الأخبار المطموسة
في
كتاب
هرمجدون
تقديم
محمد حسَّان
بقلم
مجدي سعد أحمد
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم و بعد....
فلا يستطيع عاقل فضلا عن عالم أن يجزم بوقت محدد معلوم لقيام الساعة.إذ لا يعلم ذلك ملك مقرب و لا نبي مرسل .فهذا من الغيب الذي استأثر به الله جل و علا وحده بعلمه.
قال تعالى:"يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله"[الأحزاب-63] و في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن وقت الساعة فقال:"ما المسئول عنها بأعلم من السائل"إلا أن الله سبحانه و تعالى أطلع نبينا صلى الله عليه و سلم عن أماراتها و على ما يقع إلى قيام الساعة.قال تعالى:"عالم الغيب فلا يُظْهِرُ على غيبه أحدا ، إلا من ارتضى من رسول.."[الجن-27،26].
و قال تعالى "و لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء" [البقرة-255]و في الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:"لقد خطبنا النبي صلى الله عليه و سلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره علمه من علمه و جهله من جهله...".
و في صحيح مسلم من حديث أبي زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنه قال:"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الفجر و صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان و بما هو كائن فأعلمنا أحفظنا"......
و مع هذا فلم يثبت عن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى أنه قد حدد وقتا معلوما لقيام الساعة أو لظهور المهدي أو لنزول عيسى أو لخروج الدجال و غيرها من العلامات التي أخبرنا عنها صلى الله عليه و سلم.
و من ثم فلا ينبغي لأحد على الإطلاق أن يجزم بوقت معلوم أو أن يرجح قولا-لأي أحد- بوقت معلوم!!(1/1)
و الذي أود أن أؤكده للمسلمين جميعا أن أي كلام يُكتب أو يُنشر بين الناس و لو اشتهر لا يستمد مشروعيته إلا من كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم بفهم السلف الصالح.
و أي كلام لا ينضبط بهذه الضوابط و يرتكز على مجرد الآراء الشخصية أو التحليلات السياسية أو السيناريوهات العسكرية أو الضغوط الخارجية و النفسية فمكانه الصحف والمجلات والإذاعات ولا يجوز البتة أن يُقدم للمسلمين على أنه دين غاب على الأوائل أن يفهموه أو أن يصلوا إليه!!
فما هكذا يا سعد تورد الإبل!!
فالتعامل الخاطئ مع النصوص العامة و الخاصة سندا ومتنا وفهما ثم وضعها في غير موضعها و الاستشهاد بها في غير محلها بدون فهم دقيق و وعي عميق للمناطات العامة و الخاصة يوقعنا حتما في المعصية الفاجرة الجائرة ألا و هي القول على الله بغير علم.
يقول ابن القيم في كتابه القيم"إعلام الموقعين 1/70":"فلقد رتب الله المحرمات أربع مراتب و بدأ بأسهلها و هي الفواحش ثم ثنَّى بما هو أشد تحريما منه ألا و هو الإثم و الظلم ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريما منهما و هو الشرك به سبحانه ثم ربَّع بما هو أشد تحريما من ذلك كله و هو القول عليه بغير علم فقال سبحانه:"قل إنما حرَّم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن،و الإثم البغي بغير الحق و أن تشركوا بالله ما لم يُنزل به سلطانا و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون" [الأعراف-33].(1/2)
و يقول أيضا-ابن القيم-(1/80):"و لقد قسَّم الله الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما:إما الاستجابة لله و الرسول و ما جاء به،و إما اتباع الهوى فكل ما لم يأت به الرسول فهو من الهوى.قال تعالى:"فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم و من أظلم ممن اتبع هواه بغير هذى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين" [القصص-50]و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:اتقوا الرأي في دينكم فإن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها و تفلتت منهم أن يعوها و استحيوا حين سئلوا أن يقولوا:لا نعلم فعارضوا السنن برأيهم فإياكم و إياهم.(إعلام الموقعين 1/90).
و بعد هذه المقدمة السريعة أطرح هذه الأسئلة:
هل جاء الرسول صلى الله عليه و سلم بهذا الذي طرحه مؤلف كتابي "عمر أمة الإسلام" و "هرمجدون..آخر بيان يا أمة الإسلام"؟من تحديد صريح و إن أنكر المؤلف ذلك؟!
و هل فهم السلف رضوان الله عليهم من أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم -التي صحَّت-ما حاول المؤلف أن يُفْهِمَه للأمة؟و ما هي الأصول التي اعتمد عليها؟ و ما حكم الاحتجاج بالإسرائيليات؟و ما المراد بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم:"و حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج؟.
و ما حكم الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة و الموضوعة في العقائد؟
و ما حكم الاحتجاج بمخطوطات مجهولة؟
و هل يصح الاستشهاد أو حتى الاستئناس بكلام العرافين؟
و هل السفياني فعلا هو صدام حسين؟
و هل ريتشارد مايرز هو الأعرج الكندي؟
و هل حركة طالبان هم أصحاب الرايات السود؟
و ما هي حقيقة هرمجدون في ميزان الشرع النبوي و هل هي من كلمات النبوة؟
كل هذه الأسئلة الخطيرة و غيرها.ستقف على جواب مفصل دقيق عميق أمين لها و لغيرها من المسائل في هذا الكتاب الجليل الذي بين يديك-أخي القارئ الكريم-و هو "الحقائق المطموسة في كتاب هرمجدون".(1/3)
و الحق أقول:لقد قرأت كتابين قبل ذلك في الرد على المؤلف صاحب الكتابين المذكورين جزى الله مؤلفيهما خير الجزاء و جعل ذلك في ميزان حسناتهما و أجزل لهما المثوبة و العطاء.
ثم سلَّم لي أخونا الفاضل الشيخ أبي خالد مجدي بن سعد حفظه الله و أسعده في الدارين. هذا الكتاب الذي قرأته كله بل و شدني.و وجدتني أمام منهج فريد في الرد العلمي الموثق المحقق الذي يتسم بالأدب الرفيع و الخلق النبيل و النبرة الصادقة الغيورة التي لا تسعى إلا إلى الوصول إلى الحق بدليله.فزيَّنه و جمَّله الله بالتوفيق فإن الله شكور!!
ما أحوجنا في هذه المرحلة التي تمر بها أمتنا إلى مثل هذا المنهج الكريم و الطرح الأمين لكي يتضح الطريق و يعرف الناس الحق من الباطل.
و ما أروع ما قاله الإمام ابن القيم-رحمه الله-"صحة الفهم و حسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده بل ما أُعطِي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل و لا أجل منهما بل هما ساقا الإسلام و قيامه عليهما و بهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم و طريق الضالين الذين فسدت فهومهم و يصير من المُنْعَم عليهم الذين حسنت أفهامهم و قصودهم و هم أهل الصراط المستقيم الذين أُمِرْنَا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم..."(إعلام الموقعين 1/87).
أسأل الله لي و لأخي الفاضل الكريم أبي خالد و لجميع المسلمين أن يرزقنا الفهم و حسن القصد و أن يزيننا بالإخلاص و الاتباع و أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن و أن يختم لنا بخاتمة الموحدين إنه وليّ ذلك و مولاه و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلِّم.
و كتبه أبو أحمد
محمد بن حسَّان
رجب 1423هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله المحمود على كل حال،الذي بحمده يستفتح كل أمر ذي بال،خالق الخلق لما شاء، و ميسرهم على وفق علمه و إرادته لما سر و ساء،و مصرفهم بمقتضى القبضتين ،فمنهم شقي و سعيد،و هداهم النجدين فمنهم قريب و بعيد.(1/4)
و الصلاة و السلام على نبي الرحمة،و كاشف الغمة،محمد صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعه بخير في هذه الأمة.
و بعد/
فقد وقفت على كتاب خرج في هذه الأيام يسمى"هرمجدون..آخر بيان يا أمة الإسلام" لمؤلفه"أمين محمد جمال الدين".
و قد كنت وقفت من عدة سنوات على كتاب لنفس المؤلف يسمى "عمر أمة الإسلام" فوجدته كتابا لم يؤلف على طريقة السلف،و فيه من الخلط و الخبط ما الله به عليم،و هممت أن أكتب ردا عليه،و لكن لم يتيسر لي ذلك.
و لكن ما إن وقع كتابه الأخير في يدي ، حتى وجدته يحمل بين طياته مفاهيم و أصولا فاسدة،و أفسد منها نشرها بين العامة.
و ما حملني على الإسراع بكتابة هذا الرد،ما لاحظته من انتشار هذا الكتاب انتشارا واسعا،و خاصة بين العامة،حتى استوقفني أحدهم و هو يكاد يرتجف من الخوف ليسألني عن حقيقة هذا الكتاب،و يقول:ما فائدة عملي إن كانت الساعة ستقوم بعد أيام قليلة؟!!
فوجدت أن الأمر جد خطير،و لابد من بيان الحق بيانا جليا(ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حيَّ عن بينة).
و ما زاد الأمر خطورة أنني وجدت سيلا من الكتب يظهر في السنوات الأخيرة ينهج نفس النهج أو قريبا منه،ككتاب:"المهدي المنتظر على الأبواب"لمؤلفه محمد عيسى داود ، و كتاب"حمى سنة 2000" لمؤلفه عبد العزيز مصطفى كامل،و كتاب "هل ينتهي العالم سنة2000"لمؤلفه د.سليمان المدني،و كتاب "المسيح المنتظر و نهاية العالم" لمؤلفه عبد الوهاب عبد السلام طويلة،و غيرهم.
و الحق أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا و هو كتاب"هرمجدون..آخر بيان يا أمة الإسلام" هو أكثر هذه الكتب انتشارا،و أنه أحدث دويا في أوساط العامة لا يُنكر.
و على الرغم من ذلك،فلا أعلم من رد عليه ردا منهجيا مفحما،إلا ما كان من خطبة هنا أو مقال هناك.(1/5)
من أجل ذلك،استعنت بالله عز و جل في بيان منهج أهل السنة و الجماعة بالنسبة لأشراط الساعة كأمر من أمور الاعتقاد،و بيان منهج المؤلف و فساده و تأثيره على الأمة.
و قبل أن نبدأ بتفصيل قولنا أرى أن نشير هنا إلى عدة نقاط:
الأولى:أن العامة تولع دائما بكل ما هو غريب و شاذ،و كذا التأثر بالفتن و من يهيجها ،فما أن حدثت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 من الميلاد في أمريكا حتى راح من يربط بينها و بين علامات الساعة و يستخرج لها ما يدل عليها،و هذا أمر ليس بالجديد،فقد حدث هذا في حياة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاءه رجل ليس له هجيري(1)إلا:يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة.
فقال له ابن مسعود:إن الساعة لا تقوم حتى لا يُقسم ميراث و لا يُفرح بغنيمة.ثم قال بيده هكذا و نحاها نحو الشام،فقال:عدو يجمعون لأهل الإسلام و يجمع لهم أهل الإسلام.." الحديث(2).
الثاني:تطاوُل المؤلف على كل من نصحه كما روى هو،و وصفه إياهم:بالصبية و مرة بالمشاغبين،و مرة يقول:لم يعد هناك وقت للتهريج،و مرة بقوله:لم تتسع دائرة علمهم و لم ترسخ في العلم أقدامهم،و كان ينبغي له أن ينزِّه كتابه عن مثل هذه السقطات.
الثالثة:إعجاب المؤلف بنفسه،فتراه يقول في ص 48 (33 في النسخة الإلكترونية):
"و إنما منعا للجدل و تحرزا من الدخول في متاهات المشاغبين ممن لم تتسع دائرة علمهم،و لم ترسخ في العلم أقدامهم"فكأنه هو الراسخ في العلم ذو العلم الواسع،و في ص91(64 في النسخة الإليكترونية)يقول:"يخطئ كثير من الناس اليوم حتى من أهل العلم في ترتيب أحداث و وقائع آخر الزمان،فضلا عن عدم معرفتهم أصلا ببعض هذه الأحداث.."
__________
(1) هجيري:يعني ليس له شأن و طلب.
(2) رواه مسلم برقم(2899)و رفعه ابن مسعود في آخره.(1/6)
و في ص104(73 في النسخة الإليكترونية)يقول:"أرجو من المتكلمين باسم الدين أن يراعوا الدقة عند الحديث عن الفتن و الملاحم فيتعلموا فقهها أولا،ثم لا يخلطوا بين الأمور، إما بإنكار بعض الأحداث أو بالخلط في الترتيب و تواريخ الوقوع بين الأحداث..".
الرابعة:و هي من أخطر ما أثاره المؤلف إن لم يكن أخطرها،و هي زعمه بأن هناك أحاديث أخرى أضعاف الأحاديث المعروفة لم تر النور حتى الآن فقال في ص 11(7 في النسخة الإليكترونية):
كما ينبغي التنبيه على ثمة مخطوطات نادرة لم تُطبع تحوي أضعاف الأحاديث المعروفة،سواء في الكتب المشهورة و غير المشهورة،محفوظة في المكتبات العالمية كمخطوطات،منها ما هو موجود في المكتبة العراقية الكبرى ببغداد،و منها في دار الكتابخانة باسطنبول بتركيا،و كذلك مكتبة التراث في طنجة،و منها في مكتبة دار الكتب القديمة بالرباط،و منها بمكتبة بحرة الشام و هي دمشق في الجامع الأموي،هذا غير كثير من المخطوطات الإسلامية النادرة الموجودة في الفاتيكان (مكتبة البابا)".
و لعل أخطر ما في هذا الكلام أنه يفتح باب الطعن في السنة النبوية و الأحكام الشرعية بدعوى أنها ناقصة،و هذا لعمري ما سمعته من أحد قبل هذا الرجل،و فيه جرأة و تهجم على القواعد الراسية لهذا الدين،و إن مما يدعو للعجب أنه توصل لهذه القاعدة الخبيثة لإثبات ما ساقه من بعض المخطوطات النادرة (بزعمه)،و هي مخطوطات لا قيمة لها أصلا لأنها بتراء لا إسناد لها و لا أصل كما سترى بمشيئة الله تعالى في الباب الأول.
و مما ساقه لتأييد هذه القاعدة الفاسدة أيضا قول أبي هريرة:"حفظت من رسول الله وعائين،أما أحدهما فقد بثثته،و أما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم"(1).
__________
(1) الحديث رواه البخاري في صحيحه برقم(120)باب حفظ العلم.(1/7)
و لا دلالة في هذا على مطلوبه،فإن أبا هريرة كتم ما كان ليس فيه فائدة و لا يحتاجه المسلم في دينه من أسماء أمراء الجور و نحو ذلك،و يدل عليه قوله"و أما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم".
قال الحافظ ابن حجر:
"و حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء و أحوالهم و زمنهم،و قد كان أبو هريرة يكني عن بعضه و لا يصرح به خوفا على نفسه منهم".
ثم نقل عن ابن المنير قوله:
"و إنما أراد أبو هريرة بقوله"قُطع"أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم و تضليله لسعيهم".
قال الحافظ معقبا:
"و يؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول(1)من الآية الدالة على ذم من كتم العلم".(2)
و قال الحافظ الذهبي:
"و قد صح أن أبا هريرة كتم حديثا كثيرا مما لا يحتاجه المسلم في دينه و كان يقول:"لو بثثته قُطع هذا الحلقوم"و ليس هذا من باب كتمان العلم في شيء ، فإن العلم الواجب يجب بثه و نشره و يجب على الأمة حفظه".(3)
هذا و قد نص الإمام النووي بأن الكتب الخمسة الأصول للسنة لم يفتها إلا القليل من أحاديث الأحكام فقال رحمه الله في "التقريب":-
__________
(1) يعني حديث أبي هريرة قال:"إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة،و لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتُ حديثا ثم يتلو"إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات-إلى قوله-و أنا التواب الرحيم"إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق،و إن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم،و إن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه و سلم بشبع بطنه،و يحضر ما لا يحضرون و يحفظ ما لا يحفظون"رواه البخاري برقم(118)باب حفظ العلم.
(2) فتح الباري (1/261-262).
(3) سِيَر أعلام النبلاء (10/603-604).(1/8)
"و الصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير أعني الصحيحين و سنن أبي داود و الترمذي و النسائي".(1)
و علق الحافظ ابن حجر في "النكت"بقوله:
"و أما قول النووي لم يفت الخمسة إلا القليل فمراده من أحاديث الأحكام خاصة و أما غير الأحكام فليس بقليل"(2).
و لا شك أن هذا الذي فات الكتب الخمسة موجود في كتب الحديث الأخرى كالمسانيد و المعاجم و السنن و غير ذلك.
و لا شك أن هناك مخطوطات في مختلف العلوم الإسلامية لم تُطبع في عصرنا الحالي،و لا يعني ذلك أنها لم تكن معروفة في الصدر الأول أو بعدهم،أما أن يأتي آت بمخطوطات مجهولة الهوية،و مؤلفوها مجهولون كما سيأتي تفصيله بمشيئة الله تعالى ، ثم يقال أن هناك مخطوطات تحوي أحاديث أضعاف ما هو معروف و لم يطلع عليها أحد فهذا قول ظاهره البطلان،لا سيما و أن العلماء طبقة بعد طبقة قد دونوا التراجم الكاملة لكل رواة الأحاديث و ذكروا ما رووه و ميزوا فيها الصحيح من السقيم،و الغَثَّ من السمين.
حتى قال الإمام أحمد:
"كل حديث لا يعرفه يحيي بن معين فليس بحديث".(3)
و قال الفلاس و غيره:
"كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث".(4)
و قال اسحق بن راهويه:
"كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل".(5)
و قال عبد الله بن إدريس:
"كل حديث لا يعرفه ابن المبارك فنحن منه براء".(6)
__________
(1) تدريب الراوي شرح تقريب النواوي(ص 99).
(2) النكت على كتاب ابن الصلاح(ص70).
(3) تهذيب التهذيب(6/18).
(4) سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي(12/420).
(5) الكاشف للذهبي(1/683)،طبقات الحفاظ للسيوطي(ص254).
(6) سير أعلام النبلاء للذهبي (8/403).(1/9)
فلا يبقى بعد ذلك شك في أن هذه الشبهة التي أثيرت،ما هي إلا غثاء كغثاء السيل،فالله أسأل أن يبصرنا لأمور ديننا،و لا نقول قولا ليس لنا فيه سلف،فالخير كل الخير في الاتباع،و الشر كل الشر في الابتداع،اللهم اجعلنا ممن يتبعون سلف هذه الأمة،و لا يحدثون في دين الله حدثا و اجعلنا من متبعي سبيل المؤمنين اللهم آمين.
الباب الأول
الأصول التي اعتمد عليها
الكتاب
الفصل الأول : الإسرائيليات.
الفصل الثاني : الأحاديث الضعيفة و الموضوعة.
الفصل الثالث : مخطوطات مجهولة.
الفصل الرابع : أقول الكُهَّان و العرافين.
الفصل الخامس: تحليلات الساسة من الغرب و الشرق.
الفصل الأول
الاحتجاج بالإسرائيليات
ما إن تستفتح هذا الكتاب ، إلا و تجد نقولات أهل الكتاب من كتبهم المحرفة مثل سفر دانيال و غيره من الأسفار كما سيأتي الإشارة إليه بالتفصيل،ثم تجد المؤلف يبرر ذلك بأنه مجرد استئناس بنصوصهم،و أن هذه النصوص توافق ما أثبته المؤلف نفسه في كتاب سابق يُسمى"عمر أمة الإسلام"ثم يذكرنا المؤلف بحديث النبي صلى الله عليه و سلم الذي فيه الإذن بذلك حيث يقول:"بلِّغوا عني و لو آية ،و حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج".(1)
و بناء على هذا الإذن،جاءنا بسيل من نصوص أهل الكتاب،مما يشرح صدورهم ،و يقر أعينهم بصحة ما هم عليه من الخرافات و الخزعبلات كما سترى بمشيئة الله تعالى.
و يحسن بنا أن نحدد ردنا في نقاط:
*معنى الإسرائيليات:
نقصد بالإسرائيليات:"أقاويل بني إسرائيل مما ذكر في التوراة،أو أُخذ من علمائهم و مشائخهم".(2)
__________
(1) رواه البخاري برقم (3274)"باب ما ذكر عن بني إسرائيل"و رواه ابن حبان في صحيحه برقم(6256)و الترمذي(2669)و أحمد(6486)و الطبراني في الصغير(462)و الطحاوي في "شرح معاني الأثر"(4/128) و الدارمي في سننه(542).
(2) "المقاصد الحسنة"للسخاوي نقلا عن صديق حسن خان في "أبجد العلوم"[1/442].(1/10)
"و قد يتوسع بعض الباحثين في الإسرائيليات،فيجعلها شاملة لما كان من معارف اليهود،و ما كان من معارف النصارى التي تدور حول الأناجيل و شروحها و الرسل و سيرهم،و نحو ذلك،و إنما سُميت إسرائيليات لأن الغالب و الكثير منها إنما هو من ثقافة بني إسرائيل،أو من كتبهم و معارفهم،أو من أساطيرهم و أباطيلهم".(1)
*حكم الرواية عن بني إسرائيل:
لقد قص الله علينا من أحوال بني إسرائيل و أخبارهم،و يبين لنا سبحانه أنهم حرفوا كتبهم و بدلوها و كتموها،فقال تعالى:"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون"[البقرة:79]و قال سبحانه:"من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه"[النساء:46]و قال أيضا:"قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا و هدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها و تخفون كثيرا"[الأنعام:91].
و قال:"يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما تخفون من الكتاب" [المائدة:15]و النصوص في ذلك كثيرة.
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرانية و يفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:لا تصدقوا أهل الكتاب و لا تكذبوهم و قولوا{آمنا بالله و ما أُنزل إلينا و ما أُنزل إليكم}" الآية.(2)
و عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
__________
(1) "الإسرائيليات و الموضوعات"لمحمد بن محمد شهبة(ص14،13).
(2) رواه البخاري في صحيحه برقم(7362)"باب قول النبي صلى الله عليه و سلم:لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" و أخرجه النسائي في سننه برقم(11387)و البيهقي في السنن برقم(20402)و غيرهم.(1/11)
"كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء و كتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدث،تقرؤونه محضا لم يشب،و قد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله و غيروه،و كتبوا بأيديهم الكتاب و قالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا،و لا ينهاكم ما جاءكم عن مسائلتهم،لا و الله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل إليكم".(1)
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه من طريق حريث بن ظهير قال:
قال عبد الله بن مسعود:"لا تسألوا أهل الكتاب فإنهم لن يهدوكم و قد أضلوا أنفسهم فتكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل"و أخرجه سفيان الثوري من هذا الوجه بلفظ:"لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم و قد ضلوا،أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل"قال الحافظ بن حجر:و سنده حسن.(2)
قال ابن كثير في تفسيره:
"ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به-يعني أهل الكتاب-غالبه كذب و بهتان لأنه قد دخله تحريف و تبديل و تغيير و تأويل،و ما أقل الصدق فيه،ثم ما أقل فائدة كثير منه لو كان صحيحا".(3)
و قد بوَّب البخاري "باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء".
قال الحافظ:
"هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد و ابن أبي شيبة و البزار من حديث جابر أن عمر أتى النبي صلى الله عليه و سلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه فغضب و قال:"لقد جئتكم به بها بيضاء نقية،لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به،و الذي نفسي بيده لو أن موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني"و رجاله موثقون إلا أن في مجالد(أحد الرواة)ضعفا".
ثم سرد الحافظ طرق هذا الحديث ثم قال:"و هذه جميع طرق هذا الحديث،و هي و إن لم يكن فيها ما يُحتج به،و لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلا".(4)
قال ابن كثير :
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (7363)الباب السابق.
(2) فتح الباري(13/345).
(3) تفسير ابن كثير(3/417).
(4) فتح الباري (13/335).(1/12)
" فإذا كان الله سبحانه وله الحمد ، قد أعاننا برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الشرائع وبكتابه عن سائر الكتب ، فلسنا نترامى على ما بأيديهم مما وقع فيه خبط وخلط وكذب ووضع ، وتحريف وتبديل ، وبعد ذلك كله نسخ وتغيير ، فالمحتاج إليه قد بينه لنا رسولنا ، وشرحه وأوضحه عرفه من عرفه ، وجهله من جهله "(1)
وروى الخطيب البغدادي بإسناده عن ابن أبي أويس قال :
" سمعت خالي مالك بن أنس وسأله رجل عن زبور داود ؟ فقال له مالك : ما أجهلك ، ما أفرغك ، أما لنا في نافع عن ابن عمر عن نبينا ما شغلنا بصحيحه عما بيننا وبين داود عليه السلام "
وعن عمرو بن ميمون قال : كنا جلوساً في مسجد الكوفة وذاك أول ما نزل ، فأقبل من نحو الجسر رجل معه كتاب ، قلنا ما هذا ؟ قال : هذا الكتاب. قلنا : وما كتاب ؟ قال : كتاب دانيال ، فلولا أن القوم تحاجزوا لقتلوه وقالوا : كتاب سوى القرآن ، أكتاب سوى القرآن "(2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ولا يجوز الاحتجاج في الدين بالإسرائيليات إلا ما ثبت نقله بكتاب الله أو سنة رسوله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال " إذا حثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم "(3)
? حديث " وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج "(4)
__________
(1) البداية والنهاية ( 1 / 30 )
(2) "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " للخطيب البغدادي ( 2/ 161 – 162 )
(3) مجموع الفتاوى ( 8/ 322 )
(4) سبق تخريجه(1/13)
احتج المؤلف بهذا الحديث على جواز الأخذ عنهم في موضوع كأشراط الساعة ، وحاول أن يخفف الأمر بأنه يستأنس فقط بكلامهم ، والواقع أنه جعل من أقوالهم حجة بل أصولاً يستند إليها ، وما أدل على ذلك من الفصل الذي سماه " هرمجدون " ، فذكر أقوال أهل الكتاب أولاً مستدلاً بها ، ثم بعد أن أشبع الأمر شرحاً وتفصيلاً ، ذكر حديثاً واحداً حاول أن يلوي عنقه ليقوى هذا الأصل الذي أصله ، وسيأتي بيان ذلك بمشيئة الله تعالى في الفصل السابع من الباب الثاني.
ولكن هل معنى " وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " كما فهمه المؤلف وتعلق به ؟
لنرجع إلى أقوال أهل العلم في شرح هذا الحديث لنعرف ذلك .
قال الحافظ ابن حجر :
" قوله ( وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم ، لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ، ثم حصل التوسع في ذلك ، وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية ، والقواعد الدينية خشية الفتنة ، ثم لما زال المحذور ، وقع الإذن في ذلك ، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار "(1)
وقال ابن حزم :
" وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : ( لا تصدقوا أهل الكتاب إذا حدثوكم ، ولا تكذبوهم تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل ) أو كلاماً هذا ، فهذا حكم الأخبار الواردة في الوعظ وغيره "(2)
وروى الخطيب البغدادي عن الشافعي أنه قال :
"( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) أي لا بأس أن تحدثوا عنهم مما سمعتهم ، وإن استحال أن يكون في هذه الأمة مثل ما روي أن ثيابهم تطول ، والنار التي نزل من السماء فتأكل القربان ، ليس أن يحدث عنهم بالكذب "(3)
فالأمر واضح بأن الإذن بالرواية عنهم للاعتبار بذكر قصصهم في الوعظ وما جرى لهم من سنن الله.
__________
(1) فتح الباري ( 6 / 498 )
(2) الإحكام ( 8/ 599 )
(3) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " ( 2/ 117 )(1/14)
أم أن يؤخذ منهم عقائد وأحكام فلا ، وكيف يسوغ ذلك وقد قدمنا إثبات تحريفهم وغلوهم ، كيف وقد تطاولوا على الله ووصفوه بصفات البشر ، قال تعالى : { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون } [ التوبة : 30 ]
كيف وقد رموا الأنبياء بأشنع التهم ، وأفظع القبائح ، فهل يؤمن هؤلاء على عقيدة وأحكام.
قال الإمام المناوي :
" ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) أي بلغوا عنهم قصهم ومواعظهم ونحو ذلك "(1)ويمثله قال المباركفوري في " تحفة الأحوذي "(2)
وقال الحافظ الذهبي :
" فهذا إذن نبوي في جواز سماع ما يأثرونه في الجملة كما سمع منهم ما ينقلونه من الطب ، ولا حجة في شيء من ذلك ، إنما الحجة في الكتاب والسنة "(3)
وقال الطيبي :
" ولا منافاة بين أنه هنا – يعني أباح التحديث عنهم – ونهيه في خبر آخر عن التحديث وفي آخر عن النظر في كتبهم ، لأنه أراد هنا التحديث بقصصهم نحو قتل أنفسهم لتوبتهم وبالنهي العمل بالحكام لنسخها بشرعه "(4)
وقال الإمام الشوكاني :
" فإن ترخص مترخص بالرواية عنهم لمثل ما روى ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) فليس فيما يتعلق بتفسير كتاب الله سبحانه بلا شك ، بل فيما يذكر عنهم من القصص الواقعة لهم "(5)
وقال الحافظ بن كثير :
__________
(1) " فيض القدير " ( 3/ 377 )
(2) تحفة الأحوذي " ( 7/ 360 )
(3) " ميزان الاعتدال " ( 3/470 )
(4) نقله المناوي في " فيض القدير " ( 3/ 206 )
(5) فتح القدير ( 4/ 135 )(1/15)
" فأما الحديث الذي رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " فهو محمول على الإسرائيليات المسكوت عنها عندنا ، فليس عندنا ما يصدقها ولا ما يكذبها ، فيجوز روايتها للاعتبار ، وهذا هو الذي نستعمله في كتابنا هذا ... "(1)
يعني القصص التي ذكرها في البداية والنهاية للاعتبار وأخذ الموعظة ، وليس للاحتجاج بها .
