فصل في فضل القراءة في المصحف
وقراءة القرآن في المصحف أفضل قال الطبراني حدثنا إبراهيم بن دحيم الدمشقي حدثنا أبي ح
وحدثنا عبدان بن أحمد حدثنا دحيم الدمشقي حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو سعيد بن عون المكي عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة الرجل القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة (1) كذا نقلته من خط الحافظ ضياء الدين وإنما هو أبو سعيد بن عوذ روى ابن أبي مريم عن ابن معين ليس به بأس وروى غيره عنه ضعيف وروى ابن عدي خبره هذا واختلف عليه في متنه وقال مقدار ما يرويه غير محفوظ ذكر هذه المسألة الآمدي من أصحابنا وذكر الحافظ أبو موسى في الوظائف في ذلك آثارا
وفي الحديث النظر في المصحف عبادة قال عبد الله كان أبي يقرأ كل يوم سبعا لا يكاد يتركه نظرا قال القاضي وإنما اختار أحمد القراءة في المصحف لأخبار فروى ابن أبي داود بإسناده عن أبي داود مرفوعا من قرأ مئتي آية كل يوم نظرا شفع في سبعة قبور حول قبره وخفف العذاب عن والديه وإن كانا مشركين
____________________
1- أخرجه الطبراني والبيهقي
(2/284)
وروى أبو عبيد في فضائل القرآن بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة (1)
وبإسناده عن ابن عباس قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا دخل البيت نشر المصحف فقرأ فيه وعن ابن مسعود وعائشة معنى ذلك وعن ابن عمر الحث على ذلك رضي الله عنهم
قال القاضي وقد روى في فضل النظر إلى المصحف من غير قراءة أخبار
فروى ابن أبي داود بإسناده عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والنظر إلى الكعبة عبادة والنظر في وجه الوالدين عبادة والنظر في المصحف عبادة + أخرجه ابن أبي الفراتي وفي سنده كذاب +
وبإسناده عن الأوزاعي قال كان يعجبهم النظر في المصحف بعد القراءة هيبة
قال ابن الجوزي وينبغي لمن كان عنده مصحف أن يقرأ فيه كل يوم آيات يسيرة لئلا يكون مهجورا فصل في العمل بالحديث الضعيف وروايته والتساهل في أحاديث الفضائل دون ما تثبت به الأحكام والحلال والحرام والحاجة إلى السنة وكونها بيانا للقرآن يحب اتباعه
ولأجل الآثار المذكورة في الفصل قبل هذا ينبغي الإشارة إلى ذكر العمل بالحديث الضعيف والذي قطع به غير واحد ممن صنف في علوم الحديث حكاية عن العلماء أنه يعمل بالحديث الضعيف فيما ليس فيه تحليل ولا تحريم كالفضائل وعن الإمام أحمد ما يوافق هذا قال عباس بن محمد الدوري
____________________
1- أخرجه أبو عبيد وإسناده ضعيف
(2/285)
سمعت أحمد بن حنبل وهو شاب على باب أبي النضر فقيل له يا أبا عبد الله ما تقول في موسى بن عبيدة ومحمد بن إسحاق قال أما محمد فهو رجل نسمع منه ونكتب عنه هذه الأحاديث يعني المغازي ونحوها وأما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس ولكنه روى عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أحاديث مناكير فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا أقواما هكذا قال العباس وأرانا بيده قال الخلال وأرانا العباس فعل أبي عبد الله قبض كفيه جميعا وأقام إبهاميه
وروى أبو بكر الخطيب حدثنا محمد بن يوسف القطان النيسابوري حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ سمعت أبا زكريا العنبري سمعت أبا العباس أحمد بن محمد السجزي يقول سمعت النوفلي يعني أبا عبد الله يقول سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام شددنا في الأسانيد وإذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد
وذكر هذا النص القاضي أبو الحسين في طبقات أصحابنا في ترجمة النوفلي
وذكر القاضي في الجامع الكبير أن الإمام أحمد ضعف الأحاديث التي فيها
____________________
(2/286)
أول الوقت رضوان الله وآخر الوقت عفو الله (1) قال وإذا ثبت أن الحديث ضعيف لم يحتج به على المآثم قاله القاضي مجيبا لمن قال إن العفو يكون مع الإساءة فيقتضي أن يكون مسيئا بتأخيرها ويشهد لهذا أحاديث
قال الإمام أحمد في المسند حدثنا سريج حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاءكم عني من خير قلته أو لم أقله فأنا أقوله وما أتاكم من شر فإني لا أقول الشر + مسند أحمد وانظر فيما بعده + أبو معشر اسمه نجيح لين مع أنه صدوق حافظ ورواه أبو بكر البزار من حديثه
وروى الإمام أحمد أيضا عن يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فلا تصدقوا فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف رواه الدارقطني وغيره من حديث يحيى بن آدم فقال عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة + أخرجه الدارقطني إسناده يصح + ولعل أحمد رواه هكذا وسقط من النسخة وهو حديث جيد الإسناد وسيأتي في كلام البيهقي في آخر الفصل
وقال أحمد أيضا حدثنا أبو عامر حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد عن أبي حميد وأبي أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا
____________________
1- أخرجه الترمذي والدرقطني والحاكم والبيهقي وفي سنده يعقوب بن الوليد وقد كذبوه
(2/287)
أبعدكم منه (1) إسناد جيد
ورواه أبو بكر الخلال والذي قبله عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه
وروى البيهقي الثاني من حديث قتيبة عن سليمان بن بلال ومن حديث الدراوردي كلاهما عن ربيعة به قال وتابعه عمارة بن غزية عن عبد الملك بن سعيد بن سويد ووقع في رواية البيهقي عن أبي حميد أو أبي أسيد بالشك قال وهذا أمثل إسناد روى في هذا الباب
وقال البخاري في ضع تاريخه قال لنا عبد الله بن صالح حدثنا بكر هو ابن مضر عن عمرو هو ابن الحارث عن بكير هو ابن عبد الله بن الأشج عن عبد الملك ابن سعيد عن عباس بن سهل عن أبي رضي الله عنه إذا بلغكم عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعرف ويلين الجلد فقد يقول النبي صلى الله عليه وسلم الخير ولا يقول إلا الخير قال البخاري وهذا أصح من رواية من رواه عنه عن أبي حميد أو أبي أسيد قال البيهقي فصار الحديث المسند معلولا
وقال الحسن بن عرفة في جزئه حدثنا أبو يزيد خالد بن حيان الرقي عن فرات بن سليمان وعيسى بن كثير كلاهما عن أبي رجاء عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلغه عن الله شيء له فيه فضيلة فأخذ به إيمانا ورجاء ثوابه أعطاه الله عز وجل ذلك وإن لم يكن كذلك خالد قواه الإمام أحمد وجماعة وضعفه الفلاس وأما أبو رجاء فهو محرز الجزري فيما أظن قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد وذكره أيضا في الثقات وقال يدلس وقال أبو حاتم الرازي شيخ ثقة وقال أبو داود ليس به بأس ولعل هذا حديث حسن ويحتمل
____________________
1- أخرجه أحمد وابن حبان وإسناده على شرط مسلم
(2/288)
أن أبا رجاء عبد الله بن محرر براءين مهملتين وهو متروك بالاتفاق لكن لم أجد أحدا ذكر له كنية ويحتمل أنه مجهول والأول أشبه وذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى في الموضوعات هذا الحديث من طرق ولم يذكره من هذه الطريقة
وعن الإمام أحمد ما يدل على أنه لا يعمل بالحديث الضعيف في الفضائل والمستحبات ولهذا لم يستحب صلاة التسبيح لضعف خبرها عنده مع أنه خبر مشهور عمل به وصححه غير واحد من الأئمة ولم يستحب أيضا التيمم بضربتين على الصحيح عنه مع أن فيه أخبارا وآثارا وغير ذلك من مسائل الفروع فصارت المسألة على روايتين عنه ويحتمل أن يتعين الثاني لأنه إذا لم يشدد في الرواية في الفضائل لا يلزم أن يكون ضعيفا واهيا ولا أن يعمل به بانفراده بل يرويه ليعرف ويبين أمره للناس أو يعتبر به ويعتضد به مع غيره ويحتمل أن يقال يحمل الأول على عدم الشعار وإنما ترك العمل بالثاني لما فيه من الشعار وهو معنى مناسب والله أعلم
وقال الشيخ تقي الدين عن قول أحمد وعن قول العلماء في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال قال العمل به بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخالف ذلك العقاب ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات وكلمات السلف والعلماء ووقائع العالم ونحو ذلك مما لا يجوز إثبات حكم شرعي به لا استحباب ولا غيره لكن يجوز أن يذكر في الترغيب والترهيب فيما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع فإن ذلك ينفع ولا يضر وسواء كان في نفس الأمر حقا أو باطلا إلى أن قال
فالحاصل أن هذا الباب يروى ويعمل به في الترغيب والترهيب لا في
____________________
(2/289)
الاستحباب ثم اعتقاد موجبه وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي
وقال أيضا في شرح العمدة في التيمم بضربتين والعمل بالضعاف إنما يشرع في عمل قد علم أنه مشروع في الجملة فإذا رغب في بعض أنواعه بحديث ضعيف عمل به أما إثبات سنة فلا انتهى كلامه
وأما العمل بالضعيف في الحلال والحرام فلا وما كان حسنا فإنه يحتج به وقد يطلق عليه بعضهم أنه حديث ضعيف وما لم يكن حسنا لم يحتج به كما تقدم وقد قال الإمام أحمد في رواية مهنا الناس أكفاء إلا حائك أو حجام أو كساح وهو ضعيف والعمل عليه
وقال القاضي وأبو الخطاب معنى قوله ضعيف على طريقة أصحاب الحديث لأنهم يضعفون بالإرسال والتدليس والعنعنة وقوله والعمل عليه على طريقة الفقهاء لأنهم لا يضعفون بذلك
وذكر أبو بكر الخلال في التيمم من جامعه في حديث عمرو بن بجدان عن أبي ذر مرفوعا الصعيد الطيب وضوء المسلم (1) أن أحمد لم يمل إليه قال لأنه لم يعرف عمرو بن بجدان وحديث عمرو بن بجدان هو حديث تفرد به أهل البصرة ولو كان عند أبي عبد الله صحيحا لقال به ولكنه كان مذهبه إذا ضعف إسناد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مال إلى قول أصحابه وإذا ضعف إسناد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن له معارض قال به فهذا كان مذهبه
وقال الخلال أيضا في الجامع في حديث ابن عباس في كفارة وطء الحائض
____________________
1- أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وهو حديث صحيح وانظر ابن حبان
(2/290)
قال كأنه يعني الإمام أحمد أحب أن لا يترك الحديث وإن كان مضطربا لأن مذهبه في الأحاديث إذا كانت مضطربة ولم يكن لها مخالف قال بها
وقال القاضي أبو يعلى في التعليق في حديث مظاهر بن أسلم في أن عدة الأمة قرءان مجرد طعن أصحاب الحديث لا يقبل حتى يبينوا جهته مع أن أحمد يقبل الحديث الضعيف انتهى كلامه
والمشهور عند أهل العلم أن الحديث الضعيف لا يحتج به في الواجبات والمحرمات بمجرده وهذا معروف في كلام أصحابنا وأما أذا كان حسنا فإنه يحتج به كما سبق قال تعالى ( ^ وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر 7
قال المفسرون وهذا وإن كان نازلا في أموال الفيء فهو عام في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه والأخبار في هذا المعنى مشهورة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كخبر المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته فيقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه وذكر الحديث رواه أبو داود بإسناده (1)
ورواه الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح حدثنا الحسن بن جابر أنه سمع المقدام فذكره مرفوعا ولفظه يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي فيقول بيني وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه فإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله ورواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب والبيهقي وقال إسناده صحيح + أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي والبيهقي وصححه ابن حبان +
____________________
1- أخرجه أبو داود وإسناده جيد
(2/291)
وروى أبو داود عن أحمد بن حنبل والنفيلي عن سفيان عن أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه حديث صحيح ورواه ابن ماجه والترمذي وحسنه (1)
وروى الخطيب في كتابة الكفاية عن الأوزاعي عن مكحول أنه قال القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن
وقال يحيى بن أبي كثير السنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب قاضيا على السنة
وقال الأوزاعي عن حسان بن عطية كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل بالقرآن والسنة تفسر القرآن
وقال أيوب السختياني إذا حدث الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا حدثنا من القرآن فاعلم أنه ضال مضل
وقال الأوزاعي قال الله تعالى ( ^ من يطع الرسول فقد أطاع الله ) النساء 80 وقال ( ^ وما آتاكم الرسول فخذوه ) الحشر 7
____________________
1- أخرجه ابن ماجه والترمذي وإسناده صحيح
(2/292)
وقال مالك ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله قبله مجاهد والشعبي
وقال الشافعي إذا صح الحديث فاضربوا بقولي هذا الحائط
وقال الأوزاعي قال القاسم بن مخيمرة ما توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام فهو حرام إلى يوم القيامة وما توفي عنه وهو حلال فهو حلال إلى يوم القيامة وخطب بذلك عمر بن عبد العزيز
وقد روى أبو داود أن عمر رضي الله عنه سئل عن المرأة تحيض بعد ما طافت يوم النحر فأفتى بأنها لا ترحل حتى يكون آخر عهدها بالبيت فقال له السائل إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها فجعل عمر يضربه بالدرة ويقول له ويلك تسألني عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
وقد قال البيهقي في كتاب المدخل قال الشافعي رضي الله عنه قال بعض من رد الأخبار فهل تجد حديثا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما جاءكم عني فأعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته وما خالفه فلم أقله
فقلت له ما روى هذا أحد يثبت حديثه في صغير ولا كبير وقد روي من طريق منقطعة عن رجل مجهول ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية في شيء ثم قال الشافعي قال أبو يوسف حدثنا خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فخطب الناس فقال إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم عني فوافق القرآن فهو عني وما أتاكم عني فخالف القرآن فليس عني
قال الشافعي وليس يخالف الحديث القرآن ولكنه يبين معنى ما أراد خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ثم يلزم الناس ما سن بفرض الله فمن قبل
____________________
1- أخرجه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح
(2/293)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قبل واحتج بالآيات الواردات في ذلك
قال البيهقي وكأن الشافعي أراد بالمجهول خالد بن أبي كريمة فلم يعرف من حاله ما يثبت به خبره وقد روى من أوجه أخر كلها ضعيفة ثم ساقه من طرق متعددة كلها ضعيفة كما قال
فمنها ما رواه من طريق حنبل بن إسحاق حدثنا جبارة بن المغلس حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها تكون بعدي رواة يروون عني الحديث فاعرضوا حديثهم على القرآن فما وافق القرآن فحدثوا به وما لم يوافق القرآن فلا تأخذوا به (1) قال الدارقطني هذا وهم الصواب عن عاصم عن زيد بن علي مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل حدثنا الحسين بن محمد بن زيادة حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه قلته أو لم أقله فصدقوا به فإني أقول ما يعرف ولا ينكر وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فلا تصدقوا به فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف
ثم روي عن الإمام أبي بكر بن خزيمه أنه قال في صحة هذا الخبر مقال لم نر في شرق الأرض ولا غربها أحدا يعرف خبر ابن أبي ذئب من غير رواية يحيى بن آدم ولا رأيت أحدا من علماء الحديث يثبت هذا عن أبي هريرة
وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين كان يحيى بن آدم يحدث عن ابن
____________________
1- أخرجه الدارقطني
(2/294)
أبي ذئب بهذا الحديث وغيره يرويه عن ابن أبي ذئب مرسلا
وقال البخاري قال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري فذكر هذا الحديث مرسلا قال البخاري وهو وهم ليس فيه أبو هريرة وسبق بنحو ثلاثة كراريس في معرفة علل الحديث
ورواه البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن محمد بن عبد الله عن ابن عبد الحكم عن ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن محمد بن عبيد الله عن عبد الله بن سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بلغكم عني من حديث حسن لم أقله فأنا قلته
قال الحاكم هذا باطل والحارث بن نبهان ومحمد بن عبيد الله العرزمي متروكان وعبد الله بن سعيد عن أبي هريرة مرسل فاحش ثم ذكر البيهقي حديث أبي حميد وأبي أسيد السابق
ويجب أن يحمل ما صح من الأخبار على أحسن الوجوه وأولاها وقد ذكرت في مكان آخر قول عمر رضي الله عنه لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك شرا وأنت تجد لها في الخير محملا
وقال علي رضي الله عنه إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فظنوا به الذي هو عدل والذي هو أهنأ والذي هو أنقى وسبق ما يتعلق بعلل الحديث بنحو كراسين أو ثلاثة فصل رواية التكبير مع القرآن من سورة الضحى إلى آخر القرآن
واستحب أحمد التكبير من أول سورة الضحى إلى أن يختم ذكره ابن تميم وغيره وهو قراءة أهل مكة أخذها البزي عن ابن كثير وأخذها ابن كثير عن
____________________
(2/295)
مجاهد وأخذها مجاهد عن ابن عباس وأخذها ابن عباس عن أبي بن كعب وأخذها أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم روى ذلك جماعة منهم البغوي في تفسيره (1) والسبب في ذلك انقطاع الوحي وهذا حديث غريب من رواية أحمد بن محمد بن عبد الله البزي وهو ثبت في القراءة ضعيف في الحديث وقال أبو حاتم الرازي هذا حديث منكر وقال أبو البركات يستحب ذلك من سورة ألم نشرح
وقال في الشرح استحسن أبو عبد الله التكبير عند آخر كل سورة من الضحى إلى أن يختم لأنه روي عن أبي بن كعب أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك رواه القاضي وعن البزي أيضا مثل هذا وعن قنبل هكذا والذي قبله وعنه أيضا لا تكبير كما هو قول سائر القراء
وقال الماوردي كان ابن عباس يفصل بين كل سورتين بالتكبير من الضحى وهو راوي قراء مكة وقال الآمدي يهلل ويكبر وهو قول عن البزي وسائر القراء على خلافه
وقال الشيخ تقي الدين وسئل عن جماعة قرؤوا بغير تهليل ولا تكبير قال إذا قرؤوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل بل المشروع المسنون
وإذا قرأ سورة الإخلاص مع غيرها قرأها مرة واحدة ولا يكرر ثلاثا نص عليه قال ابن تميم منع أحمد القارىء من تكرار سورة الإخلاص ثلاثا إذا وصل إليها
____________________
1- أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وفي سنده أحمد بن محمد بن عبد الله البزي المقرىء ضعفه أبو حاتم وقال العقيلي منكر الحديث
(2/296)
فصل في ترتيل القرآن وتدبره والتخشع والتغني به
ويستحب ترتيل القراءة وإعرابها وتمكين حروف المد واللين من غير تكلف قال أحمد تعجبني القراءة السهلة وكره السرعة في القراءة
قال حرب سألت أحمد عن السرعة في القراءة فكرهه إلا أن يكون لسان الرجل كذلك أو لا يقدر أن يترسل قيل فيه إثم قال أما الإثم فلا أجترئ عليه
قال القاضي يعني إذا لم تبن الحروف مع أنه قال ظاهر هذا كراهة السرعة والعجلة قال في رواية جعفر بن أحمد وقد سئل إذا قام الرجل من الليل أيما أحب إليك الترسل أو السرعة فقال أليس قد جاء بكل حرف كذا وكذا حسنة قالوا له في السرعة قال إذا صور الحرف بلسانه ولم يسقط من الهجاء قال القاضي وظاهر هذا أنه اختار السرعة وقال في الرعاية الكبرى كره أحمد سرعتها إذا لم يبين الحروف انتهى كلامه
قال القاضي أقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإبانة ومعناه أنه إذا بين ما يقرأ به فقد أتى بالترسل وإن كان مستعجلا في قراءته وأكمله أن يرتل القراءة ويتوقف فيها ما لم يخرجه ذلك إلى التمديد والتمطيط فإذا انتهى إلى التمطيط كان ممنوعا قال وقد أومأ أحمد إلى معنى هذا فقال في رواية أبي الحارث يعجبني من قراءة القرآن السهلة ولا تعجبني هذه الألحان قال الشيخ تقي الدين أظنه حكاية عن أبي موسى والتفهم فيه والاعتبار فيه مع قلة القراءة أفضل من إدراجه بغير تفهم انتهى كلامه
قال أحمد يحسن القارىء صوته بالقرآن ويقرؤه بحزن وتدبر وهو معنى قوله عليه السلام ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن (1) نص عليه
____________________
1- أخرجه بهذا اللفظ البخاري ومسلم والنسائي وابن حبان من حديث أبي هريرة
(2/297)
قوله أذن بكسر الذال ومعناه الاستماع وقوله كأذنه هو بفتح الهمزة والذال وهو مصدر أذن يأذن أذنا كفرح يفرح فرحا وفي رواية في الصحيح (1) كإذنه بكسر الهمزة وإسكان الذال
قال القاضي عياض هو على هذه الرواية بمعنى الحث على ذلك والأمر به انتهى كلامه
وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به + هو في البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي + ومعنى أذن استمع
وقال عليه السلام ليس منا من لم يتغن بالقرآن رواه البخاري + أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة وأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان + كذا عزاه في الشرح
وذكر النواوي أن أبا داود رواه بإسناد جيد من حديث أبي لبابة عن عبد الأعلى بن حماد عن عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة قال قال عبيد الله بن أبي يزيد مر بنا أبو لبابة فذكره في قصة + هو في سنن أبي داود ومن طريقه أخرجه البيهقي + قال البخاري في عبد الجبار يخالف في بعض حديثه ووثقه غيره وهذا حديث حسن ولم أجده في مسند الإمام أحمد وأظنه رواه في غير المسند
قال أبو عبيد معنى قوله من لم يتغن بالقرآن أي يستغني به ولو كان من الغناء بالصوت لكان من لم يغن بالقرآن وروي نحو هذا التفسير عن ابن عيينة وقال أحمد بن محمد الزي هذا قول من أدركنا من أهل العلم
____________________
1- هي في صحيح مسلم
(2/298)
وقال الوليد بن مسلم يتغنى بالقرآن يجهر به وهذا قول الشافعي ورواه إسحاق بن إبراهيم عن أحمد
وقال الليث بن سعد تفسيره التحزن وقال عمرو بن الحارث تفسيره الاستغناء أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم فتغنوا ولو بحزم الحطب (1)
وذكر النووي أن معناه عند الشافعي وأكثر العلماء يحسن صوته به
ولأبي داود من حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال زينوا القرآن بأصواتكم + أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه والنسائي بإسناد صحيح + قال الهروي معناه الهجوا بقراءة القرآن وتزينوا به وليس معناه على تطريب الصوت والتحزين إذ ليس ذلك في وسع كل أحد قال وهكذا قوله ليس منا من لم يتغن بالقرآن
وقال فيه البغوي قريبا منه قال إنه من المقلوب كقولهم خرق الثوب المسمار وقال تعالى ( ^ ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة ) القصص 76 أي تنهض ورواه البغوي من طريق آخر زينوا أصواتكم بالقرآن
وذكر جماعة من أصحابنا وغيرهم منهم الآجري والحافظ أبو موسى لقراءة القرآن آداب منها إدمان تلاوته ومنها البكاء فإن لم يكن فالتباكي ومنها حمد الله عند قطع القراءة على توفيقه ونعمته وسؤال الثبات
____________________
1- أخرجه أبو يعلى والطبراني وابن الأثير وإسناده ضعيف
(2/299)
والإخلاص ومنها السؤال ابتداء ومنها أن يسأل عند آية الرحمة ويتعوذ عند آية العذاب ومنها أن يجهر بالقراءة ليلا لا نهارا ومنها أن يوالي قراءته ولا يقطعها لحديث الناس وفيها نظر إذا عرضت حاجة ومنها أن يقرأ بالقراءة المستفيضة لا الشاذة الغريبة ومنها أن تكون قراءته عن العدول الصالحين العارفين بمعانيها ومنها أن يقرأ ما أمكنه في الصلاة لأنه أفضل أحوال العبد ولأن في الحديث أن القراءة فيها تضاعف على القراءة خارجا عنها
وقال محمد بن جحادة كانوا يستحبون أن يختموا في ركعتي المغرب أو في الركعتين قبل الفجر ومنها أن يتحرى قراءته متطهرا ومنها إن كان قاعدا استقبل القبلة
ومنها كثرة تلاوته في رمضان ومنها أن يتحرى أن يعرضه كل عام على من هو أقرأ منه ومنها أن يقرأ بالأعراب وقد تقدم
قال بعض أصحابنا إن المعنى الاجتهاد على حفظ إعرابه لا أنه لا يجوز الإخلال به عمدا فإن ذلك لا يجوز ويؤدب فاعله لتغييره القرآن
ومنها أن يفخمه لأنه روى عنه عليه السلام نزل القرآن بالتفخيم (1) قال الحافظ أبو موسى معناه أن يقرأه على قراءة الرجال ولا يخضع الصوت به ككلام النساء وليس معناه كراهة الإمالة ويحتمل إرادتها ثم رخص فيها ومنها أن يفصل بين سورة وما قبلها إما بالوقف أو التسمية ولا يقرأ من أخرى قبل فراغ الأولى
ومنها الوقف على رؤوس الآي وإن لم يتم الكلام قاله أبو موسى وفيه خلاف بينهم لوقفه عليه السلام في قراءة الفاتحة على كل آية ولم يتم الكلام قال
____________________
1- أخرجه الحاكم
(2/300)
أبو موسى ولأن الوقف على آخر السورة لا شك في استحبابه وقد يتعلق بعضها ببعض كسورة الفيل مع قريش
ومنها أن يعتقد جزيل ما أنعم الله عليه إذ أهله لحفظ كتابه ويستصغر عرض الدنيا أجمع في جنب ما خوله الله تعالى ويجتهد في شكره
ومنها ترك المباهاة وأن لا يطلب به الدنيا بل ما عند الله ومنها أن لا يقرأ في المواضع القذرة
وينبغي أن يكون ذا سكينة ووقار وقناعة ورضا بما قسم الله تعالى مجانبا للدنايا ومحاسبا لنفسه يعرف القرآن في سمته وخلقه لأنه صاحب الملك والمطلع على ما قد وعد فيه وهدد فإذا بدرت منه سيئة بادر محوها بالحسنة
وروى الحافظ أبو موسى بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون وبنهاره إذ الناس مفطرون وبحزنه إذ الناس يفرحون وببكائه إذ الناس يضحكون وبصمته إذ الناس يخلطون وبخشوعه إذ الناس يختالون وينبغي أن يكون باكيا محزونا حكيما عليما سكينا ولا يكون جافيا ولا غافلا ولا صاخبا ولا صياحا ولا حديدا فصل في التلاوة بألحان الخاشعين لا ألحان المطربين
وكره أصحابنا قراءة الإدارة وقال حرب هي حسنة وقال في المستوعب قراءة الإدارة وتقطيع حروف القرآن مكروه عند أحمد وكره أحمد قراءة الألحان وقال هي بدعة قيل يهجر من سمعها قال لا
وقال في رواية يعقوب لا يعجبني أن يتعلم الرجل الألحان إلا أن يكون حزمه مثل حزم أبي موسى فقال له رجل فيكلمون قال لا كل ذا ورأيت في موضع آخر إلا أن يكون ذلك حزبه فيقرأ بحزن مثل صوت أبي موسى
وقال الشافعي في موضع أكره القراءة بالألحان وقال في موضع آخر لا أكرهها قال أصحابه حيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضوعها
____________________
(2/301)
وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغيير لموضوع الكلام
وقال القاضي عياض اختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم
وأباحها أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث ولأنها سبب للرقة وإثارة الخشية وإقبال النفوس على استماعه
وقال الشيخ تقي الدين قراءة القرآن بصفة التلحين الذي يشبه تلحين الغناء مكروه مبتدع كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من الأئمة فصل
إذا فرغ من قراءة الناس لم يزد الفاتحة وخمسا من البقرة نص عليه وذلك إلى قوله ( ^ وأولئك هم المفلحون ) البقرة 5 لأن ( ^ الم ) البقرة 1 آية عند الكوفيين وهي عند غيرهم غير آية قال في الشرح ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح وقيل يجوز بعد الدعاء وقيل يستحب وقد روى الترمذي من حديث صالح المري وهو ضعيف عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس قال قال رجل يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله عز وجل قال الحال المرتحل (1) قال وما الحال المرتحل قال الذي يضرب من أول
____________________
1- إسناده ضعيف أخرجه الترمذي وابن نصر والطبراني والحاكم وأبو نعيم وقال الترمذي حديث غريب وإسناده ليس بالقوي وأخرجه الدارمي
(2/302)
القرآن إلى آخر كلما حل ارتحل قال الترمذي حديث غريب ثم رواه عن زرارة مرسلا ثم قال هذا عندي أصح
قال القاضي بعد ذكره لمعنى هذا الخبر من حديث أنس رواه ابن أبي داود قال وظاهر هذا أنه يستحب ذلك والجواب أن المراد به الحث على تكرار الختم ختمة بعد ختمة وليس في هذا ما يدل على أن الدعاء لا يتعقب الختمة فصل في الاستماع للقرآن والإنصات والأدب له
ويستحب استماع القراءة وهو قول الشافعية ويكره الحديث عندها بما لا فائدة فيه وحكى ابن المنذر في الإشراف إجماع العلماء على أنه لا يجب الاستماع للقراءة في غير الصلاة والخطبة
وتكلم الشيخ تقي الدين بن تيمية على الخشوع وعلى ذم قسوة القلب وقال فإن قيل فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب قيل نعم لكن الناس فيه على قسمين مقتصد وسابق فالسابقون يختصون بالمستحبات والمقتصدون الأبرار هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة ومن لم يكن من هؤلاء ولا هؤلاء فهو ظالم لنفسه انتهى كلامه
وقال ابن عقيل في الفنون ما أخوفني أن أساكن معصية فتكون سببا في حبوط عملي وسقوط منزلة إن كانت لي عند الله تعالى بعدما سمعت قوله تعالى ( ^ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) الحجرات 2
وهذا يدل على أن في بعض التسبب وسوء الأدب على الشريعة ما يحبط الأعمال ولا يشعر العامل إلى أن عصيان ينتهي إلى رتبة الإحباط هذا يترك الفطن خائفا وجلا من الإقدام على المآثم ثم خوفا أن يكون تحتها من العقوبة ما يشاكل هذه إلى أن قال أليس بيننا كتاب الله عز وجل وهو كلامه الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتزمل ويتدثر لنزوله والجن تنصت لاستماعه
____________________
(2/303)
وأمر بالتأدب بقوله ( ^ فاستمعوا له وأنصتوا ) الأعراف 204 فعم كل قارئ وهذا موجود بيننا فلما أمرنا بالإنصات إلى كلام مخلوق كان أمر الناس بالإنصات إلى كلامه أولى والقارئ يقرأ وأنتم معرضون وربما أصغيتم إلى النغمة استثارة للهوى فالله الله لا تنس الأدب فيما وجب عليك فيه حسن الأدب ما أخوفني أن يكون المصحف في بيتك وأنت مرتكب لنواهي الحق سبحانه فيه فتدخل تحت قوله ( ^ فنبذوه وراء ظهورهم ) آل عمران 187
فهجران الأوائل كلام الحق يوجب عليك ما أوجب عليهم من الأبعاد والمقت فقد نبهك على التأدب له من أدبك للوالدين والتأدب للأبوين يوجب التأدب لله عز وجل لأنه المبتدىء بالنعم
فالله الله في إهمال ما وجب لله تعالى من الأدب عند تلاوة القرآن والإنصات للفهم والنهضة للعمل بالحكم إيفاء للحقوق إذا وجبت وصبرا على أثقال التكاليف إذا حضرت وتلقيا بالتسليم للمصائب إذا نزلت وحشمة للحق سبحانه في كل أخذ وترك حيث نبهك على سبب الحشمة فقال ( ^ هو الظاهر والباطن ) الحديد 3 ( ^ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ) فصلت 53
وقال ابن هبيرة كره السؤال بالقرآن لثلاث معان
أحدها أن الناس يكرهون بالطبع سماع سؤال السائل فإذا أعرضوا عن القارىء الذي يسأل بالقرآن أعرضوا عن القرآن فيحملهم القارىء على أن يأثموا
والثاني أنه ربما قرأ وهم معرضون عنه وقد أمروا بالإنصات للقرآن فيعرضهم للإثم أيضا
الثالث أنه يأتي بأعز الأشياء فيستشفع به في أخسها
____________________
(2/304)
فصل
والمروي عنه عليه الصلاة والسلام وعن أصحابه رضي الله عنهم عند سماعه إنما هو فيض الدموع واقشعرار الجلود ولين القلوب كما قال تعالى ( ^ الله نزل أحسن الحديث ) الزمر 23
وقرأ ابن مسعود عليه صلى الله عليه وسلم فلما بلغ إلى قوله ( ^ وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) النساء 41 قال حسبك فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان رواه البخاري ومسلم (1)
وأما الصعق والغشي ونحو ذلك فحدث في التابعين لقوة الوارد وضعف المورود عليه والصحابة لقوتهم وكمالهم لم يحدث فيهم فأقدم من علمت هذا عنه الإمام الرباني من أعيان التابعين الكبار الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقرأ ( ^ إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) الفرقان 12 فصعق وكان قبل الظهر فلم يفق إلى الليل وكذا الإمام القاضي التابعي المتوسط زرارة بن أوفى رحمه الله تعالى قرأ في الصلاة فلما بلغ ( ^ فإذا نقر في الناقور ) المدثر 8 شهق فمات وكان هذا الحال يحصل كثيرا للإمام علما وعملا شيخ الإمام أحمد يحيى بن القطان وقال الإمام أحمد لو دفع أو لو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه دفعه يحيى وحدث ذلك لغير هؤلاء فمنهم الصادق في حاله ومنهم غير ذلك ولعمري إن الصادق منهم عظيم القدر لأنه لولا حضور قلب حي وعلم معنى المسموع وقدره واستشعار معنى مطلوب يتلمح منه لم يحصل ذلك لكن الحال الأول أكمل فإنه يحصل لصاحبه ما يحصل لهؤلاء وأعظم مع ثباته وقوة جنانه رضي الله عن الجميع لكن كثير من المتأخرين لا يصدق
____________________
1- أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي
(2/305)
في هذا الحال فسبحان علام الغيوب ونعوذ بالله من كل رياء وسمعة
وقد قال أبو الوفاء ابن عقيل في الفنون بعد السؤال عما يعتري المتصوفة عند سماع الوعظ والغناء هل هو ممدوح أو مذموم قال لا يجوز أن يجيب عنها مجيب حتى يتبين تحقيق السؤال فإن الصعق دخيل على القلب رغما لا عزما غير مكتسب ولا مجتلب وما كان بهذه الصفة لا يدخل تحت حكم الشرع بأمر ولا نهي ولا إباحة
وأما الذي يتحقق من سؤالك أن نقول هذا التصدي للسماع المزعج للقلوب المهيج للطباع الموجب للصعق جائز أو محظور وهو كسؤال السائل عن العطسة هل هي مباحة أو محظورة
والجواب أن هذه المسألة لا يجاب عنها جملة ولا جوابا مطلقا بل فيها تفصيل وهو أن يقال إن علم هذا المصغي إلى إنشاد الأشعار أنه يزول عقله ويعزب رأيه بحيث لا يدري ما يصنع من إفساد أو جناية فلا ينبغي أن يتعمد ذلك وهو كالمتعمد لشرب النبيذ الذي يزيل عقله وإن كان لا يدري لاختلاف أحواله فإنه تارة يصعق وتارة لا فهذا لا يحرم عليه ولا يكره كذا قال ويتوجه كراهته بخلاف النوم فإنه وإن غطى على العقل فإنه لا يورث اضطرابا تفسد به الأحوال بل يغطي عقل النائم ثم يحصل معه الراحة
قال وإذا استولى على العبد معرفة الرب وسمع تلاوة القرآن لم يسمع التلاوة إلا من المتكلم بها فصعق السامع خضوعا للمسموع عنه إلى أن قال فهو الصعق الممدوح يعطل حكم الظاهر ويوفر درك الناظر لو رأيتموهم لقلتم مجانين والناظر من خارج أحوالهم خلي مما يلوح لهم والأصل في تفاوت هذا صفاء المدارك واختلاف المسالك فالقلوب تسمع الأصوات وترجيع الألحان فيحركهم طرب الطباع وما عندهم ذوق من الوجد في السماع والخواص يدركون بصفاء مداركهم أرواح الألفاظ وهي المعاني ومن غلب عليه الإيهام البراني يتعجب مما يسمع من القوم وقد قال الواجد
____________________
(2/306)
( لو يسمعون كما سمعت كلامها % خروا لعزة ركعا وسجودا )
وقال بعض المشايخ الناظر إلى القوم من خارج حالهم يتعجب دهشا والملاحظ يذوق المناسبة يتلظى عطشا كما قال القوال
( صغير هواك عذبني % فكيف به إذا احتنكا )
ومراد ابن عقيل رحمه الله عدم الإنكار على صاحب هذه الحال كما يراه بعض الناس أي الصادق منهم ومدح حاله لا أن هذه الحال هي الغاية
وقد روى النسائي أو غيره أن أبا هريرة لما حدث بحديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار زفر زفرة وخر مغشيا عليه ثم ثانية ثم ثالثة ثم حدث به (1) الحديث في صحيح مسلم وغيره بدون هذه الزيادة + أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي + فإن صح فهو أول من علمت حدث له ذلك والله أعلم
وقال ابن عقيل أيضا في الفنون لما رأينا الشريعة تنهى عن تحريكات الطباع بالرعونات وكسرت الطبول والمعازف ونهت عن الندب والنياحة والمدح وجر الخيلاء علمنا أن الشرع يريد الوقار دون الخلاعة فما بال التغيير والوجد وتخريق الثياب والصعق والتماوت من هؤلاء المتصوفة وكل مهيج من هؤلاء الوعاظ المنشدين من غزل الأشعار وذكر العشاق فهم كالمغني والنائح فيجب تعزيرهم لأنهم يهيجون الطباع والعقل سلطان هذه الطباع فإذا هيجها صار إهاجة للرعايا على السلطان أما سمعت يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير + أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وابن حبان من حديث أنس بن مالك + وما العلم إلا الحكمة المتلقاة مع السكون والدعة واعتدال الأمزجة أما رأيته عزل القاضي حين غضبه وكذلك يعزله حال طربه أما
____________________
1- أخرجه الترمذي وابن حبان والبغوي بإسناد صحيح
(2/307)
سمعت ( ^ فلما حضروه قالوا أنصتوا ) الأحقاف 29 فأين الطرب من الأدب والله ما رقص قط عاقل ولا تعرض للطرب فاضل ولا أصغى إلى تلحين الشعر إلا بطر أليس بيننا القرآن وقد قال طلبنا العلم لغير الله فأبى وذلك أن بداية الطلب صعبة فهو كلعبة المفطوم ثم يستغني عنها بقوة النهم فيدع الثدي تقذرا واستقذارا
وقال أيضا هذه فتن ومحن دخلت على العقول من غلبات الطباع والأهواء وهل يحكم على العقول حق قط وهل رأيتم في السلف أو سمعتم رجلا زعق أو خرق بل سماع صوت وفهم واستجابة فدل على أن ذلك التخبط ليس من قانون الشرع لكن أمر بخفض الصوت وغضه وأما التواجد والحركة والتخريق فالأشبه بداعية الحق الخمود ثكلت نفسي حين أسمع القرآن ولا أخشع وأسمع كلام الطرقيين فيظهر مني الانزعاج هذا أدل دليل على أن الطباع تورث ما تورث من التغييرات وأن ذلك الكلام صدر عن طبع فأهاج طبعا وللحق ثقل فلا يغرنكم تحرك الطباع بالأسجاع والألحان فإنما هو كعمل الأوتار والأصوات وهل نهت الشريعة عن سكر العقار إلا لما يؤدي إليه من هذا الفساد وذكر كلاما كثيرا
وذكر الحافظ ابن الأخضر في من روى عن أحمد في ترجمة إبراهيم بن عبد الله القلانسي قال قيل لأحمد بن حنبل إن الصوفية يجلسون في المساجد بلا علم على سبيل التوكل قال العلم أجلسهم فقيل ليس مرادهم من الدنيا إلا كسرة خبز وخرقة فقال لا أعلم على وجه الأرض أقواما أفضل منهم قيل إنهم يستمعون ويتواجدون قال دعوهم يفرحون مع الله تعالى ساعة قيل فمنهم من يغشى عليه ومنهم من يموت فقال
( ^ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ) الزمر 47
وكذا روي في هذه الرواية والمعروف خلاف هذا عنه ولعل مراده أنهم يستمعون ويتواجدون عند القرآن فيحصل لبعضهم ما يحصل من الغشي
____________________
(2/308)
والموت كما كان يحصل ليحيى بن سعيد القطان وعذره الإمام أحمد فلا مخالفة والله أعلم فصل في سوء حال الاجتماع في المساجد في ليالي المواسم والذهاب في أيامها إلى المقابر
هل يستحب الاجتماع للقراءة والدعاء سبق قريبا من ثلث الكتاب في الفصول من كلام عند ذكر القصاص والكلام في الوساوس والخطرات وقد قال ابن عقيل في الفنون أنا أبرأ إلى الله تعالى من جموع أهل وقتنا في المساجد والمشاهد ليالي يسمونها إحياء لعمري إنها لإحياء أهوائهم وإيقاظ شهواتهم جموع الرجال والنساء مخارج الأموال فيها أفسد المقاصد وهو الرياء والسمعة وما في خلال كل واحد من اللعب والكذب والغفلة ما كان أحوج الجوامع أن تكون مظلمة من سرجهم منزهة عن معاصيهم وفسقهم مردان ونسوة وفسق الرجل عندي من وزن في نفسه ثمن الشمعة فأخرج به دهنا وحطبا إلى بيوت الفقراء ووقف في زاوية بيته بعد إرضاء عائلته بالحقوق فكتب في المتهجدين صلى ركعتين بحزن ودعا لنفسه وأهله وجماعة المسلمين وبكر إلى معاشه لا إلى المقابر فترك المقابر في ذلك عبادة يا هذا انظر إلى خروجك إلى المقابر كم بينه وبين ما وصفت له
قال تذكركم الآخرة (1) ما أشغلك بتلمح الوجوه الناضرة في تلك الجموع لزرع اللذة في قلبك والشهوة في نفسك عن مطالعة العظام الناخرة تستدعي بها ذكر الآخرة كلا ما خرجت إلا متنزها ولا عدت إلا متأثما ولا فرق
____________________
1- أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي
(2/309)
عندك بين القبور والبساتين مع الفرجة لا أقل من أن تكون المعاصي بين الجدران فأما أن تجعل المقابر والمشاهد علة في الاشتهار فلا فإذا فعل من فطن لقوله في رجب وأمثاله ( ^ فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) التوبة 36
أعزز علي بقوم فاتتهم أيام المواسم التي يحظى فيها قوم بأنواع الأرباح وليتهم خرجوا منها بالبطالة رأسا برأس ما قنعوا حتى جعلوها من السنة إلى السنة خلسا لاستيفاء اللذات واستلام الشهوات والمحظورات ما بال الوجوه المصونه في جمادى هتكت في رجب بحجة الزيارات ( ^ أفحكم الجاهلية يبغون ) المائدة 50 ( ^ ما لكم لا ترجون لله وقارا ) نوح 13
ترى بماذا تحدث عنك سواري المسجد في الظلم وأفنية القبور والقباب بالبكاء من خوف الوعيد والتذكر للآخرة بنظر العبرة إذا تحدثت عن أقوام ختموا في بيوتهم الختمات وصانوا الأهل اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم حيث انسل من فراش عائشة رضي الله عنها إلى المسجد لا شموع ولا جموع طوبى لمن سمع هذا الحديث فانزوى إلى زاوية بيته وانتصب لقراءة جزء في ركعتين بتدبر وتفكر فيا لها من لحظة ما أصفاها من أكدار المخالطات وأقذار الرياء
غدا يرى أهل الجموع أن المساجد تلعنهم والمقابر تستغيث منهم يبكر أحدهم فيقول أنا صائم قد أفلح عرسك حتى يكون لك صبحه قل لي يا من أحياه في الجامع بأي قلب رجعت مات والله قلبك وعاشت نفسك ما أخوفني على من فعل هذا الفعل في هذه الليالي أن يخاف في موطن الأمن ويظمأ في مقامات الري
____________________
(2/310)
فصل في التعوذ قبل القراءة والبسملة لكل سورة
ويسن التعوذ قبل القرءاة فإن قطعها قطع ترك وإهمال على أنه لا يعود إليها أعاد التعوذ إذا رجع إليها وإن قطعها بعذر عازما على إتمامها إذا زال عذره كفاه التعوذ الأول وإن تركها قبل القراءة فيتوجه أن يأتي بها ثم يقرأ لأن وقتها قبل القراءة للاستحباب فلا يسقط بتركها إذا ولأن المعنى يقتضي ذلك أما لو تركها حتى فرغ سقطت لعدم القراءة وتستحب قراءة البسملة في أول كل سورة في الصلاة وغيرها نص عليه وقال لا يدعها قيل له فإن قرأ من بعض سورة يقرؤها قال لا بأس فإن قرأ في غير صلاة فإن شاء جهر بالبسملة وإن شاء لم يجهر نص عليه في رواية أبي داود ومهنا
قال القاضي محصول المذهب أنه بالخيار بين الجهر والإسرار كما كان مخيرا في أصل القراءة بين الجهر والإسرار وكالإستعاذة وعنه يجهر بها مع القراءة وعنه لا يجهر بها
ويكره أن يستفتح سورة براءة أو أن يفصل بين أبعاض سورة غيرها بالبسملة إلا أن يعتقد ذلك قربة فلا يجوز
وقال صالح في مسائله عن أبيه وسألته عن سورة الأنفال وسورة التوبة هل يجوز للرجل أن يفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم قال أبي ينتهي في القرآن إلى ما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص وهذا معنى ما نقل الفضل وأبو الحارث فصل في الأحوال التي يكره فيها الجهر بالقراءة
قال الشيخ تقي الدين من كان يقرأ القرآن والناس يصلون تطوعا فليس له أن يجهر جهرا يشغلهم به فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على بعض أصحابه وهم يصلون من السحر فقال أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض
____________________
(2/311)
في القراءة (1)
وروى أحمد في المسند عن الحارث عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع صوته بالقراءة قبل العشاء وبعدها يغلط أصحابه وهم يصلون + أخرجه أحمد وأبو يعلى + وذكر الحافظ أبو موسى وغيره أن من جملة من الآداب أن لا يجهر بين مصلين أو نيام أو تالين جهرا يوذيهم فصل في ثواب القراءة كل حرف بحسنة مضاعفة
عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف رواه الترمذي وقال حسن صحيح غريب
والمراد بالحرف عند أصحابنا حرف التهجي الذي هو جزء من الكلمة صرح بهذا المعنى القاضي في الكلام على قراءة حمزة وذكر جماعة فيمن لم يحسن الفاتحة هل يقرأ من غيرها بعدد الحروف أو بعدد الآيات وقد قال أحمد في رواية حرب إذا اختلفت القراءات فكانت في إحداها زيادة حرف أنا أختار الزيادة ولا يترك عشر حسنات مثل فأزلهما فأزالهما ووصى وأوصى قال القاضي فقد نص على أنه يختار الزيادة لما احتج به من زيادة الثواب بزيادة الحروف
واختار الشيخ تقي الدين أن المراد بالحروف الكلمة سواء كانت اسما أو فعلا أو حرفا أو اصطلاحا واحتج بالخبر المذكور فلولا أن المراد بالحرف الكلمة لا حرف الهجاء لكان في ألف لام ميم تسعون حسنة والخبر إنما جعل
____________________
1- انتهى كلامه
(2/312)
فيها ثلاثين حسنة وهذا وإن كان خلاف المفهوم والمعروف من إطلاق الحرف فقد استعمله الشارع هنا والله أعلم فصل في فضائل القرآن وأهله
في فضائل القرآن وأهله أشياء كثيرة منها
قوله عليه السلام خيركم من تعلم القرآن وعلمه رواه البخاري وغيره من حديث عثمان (1)
وفي السنن عنه عليه الصلاة والسلام من حديث أبي سعيد يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه رواه الترمذي وقال حسن غريب وهو من راوية عطية العوفي وهو ضعيف عندهم + أخرجه الترمذي والدارمي +
وقال أبو جعفر بن شاهين حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني حدثنا صفوان بن أبي الصهباء عن بكير بن عتيق عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين + إسناده ضعيف +
____________________
1- أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن حبان
(2/313)
قال ابن شاهين وقد فسر هذا الكلام النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر ثم روى حديث عطية عن أبي سعيد المذكور قال وقال بعضهم معنى من شغله ذكري عن مسألتي قال من شغله ذكري عن ذكره لي وذلك أن الله تعالى يقول ( ^ فاذكروني أذكركم ) البقرة 152 اذكروني بطاعتي أذكركم برحمتي انتهى كلامه الحماني كذبه أحمد وابن نمير وغيرهما ووثقه ابن معين وغيره وقال ابن عدي لم أر في أحاديثه مناكير وصفوان وثقه ابن حبان وقال أيضا في الضعفاء يروي ما لا أصل له لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد وذكر ابن الجوزي الخبرين في الموضوعات وقال ابن حبان عن الخبر الثاني هذا موضوع ما رواه إلا صفوان مرفوعا
وعن أبي أمامة مرفوعا ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه (1) قال أبو النضر يعني القرآن رواه الترمذي عن أحمد بن منيع عن أبي النضر عن بكر بن خنيس عن الليث بن أبي سليم عن زيد بن أرطاة عن أبي أمامة بكر ضعيف عندهم وليث ضعفه الأكثر قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
وروى أبو يعلى الموصلي حدثنا أحمد بن عيسى المصري وأبو همام قالا حدثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن ترجعوا إلى الله عز وجل بشيء أحب إليه من شيء يخرج منه + أخرجه الإمام أحمد وسنده ضعيف + يعني القرآن مرسل حسن
وروى الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي في فضائل القرآن عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته + أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائي وإسناده حسن +
____________________
1- أخرجه الترمذي وابن الضريس وهو ضعيف
(2/314)
وروى أبو داود بإسناد جيد عن أبي كنانة عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط (1)
قوله غير الغالي فيه والجافي عنه قال في النهاية إنما قال ذلك لأن من أخلاقه وآدابه التي أمر بها القصد في الأمور وخير الأمور أوساطها وكلا طرفي قصد الأمور ذميم وسبق هذا الخبر في فضائل القيام وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين + أخرجه مسلم + رواه مسلم من حديث عمر
وعن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه مرفوعا من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كان فيكم فما ظنكم بالذي عمل بهذا + أخرجه أحمد وأبو داود وفي سنده زبان بن فائد ضعيف + رواه أبو داود زبان ضعفه ابن معين وقال أحمد أحاديثه مناكير وسهل ضعفه ابن معين وقال ابن حبان في الثقات لا أدري أوقع التخليط منه أو من زبان
وعن علي رضي الله عنه مرفوعا من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهله كلهم قد وجبت النار لهم + أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وسنده ضعيف جدا + رواه الترمذي وقال غريب وابن ماجه ولم يذكر فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه
وقدم صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد في القبر أكثرهم قرآنا
____________________
1- حديث حسن أخرجه أبو داود
(2/315)
وروى أنه قدم شابا على سرية فقال شيخ منهم أنا أكبر منه فقال إنه أكثر منك قرآنا
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله لا تستعينوا على شيء من أعمالي إلا بأهل القرآن فكتبوا إليه استعملنا أهل القرآن فوجدناهم خونة فكتب إليهم لا تستعملوا إلا أهل القرآن فإن لم يكن عندهم خير فغيرهم أولى أن لا يكون فيهم خير فصل فيما يقول من نسي شيئا من القرآن
من غلط فترك شيئا من القرآن فليقل أنسيت ذلك أو أسقطته اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيحين من حديث عائشة (1)
وفيهما عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا بئسما لأحدكم وللبخاري لأحدهم يقول نسيت آيه كيت وكيت بل هو نسي استذكروا القرآن فهو أشد تفلتا من صدور الرجال من النعم (1)
ولمسلم لا يقول أحدكم نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي نسي بتشديد السين وقيل وتخفيفها
قال في شرح مسلم إنما نهى عن نسيتها وهو كراهة تنزيه لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها وقد قال تعالى ( ^ أتتك آياتنا فنسيتها ) طه 126
وقال القاضي عياض أولى ما يتأول عليه الحديث أن معناه ذم الحال لا ذم القول أي بئست الحال حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه
ولمسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا فذكر الحديث وفي آخره
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/316)
فإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه (1) فصل في تطبيب المصحف وكرسيه وكيسه
لا يكره تطييب المصحف ولا جعله على كرسي أو كيس حرير نص عليه بل يباح ذلك وتركه بالأرض وعلله الآمدي فقال إنه معفو عن يسيره وفي ذلك تعظيم له كلبسه في الحرب
وتكره تحليته بذهب أو فضة قدمه ابن تميم وابن حمدان وعنه لا يكره وقيل يحرم كبقية الكتب وقيل يباح علاقته للنساء دون الرجال وليس بصحيح لأن هذا جميعه لم ترد به السنة ولا نقل عن السلف فيه شيء مع ما فيه من إضاعة المال فصل في العطاس والتثاؤب وتشميت العاطس إذا حمد الله
تشميت العاطس وجوابه فرض كفاية قدمه ابن تميم وابن حمدان وهو ظاهر مذهب مالك وغيره
وقيل بل هما سنة وهو مذهب الشافعي وغيره قيل بل واجبان وهو قول بعض العلماء
ويسن أن يغطي العاطس وجهه ويخفض صوته إلا بقدر ما يسمع جليسه ليشمته وهذا معنى كلام أحمد في رواية أبي طالب وأحمد بن أصرم قال ابن عقيل ويبعد من الناس قال الشيخ تقي الدين البغدادي غريب قال الشيخ عبد القادر ولا يلتفت يمينا ولا شمالا انتهى كلامه ويحمد الله جهرا
قال ابن هبيرة في الحديث السابق من أفراد مسلم من حديث أبي موسى
قال الرازي من الأطباء العطاس لا يكون أول مرض أبدا إلا أن تكون له
____________________
1- أخرجه مسلم
(2/317)
زكمة
قال ابن هبيرة فإذا عطس الإنسان استدل بذلك من نفسه على صحة بدنه وجودة هضمه واستقامة قوته فينبغي له أن يحمد الله ولذلك أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله (1)
وكذلك الطنين في الأذن فإنه من حاسة السمع فإذا طنت أذن الإنسان ذكر الله تعالى مثنيا عليه بما أراه من دليل حسن صنعته فيه وقد ذكر هذا أهل العلم بالأبدان وهو صحيح لأن هذا الطنين لا يعرض لمن قد فسد سمعه كذلك لا يعرض للشيوخ إلا نادرا انتهى كلامه
قال الأطباء الدوي والطنين في الأذن قد يكون من حاسة السمع ولا خطر فيه ويكون من أرياح غليظة محتبسة في الدماغ أو كيموسات غليظة فيه وعلاجه إسهال البطن بالإيراحات الكبار وكب الأذن على بخار الرياحين اللطيفة وهجر الأطعمة الغليظة التي تملأ الرأس مثل الفوم والكرات والجوز ويقطر في الأذن دهن اللوز المر ويكون الغذاء اسفيدناجات أو ماء الحمص انتهى كلامهم
وقال في الغنية وإذا طنت أذنه صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل ذكر الله من ذكرني بخير + أخرجه البزار وابن حبان والطبراني وابن السني وابن عدي + لأنه مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه وكثير من الناس من يعمل هذا وهذا الخبر موضوع أو ضعيف ولم يذكر الأصحاب هذا ولا الذي قبله لعدم ما يدل على ذلك شرعا والله أعلم
____________________
1- أخرجه البخاري وابن حبان
(2/318)
وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب (1) لأن العطاس يدل على خفة بدن ونشاط والتثاؤب غالبا لثقل البدن وامتلائه واسترخائه فيميل إلى الكسل فأضافه إلى الشيطان لأنه يرضيه أو من تسببه لدعائه إلى الشهوات ويقول من سمع العاطس له يرحمك الله أو يرحمكم الله ويقول هو يهديكم الله ويصلح بالكم ذكره السامري وفي الرعاية وزادوا ويدخلكم الجنة عرفها لكم أو يقول يغفر الله لنا ولكم وقيل بل يقول مثل ما قيل له وكان ابن عمر إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يرحمنا الله وإياكم ويغفر الله لنا ولكم رواه مالك
قال أحمد في رواية أبي طالب التشميت يهديكم الله ويصلح بالكم وهذا معنى ما نقل غيره وقال في رواية حرب هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه
وقال ابن تميم يرد عليه العاطس وإن كان المشمت كافرا فيقول آمين يهديكم الله ويصلح بالكم وإن قال المشمت المسلم يغفر الله لنا ولكم فحسن والأول أفضل وكذا ذكر ابن عقيل إلا قوله وإن كان المشمت كافرا
وذكر القاضي أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظان أحدهما يهديكم الله والثاني يرحمكم الله كذا قال وصوابه يغفر الله لكم قاله الشيخ تقي الدين
قال القاضي ويختار أصحابنا يهديكم الله لأن معناه يديم الله هداكم واختار بعض العلماء يغفر الله لنا ولكم وقال مالك والشافعي يتخير بين هذا وبين يهديكم الله ويصلح بالكم
وقال ابن عقيل ولا يستحب تشميت الكافر فإن شمته أجابه بآمين يهديكم الله فإنها دعوة تصلح للمسلم والكافر وقد قال أبو موسى الأشعري كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم رحمكم الله فكان
____________________
1- أخرجه البخاري
(2/319)
يقول لهم يهديكم الله ويصلح بالكم (1) رواه الإمام أحمد عن وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن حكيم بن ديلم عن أبي بردة عن أبيه إسناد جيد وحكيم وثقه ابن معين وغيره وقال أحمد شيخ صدوق وقد قال أبو حاتم صالح ولا يحتج به ورواه أبو داود والنسائي والحاكم والترمذي وقال حسن صحيح
قال الشيخ تقي الدين وقد نص أحمد على أنه لا يستحب تشميت الذمي ذكره أبو حفص في كتاب الأدب عن الفضل بن زيادة قال قلت يا أبا عبد الله لو عطس يهودي قلت له يهديكم الله ويصلح بالكم قال أي شيء يقال لليهودي كأنه لم يره
قال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه لم يستحب تشميته لأن التشميت تحية له فهو كالسلام ولا يستحب أن يبدأ بالسلام كذلك التشميت ويدل عليه ما رواه أبو حفص بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن للمسلم على المسلم ست خصال إن ترك منهن شيئا ترك حقا واجبا عليه إذا دعاه أن يجيبه وإذا مرض أن يعوده وإذا مات أن يحضره وإذا لقيه أن يسلم عليه وإذا استنصحه أن ينصحه وإذا عطس أن يشمته أو يسمته فلما خص المسلم بذلك دل على أن الكافر بخلافه وهو في السنن + أخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح + إلا قوله حقا واجبا عليه
ولأحمد ومسلم من حديث أبي هريرة حق المسلم على المسلم ست + أخرجه بنحوه الإمام أحمد ومسلم + وذكره
قال الشيخ تقي الدين التخصيص بالوجوب أو الاستحباب إنما ينفي ذلك في حق الذمي كما ذكره أحمد في النصيحة وإجابة الدعوة لا تنفي جواز
____________________
1- أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح
(2/320)
ذلك في حق الذمي من غير استحباب ولا كراهة كإجابة دعوته والذي ذكر القاضي وهو ظاهر كلام أحمد أنه يكره وكلام ابن عقيل إنما نفى الاستحباب وفي المسألة حديث تعاطس اليهود عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان يجيبهم بالهداية وإذا كان في التهنئة والتعزية والعيادة روايتان فالتشميت كذلك انتهى كلامه فظهر في تشميت الكافر أقوال الجواز والكراهة والتحريم
والتشميت بالشين والسين ذكره غير واحد من أصحابنا وغيرهم قال في شرح مسلم لغتان مشهورتان والمعجمة أفصح قال ثعلب معناه بالمعجمة أبعدك الله عن الشماتة وبالمهملة هو السمت وهو القصد والهدي قال الليث التشميت ذكر الله على كل شيء ومنه قولك للعاطس يرحمك الله
وقال صاحب المحكم تشميت العاطس معناه هداك الله إلى السمت وذلك لما في العاطس من الانزعاج والقلق قال أبو عبيد الشين المعجمة أعلا اللغتين وقال ثعلب أيضا يقال سمت العاطس وشمته إذا دعوت له بالهدى وقصد السمت المستقيم قال والأصل فيه السين المهملة فقلبت شينا معجمة وقال ابن الانباري يقال شمته وسمت عليه إذا دعوت له بخير وكل داع بالخير فهو مشمت ومسمت
وقال ابن الأثير في النهاية التشميت بالشين والسين الدعاء بالخير
____________________
(2/321)
والبركة والمعجمة أعلاهما يقال شمت فلانا وشمت عليه تشميتا فهو مشمت واشتقاقه من الشوامت وهي القوائم كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى وقيل معناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك
وقال الجوهري قال ثعلب الاختيار بالسين لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد والحجة وقال أبو عبيد الشين أعلى في كلامهم وأكثر قال الجوهري كل داع لأحد بخير فهو مشمت ومسمت والشوامت قوائم الدابة وهو اسم لها
قال أبو عمرو يقال لا ترك الله له شامتة أي قائمة
وقد روى ابن ماجه وإسناده ثقات إلا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فإن فيه كلاما ولعله حسن الحديث عن علي رضي الله عنه مرفوعا إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليرد عليه من حوله يرحمك الله وليرد عليهم يهديكم الله ويصلح بالكم ورواه البخاري بمعناه من حديث أبي هريرة ورواه أبو داود وعنده فليقل الحمد لله على كل حال (1) وروى الترمذي هذا اللفظ من حديث أبي أيوب وغيره
ورواه النسائي وابن ماجه والحاكم من حديث علي وغيره
وعن أبي موسى مرفوعا إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه + أخرجه مسلم وأحمد + ورواه أحمد ومسلم +
وكراهة تشميت من لم يحمد الله قول الشافعية وغيرهم وكذا عند مالك وقال إن شمته غيره فليشمته ويتوجه احتمال تشميت من علم أنه حمد الله
____________________
1- حديث حسن لغيره وأخرجه ابن ماجه والترمذي والنسائي وعبد الله بن أحمد بن حنبل
(2/322)
وإن لم يسمعه لظاهر الخبر لكن روى البخاري من حديث أبي هريرة فإذا عطس أحدكم فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يقول يرحمك الله (1)
قال في الغنية وروي في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا قال الحمد لله قال الملك رب العالمين فإذا قال العبد رب العالمين بعد الحمد قال الملك يرحمك الله ربك فيتوجه على هذا أن يرد عليه ذكره علي الآدمي وهذا الخبر رواه الطبراني والحافظ ضياء الدين في المختارة من طريقه من حديث صباح بن يحيى المزني عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا عطس أحدكم فقال الحمد لله قالت الملائكة رب العالمين فإذا قال رب العالمين قالت الملائكة يرحمك الله + إسناد ضعيف جدا +
وروى سعيد حدثنا أبو الأحوص عن حصين عن إبراهيم قال إذا عطس الرجل وهو وحده فليقل الحمد لله رب العالمين وليقل يرحمنا الله وإياكم فإنه يشمته من سمعه من خلق الله
وسبق كلامه في الرعاية في السلام
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض أو غض بها صوته شك الراوي + أخرجه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح + رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح
____________________
1- أخرجه البخاري
(2/323)
وعن سالم بن عبيد مرفوعا إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين وليقل يغفر الله لي ولكم (1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه وفيه أن رجلا عطس عند سالم بن عبيد فقال السلام عليكم فقال سالم وعليك وعلى أمك ثم قال بعد لعلك وجدت مما قلت لك قال لوددت أنك لم تذكر أمي بخير ولا بشر قال إنما قلت لك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم فقال السلام عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك وعلى أمك ثم قال إذا عطس أحدكم الحديث ورواه أحمد وفي لفظ فليقل الحمد لله على كل حال أو الحمد لله رب العالمين (1)
وروى الترمذي عن حميد بن مسعدة عن زياد بن الربيع عن حضرمي مولى الجارود عن نافع قال عطس رجل إلى جنب ابن عمر فقال الحمد لله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا عطسنا إنما علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال + أخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب + إسناد جيد قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث زيادة فصل
قيل للقاضي في الخلاف إن الإمام يقول في الصلاة سمع الله لمن حمده فقط ذكر مسنون يقتضي الجواب فوجب أن لا يكون من سنته الجمع بين الجواب وبين ما يقتضيه كالسلام ورده وحمد العاطس وتشميته
فأجاب القاضي بأنه ينتقض بقول الإمام ولا الضالين آمين فإنه يجمع
____________________
1- أخرجه الترمذي وأحمد
(2/324)
بينهما على أنه قد قيل إنه لا يقتضي الجواب لأنه ليس بأمر بالحمد وإنما هو ثناء على الله عز وجل لأن قوله سمع الله لمن حمده معناه يا سميع الدعاء هكذا ذكره ابن المنذر وأما رد السلام فإن السلام يقتضي الجواب من غيره وكذلك التشميت فلهذا لم يسن الجمع بينهما وليس كذلك هنا لأنه يقتضي الجواب من غيره بدليل أنه وجد من المنفرد وإن لم يكن معه من يوجد منه الجواب وقال ابن حمدان وإن عطس كافر وحمد الله قال له المسلم والكافر عافاك الله فصل
قال ابن تميم لا يشمت الرجل الشابة ولا تشمته وقال في الرعاية الكبرى للرجل أن يشمت امرأة أجنبية وقيل عجوزا وشابة برزة ولا تشمته هي وقيل لا يشمتها
وقال السامري يكره أن يشمت الرجل المرأة إذا عطست ولا يكره ذلك للعجوز قال ابن الجوزي وقد روينا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه كان عنده رجل من العباد فعطست امرأة أحمد فقال لها العابد يرحمك الله فقال أحمد رحمه الله عابد جاهل انتهى كلامه
وقال حرب قلت لأحمد الرجل يشمت المرأة إذا عطست فقال إن أراد أن يستنطقها ويسمع كلامها فلا لأن الكلام فتنة وإن لم يرد ذلك فلا بأس أن يشمتهن
قال الشيخ تقي الدين فيه عموم في الشابة وقال أبو طالب إنه سأل أبا عبد الله يشمت الرجل المرأة إذا عطست قال نعم قد شمت أبو موسى امرأته قلت فإن كانت امرأة تمر أو جالسة فعطست أشمتها قال نعم وقال القاضي ويشمت الرجل المرأة البرزة ويكره للشابة
وقال ابن عقيل يشمت المرأة البرزة وتشمته ولا يشمت الشابه ولا تشمته
____________________
(2/325)
وقال الشيخ عبد القادر ويجوز للرجل تشميت المرأة البرزة والعجوز ويكره للشابة الخفرة
فظهر مما سبق أنه هل يشمت المرأة إذا لم يرد أن يسمع كلامها أم لا ويشمتها على روايتين وأكثر الأصحاب على الفرق بين الشابة وغيرها وسبقت نصوصه في التسليم عليها مثل هذا ولا فرق وسبق أن صاحب النظم سوى بين التسليم والتشميت وقيل يشمت عجوزا أو شابة برزة وإن قلنا يشمتها فإنها تشمته وعلى ما في الرعاية لا فصل في تشميت العاطس كلما عطس إلى ثلاث
فإن عطس رابعة لم يشمته ذكره السامري وقدمه في الرعاية وهو الذي ذكره الشيخ عبد القادر ومذهب مالك وغيره وقال الشيخ تقي الدين وهو المنصوص عن أحمد وذكر رواية صالح ومهنا وقيل أو ثالثة وهو الذي ذكره ابن تميم وذكر الشيخ تقي الدين أنه الذي اتفق عليه كلام القاضي وابن عقيل وقيل أو مرتين ويقال له عافاك الله لأنه ريح قال صالح بن أحمد لأبيه تشميت العاطس في مجلسه ثلاثة قال أكثر ما فيه ثلاث وهذا مع كلام الأصحاب يدل على أن الاعتبار بفعل التشميت لا بعدد العطسات فلو عطس أكثر من ثلاث متواليات شمته بعدها إذا لم يتقدم تشميت قولا واحدا والأدلة توافق هذا وهو واضح قال مهنا لأحمد أي شيء مذهبك في العاطس يشمت إلى ثلاث مرار فقال أذهب إلى قول عمرو بن العاص قلت من ذكره قال هشيم أخبرنا المغيرة عن الشعبي عن عمرو بن العاص قال العاطس بمنزلة الخاطب يشمت إلى ثلاث مرارا فما زاد فهو داء في الرأس وقال أبو الحارث عنه يشمت إلى ثلاث
وقد روى ابن ماجه وإسناده ثقات عن سلمة بن الأكوع مرفوعا يشمت
____________________
(2/326)
العاطس ثلاثة فما زاد فهو مزكوم (1) ولأبي داود عن أبي هريرة موقوفا ومرفوعا مثله + أخرجه أبو داود وسنده حسن +
ولمسلم وأبي داود عن سلمة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطس عنده رجل فقال له يرحمك الله ثم عطس أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل مزكوم + أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي + وعند الترمذي قال له في الثالثة أنت مزكوم قال وهو أصح من الأول
وروى أبو داود حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أمة حميدة أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة الزرقي عن أبيها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يشمت العاطس ثلاثا فإن شئت فشمته وإن شئت فكف + أخرجه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث غريب وإسناده مجهول + مرسل وعبيدة تفرد عنها ابنها قال بعضهم ورواه الترمذي وقال حديث غريب وإسناده مجهول قال في الرعاية الكبرى ويقال للصبي قبل الثلاث مرات بورك فيك وكذا قال الشيخ عبد القادر وزاد وجبرك الله
وروى عبد الله بن أحمد عن الحسن أنه سئل عن الصبي الصغير يعطس قال يقال له بورك فيك وقال صاحب النظم إن عطس صبي يعني علم الحمد لله ثم قيل له يرحمك الله أو بورك فيك ونحوه ويعلم الرد وإن كان طفلا حمد الله وليه أو من حضره وقيل له نحو ذلك انتهى كلامه
أما كونه يعلم الحمد فواضح وأما تعليمه الرد فيتوجه فيه ما سبق في رد السلام لكن ظاهر ما سبق من كلام غيره أنه يدعى له وإن لم يحمد الله لكن قد
____________________
1- أخرجه ابن ماجه
(2/327)
يقال الدعاء له تشميت فيتوقف على قوله الحمد لله كالبالغ لكن الأول أظهر في كلامهم لأنهم لم يفرقوا بين المميز وغيره ولم يذكروا قول الحمد لله من غير العاطس لأن الخطاب لم يتوجه إلى غيره ومن لا عقل له ولا تمييز لا يخاطب ففعل الغير عنه فرع ثبوت الخطاب ولم يثبت فلا فعل
على أن العبادة البدنية المحضة المستقلة لا تفعل عن الحي باتفاقنا وقد يتوجه احتمال تخريج يقوله الولي فقط ويتوجه في التسمية لأكل وشرب كذاك في غير مميز وظاهر ما ذكروه أنه لا حكم لعطاس المجنون كما لا حكم لكلامه مطلقا لكن يشرع الدعاء له في الجملة وهو يقتضي أن القياس في الطفل كذلك خولف للأثر ويتوجه في المجنون احتمال كالطفل ولأن من لا عقل له ولا تمييز كان موجودا على عهده عليه السلام وعهد الصحابة رضي الله عنهم فلو شرعت عنه التسمية لذلك لشاع ولنقله الخلف عن السلف لعموم البلوى به والحاجة فلما لم ينقل ذلك دل على سقوطه وعدم اعتباره بل قد يؤخذ من المنقول من تحنيك الأطفال عدم التسمية لأن الراوي لم يذكرها والأصل عدمها والله أعلم فصل
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص واللوص والعلوص وهذه أوجاع اختلف في تعيينها ذكره ابن الأثير وغيره وكان غير واحد من أصحابنا المتأخرين رحمهم الله يذكر هذا الخبر ويعلمه الناس ولعل الخبر في تشميت من حمد الله دون من لم يحمده يدل على أنه لا يستحب وإلا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وندب إليه
وقد ذكر ابن الأخضر في من روى عن أحمد قال المروذي إن رجلا عطس عند أبي عبد الله فلم يحمد الله فانتظره أن يحمد الله فيشمته فلما أراد أن
____________________
(2/328)
يقوم قال له أبو عبد الله كيف تقول إذا عطست قال أقول الحمد لله فقال له أبو عبد الله يرحمك الله وهذا يؤيد ما سبق وهو متجه فصل فيما ينبغي للمجشي
ولا يجيب المجشي بشيء فإن قال الحمد لله قيل له هنيئا مريئا أو هناك الله وأمراك ذكره في الرعاية الكبرى وابن تميم وكذا ابن عقيل وقال لا نعرف فيه سنة بل هو عادة موضوعة وتأتي هذه المسألة في آداب الأكل قال الأطباء ينفع فيه السذاب أو الكراويا أو الأنيسون أو الكسفرة أو الصعتر أو النعناع أو الكندر مضغا وشربا
روى أبو هريرة أن رجلا تجشى عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال كف عنا جشاءك فإن أكثرهم شبعا أكثرهم جوعا يوم القيامة (1) رواه الترمذي وقال حسن غريب قال أحمد في رواية أبي طالب إذا تجشأ وهو في الصلاة فليرفع رأسه إلى السماء حتى تذهب الريح وإذا لم يرفع رأسه آذى من حوله من ريحه قال وهذا من الأدب وقال في رواية مهنا إذا تجشأ الرجل ينبغي أن يرفع وجهه إلى فوقه لكيلا يخرج من فيه رائحة يؤذي بها الناس فصل في التثاؤب وما ينبغي فيه
من تثاءب كظم ما استطاع للخبر وأمسك يده على فمه أو غطاه بكمه أو غيره إن غلب عليه التثاؤب لقوله صلى الله عليه وسلم التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده
____________________
1- حديث عبد الله بن عمر عند الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب وقال أبو حاتم هذا حديث منكر
(2/329)
ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك الشيطان (1) وفيه إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فلا يقل هاه هاه فإن ذلكم من الشيطان يضحك منه + أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي + روى ذلك أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم والبخاري وعنده إذا تثاءب أحدكم في الصلاة وروى أيضا وحسنه العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان رواهما النسائي في اليوم والليلة
قال في النهاية إنما أحب العطاس لأنه إنما يكون مع خفة البدن وانفتاح المسام وتيسير الحركات والتثاؤب بخلافه وسبب هذه الأوصاف الإقلال من الطعام والشراب
وروى مسلم من حديث أبي سعيد إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل + أخرجه مسلم وأبو داود وابن حبان +
وله معناه من حديث أبي هريرة ولا يقول في الصلاة هاه هاه ولا يزيل يده عن فمه حتى يفرغ تثاؤبه ويكره إظهاره بين الناس مع القدرة على كفه وإن احتاجه تأخر عن الناس وفعله وعنه يكره التثاؤب مطلقا
____________________
1- أخرجه مسلم وأحمد والترمذي
(2/330)
فصل في التداوي والطب والعلاج
____________________
(2/331)
صفحة فارغة
____________________
(2/332)
فصل في حكم التداوي مع التوكل على الله
يباح التداوي وتركه أفضل نص عليه قال في رواية المروذي العلاج رخصة وتركه درجة أعلى منه وسأله إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في الرجل يمرض يترك الأدوية أو يشربها قال إذا توكل فتركها أحب إلي
وذكر أبو طالب في كتاب التوكل عن أحمد رضي الله عنه أنه قال أحب لمن عقد التوكل وسلك هذا الطريق ترك التداوي من شرب الدواء وغيره وقد كانت تكون به علل فلا يخبر الطبيب بها إذا سأله وقدمه ابن تميم وابن حمدان وهو قول ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون متفق عليه (1)
وذكر بعضهم أن فيه هم الذين لا يرقون ولا يسترقون وذكره بعضهم من رواية مسلم وهو الصواب
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل + أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان + رواه أحمد وغيره وإسناده ثقات وصححه الترمذي
وروى سعيد حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الغفار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يتوكل من أرقى واسترقى + أخرجه الامام أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح + إسناده جيد
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/333)
وقال سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع عبيد بن عمير يقول سبقكم الأولون بالتوكل كانوا لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون فهم الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون عبيد أدرك عمر وأبيا
وقيل بل فعله أفضل وبه قال بعض الشافعية وذكر في شرح مسلم أنه مذهب الشافعية وجمهور السلف وعامة الخلف وقطع به ابن الجوزي في المنهاج واختاره الوزير ابن هبيرة في الإفصاح قال ومذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب قال ومذهب مالك أنه يستوي فعله وتركه فإنه قال لا بأس بالتداوي ولا بأس بتركه
وذكر ابن هبيرة أن علم الحساب والطب والفلاحة فرض على الكفاية وقال في قوله لا يكتوون ولا يسترقون قال كانوا في الجاهلية يسترقي الرجل بالكلمات الخبيثة فيوهمه الراقي في ذلك وفي الكي أنهما يمنعانه من المرض أبدا فذلك الذي منع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والحجامة سنة وهو أقوى دليل على فعل التداوي واحتج أيضا بأنه لا يباح للرجل أن لا يداوي مغابنه وإبطيه ليقطع ضرر بخارهما عن الناس وعنه في نفسه كذا قال ولا أحسب هذا محل وفاق ولو كان فهو لا يرى وجوب التداوي قال وكذلك لو ترك تارك جرحه يسيل دمه فلم يعصبه حتى سال منه الدم فمات كان عاصيا لله تعالى قاتلا لنفسه ولا حجة له في هذا وقال في حديث عمران وهو نحو حديث ابن عباس المتقدم رواه مسلم يعني صلى الله عليه وسلم أنه لا يبلغ بهم الذهاب في التداوي إلى أن يكتووا وهو آخر الأدوية ويعني بقوله ولا يسترقون رقى الجاهلية فأما الاستشفاء بآيات القرآن فليس من هذا
وقال في حديث أبي هريرة إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها (1) قال فمن تداوى بنية أن يتبع في التداوي السنة ويدبر بدنه المودع عنده لله
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وانظر صحيح ابن حبان
(2/334)
بأصوب التدبير فهذا إيمان وتوفيق وإن خطر بقلبه أو وسوس له الشيطان إذا لم يتداو ربما يهلك ويوهمه الشيطان أنه يموت بغير أجله فيتداوى بهذا العزم فيكون كافرا كذا قال الشيخ تقي الدين ليس بواجب عند جماهير الأئمة إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد انتهى كلامه
وذكر الغزالي في كتابه فاتحة العلوم أن علم الطب فرض كفاية وأنه لا يجوز ترك المداواة وقد قال حرملة سمعت الشافعي يقول شيئان أغفلهما الناس العربية والطب
وقال الربيع سمعت الشافعي يقول العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان وذلك لأنه يجب عليه أو يستحب له أن يدافع عن نفسه إذا أريدت وأجيب بأن هناك يتحقق إحياء نفسه بذلك بخلاف هذا
وقال بعض أصحابنا هو واجب زاد في الرعاية إن ظن نفعه
قال القاضي روى أبو محمد الحسين بن محمد الخلال في كتاب الطب بإسناده عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه فكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فنعالجه
ورواه أحمد في المسند أن عروة كان يقول لعائشة يا أمتاه لا أعجب من فقهك أقول زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس أقول ابنة أبي بكر وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو ومن أين هو قال فضربت على منكبيه وقالت أي عرية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فكانت تنعت له الأنعات وكنت أعالجها فمن ثم علمت (1) وقد روى مالك وسعيد والبيهقي بإسناده
____________________
1- أخرجه أحمد وهو ضعيف
(2/335)
حسن جيد عن ابن عمر أنه اكتوى من اللقوة واسترقى من الحية (1) واللقوة مرض يعرض للوجه فيميله إلى أحد جانبيه
وروى أبو داود حدثنا محمد بن عبادة بفتح العين الواسطي حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم عن أبي عمران الأنصاري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام + أخرجه أبو داود وسنده حسن + ورواه البيهقي من طريق أبي داود وهذا إسناد حسن وثعلبة شامي وابن عياش إذا روى عن الشاميين كان حجة عند الأكثرين
ولأحمد من حديث أنس إن الله حيث خلق الداء فتداووا + أخرجه أحمد وسنده حسن + قيل معنى أنزل الله الداء والدواء خلقهما لهذا الخبر وقيل إعلام الناس به وهذا ضعيف لقوله عليه السلام فيما رواه أحمد وغيره من حديث ابن مسعود ومن حديث أسامة بن شريك علمه من علمه وجهله من جهله + حديث صحيح وأخرجه من حديث ابن مسعود أحمد والنسائي + وقيل أنزلهما مع الملائكة الموكلين بمباشرة الخلق وقيل أنزل المطر ليولدهما عنه أو من الجبال ودخل غيرهما تبعا
وهذا من حكمة الله كما هو شائع أنه سبحانه إذا ابتلى أعان فابتلى بالداء وأعان بالدواء وابتلى بالذنب وأعان بالتوبة وابتلى بالأرواح الخبيثة الشياطين وأعان بالأرواح الطيبة الملائكة وابتلى بالمحرمات وأعان بإباحة نظيرها
وعن أسامة بن شريك قال قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى قال
____________________
1- أخرجه مالك
(2/336)
نعم عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم (1) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه
وعن عمرو بن دينار عن هلال بن يساف قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على مريض ليعوده فقال أرسلوا إلى الطبيب فقال قائل وأنت تقول ذلك يا رسول الله قال نعم إن الله لم ينزل داء إلا جعل له دواء مرسل رواه غير واحد من الأئمة
وعن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب فإنك نهيت عن الرقى فعرضوها عليه فقال ما أرى بها بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل + أخرجه مسلم وابن ماجه + وقال صلى الله عليه وسلم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك + أخرجه مسلم وأبو داود + رواهما مسلم وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها أعظم بركة من يدي متفق عليه + أخرجه البخاري ومسلم +
وفي المتفق عليه فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به وفي المتفق عليه كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها
____________________
1- أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه
(2/337)
وعن عائشة قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أسترقي من العين (1)
وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيتها رأى في وجهها سفعة يعني صفرة فقال إنها نظرة استرقوا لها متفق عليهما (1) قوله إنها نظرة أي عين وقيل عين من نظر الجن
وعن عمرة أن أبا بكر دخل على عائشة ويهودية ترقيني فقال ارقيها بكتاب الله رواه مالك + أخرجه مالك +
وروى غير واحد منهم الترمذي وصححه عن عثمان بن أبي العاص قال أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسح بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد قال ففعلت هذا فأذهب الله ما كان في فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم + أخرجه مالك وأبو داود وابن ماجه والترمذي وهو حديث صحيح +
ولمسلم ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل بسم الله ثلاث مرات وقل سبع مرات + أخرجه مالك + وذكره وفي آخره وأحاذر
وعن كعب بن مالك مرفوعا إذا وجد أحدكم ألما فليضع يده حيث يجد الألم ثم ليقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته على كل شيء من شر ما أجد رواه أحمد + أخرجه أحمد وسنده ضعيف +
وعن محمد بن سالم قال قال لي ثابت البناني يا محمد إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ثم قل بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترا فإن أنس بن مالك حدثه أن
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/338)
رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك رواه الترمذي وقال حسن غريب (1)
وروى أبو محمد الخلال في كتاب الطب بإسناده عن عروة وفي نسخة عمرو بن مسودة قال جلس المأمون للناس مجلسا عاما فكان فيمن حضره منجة وهنجة طبيبا الروم والهند إلى أن قال فأقبل المأمون على إسحاق بن راهويه فقال ما ترى فقال ذكر هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تشتكي فقال لها يا عائشة الحمية دواء والمعدة بيت الأدواء وعودوا بدنا ما اعتاد فأقبل المأمون على منجة وهنجة فقال ما تقولان فقالا هذا كلام جامع وهو أصل الطب
وبإسناده عن علي رضي الله عنه قال المعدة بيت الداء والحمية رأس الطب والعادة طبع ثان فعودوا بدنا ما اعتاد
قال شهاب الدين بن عطارد بن شهاب فحدثت به بعض علماء متطبيي هذا الزمان فقال ما ترك لنا ما نتكلم عليه أبلغ من هذا المعنى ولا أوجز
وروى أيضا عن الأصمعي قال جمع هارون الرشيد أربعة من الأطباء عراقي ورومي وهندي وسوادي فقال ليصف كل واحد منكم الدواء الذي لا داء فيه فقال الرومي هو حب الرشاد الأبيض وقال الهندي الماء الحار وقال العراقي الهليلج الأسود وكان السوادي أبصرهم فقال له تكلم فقال حب الرشاد يولد الرطوبة والماء الحار يرخي المعدة والهليلج الأسود يرق المعدة فقالوا له فأنت ما تقول قال أقول الدواء الذي لا داء فيه أن تقعد على الطعام وأنت تشتهيه وتقوم عنه وأنت تشتهيه
____________________
1- أخرجه الترمذي
(2/339)
قال ابن الجوزي ونقل أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعلي بن الحسين ليس في كتابكم من علم الطب شيء فقال علي بن الحسين وهو ابن واقد قد جمع الله الطب في نصف آية من كتابنا فقال ما هي قال قوله تعالى ( ^ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) الأعراف فقال النصراني لا يؤثر عن نبيكم شيء من الطب فقال قد جمع رسولنا علم الطب في ألفاظ يسيرة قال وما هي قال المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وعودوا كل بدن ما اعتاد فقال النصراني ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا
قال ابن الجوزي هكذا نقلت هذه الحكاية إلا أن هذا الحديث المذكور فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت وقال غيره هذا من كلام الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب وكان فيهم كالطبيب أبقراط في قومه فصل
في الصحيحين عن عطاء أن ابن عباس قال له ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي فقال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك فقالت اصبر قالت فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها (1)
أما الصرع عن أخلاط رديئة فمتفق عليه وهو علة تمنع الأعضاء النفسية عن الأفعال والحركة والانتصاب منعا غير تام وله أسباب مختلفة ذكره الأطباء وذكروا علاجه
وأما الصرع من الأرواح الخبيثة فهو قولنا وقول أهل السنة وخالف فيه المعتزلة وأما الأطباء فاعترف به بعضهم وقيل أئمتهم وبأن علاجه بمقابلة الأرواح الخيرة الشريفة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتعارض أفعالها
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/340)
وتبطلها
قال أبقراط بعد أن ذكر علاج الصرع الأول قال وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج وأنكر هذا الصرع بعض الأطباء وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع المرض الإلهي وقالوا إنه من الأرواح وتأول جالينوس وغيره هذه التسمية بأنهم إنما يسمونها بالمرض الإلهي لكون هذه العلة تحدث في الرأس فتضر بالجزء الإلهي الذي مسكنه الدماغ وعلاج هذا الصرع إما من جهة المصروع بصدق توجهه وقت إفاقته إلى خالق هذه الأرواح القادر على كل شيء والتعوذ الصحيح بالقلب واللسان وإما من جهة من يعالجه بذلك
ومعلوم أن الأرواح تختلف في ذاتها وصفاتها وبحسب ذلك قد يخرج بأيسر شيء أو بوعظ أو بتخويف وقد لا يخرج إلا بالضرب على اختلافه أيضا فيفيق المصروع ولا ألم به
