بسم الله الرحمن الرحيم
الأثر الإيماني لتعليم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع
من خلال أركان الإيمان
بحث أعده
د. العباس بن حسين الحازمي
عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين
للمشاركة في الملتقى الثالث للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن أعظم نعمة أنعمها الله على هذه البشرية هذا الدين العظيم، وهذا الرسول الرحيم صلى الله عليه وسلم، وهذا القرآن الكريم الذي أنزله الله هداية للناس قال تعالى: { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } (الأنعام: 19) وقال تعالى: { الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } (إبراهيم: 1).
وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } (الجمعة: 2). والآيات والأحاديث الدالة على أن الحكمة من نزول القرآن هي هداية الناس وتزكية البشرية وإنقاذ العالم كثيرة ومتعددة؛ دلالة على أهمية التنبه لهذا المعنى وتعميقه في النفوس.
ولذلك كان لزاماً محاسبة أنفسنا هل استثمرنا هذا الكنز الموجود بين أيدينا أم لا؟ هل أحسنا التعامل مع هذا الزاد الممنوح لنا أم لا؟
ويأتي هذا البحث ليسهم - بتواضع في كشف النقاب عن الأثر الإيماني - الواقع والمأمول - لتعلم القرآن الكريم وتعليمه على الأفراد والمجتمعات وخاصة في الإيمان بأركان الإيمان الستة وليكشف - بوضوح - عن الرسالة العظيمة التي تؤديها الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم من خلال تحفيظ وتعليم المسلمين وأبنائهم كتاب الله، ليصيبهم ذلك الأثر ويتصفوا بتلك الصفات.(1/1)
ويأتي هذا البحث حبة في عِقد منظوم تكرمت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في منطقة الرياض بصوغ حباته من خلال الملتقى الثالث للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم الذي يحمل عنوان (الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم والمجتمع)، لتظهر الرعاية الشاملة والتربية المتكاملة التي حملتها الجمعية الخيرية على عاتقها.
وقد اشتمل هذا البحث المسمى (الأثر الإيماني لتعليم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع من خلال أركان الإيمان). على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: أسباب التأثر الإيماني وموانعه.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أسباب التأثر الإيماني لدى الفرد والمجتمع.
المبحث الثاني: موانع التأثر الإيماني لدى الفرد والمجتمع.
الفصل الثاني: أنواع التأثر الإيماني على الفرد والمجتمع، ونماذج منه.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أنواع التأثر الإيماني من خلال أركان الإيمان الستة، ونماذج منه.
المبحث الثاني: أنواع التأثر الإيماني من خلال بقية شعب الإيمان، ونماذج منه.
الفصل الثالث: الآثار والعلاج:
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: آثار التأثر الإيماني بالقرآن لدى الفرد والمجتمع.
المبحث الثاني: آثار الضعف الإيماني لدى الفرد والمجتمع، ومظاهره وعلاجه.
الخاتمة والفهارس.
وقبل أن نقلب أولى صفحات هذا البحث أحب أن أشير إلى بعض القضايا المهمة ومنها:
أن الحديث عن الأثر الإيماني للقرآن يختلف بالمفهوم الذي نقصده بالإيمان.
فإذا قصدنا الإيمان المذكور في حديث جبريل عليه السلام والذي هو قسيم الإسلام والإحسان، فسيكون الحديث عن الإيمان بهذه الأركان الستة من خلال القرآن.
أما إذا قصدنا الإيمان الذي هو مقابل الكفر فيشمل الحديث كل جوانب الدين وحديث القرآن عنها.(1/2)
أما إذا قصدنا المفهوم الروحاني للإيمان وهو ما يتبادر إلى الذهن سريعاً ويتجه الحديث إليه عند ذكر كلمة الإيمان وهذا الاستعمال - الثالث - هو الذي يتفق مع محاور هذا الملتقى (آثار تعلم القرآن - الأثر الإيماني - الأثر الاجتماعي) وإلا فالمحاور كلها داخلة في الإيمان بمعناه الواسع الشامل.
وقد حاولت في بحثي أن أوفق بين هذه المفاهيم الثلاثة للإيمان وأبرزت أثر تعلم القرآن في وجودها في المجتمع.
أن الكتابة في آداب تلاوة وتعلم كتاب الله تكاد تكون غير محصورة، لكن القليل منها الذي يشير إلى الأثر العملي من التزام هذه الآداب.
وأزعم أن كتابتي هذه حاولت الاقتراب كثيراً من موضع الداء وبذلت من الجهد كثيراً في إيصال الدواء.
وقد حرصت في بحثي هذا على الإيجاز - قدر الإمكان - مراعياً المهم من قواعد البحث العلمي، من عزو للآيات، وتخريج للأحاديث والآثار متحرياً فيها الصحة قد الإمكان، وتوثيق النقول من المصادر والمراجع مذيلاً البحث بفهارس كاشفة.
…أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لكل خير وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
العباس بن حسين الحازمي
الفصل الأول
أسباب التأثر الإيماني، وموانعه
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أسباب التأثر الإيماني لدى الفرد والمجتمع.
المبحث الثاني: موانع التأثر الإيماني بالقرآن لدى الفرد والمجتمع.
المبحث الأول
أسباب التأثر الإيماني للفرد والمجتمع
إن نظرة متأنية فاحصة لكثير مما كتب حول آداب قارئ القرآن وأخلاق حملته وشروط ومبادئ الانتفاع به، وسبل فهمه والاهتداء بهديه. تضع أيدينا على الأسباب الحقيقية للتأثر الإيماني بالقرآن.
ويمكن أن نجمل أسباب التأثر في ثلاثة أسباب رئيسية:
أولاً: آداب التلاوة عموماً: وذلك أن الالتزام بتلك الآداب سبب من أسباب التأثر الإيماني، وهي على قسمين.
أ-آداب حسية:(1/3)
مثل الطهارة، والسواك، واستقبال القبلة، والسكينة والوقار، والترتيل والتجويد، واجتناب الحركة الكثيرة واللغط والضحط والتلفت أثناء القراءة(1).
ب-آداب معنوية:
-تعظيم الله، والخوف منه، ومحبته، فكلما عظم خوف الله في قلب الإنسان، وازدادت محبته فيه، كلما أحب القرآن ورغب في تلاوته.
-جمع القلب وحضوره عند التلاوة كما قال تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } (ق: 37).
-التوبة، والابتعاد عن المعاصي، وكثرة الاستغفار، وذلك لأن المعاصي أثرها المباشر على القلب، والقلب هو أداة استقبال أثر القرآن.
وفي التوبة والاستغفار تطهير للأدوات التي يتعامل بها مع القرآن، كاللسان، والآذان، والبصر، والقلب، يقول ابن القيم رحمه الله: (فمن غض بصره عما حرم الله عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه، فكلما أمسك نور بصره عن المحرمات، أطلق الله نور بصيرته وقلبه فيرى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله تعالى... فإن القلب كالمرآة والهوى كالصدأ فيها فإذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي عليه، وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات فيكون علمه وكلامه من باب الخرص والظنون)(2).
-الإخلاص في تلاوته، وفي مراده بالتدبر.
