَابِ الطَّبَقَاتِ لِأَبِي عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيِّ
34. الآداب الشرعية لابن مفلح
35. فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة
36. فتاوى الإسلام سؤال وجواب
37. إعلام الموقعين عن رب العالمين
38. السنن الكبرى للبيهقي- المكنز -
39. تفسير سورة النور للمودودي
40. التربية في الإسلام
41.(1/75)
منهج تربية الطفل سويد
42. الموسوعة الفقهية الكويتية
43. أحكام القرآن للجصاص
44. تيسير العلام شرح عمدة الحكام- للبسام -
45. تحفة الأحوذي
46. الفوائد لتمام
47. كشف الأستار
48. شعب الإيمان للبيهقي
49. سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة -
50. الآحاد والمثاني ابن أبي عاصم
51. سنن الدارمى- المكنز -
52. معرفة الصحابة لأبي نعيم
53. مسند الشاميين
54. تَفْسِيرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ
55. فيض القدير،شرح الجامع الصغير
56. نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم
57. مقدمة ابن خلدون
58. محاسن التأويل للقاسمي
59. الأولاد وتربيتهم في ضوء الإسلام
60. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم
61. لمغني لابن قدامة ط الرياض
62.(1/76)
حاشية ابن عابدين
63. المبسوط للسرخسي
64. بدائع الصنائع للكاساني
65. مغني المحتاج للشربيني
66. جواهر الإكليل
67. الميزان الكبرى للشعراني
68. حاشية الطحطاوي على الدر
69. ونهاية المحتاج،وحاشية الشبراملسي ط الحلبي
70. سياسة الصبيان وتدبيرهم - ط الدار التونسية
71. الشاملة 3
72. برنامج قالون(1/77)
الفهرس العام
الباب الأول ... 5
أسلوب تأديب الطفل ... 5
تمهيد : ... 6
الأساس الأول ... 8
التأديب ضرورة تربوية ... 8
الأساس الثاني ... 13
تصحيح خطأ الطفل فكريا ثم عمليًّا ... 13
أولا - التصحيح الفكري لخطأ الطفل: ... 13
ثانيا- التصحيح العملي في الواقع الميداني لخطأ الطفل : ... 29
الأساس الثالث ... 34
التدرج في تأديب الطفل ... 34
المرحلة الأولى - رؤية الطفل للسوط،والخوف منه : ... 34
المرحلة الثانية:شد أذن الطفل: ... 36
المرحلة الثالثة:الضرب وقواعده : ... 39
القاعدة الأولى:ابتداء الضرب من سِنِّ العاشرة : ... 39
القاعدة الثانية:أقصى الضربات للتأديب ثلاثة،وللقصاص عشرة : ... 42(1/78)
القاعدة الثالثة:الالتزام بمواصفات أداة الضرب وطريقته ومكانه : ... 45
أولا- مواصفات أداة الضرب( السوط أو العصا): ... 46
ثانياً - مواصفات طريقة الضرب : ... 47
ثالثاً- مواصفات مكان الضرب : ... 48
القاعدة الرابعة:لا ضرب مع الغضب : ... 53
القاعدة الخامسة:ارفع يدك عن الضرب إذا ذكر الطفل الله تعالى: ... 54
الباب الثاني ... 57
قضايا هامة حول تأديب الأطفال ... 57
المبحث الأول ... 58
الخلاصة في عقوبة الأطفال ... 58
1- النصح والإرشاد والتنبيه: ... 58
2- الإعراض: ... 59
3- التعبيس: ... 59
4- الزجر: ... 60
5- الكف عن العمل: ... 60
6- الهجر: ... 61
7- التوبيخ : ... 63(1/79)
8- تعليق العصا أو السوط: ... 64
المبحث الثاني ... 66
مضار القسوة في الضرب ... 66
المبحث الثالث ... 71
تضمين المعلم إذا تجاوز الحدَّ في العقوبة ... 71
أولا- جواز الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ : ... 71
ثانيا- ضَمَانُ ضَرْبِ التَّعْلِيمِ : ... 72(1/80)