وكان الشيخ تقي الدين يعالج هذا الصرع بذلك كله وتارة بقراءة آية الكرسي ويأمر المصروع بكثرة قراءتها وكذا من يعالجه بها وبقراءة المعوذتين وفي الغالب أن الأرواح الخبيثة لا تتسلط إلا على غافل غير متيقظ ولا معامل لربه تبارك وتعالى وصرع المرأة في الحديث والله أعلم من الصرع الأول واحتج به على أن ترك التداوي أفضل
____________________
(2/341)
وفيه أن التوجه إلى الله سبحانه يجلب من النفع ويدفع من الضر ما لا يفعله علاج الأطباء وأن تأثيره وتأثر الطبيعة عنه أعظم من الأدوية البدنية وتأثر الطبيعة عنها وعقلاء الأطباء معترفون بأن فعل القوى النفسية وانفعالاتها في شفاء الأمراض عجائب
وأما الصرع بملاهي الدنيا وشهواتها على اختلاف أنواعها وعدم التفكر والاعتبار وغلبة الغفلة والهوى حتى إن بعض القلوب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أو في الصحيحين لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما آثر من هواه (1) نعوذ بالله من ذلك فهذا الصرع مما عم أمره وغلب على الناس إلا من عصم الله والناس فيه متفاوتون جدا على ما هو معروف ويأتي آخر فصول الطب دواء العشق وما يتعلق به فصل
قد تقدم في الفصل قبل الفصل قبله ذكر الحمية وقد قال أحمد في رواية حنبل لا بأس بالحمية وكان هذا منه والله أعلم لأنها من التداوي والأولى عنده تركه فعلى هذا حكم مسألة الحمية حكم مسألة التداوي على ما سبق
ويتوجه أن تجب إذا ظن الضرر بما يتناوله والإمام أحمد وغيره لا يخالف هذا وأما إن احتمل الضرر أو ظن عدمه فهذا مراد الإمام ويتوجه استحبابها إذا احتياطا وتحرزا وإن لم يستحب التداوي ولهذا يحرم تناول ما يظن ضرره ولا يجب التداوي إذا ظن نفعه قال تعالى ( ^ وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا ) النساء 43
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن أم المنذر بنت قيس
____________________
1- أخرجه مسلم وأحمد
(2/342)
الأنصارية قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وعلي ناقه من مرض ولنا دوالي معلقة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها وقام علي يأكل منها فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي إنك ناقه حتى كف قالت وصنعت شعيرا وسلقا فجئت به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من هذا أصب فإنه أنفع لك وفي لفظ بعضهم فإنه أوفق لك (1) قال الترمذي حسن غريب وهو كما قال حديث حسن
والدوالي أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل والناقه طبيعته مشغولة بدفع آثار العلة فالفاكهة تضره لسرعة استحالتها وضعف طبيعته عن دفعها لا سيما وفي الرطب ثقل
وأما السلق والشعير فنافع له ويوافق لمن في معدته ضعف وفي ماء الشعير تبريد وتغذية وتلطيف وتليين وتقوية الطبيعة لا سيما مع أصول السلق ويأتي الكلام فيها في المفردات
وعن صهيب رضي الله عنه قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال ادن فكل فأخذت تمرا فأكلت فقال أتأكل تمرا وبك رمد فقلت يا رسول الله أمضغ من الناحية الأخرى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره + أخرجه ابن ماجه وهو في سنن البيهقي +
وفي الأثر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل إنه محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله إذا أحب عبدا حماه الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه عن الطعام والشراب + حديث صحيح أخرجه أحمد والترمذي + كذا قيل
____________________
1- أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي
(2/343)
ورواه الترمذي من حديث محمود بن لبيد عن قتادة بن النعمان وإسناده حسن وقال حسن غريب ولفظه كما يظل أحدكم يحمي نفسه الماء ورواه أيضا عن محمود عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال زيد بن أسلم إن عمر رضي الله عنه حمى مريضا له حتى إنه من شدة ما حماه كان يمص النوى فالحمية من أعظم الأدوية وهي عما يجلب المرض حمية الأصحاء وعما يزيده حمية المرضى فإن المريض إذا احتمى وقف مرضه فلم يتزايد وأخذت القوى في دفعه
وقال الحارث بن كلدة رأس الطب الحمية والحمية عندهم للصحيح في المضرة كالتخليط للمريض والناقه وأنفع الحمية للناقه فإن طبيعته لم ترجع إلى قوتها فقوته الهاضمة ضعيفة والطبيعة قابلة والأعضاء مستعدة فتخليطه يوجب انتكاسة أصعب من ابتداء مرضه ولا يضر تناول يسير لا تعجز الطبيعة عن هضمه ويدل عليه حديث صهيب المذكور وقد ينتفع به لشدة الشهوة فتتلقاه الطبيعة والمعدة بالقبول فيصلحان ما يخاف منه ولعله أنفع مما تكرهه الطبيعة
وقد روى ابن ماجه بإسناد جيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا فقال له ما تشتهي فقال أشتهي خبز بر وفي لفظ أشتهي كعكا فقال النبي صلى الله عليه وسلم من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه ثم قال إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه (1)
ولا ينبغي إكراه المريض على طعام ولا شراب قال بعض الأطباء لأن كراهته إما لاشتغال طبيعته بمجاهدة المرض أو لسقوط شهوته أو نقصانها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها فلا يجوز إعطاء الغذاء في هذه الحال والجوع طلب الأعضاء للغذاء لتخلف الطبيعة به عليها عوض ما تحلل منها فتجذب الأعضاء البعيدة من القريبة حتى ينتهي الجذب إلى المعدة فيحس
____________________
1- أخرجه أحمد وحسن إسناده
(2/344)
الإنسان بالجوع فيطلب الغذاء فإذا وجده المريض اشتغلت الطبيعة بمادته وإنضاجها أو أخراجها عن طلب الغذاء والشراب فإذا أكره المريض على ذلك تعطلت به الطبيعة عن فعلها واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه فيكون ذلك سببا لضرر المريض لا سيما في أوقات البخارين أو ضعف الحار الغريزي أو خموده ولا ينبغي أن يستعمل في هذا الحال إلا ما يحفظ عليه قوته ويقويها بما لطف قوامه واعتدل مزاجه من شراب وغذاء وهذا من غير اشتغال مزعج للطبيعة فإن الطبيب خادم للطبيعة ومعينها لا معيقها
والدم الجيد هو المغذي للبدن والبلغم دم فج قد نضجبعض النضج فإذا عدم الغذاء مريض فيه بلغم كثير عطفت الطبيعة عليه وطبخته وأنضجته وصيرته دما وغذت به الأعضاء واكتفت به والطبيعة هي القوة التي وكلها الله بتدبير البدن مدة حياته
وقد روى الترمذي وابن ماجه من رواية بكر بن يونس بن بكير وهو ضعيف عند علماء الحديث عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكرهوا مرضاكم على الطعام أو الشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم (1) قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال أبو حاتم الرازي هذا الحديث باطل وقال بعضهم قد يحتاج إلى إجبار المريض على طعام وشراب في أمراض معها اختلاط العقل فيكون الحديث مخصوصا أو مقيدا
ومعنى الحديث أن المريض يعيش بلا غذاء أياما لا يعيش الصحيح في مثلها قال بعض أصحابنا وغيرهم بنحوه
وفي قوله فإن الله يطعمهم ويسقيهم معنى لطيف يعرفه من له عناية بأحكام القلوب والأرواح وتأثيرها في طبيعة البدن وانفعال الطبيعة عنها كما تنفعل هي كثيرا عن الطبيعة فالنفس إذا اشتغلت بمحبوب أو مكروه اشتغلت به
____________________
1- أخرجه الترمذي وابن ماجه
(2/345)
عن الطعام والشراب بل وعن غيرهما فإن كان مفرحا قوي التفريح قام لها مقام الغذاء فشبعت به وانتعشت قواها وتضاعفت وجرت الدموية في الجسد حتى تظهر في سطحه فإن الفرح يوجب انبساط دم القلب فينبعث في العروق فتمتلئ به والطبيعة إذا ظفرت بما تحب آثرته على ما هو دونه وإن كان مخوفا ونحوه اشتغلت بمحاربته أو مقاومته ومدافعته عن طلب الغذاء فإن ظفرت في هذه الحرب انتعشت قواها واخلفت عليها نظير ما فاتها من قوة الطعام والشراب وإلا انحط من قواها بحسب ما حصل لها من ذلك وإن كان الحرب بينها وبين هذا العدو سجالا فالقوة تظهر تارة وتخفى تارة أخرى فالمريض له مدد من الله يغذيه به زائد على ما ذكره الأطباء من تغذيته بالدم وهذا المدد يختلف بحسب قرب الشخص من ربه ويشهد لذلك ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل الصوم ويقول لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني (1) وقد سبق قول الإمام أحمد رضي الله عنه الخوف منعني الطعام والشراب فما اشتهيته وكان الشيخ تقي الدين رحمه الله قليل تناول الطعام والشراب وينشد كثيرا
( لها أحاديث من ذكراك تشغلها % عن الشراب وتلهيها عن الزاد )
وأما ما سبق من الكلام وعودوا كل بدن ما اعتاد فهو من أنفع شيء في العلاج وأعظمه فإن ملاءمة الأدوية والأغذية للأبدان بحسب استعدادها وقبولها وسيأتي إن شاء الله من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشهد لذلك وهذا معلوم بالمشاهدة فمن لم يراع ذلك من الأطباء واعتمد على ما يجده في كتبهم فذلك لجهله ويضر المريض وهو يظن أنه ينفعه فالمادة كالطبيعة للإنسان وفي كلام الأطباء وغيرهم العادة طبع ثان وهي قوة عظيمة في البدن حتى إنه إذا قيس أمر واحد إلى أبدان مختلفة العادات متفقة في الوجوه
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(2/346)
الآخر كان مختلفا بالنسبة إليها مثاله ثلاثة شباب أمزجتهم حارة أحدهم تعود الحار والآخر البارد والآخر المتوسط فالعسل لا يضر بالأول ويضر بالثاني ويضر بالثالث قليلا
وقد قال الحارث بن كلدة الأزم دواء الأزم الإمساك عن الأكل ومراده الجوع وهو من أجود الأدوية في شفاء الأمراض الامتلائية كلها وهو أفضل في علاجها من المستفرغات إذا لم يخف من كثرة الامتلاء وهيجان الأخلاط وحدتها وغليانها
وقد روى أبو نعيم في الطب النبوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صوموا تصحوا (1)
وقد ذكر بعض الأطباء وغيرهم صفة المعدة أنها عضو عصبي مجوف كالقرعة في شكله مركب في ثلاث طبقات مؤلفة من شظايا دقيقة عصبية تسمى الليف يحيط بها لحم وليف إحدى الطبقات بالطول والأخرى بالعرض والثالثة بالورب وفم المعدة أكثر عصبا وقعرها أكثر لحما وفي باطنها خمل وهي محصورة في وسط البطن وأميل إلى الجانب الأيمن قليلا وهي بيت الداء وكانت محلا للهضم الأول وفيها ينطبخ الغذاء ثم ينحدر منها إلى الكبد والأمعاء ويتخلف فيها منه فضلة عجزت القوة الهاضمة عن تمام هضمة لمعنى من المعاني والإشارة بذلك والله أعلم إلى تقليل الغذاء والتحرز عن الفضلة كما ورد في الأخبار
____________________
1- أخرجه الطبراني والعقيلي
(2/347)
وقد ذكر الأطباء أنه يخاف من الإكثار من الغذاء النافع وأنه يتناول منه بحسب الحاجة قال بعضهم يكف عنه وهو يميل إليه فلا يميل بالكلية ويروى من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أصل كل داء البردة (1) البردة بالتحريك التخمة وثقل الطعام على المعدة سميت بذلك لأنها تبرد المعدة فلا تستمرىء الطعام قال أهل اللغة المعدة للإنسان بمنزلة الكرش لكل مجتر ويقال معدة معدة
وليجتهد في العلاج بألطف الغذاء المعتاد لذلك المريض ولهذا في الصحيحين عن عروة عن عائشة أنها كانت إذا مات الميت من أهلها اجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلى أهلهن أمرت ببرمة تلبينة فطبخت وصنعت ثريدا ثم صبت التلبينة عليه ثم قالت كلوا منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن + أخرجه البخاري ومسلم + ة لابن ماجه عن عائشة مرفوعا عليكم بالبغيض النافع + أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي + يعني الحساء قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البرمة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه
____________________
1- أخرجه ابن حبان ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في العلل وابن عدي
(2/348)
يعني يبرأ أو يموت وللبخاري أوله من قولها وعنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قيل له إن فلانا وجع لا يطعم الطعام قال عليكم بالتلبينة فحسوه إياها ويقول فوالذي نفسي بيده إنها تغسل بطن أحدكم كما يغسل أحدكم وجهه بالماء من الوسخ
وروى الترمذي وقال حسن صحيح عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه وكان يقول إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها رواه ابن ماجه (1) وفيه أمرهم بالحساء من الشعير يقال رتاه يرتوه أي يشده ويقويه وهو المراد هنا ويراد أيضا أرخاه وأوهاه وهو من الأضداد ويقال سروت الثوب عني سروا إذا ألقيته عنك وسريت لغة مجمة بفتح الميم والجيم ويقال بضم الميم وكسر الجيم معناه مريحة له من الإجمام وهي الراحة والتلبينة والتلبين بفتح التاء حساء رقيق من دقيق ونخالة وربما جعل فيها عسل سميت بذلك تشبيها باللبن لبياضها ورقتها وسبق في أول الفصل فضل ماء الشعير وكانوا يتخذنوها منه وهي أنفع من ماء الشعير لطبخها مطحونا فتخرج خاصية الشعير بالطحن وماء الشعير يطبخ صحاحا فعل ذلك أطباء المدن ليكون ألطف لرقته فلا يثقل على طبيعة المريض وشرب ذلك حارا أبلغ في فعله
وقوله وتذهب ببعض الحزن قد يكون لخاصية فيها وقد يكون لزوال ما حصل بالحزن من اليبس وبرد المزاج باستعمال ذلك فقويت القوى وقوي الحار الغريزي والله أعلم
____________________
1- أخرجه الترمذي وابن ماجه
(2/349)
فصل يتعلق بما قبله
تقدم ذكر الحمية من التمر للرمد ويروى عن علي أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه تمر يأكله وعلي أرمد فقال يا علي تشتهيه ورمى إليه بتمرة ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعا ثم قال حسبك يا علي وذكر أبو نعيم في الطب النبوي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها
الرمد ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين وهي بياضها الظاهر وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة أو ريح حارة تكثر كميتها في الرأس والبدن فينبعث منها قسط إلى جوهر العين أو بضربة تصيب العين فترسل الطبيعة إليها من الدم والروح مقدارا كثيرا تروم بذلك شفاءها مما عرض لها ولأجل ذلك يورم العضو المضروب والقياس يوجب ضده
واعلم أنه كما يرتفع من الأرض إلى الجو بخاران أحدهما حار يابس والأخر حار رطب فينعقدان سحابا متراكما ويمنعان أبصارنا من إدراك السماء فكذلك يرتفع من قعر المعدة إلى منتهاها مثل ذلك فيمنعان الفكر ويتولد عنهما علل شتى فإن قويت الطبيعة على ذلك ودفعته إلى الخواشيم أحدث الزكام وإن دفعته إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخناق وإن دفعته إلى الجنب أحدث الشوصة وإن دفعته إلى الصدر أحدث النزلة وإن انحدر إلى القلب أحدث الخبطة وإن دفعته إلى العين أحدث رمدا وإن انحدر إلى الجوف أحدث السيلان وإن دفعته إلى منازل الدماغ أحدث النسيان وإن ترطبت أوعية الدماغ منه وامتلأت به عروقه أحدث النوم الشديد ولذلك كان النوم رطبا والسهر يابسا وإن طلب البخار النفوذ من الرأس فلم يقدر عليه أعقبه الصداع والسهر وإن مال البخار إلى أحد شقي الرأس أعقبه الشقيقة وإن
____________________
(2/350)
ملك قمة الرأس ووسط الهامة أعقبه داء البيضة وإن برد منه حجاب الدماغ أو سخن أو ترطب وهاجت منه أرياح أحدث العطاس وإن أهاج الرطوبة البلغمية فيه حتى غلب الحار الغريزي أحدث الإغماء والسكات وإن أهاج المرة السوداء حتى أظلم هواء الدماغ أحدث الوسواس وإن أفاض ذلك إلى مجاري العصب أحدث الصرع الطبيعي وإن ترطبت مجامع عصب الرأس وفاض ذلك في مجاريه أعقبه الفالج وإن كان البخار من مرة صفراء ملتهبة محمية الدماغ أحدث البرسام فإن شركه الصدر في ذلك صار سرساما
واعلم أن الأخلاط هائجة وقت الرمد والجماع يزيدها فإنه حركة كلية للبدن والروح والطبيعة فالبدن يسخن بالحركة والنفس تشتد حركتها طلبا للذة وكمالها والروح تتحرك تبعا لحركة النفس والبدن فإن أول تعلق الروح من البدن بالقلب ومنه تنشأ الروح وتنبث في الأعضاء وأما حركة الطبيعة فلأنها ترسل ما يجب إرساله من المني وكل حركة فهي مثيرة للأخلاط مرققة لها توجب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضعيفة والعين أضعف ما تكون حال رمدها فعلاج الرمد بالحمية مما يهيج الرمد وترك الحركة وأضرها حركة الجماع وترك مس العين بالراحة
قال بعض السلف مثل أصحاب محمد مثل العين ودواء العين ترك مسها وفي خبر مرفوع علاج الرمد تقطير الماء البارد في العين
وهو للرمد الحار من أعظم الدواء ويأتي خبر ابن مسعود وذلك أن الرمد ورم الملتحم أو تكدره وقد يكفي في نوع التكدر تقطير لبن النساء وبياض البيض قال الأطباء ويدبر في كل أنواع الرمد بالتدبير اللطيف فيغذي المزودات ويسقي شراب اللوفر مع السكنجبين ويمنع من الحوامض الصرفة
____________________
(2/351)
والقابضة والمالحة وعن كل ما يرطب ومن الطعام الرديء الكيموس وإن تاقت نفسه إلى الفاكهة فمن السفرجل والكمثرى ويمنع من أكل الحلوى ويجعل في بيت ليس قوي الضوء ويكون عنده ورق الخلاف والآس الرطب فإن رائحته تقوي الدماغ ويأتي ما يسكن الوجع في علاج لدغة العقرب
قالوا والتمر حار قال ابن جزلة رطب غليظ كثير الإغذاء يورث إدمانه غلظا في الأحشاء ويورث السدد ويفسد الأسنان ويزيد في الدم والمني لا سيما مع حب الصنوبر ويصدع ويصلحه اللوز والخشخاش وبعده سكنجبين ساذج وهو مقو للكبد ملين للطبع ويبرىء من خشونة الحلق وآكله على الريق يضعف الدود ويقتله وقال بعضهم ما فيه من الأذى لمن لم يعتده ويأتي أيضا في فصل في الصحيحين عن سعد
وفي الرمد منافع كالحمية والاستفراغ وزوال الفضلة والعفونة والكف عما يؤذي النفس والبدن كحركة عنيفة وغضب وهم وحزن قال بعض السلف لا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عرق العمى فصل في الحرارة والرطوبة واعتدال المزاج باعتدالهما
اعلم أن قوام البدن بما فيه من الحرارة والرطوبة وقوام كل منهما بالأخرى فالحرارة تحفظ الرطوبة وتمنعها من الفساد والاستحالة وتدفع فضلاتها وتلطفها وإلا أفسدت البدن والرطوبة تغذو الحرارة وإلا أحرقت البدن وأيبسته وينحرف مزاج البدن بحسب زيادة أحدهما
ولما كانت الحرارة تحلل الرطوبة احتاج البدن إلى ما يخلف عليه ما حللته الحرارة ضرورة بقائه وهو الطعام والشراب فمتى زاد على مقدار التحلل ضعفت الحرارة عن تحليل فضلاته فاستحالت مواد رديئة فتنوعت الأمراض لتنوع موادها وقبول الأعضاء واستعدادها فلهذا قال تعالى ( ^ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) الأعراف 31
فأمر سبحانه بإدخال ما يقيم البدن من الطعام والشراب عوض ما تحلل منه
____________________
(2/352)
بقدر ما ينتفع به البدن فمتى جاوزه أسرف فكل واحد من عدم الغذاء والإسراف فيه مانع من الصحة جالب للمرض فلهذا قال من قال الطب حفظ الصحة في بعض آية فالبدن في التحلل والاستخلاف دائما فكلما كثر التحلل ضعفت الحرارة لفناء الرطوبة وهي مادة الحرارة وإذا ضعفت الحرارة ضعف الهضم ولا يزال كذلك حتى تفنى الرطوبة وتنطفئ الحرارة جملة فيموت فغاية الطبيب أن يحمي الرطوبة عما يفسدها من العفونة وغيرها والحرارة عما يضعفها ويعدل بينها بالعدل في التدبير الذي قام به البدن فالمخلوقات قوامها بالعدل
واعلم أن في الصحة والعافية عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس في غيرهما كحديث ابن عباس نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ رواه البخاري (1)
وحديث سلمة بن عبيد الله بن محصن الأنصاري عن أبيه من أصبح معافى في جسمه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا + أخرجه ابن ماجه والترمذي + سلمة فيه جهالة رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب
وحديث أبي هريرة أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له ألم نصح جسمك ونروك من الماء البارد إسناد جيد رواه الترمذي وقال غريب + أخرجه الترمذي +
وأمر عليه السلام عائشة إن علمت ليلة القدر أن تقول اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني صححه الترمذي وغيره + أخرجه ابن ماجه والترمذي والنسائي وأحمد وقال الترمذي حسن صحيح +
وعن أنس مرفوعا لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة قالوا فماذا نقول
____________________
1- أخرجه البخاري
(2/353)
قال سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة حسنة الترمذي (1)
ولأبي داود هذا المعنى من حديث عبد الله بن عمرو
وللترمذي عن ابن عمر مرفوعا ما سئل الله شيئا أحب إليه من العافية + أخرجه الترمذي ضعيف + ولابن ماجه هذا المعنى من حديث أبي هريرة + أخرجه ابن ماجه ورجال إسناد ثقات +
وعن أنس أن رجلا قال يا رسول الله أي الدعاء أفضل قال سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ثم سأله فأعاده ثم سأله فأعاده وزاد فإذا أعطيت العفو والعافية في الدنيا والآخرة فقد أفلحت مختصر رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه + أخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب +
وسأله العباس علمني شيئا أسأل الله عز وجل قال سل الله العافية قال فمكث أياما ثم سأله فقال يا عباس يا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم سل الله العافية في الدنيا والآخرة رواه الترمذي وقال حسن صحيح + أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وقال هذا حديث حسن +
ولأحمد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعا سلوا الله اليقين والمعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة + أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه والنسائي وهو حديث صحيح +
____________________
1- أخرجه الترمذي وأحمد وأخرجه أحمد وأبو داود والبغوي دون قوله سلوا الله العافية وإسناده صحيح
(2/354)
وللنسائي من حديث أبي هريرة سلوا الله العفو والعافية والمعافاة فما أوتي أحد بعد يقين خيرا من معافاة فالشر الماضي يزول بالعفو والحاضر بالعافية والمستقبل بالمعافاة لتضمنها دوام العافية فالعافية من أجل نعم الله على عبده فيتعين مراعاتها وحفظها واعلم أن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء أكمل الطرق وحاله أكمل الأحوال فصل في العلاج وحفظ الصحة بدفع كل شيء بضده
واعلم أن الأصل في العلاج وفي حفظ الصحة وقوة البدن دفع ضرر شيء بما يقابلة كالبارد بالحار والرطب باليابس لما في ذلك من التعديل ودفع ضرر كل كيفية أو أكثر بما يقابلها
ومن هذا ما في الصحيحين عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء (1) وعن عائشة قالت أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أقبل عليها بشيء مما تريد حتى أطعمتني القثاء بالرطب فسمنت عليه كأحسن السمن رواه أبو داود وابن ماجه + تفرد ابن ماجه وسنده صحيح +
والرطب حار رطب في الثانية يقوي المعدة الباردة ويوافقها ويزيد في الباءة ويغذو وهو معطش مكدر للدم مصدع مولد للسدد ووجع المثانة يضر بالأسنان سريع التعفن قال بعضهم هذا فيمن لم يعتده والقثاء بارد رطب في الثانية أو الثالثة يسكن الحرارة والصفراء والعطش يقوي المعدة فيدفع ضرره بتمر أو عسل أو نحوه وكيموسة رديء مستعد للعفونة ويهيج حميات صعبة لذهابه في العروق وهو منعش للقوى مدر للبول موافق للمثانة
وفي معنى هذا عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/355)
يقول يدفع حر هذا برد هذا رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن غريب (1) والمراد بالبطيخ في هذا البطيخ الأخضر وهو بارد رطب في الثانية نافع للأمراض الحارة والحميات المحرقة والأمزجة الملتهبة ويسكن العطش مع السكنجبين ويدر البول ويغسل المثانة وماؤه مع السكر أبلغ في التبريد وهو يسيء الهضم ويضر بالمشايخ والأمزجة الباردة ويفجج الأخلاط ويصلحه السكر والعسل ونحوه معه أو عقبة قال بعضهم يؤكل قبل الطعام ويتبع به وإلا غثى وقيا قال بعض الأطباء هو قبل الطعام يغسل البطن غسلا ويذهب بالداء أصلا
وفي البطيخ أحاديث لا تصح وأكثرها أو كلها موضوعة وقد ذكر القشيري أو أبو عبد الرحمن السلمي عن الإمام أحمد أنه كان لا يأكل البطيخ لأنه لا يعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكله ومثل هذا لا يصح عن أحمد ولا يعرفه أصحابه
وأما البطيخ الأصفر فبارد في أول الثانية رطب في آخرها قال ابن جزلة هذا قول الأكثر وقال بعضهم إنه حار وهو مبرد يدر ويقطع ويجلو وينفع من حصى الكلى والمثانة الصغار ويرخي الأحشاء وربما عرضت منه الهيضة ويثور المرة الصفراء وأي خلط صادفه في المعدة استحال إليه
وينبغي أن يؤكل بعده السكنجبين ونحوه كالرمان الحامض وأن يؤكل بين طعامين قال بعضهم أو يخلط بالطعام وإذا فسد صار كالسم فيترك ويتقى وليحذر البطيخ من كانت به حمى
وهو يصفي ظاهر البدن يقلع البهق والكلف والوسخ خصوصا إن دق بزره ونخل واستعمل غسولا وقشره يلزق على الجبهة فيمنع النوازل إلى العين ودرهمان من أصله يحرك القيء بلا عنف قال بعضهم وإذا كان البطيخ في
____________________
1- أخرجه أبو داود والترمذي وسنده حسن وصححه ابن حبان وله شاهد من حديث أنس عند ابن حبان بإسناد صحيح
(2/356)
بيت لا يختمر فيه العجين أصلا وبزر البطيخ حار رطب في الثانية يقوي المعدة ويزيد في المني ويكثر الجماع ويقوي عليه وقشر البطيخ إذا يبس كان صالحا لجلاء الآنية من الزهومة قال أبقراط قشره إذا جفف ورمي مع اللحم أنضجه بخاصته
ولأحمد وأبي داود والترمذي وقال حسن غريب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فتمرات فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء (1) ورواه وصححه الترمذي أيضا عن سلمان بن عامر مرفوعا إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور + أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وقال الترمذي حديث حسن +
ومعلوم أن الصوم يخلي المعدة من الغذاء فتضعف الكبد والقوى والحلو تجذبه القوى وتحبه فتقوى به سريعا فإن لم يكن فالماء يطفئ حرارة الصوم ولهب المعدة فتأخذ الغذاء بشهوة ذكر هذا المعنى بعض أصحابنا المتأخرين وهو يوافق قول من يقول إن غير التمر من الحلو كالتمر في ذلك ولا يقدم عليه الماء وهو قول بعض الشافعية ويتوجه بمثله احتمال نظرا إلى المعنى المذكور ويكون خطاب الشارع لأهل المدينة وعلى كل فالمنصوص عليه أولى من غيره
وعن عائشة مرفوعا كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان ويقول بقي ابن آدم حتى أكل الحديث بالعتيق رواه ابن ماجه والنسائي وقال هو وغيره هذا حديث منكر ورواه البزار بمعناه وفيه إن الشيطان يحزن بدل الغضب + أخرجه ابن ماجه والنسائي والحاكم حديث منكر + ومدار حديث عائشة هذا على أبي زكير يحيى
____________________
1- أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن غريب
(2/357)
ابن محمد بن قيس متكلم فيه وقد أنكر الأئمة عليه هذا الحديث وغيره وذكره ابن الجوزي في الموضوعات
والمراد كلوا من هذا فالباء بمعنى مع قال بعض أطباء الإسلام أمر بذلك لأن البلح بارد يابس والتمر حار ورطب ففي كل منهما إصلاح للآخر ولم يأمر بأكل البسر مع التمر لأن كلا منهما حار
قال أهل اللغة أول التمر طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر الواحدة بلحة وبسرة وقد أبلح النخل وأبسر أي صار ما عليه بلحا وبسرا قال الأطباء البلح بارد يابس في الثانية يغزر البول وشرابه يعقل الطبع خاصة مع شراب قابض ويمنع النزف والسيلان والبواسير ويدبغ الفم واللثة والمعدة والإكثار من آكله يوقع في النافض والقشعريرة وينفخ خاصة إذا شرب الماء على أثره وتدفع مضرته بالتمر أو العسل ويضر بالصدر والرئة ويصلحه البنفسج المربى بعده وهو بطيء في المعدة يسير التغذية قالوا والبسر حار في الأولى يابس في الثانية وقيل بارد يابس في الثانية والحلو منه يميل إلى الحرارة وفيه قبض
وكذلك طبيخه يحبس الطبع ويسكن اللهث مع حفظ الحرارة الغريزية والأخضر منه أشد حبسا للطبع ويدبغ المعدة وينفع اللثة والفم قاله بعضهم وقال بعضهم مضر بالفم والأسنان عسر الهضم ويولد ريحا وسددا ويصلحه السكنجبين الساذج ومن ذلك أنه عليه السلام كان يشرب نقيع التمر إذا أصبح ويومه ذلك وعشاء (1)
ودعاه أبو أسيد الساعدي في عرسه وامرأته وهي العروس خادمهم وكانت أنقعت لهم تمرات في تور فلما أكل سقته إياه وفي لفظ فلما فرغ من
____________________
1- أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث ابن عباس
(2/358)
الطعام أماثته فسقته تخصه بذلك (1) وفي الصحيحين إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء + أخرجه البخاري وأبو داود وابن حبان + وفي السنن من حديث أبي سعيد فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء + أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد وابن ماجه والبيهقي وسنده صحيح + املقوه اغمسوه ليخرج الشفاء كما خرج الداء يقال للرجلين هما يتماقلان إذا تغاطا في الماء
وفي الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعة وهي كالسلاح فإذا سقط فيما يؤذيه ألقاه بسلاحه وذكر غير واحد من الأطباء أن لسع الزنبور والعقرب إذا دلك موضعه بالذباب نفع منه نفعا بينا وسكنه لما فيه من الشفاء وإذا دلك به الورم الذي يخرج في شعر العين المسمى شعيرة بعد قطع رأس الذباب أبرأة
وكذلك قال الأطباء يكره الجمع في المعدة بين حارين أو باردين أو لزجين أو مستحيلين إلى خلط واحد أو منفخين أو قابضين أو مسهلين أو غليظين أو مرخيين أو بين مختلفين كقابض ومسهل وسريع الهضم وبطيئه وشواء وطبيخ وبين لحم وسمك وبين لحم طري وقديد وبين الحامض واللبن قالوا والجمع بين البيض والسمك يولد البواسير والقولنج والفالج واللقوة ووجع الضرس والجمع بين السمك واللبن يولد البرص والبهق والجذام والنقرس واللبن والنبيذ يولد البرص والنقرس والبصل النيء والسمك يولدان السواد في الوجه والجمع بين الفصد والحجامة وأكل الملوحة زاد بعضهم بعد الحمام يولد الجرب والبهق والنزول في الماء البارد عقيب أكل السمك ربما ولد الفالج وشرب الماء البارد عقيب الجماع
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/359)
ربما أورث الاسترخاء والحامض بعد الجماع رديء والنوم بعد أكل السمك عقيب غيظ أو جماع ربما ولد القوة وكذا لبن الحليب ودخول الحمام بعده والأكثار من البيض المسلوق يولد الطحال وكذلك الكبود قالوا ويكره الخل بعد الأرز والرمان بعد الهريس والماء الحار بعد الأغذية المالحة والماء البارد عقيب الفاكهة أو الحلو أو الطعام الحار ولا يشرب بعد الأكل إلى أن يخف أعالي البطن إلا بمقدار ما يسكن به العطش ولا يشرب الماء البارد دفعة واحدة عقيب حمام ولا فيه وجماع وشواء وحركة ثقيلة يتجرعه قليلا قليلا ولا يشرب بالليل إذا انتبه إذا كان العطش كاذبا ولا على الريق فإنه يقرع المعدة ويبرد الكبد
وكثرة أكل البصل قال ابن ماسويه أربعين يوما يورث الكلف والتخمة من أكل البيض تورث الطحال قال ابن ماسويه من تملأ من بيض مسلوق بارد فأصابه ربو فلا يلومن إلا نفسه قال هو وغيره من نظر في المرآة ليلا فأصابه لقوة أو داء فلا يلومن إلا نفسه
وينبغي الاقتصار على طعام واحد فإن الطبيعة تتحير من اختلاف الألوان وتعجز عن تمام هضمها ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك كما لا يصح عنه أكل الأطعمة المالحة والعفنة كالكامخ والمخلل ولا طعاما شديد الحرارة ولا طبيخا بائتا يسخن له بالغد لكن هذا والله أعلم ليس لضرره كما ذكره بعض أصحابنا بل لأنه كان لا يدخر شيئا ولم يكن ذلك من عادة طعام أهل بلده
وقد قال الأطباء إن القابض يصلح الدسم والحلو ويصلحانه والحامض يصلح المالح وإن الحلو معتدل الحرارة تجتذبه القوى وتحبه ويعطش والمالح حار يمنع التعفن والحريف قوي الحرارة يلطف والحامض يولد الرياح ويضر العصب
____________________
(2/360)
وروى الترمذي وابن ماجه عنه عليه السلام أنه كان يأمر بالعشاء ولو بكف من تمر ويقول ترك العشاء مهرمة (1) ورواه أيضا ابن ماجه من حديث جابر بإسناد ضعيف وروى أبو نعيم عنه عليه السلام أنه نهى عن النوم على الأكل وكذا قال الأطباء حفظ الصحة الحركة باعتدال لا السكون الدائم وكذا النوم الكثير وإن كان يسرع الهضم وكذا الحركة العنيفة بعد الطعام وإن أسرع الهضم فإنه جالب لصنوف الأمراض والامتلاء من الطعام يضر بالعين وكذا النوم على الامتلاء وذكر بعضهم أن يمشي نحو خمسين خطوة وقال بعضهم ويصلي أو نحو ذلك ليستقر الغذاء بقعر المعدة
قال بعض الحكماء من أراد الصحة فليجود الغذاء وليأكل على نقاء وليشرب على ظمإ وليقلل من شرب الماء ويتمدد بعد الغداء ويتمشى بعد العشاء ولا ينام حتى يعرض نفسه على الخلاء وليحذر الحمام عقب الامتلاء ومرة في الصيف خير من عشرة في الشتاء وأكل القديد اليابس بالليل معين على الفناء ومجامعة العجوز تهرم وتسقم وهذا بعضه من كلام الحارث طبيب العرب
وقال الحارث وهو ابن كلدة وقد قيل له مرنا بأمر ننتهي إليه من بعدك فقال لا تتزوجوا من النساء إلا شابة ولا تأكلوا الفاكهة إلا في أثر أوان نضجها ولا يتعالجن أحدكم ما احتمل بدنه الداء وعليكم بتنظيف المعدة في كل شهر فإنها مذيبة للبلغم مهلكة للمرة منبتة للحم وإذا تغدى أحدكم فلينم على أثر غدائه وإذا تعشى فليمش أربعين خطوة
____________________
1- أخرجه الترمذي وابن عدي وابن أبي حاتم من حديث أنس وقال هذا حديث منكر وقال ابن أبي حاتم قال أبو زرعة هذا حديث ضعيف وأخرجه ابن ماجه من حديث جابر
(2/361)
وقد ذكر بعض الأطباء نحو هذه الأمور وقال خمسين خطوة وقال عليك في كل أسبوع بقيئة تنقي جسمك ولا تخرج الدم إلا عند الحاجة إليه وعليك بدخول الحمام فإنه يخرج من الأطباق ما لا تصل الأدوية إلى إخراجه
وقال الشافعي رضي الله عنه أربعة تقوي البدن أكل اللحم وشم الطيب وكثرة الغسل من غير جماع ولبس الكتان وأربعة توهن البدن كثرة الجماع وكثرة الهم وكثرة شرب الماء على الريق وكثرة أكل الحامض وأربعة تقوي البصر الجلوس حيال الكعبة والكحل عند النوم والنظر إلى الخضرة وتنظيف المجلس وأربعة توهن البصر النظر إلى القذر وإلى المصلوب وإلى فرج المرأة والقعود مستدبر القبلة وأربعة تزيد في الجماع أكل العصافير والإطريفل والفستق والخروب وأربعة تزيد في العقل ترك الفضول من الكلام والسواك ومجالسة الصالحين ومجالسة العلماء كذا رأيته عنه والخروب فيه نظر فإن غذاءه رديء وهو قابض بارد يابس وقيل حار
وقيل لجالينوس مالك لا تمرض فقال لأني لا أجمع بين طعامين رديئين ولم أدخل طعاما على طعام ولم أحبس في المعدة طعاما تأذيت منه وقال أبقراط كل كثير فهو معاد للطبيعة ويدخل في هذا قول بعضهم الكلام الكثير يقلل مخ الدماغ ويضعفه ويعجل الشيب والنوم الكثير يصفر الوجه ويهيج العين ويكسل عن العمل ويولد الرطوبات في البدن ويعمي القلب
وقال طبيب المأمون عليك بخصال من حفظها فهو جدير أن لا يعتل إلا علة الموت لا تأكل طعاما وفي معدتك طعام وإياك أن تأكل طعاما تتعب أضراسك في مضغه فتعجز معدتك عن هضمه وإياك وكثرة الجماع فإنه يقتبس نور الحياة وإياك ومجامعة العجوز فإنه يورث موت الفجأة وإياك والفصد إلا
____________________
(2/362)
عند الحاجة وعليك بالقيء في الصيف
وقال أفلاطون خمس يذبن البدن وربما قتلن قصر ذات اليد وفراق الأحبة وتجرع المغائظ ورد النصح وضحك ذوي الجهل بالعقلاء وقال جالينوس لأصحابه اجتنبوا ثلاثا وعليكم بأربع ولا حاجة بكم إلى الطبيب اجتنبوا الغبار والدخان والنتن وعليكم بالدسم والطيب والحلوى والحمام ولا تأكلوا فوق شبعكم ولا تتحلوا بالباذروح والريحان ولا تأكلوا الجوز عند المساء ولا ينام من به زكمة على قفاه ولا يأكل من به غم حامضا ولا يسرع المشي من افتصد فإنه مخاطر الموت ولا يتقيأ من تؤلمه عينه ولا تأكلوا في الصيف لحما كثيرا ولا ينم صاحب الحمى الباردة في الشمس ولا تقربوا الباذنجان العتيق المبزر ومن شرب كل يوم في الشتاء قدحا من ماء حار أمن من الإعلال ومن دلك جسمه في الحمام بقشور الرمان أمن من الحكة والجرب ومن أكل خمس سوسنات مع قليل مصطكى رومي ومسك وعود خام بقي طول عمره لا تضعف معدته ولا تفسد
وقال بعضهم أربعة تضر بالفهم والذهن إدمان أكل الحامض والفواكه والنوم على القفا والهم والغم وأربعة أشياء تزيد في الفهم فراغ القلب وقلة التملؤ من الطعام والشراب وحسن تدبير الغذاء بالحلو والدسم وإخراج فضله مثقلة للبدن ويضر بالعقل إدمان أكل البصل والباقلاء والزيتون والباذنجان وكثرة الجماع والوحدة والأفكار والسكر والهم والغم وكثرة الضحك
وقال بعض أهل النظر قطعت في ثلاثة مجالس فلم أجد لذلك علة إلا أني أكثرت من الباذنجان في أحد تلك الأيام ومن الزيتون في الآخر ومن الباقلاء في الثالث ويضر بالعين الأغذية الغليظة والمبخرة كالسكر والشراب الغليظ الحلو والمصدعة والكسيرة والفجل والخس والعدس والنوم على
____________________
(2/363)
القفا والنظر إلى الضوء الكثير فإنه يشتت البصر وإلى الظلمة الكثيرة فإنها تطفئ القوة الباصرة والبكاء واستقبال ريح باردة والغبار والدخان والسهر والتعب والمالحة كالتمر والسمك لا سيما المالح منه وكذا القيء فإن احتاج إليه فبرفق وذكر بعضهم ويعصب عينيه ويأتي الكلام فيه في الاستفراغات بعد ذكر الحجامة
والدارصيني والسذاب والزنجبيل يحد البصر أكلا وكحلا والقرنفل يحد البصر والفلفل ينفع من ظلمة البصر والدمعة والعسل يقوي السمع ويجلو ظلمة البصر والاكتحال بماء الرازيانج على الدوام يحفظ صحة العين قال ابن جزلة وغيره هو يحد البصر وخصوصا مضغه والاكتحال بالحضض يحفظ صحة العين وقوتها وكذلك الهليلج إذا أخذ على المسن بماء الورد ودلك الأعضاء السفلى مع الرياضة فإن بذلك تنحط البخارات الصاعدة إلى الرأس والعين وقد ينفع في ذلك الغوص في الماء البارد والتحديق فيه فإن ذلك يجمع القوة الباصرة وتعاهد قراءة الكتب غير الدقيقة وحملها على استخراج الدقيقة في بعض الأحوال
قال جالينوس والخس يجلو البصر المظلم ويحدث في الصحيح ظلمة ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتناول المعتاد غالبا ببلده ولم يكن يتكلف مفقودا ولا يمتنع من موجود اشتهاه فحبس النفس وقسرها على مطعم أو مشرب خلاف عادته وذكر الأطباء أنه لا ينبغي أن يتعود شيئا ويلازمه ولا النوم في وقت خاص أو غير ذلك بل ينبغي أن يأخذ نفسه بخلاف ذلك ولو بالتدريج إن كان ألفه لأن ذلك يضره وقد يتعذر فيتضرر بتركه ويحمل نفسه على غيره لأن ما لا يشتهيه ضرره أكثر من نفعه ولهذا لم يأكل عليه السلام الضب المشوي وقيل له أحرام هو قال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه وأكله خالد بن الوليد والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر رواه البخاري
____________________
(2/364)
ومسلم (1) قلم لم يمنع من اشتهاه أكله وقال أبو هريرة ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه متفق عليه + أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وكان عليه السلام يحب اللحم وأحبه إليه الذراع وروى ابن ماجه والترمذي وصححه عن أبي هريرة قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه وعزاه بعضهم إلى الصحيحين + أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي + ومعناه لأحمد وأبي داود عن ابن مسعود + أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وسنده ضعيف +
وعن ضباعة بنت الزبير أنها ذبحت في بيتها شاة فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أطعمينا من شاتكم قالت للرسول ما بقي عندنا إلا الرقبة وإني لأستحي أن أرسل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع الرسول فأخبره فقال له ارجع إليها قل لها أرسلي بها فإنها هادية الشاة وإنها أقرب الشاة إلى الخير وأبعدها من الأذى رواه أحمد وأبو عبيد والنسائي + أخرجه أحمد والنسائي وأبو عبيد وفي سنده مقال + وفيه الفضل بن الفضل قال بعضهم تفرد عنه أسامة بن زيد الليثي وقال البخاري في تاريخه وروى هشام بن عروة عن الفضل بن الفضل عن ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال غير البخاري رواه موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن هشام
الهادية والهوادي العنق والرقبة لأنها تتقدم البدن ولأنها تهدي الجسد وإنما أحب ذلك لأنه أخف على المعدة وأسرع هضما وأكثر نفعا وهذا أفضل الغذاء وقد قال الأطباء مقادم الحيوان أخف وأسخن
وعن عبد الله بن جعفر مرفوعا أطيب اللحم لحم الظهر رواه أحمد
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/365)
وابن ماجه (1) وفيه ضعف أو ضعيف وكان عليه السلام يحب الحلوى والعسل رواه الترمذي وصححه وابن ماجه ويأتي الكلام في العسل وسبق كلام الأطباء في هذا الفصل أن الحلو تجتذبه القوى وتحبه وأنه معتدل الحرارة
وقال بعض الأطباء الحلو حار رطب يكثر الصفراء والدم ويولد السدد والورم في الكبد والطحال ويطلق البطن ويرخى المعدة وهو صالح للصدر والرئة مخصب للبدن مكثر للمني والحامض بارد يقمع الصفراء والدم ويعقل إذا كانت المعدة نقية ويطلق إذا كان فيها بلغم كثير ويوهن قوة الهضم من الكبد ويضر العصب ويخفف البدن إلا أنه ينبه قوة الشهوة والدسم يرخي المعدة ويطلق البطن ويسخن لا سيما المحمومين وأصحاب المعدة الحارة والأكباد الحارة ويرطب البدن ويلينه ويزيد في البلغم ويبلد وينوم والحريف يسخن ويهيج الحرارة ويميل بالبدن أولا إلى الصفراء ثم إلى السوداء
وقال بعضهم أيضا الإكثار من الأغذية الجافة يذهب بالقوة وباللون والإكثار من الدسم يذهب الشهوة ومن المالح يضر بالبصر ومن الحريف والحامض يجلب الهرم وكان عليه السلام يأدم الخبز بما تيسر له ونقل عنه عليه السلام أشياء فمنه تمر وخبز وشعير وهو من التدبير الحسن والحرارة التمر ورطوبته وخبز الشعير بارد يابس
قال بعضهم سمي الأدم أدما لإصلاحه الخبز وجعله ملائما لحفظ الصحة وقال أهل اللغة الإدام والأدم ما يؤدم به تقول منه أدم الخبز باللحم يأدمه بالكسر والأدم الألفة والاتفاق يقال أدم الله وآدم الله بينهما فعل وأفعل بمعنى أي أصلح وألف
____________________
1- أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وسنده ضعيف
(2/366)
ولمسلم عن جابر قال كنت جالسا في داري فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلي فقمت إليه فأخذ بيدي فانطلقنا حتى أتى بعض حجر نسائه فدخل ثم أذن لي فدخلت الحجاب عليها فقال هل من غداء فقالوا نعم فأتي بثلاثة أقرصة فوضعن على نبي فأخذ قرصا فوضعه بين يدي ثم أخذ آخر فوضعه بين يديه ثم أخذ الثالث فكسره باثنتين فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يدي ثم قال هل من أدم قال لا إلا شيء من خل فقال هاتوه فنعم الإدام هو (1) وفي لفظ قال جابر فما زلت أحب الخل مذ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال طلحة بن نافع وما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر
نبي بنون مفتوحة ثم باء مشددة مكسورة ثم ياء مثناة تحت مشددة أي مائدة من خوص وقيل إنه بتي بباء موحدة مفتوحة ثم مثناة فوق مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مشددة والبت كساء من وبر أو صوف قيل هو مدح للخل مطلقا وقال بعض أصحابنا إنما هو مدح له بحسب مقتضى الحال الحاضر وهذا متوجه لولا فهم جابر كقول أنس ما زلت أحب الدباء
وقال الخطابي والقاضي عياض معناه ائتدموا بالخل ونحوه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده كذا قالا وقد يحتمل أنه مدح للخل في الجملة وقد ذكر الأطباء أنه بارد يابس وأنه يضاد البلغم وأنه جيد للمعدة الحارة الرطبة وفهم جابر قد لا يعارض هذا ولهذا نظائر تأتي قال الأطباء الخل قوي التجفيف يمنع من انصباب المواد ويلطف ويقمع الصفراء ويمنع ضرر الأدوية القتالة ويحلل اللبن والدم إذا جمد في الجوف وينفع الطحال ويدبغ المعدة ويعقل الطبيعة ويقطع العطش ولهذا إذا قل الماء فليمزج بقليل خل فإن قليله يكفي في تسكين العطش ويمنع الورم حيث يريد أن يحدث ويعين على الهضم ويلطف الأغذية الغليظة ويرق الدم وإذا شرب بالملح نفع من أكل الفطر القتال وإذا حسي قلع العلق المتعلق بأصل الحنك نافع للداحس إذا طلي به والنملة
____________________
1- أخرجه مسلم وأحمد
(2/367)
والأورام الحارة وحرق النار مشة للأكل مطيب للأطعمة صالح للشباب في الصيف ولسكان البلاد الحارة قال بعضهم الإكثار منه يضعف البصر ويضر بالعصب وربما أدى إلى الاستسقاء ويقل ضرره مزجه بالماء والسكر ويهزل ويسقط القوة ويقوي السوداء والخبر الذي رواه ابن ماجه عن أم سعد مرفوعا نعم الإدام الخل اللهم بارك في الخل فإنه كان إدام الأنبياء قبلي ولم يفتقر بيت فيه خل (1) إسناده ضعيف بلا خلاف
ومن حفظ الصحة أكله عليه السلام مما تيسر له من الفاكهة وهي دواء نافع إذا أكلت على ما ينبغي فإن الله تعالى جعل في كل بلد من الفاكهة ما يناسبهم ومن احتمى عنها مطلقا إن انتفع بذلك فضرره أكثر ومن حفظ الصحة أنه عليه السلام كان أحب الشراب إليه الحلو البارد قالته عائشة رواه ابن عيينة عن معمر عن الزهري عن عروة عنها رواه الترمذي والنسائي + أخرجه الترمذي والنسائي + ورواه ابن المبارك وعبد الرزاق عن معمر ويونس عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الشراب أطيب قال الحلو البارد + أخرجه عبد الرزاف والترمذي مرسلا ورجحه الترمذي + قال الترمذي وهذا أصح وهذا من ألذ شيء وأنفعه لأن الماء البارد رطب رطوبته في الدرجة الرابعة وشربه بعد الطعام يقوي المعدة وينهض الشهوة ويجزئ قليله ويخلف على البدن ما تحلل من رطوباته ويرفق الغذاء ويسرع نفوذه وإيصاله إلى الأعضاء لكن الإكثار منه يورث هزالا يقال هزل لحمه بكسر الزاي أي اضطرب واسترخى ويحدث كزازا وسباتا ورعشة ونسيانا فيقتصر على أكثر ما يروي وقيل على نصفه والماء رديء للقروح ولا ينبغي أن يعطش فإنه يوهن الشهوة والقوة ويجفف ويظلم البصر والصحيح عند الأطباء أنه لا يغذي لأنه لا ينمي الأعضاء ولا يخلف عليها بدل ما حللته الحرارة كالطعام ولا يكتفى به بدل الطعام وقال
____________________
1- أخرجه ابن ماجه
(2/368)
بعضهم يغذي البدن
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر عن زمزم إنها مباركة إنها طعام طعم ورواه أبو داود الطيالسي وغيره بإسناد مسلم وزادوا فيه وشفاء سقم (1) أي تشبع شاربها كالطعام
وما سبق من نفع الماء البارد فلا يلزم منه عموم الأشخاص والأحوال فإن من ضعف عصبه أو معدته وكبده باردتان لا ينبغي له شرب ماء الثلج وكذا المشايخ ومن يتولد فيهم الأخلاط الباردة ويهيج السعال وذلك معلوم بالتجربة وقد ذكره الأطباء وحذروا منه في أمراض كوجع المفاصل
وقول بعض الأطباء الثلج حار غليظ وهو يهيج الحرارة فلذلك يعطش لا أنه حار في نفسه وتولد الحيوان فيه لا يدل على حرارته كتولده في خل وفاكهة باردة
وفي الصحيحين عنه عليه السلام أنه قال اللهم اغسلني من خطاياي بماء الثلج والبرد + أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان + وإنما سأل ذلك لأن الخطايا تضعف القلب وتكسبه حرارة وهذا الماء يقويه ويصلبه ويطهره ويبرده
ولا يتناول باردا بعد حار ولا عكسه فإنه من حفظ صحة الأسنان وقوتها وذلك معلوم ومنه ترك كسر الأشياء الصلبة بها ومضع الأشياء العلكة كالحلو والتمر والمخدرة كالثلج والمضرسة كالحوامض وكثرة القيء يفسدها وإذا توجع السن من مس شيء بارد فليعض على خبز حار ونحوه وإذا كان وجع السن من حرارة سكن من ماء بارد ويفيد في وجعها المضمضة بحامض ومضغ الطرخون والغذاء حموضات ويمسك في الفم آس رطب أو ورق
____________________
1- أخرجه أحمد ومسلم
(2/369)
زيتون غض أو خل طبخ فيه جوز السرو وقال بعضهم أو طبخ فيه عفص هذا إذا كان من بخار الدم فإن كان من بخار البلغم أمسك في الفم دهنا مسخنا ويدلك السن بالفلفل والثوم ونحوه
قال ثابت الطبيب أجمع الأوائل أنه لا يدخل الفم في علاج الأسنان خير من الخل والملح لأنهما يسكنان الوجع ويخففان البلمة الزائدة ويستعمل في الحارة الخل وحده وسواد الأسنان لرداءة ما يتغذى به فيدلك بالفلفل ونحوه ويزول الضرس بمضغ البقلة الحمقاء وهي الفرفحين أو اللوز ويمسك دهن اللوز مقرا في الفم والعلك والشمع والزفت إذا مضغ
والسواك ومنافعه وما يطيب النكهة ويمنع ارتقاء البخار مذكور في باب السواك من الفقه وإن وضعت اليدان أو الرجلان التي تثلجت وتفتحت على البلاط الشديد الحرارة في الحمام وصبر على ذلك مرارا فإنه يبرأ منه والتثليج الذي لم ينفتح يؤخذ قليل فلفل فيسحق ناعما ويغلى في الزيت ثم يدهن به التثلج قبل فتحه بكرة وعشية فإنه يزول ولا يفتح وأما الماء الفاتر والحار ففعله عكس فعل الماء البارد لكن إذا شرب على الريق ماء حارا غسل المعدة من فضول الغذاء المتقدم وربما أطلق والسرف في استعماله يوهن المعدة وأما إذا خالط الماء البارد ما يحليه فإنه يوصل الغذاء إلى سائر الأعضاء ويغذي البدن ويسخنه وينشر حرارته الغريزية إلى سائره ويجود الهضم والماء البارد بعضه أنفع من بعض
ولهذا روى البخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن كان عندك ماء بات في هذه الليلة في شنة وإلا كرعنا (1)
وفي مسلم أن عائشة سئلت عن النبيذ فدعت جارية حبشية فقالت سل
____________________
1- أخرجه البخاري وأحمد
(2/370)
هذه فإنها كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الحبشية كنت أنبذ له في سقاء من الليل وأوكية وأعلقه فإذا أصبح شرب منه (1) وإنما كان ذلك والله أعلم لأنه ألذ وأنقع لصفائه وبرودته لأنه يركد ويرشح الماء من مسامها المتفتحة فيها وفي الخبر جواز الكرع وهو الشرب بالفم من حوض ونحوه وترجم البخاري أيضا باب الكرع في الحوض
وقال أبو داود باب الكرع وهذه قضية عين يجوز أن يكون الحوض مرتفعا فيجلس على شيء ويكرع منه أو يكرع منه قائما فلا يلزم أن يكون متكئا ولا غير منتصب وإن ثبت هذا فقد بين الجواز به وسيأتي في أثناء فصول آداب الأكل أنه عليه السلام شرب لبنا خالصا ومشوبا وفي ذلك حفظ الصحة لا سيما في البلاد الحارة لأنه يرطب البدن ويروي الكبد لا سيما لبن الدواب التي ترعى الشيح وغيره فإن لبنها شراب وغذاء ودواء ويشهد لذلك حديث ابن عباس الآتي فيما يقوله بعد الأكل والشرب
وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن يزيد بن أبي خالد عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر + أخرجه أحمد وصححه ابن حبان + طارق له رؤية ويزيد هو أبو خالد الدالاني قال ابن معين والنسائي ليس به بأس ووثقه أبو حاتم وقال ابن عدي في حديثه لين ولا يكتب حديثه وقال الحاكم أبو أحمد لا يتابع في بعض حديثه ورواه النسائي عن عبيد بن فضالة عن محمد بن يوسف عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود مرفوعا وعن ابن مثنى عن عبد الرحمن كما سبق وعن إبراهيم بن الحسن عن حجاج بن محمد عن شعبة عن الربيع بن لوط عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود بقصة اللبن قوله
____________________
1- أخرجه مسلم
(2/371)
وعن محمد بن المثنى به وعن إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن أيوب الطائي عن قيس بن مسلم عن طارق به مرسلا وعن زيد بن أخرم عن أبي زيد عن شعبة عن الركين بن الربيع عن قيس بن مسلم عن طارق عن عبد الله مرفوعا ألبان البقر شفاء رواه النسائي من طريقين عن قيس بن مسلم بإسناده مرفوعا (1)
وروى ابن جرير الطبري عن أحمد بن الحسن الترمذي عن محمد بن موسى الشيباني عن دفاع بن دغفل السدوسي عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده مرفوعا عليكم بألبان البقر فإنها شفاء وسمنها دواء ولحومها داء + حديث ضعيف + دفاع ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان ومحمد بن موسى هو ابن بزيع الجريري لم أجد له ترجمة في ثقات ولا ضعفاء ويخطر على بالي أن العقيلي قال لا يتابع على حديثه وباقي الإسناد جيد وليس هذا الخبر بذاك الضعيف الواهي وقد ذكر بعضهم أن هذا الإسناد لا يثبت كذا قال وفيه نظر والله أعلم
ومن حفظ الصحة إخراج حاصل يضر البدن بقاؤه وفعل ما احتاجه البدن من نوم وغيره كما هو معلوم من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال العقلاء ويأتي في آداب الأكل ما يتعلق بذلك ومعلوم أن مخالفة ذلك يضر مع التكرار ولهذا قال الأطباء حبس الريح إذا أراد الخروج يورث الحصر وظلمة العين ووجع الفؤاد والرأس وحبس البول يورث جميع هذه الأشياء مع الحصاة وحبس البراز يورث ذلك كله وطول المكث على قضاء الحاجة يولد الداء الدوي وحبس الجشاء يورث الفواق وحبس الباءة يورث وجع الذكر والفؤاد وسيلان النطفة والحصاة والإدرة وحبس النوم يورث الثقل في الرأس ووجع العين
____________________
1- أخرجه الحاكم والطحاوي ورجال إسناد ثقات
(2/372)
ومن مقاصد الجماع إخراج المني الذي يضر بقاؤه ونيل اللذة والشهوة وتكثير النسل إلى أن تتكامل العدة التي علم الله تعالى وقدر ظهورها إلى العالم وكان جالينوس وغيره يرون الجماع من أسباب حفظ الصحة ومزاج المني حار رطب لأنه من الدم المغذي للأعضاء الأصلية ولهذا لا ينبغي إخراجه إلا لشدة الشهوة فإن الإكثار منه يطفئ الحرارة الغريزية ويشعل الحرارة الغريبة ويسقط القوة ويضعف المعدة والكبد ويسيء الهضم ويفسد الدم ويجف الأعضاء الأصلية ويسرع إليها الهرم والذبول ويبرد البدن ويجففه ويضعفه ويخلخله ويهرم سريعا ويجفف الدماغ ويضر بالعصب ويفسد اللون ويورث الرعشة ويضر بالصدر والرئة والكلى ويهزلها ويضر من يعتريه القولنج ووجع المفاصل ومن به مرض بارد ومن به جرب ونحوه لأن الجماع يحرك المواد إلى خارج والمخمور فإنه يملأ الرأس بخارا دخانيا ويضر بالعين والخاصرة أكثر من غيرهما وقد قيل هو نور عينيك ومخ ساقيك وذكر ابن الجوزي في ملتقط المنافع هذا القول عن مالك بن أنس الإمام
والأولى بالحذر منه أصحاب الأبدان النحيفة والأمزجة اليابسة فإنه يسرع بهم إلى الذبول والأبدان البيض الشحمية وإن كانت أبعد عن الذبول إلا أنها أقرب إلى أمراض العصب لكثرة الفضول ومن منيه قليل ودمه قليل فشهوته له ضعيفة والأقوى عليه من كثر شعر أسفل بدنه مما يلي العانة والفخذين فإنه يدل على حرارة مزاج الأنثيين والقضيب
وينبغي أن يحذر منه حذر العدو الشيخ قال بعضهم والكهل ومن فقد شعر إبطيه لكبره انقطع نكاحه ونسله ومن أكثر منه فينبغي أن يقل إخراج الدم والتعب والحمام ويزيد في الغذاء والشراب والنوم والطيب والادهان وليتنقل باللوز والفستق والسكر ويتعاهد ما يكثر المني والأغذية في ذلك أبلغ من الأدوية والذي يجمع ذلك ما له غلظ ورطوبة فضلية وحرارة واجتمعت هذه الثلاثة في الحمص واللفت والجزر ومن ضعفت قوته بعده جدا يتدارك بالأغذية السريعة النفوذ كاللحم المطيب والبيض البيمرشت
____________________
(2/373)
قال جالينوس الإكثار منه إذا كانت القوة قوية ينفع من الأمراض البلغمية ومن منافعه الإبراء من الماليخوليا وطرب النفس وقوة النشاط ويخفف على الرأس والحواس وإزالة داء العشق وغض البصر وكف النفس والأجر عليه فهو ينفعه في الدين والدنيا والمرأة كذلك وقد رغب الشرع فيه وحض عليه وأمر به كما هو مشهور في الأخبار مذكور في كتب الفقه
ومما يزيد في الباءة اللوز الحلو والفستق والبندق وحب الصنوبر والسكر والسمسم المقشور ولبس الثوب المصبوغ بالورس وكثرة ركوب الخيل والعنب الحلو والتين وصفرة البيض ولسان العصافير والدارصيني والماء الذي يغمس فيه الحديد المحمى وسمن البقر والعصافير والعسل والهليون واللبن والحليب وغير ذلك ولا يدع الجماع دائما لأنه خلاف الشرع
وقال الأطباء محمد بن زكريا الرازي وغيره من هجره ضعفت قوى أعضائه وانسدت مجاريها وتقلص ذكره ورأيت جماعة تركوه لنوع من التقشف فبردت أبدانهم وعسرت حركاتهم ووقعت عليهم كآبة وقلت شهواتهم وهضمهم وأنفع الجماع بعد الهضم عند اعتدال البدن وشدة الشهوة لا مع فكر أو نظر ونحوه وقال بعض الأطباء ينبغي لحاجة البدن إليه لا لشوق النفس إليه ومراده والله أعلم أدنى شوق وإلا فإذا اشتد شوقه ضره إن لم يخرجه
ولا ينبغي الجماع على الجوع فإنه يوقع في الدق ولا على الامتلاء فإنه يمنع الهضم مع أنه أقل ضررا من الجوع ولا على عطش أو غضب أو عقب سهر أو تعب أو في الحمام أو عقب إسهال
ومما يضعف الباءة كل حار لطيف من الأغذية والأدوية كالسذاب ونحوه وكل قوي التجفيف يابس كالأرز والعدس وكل بارد مجمد للمني كاللينوفر والخلاف والورد والأشياء القابضة والحامضة والمزة كالسفرجل والتفاح والخل وشرها ما جمع إلى الحموضة قبضا مثل الحصرم والسماق والرمان الحامض وكل ما له مائية كثيرة باردة من البقول كالخس والقرع وبقلة الحمقاء وهي
____________________
(2/374)
الفرفحين والطرخون والهندباء والقثاء والخيار وكثرة شرب الماء البارد والتخم وإتيان الحائض والعجوز والصغيرة التي لم تبلغ وقال بعضهم التي لا شهوة لها والكريهة والبغيضة وقال بعضهم والمريضة وقال بعضهم والحائل التي لم تؤت زمانا طويلا وقال بعضهم والعاقر وقال بعضهم وجماع الثيب أنفع من جماع البكر وأحفظ للصحة وعلل بأن جماع البكر وهؤلاء كلهن يضعف قوة أعضاء الجماع خاصة وهذا الذي قاله في البكر مخالف للحس والشرع والعقل فلا يلتفت إليه قال ابن بختيشوع وغيره وطء الحائض يولد الجذام
قال جالينوس في اللينوفر خاصية مضادة للمني فشمه يضعفه وشربه يقطعه وقال الإكثار من إدرار البول ينقص الباءة لأنه يهزل الكلى ومن يعتريه عقبه نافض فمن المرار الأصفر ومن تأتيه رعشة فيقوى دماغه بالمسك والعنبر والطيور الحارة ومن يرتفع إلى رأسه بخار فيصعد فيقوى رأسه بما يناسب من البارد
قال أبقراط السمان لا يشتهون الباءة ولا يقوون على الإكثار منه قال والمقعدون أكثر جماعا لقلة تعبهم ولأنهم لا يمشون كثيرا ومن كان مزاج أنثييه حارا رطبا انتفع بالجماع لكثرة المني المتولد فيه فإن لم يخرجه تعفن وولد أمراضا ومن كان مزاج أنثييه حارا يابسا كان كثير الشبق إلا أنه يمل الجماع سريعا بسبب قلة ما يتولد من المني لغلبة اليبس وهذا متى جامع كثيرا استضر به ومن كان مزاج أنثييه باردا رطبا كانت نهضته إلى الجماع بطيئة وهذا يستضر بالجماع وإن كان مزاجهما باردا يابسا كان عديم الشهوة بالجملة
ومادة المني من الهضم الرابع ونقص المني من قبل الدماغ وعدم انتشار الذكر وقوة حركته من قبل القلب وفقد شهوة الذكر من قبل الكبد وأحرص ما يكون أشد غلمة إذا احتلم وكلما دخل في السن نقص ذلك والمرأة يشتد حرصها على ذلك حين تكتهل وللأطباء قولان أيهما أشد شهوة الرجال أم
____________________
(2/375)
النساء
ويروى من حديث أبي هريرة موقوفا ومرفوعا فضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين جزءا من اللذة أو قال من الشهوة لكن الله ألقى عليهن الحياء (1) وذكر ابن عبد البر وغيره وقال ابن عقيل في الفنون قال ففيه شهوة المرأة فوق شهوة الرجل بتسعة أجزاء فقال حنبلي لو كان هذا ما كان له أن يتزوج بأربع وينكح ما شاء من الإماء ولا تزيد المرأة على رجل لها من القسم الربع وحاشا حكمته أن تضيق على الأحوج
وأحسن أحوال الجماع أن تتقدمه مقدماته من القبلة والمداعبة ونحو ذلك لتتحرك الشهوة منها وقد ذكر الأطباء أن الرجل إذا فرك حلمتي المرأة اغتلمت ثم يعلوها مستفرشا لها قال تعالى ( ^ هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) البقرة 187
وهذا الحال أسبغ اللباس وأكمله وأما علو المرأة للرجل فخلاف مقتضى الشرع والطبع وهو مضر عند الأطباء قالوا يورث الأدرة والانتفاخ وقروح الإحليل والمثانة لأجل ما يسيل من منيها ويدخل الإحليل وهو حار
وكان أهل الكتاب إنما يأتون النساء على جنوبهن على حرف ويقولون هو أستر للمرأة وكانت قريش والأنصار تشرح النساء على أقفائهن فعابت اليهود عليهم ذلك فأنزل الله تعالى ( ^ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) البقرة 223
وظاهر هذا أنه لا يكره وقد كره أحمد رحمه الله للمرأة تستلقي على قفاها وقال يروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كرهه ولعل المراد غير حال المجامعة مع أن كراهته مطلقا تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وقد ذكر
____________________
1- أخرجه البيهقي قال البخاري منكر الحديث
(2/376)
الأطباء أن الجماع على جنب مضر ربما أورث وجع الكلى وأن الجماع من قعود يضر بالعصب
قال ابن ماسويه ومن احتلم فلم يغتسل حتى وطئ أهله فولدت مجنونا أو مختبلا فلا يلومن إلا نفسه
وقد سبق أنه لا بد في بقاء البدن من الغذاء والشراب ولا بد أن يبقى من الغذاء فضلة عند كل هضم فيجتمع من ذلك على ممر الزمان شيء يضر البدن بثقله أو غيره وإن استفرغ بدواء تأذى البدن به إما بسمنة لإخراجه صالحا منتفعا به وقد يضر بكيفيته بأن يسخن بنفسه أو بالعفن أو يبرد بنفسه أو يضعف الحرارة الغريزية عن إنضاجه والحركة أقوى الأسباب في منع تولد ذلك لأنها تسخن الأعضاء وتسيل فضلاتها فلا تجتمع وتعود البدن الخفة والنشاط وتجعله قابلا للغذاء وتصلب المفاصل وتقوي الأوتار والرباطات وتؤمن جميع الأمراض المادية وأكثر المزاجية إذا استعمل القدر المعتدل منها في وقته وكان باقي التدبير صوابا ووقت الرياضة بعد انحدار الغذاء وكمال الهضم والرياضة المعتدلة هي التي تحمر فيها البشرة وتربو ويتندى بها البدن فأما الذي يلزمها سيلان العرق فمفرطة
قال الأطباء وكل عضو يقوى بالرياضة قال بعضهم وخصوصا على نوع تلك الرياضة بل كل قوة فهذا شأنها فمن استكثر من الحفظ قويت حافظته ومن الفكر قويت قوته المفكرة قال بعضهم ولكل عضو رياضة تخصه فللصدر القراءة فيبتدىء فيها من الخفية إلى الجهر بتدريج ورياضة السمع بسمع الأصوات والكلام بالتدريج فينتقل من الأخف إلى الأثقل وكذلك رياضة البصر وقد سبق رياضة اللسان في الكلام ورياضة المشي بالتدريج شيئا فشيئا وركوب الخيل ورمي النشاب والصراع والمسابقة على الأقدام
____________________
(2/377)
رياضة البدن كله وهي قالعة لأمراض مزمنة كالجذام والاستسقاء والقولنج ورياضة النفوس بالتعلم والتأدب والفرح والصبر والثبات والإقدام والسماحة وفعل الخير وإذا تكرر ذلك مرة بعد أخرى صار عادة وطبيعة ثانية
وقد ذكر الأطباء أن العوائد طبائع ثوان ومن أبلغ ذلك وأنفعه الجهاد والصلاة والصيام والحج وقد سبق هذا المعنى قبل فصول الأمر بالمعروف في الكلام على دعوة ذي النون وتضمنه علاج زوال الهم والغم وغير ذلك ويأتي الكلام في الصبر نحو نصف الكتاب قبل الكلام في حسن الخلق والزهد وسبق الكلام في الصوم والجوع في ذكر الحمية
وفي الصحيحين عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإذا توضأ انحلت عقدتان فإذا صلى انحلت العقد فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان (1)
قافية كل شيء آخره ومنه قافية الشعر وهذه العقد قيل حقيقة كعقد السحر وقيل هو قول يقوله وقيل هو فعل يفعله وقيل هو من عقد القلب وتصميمه فكأنه يوسوس في نفسه ببقاء الليل وقيل هو مجاز كني به عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل
قال في شرح مسلم وظاهر الخبر أن من لم يأت بالذكر والوضوء والصلاة وإلا دخل فيمن أصبح خبيث النفس كسلان وهو كما قال وقد يحتمل أن المراد وإلا أصبح خبيث النفس كسلان إن لم يأت ببعض ذلك وقد سبق قول النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الرجل أنه من أهل الجنة الذي بات عنده ابن عمر ولم يكن يصلي من الليل وإنما كان يذكر الله إذا استيقظ ويصلي قبل نومه ما قدر له
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/378)
ولهذا كانت التراويح قيام الليل واقتصر عليها خلق فلا يتوجه أن يقال إن من اقتصر عليها أصبح خبيث النفس كسلان ولأنه يبعد القول بظاهره فيمن ذكر الله ثم اشتغل بقراءة واستغفار ودعاء حتى توضأ لصلاة الفجر أو اشتغل برباط أو غيره مع إمكان الوضوء والصلاة أو فيمن توضأ وصلى ولم يتقدم منه ذكر الله تعالى ولعل الحديث فيمن استيقظ فلم يأت بذلك أما من لم يستيقظ فإنه معذور وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة (1) فلا يناسب حاله أن يصبح خبيث النفس كسلان
فإن قيل ففي مسلم أو في الصحيحين أن رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم أنه نام ليلة حتى أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنه + أخرجه البخاري ومسلم + أو قال في أذنيه فلم يعذر بالنوم قيل يحتمل أنه في رجل خاص ويحتمل أنه نام عن صلاة مفروضة العشاء أو الفجر أو هما كما هو ظاهر اللفظ ولم أجد من ذكر ذلك وإنما ذكروه حجة في صلاة الليل فيقال لا عقوبة في هذا لأنه إنما تمكن منه فثبطه عن فعل المبرزين في الخيرات بنومه وأما هنا فيرتب عليه عقوبة مستقبلة لما سبق منه وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة في الصحيحين + البخاري ومسلم + وأبا الدرداء وأظن في مسلم + مسلم + وأبا ذر في + النسائي + بالوتر قبل النوم لغلبة النوم عليهم وبصلاة الضحى بدلا عما فاتهم من قيام الليل ولذلك لم يأمر بهما سواهم أو من في معناهم ولا يظن بواحد منهم أنه يصبح خبيث النفس كسلان وأبو هريرة هو راوي هذا الحديث فدل ذلك على ما ذكرنا والله أعلم
وقد روى أبو داود في باب صلاة العتمة من أبواب الأدب حدثنا مسدد
____________________
1- أخرجه مسلم وابن حبان
(2/379)
حدثنا عيسى بن يونس حدثنا مسعر بن كدام عن عمرو بن أمية عن سالم بن أبي الجعد قال قال رجل قال مسعر أراه من خزاعة ليتني صليت واسترحت فكأنهم عابوا ذلك عليه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها (1)
حدثنا ابن كثير أنبأنا إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال انطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار نعوده فحضرت الصلاة فقال لبعض أهله يا جارية ائتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح فقال فأنكرنا ذلك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا بلال أقم الصلاة فأرحنا بالصلاة + أخرجه أبو داود وأحمد وهو حديث صحيح + إسنادان جيدان واحتج الشيخ تقي الدين به على هذا المعنى قال ولم يقل أرحنا منها فصل يتعلق بما قبله في الأكحال وفضيلة الإثمد منها
عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير أكحالكم الإثمد إنه يجلو البصر وينبت الشعر رواه أحمد ورواه النسائي وابن ماجه والترمذي + أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وهو حديث صحيح + وحسنه ولفظهم من خير وابن خثيم احتج به مسلم ووثقه جماعة وقال الدارقطني ضعيف لينوه لهذا الحديث
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام في كل
____________________
1- أخرجه أبو داود وأحمد وهو صحيح
(2/380)
عين ثلاثة أميال رواه أحمد ورواه ابن ماجه والترمذي وحسنه (1)
وفيه كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه وهذا الخبر من رواية عباد بن منصور الناجي وهو ضعيف وقيل رواه عن إبراهيم بن أبي يحيى والترمذي أيضا في اليمنى ثلاثا يبتدئ بها ويختم بها وفي اليسرى ثنتين
وروى وكيع وأبو بكر بن أبي شيبة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد في اليمنى ثلاثا وفي اليسرى مرتين + أخرجه أبو الشيخ وإسناده صحيح +
وعن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال ليتقه الصائم + أخرجه أحمد والدارمي وهو حديث ضعيف + رواه الإمام أحمد وسئل أحمد الإمام عنه فقال هذا حديث منكر وكذا قال ابن معين وزاد عبد الرحمن ضعيف وقال أبو حاتم صدوق وأبوه تفرد عنه عبد الرحمن ووثقه ابن حبان والمروح المطيب بالمسك قاله أبو عبيد
وفي الكحل حفظ صحة العين وتقوية للنور الباصر وجلاؤها وتلطيف للمادة الرديئة واستخراج لها وعند النوم أفضل لعدم الحركة المضرة وخدمة الطبيعة وفي بعض أنواعه زينة
والإثمد هو حجر الكحل الأسود وأفضله ما يأتي من أصفهان ويأتي من الغرب أيضا وأجوده سريع التفتت لفتاته بصيص وداخله أملس ولا وسخ فيه وهو بارد يابس وينفع العين ويقويها ويشد أعصابها ويحفظ صحتها
____________________
1- أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وهو ضعيف
(2/381)
ويذهب اللحم الزائد في القروح ويدملها وينقي أوساخها ويجلوها ويذهب الصداع إذا اكتحل به مع العسل المائي الرقيق وهو أجود أكحال العين لا سيما للمشايخ ومن ضعف بصره إذا جعل معه شيء من المسك وإذا دق وخلط ببعض الشحوم الطرية ولطخ على حرق النار لم يعرض فيه خشكريشة ونفع من النفط الحادث بسببه فصل في الروائح الطيبة وفائدتها في الصحة
وللرائحة الطيبة أثر في حفظ الصحة فإنها غذاء الروح والروح مطية القوى والقوى تزداد بالطيب وهو ينفع الأعضاء الباطنة كالدماغ والقلب ويسر النفس وهو أصدق شيء للروح وأشده ملاءمة ولهذا في مسلم من حديث ابن عمر أنه عليه السلام تبخر بالألوة (1) بفتح الهمزة وضمها وهي العود الذي يتبخر به وبكافور يطرحه معها
وللنسائي + النسائي + والبخاري في تاريخه + إسناده ضعيف + من حديث عائشة أنه عليه السلام كان يطيب بالمسك والعنبر وفي الصحيح أو في الصحيحين أنها طيبته لإحرامه ولحله منه بالمسك + أخرجه البخاري ومسلم +
روى النسائي عن الحسين بن عيسى القومسي عن عفان عن سلام بن سليمان أبي المنذر عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة + أخرجه النسائي وأحمد وهو حديث صحيح +
ورواه أحمد عن عفان أو عن غيره عن سلام وسلام قال ابن معين لا بأس به وقال أبو حاتم صدوق وقال العقيلي لا يتابع على حديثه ثم ذكر
____________________
1- أخرجه مسلم
(2/382)
هذا الحديث قال وقد روي من غير هذا الوجه بسند فيه لين أيضا ورواه النسائي أيضا عن علي بن مسلم عن سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس فذكره إسناده جيد
وفي مسلم من حديث أبي هريرة أنه عليه السلام قال من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل (1)
ولأحمد وأبي داود والنسائي من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة + أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان +
وفي البخاري عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب + أخرجه البخاري +
وروى هؤلاء إلا البخاري عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المسك هو أطيب طيبكم + أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة +
والملائكة عليهم السلام تحب الرائحة الطيبة وتتأذى بالرائحة الخبيثة كما في قصة البصل والثوم والكراث والشياطين لعنهم الله عكسهم كما في الحديث المشهور إن هذه الحشوش محتضرة + أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائي وهو حديث صحيح انظر ابن حبان + أي بالشياطين
____________________
1- أخرجه مسلم
(2/383)
وفي مسند البزار عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا أفناءكم وساحاتكم ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكباء في دورهم (1) الكبى بكسر الكاف مقصور الكناسة والجمع الأكباء مثل معى وأمعاء والكبه مثله والجمع كبون ذكر أنواع ما يتطيب به شما أو بخورا أو غير ذلك
قال الأطباء أظفار الطيب هي أظفار تشبه الأظفار عطرة الرائحة حار يابس في الثانية ملطف إذا تبخرت به المرأة أزال الحيض ودخانه ينفع من بها اختناق الرحم وإذا شرب كرك البطن
بان حار يابس في الثانية وقيل حرارته في الثانية وقيل رطب وقيل قشره قابض وهو يجلو ويقطع ويقلع الثاليل والكلف والبهق وينفع الأورام الصلبة مع المرهم وينفع من الجرب والحكة والبثور ويسخن العصب ويقطع الرعاف بقبضه ويفتح سدد الكبد والطحال ويلين صلابتهما ضمادا مع دقيق الكرسنة وينفع من السوداء والبلغم قال ابن جزلة مثقال حبه منه يسهل البلغم وهو يؤذي المعدة ويغثي ويصلحه الرازيانج وبدله وزنه فوه ونصف وزنه قشور السليخة وعشر وزنه بسباسة
البنفسج بارد في الثانية رطب في الثالثة يجلب النوم ويسكن الصداع الحار
ريحان قال الله تعالى ( ^ فأما إن كان من المقربين فروح وريحان ) الواقعة 88 وقال تعالى ( ^ والحب ذو العصف والريحان ) الرحمن 12 وسبق الحديث عنه
____________________
1- أخرجه البزار والترمذي وأبو يعلى وهو حديث ضعيف في سنده خالد بن إياس وهو متروك
(2/384)
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية قالوا نعم يا رسول الله نحن المشمرون قال قولوا إن شاء الله فقال القوم إن شاء الله رواه ابن ماجه من رواية الضحاك المعافري (1)
____________________
1- لم يرو عنه غير محمد بن مهاجر ووثقه ابن حبان
أهل المغرب يخصون الريحان بالآس وهو الذي تعرفه العرب من الريحان وهو بارد في الأولى يابس في الثانية والأكثر فيه الجوهر الأرضي البارد وفيه مع هذا شيء حار لطيف فهو لذلك يجفف تجفيفا قويا قوته قابضة حابسة من داخل وخارج معا قاطع للإسهال الصفراوي وهو ينشف الرطوبات في المعدة ويقوي المعدة والقلب ويذهب الخفقان ويولد السهر إصلاحه بالبنفسج الطري نافع للبخار الحار الرطب إذا شم وأكل حبه ويفرح القلب جدا وشمه نافع للوباء وكذلك افتراشه في البيت ويبرئ الأورام الحادثة في الحالبين إذا وضع عليها وإذا دق ورقه غضا وضرب بالخل ووضع على الرأس قطع الرعاف وإذا سحق ورقه اليابس وذر على القروح ذوات الرطوبة نفعها وتقوى الأعضاء الواهنة إذا ضمد به وينفع الداحس وفي الآباط والأربية وغيرهما المتغير الرائحة ويقطع عرق من به خفقان ويقويه ويؤكل حبه رطبا ويابسا لنفث الدم وطبيخ ثمره يسود الشعر وحبة صالح للسعال بما فيه من الحلاوة الطبيعية وليس بضار للصدر ولا الرئة قاطع للعطش ذاهب بالقيء وليس في الأشربة ما يعقل وينفع من أوجاع الرئة والسعال غير شرابه
وإذا جلس في طبيخه نفع من خروج المقعدة والرحم ومن استرخا
(2/385)
المفاصل وإذا صب على كسور العظام التي لم تلحم نفعها ويجلو قشور الرأس وبثوره ويمسك الشعر المتساقط ويسوده وإذا دق ورقه وصب عليه ماء يسير وخلط به شيء من زيت أو دهن الورد وضمد به وافق القروح الرطبة والنملة والحمرة والأورام الحارة والبثرة والبواسير
وهو مدر للبول نافع من لدغ المثانة وعض الرتيلا ولسع العقرب وربه يمنع سيلان الفضول إلى المعدة وليحذر التخلل بعرقه فإنه يضر لحم الفم ويهيج الدم وفي خبر ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحرك عرق الجذام ومن الخواص أنه إذا اتخذت حلقة مثل الخاتم من قضيب الآس الطري وأدخل فيها خنصر الرجل الذي في أرنبته ورم سكنه ومن المجرب أن يؤخذ عود من آس ويحرق طرفه ويوضع على طرف الدمل أول ما يظهر فإنه لا يتزيد
وأما الآس المعتصر والمستقطر فيقطع العرق وإذا جفف ورقه وبخرت به البواسير البارزة أضمرها وشفي منها وإن خلط مع سندروس كان أقوى وإذا طبخ حبه في زيت إنفاق ويدهن به قطع العرق الكثير وأصلح نسيم العرق والآس يقوي العين ويقطع دمعتها ويمنع ما ينحدر إليها إذا طلي على الجبهة
وأما الريحان غير الآس فيطلق على الحبق قال بعضهم أهل الشام والعراق يخصونه به قال ابن جزلة قيل هو ورق الخلاف وهو جبلي وبستاني ونهري وهو نبات طيب الريح جيد الطعم مربع الساق ورقه نحو ورق الخلاف والجبلي حار يابس في الثالثة والبستاني حار في الثانية يابس في الأولى والنهري أقوى أنواعه وهو يذهب بنفخ العدس والباقلاء إذا خلط به ويقطع البلغم ويقوي المعدة وينفع من الاستسقاء إذا أكل مع التين حبه وقال ابن جزلة ريحان هو الشاهسفرم أجوده الصعتري حار في الأولى يابس في الثانية وقيل معتدل وقيل بارد وهو يحلل الفضلات من الدماغ ويملأ الدماغ البارد بخارا وإصلاحه باللينوفر
وقال بعضهم الريحان الفارسي الذي يسمى الحبق قيل حار ينفع شمه من
____________________
(2/386)
الصداع الحار إذا رش عليه الماء ويبرد ويرطب بالغرض وقيل بارد وقيل رطب وقيل يابس يجلب النوم وبذره حابس للإسهال الصفراوي مقو للقلب نافع للأمراض السوداوية قال أهل اللغة والغريب الريحان كل نبت مشموم طيب الرائحة والكلام على ذلك يطول
سك حار يابس في الثانية قابض مقو للأحشاء وفي الطيب منه تحليل وتفتيح وهو جيد لأوجاع المفاصل وقيل يزيد في الباه وهو يعقل الطبع إذا ضمد به البطن ويمنع النزيف وينفع من أوجاع القلب وقدر ما يؤخذ منه نصف درهم وشمه يصدع الرأس الحار ويصلحه الكافور
سنبل الطيب حار في الأولى يابس في الثانية وقيل في أول الثالثة مفتح محلل يتخذ منه غسول لليد طيب وذريرته تمنع العرق وهو يحلل الأورام ويقوي الدماغ ويثبت أهداب العين إذا وضع في الأكحال وينفع الخفقان وينقي الصدر والرئة ويفتح سدد الكبد والمعدة ويقويهما ويطيب النكهة ويمنع من اليرقان ورجع الطحال ويمسك الطبع وقدر ما يؤخذ منه درهم
العنبر حار يابس في الثانية ينفع المشايخ ملطف تسخينه يقوي الدماغ والحواس والقلب تقوية عجيبة ويزيد في الروح قال بعضهم هو مقو لجوهر كل روح في الأعضاء وإذا تبخر به نفع من الزكام والصداع والشقيقة الباردة وأجود ألوانه الأشهب ثم الأزرق ثم الأصفر واختلف الناس في عنصره وهو مذكور في الفقه في إزالة النجاسة ويضر من يعتاده الماشر ويصلحه الكافور والخيار
غالية تلين الأورام الصلبة ومع دهن البان تقطر في الأذن الوجعة وشمها ينفع المصروع وينعشه وللمسكوت وتسكن الصداع البارد وشمها يفرح القلب وينفع من أوجاع الرحم الباردة حموا ومن أورامها الصلبة والبلغمية وتدر الحيض وتنفع من اختناق الرحم وينقيها ويهيئها للحبل وهي مركبة من مسك وسك ومثل نصف المسك عنبر ويخلط الجميع بدهن بان أو
____________________
(2/387)
دهن اللينوفر والعود قريب منه ومزاجه أقرب إلى العدل ويضر شمه بأمراض الدماغ الحار ومضغه يطيب النكهة ويفرح القلب وأجوده الهندي ثم الصيني ثم القماري بفتح القاف ثم المندلي وأجوده الأسود والأزرق الصلب وأقلة جودة ما خف وطفا على الماء وفي خلط الكافور به إصلاح كل منهما بالآخر وفي التبخر وهو التجمر مراعاة جوهر الهواء وإصلاحه فإن في صلاحه صلاح البدن ويأتي الكلام في العود قريبا في فصل عن زيد بن أرقم
الفاغية والفغو نور الحناء وأفغى النبات أي خرجت فاغيته روى البيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال كان أحب الرياحين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاغية وروي فيه أيضا عن بريدة يرفعه سيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية ويأتي الكلام فيه قريبا في فصل عن سلمان
زباد حار في الثالثة معتدل في الرطوبة محلل ينفع للصداع البارد ويسكن وجع الأذن وينفع من البول العارض في الفراش محلولا بدهن بنفسج أو يعمل على ورقه مقشورة فتيلة وتحمل في القضيب وإذا أمسك في الفم جفف المني وقيل يلذذ الجماع طلاء وفي عنصره خلاف في إزالة النجاسة
زعفران حار في الثانية يابس في الأولى فيه قبض وهو محلل منضج يصلح العفونة والبلغم ويقوي الأحشاء ويحسن اللون ويجلو البصر والغشاوة ويكتحل به للزرقة المكتسبة في الأمراض ويقوي القلب ويفرحه وينوم صاحب الشقيقة ويهيج الباه يدر البول ويسهل الولادة إذا شرب بمح البيض
____________________
(2/388)
وينفذ الأدوية التي يخلط بها إلى جميع البدن وأكثر ما يستعمل منه إلى درهم وهو مصدع بالرأس منوم مظلم للحواس ويسقط الشهوة ويغثي ويضر بالرئة ويصلحه الأينيسون ويقال ثلاثة مثاقيل منه تقتل بالتفريح
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزعفر للرجل (1) قال بعض أصحابنا يحرم على الرجل وهو قول الحنفية والشافعية وقيل يكره وقيل لا نقله الجماعة عن أحمد
وروى أحمد من حديث أبي هريرة في صفة الجنة ملاطها المسك الأذفر وترابها الزعفران + أخرجه أحمد والحميدي وعبد بن حميد والدارمي وابن ماجه والترمذي واين حبان +
ورواه الترمذي من حديث ابن عمر وقال مسك أذفر + الترمذي +
الملاط الطين الذي يجعل بين سافي البناء ويملط به الحائط والذفر بالتحريك كل ريح ذكية من طيب أو دهن يقال مسك أذفر بين الذفر وقد ذفر بالكسر يذفر وروضة ذفرة والذفر الصنان وهذا رجل ذفر أي له صنان وخبث ريح
القرنفل حار يابس في الثانية يطيب النكهة ويحد البصر ويقوي الكبد ورائحته تقوي الدماغ البارد وهو مفرح قال بعضهم هو مقو للمعدة والدماغ والقلب وينفع من القيء والغثيان وقدر ما يؤخذ منه إلى درهم
____________________
1- أخرجه أحمد والبخاري ومسلم
(2/389)
كافور بارد يابس في الثالثة يمنع الأورام الحارة والرعاف مع عصير البنج أو ماء الباذروج وينفع الصداع الحار ويقوي حواس المحرورين وينفع في أدوية الرمد الحارة ودانق منه ينفع من الورم الحار ودرهم منه يخلص من مضرة العقرب الحرارة مع ماء التفاح الحامض والإكثار منه يسرع الشيب ويقطع الباه ويولد حصاة الكلى والمثانة وشمه يسهر في الحميات ويصلحه البنفسج واللينوفر ويجعل في غسيل الميت لأنه يطيب ويصلب ويبرد فلا يسرع الفساد
الينوفر بارد رطب في الثانية برده أكثر من البنفسج وقيل بارد في الثالثة أصله ينفع إذا جعل على البهق بالماء ومن الأورام الحادة ضمادا وبزره يمنع النزف وإذا غلي وصب على رأس من ناله حراره نفعه قال ابن سينا في كتاب الأدوية القلبية اللينوفر يقرب في أحكامه من الكافور إلا أنه أرطب منه ورطوبته لكثرتها تحدث لجوهر الروح الذي في الدماغ كلالا وفتورا إلا أن يكون محتاجا إلى ترطيب وتبريد ليعتدل ويعدل برده بالدارصيني وقال غيره يقرب من الكافور الصندل وهو بارد في آخر الثانية وقيل في الثالثة يابس في الثانية ينفع من الصداع والخفقان العارض في الحميات الحادة وللكبد الحارة وللفم الحار والمحرك منه يفيد الحك يسير حرارة كما يستفيد الدقيق من العجن وإن خلط مع الأدوية المشروبة لتقوية المعدة والكبد وتبريدهما نفع ويضر بالصوت ويصلحه الجلاب وأجوده المقاصري وقيل الأبيض منه أقوى من الأحمر وقيل أضعف والأحمر بارد يابس في الثانية وقيل بارد في الثالثة يمنع من انصباب المواد ويحلل الأورام الحادة ويطلى على الحمرة وينفع الصداع
لبان الذي يقال له حصى لبان وهو الكندر حار في الدرجة الثانية يابس في الأولى وقيل في الثانية منهما ينفع من قذف الدم ونزفه ويحبس القيء ومن وجع المعدة واستطلاق البطن ويهضم الطعام ويطرد الرياح ويجلو قروح العين وينبت اللحم في سائر القروح ويقوي المعدة الضعيفة ويسخنها ويجفف البلغم وينشف رطوبات الصدر ويجلو ظلمة البصر
____________________
(2/390)
ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار وفيه قبض يسير وهو أفضل العلك وإذا مضغ وحده أو مع الصعتر الفارسي جلب البلغم ونفع من اعتقال اللسان ويزيد في الذهن ويذكيه وإن بخر بهما نفع من الوباء وطيب رائحة الهواء ويروى في خبر ضعيف أو موضوع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بخروا بيوتكم باللبان (1) وهو يجود الحفظ
وقد روى عن علي رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه النسيان عليك باللبان فإنه يشجع القلب ويذهب بالنسيان وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن شربه مع السكر على الريق جيد للبول والنسيان
وعن أنس رضي الله عنه أنه شكا إليه رجل النسيان فقال عليك بالكندر انقعه من الليل ثم اشربه على الريق فإنه جيد للنسيان وهذا إذا كان النسيان حدث من البلغم الرطب الذي يربط مقدم الدماغ ويمنعه من قبول ما يودعه فيه فيبقى كالشمع الذائب ولا يقبل الطابع وينفع فيه شم المسك والمرزنجوش وجميع الطيب الحار والتغذي فيه بماء الحمص مع الخردل والحساء المتخذة من اللوز مع العسل ويستعمل فيه الانكباب على المياة اللطيفة المحللة كماء البابونج والمرزنجوش وللكندر خاصية في تجفيف الدماغ وقوته والزيادة في الحفظ وكذا الزنجبيل المربي ويزيد في الحفظ وجوهر الدماغ وقوته بخاصية في النارنجيل وهو جوز الهند ومرقة الدجاج ولحمها والذي يضر الذهن الكسفرة الرطبة والتفاح الحامض ولم يقل بعضهم الحامض وإدمان السكر وكثرة الهم والفكر والغم قال بعضهم والنظر في الماء الواقف والبول فيه والنظر إلى المصلوب وقراءة ألواح القبور والمشي بين جملين مقطورين وإلقاء القمل بالحياة وحجامة النقرة وأكل سؤر الفار ويكون النسيان من السوداء التي تيبس الدماغ وتجففه فلا يقبل ما يودع فيه مثل
____________________
1- أخرجه البيهقي وقال هذا منقطع
(2/391)
الشمع الشديد اليبس والتغذي بلحوم الدجاج والجداء والخرفان ومرقهما نافع فيه قال بعضهم النسيان عن يبس يتبعه سهر وحفظ للأمور الماضية دون الحالية والنسيان عن رطوبة بالعكس