ولذلك قسم الإمام ابن كثير الإسرائيليات إلى ثلاثة أقسام فقال : " أحدها : ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح .
والثاني : ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه .
والثالث : ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل ، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم " .
قال : " وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيراً "(2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" يجوز أن يروي منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب ، فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهي عنه في شرعنا ، فأما أن يثبت شرعاً لنا مجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم "(3)
ولذلك لما صنف أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي : كتابه في الملاحم ، ونقل فيه من كتاب دانيال فيما زعم ، أنكر عليه الحافظ أبو الخطاب بن دحية فقال :
__________
(1) البداية والنهاية ( 1/ 29 – 30 )
(2) تفسير ابن كثير ( 1/ 5 ).
(3) مجموع الفتاوى ( 1/ 251 ).(1/16)
" ودانيال نبي من أنبياء بني إسرائيل ، كلامه عبراني ، وهو على شريعة موسى بن عمران ، وكان قبل عيسى بن مريم بزمان ، ومن أسند مثل هذا إلى نبي عن غير ثقة أو توقيف من نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقد سقطت عدالته ، إلا أن يبين وضعه ، لتصح أمانته ، وقد ذكر في هذا الكتاب من الملاحم ، وما كان من الحوادث وسيكون ، وجمع فيه التنافي والتناقص بين الضب والنون ، وأغرب فيما أغرب في روايته عن ضرب من الهوس والجنون .. "
قال :
" وإن من أفضح فضيحة في الدين نقل مثل هذه الإسرائيليات عن المتهودين فإنه لا طريق فيما ذكر عن دانيال إلا عنهم ، ولا رواية تؤخذ في ذلك إلا منهم.
وقد روى البخاري في تفسير سورة البقرة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرانية ويفسرونها لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا "
ثم روى الأثر المروي عن ابن عباس السابق .
قال :
" وكيف يؤمن من خان الله ، وكذب عليه ، وكفر واستكبر وفجر "(1)
وهكذا اتفقت كلمة من نقلنا عنهم من الأئمة ، في أن الذي يجوز نقله عن بني إسرائيل هو المسكوت عنه الذي لا يعرف صدقة من كذبه ، من قصصهم ومواعظهم وغرائبهم ، على أنه لا حجة في ذلك أيضاً عندنا.
وعلى ذلك فموضوع أشراط الساعة أمر آخر ، فهو ليس من هذا القسم ، بل هو من باب الغيبيات والعقائد عندنا ، فلا يجوز الرواية عن بني إسرائيل في ذلك ، ولا الاستئناس بأقوالهم ، ويقال للمؤلف ومن نحا نحوه :
ما موقفكم إن مرت هذه الأيام القلائل التي حددتموها ووافقتم فيها أهل الكتاب ثم تبين بعد ذلك غير ما قلتم ؟
أترجع عن ذلك وقتها ؟ أم تلتمس التأويلات والأعذار ؟!!
أم أن الأمر لا يعدو مجرد تسويق كتاب ، في وقت راجت فيه مثل هذه الكتب!!
? ولكن هل أشراط الساعة من أمور الاعتقاد ؟
__________
(1) نقله القرطبي في " التذكرة " ( ص 603 – 604 )(1/17)
لا شك أن أشراط الساعة من الأمور الغيبية ، التي لا تعلم إلا بالوحي ، ولقد حدثنا الله عنها في كتابه حيث قال : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها } [ محمد : 18 ]
ولما كان الأمر كذلك ، فقد ذكر العلماء في كتب العقائد أشراط الساعة ووجوب الإيمان بها.
قال الإمام الطحاوي في عقيدته :
" ونؤمن بأشراط الساعة ، من خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها ، وخروج دابة الأرض من موضعها.."(1)
قال الألباني معلقاً :
" واعلم أن أحاديث الدجال ونزول عيسى عليه السلام متواترة يجب الإيمان بها ، ولا تغتر بمن يدعي فيها أنها أحاديث آحاد فإنهم جهال بهذا العلم ، وليس فيهم من تتبع طرقها ولو فعل لوجدها متواترة كما شهد بذلك أئمة هذا العلم كالحافظ ابن حجر وغيره ، ومن المؤسف حقاً أن يتجرأ البعض على الكلام فيما ليس في اختصاصهم ، لا سيما والأمر دين وعقيدة "(2)
وقال الإمام أحمد في " أصول السنة " :
" والأيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه كافر ، والأحاديث التي جاءت فيه والإيمان بأن ذلك كائن ، وأن عيسى بن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لد "(3)
وقال الإمام أبو حنيفة :
" وسائر علامات يوم القيامة على ما وردت به الأخبار الصحيحة حق كائن "(4)
وقال بن قدامة المقدسي :
" ومن ذلك – أي ما يجب الإيمان به – أشراط الساعة ، مثل خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام فيقتله ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج الدابة ، وطلوع الشمس من مغربها وأشباه ذلك مما صح به النقل "(5)
قال السفاريني :
" وما أتى في النص من أشراط ... ... فكله حق بلا شطاط "
قال في شرحه :
__________
(1) شرح العقيدة الطحاوية ( ص 499 )
(2) السابق
(3) " أصول السنة " ( ص 33 – 34 )
(4) " شرح الفقه الأكبر " ( ص 168 )
(5) " لمعة الاعتقاد " ( ص 102 )(1/18)
" أي ما ورد عن سيد الخلق وهو حق واجب اعتقاده ولا يسوغ رده "(1)
فتبين من هذه النقول أن علماء الأمة يعتبرون أشراط الساعة من الأمور الغيبية العقائدية التي يجب الإيمان بها .
فكيف يسوغ النقل عن أهل الكتاب لتقرير عقيدة من عقائد المسلمين !!
قال صديق حسن خان :
" ويجب الإيمان بكل ما أخبر النبي وصح به الخبر عنه مما شهدناه أو غاب عنا أنه صدق وحق سواء في ذلك ما عقلناه أو جهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه وكان يقظة لا مناماً ومن ذلك أشراط الساعة "(2)
? تخبط أهل الكتاب :
لا أدري كيف ساغ للمؤلف النقل عن أهل الكتاب في موضوع عقائدي كهذا رغم أنه يدري أنهم متخبطون في ذلك أشد التخبط .
فمن ذلك قوله في " ص 5 " (ص3-4في النسخة الإلكترونية):
" فاليهود يتوقعونها – أي هرمجدون – في عام 1998م والنصارى يحسبونها في خريف عام 2001 من الميلاد " وقد مضت كلاهما ولم يحدث شيء ثم أورد من سفر دانيال قوله :
" فسمعت قدوساً واحداً يتكلم ، فقال قدوس واحد لفلان المتكلم : إلى متى الرؤيا . من جهة المحرقة الدائمة ، ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين ؟؟ فقال لي : إلى ألفين وثلاث مائة صباح ومساء فيتبرأ القدس " [ الأصحاح 8 : 3 – 14 ]
واعتذر إلى القارئ الكريم عن نقل هذا النص من نصوص أهل الكتاب ولكن ليقف الناس على حقيقة أقوالهم وتناقضاتهم .
وقد روى الإمام ابن كثير في تفسيره ، عند تفسير قوله تعالى : { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } [ الحج : 47 ]
__________
(1) " لوامع الأنوار " ( ص 102 )
(2) " قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر " ( 1/ 118 )(1/19)
عن محمد بن سيرين عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال : إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ، وجعل أجل الدنيا ستة أيام وجعل الساعة في اليوم السابع وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ، فقد مضت الستة أيام ، وأنتم في اليوم السابع فمثل ذلك كمثل الحامل إذا دخلت شهرها ففي أي ليلة ولدت كان تماماً "(1)
قلت : وقد مضى أكثر من ألف وثلاثمائة سنة على وفاة ابن سيرين راوي هذه الرواية(2)، ولم يحدث شيء ، فدل ذلك على أن أهل الكتاب ليسوا على شيء ، فكيف يستأنس بكلامهم الباطل ، في تقرير أمر غيبي لا يعلمه إلا الله .
وقد نقل المؤلف عن بعض كتاب الغرب الصليبي رأيهم في الحرب التي يسمونها " هرمجدون " وفي نهاية العالم فقال في ص 60 (ص42 في النسخة الإلكترونية في الحاشية السفلية):
" هذه النقولات مأخوذة من كتب " النبوءة والسياسة " لجريس هالسل ، وكتاب " دراما نهاية الزمن " للكاتب أورال روبرتسن ، وكتاب " نهاية أعظم كرة أرضية " للكاتب هال ليندسي ، ويفترض صاحبا الكتابين الأخيرين المشهورين في أمريكا أن الكرة الأرضية سوف تنتهي تماماً في سنة 2000م أو قريباً منها "
وما أجمل ما قاله الإمام ابن حزم :
" في مطلب بيان كذب ما أدعى لمدة الدنيا عدداً معلوماً ".
قال رحمه الله :
__________
(1) تفسير أبن كثير ( 3/ 299 )
(2) توفى محمد بن سيرين رحمه الله تعالى سنة 110 للهجرة ( طبقات الحفاظ للسيوطي ص 39 )(1/20)
" وأما اختلاف الناس في التاريخ ، فإن اليهود يقولون للدنيا أربعة آلاف سنة ونيف ، والنصارى يقولون للدنيا خمسة آلاف سنة ، وأما نحن فلا نقطع على عدد معروف عندنا ، وأما من ادعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقل فقد كب وقال ما لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لفظة تصح ، بل صح عنه عليه السلام خلافه ، بل نقطع على أن للدنيا أمراً لا يعلمه إلا الله عز وجل ، قال تعالى : { ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم } [ الكهف : 51 ] " قال : " والله أعلم بمقدار ما بقى من عمر الدنيا ... وقد وجد محمود بن سبكتكين بالهند مدينة يؤرخونها بأربعمائة ألف سنة "(1)
والعجيب أن علماء الآثار والطبيعة الغربيون وغيرهم يكتشفون بين الحين والحين آثاراً تنقض أقوال أحبارهم ، وذلك بإثبات وجود حفريات وحضارات على زعمهم – قبل سبعة آلاف سنة بأمد طويل ، فلا يستحي من يلهث خلفهم ، ويرجه إلى كتاب ربه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال سلف الأمة وعلمائها.
وقد قال الإمام ابن كثير رحمه الله :
" كما لا يعلم ما مضى إلا الله عز وجل ، والذي في كتب الإسرائيليين وأهل الكتاب من تحديد ما سلف بألوف ومئين من السنين قد نص غير واحد من العلماء على تخبطهم فيه وتغليطهم ، وهم جديرون بذلك حقيقون به ..
__________
(1) الفصل في الملل والنحل ( 2/ 84 ).(1/21)
وقد قال تعالى : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها (42) فيم أنت من ذكراها (43) إلى ربك منتهاها (44) إما أنت منذر من يخشاها (45) كأنهم يوم يرونها لم يلبسوا إلا عشية أو ضحاها } [ النازعات : 42 – 46 ] وقال : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [ الأعراف : 187 ] والآيات في هذا والأحاديث كثيرة "(1)
نسأل الله أن يبصرنا وجميع إخواننا المسلمين أمور ديننا ، وأن نتعلم ما ينفعنا في الدنيا والآخرة.
الفصل الثاني
الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة والموضوعة
لا أدري كيف يتجرأ مسلم ممن لديه تقوى الله عز وجل ، أن يصنف كتاباً ينشره بين عامة الناس ، وفي قضية خطيرة من قضايا العقيدة والغيبيات ، ثم يحشوه بالأحاديث المنكرة والموضوعة ، ولا شك أن العلماء قد تساهلوا في رواية الأحاديث الضعيفة ضعفاً يسيراً في أبواب الرقائق والمواعظ ونحوها ، ولكنهم شددوا في أبواب الأحكام والعقائد ، فهل يعلم ذلك مؤلف هذا الكتاب .
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... ... ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ولا أقول أن أحداً ممن صنف لم يستدرك عليه غيره من العلماء في أي الأبواب كان ، ولكن الفرق هنا أن هذا الكتاب غالبه روايات منكرة عند أرباب الحديث ، والنادر فيه ما هو صحيح.
على أم ما صح فيه – على ندرته – أحاديث عامة ، ليست بصريحة فيما يريد أن ينشره بين الناس ، كما سنفصل ذلك بمشيئة الله تعالى.
ويحسن بنا قبل أن نبدأ بالتفصيل أن نبين :
? حكم الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة والموضوعة في العقائد :
قد قدمنا أن العلماء قد تساهلوا في رواية الأحاديث الضعيفة ضعفاً يسيراً في أبواب المواعظ وفضائل العمال ونحوها.
وقال الحافظ العراقي :
__________
(1) نهاية البداية والنهاية ( ص 19 )(1/22)
" وأما غير الموضوع ، فجوزوا التساهل في إسناده وروايته من غير بيان لضعفه إذا كان في غير الأحكام والعقائد ، بل في الترغيب والترهيب من المواعظ والقصص وفضائل العمال ونحوها ، أما إذا كان في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام وغيرهما أو في العقائد كصفات الله وما يجوز ويستحيل عليه ونحو ذلك فلم يروا التساهل في ذلك ، وممن نص على ذلك من الأئمة عبد الرحمن بن مهدي ، وأحمد بن حنبل وعبد اله بن المبارك وغيرهم ، وقد عقد ابن عدي في مقدمة الكامل والخطيب في الكفاية باباً لذلك "(1)
ونكتفي بهذا النقل حتى لا نطيل وإلا فكلام أهل العلم في تقرير ذلك كثير.
? التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بوب الإمام مسلم في مقدمة صحيحيه " باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين والتحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
قال :
" واعلم وفقك الله تعالى ، أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها ، وثقات الناقلين لها /، من المتهمين ، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه ، والستارة(2)في ناقليه ، وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع .
والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه ، قول الله جل ذكره { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } [ الحجرات : 6 ] وقال جل ثناؤه : { ممن ترضون من الشهداء } [ البقرة : 28 ] وقال عز وجل : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } [ الطلاق : 2 ] .
__________
(1) " فتح المغيث شرح ألفية الحديث " للحافظ العراقي ( ص 137 ).
(2) قال النووي : الستارة بكسر السين وهي ما يستتر به وكذلك السترة وهي هنا إشارة إلى الصيانة.(1/23)
فدل بما ذكرنا من هذه الآي ، أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول ، وان شهادة غير العدل مردودة ، والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه ، فقد يجمعان في أعظم معانيها ، إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم ، كما أن شهادته مردودة عند جميعهم ، ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق ، وهو الأثر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين "(1)
ثم روى مسلم عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : " لا تكذبوا عليّ فإنه من يكذب عليّ يلج النار "(2)
وعن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "(3)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم "(4). وعنه أيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون ، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم ، لا يضلونكم ولا يفتنوكم "(5)
والنصوص في هذا كثيرة ، نكتفي بذلك لندخل في التفصيل .
__________
(1) ذكر مسلم إسناده بعد ذلك مباشرة ( صحيح مسلم للنووي 1/ 59 – 61 ) .
(2) رواة مسلم برقم (1) " باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم "
(3) رواة مسلم برقم (3)
(4) رواة مسلم برقم (6) " باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها ".
(5) رواه مسلم برقم (7) السابق .(1/24)
وقبل أن نسرد النصوص التي أوردها المؤلف وبيان ما فيها ، يجدر بنا الإشارة إلى أنه اعتمد إلى حد كبير على كتاب " الفتن " لنعيم بن حماد وقد أشار هو إلى ذلك في مقدمته ص 10(ص6 في النسخة الإلكترونية) حيث قال : " ونحب أن نخص بالذكر الإمام أبي عبد الله نعيم بن حماد ، والذي ألف كتاب " الفتن " المذكور والذي جمع فيه كوكبة هائلة من أحاديث الفتن وملاحم آخر الزمان يعز وجودها في مكان آخر " ثم بين انبهاره به فقال : " نحب أن نبين أن نعيم بن حماد المتوفى سنة 229هـ هو من تابعي التابعين وهو إمام جليل ، وهو أحد شيوخ الإمام البخاري من الطبقة الثالثة لأنه حدث البخاري عن كبار تابعي التابعين ، أنظر مقدمة فتح الباري : شيوخ البخاري ص 479 " كذا قال وها أنا ذا أنقل كلام الحافظ في مقدمة فتح الباري بنصه .
قال الحافظ :
" نعيم بن حماد الخزاعي المرزي نزيل مصر ، مشهور من الحفاظ الكبار لقيه البخاري ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوى موضع أو موضعين وعلق له أشياء أخر ، وروى له مسلم في المقدمة موضعاً واحداً وأصحاب السنن إلا النسائي ، وكان أحد يوثقه ، وقال ابن معين : كان من أهل الصدق إلا أنه يتوهم الشيء فيخطئ فيه ، وقال العجلي : ثقة ، وقال أبو حاتم : صدوق ، وقال النسائي : ضعيف ، ونسبه أبو بشر الدولابي إلى الوضع ، وتعقب ذلك ابن عدي بأن الدولابي كان متعصباً عليه لأنه كان شديداً على أهل الرأي وهذا هو الصواب والله أعلم " انتهى(1)
فهل كلام المؤلف قريب من هذا ، أم أنه ألف كلاماً من عنده ، وعلى كل فلا بأس أن نقدم ترجمة لنعيم بن حماد لزيادة الأمر وضوحاً .
__________
(1) مقدمة فتح الباري ( ص 470) .(1/25)
? ترجمة نعيم بن حماد(1):
هو نعيم بن حماد الخزاعي ، أحد الأئمة الأعلام ، وثقه أحمد وابن معين في رواية والعجلي ، خرج له البخاري مقروناً بغيره ، وأبو داود والترمذي وابن ماجة بواسطة ، وقال ابن معين في روايته الأخرى : يشبه له محله الصدق وقال أبو زرعة الدمشقي : وصل أحاديث يوقفها الناس . وقال أبو داود : عن نعيم نحو عشرين حديثاً ليس لها أصل . وذكره النسائي في " الضعفاء والمتروكين " وقال : ضعيف مرزوي . وقال مرة : ليس بثقة ، وقال الحافظ أبو علي النيسابوري سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حماد تفرده عن الأئمة فصار في حد من لا يحتج به. وقال الأزدي : كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزورة في ثلب أبي حنيفة رحمه الله كلها كذب ، وقال ابن يونس : وروى أحاديث مناكير عن الثقات . وقال ابن الجوزي : ونعيم بن حماد مجروح ، وقال الحافظ في " تقريب " : صدوق يخطئ كثيراً.
وقال الذهبي في " السير " : لا يجوز لأحد أن يحتج به ، وقد تتبع الذهبي كثيراً في أوهامه في " السير " وكذا المزي في " تهذيب الكمال "
__________
(1) راجع " ميزان الاعتدال " (4/ 267 – 270 ) "والضعفاء والمتروكين " للنسائي (1/101) ، "سير أعلام النبلاء" للذهبي(10/596) ، "المغني في الضعفاء" للذهبي أيضاً (2/700) ، "وتقريب التقريب" للحافظ ابن حجر (ص564) "والعلل المتناهية" لابن الجوزي (1/283) "والتحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزية أيضاً (1/362) و"تهذيب الكمال للمزي (29/466-480) و"تهذيب التهذيب " للحافظ ابن حجر (5/635-38)(1/26)
وخلاصة القول فيه أنه إمام جليل في الفقه والسنة ، أما في الحديث فهو لا يحتج به فيما انفرد بروايته كما ذكر النسائي وغيره ، ولذلك لم يحتج به الإمام البخاري في صحيحه ، وإنما روى عنه مقروناً بغيره كما ذكر الحافظ ابن حجر ، ولم يخرج له مسلم في الصحيح أي حديث(1)وفي هذا البيان رد على المؤلف في أمرين :
الأول : تلبيس المؤلف على القارئ بأن هذه الرواية أو تلك رواها نعيم بن حماد شيخ البخاري ، فما إن يرى القارئ كلمة " شيخ البخاري " حتى يثق فيما يرويه ولا يعترض عليه ويستسلم ، وليس هكذا شأن أهل العلم الذين يريدون إصلاح الأمة ، والدعوة إلى الله على بصيرة وإنما ذلك فيه تضليل للعامة ، ولا خير في علم كهذا.
الثاني : أن المؤلف اعتمد بشكل كبير على كتاب " الفتن " لنعيم بن حماد ، ولذا جعله في صدر المؤلفات التي اطلع عليها ، وخرج عينا بما لم يخرج به أحد من قبل.
ونحن ننقل جانباً من آراء العلماء في هذا السفر أعني " الفتن " والذي سماه المؤلف " السفر الجليل " في ص 86
فقد روى الحاكم من طريق نعيم بن حماد (برقم 8447) من حديث ابن مسعود مرفوعاً ، أحذركم سبع فتن تكون بعدي ..." فذكر منها السفياني .
قال الذهبي في تلخيصه : هذا من أوابد نعيم .
فعلق صاحب " الكشف الحثيث " بقوله : فهذا يقتضي أنه من وضعه والله أعلم"(2)
قال الألباني :" هو متهم بالكذب ، فالحديث ضعيف جداً كما يشعر بذلك قول الذهبي هذا "(3)
ونقل الحافظ في " تهذيبه " عن مسلمة بن قاسم أنه قال فيه "
__________
(1) أما الموضع الذي أشار إليه الحافظ ، فليس بحديث ، فقد روى مسلم في مقدمته من طريق نعيم عن يونس بن عبيد قال : " كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث " وليس هناك غيره.
(2) " الكشف الحثيث " لأبي الوفا الطرابلسي (1/268)
(3) "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للألباني (برقم1870)(1/27)
" كان صدوقاً وهو كثير الخطأ ، وله أحاديث منكرة في الملاحم انفرد بها "(1)
وقال الحافظ الذهبي :
" لا يجوز لأحد أن يحتج به وقد صنف كتاب " الفتن " فأتى فيه بعجائب ومناكير "(2)
وقال الباحث " عبد العليم البستوي " :
" لقد بحثت كثيراً في مروياته في هذه الرسالة – يعني كتاب الفتن – فوجدت أن أغلب الأحاديث التي تفرد بها ضعيفة بمن هو فوقه ، وغنما فرط نعيم في الجمع بدون تمحيص "(3)
وقال الباحث " رضاء الله المباركفوري " :
" وأما الآثار في كتاب "الفتن " – فزادت عن 800 أثر ، أي أنها تزيد عن الثلث من محتويات الكتاب ، علماً بأن الكثير ممن روى عنهم هذه الآثار عرفوا بالنظر في كتب الإسرائيليات والرواية عنها ، وعلى رأسهم كعب الأحبار وقد بلغت الآثار المروية عنه حوالي 270 أثراً ، وهناك شيء آخر نلاحظه على نعيم بن حماد ، وهو أنه لم يقتصر على رواية أقوال الأئمة المعروفين ، بل تجاوز إلى أن روى أقوالاً كثيرة عمن هم في عداد المجهولين والمبهمين منهم " شيخ أدرك الجاهلية وسقط حاجباه " ثم إنه أفرط في الجمع عنهم دون تمييز أو تمحيص فأورد الكثير من الأوابد الغرائب والمناكير "(4)
ولا أظن أن كتاباً هذا حاله ، يعتمد عليه في هذا الباب الهام من أبواب العقائد ، والعجب أن المؤلف راح يغترف منه بلا روية ويظن أنه وصل إلى نصوص غابت عن الأمة ولم يكتشفها أحد غيره !!
? كتب الفتن والملاحم بشكل عام :
إن كان العلماء قد شددوا في قبول الروايات في أبواب الأحكام والعقائد كما سبق الإشارة إليه ، فإن منهم من نبه إلى أن معظم ما روى في باب الفتن والملاحم لا يصح ، وما صح منه إلا القليل.
__________
(1) " تهذيب التهذيب " لابن حجر (10/412)
(2) " سير أعلام النبلاء " للذهبي (10/609)
(3) رسالة " الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل " (ص96)
(4) تحقيق " السنن الواردة في الفتن لأبي عمرو الداني " (1/147- 148)(1/28)
قال الخطيب البغدادي :
" أحاديث الملاحم وما يكون من الحوادث فإن أكثرها موضوع وجلها مصنوع ، كالكتاب المنسوب إلى دانيال ، والخطب المروية عن علي بن أبي طالب ".
قال :
" قال أبو زكريا – يعني يحيى بن معين – كان أبو اليمان يقول لنا : ألحقوا ألواحاً ، فإنه يجيء هاهنا الآن خليفة بسلمية ، فيتزوج ابنه هذا القرشي الذي عندنا ويفتح باب هاهنا وتكون فتنة عظيمة.
قال أبو زكريا : فما كان من هذا شيء وكان كله باطل " قال :
" وهذه الأحاديث التي يحدثون بها في الفتن وفي الخلفاء تكون كلها كذب وريح لا يعلم هذا أحد إلا بوحي من السماء "(1)
وقال العجلوني في " كشف الخفاء " :
" وباب ظهور آيات القيامة في الشهور المعينة ، ومن المروي فيه : يكون في رمضان هدة وفي شوال همهمة إلى غير من ذلك ما ثبت فيه شيء ومجموعه باطل"(2)
وقال الميموني :
"سمعت أحمد بن حنبل بقول : ثلاثة كتب لها أصول : المغازي والملاحم والتفسير"(3)
قال الحافظ معلقاً :
" ينبغي أن يضاف إليها الفضائل فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي وفي التفسير على مثل مقاتل والكلبي وفي الملاحم على الإسرائيليات ... "(4)
قال الخطيب البغدادي :
" وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوه مرضية وطرق واضحة جلية"(5)
? نماذج مما استدل به المؤلف :
أولا: الأحاديث المرفوعة :
(
__________
(1) "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب البغدادي (2/162)
(2) "كشف الخفاء " (2/568)
(3) " الجامع " للخطيب البغدادي (2/162)
(4) " لسان الميزان " لبن حجر (1/24).
(5) " الجامع " (2/162)(1/29)
1) في ص 23(ص15 في النسخة الإلكترونية) :روى نعيم بن حماد في كتاب الفتن بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سيكون في بني أمية رجل أخنس بمصر ، يلي سلطاناً يغلب على سلطانه أو ينتزع منه فيفر إلى الروم فيأتي بالروم إلى أهل الإسلام فذلك أول الملاحم "
قلت : هذا الحديث رواه نعيم برقم (1341) ورقم (1358)
وإسناده الأول هكذا : حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن كعب بن علقمة سمعت أبا تيم أو أبا تميم عن أبي ذر مرفوعاً به.
وإسناده الثاني هكذا : قال ابن لهيعة حدثني كعب بن علقمة قال سمعت أبا النجم يقول سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول فذكره.
قال الهيثمي في " المجمع ":
" وأبو النجم صاحب أبي ذر لم أعرفه ، وابن لهيعة فيه ضعف "(1)
وقال الحافظ في " الإصابة " :
" أبو النجم غير منسوب ذكره أبو نعيم "(2)
" والحديث ضعفه الألباني في " ضعف الجامع " برقم (3308).
(*)في صفحة 71 (ص51 في النسخة الإلكترونية): فقد روى نعيم بن حماد شيخ البخاري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ويثب الروم على ما بقي في بلادهم من العرب فيقتلونهم حتى لا يبقى بأرض الروم عربي ولا عربية ولا ولد عربي إلا قتل ".\
قلت : هذا جزء من حديث طويل برقم (1252) قال نعيم : حدثنا أبو عمر صاحب لنا من أهل البصرة حدثنا ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت عن أبيه عن الحارث الهمداني عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً به.
وهذا إسناد مظلم ، فأولهم رجل مجهول ، والثاني ابن لهيعة ضعيف .
__________
(1) " مجمع الزوائد " للهيثمي (7/318)
(2) " الإصابة في معرفة الصحابة " لابن حجر (7/411)(1/30)
والثالث : عبد الوهاب بن حسين ، قال الحافظ : عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت وعنه ابن لهيعة ، أخرج له الحاكم في كتاب الأهوال من المستدرك حديثاً وقال : أخرجته تعجباً وعبد الوهاب مجهول ، قال الذهبي في تلخيصه : قلت هذا الخبر موضوع " ا.هـ(1)
والرابع : محمد بن ثابت ضعفه النسائي وابن الجوزي ، وقال يحيى : ليس بشيء ، وقال الرازي : لا يحتج به منكر الحديث ، وقال أبو زرعة : لين ، وقال ابن عدي : عامة أحاديثه لا يتابع عليه ، وقال ابن حبان : يروي عن أبيه ما ليس من حديثه لا يجوز الاحتجاج به ، وقال الأزدي : ساقط دامر "(2)
والخامس : الحارث الهمداني ، وهو الحارث الأعور متهم بالكذب ، وقال النووي متفق على ضعفه ، وكذبه أبو إسحاق والشعبي وابن المديني.