-الاستعاذة، وليس المراد هنا مجرد التلفظ بالتعوذ ولكن الاستعاذة الحقيقية متضمنة لعداوة حقيقية للشيطان والتجاء حقيقي إلى الرحمن.
لذا فإن المواضع الثلاثة المأمور فيها العبد بالاستعاذة عموماً في القرآن الكريم وهي الأعراف والمؤمنون وفصلت (الآيات 200/ الأعراف، 97/ المؤمنون، 36/ فصلت) نلحظ فيها أن الله أمر قبلها بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ليعود إلى الموادة والمصافاة.
قال تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } (الأعراف: 199).(1/4)
قال تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } (المؤمنون: 96).
قال تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } (فصلت: 34).
أما الشيطان فيأمر الله بالاستعاذة به منه لا محالة، إذ لا يقبل مصانعة ولا إحساناً، ولا يبغي غير هلاك بني آدم(3).
والاستعاذة كذلك، طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث والزور، وتهيؤ لتلاوة كتاب الله(4).
-اختيار الزمان والمكان الملائمين:
وهذا السبب وإن كان حسياً إلا أن أثره المعنوي لا يخفى.
فأفضل التلاوة ما كانت في صلاة وفي الليل خاصة قال تعالى: { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا } (المزمل: 6).
ثم ما كان في الفجر، ولذلك استحب إطالة القراءة في صلاة الفجر وسميت قرآن الفجر قال تعالى: { وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } (الإسراء: 78).
ولحديث عمر رضي الله عنه (من نام عن حزبه من الليل فقرأه ما بين الفجر والظهر فكأنما قرأه من الليل)(5).
وأفضل الأماكن لقراءته وتدبره المساجد، ثم ما يمكن دخول الملائكة إليه.
ثانياً: أسباب متعلقة بالفهم والتدبر:
-كالفهم العام لمعاني القرآن الكلية التي تنزل القرآن لتعميقها في النفوس كوحدانية الله، ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحكمة في خلق الكون، ومآل الكون ومصيره.
-الانشغال الدائم بتدبر القرآن ومحاولة التأثر به، وتلمس السلوك العملي الذي يدعو إليه القرآن.
كما يقول بعض السلف (نزل القرآن ليعمل الناس به فاتخذ الناس تلاوته عملاً)(6).
فمهما قيل في الأجور المترتبة على تلاوة القرآن، فإن الثواب المترتب على العمل به أعظم، وإنما كان تكثير ثواب التلاوة ليسوق الناس إلى العمل بالقرآن والتخلق بأخلاقه.(1/5)
-حسن الصلة بأهل التدبر والتأثر بالقرآن سواء كان في حلقات التحفيظ، أو في المدارس، أو حتى في البيوت.
فينبغي أن يكون من موازيننا فيمن نقرأ عليهم، إضافة إلى علو الإسناد، والضبط في التلاوة، حسن التدبر للقرآن والتخلق بأخلاقه، حينها ينتقل ولاشك إلينا ذلك الأثر الحسن، ونكون من المتدبرين للقرآن، المتأثرين به المتخلقين بأخلاقه.
ثالثاً: أسباب متعلقة بالسلوك الإيماني قبل التلاوة وأثناءها وبعدها:
والأصل في هذا القول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (لقد عشنا دهراً طويلاً وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها، ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره، ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدقل)(7).
ولذلك فعلى مقدار التقوى والإيمان والإخلاص في قلب قارئ القرآن يكون انتفاعه وتأثره بالقرآن وتزيده تلك القراءة تقوى وإيماناً وإخلاصاً.
وفي مواضع عدة من القرآن الكريم بيّن الله أن الهداية بالقرآن والتأثر به إنما يكون للمتقين المؤمنين المسلمين...
قال تعالى: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } (البقرة: 2). (فالمتقون هم الذين يجدون في كتاب الله الهدى والنور ....)(8).
(ولقد صرح في هذه الآية بأن هذا القرآن هدى للمتقين، ويفهم من مفهوم الآية:
-أعني مفهوم المخالفة - أن غير المتقين ليس هذا القرآن هدى لهم، وصرح بهذا المفهوم في آيات أخر كما قال تعالى: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } (فصلت: 44) (9).
ويمكن أن يرد هنا سؤال كيف يكون القرآن هدى للمتقين وهم مهتدون أصلاً؟(1/6)
ويجاب عن ذلك بأنه ليس من شروط هذا المتقي المنتفع المتأثر بالقرآن كونه من المتقين قبل سماع القرآن، فإن من لم يسمع شيئاً من القرآن لا يكون متقياً(10).
لـ (أن الشرط إنما يجب أن يقارن المشروط لا يجب أن يتقدمه تقدماً زمانياً، كاستقبال القبلة في الصلاة)(11).
ومجيء هذه الآية وأشباهها بهذا الأسلوب ليفهم منها أنه حتى ينتفع الإنسان بالقرآن لابد أن يكون قلبه قابلاً لذلك الانتفاع إذ الوعظ لا يؤثر فيمن لا يكون قابلاً له(12).
ويمكن أن يكون زمن حصول الانتفاع والتقوى والتأثر في الماضي، فيكون المراد من المتقين، من كانت التقوى شعارهم أي أن الهدى ظهر أثره فيهم فاتقوا، وفي هذا مدح لهذا القرآن بمشاهدة أثره، وثناءٌ على المؤمنين الذين يتأثرون به.
ويمكن أن يكون الانتفاع في الحاضر والحال فكل من نزه نفسه وأعدها لقبول الحق والتأثر به فهذا الكتاب يهديه، ويزيده هدى.
ويمكن أن يكون الانتفاع في المستقبل فالذين سيتقون في المستقبل سيكون هذا القرآن هدى لهم(13).
وهذا التساؤل والإجابة عليه يرد في كل الأوصاف التالية (الإيمان، الإسلام، .........).
وقال تعالى: { وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } (البقرة: 97)، وقال تعالى: { هَذَا مچح!$|ءt/ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (الأعراف: 203). المؤمنون بأنه كلام الله، وأنه الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما فيه من وعد ووعيد. و(كلما كان القلب ندياً بالإيمان زاد تذوقه لحلاوة القرآن، وأدرك من معانيه وتوجيهاته ما لا يدركه القلب الصلد الجاف... إن في القرآن كنوزاً ضخمة من الهدى والمعرفة... والتوجيه، والإيمان هو مفتاح هذه الكنوز..........)(14).
-وقال تعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } (النحل: 89).(1/7)
فأهل طاعة الله، الخاضعون له بالتوحيد، المذعنون له بالطاعة، المستسلمون لأمره ونهيه، المقرون بالآيات المصدقون بها قولاً وعملاً هم أولى الناس بهداية القرآن، المتأثرين به(15).
-وقال تعالى: { تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ } (لقمان: 2، 3).
فمن أصناف المتأثرين بهذا القرآن المنتفعين به المحسنون، المتقنون لعباداتهم، المريدون بها وجه الله، وكذلك المحسنون المنعمون على غيرهم، المتفضلون عليهم وقال تعالى: { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } (الجاثية: 20).
فأهل اليقين هم أهل للتأثر بالقرآن والانتفاع به.
وقال تعالى: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } (الزمر: 23).