مرزنجوش ويسمى المردقوش يابس في الثانية وقيل في الرابعة وقيل في الثالثة ملطف ينفع من الصداع عن برد وبلغم وسوداء وزكام ورياح غليظة ويفتح السدد الحادثة في الرأس والمنخرين ويحلل أكثر الأورام والأوجاع الباردة الرطبة وإذا احتمل أدر الطمث وأعان على الحبل وإذا طلي ماؤه على العضو بعد الفراغ من الحجم منع الآثار الحادثة عن الشرط بعد الحجم ويطلى يابسه على الدم وإخضراره وخصوصا تحت العين فيحلله وطبيخه ينفع من الاستسقاء وخمسة دراهم منه ينفع من الشري البلغمي وهو ينفع من عسر البول والحيض ويضمد به لسع العقرب مع الخل ودهنه نافع لوجع الظهر والركبتين ويذهب بالأعياء ومن شمه لم ينزل في عينه الماء وإذا استعط بمائه مع دهن اللوز المر فتح سدد المنخرين ونفع من الريح العارضة فيهما وفي الرأس وذكر حنين أنه يضر بالمثانة وأنه يصلحه بزر البقلة الحمقاء
المسك قال تعالى ( ^ يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك ) المطففين 25 - 26
وهو حار يابس في الثانية وقيل في الثالثة يسر النفس ويقوي الأعضاء الباطنة جميعها شربا وشما والظاهرة إذا وضع عليها نافع للمشايخ والمبرودين لا سيما زمن الشتاء جيد للغشي والخفقان وضعف القوة بإنعاشه للحرارة الغريزية ويجلو بياض العين وينشف رطوبتها وينفس الرياح منها ومن جميع الأعضاء ويبطل عمل السموم وينفع من نهش الأفاعي ويوصل الأدوية إلى داخل طبقات العين ويقوي القلب ويفرح ويذكي وشمه يضر بالدماغ الحار ويورث الصفار ويصلحه الكافور
وذكر ابن جزلة وغيره أن من خواصه أنه يبخر الفم إذا وقع في الطبيخ
____________________
(2/392)
وهو أطيب الطيب كما سبق عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ولهذا كان هو المذكور في أخبار صفة الجنة ففي حديث أنس ترابها المسك متفق عليه (1) وطين نهر الكوثر المسك الأذفر رواه البخاري + أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي +
وفي خبر أبي هريرة في سوق الجنة ويجلس أدناهم وما فيهم دني على كثبان المسك والكافور رواه ابن ماجه والترمذي وقال غريب + أخرجه ابن ماجه والترمذي وابن حبان وإسناده ضعيف +
ومن قدم من الأطباء العنبر على المسك فقد أخطأ وكون العنبر لا يتغير على طول الزمان فهو كالذهب فهذه خاصية واحدة للعنبر لا تقاوم ما في المسك والله أعلم
ميعة فيها قبض وتجفيف حارة يابسة وقيل رطبة تسخن وتلين وتنضج وقيل تنقي الدماغ وتنفع الجذام وتمسك الطبع يؤخذ منها إلى مثقال وتنفع من السعال والزكام والنزلات والبحوحة من رطوبة وتحدر الحيض شربا وحملا وهي مصدعة وقيل تضر بالرئة ويصلحها المصتكي
ند يسخن إذا بخر به والبخور به يقوي القلب وينفع من السموم وهو مركب من عود هندي ومسك وعنبر يعجن بهما وقد يعمل من عنبر ومسك وقد يضم إلى ذلك الكافور
نرجس يروى فيه وفي المرزنجوش والبنفسج عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يصح وبعضه في المستوعب وهو في موضوعات ابن الجوزي والنرجس معتدل في الحر واليبس يلطف وقيل حار يابس في الثانية وقيل في الثالثة فيه تحليل قوي
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/393)
وينفع الزكام البارد ويفتح سدد الدماغ والمنخرين وينفع من الصداع عن رطوبة أو سوداء ويصدع الرؤوس الحارة ويصلحه البنفسج أو الكافور وأصله وهو بصل يدمل القروح الغائرة إلى العصب وله قوة جالية جاذبة تجذب من القعر ويجلو ويخرج الشوك ويجلو الكلف وينفع من داء الثعلب ويهيج الدبيلات وأكله يهيج القيء ويجذب الرطوبة من قعر البدن والمحدق منه إذا شق بصله صليبا وغرس صار مضاعفا ومن أدمن شمه في الشتاء أمن البرسام في الصيف وفيه من العطرية ما يقوي القلب والدماغ قال صاحب التيسير شمه يذهب بصرع الصبيان
ورد مركب من جوهرين مائي وأرضي فيه حراقة وقبض ومرارة ومرارته تقل إذا يبس بارد في الأولى يابس في الثانية وقيل في الثالثة متوسط في الغلظ واللطافة تجفيفه أقوى من قبضه يقوي الأعضاء الباطنة واللثة والأسنان ويصلح نتن العرق إذا استعمل في الحمام ويقطع الثاليل وإذا استعمل مسحوقا ينفع من القروح والسجوح في المعلى وينبت اللحم في القرحة العميقة مسكن للصداع الحار مهيج للزكام والعطاس وأقماعه تنفع من نفث الدم وهو نافع للكبد والمعدة ويسكن أوجاع السفل طلاء بريشة ويحتقن بطبيخه لقروح الأمعاء والطري منه يسهل عشرة دراهم منه عشرة مجالس وثلاثة دراهم منه تنفع من حرارة حمى الربع ويابسه لا يسهل وإذا طبخ مع العدس وضمدت به المعدة نفع قروحها وإذا أمسك في الفم نفع من النتن والقلاع لا سيما إذا خلط معه العدس والكافور وشم الطري يقوي الدماغ والقلب وهو يقطع شهوة الباه إذا اضطجع على المفروش منه أو أكل لتبريده وتجفيفه وماء الورد بارد وقيل حار يشد اللثة ويسكن وجع العين من حرارة وإذا تجرع منه نفع من الغشي ونفث الدم وقوى القوة وآلاتها والمعدة خشن الصدر ويصلحه نبات الجلاب ومن الورد نوع حار محرق
ورد صيني وهو ورد النسرين هو كالياسمين في أفعاله وأضعف منه ودهنه كدهن النرجس وهو حار يابس في الأولى وقيل في الثالثة منق ملطف
____________________
(2/394)
ينفع من برد العصب ويقتل الديدان في الأذن وينفع من طنينها ودويها ويفتح سدد المنخرين ويسكن القيء والفواق
ورد الخلاف وورد التفاح وورد الكمثرى وورد السفرجل بارد يقوي القلب والدماغ
ورد الجوري أجوده الأصفر حار في الأولى معتدل في اليبس ملطف محلل شمه ينفع الدماغ البارد الرطب ويحلل الرياح الغليظة وماؤه المطبوخ إذا شرب أدر الحيض وأسقط المشيمة ويحلل أورام الرحم إذا طلي على العانة
لأذن هو رطوبة تتعلق بشعر المعزى ولحاها إذا رعت نباتا معروفا يقع عليه طل وترتكم عليه نداوة فإذا علق بشعر المعزى أخذ عنها وكان اللاذن والرديء منه ما يعلق بأظلافها وأجوده الدسم الرزين الطيب الريح الذي لونه إلى الصفرة وهو حار في آخر الأولى وقيل في آخر الثانية رطب وقيل يابس وهو لطيف جدا وفيه يسير قبض منضج للرطوبات الغليظة اللزجة وينبت الشعر المنتشر ويكثفه ويحفظه مع دهن الآس ويخرج الجنين الميت والمشيمة تدخينا في قمع وإن شرب بشراب عقل البطن وأدر البول وهو ينقي البلغم وقدر ما يؤخذ منه إلى نصف درهم ويلين صلابة المعدة والكبد ويقويهما إذا كان قد نالها ضعف من برد
ياسمين ويقال له ياسمون وهو أبيض وأصفر وأرجواني والأبيض أسمنه وبعده الأصفر وهو يابس حار في الدرجة الثالثة وقيل في الثانية ويلطف الرطوبات ويذهب الكلف ويحلل الصداع البلغمي إذا شم وينفع أصحاب اللقوة والفالج ويفتح السدد وينفع من عرق النسا وكثيره ينفع الطحال ويورث الصفار ورائحته مصدعة ويصلحه الكافور
____________________
(2/395)
فصل في عرق النساء وما ورد في دوائه
عن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دواء عرق النسا ألية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ في ثلاثة أجزاء ثم تشرب على الريق في كل يوم جزء رواه ابن ماجه ولأحمد ألية كبش عربي أسود ليس بالعظيم ولا الصغير (1)
عرق النسا وجع يبتدئ من مفصل الورك وينزل من خلف على الفخذ وربما امتد على الكعب وكلما طالت مدته زاد نزوله وتهزل معه الرجل والفخذ وفي هذا الخبر تسمية هذا المرض بعرق النسا أعم من النساء فهو من إضافة العام إلى الخاص ككل الدرهم أو بعضها وإن النسا هو المرض الحال بالعرق فهو إضافة الشيء إلى محله ومنع بعضهم من هذه التسمية وقال النسا هو العرق نفسه فيكون من إضافة الشيء إلى نفسه وهو ممتنع وقيل سمي بذلك لأن ألمه ينسي ما سواه وهذا الخبر خطاب لأهل الحجاز وما قاربهم لأن هذا المرض يحدث من يبس أو مادة غليظة أو لزجة فعلاجها بالإسهال والألية فيها الخاصتان الإنضاج والإخراج وتعيين الشاة بالأعرابية لقلة فضولها ورعيها نبات البر الحار كالشيح والغالب على الناس استعمال الأدوية المفردة وغالب أطباء الهند والروم واليونان يعتنون بالمركبة والتحقيق اختلاف الدواء باختلاف الغذاء فالعرب والبوادي غذاؤهم بسيط فمرضهم بسيط فدواؤهم بسيط والعكس بالعكس والله أعلم فصل
عن أسماء بنت عميس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها بماذا كنت تستمشين قالت
____________________
1- أخرجه ابن ماجه وأحمد وقال البوصيري إسناده صحيح ورجاله ثقات
(2/396)
بالشبرم قال حار حار ثم قال استمشيت بالسنا فقال لو كان شيء يشفي من الموت لكان السنا رواه الترمذي وابن ماجه (1)
ولأبن ماجه من حديث عبد الله بن حرام عليكم بالسنا والسنوت فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام قيل وما السام قال الموت + أخرجه ابن ماجه وهو حديث ضعيف + بعض الأعراب يقولون في السنوت تسمين أي تليين الطبع ويسمى الدواء المسهل مشيا على وزن فعيل وقيل لأن المسهول يكثر المشي للحاجة
والشبرم قشر عرق شجرة حار يابس في الرابعة لم ير الأطباء استعماله لفرط إسهاله وهو يسهل الدواء والكيموس الغليظ والماء الأصفر والبلغم مكرب مغث والإكثار منه يقتل وينبغي إذا استعمل أن ينقع في اللبن الحليب يوما وليلة ويغير عليه اللبن في اليوم مرتين أو ثلاثا ويخرج ويجفف في الظل ويخلط معه الورد والكثيراء ويشرب بماء العسل أو عصير العنب والشربة منه من دانقين إلى أربعة بحسب القوة وقيل إن الشبرم لا خير فيه قتل بها أطباء الطرقات كثيرا من الناس وقوله حار حار ويروى حار بار
قال أبو عبيد أكثر كلامهم بالباء قيل الحار الشديد الإسهال وقيل هو من الإتباع الذي يقصد به تأكيد الأول مع أن في الحار معنى آخر وهو الذي يحر ما يصيبه لشده حرارته وأما بار فلغة في حار كصهريج وصهري والصهاري والصهاريج أو إتباع
وأما السنا فبالمد والقصر نبت حجازي أفضله المكي مأمون حار يابس في الدرجة الأولى يسهل الصفراء والسوداء ويقوي جرم القلب وخاصيته النفع من الوسواس السوداوي ومن الشقاق العارض في البدن ويفتح العضل وانتشار
____________________
1- أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب
(2/397)
الشعر ومن القمل والصداع العتيق والجرب والبثور والحكة والصرع وشرب مائة مطبوخا أصلح من شربة مدقوقا وقدر الشربة منه إلى ثلاثة دراهم ومن مئة إلى خمسة وإن طبخ معه شيء من زهر البنفسج والزبيب الأحمر المنزوع العجم كان أصلح وقيل الشربة منه من أربعة دراهم إلى سبعة
وأما السنوت فقيل العسل وقيل رب عكة سمن وقيل الكمون وقيل جب يشبهه وقيل الرازيانج وقيل الشبت وقيل التمر وقيل العسل الذي يكون في زقاق السمن قال بعضهم وهذا أقرب فيخلط السنا مدقوقا بعسل مخالط لسمن ثم يلعق لما فيهما من إصلاح السنا وإعانته على الإسهال والله أعلم فصل في خواص القسط البحري الهندي والزيت والزيتون
عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت (1) وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب + أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي + قال قتادة يلد من جانبه الذي يشتكيه رواهما الترمذي وقال حسن صحيح قال وذات الجنب يعني السل ولأحمد بالعود الهندي والزيت + أخرجه أحمد ومسلم + ولابن ماجه ورسا وقسطا وزيتا
وذات الجنب الحقيقي عند الأطباء ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع وغير الحقيقي وجع يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات والوجع في هذا ممدود وفي الحقيقي ناخس
____________________
1- أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وهو ضعيف
(2/398)
قال صاحب القانون قد يعرض في الجنب والصفاقات والعضل الذي في الصدور والأضلاع ونواحيها أورام موجعة تسمى شوصا وبرساما وذات الجنب وقد تكون أوجاع في هذه الأعضاء ليست من ورم ولكن من رياح غليظة فيظن أنها من هذه العلة ولا يكون
قال واعلم أن كل وجع في الجنب قد يسمى ذات الجنب اشتقاقا من مكان الألم لأن معنى ذات الجنب صاحبة الجنب والغرض ها هنا وجع الجنب فإذا عرض في الجنب ألم عن أي سبب كان نسب إليه وعليه حمل كلام بقراط في قوله إن أصحاب ذات الجنب ينتفعون بالحمام قيل المراد به كل من به وجع جنب أو وجع رئة من سوء مزاج أو من أخلاط غليظة أو لذاعة من غير ورم ولا حمى
قال بعضهم معنى ذات الجنب في لغة اليونان ورم الجنب الحاد أو ورم كل واحد من الأعضاء الباطنة ويلزم ذات الجنب الحقيقي السعال والوجع الناخس وضيق النفس والنبض المتساوي والعلاج الموجود
وليس هذا مراد الحديث بل الكائن عن الريح الغليظة فإن القسط البحري قال بعضهم وهو العود الهندي إذا دق ناعما وخلط به الزيت المسخن ودلك به مكان الريح المذكور أو لعق كان دواء موافقا لذلك نافعا محللا مقويا للأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد نافع من ذات الجنب ويذهب فضل الرطوبة
والعود المذكور جيد للدماغ قال ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقي إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية لا سيما وقت انحطاط العلة وقد عرف بذلك بطلان قول من قال إن الأطباء تنكر مداواة ذات الجنب بالقسط لحرارته الشديدة
وقال بعضهم اتفق الأطباء أنه يدر الطمث والبول وينفع من السموم ويحرك شهوة الجماع ويقتل الدود وحب القرع في الأمعاء إذا شرب بعسل ويذهب
____________________
(2/399)
الكلف إذا طلي عليه وينفع من برد المعدة والكبد والبرد ومن حمى الدور والربع وغير ذلك وهو صنفان وقيل أكثر بحري وهو الأبيض وهندي وقال بعضهم البحري أفضل منه وأقل حرارة وقيل هما حاران يابسان في الدرجة الثالثة والهندي أشد حرا وقيل القسط حار في الثالثة يابس في الثانية وقد ذكر جالينوس أنه ينفع من الكزاز بضم الكاف وبالزاي داء يأخذ من شدة البرد وأنه ينفع من وجع الجبين
وأما الزيت فقد قال تعالى ( ^ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ) النور 35
وروى ابن ماجه حدثنا الحسين بن مهدي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر مرفوعا ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة (1) إسناده ثقات وسأل أبو طالب لأحمد عنه ولفظه كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة + مسند أحمد والترمذي + وفيه عن زيد عن أبيه عن عمر فقال خطأ ليس فيه عمر إنما لقنوه عن عمر فقال عن عمر إنما هو مرسل حدثناه عبد الرزاق يعني كذلك وكذا قال ابن معين ورواه عبد بن حميد في مسنده عن عبد الرزاق فذكر عمر فيه والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة + أخرجه ابن ماجة والحاكم + مثله
قال الأطباء الزيت حار باعتدال إلى رطوبة وقيل حار رطب وقيل يابس والمعتصر من الزيتون النضيج أعدل وأجود من الفج منه فيه برد ويبس ومن الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال وينفع من السموم وينفع البطن ويخرج الدود والعتيق منه أشد
____________________
1- أخرجه عبد الحميد وابن ماجه والترمذي وهو حديث حسن
(2/400)
إسخانا وتحليلا يطلى به النقرس والمغسول من الزيت يوافق أوجاع الأعصاب والنساء وغسله أن يضرب مع الماء العذب المفتر مرات ويصفى زيت الإنفاق أن يعتصر من الزيتون الأخضر قال بعضهم بالماء خير أنواعه قال بعضهم هو أقل حرارة وألطف وأبلغ في النفع وذكر ابن جزلة إن هذا بارد يابس وجميع الزيت ملين للبشرة ويبطىء بالشيب
وأما الزيتون المالح يمنع من نفط حرق النار ويشد اللثة وورقه ينفع من الحمرة والنملة والقروح والشرى ويمنع العرق وينفع من الداحس ومنافعه كثيرة
وأما الورس فعن أم سلمة قالت كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف (1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وهو مختلف في حسنه وضعفه
الورس يجلب من اليمن قيل ينتحت من أشجاره وقيل يزرع بها ولا يكون منه شيء بريء ويزرع سنة فيبقى عشر سنين ينبت ويثمر في الأرض وهو في الحرارة واليبوسة في الدرجة الثانية قال بعضهم في أولها وأجوده الأحمر اللين في اليد القليل النخالة قابض لطيف يمنع من الكلف والنمش والحكة والبثور في سطح البدن والبهق والسفعة طلاء وإذا شرب نفع الوضح وفتت الحصاة ونفع من أوجاع الكلى والمثانة الباردة وقدر ما يشرب منه درهم وقيل يضر بالمثانة ويصلحه العسل قال بعضهم منافعه تقرب من منافع القسط البحري فصل في الصداع وأسبابه وفائدة الحجامة والحناء فيه
عن سلمى خادم النبي صلى الله عليه وسلم قالت ما سمعت أحدا قط يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
1- حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وسنده ضعيف
(2/401)
وجعا في رأسه إلا قال له احتجم ولا وجعا في رجليه إلا قال اخضبهما بالحناء حديث رواه أحمد وأبو داود
ولأحمد أيضا والترمذي وابن ماجه بالأسناد الحسن قال كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فما كانت تصيبه قرحة ولا نكبة إلا أمرني أن أضع عليها الحناء (1)
وروى ابن ماجه أنه عليه السلام كان إذا صدع غلف رأسه بالحناء ويقول إنه نافع بإذن الله من الصداع
الصداع وجع في الرأس فما كان لازما في أحد شقيه سمي شقيقة وإن كان شاملا لجميعه لازما سمي بيضة وخوذة تشبيها ببيضة السلاح التي تشتمل على الرأس كله وربما كان في مؤخر الرأس وفي مقدمه وحقيقة سخونة الرأس واحتماؤه لما كان فيه من البخار يطلب النفوذ من الرأس فلا يجد منفذا فيصدعه كما يتصدع الوعاء إذا حمي ما فيه وطلب النفوذ وكل رطب إذا حمى طلب مكانا أوسع من مكانه الذي كان فيه
وللصداع أسباب أحدها من الطبائع الأربعة ومن قروح في المعدة ومن ريح غليظة فيها وعن ورم في عروقها وعن امتلائها ويعد الجماع وبعد القيء وعن الحر وعن البرد وعن السهر وعن حمل شيء ثقيل عليه وعن كثرة الكلام وعن كثرة الحركة وعن عرض نفساني كالهم والغم وعن شدة الجوع وعن ورم في صفاق الدماغ السبب العشرون الحمى لاشتعال حرارتها فيه فيتألم
وسبب صداع الشقيقة مادة في شرايين الرأس وحدها حاصلة فيها أو مرتقية
____________________
1- أخرجه أحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وهو ضعيف
(2/402)
إليها فيقبلها الجانب الأضعف من جانبيه وتلك المادة إما بخارية وإما أخلاط حارة أو باردة وعلامتها الخاصة بها ضربان للشرايين وخاصة في الدموي وإذا ضبطت بالعصائب ومنعت من الضربان سكن الوجع
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عصب رأسه بعصابة في مرضه (1) فعصبه ينفع من أوجاعه
ومن المعلوم أن علاجه يختلف باختلاف أسبابه فالحناء علاج بعض أسبابه فينفع نفعا ظاهرا من حرارة ملهبة لا من مادة يجب استفراغها وإن ضمدت به الجبهة مع خل سكن الصداع وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به سكن أوجاعه وهذا يعم الأعضاء وفيه قبض تشتد به الأعضاء وإذا ضمد به موضع الورم الحار الملتهب سكنه
والحناء بارد في الأولى يابس في الثانية وقيل معتدل الحر والبرد وقوة شجره مركبه من قوة محللة اكتسبها من جوهر فيها مائي حار باعتدال ومن قوة قابضة اكتسبها من جوهر فيها أرضي بارد وهو محلل نافع من حرق النار وينفع مضغه من قروح الفم والسلاق العارض فيه وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى ودهن الورد نفع من أوجاع الجنب ويفعل في الجرح فعل دم الأخوين
ومن خواصه إذا لطخ به أسفل الرجلين أول خروج الجدري أمن على العينين منه صحيح مجرب وإذا جعل نوره بين طي ثياب الصوف طيبها ومنع السوس عنها ودهنه يحلل الإعياء ويلين العصب وإذا نقع ورقه في ماء عذب يغمره ثم عصر وشرب من صفوه أربعين درهما كل يوم عشرين يوما مع عشرة دراهم سكر وتغدى عليه بلحم الضأن الصغير نفع من ابتداء الجذام بخاصية فيه عجيبة
____________________
1- أخرجه البخاري وأحمد والترمذي
(2/403)
وينفع الأظفار معجونا ويحسنها ويعجن بسمن ويضمد به بقايا ورم حار الذي يرشح ماء أصفر وينفع من الجرب المتقرح منفعة بليغة وهو ينبت الشعر ويقويه ويحسنه ويقوي الرأس وينفع من النفاخات والبثور العارضة في البدن وشرب نصف مثقال منه ينفع من القولنج ومن خواصه إذا خضب به الرجل أصبح البول أحمر كبول المحموم فصل في العذرة أمراض الحلق وما ورد في علاجها
عن أم قيس بنت محصن أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها قد أعلقت عليه من العذرة قال يونس أعلقت غمزت فهي تخاف أن يكون به عذرة فقال علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق وفي لفظ الأعلاق عليكن بهذا العود الهندي يعني به الكست فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب يسعط من العذرة ويلد من ذات الجنب متفق عليه (1)
وللبخاري أيضا اتقوا الله علام تدغرن أولادكن ووصف سفيان الغلام يحنك بالإصبع فأدخل سفيان في حنكه إنما يعني رفع حنكه بأصبعه وقال في العود الهندي يريد القسط ولمسلم علامة أثبت هاء السكت هنا في الدرج والوصل
ولأحمد عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وعندها صبي تنبعث منخراه دما فقال ما لهذا قالوا به العذرة قال علام تعذبن أولادكن إنما يكفي إحداكن أن تأخذ قسطا هنديا فتحكه بماء سبع مرات ثم توجره إياه + أخرجه أحمد وإسناده صحيح على شرط الشيخين + ففعلوا ذلك فبرأ
قولها أعلقت عليه كذا في مسلم وكذا في البخاري من رواية معمر وغيره وفيه من رواية سفيان بن عيينة أعلقت عنه وهو المعروف في اللغة
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(2/404)
وقيل هما لغتان قال الجوهري الأعلاق الذعر يقال أعلقت المرأة ولدها من العذرة إذا رفعتها بيدها والعلاق بكسر العين والإعلاق أشهر لغة وقيل لا يجوز غيره وهو مصدر أعلقت عنه أي أزلت عنه العلوقوهي الآفة والداهية والإعلاق معالجة العذرة ويجوز أن يكون العلاق وهو الاسم منه وفي كلام بعضهم إنه شيء كانوا يعلقونه على الصبيان كذا قال
والعذرة بضم العين وبالذال المعجمة وهي وجع في الحلق يهيج الدم يقال في علاجها عذرته فهو معذور وقيل هي قرحه تخرج في الخرم الذي بين الأنف الحلق تعرض للصبيان غالبا عند طلوع العذرة وهي العذاري خمسة كواكب قيل في وسط المجرة
وقال الجوهري في آخرها وتعالج المرأة العذرة عادة بفتل خرقة تدخلها في أنف الصبي وتطعن ذلك الموضع فينفجر منه دم أسود وربما أقرحته وذلك الطعن يسمى دغرا وعذرا فمعنى تدغرن أولادكن أنها تغمز حلق الولد بأصبعها فترفع ذلك الموضع وتكبسه قال الجوهري الدغر أن ترفع لهاة المعذور وقال العذرة وجع الحلق من الدم وذلك الموضع أيضا عذرة وهو قريب من اللهاة وعذره الله من العذرة فعذر وعذر فهو معذور أي هاج به وجع الحلق من الدم قال جرير
( غمز ابن مرة يا فرزدق كينها % غمز الطبيب نغانغ المعذور )
أما نقع السعوط منها بالقسط المخردل فلأن العذرة مادتها دم يغلب عليه لكثرة تولده في أبدان الصبيان وفي القسط تجفيف يشد اللهاة ويرفعها إلى مكانها وقد يكون نفعه في هذا الداء بالخاصية وقد ينفع في الأدواء الحارة والأدوية الحارة بالذات تارة وبالعرض أخرى وذكر صاحب القانون في معالجة سقوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وبزر المرو
____________________
(2/405)
وروى أبو داود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استعط (1) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد + فصل في ذر الرماد على الجرح وفوائد نبات البردي +
في الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد جرح وجهه وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم وكان علي بن أبي طالب يسكب عليها بالمجن فلما رأت فاطمة الدم لا يزيد إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها حتى إذا صارت رمادا ألصقته على الجرح فاستمسك الدم + أخرجه البخاري ومسلم والحميدي وأحمد 6
البردي بالفتح نبت معروف بارد يابس قوي التجفيف لأن القوي التجفيف إذا كان فيه لذع هيج الدم فهو يمنع النزف ويقطع الرعاف ويذر على الجرح الطري فيدمله والقرطاس المصري كان قديما يعمل منه وينفع رماده من أكلة القمل ويمنع القروح الخبيثة أن تسعى فصل
في الصحيحين عن كعب بن عجرة قال كان بي أذى من رأسي فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى
ولمسلم فاحلقه واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة
____________________
1- وسبق في الفصل قبل الفصل قبله منافع القسط
وفي الصحيحين من حديث أنس إن أفضل ما تداويتم به الحجامة والقسط أو قال من أفضل دوائكم وفي لفظ الصحيحين إن أفضل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز
(2/406)
آصع من تمر بين ستة مساكين (1)
القمب يتولد من شيء خارج عن البدن وهو الوسخ في سطح الجسد ومن خلط رديء عفن تدفعه الطبيعة بين الجلد واللحم فتعفن الرطوبة الدموية في البشرة بعد خروجها من المسام فيكون منه القمل والقمل في الصبيان أكثر لكثرة رطوبتهم وتعاطيهم السبب الذي يولده ولذلك حلق النبي صلى الله عليه وسلم رؤوس بني جعفر رضي الله عنهم وحلقه من أكبر علاجه لتفتح مسام الأبخرة فتتصاعد فتقل مادة الخلط وينبغي طلي الرأس بعد حلقه بدواء يقتل القمل ويمنع تولده وأكل التين اليابس يولد دما ليس بالجيد فلذلك يقمل
قال بعض الأطباء سبب تولد القمل رطوبة فاسدة تغلظ عن مقدار العرق قليلا فلا تنفذ في المسام فيتولد في عمق الجلد لا في سطحه فيطلى الرأس أو المكان الذي يتولد فيه القمل بصبر وبورق ومر في الحمام ويترك ساعة ثم يغسل أو يطلى بالزئبق المقتول بدهن الورد ويكثر الاستحمام ولبس الكتان فإنه أقل الثياب إقمالا أو يترك الأغذية الغليظة الحارة
قال محمد بن زكريا صاحب القمل تعرض له صفرة في وجهه وقلة شهوة الطعام وينحف بدنه وتضعف قوته فصل يتعلق بما قبله في النخل وثمره وفوائد وتشبيهه المؤمن به وبالأترج
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وأحمد
(2/407)
المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر ولا ريح لها وفي رواية الفاجر بدل المنافق وروى ذلك مسلم والبخاري
وله في لفظ المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها (1)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الزرع لا يزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل الكافر كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد رواه مسلم والبخاري ولفظه
مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تفيء ورقه من حيث اتتها الريح تكفئها فإذا سكنت اعتدلت وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء ومثل الكافر كمثل الأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء + أخرجه البخاري ومسلم +
وفي الصحيحين هذا المعنى من حديث كعب بن مالك + أخرجه البخاري ومسلم وأحمد + وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله قال فقال هي النخلة قال فذكرت ذلك لعمر قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا متفق عليهما + أخرجه البخاري ومسلم +
ة فيهما أيضا مثل المؤمن فجعلت أريد أن أقولها فإذا أسنان القوم
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(2/408)
فأهاب أن أتكلم
وللبخاري كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جمارا وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم وترجم عليه البخاري باب ما لا يستحى منه من الحق للتفقه في الدين
وفي الصحيحين ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم فترجم عليه البخاري باب إكرام الكبير وباب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا القرآن واقرأوه وارقدوا فإن مثل القرآن من تعلمه فقام به كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه كل مكان ومثل من تعلمه ورقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكىء على مسك رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه (1)
الخامة بخاء معجمة وميم خفيفة الطاقة الغضة اللينة من الزرع وألفها منقلبة عن واو وتستحصد بفتح أوله وكسر الصاد أي لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه وضبطه بعضهم بضم أوله وفتح الصاد
واختلف العلماء في وجه تشبيه النخلة بالمسلم فقيل لأنها لا تحمل حتى تلقح وقيل لأنها إذا قطع رأسها ماتت وقيل وهو الأظهر لكثرة خيرها وطيب ثمرها ودوام ظلها ووجوده دائما وأكله على صفات وأنواع مختلفة ويتخذ منه منافع مختلفة ويتخذ منه منافع من حشيشها وورقها وأغصانها خشبا وجذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وقفافا وليفا وحبالا وغير ذلك ونواها علف للإبل فهي كلها منافع وخير وجمال كالمؤمن خير كله لإيمانه وكثرة طاعاته
____________________
1- أرجه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن
(2/409)
والجمار بضم الجيم وتشديد الميم ما يؤكل من قلب النخل يكون لينا قال أهل اللغة الجمار شحم النخل وجمرت النخلة قطعت جمارها قال الأطباء هو بارد يابس في الأولى وقيل في الثانية قابض ينفع من خشونة الحلق والإسهال والنزف وغلبة المرة الصفراء وثائرة الدم ويختم القروح وينفع من لسع الزنبور ضمادا ويقوي الأحشاء وليس برديء الكيموس ويغذو غذاء يسيرا ويبطىء في المعدة ويؤلمها ويصلحه التمر والشهد قال بعضهم ويضر بالصدر والحلق وأجوده الحلو الرطب وسبق الكلام قريبا في التمر والريحان والمسك
وأما الأترج فبهمزة وراء مضمومتين وتاء ساكنة وجيم مشددة الواحدة أترجة وقال علقمة بن عبدة
( يحملن أترجة نضخ العبير بها % كأن تطيابها في الأنف مشموم )
وحكى أبو زيد ترنجة وترنج له قوى مختلفة أجوده الكبار السوسي قشرة حار يابس في الدرجة الثانية ولحمه حار رطب في الأولى وقيل في الثانية وقيل بارد وبذره حار فيه يسير رطوبة وقيل بارد في الثانية وهو يابس وحمضه بارد يابس في الثالثة رائحته تصلح فساد الهواء والوباء وتضر بالدماغ الحار ويصلحه البنفسج وقشره من المفرحات الترياقية ويجعل في الثياب يمنع السوس ويطيب النكهة إذا جعل في الفم ويحلل الرياح وإذا جعل في الطعام كالأبازير أعان على الهضم
قال صاحب القانون وعصارة قشره تنفع من نهش الأفاعي شربا وقشره ضمادا وحراقة قشره طلاء جيد للبرص انتهى كلامه
قال ابن جزلة ولحمه رديء للمعدة بطيء الهضم يورث القولنج والضربان وقال غيره هو ملطف لحرارة المعدة نافع لأصحاب المرة الصفراء قامع للبخارات الحادة قال الغافقي أكل لحمه ينفع البواسير انتهى كلامه
وأما حماضة فيجلو الكلف واللون ويذهب القوباء طلاء ولهذا يقلع صبغ
____________________
(2/410)
الحبر طلاء ويقمع الصفراء ويشهي الطعام وينفع الخفقان من حرارة ويطيب النكهة مشروبا عاقل للطبيعة نافع من الإسهال الصفراوي قاطع للقيء الصفراوي ويوافق المحمومين ويضر بالصدر والعصب ويصلحه شراب الخشخاش وينفع من اليرقان شربا واكتحالا ويسكن غلمة النساء والعطش قال بعضهم البلغمي لأنه يلطف ويقطع ويبرد ويطفئ حرارة الكبد ويقوي المعدة ويقوي القلب الحار المزاج وفيه ترياقية
وأما بزره فله قوة محللة مجففة ملين مطيب للنكهة وخاصة للنفع من السموم القاتلة وخصه بعضهم بلسع العقارب إذا شرب منه وزن مثقالين بماء فاتر أو طلاء مطبوخ وكذا إن دق ووضع على موضع اللسعة
قال الأطباء إذا بخرت شجرته بالكبريت تناثر قالوا وإذا يبس وأحرق وسحق ناعما وجعل في خرقة كتان ودفعت إلى امرأة تشمها فإن أخذها العطاس فهي ثيب وإلا فبكر
وذكر أن بعض الأكاسرة غضب على قوم من الأطباء فأمر بحبسهم وخيرهم أدما لا مزيد لهم عليه فاختاروا الأترج فقيل لهم لم اخترتموه على غيره قالوا لأنه في العاجل ريحان ونظره مفرح وقشره طيب الرائحة ولحمه فاكهة وحمضه أدم وحبه ترياق وفيه دهن
وكان بعض السلف يحب النظر إليه لما في منظره من التفريح
قال ابن جزلة ورق الأترج حار يابس فيه تحليل وتجفيف وعصارته إذا شربت نفعت من رطوبة المعدة وبردها وإذا مضغ طيب النكهة وقطع رائحة الثوم والبصل فلهذه المنافع العظيمة الكثيرة حصل تشبيه المؤمن بذلك
وأما الحنظل وهو العلقم وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن طعمه مر ولا ريح له وهذا حق معلوم ولا يلزم من هذا أنه لا نفع فيه وقد ذكر الأطباء فيه منافع ومضار وأنه ربما قتل قالوا منه ذكر ومنه أنثى فالذكر ليفي والأنثى رخو أبيض سلس والأسود منه رديء وإذا لم تنسلخ خضرته عنه فهو رديء
____________________
(2/411)
وإذا لم يكن على شجرتها إلا حنظلة واحدة فهي رديئة قتالة وأجوده الأصفر الهندي المدرك في أيام الربيع وهو حار في الثالثة وقيل في الثانية وقيل بارد رطب
وهو محلل مقطع جاذب إذا دلك به الجذام وداء الفيل نافع من أوجاع العصب والمفاصل والنسا والنقرس البارد وينقي الدماغ وينفع من بدو الماء في العين وأصله نافع من الاستسقاء وهو يسهل البلغم من المفاصل والعصب ويسهل المرار الأسود وينفع من القولنج الريحي والشربة منه نصف درهم مع عسل ودانق ونصف مع الأدوية وأصله ينفع من لدغ الأفاعي وهو من أنفع الأدوية للدغ العقرب طلاء وشربا ويتبخر منه للبواسير وشربه ربما أسهل الدم وهو يضر بالمعدة وتصلحه الكثيراء وإذا احتمل قتل الجنين والمجتنى أخضر يسهل بإفراط ويقيىء بإفراط وكرب حتى إنه ربما قتل والمفرد الثابت في أصله وحده ربما قتل منه وزن دانقين ولا يخفى أن استعمال مثل هذا على كلام الأطباء على خطر إلا من اجتهد فيه فاجتناه بنفسه أو من يثق به واعتبر ما ذكروه من صفاته واحتاط مع تعجيل ألم بأكله فالحاصل أن الإنسان فيه على خوف من القتل والأذى وعلى يقين من الألم ونفعه محتمل وغايته الظن وأين هذا من الأترج
وأما الأرز فقال أهل اللغة هو بفتح الهمزة وراء ساكنة ثم زاي شجر معروف يقال له الأرزن يشبه شجر الصنوبر بفتح الصاد يكون بالشام وبلاد الأرمن وقيل هو الصنوبر
وذكر الجوهري عن أبي عمرو والأرزة بالتحريك شجر الأرزن قال وقال أبو عبيدة الأرزة بالتسكين شجر الصنوبر
وقال الأطباء هو ذكر شجر الصنوبر وهو الذي لا يثمر وكلام رسول الله
____________________
(2/412)
صلى الله عليه وسلم ومقصودة بذلك حق وصدق واضح معلوم لا شك فيه ولا يلزم أنه لا نفع فيه وقد ذكر بعض الأطباء فيه منافع والله أعلم بذلك وصحته فصل في اللحوم وأنواعها وأجزاء الحيوان ومعالجتها
يتعلق بما قبله قال تعالى ( ^ ولحم طير مما يشتهون ) الواقعة 21
وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل اللحم وأكل لحم دجاج (1) وسبق فيه كلام في حفظ الصحة وسيأتي في آداب الأكل إنكاره عليه السلام على من امتنع من المباحات مطلقا
وعن بريدة مرفوعا سيد أدم أهل الدنيا والآخرة اللحم + أخرجه بأتم مما هنا ابن قتيبة في غريب الحديث وضعفه أبو زرعة الرازي وأخرجه الطبراني وأخرجه البيهقي قال الدارقطني كذاب + حديث حسن رواه ابن قتيبة في غريبه وابن جرير الطبري محتجا به وقال العقيلي لا يصح
وعن أبي الدرداء مرفوعا سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم + أخرجه ابن ماجه وابن حبان بسند ضعيف جدا +
وعنه أيضا ما دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لحم قط إلا أجاب ولا أهدي إليه لحم قط إلا قبله + أخرجه ابن ماجه وإسناده إسناد الذي قبله + رواهما ابن ماجه من رواية سليمان بن عطاء الجزري وهو واه عندهم قال أبو زرعة وغيره منكر الحديث
وفي مسلم أو في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم فضل عائشة على النساء كفضل
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/413)
الثريد على سائر الطعام (1) أي ثريد كل طعام أفضل من مرقه فثريد اللحم وغيره أفضل من مرقه
وروى أبو داود عن ابن عباس قال كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز والثريد من الحيس + حديث حسن أخرجه ابن سعد وأبو داود وأبو الشيخ والحاكم +
وقال الشاعر
( إذا ما الخبز تأدمه بلحم % فذاك أمانة الله الثريد )
فاللحم سيد الأدام والخبز أفضل القوت واختلف الناس أيهما أفضل ويتوجه أن اللحم أفضل لأنه طعام أهل الجنة ولأنه أشبه بجوهر البدن ولقوله تعالى ( ^ أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) البقرة 61
والأشهر أن المن ماء يقع على الشجر أو العسل أو شراب خلافا لمن ذهب أنه خبز والأشهر أن السلوى طائر وقيل العسل والأشهر أن الفوم الحنطة أو الحبوب لا الثوم فظهر أن على الأشهر أن اللحم خير من الحنطة والحب والحاجة إلى الخبز أكثر ويأتي فصل في ذكر الخبز بعد هذا الفصل
ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال كلوا اللحم فإنه يصفي اللون ويخمص البطن ويحسن الخلق وعنه أيضا من تركه أربعين ليلة ساء خلقه
وقال محمد بن واسع أكل اللحم يزيد في البصر
وقال الزهري أكل اللحم يزيد سبعين قوة وأما إدمان اللحم فليس هو بطريق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه رضي الله عنهم هذا معلوم من حالهم
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(2/414)
ولهذا قال أحمد أكره إدمان اللحم وقال نافع وكان عمر إذا كان رمضان لم يفته اللحم وإذا سافر لم يفته اللحم يعني للمحافظة على بقاء القوة والصحة وللتقوي على العبادة
وفي الخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله ليبغض أهل البيت اللحمين (1)
وقيل هم الذين يكثرون أكل لحم الناس بالغيبة روي عن سفيان الثوري
وقيل هم الذين يكثرون أكل اللحم ويدمنونه قال ابن الأثير في النهاية وهو أشبه
قال أحمد في رواية الميموني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر ذكره مالك في الموطأ عنه
قال إبراهيم الحربي وغيره يعني إذا أكثر منه ومنه كلب ضار ومثل هذا معلوم بالتجربة ولهذا لم يذكر الفقهاء في كتاب النفقات صريحا أنه يجب للمرأة اللحم كل يوم ولو كانت موسرة تحت موسر وذلك محرر في النفقات
وذكر الخلال عن أحمد أنه قيل له كم يأكل الرجل اللحم قال في أربعين يوما ولعل عنده في ذلك أثرا فإنه قال إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل ولعل مراده أكثر ما ينبغي تركه ومراده ما لم يحتج إليه
وقد قال أبقراط لا تجعلوا أجوافكم مقبرة للحيوان يعني إدمان اللحم
وقال الأطباء اللحوم لا تصلح للمبتلى وإدمان اللحم يورث الامتلاء ويحتاج إلى الفصد واللحم الأحمر أغذى من السمين وأقل فضولا والأجود المتوسط بين السمين والهزيل
____________________
1- أخرجه البيهقي بإسناد ضعيف
(2/415)
| قال بعض الأطباء : اللحم ينبت اللحم والشحم لا ينبت اللحم ولا الشحم انتهى كلامه . | وأبعد اللحم من أن يعفن أقله شحما وأيبسه جوهرا أو اللحم مقو للبدن وأقرب استحالة إلى الدم | ( لحم الجدي ) : معتدل يبرئ من كل داء لا سيما الرضيع وهو أسرع هضما لقوة اللبن فيه : ملين للطبع . | وقال بعضهم : يوافق أكثر الناس في أكثر الأحوال . ولحم الحملان أغلظ منه وأسخن وأكثر فضولا وهو تال للحم الجدي في الجودة . | وقال ابن جزلة : تضر بالقولنج إذا كانت مشوية ويصلحه حلو السكر . | ( لحم الماعز ) : يابس قليل الحرارة وخلطه المتولد منه ليس بفاضل ولا جيد الهضم ولا محمود الغذاء ولحم التيس رديء مطلقا . | وقال الجاحظ : قال لي فاضل من الأطباء : يا ابا عثمان إياك ولحم المعز فإنه يورث الغم ويحرك السوداء ويورث النسيان ويفسد الدم وهو والله يخبل الأولاد . وقال بعض الأطباء : المذموم منه المسن لا سيما للمسنين ولا رداءة فيه لمن اعتاده . وجالينوس جعل الحولي منه من الأغذية المعتدلة الكيموس المحمود وإناثه أفضل من ذكوره . | وذكر بعضهم : أن ما يضر من ذلك يختلف باختلاف الناس فيضر مع ضعف المزاج والمعدة وعدم اعتياده والعكس بالعكس والله أعلم . | ( ولحم الضأن ) : حار في الثانية رطب في الأولى يولد دما قويا محمودا لمن جاد هضمه . يصلح لمن مزاجه بارد ومعتدل نافع لأصحاب المرة السوداء
____________________
(2/416)
يقوي الذهن والحفظ وحراقة لحمه تطلى على البهق والقوابي ورماد لحم البيض ينفع بياض العين ولحمه المحترق للسع الحيات والعقارب ويولد أكله بلغما فيتبع بما يحلله وينفذه كحلو السكر ويضر لمن اعتاده الغثيان فيعمله بأمراق قابضة ولحم النعاج والهرم والعجيف رديء
والأسود من لحم الذكر أجود وأخف وألذ وأنفع والخصي أنفع وأجود وأفضل اللحم المتصل بالعظم والأيمن أخف وأجود من الأيسر ومقادم الحيوان أخف وأسخن وكل ما علا منه سوى الرأس كان أخف وأجود مما سفل
وأعطى الفرزدق رجلا يشتري له لحما وقال له خذ المقدم وإياك والرأس والبطن فإن الداء فيهما
وقد روى ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها اتخذي غنما فإن فيها بركه (1) إسناد جيد
ولابن ماجه بإسناد جيد من حديث عروة البارقي الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة + أخرجه بتمامه ابن ماجه وأبو يعلى وإسناده صحيح + ورواه البرقاني على شرط الصحيحين
ولابن ماجه من حديث ابن عمر الشاة من دواب الجنة + أخرجه ابن ماجه وابن عدي بإسناد ضعيف +
____________________
1- إسناده صحيح أخرجه أحمد وابن ماجه
(2/417)
وروى النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحسنوا إلى المعز وأميطوا عنها الأذى فإنها من دواب أهل الجنة (1)
وفي الموطأ عن أبي هريرة أنه قال لرجل أحسن إلى غنمك وامسح الرعام عنها وأطب مراحها وصل في ناحيتها فإنها من دواب الجنة والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي على الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان + أخرجه البخاري وأخرجه مختصر أحمد والبيهقي + الرعام بضم الراء والعين المهملة المخاط
لحم البقر بارد يابس أكثر من لحم المعز وقيل حار يابس في الرابعة كثير الغذاء
وأفضل ما أكل منه في فصل الربيع غليظ عسر الهضم بطيء الانحدار يولد دما غليظا منتنا سوداويا لا يصلح لأهل الكد والتعب الشديد
ويورث إدمانه الأمراض السوداوية كالجرب والبهق والجذام والقوبا وداء الفيل والسرطان والوسواس وحمى الربع وكثيرا من الأورام
____________________
1- أخرجه البزار وهو ضعيف
(2/418)
قال بعضهم وهذا لمن لم يعتده أو لمن لم يدفع ضرره بالثوم والدارصيني والفلفل والزنجبيل ونحوه ولم يذكر ابن جزلة العادة وإنما قال يقلل ضرره ويصلحه بعض الإصلاح الدارصيني والزنجبيل والفلفل
ولحم الأنثى أقل يبسا ولحم الذكر أقل بردا ولحم العجل لا سيما السمين قال بعضهم القريب العهد بالولادة حار رطب معتدل الغذاء طيب لذيذ محمود
قال ابن جزلة خير من الكباش قال ويضر بالمطحولين ويصلحه الرياضة والاستحمام
لحم الجزور شديد الحرارة والإسخان يصلح لأصحاب الكد الشديد والرياضة القوية غليظ الغذاء يولد السوداء ويصلحه الزنجبيل المربى
وقال بعضهم من اعتاده لا يضره بل هو كلحم الضأن لمن اعتاده ومثله لحم الخيل
لحم الغزال أصلح الصيد وأحمده على أنها بأسرها رديئة تولد دما غليظا سوداويا والغزال أقلها غذاء وأجوده الخشف وهو حار يابس وقيل معتدل ينفع من القولنج والفالج ويصلح للبدن الكثير الفضول وهو يجفف ويسخن وتصلحه الأدهان والحوامض
لحم الأرنب بعد الغزال في الجودة وأجوده ما تصيد الكلاب حار يابس يجلس في مرقه صاحب النقرس ووجع المفاصل ويقارب منفعته مرق الثعلب ولحمه المشوي جيد لقروح الأمعاء وهو يعقل الطبع ويدر البول ويفتت الحصاة وهو غليظ يحدث حمى الربع وأكل رؤوسها ينفع من الرعشة
لحم الكباش الجبلية والحمر الوحشية حارة يابسة في الدرجة الثالثة رديء الغذاء عسر الانهضام وحمار الوحش كثير الغذاء يولد دما غليظا
____________________
(2/419)
سوداويا وشحمه نافع مع دهن القسط لوجع الظهر والريح الغليظة المرخية للكلى وشحمه جيد للكلف طلاء
لحم الضب حار يابس يقوي شهوة الجماع وبعره يطلى به الكلف والنمش ويقلع بياض العين وإذا دق لحمه ووضع على موضع الشوكة اجتذبها
لحم الأجنة غير محمود لاختناق الدم وليست بحرام
الرؤوس غليظة كثيرة الاغذاء تؤكل في زمان البرد مسخنة كثيرا ما تهيج منها الحمى والقولنج لكنها تقوي غاية القوة وتزيد في المني
الأكارع تولد دما أبرد وألزج وأخف مما يولد اللحم
الألية رديئة الغذاء بطيئة الهضم ويصلحها الأبازير الحارة وهي حارة رديئة للمعدة متخمة تولد الصفراء
والشحم حار رطب أقل رطوبة من السمن ولهذا لو أذيبا كان الشحم أسرع جمودا ينفع من خشونة الحلق ويرخي ويعفن ويدفع ضرره بالليمون المملوح والزنجبيل وشحم المعزى أقبض الشحوم وشحم التيس أشد تحليلا وينفع من قروح الأمعاء وشحم العنز أقوى في ذلك ويحتقن به للزحير
اللحم المشوي كثير الإغذاء يقوي البدن ويغذيه بسرعة ويصلح لمن استفرغ بدنه غير أنه عسر الهضم لا يكاد يستولي عليه الهضم عن آخره ولا ينبغي على طعام ولا يخلط معه غيره ولا يشرب عليه ساعة الأكل إلا قليلا لا بد منه والمطبوخ أرطب وأخف وأنفع وأردؤه المشوي في الشمس والمشوي على الجمر والرضف وهو الحنيذ خير من المشوي باللهب
وعن عبد الله بن الحارث قال أكلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لحما في المسجد قد شوي فمسحنا أيدينا بالحصباء ثم قمنا نصلي ولم
____________________
(2/420)
نتوضأ حديث صحيح أخرجه أحمد وابنه عبد الله وابن ماجه والترمذي (1) أخرجه ابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي والخطيب وأخرجه الطبراني والحاكم أخرجه ابن سعد والدارقطني والبيهقي والخطيب بإسناد صحيح + إسناد جيد رواه ابن ماجه
____________________
1- رواه أحمد وابن ماجه وفيه ابن لهيعة
قال بعضهم الشواء غليظ كثير الإغذاء لا يستمرئه إلا المعدة الحارة القوية يمسك البطن فينبغي أن يؤكل معه ما يلطفه وكثيرا ما يتولد عنه القولنج وخصوصا إذا أكل معه بقل كثير وشرب عليه الماء
المطجنة اغذاؤها رديء قليل يصلح لمن يتجشى جشاء حامضا
القلايا حارة معتدلة اليبس فإن كانت مقلوة بالسمن فهي بطيئة تجود الحفظ وتقطع البلاغم وهي تضر بفم المعدة لبطء هضمها وتصلحها المحمضات وكل ضرب من المطجنات والقلايا قليلة الإغذاء بالإضافة إلى الألوان التي لها ثرد وأمراق تصلح لمن يشكو رطوبة ويجب تخفيف بدنه وتلطيفه
قديد أكله النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنفع من المكسود يقوي الأبدان قليل الغذاء ولهذا ينبغي أن يطبخ بالدهن واللبن وينفع المستسقي المترهل لا سيما المنقوع في الخل لقلة تعطيشه وكذا يطبخ المكسود بالدهن واللبن وهو حار يابس يضر بالقولنج
وعن أبي مسعود قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فكلمه فجعل ترعد فرائصه فقال هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد
(2/421)
وروي أيضا عن عائشة قالت لقد كنا نرفع الكراع فيأكله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خمس عشرة من الأضاحي (1)
قلوب حارة صالحة لأصحاب الكد وتضر بآلات الهضم لعسر انهضامها ولهذا تعمل بخل وفلفل وكمون وصعتر ويستعمل بعدها الزنجبيل المربى
كبد حارة رطبة الدم المتولد منها محمود ينبغي أن تعمل بما يلطفها كالزيت ونحوه
قال ابن جزلة وينبغي أن يجتنب كبود المواشي فإن أكل منها شيء فليتبع ببعض الجوارشنات وإذا انهضم القلب والكبد غذى كثيرا
كلى معتدلة الحر واليبس وقيل باردة رطبة تحبس الطبع خلطها رديء عسر الهضم فلهذا تنضج بالخل ونحوه
وقال ابن بختيشوع إدامة أكل كلى الغنم يعفن المثانة
رئة حارة رطبة سهلة الهضم تحبس الطبع يعلل بها الناقهون للطافتها وسرعة انحدارها قليلة الغذاء تضر بأصحاب الكد وقيل هي يابسة عسرة الهضم
كروش باردة عسرة الهضم رديئة الكيموس ينبغي أن تعدل بفلفل ونحوه
وأما لحم الطير فروى ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أطيب اللحم لحم
____________________
1- أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه والترمذي والنسائي
(2/422)
الطير (1) ويوافق ذلك تخصيصه تعالى لحم الطير بقوله ( ^ ولحم طير مما يشتهون ) الواقعة 21
لحم دجاج حار رطب في الأولى وقيل معتدل الحر يزيد في الدماغ والعقل والمني يصفي الصوت ويحسن اللون وهي من أغذية الناقهين ولا يصلح أن يداوى بها صاحب الرياضة والكد ويقال أكله دائما يورث النقرس ولا يصح هذا ولحم الديوك أسخن مزاجا وأقل رطوبة والعتيق منه دواء ينفع القولنج والربو والرياح الغليظة إذا طبخ بماء القرطم والشبت وخصيها محمود الغذاء سريع الهضم والفراريج سريعة الهضم ملينة للطبع دمها لطيف جيد
لحم الدراج حار يابس في الثانية خفيف لطيف سريع الهضم دمه معتدل والإكثار منه يحد البصر وهو أعدل وأفضل وألطف من لحم الحجل ويزيد في المني ويمسك الطبع ويصلح للناقهين
لحم الحجل وهو القبج من ألطف اللحوم حار رطب يعقل الطبع ويسمن ويزيد في الباه ويغذي كثيرا إذا استمرئت لأنها بطيئة الهضم
لحم الإوز كبار الطير جميعا غليظة اللحم وينبغي أن يطلى قبل شيه بزيت ليذهب سهوكته حار رطب أرطب الطير الحضري يخصب النحفاء ولكنه يملأ البدن فضولا غليظة ويطبخ بأبازير حارة
بط أجنحته أخف كثير الرطوبة والحرارة ولعله أرطب الطير الحامي وشحمه أفضل شحوم الطير يسكن الأوجاع واللذغ في عمق البدن ولحمه يصفي اللون والصوت يزيد في الباه إذا انهضم غذى كثيرا بطيء الهضم
____________________
1- أخرجه الحميدي أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي والحاكم وأبو نعيم والبيهقي وإسناده ضعيف
(2/423)
ثقيل كثير الفضول سريع إلى حدوث الحميات ويطبخ بأبازير حارة ويطلى بزيت قبل شيه
حبارى رطبة بين الدجاج والبط في الغلظ يسكن الرياح يضر بالمفاصل والقولنج عسرة الهضم يعمل بدارصيني وخل وزيت ويؤكل بعدها عسل أو زنجبيل مربى
لحم الكركي يابس والأصح حار يصلح لأصحاب الكد سيىء الاستمرار ولهذا يعمل بأبازير حارة وبعدها عسل
طاووس أجودها الحديثة السن حارة تصلح للمعدة الجيدة الهضم رديئة المزاج أعسر الطير هضما ولذلك ينبغي أن تترك بعد ذبحها يومين وتشد في أرجلها الحجارة وتعلق ثم تطبخ بالخل
قال بعضهم الطاووس إذا نظر إلى طعام مسموم أو شم روائح السم نشر جناحه وصاح ورقص وهذه حكمة اتخاذ الملوك له في مجالسهم لا كما يظن من لا خبرة له أن ذلك لحسن ريشه وكذلك الطائر المعروف بالببغاء
لحم العصفور حار يابس في الثانية عاقل للطبيعة ويزيد في الباه وخاصة أدمغة العصافير وتضر بالرطوبات الأصلية وتولد خلطا صفراويا وينبغي أن يعمل بدهن اللوز ومرقه يلين الطبع والمفاصل
لحم القنابر نحو ذلك لكن غذاؤها محمود ومرقها ينفع من القولنج
لحم الحمام حار قال بعضهم رطب وناهضه أجود من فراخه وفي فراخه حرارة ورطوبة فضلية تضر بالدماغ والعين جيد للباه والكلى يزيد في الدم
لحم القطا شديد اليبس قليل الحرارة عسر الهضم يولد السوداء رديء الغذاء يقل ضرره بالدهن لكنه ينفع الاستسقاء
لحم السماني حار يابس ينفع المفاصل من برد ويضر بالكبد الحارة ودفع مضرته بالخل والكسفرة وما كان من الطير في الأماكن العفنة والآجام
____________________
(2/424)
فالأولى اجتناب لحمه ولحم الطير أسرع هضما من المواشي وأسرعه ما قل غذاؤه وهو الرقاب وأدمغته أحمد من أدمغة المواشي
جراد حار يابس قليل الغذاء يهزل وإذا تبخر به نفع من تقطير البول وعسره وخاصة النساء وتبخر به البواسير ويشوى ويؤكل للسع العقرب ويضر أصحاب الصرع وخلطه رديء
والمرق نافع عند الأطباء عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الثفل (1) يعني ثقل المرق رواه أحمد
وروى أيضا الترمذي وابن ماجه عن أبي ذر مرفوعا إذا عملت مرقة فأكثر ماءها واغرف لجيرانك + أخرجه أحمد والدارمي والبخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي +
وعن محمد بن فضاء عن أبيه عن علقمة بن عبد الله المزني عن أبيه مرفوعا إذا اشترى أحدكم لحما فليكثر مرقته فإن لم يجد لحما أصاب مرقا وهو أحد اللحمين إسناد ضعيف رواه الترمذي + وإسناده ضعيف ورواه أيضا ابن عدي والمزي + وقال غريب فصل في الخبز وما ورد فيه وأنواعه وخواصها
وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر الألبان في فصول آداب الأكل وذكر مفردات ورد فيها شيء ومنها الجبن والسمن والزبد وأما ذكر الخبز فسبق فيه شيء
____________________
1- أخرجه أحمد والترمذي والبيهقي والحاكم وصححه الذهبي
(2/425)
في الفصل قبله
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده نزلا لأهل الجنة (1) وعن ابن عباس قال كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز والثريد من الحيس رواه أبو داود
وروي أيضا عن ابن عمر مرفوعا وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء مقلية بسمن ولبن فقام رجل من القوم فاتخذه فجاء به فقال في أي شيء كان هذا السمن فقال في عكة ضب قال ارفعه + أخرجه ابن ماجه وأبو داود والبيهقي +
وروى البيهقي عن عائشة مرفوعا أكرموا الخبز ومن كرامته أن لا تنتظر به الأدم + الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد + ولا يصح هذا وأظن ولا الذي قبله وقد روي ذكر الخبز في أحاديث
وأحمد أنواع الخبز أجوده اختمارا وعجنا ثم خبز التنور أجود من غيره ثم خبز الفرن ثم خبز الملة لاحتراق ظاهره وقلة نضج باطنه ويسيء الهضم وأجوده الخبز الذي من الحنطة الحديثة يسمن بسرعة وأكثر أنواعه تغذيه خبز السميد المتخذ من لباب الحنطة وأبطؤه هضما لقلة نخالته ولذلك يولد سدادا والقريب العهد بالطحن يحبس البطن والبعيد بالعكس
قال بعضهم وأحمد أوقات أكله في آخر اليوم الذي خبز فيه واللين منه أكثر تليينا وغذاء وترطيبا وأسرع انحدارا واليابس بخلافه
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وعبد بن حميد
(2/426)
والخبز الحار يعطش ويصفر لرطوبته البخارية ويشبع بسرعة لذلك هو أسرع انهضاما وأبطأ انحدارا والخبز اليابس يعقل والفطير إذا جعل في الماء رسب والمختمر جدا يطفو والمتوسط يتوسط
والفطير بطيء الهضم يولد الرياح والحصى والسداد وقد يقع من يداومه في أمراض خطرة لا يكاد يتخلص منها ومما يقلل ضرره الزنجبيل والأطريفل بعده أو ماء العسل والرياضة والاستحمام
والفتيت نفاخ بطيء الهضم والمعمول باللبن مسدد كثير الغذاء بطيء الإنحدار
وخبز الأبازير الذي يعجن بسيرج وسمسم يتخم ويؤذي المعدة ويولد خلطا رديئا ويصلحه اللبن أو السكر أو العسل
والخبز حار في وسط الدرجة الثانية قريب من الاعتدال في الرطوبة واليبس يغلب على ما جففته النار منه والرطوبة على ضده
والقطائف غليظة مسمنة مغذية للبدن جدا والزلابية أخف منها وأسرع هضما تنفع من السعال الرطب ورطوبة الصدر والرئة وتولد سخونة ويصلحها أن يؤخذ معها السكنجبين أو الرمان المز وقد يولد سددا
وخبز الشعير بارد يابس في الأول قليل الغذاء رديئه يصلحه الأشياء الدهنة ودقيق الحنطة ينقي الوجه فصل في استطباب غير المسلمين وائتمانهم ونظر الأطباء والطبيبات إلى العورات
يكره أن يستطب مسلم ذميا لغير ضرورة وأن يأخذ منه دواء لم يبين مفرداته المباحة وكذا ما وصفه من الأدوية أو عمله ذكره في الرعاية وغيرها وذكروا ألا تطب ذمية مسلمة ولا تقبلها مع وجود مسلمة تطبها أو تقبلها
____________________
(2/427)
وهذا مبني على تحريم نظر الذمية للمسلمة وإلا جاز وعنه أنها لا تقبلها
وقال في مجمع البحرين يجوز أن يستطب أهل الذمة في أحد الوجهين وذكر أبو الحسين في مسألة نظر الذمية لمسلم أنه يجوز أن يستطب ذميا إذا لم يجد غيره على احتمال في المذهب
قال المروذي أدخلت على أبي عبد الله رحمه الله نصرانيا فجعل يصف وأبو عبد الله يكتب ما وصفه ثم أمرني فاشتريت له
قال القاضي إنما يرجع إلى قوله في الدواء المباح فإن كان موافقا للداء فقد حصل المقصود وإن لم يوافق فلا حرج في تناوله وهذا بخلاف ما لو أشار بالفطر في الصوم والصلاة جالسا ونحو ذلك لأنه خبر متعلق بالدين فلا يقبل
قال أحمد رحمه الله في رواية أحمد بن الحسين الترمذي يكره شرب دواء المشرك
وقال المروذي كان يأمرني أن لا أشتري له ما يصف له النصارى ولا يشرب من أدويتهم وللدلالة على أن لا يؤمن أن يخلطوا بذلك شيئا من السمومات والنجاسات فهذا من القاضي يقتضى أن لا يجوز استعمال دواء ذمي لم تعرف مفرداته وسبق في الرعاية الكراهة وقد كرهه أحمد وفيما كرهه الخلاف المشهور هل يحرم أو يكره
وقال الشيخ تقي الدين إذا كان اليهودي أو النصراني خبيرا بالطب ثقة عند الإنسان جاز له أن يستطب كما يجوز له أن يودعه المال وأن يعامله كما قال تعالى ( ^ ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ) آل عمران 75
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلا مشركا هاديا خريتا (1)
____________________
1- أخرجه البخاري
(2/428)
والخريت الماهر بالهداية وائتمنه على نفسه وماله
وكانت خزاعة عيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم (1)
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحارث بن كلدة وكان كافرا + انظر سنن أبي داود وسنده حسن + وإذا أمكنه أن يستطب مسلما فهو كما لو أمكنة أن يودعه أو يعامله فلا ينبغي أن يعدل عنه وأما إذا احتاج إلى ائتمان الكتابي أو استطبابه فله ذلك ولم يكن من ولاية اليهود والنصارى المنهي عنها وإذا خاطبه بالتي هي أحسن كان حسنا فإن الله تعالى يقول ( ^ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) العنكبوت 46 انتهى كلامه
وذكر أبو الخطاب في حديثه صلح الحديبية وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عينا له من خزاعة وقبوله خبره أن فيه دليلا على جواز قبول المتطبب الكافر فيما يخبر به عن صفة العلة ووجه العلاج إذا كان غير متهم فيما يصفه وكان غير مظنون به الريبة
فإن مرضت امرأة ولم يوجد من يطبها غير رجل جاز له منها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره حتى الفرجين وكذا الرجل مع الرجل
قال ابن حمدان وإن لم يوجد من يطبه سوى امرأة فلها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره منه حتى فرجيه
قال القاضي يجوز للطبيب أن ينظر من المرأة إلى العورة عند الحاجة إليها نص عليه في رواية المروذي وحرب والأثرم وكذلك يجوز للمرأة والرجل أن ينظر إلى عورة الرجل عند الضرورة نص عليه في رواية حرب والمروذي وكذلك تجوز خدمة المرأة الأجنبية ويشاهد منها عورة في حال المرض إذا لم يوجد محرم نص عليه في رواية المروذي ولذلك يجوز لذوات المحارم أن
____________________
1- أخرجه البخاري وأحمد
(2/429)
يلي بعضهم عورة بعض عند الضرورة نص عليه في رواية جعفر وإسماعيل
وقال المروذي قلت لأبي عبد الله المرأة يكون بها الكسر فيضع المجبر يده عليها قال هذا ضرورة ولم ير به بأسا قلت لأبي عبد الله مجبر يعمل بخشبة فقال لا بد لي من أن أكشف صدر المرأة وأضع يدي عليها قال قال طلحة يؤجر قلت ابن مضرس قال نعم قلت فأيش تقول قال هذه ضرورة ولم ير به بأسا قلت لأبي عبد الله والكحال يخلو بالمرأة وقد انصرف من عنده من النساء هل هذه الخلوة منهي عنها قال أليس هو على ظهر الطريق قيل نعم قال إنما الخلوة تكون في البيوت فصل في الاستعانة بأهل الذمة
قال بعض أصحابنا ويكره أن يستعين مسلم بذمي في شيء من أمور المسلمين مثل كتابة وعمالة وجباية وخراج وقسمة فيء وغنيمة وحفظ ذلك ونقله إلا ضرورة
قال في الرعاية الكبرى ولا يكون بوابا ولا جلادا ونحوهما
وعن أبي موسى الأشعري أنه اتخذ كاتبا نصرانيا فانتهره عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعن عمر أيضا أنه قال لا ترفعوهم إذ وضعهم الله ولا تعزوهم إذ أذلهم الله
ولأن في الاستعانة بهم في ذلك من المفسدة ما لا يخفى وهي ما يلزم عادة أو ما يفضي إليه من تصديرهم في المجالس والقيام لهم وجلوسهم فوق المسلمين وابتدائهم بالسلام أو ما في معناه ورده عليهم على غير الوجه الشرعي وأكلهم من أموال المسلمين ما أمكنهم لخيانتهم واعتقادهم حلها وغير ذلك ولأنه إذا منع من الاستعانة بهم في الجهاد مع حسن رأيهم في المسلمين والأمن منهم وقوة المسلمين على المجموع لا سيما مع الحاجة إليهم على قول فهذا في معناه وأولى للزومه وإفضائه إلى ما تقدم من المحرمات بخلاف هذا
____________________
(2/430)
وبهذا يظهر التحريم هنا وإن لم تحرم الاستعانة بهم على القتال وقد نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يتخذوا الكفار بطانة لهم فقال تعالى ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم )
وبطانة الرجل تشبيه ببطانة الثوب الذي يلي بطنه لأنهم يسبطنون أمره ويطلعون عليه بخلاف غيرهم وقوله ( ^ من دونكم ) أي من غير أهل ملتكم
ثم قال تعالى ( ^ لا يألونكم خبالا ) أي لا يبقون غاية في إلقائكم فيما يضركم والخبال الشر والفساد ( ^ ودوا ما عنتم ) أي يودون ما يشق عليكم من الضر والشر والهلاك والعنت المشقة يقال فلان يعنت فلانا أي يقصد إدخال المشقة والأذى عليه ( ^ قد بدت البغضاء من أفواههم ) قيل بالشتم والوقيعة في المسلمين ومخالفة دينكم وقيل بإطلاع المشركين على أسرار المؤمنين ( ^ وما تخفي صدورهم أكبر ) أي أعظم ( ^ قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) آل عمران 118
قال القاضي أبو يعلى من أئمة أصحابنا وفي هذه الآية دليل على أنه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمة في أمور المسلمين من العمالات والكتبة ولهذا قال الإمام أحمد رضي الله عنه لا يستعين الإمام بأهل الذمة على قتال أهل الحرب وقد جعل الشيخ موفق الدين رحمه الله في هذه المسألة أصلا في اشتراط الإسلام في عامل الزكاة فدل على أنها محل وفاق
وقال الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي طالب وقد سأله يستعمل اليهودي والنصراني في أعمال المسلمين مثل الخراج فقال لا يستعان بهم في شيء فانظر إلى هذا العموم من الإمام أحمد نظرا منه إلى رديء المفاسد الحاصلة بذلك وإعدامها وهي وإن لم تكن لازمة من ولايتهم ولا ريب في لزومها فلا ريب في إفضائها إلى ذلك
ومن مذهبه اعتبار الوسائل والذرائع وتحصيلا للمأمور به شرعا من إذلالهم وإهانتهم والتضييق عليهم وإذا أمر الشارع عليه الصلاة والسلام بالتضييق عليهم
____________________
(2/431)
في الطريق المشتركة (1) فما نحن فيه أولى هذا مما لا إشكال فيه ولأن هذه ولايات بلا شك ولهذا لا يصح تفويضها مع الفسق والخيانة والكافر ليس من أهلها بدليل سائر الولايات وهذا في غاية الوضوح ولأنها إذا لم يصح تفويضها إلى فاسق فإلى كافر أولى بلا نزاع
ولهذا قد نقول يصح تفويضها إلى فاسق إما مطلقا أو مع ضم أمين إليه يشارفه كما نقول في الوصية ولأنه إذا لم تصح وصية المسلم إلى كافر في النظر في أمر أطفاله أو تفريق ثلثه مع أن الوصي المسلم المكلف العدل يحتاط لنفسه وماله وهي مصلحه خاصة يقل حصول الضرر فيها فمسألتنا أولى هذا مما لا يحتاج فيه إلى تأمل ونظر والله أعلم وقال الله تعالى ( ^ ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) النساء 141
وهذا من أعظم السبيل استدل الشيخ وجيه الدين وغيره من الأصحاب بهذه الآية على أنه لا يجوز أن يكون عاملا في الزكاة وقد قال أصحابنا في كاتب الحاكم لا يجوز أن يكون كافرا واستدلوا بقوله تعالى ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة ) آل عمران 118 وبقصة عمر على أبي موسى
وقال الشيخ تقي الدين في أول الصراط المستقيم في أثناء كلام له ولهذا كان السلف يستدلون بهذه الآية على ترك الاستعانة بهم في الولايات
فروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى قال قلت لعمر رضي الله عنه إن لي كاتبا نصرانيا قال ما لك قاتلك الله أما سمعت الله يقول ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) المائدة 51 ألا أتخذت حنيفيا قال قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه قال لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم
____________________
1- أنظر مسند أحمد والبخاري ومسلما وأبا داود والترمذي
(2/432)
إذ أقصاهم الله انتهى كلامه ورواه البيهقي وعنده فانتهرني وضرب على فخذي وعنده أيضا فقال أبو موسى والله ما توليته إنما كان يكتب فقال عمر له أما وجدت في أهل الإسلام من يكتب لا تدنهم إذ أقصاهم الله ولا تأمنهم إذ أخافهم الله ولا تعزهم بعد إذ أذلهم الله
وروى الإمام أحمد عن عمر رضي الله عنه أنه قال لا تستعملوا اليهود والنصارى فإنهم يستحلون الرشاء في دينهم ولا تحل الرشاء
وقال سعيد بن منصور في سننه حدثنا هشيم عن العوام عن إبراهيم التيمي قال قال عمر لا ترفعوهم إذ وضعهم الله ولا تعزوهم إذ أذلهم الله يعني أهل الكتاب كلهم أئمة لكن إبراهيم لم يلق عمر
وقطع الشيخ تقي الدين في موضع آخر بأنه يجب على ولي الأمر منعهم من الولايات في جميع أرض الإسلام وقال أيضا الولاية إعزاز وأمانة وهم يستحقون للذل والخيانة والله يغني عنهم المسلمين فمن أعظم المصائب على الإسلام وأهله أن يجعلوا في دواوين المسلمين يهوديا أو سامريا أو نصرانيا
وقال أيضا لا يجوز استعمالهم على المسلمين فإنه يوجب من إعلائهم على المسلمين خلاف ما أمر الله ورسوله والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يبدؤوا بالسلام وأمر إذا لقيهم المسلمون أن يضطروهم إلى أضيق الطرق وقال الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وقد منعوا من تعليه \ بنائهم على المسلمين فكيف إذا كانوا ولاة على المسلمين فيما يقبض منهم ويصرف إليهم وفيما يؤمرون به من الأمور المالية ويقبل خبرهم في ذلك فيكونون هم الآمرين الشاهدين عليهم هذا من أعظم ما يكون من مخالفة الله ورسوله
وقد قدم أبو موسى على عمر رضي الله عنهما بحساب العراق فقال ادع يقرؤه فقال إنه لا يدخل المسجد فقال لم قال لأنه نصراني فضربه
____________________
(2/433)
عمر بالدواة فلو أصابته لأوجعته وقال لا تعزوهم إذ أذلهم الله ولا تصدقوهم إذ كذبهم الله ولا تأمنوهم إذ خونهم الله
وكتب إليه خالد بن الوليد إن بالشام كاتبا نصرانيا لا يقوم خراج الشام إلا به فكتب إليه لا تستعمله فأعاد عليه السؤال وإنا محتاجون إليه فكتب إليه مات النصراني والسلام يعني قدر موته فمن ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه إلى أن قال وقد يشيرون عليهم بالآراء التي يظنون أنها مصلحة ويكون فيها من فساد دينهم ودنياهم ما لا يعلمه إلا الله وهو يتدين بخذلان الجند وغشهم يرى أنهم ظالمون وأن الأرض مستحقة للنصارى ويتمنى أن يتملكها النصارى
وقال أيضا كان صلاح الدين وأهل بيته يذلون النصارى ولم يكونوا يستعملون منهم أحدا ولهذا كانوا مؤيدين منصورين على الأعداء مع قلة المال والعدد وإنما قويت شوكة النصارى والتتار بعد موت العادل حتى قام بعض الملوك فأعطاهم بعض مدائن المسلمين وحدثت حوادث بسبب التفريط فيما أمر الله به ورسوله فإن الله تعالى يقول ( ^ ولينصرن الله من ينصره ) الحج 40
لى أن قال وهم إلى ما في بلاد المسلمين أحوج من المسلمين إلى ما في بلادهم بل مصلحة دينهم لا تقوم إلا بما في بلاد المسلمين والمسلمون ولله الحمد مستغنون عنهم في دينهم ودنياهم ففي ذمة المسلمين من علماء النصارى ورهبانهم من يحتاج إليهم أولئك النصارى وليس عند النصارى مسلم يحتاج إليه المسلمون مع أن افتداء الأسراء من أعظم الواجبات وكل مسلم يعلم أنهم لا يتجرون إلى بلاد المسلمين إلا لأغراضهم لا لنفع المسلمين ولو منعهم ملوكهم من ذلك لكان حرصهم على المال يمنعهم من الطاعة فإنهم أرغب الناس في المال ولهذا يتقامرون في الكنائس وهم طوائف كل طائفة
____________________
(2/434)
تضاد الأخرى
ولا يشير على ولي الأمر بما فيه إظهار شعارهم في دار الإسلام أو تقوية أيديهم بوجه من الوجوه إلا رجل منافق أو له غرض فاسد أو في غاية الجهل لا يعرف السياسة الشرعية التي تنصر سلطان المسلمين على أعدائه وأعداء الدين
وليعتبر المعتبر بسيرة نور الدين وصلاح الدين ثم العادل كيف مكنهم الله وأيدهم وفتح لهم البلاد وأذل لهم الأعداء لما قاموا من ذلك بما قاموا وليعتبر بسيرة من والى النصارى كيف أذله وكبته
إلى أن قال وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن مشركا لحقه ليقاتل معه فقال له إني لا أستعين بمشرك (1)
وكما أن استخدام الجند المجاهدين إنما يصلح إذا كانوا مؤمنين فكذلك الذين يعاونون الجند في أموالهم وأعمالهم إلى أن قال ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ) آل عمران 118 وقال تعالى ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) المائدة 51 وذكر سبب نزولها
ثم قال وقد عرف أهل الخبرة أن أهل الذمة من اليهود والنصارى والمنافقين يكاتبون أهل دينهم بأخبار المسلمين وربما يطلعون على ذلك من أسرارهم وعوراتهم وغير ذلك وقد قيل
( كل العداوات قد ترجى مودتها % إلا عداوة من عاداك في الدين )
انتهى كلامه
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا
____________________
1- أخرجه مسلم وأحمد والدارمي
(2/435)
في خواتيمكم عربيا (1)
____________________
1- رواه الإمام أحمد والنسائي وعبد بن حميد وغيرهم ومعنى قوله لا تستضيئوا بنار المشركين أي لا تستشيروهم ولا تأخذوا آراءهم جعل الضوء مثلا للرأي عند الحيرة هذا معنى قول الحسن رواه عبد بن حميد واحتج الحسن بقوله تعالى ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ) آل عمران 118
وكذا فسره غيره وفسر الحسن ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيا أي لا تنقشوا فيها محمدا وفسره غيره محمد رسول الله لأنه كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث عمر لا تنقشوا في خواتيمكم العربية وعن ابن عمر أنه كان يكره أن ينقش في الخاتم القرآن
وقال ابن عبد البر قال ابن القاسم سئل مالك عن النصراني يستكتب قال لا أرى ذلك وذلك أن الكاتب يستشار فيستشار النصراني في أمر المسلمين ما يعجبني أن يستكتب
وذكر ابن عبد البر أنه استأذن على المأمون بعض شيوخ الفقهاء فأذن له فلما دخل عليه رأى بين يديه رجلا يهوديا كاتبا كانت له عنده منزلة وقربة لقيامه بما يصرفه فيه ويتولاه من خدمته فلما رآه الفقيه قال وقد كان المأمون أومأ إليه بالجلوس فقال أتأذن لي يا أمير المؤمنين في إنشاد بيت حضر قبل أن أجلس قال نعم فأنشده
( يا ذا الذي طاعته قربة % وحقه مفترض واجب )
( إن الذي شرفت من أجله % يزعم هذا أنه كاذب )
وأشار إلى اليهودي فخجل المأمون ووجم ثم أمر حاجبه بإخراج اليهودي مسحوبا على وجهه فأنفذ عهدا بإطراحه وإبعاده وأن لا يستعان بأحد من أهل الذمة في شيء من أعمال
(2/436)
قال ابن عبد البر كيف يؤتمن على سر أو يوثق به في أمر من وقع في القرآن وكذب النبي عليه السلام
وقد أمر الناصر لدين الله أن لا يستخدم في الديوان بأحد من أهل الذمة فكتب إليه عن أبي منصور ابن رطينا النصراني إنا لا نجد كاتبا يقوم مقامه فقال نقدر أن رطينا مات هل كان يتعطل الديوان فحينئذ أسلم وحسن إسلامه
فأما أهل الأهواء فهل يستعان بهم الذي يؤخذ من كلام الأصحاب جوازه والمنقول عن الإمام المنع وإن جازت الاستعانة بأهل الذمة وقد تقدم في فصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فصل فيما يعتبر في الطبيب والعامل من العلم
وينبغي أن يستعين في كل شيء بأعلم أهله كما عليه نظر عقلاء الناس لأن الأعلم أقرب إلى الإصابة
ولمالك في الموطأ عن زيد بن أسلم أن رجلا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح فاحتقن الدم وإن الرجل دعا رجلين من بني أنمار ينظران إليه فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما أيكما أطب فقالا أو في الطب خير يا رسول الله قال أنزل الدواء الذي الداء فأما الجاهل فلا يستعين به لما سيأتي
قال ابن عقيل في الفنون جهال الأطباء هم الوباء في العالم وتسليم المرضى إلى الطبيعة أحب إلي من تسليمهم إلى جهال الطب وإن استطب جاهلا فيحتمل أن يقال إن ظن ضررا لم يجز وإن ظن السلامة بقرينة لم يحرم وإن استوى الحال عندهم فينبغي أن يكون كاستواء الحال في طريق الحج وفي الجواز قولان هناك
____________________
(2/437)
وقد ذكر في المغني ما ذكره غيره أنه إن تطبب غير حاذق في صناعته لم تحل له المباشرة ولهذا لم ينف الأصحتاب عنه الضمان إلا مع علم الحذق منه ولم تجن يده المراد والله أعلم بالعلم الظن
واحتجوا بما رواه أبو داود عن نصر بن عاصم الأنطاكي ومحمد بن الصباح عن الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن (1)
وقال نصر حدثني ابن جريج قال أبو داود لم يروه إلا الوليد لا ندري هو صحيح أم لا ورواه ابن ماجه من حديث الوليد وكذا النسائي ورواه النسائي أيضا عن محمود بن خالد عن الوليد ولم يقل عن أبيه وهو حديث حسن وعمرو بن شعيب الكلام فيه مشهور في الاحتجاج به
قوله من تطبب ولم يقل من طب لأن لفظ التفعل يدل على تكلف الشيء والدخول فيه بكلفة وأنه ليس من أهله كتكلف وتشجع وتحلم وتصبر وظاهر هذا من كلام الأصحاب رحمهم الله أنه لا يجوز أن يستطب من لا يعرف حذقه وإن لم تحل له المباشرة لا يحل تمكينه مما لا يحل له وظاهر كلام الأصحاب وهو ظاهر الخبر أن من لم يعلم منه طب يضمن ولو علم من استطبه جهله وأذن له في طبه لأنه لا تحل له المباشرة مع جهله ولو أذن له
وقال بعض أصحابنا في زماننا لا يضمن هذا وما قاله متوجه ولعل مراد الأصحاب غير هذه الصورة لأنه وإن لم تحل المباشرة لكن الإذن مع علمه بجهله مانع من الضمان والتحقيق أنها كمسألة من قال لآخر اقتلني أو اجرحني ففعل لا ضمان عليه في الأشهر المنصوص
وأما الطبيب الحاذق فلا يضمن فإن جنت يده وأخطأت فجنايته خطأ
____________________
1- أخرجه أبو داود وابن ماجه والنمسائي والحاكم والبيهقي والدارقطني
(2/438)
مضمونة وإن وصف دواء فأخطا في اجتهاده فتلف المريض فيتوجه أنه كالمفتي إذا بان خطؤه في إتلاف إن خالف قاطعا ضمن مستفتيه وإلا لم يضمن فيضمن الطبيب عاقلته
وقال بعض أصحابنا الموجودين في زماننا يتخرج على روايتين نص عليهما في خطأ الإمام والحاكم إحداهما في بيت المال والثانية على العاقلة كذا قال والفرق إنه إنما كان في بيت المال لأنه وكيل كسائر الوكلاء ولهذا له على هذه الرواية عزل نفسه ذكره القاضي وغيره وهذا بخلاف الطبيب مع أنه قد يقال ظاهر كلامهم لا يضمن الحاذق إلا إذا جنت يده أنه لا ضمان هنا لكن مرادهم أنه إذا كان طبه عملا وقد أخطأ هنا بلسانه بمخالفة قاطع فهو كالمفتي
وقد قال الخطابي لا أعلم خلافا في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنا والمتعاطي علما أو عملا لا يعرفه متعد فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية ولا قود لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته انتهى كلامه
والطبيب يتناول لغة من يطب الآدمي والحيوان ويتناول غيرهما أيضا كما يتناول الطبائعي والكحال والجرائحي أنواعه والحاقن والكواء
والطبيب الحاذق من يراعي نوع المرض وسببه وقوة المريض هل تقاوم المرض فإن قويت مقاومته تركه ومزاج البدل الطبيعي ما هو والمزاج الحادث على غير المجرى الطبيعي وسن المريض وبلده وعادته وما يليق بالوقت الحاضر من فصول السنة وحال الهواء وقت المرض والدواء وقوته وقوة المريض وإزالة العلة مع أمن حدوث أصعب منها وإلا تلطف والعلاج بالأسهل فالغذاء ثم الدواء البسيط ثم المركب وهل العلة مما تزول بالعلاج أو تقل وإلا حفظ صناعته وحرمته على علاج لا يفيد ولا يستفرغ الخلط قبل نضجه ويراعي أحوال المريض بما يناسبه ومن له خبرة باعتلال القلوب
____________________
(2/439)
والأرواح وأدويتها ومن يتلطف بالمريض ويرفق به كالصغير ويستعين على المرض بكل معين ويحتمل أدنى المفسدتين ويفوت أدنى المصلحتين
وينبغي أن يقال طبيب لا حكيم لاستعمال الشارع هنا وفي أول الفصول وقد قال الجوهري الحكيم العالم وصاحب الحكمة والحكيم المتقن للأمور وقد حكم أي صار حكيما ويأتي في علاج السحر الكلام في الطب والطبيب فصل فيما يجوز من التمائم والتعاويذ والكتابة للمرض واللدغ والعين ونحوه
تكره التمائم ونحوها كذا قيل تكره والصواب ما يأتي من تحريمه لمن لم يرق عليه قرآن أو ذكر أو دعاء وإلا احتمل وجهين ويأتي أن الجواز قول القاضي وأن المنع ظاهر الخبر والأثر وهو معنى قول مالك رحمه الله
وتباح قلادة فيها قرآن أو ذكر غيره وتعليق ما هما فيه نص عليه وكذا التعاويذ ويجوز أن يكتب القرآن أو ذكر غيره في إناء خال بالعربي ثم يسقي منه المريض والمطلقة وأن يكتب للحمى والنملة والعقرب والحية والصداع والعين ما يجوز ويرقى من ذلك بقرآن وما ورد فيه من دعاء وذكر ويكره بغير العربية وتحرم الرقى والتعوذ بطلسم وعزيمة
قال ابن عقيل في الفنون قال المأمون وهو صاحب الزيج المأموني لو صح الكيمياء ما احتجنا إلى الخراج ولو صح الطلسم ما احتجنا إلى الأجناد والحرس ولو صحت النجوم ما احتجنا إلى البريد
قال المروذي شكت امرأة إلى عبد الله أنها مستوحشة في بيت وحدها فكتب لها رقعة بخطه بسم الله وفاتحة الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي وقال كتب أبو عبد الله من الحمى بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله ومحمد رسول الله ( ^ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين )
____________________
(2/440)
الأنبياء 69 70
اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق آمين
وروى أحمد أن يونس بن حباب كان يكتب هذا من حمى الربع قال أحمد في رواية مهنا في الرجل يكتب القرآن في إناء ثم يسقيه المريض قال لا بأس قال مهنا قلت له فيغتسل به قال ما سمعت فيه بشيء
قال الخلال إنما كره الغسل به لأن العادة أن ماء الغسل يجري في البلاليع والحشوش فوجب أن ينزه ماء القرآن من ذلك ولا يكره شربه لما فيه من الاستشفاء
وقال صالح ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحا فيه ماء فيقرأ عليه ويقول لي اشرب منه واغسل وجهك ويديك
ونقل عبد الله أنه رأى أباه يعوذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه ويصب على نفسه منه
قال عبد الله ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في جب الماء ثم شرب فيها ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم فيستشفي به ويمسح به يديه ووجهه
وقال يوسف بن موسى إن أبا عبد الله كان يؤتى بالكوز ونحن بالمسجد فيقرأ عليه ويعوذ
قال أحمد يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولدها في جام أبيض أو شيء نظيف بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين ( ^ كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ ) الأحقاف 35 ( ^ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) النازعات 46
ثم تسقى منه وينضح ما بقي على صدرها وروى أحمد هذا الكلام عن ابن
____________________
(2/441)
عباس ورفعه ابن السني في عمل اليوم والليلة (1)
وروى ابن مروان في المجالسة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عيسى عليه السلام مر ببقرة قد اعترض ولدها في بطنها فقالت يا روح الله ادع الله أن يخلصني فقال اللهم يا محخرج النفس من النفس ويا خالق النفس من النفس خلصها فخلصت قال ابن عباس فمن قاله على امرأة خلصها الله تعالى
وكان الشيخ تقي الدين رحمه الله يكتب على جبهة الراعف ( ^ وقيل يا أرض أبلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر ) هود 44
قال ولا يجوز كتابتها بدم كما يفعله الجهال فإن الدم نجس فلا يجوز أن يكتب به كلام الله
ويكره التفل بالريق والنفخ بلا ريق وقيل في كراهة النفث في الرقية وإباحته مع الريق وعدمه روايتان
وذكر السامري أن أحمد رحمه الله كره التفل في الرقى وأنه لا بأس بالنفخ قال ابن منصور لأبي عبد الله يكره التفل في الرقية قال أليس يقال إذا رقى نفخ ولم يتفل قال إسحاق بن راهويه كما قال
وجزم بعض متأخري الأصحاب باستحباب النفخ والتفل لأنه إذا قويت كيفية نفس الراقي كانت الرقية أتم تأثيرا وأقوى فعلا ولهذا تستعين به الروح الطيبة والخبيثة فيفعله المؤمن والساحر
وفي شرح مسلم أن الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم استحبوا النفث
قال القاضي عياض وكان مالك ينفث إذا رقي نفسه وكان يكره الرقية
____________________
1- سنده ضعيف جدا
(2/442)
بالحديد والملح والذي يكتب خاتم سليمان والعقد عندنا أشد كراهة لما فيه من مشابهة السحر انتهى كلامه فصل في الكي والحقنة وتعاليق التمائم
ويباح الكي والحقنة ضرورة ويكرهان بدونها قال القاضي هل تكره الحقنة على روايتين
إحداهما تكره للحاجة وغيرها نقلها حرب وغيره وبها قال مجاهد والحسن وطاووس وعامر
والثانية لا تكره للضرورة نقلها محمد بن الحسن بن هارون والأثرم وإبراهيم بن الحارث وأبو طالب وصالح وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن بشر الكندي وبها قال إبراهيم وأبو جعفر والحكم بن عتيبة وعطاء
قال أبو بكر الخلال كأن أبا عبد الله كرهها في أول أمره ثم أباحها على معنى العلاج
وقال أبو بكر المروذي وصف لأبي عبد الله ففعله يعني الحقنة
وقال أحمد في رواية حرب ما يعجبني الكي وللحاقن ونحوه نظر موضع الحقنة وللقابلة ونحوها نظر موضع الولادة ونحوه وعنه لا وعنه يكره الكي مطلقا وعنه يباح بعد الألم لا قبله وهي أصح قالها ابن حمدان
وكذا الخلاف والتفصيل في الرقى والتعاويذ والتمائم ونحوها ذكره في الرعاية الكبرى وقال في نهاية المبتدئين ويكره بغير اللسان العربي وقيل يحرم وكذا الطلسم وقطع في موضع آخر بالتحريم وقطع به غيره وقال ابن منصور لأبي عبد الله هل تعلق شيئا من القرآن قال التعليق كله مكروه ومن تعلق شيئا وكل إليه
وقال صالح لأبيه هل تعلق شيئا من القرآن قال التعليق كله مكروه كان ابن مسعود يشدد فيه
____________________
(2/443)
قال الميموني سمعت من سأل أبا عبد الله عن التمائم تعلق بعد نزول البلاء قال أرجو أن لا يكون فيه بأس
وقال حرب قلت لأحمد تعليق التعويذ فيه القرآن وغيره قال كان ابن مسعود يكرهه كراهية شديدة وذكر الإمام أحمد عن عائشة وغيرها أنهم سهلوا في ذلك ولم يشدد فيه أحمد
وقال أبو داود رأيت على ابن لأبي عبد الله وهو صغير تميمة في رقبته في أديم
قال الخلال قد كتب هو من الحمى بعد نزول البلاء والكراهة من تعليق ذلك قبل وقوع البلاء وهو الذي عليه العمل
وقال في المستوعب في موضع يكره الكي وقطع العروق على وجه التداوي في إحدى الروايتين والأخرى لا يكره ويباح الفصد والحجامة وتشريط الآذان والكحل ومداواة أمراض العين باليد والحديد
وقال القاضي هل يكره فصد العروق أم لا على روايتين إحداهما لا يكره نص عليها في رواية الجماعة منهم صالح وجعفر والثانية يكره قال المروذي لا نفعل لا تتعودوه وقال ما فصدت عرقا قط
ويباح قطع البواسير وقيل يكره وإن خيف منه التلف حرم وإن خيف من ترك قطعها التلف جاز إن لم يضر القطع غالبا ذكره في الرعاية الكبرى قال
____________________
(2/444)
السامري والنهي هو المنصوص عنه وقال غيره نص أحمد على الكراهة في رواية أبي طالب وغيره وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم أكرهه كراهة شديدة أخشى أن يموت فيكون قد أعان على نفسه
ويباح البط ضرورة مع ظن السلامة غالبا وكذا قطع عضو فيه آكلة تسري نص على معنى هذا في غير موضع
وقال في رواية المروذي كان الحسن يكره البط ولكن عمر رخص فيه
قال ابن حمدان وكذا معالجة الأمراض المخوفة كلها ومداواتها
ويروى عن علي رضي الله عنه قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل نعوده بظهره ورم فقالوا يا رسول الله هذه مدة قال بطوا عنه قال علي فما برحت حتى بطت والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد (1)
ويروى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر طبيبا أن يبط بطن رجل أجوى البطن فقيل يا رسول الله هل ينفع البط قال الذي أنزل الداء أنزل الشفاء فيما شاء
الورم عندهم مادة في حجم العضو لفصل مادة غير طبيعية تنصب إليه وتوجد في أجناس الأمراض والمواد تكون عنها من الأخلاط الأربعة والمائية والريح وإذا جمع الورم يسمى خراجا وكل ورم حار إما أن يؤول أمره إلى تحلله لقوة القوة فتستولي على مادة الورم وتحلله وهذا أصح حالاته وإن كانت القوة دون ذلك أنضجت المادة وأحالتها مدة بيضاء وفتحت لها مكانا أسالتها منه وإن نقصت عن ذلك أحالت المادة مدة غير مستحيلة النضج وعجزت عن فتح مكان في العضو تدفعها منه فيخاف على العضو الفساد لطول لبثها فيه فتحتاج حينئذ إلى إعانة الطبيب بالبط أو غيره لإخراج تلك المادة
____________________
1- أخرجه أبو يعلى وفي سنده أبو الربيع السمان وهو ضعيف
(2/445)
فهذا فائدة البط وله فائدة أخرى منع اجتماع مادة أخرى إليها تقويها
أجوى يقال على أشياء أحدها الماء المنتن في البطن يحدث عنه الاستسقاء ومن الأطباء من منع بزله لبعد السلامة ومنهم من جوزه وقال بعضهم لا علاج له سواء
وذكر بعضهم أنواعا من الضماد وإن ذلك يخفق من الماء كثيرا وفيه نظر فإنه إن خفف فيسير على طول وهذا في الاستسقاء الزقي
ومن أنواعه الطبلي وهو الذي ينتفخ منه البطن بمادة ريحية إذا ضربت عليه لها صوت كصوت الطبل
ومن أنواعه اللحمي وقيل هو أردؤها وقيل أردؤها الزقي وذكره بعضهم في قول أكثر الأطباء
وروى ابن السني في كتابه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج في أصبعي بثرة فقال عندك ذريرة قلت نعم قال ضعيها وقولي اللهم مصغر الكبير ومكبر الصغير صغر ما بي (1)