وقال الجوزي : الحارث الأعود كذاب(3).
فهذا حال هذا الحديث ، فهو ضعيف جداً إن لم يكن موضوعاً.
(2) في ص 75(ص53 في النسخة الإلكترونية) : قال : ففي الحديث الصحيح (( بين الملحة وفتح القسطنطينية ست سنوات ويخرج الدجال في السابعة ))
قال في الهامش : صحيح رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة ونعيم بن حماد من حديث عبد الله بن بسر " ا.هـ .
قلت : رواه أبو داود برقم (4296) وابن ماجة برقم (4093) والبزار في مسنده برقم (3505) وأحمد في مسنده (27/171) .
ونعيم بن حماد في " الفتن " برقم (1478) واللفظ له .
كلهم من طريق بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعنه.
__________
(1) " لسان الميزان " لابن حجر (4/87)
(2) راجع " المغني في الضعفاء " للذهبي (2/561) و " الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (3/45)
(3) راجع شرح مسلم للنووي (1/91) " وميزان الاعتدال " للذهبي (2/170 – 171) و" تهذيب التهذيب " لابن حجر (2/126) و"العلل المتناهية " لابن الجوزي (2/709) وغيرهم.(1/31)
قال أحمد بن حنبل : له مناكير عن الثقات ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، وقال ابن المبارك : أعياني بقية ، يسمى الكنى ويكني الأسماء ، وقال بن خزيمة : لا أحتج ببقية ، وقال ابن حبان : سمع من شعبة ومالك وغيرهما أحاديث مستقيمة أحاديث مستقيمة ثم سمع من قوم كذابين عن شعبة ومالك فروى عن الثقات بالتدليس يعني وأسقط أولئك الكذابين بينه وبينهم فلا يحتج به ، وقال أبو مسهر : أحاديث بقية غير نقية فكن منها على تقية ، وقال النسائي : إذا قال حدثنا وأنبأنا فهو ثقة وإذا قال عن فلان وفلان فلا ، روى عنه مسلم متابعة فقط "(1)
وهو هنا لم يصرح بالتحديث ، وعلى ذلك فالحديث ضعيف.
والحديث ضعفه الألباني في "مشكاة المصابيح" (3/1494) وضعيف الجامع (برقم 2361).
(3) في ص 76 (ص54 في النسخة الإلكترونية): روى نعيم بن حماد من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليغزون الهند لكم جيش يفتح الله عليهم حتى يأتوا بملوكهم مغللين بالسلاسل يغفر الله ذنوبهم فينصرفون حتى ينصرفون فيجدون ابن مريم بالشام".
قلت :
رواه نعيم رقم (1236) حدثنا بقية بن الوليد عن صفوان عن بعض المشيخة عن أبي هريرة مرفوعاً به.
والحديث فيه بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعنه وسبق ترجمته ، وفي الإسناد أيضاً رجل مجهول ، فالحديث فيه علتان.
(4) جاء في ص 78 (ص55 في النسخة الإلكترونية)أن من صفات المهدي :
__________
(1) راجع " المغني في الضعفاء " للذهبي (1/109) ، و"الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (1/146) و"الجرح والتعديل " لبن أبي حاتم (1/434- -435) و"التبيين لأسماء المدلسين " لأبي الوفا الطرابلسي (1/34) و"الكامل في ضعفاء الرجال " ابن عدي (2/72) و"طبقات المدلسين" لابن حجر (1/49) و"ضعفاء العقيلي" (1/162) و"المجروحين" لابن حبان (1/200) وغيرهم.(1/32)
" في لسانه ثقل ، وإذا أبطأ عليه الكلام ضرب فخذه اليسرى بيده اليمنى فينطلق ، هذا ما وردت به الآثار في كثير من الأسفار ..."
قلت : يشير إلى ما رواه نعيم بن حماد برقم (1069) حدثنا الوليد ورشيدين عن ابن لهيعة عن إسرائيل بن عبادة عن ميمون القداح عن أبي الطفيل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وصف المهدي فذكر ثقلاً في لسانه ، وضرب بفخذه اليسرى بيده اليمنى إذا أبطأ عليه الكلام ، اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي"
قلت : وهذا حديث إسناده ضعيف جداً .
فيه الوليد بن مسلم وهو مدلس ، وقد عنعنه ، ورشدين بن سعد وهو ضعيف جداً ، قال يحيى بن معين : ليس بشيء ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث وفيه غفلة يحدث بالمناكير عن الثقات ، وقال النسائي ، متروك الحديث وضعفه أبو أحمد وأبو زرعه الرازي وابن عدي ، وقال الجوزجاني : عنده مناكير كثيرة ، وضعفه الحافظ في تقريبه ، وقال الذهبي : سيئ الحفظ.(1)
وفيه أيضاً ابن لهيعة وهو ضعيف .
وميمون القداح لا ادري من هو ، فلم أجد من ترجمه.
(5) جاء في ص 80 (ص56 في النسخة الإلكترونية): روى نعيم بن حماد بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في رمضان آية من السماء كعمود ساطع ، وفي شوال البلاد وفي ذي القعدة الفناء وفي ذي الحجة ينتهب الحاج والمحرم ما المحرم"
قلت : قد رواه نعيم برقم (626) قال عبد الوهاب بن بخت وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره.
(6) وفي نفس الصفحة : وقال صلى الله عليه وسلم : "يكون صوت في رمضان ومعمعة في شوال وفي ذي القعدة تجاذب القبائل ، وعامئذ ينتهب الحاج وتكون ملحمة عظيمة بمنى يكثر فيها القتلى وتسيل فيها الدماء وهم على جمرة العقبة"
__________
(1) راجع ترجمته في "الكاشف" للذهبي (1/396) و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي (ص116) و"الضعفاء والمتروكين" لابن الجوزي (1/284) و"ميزان الاعتدال" (3/75 – 78) وغيرهم.(1/33)
قلت : وقد رواه نعيم برقم (631) حدثا أبو يوسف المقدسي عن عبد الملك بن أب سليمان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
(7) وفي نفس الصفحة : وقال صلى الله عليه وسلم :" إذا كانت صيحة في رمضان فإنه يكون معمعة في شوال .. قلنا : وما الصيحة يا رسول الله ؟ قال : هده في النصف من رمضان ليلة جمعة ، فتكون هده توقظ النائم وتقعد القائم ، وتخرج العواتق من دورهن في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزلازل ، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة فادخلوا بيوتكم ، وأغلقوا أبوابكم ، وسدوا كواكم ، ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم ، فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجداً وقولا : سبحان القدوس ، سبحان القدوس ، ربنا القدوس. فإنه من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل ذلك هلك".
قلت :وقد روى هذا الحديث نعيم بن حماد برقم (638) فقال : حدثنا أبو عمر عن ابن لهيعة قال حدثني عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت البناني عن أبيه عن الحارث الهمداني عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وهذه الأحاديث الثلاثة الأخيرة ، وكل حديث فيه ذكر الصيحات والهدات في الشهور المعينة قد طعن فيها العلماء ومنهم من اعتبرها من الموضوعات.
قال العجلوني في "كشف الخفاء" :
"وباب ظهور آيات القيامة في الشهور المعينة ، ومن المروي فيها : يكون في رمضان هده وفي شوال همهمة إلى غير ذلك ، ما ثبت فيه شيء ومجموعه باطل"(1)
وقد ذكر ابن الجوزي بعضاً منها من حديث أبي هريرة وفيروز الديلمي ، ثم قال : "هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم نقل عن العقيلي قوله : "ليس لهذا الحديث أصل عن ثقة ولا من وجه ثابت"(2)
فلا نطيل بالكلام على رجال الإسناد وخاصة أن فيهم المجهول والضعيف جداً والمتهم بالكذب كالحارث الأعور.
(
__________
(1) "كشف الخفاء للعجلوني" (2/568)
(2) " الموضوعات" لابن الجوزي (3/190 – 192)(1/34)
8) جاء في ص 93 (ص66 في النسخة الإلكترونية):يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه".
قلت :رواه ابن ماجة برقم (4088) من طريق ابن لهيعة عن أبي زرعه عمرو بن العاص بن جابر الحضرمي عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي مرفوعاً به. ورواه البزار برقم (3784) .
وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف ، قال الهيثمي في "المجمع" : "وفيه عمرو ابن جابر وهو كذاب".(1)
(9) جاء في ص 94 (ص66 في النسخة الإلكترونية):
" تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء (رواه أحمد والترمذي ونعيم بن حماد عن أبي هريرة ..)"
قلت : أخرجه الترمذي برقم (2269) والطبراني في الوسط برقم (3536) وأحمد في المسند (8760) ونعيم بن حماد في "الفتن" برقم (584) .
كلهم من طريق رشدين بن سعد عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب عن قبيصة عن أبي هريرة مرفوعاً.
وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف جداً كما تقدم.(2)
وأشار الحافظ ابن حجر إلى ضعف هذا الحديث في القول "القول المسدد"(3)
وأكتفي بهذه النماذج ، وإن كان هناك روايات أخرى فيها ما فيها.
ثانياً : الآثار الموقوفة والمقطوعة :
وهي الروايات المروية عن بعض الصحابة والتابعين ، والأصل أنها ليست حجة في هذا الباب ، لأن الأمور الغيبية لا تعرف إلا بالوحي كما سبق الإشارة إليه ، لا سيما من عرف عنهم النقل عن الإسرائيليات كعبد الله بن عمرو بن العاص ، وكعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهم ، وقد اختلف العلماء في حكم ما رواه الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه ، هل هو في حكم المرفوع أم لا ؟
قال الحافظ :
__________
(1) " مجمع الزوائد" للهيثمي في (7/313) والحديث ضعفه أيضاً الألباني في "ضعيف الجامع" (برقم6422).
(2) انظر ص (45)
(3) "القول السديد في الذب عن مسند الإمام أحمد" (ص 42) والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع ورقم (6420).(1/35)
" والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي – رضي الله عنه – إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا منقولاً عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا ، كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء ، وعن الأمور الآتية كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والأخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع .. إلا أنه يستثنى من ذلك ما كان المفسر له من الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – من عرف بالنظر في الإسرائيليات كمسلمة أهل الكاب مثل عبد الله بن سلام وغيره ، وكعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من كتب أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة ، حتى كان بعض الصحابة ربما قال له : حدثنا عن الأمور التي قدمنا ذكرها الرفع لقوة الاحتمال والله أعلم ".ا.هـ(1)
إن كان الأمر ذكرنا في الصحابة ، فما بالك في التابعين ، لا سيما من عرف منهم بالنقل عن أهل الكتاب كوهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم.
وقد ملأ المؤلف كتابه بالنقل عنهم ، واعتبر ذلك سبقاً واكتشافاً لم يسبقه إليه غيره ، حتى يروج لكتابه ، مثله في ذلك كمثل الكتاب الذين يروجون للخرافات التي يسمونها "بالأطباق الطائرة" ومن يروج فكرة "الكائنات التي تعيش في كواكب أخرى وتريد غزو الأرض" و "الأرواح والأشباح" وغيرهم ممن يستغلون جهل الأمة ، وينساقون وراء الغرب وخرافاته ، أضف إلى لك التكسب المادي من وراء توزيع هذه الكتب بأعداد ضخمة ، والثراء الفاحش على حساب العامة بسبب انتشار الجهل وغياب العلم.
والمقصود أن أقوال التابعين المروية في كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد غالبها لا يحتج به لعدة أسباب :
أولاً : نقل الكثير منهم عن أهل الكتاب وقد تقدم الكلام في ذلك.
ثانيا ً: ضعف غالب الروايات المروية عنهم سنداً .
__________
(1) " النكت على كتاب ابن الصلاح" (ص 192 – 193)(1/36)
ثالثاً : التناقض الشديد في هذه الأخبار والتي لا يمكن الجمع بينها.
فالسبب الأول ظاهر.
والسبب الثاني : وهو ضعف اغلب الروايات سنداً فنذكر أمثلة منها :
(1) جاء في صفحة 23 (ص16 في النسخة الإلكترونية)قوله :
" وروى بسنده – يعني نعيم بن حماد – عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :" إذا رأيتم أو سمعتم برجل من أبناء الجبابرة بمصر له سلطان يغلب على سلطانه ثم يفر إلى الروم فذلك أول الملاحم يأتي الروم إلى أهل الإسلام".
قلت : وقد رواه نعيم برقم (1342) عن كعب عن مولى لعبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو بن العاص وفيه رجل مجهول فالخبر لا حجة فيه.
(2) وجاء في ص 31 (ص20 في النسخة الإلكترونية):
" رو ى نعيم بن حماد بسنده عن محمد بن الحنفية قال : "تخرج راية سوداء لبني العباس ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود وثيابهم بيض .. إلى أن قال : يكون بين خروجه وبين أن يسلم المر للمهدي اثنان وسبعون شهراً "
قلت : وقد رواه نعيم برقم (894) عن الوليد بن مسلم عن أبي عبد الله عن عبد الكريم أبي أمية عن محمد بن الحنفية به.
والوليد بن مسلم مدلس وقد عنعنه ، وأبي عبد الله لا أدري من هو ، وأما عبد الكريم فهو ابن أبي أمية المخارق البصري فقد رماه أيوب السختياني بالكذب وقال أحمد : ليس هو بشيء ، وقال السعدي : ليس بثقة ، وقال ابن حبان : كثير الوهم فاحش الخطأ فلما كثر منه بطل الاحتجاج به ، وقال النسائي والدار قطني متروك.(1)
(3) جاء في ص 35(ص23 في النسخة الإلكترونية) :
"روى نعيم بن حماد بسنده عن كعب قال :" علامة خروج المهدي ألوية تقبل من المغرب عليها رجل أعرج من كندة"
قلت : رواه نعيم برقم (952) حدثنا أبو يوسف عن محمد بن عبيد الله عن يزيد السندي عن كعب به.
وأبو يوسف لا أدري من هو.
__________
(1) راجع "الضعفاء والمتروكين" لابن الجوزي (2/114) وغيره(1/37)
ومحمد بن عبيد الله هو العرزمي الكوفي ، قال الذهبي : هو من شيوخ شعبة المجمع على ضعفه(1)فلا نطيل في ترجمته.
(4) جاء في ص 51 – 52 (ص 36 في النسخة الإلكترونية):
" قال نعيم بن حماد (شيخ البخاري) وساق بسنده إلى علي بن طالب رضي الله عنه قال :" إذا ظهر أمر السفياني لم ينج من ذلك البلاء إلا من صبر على الحصار".
قلت : رواه نعيم برقم (699) حدثنا الوليد ورشدين عن ابن لهيعة عن أبي قبيل عن أبي رومان عن علي به والوليد مدلس كما سبق وقد عنعن ، ورشدين هو ابن سعد سبق ترجمته وهو ضعيف جداً.
وابن لهيعة أيضاً ضعيف.
(5) جاء في ص 54 (ص 37 في النسخة الإلكترونية):
" فقد روى نعيم بن حماد عدة آثار في صفة السفياني منها : السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان ، رجل ضخم الهامة بوجهه آثار جدري ، وبعينه نكتة بيضاء.." .
قلت : رواه نعيم برقم (812) حدثنا عبد القدوس وغيره عن ابن عياش عمن حدثه عن محمد بن جعفر عن علي به وفه من لم يسم ، فلا حجة فيه.
(6) في نفس ص 54 (ص37 في النسخة الإلكترونية):
"يخرج رجل من ولد أبي سفيان في الوادي اليابس في رايات حمر ، دقيق الساعدين والساقين ، طويل العنق ، شديد الصفرة ، به أثر العبادة" .
قلت رواه نعيم برقم "815" حدثنا عمر عن ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت عن أبيه عن الحارث عن عبد الله قال فذكره.
وهذا إسناد مظلم جداً ، أبو عمر هذا لا يعرف وبد الوهاب كذلك وشيخه.
كما ذكر ابن كثير في "النهاية"(2)نقلاً عن الحافظ الذهبي.
وفيه أيضاً ابن لهيعة وهو ضعيف ، والحارث الهمداني وهو متهم بالكذب.
(7) جاء في صفحة 80 – 81 (ص56 في النسخة الإلكترونية):
__________
(1) " ميزان الاعتدال" (3/635)
(2) "نهاية البداية والنهاية" لابن كثير (ص 128)(1/38)
" وقال محمد بن علي : إن لمهدينا آيتين لم يكونا منذ خلق الله السماوات والأرض ، ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان وتنكسف الشمس في النصف منه ، ولم يكونا منذ خلق الله السماوات والأرض (أخرجه الدار قطني)."
قلت : رواه الدار قطني في سننه (2/65) حدثنا أبو سعيد الأصطخري ثنا محمد بن عبد الله نوفل ثنا عبيد بن يعيش ثنا يونس بن بكير عن عمرو بن شمر عن جابر عن محمد بن علي به .
وفيه عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي ، قال يحيى : ليس بشيء ، وقال الجوزجاني : زائغ كذاب ، وقال ابن حبان : رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي والدار قطني وغيرهما : متروك.(1)
وأما جابر فأظنه الجعفي الرافضي ، وأبو عبد الله الكوفي ، قال فيه الحافظ : ضعيف رافضي من الخامسة .(2)
(8) جاء في ص 81 – 82 (ص58 في النسخة الإلكترونية):
" فقد ساق بسنده – يعني نعيم – عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إذا انقطعت التجارات والطرق ، وكثرت الفتن ، خرج سبعة رجال علماء من أفق شتى على غير ميعاد ، يبايع لكل رجل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً حتى يجتمعوا بمكة فيلتقي السبعة فيقول بعضهم لبعض : ما جاء بكم ؟ فيقولون جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه الفتن ..." الخ.
قلت : رواه نعيم برقم (1000) حدثنا أبو عمر عن ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت عن أبيه عن الحارث عن عبد الله بن مسعود به.
وهو إسناد ساقط جداً وقد تقدم.
(9) جاء في ص 83 (ص58 في النسخة الإلكترونية):
" وفي رواية : فيأتونه – يعني المهدي – وهو ملصق وجهه إلى الكعبة يبكي ، قال عبد الله بن عمرو راوي الحديث : كأني أنظر إلى دموعه. وفي رواية : ترعد فرائصه ".
__________
(1) راجع "ميزات الاعتدال" للذهبي (3/268)
(2) "تقريب التقريب" للحافظ ابن حجر (ص 137)(1/39)
قلت : أما الرواية الأولى فرواها نعيم بن حماد برقم (987) من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي وهو مجمع على ضعفه كما تقدم.
وأما الرواية الأخرى فهي برقم (992) حدثنا الوليد عن شيخ عن الزهري عن عبد الله بن عمرو وفيها رجل لم يسم.
(10) جاء في ص 84 (ص59 في النسخة الإلكترونية):
" وروى نعيم أيضاً أن المهدي يظهر بمكة (بجوار الكعبة) عند العشاء ، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته فيحمد الله ويثني عليه ثم يقول : أذكركم الله أيها الناس ، ومقامكم بين يدي ربكم ..." إلخ.
قلت : رواه نعيم برقم (999) من طريق جابر الجعفي وهو متهم بالكذب.
وأكتفي بهذا القدر مما ساقه المؤلف حتى لا يطول هذا الرد ، وإلا فهناك روايات أخرى كثيرة فيها ضعف سنداً.
وأما السبب الثالث في ضعف الاحتجاج بآثار التابعين التي أوردها نعيم بن حماد : وهو تناقضها واضطرابها اضطراباً شديداً في الموضوع الواحد مما يصعب أو قل يستحيل التوفيق بينهما.
ومن ذلك مثلاً :
(1) في مكان خروج الدجال ، فروى عن كعب انه يخرج من جانب البحر (نعيم 1492) وعنه أيضاً أن مولده بقرية من قرى مصر (نعيم 1497) وعن الحسن البصري أنه يخرج من خراسان (نعيم 1502) وغير ذلك.
(2) في اسم السفياني : فجاء عن كعب أن اسمه عبد الله بن يزيد وهو الأزهر بن الكلبية أو الزهري بن الكلبية (نعيم 808) وعن الزهري مثله (نعيم 860) وعن البسطامي أنه معاوية بن عنبسة (نقله المناوي في فيض القدير 4/128)
(3) في عمر المهدي : فعن أرطأة أنه ابن ستين سنة (نعيم 1075) وعن كعب أنه ابن أحد أو اثنين وخمسين سنة (نعيم 1066) وعن عبد الله بن الحارث أنه ابن أربعين سنة (1067) وعن ابن عباس قال : هو شاب (نعيم 1068) وغيرها.
(4) في نسب المهدي : فعن كعب أنه في ولد العباس (نعيم 1105) وعنه أيضاً أنه من ولد فاطمة (نعيم 112) وعنه أيضاً أنه من قريش (نعيم 1115) وعن أبي قبيل أنه من ولد الحسين (نعيم 101)وهكذا.
((1/40)
5) في مدة بقاء المهدي : فعن أرطاة بن المنذر : أنه يبقى أربعين سنة (نعيم 1120) وعن ضمرة بن حبيب : ثلاثون سنة (نعيم 1129) وعن الزهري : يعشي المهدي أربع عشرة سنة ثم يموت موتاً (نعيم 1132)..وهكذا.
ولو تتبعنا ما في كتاب الفتن " لنعيم بن حماد لوجدنا فيه العجائب وهذا هو الذي جعله المؤلف على رأس قائمة الكتب التي يحتج بها. فنكتفي بهذه الإشارات.
الفصل الثالث
مخطوطات مجهولة
? أهمية الإسناد لهذه الأمة :
إن من نعم الله على هذه الأمة ، أن جعل فيها رجالاً يحفظون نصوص هذا الدين جيلاً بعد جيل إلى أن وصل إلينا بغير انقطاع ، وهذا ما يسمى بالإسناد الذي لا تعرفه الأمم الأخرى وهو من مميزات هذه الأمة ليتحقق وعد الله عز وجل { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [الحجرات : 9]
وبوب الإمام مسلم في مقدمة صحيحة " باب في أن الإسناد من الدين " ثم روى بإسناده عن محمد بن سيرين قوله : "إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم".
وعنه أيضاً قال : " لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة ، قالوا : سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ".
وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله قال : " الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد ، لقال من شاء ما شاء " .
وعنه أيضاً قال : " بيننا وبين القوم القوائم . يعني الإسناد ".(1/41)
وعن أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال : قلت لعبد الله بن المبارك : يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء : إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك ، وتصوم لهما مع صومك . قال : فقال عبد الله : يا أبا إسحاق عمن هذا ؟ قال : قلت له هذا من حديث شهاب بن خراش ، فقال : ثقة عمن ؟ قال : قلت : عن الحجاج بن دينار . قال ثقة ، عمن ؟ قال قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . قال يعني ابن المبارك – يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطيّ"(1)
قال العلامة القاسمي :
" إعلم أن الإسناد في اصله خصيصة فاضلة لهذه الأمة ،ليست لغيرها من الأمم قال ابن حزم : نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال ، خص الله به المسلمين دون سائر الملل ، وأما من الإرسال والإعضال فيوجد في كثير من اليهود ، ولكن لا يقربون فيه من موسى قربنا من محمد صلى الله عليه وسلم ، بل يقفون بحيث يكون بينهم وبين موسى أكثر من ثلاثين عصراً ، وإنما يبلغون إلى شمعون ونحوه . قال : وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق فقط ، وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب أو مجهول العين فيكثر في نقل اليهود والنصارى"(2)
? فائدة الإسناد للكتب والمخطوطات :
" اعلم أن في تطلب أسانيد الكتب غاية للحكماء سامية ، ألا وهي التشوف إلى الرجوع إليها ، وطالعتها ، فإن العاقل إذا رأى حرص الأقدمين على روايتها بالسند إلى مصنفيها ، علم أن لها مقاماً مكيناً في سماء العرفان ، فيأخذ في قراءتها واقتباس الفوائد والمعارف منها ، فيزداد تنوراً وترقياً في سلم العلوم فإن العلم قوام العالم ، وعماد العمران ، وهو الكنز الثمين والذخر الذي لا يفنى.
__________
(1) " مقدمة صحيح مسلم "للنووي (1/79 – 83)
(2) " قواعد التحديث" للقاسمي (ص201)(1/42)
ومن فوائد أساليب الكتب . حفظها من النسيان والضياع ، ومن فوائدها نشر العلوم والمعارف وترويجها وإذاعتها بين الخاصة والعامة لتقف عليها الطلاب ، ومنها : الترغيب والتشويق لمطالعة الكتب ، فإن الرغبة في المطالعة من أكبر النعم التي خص بها نوع الإنسان ، ومن فوائدها : الدلالة على اعتبار الأولية لكتب العلم والتنويه بشأنها ، وتعظيم قدرها وإعلائها ، فإن كتبهم تحمل علومهم ومعارفهم...."(1)
* ثلاث مخطوطات مجهولة :
لقد احتج المؤلف بمخطوطات مجهولة الهوية ، الأولى منها لرجل يسمى كلدة بن زيد بن بركة المدني بعنوان ( أسمى المسالك لأيام المهدي الملك لكل الدنيا بأمر الله المالك ) وذكر أنه من علماء القرن الثالث الهجري ( في ص 21"ص14 في النسخة الإلكترونية")وأما المخطوط الثاني فلرجل مجهول ، ويدعى أن هذا المخطوط من القرن الثالث الهجري لتابعي شامي لم يذكر أسمه ولا أي شيء عنه ( في ص22"ص15 في النسخة الإلكترونية").
وأما المخطوط الثالث فقد جاء في ص39(ص26 في النسخة الألكترونية) أنه مخطوطة نادرة من القرن الثالث الهجري منسوب للصحابي الجليل أبس هريرة .
ولا يعنينا ما ورد في هذه المخطوطات لأنها بتراء ، ومجهولة الهوية ولا يجوز الاحتجاج أو الاستشهاد بها للأسباب التالية :
أولاً : أنها مخطوطات مجهولة الإسناد ، وقد قدمنا أهمية الإسناد لهذه الأمة ، وأنه من الدين ، فأي مخطوط مهما كان شأنه لابد من بيان هويته كاملة وأول شيء فيها الإسناد الذي به وصل إلينا ، وإلا أصبح الأمر فوضى لكل أحد أن يأتي بأي أثر أو كتاب أو غيرة وينسبه لمن شاء وكيف شاء ، فهذه المخطوطات التي ساقها المؤلف مبتورة تماماً فلا يسوغ نشرها على الإطلاق إلا بجلاء حقيقتها وإسنادها.
__________
(1) " قواعد التحديث" للقاسمي (ص215)(1/43)
ثانياً : أنها مخطوطات لأشخاص مجهولين ، فقد ثبت عمن يدعى ( كلدة بن زيد بن بركة المدني ) في كتب التراجم كالجرح والتعديل " لأبي حاتم " ، و " تهذيب الكمال " للمزي ، " والضعفاء المتروكين " للنسائي ، ولابن الجوزي ، تقريب التهذيب لابن حجر ، " سير أعلام النبلاء للذهبي وغيرها الكثير ، وأيضا كتب العلل وكتب السير " كالبداية والنهاية " لابن كثير والطبقات الكبر لابن سعد وغيرها.
وكذلك المخطوط الثاني لرجل مجهول , المؤلف نفسه لا يعرف له إسما وإلا كان قد ذكر, وسوغ لنفسه أن يستشهد بكلام رجل مجهول.
وأما المخطوط الثالث فقد نسبة إلى أبي هريرة رغم أنة يعترف بأنة من القرن الثالث الهجري, فأين إسناده إلى أبي هريرة ,فهلا ذكره حتى يتبين لنا حقيقة الأمر !!!
ثالثاً: مما يؤكد بطلان المخطوط المنسوب إلى أبي هريرة هو ذكره لأحداث مستقبلية بتواريخ هجرية , فإن كان المخطوط صحيحا فالمفروض أن هذه الأمور المستقبلية منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنها أمور لا تعرف إلا بوحي , فكيف يسوغ ذلك ولم يؤرخ المسلمون بالتاريخ الهجري إلا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
... قال الإمام القرطبي :
... " التاريخ لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وإنما وضعوه على عهد عمر رضي الله عنه ، فكيف يجوز هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقال في سنة مائتين أو سنة عشرين ولم يكن وضع شيء من التاريخ ".
... قال :(1/44)
... " والذي ينبغي أن يقال به في هذا الباب أن ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفتن والكوائن أن ذلك يكون ، وتعين الزمان في ذلك من سنة كذا يحتاج إلى طريق يقطع العذر ، وإنما ذلك كوقت قيام الساعة ، فلا يعلم أحد أي سنة هي ، ولا أي شهر ، أما إنها ستكون في يوم جمعة في آخر ساعة منه وهي التي خلق الله فيها آدم عليه الصلاة والسلام ، ولكن أي جمعة لا يعلم تعين ذلك اليوم إلا الله وحده لا شريك له ، وكذلك ما يكون من الأشراط تعين الزمان لها لا يعلم والله أعلم " أ.هـ(1)
رابعا:حتى لو عرف الإسناد و كان صحيحا،و عرف صاحب المخطوط و كان ثقة،فإنه أيضا لا حجة فيه لما تقدم أن خبر الأمور الغيبية لا يقبل إلا بنص صريح عن النبي صلى الله عليه و سلم أو أحد صحابته ممن لا يعرف بالرواية من الإسرائيليات كما تقدم بيانه.