وتلك الآيات نصوص واضحة صريحة في أن الاستعداد القبلي بالتقوى والإيمان والإسلام والإحسان واليقين يهيئ أصحابه للانتفاع والتأثر بالقرآن والاهتداء بهديه.
وعلى النقيض من هؤلاء يأتي أقوام يتقنون تلاوة القرآن الكريم وربما حفظوه، ولم يكن لهم قبل ذلك الحفظ ولا بعده رصيد من إيمان أو تقى.... فإن تأثرهم بالقرآن وهم على تلك الحال غير متحقق.
وعلى قدر تخلق المسلم واتصافه بتلك الأوصاف يكون انتفاعه وتأثره بكتاب الله عز وجل واهتداؤه به، وعلى قدر تخليه عنها أو عن بعضها فإنه يفقد من قابلية قلبه التدبر لكتاب الله.(1/8)
وفي ختام هذا المبحث أحب أن أؤكد على قضية مهمة وهي أن المجتمع - ومن خلال أفراده - في رحلته وسعيه إلى تملك والتمكن من أسباب وأدوات التأثر بالقرآن يحقق جملة من المكاسب المهمة وهي - وإن كان بعضها ليست هدفاً لذاتها أول الأمر - إلا أن الوصول إلى فهم القرآن والانتفاع بالقرآن يمر من خلالها وعبرها.
ولذلك فهو يمارس الطهارة المعنوية والحسية رغبة في التخلص من الحواجز التي تحول بينه وبين فهم القرآن الكريم.
فيتخلص أفراد المجتمع وهم في مسيرتهم نحو فهم القرآن والتأثر به - مما علق بأجسادهم وأرواحهم من دنس الحياة وخطيئاتها.
وهكذا كل تلك الصفات والآداب التي ذكرناها في الصفحات السابقة تضع أقدامنا على الصراط المستقيم لبناء مجتمع إسلامي فاضل، ينشد الآخرة، ويعمر الدنيا في طريقه إلى الآخرة.
…وخلو المجتمع أو بعض أفراده من تلك الصفات أو بعضها - إضافة إلى حرمانهم من التأثر بالقرآن - يحرمه من مقومات الحياة السعيدة الهانئة.
المبحث الثاني
موانع التأثر الإيماني بالقرآن على الفرد والمجتمع
يمثل التفريط في الأسباب المذكورة في المبحث السابق القسم الأهم في موانع التأثر الإيماني بالقرآن، لأن تلك الأسباب إنما جعلت من أجل الوصول إلى التأثر والانتفاع، فانتفاء تلك الأسباب أو بعضها يمنع التأثر أو يؤخر حصوله.
ولكني سأهتم في هذا المبحث بموانع أخرى ذكرها الله في القرآن وأخبر أن المشركين حرموا بسببها الانتفاع بالقرآن والاهتداء بهديه.
وهي في الحقيقة ليست حاصلة ابتداءً، بل نتيجة للكفر والنفاق والإغراق في المعاصي والسيئات كما سأوضح لاحقاً.(1/9)
-قال تعالى: { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا } (الإسراء: 45، 46).
وقال تعالى: { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } (فصلت: 5).
ففي هذه الآيات يخبرنا الله عز وجل أن من الموانع التي منعت المشركين من إتباع القرآن والانتفاع به: الوقر والأكنة والحجاب.
والوقر: هو الثقل في الآذان المانع من السماع أو الفهم.
والأكنة: جمع كِنان وهو الغطاء الذي يستر الشيء ويغطيه ويمنع الوصول إليه.
والحجاب: هو الحائل الساتر الذي يمنعهم من تفهم القرآن(16).
وهؤلاء ابتدؤا فأعرضوا عن الوحي فعاقبهم الله من جنس عملهم والحجاب يمنع رؤية الحق، والأكنة تمنع فهمه، والوقر يمنع سماعه(17).
وسبب وجود تلك الموانع على حواسهم هو الكفر والنفاق والإعراض.
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (البقرة: 6، 7).
وقال تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } (محمد: 16، 17).(1/10)
فالانغماس في المعاصي والسيئات يورث القلب - الذي هو وسيلة فهم القرآن والانتفاع به والتأثر - الطبع والختم وهما مانعان من فهم القرآن والانتفاع به كما نصت عليه الآيات.
وقال تعالى: { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } (التوبة: 124، 125).
وفي هذه الآيات يخبرنا الله جل وعلا أن مرض القلب بشبهة أو بشهوة ليس فقط مانعاً من فهم القرآن والتأثر به، بل هو زيادة على ذلك جاعل تلك الآيات تزيده رجساً ومرضاً.
يقول ابن القيم رحمه الله: (فإن القلب إذا كان ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع....
والقلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلقه بغيره... فإن القلب إذا امتلأ بذلك جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته فلم تجد فيه فراغاً لها ولا قبولاً، فتعدته وتجاوزته إلى محل سواه)(18).
وقال تعالى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } (البقرة: 17، 18)
وقال تعالى: { وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ } (الجاثية: 23).
فمن الموانع التي تمنع القلب من التأثر والانتفاع بالقرآن الصمم والعمى والغشاوة والبكم.(1/11)
(والعلم يدخل إلى العبد من ثلاثة أبواب: من سمعه وبصره وقلبه وقد سدت عليهم هذه الأبواب الثلاثة؛ فسد السمع بالصم، والبصر بالعمى، والقلب بالبكم)(19).
فهذه الموانع (الوقر والأكنة والحجاب، والطبع والختم، والمرض، والصمم والعمى والغشاوة والبكم)، حواجز جعلها الله بسبب الكفر والظلم والمعاصي، حائلة بين المرء وبين فهمه وانتفاعه وتأثره بالقرآن.
وعلى قدر بعد العبد من المعاصي، وإكثاره من التوبة والاستغفار تكون نجاته من الموانع والحجب.
والمجتمع المسلم إنما يتكون من أفراده، فإذا كثر المحرومون من هداية القرآن، والمحجوبون عن آثاره في ذلك المجتمع، كان ذلك داعياً إلى حجب ذلك الأثر عن سائر المجتمع.
الفصل الثاني
أنواع التأثر الإيماني لدى الفرد والمجتمع ونماذج منه
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أنواع التأثر الإيماني من خلال أركان الإيمان الستة، ونماذج منه.
المبحث الثاني: أنواع التأثر الإيماني من خلال بقية شعب الإيمان، ونماذج منه.
المبحث الأول
أنواع التأثر الإيماني من خلال أركان الإيمان الستة، ونماذج منه
تعتبر أركان الإيمان الستة المذكورة في قوله تعالى: { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } (البقرة: 177).
وفي قوله تعالى: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } (القمر: 49).
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)(20).
الموضوع الرئيس لآيات القرآن الكريم وسوره.
فالقرآن الكريم إما حديث عن الله عز وجل: عن ربوبيته وعظمته، عن ألوهيته ورحمته، عن أسمائه الحسنى وصفاته، وعن آثار كل ذلك في الكون.
وإما حديث عن الملائكة ومهامهم ووظائفهم وعبادتهم.(1/12)
وإما حديث عن كتب الله المنزلة على أنبيائه ورسله، وما فيها من عبر وعظات وحكم وآيات.
وإما حديث عن الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، ومواقفهم مع قومهم وصبرهم عليهم...