البثرة والبثور خراج صغار بتخفيف الراء واحدتها بثرة وقد بثر وجهه يبثر وبثر بتثليث الثاء المثلثة وتبثر جلده تنفط والبثرة عن مادة حادة تدفعها الطبيعة فتسترق مكانا من البدن تخرج منه فهي محتاجة إلى ما ينضجها ويخرجها
والذريرة بفتح الذال المعجمة تفعل ذلك وهو دواء هندي يتخذ من قصب طيب يجاء به من الهند وهي حارة يابسة تنفع من ورم المعدة والكبد والاستسقاء وتقوي القلب لطيبها وفيها تبريد لنارية تلك المادة
قال صاحب القانون لا أفضل لحرق من الذريرة بدهن اللوز والخل
____________________
1- أخرجه ابن السني وأحمد والنسائي والحاكم وصححه هو والذهبي وهو حديث حسن
(2/446)
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى بذريرة في حجة الوداع للحل والاحرام (1) فصل فى التداوى بالنجس والمحرم والالبان والسموم
وتحرم المداواة والكحل بكل نجس وطاهر محرم أو مضر ونحوه وبسماع الغناء والملاهي ونحو ذلك نص عليه وقال في رواية أبي طالب وذكر له قول أبي ثور يتداوى بالخمر فقال هذا قول سوء وذكر له أن فتى اعتل فوصفوا له دواء يشربه بنبيذ فأبى الفتى أن يشربه فحلف الرجل بالطلاق من امرأته ثلاثا إن لم يشربه فقال لا يشربه حرام شربه
وقال في رواية أبي طالب الضفدع لا يحل في الدواء نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها
وروى في مسنده من رواية سعيد بن خالد وقد ضعفه النسائي ووثقه الدارقطني وابن حبان وغيرهما عن ابن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن قتلها ورواه أبو داود والنسائي من رواية سعيد بن خالد + أخرجه أحمد وعبد بن حميد والدارمي وأبو داود والنسائي وإسناده صحيح +
قال صاحب القانون من أكل من دم ضفدع أو جرمه ورم بدنه وكمد لونه وقذف المني حتى يموت ولذلك ترك الأطباء استعماله خوفا من ضرره وهو نوعان مائية وترابية والترابية تقتل آكلها ويداوى بالقيء بالماء الحار والعسل والملح فإذا تنظفت المعدة سقي السكنجبين وأكل الأسفيذناج بدارصيني
وينفع كل ما نفع من الاستسقاء وحراقه لحمه تنفع من داء الثعلب طلاء ورماده يحبس الدم إذا جعل على موضعه وإذا رضض وجعل على لسع العقرب
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وأحمد
(2/447)
والحية نفع وهو يسقط الأسنان حتى أسنان البهائم إذا نالته في الرعى والعلف
وقال في رواية حنبل في ألبان الأتن لا تشرب ولا لضرورة ونقل عن ابن منصور وجماعة في مريض وصف له دواء يشربه مع ألبان الأتن لا تشربه
وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن الحسن أنه سئل عن ألبان الأتن فقال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحومها وألبانها
وقد ذكر الأطباء أن لبن الأتن قليل الدسومة رقيق يشد الأسنان واللثة إذا تمضمض به بخلاف غيره من الألبان جيد للسعال والسل ونفث الدم إذا شرب حليبا حين يخرج من الضرع وينفع من الأدوية القتالة والزحير وقروح الأمعاء وهو غير موافق لأصحاب الصداع والطنين والدود ولحمها لم أجد فيه نفعا بل قالوا هي أردأ من سائر اللحوم
وظاهر كلام بعض أصحابنا جواز الاكتحال بشيء نجس وظاهر مذهبنا أنه لا يجب غسل داخل العينين من نجاسة وعند الحنفية والشافعية يجب لندرته
وقال أبو الفرج الشيرازي في الإيضاح ولا يؤكل الدرياق إلا لحاجته لمرض لأن فيه لحوم الحيات انتهى كلامه والدرياق لغة في الترياق وذكر في المستوعب أن الأدوية القاتلة كالدفلى وغيرها يجوز التداوي بها أكلا وشربا وغير ذلك على وجه لا يضر
وقال الشيخ وجيه الدين من أصحابنا في شرح الهداية الميل للاكتحال ذهبا وفضة على سبيل المداواة مباح لحصول المداواة لا لشرف الأعضاء رخصة ويعتمد فيه على قول الثقات من أهل الخبرة في هذا الشأن
ويجوز شرب أبوال الإبل للضرورة نص عليه في رواية صالح وعبد الله
____________________
(2/448)
والميموني والأثرم وجماعة وأما شربها لغير ضرورة فهل يجوز أم لا قال في رواية أبي داود أما من به علة وسقم فنعم وأما رجل صحيح فلا يعجبني أن يشرب أبوال الأبل
قال القاضي في كتاب الطب له ويجب أن يحمل هذا على أحد وجهين إما على طريق الكراهة لاختلاف الناس في طهارته أو على الرواية التي تقول إن بول ما يؤكل لحمه نجس وأما على الرواية التي تقول هو طاهر وهي الرواية الصحيحة فإنه يجوز شربة لغير ضرورة كسائر الأشربة وقطع بعض أصحابنا بالتحريم مطلقا لغير التداوي وهو أشهر
وعن ابن عباس مرفوعا إن في أبوال الأبل وألبانها شفاء للذربة بطونهم رواه أحمد (1) الذرب بالذال المعجمة وتحريك الراء الداء الذي يعرض للمعدة فلا يهضم ولا تمسكه
وفي الصحيحين عن أنس قال قدم ناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها + أخرجه البخاري ومسلم +
ولمسلم أنهم قالوا إنا اجتوينا المدينة فعظمت بطوننا واصفرت ألواننا وهذا مرض الاستسقاء وهو مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فتزكم لها الأعضاء الظاهرة كلها وهو أقسام ويحتاج في علاجه إلى إطلاق وإدرار بحسب الحاجة وهذا موجود في أبوال الأبل وألبانها وفي أبوال الأبل جلاء وتليين وإدرار وتلطيف وتفتيح للسدد إذ كان أكثر رعيها الأدوية النافعة للاستسقاء
قال صاحب القانون ولا يلتفت إلى من قال إن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء قال واعلم أن لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء برفق
____________________
1- أخرجه أحمد وفي سنده عبد الله بن لهيعة وقد ضعف
(2/449)
وما فيه من خاصة وإن هذا اللبن شديد المنفعة وأنفع الأبوال أبوال الجمل الأعرابي
وقال ابن جزلة لبن اللقاح وهي النوق أقل الألبان دسومة وجبنية وهو رقيق جدا مائي لا يحدث سوداء كغيره من الألبان لقلة جبنيته ينفع من الربو والاستسقاء وأمراض الطحال والبواسير وأجود ما يستعمل للاستسقاء مع أبوال الإبل فإنه يسهل الماء الأصفر وهو سريع الانحدار عن المعدة وهو أقل غذاء من سائر الألبان
قال الزهري في أبوال الأبل قد كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بها بأسا ذكره البخاري وقال الطحاوي حدثنا حسين بن نصر الفريابي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يستشفون بأبوال الإبل لا يرون بها بأسا
____________________
(2/450)
فصل في خواص لباس الحرير والصوف والقطن والكتان
في الصحيحين عن أنس قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهما في لباس الحرير لحكة كانت بهما (1)
ويأتي في أحاديث اللباس
والحرير حرام على الرجال مباح للنساء عند الأئمة رضي الله عنهم
والحرير في الأدوية الحيوانية لخروجه من حيوان ومن خاصته تقوية القلب وتفريحه ينفع من كثير من امراضه ومن علة المرة السوداء والداء الحادث عنها وهو مقو للبصر إذا اكتحل به والخام منه وهو المستعمل في صناعة الطب حار يابس في الأولى وقيل رطب فيها وقيل معتدل يربي اللحم وكل لباس حسن فإنه يهزل ويصلب البشرة وبالعكس والصوف والوبر يسخن البدن ويدفئه فثيابه حارة يابسة والكتان باردة يابسة والقطن معتدل والحرير أقل حرارة منه فهذه الثلاثة تدفئ ولا تسخن وكل لباس صقيل أملس أقل إسخانا للبدن واقل عونا في تحلل منه وأحرى أن يلبس في الصيف وفي البلاد الحارة
والحكة لا تكون إلا عن حرارة ويبس وخشونة فلذلك كانت ثياب الحرير نافعة فيها وهي أبعد عن قبول تولد القمل فيها إذا كان مزاجها مخالفا لمزاج ما يتولد منه القمل والمتخذ في الحديد والرصاص والخشب والتراب ونحو ذلك ولا يدفئ ولا يسخن والله أعلم فصل في خواص العجوة والكمأة والحلبة
في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر زاد
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود
(3/5)
البخاري ذلك اليوم إلى الليل (1)
وفي لفظ من أكل سبع تمرات وفي لفظ مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي متفق على ذلك + هذا اللفظ لمسلم +
ولمسلم عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة + أخرجه مسلم +
السم مثلث السين وفتحها أفصح واللابتان الحرتان والمراد لابتا المدينة والترياق بضم التاء وكسرها ويقال درياق وطرياق وأول البكرة ينصب أول على الظرف أي من تصبح والعالية العمارات والقرى من جهة المدينة العليا مما يلي نجد والسافلة من الجهة الأخرى مما يلي تهامة وأدنى العالية من المدينة ثلاثة أميال وأبعدها ثمانية
وروى أبو داود عن سعد رضي الله عنه قال مرضت مرضا فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي وقال لي إنك رجل مفؤود فأت الحارث بن كلدة من ثقيف فإنه رجل يطبب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن + أخرجه أبو داود وسنده صحيح +
المفؤود الذي أصيب فؤاده فهو يسكنه قال الأصمعي اللديدان جانبا الوادي ومنه أخذ اللدود وهو ما يصب من الأدوية في أحد شقي الفم جمعه ألدة وقد لد الرجل فهو ملدود وألددته أنا والتد هو واللديد مثل اللدود
اختار أبو زكريا النواوي رحمه الله اختصاص ما سبق بعجوة المدينة كخاصية السبع التي لا تدرك إلا بالوحي وترجم أبو داود باب في تمرة العجوة ولم يقل من المدينة
ولأحمد والترمذي وقال حسن غريب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود
(3/6)
الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم (1)
زاد الترمذي في رواية قال أبو هريرة رضي الله عنه فأخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسا أو سبعا فعصرتهن وجعلت ماءهن في قارورة وكحلت به جارية لي عمشاء فبرأت ولأحمد من حديث جابر وأبي سعيد معا كحديث أبي هريرة ولابن ماجه ذلك ومن حديث أبي سعيد وحده أيضا وليس عنده في حديث أبي هريرة وماؤها شفاء للعين وعنده في العجوة وهي شفاء من السم ولم يقل ماؤها وكذا رواه أحمد من حديث جابر وأبي سعيد وكذا الترمذي في رواية في حديث أبي هريرة
وفي الصحيحين أو في الصحيح + +
عنه عليه السلام بيت لا تمر فيه جياع أهله +
وظاهر ذلك أن العجوة لا تختص بمكان كالكمأة وفيه إنها شفاء من السم وفيما سبق أنها تمنع تأثيره
والتمر حار في الثانية يابس في الأولى وقيل رطب فيها وقيل معتدل وقد سبق في الحمية وهو حافظ للصحة لا سيما لمن اعتاده وهو من أفضل الأغذية في البلاد الباردة والحارة التي حرارتها في الدرجة الثانية وهو لهم أنفع منه لأهل البلاد الباردة لبرودة بواطن سكانها وحرارة بطون سكان البلاد الباردة ولذلك يكثر أهل الحجاز واليمن وما يليهم من البلاد المشابهة لها من الأغذية الحارة ما لا يتأتى لغيرهم لبرودة أبدانهم وخروج الحرارة إلى ظاهر الجسد كمياه الآبار تبرد في الصيف وتسخن في الشتاء ولذلك تنضح المعدة من الأغذية الغليظة في الشتاء ما لا تنضحه في الصيف
وأما أهل المدينة فالتمر لهم يقرب من الحنطة لغيرهم وتمر العالية من أجود تمرهم
____________________
1- حسن وهو في سنن الترمذي ومسند احمد والدارمي وابن ماجه
(3/7)
ويدخل التمر في الأدوية والأغذية والفواكه ويوافق أكثر الأبدان مقو للحرارة الغريزية ولا يتولد عنه من الفضلة الرديئة ما يتولد عن غيره من الفاكهة والأغذية بل يمنع من اعتاده من تعضن الخلط وفساده
وقال بعض أصحابنا هذا الحديث أريد به أهل المدينة ومن جاورهم كذا قال
وللأمكنة اختصاص ينفع كثيرا من الأدوية فيكون الدواء الذي ينبت في هذا المكان نافعا من الداء ولا يوجد فيه ذلك النفع إذا نبت في مكان غيره لتأثير نفس التربة والهواء أو هما فإن في الأرض خواص وطبائع يقارب اختلافها اختلاف طبائع الإنسان كثير من النبات يكون في بعض البلاد غذاء مأكولا وفي بعضها سما قاتلا ورب أدوية لقوم أغذية لاخرين وأدوية لقوم من أمراض هي أدوية لآخرين من أمراض سواها وأدوية لأهل بلد لا تناسب غيرهم
والسبع من العدد له مواضع كثيرة وهو يجمع معاني العدد وخواصه لأن العدد شفع ووتر وشفع أول وثان والوتر كذلك فالشفع الأول اثنان والثاني أربعة والوتر الأول ثلاثة والثاني خمسة والأطباء تعتني بالسبع لا سيما في البحارين
ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بمكة فقال ادعوا له طبيبا فدعي الحارث بن كلدة فنظر إليه فقال ليس عليه بأس فاتخذوا له فريقة مع تمر عجوة رطبة يطبخان فيحساها ففعل ذلك فبرأ
الفريقة الحلبة وهو بفتح الفاء وكسر الراء ثم ياء ذات نقطتين من تحت ثم قاف ثم هاء تمر يطبخ بحلبة وهو طعام النفساء قال أبو كثير
____________________
(3/8)
( ولقد وردت الماء لون جمامه % لون الفريقة صفيت للمدنف )
ويذكر عن القاسم بن عبد الرحمن مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم استشفوا بالحلبة
والحلبة حارة في الثانية وقيل في آخر الأولى يابسة في الأولى وقيل في الثانية ولا تخلو من رطوبة فضلية إذا طبخت بالماء لينت الحلق والصدر والبطن نافعة للحصر وتسكن السعال والخشونة والربو وعسر النفس منضجة ملينة وتزيد في الباه جيدة للريح والبلغم والبواسير محدرة للكيموسات المتركبة في الأمعاء وتجلب البلغم اللزج من الصدر وتنفع من الدبيلات وأمراض الرئة وتستعمل لهذه الأدواء في الأحشاء مع السمن والسكر وإذا شربت مع وزن خمسة دراهم فوة أدرت الحيض قال بعضهم تحدر الحيض ودم النفاس إذا طبخت بعسل وإذا طبخت وغسل بها الشعر جعدته وأذهبت الحرارة ودقيقها إذا خلط بالنطرون والخل وضمد به حلل ورم الطحال وإن جلست المرأة في ماء طبخت فيه الحلبة نفع من وجع الرحم العارض من ورم فيه وإذا ضمدت به الأورام الصلبة القليلة الحرارة نفعتها وحللتها ويشرب ماؤها لريح عارض ولزلق الأمعاء وإن أكلت مطبوخة بتمر أو عسل أو تين على الريق حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة ونفعت من السعال المتطاول زمنه وأكل الحلبة يقلل رائحة البراز ويسهل الإيلاد للرحم العسرة الولادة لجفاف ودهنها ينفع إذا خلط بالشمع من الشقاق العارض من البرد
قال بعض الأطباء لو علم الناس منافعها لاشتروها بوزنها ذهبا وقال بعضهم تولد كيموسا رديئا وتصدع
____________________
(3/9)
فصل في خواص الكمأة
عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين رواه البخاري ومسلم (1)
____________________
1-
وفيه من المن الذي أنزله الله تعالى على موسى عليه السلام
قال ابن الأعرابي وغيره الكمأة جمع واحده كمء وهو خلاف قياس العربية فإن ما فرق بينه وبين واحده التاء فالواحد منه بالتاء وإذا حذفت فالجمع وهل هو أو اسم جمع فيه قولان ولم يخرج عن هذه إلا كمأة وكمء وجبأة وجبء
وقال غيرهم هي على القياس الكمأة للواحد والكمء للكثرة وقيل الكمأة تكون واحدا وجمعا وسميت كمأة لاستتارها ومنه كمى شهادته يكميها إذا كتمها وانكمى أي استخفى وتكمى تغطى والكمي الشجاع المتكمي في سلاحه لأنه كمى نفسه أي سترها بالدرع والبيضة والجمع الكمأة كأنهم جمعوا كاميا مثل قاضيا وقضاة قال الشاعر
( قهرناكم حتى الكماة فإنكم % لتخشوننا حتى بنينا الأصاغرا )
ويروى حتى الحماة
ولا تزرع الكمأة ومادتها من جوهر أرضي بخاري يحتقن في الأرض نحو سطحها يحتقن ببرد الشتاء وتنميه أمطار الربيع فيتولد ولهذا يقال لها جدري الأرض تشبيها بالجدري في صورته ومادته لأن مادته رطوبة دموية تندفع عند سن الترعرع في الغالب وفي ابتداء استيلاء الحرارة ونماء القوة وهي مما يوجد في الربيع وتؤكل نيئا ومطبوخا وسمتها العرب نبات الرعد لكثرتها بكثرته وتنفطر عنها الأرض وتكثر بأرض العرب وأجودها ما كانت أرضها رملة قليلة الماء ومنها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمر
(3/10)
قيل هي من المن حقيقة على ظاهرة وقيل شبهها به لحصول كل منهما بلا كلفة ولا معالجة وظاهر اللفظ أن ماءها شفاء للعين مطلقا من ضعف البصر والرمد الحاد ولا مانع من القول به وقد صح عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيجب القول به وقد ذكر مثل هذا من الأطباء المسيحي وصاحب القانون وغيرهما وقد اكتحل بمائها مجردا بعض من عمي معتقدا متبركا فشفاه الله تعالى بحوله وقوته وأظن قد وقع مثل هذا في زمن أبي زكريا النووي وقد سبق ان أبا هريرة رضي الله عنه روى الخبر وفعل ذلك وهو أعلم بما رواه
وقيل يخلط ماؤها بدواء ويعالج به وقيل هذا إن كان من غير حرارة وإن كان من حرارة فماؤها مجردا شفاء
وقيل المراد بمائها بعد شيه واستقطاره لأن النار تلطفه وتنضجه وتذيب ما فيه من أذى وقيل المراد بمائها الماء الذي تحدث به من المطر وهو أول مطر ينزل إلى الأرض فيكون إضافة اقتران لا إضافة جزء ذكره ابن الجوزي وهو ضعيف
وقد ذكر الأطباء أن الكمأة باردة رطبة في الدرجة الثانية وأنها رديئة للمعدة بطيئة الهضم تورث القولنج وعسر البول وتولد خلطا رديئا ويخاف منه الفالج والسكتة وينبغي أن تعمل بالدارصيني قال بعضهم تدفق في طين رطب وتسلق بماء وملح وصعتر وتؤكل بزيت وتوابل حارة لأن جوهرها أرضي غليظ وغذاؤها رديء لكن فيها جوهر مائي لطيف يدل على خفتها ولا يمنع كونها من المن أو أن ماءها ينفع العين عدم الضرر فيها وقت خلقها فالعسل وغيره فيه ضرر مع ما في ذلك من النفع
وقال بعض أصحابنا الآفات والعلل حادثة والفساد بأسباب اقتضت ذلك لمجاورة أو امتزاج أو غير ذلك وإلا فهو في الابتداء بريء من ذلك واحتج بأن المعاصي ومخالفة الرسل أوجبت ذلك وغيره قال تعالى ( ^ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) الروم 41 وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون
____________________
(3/11)
إنه بقية رجز او عذاب ارسل على بني إسرائيل (1)
واحتج أيضا بالقحط وقلة البركات ولولا البهائم لم يمطروا (1)
ونحو ذلك
وروى أحمد في مسنده إنه وجد في بعض خزائن بني أمية صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها هذا كان ينبت أيام العدل (1) فصل في ذكر مفردات فيها أخبار من ذلك فصل في خواص الأرز
يذكر في الأرز خبران موضوعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما لو كان رجلا لكان حليما والآخر كل شيء أخرجت الأرض ففيه داء وشفاء إلا الأرز فإنه شفاء لا داء فيه
قيل الأرز حار يابس في الثالثة وقيل حار في الأولى وقيل معتدل وقيل بارد يابس في الثانية وقيل معتدل في الحر والبرد شديد اليبس يحبس الطبع والمطبوخ بالألية ينفع المعدة ولا يمسك
____________________
1-
(3/12)
والأرز ينفع من قيام الدم ويولد الدم ومن علل الكلى والمثانة ومن كثرة إنزال الحيضة ويسكن ما يعرض من البلغم المالح الذي يحدث منه البواسير وينفع من الزحير والعلل العارضة في أسفل البدن ويحبس دم الطمث وينفع من النزف العارض للنساء ومن اضطراب الجنين في الجوف والإكثار من أكله يزيد في نضارة الوجه ويخصب البدن ويري أحلاما جيدة رديء للقولنج يصلحه العسل والسكر الأحمر وإن طبخ حتى يهترئ ويصير مثل ماء الشعير وشرب كان جيدا للذع في البطن عن أخلاط مرارية والمطبوخ باللبن ودهن اللوز والحلو والسكر يقوي الباه ويزيد في المني ولا يعقل
والأرز غذاؤه جيد وهو يعطش من كبده حارة وهو يدبغ المعدة
وتزعم الهند أنه أجود الأغذية وأنفعها إذا طبخ بحليب البقر الحمر وزعموا أن من اقتصر على الاغتذاء به طال عمره وصح جسمه ولم ينله في بدنه علة ولا صفرة وفيه جلاء لظاهر الجسد وأكله يزيد في المني ويقل على أكله البول والنجو والريح وقيل ليس خلطه بحسن وإذا طبخ بلبن الماعز اعتدل وقشرة يعد من السموم فصل في خواص البيض وأنواع طبخه
ومن ذلك ما ورد أن نبيا من الأنبياء عليهم السلام شكا إلى الله سبحانه الضعف فأمره بأكل البيض وقد ذكره البيهقي في كتاب شعب الايمان
قال الاطباء البيض الطري أجود من العتيق وأفضله بيض الدجاج وافضله محه وأفضله بيمرشت وبياضه إلى البرد وصفرته إلى الحر وجملته إلى الاعتدال بين الحر والبرد رطب غليظ والبيمرشت أسرع انهضاما وأجوده غذاء ينفع الحلق والسعال والسل ويزيد في الباه ومحه المشوي قابض يسكن الأوجاع اللذاعة والصفرة المشوية يطلى بها الكلف مع العسل وينفع من حرق النار وحرق الماء الحار إذا جعل عليه بصوفة وينفع من خراحات السفل والعانة والمطبوخ في الخل يحسن الطبع وهو بطيء الهضم خاصة المنعقد
____________________
(3/13)
منه ويورث الكلف إذا أدمن أكله
والمطجن رديء جدا يولد الحجارة وتخما وقولنجا وينبغي أن يقتصر على صفره أو يخلط به فلفل وكمون ويستعمل بعده الزنجبيل المربى
قال بعضهم بياضه إذا قطر في العين الوارمة ورما حارا برده وسكن الوجع وإذا لطخ به حرق النار أول ما يعرض له لم يدعه ينفط وإذا لطخ به الوجه منع من الاحتراق العارض من الشمس وإذا خلط بالكندر ولطخ على الجبهة نفع من النزلة
وذكره صاحب القانون في الأدوية القلبية ثم قال فهو وإن لم يكن من الأدوية الملطفة فإنه مما له مدخل في تقويته جدا أعني الصفرة وهي تجمع ثلاثة معان سرعة الاستحالة إلى الدم وقلة الفضل وكون الدم المتولد منه مجانسا للدم الذي يغذو القلب خفيفا مندفعا إليه بسرعة فصل في خواص البصل والثوم
روى ابو داود عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن البصل فقالت إن آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه بصل (1)
والبصل حار يابس في الدرجة الرابعة وفيه رطوبة فضلية وقيل رطب في آخر الثالثة ينفع من تغير المياه ويدفع ريح السموم ويفتق الشهوة ويقوي المعدة ويهيج الباه ويزيد في المني ويحسن اللون ويقطع البلغم ويجلو المعدة وإذا شمه من شرب دواء مسهلا منعه من القيء والغثيان وأذهب رائحة ذلك الدواء وإذا سعط بمائة نقى الرأس ويقطر في الأذن لثقل السمع والطنين والقيح والماء الحادث في الأذنين وينفع من الماء النازل في العين اكتحالا والمطبوخ منه كثير الغذاء ينفع من اليرقان والسعال وخشونة الصدر ويدر البول ويلين الطبع وينفع من عضة الكلب غير الكلب إذا نطل عليها
____________________
1-
(3/14)
ماؤه بملح وسداب وإذا احتمل فتح البواسير وبذره يذهب البهق ويدلك به حول الثعلبة فينفع جدا وهو بالملح يقلع الثاليل ويكتحل به مع العسل لبياض العين
والبصل يصدع الرأس ويثور الشقيقة ويولد رياحا وكثرة أكله يورث النسيان ويفسد العقل ويغير رائحة الفم والنكهة ويؤذي الجليس والملائكة ويذهب رائحته مضغ ورق السذاب عليه وإماتته طبخا تذهب هذه المضرات منه قال بعضهم وهو معطش معن ملين للبطن يحدر الطمث ويشفي الرعاف إذا استعط به وإذا استنشق وينفع التحنك به من الخناق وإذا خلط بالخل ويلطخ به في الشمس أبرأ البهق وليحذر إكثاره من يغلب عليه المرار
وفيه جذب الدم إلى خارج فهو محمر للجلد والإكثار منه يولد اللعاب والبصل المخلل فاتق للشهوة جدا والبصل يضر بالرأس والعين إذا لم يكن مخللا وإذا سلق أو شوي اصلح حدته وإذا أذيب الآشق في ماء البصل وطلي به الزجاج لم ينكسر لشدة صلابته وإذا وضع البصل في طاحونة منعها من الدوران
والثوم مذكور مع البصل في الحديث (1)
وهو حار يابس في الرابعة تسخينه وتجفيفه جدا ينفع من البرد والبلغم لمن خيف عليه الفالج مجفف للمني مفتح للسدد يحل النفخ ويهضم الطعام ويقطع العطش ويطلق البطن ويدر البول يقوم في لسع الهوام والأورام الباردة مقام الترياق وإن جعل ضمادا نفع وجذب السم ويصفي الحلق وينفع من تغيير المياه والسعال المزمن ومن وجع الصدر من برد ويخرج العلق من الحلق وإن دق مع خل وملح وعسل وجعل على الضرس المتأكل فتته وأسقطه وعلى الضرس الوجع سكنه وإذا طلي بالعسل على البهق نفع ويحفظ صحة أكثر الابدان ويصدع ويضر الدماغ والعين ويضعف البصر والباه ويعطش ويهيج الصفراء ويجيف رائحة الفم
____________________
1- انظر صحيح البخاري ومسلم
(3/15)
ويذهب رائحته إن يمضغ عليه ورق السذاب ويصلحه الحامض والدهن قال بعض الاطباء قطع الرائحة الكريهة من المأكولات ينفع فيه مضغ ورق السذاب وكذا السعد فصل في خواص الباذنجان
ومن الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم الباذنجان لما أكل له
وهو حار يابس وقيل بارد يابس والكيموس المتولد منه مرار اسود محترق فلذلك يولد السوداء والبواسير والكلف والسرطان والجذام والدوار والصرع ويضر بنتن الفم وينبغي تشقيقه كالصليب ويجعل في جوفه ملحا مدقوقا ويتركه ساعة حتى يمتص الملح مائيته الرديئة ثم يغسله مرات ويبدد عنه الماء إلى أن يصفو سواده ويطبخه بخل أو ماء حصرم مع دهن اللوز ولحم قال بعضهم لحم جمل ويأكل بعده زمانا مزا وخاصة الباذنجان أنه يورث سواد اللون وإصلاحه بالخل والدسومات وهو جيد للمعدة تقيء الطعام رديء للرأس والعين وكثيرا ما يتولد عنه القوابي والبواسير والرمد والمطبوخ بالخل يوافق وينفع أصحاب الأطحلة الغليظة نفعا بينا وإذا أخذ من قطارميز الباذنجان وخلط مع مثلها من لب اللوز المر ودقا وعجنا بدهن بنفسج وطليت به البواسير برأ منها مجرب ومن المجرب ايضا إذا سحق الزئبق بماء الباذنجان سحقا بلغيا وكتب به كتابة على النحاس واحمي في النار بقيت الكتابة عليه كأنها الفضة
والأبيض من الباذنجان المستطيل الذي بدمشق أصلح من الأسود الذي ببلاد العجم وبالغور من بلاد الشام وقيل هذا الأبيض عار من مضار الأسود
وذكر ابن عبد البر عن عباس الدوري عن ابن معين قال لا يمل الباذنجان عاقل قال وسمعت القاضي أبا عمر وفي نسخة عمرو يقول ولو علم الثور الذي يحمل الباذنجان أنه عليه تاه على الثيران قال ابن عبد البر هذا لمن استطابه وعذر عنده وذمه عندهم أكثر من مدحه
____________________
(3/16)
فصل
قد سبق في آخر الكلام في الحمية الكلام على التمر وبعده قريبا في حفظ الصحة الكلام على البطيخ والكلام في البسر والبلح والرطب ويأتي الكلام في التفاح في ذكر السفرجل فصل في خواص التين
يروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي له طبق من تين فقال كلوا وأكل منه وقال لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة قلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوا منها فإنها تقطع البواسير وينفع من النقرس
وقد اقسم الله تعالى في قوله ( ^ والتين والزيتون ) التين
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة أنه هذا التين المعروف والزيتون المعروف
وهو حار قليلا رطب في الثانية وقيل يابس وأجوده الأبيض الناضج المقشر وهو أغذى من جميع الفواكه ويسرع نفوذه ويسمن ويوافق الصدر ويسكن العطش الذي هو من بلغم مالح وينفع الكلى والمثانة ويجلو رملها ويؤمن من السموم وينفع خشونة الحلق وقصبة الرئة ويغسل الكبد والطحال وينقي الخلط البلغمي من المعدة وينفع السعال المزمن ويزيد البول
قال بعضهم وفي أكله على الريق منفعة عجيبة في فتح مجاري الغذاء واكله مع الأغذية الغليظة رديء جدا والتين فيه نفخ ويولد مرة وهو رديء للمعدة ويدفع ضرره شراب السكنجبين الصرف بعد أكله ويضمد بالتين اليابس البهق وقضبانه تهري اللحم إذا طبخ معها والتين اليابس حار معتدل في اليبس والرطوبة لطيف قوي الجلاء يفتح السدد وينفع العصب وأكل
____________________
(3/17)
التين يولد دما ليس بالجيد فلذلك يعمل وينبغي أن يؤكل معه الجوز أو اللوز قال جالينوس وإذا أكل مع الجوز والسذاب قبل أخذ السم القاتل نفع وحفظ من الضرر فصل في خواص الجبن
عن ابن عمر قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين وسمى وقطع رواه أبو داود (1)
وأكل الصحابة رضي الله عنهم الجبن
قال الأطباء الجبن الرطب بارد رطب في الثالثة مسمن ملين تليينا معتدلا وهو غليظ يزيد في اللحم مولد للحصى والسدد ويصلحه الجوز والزيت أو العسل قال بعضهم جيد للمعدة والحريف منه وهو العتيق حار يابس في الثالثة ملهب معطش رديء الغذاء وفيه جلاء ويقوي فم المعدة إذا تلقم به بعد الطعام وهو يولد الحصى في الكلى والمثانة ويولد خلطا مراريا ويهزل رديء للمعدة عسر الهضم وخلطه بالملطفات أردأ بسبب تنفيذها له إلى المعدة وشيه يصلحه لاجتذاب النار من أجزائه ويمسك الطبع
وأما الزبد فأجوده الطري من لبن الضأن حار رطب في الأولى رطوبته أكثر منضج محلل إذا طلي به البدن سمنه وغذاه وينفع جراحات العصب والأورام ويملأ القروح وينقيها ويسهل نبات الأسنان إذا طلي به وينفع من السعال اليابس والبارد مع السكر واللوز ولذات الجنب والرئة ويسهل النفث وينفع نفث الدم وقذف المدة إذا أخذت منه أوقية ونصف بعسل ويحقن به الأورام الصلبة ويقاوم السموم وينفع نهشة الأفعى طلاء ويرخي المعدة وتصلحه الأشياء القابضة ويذهب القوابي والخشونة التي في البدن ويلين الطبيعة ويسقط شهوة الطعام وهو وخم أي وبيء يطفو في فم المعدة ويذهب بوخامته الحلو كالعسل والتمر ولهذا روى أبو داود وابن ماجه بالإسناد الجيد
____________________
1- في سننه وسنده حسن انظر زاد المعاد
(3/18)
عن ابني بسر وهما عبد الله وعطية رضي الله عنهما قالا دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمنا له زبدا وتمرا وكان يحب الزبد والتمر (1)
وأما السمن فقد سبق فيه الحديث في فصل الصحة أن سمن البقر دواء
وفي كتاب ابن السني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لا يستشفي الناس بشيء أفضل من السمن
قال الأطباء السمن يفعل افعال الزبد وهو أقوى في الإنضاج والإرخاء والتليين وكلما عتق كان أحر واقوى جلاء حار رطب في الأولى أكثر حرارة من الزبد محلل منضج يفعل في الأبدان الناعمة دون الصلبة وينضج البثور والأورام ويلين الصدر وينضج الفضول فيه خصوصا مع السكر واللوز وهو ترياق السموم المشروبة وقال بعضهم سمن البقر والمعز إذا شرب مع العسل نفع من شرب السم القاتل ومن لدغ الحيات والعقارب والله أعلم فصل في خواص الثفاء أي حب الرشاد والصبر
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ماذا في الأمرين من الشفاء الصبر والثفاء رواه أبو عبيد وغيره ورواه أبو داود في المراسيل من حديث قيس بن رافع القيسي مرسلا مرفوعا ولأبي داود والنسائي من حديث أم سلمة رضي الله عنها إن الصبر يشب الوجه + أخرجه ابو داود والنسائي وسنده ضعيف +
أما الثفاء فهو الحرف بضم الحاء وسكون الراء وبالفاء حب الرشاد ومنه
____________________
1- اخرجه ابن ماجه وابو داود وسنده صحيح وانظر زاد المعاد
(3/19)
قيل شيء حريف بكسر الحاء مشددة للذي يلذع اللسان بحرارته وكذلك بصل حريف وبقل حريف
والرشاد في الحرارة واليبوسة في الدرجة الثالثة يسخن ويلين البطن ويخرج الدود وحب القرع ويحلل اورام الطحال ويحرك شهوة الجماع ويجلوا الجرب المتقرح والقوباء واذا تضمد به مع العسل حلل ورم الطحال واذا طبخ في الحناء اخرج الفضول التي في المعدة وشربة ينفع من نهش الهوام ولسعها واذا دخن به في موضع طرد الهوام عنه ويمسك الشعر المتساقط واذا تضمد به مع الماء والملح نضج الدمامل وينفع من الاسترخاء في جميع الاعضاء ويزيد في الباه ويشهي الطعام وينفع من الربو وعسر النفس وغلظ الطحال وينقي الرئة ويدر الطمث وينفع من عرق النسا ووجع الورك ممما يخرج من الفضول اذا شرب او احتقن به ويجلو ما في الصدر من البلغم اللزج ويحلل الرياح لا سيما وزن خمسة دراهم مسحوقا بماء حار مع اسهال ايضا وينفع شربه مسحوقا من البرص وان لطخ عليه وعلى البهق الابيض بالخل نفع منهما وينفع من الصداع عن برد وبلغم وان قلي وشرب عقل البطن لا سيما اذا لم يسحق لتحلل لزوجته بالقلي وان غسل بمائه الراس نقاه من الاوساخ والرطوبات اللزجة
قال جالينوس قوته مثل قوة الخردل شبيه به في كل شيء
وقال بعضهم انه يضر بالمعدة والمثانة وانه يحدث تقطير البول وانه ينبغي ان يؤكل معه الهندبا لان الهندبا بارد ملطف جيد للمعدة الملتهبة والكبد يحلل السدد
واما الصبر بكسر الباء ولا تسكن الا ضرورة الدواء المعروف فحار يابس في الثالثة وقيل حرارته في الثانية وقيل في الاولى وقيل يبسه في الثانية وقوته قابضة مجففة والهندي منه كثير المنافع يجفف بغير لذع وينفع بالعسل على اثار الضربة ويدمل الداحس وعلى الشعر المتساقط فيمنعه وينفع
____________________
(3/20)
من اورام السفل والمذاكير ويدمل القروح التي قد عسر اندمالها وينقي الفضول الصفراوية من الراس ويطلى على رض الانف ويسهل السوداء وينفع من قروح العين وجربها ووجع الماق ويجفف رطوبتها ويحد البصر وينقي البلغم من المعدة وربما نفعنا في يوم واحد وقد يتناول منه بكرة وعشية حبات مخلوطة بالطعام فتسهل البطن من غير ان تفسد الطعام وقدر شربته اذا كان مفردا ما بين نصف درهم الى درهمين بماء حار فيسهل بلغما وصفراء واذا غسل كان اضعف اسهالا واذا كان مع الادوية فشربته من دانقين الى نصف درهم وهو يضر بالامعاء بالكثيرة ويضر الكبد والسفل ويصلحه الورد والمصطكى وسقي الصبر في البرد خطر فإنه ربما اسهل دما والعربي من الصبر يكرب ويمغص والسمنجاني من الصبر اسود لا يصلح استعماله بحال فإنه رديء جدا والله اعلم فصل في الادهان وخواص انواعها
قد تقدم الكلام في الحلبة قريبا في فصل في الصحيحين عن سعد وسبق في فصول حفظ الصحة الكلام في الخل ويأتي الكلام في الدباء وهو القرع وتقدم حديث ابي هريرة رضي الله عنه كلوا الزيت وادهنوا به (1)
والكلام في الزيت في مداواة ذات الجنب
وللترمذي في كتاب الشمائل عن انس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن راسه وتسريح لحيته ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات + اخرجه الترمذي في الشمائل وفي سنده الربيع بن صبيح ويزيد الرقاشي وهما ضعيفان +
الدهن في البلاد الحارة كالحجاز من اسباب حفظ الصحة واصلاح البدن ولا يحتاج اليه اهل البلاد الباردة
____________________
1- أخرجه ابن ماجه وضعف البوصيري إسناده في الزوائد قلنا وله شاهد من حديث عمر عند الترمذي وآخر من حديث أسيد بن ثابت عند يتقوى بهما وانظر زاد المعاد
(3/21)
وقد ذكر اصحابنا رحمهم الله استحباب الادهان مطلقا وخصه الشيخ تقي الدين رحمه الله بالبلاد الحارة وان الحمام لأهل الباردة كالإدهان لغيرهم والمسألة مذكورة في باب السواك
والدهن يسد مسام البدن ويمنع ما يتحلل منه واستعماله بعد الاغتسال بماء حار يسخسن البدن ويرطبه ويحسن الشعر ويطوله وينفعه من الحصة وغيرها والإلحاح بالدهن في الرأس فيه خطر بالبصر وأنفع الأدهان البسيطة الزيت ثم السمن ثم السيرج
وأما المركبة فمنها دهن البنفسج ومن الموضوع فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان كفضلي على سائر الناس مع انه في المستوعب قد احتج به
وهو بارد رطب أجوده المتخذ باللوز ينفع الجرب طلاء ويلين صلابة المفاصل والعصب ويحفظ صحة الأظفار طلاء وينفع من الصداع الحار اليابس ويرطب الدماغ وينوم أصحاب السهر لا سيما ما عمل بحب القرع واللوز الحلو وينفع من الشقاق وغلبه اليبس ويسهل حركة المفاصل والإكثار منه يرخي البدن ويصلحه دهن الزنبق ويعتاض عنه بدهن اللينوفر
ومنها دهن البان ومن الموضوع فيه ادهنوا بالبان فإنه أحظى لكم عند نسائكم وليس المراد دهن زهره بل دهن يستخرج من حب أبيض أغبر نحو الفستق
وهو حار رطب في الثانية ينفع من صلابة العصب ويلينه ومن البرص والنمش والكلف والبهق يسهل بلغما غليظا ويسخن العصب ويلين الأوتار اليابسة وينفع من دوي الآذان مع شحم البط ويجلو الأسنان ويقيها الصدأ ومن مسح به وجهه وأطرافه لم يصبه حصى ولا شقاق ومن دهن به حقوه
____________________
(3/22)
ومذاكيره وما والاها نفع من برد الكليتين وتقطير البول
وقد ذكر الأطباء ادهانا كثيرة يطول ذكرها ويؤخذ مما سبق في فصول حفظ الصحة في ذكر الروائح الطيبة بعض ذلك فصل في خواص الذهب
تقدم الكلام في الذباب وفي الذريرة في أوائل فصول الطب
وأما الذهب ففي السنن عن عرفجة أنه قطع أنفه فاتخذ انفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يتخذ أنفا من ذهب (1)
والذهب معتدل لطيف يدخل في سائر المعجونات اللطيفة والمفرحات وهو اعدل المعدنيات وأشرفها وإذا دفن في الأرض لم يضره التراب ولم ينقصه شيئا وبرادته إذا خلطت بالأدوية نفعت من ضعف القلب والرجفان والخفقان العارض من السوداء
وقال ابن جزلة ينفع من اوجاع القلب والخفقان ويقويه وقدر ما يؤخذ منه قيراط انتهى كلامه وينفع من حديث النفس والحزن والغم والفزع والعشق ويسمن البدن ويقويه ويذهب الصفار ويحسن اللون وينفع من الجذام وجميع الأوجاع والأمراض السوداوية وتدخل نحاتته في أدوية داء الثعلب وداء الحية شربا وطلاء ويجلو العين ويقويها وينفع من كثير من أمراضها ويقوي جميع الأعضاء
وافضل الكي وأسرعه برءا ما كان بمكوى من ذهب ولا يتنفط موضعه وإمساك الذهب في الفم يزيل البخر وإن اتخذ منه ميل واكتحل به قوى العين وجلاها وإن أتخذ خاتم فصه منه وكوي به قوادم أجنجة الحمام ألفت أبراجها ولم تنتقل عنها وله خاصية عجيبة في تقوية النفوس لأجلها أبيح في الحرب
____________________
1- أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وهو حديث صحيح وانظر زاد المعاد
(3/23)
والسلاح منه ما ابيح وقد قال فيه أبو القاسم الحريري رحمه الله تعالى
( تبا له من خادع مماذق % أصفر ذي وجهين كالمنافق )
( يبدو بوصفين لعين الرامق % يدعو إلى ارتكاب سخط الخالق )
( لولاه لم تقطع يمين سارق % ولا بدت مظلمة من فاسق )
( ولا اشمأز باخل من طارق % ولا شكى الممطول مطل العائق )
( ولا استعيذ من حسود راشق % وشر ما فيه من الخلائق )
( ان ليس يغني عنك في المضايق % إلا إذا فر فرار الآبق )
وقد قال بعض السلف أظنه الحسن البصري رحمه الله بئس الصاحب أو الصديق الذهب والفضة لا ينفعانك حتى يفارقانك
قال تعالى ( ^ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) آل عمران 14
اي المرجع وفيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة
قال ابن الجوزي وهذه الأشياء المذكورة قد تحسن نية العبد في التلبس بها فيثاب عليها وإنما يتوجه الذم إلى سوء القصد فيها وبها وقال تعالى ( ^ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا ) الآية إلى قوله ( ^ والآخرة عند ربك للمتعقين ) الزخرف 32 - 35 فصل في خواص الرمان
سبق الكلام في الريحان وغيره مما له رائحة طيبة في حفظ الصحة وفي حب الرشاد قريبا لأنه الحرف
وأما الرمان فقال تعالى ( ^ والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر ) الانعام 99
____________________
(3/24)
وقال تعالى ( ^ فيهما فاكهة ونخل ورمان ) الرحمن 68
قال المفسرون خصهما من الفاكهة لبيان فضلهما كتخصيصه جبريل وميكائيل من الملائكة ولم يقل أحد من العرب إنهما ليسا من الفاكهة وقد قاله قوم ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا وموقوفا وهو أشبه ما من رمان من رمانكم هذا إلا وهو ملقح بحبة من رمان الجنة (1)
وذكر حرب وغيره عن علي رضي الله عنه أنه قال كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة وقال بعض الأطباء والفواكة مضرة إلا السفرجل والتفاح ونحوه والرمان الحلو أو الحامض مخلوطا بن الحلو فلا بأس به
الرمان الحلو أجوده الكبار البالغ الإمليسي بارد في الأولى رطب في آخرها وقيل حار باعتدال وقيل حار رطب جيد للمعدة مقو لها وفيه جلاء مع قبض لطيف ينفع الحلق والصدر والرئة جيد للسعال وماؤه ملين للبطن يغذو البدن غذاء فاضلا يسيرا سريع التحلل لرقته ولطافته وينفع من الخفقان ويدر البول ويهيج الباه ويزيد في الهضم ويحدث نفخا ورياحا في المعدة وقيل يصلحه الرمان الحامض ومع كون غذائه غير محمود فهو موافق لعلل فم المعدة كلها قال بعضهم وإدمانه يضر بالمعدة ويضعفها ويزيد بردها ورطوبتها وقيل يعطش قال بعضهم أظنه صاحب القانون وغيره يولد في المعدة حرارة يسيرة فلهذا يهيج الباه ولا يصلح للمحمومين
قال صاحب القانون في الأدوية القلبية من المفرحات رمان حلو معتدل موافق لمزاج الروح خصوصا التي في الكبد وإذا أكل بالخبز منعه من الفساد في المعدة وحبه مع العسل ينفع من وجع الآذان وأقماعه المحرقة تنفع الجراحات
____________________
1-
(3/25)
ومن خاصية الرمان أن من كان في وجهه صفرة شديدة فأدمن أكله زالت وإذا أخذ الرمان ونقع في ماء حار شديد الحرارة غمره وفوق ذلك بأربعة أصابع وترك إلى أن يبرد الماء ثم أخذ فعلق كل رمانة من غير مماسة للأخرى فإنه لا يعفن ولا يتغير ولو بقي سنة وإذا أراد أكله فليرش عليه الماء البارد ويتركه ساعة ثم يأكله
والرمان الحامض أجوده الكبار الكثير المائية بارد يابس في الثالثة قابض لطيف ينفع المعدة الملتهبة والكبد الحارة ويبردها ويدر البول أكثر من غيره من الرمان ويسكن الصفراء ويقطع الإسهال ويمنع القيء ويلطف الفضول ويقوي الأعضاء وينفع من الخفقان الصفراوي والآلام العارضة للقلب وفم المعدة ويقوي المعدة ويدفع الفضول عنها ويطفئ نارية الصفراء والدم وإذا استخرج ماؤه بشحمه وطبخ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم واكتحل به قطع الصفرة من العين ونقاها من الرطوبات وإذا لطخ على اللثة نفع من الأكلة العارضة لها وهو مجفف منهض للشهوة ويستعمل بعد الغذاء لمنع البخار وقال بعضهم يضر بالأمعاء والمعدة ويصلحه الحلواء السكرية وإذا استخرج ماؤهما بشحمهما أطلق البطن وأخذ الرطوبات العفنة المربة ونفع من حميات الغب المتطاولة
وأما الرمان المز فهو متوسط بينهما وهو أميل إلى لطافة الحامض وحب الرمان مع العسل طلاء للداحس والقروح الخبيثة وأقماعه للجراحات فصل في خواص الزبيب
تقدم الكلام في الزيت في فصل عن زيد بن ارقم في مداواة ذات الجنب والكلام في الزبد في ذكر الجبن
وأما الزبيب فمما روي فيه مما لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الطعام
____________________
(3/26)
الزبيب مطيب النكهة ويذهب البلغم نعم الطعام الزبيب يذهب النصب ويشد العصب ويطفئ الغضب ويصفي اللون ويطيب النكهة (1)
وأجوده ما كبر جسمه وسمن لحمه وشحمه ورق قشره ونزع عجمه وصغر حبه والزبيب حار رطب في الأولى وحبه بارد يابس وهو كالعنب المتخذ منه الحلو منه حار والحامض والقابض بارد والأبيض أشد قبضا من غيره وإذا أكل لحمه وافق قصبه الرئة ونفع من السعال ووجع الكلى والمثانة ويقوي المعدة ويلين البطن والحلو اللحم أكثر غذاء من العنب واقل غذاء من التين اليابس وله قوة منضجة هاضمة قابضة محللة باعتدال وهو بالجملة يقوي المعدة والكبد والطحال نافع من وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة وأعدله أن يؤكل بغير حبه وهو يغذو غذاء صالحا ولا يشد كما يفعل التمر ويعين الأدوية على الإسهال إذا نزع عجمه وهو بعجمه جيد للمعدة والأمعاء والكبد والطحال والحلو منه وما لا عجم له نافع لأصحاب الرطوبات والبلغم وهو يخضب الكبد وينفعها بخاصية فيه وفيه نفع للحفظ
وروي عن الزهري من أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس عجمه داء وشحمه دواء وقيل يحرق الدم ويصلحه الخيار وإذا لصق لحمه على الأظافير المتحركة أسرع قلعها فصل في خواص الزنجبيل
قال الله تعالى ( ^ ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ) الانسان 17
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أهدى ملك الروم إلى النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
1-
(3/27)
جرة زنجبيل فاطعم كل إنسان قطعة وأطعمني قطعة رواه ابو نعيم في كتاب الطب النبوي
والزنجبيل فيه رطوبة فضلية حار في الثالثة يابس في الثانية وقيل رطب في الأولى مسخن معين على هضم الطعام ملين للبطن تليينا معتدلا نافع من سدد الكبد العارضة عن البرد والرطوبة ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة اكلا واكتحالا معين على الجماع محلل للرياح الغليظة صالح للكبد والمعدة الباردة في المزاج وإذا اخذ منه مع السكر وزن درهمين بالماء الحار أسهل فضلا لزجا لعابيا ونفع في المعجونات التي تحلل البلغم وتذيبه وتزيد في الحفظ ويجلو الرطوبة من الحلق ونواحي الرأس وينشف بلة المعدة ويطيب النكهة ويدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة فصل في خواص السفرجل والكمثري والتفاح
سبق الكلام في السنا والسنوت في فصل عن أسماء بنت عميس والكلام في السمن في كلام على الجبن
والسواك مستحب شرعا فيه فوائد طبية بعضها معلوم بالتجربة وهو مذكور في الفقه في باب السواك
وأما السفرجل فروى ابن ماجه ثنا إسماعيل بن محمد الطلحي عن نقيب ابن حاجب عن أبي سعيد عن عبد الملك الزبيري عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وبيده سفرجلة فقال دونكها يا طلحة فإنها تجم الفؤاد (1)
إسناد مجهول نقيب تفرد عنه إسماعيل وتفرد نقيب عن أبي سعيد وتفرد أبو سعيد عن عبد الملك ورواه ابن عائشة وهو عبيد الله بن محمد العيشي عن عبد الرحمن بن حماد الطلحي عن طلحة بن يحيى عن أبيه عن طلحة ورواه سليمان بن أيوب الطلحي عن ابيه عن
____________________
1- اخرجه ابن ماجه وفي سنده مجاهيل وانظر زاد المعاد
(3/28)
جده عن ابي موسى بن طلحة عن ابيه
قال أبو حاتم في عبد الرحمن الطلحي منكر الحديث وقال ابن حبان وغيره لا يحتج به وقال ابن عدي في سليمان بن أيوب الطلحي عامة أحاديثه لا يتابع عليها وقال يعقوب بن شيبة السدوسي في أحاديث سليمان بن أيوب وهي سبعة عشر حديثا رواها عن ابيه عن جده عن موسى بن طلحة عن أبيه هذه الأحاديث عندي صحاح
والسفرجل جيد للمعدة وماؤه أفضل من جرمه في تقوية المعدة والحلو منه بارد رطب وقيل معتدل يسر النفس ويدر والحامض اشد قبضا ويبسا وبردا وأكله يسكن العطش والقيء ويدر البول وينفع من قرحة الأمعاء ونفث الدم والهيضة وينفع من الغثيان ويمنع من تصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام قال بعضهم إذا أكل على الطعام أطلق وقبله يمسك قال بعضهم إذا أكل بعد الطعام أسرع بانحدار التفل والحامض منه ابلغ ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة ورائحته تقوي الدماغ والقلب والإكثار من اكله يولد وجع العصب والقولنج وإن شوي كان أقل لخشونته وأخف وأجود ما أكل مشويا أو مطبوخا بالعسل وحبه ينفع من خشونة الحلق وقصبة الرئة وكثير من الأمراض ودهنه يمنع العرق ويقوي المعدة والكبد ويشد القلب ويطيب النفس
ومعنى تجم الفؤاد تريحه وقيل تفتحه وتوسعه من جمام الماء وهو اتساعه وكثرته وروي في حديث السفرجلة فإنها تشد القلب وتطيب النفس وتذهب بطخاء الصدر والطخاء للقلب مثل الغيم على السماء قال أبو عبيد الطخاء بالمد ثقل وغشاء تقول ما في السماء طخاء أي سحاب ظملة قال الجوهري ويقال وجدت على قلبي طخاء وهو شبه الكرب قال اللحياني ما في السماء طخية بالضم أي شيء من السحاب قال وهو مثل الطخو والطخياء بالمد الليلة المظلمة وظلام
____________________
(3/29)
طاخ وتكلم بكلمة طخياء لا تفهم
قال بعض الأطباء والكمثرى قريب من السفرجل وهو معتدل أكثر الفواكه غذاء يقوي المعدة ويقطع العطش وأكله بعد الغذاء يمنع البخار أن يرتقي إلى الرأس بخاصية فيه ومن خواصه منع فساد الطعام في المعدة ويحدث القولنج ويضر بالمشايخ فينبغي أن لا يؤكل على طعام غليظ ولا يشرب فوقه الماء ويؤكل بعده المعجونات الحارة
وأما التفاح فقال الليث كان الزهري يكره أكل التفاح وسؤر الفأر ويقول إنه ينسي ويشرب العسل ويقول إنه يذكي وقال صاحب الأدوية القلبية التفاح بارد يابس في الأولى له خاصة عظيمة في تفريح القلب وقال غيره التفاح بارد رديء للمعدة يوافق من مزاجه حار ومن خواصه تقوية القلب وإيراث النسيان الشديد
وقال ابن جزلة الحامض بارد غليظ والحلو أميل إلى الحرارة وهو يقوي القلب ويقوي ضعف المعدة والمشوي منه في العجين نافع لقلة الشهوة والفج منه يولد العفونات والحميات وإدمان أكله يحدث وجع العصب وخصوصا الحامض ويدفع ضرره جوارش النعنع
وقال غيره التفاح جيد لفم المعدة غير أنه يملأ المعدة لزوجات ولعل الذي يورث النسيان الحامض لا الحلو ولعله مرادهم
قال ابن الاثير في النهاية وفي حديث مرفوع انه كان يعجبه النظر إلى الاترج والحمام الأحمر قال موسى قال هلال بن العلاء هو التفاح الأحمر وهذا التفسير لم اره لغيره
____________________
(3/30)
فصل في خواص السلق
سبق في الحمية حديث في السلق وهو حار يابس في الأولى وقيل رطب وقيل مركب منهما وفيه بورقية تلطفه وتحليل وتفتيح في الأسود منه قبض وينفع من داء الثعلب والكلف والحزاز والثآليل إذا طلي بمائه ويقتل القمل ويطلى به القوباء مع العسل ويفتح سدد الكبد والطحال وأسوده يعقل البطن لا سيما مع العدس والأبيض يلين مع العدس ويحقن بمائة للإسهال وينفع من القولنج مع المري والتوابل والسلق قليل الغذاء رديء الكيموس يحرق الدم ويصلحه الخل والخردل والإكثار منه يولد القبض والنفخ فصل في خواص السمك
وقد ورد ذكر السمك في الكتاب والسنة واجوده ما لذ طعمه وطاب ريحه وتوسط مقداره رقيق القشر لا صلب اللحم ولا يابسه وكان في ماء عذب جار على حصباء يغتذي بنبات لا قذر فيه وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء وكان يأوي الأماكن الصخرية ثم الرملية والمياه العذبة الجارية لا قذر فيها ولا حمأة الكثيرة الاضطراب والتموج المكشوفة للشمس والرياح والسمك البحري فاضل محمود لطيف
والطري من السمك بارد رطب في الثانية عسر الانهضام يخصب البدن ويسمنه ويزيد في المني معطش يرخي العصب ويورث غشاوة العين رديء للقولنج والأمراض الباردة صالح للمعدة الحارة واصحاب الصفراء على أنه في الجملة بئس الغذاء لأن جميع اللزوجات الرديئة يتولد منه صنوف الأمراض والسمك يولد بلغما كثيرا مائيا قال بعضهم إلا البحري وما يجري مجراه فإنه يولد خلطا محمودا وأما المالح فأجوده قريب العهد بالتمليح وهو حار يابس وكلما تقادم عهده ازداد حره ويبسه يذيب البلاغم ويحدث البهق
____________________
(3/31)
الأسود ويصلحه السعتر والكراويا وبعده الحلو والدهن قال بعضهم لا يصلح أن يؤكل منه إلا القليل مع الأغذية الدسمة
والجري ضرب من السمك لا يأكله اليهود كثير اللزوجة وهو طري ملين للبطن وأكل المالح منه العتيق يصفى قصبة الرئة ويجود الصوت وإذا دق ووضع من خارج أخرج السلى والفضول من عمق البدن لأن له قوة جاذبة وماء ملح الجري المالح إذا جلس فيه من به قرحة الأمعاء في ابتداء العلة وافقه بجذب المواد إلى ظاهر البدن وإذا احتقن به أبرأ من عرق النسا وأجود ما في السمكة ما قرب من مؤخرها فصل في خواص الشعير
تقدم في الحمية حديث في الشعير وتقدم الكلام في خبز الشعير وماء الشعير أفضل صفته أن يؤخذ الشعير الحديث السمين الرزين فينقع ويقشر ويهرس أي يرض ويلقى على كل صاع من الشعير اثنا عشر صاعا من الماء العذب الصافي وقيل يلقى عليه عشرة آصع ويطبخ بنار معتدلة ويحرك وتكشط رغوته فإذا نضج رفع وصفي وقيل يلقى على صاع شعير خمسة أمثاله ماء ويطبخ إلى أن يبقى منه خمس مائه ويصفى وهو مبرد مرطب يكسر حدة الأخلاط ويدر البول وينفع من الحميات الحادة ويولد دما معتدلا ويسكن العطش ويجلو ويسرع نفوذه في الأعضاء ويخرج عن المعدة والمعي بسرعة وتستفرغ معه الأخلاط المحترقة وهو يضر بالأحشاء الباردة وينفخ وهو رديء للمعدة الباردة ويدفع ضرره السكر فصل في خواص الطين وأنواعه
سبق في حفظ الصحة ذكر الصلاة والصوم والحج والجهاد والصبر بسكون الباء وسبق ذكر الصبر بكسر الباء في ذكر الحرف وهو الرشاد وسبق الكلام في الطيب والروائح الطيبة في حفظ الصحة ويأتي الكلام في الضفدع في التداوي بالمحرمات وفي الطرفا في نبق ثمر السدر
____________________
(3/32)
وأما الطين ففيه اخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفة أو موضوعة وهو مذكور في الفقه في الاطعمة يصفر اللون ويسد مجاري العروق بارد يابس مجفف يعقل ويوجب نفث الدم وقروح الامعاء ويطلى به المستسقون والمطحولون فينتفعون به
وهو انواع فمنه الطين الارمني بارد في الاولى يابس في الثانية يحبس الدم وينفع من الطواعين شربا وطلاء وينفع من الخراجات والقلاع ويمنع النزلة والسل وينفع من الحمى الوبائية وهو علاج ضيق النفس من النوازل وقدر ما يتداوى به مثقال فإن كان هناك حمى فليؤخذ بماء بارد وماء ورد وينفع من كسر العظام مع الاقاقيا طلاء ومنه الطين القبرسي بارد يابس فيه قبض معتدل ينفع من جميع انواع الحرارة والاورام طلاء ويجبر العظام وينفعها عند السقوط من موضع مرتفع وقدر ما يؤخذ منه الى ثلاثة دراهم وينفع من السحج المعائي والكبد ومن نفث الدم وقروح المعى شربا واحتقانا ومن الادوية القتالة اذا شرب منه درهم بماء ورد مطبوخ
طين خراساني هو الطين المأكول بارد يابس وقيل حار لملوحته يقوي فم المعدة ويذهب بوخامة الطعام وله خاصية في منع القيء وينفع من بلة المعدة وقدر ما يؤخذ منه درهم واكثره مثقال وما زاد على ذلك فهو مفسد للمزاج مسدد يحدث حصى في الكلى ويقلل ضرره الانيسون وبزر الكرفس والاصوب ترك اكله لان افساده اكثر من اصلاحه وما يقال من تطييبه النفس فهو للمشتاقين إليه لما يحدث من الظفر بالشهوة
طين مختوم مبرد ليس دواء اقطع منه للدم حتى ان الاعضاء لا تحتمل قوته اذا كان بها وهم وورم حار وخصوصا الناعم وهو يدمل الجراحات الطرية والقروح العسرة ويمنع الحرق من التقريح ويحفظ الاعضاء عند السقط وينفع من السل ونفث الدم وسحج الامعاء شربا وحقنا وقدر ما
____________________
(3/33)
يؤخذ منه الى درهمين ويقاوم السموم والنهوش شربا وطلاء بالخل والحامض منه اذا سقي لا يزال يغثي ويقذف السم ومن عضة الكلب الكلب
قال بعضهم الطين المختوم اذا استعمل في موضع يرتاب فيه بسقي شيء من السموم لم يؤثر في بدن متناوله شيء من السموم فإن من اخذ منه وزن درهم الى مثقال ثم اكل طعاما مسموما او شرابا تقيأه في الحال وان لم يكن طعاما مسموما اجاد هضمه فصل في خواص الطلح وهو الموز
قال تعالى ( ^ وطلح منضود ) الواقعة 29
والاشهر انه الموز والمنضود الذي قد نضد بعضه على بعض كالمشط وقيل الطلح الشجر ذو الشوك نضد مكان كل شوكة ثمرة فثمره قد نضد بعضه الى بعض فهو مثل الموز واجود الموز الكبار البالغ الحلو وهو معتدل وقيل بارد وقيل حار رطب في الاولى ملين ينفع من خشونة الصدر والحلق والرئة والسعال وقروح الكليتين والمثانة ويغذي كثيرا وقيل يسيرا ويدر البول ويحرك الباه ويزيد في المني وهو ثقيل على المعدة جدا يضرها ويزيد في الصفراء والبلغم بحسب مزاج آكله ودفع ضرره بالسكر او العسل وليؤكل قبل الطعام ويتبع بسكنجبين البزور ولا يتناول بعده غذاء حتى ينحدر فصل في خواص طلع النخل
سبق ذكر الطلع في حفظ الصحة وهو جار مجرى الجمار وسبق الكلام فيه في فصل يتعلق بما قبله عن ابي موسى
قال تعالى ( ^ والنخل باسقات لها طلع نضيد ) ق 10 النضيد المنضود الذي قد نضد بعضه على بعض وانما يقال له نضيد ما دام في قشره فإذا
____________________
(3/34)
انفتح فليس بنضيد قال ابو عمرو والفراء الكافور الطلع وقال الاصمعي هو وعاء طلع النخلة وكذلك الكفرى
وقال تعالى ( ^ ونخل طلعها هضيم ) الشعراء 148 وهو المنضم بعضه الى بعض فهو كالنضيد والطلع ينفع من الباه ويزيد في المباضعة وهو ذكر وانثى والتلقيح وهو التأبير ان يؤخذ من الذكر وهو مثل دقيق الحنطة فيجعل في الانثى فيكون ذلك بمنزلة اللقاح بين المذكر والانثى وفي مسلم عن طلحة ابن عبيد الله رضي الله عنه قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل فرأى قوما يلقحون فقال ما يصنع هؤلاء قالوا يأخذون من الذكر فيجعلونه في الانثى قال ما اظن ذلك يغني شيئا فبلغهم فتركوه فلم يصلح فقال النبي صلى الله عليه وسلم انما هو ظن ان كان يغني شيئا فاصنعوه فإنما انا بشر مثلكم وان الظن يخطىء ويصيب ولكن ما قلت لكم عن الله عز وجل فلن اكذب على الله وفي مسلم من حديث رافع انما انا بشر مثلكم اذا امرتكم بشيء من دينكم فخذوا به واذا امرتكم بشيء من رايي فإنما انا بشر وفي مسلم من حديث انس وعائشة رضي الله عنها انتم اعلم بأمر دنياكم (1) فصل في خواص العدس
سبق الكلام في العجوة قبل ذكر فصول المفردات وقبله في فصل عن زيد بن ارقم الكلام في العود والكلام في العنبر في فصل حفظ الصحة بالروائح الطيبة ويأتي الكلام في العسل
واما العدس فمن الموضوع فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه يرق القلب ويغزر الدمعة وانه مأكول وانه قدس فيه سبعون نبيا
وذكر البيهقي عن اسحاق قال سئل ابن المبارك عن الحديث الذي جاء في العدس انه قدس على لسان سبعين نبيا فقال ولا لسان نبي واحد وانه
____________________
1- أخرجه مسلم
(3/35)
لمؤذ منفخ وإنه قرين البصل في القران وهو شهوة اليهود التي قدموها على المن والسلوى
وفيه طبع الموت بارد يابس وفيه قوتان متضادتان إحداهما تعقل الطبيعة والأخرى تطلقها وقشرة حار يابس في الثالثة حريف مطلق للبطن وترياقه في قشره ولهذا كان صحاحه انفع من مطحونه واخف على المعدة وأقل ضررا فإن لبه بطيء الهضم لبرودته ويبوسته وقيل العدس معتدل في الحر والبرد يابس في الثانية والمقشور منه بارد في الثانية يابس في الثالثة يعقل ويسكن حدة الدم ويقوي المعدة على ما ذكره جالينوس وماؤه ينفع من الخوانيق وهو مولد للسوداء ويضر بالماليخوليا ضررا بينا ويري أحلاما رديئة ويغلظ الدم فلا يجري في العروق رديء للأعصاب والإكثار منه يولد الجذام ويظلم البصر إذا كان بعين آكله يبس وأما من كان مزاج عينيه رطبا فإنه ينفعه وهو عسر الهضم رديء للمعدة يضر بأصحاب عسر البول جدا ويمنع درور الحيض ويوجب الأورام الباردة والرياح الغليظة ويقلل ضرره السلق والإسبانخ وإكثار الدهن وأردأ ما أكل بالمكسود ويجب أن لا يخلط به حلاوة فإنه يورث السدد في الكبد وأقربه الأبيض السمين السريع النضاج
ومن قال إنه كان سماط الخليل عليه السلام فقد قال قولا بلا علم وهو كذب والله أعلم فصل في خواص العنب ومنافعه
ذكر سبحانه وتعالى في كتابه العزيز العنب في الدنيا وفي الجنة وهو في السنة في أحاديث كقوله عليه السلام لما رأى الجنة لو أخذت منها عنقودا أو قطفا لأكلتم منه ما بقيت الدنيا (1)
وهو في الصحيحين أو في الصحيح وأكل عليه السلام من العنب الذي جاء به عداس لما رجع من ثقيف
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(3/36)
وهو مشهور
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل العنب خرطا فيه داود بن عبد الجبار الكوفي قال ابن معين يكذب وقال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك رواه جماعة منهم ابو بكر الشافعي في الغيلانيات وأبو جعفر العقيلي وقال لا اصل له
ومن المعلوم أن في العنب منافع كثيرة ويؤكل متنوعا وهو قوت وفاكهة وشراب وأدم ودواء وطبعه طبع الحياة الحرارة والرطوبة واجوده الكبار المائي والأبيض أحمد بن الاسود إذا تساويا في الحلاوة والمتروك بعد القطف يومين أو ثلاثة أحمد من المقطوف في يومه وملوك الفاكهة العنب والرطب والتين
والعنب جيد الغذاء مقو للبدن يسمن بسرعة ويولد دما جيدا ويزيد في الإنعاظ وينفع الصدر والرئة وهو منفخ مطلق للبطن وإذا ألقي عجمه أطلق أكثر والإكثار منه يصدع الرأس ودفع مضرته بالرمان المز والحامض منه يبرد المعدة ويكسر القيء والعنب بأسره يضر بالمثانة والكبد والطحال الغليظين ويأتي الكلام في شجره في كرم فصل فيما جاء في الفالوذج وخواص الفضة
سبق ذكر فاغية وهو نور الحناء في فصل عن سلمى
فالوذج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أول ما سمعنا بالفالوذج أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمتك تفتح عليهم الأرض فيفاض عليهم من الدنيا حتى إنهم ليأكلون الفالوذج قال النبي صلى الله عليه وسلم وما الفالوذج
____________________
(3/37)
قال يخلطون السمن والعسل جميعا فشهق النبي صلى الله عليه وسلم لذلك شهقة (1)
رواه ابن ماجه وإسناده ضعيف وذكره ابن الجوزي في الموضوعات
قال الجوهري الفالوذ والفالوذق معربان قال يعقوب ولا تقل الفالوذج
وأما فضة فأجودها ما لم يخالطه غش وهي باردة يابسة وقيل معتدلة في الحر والبرد وقيل قابضة جدا وهي تبرد وتجفف وإذا خلطت سحالتها بالأدوية نفعت من الرطوبات اللزجة وهو جيد للجرب والحكة وسحالتها تنفع من البخر من أدويته ومن الخفقان مع أدويته ولعسر البول وقد ما يؤخذ منها دانق ومع الزئبق تنفع البواسير طلاء
قال بعضهم هي من الأدوية المفرحة النافعة للهم والغم والحزن وضعف القلب وخفقانه وتجتذب بخاصيتها ما يتولد في القلب من الأخلاط الفاسدة خصوصا إذا أضيف إلى ذلك العسل المصفى والزعفران ومما يسكن العطش إذا مسك في الفم فضة خالصة أو قطعة بلور أو صدف أو تمر هندي أو حب رمان حامض فصل في خواص القرع وهو الدباء وما ورد فيه
القثاء سبق في حفظ الصحة
القرع وهو الدباء بارد رطب في الثانية وقيل حار رطب يتولد منه خلطا شبيه بما يصحبه فإن أكل بالخردل ولد خلطا حريفا ونحو ذلك غذاؤه يسير وينحدر سريعا جيد للصفراوتين يقطع العطش جدا ويلين البطن ويولد بلة المعدة ويضر بأصحاب السوداء والبلغم وبالمعدة والأمعاء ويصلحه الفلفل والصعتر والخردل والزيت ونحو ذلك وعصارته تسكن وجع الأذن مع دهن ورد وتنفع من أورام الدماغ وسويقه ينفع من السعال ووجع الصدر من
____________________
1- أخرجه ابن ماجه وقال ابن الجوزي هذا حديث باطل لا أصل له
(3/38)
حرارة وإن شرب ماؤه بترنجبين وسفرجل مربى أسهل صفراء محضة ومتى صادف القرع في المعدة خلطا رديئا استحال إليه وفسد وولد في البدن خلطا رديئا
وفي الغيلانيات من حديث هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة إذا طبختم قدرا فأكثروا فيها من الدباء فإنها تشد قلب الحزين ويأتي في آداب الطعام قبل فصل قيل لأحمد يعتزل الرجل في الطعام أو يوافق حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يأكل الدباء ويعجبه
وروى ابن ماجه عن أحمد بن منيع عن عبيدة بن حميد عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القرع (1)
إسناده جيد
وللترمذي عن عطاء أبي طالوت ولم يرو عنه غير معاوية بن صالح قال دخلت على أنس وهو يأكل قرعا وهو يقول يالك شجرة ما أحبك إلي بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك + أخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب من هذا الوجه قلنا وفي سنده أبو طالوت الشامي وهو مجهول +
ولأحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تعجبه الفاغية وكان أحب الطعام إليه الدباء + أجرجه أحمد وسنده صحيح + فصل في خواص قصب السكر والسكر
القسط وهو الكست هو العود وقد تقدم
وأما القران فهو أعظم شفاء وأكثر دواء نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من أهله بفضله ورحمته وسيأتي الكلام فيه وفي الفاتحة وغيرها
____________________
1- أخرجه احمد وابن ماجه وسنده صحيح
(3/39)
وأما قصب السكر فروي في بعض ألفاظ أحاديث الحوض في غير الصحيح ماؤه أحلى من السكر وصححه بعضهم وأما الذي في الصحيح فأبيض من الورق أي الفضة وأطيب من رائحة المسك وفي الصحيح أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل (1)
وفي الصحيح أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل باللبن ولم أجد لفظ السكر في الحديث إلا هنا ولم يعرفه متقدمو الأطباء وإنما يعرفون العسل ويدخلونه في الأدوية
والسكر حار في آخر الأولى رطب في الأولى والعتيق إلى اليبس وقيل السكر بارد وأجوده الأبيض الشفاف الطبرزد وكلما عتق كان ألطف إلا أنه أميل إلى الحرارة وهو ملين جدا
قال ابن جزلة وهو يقارب في الجلاء والتنقية ويلين الصدر ويزيل خشونته وهو ينفع المعدة سوى التي تتولد فيها المرة الصفراء فإنه يضرها لاستحالته إليها ودفع ضرره بماء الليمون أو النارنج أو الرمان المز وهو مفتح للسدد ويسهل مع دهن اللوز وينفع من القولنج وينفع الكلى والمثانة وينفع من البياض الرقيق الذي في العين وهو يعطش دون تعطيش العسل وخاصة العتيق فإنه يولد دما عكرا ويهيج الصفراء ويصلحه الرمان المز وإذا طبخ السكر ونزعت رغوته سكن العطش والسعال وأما قصب السكر فهو في طبع السكر وأشد تليينا منه وأجوده الحلو الغزير الماء وهو حار رطب في الأولى وقيل معتدل الحرارة وقيل فيه قبض والمأخوذ كالصمغ من القصب يجلو العين
وقصب السكر يعين على القيء وينفع الصدر والسعال ويولد دما معتدلا ويدر البول ويجلو رطوبة الصدر قال بعضهم والمثانة وقصبة الرئة وينفع من خشونة الصدر والحلق إذا شوي والقصب يزيد في الباه ويولد رياحا ونفخا وينبغي أن يغسل بماء حار بعد تقشيره ليزول نفخه
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(3/40)
قال عفان بن مسلم الصفار من مص قصب السكر بعد طعامه لم يزل يومه أجمع في سرور وقال الحاكم في تاريخه سمعت أبا زكريا العنبري سمعت محمد بن عبد السلام سمعت إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه يقول دخلت على عبد الله بن طاهر فقال لي يا ابا يعقوب سمعت أنك شربت البلاذر فقلت أعز الله الأمير والله ما شربته ولا هممت بشربه ولكن اخبرني المعتمر بن سليمان أنبأني أبو ساج عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال خذ مثقالا من كندر ومثقالا من سكر فدقهما ثم اسحقهما ثم استفهما على الريق فإنه جيد للنسيان والبول فدعا الأمير بالدواة فكتبه
قال الحاكم سمعت أبا علي الحافظ سمعت ابن خزيمة يقول والله لو أن إسحاق الحنظلي كان في التابعين لأقروا له بالتقدم لحفظة وعلمه وفهمه
في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نجني الكباث فقال عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه (1)
الكباث بفتح الكاف والباء الموحدة المخففة والثاء المثلثة ثمر الأراك وهو حار يابس ومنافعه كمنافع الأراك يقوي المعدة ويجيد الهضم ويجلو البلغم وينفع من أوجاع الظهر وكثير من الأدواء وطبيخه يقوي المعدة ويمسك الطبيعة ويدر البول وينقي المثانة وإذا صنع من قضبانه خلخالا للعضد فإنه مانع من السحر فصل في خواص الكتم
الكتم بالتحريك بتخفيف التاء المثناة فوق وقال أبو عبيد بتشديدها نبت ورقه قريب من ورق الزيتون يعلو فوق القامة له ذكر في الأخبار في صبغ الشيب به وله ثمر في قدر حب الفلفل في داخله نوى إذا نضج اسود وإذا
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(3/41)
استخرج عصارة ورقه وشرب منها قدر اوقية قيأ قيئا شديدا وينفع من عضة الكلب واصل الكتم إذا طبخ بالماء كان منه مداد يكتب به وبزر الكتم إذا اكتحل به حلل الماء النازل في العين وأبرأه
وقيل الكتم هو الوسمة وليس كذلك والوسمة هي ورق النيل حارة في آخر الأولى يابسة في الثانية فيها قبض وجلاء وتخضب الشعر فصل في منافع الكرمة شجر العنب
سيأتي إن شاء الله تعالى بعد فصول آداب المساجد قوله عليه السلام لا يقولن أحدكم للعنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم وفي لفظ قلب المؤمن وفي لفظ ولكن قولوا العنب والحبلة (1)
أي بفتح الحاء المهملة وبفتح الباء وإسكانها شجرة العنب
وروى أحمد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا المشمعمل بن إياس حدثني عمرو بن سليم المزني أنه سمع رافع بن عمرو المزني يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول العجوة والشجرة من الجنة + أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجه وسنده صحيح +
إسناد جيد وعمرو تفرد عنه المشمعل لكن قال النسائي ثقة ولم أجد فيه كلاما قال ابن الجوزي العجوة من تمر المدينة والشجرة الكرمة قال في النهاية وقيل يحتمل إنما أراد شجرة بيعة الرضوان لأن اصحابها استوجبوا الجنة وروى ابن ماجه هذا الخبر عن بندار عن ابن مهدي عن المشمعل ولفظه العجوة والصخرة من الجنة + أخرجه ابن ماجه وقال البوصيري إسناده صحيح رجاله ثقات انظر الزوائد +
قال في النهاية يريد صخرة بيت المقدس كذا قال
وشجرة العنب باردة يابسة وورقها وعلائقها وعرموشها مبرد في آخر الدرجة
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(3/42)
الأولى وإذا دقت وضمد بها من الصداع سكنته ومن الأورام الحارة والتهاب المعدة وعصارة قضبانه إذا شربت سكنت القيء وعقلت البطن وكذا إذا مضغت عروقها الرطبة وعصارة ورقها تنفع من قروح الأمعاء ونفث الدم وقيئه ووجع المعدة ودمعة شجرة التي تحمل على القضبان كالصمغ إذا شربت أخرجت الحصاة وإذا لطخ بها أبرأت القوابي والجرب المتقرح وغيره وينبغي غسل العضو قبل استعمالها بالماء والنطرون وهو البورق الأرمني وإذا تمسح بها مع الزيت حلقت الشعر ورماد قضبانه إذا تضمد به مع الخل ودهن الورد والسذاب نفع من الورم العارض في الطحال وقوة دهن زهرة الكرم قابضة شبيهة بقوة دهن الورد ومنافعها تقرب من منافع النخلة لكثرتها فصل في خواص الكراث
الكراث له اصل في الصحيح إن من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم (1)
والكراث نبطي وشامي فالنبطي أجود وهو البقل الذي يوضع على المائدة حريف ليس بكريه الرائحة كثيرا وهو حار يابس في الثالثة والشامي الذي له رؤوس أقل حرارة ويبسا وقيل إنه في الثانية والشامي مع السماق ينفع من الثآليل ومع الملح للقروح الخبيثة وهو يقطع الرعاف ومع ماء الشعير ينفع من الربو عن مادة غليظة وخصوصا النبطي مع عسل وهو يقطع الجشاء الحامض وينفع من البواسير الباردة أكلا وضمادا ويحرك الباه وينفع من صلابة الرحم وانضمامها إذا جلست المرأة في طبيخ ورقه وطبيخ أصول الإسفيذباج بدهن القرطم ودهن اللوز الشيرجي نافع من الفولنج ويدر البول ويزيد في الباه وهو يصدع ويري أحلاما رديئة ويفسد اللثة والأسنان ويفلجها ويضر بالبصر والمعدة وينفخ بطيء الهضم والشامي ادنى مضرة في ذلك ويصلحه سلقه بماءين ويجعل مع الدهن والخل والنبطي إذا سحق بزره وعجن بقطران
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(3/43)
وبخرت منه الأضراس التي فيها الدود نثرها وأخرجها وسكن الوجع العارض فيها وإذا دخنت المعدة ببزره جففت البواسير والكراث البري يقرح البدن وعصارة الكراث اليابسة تسهل الدم ومن الموضوع على النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الكراث ثم نام عليه نام آمنا من ريح البواسير واعتزله الملك لنتن نكهته حتى يصبح (1) فصل
كرفس من الموضوع فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من أكله ثم نام عليه نام ونكهته طيبة وينام آمنا من وجع الأضراس والاسنان
وهو رطب واصله يابس وقيل حار يابس في الثالثة وقيل في الثانية يحلل النفخ ويفتح السدد ويسكن الأوجاع والبري منه ينفع من داء الثعلب وشقاق الأظفار وشقوق البرد والثآليل والبستاني منه يطيب النكهة قال بعضهم جدا قال بعضهم وينفع من البخر ويوافق من به عرق النسا وينفع من الربو وضيق النفس وأورام الثدي والحشاء والرومي أجوده للمعدة وهو يعدل بزر الخس إذا أكل معه وهو يدر البول والطمث والجبلي منه يفتت الحصى ويخرج المشيمة ويهيج الباه ولذلك قالوا ينبغي أن تجتنبه المرضعة كي لا يفسد لبنها لهيجان شهوة الباه وطبخه مع العدس يشفي من سقي سما وهو يسكن وجع الأسنان لكنه يفتتها وقيل إذا علق أصله على الرقبة نفع من وجع الأسنان وإذا لسعت العقرب آكله اشتد به الأمر ولذلك ينبغي أن يجتنب في الوقت الذي لا يؤمن فيه العقارب وهو يهيج الصرع بالمصروعين ولذلك هو رديء للصرع وقد قيل يؤمن مضرته فيهم أن يعلق اصله في رقابهم وهو يضر بالحبالى ويهيج الصداع ويصلحه الخس
____________________
1-
(3/44)
فصل في خواص الماء
تقدم الكلام في اللحم واللبن والماء وتعرف جودة الماء بصفائه وأن لا تكون له رائحة وأن يكون عذب الطعم خفيفا وزنه بعيد المنبع طيب الجري بارزا للشمس والريح لينقصر كثيرا ليدفع عن نفسه سريع الحركة والجري آخذا إلى الشمال من الجنوب أو من الغرب إلى الشرق يسخن سريعا عند طلوع الشمس عليه ويبرد عند غروبها عنه وينحدر عن المعدة سريعا ويخفف ثقل الطعام عليها
قال أبقراط الماء الذي يسخن سريعا ويبرد سريعا أخف المياه والماء وإن كان في الأصل باردا رطبا فإنه ينتقل لعارض فالمكشوف للشمال خاصة فيه ببس مكتسب من ريح الشمال وكذا بقية الجهات بحسبها وما ينبع من معدن فله طبيعة ذلك المعدن ويؤثر في البدن تأثيره وسيأتي
ونفع الماء البارد من داخل أكثر من نفعه من خارج والحار بالعكس وينفع البارد من عفونة الدم والحميات المحترقة وصعود الأبخرة إلى الرأس ويدفع العفونات ويوافق الأمزجة والأسنان والأزمنة والأماكن الحارة ويقوي القوى الأربع الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة على أفعالها ويقوي الشهوة ويحسن ويهضم بجمعه المعدة على الغذاء ويحفظ الصحة وينفع التخلخل والسيلان ويضر كل حالة تحتاج إلى نضج وتحليل كالزكام والأورام والشديد البرد يؤذي الأسنان والإدمان عليه يحدث انفجار الدم والنزلات وأوجاع الصدر وقصبة الرئة وأصحاب السدد ويضعف الباه ويضر بمن أفرط به الاستفراغ وليتجنب على الريق وعقب حمام وجماع وحركة عنيفة كثيرة وعطش شديد حادث في الليل عند النوم بغير سبب مالح
____________________
(3/45)
أو حار يابس فإنه يفسد المزاج ويولد الاستسقاء وهذا الماء يعقل البطن ويسكن سيلان المني والاستحمام به ينفع التشنج من امتلاءه والأجسام المتخلخلة ويرطب ويسكن الأوجاع وإذا صب حول موضع ينبعث منه الدم قطعه والبارد والحار بإفراط يضران العصب وأكثر الأعضاء لأن أحدهما محلل والآخر مكثف
والماء الحار يسكن لذع الأخلاط الحادة ويحلل وينضج ويخرج الفضول ويرطب ويسخن ويفسد الهضم شربه ويطفو بالطعام إلى أعالي المعدة ويرخيها ولا يسرع إلى تسكين العطش ويذبل البدن ويؤدي إلى أمراض رديئة ويضر في أكثر الأمراض وهو صالح للشيوخ وأصحاب الصرع والصداع البارد والرمد وأنفع ما استعمل من خارج وإذا اغتسل به كثير عادية النافض
قال بعضهم إذا مزج بماء بارد نفع المصروع وأورام الحلق واللهاة والصدر ويجلو خمل المعدة ويطلق الطبع إذا صادف خلطا خاصة إذا شرب مع سكر أو عسل وإذا لم يمزج بماء بارد لا يروي ولا تقبله الأعضاء فإن أكثر منه أفسد المزاج وأحدث الرهل وأرخى المعدة وملأ الدماغ بخارا ولفساد هضم شاربيه يصفر ألوانهم ويورم أطحالهم وأكبادهم وهو يهيج الرعاف وينبغي خلطه بماء ورد حتى لا يرخي المعدة والشديد السخونة يفسد الذهن ويحدث الغثي ويذيب شحم الكلى واللحم ولذلك ينبغي خلطه بماء بارد والاستحمام ويلطف البلغم ويسخن جدا
وماء المطر أجوده ما أخذ من أرض جيدة قال بعضهم وكان قطره قليلا في شهر كانون قال وكان من سحاب راعد وكان في مستنقعات الجبال وهو أرطب من بقية المياه لأنه لا تطول مدته فيكتسب من يبس الأرض أو غيرها ولهذا يعفن ويتغير سريعا للطافته وسرعة انفعاله
____________________
(3/46)
وبقراط يقول ماء المطر أجود المياه وأعذبها وأخفها وزنا وهو أقل بردا من ماء العيون وهو ينفع من السعال وخاصة إذا طبخ به أشربة السعال وهو مدر للعرق ويضر بالبحوحة عند ابتداء عفنه قال بعضهم المطر الشتوي ألطف من الربيعي لقلة حرارة الشمس حينئذ فلا يجذب ما ماء البحر إلا ألطفه والجو صاف لخلوه عن دخان وغبار وقال بعضهم المطر الربيعي ألطف لأن الحرارة توجب تحلل الأبخرة الغليظة ورقة الهواء ولطافته فيخف بذلك الماء لقلة أجزائه الأرضية ويصادف وقت النبات وطيب الهواء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر يقول رحمة (1)
رواه مسلم من حديث عائشة ولأحمد والبخاري والنسائي من حديثها اللهم صيبا نافعا + +
وليس في البخاري اللهم ولمسلم عن أنس قال أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر قال فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا لم صنعت هذا قال لأنه حديث عهد بربه + أخرجه مسلم وسنن أبي داود +
والمياه العفنة كمياه الآجام والمواضع التي تخرج إليها الأوساخ فيه حرارة ويغلظ الطحال والكبد ويفسد المعدة ويسمج اللون ويولد الحميات ومن اضطر إلى شرب الماء العفن فليمزجه بربوب الفواكه الحامضة كرب الرمان والحصرم والرباس والماء الكدر الغليظ يحدث الحصى في المثانة والكلى ويتدارك ضرره ببقول لطيفة ومدرة وثوم وكراث وبصل ويصلحه للشرب الخرنوب الشامي وحب الآس والزعرور والطين الحر والسويق وأن يجعل مع السويق في جرار جدد ويستقطر وقد يصفو إذا ألقي فيه الشب أو لب نوى المشمش ونحوه أو الجمر الملتهب
____________________
1- أخرجه مسلم
(3/47)
والمياه الرديئة يصلحها الخل ونحوه وماء الآبار قليل اللطف وماء القني المدفونة تحت الأرض ثقيل لتعفن أحدهما بانحقانه وحجب الآخر عن الهواء وينبغي ترك شربه حتى يضمد ويأتي عليه ليلة وأردؤه ما مجاريه من رصاص أو بئر معطلة خاصة إن كانت تربتها رديئة
وأما ماء البحر فعن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ماء البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته (1)
رواه احمد وأهل السنن وصححه البخاري والترمذي وغيرهما
قال تعالى ( ^ وهو الذي مرج البحرين ) الفرقان 53
أي خلى بينهما معناه أرسلهما في مجاريهما يلتقيان هذا عذب طيب فرات صفة العذب وهو أشد الماء عذوبة
( ^ وهذا ملح أجاج ) الفرقان 53 يقال ماء ملح
واستعمله الشافعي رضي الله عنه وقيل هو لغة والأجاج صفة الملح قال الزجاج وهو المر الشديد المرارة
قال ابن قتيبة هو أشد الماء ملوحة وقيل هو الذي يخالطة مرارة ( ^ وجعل بينهما برزخا ) الفرقان 53 أي حاجزا وهو مانع من قدرة الله عند أكثر المفسرين فهما في قدرة الله منفصلان لا يختلطان وقد يكونان في مرأى العين مختلطين وقيل الحاجز الأرض واليبس قاله الحسن ( ^ وحجرا محجورا ) الفرقان 53 أي حراما محرما أن يغلب أحدهما صاحبه وإنما جعل سبحانه ماء البحر كذلك لكثرة ما فيه من الحيوان ويموت فيه كثيرا فلو كان حلوا لأنتن من ذلك وكان الهواء يكتسب منه ذلك فيفسد العالم فاقتضت حكمة الله
____________________
1- أخرجه أحمد وأبو داود والتر مذي وابن ماجه والنسائي وصححه ابن حبان وانظر تمام تخريجه فيه
(3/48)
سبحانه أن جعله كذلك فلا يغيره شيء ابدا ولأن ارضه سبخة مالحة وهو حار يابس ينفع من الشقوق العارضة عن البرد إذا اغتسلت به ويقتل القمل ويحلل الدم المنعقد تحت الجلد وينفع من الجرب والحكة والقوابي والفالج والخدر وأورام الثدي ويحتقن به للمغص ويسقى فيسهل ثم يشرب بعده مرق الدجاج فيكسر لذعه والجلوس فيه ينفع من لسع الأفعى وسائر الهوام القتالة وشربه يؤذي فإنه يعطش ويهزل ويحدث حكة وجربا ونفخا وقد يتدارك ضرره باللبن والأشياء الدسمة وقد يدبر الماء المالح فيعذب بأن يوضع في إناء كالقدح من شمع فإنه يرشح إليه من خارجه ماء عذب أو يجعل في قدر ويجعل فوق القدر قضبان عليها صوف منفوش ويوقد تحت القدر حتى يرتفع بخارها إلى الصوف فإذا كثر عصره لا يزال يفعل ذلك حتى يجتمع له ما يريد فيحصل له من البخار في الصوف ماء عذب أو يحفر إلى جانبه حفرة يرشح ماؤه إليها ثم أخرى إلى جانبها ترشح هي إليها ثم ثالثة إلى أن يعذب أو يخلط بطين جيد أو يخلط بسويق في جرار جدد وتستقطر وشربه على أغذية دسمة اقل لضرره فالماء المر يمزج بحلو ويؤكل عليه الحلو والماء المالح العادم للمرارة حار يابس يسخن ويجفف ويطلق الطبع فإذا أدمن عليه عقل وهو كما سبق في ماء البحر
وأما ماء زمزم فماء شريف مبارك أشرف المياه وأجلها عند الناس وهو لما شرب له ويستحب التضلع منه كما ورد في الخبر (1)
وذلك مذكور في الفقه وسبق فيه حديث أبي ذر في فصول الصحة
وأما الأنهار التي من الجنة ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيحان وجيحان والنيل والفرات كلها من أنهار الجنة + بل هو من أفراد مسلم +
____________________
1- يريد قوله صلى الله عليه وسلم ماء زمزم لما شرب له وهو حديث حسن أخرجه أحمد وابن ماجه وانظر التلخيص الحبير
(3/49)
وفي مسلم أو في الصحيحين (1) أخرجه البخاري ومسلم +
قال بعضهم هذا يدل على أن أصل سدرة المنتهى في الأرض بخروج النيل والفرات من اصلها وقال بعضهم لا يلزم ومعناه أن الأنهار تخرج من أصلها ثم تسير حيث اراد الله حتى تخرج من الأرض وتسير فيها والفرات بالتاء الممتدة في الخط في الوصل والوقف وهذه الانهار من أجود المياه والأرض التي يسقيها النيل إبلين أصله إن أمطر مطر العادة لم يرو فيها النبات وفوق العادة يضر بها وبساكنيها فساق إليها سبحانه هذا النهر العظيم من مكان بعيد
قال بعضهم اصله في أقصى بلاد الحبشة من أمطار تجتمع هناك وسيول وجعل سبحانه زيادته في أوقات معلومة بحسب الحاجة إليه وكفاية البلاد فإذا اكتفت أذن الله سبحانه بتناقصه لمصلحة الزرع فسبحان من هو على كل شيء قدير وهو بكل شيء عليم وهو الحكيم الخبير فصل
وأما ما سبق من أن الماء يكتسب من معدنه ويؤثر تأثيره قال الأطباء في الماء الزفتي والكبريتي والنفطي وماء الغار يسخن ويجفف وينفع من البهق
____________________
1-
من حديث مالك بن صعصعة في حديث الإسراء لما ذكر سدرة المنتهى قال وحدث نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى أربعة أنهار في الجنة يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان فقلت يا جبريل ما هذه الانهار قال أما النهران الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات
(3/50)
والبرص والثآليل وأورام المفاصل والصلابات والجرب والقوابي إذا استحم به وينفع من اوجاع العصب الباردة والاستسقاء جلوسا فيه وشربا وهو رديء للعين يحدث الحميات ويصلحه ربوب الفواكه الحامضية
والماء الشبي هو الجاري على ارض شيبة اجوده السائغ القليل القبض وهو يبرد ويجفف ويمنع الإسقاط ويرق الحيض وقيام الدم ونفثه والذرب والبواسير وهو يحدث القولنج وهذه المياه يتداوى بها من خارج ولا تصلح للشرب
والماء الزئبقي يجري على معدن الزئبق يغتسل به للحكة والقمل
والماء الحديدي ينبع من معدن الحديد يسخن ويجفف وينفع الطحال والمعدة ويحبس البطن ويشد الأعضاء ويقويها والماء المطفي فيه الحديد فإنه يمنع من نفث الدم ويزيد في الباه
والماء النحاسي ينبع من معدن النحاس ينفع الفم والآذان والطحال والمعدة ورطوبات البدن وفساد المزاج ويحدث عسر البول
والماء الفضي ينبع من معدن الفضة يبرد ويجفف باعتدال
والماء النطروني يجري على معدن النطرون وهو البورق الأرمني يطلق الطبع
وماء الكافور حار يابس في الثالثة يستخرج الردن من اليد ومن خواصه إذا جعل على طعام لم تقربه ذبابة ورائحته تضر بالصداع من حر ويصلحه خلطه بدهن بنفسج فصل في خواص الملح
روى ابن ماجه من رواية عيسى بن أبي عيسى الحناط وهو ضعيف متروك بالاتفاق عن أنس مرفوعا سيد إدامكم الملح (1)
وفي مسند ابي بكر البزار مرفوعا ستوشكون ان تكونوا في الناس كالملح في الطعام ولا يصلح
____________________
1- أخرجه ابن ماجه وعيسى بن ابي عيسى الحناط متروك كما قال المصنف وانظر الزوائد للبوصيري
(3/51)
الطعام إلا بالملح (1)
وذكر البغوي في تفسيره عن عبد الله بن عمر مرفوعا إن الله تعالى أنزل اربع بركات من السماء إلى الارض الحديد والنار والماء والملح
قال الأطباء في الملح مرارة وقبض والمر منه قريب من البورق هش ومنه دراني كالبلور ومنه نفطي اسود ومنه بحري يذوب كما يصبه الماء وأجوده والدراني الأبيض الرقيق وهو حار يابس في الثانية جلاء محلل قابض يكسر من الرياح وينفع من العفونة وينفع من غلظ الأخلاط ويذيبها واستعمال الملح بالغداة يحسن اللون ومع العسل والزيت يضمد به الدماميل لينضجها ومع الفوذنج والعسل للأورام البلغمية وهو يأكل اللحم الزائد وينفع من الجرب المتقرح والحكة البلغمية والنقرس ويطلى به مع شجر الحنظل بثور الرأس
والدراني يحد البصر ويشد اللثة المسترخية ويسهل خروج الثفل وانحدار الطعام وينفع من أوجاع المعدة الباردة ويسهل البلغم العفن والنخام والسوداء وقدر شربته نصف درهم ويضمد به مع بزر كتان للسع العقرب ومع الخل والعسل للزنابير ويشرب مع سكنجبين فيدفع مضرة الفطر القتال والأفيون والملح المحرق يجلو الأسنان والمر منه يسهل السوداء بقوة
والملح يضر الدماغ والبصر والرئة ويصلحه غسله وشيه ويضاف إليه الصعتر وفي الملح قوة تزيد الذهب صفرة والفضة بياضا ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار وإذا دلك به بطون اصحاب الاستسقاء نفعهم
والملح الهندي حار يابس أشد أنواع الملح إسخانا وتلطيفا
والملح النفطي أجوده المنتن الرائحة حار يابس يعين على القيء ويسهل السوداء وقدر شربته إلى نصف درهم ويضر بالمعى ويصلحه الهليلج
____________________
1- اخرجه البزار وقال الهيثمي في المجمع بعد أن عزاه للبزار والطبراني وإسناد الطبرني حسن وأخرجه أبو يعلى بنحوه وسنده ضعيف
(3/52)
ملح بابازير حار يابس يهضم الغذاء وينفذه ويجفف البدن ويصلحه الخشخاش والصعتر فإن الصعتر حار يابس في الثالثة محلل ملطف ينفع من أوجاع الوركين ويسكن وجع الضرس إذا مضغ وينفع الكبد والمعدة ويخرج الديدان ويدر ويشهي الطعام ويحلل الرياح وأكله ينفع من غشاوة البصر الحادث عن رطوبة وينفع الصدر والرئة دهنه وقيل يضر بالأرنبة ويصلحه الخل فصل في خواص النورة