الفصل الرابع
أقوال الكهان والعرافين
* معنى الكاهن والعراف :
... جاء في لسان العرب عن الأزهري أنه قال :
... " الكاهن " الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان وبدَّعي معرفة الأسرار ، وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما ، فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً من الجن ورئياً يلقى إليه الأخبار ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أساب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم " العراف " كالذي يدَّعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما »(2)
ومعنى هذا أن العرف من جنس الكهان , وهذا هو الذي ذهب إلية النووي في شرح مسلم
ونقل صاحب "فتح المجيد " عن شيخ الإسلام ابن تيميه قولة : "إن العراف اسم لكاهن والمنجم والرمال نحوهم , كالحازر الذي يدعي علم الغيب أو يدعى الكشف "
قال صاحب "فتح المجيد " :
__________
(1) "التذكرة " القرطبي ( ص / 619-620)
(2) ... "لسان العرب " لابن منظور (13/363)
(2) ... شرح مسلم للنووي (14/187)(1/45)
"والمقصود من هذا , معرفة أن من يدعي معرفة علم الشيء من المغيبات فهو إما دخل في اسم الكهان وإما مشارك له في المعنى فليحق به , وذلك أن إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف ، ومنه ما هو من الشياطين ، ويكون بالفأل والزجر والطيرة والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والكهانة والسحر ونحو هذا من علوم الجاهلية : كل من ليس من اتباع الرسل عليهم السلام ، كالفلاسفة والكهان والمنجمين ، وجاهلية العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وكل هذه الأمور يسمى صاحبها كاهناً أو عرافاً أوفي معناهما "(1)
فائدة :
يدخل في معنى الكهانة من يتعاطون ما يسمى بحروف " أبي جاد " وهو ضرب من ادعاء الأمور الغيبية باستخدام الحروف العربية ، وذلك يجعل لكل حرف منها رقماً فلكياً معيناً ، فيزعمون معرفة الخط من خلال الأسماء وغيرها ، ويدخل فيهم من يحدد قيام الساعة بواسطة الحروف المقطعة في أوائل سور القرآن.
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : " إن قوماً يحسبون أبا جاد وينظرون في النجوم ، ولا أرى لمن فعل ذلك من خلاق "(2)
وفي لفظ ." رب متعلم حروف أبي جاد ، حاذق في النجم ، ليس له عند الله خلاق يوم القيامة."(3)
قال الحافظ بن حجر :
__________
(1) " فتح المجيد " لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ( ص 295 )
(2) رواه البيهقي في سننه برقم ( 16291) من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس موقوفاً . ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم (25648) ومعمر بن راشد في جامعه برقم ( 19805)
(3) رواه الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب " برقم (3250) . وقد روى مرفوعاً ولكن لا يصح ، فقد رواه الطبراني في الكبير برقم (1980) من طريق خالد بن يزيد العمري وهو كذاب كما قال الهيثمي في " المجمع " (5/117)(1/46)
" وقد ثبت عن ابن عباس الزجر عن أبى جاد والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر ، وليس ذلك ببعيد فإنه لا أصل به في الشريعة "(1)
على أن هؤلاء المنجمين مختلفون في هذه الحروف وحساباتهم ، فالمشارقة يجعلون لحرف السين رقم ستون ، والصاد تسعون . أما المغاربة فيجعلون السين بثلاثمائة والصاد بستين وهكذا ، وبالتالي تكون النتيجة أنهم مختلفون وهذا مؤكد ، { ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور } [ النور : 40 ]
? حكم سؤال الكهان والاستشهاد بكلامهم :
ثبت في صحيح مسلم عن صفية عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة »(2). وفيه أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله : إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشيء فنجده حقاً ، قال : تلك الكلمة الحق ، يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ويزيد فيها مائة كذبة "(3)
وروى أصحاب السنن والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - »(4)
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ليس منا من تكهن أو تُكهن له ، أو سحر أو سُحر له ، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - »(5)
والنصوص في تحريم سؤال الكهان أو تصديقهم أو الاستشهاد بكلامهم كثيرة جداً.
__________
(1) " فتح الباري " (11 / 351)
(2) صحيح مسلم برقم (2230) " باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان"
(3) برقم (2228)
(4) وصححه الألباني في تخريجه للطحاوية (ص 502)
(5) قال صاحب " كتاب التوحيد " رواه البزار بإسناد جيد (ص 294)(1/47)
قال صاحب فتح المجيد معلقاً على حديث أبي هريرة : " وفيه دليل على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر ، والمصدق لهما يعتقد ذلك ويرضى به وذلك كفر أيضاً "(1).
قال شارح الطحاوية :
" ويدخل في هذا المعنى ما تعاطاه المنجم وصاحب الأزلام التي يستقسم بها مثل الخشبة المكتوب عليها ( أ ب ج د ) والضارب بالحصى ، والذي يخط الرمل ، وما تعاطاه هؤلاء حرام ، وقد حكى الإجماع على تحريمه غير واحد من العلماء كالبغوي والقاضي عياض وغيرهما"
قال : " وصناعة التنجيم التي مضمونها الأحكام والتأثير ، وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية .. صناعة محرمة بالكتاب والسنة ، بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين "(2).
ولذلك ذكر الإمام الطحاوي في عقيدته : " ولا نصدق كاهناً ولا عرافاً ، ولا من يدعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة "(3). فجعلها من أبواب الاعتقاد.
? احتجاج المؤلف بالكهان والعرافين :
رغم أن حكم الكهان والعرافين معروف لدى طلاب العم فضلاً عمن يدعي أنه من الدعاة وأهل العلم ، فإن المؤلف راح يستشهد بكلام رجل من أكبر العرافين والكهان وهو المدعو "نوسترادا موس" والذي راح ينشر تنبؤاته وخرافاته بين الأمريكان والأوروبيين فتجد له أذن صاغية ، نتيجة لما هم عليه من انحراف عن دينهم وفراغ روحي ، يجعلهم يتلهفون على قبولها ، بل إن المؤلف ذكر بنفسه أن واضعي السياسة هناك يعتمدون عليها في كثير من قراراتهم السياسية والعسكرية.
__________
(1) " فتح المجيد " (ص294)
(2) "شرح الطحاوية " (ص 503) .
(3) السابق(1/48)
ثم وقع صاحبنا في مثل ما وقع به القوم فراح يستشهد بكلام لهذا الكاهن منبهراً به ، وأنه ذكر أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 ميلادي ، والتي حدثت في أمريكا ثم تنبأ بأن عقب ذلك تنشب الحرب الثالثة العظمى ، وهذا ما يعتقده المؤلف ، وراح يؤكد عليه ويستشهد له بكل ما هب ودب ، وحتى لا يتهمه أحد من المسلمين بأنه يصدق كلام الكهان وينشره بين المسلمين ، راح يدافع عن هذا الكاهن وينفي عنه صفة الكهانة وأنه ما وضع هذه التنبؤات إلا من تراثنا المنهوب – بزعمه –
قال المؤلف في ص 14 (ص9 في النسخة الإلكترونية): (( هذا العراف وهو طبيب في الأصل، لم يأت بما أتى من باب الكهانة أو العرافة ، وإنما اطلع على مخطوطات إسلامية حصل عليها وورثها من أجداده اليهود كما ذكر هو في مقدمة رباعياته ، وقد كان أجداده أمناء لمكتبة المسجد الأقصى فأخذوا هذه الموروثات الإسلامية فكانت مصدراً رئيسياً له في تنبؤاته بجانب موروثات اليهود والنصارى والتي فيها بعض العلم الذي لم يغير ولم يبدل ))
وهذا كلام خطير مملوء بالأباطيل ، ما سمعنا به من قبل ، ولا نعلم أن أحداً من أهل العلم والدعاة يجرؤ أن يقول مثله.
فأول هذه الأباطيل : اعترافه بأنه عراف بقوله :" هذا العراف " وقوله قبل ذلك : " فإن المنجم الفلكي اليهودي الشهير ميشيل نوسترادا موس ".
والثاني : أنه زعم أن عمله هذا مأخوذ من مخطوطات إسلامية وهذا كلام باطل ، وزعم زائف ليس له وجود ، ولا يجوز الاحتجاج به حتى نرى هذه المخطوطات المزعومة ، ولقد ناقشنا مسالة الاحتجاج بالمخطوطات المجهولة في فصل سابق.
والثالث : قوله بان تنبؤات هذا الرجل فيها عض العلم من اليهود والنصارى والذي لم يغير ولم يبدل.
وهذه جراه على الله عز وجل وبهتان ، فكيف علمت ذلك ؟!(1/49)
هل قالوا لك أن هذا من العلم الذي لم نحرفه في كتبنا فصدقتهم بذلك ؟ أم أنك أنت الذي حكمت بهذا الحكم نظراً لأن ما نقله هذا الكاهن وافق – أو أردت أن يوافق – هذه المسرحيات التي أخرجتها للناس فزادتهم جهلاً على جهلهم.(1)
فهلا اتقيت الله عز وجل في هذه الأمة !!
الفصل الخامس
تحليلات الساسة من الغرب والشرق
وهذا مما يتعجب له المرء ، أن يكتب رجل يزعم أنه من أهل الدعوة والعلم ، في أمر من أمور العقيدة والغيبيات ثم يستدل بأقوال سياسيين لا شأن لهم في أمر الدين ولا معرفة.
? سياسيون وكتاب غربيون :
ذكر المؤلف أنه أورد في كتابه " عمر أمة الإسلام " طائفة من أقوال رؤساء وعلماء ومثقفي الغرب بشأن ما يسمى بمعركة "هرمجدون" المزعومة ثم نقل هذا الكتاب نصاً واحداً لكل طائفة من طوائف القوم من باب الإشارة وبيان معتقدهم في هذه الكلمة "هرمجدون"
فمما نقله عن الرئيس الأمريكي السابق " رونالد ريجان " قوله :" إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيرى هرمجدون "
ويقول "جيري فولويل " : زعيم الأصوليين المسيحيين .
" إن هرمجدون هي حقيقة ، وإنها حقيقة مركبة ،ولكن نشكر الله أنها ستكون نهاية العامة"
وهذه الكاتبة الأمريكية "جريس هالسل" تقول في كتابها " النبوءة والسياسة " " إننا نؤمن كمسيحيين أن تاريخ البشرية سوف ينتهي بمعركة تدعى هرمجدون ، وأن هذه المعركة سوف تتوج بعودة المسيح الذي سيحكم بعودته على جميع الحياء والموات على حد سواء "
__________
(1) ومن أباطيل هؤلاء الكهان والعرافين ، ما نقله ابن كثير عن ابن القيم الجوزي في أحداث سنة أربع وثمانين ومائتين قال : " وفي هذه السنة وعد المنجمون الناس أن أكثر الأقاليم ستغرق في زمن الشتاء من كثرة الأمطار والسيول وزيادة الأنهار ، وأجمعوا على هذا الأمر ، فأخذ الناس كهوفاً في الجبال خوفاً من ذلك ، فأكذب الله تعالى المنجمين في قولهم فلم تكن سنة أقل مطراً منها " (البداية والنهاية 7/456)(1/50)
ونقل عنها أيضاً قولها : " ويعتبر العسكريون – خاصة الغزاة القدماء – هذه المنطقة موقعاً استراتيجياً يستطيع أي قائد يستولي عليه أن يتصدى لكل الغزاة "(1)
فما لنا ولهم فليعتقدوا بما شاؤا ، وكم اعتقدوا من أباطيل وخرافات فلا يسوغ لنا كمسلمين ، فضلاً عن الدعاة أن نلهث وراء تحليلات الغرب من أهل الضلال والانحراف ، فلن يهدونا وقد ضلوا.
? سياسيون شرقيون :
وهذا من أعجب العجب ، فعندما أراد أن يثبت أن موت خليفة السعودية يعني به الملك فهد بن العزيز – هو المقصود في الحديث" يكون اختلاف عند موت خليفة .."(2)
وهذا ذكره في ص76 (ص42 في النسخة الإلكترونية)، وفي ص96(ص68 في النسخة الإلكترونية).
فلم يجد ما يؤكد به كلامه إلا تحليلات الصحفي الماركسي " محمد حسنين هيكل " منظر النظام الناصري صاحب النكسات .
قال :
__________
(1) كل هذه النقول في ص (60 – 61)
(2) وهو حديث رواه أبو داود (4280) وأحمد (26731) من طريق هشام عن قتادة عن أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة مرفوعاً به وصاحب أبي الخليل هذا هو "عبد الله بن الحارث بن نوفل " سماه أبو حاتم الرازي في " العلل" (2/410) وكذا المزي في "التهذيب" (35/ 80) وهو ثقة إجماعاً ، والحديث رواه الطبراني في الأوسط (1153) من طريق معمر عن قتادة عن مجاهد عن أم سلمة به قال الهيثمي في "المجمع" (7/315) " ورجاله رجال الصحيح " ورواه أيضاً ابن حبان في صحيحة (6757) من طريق هشام عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن مجاهد عن أم سلمة به ، وكذا رواه أبو يعلي في مسنده (6940) وله وجه آخر كرواية أحمد وأبي داود . قال ابن القيم : والحديث حسن ومثله مما يجوز أن يقال فيه صحيح "المنار المنيف ص144) لكن ضعف الحديث الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (1965) من اجل الاضطراب في إسناده ، فالله تعالى أعلم بالصواب.(1/51)
" ويكون هناك قتال على الملك واختلاف ثلاثة من السرة على الزعامة والقيادة وقد أفرد الأستاذ محمد حسنين هيكل فصلاً بعنوان (نظرة على الأوضاع في السعودية) في كتابه القيم "المقالات اليابانية" أشار فيه إلى المتربصين بالملك المتطلعين إليه من الأخوة الأشقاء (السديريين) للملك فهد وهم الأمير سلطان قائد الجيش ووزير الدفاع والأمير سلمان ، ومن جهة الأخ غير الشقيق ابن البدوية ولي العهد وقائد الحرس الوطني "(1). فلا ادري ما شأن هذا الماركسي وشأن هذا الدين.
ألم يعلم المؤلف كم جلب علينا من مصائب هو ونظامه لازلنا نعاني منها حتى الآن .
وأنا أذكره هو وغيره ممن ينسون التاريخ أنه "كتب في سخف من القول ما فحواه أن سبب هزيمة سنة 1948م أن مصر والبلاد العربية لم تكن في حالة اشتراكية !! وأن الرجال الذين تركوا أوطانهم وراحوا يحاربون في فلسطين لم يكن لديهم شيء يملكونه أو يحرصون عليه أو يدافعون عنه من أجل هذه الأوطان ، ثم يخلص إلى القول – في تندر وسخرية – ومن ثم لم يكن لديهم إلا " وعد بالجنة بعد الموت"(2)!!
ومن تحليلاته أيضاً ما كتبه في صحيفة الأهرام يحذر فيه القوات المسلحة – وذلك قبيل حرب 1973م – ليس من الحرب فحسب ، وإنما من مجرد التفكير في عبور القناة إلى الضفة الأخرى ، لأن خط بارليف سيحرقهم ويحولهم إلى رماد ، وان الخسائر ستكون رهيبة .. وذلك في مقال اسماه " تحية للرجال " مما دعا " عبد الهادي ناصف " لأن يرد على هيكل برأي المصريين جميعاً في صحيفة الجمهورية بمقال تحت عنوان "تحية مردودة من الرجال ويقصد مرفوضة"(3)
__________
(1) ص (96)
(2) مستفاد من كتاب " الماسونية ... عقدة المولد وعار النهاية" لمحمود الشاذلي (ص367)
(3) "الماسونية .. عقدة المولد وعار النهاية" (ص441)(1/52)
هذا جانب من فكر هذا الرجل ، ولست هنا بصدد توجيه الاتهامات لأحد ، ولكننا ندافع عن هذا الدين أن يدخل فيه ما ليس منه ، وأيضاً فإن هناك أصولاً لمن أراد أن يكتب في علوم الشريعة يجب مراعاتها ، والرجوع إلى منهج السلف وأهل العلم فمن حاد عنها يجب إيقافه عند حده ،حتى لا يسن في الإسلام سنة سيئة فيجد له أتباعاً ، ويكفينا ما نحن فيه .
{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سيبل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } [النساء :115]
الباب الثاني
المناقشة التفصيلية للكتاب
الفصل الأول : الأخنس وأمير الكويت.
الفصل الثاني : السفياني وصدام حسين.
الفصل الثالث : من هو الأعرج الكندي.
الفصل الرابع : الرايات السود وحركة طالبان.
الفصل الخامس : ما يسمى : هرمجدون.
الفصل الأول
الأخنس وأمير الكويت
? الأخنس وفتنة السراء :
ذكر المؤلف في ص 19(ص13 في النسخة الإلكترونية) حديثاً رواه أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن عمر قال كنا قعوداً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الفتن فأكثر في ذكرها ... إلى أن قال : ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني ...(1)
فاستنتج المؤلف أن فتنة السراء هي غزو العراق للكويت ، بسبب الثروات والبترول ، وأن أمير الكويت هو الأخنس الذي هرب وجاء بالروم – أي الغرب – لإعادته للملك.
واستدل على ذلك بحديث رواه نعيم بن حماد عن أب ذر رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " سيكون في بني أمية رجل أخنس بمصر يلي سلطاناً ، يعلب على سلطانه أو ينتزع منه ، فيفر إلى الروم ، فيأتي بالروم إلى أهل فذلك أول الملاحم "(2)
__________
(1) رواه أبو داود (4242) وأحمد (616) وأبو نعيم (93) والحاكم (8441) وصححه. أيضاً الألباني في صحيح الجامع برقم (4194).
(2) سبق تخريجه وأنه ضعيف . راجع ص (41) من هذا البحث(1/53)
وذكر أن معنى أخنس من خنس يعني اختفى وفر إلى الروم ، وأن معنى مصر أي بلد.
قلت : هذه الاستنتاجات كلها باطلة من وجوه :
أولاً : أن تكملة حديث فتنة السراء " ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع .."
أي أنه يعقب هذه الفتنة اجتماع الناس على حاكم غير أهل للحكم.
قال صاحب " عون المعبود " :
" ( ثم يصطلح الناس على رجل ) أي يجتمعون على بيعة ( رجل كورك ) بفتح وكسر قاله القاري ( على ضلع ) بكسر ففتح ويسكن واحد الضلوع أو الأضلاع قاله القاري. قال الخطابي : هو مثل ومعناه الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك ، وبالجملة : يريد أن هذا الرجل غير خليق للملك ولا مستقل به "(1). فهل حدث هذا بعد غزو العراق للكويت
ثانياً : أن الذي حرك الفتنة عام 1990 للميلاد هو حاكم العراق والذي أقدم على غزو الكويت ولا يمارس في ذلك اثنان.
بينما في الحديث " دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني " .
قال صاحب " عون المعبود " :
" ( دخنها ) يعني ظهورها وإثارتها ، شبهها بالدخان المرتفع .. (من تحت قدمي رجل من أهل بيتي ) تنبيهاً على أنه هو الذي يسعى في إثارتها أو إلى أنه يملك أمرها "(2)
فهل حاكم الكويت ينطبق عليه هذا الوصف ؟
ثالثاً : أن من العلماء من فسر فتنة السراء بأمر مختلف عما ذهب إليه المؤلف.
__________
(1) " عون المعبود " للعظيم آبادي ( 11/242)
(2) "عون المعبود " (11/242).(1/54)
فقال "ولي الله الدهلوي " العلامة صاحب " حجة الله البالغة " : " وفتنة السراء إما تغلب المختار(1)وإفراطه في القتل والنهب يدعو ثأر أهل البيت ، فقوله عليه السلام (يزعم أنه مني) معناه من حزب أهل البيت وناصريهم ، ثم اصطلحوا على مروان وأولاده ، أو خروج أبي مسلم الخرساني لبني العباس يزعم انه يسعى في خلافة أهل البيت ثم اصطلحوا على السفاح"(2).
رابعاً : استدلاله بالرواية الثانية الضعيفة ، وتحريفه الكلم عن مواضعه فجاء في هذه الرواية : " سيكون في بني أمية رجل أخنس "
ففسر أخنس بمعنى خنس أي اختفى وفر إلى الروم.
وهذا تحريف ظاهر إما متعمد وإما عن جهل.
قال القرطبي :
والخنس تأخر النف عن الوجه مع ارتفاع قليل من الأرنبة ، والرجل أخنس والمرأة خنساء(3)
وقال المناوي : " (أخنس) منقبض قصبة الأنف عريض الأرنبة"(4)
وقال ابن الأثير :
الخَنس بالتحريك انقباض قصبة الأنف وعِرَض الأرنبة ،والرجل : أخنس والجمع :خُنس "(5)
فهر بذلك أن هذه من صفات الرجل الذي سيحدث هذه الفتنة.
ولكن المؤلف حرف الكلم عن مواضعه ففسرها بالهروب حتى يلفق النص على حاكم الكويت.
خامساً : أنه لما روى نص الحديث الثاني وضع بين قوسين من عنده في متن الحديث تفسيراً لكلمة "بمصر" فوضع بجوارها (أي بلد) حتى يخرج النص من مقصودة ، وأنه لا يراد مصر يعني أهل مصر ونما يريد مصراً من الأمصار ، وعلى هذا فالمراد به الكويت وليس مصر الإقليم المعروف. وهذا من تحريفه أيضاً.
__________
(1) هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب ، كان يزعم أن جبريل عليه السلام ينزل عليه وهو شر من الحجاج أو مثله " ميزان الاعتدال" للذهبي (4/80).
(2) " حجة الله البالغة" للعلامة ولي الله الدهلوي (2/394).
(3) " تفسير القرطبي " (19/237)
(4) " فيض القدير " للمناوي (4/131)
(5) "النهاية " لابن الأثير (2/84)(1/55)
فإنه قد وردت روايات أخرى لهذا الحديث تؤكد أنها مصر المعروفة فقد روى نعيم بن حماد (1342) بسنده عن عبد الله بن عمرو قال : "إذا رأيت أو سمعت برجل من أبناء الجبابرة بمصر له سلطان يغلب على سلطانه ثم يفر إلى الروم فذلك أول الملاحم يأتي بالروم إلى أهل الإسلام ، فقيل له : إن أهل مصر سيسبون فيما أخبرنا وهم إخواننا أحق ذلك؟ قال : نعم إذا رأيت أهل مصر قد قتلوا إماماً بين أظهرهم فاخرج إن استطعت ولا تقرب القصر فإن بهم يحل السباء" وهذا الخبر هو الذي ذكره المؤلف نفسه بعد حديث الأخنس ، لكنه لم يذكر تكملته من أول : "إن أهل مصر ..."
لأن العبارة ستفسد عليه مراده(1)
وما يؤكد ذلك أيضاً ما رواه أبن عساكر والروياني بلفظ " سيكون بمصر رجل من بني أمية أخنس يلي سلطاناً ثم يغلب عليه أو ينزع منه فيفر إلى الروم فيأتي بهم إلى الإسكندرية فيقاتل أهل الإسلام بها فذلك أول الملاحم "(2)فهل حدث ذلك فعلاً ؟
الفصل الثاني
السفياني وصدام حسين
? الروايات التي أوردها في السفياني :
قبل أن نبدأ في سرد ما أورده المؤلف، أود أن أذكر ما نقله الحافظ ابن حجر في ترجمة "خالد بن يزيد بن معاوية بن سفيان"
... "عن الزبير بم بكار قال : قال عمي مصعب بن عبد الله : زعموا أنه هو – يعني خالد بن يزيد هذا – الذي وضع ذكر السفيانس وكثره، وأراد أن يكون للناس فيهم مطمع حين غلبه مروان على الملك وتزوج أمه.
... رد أبو الفرج الأصبهاني قول مصعب بأن خبر السفياني مشهور وقد ذكره جابر الجعفي وغير انتهى، وكأنه أراد الانتصار لقريبه، وإلا فجابر متروك" وعلى كل سنذكر الروايات التي استدل بها المؤلف ونبين صحتها أولاً.
... ثم نبين فساد الاستدلال بها ثانياً.
__________
(1) وهو نفسه ذكر في (ص35"ص23 في النسخة الإلكترونية") رواية منها :" ... فيجتمعون في قتطرة أهل مصر .." فأثبت أنها مصر التي عاصمتها القاهرة
(2) رواه السيوطي في الجامع وضعفه الألباني برقم (3308).(1/56)
? درجة صحة هذه الروايات :
(1) جاء في ص 51 (ص 36 في النسخة الإلكترونية):
قال نعيم بن حماد ( شيخ البخاري ) وساق بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "إذا ظهر أمر السفياني لم ينج من ذلك البلاء إلا من صبر على الحصار" وقد بينا أن هذا الأثر لا يصح سنداً كما في ص 38 من هذا البحث.
(2) جاء في نفس الصفحة :
"فقد روى نعيم أيضاً ( حديث رقم 971) يبين أن السفياني يحول نهر الفرات " ولم أجدله أثراً.
(3) وفي ص 53(ص36 في النسخة الإلكترونية):
"إذا بنيت مدينة على شاطئ الفرات ... متى لا تمنتنعوا عن ذل بنزل بكم وإذا بنيت مدينة بن النهرين بأرض منقطعة من أرض العراق أتتكم الدهيماء"
(4) في ص54(ص37 في النسخة الإلكترونية):
قال : فقد روى نعيم بن حماد عدة آثار في صفة السفياني منها :
"السفياني من ولد خالد ين يزيد بن أبي سفيان، رجل ضخم الهامة بوجهه آثار جدري وبعينه نكتة بياض.." ( أثر رقم 812 كتاب الفتن)
(5) جاء في ص 54 أيضاً :
"يخرج رجل من ولد أبي سفيان في الوادي اليابس في رايات حمر ، دقيق الساعدين والساقين طويل العنق، شديد الصفرة به أثر العبادة"
(6) في ص 54:
"روى نعيم بن حماد بسنده عن خالد بن معدان قال :" يهزم السيفاني الجماعة مرتين ثم يهلك" ( أثر رقم 858)
قلت : قد رواه نعيم في " باب ما يكون من بني العباس وأهل المشرق والسفياني والمروانيين في أرض الشام وخارج منها إلى العراق"
فهذا الأثر إن صح ليس المقصود منه فتن آخر الزمان كما أورده المؤلف وإما ذكره نعيم بن خالد في "باب ما يكون من بني العباس.."
ومثله ما أورده المؤلف في خبر السفياني الثاني المشوه عند نعيم برقم (648) فقد ذكره نعيم في " باب ما يذكر من علامات من السماء فيها انقطاع ملك بني العباس"
? فساد الاستدلال بهذه الروايات :(1/57)
استدل المؤلف بالروايات السابقة إضافة إلى مخطوتاته المجهولة لإثبات أن السفياني ما هو إلا صدام حسين حاكم العراق، ونحن نثبت بحول الله وقوته بطلان هذا الزعم من وجوده :
أولا : جاء في ص 49 (ص 34 في النسخة الإلكترونية):
" والسفياني هو الذي يمتد نسبه إلى خالد بن يزيد بن أبي سفيان، فهو أموي وأمه كلبية، فأخواله من قبيلة كلب، وقد سكنت قبيلة بشمال دجلة والمعروف أن "صدام" من محافظة تكريت بشمال دجلة.
قلت : وهذا هو أعجب في إثبات نسب صدام حسين، وأنه هو السفياني والحق أني لم أجد افتراءاً أكثر مما ذكره المؤلف على أنه قد ورد اسم السفياني صريحاً في بعض الروايات كما يبق الإشارة إليه في ص55 من هذا البحث وإن كانت كلها لا تخلو من مقال : فورد عن كعب الأحبار أن اسمه الأزهر بن الكلبية( رواه نعيم برقم 808).
وروى أيضاً أنه اسمه عبد الله ( نعيم برقم 820 ) وعن البسطامي : أنه معاوية بن عنبسة ( نقله المناوي في فيض القدير 4/128).
ثانياً : أنه استدل بالصفات الخلقية المشتركة – بزعمه – بين السفياني وصدام فهو ضخم الهامة وبوجهه أثار الجدري وبعينه نكتة بيضاء وكسل قليل ويميل لونه إلى البياض مع الصفرة، وجعد الشعر، ودقيق الساعدين والساقين، ذكر ذلك في ص 53، 54(ص 37 في النسخة الإلكترونية).
ثالثاً: استدل بأن حصار العراق الحالي هو ما هو إلا الخبر الوارد عن علي رضي الله عنه أنه قال : إذا ظهر السفياني لم ينج من ذلك البلاء إلا من صبر على الحصار" وهو خبر وإن كان موقوفاً على عليّ رضي الله عنه إلا أنه لا يصح سنداً كما بينا ذلك آنفاً، فإن في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف وكذلك الوليد بن مسلم وهو مدلس وقد عنهنه، وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف جداً.(1/58)
رابعاً: وهذا من عجائب المؤلف أنه استدل بقول خالد بن معدان : "يهزم السفياني الجماعة مرتين ثم يهلك" في ص 54-55 وهو يرى أن صدام حسين قد هزم فعلاً جماعة الروم وجبوش الغرب التي اجتمعت لضربه، وذلك بأنها لم تحقق هدفها في إسقاط نظامه أو قتله، فانتهت الحرب والنظام باق وشعبية صدام قد بلغت الآفاق، فقال أليس هذا يعتبر نصراً؟!