وإما حديث عن اليوم الآخر، وما فيه من نعيم وعذاب، وجنة ونار....
وما يواجه المسلم في حياته من أقدار ومصائب ومكاره وهل يصبر وهل يرضى بقضاء الله وقدره.
إن المؤمن الذي يقرأ القرآن وهو يتلمس هذه الجوانب العظيمة والمعاني السامية، ليعلو إيمانه أيما علو، ويرتفع يقينه أيما ارتفاع، وتظهر آثار ذلك الإيمان، وعلامات ذلك اليقين في سلوكه وخلقه وحياته.
ولذلك سنقف مع نماذج من الآيات التي تكلمت عن هذه الأركان الستة وشيء من معانيها والأثر الذي ينبغي أن تتركه في نفس قارئها وفي سلوكه، كل ذلك بشيء من الإيجاز.
أولاً: الإيمان بالله (بربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته):
والآيات التي تصف الله بأنه وحده خالق الخلق، ورازقهم ومحييهم ومميتهم ونافعهم وضارهم ومجيب دعوة مضطرهم والقادر عليهم ومعطيهم ومانعهم سبحانه وتعالى.
وتصفه أيضاً بأنه هو الإله الحق، ولا إله غيره، وأنه المستحق للعبادة وحده، محبة وخوفاً ورجاءاً ودعاءً وتوكلاً وتذللاً وخضوعاً، وسائر أنواع العبادة.
وتصفه أيضاً بأنه سبحانه متصف بجميع صفات الكمال، ومنزه من جميع صفات النقص(21).
تلك الآيات كثيرة جداً (وغالب سور القرآن متضمنه لنوعي التوحيد، بل كل سورة في القرآن، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري.
وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي.
وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته، فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده، وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده.(1/13)
وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد...)(22). يقول تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الأنعام: 162).
ويقول: { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (الأنعام: 14).
ويقول: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقرة: 21، 22).
فهل نقرأ هذه الآيات وأمثالها ثم تتعلق قلوبنا بما عند الناس، أو تتعلق قلوبنا بغير الله، أو تهتز قلوبنا طرباً وفرحاً لنيل شيء من متاع الدنيا الزائل.
ويقول تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } (البقرة: 165).
ويقول: { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (يونس: 106، 107).
فهل نقرأ هذه الآيات وأمثالها ثم يتعاظم في قلوبنا حب الدنيا وزينتها ومغرياتها ويطغى على حب الله ودينه.(1/14)
أو نرغب أو نرهب من دون الله أحداً أو تتعلق قلوبنا في إرادة خير أو كشف ضر بغير الله.
ويقول تعالى: { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } (البقرة: 255).
فهل نقرأ هذه الآية وأمثالها ثم نغفل عن الله الحي القيوم القائم بأمور الخلق ومدبر العالم يرزقه ويحفظه...
وعندما تستقر حقيقة علو الله وعظمته في نفس الإنسان فإنه يعرف قدر نفسه ويثوب إلى مقام العبودية لله عز وجل فلا يتكبر ولا يطغى، وإنما يخاف الله ويهابه ويتأدب معه ومع خلقه....(23).
ما سبق غيض من فيض، وقليل من كثير، لكن حجم صفحات البحث المطلوب يعيق حركة القلم، ويمنع الحبر من الجريان.
وفي استبيان تم توزيعه على ما يقرب من مائتي دارس للقرآن والعلوم الشرعية، في الجامعات والمعاهد والمدارس أجاب ما يقرب من (25%) في المائة أن استنباطهم في الغالب لأسماء الله وصفاته وتوحيده لا يكون من القرآن، وإنما من مصادر أخرى ومعظم هؤلاء يحفظون القرآن أو كثيراً منه، ولهم مشاركة واضحة في حلقات تحفيظ القرآن.
بل أجاب (1%) بالنفي القاطع أن يكون مصدر معرفته بالله وأسمائه وصفاته هو القرآن.
إن هذا الأمر يلقي بمسؤولية كبيرة على جمعيات تحفيظ القرآن ومشرفيها ومدرسيها، لأن الهدف الرئيس لهذه الحلقات هو غرس هذا الإيمان في نفوس الطلاب لا مجرد الحفظ.
ولذلك يجب أن نولي هذا الأمر عناية خاصة وأن يتصدى له أناس مختصون، تكون هذه مهمتهم ومسؤوليتهم.
ثانياً: الإيمان بالملائكة:(1/15)
وصف القرآن الكريم للملائكة، يشمل ثلاثة جوانب:
صلتهم بالله عز وجل، وبالإنسان، وبسائر الكون وبيان وظائفهم في ذلك.
فهم في عبادة دائمة لله، يقول تعالى: { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } (الأنبياء: 19، 20).
وخوفهم وخشيتهم لله شديدة، يقول تعالى: { وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ mدGxےإz } (الرعد: 13).
وهم يستغفرون لمن في الأرض، يقول تعالى: { وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ } (الشورى: 5).
وهم ينزلون بالوحي، يقول تعالى: { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ ےحnدٹ$t6دم } (النحل: 2).
ولهم وظائف متعددة يسجلون أفعال العباد، ويحملون العرش، ومنهم من ينفخ في الصور، ويحفظون البشر.......(24).
هذا الوصف الدقيق الشامل للملائكة يفيدنا إضافة إلى الإيمان التام بهم، أنا نعلم عن الملائكة ما أخبرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنهم، وما سوى ذلك فهو رجم بالغيب.
ويفيدنا كذلك الشعور الدائم بمعية الملائكة، فينشط المرء في العبادة ويزداد فيها، ولذلك فإن الله عز وجل أتبع ذكر الغافلين والمستكبرين عن العبادة ذكر الملائكة وعبادتهم.
يقول تعالى: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } (الأعراف: 205، 206).(1/16)
ويقول تعالى: { فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } (فصلت: 38).
-ويفيدنا كذلك معرفة كثرتهم وعظمة خلقهم، زيادة تعظيم الله في قلوبنا(25).
ويمكن أن نتساءل الآن هل يتحدث كثير من مدرسي حلقاتنا لطلابنا عن الملائكة ووصفهم في القرآن أم يمرون مرور الكرام أمام تلك الآيات والأوصاف العظيمة.
والاستبانة السالفة الذكر تشعرنا أن نسبة 23% من الطلاب لا يستقون - في الغالب - معلوماتهم عن الملائكة من القرآن الكريم.
إن المتأمل في حياة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنهم من كثرة ما كان يحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الملائكة يستشعرون وجودهم بينهم، ويتعاملون معهم كحقائق ثابتة.
إذن نحن بحاجة ماسة إلى وضع برامج عملية لطلابنا ومدرسينا في الحلقات للتعرف على أركان الإيمان وهذا الركن خاصة من خلال القرآن الكريم.
ثالثاً: الإيمان بالكتب:
ولأن الله سبحانه وتعالى هو خالق هذا الكون ومبدع هذا الخلق، فلا غنى لهم عنه، وعن رعايته، وعن توجيهه.
وتمثل ذلك من خلال رسل كرام أرسلهم إلى هذه الأمم يحملون إليهم هذا الوحي وقد سمى الله لنا عدداً من تلك الكتب التي أنزلها على أنبيائه ورسله، ليرشدوا بها أممهم إلى طريق الهدى.