روى ابن ماجه عن علي بن محمد عن عبد الرحمن بن عبد الله هو أبو سعيد مولى ابي هاشم عن حماد بن سلمة عن ابي هاشم الرماني عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اطلى بدأ بعورته فطلاها بالنورة وسائر جسده أهله (1)
وروى أيضا عن علي بن محمد عن إسحاق بن منصور عن كامل أبي العلاء عن حبيب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلى وولي عانته بيده
أما الأول فإسناده ثقات والثاني كذلك وقد تكلم في كامل ابي العلاء بن العلاء قال ابن حبان كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل من حيث لا يدري وقال ابن عدي في بعض رواياته اشياء أنكرتها ومع هذا أرجو أنه لا بأس به وقال النسائي مرة ليس بقوي ومرة لا بأس به ووثقه ابن معين لكن في سماع حبيب من ام سلمة نظر والظاهر أنه لم يسمع منها وهذا الحديث أمثل ما في هذا الباب
وقد ذكر ابو بكر الخلال في كتاب العلل ان مهنا قال سألت أبا عبد الله عن حديث كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن رجل عن ام سلمة الحديث فقال ليس بصحيح لأن قتاده قال ما اطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر
____________________
1- اخرجه ابن ماجه من حديث حبيب بن أبي ثابت عن ام سلمة ولم يسمع منها فهو منقطع
(3/53)
حديث سعيد عن قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يطلي ولا ابو بكر ولا عمر ولا عثمان رواه الخلال وقال البيهقي عن حديث أم سلمة اسنده كامل ابو العلاء وأرسله من هو أوثق منه
قال بعضهم أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود عليه السلام والنورة من الأجسام الحريفية الحجرية وأجودها البيضاء السريعة السحل وغير المطفأة شديدة الحرارة ملطفة محرقة جدا والمطفأة منها إذا بقيت يومين أو ثلاثة فإنها لا تحرق بل تسخن فقط والمغسولة معتدلة يابسة والنورة تقطع نزف الدم إذا وضعت على الموضع والمغسولة مجففة بغير لذع وتأكل اللحم الزائد وتدمل وتنفع من حرق النار جيدا وهي تضر بالنحيف إذا طلى بها بدنه في الحمام وإذا طلي بها الجلد ابرزت ما تحته وينبغي أن يدهن بعدها بدهن بنفسج وماء ورد والعصفر وبزر البطيخ ودقيق الأرز مع ماء ورد وقال بعضهم أو يطلى مكانها بالحناء وإن عرض عنها تنفط فيطلى بدهن ورد مع دقيق عدس وخل وماء ورد وشربها قتال يعرض لمن سقي منها يبس الفم ووجع المعدة وحرقتها وعسر البول والمغص واستطلاق الدم من البطن لتقريحها المعى وتخرج النورة في بوله وربما عرض برد الأطراف والغثي وربما عرض الخفقان ويداوى بالقئ بالماء الحار والدهن ثم باللبن الحليب ودهن اللوز والجلاب والأمراق الدسمة كمرق الدجاج المسمن بدهن اللوز فصل في خواص النبق وهو ثمر السدر
قال تعالى ( ^ في سدر مخضود ) الواقعة 28
سبب نزولها أنهم نظروا إلى وج واد بالطائف فأعجبهم سدره فقالوا يا ليت لنا مثل هذا وهل المخضود الذي لا شوك فيه أو الموقر حمله فيه قولان عن ابن عباس وغيره وقيل هما
وقال تعالى ( ^ وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل ) سبأ 16
قرأ ابن كثير ونافع بسكون الكاف وقرأ غيرهما بضمها وقرأ غير ابي عمرو
____________________
(3/54)
أكل بالتنوين وقرأه ابو عمرو بإضافته
قال ابن عباس والجمهور الخمط الأراك وقيل كل شجرة ذات شوك وقيل نبت طعمه مر فعلى هذا الخمط اسم للمأكول فتحسن قراءة من نون الأكل وعلى ما قبله هو اسم شجرة والأكل ثمرها فتحسن قراءة من أضاف والأثل روي عن ابن عباس انه الطرفاء وقيل شجر يشبهه وقيل السمر
( ^ وشيء من سدر قليل )
سبأ 16
وهو شجرة النبق أي كان الخمط والأثل أكثر من السدر
( ^ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ) سبأ 17
يقال في فصيح اللغة جزى الله المؤمن ولا يقال جازاه فقيل جازاه أي كافأه فالكافر يجازى بسيئاته مثلها مكافأة له والمؤمن يزاد في ثوابه ويتفضل عليه وقيل الكافر لا حسنة له فيجازى بجميع ذنوبه وقيل المؤمن لا يناقش الحساب
وفي الصحيحين من حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سدرة المنتهي إذا نبقها مثل قلال هجر (1)
وروى أبو نعيم في كتاب الطب النبوي مرفوعا إن أدم لما هبط إلى الارض كان أول شيء أكل من ثمارها النبق
النبق بسكون الباء وتشديد النون وتخفيف القاف وهو ثمر السدر الواحدة نبقة ونبق ونبقات مثل كلمة وكلم وكلمات
والنبق بارد يابس وبرده أقل من برد الرطب منه وفيه تجفيف وتلطيف وهو قابض يقوي المعدة وخاصة إذا قلي ودق مع نواه وقيل النبق رطب وقيل رطبه رطب ودفع مضرته بالشهد وغذاء اليابس من النبق يسير والنبق يسكن الصفراء ويشهي الطعام ويولد بلغما وهو بطيء الهضم وورقه وهو
____________________
1- صحيح البخاري
(3/55)
السدر معتدل مجفف قابض لطيف يقوي الشعر ويمنع من انتشاره وينضج الأورام وفيه تحليل والطري منه مع الخل يمنع من تقشير الجلد وطريه أيضا يلصق الجراحات ويقوي العظام الواهنة الواهية إذا ضمدت به أو نطل بالماء المطبوخ فيه عليها
قال الأطباء الأثل ضرب من الطرفاء بارد يابس فيه قبض وتجفيف وثمرته اشد قبضا وقيل إنه حار وطبيخه يستعمل نطولا على القمل فيقتله وورقه ضمادا للأورام الرخوة ودخانه يجفف القروح الرطبة والجدري ورماده على حروق النار والقروح الرطبة وثمرته مع رماده تأكل اللحم الزائد والقروح العسرة الاندمال وطبيخ ورقه بالسذاب ينفع من وجع الاسنان مضمضة وثمرته تنفع من النفث المزمن ويضمد بقضبانه المطبوخة بالخل حتى تنضح وتهتري الطحال ويجلس في طبيخه لسيلان الرحم وثمرته تنفع من نهش الرتيلا فصل في خواص الهندبا
الهندبا من الموضوع فيه على النبي صلى الله عليه وسلم كلوا الهندباء ولا تنفضوه فإنه ليس يوم من الأيام إلا وقطرات من الجنة تقطر عليه ومن أكل الهندبا ونام عليه لم يحل فيه سم ولا سحر وما من ورقة من ورق الهندبا إلا وعليها قطرة من الجنة
والهندبا بري وبستاني عريض الورق ودقيق الورق وقد تشتد مرارته في الصيف فيميل إلى قليل حرارة ولا يؤثر والبستاني أجود وأفضله الشامي وهي باردة في آخر الأولى رطبة في آخرها أيضا وقيل يابسة في الثانية
____________________
(3/56)
والبري أقل رطوبة وقيل الهندبا في الشتاء باردة رطبة وفي الصيف حارة يابسة وفي الربيع والخريف معتدلة
والهندبا تفتح سدد الكبد والطحال والعروق والأحشاء وتنقي مجاري الكلى وأنفعها للكبد أمرها وفيها قبض ليس بشديد وهي تبرد طلاء مع إسفيذاج الرصاص ويضمد بها للنقرس وتنفع للرمد الحار ويضمد بها الخفقان مع دقيق الشعير وتسكن الغثيان وهيجان الصفراء وحرارة المعدة وتعقل البطن وتنفع من حمى الربع ولسع العقرب والهرام والزنابير والحية وسام ابرص ضمادا قال بعضهم مع السويق وإذا دقت ووضعت على الأورام الحارة بردتها وحللتها
وأصلح ما أكلت غير مغسولة ولا منفوضة لئلا تفارقها قوتها بذلك وفيها مع ذلك قوة ترياقية تنفع من جميع السموم ويدخل ورقها في الترياق وماؤها ينفع من اليرقان السددي لا سيما إذا خلط به ماء الرازبانج الرطب وشرب مائها أيضا ينفع من لسع الافاعي والعقرب والزنور
وإذا اكتحل بمائها ينفع من الغشاوة وإذا صب على مائها الزيت خلص من الأدوية القتالة كلها ولبن الهندبا قال بعضهم البري يجلو بياض العين والهندبا بطيئة الهضم وتصلح بالرشاد فصل
قد تقدم الكلام في الورس في فصل عن زيد بن أرقم في مداواة ذات الجنب وتقدم الكلام في الوسمة والكتم
____________________
(3/57)
فصل في إصابة العين وما ينفع فيها
وإن اصاب زيد عمرا بالعين غسل زيد وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره وصبه على عمرو قدمه السامري وابن حمدان
وروى مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف بذلك ففعل عامر في قدح ثم صب عليه فراح سهل مع الناس ورواه احمد بإسناد حسن وفي آخره ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ثم ليلق القدح وراءه ففعل به ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس (1)
وداخله إزاره قيل فرجه وقيل طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده وقيل بل يغتسل العائن غسلا كاملا يعم به جميع بدنه ثم يصب ذلك على المعين
وقد روى أحمد ومسلم والترمذي وصححه عن ابن عباس مرفوعا العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا + أخرجه مسلم والترمذي وابن حبان واللفظ لمسلم +
وروى أبو داود وإسناده ثقات عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين + سنن أبي داود وسنده صحيح +
وهذا من الطب الشرعي المتلقى بالقبول عند أهل الايمان وقد تكلم بعضهم في حكمه ذلك ومعلوم أن ثم خواص استأثر الله بعلمها فلا يبعد مثل هذا ولا يعارضه شيء ولا ينفع مثل هذا غالبا إلا من أخذه بالقبول واعتقاد حسن لا مع شك وتجربة
____________________
1- الموطأ والمسند وسند صحيح
(3/58)
وقد روى مالك وأحمد في الخبر ان النبي صلى الله عليه وسلم تغيظ على عامر بن ربيعة وقال علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت فمن خاف أن يضر غيره فليقل ذلك وكان عروة إذا رأى شيئا يعجبه قال ما شاء الله لا قوة إلا بالله
وروى النسائي في اليوم والليلة وابن ماجه والحاكم في المستدرك عن عامر بن ربيعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه شيئا يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق (1)
وعن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ما أنعم الله على عبد من نعمة في أهل ولا مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت رواه أبو بكر بن أبي الدنيا من رواية عبد الملك بن زرارة قال أبو الفتح الأزدي لا يصح حديثه + أخرجه ابن أبي الدنيا في الشكر وابن السني في عمل اليوم والليلة والطبراني في الصغير والبيهقي في الشعب وقال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه عبد الملك بن زرارة وهو ضعيف +
وقد روى البخاري ومسلم عن حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر + أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
لم يقل البخاري في نفسه وهذا الحديث صادق على المقصود هنا وإن لم يذكروه
وكذا قوله تعالى ( ^ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) الحج 38
وإن كان المراد منعهم من الكفار ونصرهم عليهم فهو صادق على المقصود
____________________
1- اخرجه ابن ماجه والنسائي في عمل اليوم والليلة وهو حديث حسن
(3/59)
هنا والله أعلم
ويعالج المعين مع ذلك بالرقى من الكتاب والسنة والتعوذ والدعاء وليحترز الحسن من العين والحسد بتوحيش حسنه فقد ذكر الخطابي في غريب الحديث عن عثمان رضي الله عنه أنه رأى صبيا تأخذه العين فقال دسموا نونته قال ثعلب أراد بالنونة النقرة التي في ذقنه والتدسيم التسويد أراد سودوا ذلك الموضع من ذقنه ليرد العين
قال الخطابي ومن هذا حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم وعلى رأسه عمامة دسماء أي سوداء ومن هذا اخذ الشاعر قوله
( ما كان أحوج ذا الكمال إلى % عيب يوقيه من العين )
وقد ذكر البغوي في شرح السنة هذا الأثر عن عثمان وفسره كذلك والله اعلم
وفي وجوب الوضوء خلاف بين أهل العلم وظاهر ما تقدم من النقل والدليل وجوبه وهو أظهر
وللإمام حبس العائن ذكره في الترغيب وفي الرعاية من عرف بأذى الناس حتى بعينه ولم يكف حبس حتى يموت فظاهره يجب أو يستحب لما فيه من المصلحة وكف الأذى ونفقته من بيت المال لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحبسه
وفي الأحكام السلطانية للوالي فعله ليدفع ضرره لا للقاضي
قال القاضي عياض ينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس ويأمره بلزوم بيته وبرزقه إن كان فقيرا فضرره اشد من ضرر آكل الثوم والبصل الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم دخول المسجد ومن ضرر المجذوم الذي منعه عمر والعلماء بعدم الاختلاط بالناس ومن ضرر المؤذيات من المواشي التي يؤمر بتغريبها بحيث لا يتأذى بها أحد قال أبو زكريا النووي هذا صحيح متعين لا يعرف عن غيره
____________________
(3/60)
تصريح بخلافه
وهل تنبعث جواهر لطيفة لا ترى من العين فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه أم لا بد تنبعث قوة سمية تتصل بالمعين فيتضرر كما قد اشتهر عن بعض أنواع الحيات إذا وقع بصره على إنسان حتى قال بعض أصحابنا وغيرهم لا يتوقف التأثير على الرؤية فقد يوصف للأعمى الشيء فتؤثر نفسه فيه وقد يعين الانسان بإرادته وقد يعين بطبعه وهو أردأ وهل يحصل التلف والفساد بها أم عندها مبني على إثبات الأسباب وفي ذلك خلاف بين العلماء والمسألة مشهورة
وفي فنون ابن عقيل القول بالعدوى اضافة الداء الى التولد وأن الفاسد ولد فاسدا وفي الهواء في الذات السليمة والعين إضافة الفعل إلى صاحب العين إذ لا يمكنه ذلك ولا في الممكن أن يتولد من عينه ونظره فساد صالح ولا موت حي ولا ينسب ذلك إلا إلى الله والحقيقة أن الله هو الفاعل لكل حادث من فساد الأجساد ومن صلاحها وأنه يحدث ذلك عند وجود شيء أو مقارنته لأن ذلك الشيء لا يولد ولا يحدث فسادا ولا صلاحا والله أعلم
____________________
(3/61)
وقد يؤخذ من هذا أنه لا يلزمه ضمان وفيه نظر ويتوجه إن ثبت أنه يقتل به غالبا وقصد الجناية فعمد وإن قصدها ولم يقتل غالبا فشبه عمد وإلا فخطأ يضمنه وقد أنكر العين طوائف من المبتدعة وهو باطل قال الحسن البصري رحمه الله دواء إصابة العين أن يقرأ هذه الآية يعني قوله
( ^ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين ) القلم 51 - 52
ولما كان الحاسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن ونفسهما خبيثه تتكيف بكيفية خبيثة نحو المحسود والمعين فإن صادفته متحصنا بالطب الشرعي لم تؤثر فيه وربما رد ذلك على صاحبه فأثر فيه كالرمي الحسي وإن لم تصادفه متحصنا أثرت فيه فصل
فإن علق شيئا من القران ونحوه على حيوان فلم أجد لأحد في هذه المسألة كلاما وينبغي أن يقال إن كان الحيوان طاهرا كره ذلك وفي التحريم نظر لأنه فعل غير مأثور ولما فيه من الامتهان وملابسة الأنجاس والأقذار
والصبيان ونحوهم لهم من يصونهم ويمنعهم من ذلك بخلاف الحيوان وإن كان الحيوان نجسا كالكلب ونحوه فلا إشكال في التحريم والله أعلم وقد يقال سمة الإمام سائمة الزكاة بكتاب الله يؤخذ منه جواز ذلك والحاجة تزول بكتابة ذلك زكاة فصل في خواص جواز قطع الحيض والنسل بالدواء
نص أحمد في رواية صالح وابن منصور في المرأة تشرب الدواء يقطع عنها دم الحيض انه لا بأس به إذا كان دواء يعرف قال القاضي أكثر ما فيه قطع النسل وهذا جائز بدليل العزل عن النساء قال وذاكرت بعض الشافعية فقال
____________________
(3/62)
لا يجوز لأن فيه قطعا للنسل وذكر الشيخ تقي الدين أنها إن شربت ما يختص به فلها ذلك كمن لها غرض في قصر عدتها لارتفاع الحيض بعارض فصل
قال المروذي سمعت رجلا يشكو إلى أبي عبد الله إني أجد ضربانا في إبهامي فقال هذا تخمة الماء وأرى ان تقل من شرب الماء بالليل قال القاضي هذا يدل على أن احمد كان له علم بشيء من الطب وعلى جواز الطب
وفيما قال المروذي قلت لأبي عبد الله أصابك بمكة استرخاء الركب حتى ما قدرت تمشي فقال إنهم يقولون إذا استعذبوا الماء أصابهم هذا وفي معناه ما قال المروذي كنت أكبس لأبي عبد الله الخبز في القدح واصب عليه الماء فكان يأكله ويشرب ماء الخبز قال هو يقوي فصل في النشرة وهو ماء يرقى ويترك تحت السماء ويغسل به المريض
قال جعفر سمعت أبا عبد الله سئل عن النشرة فقال ابن مسعود يكره هذا كله وروى أبو بكر بن أبي شيبة وأبو داود في المراسيل عن الحسن مرفوعا إنها من عمل الشيطان (1)
قال القاضي أبو يعلى ورأيت في مسائل الفضل ابن زياد حدثنا ابو عبد الله حدثنا عبد الرزاق اخبرنا عقيل بن معقل عن وهب بن منبه عن جابر رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال هي من الشيطان إسناد جيد ورواه أحمد في المسند
____________________
1-
(3/63)
وابو داود (1)
وفي ترجمة محمد بن يحيى الذهلي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق عن ابراهيم بن معقل عن وهب وذكره كما سبق ابراهيم هو ابن عقيل بن معقل ثقة لعله عن أبيه عن وهب رواه ابو بكر الخطيب وقال بعضهم النشرة مشهورة عند اهل التعزيم وسميت بذلك لأنها تنشر عن صاحبها أي تجلى عنه وأجازها الطبري وغيره وقال ابن الجوزي في جامع المسانيد النشرة حل السحر عن المسحور ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر وقد قال الحسن لا يطلق السحر إلا ساحر إلا أنه لا يجوز ذلك وسئل سعيد بن المسيب عن حل العقد والنشر فقال لا بأس به وسئل احمد عمن أطلق السحر عن المسحور فقال لا بأس به انتهى كلامه وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن إبراهيم قال كانوا يكرهون التمائم والرقى والنشر فصل
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال من كان هاربا من عدوه فليكتب بسوطه بين أذني دابته ( ^ لا تخاف دركا ولا تخشى ) طه 77 آمنه الله من ذلك الخوف إن شاء الله ذكره ابن عقيل في الفنون فصل في الرقى والتمائم والعوذ والعزائم وما ورد في كونها شركا
في الصحيحين عنه عليه السلام يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون + صحيح البخاري وصحيح مسلم +
وفي الصحيح هم الذين لا يرقون ولا يسترقون وذكره
____________________
1- المسند وسنن ابي داود وسنده قوي
(3/64)
وفيهما عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقى وأنه كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى وأنه كان ينفث بالمعوذات على نفسه وعلى غيره قالت فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسحه بيد نفسه لبركتها (1)
فإنه كان إذا أوى إلى فراشه نفث بكفه ب قل هو الله احد ) وبالمعوذتين جميعا ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده قالت فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به + أخرجه البخاري +
وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أو أمر أن تسترقي من اليعن وقد تقدم
فقالت له زينب امرأته لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها فكان إذا رقاها سكنت قال إنما ذلك من عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتيها كف عنها إنما يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما + حديث صحيح لغيره أخرجه الإمام احمد في مسنده وأبو داود وابو يعلى والبغوي +
وفي لفظ ابن ماجه بعد قوله والتولة شرك قلت فإني خرجت يوما فأبصرني فلان فدمعت عيني التي تليه فإذا رقيتها سكنت وإذا تركتها دمعت قال ذاك الشيطان إذا أطعته تركك وإذا عصيته طعن بأصبعه في عينك ولكن لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تستشفي تنضحين في عينك الماء ثم تقولين + سنن ابن ماجه +
وذكر الحديث
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الرقى والتمائم والتولة شرك + +
____________________
1- صحيح البخاري ومسلم
(3/65)
التولة ضرب من السحر قال الأصمعي هو يحبب المرأة إلى زوجها قال الجوهري التميمة عوذة تعلق على الإنسان ويقال هي خرزة وأما المعاذات إذا كتب فيها القران واسماء الله تعالى فلا بأس
وقال ابن الأثير في النهاية التمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطله الإسلام ثم ذكر ان منه حديث ابن عمر وما أبالي وحديث من علق تميمة كانهم كانوا يعتقدون أنها تمام الدواء والشفاء وإنما جعلها شركا لأنهم ارادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه انتهى كلامه
وعن عقبة بن عامر مرفوعا من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له رواه أحمد (1)
وفي رواية له من تعلق تميمة فقد أشرك
والودع بالفتح والسكون جمع ودعة وهي شيء ابيض يجلب من البحر يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم وإنما نهي عنها لأنهم كانوا يعلقونها مخافة العين وقوله لا ودع الله له أي لا جعله في دعة وسكون وقيل هو لفظ مبني من الودعة أي لا خفف الله عنه ما يخافه
وعن عبد الله بن عمر مرفوعا ما أبالي ما ركبت وما أتيت إذا أنا شربت ترياقا أو تعلقت تميمة او قلت الشعر من قبل نفسي رواه احمد والبيهقي
____________________
1- حديث حسن أخرجه احمد والحاكم وصححه وابن حبان وانظر تمام الكلام عليه هناك
(3/66)
وأبو داود (1)
وقال هذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة
وقد رخص فيه قوم يعني الترياق وهذا الحديث فيه شرحبيل بن يزيد المعافري عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي أما شرحبيل فلم يرو عنه غير سعيد بن ابي ايوب وأما عبد الرحمن فقال البخاري في حديثه مناكير قال القاضي فشبه تعليق التميمة بمثابة أكل الترياق وقول الشعر وهما محرمان
وروى وكيع بإسناده عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من علق شيئا وكل إليه + أخرجه عبد الرزاق وفي سنده ابان بن ابي عياش وهو ضعيف +
وبإسناده عن عبد الله بن عكيم الجهيني مرفوعا من علق شيئا وكل إليه + أخرجه أحمد والترمذي وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني وإسناده ضعيف +
وبإسناده عن عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال ما هذا قال من الواهنة فقال انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا + أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان +
وبإسناده عن الحسن قال كان أبو الحسن يعني علي بن ابي طالب رضي الله عنه يقول إن كثيرا من هذه الرقى والتمائم شرك فاجتنبوها
وبإسناده عن عبد الله بن مسعود قال من علق شيئا وكل إليه وفي لفظ إنه كره ان يعلق شيئا من القران
وبإسناده عن حذيفة أنه دخل على رجل مريض يعوده فلمس عضده فإذا فيه خيط فقال ما هذا قال شيء رقي لي فيه فقطعه وقال لو مت وهو عليك
____________________
1- سنن ابي داود وسنن البيهقي وفي سنده عبد الرحمن بن رافع التنوخي وهو ضعيف
(3/67)
ما صليت عليك (1)
وبإسناده عن ابن عباس قال اتفل بالمعوذتين ولا تعلق
وبإسناده عن إبراهيم قال كانوا يكرهون أن يعلقوا شيئا من القران وروى ابو بكر بن أبي شيبة عن ابراهيم قال كانوا يكرهون التمائم كلها من القران وغير القران
وبإسناده عن عقبة بن عامر قال وضع التميمة شرك
وبإسناده عن سعيد بن جبير قال من قطع تميمة من الإنسان كان كعدل رقبة
وخبر ابن عكيم رواه احمد حدثنا وكيع حدثنا ابن ابي ليلى عن عيسى بن عبد الرحمن قال دخلنا على عبد الله بن عكيم وهو مريض نعوده فقيل له لو تعلقت شيئا فقال اتعلق شيئا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تعلق شيئا وكل إليه رواه الترمذي وقال إنما نعرفه من حديث ابن أبي ليلى قال بعضهم ورواه أبو داود
وخبر عمران المتقدم رواه أحمد وابن ماجه قال احمد حدثنا خلف بن الوليد حدثنا المبارك عن الحسن اخبرني عمران فذكره وفي آخره فأنت لو مت وهي عليك ما افلحت ابدا ورواه ابن ماجه من حديث وكيع عن المبارك والمبارك مختلف فيه وهو مدلس وقال احمد ما روى عن الحسن يحتج به
وللنسائي من حديث أبي هريرة من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه + أخرجه النسائي وابن عدي في الكامل وفي سنده لين +
قال في الميزان لا يصح للين
____________________
1- وهو في المصنف لابن ابي شيبة
(3/68)
عباد ولانقطاعه كذا قال ويتوجه انه حديث حسن
وقال القاضي يجوز ان تحمل الاخبار في هذا على اختلاف حالين فالموضوع الذي نهى عن ذلك إذا كان يعتقد أنها هي النافعة له او الدافعة عنه وهذا لا يجوز لأن النافع هو الله والموضع الذي أجازه إذا اعتقد أن الله هو النافع الدافع ولعل هذا خرج على عادة الجاهلية وأن تلك الرقى كانت نافعة دافعة كما يعتقدون أن الدهر يضرهم فكانوا يسبون الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر (1)
وإنما كره ذلك إذا لم ينزل به البلاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص في ذلك عند الحاجة كذا قال القاضي وسبقت المسألة في فصل تباح الحقنة
والاستحباب هو الصواب للأخبار الصحيحة وهو قول الجمهور وذكر في شرح مسلم أنه قول كثير من العلماء أو أكثرهم والله أعلم
وروى أبو بكر بن ابي شيبة بإسناده عن إبراهيم قال كانوا يكرهون النفث في الرقى
وبإسناده عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية + وهو في المصنف لابن أبي شيبة ومن طريقه أخرجه ابن ماجه وإسناده صحيح +
وبإسناده عن عائشة قالت إذا كانت حمى الربع فليؤخذ ثلاثة أرباع من سمن وربع من لبن فصل في المعالجة بالحجامة والعسل والكي والمسهلات
عن ابن عباس مرفوعا الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم او شربة عسل أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي رواه البخاري + أخرجه البخاري وانظر صحيح مسلم +
ومتفق على معناه
____________________
1- هو في صحيح مسلم
(3/69)
من حديث جابر إلا أن فيه بدل وأنهى أمتي عن الكي وما أحب أن أكتوي
وعن ابن عباس مرفوعا إن خير ما تداويتم به السعوط واللدود والحجامة والمشي (1)
رواه الترمذي وقال حسن غريب
السعوط ما يسعط به في الأنف وسبق معنى اللدود في فصل عن سعد بن أبي وقاص والمشي كناية عن الإسهال وسبق الكلام فيه في فصل عن أسماء
قال بعضهم الأمراض الامتلائية دموية أو صفراوية أو بلغمية أو سوداوية فالدموية شفاؤها إخراج الدم والأقسام الثلاثة شفاؤها بالإسهال الذي يليق بكل خلط منها وكأنه صلى الله عليه وسلم نبه بالعسل على المسهلات وبالحجامة على الفصد
وقال بعضهم إن كان المرض حارا عالجناه بإخراج الدم لأن فيه استفراغا للمادة وتبريدا للمزاج وإن كان بارداص عالجناه بالتسخين وذلك موجود في العسل فإن كان يحتاج بعد ذلك إلى استفراغ المادة الرطبة فالعسل أيضا يفعل ذلك بما فيه من الإنضاج والتقطيع والتلطيف والجلاء والتليين فيحصل بذلك استفراغ تلك المادة برفق وأمن من نكبات المسهلات القوية
وأما الكي فكل واحد من الأمراض المادية إن كان حادا كان سريع الانقضاء لأحد الطرفين لا يحتاج إليه فيه وإن كان مزمنا فأفضل علاجه بعد الاستفراغ الكي في الأعضاء التي يجوز فيها الكي لأنه لا يكون مزمنا إلا عن مادة رطبة غليظة قد رسخت في العضو وأفسدت مزاجه وأحالت جميع ما يصل إليه إلى مشابهة جوهرها فتشتعل في ذلك العضو فيستخرج بالكي لتلك المادة من ذلك المكان الذي فيه بإفتار الجزء الناري الموجود بالكي لتلك المادة
____________________
1- سنن الترمذي وفي سنده عباد بن منصور وهو ضعيف وانظر زاد المعاد
(3/70)
ففي هذا الحديث معالجة الأمراض المادية جميعها وهي إما حارة أو باردة أو رطبة أو يابسة أو مركب منها فهذه كيفيات اربع فالحرارة والبرودة فاعلتان والرطوبة واليبوسة منفعلتان وفي قوله صلى الله عليه وسلم إن شدة الحمى من فيح جهنم فابردوها بالماء (1)
معالجة الامراض الساذجة التي لا مادة لها
وفي الصحيحين عن ابي سعيد رضي الله عنه ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن اخي يشتكي بطنه وفي رواية استطلق بطنه فقال اسقه عسلا فذهب ثم رجع فقال قد سقيته فلم يغن عنه شيئا وفي رواية فلم يزده إلا استطلاقا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول له اسقه عسلا فقال له في الثالثة أو الرابعة صدق الله وكذب بطن أخيك (1)
وفي لفظ لمسلم إن اخي عرب بطنه أي فسد هضمه واعتلت معدته والاسم العرب بفتح الراء والذرب ايضا واراد بقوله عليه السلام صدق الله هذه الآية وهو يدل على ان الضمير في قوله
( ^ فيه شفاء ) النحل 69 يرجع إلى العسل
ثم روي عن ابن مسعود وقتادة انه عام في كل مرض وقال السدي فيه شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه قال ابن الجوزي الصحيح ان ذلك خرج مخرج الغالب قال ابن الانباري الغالب في العسل أنه يعمل في الأدواء فإذا لم يوافق آحاد المرضى فقد وافق الأكثرين وهذا كقول العرب الماء حياة لكل شيء وقد نرى من يقتله الماء وإنما الكلام على الأغلب
____________________
1- صحيح البخاري وصحيح مسلم
(3/71)
قال بعضهم العسل جلاء للوسخ الذي في العروق والأمعاء وغيرها محلل للرطوبات أكلا وطلاء نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ومن مزاجه بارد رطب مغذ ملين للطبيعة حافظ لقوى المعاجين لما استودع فيه مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة منق للكبد والصدر مدر للبول موافق للسعال عن بلغم وشربه حارا بدهن ورد ينفع من نهش الهوام وشرب الأفيون وشربه وحده ممزوجا بماء ينفع من عضة الكلب الكلب وأكل الفطر القتال وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة اشهر وكذا إن جعل فيه القثاء والخيار والقرع والباذنجان ويحفظ كثيرا من الفواكه ستة أشهر ويحفظ جثث الموتى ويسمى الحافظ الأمين وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر قتل قمله وصئبانه وطول الشعر وحسنه ونعمه وإن اكتحل به جلا ظلمه البصر وإن استن به بيض الاسنان وصقلها وحفظ صحتها وصحة اللثة ويفتح أفواه العروق ويدر الطمث
ولعقمه على الريق يذيب البلغم ويغسل خمل المعدة ويدفع الفضلات عنها ويسخنها تسخيناص معتدلا ويفتح سددها ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة وهو اقل ضررا لسدد الكبد والطحال من كل حلو وهو مأمون الغائلة ويضر بالعرض الصفراويين يندفع ضرره بالخل ونحوه فيصير حينئذ نافعا لهم جدا وهو غذاء ودواء وشراب وحلو وطلاء ومفرح فما خلق لنا شيء في معناه قريب منه ولم يعول القدماء إلا عليه والسكر حديث العهد ولا سيما لمن اعتاد العسل ولم يعتد هذه الأشربة فلا تلائمه والعادة معتبرة في الطب
قال ابن زهير العسل ألطف من السكر وأسرع نفوذا وأقوى تلطيفا
____________________
(3/72)
للأخلاط وهو يميل بجوهره إلى اللطافة لأن أصله طل والسكر يميل بجوهره إلى الكثافة والارضية ولا يبلغ السكر درجته في جلائه وتلطيفه وأجود العسل أصفاه وأبيضه وألينه حدة وأحلاه وهو بحسب مرعى نحله وفضل بعض الناس السكر على العسل لأنه أقل حرارة وهو رطب وهذا ضعيف ومنافع العسل أضعاف منافع السكر وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب العسل بالماء على الريق
ولابن ماجه من حديث الزبير بن سعيد ضعفه الأكثر عن عبد الحميد بن سالم تفرد عنه الزبير عن أبي هريرة قال البخاري لا يعرف له سماع منه مرفوعا من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء (1)
وله ايضا من حديث عبد الله عليكم بالشفاءين العسل والقران + سنن ابن ماجه وفيه زيد بن الحباب عن سفيان الثوري وزيد كان يخطئ في حديث الثوري وقد رواه من هو أوثق منه في سفيان فوقفه وهو وكيع وروايته عند الحاكم والحديث عنده أيضا من طرق أخرى عن ابن مسعود موقوفا عليه ولذلك قال البيهقي في الشعب بعد أن خرج حديث زيد بن الحباب والصحيح موقوف على ابن مسعود +
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم العسل للذي استطلق بطنه لأنه كان عن تخمة عن امتلاء ليدفع الفضول المجتمعة لأن فيه جلاء ودفعا للفضول وكان قد أصاب المعدة اخلاط لزجة تمنع استفراغ الغذاء فيها للزوجتها فإن المعدة لها خمل كخمل المنشفة فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها الغذاء فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط والعسل من أحسنه لا سيما إن مزج
____________________
1- سنن ابن ماجه ولين البوصيري إسناده في الزوائد وانظر زاد المعاد
(3/73)
بماء حار
وإنما كرر سقيه لأن الدواء يجب أن يكون بحسب حال الداء إن قصر لم يزله بالكلية وإن جاوزه أوهى القوى فلما كرر السقي بحسب الداء برئ بإذن الله
وقد قال الأطباء متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب وكل داء أمكن دفعه بغذاء أو حمية لم يحاول دفعه بدواء وقيل الضمير في قوله ( ^ فيه شفاء ) النحل 69 يرجع إلى الاعتبار والشفاء بمعنى الهدى قاله الضحاك وقال مجاهد يعود إلى القران والله أعلم
واما الحجامة ففيها أخبار كثيرة مشهورة يأتي بعضها في الفصل بعده في فعلها وفضلها ووقتها وفيها فعلا منه عليه السلام وقولا سبع عشرة أو إحدى وعشرين وهي توافق ما قاله الأطباء أنها أنفع في النصف الثاني وما يليه من الربع الثالث لأن الأخلاط حينئذ تكون هائجة بائغة في تزيدها لتزيد النور في جرم القمر يقال تبوغ به الدم وتبيغ به أي هاج به ويقال أصله يتبغي من البغي فقلب مثل جذب وجبذ هذا فيما إذا فعل احتياطا تحرزا من الأذى وحفظا للصحة
وفي هذا قال الأطباء يفعل في الساعة الثانية أو الثالثة ويجب توقيتها بعد الحمام إلا فيمن دمه غليظ فيجب أن يستحم ثم يتوقف ساعة ثم يحتجم قالوا وتكره على الشبع فإنها ربما أورثت سددا وأمراضا رديئة لا سيما إذا كان الغذاء رديئا غليظا
وفي أثر الحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء وفي سبعة عشر من الشهر شفاء فأما مع الحاجة إليها فتنفع كل وقت ويجب أستعمالها
قال الخلال اخبرني عصمة بن عصام أنبأنا حنبل قال كان ابو عبد الله
____________________
(3/74)
احمد بن حنبل يحتجم أي وقت هاج به الدم واي ساعة كانت ولم يذكر العلماء من اصحابنا وغيرهم كراهة الحجامة في القمحدوة بزيادة الميم ما خلف القفا والجمع قماحد ولهذا رخص احمد رحمه الله في حلق القفا وقت الحجامة
وروى أبو نعيم عن النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بالحجامة فإنها تشفي من خمسة أدواء (1)
وذكر منها الجذام
وفي حديث آخر فإنها شفاء من اثنين وسبعين داء ومثل هذه الأخبار لا يعتمد عليها واستحسنه بعض الأطباء وانها تنفع من جحظ العين والسوء العارض فيها ومن ثقل الحاجبين والجفن وجربه
وكرهها صاحب القانون وقال إنها تورث النسيان حقا كما قاله سيدنا ومولانا وصاحب شريعتنا محمد صلى الله عليه وسلم قال مؤخر الرأس موضع الحفظ وهذا الخبر لا يعرف وإنما تضعف الحجامة مؤخر الدماغ مع عدم الحاجة
وروي أن أحمد بن حنبل رضي الله عنه احتاج إليها فاحتجم في جانبي قفاه ولم يحتجم في النقرة ومتى استعملت الحجامة بلا حاجة بل تحرزا واحتياطا فقد كرهها أحمد يوم السبت ويوم الأربعاء لقوله عليه السلام من احتجم يوم السبت او يوم الأربعاء فأصابه وضح يعني البرص فلا يلومن إلا نفسه من مراسيل الزهري وهو مرسل صحيح ورواه أبو داود وغيره مسندا ولا يصح + المرسل رواه أبو داود في مراسيله ورجاله ثقاف وأما المسند فلم يروه ابو داود في سننه وهو عند الحاكم والبيقي من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا وهذا إسناد ضعيف جدا سليمان بن أرقم متروك +
وتوقف احمد في الجمعة قاله القاضي وكرهه جماعة من أصحابه فيه
____________________
1- أخرجه الطبراني في الكبير بنحوه وإسناده ضعيف وانظر زاد المعاد
(3/75)
لخبر ابن عمر مرفوعا إن فيه ساعة لا يرقأ فيها الدم رواه البيهقي وغيره من رواية العطاف بن خالد وهو مختلف في توثيقه (1)
وعن ابن عمر مرفوعا احتجموا يوم الخميس واجتنبوا يوم الأربعاء والجمعة والسبت ويوم الأحد واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء إسناده ضعيف رواه ابن ماجه + سنن ابن ماجه وقال البوصيري في الزوائد هذا إسناد في مقال +
وعن أبي بكرة أنه كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ إسناده فيه ضعف رواه أبو داود + أخرجه ابو داود ومن طريقه اخرجه البيهقي وقال النهي الذي فيه موقوف غير مرفوع وإسناده ليس بالقوي والله أعلم +
ولعله يؤخذ من اقتصار أبي داود على هذا أنه يقول به
والحجامة تنقي سطح البدن أكثر من الفصد والفصد لأعماق البدن افضل والحجامة أفضل في بلد حار وما في معنى ذلك من زمان وسن والفصد بالعكس
والحجامة تفريق اتصالي إرادي يتبعه استفراغ كلى من العروق وخاصة العروق التي تفصد كثيرا ولفصد كل واحد منها نفع خاص ذكره الأطباء ففصد الباسليق ينفع من حرارة الكبد والطحال وورم فيهما من الدم ومن ورم الرئة والشوصة وذات الجنب وجميع الأمراض الدموية العارضة من اسفل الركبة الى الورك وفصد الأكحل ينفع من الامتلاء الدموي العارض في البدن ومن الدم الفاسد في البدن
وفصد القيفال ينفع من العلل العارضة في الرأس والرقبة من كثرة الدم وإفساده وفصد الودجين ينفع من وجع الطحال والربو والبهق ووجع الجين
____________________
1- سنن البيهقي وقال عطاف بن خالد ضعيف
(3/76)
والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق والحجامة على الأخدعين تنفع من وجع الرأس واجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف والحلق إذا كان حدوث ذلك عن كثرة الدم أو فساده
والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الاسنان والوجه والحلقوم إذا استعملت وفي وقتها وتنقي الرأس والكتفين
والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن وهو عرق عظيم عند الكعب وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث والحكة العارضة في الأنثيين
والحجامة على أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير والفيل وحكة الظهر فصل في أخبار أكله صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة ومعالجة السم
في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسالها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك قال ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال علي قالوا ألا نقتلها قال لا فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
لم يقل البخاري فسألها إلى قوله علي
وقال البخاري وقال يونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال اد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع ابهري من ذلك السم + أخرجه البخاري والدارم واحمد +
وفي البخاري عن ابي هريرة قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم فقال اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود فجمعوا فقال
____________________
1-
(3/77)
لهم إني سائلكم عن شيء فهل انتم صادقوني عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم فقال لهم من ابوكم فقالوا ابونا فلان فقال لهم كذبتم بل أبوكم فلان قالوا صدقت وبررت فقال لهم هل انتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه فقالوا نعم يا ابا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا فقال لهم من اهل النار فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اخسؤوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا ثم قال لهم هل انتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه فقالوا نعم فقال هل جعلتم في هذه سما فقالوا نعم فقال ما حملكم على ذلك فقالوا أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك (1)
وفي كتاب عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك ان امرأة يهودية اهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأكل اصحابه ثم قال أمسكوا ثم قال للمرأة هل سممت هذه الشاة قالت من اخبرك بهذا قال هذا العظم لساقها وهو في يده قالت نعم قال لم قالت اردت إن كنت كاذبا أن يستريح منك الناس وإن كنت نبيا لم يضرك قال فاحتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة على الكاهل وأمر اصحاب فاحتجموا فمات بعضهم + هو في مصنف عبد الرزاق ورجاله ثقات لكن عبد الرحمن بن كعب بن مالك لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم +
وفي طريق أخرى فاحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من اجل الذي أكل من الشاة حجمه ابو هند بالقرن والشفرة وهو مولى لبني بياضة من الأنصار بقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه فقال ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري + هو في مصنف عبد الرزاق وعلقه البخاري في صحيحه عن يونس عن الزهري عن عروة قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما ازال اجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم ووصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد +
فتوفي
____________________
1- صحيح البخاري
(3/78)
رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا قاله ابن عقبة وكذا قال الزهري فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا
اللهوات بفتح اللام والهاء جمع لهاة بفتح اللام وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك قاله الأصمعي وقيل اللحمات اللواتي في اصل اقصى الفم
وقوله ما زلت أعرفها أي العلامة كأنه بقي للسم علامة والأبهر عرق إذا انقطع مات صاحبه وهما أبهران يخرجان من القلب ثم يتشعب منهما سائر الشرايين
وهذه اليهودية هي زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي ذكره موسى بن عقبة وهي امرأة سلام بن مشكم واختلف هل قتلها وقال الزهري أسلمت فتركها رواه عبد الرزاق عن معمر عنه ثم قال معمر والناس يقولون قتلها النبي صلى الله عليه وسلم ونقل ابن سحنون إجماع اهل الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قتلها وقال جابر قتلها النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابو هريرة قتلها لما مات بشر بن البراء وفي رواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها فمات فقتلوها فلم يقتلها في الحال فلما مات بشر سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا فهذا أظهر من غيره
ومعالجة السم باستفراغ أو دواء يعارض فعله ويبطله بكيفيته أو بخاصيته وإن عدم الدواء فالاستفراغ الكلي وأنفعه الحجامة لا سيما مع حر المكان والزمان فإن القوة السمية تسري في الدم فتبعث في العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب فيكون الهلاك فإذا خرج الدم خرج معه الكيفية السمية فإن كان استفراغا تاما ذهب السم أو تقوى عليه الطبيعة وإنما احتجم عليه السلام
____________________
(3/79)
في الكاهل وهو الحارك وهو ما بين الكتفين مقدم أعلى الظهر لأنه أقرب موضع يمكن حجمه إلى القلب
وللترمذي وإسناده ثقات وقال حسن غريب عن انس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين (1)
وهما عرقان في جانبي العنق والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين
ولأبي داود بإسناد حسن من حديث ابي هريرة أن من احتجم في هذه الايام كان شفاء من كل داء + سنن أبي داود وسنده حسن وانظر زاد المعاد +
والمراد داء سببه غلبة الدم
وكذا معنى ما رواه ابو داود وابن ماجه عن ابي كبشة الانماري مرفوعا من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء + سنن ابن ماجه وسنن ابي داود وسنده ضعيف +
وعن ابن عباس مرفوعا نعم الدواء الحجامة تذهب الدم وتجفف الصلب وتجلو عن البصر وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عرج به ما مر على ملإ من الملائكة إلا قالوا عليك بالحجامة وقال إن خير ما تحتجمون فيه سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين إسناده ضعيف رواه احمد والترمذي وقال حسن غريب + أخرجه احمد والترمذي وابن ماجه وإسناده ضعيف في سنده عباد بن منصور وهو ضعيف +
وفي موطأ مالك بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان دواء يبلغ الداء فإن الحجامة تبلغه
وعن ابي هريرة مرفوعا إن كان في شيء مما يتداوون به خير ففي
____________________
1- سنن الترمذي وسنن أبي داود وابن ماجه وانظر زاد المعاد
(3/80)
الحجامة (1)
رواه احمد وابن ماجة وابو داود وعنده مما تداويتم
ولاحمد من حديث سمرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحجم هو خير ما تداوى به الناس + وهو حديث صحيح بطرقه +
ولابن ماجه من حديث انس والترمذي وقال حسن غريب من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به ما مر على ملإ من الملائكة إلا امروه ان مر أمتك بالحجامة + حديث أنس عند ابن ماجه وإسناده ضعيف وحديث ابن مسعود عند الترمذي وإسناده ضعيف أيضا +
قال بعض اصحابنا فلما احتجم من السم بقي أثره مع ضعفه لإرادة الله تكميل مراتب الفضل كلها له صلى الله عليه وسلم فظهر تأثير ذلك الأثر لما اراد الله إكرامه بالشهادة وظهر سر قوله تعالى
( ^ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) البقرة 87 فجاء ( ^ كذبتم ) بالماضي لوقوعه وجاء ( ^ تقتلون ) بالمستقبل لتوقعه كذا قال
وقال ابو البقاء وغيره إنما قال تقتلون لتوافق رؤوس الآي وقال المهدوي وغيره ليدلك على أن ذلك من شأنهم أبدا وقد قال تعالى ( ^ والله يعصمك من الناس ) المائدة 67 والمراد من القتل فلا يرد كونه أوذي او أن الأذى كان قبل نزول الآية ذكر ابن الجوزي وغيره هذين الجوابين
وهذه الآية توافق قوله عليه الصلاة والسلام لليهودية ما كان الله ليسلطك على ذلك او علي كذا قالت اليهودية واليهود إن كنت نبيا لم يضرك وعلى هذا فيكون ما روي من وجود الألم وانقطاع الأبهر من السم مرسلا أو
____________________
1- سنن أبي داود وسنن أبن ماجه وإسناده حسن
(3/81)
منقطعا أو يقال إنه خلاف الأشهر فالقول بالأشهر المتفق على صحته أولى مع موافقته للكتاب العزيز
وصاحب القول الآخر يقول هذه مرتبة كمال قد صحت بها الرواية ولا مانع من القول بها والمراد بالعصمة من القتل بالآية والخبر على وجه القهر والغلبة والتسليط وهذا لم يقع وأن المراد بذلك أنه عليه الصلاة والسلام محفوظ آمن مما لم يحفظ منه غيره ولم يأمن ولهذا في الصحيحين من حديث جابر أنه لما نام وجاء اعرابي فاخترط سيفه فاستيقظ عليه السلام والسيف في يد الأعرابي فقال تخافني فقال لا قال فمن يمنعك مني قال الله (1)
ولهذا مات بعض من اكل معه من الشاة وقصدت اليهودية أنه إن لم يكن نبيا أنه يموت وعاش هو عليه الصلاة والسلام سنين على حاله قبل الأكل يتصرف كما كان فلم تقتله اليهودية بفعلتها كما قتلت غيره وأحسن الله سبحانه صنيعه إليه صلى الله عليه وسلم على جاري عادته تعالى فأظهر أثرا بعد سنين إكراما له بالشهادة ولا تعارض بين الأدلة في ذلك والتوفيق بينهما أولى والله أعلم فصل في السحر وعلاجه وحديث سحر لبيد للنبي صلى الله عليه وسلم
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله حتى كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ثم قال يا عائشة اشعرت أن الله افتاني فيما أستفتيته فيه جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي ما وجع الرجل قال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال في أي شيء قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذي أروان قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من اصحابه ثم قال
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(3/82)
يا عائشة والله لكان ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين فقلت يا رسول الله أفلا أخرجته
وفي مسلم أحرقته قال لا أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرا فأمرت بها فدفنت
وفي لفظ البخاري يخيل إليه أنه يأتى أهله ولا يأتي وفيه ايضا حتى كان يرى أنه إن كان يأتي النساء ولا يأتيهن قال سفيان وذلك أشد ما يكون من السحر وفيه قال من طبه قال لبيد من الأعصم من بني زريق حليف اليهود كان منافقا (1)
أنكر بعض الناس هذا لأنه نقص وعيب أو أنه يمنع الثقة بالشرع وهذا باطل فإنه من جنس الأوجاع والأمراض والسم والدلائل القطعية ناطقة بصدقه وعصمته والإجماع ايضا فأما بعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولم يفضل من أجلها فلا مانع منه
الطب بكسر الطاء في اللغة يقال على معان
أحدها السحر والمطبوب المسحور يقال طب الرجل إذا سحر فكنوا بالطب عن السحر كما كنوا بالسليم عن اللديغ قال ابو عبيد تفاؤلا بالسلامة وكما كنوا بالمفازة عن الفلاة المهلكة التي لا ماء فيها فقالوا مفازة تفاؤلا بالفوز من الهلاك
والثاني الإصلاح يقال طببته إذا أصلحته ويقال له طب بالأمور
____________________
1- صحيح البخاري ومسلم وسنن ابن ماجه
(3/83)
أي لطف وسياسة قال الشاعر
( وإذا تغير من تميم امرها % كنت الطبيب لها بأمر ثاقب )
قال ابن الانباري الطب من الاضداد يقال لعلاج الداء طب وللسحر طب
والثالث الحذق قال الجوهري كل حاذق طبيب عند العرب قال أبو عبيد أصل الطب الحذق بالأشياء والمهارة بها يقال للرجل طب وطبيب إذا كان كذلك وإن كان في غير علاج المريض وقال غيره رجل طبيب أي حاذق سمي طبيبا لحذقه وفطنته قال علقمة
( فإن تسألوني بالنساء فإنني % خبير بأدواء النساء طبيب )
( إذا شاب رأس المرء او قل ماله % فليس له في ودهن نصيب )
وقال عنترة
( إن تغدفي دوني القناع فإنني % طب بأخذ الفارس المستلئم )
وذكره بعضهم بكسر الطاء وبعضهم بفتحها أغدفت المرأة قناعها أي أرسلته على وجهها وأغدف الليل أي أرخى سدوله وأغدف الصياد الشبكة على الصيد والمستلئم الذي قد لبس لأمة حربه
والرابع يقال الطب لنفس الدواء كقوله
( الا من مبلغ حسان عني % أسحر كان طبك ام جنون )
والخامس العادة يقال ليس ذلك بطبي أي عادتي قال فروة بن مسيك
( فما إن طبنا جبن ولكن % منايانا ودولة آخرينا )
وقال أحمد بن الحسين
( وما التيه طبي فيهم غير أنني % بغيض إلي الجاهل المتغافل )
____________________
(3/84)
وقول الحماسي
( فإن كنت مطبوبا فلا زلت هكذا % وإن كنت مسحورا فلا برئ السحر )
أراد بالمطبوب المسحور وبالمسحور العليل المريض قال الجوهري ويقال للعليل مسحور وانشد هذا البيت ومعناه إن كان لهذا الذي قد عراني منك ومن حبك أسأل الله دوامه ولا أريد زواله سواء كان سحرا أو مرضا والطب بفتح الطاء العالم بالأمور وكذلك الطبيب يقال له طب ايضا وبضم الطاء اسم موضع وأنشد بعضهم
( فقلت هل انهلتم بطب ركابكم % بجائزة الماء التي طاب طيبها )
أما علاج المسحور فإما باستخراجه وتبطيله كما في الخبر فهو كإزالة المادة الخبيثة بالاستفراغ وإما بالاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر فإن للسحر تأثيرا عند جمهور العلماء لا مجرد خيال باطل لا حقيقة له وللمسألة وأحكام السحر والساحر مسائل مشهورة ليس لهذا محلها
وقد روى أبو عبيد في الغريب بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على رأسه بقرن حين طب قال ابو عبيد معنى طب سحر قال بعضهم انتهت مادة هذا السحر إلى رأسه إلى إحدى قواه التي فيه بحيث إنه كان يخيل إليه إنه يفعل الشيء ولم يفعله
والسحر مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة وانفعال القوى الطبيعية عنه وهو سحر النمريجات وهو أشد ما يكون من السحر فاستعمال الحجامة على المكان الذي تضرر بالسحر على ما ينبغي من انفع المعالجة
قال أبقراط الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أمثل بالأشياء التي تصلح لاستفراغها
وقال بعضهم لما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم هذا إنه عن مادة دموية أو غيرها مالت إلى
____________________
(3/85)
جهة الدماغ وغلبت عن البطن المقدم منه فغيرت مزاجه عن طبيعته وكان استعمال الحجامة حينئذ من أنفع المعالجة وكان ذلك قبل الوحي فلما جاءه الوحي أنه سحر عدل الى العلاج الحقيقي وهو استخراج السحر وإبطاله فدعا الله فأعلمه به فاستخرجه وكان غاية هذا السحر إنما هو في جسده وظاهر جوارحه لا على عقله وقلبه وما ورد من التخيل فهو بالبصر لا تخيل يطرق إلى العقل ولذلك لم يكن يعتقد صحة ما يميل إليه من إتيانه النساء بل يعلم أنه خيال وقد يحدث مثل هذا عن بعض الأمراض
ومن أعظم ما يتحصن به من السحر ومن انفع علاج له بعد وقوعه التوجه إلى الله سبحانه وتعالى وتوكل القلب والاعتماد عليه والتعوذ والدعاء ولهذا هو السبب الذي لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعمل شيئا قبله بل قد يقال لم يصح أنه أستعمل شيئا غيره وهو الغاية القصوى والنهاية العظمى ولهذا في الخبر أنه لم يخرجه وإنما دفنه لئلا يفضي ذلك إلى مفسدة وانتشارها لا لتوقف الشفاء والعافية عليه وهذا واضح إن شاء الله
وعند السحرة أن سحرهم إنما يتم في قلب ضعيف منفعل ونفس شهوانية كجاهل وصبي وامرأة لا في قلب متيقظ عارف بالله له معاملة وتوجه لأن القلب الضعيف فيه ميل وتعلق فيتسلط عليه بذلك فالأرواح الخبيثة تسلط عليه بميله إلى ما يناسبها وفراغه عما يعارضها ويقاومها والله أعلم
قال بعض الأطباء إذا صنع من قضبان الآراك خلخالا للعضد منع السحر فصل في انواع الاستفراغ اسبابه وعلاجه
عن معدان بن ابي طلحة عن ابي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال صدق أنا صببت له وضوءه رواه جماعة منهم الترمذي وقال هذا أصح شيء في
____________________
(3/86)
هذا الباب (1)
الاستفراغات خمسة الإسهال وإخراج الدم وقد سبق ذلك والقيء إما بالغلبة فلا يجوز حبسه إلا إذا أفرط وخيف منه فيقطع بما يمسكه وإما بالاستدعاء فأنفعه عند الحاجة
وسبب القيء صفراء أو بلغم أو ضعف المعدة في ذاتها فلا تهضم وتقذف الطعام إلى فوق أو يخالطها خلط رديء فيسيء هضمها أو زيادة ماكول أو مشروب لا تحتمله المعدة أو كراهتها لهما فتطلب دفعه او يحصل فيها ما يثور الطعام بكيفيته وطبيعته فيقذف به أو قرف يغثي النفس أو عرض نفساني كهم وحزن يشغل الطبيعة عن تدبير البدن به فتقذفه المعدة وقد يكون لأجل تحرك الأخلاط عند تخبط النفس فإن كل واحد من النفس والبدن ينفعل عن صاحبه أو نقل الطبيعة بأن يرى من يتقيأ فيغلبه القيء فإن الطبيعة نقالة
واعلم أن القيء في بلد حار وزمن حار انفع لرقة الأخلاط وانجذابها إلى فوق وزمن بارد وبلد بارد يغلظ الخلط ويصعب جذبه والإسهال انفع وأزالة الخلط تكون بالجذب والاستفراغ والجذب يكون من أبعد الطرق والاستفراغ من اقربها لأن المادة إن كانت عاملة في الانصباب أو الترقي لم تستقر بعد فهي محتاجة إلى الجذب فإن كانت متصاعدة جذبت من أسفل وإن كانت منصبة جذبت من فوق واما إذا استقرت في موضعها استفرغت من اقرب الطرق إليها فمتى أضرت المادة بالأعضاء العليا اجتذبت من أسفل ومتى اضرت بالأعضاء السفلى اجتذبت من فوق ومتى استقرت استفرغت من اقرب مكان إليها ولهذا كان عليه السلام يحتجم تارة على كاهله وقدمه وفي راسه فالقيء يستفرغ من أعلى المعدة ويجذب من أسفل والإسهال بالعكس
قال أبقراط وينبغي ان يكون الاستفراغ في الصيف من فوق اكثر من
____________________
1-
(3/87)
الاستفراغ بالدواء وفي الشتاء من اسفل
والقيء ينقي المعدة ويقويها ويحد البصر ويزيل ثقل الرأس وينفع من قروح الكلى والمثانة واليرقان والأمراض المزمنة كرعشة وفالج وجذام واستسقاء ويستعمله الصحيح في الشهر مرتين من غير حفظ دور ليتدارك الثاني ما قصر عنه الأول وينقي فضلة انصبت بسببه ويضر الإكثار منه المعدة ويجعلها قليلة الفضول ويضر بالأسنان والسمع والبصر وربما صدع ويجب أن يتنبه من به ورم في الحلق أو ضعف في صدر أو دقيق الرقبة أو مستعد لنفث الدم أو عسر الإجابة
أما فعل بعض من يسيء التدبير وهو ان يمتلىء طعاما يقذفه فإنه يعجل الهرم ويوقع في أمراض رديئة ويجعل القيء له عادة والقيء مع اليبوسة وضعف الأحشاء وهزل المراق أو ضعف المستقيء خطر وأحمد أوقاته الصيف والربيع ولا ينبغي أن يتعرض في الخريف إلى القيء فإنه يجلب الحمى من ساعته وليكن الميل فيه إلى تسكين الأخلاط مهما امكن
وأما الشتاء فإنه يحتمل الخطأ في التدبير والإكثار من الأغذية وليتوق فيه الإسهال المفرط وينبغي عند القيء عصب العينين وقمط البطن وغسل الوجه بماء بارد إذا فرغ وأن يشرب عقبه شراب التفاح مع يسير من مصطكى وماء ورد وذكر عبد العزيز الطبيب أنه إذا خيف من القيء لعكس البخار إلى الدماغ فليكن في بعض الحالات قال ويقوم مقامه شراب الليمون بكرة النهار
والرابع من الاستفراغات استفراغ الأبخرة
الخامس الاستفراغ بالعرق لا يقصد غالبا بل الطبيعة تدفعه إلى ظاهر الجسد فيصادف المسام مفتحة فيخرج منها وعرق الإنسان مائية الدم خالطها صديد مراري وهو انضج من البول إذا كان من فضل رطوبة بعد الهضم الأخير والبول من فضل الهضم الثاني وفيه تحليل وعرق المصارعين ينفع من ورم الأنثين ويحلله ويابس عرقهم الذي خالطه تراب موضع الصراع مع دهن
____________________
(3/88)
الحناء يجعل على أورام الثدي فيطفئ لهيبها وإذا ضمدت به الدملة أنضجها فصل
قد سبق الكلام في الكي وحديث ابن عباس وجابر
وعن عمران رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا انجحن رواه الإمام احمد وابو داود والترمذي وصححه (1)
وقال فما أفلحنا ولا انجحنا وكذا رواه البيهقي بإسناد جيد من حديث يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت بن مطرف عن عمران وعن جابر رضي الله عنهما قالا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه رواه مسلم + اخرجه مسلم +
وعن جابر أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين رواه ابن ماجه
ولمسلم رمي سعد بن معاذ من أكحله فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية + اخرجه مسلم +
حسمه أي كواه ليقطع دمه وأصل الحسم القطع والأكحل عرق في وسط الذراع يكثر فصده
وعن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن زرارة من الشوكة رواه الترمذي + أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب +
وقال حسن غريب وهذا الحديث إسناده ثقات
الشوكة حمرة تعلو الوجه والجسد
____________________
1- أخرجه ابو داود وابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح
(3/89)
وعن انس انه كوي من ذات الجنب والنبي صلى الله عليه وسلم حي رواه البخاري (1)
وعن عائشة مرفوعا مكان الكي التكميد ومكان العلاق السعوط ومكان النضج اللدود رواه أحمد
قال في النهاية من حديث جبير بن مطعم رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعيد بن العاص فكمده بخرقة التكميد أن تسخن خرقة وتوضع على العضو الوجع ويتابع ذلك مرة بعد مرة ليسكن وتلك الخرقة تسمى الكمادة والكماد فصل يتعلق بما سبق في ذكر الحديث من المسائل وغير ذلك
روى ابو داود حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن بشر حدثنا يونس بن ابي اسحاق عن مجاهد عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث + هو في سنن أبي داود وأخرجه احمد والترمذي وسنن البيهقي وسنده صحيح +
كلهم ثقات ورواه ايضا احمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي وفي لفظ بعضهم يعني السم أظنه أحمد وابن ماجه ولفظ الترمذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل دواء خبيث كالسم ونحوه
وروى سعيد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سفيان عن ابن مسعود في المسكر إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم + أخرجه البيهقي وأحمد في كتاب الأشربة وصححه ابن حبان +
وذكره البخاري في صحيحه بصيغة الجزم ورواه أحمد مرفوعا من حديث ابن مخارق
____________________
1- صحيح البخاري
(3/90)
ورواه البيهقي من حديث حسان بن مخارق عن أم سلمة مرفوعا
وعن وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه عنها فقال إنما أصنعها للدواء فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء رواه مسلم (1)
وغيره
وذكر ابو زكريا النووي رحمه الله أن الأصح عند أصحابهم الشافعية تحريم التداوي بالخمر وإنما حرم الشارع التداوي بالمحرمات لأنه لم يحرمه إلا لخبثه لا عقوبة وقد قال في بعض المحرمات إنه داء فكيف يجوز أن يقال إنه دواء ولا نفع فيه وإن كان أعقب البدن والروح والطبيعة والقلب خبثا وضررا أكثر مما حصل به من النفع ولأن ذلك وسيلة وذريعة إلى تعاطيه لغير التداوي وهو علة النهي عنه والذرائع معتبرة ولذلك نهى عليه السلام عن إمساك الخمر لتتخذ خلا ولأن منها ما تعافه النفس فلا تنبعث الطبيعة لمساعدته فيبقى كلا عليها
وقد قال أبقراط ضرر الخمر بالرأس شديد لأنه يسرع الارتفاع إليه ويرتفع بارتفاعه الأخلاط التي تعلو في البدن وهو لذلك يضر بالذهن وقال صاحب الكامل إن خاصية الشراب الإضرار بالدماغ والعصب والله أعلم
وروى سعيد حدثنا أبو عوانة عن ليث بن ابي سليم عن علقمة بن مرثد عن المعرور بن سويد قال كان علي يكره الحقنة كلهم ثقات إلا ليثا فإنه مضعف وقد احتج به بعضهم
وروى أيضا عن مجاهد وإبراهيم أنهم كرهوا الحقنة
وروى أيضا بإسناد رواه عن الشعبي وسئل عن الحقنة فقال هي سنة المشركين
وروى أيضا حدثنا شريك بن عبد الله عن جابر عن أبي جعفر في الحقنة
____________________
1- صحيح مسلم وسنن الترمذي
(3/91)
فقال إنما هي داء
واحتج القاضي للقول بكراهة الحقنة بما روى وكيع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحقنة ورواه أبو بكر بن ابي شيبة عن علي وروى أبو محمد الخلال عن ابن عباس وسأله رجل احتقن قال لا تبد العورة ولا تستن بسنة المشركين
وبإسناده عن نافع عن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال الحقنة كفر قال القاضي وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه رخص في الحقنة
وروى ابو محمد الخلال بإسناده عن علي مرفوعا خير دواء الحجامة والفصد والحبة السوداء
وروى ايضا عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى ابي بن كعب طبيبا فكواه وفصده في العرق وقال أحمد اصحاب الأعمش كلهم يقولون كواه وفصده في العروق
وروى أيضا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قطع العروق مسقمة الحجامة خير منه قال القاضي وهذا يدل على الكراهة
وروى أبو بكر بن ابي شيبة بإسناده عن عائشة انها كانت لا ترى بأسا أن تعوذ في الماء ثم يصب على المريض
وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن جابر قال مرض الحسن بن علي فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فأصابه موعوكا فانكب عليه يقبله ويبكي فهبط جبريل فقال هذه هدية من الله لك ولأهل بيتك فأمر عبد الله بن رواحة أن يكتب فدعا بجام وعسل نحل فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم
____________________
(3/92)
( ^ لو أنزلنا هذا القران على جبل ) الحشر 21 إلى اخر السورة ( ^ وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) فصلت 41 - 42
ثم دعا بماء مطر فغسله وسقاه فبرأ من ساعته فقال النبي صلى الله عليه وسلم معاشر أمتي هذه هدية الله فتداووا بها
وبإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى أن يكتب لابنته من الحمى بسم الله الرحمن الرحيم ثم الحمد لله ثم بسم الله الرحمن الرحيم ثم قل هو الله أحد ثم بسم الله الرحمن الرحيم ثم سورة الفلق ثم بسم الله الرحمن الرحيم ثم سورة الناس ثم بسم الله الرحمن الرحيم ثم قل هو الله أحمد ثم بسم الله الرحمن الرحيم ثم قل أعوذ برب الناس ثم بسم الله الرحمن الرحيم ثم الحمد ثم بسم الله الرحمن الرحيم ثم قل أعوذ برب الفلق ثم بسم الله الرحمن الرحيم ثم قل هو الله احد ثم بسم الله الرحمن الرحيم ثم الحمد لله رب العالمين ثم يكتب بعد هذا بسم الله الرحمن الرحيم عشرين مرة ثم يغسله ويسقيه المريض على الريق فإن عادت فعاودها الثانية فإنها لا تعود الثالثة أبدا وقوله ثم الحمد لله ثم الحمد ثم الحمد لله رب العالمين أي الفاتحة والله اعلم
وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا من الحمى والاوجاع بسم الله الكبير اعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار ومن شر حر النار (1)
رواه احمد والترمذي وابن ماجه قال كان يعلمهم رقى الحمى ومن الأوجاع كلها وذكره
____________________
1- المسند وسنن ابن ماجه وسنن الترمذي وسنده ضعيف
(3/93)
قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن ابي حبيبة وهو ضعيف وضعفه أيضا غيره ووثقه أحمد وقال أبو حاتم ليس بقوي
نعر العرق إذا امتلأ من الدم حتى علا وخرج نعارا ونعورا إذا صوت دمه عند خروجه
وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان الشيء منه أو كانت به قرحة أو وجع قال بأصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها وقال بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن اله ربنا (1)
رواه احمد والبخاري ومسلم
ولابن ماجه في أوله كان مما يقوله للمريض ببزاقه باصبعه وذكره
ولأبي داود كان يقول للإنسان إذا اشتكى نفث بريقه ثم قال به في التراب تربة أرضنا وذكره والمراد جميع الأرض وقيل ارض المدينة لبركتها والريقة أقل من الريق
وهذا علاج مركب سهل فإن القروح والجراح يتبعها غالبا سوء مزاج ورطوبة رديئة وسيلان والتراب الخالص طبيعته باردة يابسة فوق برد كل دواء مفرد فتقابل برودته تلك الحرارة ويبسه تلك الرطوبة ويعدل مزاج العضو العليل فتقوى قوته المدبرة فتدفع ألمه بإذن الله تعالى وينضم مع ذلك هذا الكلام المتضمن لبركة اسم الله والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه
ولبعض التراب خاصية كغيره من المخلوقات ولهذا قال جالينوس رأيت بالاسكندرية مطحولين ومستسقين كثيرا يستعملون طين مصر ويطلون به على سوقهم وأفخاذهم وسواعدهم وظهورهم وأضلاعهم فينتفعون به منفعة بينة قال وعلى هذا النحو فقد ينفع هذا الطلاء للأورام العفنة والمترهلة الرخوة
____________________
1- صحيح البخاري وأبو داود وصحيح ابن حبان
(3/94)
قال وإني لأعرف قوما ترهلت أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم من سفل انتفعوا بهذا الطين نفعا بينا وقوما آخرين شفو به أوجاعا مزمنة كانت متمكنة في بعض الأعضاء تمكينا شديدا فبرئت وذهبت اصلا
وقال المسيحي قوة الطين المجلوب من كبرس وهي جزيرة المصطكى قوة تجلو وتغسل وتنبت اللحم في القروح وتختم القروح فما ظنك بتربة خير الأرض خالطت ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الطب الإلهي منه
وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول اللهم رب الناس أذهب الباس إشف أنت الشافي لا شافي إلا انت شفاء لا يغادر سقما (1)
وفي لفظ كان يرقي يقول امسح الباس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت + صحيح مسلم وصحيح البخاري +
متفق عليهما
ولابن ماجه كان إذا أتى المريض دعا له وذكر معناه
وقال ثابت لأنس اشتكيت فقال ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر معناه رواه البخاري
وعن محمد بن حاطب قال وقعت القدر على يدي فأحرقت يدي فانطلق بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يتفل عليها ويقول ثم ذكر معناه
وعن عبد الرحمن بن السائب أن ميمونة قالت له يا ابن أخي ألا ارقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى قالت بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت رواهما أحمد + أخرجه أحمد وصححه ابن حبان +
ودخل عليه السلام على ثابت بن قيس بن شماس وهو مريض فقال اكشف
____________________
1- صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح ابن حبان
(3/95)
الباس رب الناس عن ثابت ثم اخذ ترابا من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه ثم صبه عليه رواه ابو داود (1)
وروى أيضا هو والنسائي في اليوم والليلة من رواية زيادة بن محمد وهو ضعيف قال البخاري والنسائي منكر الحديث عن ابي الدرداء مرفوعا من اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه اخ له فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك امرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء والأرض فاجعل رحمتك في الأرض واغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين فأنزل شفاء من شفائك ورحمة من رحمتك على هذا الوجع + أخرجه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة وابن عدي في الكامل وسنده ضعيف +
فيبرأ
وعن ابي سعيد ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من الجان ومن عين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما + أخرجه ابن ماجه والترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب +
رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب
ولأحمد ومسلم وغيرهما من حديث ابي سعيد أن جبريل قال يا محمد اشتكيت قال نعم قال بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس وعين بسم الله أرقيك والله يشفيك + أخرجه مسلم وأحمد في مسنده +
ورقى رجل بفاتحة الكتاب لديغا على قطيع من غنم فبرأ فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال وما يدريك أنها رقية اقسموا واضربوا لي معكم سهما + أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود +
رواه احمد والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث أبي سعيد
____________________
1- أخرجه ابو داود والنسائي في اليوم والليلة وصححه ابن حبان
(3/96)
وللبخاري من حديث ابن عباس إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله
ورقى بها رجل على مجنون ثلاثة ايام غدوة وعشية يجمع بزاقه ثم يتفل فبرأ فاعطوه جعلا فسال النبي صلى الله عليه وسلم فقال كل فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق (1)
رواه احمد وأبو داود ففي هذا الخبر انه يستحب أن يقرا بالفاتحة على كل وجع ومرض
وفي مسلم أنه عليه السلام رخص في الرقية من العين والحمة والنملة
الحمة ذوات السموم كلها والنملة قروح تخرج في الجنب تسمى نملة لأنه يحس به كنملة تدب عليه وتعضه ولأبي داود لا رقية إلا في عين أو حمة والمراد به إن صح أنهما أولى بالرقية من غيرهما بدليل ما سبق
ولأبي داود عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ فصل في الاستشفاء بماء زمزم والآثار المحمدية والتبرك بها وما ينفع لعسر الولادة والعقرب
قال عبد الله رايت أبي غير مرة يشرب زمزم يستشفى به ويمسح يديه ووجهه ورأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه فيقبلها وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه ويغمسها في الماء ثم يشرب منها
وروى ابو حفص العكبري عن عروة عن عائشة انها كانت تحمل ماء من ماء زمزم في القوارير وتذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله
وبإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى سهل بن عمرو يستهديه من ماء زمزم فبعث
____________________
1- أخرجه احمد وأبو داود وصححه ابن حبان
(3/97)
إليه براويتين
وبإسناده عن ابن عمر وضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه
وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن ابن عباس مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا عسر على المرأة ولدها أخذ إناء نظيف فيكتب ( ^ كأنهم يوم يرون ما يوعدون ) الأحقاف 35 و ( ^ كأنهم يوم يرونها ) النازعات 46 إلى آخر الآية و ( ^ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) يوسف 112 إلى آخرها ثم يغسل فتسقى المرأة وينضح على بطنها ووجهها
قال صالح لأبيه يكتب الشيء من القران في قرطاس ويدفن للآبق قال لا بأس
وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن محمد بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لدغته عقرب فدعا بملح وماء فجعله في إناء ثم جعل يصبه على أصبعه حيث لدغته ويمسحها ويعوذها بالمعوذتين
وروى ايضا عن عبد الله بن مسعود قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في أصبعه فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره قال ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ قل هو الله احد والمعوذتين حتى سكنت
هذا علاج مركب من إلهي وطبيعي فإن شهرة فضائل هذه السور من التوحيد معروف غير خاف
وأما الملح ففيه نفع كثيرمن السموم وقد ذكره الأطباء فقال بعضهم
____________________
(3/98)
يسخن ويوضع عليها مرارا وقال بعضهم مع بزر كتان وزاد بعضهم وشيء من لبن شجر التين والملح يجذب السم ويحلله بقوته الجاذبة المحللة وفي الماء تبريد لنار اللدغة فلهذا جمع بينهما فهذا علاج تام سهل وهو يدل على أن علاجه بالتبريد والجذب والإخراج ولهذا بدأ بعض الأطباء بشرط موضع اللدغة وحجمه فإن لم يمكن فالملح وهذا يوافق ما قاله عليه السلام من الحجامة ولعلها لم تتيسر في ذلك الوقت أو قصد الأسهل
والدواء الإلهي أتم وأكمل واشرف من الدواء الطبيعي ولهذا قد يمنع الإلهي وقوع السبب وإن وقع لم يكمل تأثيره فهو يحفظ الصحة ويزيل المرض والدواء الطبيعي لا اثر له إلا بعد وجود الداء وذلك مشهور في الأخبار وقد ذكرت بعضه هنا وفيما يقوله عند الصباح والمساء والله أعلم
وقد قال الأطباء في علاج الاحتراق والكي يبرد بخرقة بلت بماء الورد المبرد بالثلج ومما يسكن الوجع بياض البيض الرقيق إذا دهن بدهن الورد وبلت به خرقة ووضعت عليه
وروى الدارقطني في الأفراد بإسناده عن ابن عباس مرفوعا من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه وليقرأ هذه الاية
( ^ قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ) الملك 23 فصل فيما يسكن الفزع
عن جابر رضي الله عنه قال أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم ار أحدا ثم نوديت فنظرت فلم ار احدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء يعني جبريل عليه السلام فأخذتني رجفة شديدة فقلت دثروني فدثروني وصبوا علي ماء رواه مسلم ورواه البخاري وعنده فأتيت خديجة فقلت دثروني
____________________
(3/99)
وصبوا علي ماء باردا (1)
فنزلت ( ^ يا أيها المدثر ) المدثر 1
فيه انه يستحب مثل هذا لمن حصل له فزع وخوف
قال في شرح مسلم فيه أنه ينبغي أن يصب على الفزع الماء ليسكن فزعه قال ابن عباس في قوله تعالى ( ^ واضمم إليك جناحك من الرهب ) القصص 32
المعنى اضمم يدك إلى صدرك ليذهب عنك الخوف قال مجاهد كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع وروي معناه عن ابن عباس وفي الفنون عن ابن عباس من كان هاربا من عدوه فليكتب بسوطه بين أذني دابته ( ^ لا تخاف دركا ولا تخشى ) طه 77 امنه الله من ذلك الخوف فصل في فائدة الماء البارد في الخمود والحمى
ذكر أبو عبيد في غريب الحديث من حديث أبي عثمان النهدي أن قوما مروا بشجرة فأكلوا منها فكأنما مرت بهم ريح فأخمدتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم قرسوا الماء في الشنان وصبوا عليهم فيما بين الأذانين (1)
قرسوا الماء يعني بردوا الماء والقرس البرد الشديد يقال ليلة ذات قرس أي برد وقد قرس البرد يقرس قرسا اشتد وفيه لغة قرس البرد قرسا والبرد اليوم قارس وقريس ولا تقل قارص والشنان الأسقية والقرب الخلقات يقال للسقاء شن وللقربة شنة وإنما الشنان دون الجدد لأنها أشد تبريدا للماء قال أبو عبيد قوله بين الأذانين يعني أذان الفجر والإقامة
قال بعض الأطباء هذا من افضل علاج هذا الداء إذا كان وقوعه بالحجاز وهي بلاد حارة يابسة والحار الغريزي ضعيف في بواطن سكانها وصب الماء البارد عليهم في ذلك الوقت المذكور وهو أبرد أوقات اليوم يوجب جمع
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(3/100)
الحار الغريزي المنتشر في البدن الحامل لجميع قواه فتقوى القوة الدافعة وتجتمع من اقطار البدن إلى باطنه الذي هو محل ذلك الداء ويستظهر بباقي القوى على دفع المرض المذكور فيدفعه بإذن الله تعالى
وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما دخل إلى بيتها واشتد وجعه أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس قالت فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتن وخرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم (1) فصل في خواص الشونيز وهي الحبة السوداء
في الصحيحين عن ابي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام + أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه +
والسام الموت والحبة السوداء الشونيز
التفسير عند البخاري من قول ابن شهاب وروى البخاري معنى الخبر من حديث عائشة
وذكر ابن أبي عتيق أنه عاد مريضا فقال عليكم بهذه الحبة السوداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها ثم أقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وهذا الجانب المراد به العلل الباردة وهو عليه السلام قد يصف ويقول بحسب حال من شاهده
والشونيز حار يابس في الثالثة مقطع للبلغم محلل للرياح يقلع الثآليل والبهق والبرص وينفع من الزكام البارد وخصوصا مقلوا مجعولا في خرقة كتان ويطلى على جبهة من به صداع بماء بارد ويفتح سدد الصفاة والسعوط به يمنع
____________________
1- أخرجه البخاري وأحمد
(3/101)
ابتداء الماء وشربه يمنع من انتصاب النفس ويقتل الديدان لو طلي على السرة ويدر الحيض واللبن وبالماء والعسل للحصاة ويحل الحميات البلغمية والسوداوية ودخانه يهرب منه الهوام وإذا نقع منه سبع حبات عددا في لبن امرأة وسعط به صاحب اليرقان نفعه نفعا بليغا
وإذا ضمد به مع الخل قلع البثور والجرب المتقرح وحلل الأورام البلغمية المزمنة والأورام الصلبة وينفع من اللقوة والفالج إذا سعط بدهنه وإن شرب منه نصف مثقال نفع من لسع الرتيلاء وإن سحق واستف بماء بارد درهمان من عضة الكلب الكلب قبل أن يفرغ من الماء نفعه نفعا بليغا وقيل الإكثار منه قاتل وإن أذيب الأنزروت بماء ولطخ على داخل الحلقة ثم ذر عليها الشونيز كان عجبا في النفع من البواسير ويكون استعماله تارة منفردا وتارة مركبا
قال بعضهم الرمد حار باتفاق الأطباء ويركب السكر وغيره من المفردات الحارة مع الأنزروت وينفع الكبريت الحار جدا من الجرب ولهذا ذكر صاحب القانون وغيره الزعفران في قرص الكافور لسرعة تنفيذه وإيصاله قوته
والحبة السوداء هي الشونيز في لغة الفرس وهي الكمون الأسود وسمي الكمون الهندي وذكر الهروي أنها الحبة الخضراء ثمرة البطم وذكر الحربي عن الحسن أنها الخردل والصحيح الأول فصل في أدوية الأطباء الطبيعية وأدوية الأنبياء الروحانية
قال الشيخ تقي الدين الأدوية أنواع كثيرة والدعاء والرقى أعظم نوعي الدواء حتى قال بقراط نسبة طبنا إلى طب ارباب الهياكل كنسبة طب العجائز إلى طبنا وقد يحصل الشفاء بغير سبب اختياري بل بما يجعله الله في الجسم من القوى الطبيعية ونحو ذلك انتهى كلامه
والظاهر إن لم يكن يقينا أنه إنما أراد بالهياكل طائفة من الأطباء ولم يرد به
____________________
(3/102)
طب الانبياء
وقال بعضهم طبهم بالنسبة إلى طب الأنبياء كطب الطرقية بالنسبة إلى طبهم وإن نسبة طبهم إلى طب الانبياء كنسبة علومهم إلى علوم الأنبياء لأن طب الأنبياء وحي قطعي وطبهم اختلفوا فيه فقيل هو قياس وقيل تجربة وقيل هما وقيل إلهام ومنام وحدس وقيل أخذ بعضه من الحيوانات البهيمية لكن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم قصدهم الأكبر غير هذا وهذا من باب العرض
وأما الاطباء فأفنوا الأعمار في هذا الغرض مع الاختلاف الشديد بينهم فلم يحصلوا على طائل وقد لا ينتفع بعض المرضى بطب النبوة لعدم تلقيه بالقبول واعتقاد الشفاء به أو عدم استعماله على الوجه المعتبر المناسب ومعلوم أن القران شفاء ولا يزيد الظالمين إلا خسارا والعدول عنه إلى بعض أدوية معتادة يحسن الظن بها أوجب ذلك سوء الظن أو عدم التلقي بالقبول فامتنع الشفاء وهذا لأن مع شدة قبول الطبيعة وفرح النفس تنتعش القوة وينبعث الحار الغريزي فيحصل التساعد على المرض وهو أمر واضح لا شك فيه ولهذا صح عنه عليه السلام أنه كان يتلطف بالمريض فتارة يضع يده عليه وقال لا بأس طهور إن شاء الله (1)
وتارة توضأ وصب عليه وضوءه وتارة يسأله عن حاله وعما يشتهيه ويعلمه دعاء يوافقه
____________________
1- أخرجه البخاري وانظر صحيح ابن حبان
(3/103)
ومن ذلك ما يروى عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في أجله فإن ذلك لا يرد شيئا ويطيب نفس المريض (1)
رواه الترمذي وابن ماجه من رواية موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي وهو ضعيف باتفاق المحدثين مع أنه فقيه محدث لكن معنى الخبر صحيح والله أعلم
وتحدث أمراض كثيرة وتتحير الأطباء في علاجها وعلاجها في الطب النبوي الشريف القطعي موجود لا يستعمل لفرط الجهل وغلبة العوائد الحادثة وقد قيل
( ومن العجائب والعجائب جمة % قرب الشفاء وما إليه وصول )
( كالعيس في البيداء يقتلها الظما % والماء فوق ظهورها محمول )
ولابن ماجه من حديث علي خير الدواء القران + سنن ابن ماجه وضعف البوصيري إسناده في الزوائد وانظر زاد المعاد + فصل في وصايا صحية مختلفة
قال ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس وروى النزال بن سبرة عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه أنه قال من ابتدأ غداءه بالملح أذهب الله عنه كل دائه ومن أكل إحدى وعشرين زبيبة كل يوم لم ير في جوفه شيئا يكرهه واللحم ينبت اللحم والثريد طعام العرب ولحم البقر داء ولبنها شفاء وسمنها شفاء والشحم يخرج مثله من الداء قال النزال أظنه يريد شحم البقر
وعن علي رضي الله عنه ما استشفي بأفضل من السمن والسمك يذيب
____________________
1-
(3/104)
البدن أو قال الجسد ولم تستشف النفساء بشيء أفضل من الرطب والسواك وقراءة القران يذهبان البلغم ومن أراد البقاء ولا بقاء فليباكر الغداء وليخفف الرداء وليقل غشيان النساء قيل يا أمير المؤمنين وما خفة الرداء قال قلة الدين
وسئل الحارث بن كلدة طبيب العرب ما الدواء الذي لا داء فيه قال هو أن لا تدخل بطنك طعاما وفيه طعام وقال غيره هو أن يقدم الطعام إليك وأنت تشتهيه ويرفع عنك وأنت تشتهيه قال ثلاثة تقتل الحمام على الكظة والجماع على البطنة والإكثار من أكل القديد اليابس
وقال ابن عبد البر في مكان آخر ولم يعزه إلى أحد ثلاثة تهرم وربما قتلت الجماع على الامتلاء ودخول الحمام على البطنة وأكل القديد اليابس وثلاثة تفسد الذهن الهم والوحدة والفكرة وثلاثة يفرح بهن الجسد ويربو الطيب والثوب اللين وشرب العسل
وقال الربيع بن خثيم ذكرت عادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا كانت فيهم الأدواء وكانت فيهم الاطباء فلا المداوي بقي ولا المداوى وقيل للربيع في علته ألا ندعو لك طبيبا فقال الطبيب أمرضني
وانشد أبو العتاهية
( إن الطبيب بطبه ودوائه % لا يستطيع دفاع مكروه أتى )
( ما للطبيب يموت بالداء الذي % قد كان يبرئ مثله فيما مضى )
وقال آخر
( كم من عليل قد تخطاه الردى % فنجا ومات طبيبه والعود )
____________________
(3/105)
وقال ابو العتاهية
( نعى لك ظل الشباب المشيب % ونادتك باسم سواك الخطوب )
( وقبلك داوى المريض الطبيب % يخاف على نفسه من يتوب )
( فكيف ترى حال من لا يتوب % ) فصل في كراهة سب الحمى وتكفيرها للذنوب كغيرها وأنواعها وعلاجها
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ام السائب أو ام المسيب فقال مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين فقالت الحمى لا بارك الله فيها فقال لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد (1)
رواه مسلم
تزفزفين تتحركين حركة سريعة ومعناه ترتعد وهو بضم التاء والزاي المكروة والفاء المكررة وروي أيضا بالراء المكررة والقافين ولم يصب من قال
( زارت مكفرة الذنوب وودعت % تبا لها من زائر ومودع )
( قالت وقد عزمت على ترحالها % ماذا تريد فقلت الا ترجعي )
ولا من قال
( زارت مكفرة الذنوب لصبها % اهلا بها من زائر ومودع )
( قالت وقد عزمت على ترحالها % ماذا تريد فقلت الا تقلعي )
لأن الأول ارتكب النهي عن سبها والثاني ترك الأمر بسؤال العفو والعافية واراد بقاء المرض
وفي البخاري أن ابن عمر كان يقول اكشف عنا الرجز
____________________
1- أخرجه مسلم وصححه ابن حبان
(3/106)
ولاحمد والبخاري ومسلم من حديث ابن مسعود ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيآته كما تحط الشجرة ورقها (1)
ولأحمد عن شداد أنه عاد مريضا فقال اشكر كفارات السيئات وحط الخطايا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يقول الله عز وجل إني إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني على ما أبتليته فإنه يقوم من مضجعه كيوم ولدته أمه من الخطايا وفيه راشد بن داود الصنعاني وهو مختلف فيه
وفي الموطأ عن عطاء بن يسار مرسلا إذا مرض العبد بعث الله إليه ملكين فقال انظروا ماذا يقول لعواده فإذا جاؤوه حمد الله وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله عز وجل وهو أعلم فيقول إن لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة وإن أنا شفيته أن أبدله لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته
ولأحمد من حديث ابي أمامة الحمى كير جهنم ما اصاب المؤمن منها كان حظه من النار + وفي سنده أبو الحصين الفلسطيني وأبو صالح الأشعري وكلاهما ضعيف ويشهد له حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وفي سنده انقطاع +