وأن لن أدخل في مناقشة هذا الهراء وأتركه للقارئ لكي يرى بنفسه كيف تلاعب المؤلف حتى بالحقائق التي يتفق عليها الناس شرقاً وغرباً، وكنني سأضرب مثالاً واحد يبين فساد التحريف الذي أراده المؤلف، ففي عام 1967 للميلاد واجهت مصر حرباً مع اليهود خرجت منها خاسرة وكذا بعض الدول العربية، وبقيت أنظمة الحكم فيها جميعاً، بل أ، الناس في مصر خرجوا يوم التاسع والعاشر من يونيو عام 1967 م عقب تنحي رئيس الجمهورية فخرجوا في الشوارع هاتفين بمنع رئيس الدولة من التنازل عن السلطة وقد كان، فهل قال أحد من العقلاء أن مصر خرجت منتصرة!!
سبحانك هذا بهتان عظيم.
خامساً: أن السفياني المذكور في الروايات مع ما فيها لا يخرج من العراق بل يخرج من الشام، وهذا بكذب مزاعم المؤلف وينسف القصص التي نسجها من أساسها.
فقد روى الحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعاً " يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب.. "(1)
وفي " العلل " لابن أبي حاتم من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يخرج السفياني بالشام فيسير إلى الكوفة .."(2)
وروى الحاكم من طريق نعيم بن حماد عن علي بن أبي طالب قال : "يظهر السفياني على الشام ثم يكون بينهم وقعة بقرقيسا ..."(3)
__________
(1) رواه الحاكم برقم ( 8586) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(2) "العلل" لابن أبي حاتم برقم (2785)
(3) رواه الحاكم برقم (8530) وفيه ابن لهيعة ورشدين بن سعد.(1/59)
وأورد المؤلف نفسه عن نعيم رواية في صفة السفياني ص54(ص37 في النسخة الإلكترونية) فقال : " السفياني من ولد خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، رجل ضخم الهامة بوجهه آثار جدري وبعينه نكته بياض..."(1)هكذا ولم يكمله وتكملته كما يلي : " يخرج من ناحية مدينة دمشق في واد يقال له وادي اليابس .." فتعمد بتر النص لكيلا ينكشف أمره وينهار بنيانه فالله حسيبه.
الفصل الثالث
من هو الأعرج الكندي
? من هو الأعرج الكندي عند المؤلف ؟
لقد أورد المؤلف رواية عن كعب الأحبار قال :
" علامة خروج المهدي ألوية تقبل من المغرب عليها رجل أعرج من كندة " .
فذهب إلى أن الأعرج الكندي هذا هو قائد قوات التحالف الغربية التي جاءت لضرب أفغانستان في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 للميلاد.
قال : ما كنت أظن أن يختار الأمريكان رجلاً أعرج فيجعلوه في منصب رئيس هيئة أركان القوات المشتركة ، بل كنت أقول في نفسي لعل المقصود بكلمة أعرج أي ضعيف مثلاً أو رأيه عاجز ، لأنه كان أبعد شيء عن ظني أن يسوغ لهم أن يجعلوا قائد أعظم قوات عسكرية في العالم أعرج ، حتى من باب التشاؤم أن تكون القوات عرجاء عاجزة كقائدها.
فلما رأيت الجنرال " ريتشارد مايرز " يقبل على عكازين ليعلن للشعب الأمريكي بدء عمليات القوات المشتركة الجوية والبرية والبحرية ضد أفغانستان ، قلت : الله أكبر صدقت يا رسول الله " من ص 36 (ص23و24 في النسخة الإلكترونية)
? بيان الحقيقة .
ما ذهب إليه المؤلف فيه من الجهالات والضالالات ما الله به عليم وبيان ذلك من عدة وجوه :
أولا : الرواية سنداً :
فهذه الرواية أخرجها نعيم بن حماد في " الفتن " برقم (952) قال حدثنا أبو يوسف عن محمد بن عبيد الله عن يزيد السندي عن كعب به .
فأما أبو يوسف فلا أدري من هو .
__________
(1) رواه نعيم بن حماد برقم (812) وسبق(1/60)
وأما محمد بن عبيد الله فهو العرزمي الكوفي وهو من شيوخ شعبة مجمع على ضعفه كما قال الذهبي في الميزان(1).
ثانياً : الرواية متناً :
استنتج المؤلف من هذه الرواية عدة نتائج ونحن نبين بطلانها وفسادها بحول الله وقوته:
(1) رغم أن هذه الرواية ضعيفة سنداً كما أثبتنا ، إلا أن هذه المتن من قول كعب الأحبار ، وقد سبق أن أشرنا إلى أنه لا حجه فيه لأنه من قول تابعي في أمر غيبي لا يعلم إلا بالوحي ، وكذلك ما علم من إكثار كعب من النقل عن أهل الكتاب حتى قال معاوية بن أبي سفيان رض الله عنه : " إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه بالكذب "(2)
قال ابن كثير في تفسيره :
" معناه أنه يقع منه الكذب لغة من غير قصد لأنه يحدث عن صحف هو يسحن به الظن ، وفيها أشياء موضوعة ومكذوبة لأنهم لم يكن في ملتهم حفاظ متقنون كهذه الأمة العظيمة "(3)
ونقل الحافظ بن حجر عن ابن الجوزي قوله :
" المعنى أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً لا أنه يتعمد الكذب وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار ...."(4)
(2) أوهم المؤلف القارئ بأن " الأعرج الكندي" من أهل المغرب ، وترك تفسير كلمة من " كندة " للقارئ حتى يتوهم ربما أنه من كندا الدولة المعروفة في شمال أمريكا فيتأكد من ذلك صحة تحريف المؤلف لمعنى هذه الرواية ونحن نكشف الأمر بحول الله وقوته :
قال صاحب " عون المعبود " :
" كِندَة : بكسر فسكون ، أبو قبيلة من اليمن من حضر موت "(5)
وكذا قال المباركفوري في " تحفة الأحوذي "(6)
__________
(1) " ميزان الاعتدال" (3/635)
(2) رواه البخاري في صحيحة برقم (7361) من باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - « لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء » .
(3) تفسير ابن كثير (3/417).
(4) " فتح الباري " (13/345).
(5) " عون المعبود " للعظيم آبادي (9/51).
(6) " تحفة الأحوذي " (4/475)(1/61)
وقال المناوي في " فيض القدير " :
" الكندي : بكسر الكاف وسكون النون نسبة إلى كِندة قبيلة مشهورة من اليمن "(1)
وعلى خذا فإن معنى الرواية " رجل أعرج من كندة " هو رجل منسوب إلى قبيلة كندة باليمن وليس من أمريكا كما زعم.
أرأيت إلى أي حد بلغ التلبيس فإلى الله المشتكى.
(3) أن المقصود من " ألوية تقبل من الغرب " هو القطر بأقصى شمال غرب أفريقيا وهو بلد عربي معروف ، بينما يحرف المؤلف النص فيحوله إلى الغرب الصليبي بزعامة أمريكا وبريطانيا .
وما يؤكد ما نقول تأكيداً قطعياً لا شك فيه ، الرواية التي قبلها والتي ذكرها المؤلف مبتورة وهي :
قال نعيم بن حماد عن الزهري قال :
" إذا اختلفت الرايات السود فيما بينهم ، أتاهم الرايات الصفر ، فيجتمعون في قنطرة أهل مصر فيقتتل أهل المشرق والمغرب سبعاً ، ثم تكون الدبرة على أهل المشرق حتى ......"
هكذا ذكرها المؤلف ولم يكملها خوفاً من أن ينكشف أمره .
قلت : روى هذه الرواية نعيم بن حماد برقم (772) قال : حدثنا عبد الله بن مروان عن سعيد بن يزيد التنوخي عن الزهري به . وتكملة الخبر هي : " حتى ينزلوا الرملة فيقع بين أهل الشام وأهل المغرب شيء فيغضب أهل المغرب فيقولون إنا جئنا لننصركم ثم تفعلون ما تفعلون ، والله لنخلن بينكم وبين أهل المشرق فينهبونكم لقلة أهل الشام يومئذ في أعينهم ثم يخرج السفياني ويتبعه أهل الشام فيقاتل أهل المشرق ".
ولقد وضع نعيم بن حماد نفسه هذا الحديث تحت " باب ما يكون من فساد البربر وقتالهم في أرض الشام ومصر ومن يقاتلهم ومنتهى خروجهم وما يجري على أيديهم من سوء سيرتهم "(2)
__________
(1) " فيض القدير " للمناوي (3/342)
(2) وقبل هذا الباب مباشرة بوب " باب ما تقدم إلى الناس في خروج البربر وأهل المغرب " وساق فيه روايات كثيرة في خروج أهل المغرب بما فيهم من البربر وقتالهم الرايات السود في مصر والشام فلتراجع .(1/62)
ومعلوم أن البربر إنما خرجوا من بلاد المغرب العربي، والمقصود بذلك فتنة المعز الفاطمي المغربي الذي اجتاح بلاد شمال أفريقية ومصر والشام وما يؤكد ذلك ما جاء في ترجمة حمزة بن محمد بن علي بن العباس الحافظ فقد روى الذهبي بإسناده عن علي بن عمر الحراني سمعت حمزة بن محمد وجاءه غريب فقال: عساكر المعز قد وصلوا إلى الإسكندرية فقال : اللهم لا تحيني حتى ترني الرايات الصفر، فمات حمزة ودخل عسكرهم بعد موته بثلاثة أيام"(1)
فجاء التصريح بأن هذه الرايات الصفر هي رايات البربر وقائدهم هو الأعرج الكندي.
في رواية نعيم بن حماد برقم (776) عن كعب الأحبار قال:"إذا ظهر المغرب على مصر، فبطن الأرض يومئذ خير من ظهرها لأهل السام، ويل للجندين جند فلسطين والأردن وبلد حمص من بربر، يضربون بسيوفهم إلى باب للعطر، وصاحب المغرب رجل من كندة أعرج"(2)
فهل كانت رايات الغرب الصليبي لما جاءت إلى أفغانستان صفراء كما جاءت هذه الأخبار؟
أم كانت أعلام أمريكا وبريطانيا وغيرهم هي التي ترفرف ورآها العالم كله تحت مظلة التحالف الدولي؟
ثم ما بال هذه الأخبار لا تذكر إلا المغرب ومصر والشام، فهل ضربت مصر والشام في هذه الحرب؟
(4) جاء في ص 36 (ص24 في النسخة الإلكترونية)قول المؤلف :
"فلما رأيت الجنرال "ريشارد مايرز" يقبل على عكازين ليعلن للشعب الأمريكي بدء عمليات القوات المشتركة الجوية والبرية والبحرية ضد أفغانستان قلت : الله أكبر صدقت يا رسول الله"
__________
(1) "سير أعلام النبلاء" للذهبي
(2) "الفتن" لنعيم ين حماد برقم (776) وفي إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي وهو ضعيف كما تقدم، وقد روى نعيم برقم (884) عن أبي جعفر قال: إذا ظهر السفياني على الأبقع وعلى المنصور والكندي والترك والروم، خرج وصار إلى العراق ثم يطلع القرن ذو الشفاء..." فمذا يقول المؤلف في هذه الرواية؟(1/63)
قلت : وهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم صراح، ولا أدري كيف أجاز لنفسه أن يطلق هذه العبارات وهو يعلم أن الروايات التي ذكرت الأعرج الكندي ليست من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هي من قول كعب الأحبار.(1)
فهل المقصود تكملة سيناريو الأحداث بإعطائها صبغة لا يملك القارئ فيها إلا التسليم لمؤلف؟
أم أنه لا يدري ما الفرق بين الخبر المرفوع والموقوف والمقطوع، وماله حكم الرفع وما ليس له حكم الرفع؟
ظني أن الأول هو الراجح والله أعلم.
(5) أورد المؤلف في ص 35(ص23 في النسخة الإلكترونية) أثراً عن الزهري قال :
"إذا اختلفت الرايات السود فيما بينهم أتاهم الرايات الصفر فيجتمعون في قنطرة أهل مصر..." إلخ.
ثم خلص بأن هذه الرايات الصفر الرايات الغرب الصليبي ستجتمع أي ستمر من قنطرة أهل مصر، يعني قناة السويس وذلك في رحلتها لضرب أفغانستان.
قلت : أولاً : هذا الأثر رواه نعيم بن حماد برقم ( 772 ) من طريق سعيد بن يزيد التنوخي ولم أجد من ترجمه.
ثانياً : أن الرايات الصفر المذكورة في الخبر إنما هي رايات دولة العبيديين المسماة بالدولة الفاطمية، والتي اجتاحت مصر كما سبق الإشارة إليه وكانت راياتهم صفر فعلاً، وأما رايات الغرب الصليبي فليست رابات بصفر أبداً كما هو مشاهد معلوم إلا لمن يبصر.
ثالثاً : أن المؤلف لم يكمل الخبر وذلك لعلمه بأن باقي الخبر سيكشف زيف التحريف الذي ذهب إليه المؤلف وأشرنا إليه آنفاً.
رابعاً: استنتج المؤلف من هذا الخبر استنتاجاً لم يسبقه غليه أحد وخرج علينا بلغة جديدة بلغة جديدة لا نعرفها.
__________
(1) وقد أورد في آخر الكلام على الأعرج الكندي ص 36 مقتطعاً من خير رواه نعيم برقم (849) قال : " ثم يظهر الكندي في شارة حسنة" وهو من قول أبي جعفر غير منسوب وفيه زيادات لو ذكرها المؤلف لظهر تلبيسه فليراجع هناك حتى لا نطيل.(1/64)
فالخبر يقول:".... قنطرة أهل مصر" وهو يقول معناها قناة السويس ولا أدري من أين جاء بهذا التفسير الفذ؟ أم هو لزوم الحبكة؟
ونحن نبين تحريف ما ذهب إليه بحول الله وقوته فنقول : فسر علماء اللغة معنى كلمة "قنطرة" بأنها جسر أو معبر يعبر الناس عليه وهذا هو المتداول بين الناس حتى الآن.
قال الرازي في "مختار الصحاح"
"والقنطرة : الجسر"(1)
وقال ابن منظور :
"القنطرة معروفة : الجسر، قال الأزهري: هو أزَجٌ يبنى بالآجر أو بالحجارة على الماء يعبر عليه"(2).
وقد جاء هذا المعنى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة فعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض.."(3)
قال الحافظ معلقاً:
"قول (فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ) سيأتي أن الصراط جسر موضوع على متن جهنم وأن الجنة وراء ذلك فيمر عليه الناس بحسب أعمالهم"(4)
على أنه قد أخرج نعيم بن محمد بن حمير عن نجيب بن السري قال: "لأهل المغرب خرجتان: خرجة ينتهون إلى قنطرة الفسطاط يربطون خيولهم فيها، وخرجة أخرى إلى الشام"
وروى أيضاً رقم ( 796) قال أرطأة :
" ويكون بين أهل المغرب وأهل المشرق بقنطرة الفسطاط سبعة أيام ثم يلتقون بالعريش فتكون الدبره على أهل المشرق حتى يبلغوا الأردن ثم يخرج عليهم السفياني"
فمن أين جاء لنا المؤلف بأن المقصود به هو قناة السويس ؟!
غفر الله لنا وله، وجنبنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
الفصل الرابع
الرايات السود وحركة طالبان
فكرة المؤلف وما استدل به :
__________
(1) "مختار الصحاح" للرازي ( ص 226)
(2) "لسان العرب" لابن منظور ( 5/118)
(3) رواه البخاري برقم(6170)"باب القصاص يوم القيامه".
(4) فتح الباري (11/399)(1/65)
ذهب المؤلف إلى أن حركة طالبان في أفغانستان هي المذكورة في روايات الرايات السود والملاحم فقال في ص 30(ص20 في النسخة الإلكترونية) :"إن ظهور حركة طالبان في أفغانستان بعمائمهم السوداء وثيابهم البيضاء، وأزيائهم الملفتة لنظر هو من أكبر الأدلة على بدء الملاحم والحروب، فقد وردت الآثار التي سنوردها بعد قليل بإذن الله تعالى تصف هؤلاء القوم ذوي الرابات السود، أي العمائم السود والثياب البيض ، غريبة المنظر والترتيب، وهم غير أصحاب الرابات السود من الشيعة الإيرانيين، فأولئك يظهرون بعد الشيعة الإيرانيين من بني العباس، فأصحاب الرايات السود من الطالبان بأفغانستان أهل سنة ليسوا شيعة، بل هم أول من سنصر المهدي عليه السلام حين ظهوره.." قال " وقد ظهر الطالبان حوالي سنة 1996م وتخبرنا الآثار التي جاءت بشأنهم أنه بين بدء ظهورهم وبين ظهور المهدي اثنان وسبعون شهراً( ست سنوات )" ثم بدأ يسرد أدلته على ذلك ونحن نذكرها بحول الله وقوته.
(1) روى نعيم بن حماد بسنده عن محمد بن الحنفية قال :
"تخرج راية سوداء لبني العباس ثم تخرج من خرسان أخرى سوداء قلانسهم سود وثيابهن بيض.. إلى أن قال : يكون بن خروجه وبين أن يُسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراًً" والفراغ من المؤلف وليس مني.
(2) روى نعيم أيضاً بسنده عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إذا سمعتم بناس يأتون من قبل المشرق أولو دهاء، يعجب الناس من زيهم فقد أظلتكم الساعة".
(3) وروى أبو عبد الله نعيم بن حماد بسنده عن الزهري قال :
"تقبل الرايات السود من المشرق يقودهم رجال كالبخت المُجللة، أصحاب شعور، أنسابهم القرى وأسماؤهم الكنى".
((1/66)
4) روى نعيم بن حماد بسنده إلى رجاء بن أبي سلمة عن عقبة بن أبي زينب أنه قدم بيت المقدس يتضمن، فقلت له : لعلك إنما تخاف المغرب؟ قال : لا إن فتنتهم لن تعدوهم ما لم تخرج الرايات السود فإذا خرجت الرايات السود فخف شرهم"
(5) قال نعيم بن حماد بسنده عن الزهري قال :
"إذا اختلفت الرايات السود فيما بينهم أتاهم الرايات الصفر فيجتمعون في قنطرة أهل مصر فيقتتل أهل المشرق وأهل المغرب سبعا ثم تكون الدبرة على أهل المشرق حتى ...." هكذا ساقه المؤلف دون تكملة.
وهذه الرواية الأخيرة علق عليها المؤلف بقوله :
"وقد اختلفوا فعلاً فيما بينهم وتقاتل الفريقان المتصارعان ، الطالبان وقوات التحالف الشمالي ، فجاءتهم الرايات الصفر رايات الغرب الصليبي " قال : "ولكن الآثار تخبرنا أن الغرب لن يتمكن منهم وأنه سيكون من الرايات السود سند المهدي ومدده وعونه"
قلت : لعله يقصد الروايات الذي ذكرها ص93(ص66 في النسخة الإلكترونية) وما بعدها وهي :
(6) "يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه" (ابن ماجة والطبراني وغيرهما)
(7) "تخرج من خراسان (أفغانستان) رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء (القدس)".
(8) "إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي"
انتهت الروايات التي ذكرها المؤلف.
? كشف الحقيقة :
أولاً : درجة صحة هذه الروايات :
أما الروايات الخمسة الأولى فهي من رواية نعيم بن حماد التي رواها في كتاب "الفتن" وقد علمت ما فيه.
ومع هذه فالأول منهم : إسناده ضعيف جداً ، فيه الوليد بن مسلم وهو مدلس وقد عنته ، وفيه رجل مجهول ، وعبد الكريم أبي أمية وهو ضعيف جداً وقد تقدم.
أما الثاني : فقد رواه نعيم برقم (576) ورواته كلهم لا أعلم فيهم مغمزاً إلا أنه ذكر في باب في خروج بني العباس.(1/67)
أما الثالث : فقد رواه نعيم برقم (564) وفيه سعيد بن يزيد التنوخي ولم أجد من ترجمه.
أما الرابع : فقد رواه نعيم برقم (546) من كلام عقبة بن أبي زينب ولم يخرج له أحد من الكتب الستة ، ذكره الحافظ في "التقريب" (ص394)
وأما الخامس : فرواه نعيم برقم (772) من كلام الزهري ، وفيه سعيد بن التنوخي لا أعرفه.
وأما الحديث السادس : وهو ما رواه ابن ماجة والطبراني من حديث بن الحارث بن جزء الزبيدي مرفوعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه".
وأشرنا من قبل إلى ضعف هذا الحديث ، ففيه ابن لهيعة وهو ضعيف وفيه أيضاً عمرو بن جابر الحضرمي وهو كذاب . راجع ص47.
وأما الحديث السابع : فقد رواه نعيم رقم (584) وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف جداً.
وأما الحديث الأخير : فقد قال المؤلف : "رواه أحمد ونعيم بن حماد والحاكم وأبو نعيم من حديث ثوبان ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه مصطفى العدوي في الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم" هكذا قال . قلت : وفي هذا مغالطة ظاهرة ، فإن هذه اللفظ الذي ساقه المؤلف إنما رواه نعيم بن حماد برقم(896) موقوفاً على ثوبان ، وكذا رواه الحاكم (8531) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقد رواه أحمد برقم (22441) من حديث ثوبان مرفوعاً ، من طريق علي بن زيد وهو ضعيف قال بن القيم :
"وعلى بن يزيد : قد روى له مسلم متابعة ، ولكن هو ضعيف وله مناكير تفرد بها فلا يحتج بما ينفرد به"(1)
__________
(1) "المنار المنيف" (ص 200)(1/68)
وقد رواه ابن ماجه برقم (4082) بنحوه من حديث عبد الله بن مسعود من طريق يزيد بن أبي زياد وهو سيء الحفظ ، قال عنه يحيى بن معين : ليس بالقوي وقال أيضاً : لا يحتج به ، وقال ابن المبارك : ارم به ، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ، وقال أبو زرعة : كوفي لين يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال وكيع : يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله – بعني حديث الرابات – ليس بشيء وقال أحد : حديثه ليس بذاك، وحديثه عن إبراهيم – يعني في الرايات – ليس بشيء قال الذهبي : هل لبس بصحيح وما أحسن ما روى أبو قدامه : سمعت أبا أسامه يقول في حدبث يزيد عن إبراهيم في الرايات : لو حلف عندي خمسين يميناً قسامة ما صدقته(1)
قلت : وحديث ابن مسعود هذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق حنان بن سدير عن عمر بن قيس عن الحسن عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً به، ثم قال :
"هذا حديث لا أصل له، ولا نعلم أن الحسن سمع من عبيدة ولا أبي عمر سمع من الحسن قال يحيى : عمر لا شيء"(2).
قال الحافظ ابن حجر :
__________
(1) راجع ميزان الإعتدال) للذهبي (4\ 423-424)وفي ترجمة علي بن يزيد ابن جدعان ذكر الذهبي هذا الحديث ثم قال : أراه منكراً ( 5/157)
(2) الموضوعات لا بن الجوزي ( 2/39).(1/69)
"حديث ( إذا أقبلت الرايات السود من خراسان فائتوها فإن فيها خليفة الله المهدي" أورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث عبيدة وهو ابن عمرو عن عبد الله وهو ابن مسعود، وقد أخرجه الإمام أحمد من حديث ثوبان، ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي أيضاً في كتاب الأحاديث الواهية، وفي طريق ثوبان علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعيف، ولم يقل أحد إنه كان يتعمد الكذب حتى يحكم على حديثه بالوضع إذا انفرد، وكيف وقد توبع من طريق آخر رجاله غير رجال الأول أخرجه عبد الرازق والطبراني وأخرجه أحمد أيضاً والبيهقي في الدلائل من حديث أبي هريرة يرفعه : يخرج من خرسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء، وفي سنده رشدين بن سعد وهو ضعيف) ا.هـ(1)
قال الذهبي في تلخيصه :
قلت : هذا موضوع و أول سنده أبو بكر بن دارم بالكوفة ثناء محمد بن عثمان بن سعيد القرشي ثنا يزيد ين محمد الثقفي ثنا حنان... إلخ وابن أبي دارم رافضي كذاب وقال الحاكم نفسه : "رافضي غير ثقة" وشيخه لم أعرفهما، وحنان رافضي غال والخبر فيما أرى من وضع ابن أبى درام"أ.هـ(2)
وقد رواه ابن عدي من طريق ابن داهر وهو ضعيف جداً.
قال ابن عدي : عامة ما يرويه في فضائل عليّ وهو متهم في ذلك.
قال الذهبي : قد أغنى الله علياً عن أن تقرر مناقبه بالأكاذيب والأباطيل"(3)
ثانياً : الاستدلال بالروايات السابقة:
بعد أن بينا حال هذه الروايات سنداَ، وانكشف أمر المؤلف في جمعه لكل ما هب ودب لتكملة سيناريو الكتاب، يبقى مناقشة المؤلف لتحريفه النصوص السابقة.
فقد ذهب إلى أن حركة طالبان هم أصحاب الرايات السود المذكورة في الروابات السابقة من عدة أوجه :
(
__________
(1) "القول المسدد" لابن حجر ( 1/42).
(2) حاشية "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة"(ص 412)
(3) "ميزان الاعتدال" للذهبي (2/416) وقد ذكره في ترجمة عبد الله بن داهر بن يحيى أبو سليمان المعروف بالأحمر.(1/70)
1) هديهم الظاهر من العمائم السوداء والثياب البيض، وإطلاق الشعور واللحية فهي – في زعمه – مظاهر مثيرة فعلاً للعجب وملفتة للنظر.
وهذا زعم ظاهر البطلان، فإن حركة طالبان فيهم من يلبس العمائم السوداء وغيرها، بل إن من غيره من يلبس مثلهم من الفصائل الأخرى مثل "قلب الدين حكمتار" وغيره، على أنه قد حرف النص المذكور بقوله " ذوي الرايات السود أي العمائم السود" ص 30(ص20 في النسخة الإلكترونية).
وهذا تحريف عجيب، فإن معنى الراية كما هو معروف لكل أحد هو عَلَمُ الجيش.
قال المباركفوري :
"قوله ( بخرج من خراسان رايات ) جمع راية وهو علم الجيش ( سود ) جمع أسود صفة (رايات)"(1).
قال ابن منظور في "لسان العرب"
"الراية العلم ، لا تهزمها العرب، والجمع رايات .. وفي حديث خيبر "أعطي الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله"(2).
ولكن المؤلف حرف المعنى بالعمائم سامحه الله.
على أنه قد وردت روايات أخرى تصرح بأن قلانسهم سوداء، فقد روى نعيم برقم ( 894) عن محمد بن الحنفية "... ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود.."
والقلانس جمع : قلنسوه، وهي ما يسمى الآن بالطاقية، فهل هذه صفة طالبان؟!
وأيضاً قد ورد في لون ثيابهم غير البياض في رواية نعيم (566) عن أبي جعفر :"..عليهم ثياب كلون الليل المظلم.." فماذا يقول المؤلف.
والذي يؤكد فساد ما ذهب غليه المؤلف وأن حركة طالبان ليست هب المذكورة في هذه الروايات أن حركة طالبان ليست راياتها سوداء كما هو معروف، بل هي خضراء مكتوب فيها "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
(2) ما جاء عن أنسابهم وكناهم :
فقد ذكر المؤلف في ص 32 (ص21 في النسخة الإلكترونية)كلام الزهري في وصفهم.
"أنسابهم القرى وأسماؤهم الكنى"
__________
(1) "تحفة الأحوذي" (6/51) وكذا قال المناوي مثله في "فيض القدير" ( 1/363).
(2) "لسان العرب " (14/351).(1/71)
قال:" وأنسابهم إلى القرى التي جاءوا منها، وأسماؤهم كنايات : عبد السلام ضعيف، ووكيل أحمد متوكل، ونور علي، وعبد الحي مطمئن، وبسم الله خان.. "
قلت وهذا أيضاً من المغالطات المكشوفة، وأول هذه المغالطات أنه لم يثبت لنا كبف كانت أنسابهم القرى؟
فلم يأت باسم واحد فقط منسوب إلى قرية. هذه واحدة.
الثانية : أن معنى الكنى كما هو مشهور أن يكنى الرجل بأبي فلان كأبي عبد الله، أبو عمرو ونحوها.
قال الرازي في "مختار الصحاح"
"والكنية : بضم الكاف وكسرها واحدة الكنى، واكتنى فلان بكذا وهو يكنى بأبي عبد اله.. وكناه أنا زيد وبأبي زيد.."(1).
فكيف يقال أ، : عبد السلام ضعيف، ووكيل أحمد متوكل ... إلخ هذه كنى؟
أليست هذه من المغالطات المكشوفة؟!
لكن ربما حاول الفرار من هذا المأزق، فقال : ليس المقصود ذلك وإنما المقصود أنها كنايات – أي ليست أسماؤهم الحقيقية وإنما هي أسماء حركية يتعارفون بها بينهم.