كمصحف إبراهيم، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وزبور داود عليهم الصلاة والسلام.
وأعقب تلك الكتب العظيمة بالقرآن الكريم وهو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وكل تلك الكتب تدور على حقيقة واحدة، وهي توحيد الله وإفراده بالعبادة، وإخلاص التوحيد لله، يقول تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الأنبياء: 25)، وإن اختلفت محتوياتها في التشريع.(1/17)
والكتب المذكورة - سوى القرآن - لم يعد لها في صورتها المنزلة وجود، وغالبها جرى عليها التحريف والتبديل.
وإنما حفظ القرآن: لأن الله تكفل بحفظه، يقول تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) } (الحجر: 9).
وهذا الحفظ يقتضي استمرار التمسك بهذا القرآن والعمل به وتعظيمه.
واستشعار كل ذلك يمكن المسلم الحق من تذكر عظيم نعمة الله على الخلق إذ لم يتركهم هملاً، واستشعار حاجة الخلق إلى ربهم وإلى تشريعاته، وإنما لجأ البشر إلى التشريع لأنفسهم لما غابت عنهم هذه المعاني(26).
رابعاً: الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام:
يوثق القرآن الكريم بين قارئه وبين أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام الصلة وخاصة الذين قص الله علينا فيه خبرهم، يقول تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ } (غافر: 78).
ويخبرنا بما جرى بينهم وبين أقوامهم، وكيف صبروا على الأذى والعنت من أقوامهم في سبيل تبليغ دين الله.
ويحشد لهم الوقائع ليستعدوا للشهادة الكبرى، يقول تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } (البقرة: 143).
وكم يستبد بالإنسان الأسى والحزن وهو يرى شباب الأمة وفتياتها يعرفون أدق التفاصيل عن أصحاب التفاهات ثم يجهلون أسماء أنبياء الله ورسله، وبعض ما جرى بينهم وقومهم.
إن الله عندما خاطب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } (الأنعام: 90).(1/18)
يريد من هذه الأمة وهو يروي لهم سير الأنبياء السابقين أن تقتدي بهم، وأن تسلك سبيلهم، وأن تقتفي أثرهم.
فهل يا ترى نحن اليوم في حلقاتنا، نحرص على غرس هذه المعاني في نفوس أبنائنا، هل وضعنا البرامج العملية لأبنائنا كي يقتدوا بسير الأنبياء والمرسلين الذين قص الله علينا في كتابه وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم.
خامساً: الإيمان باليوم الآخر:
يأخذ الحديث عن اليوم الآخر، بجنته وناره، وجزائه وحسابه، وأحداثه من القرآن الكريم حيزاً كبيراً، ويرد فيه بأشكال متنوعة.
وأكثر أركان الإيمان السالفة الذكر ورد ذكره مقترناً بالإيمان بالله، هو الإيمان باليوم الآخر، دلالة على أهميته، والأثر العظيم للإيمان به في النفوس.
وعندما نقرأ السور المكية التي قصار السور - غالباً - منها، والتي يبدأ عادة الصغار بحفظها، تجدها تبرز اليوم الآخر وأحداثه بوضوح، وذلك له دلالته الجلية، وهي أن النفوس في هذه المرحلة بحاجة أن تغرس فيها هذه المعاني، وتستوعب هذه القضايا.
ولكننا إذا عدنا إلى واقعنا، وكثيرون منا قد درسوا أو درَّسوا في هذه الحلقات، نجد أنه من النادر أن يحصل من المدرس الالتفات إلى هذه المعاني، ومحاولة تربية من بين يديه من الناشئة على ضوئها.
إن أثر تكرار هذه المعاني في السور المكية كان واضحاً في جيل الصحابة كما قالت عائشة رضي الله عنها (إنما نزل أول ما نزل من القرآن آيات فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس نزل لا تقربوا الزنا ولا تشربوا الخمر)(27).
سادساً: الإيمان بالقدر:(1/19)
يجب على المؤمن أن يؤمن أن الله تعالى عالم ما الخلق عاملون وعالم بجميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ويؤمن أن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ، ودليل ذلك قوله تعالى: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } (الحج: 70)، ويؤمن أيضاً بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون في ملك الله إلا ما يريد.
ويؤمن أيضاً أن الله خالق أفعال العباد، والعباد فاعلون أفعالهم.
يقول تعالى: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } (الإنسان: 30).
ويقول تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } (الزمر: 62)(28).
وهذه مراتب القدر الأربع التي يجب على كل مؤمن أن يستيقنها، وآيات القرآن متوافرة على بيان هذا المعنى وتأصيله في النفوس المؤمنة: لتنعم تلك النفوس بنعمة الرضا في كل حال، ولتنزع منها كل مظاهر الجبن والخوف، ولتتحرر من العبودية للعباد(29).
وطلابنا اليوم في حلقات تحفيظ القرآن بحاجة ماسة إلى تعميق تلك المعاني في نفوسهم، وصقل أرواحهم بهذه المفاهيم حتى يعيشوا في هذه الحياة، كما أراد الله لهم، سيراً على منهج الله، رضى بقدر الله.
والاستبانة السالفة الذكر تشير إلى أن نسبة 20% لم تتعرف في الغالب على الإيمان بالقدر من خلال القرآن الكريم، أما 2% فلم تزدهم قراءة القرآن أيَّ إيمان بالقدر.
فلماذا كان التقصير؟
وفي ختام هذا المبحث المهم أُحب أن أشير إلى عدة أمور:
-أن الدراسات والكتابات في استخراج الدلالات القرآنية على أركان الإيمان الستة ما زالت دون الطموح، ولذلك لابد للجهات العلمية والأكاديمية التربوية من رسم خطوات عملية لسد النقص الحاصل.(1/20)
-أن المكتوب في الصفحات اليسيرة الماضية يعد محاولة خجولة في بيان أهمية هذه المسألة؛ لأنه - رغم أهميتها - يظل عامل الصفحات المحدودة والزمن المحدد حائلاً دون التعمق والتوسع في وصف الداء وتحديد الدواء.
-أن هناك برامج عملية ناجحة في معالجة هذه المشكلة، لكنها متناثرة هنا وهناك والحاجة ماسة إلى جمع تلك التجارب وتوثيقها وتعميمها على كل الحلقات.
المبحث الثاني
أنواع التأثر الإيماني
من خلال بقية شعب الإيمان ونماذج منه(1/21)
عندما يقرأ المسلم كتاب الله بتدبر وحضور قلب يجد أعمالاً وأخلاقاً عدها الله تعالى من الإيمان والبر، وهي ليست من أركان الإيمان السالفة الذكر، كما في قوله تعالى: { * لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ tû,خ#ح!$،،9$#ur وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (البقرة: 177)، وقوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } (المؤمنون: 1 - 10).
وتلك الأعمال سماها النبي صلى الله عليه وسلم شعباً للإيمان كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون - شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)(30).(1/22)
يقول الحافظ ابن حبان (تتبعت معنى هذا الحديث مدة، وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئاً كثيراً فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فرجعت إلى كتاب الله تعالى فقرأته بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن، وأسقطت المعاد، فإذا كل شيء عده الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسع وسبعون شبعة لا تزيد عليها ولا تنقص، فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنن)(31).