ولأحمد وابن ماجه هذا المعنى من حديث أبي هريرة
ولمالك وأحمد ومسلم من حديث عائشة ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا كتبت له بها حسنة ومحيت عنه بها خطيئة + هو في الموطأ وفي مسند أحمد والبخاري ومسلم وانظر تمام تخريجه في صحيح ابن حبان +
وفي الصحيحن عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمى أو شدة
____________________
1- صحيح البخاري وصحيح مسلم
(3/107)
الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء (1)
فيح جهنم شدة لهبها وانتشارها وكذا قال عليه الصلاة والسلام أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم
قيل هو دقيقة وأنموذج من جهنم ليعتبر به العباد وقدر الله ظهوره بأسباب تقتضيه وهذا هو الصحيح ولهذا في الصحيحين أو في مسلم اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين (1)
وذكر الحديث
وقيل المراد التشبيه فشبه هذا بفيح جهنم تنبيها على عذاب جهنم أجارنا الله والمسلمين منها
وقوله ابردوها بالماء الأفصح أنه ثلاثي همزته همزة وصل من برد الشيء بضم الراء ويقال بردته أنا فهو مبرود وبردته تبريدا يقال بردت الحمى أبردها بردا كقتلتها أقتلها قتلا أي أسكنت حرارتها وقيل هو رباعي بقطع الهمزة مفتوحة وكسر الراء من ابرد الشيء إذا صيره باردا قال الجوهري هي لغة رديئة
ثم قيل المراد بماء زمزم والأصح كل ماء وان المراد استعماله ولهذا في الصحيحين أن اسماء كانت تفعله بالنساء وتحتج بالخبر
وعن سعيد الشامي هو ابن زرعة عن ثوبان مرفوعا إذا أصاب أحدكم الحمى فإن الحمى قطعة من النار فليطفئها عنه بالماء البارد وليستقبل نهرا جاريا يستقبل جرية الماء فيقول بسم الله اللهم اشف عبدك وصدق رسولك بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة ايام فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس فإن لم يبرأ في خمس فسبع فإن لم يبرأ في سبع فتسع فإنه لا يكاد يجاوز التسع بإذن
____________________
1- صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح ابن حبان
(3/108)
الله (1)
سعيد روى عنه اثنان ووثقه ابن حبان وقيل مجهول وقال ابن الجوزي ضعيف رواه احمد والترمذي وقال غريب
وقيل الصدقة بالماء ويحتمل ان المراد بالخبر اهل الحجاز وما والأهم فإن أكثر الحمى العارضة لهم عن شدة الحر فينفعها الماء البارد غسلا وشربا لأنها بمجرد كيفية حارة فتزول بكيفية باردة تسكنها بلا حاجة إلى استفراغ مادة أو انتظار نضج فإن الحمى على ما ذكره الأطباء حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنبث منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن فتشتعل فيه اشتعالا يضر بالأفعال الطبيعية
ثم الحمى عرضية ومرضية فالعرضية حادثة عن حرارة الشمس أو شدة غيظ أو ورم أو حركة ونحو ذلك والمرضية لا تكون إلا في مادة أولى منها تسخن جميع البدن فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمى يوم لزوالها غالبا في يوم وغايتها ثلاثة أيام وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنة وهي صفراوية وسوداوية وبلغمية ودموية وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية سميت حمى دق ويحتمل أن يراد بالخبر أنواع الحمى
وقد ذكر جالينوس ان الشاب الحسن اللحم الخصب البدن ولا ورم في احشائه إن استحم بماء بارد أو سبح فيه انتفع به وقال نحن نأمر بذلك
وقال غيره إذا كانت القوى قوية والحمى حارة جدا والنضج بين ولا ورم في الجوف ولا فتق ينفع الماء البارد شربا وإن كان خصب البدن والزمان حار وكان معتادا لاستعمال البارد من خارج فليؤذن فيه
قال بعضهم قد ينتفع البدن بالحمى انتفاعا لا يبلغه الدواء فتكون حمى يوم وحمى العفنة سببا لإنضاج مواد غليظة لا تنضج بدونها وسببا لتفتح سدد لا تصل إليها الأدوية وتبرئ أكثر أنواع الرمد وتنفع من الفالج واللقوة
____________________
1- ضعيف وهو في سنن الترمذي والمسند وقال الترمذي هذا حديث غريب
(3/109)
والشنج الامتلائي والله أعلم
ولا يعارض هذا ما ذكره الحافظ عبد القادر الرهاوي في تاريخه المادح والممدوح فيما ذكره من حديث محمد بن إسحاق الصنعاني عن معاوية يعني ابن عمرو عن أبي إسحاق يعني الفزاري عن الأعمش عن جعفر بن عبد الرحمن عن ام طارق مولاة سعد قالت أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن مرارا فلم يرد عليه فرجع فقال سعد ائتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقرئي عليه السلام وأخبريه أنما سكتنا رجاء أن تزيدنا فأتيته فبينما أنا قاعدة عنده إذ جاء شيء فاستأذن على الباب فقالت انا أم ملدم قال لا مرحبا ولا أهلا أتنهدين إلى أهل قباء قالت نعم قال فاذهبي إليهم رواه احمد عن يعلى بن عبيد عن الأعمش وفيه أن أم طارق قالت سمعت صوتا على الباب يستأذن فقال من أنت وليس فيه فاقرئي عليه السلام
وذكر البخاري في تاريخه جعفر بن عبد الرحمن هذا وذكر معنى أول الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سعد بن عبادة فقال السلام عليكم فسلم ثلاثا
فهذا الخبر إن صح فلا يعارض الخبر السابق لأن السابق اصح ولا تعارض بينهما
وأم ملدم كنية الحمى والميم الأولى مكسورة زائدة والدمت عليه الحمى دامت
ولأحمد ايضا عن جابر أن الحمى استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمر بها إلى أهل قباء فلقوا منها ما يعلم الله فأتوه فشكوا ذلك إليه فقال ما شئتم إن شئتم أن ادعو الله عز وجل فيكشفها عنكم وإن شئتم أن تكون لكم طنورا قالوا يا رسول الله أو تفعل قال نعم (1)
قالوا فدعها
____________________
1- اخرجه أحمد وإسناده ضعيف فيه عنعنة الأعمش
(3/110)
فصل في أمراض القلوب وعلاجها
القلوب تمرض كغيرها من الأعضاء وعلاجها في كتب الأطباء وتمرض بالشبهات والشكوك لقوله تعالى ( ^ في قلوبهم مرض ) البقرة 10
وقال تعالى ( ^ وليقول الذين في قلوبهم مرض ) المدثر 31
وقال تعالى ( ^ أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا ) النور 50
وتمرض القلوب بالشهوات لقوله تعالى
( ^ فيطمع الذي في قلبه مرض ) الاحزاب 32 أي فجور وهو شهوة الزنى
وعلاج ذلك اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاجتهاد في الطاعات الظاهرة والباطنة وترك المحرمات الظاهرة والباطنة فالقلوب كثيرة التقلب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف لا ومقلب القلوب (1)
وقال ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من اصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء إن شاء أن يقيمه اقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه + +
وصلاح القلوب رأس كل خير وفسادها رأس كل شر وفي الصحيحين عنه عليه السلام الا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب + صحيح البخاري وصحيح مسلم +
فنسأل الله أن يصلح فساد قلوبنا
____________________
1- أخرجه البخاري وانظر تمام تخريجه في صحيح ابن حبان
(3/111)
وقلوب إخواننا المسلمين
وأعلم أنه يحصل بأعمال القلوب من التوكل على الله والاعتماد عليه وغير ذلك من الشفاء ما لا يحصل بغيره لان النفس تقوى بذلك ومعلوم أن النفس متى قويت وقويت الطبيعة تعاونا على دفع الداء واوجب ذلك زواله بالكلية ومثل هذا معلوم مجرب مشهور ولا ينكره إلا جاهل أو بعيد عن الله فصل في العشق وأسبابه وعلاجه
العشق داء صعب ومرض ليس بالهين وهو فرط الحب وقد عشقه عشقا مثل علمه علما وعشقا أيضا عن الفراء والعشقة نبت يصفر كله ويذبل به شبه العاشق ورجل عشيق مثل فسيق أي كثير العشق عن يعقوب والتعشق تكلف العشق قال الفراء يقولون امرأة محب لزوجها وعاشق والعشنق الطويل الذي ليس بمثقل ولا ضخم من قوم عشانقة والمرأة عشنقة وقد يقتل العشق صاحبه
وقد صنف ابن الجوزي مصارع العشاق ولهذا ذكر بعض أصحابنا وبعض الشافعية أن من مات به من الشهداء وذكروا الخبر الضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشق فكتم فمات مات شهيدا (1)
لكن له طريق آخر وقد ذكرته في كتاب الجنائز في عدد الشهداء وقال غير واحد من التابعين في قوله تعالى ( ^ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) البقرة 286 إنه المحبة والعشق ومات به بعض خلفاء بني أمية أظنه يزيد بن عبد الملك أبن مروان وقال ابن الانباري قال ثعلب أنشدنا ابن الأعرابي
( ثلاثة أحباب فحب علاقة % وحب تملاق وحب هو القتل )
يقال تملقه وتملق له تمليقا وتملاقا أي تودد إليه وتلطف له ولا يبتلى
____________________
1- أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد وجزم ابن القيم في زاد المعاد بوضعه
(3/112)
بالعشق غالبا إلا من غفل قلبه عن الله وعن ذكره وعن امره ونهيه قال تعالى في حق يوسف ( ^ كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) يوسف 24
يدل ذلك على أن الإخلاص سبب لدفع السوء والفحشاء فالقلب إذا امتلأ من ذلك استحلاه على كل شيء وتغذى به واستغنى به عما سواه
قال في الفنون قال بعض الحكماء ليس العشق من أدواء الحكماء إنما هو من أمراض الخلفاء الذين جعلوا دأبهم ولهجتهم متابعة النفس وإرخاء عنان الشهوة وإفراط النظر في المستحسنات من الصور فهنالك تتقيد النفس ببعض الصور فتأنس ثم تألف ثم تتوق ثم تتشوق ثم تلهج فيقال عشق والحكيم من استطال رأيه على هواه وتسلطت حكمته أو تقواه على شهوته فرعونات نفسه مقيدة ابدا كصبي بين يدي معلمه أو عبد بمرأى سيده وما كان العشق إلا لأرعن بطال وقل أن يكون في مشغول ولو بصناعة أو تجارة فكيف بعلوم شرعية أو حكمية فإنها صارفة عن ذلك
وقال أيضا الأبدان المدللة تستحيل ترابا وفي تدرجها تستحيل دما وقيحا ومدة فلو فكر العاشق في حال المعشوق فتر عشقه
وقال أيضا قولهم أوحشنا فلان الوحشة انقباض يدخل على القلب لفقد المألوف وحد الأنس انبساط القلب وطمأنينته إلى محسوس وحد القلق تتابع حركة القلب لمزعج والوجيب اشد حركات القلب والطمأنينة سكون القلب ودعته والتشفي درك القلب غرضه من الانتقام والغيظ إخفاء طلب الانتقام للعجز عن إيقاعه والمؤاخذة المجازاة على الإساءة والهيمان الذهاب في طلب غرض لا غاية له والكلف الشغف واللهج تطلب الغرض والحماقة إهمال قوانين الحكمة والتمني تطوح بالأمل والشره إسراف الطبع في المطلوب وذكر أيضا قول الصابئ الكاتب
( وقالوا أفق من لذة السكر والصبا % فقد بان صبح في دجاك عجيب )
____________________
(3/113)
( فقلت أخلائي دعوني ولذتي % فإن الكرى عند الصباح يطيب )
وطريق علاجه البعد عن المعشوق بحيث لا يراه ولا يسمع كلامه فإن البعد جفاء وقد قال الشاعر
( تزودت من ليلى بتكليم ساعة % فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها )
والتفكير في مساويه وقبيح صفاته
وقد قال ابن الجوزي ما قاله غيره الاطلاع على بعض العيوب يقدح في المحبة والنظر في عاقبة المعاصي وما يقترن بها من الذل والعقوبة في الدنيا والآخرة فإن عاقلا لا يؤثر لذة ساعة بعقوبة سنة كما لا يؤثر ما يساوي درهما على ما يساوي دينارا بل إيثار ما يساوي دينارا على ما يساوي درهما شأن العقلاء العارفين وكيف يؤثر عاقل لذة ساعة على فوات نعيم من صفته ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر نسأل الله الجنة لنا ولإخواننا المسلمين
وليته فات فحسب بل مع فواته يحصل له ضعف في القلب ووهن في البدن وسواد في الوجه وضيق في الرزق وبغضة في قلوب الناس كما قاله الحسن البصري وروي عن ابن عباس ايضا
ولو ترك هذه اللذة لله سبحانه كان له عشر حسنات واستحق عكس هذه الصفات وتحصل له لذة يجد حلاوتها كما رواه الإمام أحمد رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم
ويستحق من فعل هذه اللذة مع ما سبق من الصفات سخط الرحمن وغضب الجبار ودخول دار الذل والهوان وهي جهنم أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها وقد قال عليه الصلاة والسلام وقد سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج (1)
____________________
1- حديث حسن أخرجه الامام احمد والبخاري في الادب وابن ماجه والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم وووافقه الذهبي
(3/114)
وقال حاتم الطائي
( وإنك مهما تعط بطنك سؤله % وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا )
والنظر في حق الله عز وجل وعظمته ونعمه التي لا تحصى وأنه مع هذا كيف يعصى ويخالف فيما أمر ونهى
والنظر في ان هذه المحبة ليس لها سبب صحيح وأن هذا المحبوب كغيره من الناس بل ربما كان دونهم كما قد شاع عن قبح ليلى وصاحبها المجنون المفتون بها وجماع الحلال من زوجة وجارية فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه (1)
وروى ايضا عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه (1)
قوله تمعس المعس بالعين المهملة الدلك والمنيئة بميم مفتوحة ثم نون مكسورة ثم ياء ساكنة ثم همزة ممدودة ثم تاء تكتب هاء وهي الجلد في الدباغ قال الكسائي يسمى منيئة ما دام في الدباغ وقال أبو عبيد هو في أول الدباغ منيئة ثم أفيق بفتح الهمزة وكسر الفاء وجمعه أفق كقفيز وقفز ثم أديم
وقوله تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان أي إن المرأة
____________________
1- صحيح مسلم
(3/115)
شبيهة به في دعائه إلى الشر بتزيينه ووسوسته والمراد الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بالمرأة لميل القلوب إلى النساء وإنما أتى عليه السلام ما فعل بيانا وإرشادا إلى ما ينبغي فعله فعلم الناس بفعله صلى الله عليه وسلم
وقد قال الاطباء من فوائد الجماع أنه يزيل داء العشق ولو كان مع غير من يهوى
ومن أكبر الدواء التضرع الى الله سبحانه لا سيما في أوقات الإجابة والاماكن المعظمة في كشف ذلك وإزالته والعافية منه فإنه سبحانه على كل شيء قدير وقد أحاط بكل شيء علما
ومن الدواء أن ينظر في المحبوب فإن كان ممن يتعذر الاجتماع به فيقول لنفسه إن الطمع في ذلك جنون كالطمع بالشمس أو القمر ونحوهما وإن كان ممن يمكن الاجتماع به كالممتنع قدرا بالنظر فيما سبق من انواع المداواة ينبغي الإعتناء بها
وإن اعتنى مع ذلك بما ذكره بعض الأطباء مما يباح شرعا فحسن كقول بعضهم وأظنه ابن المالكي المداواة للعشق تدبر بالتدبر المرطب كالاستحمام بالماء العذب والركوب والرياضة المعتدلة والتمريخ بدهن البنفسج وشرب الشراب والنظر إلى البساتين والمزارع النضرة وسماع الصوت المطرب والحديث والمسامرة انتهى كلامه والله أعلم
ولا ينبغي التمادي مع الهوى وترك السعي في أسباب إزالته وكشفه فإن الأمر في اوله سهل فزواله قريب سهل وقد قيل
( وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى % فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت )
وقد يعظم ويتفاقم فتبعد إزالته جدا ويبعد السعي في سببها لغلبة الهوى والمحبة وسبق في أوائل الكتاب ما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابي
____________________
(3/116)
الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حبك الشيء يعمي ويصم (1)
ويحصل مع التمادي في ذلك من الذل والشر والفساد ما لا يعلمه إلا الله رب العباد ويصير ذلك عادة وطبيعة وجبلة فيستمر ذلك مع الشيخوخة وعلو السن وينتقل من صورة إلى صورة ولا ينفع مع ذلك وعظ ولا زجر ويضعف الفطام عنه جدا
وقد قال الأطباء ما قال غيرهم العادة طبيعة ثانية
وفي فنون ابن عقيل قال حنبل الخير بالتعود والشر طبعي وانظر إلى وضع الشرع مروهم بالصلاة لسبع فلما جاء إلى الشر فرقوا بينهم في المضاجع لعلمه أن ذلك أكثر في المجتمعين وقد نظم الوزير ابن هبيرة الحنبلي من أصحابنا
( تعود فعال الخير جمعا فكل ما % تعوده الإنسان صار له خلقا )
قال أكثم بن صيفي ما يسرني أني مكتف من أمر الدنيا قيل له ولم قال أخاف عادة العجز وقالت العرب العادة املك بالإنسان من الأدب وقالوا العادة طبيعة ثانية وقالوا الخير عادة والشر لجاجة ذكره ابن عبد البر قال وكان يقال والله لا أنساك حتى أنسى العوم وذلك أن الإنسان إذا تعلم السباحة لم ينسها
وقد قيل لي عن بعض من ولع بشرب الخمر والفها وعشقها فأراد الكف عن ذلك وزجر نفسه فحلف بالطلاق الثلاث أنه ما بقي يشربها فغلبته عادته وطبيعته على أن خالع زوجته وشربها وهذا وأمثاله معروف لمن نظر في أحوال الناس
ومن المعلوم أن الناس يتفاوتون في ميل القلوب الى المعاصي فمنهم من يستحلها كلها أو أكثرها أو كثيرا منها أو معصية واحدة وربما كان المفتتن
____________________
1- سنن أبي داود وسنده ضعيف
(3/117)
بذلك عالما أو عابدا فربما فتن بعلمه وعبادته قلوب بعض العوام وربما استمال الناس وقلوبهم إليه ببعض أغراض الدنيا فربما ترخصوا بفعله وربما عذروه فيه وربما حملهم غرض الدنيا على ذكر محاسنه والكف عن مساويه فتحصل الفتنة والمعصية من حيث إنه عبد هواه ومن حيث إنه اتخذ إلهه هواه ولم يحب في الله ولم يبغض في الله بل أحب لعرض الدنيا وأبغض للدنيا وقد قال عليه الصلاة والسلام لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به (1)
وعنه أيضا عليه الصلاة والسلام أوثق عرى الايمان الحب في الله والبغض في الله + أخرجه ابن ابي شيبة في المصنف والامام احمد في مسنده وفي سنده ليث بن ابي سليم وهو ضعيف +
بل ربما حملهم عرض الدنيا مع ذلك على معاداة من أمره ونهاه فتتكرر المعصية على اختلاف مراتبها وصفاتها على ما لا يخفى وقد يصير هذا المسكين لأجل هذا العرض القليل الزائل عن قليل معاديا لأولياء الله مواليا لأهل الفسوق والمعاصي ولا يخفي ما يعمل المعادي لقوم حسب ما يمكنه وما يعمل الموالي لقوم
وقد روى البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة + صحيح البخاري وانظر تمام تخريجه في صحيح ابن حبان +
وقد قال تعالى ( ^ إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) الاحزاب 57 - 58
ومن نظر في هذا وأمثاله علم أن مثل هذه المعصية قد فتن بها خلق كثير وحصل
____________________
1- أخرجه ابن ابي عاصم في السنة والخطيب في تاريخ بغداد والبغوي في شرح السنة وسنده ضعيف وقد بسط الحافظ ابن رجب القول في في جامع العلوم والحكم
(3/118)
بها من الضرر ما لم يحصل بغيرها فنسأل الله العافية وحسن العاقبة لنا ولإخواننا المسلمين وأن يصلح أحوالنا وأحوالهم آمين يا رب العالمين والله أعلم
قال وهب بن منبه العقل والهوى يصطرعان فأيهما غلب مال بصاحبه قال ابن دريد
( وآفة العقل الهوى فمن علا % على هواه عقله فقد نجا )
قال عمر بن عبد العزيز أفضل الجهاد جهاد الهوى
وقال سفيان الثوري أشجع الناس أشدهم من الهوى امتناعا قال ومن المحقرات تنتج الموبقات ويقولون إن هشام بن عبد الملك لم يقل بيت شعر قط إلا هذا البيت
( إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى % إلى بعض ما فيه عليك مقال )
قال ابن عبد البر لو قال إلى كل ما فيه عليك مقال كان ابلغ وأحسن وما قال ابن عبد البر متوجه وقال بعض الحكماء إنما يحتاج اللبيب ذو الرأي والتجربة إلى المشاورة ليتجرد له رأيه من هواه وقال بعضهم اعص النساء وهواك واصنع ما شئت قال ابن عبد البر لو قال اعص الهوى لاكتفى وصدق ابن عبد البر وكان اوجز
قيل للمهلب بم ظفرت قال بطاعة الحزم وعصيان الهوى قالوا ما ذكر الله تعالى الهوى في شيء من القران إلا ذمه
وقال بزر جمهر الهوى غالب والقلب معلق به وقد امتدح بترك الهوى جماعة من الحكماء وقال الزبير بن عبد المطلب
( واجتنب الكبائر حيث كانت % وأترك ما هويت لما خشيت )
قال ابن عبد البر حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا نصر بن محمد الأسدي الكوفي حدثنا إبراهيم بن عثمان المصيصي حدثنا مخلد بن حسين حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال بينا عمر بن الخطاب رضي
____________________
(3/119)
الله عنه يحرس ذات ليلة إذ سمع امرأة وهي تقول
( هل من سبيل إلى خمر فأشربها % أم من سبيل إلى نصر بن حجاج )
فلما أصبح قال علي بنصر فجيء به فإذا هو أجمل الناس فقال إنها المدينة لا تساكني فيها فخرج إلى البصرة فنزل على ابن عم له هو أمير البصرة فبينما هو جالس مع ابن عمه وامرأته إذ كتبت في الارض إني لأحبك حبا لو كان فوقك لأظلك ولو كان تحتك لأقلك فقرأه وكتب تحته وأنا كذلك وكان الأمير لا يقرأ فعلم أنه جواب كلام فأكفأ عليه إناء وقام فبعث إلى من يقرؤه فبلغ ذلك نصرا فلم يجئ إليه ومرض حتى سل وصار شبه الفرخ وأخبر الأمير بذلك فقال لها اذهبي إليه واسنديه إلى صدرك وأطعميه فلما أتت الباب قيل له هذه فلانة فكأنه انتعش شيئا فصعدت إليه وأسندته إلى صدرها وأطعمته فأفاق فخرج من البصرة واستحيا من ابن عمه فلم يلقه بعدها قال إبراهيم بن عثمان الأمير مجاشع بن مسعود وامرأته الخضراء
وللشافعي أو لسهل الوراق
( إذا حار وهمك في معنيين % وأعياك حيث الهوى والصواب )
( فدع ما هويت فإن الهوى % يقود النفوس إلى ما يعاب )
كان يقال إذا غلب عليك عقلك فهو لك وإن غلب هواك فهو لعدوك
قال عمر لمعاوية رضي الله عنهما من أصبر الناس قال من كان رأيه رادا لهواه
قال أعرابي أشد جولة الرأي عند الهوى وأشد فطام النفس عند الصبر
قال نفطويه إن المرآة لا تريك خدوش وجهك في صدئها وكذلك نفسك لا تريك عيوب نفسك في هواها فهذه نبذة يسيرة تتعلق بالهوى
وللحكماء كجالينوس وغيره في العشق كلام اختصرته وسئل بعض الحكماء
____________________
(3/120)
عنه فقال شغل قلب فارغ وقال بعضهم بطن فرق وظهر فكثف وامتنع وصفه على اللسان فهو بين السحر والجنون لطيف المسلك والكمون
وجد في صحيفة لبعض أهل الهند العشق ارتياح جعل في الروح وهو معنى تنتجه النجوم بمطارح شعاعها وتولده الطبائع بوصله أشكالها وتقبله النفوس بلطف خواطرها وهو بعد جلاء للقلوب وصيقل للأذهان ما لم يفرط فإذا أفرط عاد سقما قاتلا ومرضا منهكا لا تنفذ فيه الآراء ولا تنجع فيه الحيل العلاج منه زيادة فيه
حضر عند المأمون يوما يحيى بن أكثم القاضي وثمامة بن أشرس فقال المأمون ليحيى خبرني عن حد العشق فقال يا امير المؤمنين سوانح تسنح للعاشق يؤثرها ويهيم بها تسمى عشقا قال ثمامة اسكت يا يحيى فإنما عليك أن تجيب في مسألة الفقه وهذه صناعتنا فقال المأمون أجب يا ثمامة فقال يا أمير المؤمنين إذا تقادحت جواهر النفوس بوصل المشاكلة أثبتت لمح نور ساطع تستضيء به نواظر العقل فتهتز لإشراقه طبائع ويتصور من ذلك نور خاطر بالنفس متصل بجوهرها فيسمى عشقا قال عباس بن الأحنف فيما أنشده إسحاق الموصلي
( فلو كان لي قلبان عشت بواحد % وخليت قلبا في هواك يعذب )
( ولكنما أحيا بقلب مروع % فلا العيش يصفو لي ولا الموت يقرب )
( تعلمت ألوان الرضا خوف سخطها % وعلمها حبي لها كيف تغضب )
( ولي ألف وجه قد عرفت مكانه % ولكن بلا قلب إلى أين أذهب )
وقال أيضا
( أرى الطريق قريبا حين أسلكه % إلى الحبيب بعيدا حين أنصرف )
وله
( يقرب الشوق دارا وهي نازحة % من عالج الشوق لم يستبعد الدارا )
____________________
(3/121)
وقال آخر
( فلو أن شرق الشمس بيني وبينها % وأهلي وراء الشمس حيث تغيب )
( لحاولت قطع الأرض بيني وبينها % وقال الهوى لي إنه لقريب )
قال ابن عبد البر وقال بعضهم لو لم يكن في العشق إلا أنه يشجع قلب الجبان ويسخي قلب البخيل ويصفي ذهن الغبي ويبعث حزم العاقل ويخضع له عز الملوك وتضرع له صولة الشجاع وينقاد له كل ممتنع لكفى به شرفا
قال أعرابي من فزارة عشقت امرأة من طيء فكانت تظهر لي مودة فوالله ما جرى بيني وبينها شيء من ريبة غير أني رأيت بياض كفها فوضعت كفي على كفها فقالت مه لا تفسد ما صلح فارفضضت عرقا من قولها فما عدت لمثل ذلك
وقال بعضهم الرجل يكتم بغض المرأة أربعين يوما ولا يمكنه أن يكتم حبها يوما ولا يمكنها أن تكتم بغضه يوما واحدا قال علي بن الجهم
( يا سائلي ما الهوى اسمع إلى صفتي % الحب أعظم من وصفي ومقداري )
( ماء المدامع نار الشوق تحدره % فهل سمعت بماء فاض من نار )
وقال اخر
( أسر الذي بي والدموع تبوح % وجسمي سقيم والفؤاد جريح )
( وبين ضلوعي لوعة لم ازل بها % أذوب اشتياقا والفؤاد صحيح )
وقال علي بن عباس الرومي
( وحديثها السحر الحلال لو أنه % لم يجن قتل المسلم المتحرز )
( إن طال لم يملل وإن هي أوجزت % ود المحدث أنها لم توجز )
( شرك العقول ونزهة ما مثلها % للمطمئن وعقلة المستوفز )
____________________
(3/122)
وقال حميد بن ثور
( منعمة لو يصبح الذر ساريا % على جلدها صبت مدارجها دما )
وقال عمر بن أبي ربيعة
( لو دب ذر فوق ضاحي جلدها % لأبان من آثارهن خدودا )
وقال الحسن بن هانئ
( كأن منثور رمان بوجنتها % لو دب فيها خيال الذر لانجرحا )
وقال آخر
( رق فلو دب به ذرة % منعلة أرجلها بالحرير )
( لأثرت فيه كما أثرت % مدامة في العارض المستدير )
وأنشد أبو القاسم محمد بن نصر الكاتب لنفسه أبياته التي يقول في أولها
( لسانك ياقوت وثغرك لؤلؤ % وريقك شهد والنسيم عبير )
( فما لك في الدنيا من الناس مشبه % ولا لك في حور الجنان نظير )
لأن الحور لا نظير لهن في الدنيا وصفاتهم مشهورة في الكتاب والسنة نسأل الله من فضله الجنة
قال ابن عبد البر نظر أبو حازم إلى امرأة حسناء ترمي الجمار وتطوف بالبيت وقد شغلت الناس بالنظر إليها لبداعة حسنها فقال لها أمة الله خمري وجهك فقد فتنت الناس وهذا موضوع رغبة ورهبة فقالت له إحرامي في وجهي أصلحك الله يا أبا حازم وأنا من اللواتي قال فيهن العرجي
( من اللاء لم يحججن يبغين جنة % ولكن ليقتلن التقي المغفلا )
فقال أبو حازم لأصحابه تعالوا ندع الله لا يعذب الله هذه الصورة الحسنة بالنار فقيل له أفتنتك يا أبا حازم فقال لا ولكن الحسن مرحوم
____________________
(3/123)
وذكر المدائني عن عبد الله بن عمر العمري قال خرجت حاجا فرأيت امرأة جميلة تتكلم بكلام أرفست فيه يقال أرفس في كلامه زوره وزخرفه قال فأدنيت ناقتي منها وقلت يا أمة الله ألست حاجة أما تخافين الله فسفرت عن وجه بهر الشمس حسنا فقالت تأمل يا عمري فإني ممن عناه العرجي بقوله
( أماطت كساء الحج عن حر وجهها % وأبدت على الخدين وردا مهللا )
( من اللاء لم يحججن يبغين جنة % ولكن ليقتلن البريء المغفلا )
( وترمي بعينيها القلوب ولحظها % إذا ما رمت لم تخط منهن مقتلا )
قال فقلت فأنا اسأل الله ان لا يعذب هذا الوجه بالنار قال وبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال أما والله لو كان من بعض أهل العراق لقال اغربي قبحك الله ولكنه ظرف عباد أهل الحجاز قال عبد الله بن طاهر
( وجه يدل الناظرين % عليه في الليل البهيم )
( فكأنه روح الحياة % تهب من مسك نسيم )
( في خده ورد الحياء % يعل بالماء النعيم )
( سقم الصحيح المستقل % وصحة الرجل السقيم )
نظر رجلان إلى جارية حسناء في بعض طرق مكة فمالا إليها واستسقياها فسقتهما فجعلا يشربانه ولا يسيغانه فعرفت ما بهما فجعلت تقول
( هما استسقيا ماء على غير ظمأة % ليستمتعا باللحظ ممن سقاهما )
فعجبا من ذلك فدفعا الإناء إليها فمرت وهي تقول
( وكنت متى أرسلت طرفك رائدا % لقلبك يوما اتعبتك المناظر )
( رأيت الذي لا كله أنت قادر % عليه ولا عن بعضه أنت صابر )
دخل الشعبي على عبد الملك بن مروان فقال يا شعبي بلغني أنه اختصم إليك رجل وامرأة فقضيت للمرأة على زوجها فقال فيك شعرا فأخبرني بقصتهما وأنشدني الشعر إن كنت سمعته فقال يا أمير المؤمنين لا تسألني
____________________
(3/124)
عن ذلك فقال عزمت عليك لتخبرني قال نعم اختصمت إلي امرأة وبعلها فقضيت للمرأة إذ توجه القضاء لها فقام بعلها أو الرجل وهو يقول
( فتن الشعبي لما % رفع الطرف إليها )
( بفتاة حين قامت % رفعت من مأكميها )
( ومشت مشيا رويدا % ثم هزت منكبيها )
( فتنته بقوام % وبخطي حاجبيها )
( وبنان كالدراري % واسوداد مقلتيها )
( قال للجلواز قربها % وأحضر شاهديها )
( فقضى جورا علينا % ثم لم يقض عليها )
( كيف لو أبصر منها نحرها أو ساعديها لصبا حتى تراه % ساجدا بين يديها )
( بنت عيسى بن جراد % ظلم الخصم لديها )
فقال عبد الملك فما صنعت يا شعبي قال أوجعت ظهره حين جورني في شعره قال ابن عبد البر هكذا رواه سفيان بن عيينة عن سالم بن ابي حفصة عن الشعبي وهو أصح إسناد لهذا الخبر قال إسحاق بن ابراهيم
( إني امرؤ مولع بالحسن أتبعه % لا حظ لي فيه إلا لذة النظر )
كان يقال أربعة تزيد في النظر أو في البصر النظر إلى الوجه الحسن وإلى الخضرة وإلى الماء والنظر في المصحف
دخل الشعبي سوق الرقيق فقيل له هل من حاجة فقال حاجتي صورة حسنة يتنعم بها طرفي ويلتذ بها قلبي وتعينني على عبادة ربي
قال الحسن البصري ينبغي للوجه الحسن أن لا يشين وجهه بقبح فعله وينبغي لقبيح الوجه أن لا يجمع بين قبيحين قال الشاعر
( إن حسن الوجه يحتاج % إلى حسن الفعال )
____________________
(3/125)
( حاجة الصادي من الماء % إلى العذب الزلال )
بعث عبد الملك بن مروان إلى اليمن عسكرا فأقاموا سنين فقالت امرأة يزيد ابن سنان
( تطاول هذا الليل فالعين تدمع % وأرقني حزن بقلبي موجع )
( فبت أقاسي الليل أرعى نجومه % وبات فؤادي هائما يتفزع )
( إذا غاب منها كوكب في مغيبة % لمحت بعيني آخرا حين يطلع )
( إذا ما تذكرت الذي كان بيننا % وجدت فؤادي للهوى يتقطع )
( وكل حبيب ذاكر لحبيبه % يرجي لقاه كل يوم ويطمع )
( فذا العرش فرج ما ترى من صبابتي % فأنت الذي ترعى أموري وتسمع )
( دعوتك في السراء والضر دعوة % على علة بين الشراسيف تلذع )
فسأل عبد الملك كم تصبر المرأة عن زوجها قالوا ستة أشهر فأمر أن لا يمكث العسكر بعد أكثر من ستة أشهر قال الشراسيف مقاطع الأضلاع وهي أطرافها التي تشرف على البطن ويقال الشرسوف غضروف معلق بكل ضلع مثل غضروف الكتف فصل في كمال الشريعة يستلزم كمال مقيمها حتى في العلوم الطبية
قد سبق جملة كثيرة من الطب من نظر فيها وتأملها وأنصف ظهر له أن نسبة طب غير اتباع الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم بالنسبة إلى طب اتباع الانبياء اقل من نسبة طب العجائز بالنسبة إلى طبهم هذا وإنما ذلك من بعض الفقراء المستضعفين فكيف لو ظهر ذلك وصدر عن الأئمة الكبار
وظهر من ذلك أن هذه الشريعة كاملة كما قال تعالى ( ^ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة 3
وأنها تضمنت جميع الطب المحتاج إليه نصا أو ظاهرا أو إيماء أو قياسا
____________________
(3/126)
وكيف لا يكون الأمر كذلك وهي شريعة سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه الذي أرسله الله سبحانه رحمة للعالمين وبعثه إلى الناس عامة الإنس والجن بمصالح الدنيا والآخرة فاشتملت شريعته الطاهرة على مصالح الأبدان كما اشتملت على مصالح القلوب وفيها من الطب المحتاج إليه ما لا يعلمه إلا الأنبياء وأتباعهم كما سبق ذكره وهذا مما لا شك فيه ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو معاند وقد قال تعالى ( ^ كنتم خير أمة اخرجت للناس ) آل عمران 110
وروى الترمذي عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أنه قال إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل (1)
إسناد جيد وبهز حديثه حسن قال الترمذي وقد روى غير واحد هذا الحديث عن بهز نحو هذا ولم يذكروا فيه يعني الآية وكذا رواه ابن ماجه وكذا رواه احمد وقال توفون
فهم خير الامم كما أن رسولهم افضل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ولهذا تغلب الطبيعة الدموية عليهم وكل وصف مطلوب شرعا وعرفا من العقل والفهم والعلم والحلم والكرم والشجاعة وغير ذلك
وتغلب على النصارى الطبيعة البلغمية والبلادة وقلة الفهم وكثرة الجهل ويغلب على اليهود الطبيعة الصفراوية والهم والغم والحزن والحسد والمكر والصغار فالحمد لله على الاسلام والسنة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحيينا عليهما وأن يتوفانا عليهما بفضله ورحمته والحمد لله رب العالمين آمين
____________________
1- أخرجه الترمذي وابن ماجه وإسناده حسن
(3/127)
فصل في النهي عن الوسم ولا سيما الوجه
لا يسم الوجه ولا بأس به في غيره وقال جابر رضي الله عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه وعن وسم الوجه وفي لفظ مر عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال لعن الله الذي وسمه (1)
وعن ابن عباس قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا موسوما في الوجه فأنكر ذلك فقال فوالله لا أسمه إلا في أقصى شيء من الوجه وأمر بحماره فكوي على جاعرتيه فهو أول من كوى الجاعرتين روى ذلك مسلم + صحيح مسلم وانظم تمام تخريجه في صحيح ابن حبان +
ولأحمد وأبي داود من حديث جابر أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها وضربها في وجهها + أخرجه أبو داود وانظر تما تخريجه في صحيح ابن حبان +
فنهى عن ذلك وللبخاري من حديث أبي هريرة ونهى عن الوسم
قال الجوهري الجاعرتان موضع الرقمتين من است الحمار وهو مضرب الفرس بذنبه على فخذيه قال الاصمعي هما حرفا الوركين المشرفان على الفخذين
وصرح في المستوعب في موضع أن السمة في الوجه مكروهة وظاهر كلامه في الرعاية أن السمة في الوجه لا تجوز وهو أولى
وسئل أحمد عن الغنم توسم قال توسم ولا يعمل في اللحم يعني يجز الصوف نقله ابن هانئ وظاهره التحريم
وقال النواوي الضرب في الوجه منهي عنه في كل حيوان لكنه في الآدمي أشد قال والوسم في الوجه منهي عنه إجماعا فأما الآدمي فوسمه حرام
____________________
1- اخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان
(3/128)
وأما غير الآدمي فكرهه جماعة من أصحابنا وقال البغوي لا يجوز وهو الأظهر
وقال في موضع وغير الآدمي فوسمه في وجهه منهي عنه وأما غير الوجه فمستحب في نعم الزكاة والجزية لأنه عليه السلام وسمها في آذانها وهو يدل على أن الأذن ليست من الوجه لنهيه عن وسم الوجه قاله الخطابي ويجوز في غيرهما وعند أبي حنيفة لا يستحب بل يكره والوسم بسين مهملة قال عياض وبعضهم يقول بمهملة وبمعجمة وبعضهم قال بمهملة في الوجه وبمعجمة في سائر الجسد فصل في إخصاء البهائم والناس
ويباح خصي الغنم لما فيه من إصلاح لحمها وقيل يكره كالخيل وغيرها والشدخ أهون من الجب وقد قال الإمام احمد لا يعجبن للرجل أن يخصي شيئا وإنما كره ذلك للنهي الوارد عن إيلام الحيوان
وروى احمد وغيره من حديث عبد الله بن نافع وهو ضعيف عن أبيه عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخصاء الخيل والبهائم (1)
قال ابن عمر فيها نماء الخلق
قال ابن حزم واتفقوا على أن خصاء الناس من أهل الحرب والعبيد وغيرهم في غير القصاص والتمثيل بهم حرام
وقال ابن عقيل ولا يجوز إخصاء البهائم ولا كيها بالنار للوسم وتجوز للمداواة حسب ما أجزنا في حق الناس في إحدى الروايتين وقال في موضع آخر إن فعل ذلك وخزمها في الأنف لقصد المثلة أثم وإن كان ذلك لغرض صحيح جاز قال وأما فعل ذلك في الآدميين فيحصل به الفسق
وذكر الشيخ تقي الدين كلام ابن عقيل الأول وقال فعلى قوله لا يجوز
____________________
1- إسناده ضعيف وهو في مسند أحمد
(3/129)
وسمها بحال وهو ضعيف وقال ابن عقيل في مناظرته لا يملك إيقاع الإضرار بمثلة ولا جراحة ولا كي ولا وسم
وقال القاضي في الأحكام السلطانية في والي الحسبة ويمنع من إخصاء الآدميين والبهائم ويؤدب عليه قال وقد قال أحمد في رواية حرب وقد سئل عن خصاء الدواب والغنم للسمن وغير ذلك فكرهه إلا أن يخاف غضاضة وكذا قال في رواية البرتي القاضي وقد سئل عن خصاء الخيل والدواب فكرهه إلا من عضاض وعند الشافعي يحرم خصاء الآدمي وغيره من الحيوان الذي لا يؤكل وكذا ما يؤكل في كبره لا في صغره
وفي المستوعب في آخر كتاب الجهاد ولا يجوز إخصاء شيء من البهائم ويجوز وسمها في غير الوجه إذا لم يأخذ في اللحم
وأما قطع قرن الحيوان أو اذنه فيحتمل أنه كالخصاء على التفصيل والخلاف وسوى صاحب النظم بينهما ويحتمل المنع لما فيه من الالم أو تشويه الخلق من غير حاجة ويأتي في الفصل بعده حكم إنزاء حمار على فرس فصل في جز أعراف الدواب وأذنابها ونواصيها
يكره جز معرفة الدابة ونحوها ذكره ابن عقيل والسامري وابن حمدان وهل يكره جز ذنبها على روايتين نقل منها الكراهة ذكر صاحب النظم أنها أشهر ونقل أبو الحارث والفضل نفي الكراهة جزم به في الفصول قال في رواية إبراهيم بن الحارث إنما رخص في جز الاذناب وأما الاعراف فلا وعنه رواية ثالثة يعمل بالمصلحة وهي متجهة وسأله أبو داود عن حذف الخيل فقال إن كان أبهى وأجود له قلت إنه ينفعه في الشتاء وهو أجود لركضه فكأنه سهل فيه وقال أيضا مع ذلك ولكن لم يزل الناس يكرهون حذف الخيل
وعن عتبة بن عبد السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جز أعراف الخيل ونتف أذنابها وجز نواصيها وقال أما أذنابها فإنها مذابها وأما أعرافها
____________________
(3/130)
فإنها أدفاؤها وأما نواصيها فإن الخير معقود فيها (1)
رواه الامام احمد حدثني عبد الله بن الحارث حدثني ثور بن يزيد عن نصر الكناني عن رجل من بني سليم عن عتبة فذكره
حدثنا علي بن بحر حدثنا بقية بن الوليد قال حدثني نصر بن علقمة قال حدثني رجال من بني سليم عن عتبة بن عبد السلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقصوا نواصي الخيل فإن فيها البركة ولا تجزوا أعرافها فإنها ادفاؤها ولا تقصوا أذنابها فإنها مذابها رجال من بني سليم جماعة يبعد ان لا يكون فيهم من يوثق بقوله لا سيما والمتقدمون حالهم حسن وباقي الإسناد جيد
ورواه أبو داود من طريقين عن ثور في إحداهما عن رجل وفي الأخرى عن شيخ من بني سليم وترجم عليه باب كراهية جز نواصي الخيل وأذنابها
قال ابن عبد البر كان يقال لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلوها ولا تجزوا أعرافها فإنها أدفاؤها ولا تجزوا أذنابها فإنها مذابها وقد روي هذا مرفوعا
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليكم بإناث الخيل فإن بطونها كنز وظهورها حرز وقد روي هذا مرفوعا أيضا
قال ابن عباس رضي الله عنهما
( احبوا الخيل واصطبروا عليها % فإن العز فيها والجمالا )
( إذا ما الخيل ضيعها رجال % ربطناها فشاركت العيالا )
( نقاسمها المعيشة كل يوم % ونكسوها البراقع والجلالا )
وللحسن بن بشار
( يا فارسا يحذر الفرسان صولته % أما علمت بأن النفس تفترس )
____________________
1- إسناده ضعيف وأخرجه احمد وابو داود لكن يشهد لقطعة وأما نواصيها فإن الخير معقود فيها حديث عروة بن أبي الجعد
(3/131)
( يا راكب الفرس السامي يغزته % ولابس السيف يحكي لونه القبس )
( لا أنت تبقى على سيف ولا فرس % وليس يبقي عليك السيف والفرس )
وأول هذا الشعر
( إن الحبيب من الأحباب يختلس % لا يمنع الموت حجاب ولا حرس )
أنتهى ما ذكره ابن عبد البر في هذا الباب
وفي الخيل أخبار منها عن عروة بن أبي الجعد مرفوعا الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة (1)
وعن أبي هريرة مرفوعا الخيل لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو انها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها له حسنات ولو مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي كان ذلك حسنات له فهي لذلك أجر ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله تعالى في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
رواهما البخاري ومسلم
وعن رجل من الانصار مرفوعا الخيل ثلاثة فرس يربطه الرجل في سبيل الله فثمنه أجر وركوبه أجر وعاريته أجر وعلفه أجر وفرس يغالق عليه ويراهن فثمنه وزر وعلفه وزر وركوبه وزر وفرس للبطنة فعسى أن يكون سدادا من الفقر إن شاء الله تعالى إسناده ثقات رواه أحمد + إسناده صحيح واخرجه احمد +
وروى ايضا عن ابن مسعود مرفوعا الخيل ثلاثة ففرس للرحمن وفرس
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(3/132)
للإنسان وفرس للشيطان فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله وذكر ما شاء الله وأما فرس الشيطان فالذي يقامر به أو يراهن عليه وأما فرس الانسان فالذي يربطه الانسان يلتمس بطنها فهي تستر من فقر (1)
يغالق عليه أي يراهن
وعن ابي قتادة مرفوعا خير الخيل الأدهم الاقرح الارثم المحجل طلق اليمين فإن لم يكن ادهم فكميت على هذا الشبه + إسناده حسن واخرجه احمد والترمذي وابن حبان +
حديث صحيح رواه احمد وابن ماجه والترمذي وصححه
وعن ابن عباس مرفوعا يمن الخيل في شقرها + إسناده حسن وأخرجه احمد وأبو داود والترمذي +
إسناده جيد رواه الامام احمد وابو داود والترمذي وقال حسن غريب
عن أبي وهب الجشمي مرفوعا عليكم بكل كميت أغر محجل أو أشقر أغر محجل أو أدهم أغر محجل + إسناده ضعيف وأخرجه احمد وأبو داود ويشهد الحديث الذي قبله لبعضه +
رواه احمد وأبو داود والنسائي من رواية محمد بن مهاجر عن عقيل بن شبيب عن ابي وهب وعقيل تفرد عنه محمد فلهذا قيل لا يعرف وقد وثقه ابن حبان
وعن ابي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل + إسناده صحيح وأخرجه مسلم وابو داود وابن حبان +
والشكال ان يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى أو يده اليمنى وفي رجله اليسرى رواه مسلم وأبو داود
____________________
1-
(3/133)
فأما إنزاء الحمر على الخيل فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا مأمورا ما اختصنا بشيء دون الناس إلا بثلاث أمرنا أن نسبغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي حمارا على فرس (1)
حديث صحيح رواه احمد والنسائي والترمذي وصححه ابن خزيمة في صحيحه عند احمد وان خزيمة وأشك في غيرهما قال موسى بن سالم يعني راوي الحديث فلقيت عبد الله بن حسن يعني حسن بن حسن بن علي بن ابي طالب فقلت إن عبد الله بن عبد الله يعني ابن عباس حدثني بكذا وكذا فقال إن الخيل كانت في بني هاشم قليلة فأحب أن تكثر فيهم
وعن علي رضي الله عنه قال أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة فقلنا يا رسول الله لو انزينا الحمر على خيلنا فجاءتنا بمثل هذه فقال إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون + الحديث صحيح وأخرجه احمد وابو داود والنسائي +
إسناد ثقات رواه احمد وابو داود والنسائي قال ابو داود باب في كراهية الحمر تنزى على الخيل حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن ابي حبيب عن ابي الخير عن عبد الله بن زريق عن علي فذكره
وعن علي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي أسبغ الوضوء وإن شق عليك ولا تأكل الصدقة ولا تنز الحمر على الخيل ولا تجالس أصحاب النجوم + أخرجه في المسند وهو حسن بشواهده +
رواه عبد الله بن احمد في المسند
وعن دحية الكلبي قال قلت يا رسول الله الا أحمل لك حمارا على فرس فتنتج لك بغلا فتركبها قال إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون + اخرجه في المسند قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عمر بن حسيل بن سعد بن حذيفة روى عن الشعبي حديثا مرسلا أن دحية الكلبي قال يا رسول الله ألا ننري فذكره ونحوا من هذا قال البخاري في تاريخه وانظر تعجيل المنفعة +
رواه احمد
____________________
1- إسناده صحيح وأخرجه أحمد والنسائي والترمذي وابن خزيمة
(3/134)
حدثنا محمد بن عبيد حدثنا عمر من آل حذيفة عن الشعبي عنه عمر قيل هو ابن حسيل وقيل ابن ابي حسيل بن سعد بن حذيفة بن اليمان ذكره البخاري في تاريخه وروى عنه جماعة ولم أجد فيه كلاما وحديثه حسن إن شاء الله
وروى النسائي (1)
عن أحمد بن حفص عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن أنس قال لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل إسناد جيد
واختلف العلماء في إنزاء الحمر على الخيل فذهب أبو داود وهو من أصحاب الإمام أحمد إلى الكراهة واحتج بالخبر في ذلك وهو ظاهر ما ذكره صاحب المحرر من أصحابنا في احكامه المنتقى ولأصحابنا خلاف فيما رواه الامام احمد ولم يخالفه هل يكون مذهبا له وقد روى هذه الاخبار ولم اجد عنه نصا بخلافها وقد حكى هذا عن طائفة من العلماء والدليل على ذلك الاخبار المذكورة
فإن قيل النهي خاص لبني هاشم لقلة الخيل بدليل ما سبق من حديث ابن عباس وقول عبد الله بن حسن وقيل قوله عليه السلام إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون فدل على انه لا فرق في هذا بين بني هاشم وغيرهم وذلك لأن الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة وي رباطها واقتنائها كما سبق الثواب الجزيل والفضل العظيم
ويحصل بها من النفع في جهاد أعداء الله سبحانه الذي هو أفضل الأعمال أو من افضلها من الكر والفر وإدراك العدو والنجاة عليها منه ويسهم لها في
____________________
1- في السنن وإسناده جيد كما قال المؤلف
(3/135)
الجهاد ولحمها مأكول عند جمهور العلماء للأخبار الصحيحة في ذلك ومن المعلوم أن العدول عن مثل هذه المنافع والفضائل مع عدم النسل والنماء إنما يفعله من لا يعلم كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما من يعلم هذه الفضائل والمنافع وما هو الراجح في نظر الشارع فلا يعدل عن ذلك بلا شك ولهذا لما كان مستقرا عند عامة العلماء والعقلاء لم يعدلوا عنه غالبا كما هو معلوم عادة وعرفا ترجيحا منهم للفضائل الشرعية والمنافع العرفية
وأما قول ابن عباس المذكور ففيه إسباغ الوضوء ومعلوم أن المسلمين فيه سواء ومهما كان الجواب عنه كان هو الجواب عن إنزاء الحمر على الخيل
والظاهر أن المراد أن الشارع عليه الصلاة والسلام خاطبهم بذلك شفاها اتفاقا أو لسبب اقتضى ذلك بحسب الحال أو انهم أولى بذلك من غيرهم لشرفهم وقربهم منه صلى الله عليه وسلم إطلاق من أطلق اختصاصهم بذلك وإن كانوا وغيرهم في الحكم سواء ولهذا قال علي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه لا تجالس أصحاب النجوم ومعلوم أن النهي عن مجالستهم عام له ولغيره
وأما قول عبد الله بن حسن فهو اجتهاد منه لأنه لم يشاهد الحال ولم يدرك ذلك الزمان فظاهر الأخبار خلافه وهي قوله عليه السلام إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون فهذا يقتضي عموم النهي بلا شك فكيف يخالف كلام الشارع ويتبع رأي عبد الله بن حسن ومعلوم أن بني هاشم لم يكونوا أقل خيلا من جميع الصحابة رضي الله عنهم بل كان فيهم مثلهم في ذلك ودونهم على أن عبد الله ليس في كلامه اختصاص الحكم ببني هاشم بل اراد بيان وجه إطلاق الاختصاص وأنه لهذا السبب وإن كان غيرهم مثلهم في ذلك وإلا فلا وجه لاختصاصهم بهذا الحكم أصلا لأن الشارع اراد تكثير الخيل في بني هاشم لقلتها فإن كان غيرهم مثلهم في قلتها كانوا مثلهم في هذا الحكم وإن كانوا أقل منهم كانوا أولى بهذا الحكم أو مثلهم ولهذا لا يعرف عن احد من
____________________
(3/136)
العلماء رضي الله عنهم انه قال يختص هذا الحكم ببني هاشم
ومن تأمل هذا وأمثاله علم أنه لا وجه للتعلق بهذا في صرف دلالة هذه الاخبار والعدول عنها فعلى هذا ظاهر ما سبق عن إمامنا واصحابنا رحمهم الله اختصاص الكراهة بإنزاء الحمر على الخيل كما هو ظاهر الاخبار ولا يقال عدوا الحكم نظرا إلى عدم النسل والنماء لأنا نقول قد سبقت أوصاف يجوز أن يكون الشارع قد رتب الحكم على مجموعها والحكم المرتب على اوصاف لا تثبت إلا بمجموعها فلا تصح التعدية وقد يتوجه احتمال نظرا الى عدم النماء فإنه المقصود او معظمه ولان الحيوانات المتولدة من جنسين اخبث طبعا من أصولها المتولدة منها كما هو المعروف من البغال وغيرها فيحصل بذلك من ملابسته واقتنائه تعب ومشقة لا تحصل بالجنس الواحد وهذا معنى مناسب لعدم فعله ويصلحه ذكره في اصل المسألة وعلى هذا تكون الاخبار خرجت بحسب الواقع أو جوابا لسؤال ويكون المراد صيانة الخيل عن مزاوجة الحمر وحفظ مائها لما فيها من الفضائل والمنافع
وذهبت الحنفية رحمهم الله إلى أنه لا باس بإنزاء الحمر على الخيل والخيل على الحمر واختاره الخطابي رحمه الله بعد أن ذكر الكراهة وقال عن إنزاء الخيل على الحمر يحتمل أن لا يكون داخلا في النهي إلا أن يتأول متأول أن المراد بالحديث صيانة الخيل واحتج من قال بعدم الكراهة مطلقا بقوله تعالى ( ^ والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) النحل 8
ذكر سبحانه ذلك في معرض الامتنان فدل على إباحة أسباب اتخاذ هذه الاشياء وإلا كانت مكروهة لا يمتن بها ومن المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ركب بغلة واقتناها فدل على إباحة السبب وإلا لم يفعل ذلك لأنه يتأسى به في فعله فيكون ذلك سببا لفتح هذا الباب والترغيب فيه والعكس بالعكس ولأنه استيلاد حيوان لهم منتفع به شرعا فلم يكره كالجنس الواحد
ولمن اختار الأول ان يجيب عن ذلك أما الآية فلا نسلم أنه يلزم من
____________________
(3/137)
الامتنان هنا إباحة السبب ومن ادعاه فعليه الدليل والأصل عدمه فإن أدعى دليلا تكلمنا عليه
ثم نقول قد يكون هذا السبب محرما والامتنان حاصل بأنه سبحانه لطف بنا ورحمنا إذ لم يحرم علينا هذا الحيوان كما أن بعض افراد الجنس الواحد قد يكون محرما إجماعا بغصب أو غيره وهو داخل في جملة ما امتن به علينا بلا شك فإذا كان هذا في السبب المحرم فكيف بهذا السبب المكروه المأذون فيه في الجملة ثم لو سلم هذا في السبب المحرم هنا فلا نسلمه في المكروه ويحسن الامتنان معه لأن الشارع أذن فيه في الجملة فلم يفعل المكلف إلا ما وسع الشارع عليه فيه ثم لو سلم ذلك فالمراد بالآية الكريمة غير ما دلت عليه السنة المطهرة جمعا بين كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه أولى من التعارض والإلغاء وهذا إن كان المراد بالاية أنه سبحانه امتن على عبادة بكل فرد فرد وإن كان المراد الجنس فلا يلزم كل فرد فرد كقولهم الرجل خير من المرأة فيصح إن أريد الجنس لا على تقدير إرادة عموم الجنس فكل رجل ليس هو خيرا من كل امرأة
وأما ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة فأضعف في الدلالة لعدم الامتنان فيه وليس فيه تعرض للسبب بوجه وقد يكون فعل ذلك لحاجته إليها ولم يتيسر له غيرها وقد يكون فعله بيانا وتعليما لمن قد يخفى عليه حكم هذا الحيوان لأن هذا الحيوان ليس وقوع مثله كثيرا عندهم ليكون حكمه مشهورا لا يخفى وقد يكون فعله بيانا لجواز قبول هدايا المشركين والانتفاع بأموالهم ودوام ذلك ليشتهر فيبلغهم يتألفهم بذلك رجاء خيرهم وكفا لشرهم وقد فعل ذلك ليتبين به غاية الشجاعة إذا حضر به الجهاد لأن هذا الحيوان لا يكر ولا يفر إن طلب لم يدرك وإن طلب أدرك كما جرى له صلى الله عليه وسلم يوم هوازن وهو على بغلته وقد انكشف عنه أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب (1)
وهذا غاية الشجاعة
____________________
1- أخرجه البخاري وابن حبان
(3/138)
ومع هذه الاحتمالات وغيرها فكيف يحتج بهذا الفعل لا سيما مع ما سبق عنه من البيان الخاص في هذا الفعل الخاص والجمع من التعارض والإلغاء واما القياس فالكلام عليه وعلى فساده واضح والله أعلم فصل في كراهة تعليق الاجراس والأوتار على الدواب والبهائم وما تبعد عنه الملائكة
ويكره تعليق جرس أو وتر على البهائم والدواب والبهائم والجمال والخيل والبغال ونحوها للخبر وهو
عن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس (1)
وعنه أيضا مرفوعا الجرس من مزامير الشيطان + أخرجه مسلم وابن حبان +
رواهما مسلم
قال القاضي ويكره للمسافر اتخاذ الاجراس في الركب ويكره ترك الاوتار في اعناق الخيل والركاب وقال ابن عقيل يكره اتخاذ الاجراس في الركب ويكره ترك الاوتار في اعناق الخيل والركاب
وروى احمد والبخاري ومسلم وأبو داود من حديث قيس بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رسولا لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت + أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وقال ابن الاثير في قوله عليه السلام قلدوا الخيل ولا تقلدوها الاوتار أي قلدوها طلب اعداء الدين والدفاع عن المسلمين ولا تقلدوها طلب اوتار الجاهلية وذحولها التي كانت بينكم والاوتار جمع وتر بالكسر وهو الدم وطلب الثأر يريد اجعلوا ذلك لازما لها في أعناقها لزوم القلائد للأعناق
____________________
1- أخرجه احمد ومسلم وابن حبان
(3/139)
وقيل أراد بالأوتار جمع وتر وتر القوس أي لا تجعلوا في أعناقها الأوتار فتختنق لأن الخيل ربما رعت الأشجار فنشبت الأوتار ببعض شعبها فخنقتها
وقيل إنما نهاهم عنهما لأنهم يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار يدفع عنها العين والاذى فيكون كالعوذة لها فنهاهم وأعلمهم أنها لا تدفع ضررا انتهى كلامه
وذكر الخطابي الأول قولا والثاني احتمالا وقال امره عليه السلام بقطع قلائد الخيل قال مالك ارى ان ذلك من أجل العين قال وقال غيره إنما امر بقطعها لأنهم كانوا يعلقون في القلائد الأجراس
قال الإمام أحمد في المسند حدثنا هشام بن سعيد حدثنا محمد بن مهاجر حدثني عقيل بن شبيب عن ابي وهب الجشمي وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه وارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأعجازها أو قال وأكفالها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار (1)
ورواه ابو داود عن هارون بن عبد الله عن هشام بن سعيد وعقيل وثقة ابن حبان ولم يرو عنه غير محمد قال بعضهم لا يعرف وباقي الإسناد جيد
وقال الإمام احمد حدثنا الحسن بن موسى الأشيب حدثنا ابن لهيعة حدثنا ابن عياش عن شييم بن بيتان حدثنا رويفع بن ثابت قال كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ياخذ جمل أخيه على أن يعطيه النصف مما يغنم وله النصف حتى إن أحدنا ليطير له النصال والريش والآخر القدح ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رويفع لعل الحياة ستطول بك فأخبر الناس أنه من عقد لحيته أو تقلد وترا واستنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا بريء منه + صحيح +
____________________
1- إسناده ضعيف أخرجه احمد وابو داود ويشهد للنهي عن تقليد الأوتار الاحاديث السالفة
(3/140)
ورواه ابو داود حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثنا المفضل يعني ابن فضالة المصري عن عياش بن عباس القتباني ان شييم بن بيتان أخبره عن شيبان القتباني أن سلمة بن مخلد استعمل رويفع بن ثابت على اسفل الأرض قال شيبان فسرنا معه وذكر الحديث
حدثنا يزيد بن خالد حدثنا مفضل عن عياش ان شييم بن بيتان اخبره بهذا الحديث عن أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمرو (1)
وروى النسائي عن محمد بن سلمة عن وهب عن حيوة بن شريح وذكر آخر قبله عن عياش بن عباس ان شيم بن بيتان حدثه انه سمع رويفع بن ثابت ببعض الحديث واوله يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي
ومتن هذا الحديث صحيح وهذه الأسانيد الثلاثة جيدة وفي ابن لهيعة كلام مشهور وليس بالعمدة هنا وقد رواه أحمد ولم يخالفه وهو يدل على تحريم تقليد الوتر لكن قد تقدم كلام ابن الاثير في المراد به
وقال ابن الاثير فيمن عقد لحيته قيل هو معالجتها حتى تنعقد وتتجعد وقيل كانوا يعقدونها في الحروب فأمرهم بإرسالها كانوا يفعلون ذلك تكبرا وعجبا والله أعلم
ولو اجتمع في الطريق اتفاقا بمن معه كلب أو جرس فلم يقصد رفقته فهل يكون سببا لعدم صحبة الملائكة أم لا أم إن أمكنه الانفراد فلم يفعل كان سببا وإلا فلا يتوجه احتمالات يشبه هذا ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم والإسناد حسن عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جنب + صحيح اخرجه احمد وابو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان +
فهل يحمل على كل صورة أم صورة منهي عنها وهل يحمل الكلب على كلب يحرم اقتناؤه كما لا ينقص
____________________
1- رواه ابو داود والنسائي وهو صحيح
(3/141)
أجره بغيره أم مطلقا وهل المراد بالجنب من يتركه عادة وتهاونا أم مطلقا يتوجه الخلاف والله اعلم وقد ذكر هذا الخبر في باب ستر العورة
وللنسائي عن سليمان بن بابيه عن ام سلمة مرفوعا لا تدخل الملائكة بيتا فيه جلجل ولا جرس ولا تصحب الملائكة رفقة بها جرس (1)
سليمان تفرد عنه ابن جريج ووثقه ابن حبان فدل على ان الملائكة لا تمنع من دخول بيت لم يرتكب صاحبه نهيا
قال الشيخ تقي الدين رضي الله عنه في المسائل الورعية إن النبي صلى الله عليه وسلم امر الجنب بالوضوء عند النوم وقد جاء في بعض الاحاديث أن ذلك كراهة أن تقبض روحه وهو نائم فلا تشهد الملائكة جنازته فإن في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب وهذا مناسب لنهيه عن اللبث في المسجد فإن المساجد بيوت الملائكة كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم والبصل عن دخول المسجد وقد قال إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو أدم + +
فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجنب بالوضوء عند النوم دل ذلك على ان الوضوء يرفع الجنابة الغليظة يبقى مرتبة بين المحدث وبين الجنب لم يرخص فيما ترخص فيه للمحدث من القراءة ولم يمنع مما يمنع منه الجنب من اللبث في المسجد فإنه إذا كان وضوؤه عند النوم يقتضي شهود الملائكة دل على أن الملائكة تدخل على المكان الذي هو فيه إذا توضأ قال وإذا كان الجنب يتوضأ عند النوم فتشهد الملائكة جنازته حينئذ علم أن النوم لا يبطل الطهارة الحاصلة بذلك وهو تخفيف الجنابة وحينئذ فيجوز أن ينام في المسجد حيث ينام غيره وإن كان النوم الكثير ينقض الوضوء فذلك الوضوء هو الذي يرفع الحدث الأصغر ووضوء الجنب هو ليخفف الجنابة وإلا فهذا الوضوء لا يبيح
____________________
1- في سننه وإسناده ضعيف ويشهد للقطعة الثانية منه حديث ابي هريرة عند مسلم
(3/142)
له ما يمنعه الحدث الأصغر من الصلاة والطواف ومس المصحف انتهى كلامه فصل في استعمال اليد اليمنى وما يكره من استعمال اليسرى
ويكره لكل أحد أن ينتثر وينقي أنفه ووسخه ودرنه ويخلع نعله ونحو ذلك بيمينه مع القدرة على ذلك بيساره مطلقا ويتناول الشيء من يد غيره باليمنى ذكره ابن عقيل من المستحبات وكذلك ذكره القاضي والشيخ عبد القادر وقال وإذا أراد أن يناول إنسانا توقيعا أو كتابا فليقصد يمينه
وعن أبي هريرة مرفوعا ليأكل أحدكم بيمينه وليشرب وليعط بيمينه وليأخذ بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله (1)
رواه ابن ماجه وأحمد وليس عنده وليأخذ بيمينه فصل
يجوز الإرداف على الدابة وركوب ثلاثة أردف النبي صلى الله عليه وسلم أسامة على حمار + أخرجه البخاري ومسلم +
وقال أيوب ذكر أشر الثلاثة عند عكرمة فقال قال ابن عباس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حمل قثم بين يديه والفضل خلفه أو قثم خلفه والفضل بين يديه فأيهم اشر وايهم أخير رواهما البخاري وغيره فصل
قال أحمد في رواية حنبل لا يبصق الرجل إلا عن يساره وقال في رواية أبي طالب ويبصق الرجل في الصلاة وغير الصلاة عن يساره وقال من فقه الرجل أن يبصق عن يساره وقال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله لأي شيء كره الركوب في المحمل في الشق الايمن قال لموضع البصاق
وقال في رواية مهنا يكره ان يبصق الرجل عن يمينه في الصلاة وغير الصلاة وقال أليس عن يمينه الملك فقلت وعن يساره ايضا ملك قال
____________________
1- حديث صحيح اخرجه احمد وابن ماجه
(3/143)
الذي عن يمينه يكتب الحسنات والذي عن يساره يكتب السيئات فصل
قال في الرعاية الكبرى لا يكره على الاصح الانتعال والشرب والبول قائما مع التحرز وحكى ابن ابي موسى الكراهة وقطع القاضي وابن عقيل بعدمها ويأتي بعد فصول في هيئة الجلوس للاكل مسالة الشرب قائما ويكره المشي في نعل واحدة للخبر الصحيح (1)
زاد في المحرر والفصول والغنية ما معناه إلا اليسير بمقدار ما يصلح الاخرى قال في المحرر وإن كان الاختيار أن يقف إلى الفراغ منها ويأتي ذلك وما يتعلق به في اللباس قبل ذكر الاخبار المتعلقة به
ويكره النوم بعد العصر للخبر أنه يختلس عقله + أخرج أبو يعلى وابن عدي في الكامل وابن الجوزي في الموضوعات من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه وهو ضعيف +
في إسناده ابن لهيعة مذكور في ترجمته ولم يعتد به الليث بن سعد قال المروذي سمعت أبا عبد الله يقول يكره للرجل أن ينام بعد العصر يخاف على عقله
ويكره الجلوس بين الظل والشمس + ومن المجرب ان من مكث مدة بعضه في الشمس وبعضه في الظل أصيب بالزكام +
قال ابن منصور لأبي عبد الله يكره الجلوس بين الظل والشمس قال هذا مكروه أليس قد نهي عن ذا قال إسحاق بن راهوية صح النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سعيد حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن ابي حازم قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي في الشمس فأمره أن يتحول إلى الظل + أخرجه ابن أبي شيبة واحمد وابو داود +
ورواه أبو بكر بن ابي شيبة بإسناده
ورواه ابو داود في باب الجلوس بين الظل والشمس عن مسدد عن يحيى عن
____________________
1- اخرج البخاري ومسلم من حديث ابي هريرة مرفوعا لا يمش احدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا او ليخلصهما جميعا
(3/144)
اسماعيل حدثني قيس عن ابيه أنه جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقام في الشمس فأمر به فحول إلى الظل إسناد جيد ورواه احمد عن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد
والظاهر أن معناه غير المعنى المقتضي لذكره في هذا الباب وهو خلل فهم الخطبة بتشويش الذهن بالشمس أو تضرره بالشمس بلا حاجة إليها أو غير ذلك
وروى أبو بكر بن أبي شيبة ايضا بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في الشمس فقال تحول إلى الظل فإنه مبارك (1)
وبإسناده عن عمر قال استقبلوا الشمس بجباهكم فإنها حمام العرب
وعن ابن بريدة عن ابيه ان النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يقعد بين الظل والشمس + في سننه وحسن البوصيري إسناده في الزوائد +
رواه ابن ماجه وغيره بإسناد جيد وفيه أبو المنيب العتكي وقد ضعف وكذا رواه ابن ماجه واحمد من حديث رحل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال مجلس الشيطان + اخرجه احمد واسناده صحيح +
ورواه أبو داود وغيره من حديث محمد بن المنكدر حدثني من سمع ابا هريرة يقول قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إذا كان احدكم في الشمس وفي لفظ في الفيء فقلص عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم + في سنن ابي داود وفي إسناده مجهول +
وفي هذه الاخبار اختيار الظل والفيء فلا يكثر الجلوس في الشمس ولا ينام فيها كما قيل يثير الداء الدفين ولا بينهما ويحمل المروي عن عمر على الحاجة لدفع برد أو غيره
____________________
1- في المصنف وفي سنده علقمة بن شهاب القشيري لم يرو عنه غير ابنه محفوظ فهو مجهول
(3/145)
قال جالينوس من أكثر من شرب الخمر او السهر او التعرض للشمس الحارة وقع في البرسام سريعا والبرسام ورم حار في الدماغ
ويكره ان يتكيء احد على يده اليسرى من وراء ظهره قال ابو داود حدثنا علي بن بحر حدثنا عيسى بن يونس حدثنا ان حريج عن ابراهيم بن ميسرة بن عمرو بن الشريد عن الشريد بن سويد قال مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي فقال لا تقعد قعدة المغضوب عليهم إسناد جيد رواه احمد (1)
ويأتي الجلوس متكئا ومحتبيا ومتربعا وغير ذلك في آداب المجالس قال ابن عقيل ويكره الجلوس في ظل المنارة وكنس البيت بالخرقة فصل في استحباب القيلولة والكلام في سائر نوم النهار
قال الخلال استحباب القائلة نصف النهار قال عبد الله كان أبي ينام نصف النهار شتاء كان أو صيفا لا يدعها ويأخذني بها ويقول قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيلوا فإن الشياطين لا تقيل وروى الخلال عن انس قال ثلاث من ضبطهن ضبط الصوم من قال وتسحر وأكل قبل أن يشرب
وروى ايضا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال نومه نصف النهار تزيد في العقل
وعن ابن عباس مرفوعا استعينوا بطعام السحر على صيام النهار والقيلولة على قيام الليل رواه ابن ماجه + سنن ابن ماجه وضعف البوصيري إسناده في الزوائد +
من رواية زمعة بن صالح وقد ضعفه الأكثر
____________________
1- سنن ابي داود واسناده صحيح
(3/146)
ورواه أبو يعلى الموصلي من حديثه ورواه في المختارة من حديثه
وظاهر ما ذكره الأصحاب في هذا الفصل والذي قبله أن نوم النهار لا يكره شرعا لعدم دليل الكراهة إلا بعد العصر وأنه تستحب القائلة والقائلة النوم في الظهيرة ذكره أهل اللغة وظاهرة شتاء وصيفا وإن كان الصيف أولى لها وهو ظاهر ما سبق وسبق المنقول عن أحمد فيه
وجزم بعض متأخري الأصحاب أظنه صاحب النظم بكراهة النوم بعد الفجر
وعن بعض التابعين أن الارض تعج من نوم العالم بعد صلاة الفجر ويروى أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام رأى معاوية حمل اللحم فقال يا معاوية ما هذا لعلك تنام نومه الضحى فقال يا أمير المؤمنين علمني مما علمك الله
ورأى عبد الله بن عباس ابنا له نائما نومة الضحى فقال له قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق وذلك لأنه وقت طلب الرزق والسعي فيه شرعا وعرفا عند العقلاء وقد قال عليه الصلاة والسلام اللهم بارك لأمتي في بكورها (1)
وقد قال الشاعر
( ألا إن نومات الضحى تورث الفتى % خبالا ونومات العصير جنون )
واقتصر بعض أصحابنا على ما ذكره بعض الاطباء أن نوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل ويفسد اللون ويورث الطحال ويرخي العصب ويكسل ويضعف الشهوة إلا في الصيف وقت الهاجرة وأردؤه النوم أول النهار وأردأ منه بعد العصر
____________________
1- حديث حسن بطرقه وشواهده انظر بن حبان
(3/147)
فنوم الصبحة مضر جدا بالبدن لأنه يرخيه ويفسد العضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة فتحدث تكسرا وعناء وضعفا وإن كان قبل البراز والرياضة وإشغال المعدة بشيء فهو الداء العضال المولد لانواع من الادواء
وروى أن المسيح عليه السلام قال خلتان أكرههما النوم من غير سهر والضحك من غير عجب والثالثة وهي العظمى إعجاب الرجل بعلمه نعوذ بالله من ذلك
وقال داود لابنه سليمان عليهما السلام إياك وكثرة النوم فإنه يفقرك إذا احتاج الناس إلى اعمالهم
وقال لقمان لابنه يا بني إياك وكثرة النوم والكسل والضجر فإنك إذا كسلت لم تؤد حقا وإذا ضجرت لم تصبر على حق
وقال علي رضي الله عنه من الجهل النوم في اول النهار والضحك من غير عجب والقائلة تزيد في العقل
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص النوم على ثلاثة أوجه نوم خرق ونوم خلق ونوم حمق فأما النوم الخرق فنومة الضحى يقضي الناس حوائجهم وهو نائم وأما النوم الخلق فنوم القائلة نصف النهار وأما نوم الحمق فنوم حين تحضر الصلاة
وقال عبد الله بن شبرمة نوم نصف النهار يعدل شربة دواء يعني في الصيف قال بعض الحكماء النعاس يذهب العقل والنوم يزيد فيه
( قالوا تنام فقلت الشوق يمنعني % من أن أنام وعيني حشوها السهد )
( أبكي الذين أذاقوني مودتهم % حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا )
( هم دعوني فلما قمت مقتضيا % للحب نحوهم من قربهم بعدوا )
( لأجرجن من الدنيا وحبهم % بين الجوانح لم يعلم به احد )
____________________
(3/148)
وقال الفرزدق
( يقولون طال الليل والليل لم يطل % ولكن من يبكي من الشوق يسهر )
وقال آخر
( أبيت أراعي النجم حتى كأنني % بناصيتي حبل إلى النجم موثق )
( وما طال ليلي غير أني أحبها % أعلل نفسي بالأماني فتقلق )
ذكر هذه الآثار ابن عبد البر وغيره
فأما النوم عند سماع الخير فهو كما ذكره ابن عبد البر وغيره عن عبد الله بن مسعود قال النوم عند الموعظة من الشيطان كان يقال لإبليس لعنه الله لعوق وكحل وسعوط فلعوقه الكذب وكحله النعاس عند سماع الخير وسعوطه الغضب وسبق في الفصل قبله حكم النوم في الشمس فصل في التكني ما يستحب منه وما يكره
يكره أن يكتنى بأبى يحيى وأبى عيسى ذكره في المستوعب والرعاية وذكره القاضي وابن عقيل ولم يذكر له دليلا وقال أحمد في رواية ابن منصور عمن كره أن يكنى بأبى عيسى قال الشيخ تقي الدين فإنما كره أبا عيسى دون أبي يحيى والفرق ظاهر انتهى كلامه
وروى أبو داود حدثنا هارون بن زيد بن ابي الزرقاء حدثنا ابي حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن اسلم عن ابيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب ابنا له تكنى ابا عيسى وأن المغيرة تكنى بأبي عيسى فقال له عمر أما يكفيك أن تكنى بابي عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا في جلجتنا فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك (1)
كلهم ثقات ورواه البيهقي من طريق
____________________
1- إسناده حسن اخرجه أبو داود والبيهقي وانظر عبد الرزاق
(3/149)
أبي داود
وقد روى ابن ماجه حدثنا ابو بكر حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن صهيب أن عمر قال لصهيب مالك تكنى بأبى يحيى وليس لك ولد قال كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي يحيى إسناده جيد حسن (1)
وعن ابي القاسم روايات الكراهة وعدمها
والثالثة إن أكتنى بها من اسمه محمد كره وإلا فلا ذكرهن القاضي وغيره
عن جابر مرفوعا تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم بعثت أقسم بينكم + اخرجه البخاري ومسلم +
وعن انس قال نادى رجل بالبقيع يا أبا القاسم فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لم أعنك إنما عنيت فلانا فقال سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي متفق عليهما + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وعن علي قلت يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد اسميه باسمك واكنيه بكنيتك قال نعم + إسناده صحيح اخرجه احمد وابو داود والبيهقي +
رواه أبو داود والبيهقي بإسناد جيد وفيه فطر بن خليفة
وروى البيهقي عن ابن الحنفية قال كانت رخصة لعلي + في سننه وأحمد بإثر الحديث +
رواهما احمد وروى ابو داود حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن عمران الحجبي عن جدته صفية بنت شيبة عن عائشة قالت جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني ولدت غلاما فسميته محمدا وكنيته أبا القاسم فذكر لي أنك تكره
____________________
1- أخرجه ابن ماجه واحمد وهو حديث حسن
(3/150)
ذلك فقال ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي أو ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي رواه أحمد ورواه البيهقي (1)
من طريق ابي داود
وروى البيهقي ايضا بإسناد جيد من حديث هشام حدثنا ابو الزبير عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من تسمى باسمي فلا يكتنى بكنيتي ومن تكنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي ورواه ابو داود + إسناده صحيح وأخرجه أبو داود والترمذي والبيهقي وابن حبان +
عن مسلم عن هشام ورواه الترمذي من طريق آخر عن ابي الزبير وقال حسن غريب ورواه احمد
قال البيهقي وروي ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة واختلف عليه + أخرجه ابن حبان وإسناده حسن وانظر قول البيهقي +
وذكر البيهقي ان مالكا كان يقول إنما نهي عن ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كراهية أن يدعى أحد باسمه أو كنيته فيلتفت النبي صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فلا بأس بذلك
وروى البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ سمعت ابا العباس احمد بن يعقوب سمعت الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول لا يحل لأحد أن يكتنى بأبي القاسم كان اسمه محمدا أو غيره
قال البيهقي وروينا معنى هذا عن طاووس قال وأحاديث النهي عن الإطلاق أكثر وأصح فالحكم لها وحديث علي يدل على انه عرف نهيا حتى سأل الرخصة له وحده وقد يحتمل حديث عائشة رضي الله عنها إن صح طريقه أن يكون نهيه وقع في الابتداء على الكراهة والتنزيه لا على التحريم فحين توهمت المرأة أنه على التحريم بين أنه على غير التحريم ثم قال
____________________
1- إسناده ضعيف قال الذهبي محمد بن عمران الحجبي له حديث وهو منكر وأخرجه احمد وابو داود والبيهقي ورواية احمد بدون القصة
(3/151)
والأول أظهر
وظاهر ما ذكره اصحابنا أن التكني بغير ذلك لا يكره وقال ابن الاثير في النهاية في حديث ابي شريح انه كان يكنى ابا الحكم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن الله هو الحكم (1)
وكناه بأبي شريح قال وإنما كره له ذلك لئلا يشارك الله تعالى في صفته
ويجوز أن يكتنى بولد قبل حصوله وبحيوان صغير للأثر ذكره غير واحد قال احمد في رواية حنبل لا بأس أن يكنى الصبي قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عمير وكان صغيرا يا أبا عمير ما فعل النغير + أخرجه البخاري وابن حبان +
وقال ابن منصور قلت لاحمد تكنى المرأة قال نعم عائشة كناها النبي صلى الله عليه وسلم بأم عبد الله قال إسحاق كما قال صح عن هشام عن عروة عن عائشة أنها قالت يا رسول الله كل صواحبي لهن كنى قال فاكتني بابنك عبد الله قال مسدد عبد الله بن الزبير قال فكانت تكنى أم عبد الله رواه أبو داود وغيره + إسناده صحيح وأخرجه أبو داود والبيهقي +
ولأحمد وأبي داود عن عائشة قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بابن الزبير فحنكه بتمرة وقال هذا عبد الله وأنت ام عبد الله
وقال أبو طالب سألته يكنى الرجل من أهل الذمة قال قد كنى النبي صلى الله عليه وسلم أسقف نجران وعمر قال يا أبا حسان أي كنى رجلا أنه لا يكون به بأس
قال أبو بكر في زاد المسافر روى معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي قتاده مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسقف نجران يا أبا الحارث اسلم تسلم
____________________
1- إسناده جيد وهو في النهاية والبخاري في الأدب المفرد وسنن أبي داود والنسائي وابن حبان
(3/152)
فصل في آداب الطعام والشراب ومراعاة الصحة فيها
يكره نفخ الطعام والشراب أطلقه الأصحاب رحمهم الله لظاهر الخبر وحكمة ذلك تقتضي التسوية ولذلك سوى الشارع بين النفخ والتنفس فيه وقال الآمدي لا بأس بنفخ الطعام إذا كان حارا ويكره أكله حارا وسيأتي ذلك
والتنفس في إنائهما في الصحيحين عن ابي قتادة أنه عليه السلام نهى أن يتنفس في الاناء (1)
وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه + أخرجه ابو داود وابن ماجه والترمذي واحمد بإسناد صحيح +
وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب فقال رجل القذاة أراها في الإناء فقال أهرقها قال فإني لا أروى من نفس واحد قال فأبن القدح إذن عن فيك + اخرجه احمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح +
رواهما احمد والترمذي وصححهما وروى ابو داود وابن ماجه خبر ابن عباس
ويكره اكله مما يلي غيره والطعام نواح واحد ذكر القاضي وابن عقيل وغيرهما هذا القيد ومن وسط القصعة والصحفة وأعلاها وكذلك الكيل ذكره ابن عقيل
وروى ابو داود حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها + إسناده حسن اخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي في الكبرى واحمد +
عطاء حسن الحديث اختلط قال يحيى القطان ما سمع منه شعبة وسفيان فصيح إلا حديثين ورواه النسائي من حديث شعبة ورواه ابن ماجه
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/153)
من حديث ابن فضيل عن عطاء ورواه الترمذي من حديث جرير عن عطاء وقال حسن صحيح إنما يعرف من حديث عطاء قال ورواه شعبة والثوري عن عطاء ورواه أحمد ولفظ بعضهم البركة تنزل في وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه
ويشهد لهذا الخبر ما روى ابو داود حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا أبي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق حدثنا عبد الله بن بسر قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتي بتلك القصعة يعني وقد ثرد فيها فالتفوا عليها فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي ما هذه الجلسة قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جعلني عبدا شكورا ولم يجعلني جبارا عنيدا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها (1)
إسناد جيد ورواه ابن ماجه مختصرا
ويكره أكله متكئا أو مضطجعا والأكل والشرب بشماله إلا لضرورة وذكر ابن عبد البر وابن حزم أن الاكل بالشمال محرم لظاهر الاخبار
وقال ابن ابي موسى وإذا أكلت أو شربت فواجب عليك أن تقول بسم الله وتناول بيمينك قال الشيخ تقي الدين كلام ابن ابي موسى فيه وجوب التسمية والتناول باليمين فينبغي ان يقول يجب الاستنجاء باليسرى ومس الفرج بها دون اليمنى ربما لأن النهي في كليهما
وقد روى احمد عن عائشة مرفوعا من أكل بشماله أكل معه الشيطان ومن شرب بشماله شرب معه الشيطان + أخرجه احمد بإسناد ضعيف وقد صح عن ابن عمر مرفوعا عند مسلم بلفظ إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وعن جابر مرفوعا عند مسلم إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء +
وظاهر كلامهم أنه لو
____________________
1- إسناده حسن أخرجه أبو داود وابن ماجه
(3/154)
جعل بيمينه خبزا وبشماله شيئا يأتدم به وجعل يأكل من هذا ومن هذا كما يفعله بعض الناس انه منهي عنه كما هو ظاهر الخبر لأنه أكل بشماله ولما فيه من الشرة وغيره لا سيما إذا كره أن لا يتناول لقمة حتى يبلع ما قبلها وقد سبق في آخر فصول الطب قول أبي نعيم إن الرطب يؤكل بأشياء ليقل ضرره
ثم روى حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره فيأكل الرطب بالبطيخ (1)
فهذا الخبر غريب في هذه المسألة وإن صح خص العموم به ومع ضعفه يعمل بالعموم وقد يقال المقام مقام استحباب وكراهة والخبر الضعيف يعمل به في ذلك وعلى كل حال فهو شيء يستأنس به في مثل هذا والله أعلم
وقد روى هناد بن محمد النسفي وهو راوية للموضوعات الواهيات مع أن الاسناد لا يحتج بمثله عن عائشة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل التمر بيمينه وبعض البطيخ بشماله
ويكره غسل يديه بمطعوم غير نخالة محضة نص عليه وقيل وملح كذا في الرعاية وجزم به صاحب النظم وقال غير واحد يكره غسل اليد بشيء من المطعوم ولا بأس بالنخالة قال في المغني واستدل الخطابي على ذلك بحديث الملح والملح طعام ففي معناه ما أشبه قال الشيخ تقي الدين وهذا من أبي محمد يقتضي جواز غسلها بالمطعوم وهذا خلاف المشهور ويأتي كلامه على هذه المسألة بعد فصول
____________________
1- أورده الهيثمي في المجمع وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك ولم نجده في مسند احمد ولم يعزه إليه الهيثمي وأخرجه دون قوله بيمينه ويساره من حديث عائشة ابو داود والترمذي والحميدي وإسناده صحيح وقال الترمذي حديث حسن
(3/155)
وعن عكراش بن ذؤيب التميمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اخذ بيده فانطلق به إلى منزل ام سلمة رضي الله عنها فقال هل من طعام فأتتنا بجفنة كثيرة الثريد والودك فأقبلنا نأكل منها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين يديه وجعلت أخبط في نواحيها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى على يدي اليمنى ثم قال يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد ثم أتتنا بطبق فيه ألوان رطب أو تمر شك عبيد الله بن عكراش فجعلت آكل من بين يدي وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق ثم قال يا عكراش كل من حيث شئت فإنه من غير لون واحد ثم أتتنا بماء فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم مسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ثم قال يا عكراش هذا الوضوء مما غيرت النار (1)
رواه ابو بكر الشافعي في الغيلانيات حدثنا اسماعيل القاضي حدثنا ابو الهذيل العلاء بن الفضل المنقري حدثني عبيد الله بن عكراش حدثني ابي فذكره ورواه ابن ماجه من حديث العلاء وكذلك الترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء وقد تفرد العلاء بهذا الحديث وقال فيه ابن حبان ينفرد بأشياء مناكير وقال ابو حاتم الرازي في عبيد الله بن عكراش شيخ مجهول وقال ابن حبان منكر الحديث وقال البخاري في هذا الحديث لا يثبت والقول بحكم هذا الحديث قد سبق كلام القاضي وغيره وهو قول الشافعية وغيرهم ولم يذكره بعض اصحابنا فظاهره الاكل مما يليه واختاره ابو زكريا النواوي لعموم قوله عليه السلام لعمر بن ابي سلمة يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك + أخرجه البخاري ومسلم +
متفق عليه
وحديث عكراش قد يعضده انه عليه السلام جعل يتتبع الدباء وفيه نظر لأنه قد يكون تتبعه من حوالي جانبه أو أن علة الاستقذار جليسه ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتبركون بآثاره ولم يفرق أصحابنا بين كونه وحده أو مع غيره
____________________
1- اخرجه ابن ماجه والترمذي وابن خزيمة وإسناده ضعيف
(3/156)
وسيأتي كلام ابن حامد في مباسطة الإخوان على الطعام فصل في الأكل من بيوت الاقربين والاصدقاء بالإذن ولو عرفا
يباح الأكل من بيت القريب والصديق من مال غير محرز عنه إذا علم أو ظن رضا صاحبه بذلك نظرا إلى العادة والعرف هذا هو المتوجه وما يذكر عن الإمام احمد من الاستئذان فمحمول على الشك في رضا صاحبه أو على الورع
قال ابن الجوزي إن الله سبحانه وتعالى أباح الاكل من بيوت القرابات المذكورين لجريان العادة ببذل طعامهم لهم فإن كان الطعام وراء حرز لم يجز هتك ذلك الحرز قال وكان الحسن وقتادة يريان الأكل من طعام الصديق بغير استئذان جائزا
وقال القاضي في الجامع فرع في منع الاكل من منزل الاهل والاصدقاء بغير إذن قال ابن القاسم سئل ابو عبد الله عن قول الله عز وجل
( ^ ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج ) الى قوله ( ^ أو صديقكم ) النور 61
فقال إذا أذن لك فلا بأس لان هؤلاء كانوا يؤذن لهم فيتحرجون أن يأكلوا فرخص لهم وقال احمد بن النضر سئل احمد أيأكل الرجل من بيوت أهله بيت عمه أو خاله أو غيرهم من أهله بغير إذنهم قال لا يأكل إلا بإذنهم فصل في كراهة القران بين التمرتين ونحوه مع شريك أو مطلقا
ويكره القران في التمر وقيل مع الشركاء فيه لا وحده ولا مع أهله ولا مع من أطعمهم ذلك كذا ذكره في الرعاية والمستوعب وزاد وتركه مع كل أحد أولى وأفضل وأحسن وهو معنى كلامه في الترغيب وذكر القاضي عياض عن أهل الظاهر أن النهي للتحريم وعن غيرهم أنه للكراهة والأدب
____________________
(3/157)
وذكر النووي أن الصواب التفصيل فإن كان الطعام مشتركا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم بقول أو قرينة يحصل بها علم أو ظن وإن كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده فإن قرن بغير رضاه فحرام ويستحب أن يستأذن الآكلين معه وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فحسن ألا يقرن ليساويهم إن كان الطعام فيه قلة وإن كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس لكن الإذن مطلقا للتأدب وترك الشره إلا أن يكون مستعجلا ويريد الإسراع لشغل آخر
وقال الخطابي إنما كان هذا في زمنهم حين كان الطعام ضيقا فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الاذن وفيما ذكره نظر والقران بين غير التمر مثله إلا أن ذلك لا يقصد وتظهر فائدته إلا في الفواكه وما في معناها
قال الشيخ تقي الدين وعلى قياسه قران كل ما العادة جارية بتناوله أفرادا وقال الشيخ أبو الفرج الحنبلي المقدسي في كتابه في أصول الفقه في مسألة الأمر هل يقتضي الوجوب فإن قيل النهي يقتضي الكراهة فالجواب إنا لا نسلم ذلك لأن الله تعالى قال ( ^ ولا يأتل اولوا الفضل منكم والسعة )
الاية النور 22 ونهى عن القران بين التمرتين والتعريس على الطرقات وذلك كله غير مكروه
وقال ابن عقيل في الواضح في أن الامر لا يقتضي حسن المأمور به ولا النهي قبح المنهي عنه عقلا عندنا وعند اهل السنة خلافا للقدرية نهى الشرع عن أشياء والأولى تركها لا لقبحها كالنهي عن القران بين التمرتين وكنس البيت بالخرقة والجلوس في ظل المنارة والشرب من ثلمة الإناء والأكل في المتخلي أو غير ذلك كذا قال