قلنا : هذا تأويل سخيف، فمنذ متى كانت الكنية بمعنى الكناية؟ ومن أين صرف المعنى الحقيقي عن مدلوله؟
على أن المشهور من الألقاب في هذه البلاد هو لقب "الملا" بمعنى العالم فيطلق على أهل العلم، وهو معروف قديماً وحديثاً، فقديماً"ملا على القاري" العلامة وغيره وحديثاً "ملا محمد عمر" زعيم طالبان أليس كذلك؟!
(3) مما يؤكد خطأ المؤلف بأن حركة طالبان هي الرايات السود المذكورة ما جاء في بعض الروايات التي رواها نعيم بن حماد أن قائد هذه الرايات رجل من بني هاشم ومن القواد معه رجل من بني تمبم يدعى شعيب ابن صالح يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم"
وفي رواية برقم ( 907) بسنده عن علي قال :
"تخرج رابات سود تقاتل السفياني فيهم شاب من بني هاشم في كتفه اليسرى خال وعلى مقدمته رجل من بني تميم يُدعى شعيب بن صالح فيهزم أصحابه"
فهل كان الملا محمد عمر زعيم "حركة طالبان" يخفي اسمه الحقيقي!!
(
__________
(1) "مختار الصحاح" (ص 242).(1/72)
4) استدل المؤلف برواية نعيم بن حماد عن الزهري أنه قال :
"إذا اختلف الرايات السود فيما بينهم أتاهم الرايات الصفر..." إلخ
قال المؤلف :
"وقد اختلفوا فعلاً فيما بينهم وتقاتل الفريقان المتصارعان، الطالبان وقوات التحالف الشمالي، فجاءتهم الرايات الصفر، رايات الغرب الصليبي فيا ليتهم يعون الدرس ويتحدون ولو إلى حين" ص 34 (ص22 في النسخة الإلكترونية)وما بعدها.
قلت :
هذا الكلام فيه من المغالطات ما الله به عليم، وأول هذه المغالطات أنه بعد أن حاول جاهداً إثبات أن الرابات السود إنما تنطبق على طالبان وصفاً وشكلاً، إذا به يفاجئنا بأن الاختلاف المذكور هو اختلاف طالبان مع الفصائل الأفغانية الأخرى، ونسى أو تناسى ليستغفلنا أن النص الذي احتج به يقول :"إذا اختلفت الرابات السود فيما بينهم " فالمعنى الظاهر لهذا النص أنهم يختلفون داخلياً، وليس فيما بينهم" فالمعنى الظاهر لهذا النص أنهم يختلفون داخلياً، وليس معناه يختلفون مع غيرهم هذا واحدة .
الثانية :أن الرايات الصفر المذكورة سبق أن بينا أنها ليست رايات الغرب الصليبي، فإن رايات الغرب الصليبي ليست هكذا وإنما هذه المقصود بها رابات العبيدين الذين استولوا على شمال أفريقيا وأسسوا ما يسمى بالدولة الفاطمية.
الثالثة :أن هذا الاختلاف قد جاء مفسراً في روايات أخرى رواها نعيم ابن حماد نفسه في باب الرايات التي تفترق في أرض مصر والشام وغيرها والسفياني وظهوره عليهم".
فروى برقم (834) بسنده عن شيخ أدرك الجاهلية وقد سقط حاجباه على عينيه قال :" إذا اختلف أهل الرايات السود، افترقوا ثلاث فرق، فرقة تدعوا لني فاطمة وفرقة تدعوا لبني العباس وفرقة تدعو لأنفسها"
وروى أيضاً برقم (835) عن محمد بن الحنفية قال :
"وإذا اختلفوا بينهم رفع بالشام ثلاث رايات، راية الأبقع وراية الأصهب وراية السفياني" وذكر روايات كثيرة في هذا المعنى .(1/73)
ومعلوم أن المفسر مقدم على المبهم عند الأصوليين، هذا على صحة هذه النصوص ، وإن كنا قد بيَّنا موقفنا منها من قبل.
(5) جاء عن المؤلف في ص 31 (ص20 في النسخة الإلكترونية):
" وقد ظهر الطالبان حوالي سنة 1996م، وتخبرنا الآثار التي جاءت بشأنهم أن بين بدء ظهورهم وبين ظهور المهدي اثنان وسبعون شهراً ( ست سنوات )".
قلت : استند المؤلف في ذلك على رواية نعيم ( 894 ) عن محمد بن الحنفية قال : تخرج رايات سود لبني العباس، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم وثيابهم بيض ... إلى أن قال : يكون بين خروجه وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً" هكذا ذكرها المؤلف.
والسؤال هنا : من المقصود بعبارة "يكون بين خروجه " وعبارة "يُسلم" ؟
ألا ترى أن المقصود هو شخص بعينه، فمن هو يا ترى ؟
الجواب يأتيك من تكملة الرواية التي تعمد المؤلف عدم ذكرها، وهو قائد هذه الرايات السود والذي يسمى شعيب بن صالح التميمي، وهذا بالطبع ليس هو قائد طالبان، هذه واحدة.
الثانية : أننا الآن لم يبق إلا أياماً معدودة وتنتهي الست سنوات فلا هم هزموا السفياني ولا هم نزلوا ببيت المقدس، بل على العكس فقد انهار نظام الطالبان من عدة شهور، ولم يعد لهم دولة ولا سلطان، وأفرادهم مشتتون بين معتقل ولائذ بالكهوف والجبال، فكبف لهؤلاء أن يمهدوا الأمر للمهدي في الشهور المتبقية والأمر كما ترى!!
الفصل الخامس
هرمجدون
ما هي هرمجدون عند المؤلف ؟
يفاجئنا المؤلف بالعناوين التالية :(1/74)
وما أدراك ما هرمجدون .. إنها الواقعة العظيمة والحرب النووية المدمرة .. إنها المنازلة الاستراتيجية الضخمة .. إنها الحرب التحالفية العالمية التي ينتظرها جميع أهل الأرض اليوم .. إنها المواجهة الدينية السياسية .. إنها الحرب الصليبية الجديدة .. إنها معركة التنين متعددة الأطراف .. إنها أعنف وأشرس حروب التاريخ .. إنها بداية النهاية .. إنها الحرب التي يعم قبلها" السلام المشبوه " فيقول الناس حل السلام حل الأمن ..
إنها هرمجون !!!
ثم يبين لنا أنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى وادي مجيدو بفلسطين وأما أدلة المؤلف على ذلك فهي :
(1) أقوال الساسة الغربيين : أمثال رونالد ريجان الرئيس الأمريكي الأسبق وجيري فولويل زعيم الأصوليين المسيحيين والكتابة جريس هالسل والكاتب أورال روبرتسن والكاتب هال ليندسي وغيرهم .
(2) نصوص الإنجيل المحرف :
فنقل عن سفر الرؤيا ( 16 / 16 ) ونقل من إنجيل لوقا ( 12 / 25 – 37 ) وسفر زكريا ( 89 /13 ) وفيه أن اليهود سيموت ثلثاهم في هذه المعركة ونقل عن سفر حزقيال ( 12 / 39 ) واستشهد بسفر دانيال كما نقله من كتاب " يوم الغضب " .
(3) وأخيراً ذكر حديثاً واحداً وهو حديث الملحمة المعروف .
وحاول تطبيعه على نصوص الإنجيل والساسة الغربيين ، فقلب الموازين رأساً على عقب ، بعد أن كان يستدل بنصوص المسلمين أولاً ثم يستأنس بنصوص أهل الكتاب – بزعمه – إذا هو يجعل الأصل نصوص أهل الكتاب ويستأنس لهم بهذا الحديث في آخر بحثه بعد أن قرر أن هرمجدون هذه حقيقة لا يجادل فيها أحد ، فكأنه ذكر الحديث ذراً للرماد في العيون ونحن نبطل بحول الله وقوته مزاعم المؤلف ونكشف تلبيسه فنقول وبالله التوفيق .(1/75)
أولاً : طريقة الاستدلال التي ساقها المؤلف عجيبة ، لم نر من أهل العلم فضلا على طلابه من يسوغ لنفسه أن ينهج هذا المنهج إلا ما نسمع عنه في الأعوام الأخيرة عن أشباه هذا المؤلف وأضرابه ، ممن كتبوا كتباً ذات أغراض مشبوهة فالله حسيبهم .
ثانياً : أن التعلق بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " وقد تقدم الكلام عليه – ما هو إلا ستار يختفي خلفه أدعياء العلم ، ليخرجوا على الناس بما لم يعرفوه ، ليصيبوا شهرة أو جاهاً في الدنيا ، وقد سنوا سنة سيئة عليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ففتحوا باب الأخذ من أهل الكتاب على مصراعيه ، رغم علمهم بتحريف النصارى واليهود لكتبهم ، فكيف يؤتمن في أمور الغيب من قد خان الله ورسوله .
ثالثاً : ليعتقد النصارى ما يريدون ، ما لنا ولهم ، وكم من باطل اعتقدوه وكم من خرافات نشروها، وكم من أمور غيبية اعتقدوها وتبين فيما بعد أنها كذب .
فما موقفك مثلا إذا اعتقدت بما يسمونه "هرمجدون " ثم تبين بعد حين أن السير خلف النصارى في أمر اعتقادي أو غيبي لا يجوز كما بينا من قبل للنهي الوارد في ذلك ، وأما الترخيص فبمثل الحكايات السابقة عن بني إسرائيل في باب المواعظ والاعتبار فقط .
قال الله تعالى { وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ، فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير } [ الشورى : 14 – 15 ] .(1/76)
رابعاً: أنه بعد أن نقل المؤلف روايات النصارى من نصوص الإنجيل المحرف وتحليلات ساستهم ، واستنتج منها نتائج عجيبة خرج بها على الأمة ملخصها ما قاله هو في ص 64 (ص45 في النسخة الإلكترونية): " ونقول أن ثمة حربين ستقعان : هرمجدون الملحمة الكبرى ، ويكون النصر في الأولى للروم والمسلمين على عدوهم أو بمعنى أصح كما جاء في بعض الروايات أنه عدو لهم أي الروم وهم المعسكر الشرقي الشيوعي والشيعي ، ويكون النصر في الثانية وهي الملحمة الكبرى للمسلمين على الروم " .
فبعدما انتهى من هذه الحقائق الخطيرة التي غابت عن الأمة لمدة أربعة عشر قرناً أو يزيد واكتشفها هو بمعونة النصارى ، أراد أن يذر الرماد في العيون فذكر حديثاً واحداً لا غير محاولاً أن يتستر خلفه ، وهو حديث ذي مخمر رضي الله عنه مرفوعاً : " ستصالحكم الروم صلحاً آمنا فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم فتنصرون وتغنون وتسلمون ، ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب ، فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فيغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمعون لكم في ثمانين غاية مع كل غاية اثنا عشر ألفاً "(1)
ونحن نكشف حقيقة هذا التلبيس بحول الله وقوته من عدة وجوه :
(
__________
(1) هذا الحديث رواه ابن حبان في صحيحه ( 6708 ) والحاكم في المستدرك ( 8298) وصححه ، وابن ماجه ( 4089) وأحمد برقم ( 16871) وأبو داود ( 4285) والبيهقي في السنن ( 18598) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " برقم ( 3612) .(1/77)
1) أن حديث ذي مخمر رضي الله عنه ذكر الصلح بين المسلمين والنصارى وأنهم يقاتلون عدواً مشتركاً لهم ، أي أن هذه المعركة ليست بين المسلمين والنصارى ، والمؤلف يقول أنه ما يسمى " هرمجدون " وما يفسد على المؤلف ما ذهب إليه ، أنه من المعروف أن النصارى يعتقدون بأن هرمجدون هي حرب بين المؤمنين بالمسيح وغير المؤمنين من الوثنين والكنعانين وهم العرب(1)، ويعتقدون أن المسيح سينزل آخر الزمان ويجئ من السماء بمجرد أن تقوم حرب "هرمجدون " النووية الفظيعة – على حد زعمهم – ليأخذ أتباعه – أي المؤمنين به – ويرفعهم فوق السحاب حتى لا يعانوا أهول الحرب الضروس(2)، إذن فهي حرب واضحة بين النصارى والمسلمين ، ولكن المؤلف حاول الهرب من هذه الحقيقة مدعياً أنها حر ب ضد الإرهاب ، فهل من المعقول أن يجتمع جيوش تتعداها – كما يزعمون هم – حوالي 400 مليون جندي لمحاربة الإرهاب في هذه البقعة الصغيرة ؟
ثم ما يؤكد فساد قول المؤلف أن النصارى لا يعتقدون بحروب أخرى بعدها ، فهم يعتقدون أن مجيء المسيح المخلص في حرب " هرمجدون " إيذانا بفناء العالم ، حتى قال مؤلفيهم من الأمريكان : " لا داعي أن تفكروا في ديون أمريكا الخارجية ، ولا داعي للقلق على مستقبل الأجيال القادمة ، لأن هذا الجيل بالتحديد الذي سيشهد هرمجدون ، ومن ثم نهاية أعظم كرة أرضية(3).
وبالتالي فقول المؤلف " إن ثمة حربين ستقعان هرمجدون ويليها الملحمة الكبرى " . يتناقض مع قول النصارى أنفسهم ، فماذا هو قائل ؟
(2) قوله : " ويكون النصر في الأولى للروم" وهذا أيضاً يتناقض مع قول النصارى الذين يعتقدون أن الهزيمة ستلحق كل الكنعانيين، فمن أين جاء هذا الاستثناء؟
(
__________
(1) ذكر ذلك الدكتور سفر الحوالي نقلا عنهم في درس " الوعد الحق والوعد المفترى " .
(2) ذكر ذلك المؤلف أيضاً في ص 62 (ص 44-45في النسخة الإلكترونية).
(3) مستفاد من " الوعد الحق والوعد المفترى " د . سفر الحوالي .(1/78)
3) لو كان المؤلف قد ذهب إلى أن "هرمجدون" هي "الملحمة الكبرى" لكان له وجه، ولا يهمنا نحن المسلمون بأن النصارى يسمونها "هرمجدون" أو غيره كما يظن المؤلف أن الإشكال في الاسم.
... فالملحمة الكبرى حقيقية لا جدال فيها، وتجتمع فيها جيوش الروم لقتال المسلمين هذه حقيقة أخرى وتكون نذيراً بقرب الساعة وخروج الدجال، كل هذه الحقائق يقترب معنا النصارى فيها في وصف هرمجدون دون لتفصيل كعدد الجيوش ومكان وقوع هذه الحرب وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
... أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالإعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا: قالت الروم خلو بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويُقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثالث، لا يفتنون أبداً فيفتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان، أن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف إذا أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم عليه السلام..."(1)وقد جاء تصريح في هذا الحديث بمكان الملحمة الكبرى وأنه بدابق أو الأعماق.
... قال النووي : والأعماق ودابق موضعان بقرب حلب"(2)
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه برقم ( 2897) "باب في فتح القسطنطينية وخروج الدجال ونزول عيسى بن مريم"
(2) شرح مسلم ( 18/18)(1/79)
... بينما يعتقد النصارى أن هرمجدون في سهل مجيدو بفلسطين، ومنها أخذت تسمية المعركة، وعلى هذا روج المؤلف لتسمية النصارى جرياً وراء الشهرة ، وترك ما جاء في السنة، فيا فرحة النصارى بذلك(1)، فإن في ذلك إقرار لهم بصحة ما هم عليه، فضلاً عن نشره والترويج، بينما نصوصنا الشرعية الثابتة، لا يلقي لها بالاً بل عنوان الكتاب ذاته يأخذه من الاسم الصليبي، فكان له السبق - فيما أعلم- وسن السنة في ذلك، فالله حسيبه.
(4) حدد المؤلف العدو الذي سيقاتله المسلمون والنصارى في قوله صلى الله عليه وسلم " فتغزون عدواً من ورائكم"
فقال : "وهم المعسكر الشرقي الشيوعي والشيعي"
فلا أدري من أين له بذلك؟
ربما لديه نصوصاً لم يطلع عليها أحد!! أو أن التحليلات والنشرات السياسية كان لها دور في هذا التحديد الدقيق!!
(5) أنه مما يؤكد فساد ما ذهب إليه المؤلف في أن " هرمجودن " هي المقصود من الحديث :"ستصالحون الروم صلحا ً أمناً فتغزون أنتم وهم .." الحديث
... بدليل قوله صلى الله عليه وسلم :"عدواً من ورائهم"
... وما يؤكد ذلك لفظ الحديث :"ثم ترجعون"(2).
... بينما يعتقد النصارى أن وقعة "هرمجدون" في فلسطين، ولا يعتقدون أنه في مكان آخر غير سهل مجيدو.
(6) حاول المؤلف التلفيق بين اعتقاد النصارى بأن "هرمجودن" هي حرباً واحدة وبين حديث الملحمة الكبرى والذي ذكر فيه حربين إحداهما معهم والثانية ضدهم، بأن "هرمجدون" هي جولات وأن الجولة الأولى هي التي ستحدث في سهل مجيدو بفلسطين وأنهم الآن يمهدون لذلك بما يسمى بمحاربة الإرهاب.
__________
(1) كما فرحوا بكتابه الأول "عمر أمة الإسلام" ونقل هو ذلك عنهم في ( ص 6 ، ص 7)(ص4 في النسخة الإلكترونية).
(2) عند أبي داود ( 4285)(1/80)
... قلت: وهذا كلام باطل شكلاً وموضوعاً، فلا هو بكلام المسلمين أخذ ولا على كلام النصارى ثبت، وحاول أن يلفق بين هذا وذاك فأتى بما هو العجب العجاب، فصار يؤلف سيناريوهات لعملية التلفيق هذه، وهو مع هذا في شكم منها، إلا أنه لا يجزم إلا بشيء واحد فقط :
... قال في ص 67 ما نصه : "إلا أن الشيء الوحيد المحقق هو أن الحرب العالمية "هرمجون" بين المشرق والمغرب باتت وشيكة"
... ولو كان يؤمن بقول النبي صلى الله عليه وسلم إيماناً جازماً لا شك فيه ما تردد لحظة واحدة في أنه هو الحق، وأنه الشيء الوحيد المحقق.
... على أن كلام المؤلف متناقض في نفسه ونحن نثبت ذلك بحول الله وقوته: فنقول وبالله التوفيق.
... إن زعم المؤلف بأن هرمجودن هي الجولة الأولي لا يصح بحال من الأحوال، لا عندنا ولا عند النصارى.
... فعندنا أن الجولة الأولي هي غزوة مشتركة مع الروم لعدو خارج بلادنا، وهذا العدو هو من بلاد كافرة قطعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"فتغزون أنتم وهو" فالغزو غالباً للكفار كما هو المفهوم الشرعي عند إطلاقه ، ومنه غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم و إن كان قد يطلق أحياناً بالمفهوم اللغوي وهو بمعنى القصد، والذي يؤكد المعنى الأول تأكيداً لا ريب فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم بعدها"فتنتصرون وتغنمون وتسلمون" أي أن المسلمين سيغنمون في هذه الغزوة غنائم كثيرة، ولا يطلق لفظ : (الغنائم) أو (الغنيمة) إلا في غزو الكفار كما نص على ذلك العلماء(1).
... فكيف تكون حرباً نووية مدمرة ويكون فيها النصر للمسلمين ويغنمون ويسلمون فلا يصابون بأذى، بينما هم المقصودون في اعتقاد النصارى.
__________
(1) راجع تفسير ابن كثير عند قوله تعالى ( واعموا أن ما غنتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) الأنفال : 44 حيث قال والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخير والركاب" تفسير ابن كثير ( 2/297) ، وراجع تفسير القرطبي( 4/362-363) في تفسير نفس الآية، وغيرهم(1/81)
... أما عند النصارى فلا يستقيم أيضاً كلام المؤلف، فإنهم يعتقدون أنها حرباً واحدة، بل هي آخر شيء، تدمر كل الوثنيين من العرب وأشباههم –في زعمهم- ولقد حاول أن يجد لهم مخرجاً في ذلك، بأنهم يتكتمون هذا الأمر لأنهم سيكون في نيتهم الغدر فلا يريدون كشف ذلك.
... فلا أدري أي اعتذار هذا وهم الذين صرحوا بأن هرمجدون هذه لإبادة الأشرار والوثنيين من الكنعانيين، فهل بعد هذا من تصريح؟ والقوم لم يذكروا حربين أبداً ولا يعتقدون ذلك، فهلا كنت منظراً لهم وشارحاً لكتبهم المقدسة –بزعمهم- ومصححاً لهم مفاهيمهم!!
... (7) بعد أن روج المؤلف لما يسمى "هرمجدون" يبدأ في تأليف سيناريو للأحداث من وحي خياله فيقول:"وقد يحدث أحد السيناريوهات الآتية حتى تقع واقعة "هرمجون" ويتواجه المعسكران ويشتبك الجيشان بل الجيوش...."
... ثم يبدأ في سخف من القول تفصيل هذه السيناريوهات ثم يقول: "ولن أجهد نفسي في توقع سيناريوهات أخرى لكيفية اشتعال الحرب لأنني لست سياسياً بارعاً ولا محللاً عسكرياً" ص 66، 67 (ص47 في النسخة الإلكترونية)
... فلا أدري أيتحدث المؤلف عن قضية عقائدية غيبية؟
... أم أنه يتحدث عن مسرحية هزلية يؤلف فيها ويخترع ما يشاء؟
... أم أن الأمر متروك للساسة والعسكريين ليحددوا لنا ما يجب أن نعتقده ونؤمن به؟!!
... لقد دخل المؤلف –هداه الله – فيما لا قبل له به، وأقحم نفسه في ميدان التنبؤ بالغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله وحده.
قال الله تعالى : " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله "[النمل 65].
وقال : " ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله"[هود 123].
وقال سبحانه :" وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو"[الأنعام 59].
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
((1/82)
8) لقد بلغ بالمؤلف الأمر إلى أن أصبحت نصوص النصارى عن هرمجودن حقيقية عنده لا مجال للشك فيها على الإطلاق، بل وصل إلى حد الإنكار على كثير من المسلمين عدم معرفتهم بها فقال: "ومن العجب أننا حين نرى أقوال أهل الكتاب قد تواطأت وكلمتهم اتفقت على اعتبار "هرمجون" عقيدة وحقيقة ينتظرونها، نجد كثيراَ من المسلمين بل أكثرهم لا يعلمون شيئاً عنها، بل على العكس يهاجمون من يحاول تنبيههم إلى خطرها القادم، والمرء عدو ما يجهل" ص 61(ص43 في النسخة الإلكترونية).
قلت لا ندري هل القوم متفقون على ذلك أم هذا مجرد زعم كعادته من باب التضخيم والدعاية.
وعلى كل فإن الأمر لا يختلف سواء اتفقوا أم اختلفوا وعلى فرض أنهم تواطؤا واتفقوا وأجمعوا على ذلك فقد سبق أن تواطؤا واتفقوا وأجمعوا واعتقدوا أن ذلك سيحدث عند تمام الألف الأولى للميلاد، وأن المجيء الثاني للمسيح على رأس الألف الثانية وانتظروا وانتظروا ولم يحدث شيء(1)
وهاهم الآن يكرروا ما حدث في الألف الأولى ناسين أم متناسين ما كانوا قد أجمعوا عليه واعتقدوه.
فما هو رد المؤلف على ذلك ؟
ظني أنه قد قام بالدعاية لعقائد النصارى في ديار الإسلام أكثر من النصارى أنفسهم، وما كانوا يحلمون بذلك، سامحه الله.
(9) يعتقد المؤلف أن ما يسمى "هرمجون" حقيقة لا شك في صحتها كما سبق النقل عنه، ولكن الأخطر من ذلك أن يعتقد أن النصوص التي ذكرت "هرمجون" في "الإنجيل" إنما هي من النصوص التي لم تحرف، ما يدل على ذلك قوله في ص 61 (ص42 في النسخة الإلكترونية): "أتدرون ما سر اهتمام الغرب المسيحي قادة وعلماء ومثقفين وكثير من عامتهم بهذه الكلمة "هرمجدون " ؟! إن ذلك يرجع إلى أن هذه الكلمة مذكورة في الإنجيل في أكثر من موضع ، وهو كتاب مقدس عندهم ، حتى بعد تحريفه وتبديله ، فهي إذن كلمة مقدسة لها معنى عندهم "
__________
(1) ذكر ذلك الدكتور سفر الحوالي في درس " الوعد الحق والوعد المفترى"(1/83)
ظني أنه يقصد أنها من الكلمات التي كانت موجودة قبل التحريف وبعده فهي بالتالي حقيقة لا شك فيها ، وما يؤيد ذلك ما ذكره في ص 14 عن المنجم والعراف "نسنزاداموس" في تنبؤاته التي ذكر منها الحرب الثالثة العظمى التي هي "هرمجدون" وأن من مصادر هذا العراف " موروثات اليهود والنصارى والتي فيها بعض العلم الذي لم يغير ولم يبدل " هكذا قال .
وهذا الذي توصل إليه المؤلف يعد سابقة خطيرة في تصحيح بعض نصوص الإنجيل ، يحمل تبعتها ويسأل عنها ، فأمره إلى الله.
(10) وأخيراً فإن من أخطر الأمور التي حواها الكتاب هو تحديده الأحداث بسنوات معينة ، وربما دافع عنه بعض المتعاطفين الذين لم يدركوا حقيقة الأمر ، والمؤلف نفسه يدرك هذه الحقيقة ، لكنه حاول التشويش عليها ، ومهاجمة من ينتقده.
فمما قاله في ص 47 (ص32 في النسخة الإلكترونية):" ومع ذلك لم أسلم من شغب الصبية ، فإذا قلت : النصارى يحددون لحرب هرمجون خريف 2001م ، ونحن نقول قد يكون المر كما يقولون وقد يتقدم قليلاً أو يتأخر قليلاً فالله العلم ، قال المشاغبون : إنه يحدد !! ، وقد علموا أن هذا ليس تحديداً لأنني قلت : الله اعلم قد يكون أو يتقدم قليلاً أو يتأخر قليلاً ، ومعلوم أن كلمة قليلاً هنا في عمر الدنيا سنوات وليس دقائق أو ساعات فهل ما قلته يعد تحديداً ؟ إنه التشغيب والسلام "
قلت : جوابنا عليه هو من وجوه :
أولاً : لماذا يصر المؤلف على نفي تهمة التحديد عن نفسه ؟
والجواب : أنه يدرك كما يدرك أي مسلم أنه لم يأت في شرعنا نص صحيح صريح في ذلك على الإطلاق ، وهذا مما يعلمه العلم والعامي ، فهو يخشى من هذه التهمة.
الثاني : أنه قد جاء عن المؤلف التصريح الواضح بتحديد السنة التي سيكون فيها الملحمة الكبرى وينزل فيها عيسى بن مريم عليه السلام فبقتل فيها اليهود وهو عام 2012 ميلادية يعني بعد عشر سنوات من الآن ، فجاء في صفحة 70 (ص49 في النسخة الإلكترونية)ما نصه :(1/84)
" سنة 2012 م هي النهاية وليست بداية النهاية إذ أن بداية النهاية لدولة إسرائيل كما أسلفت ستكون على يدي المهدي ومن معه ، ثم تكون النهاية لرجسة الخراب(1)على يد روح الله عيسى عليه السلام والمؤمنين معه "
وأيضاً حدد المؤلف ظهور المهدي بقوله :
" ظهور المهدي بعد سنتين أو ثلاثة من اليوم "
يعني 2004 أو 2005 م فهل يستطيع أحد من الناس أن ينكر هذا التحديد ؟
أم أن المؤلف يقصد من التحديد الساعة والدقيقة ؟!
الثالث : أن تحديد المؤلف سالف الذكر إنما استنتجه من سفر دانيال كما ذكر هو في ص 70(49) ، ولم يأت المؤلف بدليل واحد من شرعنا على صحة مزاعمه .
مع انه ناقض نفسه وما قاله في أول بحثه قال في ص 6 (ص4 في النسخة الإلكترونية): " وعندما وافقتهم – يعني أهل الكتاب – في قرب النهاية ، وفارقتهم في التحديد السافر ، لم أكن عرافاً ولا منجماً ، ولم أكن ناقلاً عن أدلتهم ولا تابعاً لهم ، وإنما لنا أدلتنا ومصادرنا كما لهم أدلتهم وكتبهم "
وأترك التعليق للقارئ.
الباب الثالث
افتقاد الأمانة العلمية
? حشد الروايات الضعيفة المنكرة دون تنبيه
? إنتقاء روايات وتجاهل أخرى
? إسقاط أجزاء من النص
? تحريف معنى النصوص
الروايات الضعيفة والمنكرة
لا ندعي أن هناك كتاباً غير كتاب الله ، إلا وعليه استدراك أو نقد وخاصة فيما يورده من روايات ضعيفة ، ولكن أن يحشد من كل ما هب ودب وفي موضوع عقائدي دون الإشارة إلى ضعفه ، فهذا ليس من الأمانة العلمية في شيء ، ولقد أشرنا من قبل أن العلماء تساهلوا في أبواب الفضائل ونحوها ، ولكنهم شددوا في أبواب العقائد والأحكام ، فكان من الواجب على المؤلف أن يتحرى نقل الروايات الصحيحة، وأن وجد في أحدها ضعفاً أو نكارة أشار إلى ذلك من باب الأمانة العلمية ، وهذا مفقود في هذا الكتاب ، وتفصيل ذلك يرجع فيه للباب الأول الفصل الثاني .