وقد حاول عدد من العلماء غير ابن حبان حصر تلك الشعب، وعد ابن حجر طريقة ابن حبان تلك في العد أقرب الطرق إلى الصواب(32).
ولسنا في هذا الموضع بصدد حصر تلك الشعب أو الأعمال، وإنما الحديث عن أعمال وأوصاف إيمانية وردت في القرآن يجب على قارئه أن يقف عندها، ويربي نفسه على التخلق بها.
ويجب على معلمي أبنائنا القرآن أن يهتموا بهذا الأمر، وأن يقفوا على تفصيل تلك الشعب ومحاولة حصرها التي قام بها عدد من العلماء؛ لكي يقرأ أبناؤنا القرآن للعمل به لا لمجرد القراءة والحفظ.
فنحن بحاجة ماسة إلى الوقوف طويلاً عند الآيات التي تكلمت عن الصدق، والصبر، والحياء، والبذل، وغيرها من الصفات الحميدة والشعب الإيمانية، وتربية أنفسنا من خلالها.
الفصل الثالث
الآثار والعلاج
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: آثار التأثر الإيماني بالقرآن لدى الفرد والمجتمع.
المبحث الثاني: آثار الضعف الإيماني لدى الفرد والمجتمع، ومظاهره وعلاجه.
المبحث الأول
آثار التأثر الإيماني بالقرآن لدى الفرد والمجتمع
التأثر الإيماني بالقرآن ليس دعوى خالية من الدليل، أو أمنيات تكذبها الحقائق، ولكنه واقع ملموس في حياة الفرد والمجتمع يجب أن يشعر به الناس ويروا أثره ويلمسوا نتائجه.(1/23)
ولذلك فإن المؤمن الذي من الله عليه بأن بذل تلك الأسباب وخلا من تلك الموانع موعود بأن تظهر على روحه وسلوكه وجسده آثار الانتفاع بالقرآن والاهتداء بهديه، وممن ثم ينتقل ذلك التأثر والاتنفاع إلى سائر المجتمع بحسب تأثير أولئك الأفراد فيه.
وبعض تلك الآثار المشار إليها سبق الحديث عنه ضمن الأسباب؛ لأنه يمثل سبباً وأثراً في آن واحد، فمثلاً صفات (التقوى والإيمان والإسلام والإحسان واليقين) التي أشرنا في المبحث الأول من الفصل الأول أن الاتصاف بها من أسباب حصول التأثر والانتفاع بالقرآن هي كذلك من آثار الانتفاع بالقرآن، فقراءة القرآن وتدبره والعمل به يورث المرء زيادة التقوى والإيمان...
قال تعالى: { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } (محمد: 17).
وقال تعالى: { فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } (التوبة: 124).
وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا } (الأنفال: 2).
ويتفرع عن تلك الآثار الكبرى آثار وصفات هي في الأصل نتيجة لتلك الآثار ومن ذلك:
-الطمأنينة قال تعالى: { الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (الرعد: 28).
والمسلمون اليوم أفراداً ومجتمعات أحوج ما يكونون إلى تلك الطمأنينة والسكينة التي تنبعث في دواخلهم جراء عيشهم مع القرآن ومع ذكر الله.
وحلقات تحفيظ القرآن الكريم اليوم يجب أن تؤكد على غرس هذه المعاني في نفوس طلابها وذويهم، حماية للمجتمع من موجات القلق التي تجتاحه بين الفينة والأخرى لأسباب اقتصادية أو صحية أو غيرها.(1/24)
-الخشوع قال تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } (الحديد: 16).
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (لم يكن بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين)(33).
ونحن اليوم يمكث أحدنا في حلقات أو مدارس تحفيظ القرآن متعلماً أو معلماً عشرات السنين، ولا يسأل نفسه هل خشع قلبه؟ هل لان؟ هل....!
-التداوي قال تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } (الإسراء: 82).
شفاء القلوب والأبدان، وكمال الانتفاع بالقرآن في هذا المجال يكون إذا اقترنت قوة إيمان القارئ مع قوة إيمان المقروء عليه.
وإلا فقد ثبت تأثير القرآن على غير أبدان المسلمين.
ولكن المحزن اليوم أن نجد الناس بين طرفي نقيض في العلاج والتداوي بالقرآن، فبين غال في شخص القارئ، معتقد فيه ما لا يجوز غافل عن أن التأثير إنما هو للقرآن. وبين جاف مفرط في هذا الباب من التداوي، فيطرق أبواب من يستطيع من الأطباء، وبين يديه كتاب الله، لا يخطر بباله لحظة أن يستشفي به - ومن أكبر مظاهر التأثر الإيماني البحث عن الجوانب العملية في القرآن - وهي كثيرة - لنصل إلى العمل بالقرآن فالقرآن كله عمل، عمل قلبي، وعمل الجوارح. إننا ونحن نعلم أنفسنا وأبناء المسلمين القرآن الكريم يجب أن ننتبه إلى أهمية هذه الآثار وغيرها، وأهمية اتصاف الدارسين بها وتخلقهم بها.
وقد ورد في الأثر عن قتادة وأويس القرني: (لم يجالس أحد هذا القرآن إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، قضاء من الله الذي قضى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا)(34).
فماذا نختار لأنفسنا وطلابنا؟!
المبحث الثاني
آثار الضعف الإيماني لدى الفرد والمجتمع، ومظاهره، وعلاجه(1/25)
إن الحديث عن الأثر الإيماني للقرآن الكريم له أسباب كثيرة.
فمن أهمها الضعف الإيماني الشديد الموجود اليوم في الأفراد والمجتمعات، وليس هذا من قبيل التشاؤم، وإنما هي الحقيقة المرة التي تؤلم كل من كان في قلبه شيء من حياة، خاصة وأن الفتن الكثيرة التي تعصف بالأمة بحاجة أن يقابلها رصيد وافر من الإيمان في أفئدة المسلمين؛ ليتمكنوا من الصمود في وجه تلك الفتن المتلاحقة.
وهذا الضعف له مظاهر وآثار أقتصر على أربعة منها:
التخلف أو التقصير في التكاليف:
والتكاليف والواجبات الشرعية التي أمرنا الله بالقيام بها معلومة واضحة ولكن فئاماً من الناس أصابهم ذات الداء الذي أصاب من قبلهم، فقصروا أو تخلفوا عن أداء ما كلفهم الله به.
والقرآن الكريم مليء بالنماذج التي قص الله علينا خبرها، وأنها قصرت في تنفيذ أوامر الله، وإتباع منهجه، وأثر ذلك عليها ومن أبرز ذلك: قوله تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (الأعراف: 175، 176).
وسورة البقرة وبراءة مليئتان بنماذج من المنافقين تفلتوا من كثير من التكاليف التي أمرهم الله بها بحيل شتى؛ ظناً أنهم يخدعون الله عز وجل وما يخدعون إلا أنفسهم.
وهذا المظهر من الضعف الإيماني مشتهر في زماننا بذرائع شتى وحيل متعددة، الأمر الذي يقتضي التنبه لهذا الداء، والبحث له عن الدواء.