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القران إلا أن يستأذن الرجل أخاه (1)
قال شعبة الإذن من قول ابن عمر
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/158)
وفي لفظ فيهما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقرن الرجل بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه فصل في آداب الأكل والشرب
يسن لكل أحد ان يجلس للأكل على رجله اليسرى وينصب اليمنى أو يتربع ذكره في الرعاية
وذكر ابن البنا عن بعض اصحابنا أن من آداب الأكل أن يجلس مفترشا وإن تربع فلا بأس وسبق قبل فصول آداب الاكل بفصلين أو ثلاثة في كراهة الشرب قائما روايتان قطع ابن ابي موسى بالكراهة والقاضي وابن عقيل بعدمها
وفي مسلم عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر وفي لفظ نهى عن الشرب قائما
وروى أيضا اللفظين من حديث أنس وأن قتادة قال قلت لأنس فالأكل قال ذاك اشر وأخبث (1)
ولمسلم من حديث أبي هريرة فإذا نسي فليستقئ
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم من دلو منها وهو قائم + اخرجه البخاري ومسلم واحمد +
وفي البخاري عن علي رضي الله عنه أتي بماء فشرب ثم توضأ ثم قام فشرب فضله وهو قائم ثم قال إن ناسا يكرهون الشرب قائما وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت + أخرجه البخاري وأحمد +
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشرب قائما
____________________
1- اخرجه مسلم والترمذي
(3/159)
وقاعدا (1)
إسناده جيد إلى عمرو ورواه الترمذي وحسنه ويتوجه في ذلك أنه عليه السلام شرب قائما ليبين الجواز وأنه لا يحرم والنهي للكراهة أو لترك الأولى
قال ابن عمر كنا نأكل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام + اخرجه احمد وابن ماجه والترمذي وهو صحيح +
رواه احمد وابن ماجه والترمذي وصححه
ولأحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن ابي زياد الطحان سمعت أبا هريرة يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا يشرب قائما فقال له قه قال ولمه قال أيسرك أن يشرب معك الهر قال لا قال فإنه قد شرب معك من هو شر منه الشيطان + حديث غريب تفرد بروايته ابو زياد عن ابي هريرة اخرجه احمد والدارمي والطحاوي في المشكل +
أبو زياد قيل لا يعرف وقيل شيوخ شعبة جياد
فأما الأكل قائما فيحتمل أنه كالشرب لقول انس ويحتمل أنه لا يكره لتخصيص الشارع النهي بالشرب لسرعة نفوذه إلى أسافل البدن بلا تدريج وإلى المعدة فيبردها وعدم استقراره فيها حتى يقسمه الكبد على الاعضاء بخلاف الاكل في ذلك ولهذا امر الشارع بالقيء ولم أجد من قال يؤمر من أكل قائما بالقيء ولا معنى للقول به بخلاف الشرب قائما فدل على الفرق والله أعلم
وقد قال ابن حزم اتفقوا على إباحة الأكل والشرب في غير حال القيام واختلفوا في الأكل والشرب قائما فمن مانع ومبيح
ويسن أن يأكل بثلاث أصابع ويكره أن يأكل بأصبع لأنه مقت وبأصبعين لأنه كبر وبأربع وخمس لأنه شره وكذا حكاه ابن البنا عن الشافعي ولان بإصبعين يطول حتى يشبع ولا تفرح المعدة ولا الاعضاء بذلك لقلته كمن يأخذ
____________________
1- في الترمذي وهو حسن
(3/160)
حقه قليلا قليلا فلا يستلذ به ولا يمرئه وبأربع أصابع قد يغص به لكثرته ولعل المراد والله أعلم ما لا يتناول عادة وعرفا بإصبع أو أصبعين فإن العرف يقتضيه ودليل الكراهة منتف عنه
ويسن أن يلعق أصابعه قبل غسلها أو مسحها قال كعب بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها وعن أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث
وعن جابر مرفوعا إذا وقعت لقمة احدكم فليأخذها وليمط ما كان بها من أذى ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه أو يلعقها فإنه لا يدري في أي طعامه البركة (1)
وعنه ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بلعق الاصابع والصحفة وقال إنكم لا تدرون في أيه البركة + اخرجه مسلم +
وعن ابي هريرة مرفوعا معنى الحديث الآخر
وعن جابر مرفوعا إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من احدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة روى ذلك مسلم + في صحيحه وهو في سنن ابن ماجه +
والمنديل بكسر الميم مأخوذ من الندل وهو النقل وقيل الوسخ لأنه يندل به يقال تندلت بالمنديل قال الجوهري ويقال ايضا تمندلت وأنكرها الكسائي ويروى في خبر ضعيف من حديث أبي هريرة رضي الله عنه الأكل بأصبع واحدة أكل الشيطان وبأثنتين أكل الجبابرة وبثلاث أكل الانبياء + ضعيف كما قال المصنف وأخرجه الديلمي +
____________________
1- اخرجه مسلم وابن ماجه والترمذي
(3/161)
وذكر لأحمد الحديث الذي يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير إلا بثلاث أصابع
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها (1)
متفق عليه
ويسن ان يصغر اللقم ويجيد المضغ قال الشيخ تقي الدين إلا ان يكون هناك ما هو أهم من إطالة الأكل على ان هذه المسألة لم أجدها مأثورة ولا عن أبي عبد الله لكن فيها مناسبة وقال أيضا نظير هذا ما ذكره الإمام أحمد من استحباب تصغير الأرغفة
وذكر بعض أصحابنا استحباب تصغير الكسر كذلك عند الخبز وعند الوضع وعند الأكل ويطيل المضغ ولا يأكل لقمة حتى يبلع ما قبلها وقال ابن ابي موسى وابن الجوزي ولا يمد يده الأخرى حتى يبتلع الأولى كذا في الترغيب وغيره
وينوي بأكله وشربه التقوي على التقوى وطاعة المولى سبحانه وتعالى ويبدأ بهما الاكبر والأعلم وقال حذيفة كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده رواه مسلم + في صحيحه وهو في سنن ابي داود +
وذكر صاحب النظم
( ويكره سبق القوم للأكل نهمة % ولكن رب البيت إن شاء يبتدي ) فصل في التسمية في ابتداء الأكل والشرب والحمد بعدهما وآداب أخرى
ويسمي في أولها وهي بركة الطعام يكفي القليل بها وبدونها لا يكفي
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/162)
كما دلت عليه الاحاديث الاتية في غير موضع
وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقرب طعاما فلم ار طعاما كان أعظم بركة منه أول ما أكلنا ولا أقل بركة في آخره فقلنا كيف هذا يا رسول الله فقال لانا ذكرنا اسم الله حين اكلنا ثم قعد بعد من أكل ولم يسم فأكل معه الشيطان (1)
رواه احمد
ويحمد الله إذا فرغ ويقول ما ورد
ويسن مسح الصحفة والأكل عند حضور رب الطعام وإذنه وأكل ما تناثر وقيل يحمد الشارب كل مرة لأنه يحمده على هذه النعمة والتسمية تراد لعدم مشاركة الشيطان وقد حصل ذلك بالتسمية أولا
وذكر السامري أن الشارب يسمي الله عند كل ابتداء ويحمده عند كل قطع لأنه ابتداء فعل كالأول وإن كان الأول آكد وإنما خص هؤلاء الشارب إما لقلته فلا يشق التكرار وإما لان كل مرة مأمور بها واستحب فيها ما استحب في الاولى بخلاف الاكل فإنه يطول فيشق التكرار والقطع فيه امر عادي والله اعلم وقد يقال مثله في اكل كل لقمة وهو ظاهر ما روي عن الامام احمد رحمه الله
قال إسحاق بن إبراهيم تعشيت مرة أنا وأبو عبد الله وقرابة له فجعلنا لا نتكلم وهو يأكل ويقول الحمد لله وبسم الله ثم قال أكل وحمد خير من أكل وصمت ولم أجد عن احمد خلاف هذه الرواية صريحا ولم أجدها في كلام أكثر الأصحاب والظاهر أن احمد رحمه الله اتبع الاثر في ذلك فإن من طريقته وعادته تحري الاتباع
وروى الخلال بإسناده عن ابي الدرداء أنه قال لبعض قوم أكلوا معه يا بني لا
____________________
1- حديث حسن اخرجه احمد والترمذي في الشمائل بإسناد ضعيف ويشهد له حديث حذيفة عند مسلم مرفوعا إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه
(3/163)
تدعوا أن تأدموا أول طعامكم بذكر الله أكل وحمد خير من أكل وصمت
وكذا قال خالد بن معدان التابعي الثقة الفقيه الصالح أكل وحمد خير من أكل وصمت
ووجه الأول ظاهر الأخبار فإنه اقتصر فيها على التسمية أولا والحمد آخرا ولو كان مستحبا لنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا ولو في حديث واحد بل ظاهر ما نقل من حاله أنه لم يفعله وهو عليه السلام الغاية في فعل الفضائل وكذلك المعروف والمشهور من حال الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم
وفي كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله قال من القراء من يفصل بالبسملة بين السورتين ومنهم من لا يفصل لان القران كله كلام الله فلا يفصلون بها بين السورتين كمن سمى إذا أكل أنواعا من الطعام ومنهم من يسمي في أول كل سورة وهو حسن لمتابعته لخط المصحف وهو بمنزلة رفع الطعام ووضع طعام فالتسمية عنده أفضل انتهى كلامه
قال ابن الجوزي ولا يشرب الماء في أثناء الطعام فإنه أجود في الطب وينبغي أن يقال إلا أن يكون ثم عادة كما سبق
ولا يعب الماء عبا ويأخذ إناء الماء بيمينه ويسمي وينظر فيه ثم يشرب منه مصا لأنه عليه السلام قال إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصا ولا يعبه عبا فإن منه الكباد (1)
رواه البيهقي وغيره والكباد بضم الكاف وتخفيف الباء أي وجع الكبد وهذا معلوم بالتجربة
ويشرب مقطعا ثلاثا ويتنفس دون الإناء ثلاثا فإنه أروى وأمرأ وأبرأ + أخرجه مسلم +
رواه مسلم من حديث أنس ولا يتنفس فيه كما سبق
____________________
1- أخرجه عبد الرزاق ومن طريقه اخرجه البيهقي وقال هذا مرسل
(3/164)
قال في المستوعب والنفخ في الطعام والشراب والكتاب منهي عنه وسبقت المسألة وتأتي أيضا
وقيل تجب التسمية المذكورة هنا وذكر وجوبها ابن أبي موسى وحكى ابن البنا عن بعض اصحابنا أنه قال في الأكل أربعة فريضة أكل الحلال والرضا بما قسم الله على ذلك والتسمية على الطعام والشكر لله على ذلك ويأتي في الشكر كلام في فصل هل يستحب تقبيل الخبز وفي الفصل الثالث أو بقربه قال ابن البنا وتحقيق الفقه أن التسمية على الأكل والحمد كلاهما مسنون
وذكر أبو زكريا النووي رحمه الله أن التسمية هنا مجمع على استحابها وظاهر ما ذكروه لا يسمي غير الشارب والآكل عنه وسبقت المسألة في مسألة هل يحمد الله أحد عن العاطس ثم يتوجه أن يقال إن شرع الحمد عن التسمية من لا عقل له ولا تمييز ففعل عنه كان كتسمية نفسه في امتناع الشيطان من الطعام وعدم استحلاله إياه لوجود التسمية ممن يشرع الحمد عنه فعلت ام لا وإن لم توجد استحله لترك التسمية ممن تشرع منه كترك العاقل لها وإن لم يشرع الحمد عنه ففعلت أم لا لم يستحله لأن التسمية الشرعية لم تترك وهو محل ضرورة فعفي عنه كفعل البهيمة
فأما المميز العاقل فإنه يسمي ويمتنع الشيطان بها منه من الطعام وإن لم يسم استحله الشيطان وإن أتى بها في أثنائه قاء الشيطان كل شيء أكله فيقول بسم الله أوله وآخره للأخبار الصحيحة في ذلك كخبر عمر بن أبي سلمة متفق عليه (1)
وقصة الجارية التي جاء الشيطان يستحل بها رواها أحمد ومسلم وأبو داود من حديث حذيفة + أخرجه احمد ومسلم +
وخبر أمية بن مخشي بفتح الميم وبالخاء والشين المعجمتين رواه احمد
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(3/165)
وأبو داود والنسائي (1)
وفي ذلك أن الآكل يعلم آداب الأكل إذا خالفه والله أعلم وإن لم يبلغ العاقل سبع سنين فيتوجه إن صحت صلاته وبيعه صحت منه واعتبرت وإلا فلا وقد تكلم على هذا الأصل في موضعه
وينبغي أن يجهر بها لينبه غيره عليها ولم يذكره الأصحاب وله مناسبة ونص الشافعي أنه إذا سمى واحد من الجماعة حصل اصل السنة
ولا يشرب من في سقاء ولا في ثلمة إناء قال أبو سعيد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الاسقية أن يشرب من أفواهها وفي رواية واختناثها أن يقلب رأسها ثم يشرب منه متفق عليه + اخرجه البخاري ومسلم +
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب من في السقاء + اخرجه البخاري واحمد وانظر سنن ابن ماجه +
رواه البخاري وأحمد وزاد قال ابو أيوب فأنبئت أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت حية فهذه علة النهي أنه ربما كان شيء ولأنه يقذره على غيره ولأنه ينتنه بتردد أنفاسه ولأنه ربما غلبه الماء فتضرر به وهذا نهي تنزيه لا تحريم اتفاقا ذكره النووي ويتوجه في كراهته ما سبق أول الفصل في الشرب قائما
وروى الترمذي عن ابن أبي عمر عن سفيان عن يزيد بن يزيد عن جابر عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من قربة معلقة قائما فقمت إليه فقطعته وقال حسن صحيح
____________________
1- أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي في اليوم والليلة والطحاوي في شرح مشكل الاثار وإسناده ضعيف فيه مجهول ويشهد للتسمية إذا نسي حديث ابن مسعود عند ابن حبان في صحيحه وحديث عائشة عند احمد والترمذي وصححه ابن حبان
(3/166)
غريب ورواه سعيد وابن ماجه (1)
ولأحمد مثله من حديث البراء بن زيد ابن بنت أنس بن مالك عن أنس عن أمة أم سليم + اخرجه احمد ويشهد له ما قبله +
البراء انفرد عنه عبد الكريم الجزري
وقال أبو داود حدثنا نصر بن علي أنبأنا عبد الاعلى حدثنا عبد الله بن عمر عن عيسى بن عبد الله رجل من الانصار عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإداوة يوم أحد فقال اخنث فم الإداوة + أخرجه أبو داود والترمذي وإسناده ضعيف وانظر تحفة الاشراف +
ثم شرب من فيها حديث حسن ورجاله ثقات
ورواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمر وقال ليس إسناده بصحيح وعبد الله بن عمر يضعف من قبل حفظة ولا أدري سمع من عيسى أم لا
وأما الشرب من ثلمة الإناء فعن ابي سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح وأن ينفخ في الشراب + سنن ابي داود وإسناده ضعيف +
رواه أبو داود من رواية قرة بن عبد الرحمن عن الزهري ضعفه الأكثر وقال أحمد منكر الحديث جدا فيتوجه أنه لا يكره عنده وتركه أولى وحكمته أن لا يتمكن من حسن الشرب وهي محل الوسخ لعدم التمكن من غسلها تاما وخروج القذى ونحوه وربما انجرح بحدها ويقال إن الرديء من كل شيء لا خير فيه يروى أن بعضهم رأى من يشتري حاجة رديئة فقال لا تفعل أما علمت أن الله تعالى نزع البركة من كل رديء
____________________
1- أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد وإسناده صحيح
(3/167)
قال في المستوعب ولا يشرب محاذيا للعروة ويشرب مما يليها وظاهر كلام غيره أن هذا وغيره سواء ولهذا لم يذكره ابن الجوزي وصاحب الرعاية وغيرهما ممن ذكر آداب ذلك وقد قال تعالى ( ^ يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ) الزخرف 71
وأحدها كوب وهو إناء مستدير لا عروة له ولا أذن له
قال ابن الجوزي قال شيخنا أبو منصور اللغوي وإنما كانت بغير عرى ليشرب الشارب من اين شاء لأن العروة ترد الشارب عن بعض الجهات انتهى كلامه وهذا إنما يكون إذا اتصلت العروة برأس الإناء فحينئذ ترد العروة الشارب مطلقا أو بعض الشيء فيمتنع الشرب مطلقا أو يحصل قليلا فيتنغص الشرب وربما شرق أو تبذر الماء وربما رجع إلى الاناء فأما إذا لم تتصل العروة بالرأس فإنه لا يحصل بسببها شيء من ذلك فلا وجه للكراهة إذا ولأنه من الأدب وكلام صاحب المستوعب وإن صدق على الامرين فإنما اراد والله أعلم ما اشير إليه في التفسير ولو لم يرده فحمل كلامه عليه لما سبق أولى من حمله أيضا على ما لا دليل عليه والله أعلم
ويسن أن يغض طرفه عن جليسه ويؤثر على نفسه المحتاج ويخلل أسنانه إن علق بها شيء قال في المستوعب روي عن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال ترك الخلال يوهن الاسنان وذكره بعضهم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال الشيخ عبد القادر يكره التخلل على الطعام ولا يتخلل بقصب ورمان وريحان وطرفاء ونحوها وكذا ذكر غير واحد أنه يخلل ما بين المواضع بعد الاكل قال صاحب النظم وألق ذلك وهذا الخبر عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا من اكل فما تخلل فليلفظ ومن لاك بلسانه فليبتلع ومن فعل
____________________
(3/168)
فقد أحسن ومن لا فلا حرج (1)
رواه احمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم وفي إسناده حصين الحميري الحبراني عن ابي سعيد الخير ويقال ابو سعد وهما مجهولان فلهذا ضعفه غير واحد وصححه ابن حبان وغيره وضعفه أولى وقياس قول الأصحاب العمل به في الاستحباب كما قالوا بما فيه من المستجمر والمكتحل
ولا يأكل ما يشرب عليه الخمر ولا مختلطا بحرام بلا ضرورة
قال بعض أصحابنا ومن الآداب أن لا يأكل إلا مطمئنا وهذا خلاف أشهر التفسيرين فيما رواه مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم أما أنا فلا آكل متكئا + أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي +
أي لا آكل أكل راغب في الدنيا متمكن بل آكل مستوفزا بحسب الحاجة وقد فسر ذلك بالتربيع لما فيه من التجبر
وعنه عليه السلام أنه قال إنما أنا عبد أجلس كما يجلس العبد وآكل كما يأكل العبد + حديث حسن بشواهده أخرجه ابن سعد في طبقاته وأبو يعلى ومن طريقه أخرجه ابو الشيخ في اخلاق النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة وإسناده ضعيف وأخرجه ابو الشيخ من حديث جابر ورجاله ثقات لكن فيه انقطاع وأخرجه ابن عدي من حديث انس وسنده ضعيف وأخرجه أحمد في الزهد عن عطاء مرسلا وفيه من لا يعرف وأخرجه أيضا عن الحسن مرسلا ورجاله ثقات وأخرجه عبد الرزاق عن يحيى بن ابي كثير مرسلا ورجاله ثقات وأخرجه أيضا عن أيوب مرسلا ورجاله ثقات +
وفسر الاتكاء بالميل على الجنب والإسناد إلى شيء وهذا هو المتبادر إلى الفهم عرفا وهو يضر من جهة الطب لتغير الأعضاء والمعدة عن الوضع الطبيعي ولا يصل الغذاء بسهولة
____________________
1- أخرجه احمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وإسناده ضعيف
(3/169)
وقال ابن هبيرة أكل الرجل متكئا يدل على استخفافه بنعمة الله فيما قدمه بين يديه من رزقه وفيما يراه الله من ذلك على ما تناوله ويخالف عوائد الناس عند أكلهم الطعام من الجلوس إلى أن يتكئ فإن هذا يجمع بين سوء الأدب والجهل واحتقار النعمة ولأنه إذا كان متكئا لا يصل الغذاء إلى قعر المعدة الذي هو محل الهضم فلذلك لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ونبه على كراهته وعنه عليه السلام أنه أكل مقعيا تمرا وفي لفظ يأكل منه أكلا ذريعا وفي لفظ حثيثا روى ذلك مسلم من حديث أنس (1)
مقعيا أي جالسا على أليته ناصبا ساقيه وذريعا وحثيثا أي مستعجلا لشغل آخر
وسبق في الفصل الأول أنه عليه السلام جثا قال إسحاق بن منصور قلت لأبي عبد الله تكره الأكل متكئا قال أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم لا آكل متكئا قال في المستوعب ولا يأكل متكئا فقد نهي عنه وقال في موضع إن من آداب الآكل أن لا يأكل متكئا ولا منبطحا ولا يأكل إلا مطمئنا
وعن ابن عمر رضي الله عنهما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطعمين عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح على بطنه رواه أبو داود + أخرجه أبو داود وهو ضعيف +
وقال لم يسمعه جعفر بن برقان من الزهري وهو منكر ثم رواه من طريق آخر أنه بلغه عن الزهري
وذكر مشايخ الحنفية أنه لا بأس بالأكل متكئا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل يوم خيبر متكئا كذا قالوا ولا يلقم جليسه ولا يفسح له إلا بإذن رب الطعام ذكره في الرعاية الكبرى
وقال بعض أصحابنا من الأدب أن لا يلقم أحدا يأكل معه إلا بإذن مالك الطعام وهذا يدل على جواز ذلك عملا بالعادة والعرف في ذلك لكن الأدب
____________________
1- هو في مسلم
(3/170)
والأولى الكف عن ذلك لما فيه من إساءة الأدب على صاحبه والإقدام على طعامه ببعض التصرف من غير إذن صريح وفي معنى ذلك تقديم بعض الضيفان ما لديه ونقله إلى البعض الآخر لكن لا ينبغي لفاعل ذلك ان يسقط حق جليسه من ذلك والقرينة تقوم مقام الإذن في ذلك
قال أنس دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فانطلقت معه فجيء بمرقة فيها دباء فجعل يأكل من ذلك الدباء ويعجبه فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه ولا أطعمه قال أنس فما زلت أحب الدباء (1)
رواه مسلم والبخاري ولم يقل ولا أطعمه وفيه أن خادم الكبير يتبعه في الدعوة كما هو في العرف وإن لم ينص عليه بخلاف غيره من زوجة وغيرها ولأنه قد يتوقف حضور الكبير عليه لتعلق مصلحته وحاجته به والداعي يرضى بذلك ويأذن فيه عادة وعرفا لا بغيره فاختص بالجواز لذلك وقد يقال كأنه مدعو لهذا المعنى وهذا متوجه واضح كما ترى ولم أجد من ذكره
فإن قيل من المعلوم أن الداعي يأذن في ذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل يأذن لما ذكرنا وهو أمر مشترك لا لمعنى خاص ولهذا استأذن عليه السلام في غير خادمه ولم يستأذن في خادمه قط مع أنه خدمه مدة إقامته عليه السلام بالمدينة لا زمنا يسيرا وكان عليه السلام لا يمتنع من دعوة بلا عذر وخادمه ملازمه غالبا أو كثيرا والله أعلم
وعن ابي مسعود الانصاري قال كان رجل من الانصار يقال له أبو شعيب وكان له غلام لحام فقال لغلامه ويحك اصنع لنا طعاما لخمسة نفر فإني أريد أن أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة فاتبعهم رجل لم يدع فلما بلغ الباب قال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا اتبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع قال بل آذن له يا رسول الله + اخرجه البخاري ومسلم +
متفق عليه وليس في مسلم لم يدع فيه أن
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(3/171)
من دعي فتبعه رجل لا ينهاه ولا ياذن له ويلزمه إعلام صاحب الطعام
ويستحب لصاحب الطعام أن يأذن له ما لم يكن في حضوره مفسدة
وعن أنس رضي الله عنه أن جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيا كان طيب المرق صنع له طعاما ثم جاء يدعوه فقال وهذه لعائشة فقال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فعاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه قال لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ثم عاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه قال نعم في الثالثة فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله رواه مسلم (1)
كره عليه السلام أن يختص عن عائشة بالطعام في هذه الحال لحاجتها في ذلك الوقت أو لمعنى يختص بهذه الحال لأنه لم يكن حضورها معه في ذلك معتادا
وقوله يتدافعان أي يمشي كل واحد في أثر الآخر
وأما ما رواه مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه من ذهابه هو عليه السلام وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما في حال الضرورة والفاقة إلى حديقة أبي الهيثم بن التيهان + اخرجه مسلم +
فلا يدل على جواز استتباع الانسان إلى دار من يعلم رضاه بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مدعوا في تلك الحال والقضية قضية عين يحتمل أنهم علموا رضاه بذلك وهذا جائز ويحتمل أنهم أضياف في هذه الحال ولهذا قال أبو الهيثم الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني ويحتمل أن فيه دلالة على استتباعه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما قوما فقاما فأتى رجلا من الانصار فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحبا وأهلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين فلان قالت ذهب ليستعذب لنا من الماء إذ جاء الانصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ثم قال الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني قال فانطلق فجاءهم بعذق
____________________
1- اخرجه مسلم والنسائي
(3/172)
فيه بسر وتمر ورطب فقال كلوا وأخذ المدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك والحلوب فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم
وزاد الترمذي فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل لك خادم قال لا قال فإذا اتانا شيء فائتنا فأتي النبي صلى الله عليه وسلم براسين فأتاه ابو الهيثم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اختر منهما قال يا نبي الله اختر لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان المستشار مؤتمن خذ هذا فإني رايته يصلي واستوص به معروفا فانطلق ابو الهيثم الى امراته فأخبرها بقول النبي صلى الله عليه وسلم فقالت امرأته ما انت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم الا ان تعتقه قال فهو عتيق فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله لم يبعث نبيا ولا خليفة الا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تأولوه خبالا ومن يوق بطانة السوء فقد وقي
هذا حديث تضمن فوائد حسنة يحتاج اليها مفهومة منه فلهذا ذكرته والله اعلم ولكن في خبر جابر رضي الله عنه زمن الخندق انه صنع طعاما ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال فقلت طعيم لي فقم انت يا رسول الله ورجل او رجلان قال كم هو فذكرت له قال كثير طيب قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال قوموا فقام المهاجرون والانصار ومن معهم قال فقال ادخلوا ولا تضاغطوا فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور اذا اخذ منه ويقرب الى اصحابه حتى شبعوا وبقي بقية قال كلي هذا واهدي فإن الناس اصابتهم مجاعة يعني يقول لامراة جابر رواه البخاري (1)
____________________
1- اخرجه البخاري
(3/173)
وفي الصحيحين (1)
قال جابر فجئته فساررته فقلت يا رسول الله انا قد ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير كان عندنا فتعال انت في نفر معك فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا اهل الخندق ان جابرا قد صنع لكم سورا فحيهلا بكم فبصق فيها وبارك وفيه وهم الف فأقسم بالله لقد اكلوا حتى تركوه وانحرفوا وان برمتنا لتغط كما هي وان عجيننا ليخبز كما هو
وفي البخاري انه عرضت في الخندق كدية شديدة فجاؤوا اليه فقال انا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة ايام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيبا اهيل او اهيم + اخرجه البخاري +
ومثل معنى هذه القصة في استتباع المدعو الى من يعلم رضاه حديث انس رضي الله عنه لما ارسله ابو طلحة يدعوه فقال لمن عنده قوموا وفيه انه كان عصب بطنه من الجوع وفيه ان ابا طلحة رآه في المسجد يتقلب ظهرا لبطن فظنه لجائعا وفيه انه اذن لعشرة عشرة وفي البخاري ان القوم كانوا ثمانين رجلا وفي مسلم والقوم سبعون رجلا او ثمانون صلوات الله وسلامه عليه ورضى الله عنهم وارضاهم (1)
واخذ في شرح مسلم من حديث انس السابق استحباب ايثار الضيفان بعضهم بعضا اذا لم يكره صاحب الطعام كذا قال
وعن عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق رضي الله عنهما ان اصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثلاثة كذا في مسلم أي بتمام ثلاثة وفي البخاري بثالث ومن كان عنده طعام اربعة فليذهب بخامس او بسادس او كما قال وان ابا بكر جاء بثلاثة وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة وان ابا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/174)
صليت العشاء ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ما ذهب من الليل ما شاء الله قالت امراته ما حبسك عن اضيافك قال او ما عشيتهم قالت ابوا حتى تجيء قد عرضوا عليهم فغلبوهم قال فذهبت انا فاختبأت فقال يا غنثر فجدع وسب وقال كلوا لا هنيئا وقال والله لا اطعمه ابدا قال وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة الا ربا من اسفلها اكثر منها قال شبعنا وصارت اكثر مما كانت قبل ذلك فنظر اليها ابو بكر فإذا هي كما هي او اكثر ثم قال لامراته يا اخت بني فراس ما هذا قالت لا وقرة عيني لهي الان اكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار فأكل منها ابو بكر وقال انما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه (1)
وعنه ايضا قال نزل علينا اضياف لنا وكان ابي يتحدث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل قال فانطلق ثم قال يا عبد الرحمن افرغ من اضيافك قال فلما امسيت جئنا بقراهم قال فأبوا قالوا حتى يجيء ابو منزلنا فيطعم معنا قال فقلت لهم انه رجل حديد وانكم ان لم تفعلوا خفت ان يصيبني منه اذى قال فأبوا فلما جاء لم يبدا بشيء اول منهم فقال افرغتم من اضيافكم قالوا لا والله ما فرغنا قال الم آمر عبد الرحمن قال وتنحيت عنه فقال يا عبد الرحمن فتنحيت فقال يا غنثر اقسمت عليك ان كنت تسمع صوتي الا جئت قال فجئت فقلت والله ما لي ذنب هؤلاء اضيافك فسلهم قد اتيتهم بقراهم فأبوا ان يطعموا حتى تجيء قال فقال ما لكم الا تقبلوا عنا قراكم قال فقال ابو بكر فوالله لا اطعمة الليلة قال فقالوا فوالله لا نطعمه حتى تطعمه قال فما رايت الشر كالليلة قط ويلكم ما لكم الا تقبلوا عنا قراكم ثم قال اما الاولى فمن الشيطان هلموا قراكم قال فجيء بالطعام فسمى فأكل واكلوا قال فلما اصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بروا وحنثت فأخبره فقال بل انت ابرهم واخيرهم قال ولم تبلغني كفارة رواهما مسلم والبخاري وليس فيه بروا وحنثت الى آخره
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(3/175)
وفيه فحلفت المراة لا تطعمه حتى يطعمه وليس عنده حتى نعس وهي بفتح العين انما عنده حتى تعشى (1)
فيه الاشتغال عن الضيف بشغل ومصلحة اذا كان له من يقوم به وفيه ان الضيف لا يمتنع مما يريد المضيف مما يتعلق بقراه ولا يعترض عليه فإن علم انه يتكلف مشقة حياء منه اعترض برفق لانه قد يكون للمضيف غرض في ذلك فيشق عليه اظهاره ويشق عليه مخالفة الضيف وقد ذكر ابو زكريا النواوي ذلك عن العلماء
وفيه السمر مع الضيف والاهل كما ترجم عليه البخاري وترجم ايضا باب في قول الضيف لصاحبه لا آكل حتى تأكل وانما امتنع اضياف ابي بكر لمصلحة لانه قد لا يحصل له عشاء وانما اختبأ عبد الرحمن خوف خصام وشتم
وغنثر الاشهر انه بغين معجمة ومضمومة ثم نون ساكنة ثم ثاء مثلثة مفتوحة ومضمومة وهو الثقيل وقيل الجاهل وقيل السفيه وقيل اللئيم وقيل هو ذباب ازرق ورواه بعضهم عنتر بعين مهملة وتاء مثناة مفتوحتين وهو الذباب وقيل الازرق منه وقوله فجدع أي دعا بالجدع وهو قطع الانف وغيره والسب الشتم
وفيه الاختباء خوف اذى وانه لا بأس اذا بمثل هذا من الوالد
قوله لا هنيئا انما قاله غيظا بتركهم العشاء بسببه كذا في شرح مسلم فيؤخذ منه عدم المؤاخذة بما يحدث في حال الغيظ ويتوجه انه قاله ادبا على مخالفة السنة وله نظائر كقوله عليه السلام للممتنع من اكله بيمينه وقوله لا استطيع قال لا استطعت ما منعه الا الكبر + اخرجه مسلم وابن حبان +
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/176)
وقوله من سمعتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليك (1)
وقول ابن عمر رضي الله عنهما للقائل في الجنازة استغفروا له لا غفر الله لك
وقيل في قوله لا هنيئا انما هو خبر أي لم يتهنوا به في وقته
وفيه اثبات كرامات الاولياء خلافا للمعتزلة وقرة العين يراد بها المسرة فقيل مأخوذ من القرار لان عينه تقر بحصول مراده فلا يستشرق لشيء وقيل مأخوذ من القر بضم القاف وهو البرد أي عينه باردة لسرورها يقال اقر الله عينه أي ابرد دمعته لان دمعة الفرح باردة ويقال في ضده اسخن الله عينه
وفيه القسم بمخلوق قيل ارادت بقرة عينها النبي صلى الله عليه وسلم فأقسمت به وقوله لا وقرة عيني لا زائدة وقيل نافية أي لا شيء غير ما اقول وهو قرة عيني
وقوله رجل حديد أي قوي يغضب لذلك
قوله الا تقبلون عنا الا بتخفيف اللام للتحضيض وافتتاح الكلام وقيل مشددة أي ما لكم لا تقبلون واي شيء منعكم
قوله اخيرهم هي لغة والاشهر خيرهم وفيه تقديم حنث المضيف لتأكد حق الضيف وقوله لم يبلغني كفارة أي قبل الحنث اما وجوبها فلا خلاف فيه كذا في شرح مسلم والمسألة مذكورة في الايمان من الفقه
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني مجهود فأرسل الى نسائه قلن كلهن لا والذي بعثك بالحق ما عندي الا ماء فقال من يضيفه هذه الليلة رحمه الله فقام رجل من الانصار فقال انا يا رسول الله فانطلق به الى رحله فقال لامراته هل عندك شيء قالت
____________________
1- اخرجه مسلم وابو داود وابن حبان
(3/177)
لا الا قوت صبياننا قال فعليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج واريه انا نأكل فإذا اهوي ليأكل فقومي الى السراج حتى تطفئيه قال فقعدوا فأكل الضيف فلما اصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة متفق عليه (1)
وفيهما وقربي للضيف ما عندك قال فنزلت الاية ( ^ ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ) الحشر 9
وفي البخاري ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ندخر به شيئا وفيه اذا اراد الضيف العشاء فنوميهم
فيه ان من سئل شيئا قام به ان امكنه والا سأل له لكن ليس في الخبر سؤال معين
وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا والتقلل منها
وفيه الاحتيال والتلطف بإكرام الضيف على احسن الوجوه والخبر محمول على انه لم يكن بالانصاري واولاده حاجة الى الاكل بحيث يحصل الضرر بتركه والا لوجب تقديمهم شرعا على حق الضيف
وفيه الايثار ممن لم يتضرر بأمور الدنيا قال في شرح مسلم اجمع العلماء على فضيلته وقد يكون ذلك سببا لحصول الكفاية مع حيازة الفضيلة ولهذا في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الاربعة + اخرجه البخاري ومسلم +
ولمسلم من حديث جابر طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الاربعة وطعام الاربعة يكفي الثمانية + اخرجه مسلم وابن ماجه وابن حبان +
____________________
1- اخرجه البخاري
(3/178)
وفي البخاري من حديث ابي جحيفة ان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بين سلمان وابي الدرداء وان سلمان زاره فصنع ابو الدرداء له طعاما وقال له كل فإني صائم فقال سلمان ما انا بآكل حتى تأكل فأكل (1)
قال ابن هبيرة وليس هذه من آداب الضيف ولكنه قصد ان يرد عليه ما كان عليه من الافراط في كثرة العبادة والاعراض عن النساء وغير ذلك
قال وفيه استحباب زيارة الاخ اخاه فإن رآه على خير اعانه وان رآه محتاجا الى تقويم قومه
قال وفيه جواز ان يؤاخي بين المؤمنين مع ان المؤمنين اخوة الا ان هذا الاخاء لمعنى وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر بنور الايمان الى خشونة ابي الدرداء يصلح ان يضاف اليها علم سلمان وفقهه والله اعلم
وقال في الغنية وان كان على راسه انسان قائم امره بالجلوس فإن ابى عليه او قام مملوكه او غلامه لقضاء حاجته وسقيه الماء اخذ من اطايب الطعام فلقمه واذا اكل مع ضرير اعلمه بما بين يديه فربما فاته اطايب الطعام لعماه
وذكر الشيخ في المغني في مسألة غير المأذون له هل له الصدقة من قوته اذا لم يضر به ان الضيف لا يملك الصدقة بما اذن له في اكله وقال ان حلف لا يهبه فأضافه لم يحنث لانه لم يملكه شيئا وانما اباحه الاكل ولهذا لم يملك التصرف فيه بغير اذنه وذلك لان الاصل عدم جواز التصرف في مال الغير بغير اذنه خولف في اكله منه لاذنه فيه يبقى ما سواه على الاصل ولا يلزم من الاذن في الادنى الإذن في الاعلى وحق الادمي مبني على الشح والضيق ومقتضى هذا التعليل التحريم
وقال الشيخ عبد القادر انه يكره ان يلقم من حضر معه قال لانه يأكل ملك صاحبه على وجه الاباحة وليس ذلك بتمليك ووجهت رواية الجواز في
____________________
1- أخرجه البخاري
(3/179)
مسألة غير المأذون بأنه مما جرت العادة بالمسامحة فيه والاذن عرفا فجاز كصدقة المراة من بيت زوجها وهذا التعليل جار في مسألة الضيف فيتوجه القول به فيها حيث جرى والله اعلم
وتلخيص ما تقدم ان الضيف لا يملك ما لم تجر العادة بفعله والمسامحة فيه وما جرت به العادة ولم تخالفه قرينة كتلقيم بعض بعضا وتقديم طعام واطعام سنور وكلب ونحو ذلك فإن علم رضا صاحبه بذلك جاز والا فوجهان والاولى جوازه وقد قال البخاري باب من ناول او قدم الى صاحبه على المائدة شيئا قال ابن المبارك لا بأس ان يناول بعضهم بعضا ولا يناول من هذه المائدة الى مائدة اخرى (1)
ثم روي من حديث انس ان خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه فذهب انس معه فقرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد قال انس فرايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي الصحفة فلم ازل احب الدباء من يومئذ فجعلت اجمع الدباء بين يديه + أخرجه البخاري ومسلم +
وذكر هذه القصة قبل ذلك وفيها قال فأقبل الغلام على عمله وترجم عليه باب من اضاف رجلا الى طعام واقبل هو على عمله وما ذكره حسن اذا لم يخالف عادة او قرينة مؤذية للضيف وتمنع اكرامه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه متفق عليه + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
ولمن منع المسألة الاولى ان يحمل خبر انس على انه علم ان رب الطعام راض بذلك والله اعلم قال ابن عقيل في الفنون سأل سائل حنبليا فقال هل يجوز للقوم يقدم لهم الطعام ان يقرب بعضهم الى بعض فقال قد كنت اقول لا يجوز ولا لسنور حتى وجدت في صحيح البخاري ثم ذكر حديث
____________________
1- اخرجه البخاري في كتاب الاطعمة
(3/180)
انس المذكور (1)
ولرب الطعام أو بعض اهله أن يخص بعض الضيفان بشيء طيب إذا لم يتأذ غيره وانه يجوز للمخصوص او يستحب له تناوله وأنه لا يفضل منه شيئا بحسب ما يقتضيه الحال من ذلك لما سبق في حفظ في قصة ابي اسيد مع انه يستحب للضيف ان يفضل شيئا لا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته او كان ثمة حاجة
قال أبو ايوب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام اكل وبعث بفضله إلي فيسأل ابو ايوب عن موضع اصابعه فيتتبع موضع اصابعه + اخرجه مسلم +
وقد سبق حديث جابر نعم الإدام الخل + اخرجه مسلم وابن ماجه +
في حفظ الصحة
وفيه ان صاحب الطعام يبدأ بالضيف قبل نفسه ما لم يكن مانع وأنه لا بأس أن يخص الضيف بشيء ويختص بشيء ويشتركان في شيء حتى في الخبز لا سيما مع الحاجة وأن صاحب الطعام إن شاء أبقى الأرغفة صحاحا وإن شاء كسرها أو بعضها وإن الضيف يبقي ذلك ويعلم من ذلك أن تساوي الضيفان فيما حضر أولى بل قد يتوجه أنه لو بادر أحدهم إلى أكل ما حضر مختصا به كما يفعله بعض الناس أن ذلك لا يجوز لان مثل هذا لا يأذن فيه صاحب الطعام ولا يعجبه ويتسخط به عادة وعرفا
وفيه أخذ الإنسان بيد صاحبه في تماشيهما وقالت الحنفية يحرم رفع المائدة إلا بإذن صاحبها لأنه مأذون بالأكل لا بالرفع
ولو ناول الضيف لقمة من طعامه ضيفا آخر روي عن محمد أنه لا يحل للاخذ أن يأكل بل يضع ثم يأكل من المائدة لأنه مأذون بالاكل لا بالإعطاء وقال عامة مشايخهم يحل له للعادة وكذا لو ناول بعض الخدم الذي هو قائم
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/181)
على راس المائدة جاز
ولا يجوز أن يعطي سائلا ولا إنسانا دخل هناك لحاجة لأنه لا إذن له فيه عادة وكذلك لو ناول شيئا من الخبز واللحم كلب صاحب البيت او غيره لا يسعه ولو ناوله الطعام والخبز المحترق وسعه لأنه مأذون فيه عادة انتهى كلامهم
وينبغي ان يطعم رب الطعام من حضره شيئا منه ذكر ابن عبد البر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وبعضهم يرفعه قال الكلاب من الجن والجن من ضعفه الجن فإذا غشيتكم عند طعامكم فأطعموها شيئا واطردوها فإن لها انفس سوء يعني أعين سوء فصل في تناهد الرفاق واشتراكهم في الطعام
قيل للإمام احمد ايما احب إليك يعتزل الرجل في الطعام أو يرافق قال يرافق هذا ارفق يتعاونون وإذا كنت وحدك لم يمكنك الطبخ ولا غيره ولا بأس بالنهد قد تناهد الصالحون كان الحسن إذا سافر القى معهم ويزيد أيضا بقدر ما يلقي يعني في السر
ومعنى النهد أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئا من النفقة يدفعونه إلى رجل ينفق عليهم منه ويأكلون جميعا وإن أكل بعضهم أكثر من بعض فلا بأس وكذلك قالت الشافعية وغيرهم ونصوا على أن ذلك سنة قاله في شرح مسلم وهو معنى كلام احمد السابق
ويفارق النثار فإنه يؤخذ بنهب وتسالب وتجاذب بخلاف هذا فعلى هذا لو وجدت هذه الأمور في التناهد كره في إحدى الروايتين كالنثار وهل تجوز الصدقة منه قال ابو داود سمعت احمد قيل له يتناهد في الطعام فيتصدق منه قال ارجو أن لا يكون به بأس أو قال ليس به بأس لم يزل الناس
____________________
(3/182)
يفعلون ذلك فنظر الإمام احمد إلى العرف والعادة في ذلك وعلى هذا يتوجه صدقة احد الشريكين بما يتسامح به عادة وعرفا والمضارب والضيف ونحو ذلك فصل
ومن آداب الأكل ان تجعل بطنك ثلاثا ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس ولو أكلت كثيرا لم يكن به باس قال الحسن ليس في الطعام اسراف والحديث المرفوع في ذلك ورد بالاكل تأديبا لا تحديدا ذكر ذلك في المستوعب وغيره
قال احمد حدثنا ابو المغيرة حدثنا سليمان بن سليم حدثنا يحيى بن جابر الطائي سمعت المقدام بن معدي كرب الكندي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه (1)
حديث صحيح له طرق رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن وفي نسخة صحيح
وروى الخلال في جامعه عن احمد أنه قال وقيل له هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من طعامهم قال ما يعجبني سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول فعل قوم هكذا فقطعهم عن الفرض
واعلم انه متى بالغ في تقليل الغذاء أو الشراب فاضر ببدنه او بشيء منه او قصر عن فعل واجب لحق الله أو لحق آدمي كالتكسب لمن يلزمه مؤنته فإن ذلك محرم وإلا كره ذلك إذا خرج عن الأمر الشرعي
وقد ذكر الاطباء أنه لا ينبغي التأخير عن تناول ذلك إذا تاقت إليه النفس وأنه إن لم يتناول الغذاء ثم لم تطلبه نفسه فينبغي أن لا يتناوله إذا بل ينهضها
____________________
1- أخرجه احمد والترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى وصححه ابن حبان وانظر جامع العلوم والحكم
(3/183)
بالرياضة او بالقيء وغير ذلك ونقلت من غير الجامع وهو من كتاب الورع قال المروذي قلت لأبي عبد الله يعني احمد بن حنبل يؤجر الرجل في ترك الشهوات قال كيف لا يؤجر وابن عمر يقول ما شبعت منذ اربعة أشهر وقلت لأبي عبد الله يجد الرجل من قلبه رقة وهو يشبع قال ما ارى والمراد بهذا النص والله اعلم الشبع الكثير والمراد بالنص الاول من يأكل يسيرا يحصل له به أدنى شبع
وقول الأصحاب رحمهم الله ولو أكلت كثيرا لم يكن به بأس أي زيادة على القدر المذكور لا مطلقا فإن أكل المتخوم أو الاكل المفضي إلى تخمة سبب لمرضه وإفساد بدنه وهو تضييع للمال في غير فائدة بل في مضرة وهذا بخلاف الاكل فوق مطلق الشبع فإنه لا يفضي إلى ذلك
وقد ذكر الاصحاب ان الاكل من الميتة فوق الشبع لا يجوز وظاهره أن الاكل فوق مطلق الشبع في غير هذا الموضع يجوز وإلا لم يكن لتخصيص هذه الصور فائدة وقد قال في الترغيب ولو أكل كثيرا بحيث لا يؤذيه جاز
وقال في الغنية وكثرة الأكل من حيث يخاف منه التخمة مكروه وذكر صاحب النظم أنه لا بأس بالشبع وأنه يكره الإسراف
وفي الصحيحين أو في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يقول لأبي هريرة لما جاءه قدح من لبن وامره ان يدعو له اهل الصفة فسقاهم ثم قال لابي هريرة اشرب فشرب ثم أمره ثانيا وثالثا حتى قال والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغا (1)
وذكر وذكر ابن عبد البر وغيره ان عمر رضي الله عنه خطب يوما فقال إياكم والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة مؤذية للجسم وعليكم بالقصد في قوتكم فإنه ابعد من الاشر واصح للبدن وأقوى على العبادة وإن امرءاص لن يهلك
____________________
1- هو في صحيح البخاري وهو من أفراده
(3/184)
حتى يؤثر شهوته على دينه
وقال علي رضي الله عنه المعدة حوض البدن والعروق واردة عليها وصادرة عنها فإذا صحت صدرت العروق عنها بالصحة وإذا سقمت صدرت العروق بالسقم
وقال الفضيل بن عياض ثنتان تقسيان القلب كثرة الكلام وكثرة الأكل
وقال لقمان لابنه يا بني لا تأكل شيئا على شبع فإنك أن تتركه للكلب خير لك من أن تأكله
وقال ابن هبيرة في حديث ابي هريرة من قتل نفسه (1)
وفي معنى ذلك المآكل التي الغالب فيها الأذى والإفراط في الشبع وإدخال الطعام على الطعام ومطاوعة الشره والتعريض بالنفس فيما الغالب فيه الأذى ومن ذلك أن يستلقي تحت حائط مائل أو ينام على سطح ليس له أحجار أو يركب البحر عند ارتجاجه أو يتعرض من البلاء لما لا يطيقه كذا قال في النوم على السطح وليست نظير ذلك وسيأتي
وقال أيضا لا ينبغي ان يتناول فوق حاجته لانه قوته وقوت غيره فالقسمة بينه وبين غيره لم يمكن تقديرها إلا بالإشارة بحسب الاحتياج فإذا أخذ من شيء هو مشاع بينه وبين غيره أكثر من حاجته فقد ظلم غيره بمقدار التفاوت
وعن سمرة بن جندب انه قيل له إن ابنك بات البارحة بشما قال اما لو مات لم اصل عليه
قال الشيخ تقي الدين يعني انه أعان على قتل نفسه فيكون كقاتل نفسه
____________________
1- يشير لما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأبها في بطنه يهوي في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بسم الحديث وانظر تمام تخريجه في صحيح ابن حبان وشرح مشكل الاثار
(3/185)
وقال في موضع آخر يكره أن يأكل حتى يتخم ثم ذكر ما سبق عن سمرة
واعلم أن كثرة الأكل تنوم وأنه ينبغي النفرة ممن عرف بذلك واشتهر به واتخذه عادة ولهذا روى مسلم عن نافع قال رأى ابن عمر مسكينا فجعل يضع بين يديه ويضع بين يديه فجعل يأكل كثيرا قال لا تدخلن هذا علي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء (1)
وروى أيضا عن عمرو بن دينار قال كان ابو نهيك رجلا اكولا فقال له ابن عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الكافر يأكل في سبعة امعاء + اخرجه البخاري +
قال فأنا أومن بالله ورسوله
ولمسلم + في صحيحه +
من حديث جابر ومن حديث ابي موسى المؤمن ياكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة امعاء + اخرجه مسلم +
وعن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فشرب حلابها ثم أمر له باخرى فلم يستتمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يشرب في معى واحد والكافر يشرب في سبعة امعاء + هو في صحيح مسلم وسنن الترمذي +
رواه مسلم
وروى البخاري عن أبي هريرة أن رجلا كان يأكل اكلا كثيرا فأسلم فكان يأكل أكلا قليلا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء + اخرجه البخاري +
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/186)
قيل ذلك على ظاهره ولهذا احتج به ابن عمر فقيل المؤمن يقتصد في اكله وقيل إنه يسمي الله فلا يشاركه فيه الشيطان والكافر بالعكس
قال الأطباء لكل إنسان سبعة امعاء المعدة ثم ثلاثة متصلة بها رقاق ثم ثلاثة غلاظ فالمؤمن لاقتصاده وتسميته يكفيه ملء أحدها والكافر بالعكس وقيل المراد الجنس فلا يلزم ذلك في كل فرد من مؤمن وكافر وقيل المراد سبع صفات الحرص والشره وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد والسمن وقيل لهذا في رجل بعينه قيل له على وجه التمثيل وإنما قال ابن عمر ما قال لأنه أشبه الكفار ومن أشبه الكفار كرهت مخالطته لغير حاجة وما يأكله هذا يسد خلة جماعة
وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد وهو من العدوان المحرم وترك فضولها هو من الزهد المباح
وأما الامتناع من فعل المباحات مطلقا كالذي يمتنع من أكل اللحم أو أكل الخبز أو شرب الماء أو من لبس الكتان والقطن ولا يلبس إلا الصوف ويمتنع من نكاح النساء ويظن أن هذا من الزهد المستحب فهذا جاهل ضال إلى أن ذكر إن الله تعالى أمر بالأكل من الطيبات والشكر له والطيب هو ما ينفع الإنسان ويعينه على الطاعة وحرم الخبائث وهو ما يضره في دينه وأمر بشكره وهو العمل بطاعته بفعل المأمور به وترك المحظور قال فمن أكل من الطيبات ولم يشكر ربه ولم يعمل صالحا كان معاقبا على ما تركه من فعل الواجبات ولم يحل له الطيبات فإن الله تعالى إنما أحلها لمن يستعين بها على طاعته ولم يحلها لمن يستعين بها على معصيته كما قال تعالى
( ^ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) المائدة 93 الاية
قال ولهذا لا يجوز أن يعان الإنسان بالمباحات على المعاصي مثل من يعطي الخبز واللحم لمن يشرب الخمر ويستعين به على الفواحش
____________________
(3/187)
قال وقوله تعالى ( ^ ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) التكاثر 8 أي عن الشكر على النعيم فيطالب العبد بأداء شكر الله على النعيم فإن الله تعالى لا يعاقب على ما أباح وإنما يعاقب على ترك مأمور وفعل محذور انتهى كلامه
وآية المائدة ذكر معنى كلامه فيها بعض المفسرين كما هو ظاهرها فأما السؤال عن النعيم فقيل يختص بالكفار ويعذبون على ترك الشكر وقيل عام ثم النعيم هل هو عام او خاص فيه قولان ثم في تعيينه نحو عشرة أقوال وظاهر اللفظ العموم فيها قال ابن الجوزي وهو الصحيح قال فالكافر يسأل توبيخا إذا لم يشكر المنعم ولم يوحده والمؤمن يسأل عن شكرها كذا قال فظاهره لا يسأل توبيخا وتعذيبا وهو ظاهر كلام بعض المفسرين
قال ابن الجوزي بعد كلامه المذكور وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل ثلاث لا أسأل عبدي عن شكرهن وأسأله عما سوى ذلك بيت يسكنه وما يقيم به صلبه من الطعام وما يواري به عورته من اللباس (1)
ويأتي ما يتعلق بهذا في فضل تقبيل الخبز ويوافق كلام الشيخ تقي الدين ما ذكره المهدوي في تفسيره في قوله تعالى ( ^ غير محلي الصيد ) المائدة 1
وسبق في الفصل قوله ( ^ لتسئلن يؤمئذ عن النعيم ) التكاثر 8 قال القاضي أي عن القيام بحق شكره
وقال أبو زكريا النواوي سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها لا سؤال توبيخ ومحاسبة
وقول الشيخ تقي الدين إن الامتناع من المباح رأسا جهل كذا قال غيره من العلماء لانه خلاف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقة فمن اتخذ طريقا إلى الله سبحانه خلاف طريقة فإنما يروم ذلك ويظن أنها أوصل إلى المقصود وأبلغ في حصول المطلوب لا سيما مع شدة طريقة وضيقها ولا يخفى أن هذا من
____________________
1- حديث ضعيف لا يصح وهو في المسند وانظر تمام تخريجه فيه
(3/188)
الجهل والضلال
وقد ذكر أبو شامة عبد الرحمن بن اسماعيل بن إبراهيم المقدسي رحمه الله في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث ما رواه ابو بكر الخلال من اصحابنا رحمهم الله في كتاب الجامع أن رجلا جاء إلى مالك بن أنس رضي الله عنه فقال من اين أحرم قال من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحرم فقال الرجل فإني أو فإن أحرمت من أبعد منه قال مالك لا أرى ذلك فقال ما تكره من ذلك قال اكره عليك الفتنة قال وأي فتنة في ازدياد الخير قال فإن الله تعالى يقول
( ^ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) النور 63
وأي فتنة أكبر من أنك خصصت بفعل لم يخصص به رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أن رجلا قال لمالك بن أنس من أين أحرم قال من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعاد عليه مرارا قال فإن زدت على ذلك قال فلا تفعل فإني اخاف عليك الفتنة قال وما في هذه من الفتنة إنما هي أميال أزيدها قال فإن الله تعالى يقول ( ^ فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) النور 63 الآية قال وأي فتنة في هذا قال مالك وأي فتنة أعظم من أن ترى اختيارك لنفسك خيرا من اختيار الله تعالى واختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فما بال أقوام قالوا كذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب
____________________
(3/189)
عن سنتي فليس مني (1)
وفي مسلم عن عبد الله بن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال هلك المتنطون + أخرجه مسلم وأبو داود + قالها ثلاثا وهم المبالغون في الأمور
وقد روي عن صفوان بن سليم وهو من التابعين الصلحاء رضي الله عنهم أنه عاهد الله أن لا يضع جنبه إلى الارض ما بقي في الدنيا وعاش بعد ذلك ثلاثين سنة ووفى بذلك
وعن داود الطائي أنه كان يسف السويق لئلا يشتغل بمضغ الخبز وغيره عن الذكر وعن غيرهما أيضا من العباد معنى هذه الأحوال ولعل ذلك لا يصح عن عابد عالم وعابد جاهل لا عبرة برأيه فإن صح ذلك فإنه محجوج برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال مالك رضي الله عنه الكلام المشهور كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر يعني رسول صلى الله عليه وسلم
وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر بعض ذلك وغيره عن بعض العباد رحمهم الله قال ولعمري إن هذه خيرات ولكن عليك بالجادة طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كما قال
وأما إن أسرف في تناول ذلك فقال ابن عقيل وجماعة ظاهر كلام احمد رحمه الله ان التبذير والاسراف ما أخرجه في الحرام لقوله لو أن الدنيا لقمة فوضعها في في أخيه لم يكن إسرافا
وقال القاضي أبو يعلى إن لم يخف الفقر لم يكن مسرفا وإلا فهو من السرف المنهي عنه وقال ابن الجوزي في التبذير قولان أحدهما أنه إنفاق المال في غير حق قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقال الزجاج في غير طاعة والثاني الإسراف المتلف للمال
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم
(3/190)
( ^ أن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) الاسراء 27 يوافقونهم فيما يدعونهم إليه ويشاكلونهم في معصية الله ( ^ وكان الشيطان لربه كفورا ) الاسراء 27 أي جاحدا لنعمه
قال ابن الجوزي وهذا يتضمن أن المسرف كفور للنعم وذكر غير واحد من اصحابنا ان التبذير ان يصرفه في حرام أو في غير فائدة والمسألة مذكورة في الفقه في باب الحجر وسبق كلام الشيخ تقي الدين ان الاسراف في المباحات محرم وقد يحتج لعدم التحريم بعموم القران وإطلاقه من غير نظر إلى السبب كقوله تعالى
( ^ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) الاعراف 32
وكقوله ( ^ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) المائدة 93
وبأنه إجماع سابق في البناء والعمارة كما يأتي في كلام ابن حزم فهذا أولى ومن قال بخلاف ذلك يحتج بإطلاق قوله تعالى ( ^ ولا تسرفوا ) الأعراف 31 ويحمل ما سبق على أن المراد الإباحة في الجملة لا مع السرف لأنه اخص وحيث لم يحرم فمعلوم أن تركه أولى وهل يكره ظاهر ما ذكره بعضهم أنه لا يكره لأن الأصل عدم الكراهة وعدم دليلها
ويأتي كلام ابن عقيل في فصول التكسب أقسم بالله لو عبس الزمان في وجهك مرة لعبس في وجه أهلك وجيرانك ثم حث على الإمساك وقول أحمد في الكرم والبخل متمثلا
( قليل المال تصلحه فيبقى % ولا يبقى الكثير على الفساد )
وهذا يدل على الكراهة وهذا معلوم في الشاهد والغائب افتقر خلق كثير بالإسراف في اللذات والشهوات وظاهر كلام ابن الجوزي الكراهة قال في
____________________
(3/191)
قوله تعالى
( ^ ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) الاحقاف 20
قال المفسرون المراد بطيباتهم ما كانوا فيه من اللذات مشتغلين بها عن الآخرة معرضين عن شكرها ولما وبخهم الله تعالى بذلك آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون بعدهم رضي الله عنهم اجتناب نعيم العيش ولذته ليتكامل أجرهم ولئلا يلهيهم عن معادهم
روى جابر قال رأى عمر لحما معلقا في يدي فقال ما هذا يا جابر فقلت اشتهيت لحما فاشتريته فقال أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر أما تخاف هذه الاية ( ^ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) الاحقاف 20
وعن عمر رضي الله عنه أنه قيل له لو أمرت أن يصنع لك طعام ألين من هذا فقال إني سمعت الله عير أقواما فقال ( ^ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) الاحقاف 20 انتهى كلامه
الأثر عن جابر في الموطأ وفيه أنه أشترى لحما بدرهم وأن عمر قال له ما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره وابن عمه اين يذهب عنكم قوله تعالى ( ^ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) الاحقاف 20
وما يروى عن السلف وأئمة الخلف المقتدى بهم في العلم والدين ما يدل على خلاف ذلك ولا يتحقق فيه إسراف والكلام فيه
وقد قال أبو حازم لسهل بن سعد هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي فقال ما رأى النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله فقلت هل كان لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل قال ما رأى المنخل من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله قلت كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول قال كنا نطحنه وننفخه فيطير ما
____________________
(3/192)
طار وما بقي ثريناه (1)
رواه أحمد والبخاري والترمذي وزاد بعد قوله النقي يعني الحوارى ثريناه عجناه وسيأتي في آداب المساجد حكم إنفاق المال في البناء والعمارة وكلام الشيخ تقي الدين وأما إنفاقه في الصدقة فمذكور في الفقه في صدقة التطوع ويأتي في فصول التكسب والله أعلم
قالت الحنفية الأكل فوق الشبع حرام قال المشايخ منهم إلا في موضعين
أحدهما أن يأكل فوق الشبع ليتقوى به على صوم الغد
والثاني إذا نزل به ضيف وقد تناهى أكله ولم يشبع ضيفه وهو يعلم أنه متى أمسك عن الأكل أمسك الضيف عنه حياء وخجلا فلا بأس بأكله فوق الشبع لكيلا يصير داخلا في جملة من أساء القرى وهي مذمومة شرعا وهذا الاستثناء فيه نظر ظاهر ولهذا لم يذكره الإمام محمد بن الحسن
وقال المشايخ من الحنفية ومن السرف أن يلقي على المائدة من الخبز أضعاف ما يحتاج إليه الآكلون ومن السرف أن يضع لنفسه ألوان الطعام ويكره تعليق الخبز على الخوان بل يوضع بحيث لا يتعلق ويكره وضع الخبز في جنب القصعة لتستوي القصعة ويكره مسح الأصابع والسكين في الخبز ويكره وضع المملحة على الخبز بل يوضع الملح وحده على الخبز ويكره ان يأكل ما انتفخ من الخبز ووجهه ويترك الباقي ومتى أذهب طيباته في حياته الدنيا واستمتع بها ذهبت درجاته في الآخرة انتهى كلامهم
وقد ورد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ما ظاهره موافق لما ذكر في المسألة الأخيرة
وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها في الدنيا وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخر له حسناته
____________________
1- اخرجه البخاري واحمد والترمذي
(3/193)
في الآخرة ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته (1)
قال في شرح مسلم المؤمن يدخر له حسناته وثواب أعماله إلى الآخرة ويجزى بها مع ذلك أيضا في الدنيا ولا مانع من جزائه بها في الدنيا والآخرة وقد ورد الشرع به فيجب اعتقاده
وفي صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام قال ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجورهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم الأجر + أخرجه مسلم وابو داود +
حمله في شرح مسلم على ظاهره وقال وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر قال وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة رضي الله عنهم كقوله منا من مات ولم يأكل من أجره شيئا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها أي يجتنيها + أخرجه البخاري ومسلم +
وذكر فيه أقوالا وضعفها وذكر أن هذا الصواب الذي لا يجوز غيره واختار القاضي عياض معناه واختاره الشيخ تقي الدين
وقد قال بعضهم إن الخبر المذكور في تنقيص أجر من غنم لا يصح وإنه لا يجوز أن ينقص ثواب أهل بدر قال بعضهم وراوي هذا الخبر أبو هانئ حميد بن هانئ مجهول ولأن في الصحيحين أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة وأجيب بأن أبا هانئ ثقة مشهور روى عنه الليث وغيره من الأئمة وليس في غنيمة بدر نص أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم وقد غنموا فقط ولا تعارض بين هذا الخبر وبين الخبر الاخر فإنه لم يقل إن الغنيمة تنقص الأجر أم لا ولا قال أجره كأجر من لم يغنم وزعم بعضهم أن الذي تعجل ثلثي أجره إنما هو في غنيمة أخذت على غير وجهها وزعم بعضهم أن المراد أن التي لم تغنم يكون لها أجر بالأسف على ما فاتها من
____________________
1- اخرجه مسلم
(3/194)
الغنيمة فيضاعف ثوابها كما يضاعف ثواب من أصيب في ماله وأهله وزعم بعضهم أنه محمول على من خرج بنية الغزو والغنيمة معا فينقص الله ثوابه والله أعلم
قال ابن حزم عن قوله تعالى في إبراهيم ( ^ وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) البقرة 130 قال له هناك جزاء الصالحين غير منقوص من الآخرة بما أعطي في الدنيا من الآخرة فصل في مباسطة الضيفان ومعاملة كل طبقة بما يليق بها
ويستحب لصاحب الطعام أن يباسط الإخوان بالحديث الطيب والحكايات التي تليق بالحال إذا كانوا منقبضين
قال المأمون سبعة أشياء لا تمل أكل خبز البر وشرب ماء العنب وأكل لحم الضأن والثوب اللين والرائحة الطيبة والفراش الوطيء والنظر إلى كل شيء حسن فقال له الحسن بن سهل أين محادثة الإخوان يا أمير المؤمنين قال هن ثمان وهي أولاهن
ويأكل ويشرب مع أبناء الدنيا بالأدب ومع الفقراء بالإيثار ومع الإخوان بالانبساط ومع العلماء بالتعلم والاتباع
قال الإمام أحمد يأكل بالسرور مع الإخوان وبالإيثار مع الفقراء وبالمروءة مع أبناء الدنيا
قال جعفر بن محمد قال لي أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل رضي الله عنه يوم عيد خذ عليك رداءك وادخل قال فدخلت فإذا مائدة وقصعة على خوان عليها عراق وقد زال جانبه فقال لي كل فلما رأى ما نزل بي
____________________
(3/195)
قال إن الحسن كان يقول والله لتأكلن وكان ابن سيرين يقول إنما وضع الطعام ليؤكل وكان إبراهيم بن أدهم يبيع ثيابه وينفقها على أصحابه وكانت الدنيا أهون عليه من ذاك وأومأ إلى جذع مطروح قال فانبسطت فأكلت فقال لتأكلن هذه
وقال عبد الله بن داود الحربي اشترى ابراهيم بن أدهم لاصحابه شيئا وقال يا فتيان كلوا في رهن رواه الخلال في الاخلاق
وغدى الإمام احمد محمد بن جعفر القطيعي وأباه قال محمد فجعلت آكل وفي انقباض لمكان أحمد قال فقال لي لا تحتشم قال فجعلت آكل قالها ثلاثا أو مرتين ثم قال لي في الثالثة يا بني كل فإن الطعام أهون مما يحلف عليه
قال ابو جعفر النحاس فيما يحتاج اليه الكتاب في باب الاصطلاح المحدث الذي باستعماله خطأ وقال واستعملوا احتشم بمعنى استحيى ولا نعرف احتشم بمعنى استحيى ولا نعرف احتشم إلا بمعنى غضب وقال الجوهري في الصحاح عن ابي زيد حشمت الرجل وأحشمته بمعنى وهو أن يجلس إليك فتؤذيه وتغضبه وقال ابن الأعرابي حشمته أخجلته وأحشمته أغضبته والاسم الحشمة وهو الاستحياء والغضب أيضا وقال الاصمعي الحشمة إنما هي بمعنى الغضب لا بمعنى الاستحياء وأحتشمته منه بمعنى ورجل حشيم أي محتشم وحشم الرجل خدمه ومن يغضب له سموا بذلك لانهم يغضبون له ذكر ذلك الجوهري وقال ابن بري قد جاء الحشمة بمعنى الحياء قال أبو زيد الإبة الحياء يقال أوأبته فاتأب أي احتشم
وقال ابن عباس لكل داخل دهشة ولكل طاعم حشمة فابدؤوه باليمين وقال للمنقبض عن الطعام ما الذي حشمك انتهى كلامه
وإنما ذكرت هذا لئلا ينسب بعض من يقف على استعمال الامام احمد رضي الله عنه ذلك إلى ما لا ينبغي والله اعلم لكن قد استعمل ذلك في عرف
____________________
(3/196)
حادث على ما لا يعرف في اللغة والله أعلم
وذكر في شرح مسلم أنه يستحب لصاحب الطعام وأهل الطعام الأكل بعد طعام الضيفان لحديث أبي طلحة الانصاري الصحيح والأولى النظر في قرائن الحال وما تقتضيه المصلحة وفيما تقدم إشعار بذلك وحديث أبي طلحة لا يخالفه
وذكر ابن الجوزي في آداب الأكل أن لا يسكتوا على الطعام بل يتكلموا بالمعروف ويتكلمون بحكايات الصالحين في الأطعمة وغيرها ومن ذلك أن يقصد كل منهم الإيثار لرفيقه ولا يحوج رفيقه أن يقول له بل ينبسط ولا يتصنع بالانقباض ومن ذلك أن لا يفعل ما يستقذره من غيره فلا ينفض يده في القصعة ولا يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه وإذا خرج شيء من فيه ليرمي به صرف وجهه عن الطعام وأخذه بيساره ولا يغمس اللقمة الدسمة في الخل ولا الخل في الدسم فقد يكرهه غيره ولا يغمس بقية اللقمة التي أكل منها في المرقة ويستحب تقديم الطعام إلى الاخوان ويقدم ما حضر من غير تكلف ولا يستأذنهم في التقديم بل يقدم من غير استئذان كذا ذكر وفي هذا الأدب نظر قال ومن التكلف أن يقدم جميع ما عنده انتهى كلامه
قال أحمد في المسند حدثنا عفان حدثنا قيس بن الربيع حدثنا عثمان بن شابور عن شقيق أو نحوه شك قيس أن سلمان دخل عليه رجل فدعا له بما كان عنده فقال لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أو قال لولا أنا نهينا أن يتكلف أحدنا لصاحبه لتكلفنا لك هذا الإسناد ليس بحجة وقد يحتج به في مثل هذا الحكم
قال ابن الجوزي ومن آداب الزائر أن لا يقترح طعاما بعينه وإن خير بين طعامين اختار الأيسر إلا أن يعلم أن مضيفه يسر بذلك ولا يقصر عن تحصيل ذلك قال وينبغي أن لا يقصد بالإجابة إلى الدعوة نفس الأكل بل ينوي به
____________________
(3/197)
الاقتداء بالسنة وإكرام أخية المؤمن وينوي صيانة نفسه عمن يسيء به الظن فربما قيل عنه إذا امتنع هذا متكبر ولا يكثر النظر إلى المكان الذي يخرج منه الطعام فإنه دليل منه على الشره وهذا منه يدل على أنه لا ينبغي فعل ما يدل على الشرة ومنه الأكل الكثير الذي يخرج به عن العادة في ذلك الوقت ولهذا كان الشيخ تقي الدين رحمه الله إذا دعي اكل ما يكسر نهمته قبل ذهابه ولعله تبع في ذلك من مضى من السلف
وقد ذكر ابن عبد البر عن علي رضي الله عنه انه كان اذا دعي إلى طعام اكل شيئا قبل أن يأتيه ويقول قبيح بالرجل أن يظهر نهمته في طعام غيره وهذا والله اعلم يختلف باختلاف الاشخاص والاحوال
قال ابن الجوزي رحمه الله ومن آداب إحضار الطعام تعجيله وتقديم الفاكهة قبل غيرها لأنه أصلح في باب الطب وقد قال تعالى ( ^ وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون ) الواقعة 20 - 21 انتهى كلامه
ويفسد الغذاء بأكل الفاكهة بعده قبل هضمه كذا أطلقه بعض أصحابنا وغيرهم ومرادهم في الجملة مما لا يقبض وقد قال الأطباء أكل الكمثرى على الطعام جيد يمنع البخار أن يرتقي من المعدة إلى الدماغ ومثله السفرجل إلا أن ذلك في السفرجل لشدة قبضه وكثرة أرضيته وفي الكمثرى لخاصية فيه ومن خاصيته منع فساد الطعام في المعدة لكن لا يكثر أكلها ولا يدمنه فإنه يحدث القولنج فلهذا قال بعضهم لا تؤكل الكمثرى على طعام غليظ قال بعضهم والرمان الحامض يستعمل بعد الغذاء لمنع البخار ويأتي حديث عبد الله بن بسر أنه عليه السلام أكل التمر بعد الطعام وفي مسلم في قصة ابي الهيثم انه عليه السلام أكل التمر أولا لكن لم يكن غيره إذا
قال بعض الاطباء الفواكه الرطبة تقدم قبل الطعام إلا ما كان منها أبطأ وقوفا في المعدة وفيه قبض أو حموضة كالسفرجل والتفاح والرمان وتفسد الفاكهة
____________________
(3/198)
بشرب الماء عليها وقد سبق في الطب
قال بعض الاطباء مصابرة العطش بعد جميع الفواكه نعم الدواء لها ورأيت بعض الناس يشرب الماء بعد التوت الحلو غير الشامي وبعد التين ويقول إنه نافع يهضمه ويحكيه عن بعض الاطباء والمعروف عن الاطباء انهم نهوا عن شرب الماء بعد الفواكه مطلقا ويقولون إنه مضر
وذكر الاطباء انه يشرب بعد التوت والتين السكنجبين وأنه يدفع ضرره
قال بعض أصحابنا ولا يتناول الغذاء بعد التملؤ منها فإن القولنج يحدث عن ذلك كثيرا وما قاله صحيح ولا يخالف هذا قول الأطباء إن البطيخ الأصفر يؤكل بين طعامين
قال احمد رحمه الله اكره النفخ في الطعام وإدمان اللحم والخبز الكبار وظاهره لا يكره النفخ في الكباب كما سبق في المستوعب والكراهة تفتقر إلى دليل مع أن ظاهر الخبر كقول أحمد
وروى احمد وغيره عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الطعام والشراب (1)
وقد سبق في الفصل الأول وقد سبق الكلام في أكل اللحم في حفظ الصحة من فصول الطب وذكرالقاضي في الجامع أن إسحاق قال تعشيت مع أبي عبد الله فجعل يأكل فربما مسح يده عند كل لقمة
قال الشيخ عبد القادر وغيره يكره الأكل على الطريق قال ويستحب أن يبدأ بالملح ويختم به قال الشيخ تقي الدين فقد زاد الملح قال الشيخ عبد القادر ومن الأدب أن لا يكثر النظر إلى وجوه الآكلين لأنه مما يحشمهم ولا يتكلم على الطعام بما يستقذر من الكلام ولا بما يضحكهم
____________________
1- اخرجه احمد والترمذي وقال حسن صحيح وهو كما قال وهو في سنن ابن ماجه
(3/199)
خوفا عليهم من الشرق ولا بما يحزنهم لئلا ينغص على الاكلين أكلهم ويكره أكل البقلة الخبيثة وهي الثوم والبصل والكراث لكراهة ريحه قال ويكره إخراج شيء من فيه ورده إلى القصعة قال ولا يمسح يده بالخبز ولا يستبدله ولا يخلط طعاما بطعام قال ولا يجوز له ذم الطعام ولا لصاحب الطعام استحسانه ومدحه ولا تقويمه لأنه دناءة
كذا قال والقول بالكراهة أولى لأن في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إذا اشتهى طعاما أكله وإن كرهه تركه (1)
وترجم عليه أبو داود باب في كراهية ذم الطعام قال ابن هبيرة هذا يدل على انه لا يأكل من الطعام إلا ما يشتهيه لا يجاهد نفسه على تناول ما لا يريده فإنه من أضر شيء بالبدن وقد جاء في صفة أهل الجنة ( ^ ولحم طير مما يشتهون ) الواقعة 21 قال وفيه أيضا رد على من يزعم أن تناول ما لا يشتهي مكروه
وقال أبو داود باب في كراهة التقذر للطعام حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا سماك بن حرب حدثني قبيصة بن هلب عن ابيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله رجل فقال إن من الطعام طعاما أتحرج منه فقال لا يختلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية + أخرجه احمد وابو داود وابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث حسن وهو كما قال ولتمام التخريج انظر ابن حبان +
قبيصة تفرد عنه سماك قال ابن المديني والنسائي مجهول وقال العجلي وغيره ثقة ورواه الترمذي وابن
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والبيهقي والبغوي
(3/200)
ماجه من حديث سماك
قال ابن الأثير في النهاية المضارعة المشابهة والمقاربة كأنه أراد لا يتحركن في قلبك شك أن ما شابهت فيه النصارى حرام أو خبيث أو مكروه وذكره الهروي في باب الحاء المهملة مع اللام ثم قال إنه نظيف قال ابن الاثير وسياق الحديث لا يناسب هذا التفسير
قال الشيخ عبد القادر ولا يرفع يده حتى يرفعوا أيديهم إلا أن يعلم منهم الانبساط إليه ولا يتكلف ذلك ويستحب ان يجعل ماء الأيدي في طست واحد لما روي في الخبر لا تبددوا يبدد الله شملكم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع الطست حتى يطف يعني يمتلئ كذا قال وهذه المسألة ودليلها ضعيف إلى أن قال من الادب أن لا يفرش المائدة بالخبز ويوضع فوقه الطعام
قال الشيخ تقي الدين يستدل على كراهة الاغتسال بالأقوات بأن ذلك يفضي إلى خلطها بالأدناس والانجاس منهي عنه كما نهي عن إزالة النجاسة بها والملح ليست قوتا وإنما يصلح بها القوت نعم ينهى في الاستنجاء عن قوت الآدميين والبهائم للإنس والجن فعلى هذا لا يستنجي بالنخالة وإن غسل يده بها فأما إن دعت الحاجة إلى استعمال القوت مثل الدبغ بدقيق الشعير أو التطبب للجرب باللبن والدقيق ونحو ذلك فينبغي ان يرخص فيه كما رخص في قتل دود القز بالتشميس لأجل الحاجة إذ لا تكون حرمة القوت أعظم من حرمة الحيوان وبهذا قد يجاب عن الملح انها استعملت لاجل الحاجة وعلى هذا فقدد يستدل بهذا قد يجاب عن الملح انها استعملت لأجل الحاجة وعلى هذا فقد يستدل بهذا الأصل الشرعي على المنع من إهانتها بوضع الإدام فوقها كما ذكره الشيخ عبد القادر
____________________
(3/201)
ودليل آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم امر بلعق الاصابع والصحفة واخذ اللقمة الساقطة وإماطة الاذى عنها (1)
كل ذلك كيلا يضيع شيء من القوت والتدلك به إضاعة له لقيام غيره مقامه وهو من انواع التبذير الذي هو من فعل الشيطان وسئلت عن مثل هذه وهو غسل الايدي بالمسك فقلت إنه إسراف بخلاف تتبع الم بالفرصة الممسكة فإنه يسير لحاجة وهذا كثير لغير حاجة فاستعمال الطيب في غير التطيب وغير حاجة كاستعمال القوت في غير التقوت وغير حاجة وحديث البقرة إنا لم تخلق للركوب يستأنس به في مثل هذا
ويستدل على ما فعله احمد من مسح اليد عند كل لقمة بأن وضع اليد في الطعام يخلط أجزاء من الريق في الطعام فهو في معنى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من التنفس في الإناء لكن يسوغ فيه لمشقة المسح عند كل لقمة فمن يحشم المسح فلذلك حسن منه انتهى كلامه
وظاهر كلام الأصحاب رحمهم الله أنه لا يكره غسل اليد بطيب ولو كثر لغير حاجة ويتوجه تحريم الاغتسال بمطعوم كما هو ظاهر تعليل الشيخ تقي الدين
وقال أبو الحسن الآمدي ذكر الشيخ أبو عبد الله بن حامد ان من السنة لمن أراد الأكل أن يخلع نعليه وروى فيه حديثنا قال والأكل على السفر أولى من الأكل على الخوان
روى البخاري عن انس قال لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان وما أكل خبزا مرققا حتى مات + أخرجه البخاري وابن ماجه ولتمام التخريج انظر ابن حبان +
____________________
1- رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله وانس بن مالك وهو حديث صحيح انظر ابن حبان
(3/202)
وله أيضا عنه ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل على سكرجة قط ولا خبز له مرقق قط ولا أكل على خوان قط قيل لقتادة على ما كانوا يأكلون قال على السفر رواه احمد والترمذي وزاد حتى مات (1)
ومن تتمة كلام ابن حامد قال ويكره ان يعيب الأكل قال وإذا كان مع الجماعة فقدم إليه لون واحد أكل مما يليه وإن كان وحده فلا بأس أن تجول يده فإن بدأ بالطعام ثم أقيمت الصلاة ابتدر إلى الصلاة لحديث اللحم انتهى كلامه وكلام بعضهم يخالف ما ذكره في المسألة الاخيرة وكراهة عيب الاكل اولى مما تقدم من تحريمه
والخبر المذكور في الصحيحين عن عمرو بن أمية الضمري قا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة فأكل منها فدعي إلى الصلاة فقام وطرح السكين وصلى ولم يتوضأ + اخرجه البخاري ومسلم وانظر ابن حبان +
قال مهنا سألت احمد عن حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم وانهشوه نهشا فإنه أهنأ وأمرأ + أخرجه ابو داود وقال ليس هو بالقوي وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال قال احمد بن حنبل ليس بصحيح وقال هذا حديث ابي معشر واسمه نجيح بن عبد الرحمن قال يحيى ليس بشيء وقد سرقه من ابي معشر يحيى بن هاشم +
قال ليس بصحيح واحتد بهذا الحديث واحتج بعض اصحابنا بهذا النص عن احمد على أنه لا بأس به وحديث عمرو بن أمية خلاف هذا وحديث المغيرة وهذا الخبر رواه أبو داود وغيره من رواية أبي معشر وهو ضعيف عند الأكثر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا وعده النسائي من مناكير ابي معشر وقال البيهقي إن صح فإنما أراد به انه اذا نهشه كان أطيب كالخبر الاول يعني ما رواه أبو داود وغيره عن صفوان بن أمية قال كنت آكل مع
____________________
1- اخرجه احمد والبخاري والترمذي
(3/203)
النبي صلى الله عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم فقال أدن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ (1)
وهذا الخبر فيه ضعف وانقطاع وكذا رواه احمد ورواه أيضا من طريق أخرى ضعيفة بمعناه وكذا رواه الترمذي + السنن وأخرجه أيضا الحميدي واحمد والدارمي من طريق سوى طريق ابي داود بلفظ انهسوا اللحم نهسا فإنه أهنأ وأمرأ +
لكن قال الأصحاب لا بأس بذلك في هذا الحكم وهذا الذي قاله البيهقي رأيت بعض أصحابنا يقوله لعل كلام أبي داود يدل عليه وكلام أحمد لا يخالفه ولم أجد من صرح بأن النهش منه ليس بأولى وقد أخذ عليه الصلاة والسلام الذراع المسمومة فنهش منها نهشة واستعماله السكين قضية عين يحتمل انه لقوة اللحم وصعوبته أو غير ذلك ويحتمل أنه لبيان الجواز ولا يمنع أن غيره أولى لكن الكراهة لا تظهر وفي شرح مسلم قالوا ويكره من غير حاجة كذا قال
وروى أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل والإسناد صحيح عن المغيرة بن شعبة قال ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي قال فأخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه + اخرجه احمد وابو داود والترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى +
وأما تقطيع الخبز بالسكين فلم أجد فيه كلاما ويتوجه أنه لا بأس به لحاجة وإلا احتمل أن يكره لعدم نقله وفعله شرعا بخلاف اللحم وقد يحتمل أن تركه أولى فقط وهو نظير الأكل على الخوان والأكل بالملعقة لغير حاجة ويحتمل أنه لا بأس به لعدم النهي + هذه المسائل تتعلق بالعادة والعرف والأمر والنهي فيها للإرشاد لا للتشريع الديني +
وما يروى من النهي عن قطع الخبز بالسكين فلا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
1- أخرجه احمد وابو داود وقال عثمان لم يسمع من صفوان وهو مرسل
(3/204)
ولأحمد عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجبنة فجعلوا يضربونها بالعصي فقال ضعوا السكين واذكروا اسم الله وكلوا (1)
ويستحب ان يجلس غلامه معه على الطعام فإن لم يجلسه لقمه ويستحب للآكل مع الجماعة أن لا يرفع يده قبلهم قال الآمدي لا يجوز أن يترك تحت الصحفة شيء من الخبز نص عليه أحمد في رواية مهنا وقال السنة أن يأكل بيده ولا يأكل بملعقة ولا غيرها ومن أكل بملعقة أو غيرها أخل بالمستحب وجاز انتهى كلامه
قال المروذي قلت لأبي عبد الله إن أبا معمر قال إن أبا أسامة قدم إليهم خبزا فكسره قال هذا لئلا يعرفوا كم يأكلون فصل فيما ورد من حمد الله والثناء عليه بعد الطعام والاجتماع له والتسمية قبله
عن أبي امامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا رواه البخاري (1)
قال في النهاية في غير مكفي أي غير مردود ولا مقلوب والضمير راجع إلى الطعام وقيل مكفي من الكفاية يعني أن الله هو المطعم والكافي وغير مطعم ولا مكفي فيكون الضمير لله وقوله ولا مودع أي غير متروك الطلب إليه والرغبة فيما عنده وقوله ربنا منصوب على النداء وعلى الثاني مرفوع على الابتداء أي ربنا غير مكفى ولا مودع ويجوز ان يرجع الكلام إلى الحمد كأنه قال حمدا كثيرا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغنى عنه أي عن الحمد
وللبخاري أيضا كان إذا فرغ من طعامه قال الحمد لله الذي كفانا وأروانا
____________________
1- اخرجه احمد وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف
(3/205)
غير مكفى ولا مكفور (1)
وعن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال الحمد لله الذي اطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين هذا الحديث فيه ضعف وأضطراب وقد رواه احمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه + أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي في عمل اليوم والليلة وفي إسناده إسماعيل بن رياح وهو مجهول +
وعن معاذ بن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ومن لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه + اخرجه احمد والدارمي وابو داود وابن ماجه والترمذي والحاكم وإسناده محتمل للتحسين +
هذا الحديث في إسناده عبد الرحيم بن ميمون ابو مرحوم المعافري عن سهل بن معاذ أما أبو مرحوم فضعفه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما وقال النسائي أرجو أنه لا بأس به وأما سهل فضعفه ابن معين ووثقه ابن حبان
وروى هذا الحديث أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب والحاكم وقال على شرط البخاري وأبو داود وزاد في آخره في الكسوة وما تأخر
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم طعاما فليقل بسم الله فإن نسي في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره رواه احمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه + اخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد وأبو داود وهو صحيح +
وعن جابر مرفوعا من نسي أن يسمي الله على طعامه فليقرأ قل هو الله
____________________
1- اخرجه البخاري وهو لفظ آخر لحديث ابي امامة المتقدم
(3/206)
أحد زاد بعضهم إذا فرغ والظاهر أن الخبر موضوع فإن فيه حمزة بن أبي حمزة ولفظ ابي داود والترمذي فإن نسى في الأول فليقل في الآخر بسم الله أوله وآخره وأول الخبر عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل طعاما في ستة نفر من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إنه لو سمى لكفاكم وذكر الحديث
وعن وحشي ان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال لعلكم تفترقون قالوا نعم قال اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه (1)
إسناده لين رواه احمد وأبو داود
وعن عمر مرفوعا كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف + سنن ابن ماجه وضعيف البوصيري إسناده في الزوائد وهو شاهد لما قبله +
وعن ابن عباس مرفوعا من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن رواه احمد وابو داود والترمذي وحسنه + اخرجه الحميدي واخحمد وابو داود والترمذي وهو حديث حسن كما قال الترمذي ولتمام تخريجه انظر مسند احمد +
وفي هذا فضيلة اللبن وكثرة خيره ونفعه قال بعضهم هو أنفع مشروب للآدمي لموافقته للفطرة الاصلية واعتياده في الصغر ولاجتماع التغذية والدموية فيه وقد قال تعالى ( ^ لبنا خالصا سائغا للشاربين ) النحل 66 وقال عن الجنة ( ^ وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ) محمد 15
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود وابن ماجه وهو حديث حسن بشواهده انظرها في ابن حبان
(3/207)
وقد قال الاطباء اللبن مركب من مائية وجبنية ودسومة وهي الزبدية وأجوده الشديد البياض المعتدل القوام في الرقة والغلظ المحلوب من حيوان صحيح معتدل اللحم محمود المرعى والمشرب يستعمل عقب ما يحلب وأصلح الألبان للإنسان لبن النساء وما يشرب من الضرع وأفضله ما يثبت على الظفر فلا يسيل ولا يكون فيه طعم غريب إلى حموضة أو مرارة أو حرافة أو رائحة كريهة قال بعضهم أو غريبة وهو بارد رطب والحليب اقل بردا من غيره وقيل مائيته حارة ملطفة غسالة بغير لذع وجزم بعض الاطباء بهذا القول
وقال بعضهم اللبن عند حلبه معتدل في الحرارة والرطوبة وزبديته إلى الاعتدال وإن مالت إلى حرارة جملته معتدل يقوي البدن وهو محمود يولد دما جيدا ويغذو غذاء جيدا ويزيد في الدماغ لا سيما لبن النساء واللبن ينهضم قريبا لتولده من دم في غاية الانهضام طرأ عليه هضم آخر وينبغي إذا شرب اللبن ان يسكن عليه لئلا يفسد ولا ينام عليه ولا يتناول عليه غذاء آخر إلى ان ينحدر وينفع من الوسواس والغم والامراض السوداوية وهو أنفع شيء لاصحاب المزاج الحار اليابس إذا لم يكن في معدهم صفراء ويزيل الحكة التي بالمشايخ ويعانون على هضمه بالعسل أو بالسكر
وأجود اوقات اخذه وسط الصيف لاعتدال الالبان في الغلظ واللطافة ولكن يخاف عليه أن يحيله الحر بعد الشرب ولا يخاف ذلك في الربيع ويجلو الآثار القبيحة في الجلد طلاء وشربه بالسكر يحسن جدا لا سيما النساء ويسمن حتى إن ماء الجبن يسمن أصحاب المزاج الحار اليابس إذا جلسوا فيه وينفع من الحكمة والجرب ويهيج الجماع وإذا شرب مع العسل نقى القروح الباطنة في الاخلاط الغليظة وانضجها واللبن ينفع من السجج وشرب الأدوية القتالة ويرد عقل من سقى البنج ويستحيل في المعدة الصفراوية إلى الصفراء وينفخ ويورث السدد في الكبد ويضر اصحاب سيلان الدم والحليب يتدارك ضرر الجماع ويوافق الصدر والرئة جيدا لأصحاب السل رديء للرأس والمعدة والكبد والطحال
____________________
(3/208)
وليس شيء أضر للبدن من لبن فاسد رديء واللبن اذا اكثر منه تولد منه القمل والبرص الا لبن الابل فإنه قل ما يخاف منه البرص واللبن رديء للمحمومين واصحاب الصداع مؤذ للدماغ والراس الضعيف ضار للاورام الباطنة والاعصاب والامراض البلغمية وباللثة والاسنان قالوا وينبغي ان يتمضمض بعده لاجل اللثة بالعسل ويظلم البصر ويضر بالغشاء والخفقان والحصاة ووجع المفاصل والاحشاء وينفخ المعدة ويذهب بنفخه ان يغلى ويؤكل بعده المشمش قال بعضهم او عسل او زنجبيل ومن اعتاده فليس كمن لم يعتده