انتقاء الروايات
__________
(1) يقصد برجسة الخراب دولة إسرائيل واليهود ، تبعاً لدانيال.(1/85)
1- من ذلك مثلاً أنه ذكر رواية نسب السفياني إلى خالد بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ولم يذكر الروايات التي تصرح باسمه كما أوردناها من قبل وذلك حتى لا يبطل زعمه بأن صدام حسين هو السفياني .
2- ومن ذلك أيضاً : أنه لم يذكر الروايات في مكان خروج السفياني والتي دارت غالبها على أنه يخرج من دمشق كما سبق أن بينا ، لأن ذلك يتعارض عنده مع كونه صدام عراقي تكريتي .
3- ومن ذلك أيضاً : أنه لم يذكر الروايات في مدة مكث السفياني وملكه لأنها تتعارض تعارضاً صارخاً مع كونه صدام حسين ، فالمعروف أن صدام حسين تولى السلطة عام 1979 م أي أنه مكث حتى الآن ثلاث وعشرون سنة .
وقد روى نعيم بسنده ( 803 ) عن أبي جعفر قال : يملك السفياني حمل امرأة" يعنى تسعة أشهر وروى أيضاً ( 811 ) عن كعب قال " ولايته تسعة أشهر أو سبعة أشهر " .
وروى أيضاً (807 ) عن سليمان بن عيسى قال : " بلغني أن السفياني يملك ثلاث سنوات ونصف " ولم نقف على رواية تطابق مدة صدام حسين ولا تقرب منها .
4- ومن ذلك أيضاً : أنه ذكر أن المهدي شاب مسلم على مشارف الأربعين (75)(1)(ص55 في النسخة الإلكترونية)وترك رواية أرطأة قال : المهدي ابن ستين سنة" رواها نعيم برقم ( 1075) .
وترك رواية كعب قال : المهدي ابن أحد أو أثنين وخمسين سنة ، عند نعيم برقم (1066) وترك رواية أبي معبد عن ابن عباس قال : هو شاب " عند نعيم برقم ( 1068) .
وهكذا يطول تقصي ذلك ، والمقصود أن المؤلف دأبه في هذا الكتاب أن يختار من النصوص والآثار ما يوافق السيناريو الذي ألفه ، ثم يترك النصوص والآثار الأخرى التي تعكر عليه أمره ، ولسنا هنا ممن يحتج بمثل هذه الآثار ، ولكن نحتج عليه بما احتج هو به .
إسقاط روايات من النص
__________
(1) وقد ورد في أثر رواه نعيم ( 1067 ) عن عبد الله بن الحارث قال : "يخرج المهدي وهو ابن أربعين سنة كأنه رجل من بني إسرائيل " .(1/86)
والهدف من ذلك إخراج النص عن معناه الحقيقي ، فهو بمثابة بتر لأحد أعضاء النص ، ليظهره لنا بشكل آخر يوافق هواه . وهو في ذلك مثله كمن قرأ قوله تعالى : { فويل للمصلين } ولم يكمل ، وهذه طريقة أصحاب الأهواء قديماً وحديثاً .
ونحن نعطى لذلك أمثلة :
(1) جاء في ص( 19 ،20)(ص13 في النسخة الإلكترونية) ذكر حديث فتنة السراء ولم يكمله ، وتكملة الحديث : " ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع .."(1)الخ .
وذلك لأنه لم يحدث عقب حرب الكويت ، بل رجع أمير الكويت كما كان ، ولم يحدث أن اجتمع الناس على رجل آخر ، وهذا مما يفسد على المؤلف هدفه .
(2) جاء في ص ( 31)(ص20 في النسخة الإلكترونية) أثر عن محمد بن الحنفية قال : "تخرج رواية سوداء لبني العباس ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود وثيابهم بيض .. إلى أن قال : يكون بين خروجه وبين أن يسلم الأمر إلى المهدي اثنان وسبعون شهراً " هذا نص المؤلف .
وهذا الفراغ تعمده المؤلف ، لأنه يذكر فيه اسم قائد الروايات السود وهو شعيب بن صالح كما بينا آنفاً .
(3) جاء في ص (32)(ص21 في النسخة الإلكترونية) عن الزهري قال :" تقبل الروايات السود من المشرق يقودهم رجل كالبخت المجللة أصحاب شعور أنسابهم القرى وأسمائهم الكنى " ولم يكمل الأثر : وتكملته : " يفتتحون مدينة دمشق ، ترفع عنه الرحمة ثلاث ساعات " .
وأعتقد أن الأمر واضح في عدم ذكر بقية الأثر .
(4) جاء في ص (35)(ص22 في النسخة الإلكترونية) عن الزهري قال :
" إذا اختلفت الروايات السود فيما بينهم أتاهم الرايات الصفر فيجتمعون في قنطرة أهل مصر ، فيقتتل أهل المشرق وأهل المغرب سبعاً ، ثم تكون الدبرة على أهل المشرق حتى ..." هذا نص ولم يكمله .
__________
(1) هذا مثل يقال للشيء أن لم يكن في موضعه الصحيح ، كما أن الورك لا يستقيم على الضلع والمقصود هنا أن يصطلح الناس على رجل ليس أهلاً للإمارة .(1/87)
وتكملة الخبر " حتى ينزلوا الرملة فيقع بين أهل الشام وأهل المغرب شئ ، فيغضب أهل المغرب فيقولون إنا جئنا لننصركم ثم تفعلون ما تفعلون ، والله لنخلن بينكم وبين أهل المشرق فينهبوكم ، لقلة أهل الشام يومئذ في أعينهم ثم يخرج السفياني ويتبعه أهل الشام فيقاتل أهل المشرق " .
ولن أعلق على قول المؤلف " وللأثر بقية اكتفيت بذكر الشاهد منه " !!
(5) جاء في ص(36)(ص24 في النسخة الإلكترونية) جملة صغيرة سلخت من أثر طويل " تقول هذه الجملة " ثم يظهر الكندي (الأعرج) في شارة حسنة " .
وعلق عليها بقوله " فإذا نظرت إلى الأعرج بلباسه العسكرية الحسنة وما عليه من نياشين وشارات لا تملك إلا أن تقول سبحان الله ، حقا ظهور المهدي على الأبواب فقد ظهر القائد الكندي الجنرال الأعرج " انتهى كلامه .
قلت : وهذا الأثر رواه نعيم بن حماد برقم (849) حدثنا سعيد أبو عثمان عن أبي جعفر قال : " إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة ، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعاً فيظهر عليهما جميعا، ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فوره شديدة يستقتل الناس قتل الجاهلية ، فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة ، فيكون بينهما قتال شديد ثم يظهر الأخوص السفياني عليه ثم يظهر الروم وخروج إلى الشام ثم يظهر الأخوص ثم يظهر الكندي في شارة حسنة ، فإذا بلغ تل سما فأقبل ثم ، يسير إلى العراق وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة ، ويقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين يدع إلى أبيه ويظهر رجل من الموالى فإذا استبان أمره وأسرف في القتل قتله السفياني " .(1/88)
وهذا أثر عجيب عن أناس لا يعرفون ، فيه ما يفسد على المؤلف مرامه ، ويضع من كل العثرات أمامه ، ثم بماذا تميز به هذا السفاح الصليبي عن أقرانه ؟ لم يذكر لنا المؤلف ما هذه الشارة الحسنة التي ظهر بها هذا الجنرال والتي تختلف عن غيره من العسكريين !!
(6) أنه ذكر من قرائنه الدالة على أن صدام حسين هو السفياني ، بناء مدينة بابل أو تجديدها وتم افتتاحها سنة 1987 م قال : ففي الأثر رقم (568) " إذا بنيت مدينة على شاطئ الفرات ... حتى لا تمتنعوا عن ذل ينزل بكم ، إذا بنيت مدينة بين النهرين بأرض منقطعة من أرض العراق أتتكم الدهيماء " .
وأنا أنقل لك هذا الأثر كاملا لتعرف الحقيقة : " فقد روى نعيم برقم ( 568) عن ابن المغيرة عن أرطأة بن المنذر عمن حدثه عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه أتاه رجل وعنده حذيفة فقال يا ابن عباس قوله تعالى : { حم عسق } الشورى فأطرق ساعة وأعرض ساعة ، ثم كررها فلم يجبه بشيء . فقال حذيفة : أنا أنبئك ،قد عرفت لم كرهها، إنما نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإله وعبد الله ، ينزل على نهر من أنهار المشرق يبني عليها مدينتان ، يشق النهر بينهما شقاً ، جمع فيها كل جبار عنيد ، قال أرطأة : إذا بنيت مدينة على شاطئ الفرات ثم أتتكم الفواصل والقواصم ، وانفرجتم عن دينكم كما تنفرج المرأة عن قبلها حتى لا تمتنعوا عن ذل ينزل بكم ، وإذا بنيت مدينة بين النهرين بأرض منقطعة من أرض العراق أتتكم الدهيماء " باب في خروج بني العباس .
وهذا الأثر كما ترى في " باب خروج بني العباس " وهو أيضاً ضعيف لجهالة أحد رواته وهو خبر منكر ذكره الإمام ابن كثير في تفسير سورة الشورى .
وقال : " وقد روى ابن جرير هاهنا أثراً غريباً عجيباً منكراً "(1)فذكره . وأنه يسمى " عبد الإله وعبد الله " وهذا يتعارض مع سيناريو المؤلف . وأكتفي بهذه الأمثلة .
تحريف معاني النصوص
(
__________
(1) تفسير ابن كثير (4 / 108) .(1/89)
1) جاء في ص 23(ص16 في النسخة الإلكترونية) تحريف معنى " رجل أخنس" بأنه خنس واختفى حتى يطابق ذلك على أمير الكويت ، بينما معنى أخنس انقباض قصبة الأنف وعرض الأرنبة كما أشرنا من قبل .
وجاء في نفس النص تحريفه لمعنى " بمصر " بأنه " ببلد " وبينا ذلك في فصل الأخنس .
(2) جاء في ص 24(ص17) ، 25(ص17) ، 54(ص37) : زعمه بأن قوات التحالف لم تهزم العراق في حرب الخليج لأن نظامه باق ، وإنما لجأ لهذا الهراء ليطابق الأثر الذي ذكره عن خالد بن معدان " يهزم السفياني الجماعة مرتين ثم يهلك " .
(3) جاء في ص 30(ص20) ، 31(ص20) ، 32(ص21) ، 33(ص21) ، 34(ص21) ، 93(ص65-66) : وصف لحركة طالبان ، فمما حرفه في ذلك قوله بأن " ذوي الرايات السود أي العمائم السود " وأن أسمائهم كنايات كعبد السلام ضعيف ، ووكيل أحمد متوكل ، وغيرهم ليطابق الأثر عن الزهري " أنسابهم القرى وأسمائهم الكنى " .
وإن اختلاف الرايات السود كما جاء في الأثر إنما هو اختلاف طالبان والفصائل الأخرى رغم أنه يقول أن طالبان هم أصحاب الرايات السود والأثر يقول: " فيما بينهم " .
(4) جاء في ص 33(ص21) ، 34(ص22) : أن الرايات الصفر الواردة في الأثر" إذا اختلفت الرايات السود فيما بينهم أتاهم الرايات الصفر .. "هي رايات الغرب الصليبي ، وهذا تحريف بيناه في الفصل الرابع من الباب الثاني ،وبينا هناك بما لا مجال للشك فيه أن هذه الرايات الصفر هي رايات المعز الفاطمي العبيدى .
(5) جاء في ص 35 (ص23): تحريف لمعنى " قنطرة أهل مصر " بأنها قناة السويس وهذا لا يحتاج لتعليق .
(6) جاء في ص 35(ص23) ، 78(ص55أوص66) : تحريفه لمعنى الأعرج الكندي . يراجع الفصل الثالث من الباب الثاني للتفصيل .
((1/90)
7) جاء في ص 41(ص27) : تحريفه لكلام الحافظ ابن حجر في تعليقه على قول أبي هريرة رضى الله عنه " حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين أما أحدهما فقد بثثته وأما الآخر فلو بثثثه قطع هذا البلعوم " .
قال المؤلف ما نصه : " وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري أن أبا هريرة كان يعلم أسماء الأمراء والسلاطين وأسماء آبائهم ، وقد كتم أبو هريرة ذلك العلم ثم حدث به قبل موته تأثماً أن يكون كتم علماً ".
أنا أنقل كلام ابن حجر بنصه لإظهار الحقيقة : قال رحمه الله :
" وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم ، وقد كان أبو هريرة يكنى عن بعضه ولا يصرح به خوفاً على نفسه منهم ، كقوله : أعوذ باله من رأس الستين وإمارة الصبيان ، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة ، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة " ثم نقل الحافظ عن ابن المنير قوله " وإنما أراد أبو هريرة بقوله (قطع) أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم ، وتضليله لسعيهم " .
قال الحافظ : " ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها لما ذكره – يعنى البخاري – في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم " انتهى كلام الحافظ(1).
فأين عبارة "ثم حدث به قبل موته تأثماً أن يكون كتم علماُ " . فهل هذا من الأمانة العلمية ؟ وهل هذه طريقة علمية لإثبات مخطوطة .؟
(8) جاء في ص 76(ص54) ، 101(ص71) : أن المهدي يغزو " خوزاً وكرمان أي الصين وروسيا " وهذا تحريف واضح ، الغرض منه الترويج بأن المسلمين سيتقاتلون مع النصارى فيما يسمى " هرمجدون " وعدوهم المشترك هو الصين وروسيا.
__________
(1) فتح الباري ( 1 / 261 – 262 ) .(1/91)
ونحن نبين هذه المغالطات بحول الله وقوته : أما هذا الغزو المشار إليه فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة مرفوعاً : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الأعاجم ، حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر"(1). قال ياقوت الحموي : " خوز : ضم أوله وتسكين ثانيه وآخره زاي ، بلاد خوزستان يقال لها الخوز وأهل تلك البلاد يقال لهم الخوز "(2).
" كرمان : بالفتح ثم السكون وآخره نون ، وربما كسرت ، والفتح أشهر بالصحة .. وهي ولاية مشهورة وناحية كبيرة معمورة، ذات بلاد وقرى ومدن واسعة ، بين فارس وسجستان وخرسان "(3) .
وكرمان الآن هي إقليم معروف من أقاليم دولة إيران ( بلاد فارس سابقاً ) وكذا خوزستان ، وقد ذكر الإمام الطبري في تاريخه أن كرمان قد فتحت في عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه(4).
والذي نتعجب منه ، من أين أتى المؤلف بهذا التفسير العجيب ، وكنا نتمنى أن يشير المؤلف ولو بعيد إلى مصدره في ذلك !!
الباب الرابع
أصول الاستدلال الصحيحة
? شروط الاجتهاد
? صفات طالب العلم
? علامات أهل البدع
لا شك أن هناك ضوابط واضحة لنشر الكتب والمؤلفات الشرعية، سار عليها سلف هذه الأمة وتبعهم على ذلك الخلف ، واستقرت هذه الضوابط بشكل لا يجادل فيها إلا أهل الأهواء والبدع ، ولسنا بصدد تفصيل هذه الأمور ، لأن ذلك يطول تقصيه ، ولكننا بصدد وضع معالم واضحة ليهتدي بها من أقحم نفسه في هذا المجال وأراد أن يبدل السنن التي استقرت عليها الأمة .
فنقول وبالله التوفيق .
__________
(1) صحيح البخاري برقم ( 3395) " باب علامات النبوة في الإسلام " .
(2) " معجم البلدان " لياقوت الحموي ( 2 / 404 ) .
(3) السابق ( 4 / 454 ) .
(4) " تاريخ الطبري " ( 2 / 554) .(1/92)
إن من يضع نفسه في مضاف المبلغين عن الله ، لا يخرج حتما عن أحد صنفين(1)إما أن يكون عالماً توافرت فيه شروط الاجتهاد وإما أن يكون من طلاب العلم وله أيضا شروط ونبدأ بتفصيل ذلك بحول الله وقوته .
شروط الاجتهاد
إن من يجلس مجلس العلماء ، ويجري النصوص الشرعية مجرى الواقع ويستنبط منها الأحكام بناءً على ذلك ، يسمى مجتهداً أو عالماً ولابد له من شروط ، استقرأها العلماء من الشريعة وأقوال السلف
" فعن حذيفة رضى الله عنه قال : لا يفتي الناس إلا ثلاثة : رجل قد عرف ناسخ القرآن و منسوخه ،أو أمير لا يجد أبداً ، أو أحمق متكلف " .
" وقال الشافعي : لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله ، بناسخه ومنسوخه وبحكمه ومتشابهه ، وتأويله وتنزيله ، ومكيه ومدنيه ، وما أريد به وفيما أنزل ، ثم يكون بعد ذاك بصير بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناسخ والمنسوخ ، ويعرف من الحديث ما عرف من القرآن ، ويكون بصيراً باللغة بصيراً بالشعر ، وبما يحتاج إليه للعلم والقرآن ، ويستعمل مع هذا الإنصاف وقلة الكلام ويكون بعد هذا مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار، ويكون له قريحة بعد هذا ، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم في العلم ولا يفتي " .
وقال أحمد بن حنبل :
" ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عارفاً بالسنن ، وعالماً بوجوه القرآن ، عالماً بالأسانيد الصحيحة ، وإنما جاء بخلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنن وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها "
وقال عبد الله بن المبارك
" وقد قيل له : متى يفتي الرجل ؟ قال : إذا كان عالماً بالأثر بصيراً بالرأي " .
قال الخطيب البغدادي :
__________
(1) 1 ) ذكر هذين الصنفين الإمام الشاطبي في " الاعتصام " ( 2 / 343 ) وزاد صنفاً ثالثا وهو العامي الصرف الذي لا معرفة له بمعلوم القرآن .(1/93)
" وينبغي أن يكون قوي الإستنباط جيد الملاحظة ، رصين الفكر ، صحيح الإعتبار صاحب أناة وتؤدة ، وأخا استثبات وترك عجلة ، بصيراً بما فيه المصلحة مستوقفا بالمشاورة حافظاً لدينه ، مشفقاً على أهل ملته ، مواظباً على مرؤته ، حريصاً على إستطابة مأكله ، فإن ذلك أول أسباب التوفيق ، متورعاً عن الشبهات ، صادفاً عن فساد التأويلات ، صليباً في الحق دائم الإشتغال بمعادن الفتوى وطرق الاجتهاد ، ولا يكون ممن غلبت عليه الغفلة ، واعتوره دوام السهر ، ولا موصوفاً بقلة الضبط منعوتاً بنقص الفهم ،معروفاً بالاختلال يجيب عما ينسخ له ، ويفتي بما يخفي عليه ... "(1)
قال أبو علي الضرير : قلت لأحمد بن حنبل :
" كم يكن الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي ، يكفيه مائة ألف ؟ قال : لا قلت : ثلاثمائة ألف ؟ قال : لا . قلت : أربعمائة ؟ قال لا . قلت : خمسمائة ألف ؟ قال : أرجو . قال بعض أصحابه : هذا محمول على الاحتياط والتغليظ في الفتيا أو يكون أراد وصف أكمل الفقهاء "(2).
وقد لخص الإمام الشاطبي هذه الشروط بقوله :
" إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن أتصف بوصفين :
أحدهما : فهم مقاصد الشرعية على كمالها .
والثاني : التمكن من الاستنباط بناءً على فهمه فيها "(3)ثم فصل ذلك .
وهنا نعجب من مؤلف كتاب ( هرمجدون ) وكيف وضع نفسه في عداد المجتهدين الذين ينزلون النصوص على الواقع ، فقال في ص 48 (ص33 في النسخة الإلكترونية):
__________
(1) 1 ) هذه المنقولات كلها من كتاب " الفقيه والمتفقه " للخطيب البغدادي ( 2/ 157 – 158 ) .
(2) 2 ) " إرشاد الفحول " للشوكاني ( ص 419 ) " والفقيه والمتفقه " للخطيب البغدادي ( 2 / 163- 164 ) .
(3) 1 ) " المؤلفات " للشاطبي ( 4 / 477 ) .(1/94)
" لقد كنت حريصاً على ألا أتورط في تنزيل الأحاديث على الواقع ، ليس لعدم جواز ذلك ، كلا فإنه جائز ، بل يجوز الحلف بالله على غلبه الظن ، وإنما منعا للجدل وتحرزاً عن الدخول في متاهات المشاغبين ممن لم تتسع دائرة عملهم ، ولم ترسخ بعد في العلم أقدامهم ولكن هيهات هيهات " .
أما الآن ، وبعد أن أصبح الناس كلهم أو جلهم يتوقعون حروباً وملاحم تتجمع أسبابها وتتسارع وتيرتها وتكاد تدق الأبواب ، فأنني لا أجد غضاضة ولا حرجاً في ذكر ما أعلم وتنزيل الأحاديث على الواقع ، بل أستطيع أن أقسم على ذلك .. " الخ .
قلت: رغم أن كلامه متناقض في نفسه ، فهو مع ذلك يخشى من الناس أولاً ثم لما شاع في الناس ذكر ذلك تشجع في إنزال الأحاديث عل الواقع ، فأي أصول هذه ؟ وأي ضوابط ؟
ثم نقول : قد مضت شروط الاجتهاد التي ذكرها الأئمة ، فنقول للمؤلف أربع على نفسك ، ولا تغتر بشهادة أو ثناء بعض العوام عليك ، ولكن تجرد لله من كل غرور وزن نفسك بهذا الميزان الذي وضعه السابقون ، لتعرف أين أنت من الاجتهاد والإفتاء وتنزيل الأحاديث على الواقع ؟ ولتعلم أنك لا علم لك بالأحاديث ولا أصول الاستدلال وليس أوضح دليل على ذلك ، هذا الكم الهائل من الأحاديث والآثار الضعيفة والمنكرة ، التي رحت تنهل منها من غير تمييز وتستدل بها بغير بصيرة .
ثم حمل المعاني على أمور مضحكة ، لا أدري جهلاً أو تجاهلاً ، وغير ذلك . وبالجملة : لا أعتقد أن يتجرأ المؤلف فيقول بأنه بلغ مرتبة الاجتهاد ، لأننا بينا شروط الاجتهاد والفتوى ، وهو بلا شك يعرف قدره منها ، فنقول له أتق الله ولا تنزل منزلاً ليس لك ، وكن من أصحاب المنزل الثاني وهم طلاب العلم ، وعلى ما سنبينه من أخلاقهم فيما يلي .
صفات طالب العلم
ولابد لطالب العلم من أخلاق يتحلى بها نذكر منها على سبيل الإجمال :
( 1 ) الإخلاص :(1/95)
لقول الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } [ البينة : 5 ] وقال تعالى : { فاعبد الله مخلصاً } [ الزمر : 12 ]
وقال تعالى : { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } [ النساء : 100 ]
وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه "(1).
قال الإمام النووي
" حديث صحيح متفق على صحته ، مجمع على عظم موقعه وجلالته ، وهو إحدى قواعد الإيمان وأول دعائمه وآكد الأركان .
قال الشافعي رحمه الله : يدخل هذا الحديث في سبعين باب من الفقه ، وقال أيضا : هو ثلث العلم . وكذا قال غيره وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام "(2).
" وقد ابتدأ به إمام أهل الحديث بلا مدافعة أبو عبد الله البخاري صحيحة ، ونقل جماعة أن السلف كانوا يستحبون افتتاح الكتب بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية وإرادة وجه الله تعالى بجميع أعماله البارزة والخفية "(3).
(2) التجرد :
نعني بذلك الخلو من الأهواء المفضية للتفرق في الدين ، فلا يتتبع المتشابه ويترك المحكم ، لقوله تعالى : { فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة } [ آل عمران : 7 ] فتلك هي علامة الفرق الزائغة عن الحق ، كالخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضى الله عنه بقولهم : إنه حكم الرجال والله يقول
{
__________
(1) 1 ) أخرجه البخاري برقم ( 1 ) " كتاب بدء الوحي " ورواه مسلم بنحوه برقم ( 1907 ) " باب قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات " .
(2) 1 ) " رسالة آداب العالم والمتعلم " وهي مقدمة المجموع النووي ( ص 6 –7 ) .
(3) 2 ) السابق(1/96)
إن الحكم إلا لله } [ الأنعام : 57 ] فكفروه وسائر من معه ، وهكذا استدلوا أيضا بمتشابهات أخرى كقولهم : كيف يستحل قتال معاوية ومن معه ولم يسب ويستحل أموالهم ؟ وقولهم : كيف وافق على محو إسمه " أمير المؤمنين " عندما تم عقد الصلح ، فإن لم يكن هو أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين(1). وهكذا منهج أهل الزيغ في كل زمان ومكان ، يستدلون إما بجزئيات ويتركون جمع الأدلة والتوفيق بينها ، وإما بمتشابهات لها توضيح وتفسير في مكان آخر .
فالواجب تتبع الأدلة في الباب الواحد والتوفيق بينها إن أمكن والرجوع لأقوال الأئمة في هذا الشأن ، ولمعرفة اختلاف الناس واتفاقهم ، فلا يخرج طالب العلم والباحث عن هذه الأقوال إلا بما يراه راجحاً في نظره .
( 3 ) معرفة ما يحتج به وما لا يحتج به :
" فعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن الرجل تكون عنده الكتب المصنفة فيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم واختلاف الصحابة والتابعين وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك ولا بالإسناد القوي من الضعيف ، فيجوز له أن يعمل بما شاء ويتخير ما أحب منها يفتي به ويعمل به ؟
قال : لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح ، يسأل عن ذلك أهل العلم "(2).
فطالب العلم عليه أن يميز بين ما هو حجة وما ليس كذلك عند أهل العلم ، حتى لا يأتي الأمر من غير بابه كما فعل المؤلف في كتابه ، فجاءنا بالإسرائيليات في باب العقائد والغيبيات ، وبالمخطوطات المجهولة وبالأحاديث الضعيفة المنكرة ، واحتج بالعرافين وغير ذلك ، فأتى في كتابه بكل عجيب ، وهذا سببه الجهل بالأصول التي يجب الرجوع إليها .
__________
(1) 3 ) ذكر ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " ( 2/ 103 – 105 ) مناظرة ابن عباس للخوارج وتهاتفت ما استدلوا به فليراجع ونقله عنه الشاطبي في " الاعتصام " ( 2 / 187 ) .
(2) 1 ) " الفقيه والمتفقه " للخطيب البغدادي ( 2 / 98 ) .(1/97)
قال الإمام الشوكاني :
" ولا تقوم الحجة بالحديث المنقطع وهو الذي سقط من رواته واحد من دون الصحابة ولا بالمعضل وهو الذي سقط من رواته اثنان ، ولا بما سقط من رواته أكثر من اثنين ، لجواز أن يكون الساقط أو الساقطان أو الساقطون أو بعضهم غير ثقات ، ولا عبرة بكون الراوي لما هذا حالة ثقة متثبتاً ، لأنه قد يخفى عليه من حال من يظنه ثقة ما هو جرح فيه ، ولا تقوم الحجة أيضا بحديث يقول فيه بعض رجال إسناده عن رجل أو عن شيخ أو عن ثقة أو نحو ذلك لما ذكرنا من العلة ، وهذا مما لا ينبغي أن يخالف فيه أحد من أهل الحديث ، ولا اعتبار بخلاف غيرهم لأن من لم يكن من أهل الفن لا يعرف ما يجب اعتباره "(1).
وكم من أخبار ساقها المؤلف أسانيده واهية ، ومنها ما هو منقطع ومنها ما فيه مجاهيل ومدلسين ومتهمين بالكذب ، ومنها ما أسقط إسناده بالمرة كالمخطوطات المجهولة .
ولقد عد العلماء من علامات أهل البدع اعتمادهم على الأخبار الواهية .
قال الإمام الشاطبي :
" فمنها – أي علامات أهل البدع – اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة والمكذوب فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتي لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء عليها "(2).
فعلى الباحث وطالب العلم أن يطلع على علمي أصول الفقه ومصطلح الحديث ويرجع إلى أهل الاختصاص في كل فن ، حتى لا يخرج علينا بما هو شاذ ومستنكر ، ولا يغترن من نفسه ، فيظن أنه قد جاء بما فات الأولون ، أو أنه تنبه لما غفل عنه السابقون ، فهيهات هيهات للوصول إلى مثل علم سلفنا الصالح ، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه .
( 4 ) الرجوع للعلماء :
__________
(1) 2 ) " إرشاد الفحول " للشوكاني (ص 121) .
(2) 1 ) " الاعتصام " للشاطبي ( 1 / 224 ) .(1/98)
فلابد لطالب العلم والباحث من الرجوع إلى أهل العلم في فهم النصوص الشرعية لأن لهم السبق في هذا الميدان ، ولقوله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون } [ النحل : 43 ] وهذا يتأكد في أزمنة الفتن .
" فإن من شأن الفتن أن تشتبه الأمور فيها ، ويكثر الخلط ، وتزيغ الأفهام والعقول ، والعصمة حينذاك إنما هي للجماعة التي يمثل العلماء رأسها ، فالواجب على الناس : الراعي والرعية الأخذ برأي العلماء والصدور عن قولهم ، لأن اشتغال عموم الناس بالفتن وإبداء الرأي فيها ينتج عنه مزيد فتن ، وتفرق للأمة ، فالأمور العامة من الأمن أو الخوف مردها إلى أهل العلم والرأي "(1)
لقوله عز وجل : { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } [ النساء : 83 ] .