استمراء الباطل:(1/26)
وربما ينجوا الشخص من المرض السابق، ولكنه يقع في داء لا يقل عنه خطورة ألا وهو الرضى بوقوع الباطل وعدم إنكاره.
وقد قص الله علينا في كتابه حالات من الأمم والأقوام كانت خطيئتهم السكوت عن إنكار المنكر.
وخذ لذلك مثلاً قوله تعالى: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي ں@ƒدنآuژَ خ) عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } (المائدة: 78، 79)، وقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } (الأعراف، 164، 165).
وهذا المظهر مما اشتهر وانتشر في زماننا، واحتاج إلى معالجة جادة وحازمة من أهل العلم والبصيرة.
الغفلة والإعراض في السراء:
بيّن الله عز وجل لنا في كتابه موقفاً بشرياً متكرراً وهو اللجوء والتعلق بالله حال الضراء، وحالما تزول تلك الحالة سرعان ما يغلب على الإنسان طبعه فتنتابه الغفلة.
واللجوء إلى الله حال الضراء ليس صفة يذم المرء عليها، بل هو مأمور بها، ولكن الذم يتجه إلى الغفلة التي تعقب تلك الحالة.(1/27)
ومن تلك النماذج التي قصها علينا في كتابه: { qèd الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (يونس: 22، 23)، وقوله تعالى: { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } (فصلت: 51).
والناس الموصوفون بذلك الداء في تلك الآيات ليسوا من الكفار فقط بل يدخل فيهم فئام شتى من المسلمين، مما يستدعي الوقوف مع تلك الظاهرة ومعالجتها.
-الانغماس في الدنيا والقناعة بها عن الآخرة:
إن الإخلاد التام إلى الدنيا، والغفلة عن الآخرة مرض مستشر في سائر الأمم، ولذلك حفل القرآن بذكر نماذج من الأمم أعمتها الدنيا بزخرفها وزينتها عن تذكر الآخرة والعمل لها، كل ذلك من أجل أن يحذر أفراد هذه الأمة من الوقوع في هذه الصفة.
ومن أبرز تلك الأمثلة قارون، وثمود، وعاد، وغيرهم من الأفراد والأمم.
وهذه النماذج اليسيرة من المظاهر ليست نافية لغيرها بل هي على سبيل الإشارة والتمثيل.
ومما ينبغي ذكره في سبل علاج هذه المظاهر والأدواء:
-الصلة الحقة بالقرآن، لكل أفراد المجتمع وشرائحه وأطيافه.
كثير من حلقات التحفيظ اليوم متقصرة في إفادتها على الطلاب أو الصغار خاصة، وفائدتها محروم منها كثير من النساء، وغالب الكبار والموظفين.(1/28)
وهدي القرآن لا يستغني عنه أحد، ولا تصفوا حياة بشر دونه، إن هداية القرآن يجب أن تصوغ حياة الاقتصاديين والإعلاميين والسياسيين وكافة التخصصات والاهتمامات للتي هي أقوم.
-الإتباع الصادق للني صلى الله عليه وسلم، وسلفه الصالح واقتفاء أثرهم، والقرآن الكريم مليء بآيات الأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإتباعه والتأسي به.
-التعامل الواقعي مع متغيرات المجتمع، بثوابت الشريعة، لأن الذي فرض هذه الشرائع هو - سبحانه - خالق هذا الكون وهو الخبير بأحواله وأحداثه.
إن الثقة التامة في صلاح حال البشرية بسيادة هذا الدين أساس مهم لتأثير هذا العلاج الرباني في حال الأمة وأفرادها.
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
فهذه جملة توصيات ومقترحات أختم بها بحثي المتواضع هذا، وقد جرى لبعضها ذكر في الصفحات الماضية:
1-جميل أن تركز الجمعيات الخيرية في ملتقياتها السنوية على الجوانب العملية في حياة الأمة، وكيفية إسهامها في تفعيل هذا الجانب المهمل.
2-يحسن بنا أن نعمق المفهوم الإيجابي لكلمة (تحفيظ) المضمنة في مسميات كثير من الهيئات التي تهتم بتعليم أبناء المسلمين القرآن الكريم، وأن تلك اللفظة تتجاوز مجرد حفظ الحروف إلى حفظ الحدود.
3-يجب علينا في جمعيات تحفيظ القرآن أن نولي جانب فهم معاني القرآن اهتماماً كبيراً: لأنه السبيل بإذن الله إلى العمل بالقرآن.
4-لابد أن يتسع نطاق خدمات الجمعيات الخيرية: ليشمل سائر فئات المجتمع بوسائل شتى، ويا ترى من الذي أساء فأوهم العوام أن حلقات التحفيظ خاصة بالصغار، ومن الذي غرس في الأذهان أن السبيل الأوحد للصلة بالقرآن هي هذه الأنماط المحددة.
5-أين صوت الجمعيات العالي من خلال وسائل الإعلام والقنوات الفضائية خاصة: لتعلم الناس الأسلوب الأمثل لفهم القرآن وتطبيق القرآن.(1/29)
وأخيراً تلكم كانت همساتي، رفعت بها صوتي تارة وخفضته تارة: رجاء أن أسهم بجهد في هذا العمل الخير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الهوامش
(1)انظر: التبيان في آداب حملة القرآن ص45 وما بعدها .... أخلاق أهل القرآن ص145 وما بعدها.
(2)إغاثة اللهفان 1/48.
(3)انظر: تفسير ابن كثير 1/140.
(4)انظر: المصدر السابق 1/140.
(5)الحديث أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1236)، وانظر التبيان ص115.
(6)أخرجه الأجري في أخلاق القرآن عن الفضيل بنحوه ص103. وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/71.
(7)الأثر أخرجه الحاكم في مستدركه (1/35) كتاب الإيمان وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وأخرجه ابن ماجه في سننه (1/23) مختصراً من حديث جندب بن عبد الله، وصححه الألباني صحيح سنن ابن ماجه.
(8)في ظلال القرآن 2/900.
(9)أضواء البيان 1/45.
(10)انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 16/15.
(11)المصدر السابق.
(12)انظر: المصدر السابق.
(13)انظر: التحرير والتنوير 1/226.
(14)في ظلال القرآن 5/2626.
(15)انظر: جامع البيان للطبري 7/633، 647.
(16)انظر: تفسير القرآن العظيم 3/43، وأضواء البيان 3/108، 595.
(17)انظر: شفاء العليل ص222.
(18)الفوائد ص60.
(19)شفاء العليل ص227.
(20)الحديث: جزء من حديث جبريل الطويل أخرجه مسلم برقم 8، 1/203.
(21)انظر: شرح العقيدة الطحاوية 1/24 - 43، ومعارج القبول 1/98، 99 والإيمان، أركانه وحقيقته ونواقضه ص 15 - 26.
(22)شرح العقيدة الطحاوية 1/42، 43.
(23)انظر: في ظلال القرآن 1/284.
(24)الإيمان، أركانه وحقيقته ونواقضه ص47، 48، وبناء الإيمان من خلال القرآن 157.
(25)ترسيخ الإيمان مع تعلم القرآن، عمر الفتح، بحث منشور في أبحاث الملتقى العلمي الثاني للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن، ص112.
(26)انظر ركائز الإيمان 203، 204، والإيمان هو الأساس 150 - 158.
(27)الحديث أخرجه البخاري بنحوه برقم 4993.(1/30)
(28)انظر: شرح العقيدة الواسطية 2/193 - 204.
(29)انظر: الإيمان، أركانه، حقيقته، نواقضه 192 - 193.
(30)الحديث أخرجه مسلم في صحيحه برقم 58، وأخرج نحوه البخاري في صحيحه برقم 9.
(31)المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج ص145.
(32)انظر: فتح الباري 1/72. وانظر نماذج لذلك الحصر، ما صنعه الحليمي في المنهاج في شعب الإيمان، والبيهقي في شعب الإيمان وابن حجر في فتح الباري 1/73، وغيرهم.
(33)انظر كشف البيان للثعلبي 9/240.
(34)الأثر أخرجه الدارمي في سننه (2/503) عن قتادة، وأبو عبيدة في فضائل القرآن 023) عن قتادة، والحاكم في المستدرك 2/365 عن أويس وقال: صحيح على شرط مسلم، وأورده البغوي في شرح السنة 4/437 عن قتادة.
المراجع
1-أخلاق القرآن، للإمام الآجري، تحقيق: محمد عبد اللطيف، ط1، 1406هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
2-التبيان في آداب حملة القرآن، للإمام النووي، ط 1409هـ، دار الهجرة، دمشق.
3-إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، لابن القيم، تحقيق: محمد الفقي، دار المعرفة، بيروت.
4-تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير، تحقيق: د. محمد البنا، ط1، 1419هـ، دار ابن حزم، بيروت.
5-المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، دار المعرفة، بيروت.
6-المنهاج، بشرح صحيح مسلم ابن الحجاج، للإمام النووي، ط1، 1423هـ، دار ابن حزم، بيروت.
7-سنن ابن ماجه، محمد بن زيد القز ويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة العلمية، بيروت.
8-صحيح سنن ابن ماجه، محمد ناصر الدين الألباني، 1407هـ، المكتب الإسلامي.
9-في ظلال القرآن، سيد قطب، ط12، 1406 هـ، دار الشروق، القاهرة.
10-أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، عالم الكتب، بيروت.
11-مجموع الفتاوى لابن تيمية، جمع ابن قاسم، ط 1412هـ، دار عالم الكتب، الرياض.
12-التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، 1984م، الدار التونسية للنشر.(1/31)
13-جامع البيان في تأويل القرآن، لابن جرير الطبري، ط1، 1412هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
14-شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، لابن القيم، تحقيق: د. السيد محمد السيد، ط1، 1414هـ، دار زمزم، الرياض.
15-الفوائد، لابن القيم، تحقيق: بشير عيون، ط1، 1407هـ، دار البيان.
16-سنن الدارمي، تحقيق: فواز زمرلي، ط1، 1407هـ، دار الريان، القاهرة.
17-فضائل القرآن، لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: مروان العطية، ط1، 1415هـ، دار ابن كثير، دمشق.
18-شرح السنة، محيي السنة البغوي، تحقيق: شعيب الأرنأوط، ط2، 1403هـ، المكتب الإسلامي، بيروت.
19-شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: د. التركي، ط1، 1408هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.
20-معارج القبول، بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول، للشيخ حافظ الحكمي، تحيق: عمر أبو عمر، ط2، 1413هـ، دار ابن القيم، الدمام.
21-الإيمان، أركانه، حقيقته، نواقضه، د. محمد نعيم ياسين، ط5، 1410هـ، دار الفرقان، الأردن.
22-بناء الإيمان من خلال القرآن، د. مجدي الهلالي، ط1426هـ، مؤسسة أقرأ، القاهرة.
23-ترسيخ الإيمان مع تعلم القرآن، عمر الفتح، بحث منشور في أبحاث الملتقى العلمي الثاني للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، 7 ــ 9 رمضان، 1426هـ.
24-ركائز الإيمان، لمحمد قطب، ط1، 1417هـ، دار اشبيليا، الرياض.
25-الإيمان هو الأساس، د. عبد الله الأهدل، ط1، 1418هـ، دار القلم، بيروت، دمشق.
26-فتح الباري، شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، ط1، 1410هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
27-المنهاج في شعب الإيمان، لأبي عبد الله الحليمي، تحقيق: حلمي فوده، ط1، 1399هـ، دار الفكر.
28-رؤية منهجية لتدريس القرآن الكريم، غادة محمد الطاهر، ط1، 1424هـ.
29-الإيمان حقيقته وأثره في النفس والمجتمع، د. محمد الشرقاوي، ط2 ، 1410هـ، دار الجيل، بيروت.(1/32)
30-شرح العقيدة الواسطية، لابن تيمية، بشرح ابن عثيمين، تحقيق: سعد الصميل، ط2، 1415هـ، دار ابن الجوزي.
31-كيف نتعامل مع القرآن العظيم، د. يوسف القرضاوي، ط1، 1422هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.
32-هذا القرآن، د. صلاح الخالدي، ط1، 1414هـ، دار المنار، الأردن.
33- المدخل إلى الدراسات القرآنية، مبادئ تدبر القرآن والانتفاع به، أبو الحسن الندوي، ط1، 1424هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.
34-أبرز أسس التعامل مع القرآن، د. عيادة الكبيسي، ط2، 1422هـ، دار البحوث والدراسات الإسلامية، دبي.
35-كيف ننتفع بالقرآن، د. أحمد البراء الأميري، ط1، 1422هـ، دار نور المكتبات، جدة.
36-كيف ننتفع بالقرآن، مجدي الهلالي، ط1، 1424هـ، دار اقرأ، القاهرة.
37-كيف تحفظ القرآن، قواعد أساسية، وطرق عملية، د. يحيى الغوثاني، ط2، 1415هـ، دار نور المكتبات، جدة.
38-الحلقات القرآنية، دراسة منهجية شاملة، عبد المعطي طليمات، ط 1421هـ، دار نور المكتبات، جدة.
تم بحمد الله،،
فهرس الموضوعات
الموضوعڑالصفحةٹڑ
ڑمقدمةڑ1ٹڑ
ڑالفصل الأول
أسباب وموانع التأثر الإيمانيڑ4ٹڑ
ڑالمبحث الأول: أسباب التأثر الإيمانيڑ5ٹڑ
ڑالمبحث الثاني: موانع التأثر الإيمانيڑ11ٹڑ
ڑالفصل الثاني
أنواع التأثر الإيمانيڑ14ٹڑ
ڑالمبحث الأول: أنواع التأثر الإيماني من خلال أركان الإيمانڑ15ٹڑ
ڑالمبحث الثاني: أنواع التأثر الإيماني من خلال بقية الشعبڑ24ٹڑ
ڑالفصل الثالث
الآثار والعلاجڑ26ٹڑ
ڑالمبحث الأول: آثار التأثر الإيماني بالقرآنڑ27ٹڑ
ڑالمبحث الثاني: آثار الضعف الإيماني لدى الفرد والمجتمعڑ30ٹڑ
ڑالخاتمةڑ34ٹڑ
ڑالفهارسڑ35(1/33)