قال العلامة السعدي في تعليقه على هذه الآية : { لعلمه الذين يستنبطونه منهم } أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة ، وعلومهم الرشيدة ، وفي هذا دليل لقاعدة أدبية ، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولي من هو أهل لذلك ، ويجعل إلى أهله ولا يتقدم بين أيديهم ، فأنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ "(2).
فالرجوع للعلماء أمر حتمي لحسم الفوضى ، ولذلك قال سلمان الفارسي رضى الله عنه : " لا يزال الناس بخير ما بقى الأول حتى يتعلم أو يعلم الآخر ، فإن هلك الأول قبل أن يعلم أو يتعلم الآخر هلك الناس "(3).
وعن أبي الدرداء رضى الله عنه قال : " مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون ، فتعلموا قبل أن يرفع العلم ، فإن رفع العلم ذهاب العلماء "(4).
__________
(1) 2 ) " قواعد في التعامل مع العلماء " لعبد الرحمن بن مقلا اللويحقي ( ص 119 ) .
(2) 1 ) " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " لعبد الرحمن بن ناصر السعدي ( ص 154 ) .
(3) 2 ) رواه الدرامي ( 1 / 78 ) " باب في ذهاب العلم " .
(4) 3 ) السابق .(1/99)
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " إن أحداً لا يولد عالماً ، والعلم بالتعليم "(1).
وقال عبد الرحمن بن مهدي : " كان الرجل من أهل العلم إذا لقى من هو فوقه في العلم ، فهو يوم غنيمته ، سأله وتعلم منه ، وإذا لقى من هو دونه في العلم علمه وتواضع له ، وإذا لقى من هو مثله في العلم ذاكره ودارسه "(2).
وقال ميمون بن مهران رحمه الله : العلماء هم ضالتي في كل بلد ، وهم بغيتي إذا لم أجدهم ، وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء "(3).
وجاء يحيى بن معين إلى أحمد بن حنبل فبينا هو عنده ، إذ مر الشافعي على بغلته فوثب أحمد يسلم عليه وتبعه فأبطأ ، ويحيى جالس ، فلما جاء قال يحيى : يا أبا عبد الله كم هذا ؟ فقال : دع عنك هذا ، إن أردت الفقه فالزم ذنب البغلة "(4)والنصوص في هذه كثيرة .
والمؤلف – عفا الله عنه - يأتينا بنصوص من الشرق والغرب ، ثم لا يذكر لنا أقوال أهل العلم في هذه النصوص ، وإنما يذهب هو يفسر ويستنتج ويستنبط الأحكام والنتائج ، فكانت النتيجة ما رأينا من عجائب .
( 5 ) التحري والتثبت :
لقول الله تعالى : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } [ النساء : 83 ]
قال الألوسي في تفسيره :
" وفيه إنكار على من يحدث بالشيء قبل تحقيقه "(5).
وقال بن كثير :
" وقوله { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به } إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها ، وقد لا يكون لها صحة "(6).
__________
(1) 4 ) كتاب العلم للحافظ أبي خيثمة النسائي ( ص 28 ) .
(2) 5 ) رواه الرامهرمزي في الحديث " المحدث الفاضل " ( ص 206 ) .
(3) 6 ) رواه بن عبد البر في " الجامع " ( 1 / 49 ) .
(4) 1 ) رواه البيهقي في " مناقب الشافعي " ( 2 / 252 ) .
(5) 2 ) " روح المعاني " للألوسي ( 3 / 94 ) .
(6) 3 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 502 ) .(1/100)
وهذا كحال صاحبنا المؤلف ، فإنه ما إن قرأ بعض ما وقع في يديه من كتب عن الفتن وأشراط الساعة ، راح ينشر ويذيع ما وقع عليه دون تثبت وتحقيق ، فيا ليته اطلع على سيرة السلف الصالح ، ليرى من ورعهم وتهيبهم من الفتوى ما يجعله يراجع نفسه مراراً .
" فعن البراء رضى الله عنه قال : لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما منهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتوى " .
" وقال الشافعي : ما رأيت أحداً جمع الله فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت عن الفتيا منه " .
" قال ابن عيينة : أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيها ، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيها "(1).
قال الخطيب البغدادي :
" وقل من حرص على الفتوى وسابق إليها وثابر عليها إلا قل توفيقه واضطرب في أمره "(2).
نسأل الله عز وجل أن يجنبنا الزلل .
( 6 ) الحذر من القول بغير علم : لقول الله عز وجل : { ولا تقف ما ليس لك به علم } [ الإسراء : 36 ] .
قال بن كثير في تفسيره :
" ومضمون ما ذكروه – يعني السلف – أن الله تعالى نهي عن القول بلا علم بل بالظن الذي هو التوهم والخيال كما قال { اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعد الظن إثم } [ الحجرات : 12 ] وفي الحديث :
" إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث "(3).
قال ابن القيم :
__________
(1) 4 ) هذه الآثار من كتاب " الفقيه والمتفقه " للخطيب البغدادي ( 2 / 165 – 166 ) .
(2) 1 ) السابق .
(3) 2 ) تفسير ابن كثير ( 3 / 39 ) .(1/101)
" وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء ، وجعله من أعظم المحرمات ، بل جعله في المرتبة العليا منها فقال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } [ الأعراف : 33 ] فرتب المحرمات أربع مراتب ، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش ، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم ثم ثلث بما هو أعظم تحريماً منها وهو الشرك به سبحانه ، ثم ربع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وفي شرعه "(1).
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ، ينتزعه من العباد ، وكلن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً ، أتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا "(2).
من أجل ذلك كان السلف يخشون من القول على الله بغير علم ، خشية عظيمة .
فعن ابن سيرين قال :
" لم يكن أحد أهيب بما لا يعلم من أبي بكر رضى الله عنه ، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر رضى الله عنه " .
وسئل أبو بكر رضى الله عنه عن آية فقال : " أي أرض تقلني وأي سماء تظلني أن قلت في آية من كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم " .
وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: "إياكم وأصحاب الرأي ،فإنهم أعداد السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوا فقالوا بالرأي ، فضلوا وأضلوا "(3).
وعن ابن حصين الأسدي قال :
" إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر"
__________
(1) 3 ) " أعلام الموقعين " ( 1 / 38 ) .
(2) 4 ) برقم ( 100 ) كتاب العلم .
(3) 1 ) روى هذا الآثار ابن القيم في " أعلام الموقعين " ( 1/ 54 – 55 )(1/102)
وعن ابن سيرين قال :
"لأن يموت الرجل جاهلاً خير له من أن يقول ما لا يعلم " .
و قال القاسم :
" من إكرام الرجل نفسه أن لا يقول إلا ما أحاط به علمه"(1).
والنصوص عن السلف في ذلك تطول .
أما صاحبنا المؤلف فتراه يصول ويجول يميناً وشمالاً ، ثم يخترع سيناريوهات – على حد تعبيره – للأحداث الغيبية ، فيسرد السيناريو الأول ثم الثاني ثم يقول : "ولن أجهد نفسي في توقع سيناريوهات أخرى لكيفية اشتعال الحرب ... " الخ
ونسى أو تناسى أن الحديث عن الفتن والملاحم من الأمور الغيبية وليست من أمور السينما والمسرحيات !!
فلا يجوز الخرص والخوض بغير علم إلا ما جاء به الدليل الشرعي الصحيح لأن المسألة مسألة دين وعقيدة ، فما لنا وللتحليلات السياسية والعسكرية وإقحامها في عقائد المسلمين ، ورحم الله سلفنا الصالح ، ليتنا نقتدي بهم لتنصلح أحوالنا ، بدلاً من إثارة الفتن والشكوك ، والله المستعان .
علامات أهل البدع
فعلى طالب العلم الشرعي الصحيح أن يسلك سبيل المؤمنين ، ولا يحيد عنه فيهلك لقول الله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } [ النساء : 115 ] .
وعن عائشة رضى الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
(2).
ولأهل البدع علامات يعرفون بها ذكرها الإمام الشاطبي في الاعتصام ، فنذكرها على سبيل الاختصار .
(1) " اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة ، والمكذوب فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، التي لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء عليها .. "
(
__________
(1) 2 ) السابق ( 2 / 185 ) .
(2) 1 ) متفق عليه . رواه البخاري برقم (2697 ) كتاب الصلح ورواه مسلم برقم ( 1718 ) " باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور" .(1/103)
2) " ردهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم ، ويدعون أنها مخالفة للمعقول وغير جارية على مقتضى الدليل ، فيجب ردها .. " .
(3) " تخرصهم على الكلام في القرآن والسنة العربيين مع العرو(1)عن علم العربية الذي يفهم به عن الله ورسوله ، فيفتاتون على الشريعة بما فهموا ويدينون به ، ويخالفون الراسخين في العلم ، وإنما دخلوا في ذلك من جهة تحسين الظن بأنفسهم ، واعتقادهم أنهم من أهل الاجتهاد والاستنباط ، وليسوا كذلك " .
(4) " انحرافهم عن الأصول الواضحة ، إلى أتباع المتشابهات ، التي للعقول فيها مواقف ، وطلب الأخذ بها تأويلاً – كما أخبر الله تعالى في كتابه إشارة إلى النصارى في قولهم بالثالوث ، بقوله { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } [ آل عمران : 7 ] وقد علم العلماء أن كل دليل فيه اشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة ، حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه .. " .
(5) " تحريف الأدلة عن مواضعها ، بأن يرد الدليل على مناط ، فيصرف عن ذلك المناط إلى أمر آخر ، موهما أن المناطين واحد ، وهو من خفيات تحريف الكلم عن مواضعه والعياذ بالله ، ويغلب على الظن أن من أقر بالإسلام ، ويذم تحريف الكلم عن مواضعه ، لا يلجأ إليه صراحاً إلا مع اشتباه يعرض له ، أو جهل يصده عن الحق ، مع هوىً يعميه عن أخذ الدليل مأخذه فيكون بذلك السبب مبتدعاً "(2).
ثم ذكر رحمة الله من المبتدعة الذين يغالون في مشايخهم كالصوفية ونحوهم وكذلك أهل الظاهر والباطن وانحرافهم عن منهج السلف الصالح .
__________
(1) * ) ربما يقصد : الجهل بعلم العربية .
(2) 1 ) نقلنا كلام الإمام الشاطبي بنصه من " الاعتصام" ( 1 / 224 – 258 ) .(1/104)
فانظر رحمك الله إلى تلك المعالم النيرات ، وتفهمها جيداً كي ى تقع في الذم ، وكنا نتمنى أن يطلع عليها صاحبنا المؤلف قبل أن يكتب ما كتب ، لعله يستفيد منها ، جنبنا الله وإياه الواقع في الزلل .
? بين الإفراط والتفريط :
والإفراط هو مجاوزة الحد بالزيادة والتفريط عكسه أي مجاوزة الحد بالنقصان وخير الأمور دائماً أوسطها وهو القصد .
قال بن القيم :
" والفرق بين الاقتصاد والتقصير ، أن الاقتصاد هو التوسط بين طرفين الإفراط والتفريط وله طرفان هما ضدان له ، تقصير ومجاوزة ، فالمقتصد قد أخذ بالوسط وعدل عن الطرفين ، قال تعالى : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } [ الفرقان : 67 ] وقال تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } [ الإسراء : 29 ] وقال تعالى :
{ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } [ الأعراف : 31 ] والدين كله بين هذين الطرفين ، بل الإسلام قصد بين الملل ، والسنة قصد بين البدع ، ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه ، وكذلك الاجتهاد هو بذل الجهد قي موافقة الأمر ، والغلو مجاوزته وتعديه ، وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان : فإما إلى غلو ومجاوزة ، وإما إلى تفريط وتقصير ، وهم آفتان لا يخلص منهما في الاعتقاد والقصد والعمل إلا من مشي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وترك أقوال الناس وآراءهم ، لما جاء به ، لا من ترك ما جاء به لأقوالهم وآرائهم ، وهذان المرضان الخطران قد استوليا على أكثر بني آدم ، ولهذا حذر السلف منهما أشد التحذير ، وخوفوا من بلي بأحدهما بالهلاك ، وقد يجتمعان في الشخص الواحد كما هو حال أكثر الخلق ، يكون مقصراً مفرطاً في بعض دينه غاليا متجاوزاً في بعضه ، والمهدي من هداه الله " . ا هـ(1)
__________
(1) 1 ) "الروح " لابن القيم ( صـ 257 ) .(1/105)
فإذا نظرنا إلى موضوع الفتن والملاحم واشرط الساعة ، نجد أن المتأخرين قد افترقوا طرفان ووسط ، أما الطرفان فأحدهما وقع في الإفراط كحال صاحبنا المؤلف فهؤلاء أثبتوا كل ما هب ودب من صحيح أو ضعيف بغير رؤية ولا تحري كما سبق بيانه .
والطرف الثاني : قد وقع في التفريط ، وذلك إما بإنكار كل النصوص الواردة في الفتن وأشراط الساعة أو جلها أو تأويلها بشيء من التخريف ، ومن هؤلاء الشيخ محمد عبده مؤسس المدرسة العقلانية في العصر الحديث فإنه أدعى أن أحاديث الفتن هي أحاديث آحاد ولا تقوم الحجة بأحاديث الآحاد في أبواب العقيدة
(1)وكذا تبعه الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر سابقاً(2)
وعبد الوهاب النجار في كتابه " قصص الأنبياء"(3)وذهب أحمد أمين في كتابه " ضحى الإسلام" إلى أنها منقولة كلها من اليهود بواسطة الذين أسلموا منهم قال : " وجعلت هذه الأشياء كلها أحاديث بعضها نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضها إلى أئمة أهل البيت وبعضها إلى كعب الأحبار ووهب بن منبه وهكذا وكان لكل ذلك أثر سيء في تضليل عقول الناس وخضوعهم للأوهام .. "(4)
وأما الشيخ رشيد رضا تلميذ محمد عبده فقد سلك مسلكا ملتوياً في ذلك فمره يدعي أن المشكلات الواردة في أشراط الساعة كثيرة ، ومرة يدعي أن أنها متعارضة والقاعدة إذا تعارضت تساقطت ، ومرة يميل إلى قول شيخه بأنها أحاديث آحاد لا تفيد إلا الظن ، ومرة يدعي أنها رويت بالمعنى ولم يكن كل الرواة يفهم المراد منها لأنها في أمور غيبية فاختلف التعبير باختلاف الأفهام ، وطعن في حديث الجساسة وهو في صحيح مسلم كما هو معلوم(5).
__________
(1) 2 ) نقل ذلك تلميذه رشيد رضا في "تفسير المنار" ( 3 / 317 ) .
(2) 3 ) " إتحاف الجماعة " للشيخ التويجري ( 2 / 261 ) .
(3) 4 ) " قصص الأنبياء " ( ص 424 ) .
(4) 5 ) " ضحى الإسلام " لأحمد أمين ( 3 / 243 – 244 ) .
(5) 1 ) راجع " تفسير المنار " ( 9 / 449 – 457 ) .(1/106)
ولست هنا بصدد الرد على هؤلاء ، فقد كفانا من رد عليهم كالشيخ الألباني في رسالته " وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة " والشيخ التويجري في كتابه "إتحاف الجماعة" والشيخ عبد المحسن العباد في كتاب "الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي " وغيرهم(1). قال الشيخ الألباني في تحقيقه للطحاوية : "واعلم أن أحاديث الدجال ونزول عيسى عليه السلام متواترة يجب الإيمان بها ولا تغير بمن يدعى فيها أنها أحاديث آحاد ، فإنهم جهال بهذا العلم ، وليس فيهم من تتبع طرقها ، ولو فعل لوجدها متواترة كما شهد بذلك أئمة هذا العلم كالحافظ بن حجر وغيره ، ومن المؤسف حقاً أن يتجرأ البعض على الكلام فيما ليس من اختصاصهم ، لا سيما والأمر دين وعقيدة .
وإن من هؤلاء أخيراً المدعو عز الدين بليق في كتابه " موازين القرآن والسنة " الذي زعم فيه تقليداً لغيره ممن لا معرفة عنده بهذا العلم أن روايات نزول عيسى عليه السلام بعد الدجال إنما هي من رواية وهب بن منبه وكعب الأحبار ، وهذا إختلاف محض فلا وجود لها في شيء منها مطلقاً ، ولقد كنت قديماً خرجت نحو أربعين حديثاً ليس لهما فيها ذكر " . ا هـ(2).
وأخيراً :
فإن خير الأمور أوسطها وهي العدل والقصد كما قال الله تعالى :
{ كذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } [ البقرة : 143 ]
وهذا هو سبيل سلف هذه الأمة ، فمن عرف قدرهم عرف أن سكوتهم عما سكتوا عنه من ضروب الكلام وكثرة الجدل والخصام والزيادة في البيان على مقدار الحاجة لم يكن عياً ولا جهلاً ولا قصوراً ، وإنما كان ورعاً وخشية ، لله عز وجل ، واشتغالاً عما لا ينفع بما ينفع .
__________
(1) 2 ) ولنا في المهدي رسالة " حقيقة الخبر في المهدي المنتظر " يسر الله طبعها .
(2) 3 ) "شرح العقيدة الطحاوية " ( ص 501 ) .(1/107)
فنسأل الله تعالى أن يردنا إلى الحق رداً جميلا ، وأن يغفر لنا زلاتنا وأن يعلمنا علماً نافعاً ، ونعوذ به من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع ، اللهم إنا نعوذ بك من هؤلاء الأربع والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
و كتبه
الفقير إلى عفو ربه
أبو خالد
مجدي بن سعد
غفر الله له و لوالديه و لجميع المسلمين
المراجع
أولا:القرآن و علومه:
1-القرآن الكريم.
2-تفسير القرآن العظيم.لابن كثير. ط. دار الحديث.
3-روح المعاني.للألوسي.ط. دار الفكر بيروت.
4-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي. ط.مؤسسة الرسالة.
5-فتح القدير.للشوكاني. ط. دار الفكر بيروت.
6-الجامع لأحكام القرآن. للقرطبي. ط.دار الفكر بيروت.
ثانيا: الحديث و شروحه:
7-صحيح البخاري. ط. دار ابن كثير بيروت.
8-صحيح مسلم. بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. ط. دار إحياء التراث العربي.
9-سنن أبي داود. ط. دار الفكر بيروت.
10-سنن الترمذي. ط. دار إحياء التراث العربي بيروت.
11-سنن ابن ماجة. ط. دار الفكر بيروت.
12-سنن النسائي. ط. دار الكتب العلمية بيروت.
13-صحيح ابن حبان. ط. مؤسسة الرسالة بيروت.
14-صحيح ابن خزيمة. ط. المكتب الإسلامي بيروت,
15-مسند الإمام أحمد. ط. مؤسسة قرطبة بمصر.
16-المستدرك للحاكم. ط. دار الكتب العلمية بيروت.
17-سنن الدارمي. ط. دار الكتاب العربي بيروت.
18-معاجم الطبراني الثلاثة. دار الحرمين بالقاهرة،المكتب الإسلامي بيروت،مكتبة العلوم و الحكم.
19-كتاب الفتن لنعيم بن حماد.مكتبة التوحيد بالقاهرة. تحقيق سمير أمين الزهيري 1412هـ.
20-مناقب الشافعي.للبيهقي و كذلك السنن الكبرى للبيهقي. ط. مكتبة الباز مكة المكرمة.
21-كتاب العلم.للحافظ أبي خيثمة النسائي.بتحقيق الألباني.ط. المكتب الإسلامي.(1/108)
22-صحيح الجامع الصغير.للألباني. ط. المكتب الإسلامي.
23-الجامع لمعمر بن راشد.ط.المكتب الإسلامي بيروت.
24-مصنف ابن أبي شيبة. ط. المكتب الإسلامي.
25-مشكاة المصابيح.للخطيب التبريزي.تحقيق الألباني.ط. المكتب الإسلامي.
26-سلسلة الأحاديث الصحيحة.للألباني.مكتبة المعارف بالرياض.
27-فتح الباري شرح صحيح البخاري.للحافظ ابن حجر العسقلاني.ط.السلفية.
28-شرح النووي على صحيح مسلم.ط. دار الفكر بيروت.
29-عون المعبود شرح سنن أبي داود.للآبادي. ط.دار الفكر.
30-تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي.للمباركفوري. ط.دار الكتاب(الكتب)العلمية بيروت.
31-فيض القدير شرح الجامع الصغير.للمناوي. ط. المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
32-حلية الأولياء.لأبي نعيم. ط.دار الكتاب العربي بيروت.
33-جامع بيان العلم و فضله.لابن عبد البر.دار الأرقم.
34-السنن الواردة في الفتن لأبي عمر الداني.تحقيق رضاء الله المباركفوري. ط. دار العاصمة بالرياض.
35-الفردوس بمأثور الخطاب.للديلمي.دار الكتب العلمية بيروت.
36-شرح معاني الآثار.للطحاوي.ط.دار الكتب العلمية بيروت.
ثالثا:كتب الجرح و التعديل:
37-ميزان الاعتدال.للحافظ الذهبي. ط.دار المعرفة بيروت.
38-تهذيب التهذيب.للحافظ ابن حجر. ط.دار إحياء التراث العربي.بيروت.
39-سير أعلام النبلاء.للذهبي.ط.مؤسسة الرسالة بيروت.
40-الكاشف.للذهبي.ط.دار القبلة للثقافة الإسلامية بجدة.
41-طبقات الحفاظ.للسيوطي.ط.دار الكتب العلمية بيروت.
42-الضعفاء و المتروكين.للنسائي.ط.دار الوعي بحلب.
43-تهذيب الكمال.للمزي.ط.مؤسسة الرسالة بيروت.
44-تقريب التهذيب.للحافظ ابن حجر.ط.دار الرشيد سوريا.
45-المغني في الضعفاء.للذهبي.
46-الكشف الحثيث.لأبي الوفا الطرابلسي.ط.دار الفكر بيروت.
47-لسان الميزان.للحافظ ابن حجر.ط.دار الفكر بيروت.
48-الجرح و التعديل.لابن أبي حاتم.ط.دار الفكر.
49-الإصابة في معرفة الصحابة.لابن حجر.ط.دار الباز.(1/109)
50-الضعفاء و المتروكين.لابن الجوزي.ط.دار الكتب العلمية بيروت.
51-طبقات المدلسين.لابن حجر. ط.مكتبة المنار عمان.
52-التبيين لأسماء المدلسين.لأبي الوفا الطرابلسي.
53-الضعفاء.للعقيلي. ط.دار الكتب العلمية بيروت.
54-الكامل.لابن عدي. ط.دار الفكر.
55-المجروحين.لابن حبان. ط.دار الوعي بحلب.
رابعا:كتب العلل:
56-كتاب علل الحديث.لابن أبي حاتم. ط.دار المعرفة.
57-كتاب العلل المتناهية.لابن الجوزي. ط.دار الكتب العلمية بيروت.
58-المقاصد الحسنة.للسخاوي.دار الكتب العلمية بيروت.
59-التحقيق في أحاديث الخلاف.لابن الجوزي.ط.دار الكتب العلمية بيروت.
60-كشف الخفاء.للعلجواني.ط.مؤسسة الرسالة بيروت.
61-مجمع الزوائد و منبع الفوائد.للهيثمي.ط.دار الريان للتراث.
62-الموضوعات.لابن الجوزي. ط.دار الفكر بيروت.
63-الفوائد المجموعة من الأحاديث الموضوعة.للشوكاني. ط.دار الكتب العلمية بيروت.
64-المنار المنيف.لابن القيم. ط.دار المسلم بالقاهرة.
65-القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد.لابن حجر. ط.مكتبة ابن تيمية بالقاهرة.
66-سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني.ط.المكتب الإسلامي.
67-ضعيف الجامع الصغير و زيادته للألباني.ط.المكتب الإسلامي.
خامسا:كتب مصطلح الحديث:
68-تدريب الراوي شرح تقريب النواوي. للسيوطي. ط.المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
69-النكت على كتاب ابن الصلاح.لابن حجر. ط.دار الكتب العلمية.
70-فتح المغيث شرح ألفية الحديث. للحافظ العراقي. ط.دار الجيل بيروت.
71-قواعد الحديث. للقاسمي. ط.دار الكتب العلمية.
72-المحدث الفاصل. للرامهرمزي. ط.دار الفكر بيروت.
سادسا:كتب أصول الفقه:
73-الفقيه و المتفقه.للخطيب البغدادي. ط.مكتبة أنس بن مالك بالقاهرة.
74-الموافقات. للشاطبي. ط.دار المعرفة بيروت.
75-إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول. للشوكاني. ط.مؤسسة الكتب الثقافية بيروت.(1/110)
76-رسالة"آداب العالم و المتعلم"و هي مقدمة المجموع للنووي. ط.مكتبة الصحابة بطنطا.
77-جامع بيان العلم و فضله. لابن عبد البر. ط.دار الأرقم بالقاهرة.
78-أعلام الموقعين.لابن القيم. ط.الكليات الأزهرية بالقاهرة.
79-الإحكام في أصول الأحكام. لابن حزم.ط. دار الفكر العربي بالقاهرة.
سابعا:كتب العقيدة:
80-شرح العقيدة الطحاوية.بتحقيق الألباني. ط.المكتب الإسلامي.
81-أصول السنة.لأحمد بن حنبل. ط.دار المنار بالسعودية.
82-لمعة الاعتقاد.لابن قدامة المقدسي. ط.مكتبة ابن تيمية بالقاهرة.
83-قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر. لصديق حسن خان. ط.عالم الكتب بيروت.
84-الفصل في الملل و النحل. لابن حزم. ط.مكتبة السلام العالمية بالقاهرة.
85-لوامع الأنوار. للسفاريني.
86-فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ. ط.دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة.
87-الاعتصام. للشاطبي. ط.دار عمر بن الخطاب بالإسكندرية.
88-الروح.لابن القيم. ط.مكتبة المتنبي بالقاهرة.
89-شرح الفقه الأكبر. لملا على القاري. دار الكتب العلمية بيروت.
ثامنا:كتب التاريخ و اللغة:
90-تاريخ الأمم و الملوك. لابن جرير الطبري. ط.دار الكتب العلمية بيروت.
91-البداية و النهاية. لابن كثير. ط.دار الفكر بيروت.
92-قصص الأنبياء. لعبد الوهاب النجار. ط.دار إحياء التراث العربي بيروت.
93-ضحى الإسلام. لأحمد أمين.
94-معجم البلدان. لياقوت الحموي. ط.دار الفكر بيروت.
95-النهاية في غريب الحديث. لابن الأثير. ط.دار الفكر بيروت.
96-لسان العرب. لابن منظور. ط.دار صادر بيروت.
97-مختار الصحاح.للرازي. ط.دار الحديث بالقاهرة.
تاسعا:كتب عامة:
98-قواعد في التعامل مع العلماء. لعبد الرحمن بن معلا اللويحق. ط.دار الوراق بالسعودية.
99-الإسرائيليات و الموضوعات في كتب التفسير. لمحمد بن محمد شهبة. ط.مكتبة السنة بالقاهرة.(1/111)
100-الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع. للخطيب البغدادي. ط.مكتبة المعارف بالرياض.
101-مجموع الفتاوى. لشيخ الإسلام ابن تيمية. ط.مكتبة ابن تيمية بالقاهرة.
102-التذكرة. للقرطبي. ط.مكتبة التوحيد بالمنصورة.
103-الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح و التعديل. للباحث عبد العليم البستوي. جامعة الملك عبد العزيز.
104-الماسونية..عقدة المولد و عار النهاية. لمحمود الشاذلي. ط.مكتبة وهبة بالقاهرة.
105-حجة الله البالغة. للعلامة ولي الله الدهلوي. ط.دار الكتب العلمية بيروت.
106-درس صوتي للدكتور سفر الحوالي بعنوان "الوعد الحق و الوعد المفترى".
فهرس عام
الموضوع الصفحة
مقدمة فضيلة الشيخ/محمد حسان............................. 2
مقدمة المؤلف................................................. 6
الباب الأول:الأصول التي اعتمد عليها الكتاب................. 12
الفصل الأول:الاحتجاج بالإسرائيليات........................ 13
الفصل الثاني:الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة و الموضوعة........ 27
الفصل الثالث:مخطوطات نادرة............................... 48
الفصل الرابع:أقوال الكهان و العرافين......................... 52
الفصل الخامس:تحليلات الساسة من الغرب و الشرق........... 57
الباب الثاني:المناقشة التفصيلية للكتاب......................... 60
الفصل الأول:الأخنس و أمير الكويت......................... 61
الفصل الثاني:السفياني و صدام حسين.......................... 65
الفصل الثالث:من هو الأعرج الكندي......................... 70
الفصل الرابع:الرايات السود و حركة طالبان................... 77
الفصل الخامس:هرمجدون..................................... 87
الباب الثالث:افتقاد الأمانة العلمية............................. 98
الباب الرابع :أصول الاستدلال الصحيحة...................... 108(1/112)
المراجع...................................................... 126
فهرس عام................................................... 132(1/113)