وان جمد اللبن لانفحة شربت فيه او غير ذلك عرض عنه عرق بارد وغثي وحمى نافض وجموده مع انفحة اردأ واسرع الى الخنق وينبغي ان يجتنب المملوحات فإنها تزيده تجبنا ولكن ينبغي ان يسقى خلا ممزوجا بماء ويسقى من الانفحة الى مثقال فإنها ترققه وتخرجه بقيء او إسهال
واللبن المطبوخ والملقى فيه الحصا المحمي والحديد يعقل البطن واللبن الحامض اجوده الكثير الزبد فإن اخذ زبده وحمض فهو المخيض وان نزع زبده ومائيته فهو اللدوغ وهو بارد يابس وقيل رطب وهو يوافق الامزجة الحارة ولكنه خام الخلط بطيء الاستمراء مضر باللثة والاسنان واللدوغ ينفع المعدة الحارة والمخيض لا يخشى جشاء دخانيا لانتزاع زبده ويحبس الاسهال الصفراوي والدموي ويسكن العطش وينبغي ان يتمضمض بماء العسل حتى لا يضر باللثة فإن استحال اللبن الحامض الى كيفية عفنة اخرى مع الحموضة تولد عنه دوار وغشيان ومغص في فم المعدة وربما عرضت عنه هيضة قاتلة وينبغي ان يداوى بالقيء وتنظيف المعدة منه بماء العسل
____________________
(3/209)
فأما انواع اللبن فلبن اللقاح سبق الكلام فيه في فصل التداوي بالمحرمات من فصول الطب ولبن البقر اكثر الالبان دسومة وغلظا واكثر غذاء من سائر الالبان وابطأ انحدارا ذكره ابن جزلة وذكر غيره انه يلين البطن ويطلقه باعتدال وانه من اعدل الالبان وافضلها بين لبن الضأن ولبن المعز في الرقة والغلظ والدسم وقد سبق الحديث فيه في فصل حفظ الصحة من الطب
ولبن المعز معتدل لاعتدال المائية والجبنية والزبدية فيه ينفع من النوازل ويحبسها من قروح الحلق واللسان عن اليبس والغم والوسواس والسعال ونفث الدم والسل بكسر السين وهو السلال يقال اسله الله فهو مسلول وهو من الشواذ والغرغرة به الخوانيق واورام اللهاة وقروح المثانة وقيل انه مضر بالاحشاء
ولبن الضأن دسم غليظ كثير الجبنية والزبدية وقال بعضهم هو اغلظ الالبان وارطبها ينفع من نفث الدم وقروح الرئة ويتدارك ضرر الجماع ويقوي على الباه وينفع من الادوية القتالة والزحير وقروح الامعاء وليس محمودا كلبن المعز وفيه تهييج للقولنج ويولد فضولا بلغمية ويحدث في جلد من ادمنه بياضا قال بعضهم ينبغي ان يشاب بالماء ليقل البدن ما ناله ويكثر تبريده ويسرع تسكينه للعطش
لبن الخيل قليل الجبنية والزبدية يعدل لبن اللقاح في ذلك
لبن النساء يدر البول وهو ترياق الارنب البحري وينفع من الرمد اذا حلب في العين ومن خشونة العين خاصة مع بياض البيض وينفع من السل اذا شرب حين يخرج من الثدي او يمص من الثدي وليكن من امراة صحيحة البدن معتدلة البدن وينفع من اورام الاذان وقروحها والله اعلم
وسبق الكلام في الجبن في ذكر المفردات
____________________
(3/210)
فصل في استحباب المضمضة من شرب اللبن وكل دسم
وتسن المضمضة من شربه قال في الرعاية لان النبي صلى الله عليه وسلم تمضمض بعده بماء وقال ان له دسما (1)
وشيب له بماء فشرب وذلك في الصحيحين وفيه انه لما شرب وأبو بكر عن يساره وعمر وجاهه واعرابي عن يمينه قال عمر هذا ابو بكر يا رسول الله يريه اياه فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعرابي وقال الايمنون الايمنون الايمنون + اخرجه البخاري ومسلم وانظر ابن حبان +
قال انس فهي سنة فهي سنة فهي سنة وللبخاري الايمنون الايمنون الا فيمنوا وتخصيصه في الرعاية المضمضة منه يدل على انها لا تستحب من غيره
وذكر بعض متأخري اصحابنا ما ذكره بعض الاطباء ان الاكثار منه يضر بالاسنان واللثة ولذلك ينبغي ان يتمضمض بعده بالماء ثم ذكر الخبر انه عليه السلام تمضمض وقال ان له دسما كذا قال وسبق في الفصل قبله كلام الاطباء انه يتمضمض بعده بالعسل لاجل اللثة ويتوجه ان تستحب المضمضة من كل ما له دسم لتعليله عليه السلام واما المضمضة مما لا دسم له ففيه نظر وظاهر الخبر لا يستحب
وعن سهل بن سعد مرفوعا مضمضوا من اللبن فإن له دسما + اخرجه ابن ماجه وفي إسناده عبد المهين بن عباس بن سهل وهو ضعيف قال فيه البخاري منكر الحديث +
وعن ام سلمة مرفوعا اذا شربتم اللبن فمضمضوا فإن له دسما + اخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف وقد تقدم من حديث ابن عباس المخرج في الصحيحين ما يشهد له +
رواهما ابن ماجه
____________________
1- اخرجه أحمد والبخاري ومسلم من حديث ابن عباس
(3/211)
وقال ابو زكريا النواوي قال العلماء تستحب المضمضة من غير اللبن المأكول والمشروب لئلا يبقى منه بقايا يبتلعها في الصلاة ولتنقطع لزوجته ودسمه ويتطهر فمه كذا قال وقد اكل عليه السلام لحما وغيره ثم صلى ولم يتمضمض
وفي الصحيحين عن سهل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الاشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده (1)
وفي مسند أبي بكر بن أبي شيبة أن هذا الغلام هو عبد الله بن عباس وقوله فتله أي وضعه وفيه أن الايمن في مثل هذا يقدم وإن كان مفضولا أو صغيرا واستأذن ابن عباس لإدلاله عليه يتألف الاشياخ وفيه بيان هذه السنة تقديم الايمن وأنه يجوز استئذانه في ترك حقه وأنه لا يلزمه الإذن وهل يجوز يخرج في الخلاف في الإيثار بالقرب ولم يستأذن الأعرابي لمخافة إيحاشه في صرفه إلى أصحابه ولتوهمه شيئا يهلك به لقرب عهده بالجاهلية وفيه التذكير ببعض الحاضرين مخافة نسيانه
قال في شرح مسلم وفيه ان من سبق الى مباح او مجلس عالم أو كبير فهو أحق ممن يجيء بعده ومراده والله أعلم في الجملة فأما إن عرف كل إنسان بمكان ومنزلة وصار ذلك عادة وعرفا لهم فلا يتعداه لما فيه من الشر فصل في استحباب غسل اليدين قبل الطعام وبعده
يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده وعنه يكره اختاره القاضي كذا ذكره السامري وغيره وقال في المحرر وعنه يكره قبله وقال مالك لا يستحب غسل اليد للطعام إلا أن يكون على اليد أولا قذر أو يبقى عليها بعد الفراغ رائحة وذكر في شرح مسلم ان للعلماء في استحباب ذلك قبل الطعام وبعده أقوالا ثم ذكر الأظهر تفصيلا وهو معنى كلام مالك
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ واحمد
(3/212)
وقد روى قيس بن الربيع وقد ضعفه جماعة ووثقه آخرون عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بركة الطعام الوضوء قبله وبعده (1)
قال مهنا ذكرت هذا الحديث لأحمد فقال ما حدث به إلا قيس بن الربيع وهو منكر الحديث قلت بلغني عن يحيى بن سعيد قال كان سفيان يكره غسل اليد عند الطعام لم يكره سفيان ذلك قال لأنه من زي العجم قال مهنا وذكرته ليحيى بن معين فقال لي يحيى ما أحسن الوضوء قبله وبعده وقال الترمذي لا يعرف إلا من حديث قيس بن الربيع
وعن أنس مرفوعا من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع إسناده ضعيف رواه ابن ماجه وغيره + أخرجه ابن ماجه وهو ضعيف كما قال المؤلف +
قال الشيخ تقي الدين من كرهه قال هذا من فعل اليهود فيكره التشبه بهم
وأما حديث سلمان فقد ضعفه بعضهم وقال كان هذا في أول الإسلام لما كان النبي صلى الله عليه وسلم موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولهذا كان يسدل شعره موافقة لهم ثم فرق بعد ذلك ثم صام عاشوراء لما قدم المدينة ثم إنه قال قبل موته لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع + اخرجه احمد ومسلم وابن ماجه +
يعني مع العاشر لأجل مخالفة اليهود
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقرب إليه الطعام فقالوا ألا نأتيك بوضوء قال إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة + أخرجه الترمذي والبيهقي واحمد بإسناد صحيح وانظر تمام تخريجه فيه +
رواه جماعة منهم الترمذي وحسنه البيهقي وصححه
____________________
1- أخرجه احمد وأبو داود والترمذي وهو ضعيف
(3/213)
وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا ينفي وجوب الوضوء عند كل حدث وأن قوله عليه السلام لبلال ما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي (1)
الحديث قال يقتضي استحباب الوضوء عند كل حدث
وقال البيهقي الحديث في غسل اليدين بعد الطعام حسن ولم يثبت في غسل اليدين قبل الطعام حديث
وقال جماعة من العلماء المراد بالوضوء في هذه الاحاديث غسل اليدين لا الوضوء الشرعي وقال الشيخ تقي الدين ولم نعلم أحدا استحب الوضوء للأكل إلا إذا كان الرجل جنبا انتهى كلامه
وقال سعيد حدثنا فضيل بن عياض عن مغيرة عن إبراهيم قال كانوا يحبون أن يتوضؤوا وضوء الصلاة عند النوم والطعام قال في الرعاية ويسن غسل يده وفمه من ثوم وبصل ورائحة كريهة غيرهما فصل
قال في اقتضاء الصراط المستقيم قال أصحاب احمد وغيرهم منهم ابو الحسن الآمدي وأظنه نقله أيضا عن أبي عبد الله بن حامد ولا يكره غسل اليدين في الإناء الذي أكل فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وقد نص أحمد على ذلك قال ولم يزل العلماء يفعلون ذلك ونحن نفعله وإنما تنكره العامة وغسل اليدين بعد الطعام مسنون رواية واحدة وإذا قدم ما يغسل فيه اليد فلا يرفع حتى يغسل الجماعة أيديهم لأن الرفع من زي الأعاجم فصل
عن اسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها كانت إذا ثردت شيئا غطته حتى
____________________
1- أخرجه احمد وابن حبان من حديث ابن بريدة عن ابيه به وانظر البخاري من حديث بلال
(3/214)
يذهب فوره ثم تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه أعظم للبركة (1)
رواه احمد من حديث ابن لهيعة ورواه البيهقي من رواية قرة بن عبد الرحمن عن الزهري وقرة فيه ضعف وقد وثق وهو أعلم الناس بالزهري
وروى البيهقي عن أبي هريرة قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم يوما بطعام سخن فقال ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا قبل اليوم + اخرجه البيهقي وابن ماجه وحسن البوصيري إسناده في الزوائد وصححه ابن التركماني في الجوهر النقي +
وروى البيهقي بإسناد حسن عن ابي هريرة انه كان يقول لا يؤكل الطعام حتى يذهب بخاره فصل في انتظار الآكلين بعضهم بعضا حتى ترفع المائده
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام عن الطعام حتى يرفع + سنن ابن ماجه وضعفه البوصيري في الزوائد +
وعن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا إذا وضعت المائدة فلا يقم رجل حتى ترفع المائدة ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم وليعذر فإن الرجل يخجل جليسه فيقبض يده وعسى أن يكون له من الطعام حاجه + سنن ابن ماجه وضعفه البوصيري في الزوائد +
وعن أنس مرفوعا إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت + سنن ابن ماجه وضعفه البوصيري في الزوائد +
رواهن ابن ماجه وغيره وفيهن ضعف
____________________
1- أخرجه احمد والبيهقي وعبد بن حميد والدارمي وهو حديث حسن
(3/215)
فصل في آداب أكل التمر ومنها تفتيشه لتنقيته
عن أنس رضي الله عنه قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه (1)
إسناده ثقات رواه أبو داود والبيهقي وقال وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن شق التمرة عما في جوفها فإن صح فيشبه أن يكون المراد إذا كان التمر جديدا والذي رويناه في العتيق
وقال الآمدي ولا بأس بتفتيش التمر وتنقيته وكلامه إنما يدل على ما فيه شيء وهو العتيق من أنه صادق على ما تعلق به مما لا يؤكل معه شرعا وعرفا ومثله في الحكم ما في معناه من فاكهة وغيرها وقد دل الخبران المذكوران على أن ذلك لا يتحرى ويقصد غالبا بل إن ظهر شيء أو ظنه أزاله وإلا بني الأمر على الأصل والسلامة والله أعلم
وعن أنس رضي الله عنه أنه كان يكره أن يضع النوى مع التمر على الطبق ذكره البيهقي
وقال ابن الجوزي في آداب الأكل ولا يجمع بين النوى والتمر في طبق ولا يجمعه في كفه بل يضعه من فيه على ظهر كفه ثم يلقيه وكذا كل ما له عجم وثفل وهذا معنى كلام الآمدي والعجم بالتحريك النوى وكل ما كان في جوب مأكول كالزبيب وما أشبه والواحدة عجمة مثل قصبة وقصب يقال ليس لهذا الرمان عجم قال يعقوب والعامة يقولون عجم بالتسكين والثفل بضم الثاء المثلثة وسكون الفاء ما يثفل من كل شيء وقولهم تركت بني فلان متثافلين أي يأكلون الثفل يعنون الحب إذا لم يكن لهم لبن وكان طعامهم الحب وذلك أشد ما يكون حال البدوي وهذا الادب في المسألة الاخيرة والله أعلم بسبب مباشرة الرطوبة المنفصلة والعرف والعادة بخلاف ذلك لكن الحكم للشرع لا
____________________
1- اخرجه ابو داود والبيهقي والرواية الثانية هي عند البيهقي من رواية ابن عمر
(3/216)
لعرف حادث
وقد قال الإمام احمد في رواية ابي بكر بن حماد وعبد الكريم بن الهيثم لا أعلم بتفتيش التمر إذا كان فيه الدود بأسا قال ابو بكر بن حماد رأيت أحمد يأكل التمر ويأخذ النوى على ظهر أصبعيه السبابة والوسطى ورأيته يكره ان يجعل النوى مع التمر في شيء واحد ذكره الخلال في جامعه وصاحبه أبو بكر
وعن عبد الله بن بسر قال نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي فقربنا إليه طعاما ووطبه فأكل منها ثم اتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين أصبعيه ويجمع السبابة والوسطى ثم أتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه قال فقال أبي وأخذ بلجام دابته ادع الله لنا فقال اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم رواه مسلم (1)
الوطبة بفتح الواو وسكون الطاء المهملة وبعدها باء مفتوحة وهي الحيس يجمع التمر البرني والأقط المدقوق والسمن وضبطها بعضهم وطئة بفتح الواو وكسر الطاء وبعدها همزة قيل كان عليه السلام يلقي النوى بين اصبعيه أي يجعله بينهما لقلته وقيل كان يجمعه على ظهر اصبعيه ثم يرمي به ورواه احمد وعنده فكان يأكل التمر ويلقي النوى وصف يعني شعبه بإصبعيه
____________________
1- اخرجه مسمل واحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي في عمل وابن حبان
(3/217)
الوسطى والسبابة بظهرهما من فيه ورواه أبو داود وعنده فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه السبابة والوسطى وفيه طلب الدعاء من الضيف وإجابته إلى ذلك
ويباح أكل فاكهة مسوسة ومدودة بدودها أو باقلا بذبابه وخيار وقثاء وحبوب وخل ذكره في الرعاية وهو معنى كلامه في التلخيص وظاهر هذا انه لا يباح اكله منفردا وذكر بعض اصحابنا المتأخرين فيه وجهين من غير تفصيل الإباحة وعدمها وذكر ابو الخطاب في بحث مسألة ما لا نفس له سائله أن ذلك وإن كان طاهرا لا يحل أكله من غير تفصيل فصل في استحباب دعاء المرء لمن يأكل طعامه
عن أنس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة (1)
وكلامه في الترغيب يقتضي انه جعل هذا الكلام دعاء واستحب الدعاء به لكل من أكل طعامه وعلى قول الشيخ عبد القادر إنما يقال هذا إذا أفطر عنده فيكون خبرا قال الشيخ تقي الدين وهو الأظهر انتهى كلامه وكلام غير واحد يوافق ما في الترغيب
وعن جابر رضي الله عنه قال صنع ابو الهيثم بن التيهان للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما فرغوا قال أثيبوا أخاكم قالوا يا رسول الله وما إثابته قال إن الرجل إذا دخل بيته وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته + اخرجه ابو داود عن محمد بن بشار عن ابي احمد عن سفيان عن يزيد بن ابي خالد عن رجل عن جابر به وراويه عن جابر لم يسم +
رواهما أبو داود الاول بإسناد جيد والثاني من حديث سفيان
____________________
1- اخرجه عبد الرزاق واحمد وابو داود والبيهقي والبغوي وهو حديث صحيح انظر ابن حبان
(3/218)
عن يزيد الدالاني عن رجل عن جابر قال الآمدي وجماعة يستحب إذا أكل عند الرجل طعاما أن يدعو له ويؤيد ذلك الخبر المشهور من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له (1)
فأما الدعاء للآكل والشارب فلم اجد الاصحاب ذكروه ولا ذكر له في الاخبار وهذا ظاهر في أنه لا يستحب وقد سبق عند إجابة العاطس أن المتجشئ لا يجاب بشيء فإن حمد الله دعا له وقول ابن عقيل لا يعرف فيه سنة بل هو عادة موضوعة وهذا ايضا يوافق ما سبق في أنه لا يستحب لكن ذكرهم أن الحامد يدعى له مع قول ابن عقيل لا نعرف فيه سنة بل هو عادة موضوعة يدل على انه يدعى للاكل والشارب بما يناسب الحال لكن إذا حمد الله ومقتضى الاعتماد على العادة انه يقال للشارب مطلقا وعكسه الاكل ويتوجه في مثل الشارب لعدم الفرق فظهر انه هل يدعى للاكل والشارب أم لا إن حمد الله أم للشارب فيه أقوال متوجهة كما ترى ويتوجه في المتجشئ مثلهما ومن المعلوم ان تحري طريق النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف رضي الله عنهم هو الصواب والقول بالاستحباب مطلقا مقتضى ما ذكره ابن الجوزي في مسألة القيام فإنه ذكر أن ترك القيام كان في أول الأمر لما صار ترك القيام كالإهوان بالشخص استحب لمن يصلح له القيام وهذا المعنى موجود هنا فأما إن أفضى ذلك إلى عداوة وغش وحقد وشنآن فيتوجه حينئذ الائتلاف وعمل ما يقتضيه بحسب الحال
وقد اختلفت الرواية عن الإمام احمد رحمه الله في قوله لغيره يوم العيد تقبل الله منا ومنك فعنه لا بأس وهي أشهر كالجواب واحتج بأبي أمامة قيل له وواثله قال نعم وقال لا أبتدئ به وعنه يكره وعنه الكل حسن وعنه ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة فإذا كان هذا الخلاف مع الأثر فيه
____________________
1- كذا أورده ورواه الترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن السني بلفظ من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء وهو حديث صحيح انظر ابن حبان
(3/219)
لكن لم يشتهر ذلك في الصحابة فما ظنك بمسألتنا عند احمد رحمه الله ونظير ذلك الدعاء لمن خرج من حمام بما يناسب الحال ورد الجواب في كل ذلك مبني على حكم الابتداء وأنه أسهل كما نص عليه أحمد في رد الجواب للداعي يوم العيد والله أعلم
وهذا الخلاف يتوجه في التهنئة بالامور الدنيوية وفي كتاب الهدي لبعض متأخري أصحابنا يجوز فأما التهنئة بنعم دينية تجددت فتستحب لقصة كعب بن مالك وفي الصحيحين أنه لما أنزل ( ^ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) الفتح 1 قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هنيئا مريئا (1)
والله أعلم فصل في إطعام المرء غيره من طعام مضيفه إذا علم رضاه وهل تقاس الدراهم على الطعام
قال في الرعاية ومن قدم طعامه لزيد فله أخذ ما علم رضا صاحبه به قال ابن حمدان وإطعام الحاضرين معه وإلا فلا ويتوجه أن يقال فله أخذ ما ظن رضا ربه به ويكتفي بالظن
قال في شرح مسلم وهذا هو المذهب الصحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف من العلماء وصرح به أصحابنا قال ابن عبد البر وأجمعوا على أنه لا يتجاوز الطعام وأشباهه إلى الدراهم والدنانير وأشباههما
قال أبو زكريا النواوي وفي ثبوت الإجماع في حق من يقطع بطيب نفس صاحبه بذلك نظر ولعل هذا يكون من الدراهم والدنانير الكثيرة التي لا شك في رضاه بها فإنهم اتفقوا على أنه إذا تشكك لا يجوز له التصرف مطلقا فيما تشكك في رضاه انتهى كلامه والظاهر أن مراد ابن عبد البر الإذن في الطعام وشبهه لا يكون إذنا فيما هو أعلى من الدنانير وشبهها ويكون إذنا فيما هو أدنى منه لحصول الظن المستند إلى اذنه فيما هو أعلى منه
____________________
1- اخرجه مالك في الموطأ واحمد والبخاري والترمذي
(3/220)
فصل في استحباب إكرام الخبز دون تقبيله وشكر النعم
هل يستحب تقبيل الخبز كما يفعله بعض الناس كلام الإمام احمد رحمه الله في مسألة تقبيل المصحف يدل على عدم التقبيل وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات إلا ما استثناه الشرع وقد ذكر القاضي ابو الحسين انه هل يستحب وضع اليد على القبر لانه في معنى مصافحة الحي صححها ابو الحسن أو لا يستحب لان ما طريقه القربة يقف على التوقيف بدليل قول عمر في الحجر الاسود لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك وليس في هذا توقيف فيه عن احمد روايتان وقد تقدم كلام والده في تقبيل المصحف بهذا المعنى
وروى ابن ابي الدنيا في كتاب الشكر له عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى كسرة ملقاة فمسحها فقال يا عائشة أحسني جوار نعم الله عليك فإنها قلما نفرت عن قوم فكادت أن ترجع إليهم (1)
ورواه ابن ماجه ولفظه فدخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال يا عائشة أكرمي كريما فإنها ما نفرت عن قوم قط فعادت إليهم + وأخرجه ابن ماجه وفي سنده ايضا الوليد بن محمد الموقري المتروك +
فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان
ومما ينبغي ان يعرف ان الاعتراف بالنعم ومن أنعم بها وشكره سبب لبقائها وزيادتها كما قال بعض الادباء قيدوا النعم بالشكر فإنها كالنعم لها أوابد أي تشرد وتنفر كما في الصحيحين من حديث ابي رافع إن لهذه
____________________
1- أخرجه ابن ابي الدنيا في كتاب الشكر وفي سنده الوليد بن محمد الموقري وهو متروك
(3/221)
البهائم أوابد كأوابد الوحش (1)
وقد قال تعالى ( ^ فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ) البقرة 152
وقد قال ابو حازم الأعرج التابعي رحمه الله كل نعمة لم يشكر الله عليها فهي بلية وقال ايضا إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فإنما هو استدراج فاحذره وقد قال تعالى ( ^ سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) الاعراف 182
وقال تعالى ( ^ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) الانعام 44
وقد سبق ما يتعلق بهذا قريبا وقد قال تعالى ( ^ كلوا من رزق ربكم واشكروا له ) سبأ 15 وقال تعالى ( ^ اعملوا آل داود شكرا ) سبأ 13
قال ابن الجوزي المعنى وقلنا اعملوا بطاعة الله شكرا على ما آتاكم
وقال ابن عبد البر قال بعضهم الطاعات كلها شكر وأفضل الشكر الحمد وذكر ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله عز وجل له شكرها وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر الله له قبل أن يستغفر وإن الرجل ليلبس الثوب فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له + اخرجه ابن ابي الدنيا في الشكر وفي سنده هشام بن زياد بن ابي زياد وهو متروك +
ومكتوب في التوراة اشكر لمن انعم عليك وأنعم على من شكرك فإنه لا زوال للنعم إذا شكرت ولا مقام لها إذا كفرت والشكر زيادة في النعم وأمان من الغير قال ابو بجيلة
( شكرتك إن الشكر حبل من التقى % وما كل من أوليته نعمة يقضي )
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/222)
( وأحييت من ذكري وما كنت خاملا % ولكن بعض الذكر أنبه من بعض )
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ما عظمت نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عظما وقال عروة بن الزبير من لم يعرف شر ما يبلى لم يعرف خير ما يولى وقال جعفر بن محمد ما أنعم الله على عبد نعمة فعرفها بقلبه وشكرها بلسانه فيبرح حتى يزداد فصل في الانتشار في الأرض بعد الطعام
قال الله تعالى ( ^ فإذا طعمتم فانتشروا ) الاحزاب 53 أي فاخرجوا
( ^ ولا مستأنسين ) أي لا تدخلوا مستأنسين أي طالبين الأنس ( ^ لحديث ) قال ابن الجوزي ما ذكره غيره أنهم كانوا يجلسون بعد الأكل فيتحدثون طويلا وكان ذلك يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ويستحي أن يقول لهم قوموا فعلمهم الله الأدب ( ^ والله لا يستحيي من الحق ) أي لا يترك أن يبين لهم ما هو الحق فأما إن دلت قرينة على الإذن في الجلوس جاز ثم قد يكون مستحبا لميل صاحب الطعام إلى ذلك وقد يكون مباحا
قال الحسن البصري نزلت هذه الآية في الثقلاء وقال السدي ذكر الله الثقلاء في القران في قوله ( ^ فإذا طعمتم فانتشروا )
وينبغي للإنسان ان يجتهد في أن لا يستثقل فإن في ذلك أذى له ولغيره والمؤمن سهل لين هين كما سبق في حسن الخلق
قال ابن عبد البر سئل جعفر بن محمد عن المؤمن يكون بغيضا قال لا يكون بغيضا ولكن يكون ثقيلا
وقال سفيان بن عيينة قلت لأيوب السختياني ما لك لم تكتب عن طاووس قال أتيته فوجدته بين ثقيلين وسماهما كان أبو هريرة إذا استثقل رجلا قال اللهم اغفر لنا وله وأرحنا منه وكان حماد بن سلمة إذا رأى من يستثقله قال ( ^ ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) الدخان 12
____________________
(3/223)
وعن حماد ايضا انه قال في الصوم في البستان من الثقل كذا قال وليس هو على ظاهره بل يختلف بحسب الحال كان يقال مجالسة الثقيل حمى الروح
قيل لأبي عمرو الشيباني لأي شيء يكون الثقيل أثقل على الانسان من الحمل الثقيل فقال لأن الثقيل يقعد على القلب والقلب لا يحتمل ما يحتمل الرأس والبدن من الثقل
كان فلاسفة الهند يقولون النظر إلى الثقيل يورث موت الفجأة قال ثقيل لمريض ما تشتهي قال اشتهي أن لا أراك وقال معمر ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث محادثة الإخوان وحك الجرب والوقيعة في الثقلاء وهي أفضل الثلاث وقال آخر
( إذا جلس الثقيل إليك يوما % أتتك عقوبة من كل باب )
( فهل لك يا ثقيل إلى خصال % تنال ببعضها كرم المآب )
( إلى مالي فتأخذه جميعا % أحل لديك من ماء السحاب )
( وتنتف لحيتي وتدق أنفي % وما في في من ضرس وناب )
( على أن لا أراك ولا تراني % مقاطعة إلى يوم الحساب )
وكان يقال مجالسة الثقيل عذاب وبيل وأنشد بعضهم
( ليتني كنت ساعة ملك الموت % فأفني الثقال حتى يبيدوا )
سلم ثقيل على إبراهيم بن عبد الله القاري صاحب هارون فقال له يا هذا قد والله بلغت منك غاية الأذى أسلفني سلام شهر وأرحني منك
قال الشاعر
( أنت يا هذا ثقيل % وثقيل وثقيل )
( أنت في المنظر إنسان % وفي الميزان فيل )
قال ابو حازم عود نفسك الصبر على السوء فإنه لا يزال يخطئك
____________________
(3/224)
فصل في تمسك الناس بالخرافات وتهاونهم بالشرعيات
قال ابو الوفاء ابن عقيل في الفنون لو تمسك الناس بالشرعيات تمسكهم بالخرافات لاستقامت أمورهم لأنهم لا يقدمون إدخال مسافر على مريض ولا ينقب الرغيف من غير قطع حرفه ولا يكب الرغيف على وجهه ولا يتزوج في صفر ولا يترك يديه مشبكة في ركني الباب ولا يخيط قميصه عليه إلا ويضع فيه ليطة ولعل الواحد منهم لو عوتب على ترك الجمعة او الجماعات أو لبس الحرير لأهون بالعتبة
فهذا قدر الاسلام عندهم يدعون انهم من أهله ولعل أحدهم يقول لا يحل طرح الرغيف على وجهه ثقة بما يسمع من النساء البله والسفساف انتهى كلامه
ومن هذا ترك عيادة المريض يوم السبت وغير ذلك مما لا أصل له في الشرع ومنه تخصيص بعض الايام بشيء كتخصيص بعضهم يوم الاربعاء بدخول الحمام والاستراحة وبعضهم له بالدعاء وزيارة القبور
وقد قال في الفنون كنت أرى الناس يكثرون الدعاء وزيارة القبور يوم الاربعاء ولا أعلم هل يرجعون إلى شيء فوجدت في سماع القاضي أبي الطيب عن الغطريفي بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الاحزاب يوم الاثنين والثلاثاء والاربعاء فاستجيب له يوم الاربعاء بين الصلاتين الظهر والعصر فعرفنا السرور في وجهه قال جابر فما نزل بي امر مهم عارض إلا توخيت تلك الساعة من ذلك اليوم فدعوت فعرفت الاجابة فصل
قال الخلال في الجامع باب ما يكره ان تطعم البهائم الخبز حدثنا حرب قلت لإسحاق نطعم البهيمة الخبز قال عند الضرورة وإذا أمرت بذلك فلا بأس فأما أن يتخذ طعام البهيمة ذلك فلا خير فيه انتهى كلامه وظاهر كلام
____________________
(3/225)
أصحابنا انه لا كراهة في ذلك لأنه لا دليل عليها وعدم اعتياده وفعله لا يدل على كراهته والله أعلم فصل
عن جابر أن ام مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا فيأتيها بنو عمها فيسألون الأدم وليس عندهم شيء فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنا قال فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال عصرتيها فقالت نعم فقال لو تركتيها ما زال قائما (1)
وعنه أيضا أن رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه وسقا من شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم (1)
رواه مسلم ومثله حديث عائشة حين كالت الشعير ففنى + اخرجه البخاري ومسلم +
قال في شرح مسلم قال العلماء الحكمة في ذلك أن عصرها وكيله مضاد للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى ويتضمن التدبير والأخذ بالحول والقوة وتكلف الإحاطة بأسرار حكم الله وفضله فعوقب فاعله بزواله فصل في الخروج مع الضيف إلى باب الدار والأخذ بركابه
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من السنة أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار + هو في سنن ابن ماجه وهو حديث موضوع آفته علي بن عروة فإنه متهم بالوضع +
رواه ابن ماجه وغيره بإسناد ضعيف
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن من السنة إذا دعوت أحدا إلى
____________________
1- اخرجه مسلم واحمد
(3/226)
منزلك أن تخرج معه حتى يخرج ذكره ابن عبد البر
وروى ابو بكر بن أبي الدنيا قال قال ابو عبيد القاسم بن سلام زرت احمد بن حنبل فلما دخلت عليه بيته قام فاعتنقني وأجلسني في صدر مجلسه فقلت يا أبا عبد الله أليس يقال صاحب البيت والمجلس أحق بصدر بيته أو مجلسه قال نعم يقعد ويقعد من يريد قال قلت في نفسي خذ يا أبا عبيد اليك فائدة ثم قلت يا أبا عبد الله لو كنت آتيك على حق ما تستحق لأتيتك كل يوم فقال لا تقل ذلك فإن لي إخوانا ما ألقاهم في كل سنة إلا مرة انا أوثق في مودتهم ممن ألقى كل يوم قلت هذه أخرى يا أبا عبيد فلما أردت القيام قام معي قلت لا تفعل يا أبا عبد الله قال فقال قال الشعبي من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه قال قلت يا أبا عبد الله من عن الشعبي قال ابن ابي زائدة عن مجالد عن الشعبي قال قلت يا ابا عبيد هذه ثالثة
وروي عن ابن عباس مرفوعا إن من أخذ بركاب رجل لا يرجوه ولا يخافه غفر له
ومسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت رضي الله عنهما فقال اتمسك لي وانت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنا هكذا نصنع بالعلماء
قال ابن الجوزي وينبغي أن يتواضع في مجلسه إذا حضر وأن لا يتصدر وإن عين له صاحب الدار مكانا لم يتعده
وذكر ابن عبد البر في بهجة المجالس عن ابي قلابة انه طرح لجليس
____________________
(3/227)
له وسادة فردها فقال أما سمعت الحديث لا تردن على أخيك كرامته فصل في استحباب الانبساط والمداعبة والمزاح مع الزوجة والولد
قال في الفنون قال بعض المحققين يعني نفسه ما أدري ما أقول في هؤلاء المتشدقين في الشريعة بما لا يقتضيه شرع ولا عقل يقبحون اكثر المباحات ويبجلون تاركها حتى تارك التأهل والنكاح والعبرة في العقل والشرع إعطاء العقل حقه من التدبر والتفكر والاستدلال والنظر والوقار والتمسك والإعداد للعواقب والاحتياط بطريقة هي العليا يخص بها الأعلى الأعز الأكرم ومعلوم أنه قال من كان له صبي فليتصاب له وكان عليه السلام يرقص الحسن والحسين ويداعبهما وسابق عائشة ويداري زوجاته إلى أن قال والعاقل إذا خلا بزوجاته وإمائه ترك العقل في زاوية كالشيخ الموقر وداعب ومازح وهازل ليعطي الزوجة والنفس حقهما وإن خلا بأطفاله خرج في صورة طفل ويهجر الجد في ذلك الوقت انتهى كلامه
والخبر الأول لا يصح وكان عليه الصلاة والسلام يكون في بيته في مهنة أهله وغير ذلك من شدة تواضعه ومكارم أخلاقه وسيرته العالية صلى الله عليه وسلم بخلاف ما يفعله كثير من اصحاب النواميس والحمقى والمتكبرين مع اشتمال بعضهم مع ذلك على سوء قصد وجهل مفرط فيتكبر على من خالف طريقته ويصير عنده المعروف منكرا والمنكر معروفا فنسأل الله العظيم ان يهدينا والمسلمين الصراط المستقيم صراط الذين انعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
____________________
(3/228)
فصل في تحسر الناس على ما فات من الدنيا دون ما حل بالدين
قال في الفنون من عجيب ما نقدت من أحوال الناس كثرة ما ناحوا على خراب الديار وموت الاقارب والاسلاف والتحسر على الارزاق بذم الزمان وأهله وذكر نكد العيش فيه وقد رأوا من انهدام الإسلام وشعث الأديان وموت السنن وظهور البدع وارتكاب المعاصي وتقص في الفارغ الذي لا يجدي والقبيح الذي يوبق ويؤذي فلا اجد منهم من ناح على دينه ولا بكى على فارط عمره ولا تأسى على فائت دهره وما ارى لذلك سببا إلا قلة مبالاتهم بالأديان وعظم الدنيا في عيونهم ضد ما كان عليه السلف الصالح يرضون بالبلاغ وينوحون على الدين فصل فيما يسن من الذكر عند النوم والاستيقاظ
ويقول عند الصباح والمساء والنوم والانتباه ما ورد
فمن ذلك عن البراء قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الايمن ثم قال اللهم إني اسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي انزلت ونبيك الذي أرسلت رواه البخاري
وعنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الايمن وقل وذكر نحوه وفيه واجعلهن آخر ما تقول متفق عليه
وعن حذيفة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه ممن النوم
____________________
(3/229)
وضع يده تحت خده ثم يقول اللهم باسمك أموت وأحيا وإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور (1)
رواه البخاري
وعن حفصة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك + اخرجه ابو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة ولم نقف عليه في الترمذي من رواية حفصة وإنما هو فيه من حديث حذيفة كما سيأتي وانظر ابن حبان +
حديث حسن رواه ابو داود والترمذي والنسائي في اليوم والليلة
ولأحمد من حديث حذيفة والبراء معناه وكذا من حديث ابن مسعود وروى حديث حفصة وعنده ثلاث مرات وللترمذي من حديث حذيفة ويضع يده تحت رأسه وقال في حديث البراء كان يتوسد يمينه
وعن ابي سعيد مرفوعا من قال حين يأوي إلى فراشه استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرت له ذنوبه وإن كانت عدد ورق الشجر وإن كانت عدد رمل عالج وإن كانت عدد أيام الدنيا + أخرجه احمد والترمذي وهو ضعيف +
رواه احمد والترمذي وقال غريب
وعن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عبد الله بن عمرو قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع باسم الله اعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون + اخرجه احمد وابو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب وهو كما قال والحديث الذي بعده يشهد له +
____________________
1- أخرجه البخاري وانظر ابن حبان
(3/230)
وكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده ومن كان صغيرا لا يعقل أن يحفظها كتبها له فعلقها عليه في عنقه رواه احمد والترمذي وعنده إذا فزع أحدكم من النوم فليقل وذكره وقال حسن غريب وأبو داود لم يذكر النوم وعنده كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم من الفزع وذكره
وقال أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محمد بن يحيى بن حبان عن الوليد بن الوليد أنه قال يا رسول الله إني أجد وحشة فقال إذا أخذت مضجعك فقل أعوذ وذكره كما تقدم وفي آخره فإنه لا يضرك وبالحري أن لا يقربك (1)
الوليد هو ابن المغيرة المخزومي إسناده ثقات ومحمد لم يسمع من الوليد
وعن بريدة قال شكا خالد بن الوليد فقال يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق فقال إذا أويت إلى فراشك فقل اللهم رب السماوات وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو يبغي علي عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك ولا إله إلا أنت + اخرجه الترمذي وهو ضعيف +
فيه الحكم بن ظهير وليس بثقة عندهم وقال البخاري تركوه رواه الترمذي وقال ليس إسناده بالقوي ويروى مرسلا الأرق السهر
وعن ابي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى انزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تر آيات
____________________
1- أخرجه أحمد وفي سنده انقطاع
(3/231)
أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس (1)
ير بضم الياء وفتح الراء
وعن القاسم بن محمد بن عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في السفر فقال لي يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا فعلمني قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس قال فلم يرني سررت بهما جدا فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة التفت إلي فقال يا عقبة كيف رأيت + أخرجه ابو داود والنسائي وفي عمل اليوم والليلة واحمد وصححه ابن خزيمة +
إسناده جيد رواه أبو داود والنسائي
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأ يا جابر فقلت وما أقرأ بأبي أنت وأمي قال اقرأ قل أعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس فقرأتهما فقال اقرأ بهما فإنك لم تقرأ بمثلهما + هو في سنن النسائي وصحيح ابن حبان وهو حديث حسن +
رواه النسائي وابن حبان في صحيحه
وعن عقبة قال قلت يا رسول الله أقرأ من سورة يوسف ومن سورة هود قال يا عقبة اقرأ بأعوذ برب الفلق فإنك لن تقرأ بسورة أحب إلى الله منها وأبلغ عنده منها فإن استطعت ان لا تفوتك فافعل + اخرجه الحاكم والنسائي واحمد واسناده صحيح وانظر ابن حبان +
رواه الحاكم وقال صحيح واظنه في النسائي بإسناد جيد
وعن عقبة مرفوعا ما سأل سائل بمثلهما + اخرجه النسائي والحميدي والدارمي وأبو داود وسنده حسن +
ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما
____________________
1- اخرجه مسلم والنسائي
(3/232)
رواه النسائي عن قتيبة عن الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن عقبة إسناده جيد وابن عجلان حديثه حسن
وقال عقبة امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذات دبر كل صلاة (1)
حديث حسن له طرق رواه أبو داود والترمذي وقال غريب والنسائي في سننه وفي اليوم والليلة
وعن عقبة قال بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بأعوذ برب الفلق وأعوذ برب الناس ويقول يا عقبة تعوذ بهما متعوذ بمثلهما + سنن ابي داود وسلف الحديث بنحوه من رواية النسائي وغيره +
قال وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة رواه أبو داود من رواية ابن إسحاق
وعن أنس مرفوعا إذا هاجت ريح مظلمة فعليكم بالتكبير فإنه يجلي العجاج الاسود رواه ابو يعلى الموصلي في مسنده من رواية عنبسة بن عبد الرحمن وهو متروك
وعن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن ابيه قال خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة فطلبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا فأدركناه فقال قل فلم أقل شيئا فقال قل قلت يا رسول الله ما أقول قال قل هو الله احد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء + اخرجه ابو داود والنسائي والترمذي واحمد وعبد بن حميد وهو صحيح +
رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه
____________________
1-
(3/233)
وعن سهيل بن أبي صالح قال كان ابو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الايمن ثم يقول اللهم رب السماوات ورب الارض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم انت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين واغننا من الفقر وكان يروي ذلك عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (1)
وعن ابي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا أخذنا مضاجعنا ان نقول بمثله وقال من شر كل دابة انت آخذ بناصيتها
وعنه قال اتت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال قولي اللهم رب السماوات السبع وما أظللن بمثل حديث سهيل + اخرجه مسلم +
وعن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ بداخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله تعالى فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الايمن وليقل سبحانك اللهم ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين وفي رواية فليقل باسمك ربي وضعت جنبي فإن أحييت نفسي فارحمها + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وعن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي روى ذلك مسلم + اخرجه مسلم +
____________________
1- اخرجه مسلم واحمد وابن ماجه وابو داود
(3/234)
وروى البخاري خبر ابي هريرة الاخير وعنده فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات وليقل باسمك ربي وضعت جنبي ولم يقل سبحانك ولا قال وليسم الله
وفي الصحيحين من حديث ابي مسعود البدري الايتان من آخر البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه (1)
قيل من قيام الليل وقيل من الطوارق وقيل منهما
وعن عثمان رضي الله عنه مرفوعا ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شيء + أخرجه ابو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجه والترمذي وابن حبان وهو حديث صحيح +
رواه ابو داود والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب صحيح
وعنه عليه الصلاة والسلام قال من قال إذا أصبح وإذا أمسى رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا إلا كان حقا على الله أن يرضيه + أخرجه ابو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجه من حديث ابي سلام عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم وقال البوصيري في الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات وأخرجه الترمذي من حديث ثوبان وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه +
رواه أبو داود وابن ماجه وزاد يوم القيامة والترمذي وقال حسن غريب من حديث ثوبان كرواية ابي داود ولفظه من قال حين يمسي رضيت بالله ربا وذكره ولأبي داود + في السنن وعبد بن حميد والنسائي في عمل اليوم والليلة وإسناده حسن +
من حديث ابي سعيد من قال رضيت بالله ربا وذكره وفيه وجبت له الجنة وقال رسولا بدل نبيا
وعن عبد الله بن غنام البياضي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يصبح
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم وانظر ابن حبان
(3/235)
اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد ادى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته (1)
رواه ابو داود عن احمد بن صالح عن يحيى بن حسان وإسماعيل بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عنبسة عنه عبد الله بن عنبسة قيل روى عنه أيضا محمد بن سعيد الطائفي فزالت الجهالة وليس بذاك المشهور ولم أجد فيه كلاما وحديثه حسن إن شاء الله تعالى وروى حديثه هذا النسائي في اليوم والليلة والطبراني وغيرهما وذكروا ان بعض الرواة رواه من حديث عبد الرحمن بن عنبسة عن ابن عباس قال بعضهم وأخطأ رواه سعيد بن ابي مريم عن سليمان بن بلال واختلف عليه فرواه عنه يحيى بن نافع المصري وقال عن ابن عباس وعنه رواه الطبراني ورواه يحيى بن ايوب العلاف عن ابن ابي مريم وقال ابن غنام ورواه ابن وهب عن سليمان بن بلال واختلف عليه فرواه عنه احمد بن صالح وقال عن ابن غنام ورواه الطبراني عن رجل عنه ورواه يونس بن عبد الأعلى عنه وقال عن ابن عباس ومن طريقه رواه الحافظ ايضا في المختارة ولفظه اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحذ من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر ذلك اليوم + اخرجه الطبراني في الدعاء وابن حبان +
وكذا رواه ابن حبان عن ابن قتيبة عن يزيد بن موهب عن ابن وهب والله اعلم
وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا من قال حين يصبح أو يمسي اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك انك انت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك مرة اعتق الله ربعه من النار
____________________
1- في سنن ابي داود والنسائي في علم اليوم والليلة والطبراني في الدعاء وفي إسناده عبد الله بن عنبسة ولا يعرف إلا بهذا الحديث فقد رواه أيضا عن ابن عباس كما سيأتي وقد حسنه الحافظ في أمالي الأذكار
(3/236)
ومن قالها مرتين اعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاثا اعتق الله ثلاثة أرباعه من النار ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار رواه أبو داود (1)
وعنه أيضا مرفوعا من قال حين يصبح اللهم اصبحنا نشهدك ونشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك انك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك إلا غفر له ما اصاب في تلك الليلة من ذنب رواه النسائي في اليوم والليلة والترمذي وقال غريب + اخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة والترمذي والبخاري في الادب المفرد وابو داود وفي إسناده بقية وقد عنعنه وهو في المستدرك بنحوه غير مقيد بالصباح والمساء من حديث ابي هريرة عن سلمان الفارسي وسنده جيد +
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مضطجعا في المسجد على بطنه فقال هذه ضجعة يبغضها الله + اخرجه احمد والبخاري في الادب المفرد وأبو داود والنسائي في الكبرى وابن ماجه وابن حبان وإسناده ضعيف لجهالة ابن الصحابي قيس بن طخفة وحديث ابي هريرة الاتي بعده حسن فيتقوى به +
رواه ابو داود في الأدب بإسناد صحيح كذا قاله بعضهم وفي اسم هذا الصحابي واسم ابيه وحديثه هذا اختلاف واضطراب ولعله حديث حسن وقد رواه احمد والنسائي وابن ماجه وهو في الاطراف في حرف الطاء ورواه احمد والترمذي من حديث ابي هريرة + اخرجه احمد والترمذي وهو حسن وانظر ابن حبان +
وروى ابن ماجه هذا المعنى من حديث ابي ذر + سنن ابن ماجه +
وهو وهم ومن رواية الوليد بن جميل عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابي امامة + اخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه +
به وفيه ضعف
____________________
1- في سنن ابي داود وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد المجيد السهمي وهو مجهول
(3/237)
وعن جابر بن سمرة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره رواه الترمذي وقال حسن غريب (1)
ولم يذكر غير واحد على يساره
ولأبي داود عن بعض آل أم سلمة قال كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا مما يوضع للإنسان في قبره وكان المسجد عند رأسه + سنن ابي داود وهو ضعيف +
وعن ابي هريرة مرفوعا من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ومن اضطجع مضطجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة رواه ابو داود بإسناد حسن + اخرجه الحميدي واحمد وابو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وسنده حسن +
الترة بكسرة التاء المثناة فوق وهي النقص وقيل التبعة
ويزيل غمر يديه ويغسلهما من دهن ودسم ولزج
قال ابو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بات وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه إسناد جيد رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب + اخرجه احمد وابو داود وابن ماجه والترمذي وإسناده صحيح وصححه ابن حبان +
قال ابن الاثير الغمر بالتحريك الدسم والزهومة من اللحم كالوضر من السمن
ويكتحل قبل النوم بإثمد مروح ويوكي السقاء ويغطي الإناء أو يعرض عليه عودا أو نحوه ويغلق الباب ويطفئ السراج والجمر للأخبار في ذلك
فمنها قول النبي صلى الله عليه وسلم غطوا الإناء وأوكئوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود والترمذي وفي الشمائل وإسناده حسن وصححه ابن حبان
(3/238)
فيها وباء لا يمر بإناء لم يغط ولا سقاء لم يوك إلا وقع فيه من ذلك الوباء (1)
وفي لفظ أغلقوا أبوابكم وخمروا آنيتكم وأطفئوا سرجكم وأوكئوا أسقيتكم فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ولا يكشف غطاء ولا يحل وعاء فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل فإن الفويسقة تضرم البيت على أهله
وفي لفظ لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم حتى تذهب فحمة العشاء فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء رواه احمد ومسلم + رواه مسلم +
ولأحمد أقلوا الخروج إذا هدأت الرجل فإن الله يبث في ليلة من خلقه ما شاء وأجيفوا الأبواب وأذكروا اسم الله عليها فإن الشيطان لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه + اخرجه احمد والبخاري في الادب المفرد وابو داود وإسناده جيد وانظر ابن حبان +
وفي الصحيحين فإذا ذهبت ساعة من العشاء فخلوهم واغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله ولو أن تعرض عليه شيئا + اخرجه البخاري ومسلم +
وفي رواية وأطفئوا المصابيح فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت اهل البيت ولأبي داود معناه وله ايضا وكفوا صبيانكم عند العشاء
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم واحمد وابن حبان
(3/239)
وفي رواية عند المساء فإن للجن انتشارا وخطفة رواه البخاري ولفظه عند المساء وذلك كله من حديث جابر
وفحمة العشاء هي إقبال الليل وأول سواده يقال للظلمة التي بين المغرب والعشاء الفحمة شبه سواده بالفحمة والفواشي جمع للفاشية وهي ما يرسل من الدواب في الرعي فتنتشر وتفشو
ولأبي داود عن جابر مرفوعا ومن غير حديث جابر مرسلا أقلوا الخروج بعد هدأة الرجل فإن لله دواب يبثهن في الأرض (1)
وفي لفظ فإن لله خلقا يبثهن في تلك الساعة
وفي الصحيحين عن ابي موسى قال احترق بيت على أهله في المدينة من الليل فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم + اخرجه البخاري ومسلم وانظر ابن حبان +
وجاءت فأرة تجر فتيلة فألقتها على الخمرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا عليها فأحرقت مثل موضع الدرهم فقال إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم + حديث صحيح اخرجه ابو داود والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وابن حبان + رواه ابو داود حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا عمرو بن طلحة حدثنا أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس اسباط هو ابن نصر روى له ولسماك مسلم وتكلم فيهما
فإن خالف ولم يطفئ النار فهل يضمن لم أجد تصريحا بها ويتوجه أن يضمن لتعديه بارتكاب المنهي عنه وقد يتوجه احتمال لا يضمن لانها في ملكه وعادة اكثر الناس او كثير منهم بقاؤها والغالب السلامة ولهذا لا يحرم استعمال الماء الذي في إناء لم يغط مع احتمال التضرر بالوباء الواقع فيه لندرة
____________________
1- سنن ابي داود
(3/240)
ذلك وقلته ولهذا لا يحرم سلوك بر أو بحر مع احتمال التضرر ولا يعد مفرطا
وفي مسلم عن جابر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستسقى فقال رجل يا رسول الله ألا نسقيك نبيذا فقال بلى فخرج الرجل يسعى فجاء بقدح نبيذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عودا قال فشرب (1)
وظاهر كلامهم انه لا يكره وذكر ابن عقيل ان المذهب لا يكره الوضوء منه ثم ذكر خبر نزول الوباء فيه قال فأخبر انه ينزل الوباء ولا نعلم هل يختص الشرب او يعم الاستعمال والشرب فكأن تجنبه أولى فهذا من ابن عقيل يدل على كراهة شربه او تحريمه
وقال ابن حزم من أوقد نارا يصطلي أو يطبخ أو ترك سراجا ونام فوقع حريق أتلف ناسا وأموالا لم يضمن واحتج بما رواه عبد الرزاق وعبد الملك الصنعاني عن معمر عن همام عن ابي هريرة مرفوعا النار جبار + اخرجه ابو داود وابن ماجه والنسائي في الكبرى كما في تحفة الاشراف ورجاله ثقات +
رواه أبو داود ورواه النسائي عن أحمد بن سعيد عن عبد الرزاق وزاد البئر جبار قال ابن حزم فوجب أن كل ما تلف بالنار هدر إلا نارا اتفق الجميع على تضمين طارحها فإن تعمد طرحها للإتلاف فتعمد وإلا فقاتل خطأ
وقد ذكر في المغني انه إذا اقتنى طيرا فأرسله نهارا فلقط حبا لم يضمنه لان العادة إرساله وياتي ذلك بعد نحو كراسين في اقتناء الحيوان
وقد ذكر ابن عقيل ما يؤخذ منه الضمان هنا فقال من أطلق كلبا عقورا أو دابة رفوسا أو عضوضا فأتلف شيئا ضمنه وكذلك إن كان له طائر جارح
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم وأخرجه مسلم من حديث جابر عن ابي حميد الساعدي وصححه ابن حبان وانظر تمام تخريجه فيه
(3/241)
كالصقر والبازي فأتلف طيور الناس وحيواناتهم ضمن
ويستعمل عند الحريق دعاء الكرب وما كان عليه الصلاة والسلام يقوله إذا حزبه امر يا حي يا قيوم برحمتك استغيث (1)
ودعوة ذي النون ( ^ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) الانبياء 87 ونحو ذلك
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله في الكلم الطيب والتكبير يطفئ الحريق وكذا رواه ابن السني وجماعة من رواية ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأن الشيطان خلق من النار وطبعها طيش وفساد وكبرياء الله لا يقوم لها شيء فالتكبير يهرب منه الشيطان ويقمعه وفعله فكذا النار وهذا مجرب مشاهد
وما سبق من قوله خمر إناءك ولو أن تعرض عليه شيئا ظاهره التخيير وقد سبق من كلام الاصحاب ويتوجه ان ذلك عند عدم ما يخمره به كرواية مسلم السابقة فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا وحكمة وضع العود والله أعلم ليعتاد تخميره ولا ينساه وربما كان سببا لمنع دبيب بحياله أو بمروره عليه وسياق ما سبق من كلام الأصحاب رحمهم الله أن ذلك يخص الليل والنهار والمراد الغفلة عنها بنوم أو غيره
والمراد أيضا إن خيف من بقائها ولهذا قال ابن هبيرة في خبر ابي موسى إن النار يستحب إطفاؤها عند النوم لأنها عدو غير مزموم بزمام لا يؤمن لهبها في حال نوم الانسان قال فأما إن جعل المصباح في شيء معلق أو على شيء لا يمكن الفواسق والهوام التسلق إليه فلا أرى بذلك بأسا والله أعلم
وقد قال أبو حميد الساعدي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن من النقيع ليس مخمرا فقال ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عودا رواه البخاري ومسلم + اخرجه البخاري ومسلم وانظر ابن حبان +
____________________
1- حديث حسن اخرجه الترمذي من حديث انس وقال هذا حديث غريب وله شاهد من حديث ابن مسعود عند الحاكم في المستدرك يتقوى به
(3/242)
وزاد قال ابو حميد إنما أمرنا بالأسقية أن توكأ ليلا وبالأبواب ان تغلق ليلا والصحابي أعلم بما روى وخالف في ذلك أبو زكريا النواوي وادعى ان قول ابي حميد خلاف الظاهر ولا يحتج به كذا قال لكن في رواية لمسلم من حديث جابر فإن في السنة يوما واللفظ السابق فإن في السنة ليلة فيعمل بهما والله أعلم والنقيع بالنون لا بالباء عند الأكثر وهو موضع بوادي العقيق الذي حماه النبي صلى الله عليه وسلم
وقد قال الأصحاب ويرخي الستر وينظر في وصيته وينفض فراشه وينام على جنبه الايمن ويمناه تحت خده الايمن كذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعل وجهه نحو القبلة ويقول ما ورد وقد سبق
وذكر ابن ابي موسى في المسائل التي حلف عليها احمد قال وسئل عن المرأة تستلقي على قفاها وتنام تكره ذلك قال إي والله فقال له مهنا فإذا ماتت فكيف تصنعون في غسلها قال إنما كره أن تنام على قفاها في حياتها وليس ذلك في الموت
قال جعفر سمعت أبا عبد الله وقيل له يستحب ان لا ينام حتى يقرأ ( ^ ألم تنزيل ) السجدة و ( ^ تبارك ) قال يستحب وروى أحمد والترمذي والخلال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك من حديث جابر من رواية ليث (1)
وعن أبي العلاء بن الشخير عن الحنظلي عن شداد بن أوس رضي الله عنه مرفوعا ما من رجل يأوي إلى فراشه فيقرأ سورة من كتاب الله إلا بعث الله إليه ملكا يحفظه من كل شيء يؤذيه حتى يهب متى هب + أخرجه احمد والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة وإسناده ضعيف لجهالة الحنظلي +
رواه أحمد
____________________
1- اخرجه احمد والترمذي وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي في عمل اليوم والليلة وليث وهو ابن أبي سليم ضعيف وأبو الزبير مدلس وقد عنعن
(3/243)
والترمذي والنسائي في اليوم والليلة وقال عن رجلين من بني حنظلة
وقد اشتهر عنه عليه الصلاة والسلام وصح عنه انه كان ينام نصف الليل الاول ويقوم أول النصف الثاني يستاك ويتوضأ ويصلي ويدعو (1)
فيستريح البدن بذلك النوم والرياضة والصلاة مع حصول الاجر الوافر فالنوم المعتدل ممكن للقوى الطبيعية من أفعالها مريح للقوى النفسانية مكثر من جوهر حاملها وينام على صفة ما سبق ولا يباشر بجنبه الارض ولا يتخذ الفرش المرتفعة
قال بعضهم النوم حالة للبدن يتبعها غور الحرارة الغريزية والقوى إلى باطن البدن لطلب الراحة والنوم الطبيعي إمساك القوى النفسانية عن أفعالها وهي قوى الحس والحركة والإرادية ومتى أمسكت هذه القوى عن تحريك البدن استرخى واجتمعت الرطوبات والأبخرة التي كانت تتحلل وتتفرق بالحركة واليقظة في الدماغ الذي هو مبدأ هذه القوى فينحدر ويسترخي
والنوم غير الطبيعي يكون لعرض أو مرض بأن تستولي الرطوبات على الدماغ استيلاء لا تقدر اليقظة على تفريقها او تصعد ابخرة كثيرة رطبة كما يكون عقب الامتلاء من الطعام والشراب فتثقل الدماغ وترخيه فينحدر ويقع إمساك القوى النفسانية عن أفعالها فيكون النوم
ومن فائدته أيضا هضم الغذاء ونضج الاخلاط لغور الحرارة الغريزية إلى باطن البدن ولهذا يبرد ظاهره ويحتاج إلى غطاء وإنما كان عليه الصلاة والسلام ينام على الجانب الايمن لئلا يستغرق في النوم لان القلب في جهة اليسار فيعلق حينئذ فلا يستغرق وإذا نام على اليسار استراح واستغرق
وقد ذكر الاطباء أنه يحيط بالمعدة من الجانب الايمن الكبد ومن الايسر الطحال وأن المعدة أميل إلى الجانب الايسر قليلا ولهذا قال الفقهاء يعتمد في قضاء حاجته على رجله اليسرى لأنه أسهل لخروج الخارج
____________________
1- وهو حديث ابن عباس بت ليلة عند خالتي ميمونة اخرجه البخاري ومسلم وانظر ابن حبان
(3/244)
وقال بعضهم أنفع النوم على الشق الايمن ليستقر الطعام في المعدة لميل المعدة إلى الشق الايسر ثم يتحول إلى الشق الايسر قليلا يسرع الهضم بذلك لاشتمال الكبد على المعدة ثم يستقر نومه على الشق الايمن ليكون الغذاء اسرع انحدارا عن المعدة
وكثرة النوم على الشق الايسر مضر بالقلب بسبب ميل الاعضاء إليه فتصب إليه المواد والنوم على القفا رديء يضر الإكثار منه بالبصر وبالمني وإن استلقى للراحة بلا نوم يضر وأردأ من ذلك النوم منبطحا على وجهه وسبقت الأخبار في ذلك فيحتمل ان يقال فيها كثرة فيحرم ذلك ويحتمل ان يقال يكره ذلك للكلام فيها
قال أبقراط نوم المريض على بطنه من غير عادة في صحته يدل على اختلاط عقل أو على ألم في نواحي البطن قال بعضهم لأنه خالف العادة إلى هيئة رديئة بلا سبب وقد سبق حكم نوم النهار قبل آداب الاكل بعد فصول الطب وقال مهنا قلت لأبي عبد الله ما تقول في الرجل ينام على سطح ليس بمحجر قال مكروه ويجزئه الذراع مثل آخره الرحل
وروى أبو داود من حديث وعلة بن عبد الرحمن بن وثاب عن عبد الرحمن ابن علي بن شيبان عن أبيه مرفوعا من بات على ظهر بيت ليس به حجار فقد برئت منه الذمة (1)
وعلة تفرد عن عمر بن جابر الحنفي ووثقه ابن حبان وهو حديث حسن
قال في النهاية الحجار جمع حجر بالكسر وهو الحائط أو من الحجرة وهي حظيرة الابل أو حجرة الدار أي أنه يحجر الانسان النائم ويمنعه عن الوقوع ويروى حجاب بالباء وهو كل مانع من السقوط ورواه الخطابي في معالم السنن حجى وقال ويروى بكسر الحاء وفتحها ومعناه فيهما معنى
____________________
1- حديث صحيح اخرجه احمد وابو داود والبخاري في الادب المفرد
(3/245)
الستر فمن قال بالكسر شبه الستر على السطح المانع من السقوط بالعقل المانع من التعرض في الهلاك ومن رواه بالفتح فقد ذهب إلى الناحية والطرف وأحجاء الشيء نواحيه واحدها حجا قال في النهاية إن لكل أحد من الله عهدا بالحفظ والكلاءة فإذا ألقى بيده إلى التهلكة أو فعل ما حرم عليه أو خلاف ما أمر به خذلته ذمة الله
وسبق أن الامام احمد رحمه الله كره النوم على سطح ليس بمحجر وللأصحاب رحمهم الله خلاف في كراهته المطلقة هل هي للتحريم أو للتنزيه وقد يقال هذه الكراهة للتنزيه لأن الغالب في هذا السلامة وما غلبت السلامة فيه لا يحرم فعله ويكون النهي عنه للأدب واحتمال الأذى ويتوجه قول ثالث وهو أن ذلك يختلف باختلاف الاشخاص وعاداتهم وصغر الاسطحة ووسعها نظرا إلى المعنى وعملا به
وقد يحتج للتحريم في الجملة بما رواه الامام احمد بإسناد ثقات عن ابي عمران الجوني حدثني بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغزونا نحو فارس فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بات فوق بيت ليس له آجار فوقع فمات برئت منه الذمة ومن ركب البحر عند ارتجاجه فمات برئت منه الذمة (1)
وقد روى البخاري هذا الخبر في تاريخه من طرق في ترجمة زهير بن عبد الله ومن المعلوم أن ركوب البحر في هذه الحال لا يجوز وقد قرن الشارع بين الفعلين وبراءة الذمة من فاعلهما وفي ركوب البحر وسلوك الطريق كلام في الفقه في كتاب الحج وغيره فليطلب هناك وقد سبق كلام ابن هبيرة في الأكل فوق الشبع
____________________
1- حسن وهو في المسند وأخرجه البخاري في الأدب المفرد
(3/246)
فصل في آداب المشي مع الناس وآداب الصغير مع الكبير فيه وفي غيره
قال ابن عقيل رحمه الله ومن مشى مع إنسان فإن كان أكبر منه وأعلم مشى عن يمينه أو خلفه يقيمه مقام الإمام في الصلاة وإذا كانا سواء استحب أن يخلي له عن يساره حتى لا يضيق عليه جهة البصاق والامتخاط ومقتضى كلامه استحباب مشى الجماعة خلف الكبير وإن مشوا عن جانبيه فلا بأس كالإمام في الصلاة وفي مسلم في أول كتاب الإيمان قول يحيى بن يعمر إنه هو وحميد ابن عبد الرحمن مشيا عن جانبي ابن عمر قال في شرح مسلم فيه تنبيه على مشي الجماعة مع فاضلهم وهو أنهم يكتنفونه ويحفون به
وقال القاضي إذا مشيت مع من تعظمه اين تمشي منه قال لا أدري فقال عن يمينه تقيمه مقام الإمام في الصلاة وتخلي له الجانب الايسر إذا أراد أن يستنثر أو يزيل أذى جعله في الجانب الايسر وقال الشيخ عبد القادر رحمه الله وإن كان دونه في المنزلة يجعله عن يمينه ويمشي عن يساره وقد قيل المستحب المشي عن اليمين في الجملة ليخلي اليسار للبصاق وغيره انتهى كلامه
وحكي عن الخلال أنه حكى في الأدب عن الإمام احمد رضي الله عنه أن التابع يمشي عن يمين المتبوع
وقال أبو داود في مسأئله باب في الأدب قال رأيت احمد جاءه ابن لمصعب الزبيري فأراد أحمد أن يخرج من المسجد فقال لابن مصعب تقدم فأبى وحلف ابن مصعب فتقدم أبو عبد الله بين يديه في المشي انتهى كلامه
ويؤخذ من هذا أن الكبير إذا راعى الصغير وتأدب معه يحسن ذلك منه وأن الصغير إن شاء قبل ذلك لأنه امتثال وإن شاء رده لأنه وقوف مع الأدب
____________________
(3/247)
وفي الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أرسل إلى أبي بكر يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال له ذلك فقال يا عمر صل بالناس فقال عمر انت أحق بذلك فصلى أبو بكر تلك الايام وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه ابو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر وذكر الحديث ولم يتأخر
وفي لفظ مروا أبا بكر فليصل بالناس فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القران لا يملك دمعه فلو أمرت غير أبي بكر قالت والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فراجعته مرتين أو ثلاثا فقال ليصل بالناس ابو بكر فإنكن صواحب يوسف (1)
وفي لفظ فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر فقلت لحفصة قولي له فقالت له فقال إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف فجاء وأبو بكر يصلي بالناس فأشار إليه أن امكث مكانك فرفع ابو بكر يده فحمد الله على ذلك ثم استأخر ابو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال ابو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم + اخرجه البخاري ومسلم ولتمام تخريجه انظر ابن حبان +
وفي ذلك فوائد جليلة
منها قال في شرح مسلم عن الخبر الاول فيه ان المفضول إذا عرض
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(3/248)
عليه الفاضل مرتبة لا يقبلها بل يدعها للفاضل إذا لم يمنع مانع
وقال عن الخبر الثاني فيه أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء وفهم منه إكرامه بذلك الشيء لا يتحتم الفعل وله أن يتركه ولا يكون هذا مخالفة للأمر بل يكون أدبا وتواضعا وتحذقا في فهم المقاصد وفيه ملازمة الأدب مع الكبار
وقال الخلال في تقدمة الصغير بين يدي الكبير في المشي أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد قال رأيت أبا عبد الله يمشي بين يدي عمه فربما تقدم فيكون أمامه أخبرنا عبد الله قال ابي ما كان اعقل بشر بن المفضل كان بشر اسن من معاذ بن معاذ وكان بشر لا يخرج من المسجد حتى يخرج معاذ إكراما منه لمعاذ
قال ابن الجوزي رحمه الله وإذا أذن له ومعه من هو أكبر منه قدم الأكبر في الدخول فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أمرني جبريل عليه السلام أن أكبر (1)
وقال قدموا الكبير وقال مالك بن مغول كنت أمشي مع طلحة بن مصرف فصرنا إلى مضيق فتقدمني ثم قال لو كنت أعلم أنك أكبر مني بيوم ما تقدمتك
ورأى إبراهيم بن سعد الشباب قد تقدموا على المشايخ فقال ما أسوأ أدبكم لا أحدثكم سنة فإن كان الأصغر أعلم فتقديمه أولى
ثم روى بإسناده عن الحسن بن منصور قال كنت مع يحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه يوما نعود مريضا فلما حاذينا الباب تأخر إسحاق وقال ليحيى تقدم أنت قال يا أبا زكريا أنت أكبر مني قال نعم أنا أكبر منك وأنت أعلم فتقدم إسحاق انتهى كلام ابن الجوزي وهو يقتضي أن من له التقديم يتقدم عملا بالسنة وأن ذلك يحسن منه وأن الأعلم يقدم مطلقا ولا
____________________
1- أخرجه البخاري واخرجه البيهقي متصلا من طريق البخاري وبلفظه من طريق آخر عن نافع عن ابن عمر باللفظ الذي أورده المؤلف
(3/249)
اعتبار معه إلى سن ولا صلاح ولا شيء وأن الأسن يقدم على الأدين والأورع كما هو ظاهر في المستوعب وغيره في الوليين في النكاح المتساويين في الدرجة
وقطع في الرعاية في النكاح بتقديم الأدين والأورع على الأسن وهذا مثله فإن استوى اثنان في العلم والسن فينبغي أن يقدم من له مزية بدين أو ورع أو نسب وما أشبه ذلك وينبغي أن يعتبر في تقديم الأدين ثم الأعلم الطريقة الحسنة والسيرة الجميلة وقد يتوجه أن يقال يقدم بعد الأعلم من يقدم في إمامة الصلاة على ما هو مذكور في الفقه
وقد روى الشافعي عن ابن ابي فديك عن ابن أبي ذئب عن الزهري أن بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعالموها أو تعلموها (1)
شك ابن ابي فديك مرسل
ولقائل أن يقول المراد به الخلافة ولهذا في الصحيحين من حديث أبي هريرة والناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم + وذكر البيهقي +
للخبر الأول شواهد من طرق
وذكر ابن الجوزي بعد ذلك ما رواه أحمد بإسناده عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا + حديث حسن أخرجه أحمد أحمد والحاكم +
وسبق هذا الخبر في فصل القيام
وروى ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع عن سفيان عن الأسود بن قيس عن نبيح عن جابر رضي الله عنه قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمشون
____________________
1- اخرجه الشافعي والبيهقي في سننه وقال هذا مرسل وروي موصولا وليس بالقوي وهو في معرفة السنن
(3/250)
أمامه إذا خرج ويدعون ظهره للملائكة (1)
إسناد حسن وروى أيضا معناه
وروى أحمد خبر جابر المذكور أظنه عن وكيع
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا ولا يطأ عقبه رجلان إسناده جيد رواه أبو داود وابن ماجه + اخرجه احمد وابن ماجه وابو دااود وإسناده صحيح +
وعن أبي أمامة الباهلي قال مر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر نحو بقيع الغرقد وكان الناس يمشون خلفه فلما سمع صوت النعال جلس حتى قدمهم أمامه لئلا يقع في نفسه شيء من الكبر رواه احمد وابن ماجه + اخرجه احمد وابن ماجه وإسناده ضعيف +
وقال الشيخ تقي الدين في الجواب عما ادعاه الرافضي من أن عثمان رضي الله عنه أدب بعض الصحابة ولي الله قد يصدر منه ما يستحق عليه العقوبة الشرعية فيكف بالتعزير وقد ضرب عمر بن الخطاب أبي بن كعب رضي الله عنهما بالدرة لما رأى الناس يمشون خلفه فقال ما هذا يا أمير المؤمنين فقال هذا ذلة للتابع فتنة للمتبوع
وهذا الأثر رواه سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة قال رأى عمر مع أبي بن كعب جماعة فعلاه بالدرة فقال إني أعلم ما تصنع يرحمك الله فقال أما علمت أنها فتنة للمتبوع مذلة للتابع
وقال حنبل بن إسحاق حدثنا قبيصة حدثنا حسن بن صالح حدثنا أصحابنا عن علي قال إذا تعلمتم العلم فاكظموا عليه ولا تخلطوه بضحك ولا باطل فتمجه القلوب وكذا رواه ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن
____________________
1- سنن ابن ماجه وسنده حسن كما قال المؤلف
(3/251)
علي وزاد قال علي أخروا عني خفق نعالكم فإنها مفسدة لقلوب الرجال
وقيل للقاضي أبي يعلى في الخلاف في المشي أمام الجنازة كالشفيع لا يجوز اعتبار هذا بالشفيع لأن تقدم الشفيع وتأخره على وجه واحد ليس بعضه أفضل من بعض ولا كذلك المشي أمام الجنازة وخلفها لأنهم اتفقوا أن أحدهما افضل من الآخر فقال لا نسلم هذا بل التقديم بالخطاب في الشفعاء وإظهار نفسه والمبالغة في ذلك أفضل من التأخير فيها فلا فرق بينهما
قال والجنازة متبوعة معناه مقصودة فإن الناس يمشون لأجلها وقد يكون الشيء مقصودا ثم يتأخر عن تابعه ألا ترى أن الناس إذا شفعوا للرجل تقدموا عليه وكذلك جند السلطان يتقدمونه وهم تبع وسبق كلام صاحب النظم في فصول القيام
ولمسلم عن جابر بن سمرة قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن الدحداح ثم اتى بفرس عري فعقله رجل فركبه فجعل يتوقص به ونحن نتبعه نسعى خلفه (1)
ويقال أبو الدحداح أيضا يتوقص به يتوثب به
قال في شرح مسلم قوله ونحن نمشي حوله فيه جواز مشي الجماعة مع كبيرهم الراكب وأنه لا كراهة فيه في حقهم ولا في حقه إذا لم يكن فيه مفسدة وإنما كره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعين أو خيف إعجاب ونحوه في حق المتبوع ونحو ذلك من المفاسد
وذكر الخطابي والحاكم وابن عقيل في الفنون أن أبا بكر بن داود الظاهري وأبا العباس بن شريح والمبرد اجتمعوا في موضع فتقدم ابو بكر بن داود وقال العلم قدمني وتأخر ابن سريج وقال الأدب أخرني فنسبهما المبرد إلى الخطأ وقال إذا صحت المودة سقط التكلف
____________________
1- اخرجه مسلم واحمد وأبو داود والترمذي والنسائي
(3/252)
فصل في التجارة إلى بلاد الأعداء ومعاملة الكفار
تكره التجارة والسفر إلى أرض العدو وبلاد الكفر مطلقا قال ابن حمدان والخوارج والبغاة والروافض والبدع المضلة ونحو ذلك وإن عجز عن إظهار دينه فيها حرم سفره إليها
وقال الشيخ تقي الدين في اقتضاء الصراط المستقيم وعن احمد في جواز حمل التجارة الى ارض الحرب روايتان منصوصتان فقد يقال إن بيع المسلمين لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس ونحو ذلك كحملها إلى أرض الحرب فيه إعانة على دينهم في الجملة وإذا منعنا منها إلى أرض الحرب فهنا أولى وذكر في موضع آخر فيه احتمالين وأن الأقوى أنه لا يجوز وذكر عبد الملك في الواضحة أنه مذهب مالك وكذلك مهاداتهم ما يستعينون به على أعيادهم أما بيع السلاح لأهل الحرب فلا يجوز والمسألة مذكورة في الفقه
وقال أبو داود باب حمل السلاح إلى ارض العدو حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس أخبرني أبي عن أبي إسحاق عن ذي الجوشن رجل من الضباب قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي يقال له القرحاء فقلت يا محمد إني جئتك بابن القرحاء لتتخذه قال لا حاجة لي فيه وإن شئت أن أقيضك به المختارة من دروع بدر فعلت قلت ما كنت أقيضه اليوم بغرة قال فلا حاجة لي فيه (1)
يونس قواه جماعة وروى له مسلم وضعفه جماعة منهم الإمام احمد وقال مضطرب الحديث وفيه أنه سمى الفرس غرة وأكثر ما جاء ذكر الغرة في الحديث إنما يراد بها الآدمي عبد أو أمة
____________________
1- أخرجه ابو داود واحمد وفيه قصة وقد تابع يونس بن ابي إسحاق سفيان عند عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند بإسناد حسن
(3/253)
فصل
قال إسحاق بن إبراهيم سئل ابو عبد الله عن نصارى وقفوا ضيعة للبيعة أيستأجرها المسلم منهم قال لا يأخذها بشيء ولا يعينهم على ما هم فيه وقال أيضا سمعت أبا عبد الله وسأله رجل بناء أبني للمجوس ناووسا قال لا تبن لهمولا تعنهم على ما هم فيه وقد نقل عنه محمد بن الحكم وسأله عن الرجل المسلم يحفر لأهل الذمة قبرا بكراء قال لا بأس به والفرق بينهما أن الناووس من خصائص دينهم الباطل كالكنيسة بخلاف القبر المطلق فإنه ليس في نفسه معصية ولا من خصائص دينهم قاله في اقتضاء الصراط المستقيم وذكر ان احمد اطلق المنع قال وكذا أطلقه الامدي وغيره
ومثل هذا ما لو اشترى من المال الموقوف للكنيسة ونحو ذلك والمنع هنا أشد لأن نفس هذا المال الذي يبذله يصرف في المعصية فهو كبيع العصير لمن يتخذه خمرا وذكر كلاما كثيرا
قال الشافعي رحمه الله في الام وأكره للمسلم بناء أو نجارة أو غيره في كنائسهم التي لصلاتهم فصل في كراهة بيع الدار وإجارتها لمن يتخذها للكفر أو الفسق
قال الخلال رحمه الله باب الرجل يؤاجر داره للذمي او يبيعها منه ثم ذكره عن المروذي سئل أبو عبد الله رحمه الله عن رجل باع داره من ذمي وفيها محاريب فقال نصراني واستعظم ذلك وقال لا تباع ليضرب فيها بالناقوس وينصب فيها الصلبان وقال لا تباع من الكفار وشدد في ذلك
وعن أبي الحارث أن أبا عبد الله سئل عن الرجل يبيع داره وقد جاءه نصراني فأرغبه وزاده في ثمن الدار ترى له أن يبيع داره منه وهو نصراني أو يهودي أو مجوسي قال لا أرى له ذلك يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها يبيعها من
____________________
(3/254)
مسلم أحب إلي
وعن إبراهيم بن الحارث قيل لأبي عبد الله الرجل يكري منزله من الذمي ينزل فيه وهو يعلم أنه يشرب فيه الخمر ويشرك فيه قال ابن عون كان لا يكري الا من اهل الذمة يقول نرغبهم قيل له كأنه اراد اذلال اهل الذمة بهذا قال لا ولكنه اراد انه كره ان يرغب المسلمين يقول إذا جئت اطلب الكراء من المسلم ارغبته فأذا كان ذميا كان اهون عنده وجعل ابو عبد الله يعجب من ابن عون فيما رايت وهكذا نقل الاثرم ولفظه قلت لابي عبد الله
وعن مهنا قال احمد عن الرجل يكري المجوس داره او دكانه وهو يعلم انهم يزنون فقال كان ابن عون لايرى ان يكرى المسلم يقول ارغبهم في اخذ الغلة وكان يرى ان يكري غير المسلمين قال الخلال كل من حكى عن ابي عبد الله في الرجل يكري داره من ذمي فانما اجابه ابو عبد الله على فعل ابن عون ولم ينفذ لابي عبد الله فيه قول وقد حكى عنه ابراهيم انه راه معجبا بقول ابن عون والذي رواه عن ابي عبد الله في المسلم يبيع داره من الذمي انه كره ذلك كراهية شديدة فلو نفذ لابي عبد الله قول في السكنى كان السكنى والبيع عندي واحدا والامر في ظاهر قول ابي عبد الله انه لا يباع منه لانه يكفر فيها ينصب الصلبان وغير ذلك والامر عندي ان لا يباع منه ولا يكرى لانه معنى واحد
قال الخلال وقد أخبرني أحمد بن الحسين بن حسان قال سئل ابو عبد الله عن حصين بن عبد الرحمن فقال روى عنه حفص لا أعرفه قال له أبو بكر هذا من النساك حدثني أبو سعيد الأشج سمعت أبا خالد الأحمر يقول حفص هذا باع دار حصين بن عبد الرحمن عابد أهل الكوفة من عون البصري فقال له أحمد حفص قال نعم فعجب احمد يعني من حفص بن غياث
قال الخلال وهذا تقوية لمذهب ابي عبد الله فإذا كان يكره بيعها من فاسق فكذلك من كافر وإن الذمي يقر وإن الفاسق لا يقر لكن ما يفعله الذمى فيها
____________________
(3/255)
أعظم انتهى كلامه عون هذا من أهل البدع أو من الفساق بالعمل
قال ابو بكر عبد العزيز فيما ذكره عن القاضي لا فرق بين البيع والإجارة عنده فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة وإذا منع البيع منع الاجارة ووافقه القاضي واصحابه على ذلك
وعن إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله سئل يعني الأوزاعي عن الرجل يؤاجر نفسه لنظارة كرم النصراني فكره ذلك قال احمد ما أحسن ما قال لأن أصل ذلك يرجع إلى الخمر إلا أن يعلم انه يباع لغير الخمر فلا بأس قال الشريف ابو علي بن ابي موسى كره احمد ان يبيع داره من ذمي يكفر فيها بالله عز وجل ويستبيح المحظورات فإن فعل أساء ولم يبطل البيع وكذلك قال ابو الحسين الآمدي أطلق الكراهة مقتصرا عليها وأما الخلال وصاحبه والقاضي فمقتضى كلامهم تحريم ذلك وقد سبق كلام الخلال وصاحبه
وقال القاضي لا يجوز ان يؤجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار أو كنيسة أو يبيع فيه الخمر سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر أو لم يشترط لكنه يعلم انه يبيع فيه الخمر وقد قال أحمد لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها يبيعها من مسلم أحب إلي
وقال أيضا في نصارى وقفوا ضيعة لهم للبيعة لا يستأجرها الرجل المسلم منهم يعينهم على ما هم فيه قال وبهذا قال الشافعي فقد حرم القاضي إجارتها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر مستشهدا على ذلك بنص احمد على انه لا يبيعها لكافر ولا يشتري وقف الكنيسة وذلك يقتضي ان المنع عنده في هاتين الصورتين منع تحريم قال قال القاضي في أثناء المسألة فإن قيل أليس قد اجاز أحمد إجارتها من أهل الذمة مع علمهم بأنهم يفعلون ذلك فيها قيل المنقول عن أحمد أنه حكى قو ابن عون وعجب منه وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوز إجارتها من ذمي وظاهر رواية الاثرم وإبراهيم بن الحارث جواز
____________________
(3/256)
ذلك فإن إعجابه بالفعل دليل جوازه عنده واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي انه مذهبه في أحد الوجهين
والفرق بين البيع والإجارة أن ما في الاجارة من مفسدة الإعانة قد عارضه مصلحة اخرى وهو مصرف إرغاب المطالبة بالكراء عن المسلم وأنزل ذلك بالكفار وصار ذلك منزلة إقرارهم بالجزية فإنه وإن كان إقرارا لكافر لكن لما تضمنه من المصلحة جاز ولذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة فأما البيع فهذه المصلحة منتفية فيه فيصير في المسألة أربعة أقوال ذكر هذا كله الشيخ تقي الدين
وأكثر الأصحاب رحمهم الله على انهم إن ملكوا دارا عالية من مسلم لم يجز نقضها وهدمها وهو يقتضي عدم تحريم البيع وإبطاله والخلاف إنما هو فيما إذا لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرمة فأما إن آجره إياها لأجل ذلك لم يجز ولم يصح ذلك عندنا قولا واحدا كما لا يجوز أن يكري أمته أو عبده للفجور والله أعلم فصل الاتساع في الكسب الحلال والمباني مشروع ولو بقصد الترفة والجاه والكسب واجب للنفقة الواجبة
يسن التكسب ومعرفة أحكامه حتى مع الكفاية نص عليه قاله في الرعاية
وقال ايضا فيها يباح كسب الحلال لزيادة المال والجاه والترفه والتنعم والتوسعة على العيال مع سلامة الدين والعرض والمروءة وبراءة الذمة وقال ابن حزم اتفقوا على ان الاتساع في المكاسب والمباني من حل إذا أدى جميع حقوق الله تعالى قبله مباح ثم اختلفوا فمن كاره وغير كاره
وقال معروف الكرخي من اشترى وباع ولو برأس المال بورك فيه كما يبارك في الزرع بماء المطر انتهى كلامه
____________________
(3/257)
ويجب على من لا قوت له ولمن تلزمه مؤنته ويقدم الكسب لعياله على كل نفل وقد يتعين عليه لقوله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت (1)
كذا في الرعاية وهذا الخبر رواه ابو داود وفي مسلم معناه وله التكسب لحاجة قد تعرض له أو لهم
وتسن الصدقة بما فضل عنه وعنهم في ابواب البر ويكره ترك التكسب مع الاتكال على الناس نص على ذلك كله
ويجب التكسب ولو بإيجار نفسه لوفاء ما عليه من دين ونذر وطاعة وكفارة ومؤنة تلزمه ذكره كله في الرعاية وهو بمعناه في كلام غيره وأنشد بعضهم
( إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه % شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا )
( وصار على الأدنين كلا وأوشكت % صلات ذوي القربى له أن تنكرا )
وذكر ابن عقيل في بعض كلامه ما معناه أقسم بالله لو عبس الزمان في وجهك مرة لعبس في وجهك أهلك وجيرانك ثم حث على الامساك وسبق في الأمر بالمعروف في فضل أهل الحديث وطلب العلم كلام ابن الجوزي وسيأتي في الفصل بعده ما يوافقه إن شاء الله تعالى ومن شعر لعمار الكلبي
( والفقر يزري بأقوام ذوي حسب % وربما ساد نذل القوم بالمال )
( أصون عرضي بمالي لا ادنسه % لا بارك الله بعد العرض في المال )
وقال آخر
( إذا قل مال المرء قل صفاؤه % وضاقت عليه أرضه وسماؤه )
( وأصبح لا يدري وإن كان حازما % أقدامه خير له أم وراؤه )
( إذا قل مال المرء لم يرض عقله % بنوه ولم يغضب له أولياؤه )
( وإن مات لم يفقد ولم يحزنوا له % وإن عاش لم يسرر صديقا بقاؤه )
____________________
1- اخرجه ابو داود وهو حديث صحيح وانظر ابن حبان
(3/258)
وقال آخر
( الفقر يزري بأقوام ذوي حسب % وقد يسود غير السيد المال )
وقال آخر
( أرى دهرنا فيه عجائب جمة % إذا استعرضت بالعقل ضل بها العقل )
( أرى كل ذي مال يسود بماله % وإن كان لا اصل هناك ولا فضل )
( فشرف ذوي الأموال حيث لقيتهم % فقولهم قول وفعلهم فعل )
وقا ابو العتاهية
( والناس حيث يكون المال والجاه % )
وعن عمرو بن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا عمرو نعم المال الصالح مع الرجل الصالح رواه أحمد (1)
وسبق ما يتعلق بهذا والزهد في الدنيا وذمها قبل فصل آداب المصافحة
وقال ابن عبد البر قال قيس بن عاصم لبنيه حين حضرته الوفاة يا بني عليكم بالمال واصطناعه فإنه ينبه الكريم ويستغنى به عن اللئيم
وقال القاضي أبو يعلى رحمه الله والكسب قد يفترض في نفقته على نفسه إذا لم توجد منه حقيقة التوكل فأما إذا وجد منه حقيقة التوكل وهو ان لا تستشرف نفسه إلى أحد من الناس لم يفترض عليه الكسب لنفسه ويأتي في الفصل بعده
قال والكسب الذي لا يقصد به التكاثر وإنما يقصد به التوصل إلى طاعة الله تعالى من صلة الإخوان أو يستعف عن وجوه الناس فهو أفضل لما فيه من منفعة غيره ومنفعة نفسه وهو افضل من التفرغ إلى طلب العبادة من الصوم والصلاة والحج وتعلم العلم لما فيه من المنافع للناس وخير الناس أنفعهم للناس انتهى كلامه
____________________
1- أخرجه أحمد وإسناده على شرط مسلم وصححه ابن حبان
(3/259)
ولنا خلاف هل ما تعدى نفعه من تطوع البدن أفضل له أم الصلاة ونحوها وعلى هذا الخلاف تخرج هذه المسألة
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخلق عيال الله وأحب الخلق إليه أنفعهم لعياله (1)
إسناده ضعيف ورواه الطبراني وابن مروديه وغيرهما
وروى الطبراني حدثنا حفص بن عمر الرقي حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن حجاج بن فرافصة عن مكحول عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلب الدنيا حلالا استعفافا عن المسألة وسعيا على أهله وتعطفا على جاره جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ومن طلب الدنيا حلالا مكاثرا لقي الله وهو عليه غضبان + ضعيف واخرجه البيهقي في شعب الايمان وابو نعيم في الحلية من طريق سفيان الثوري بهذا الاسناد ومكحول لم يسمع من ابي هريرة وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف من طريق سفيان عن حجاج بن فرافضة عن رجل عن مكحول +
حديث حسن ومكحول لم يسمع من ابي هريرة
واطلق أصحابنا إباحة التجارة ولعل المراد غير مكاثر وأنه يكره وحرم ابو الفرج الشيرازي من أصحابنا المكاثرة بذلك قال ابن تميم وفيه نظر ويأتي كلام ابن حزم في آداب المساجد وقد ذكرنا المسألة في الفقه في القصر في السفر وسبق كلام ابن حزم ايضا اول الفصل ويجب النصح في المعاملة وكذا في غيرها وترك الغش
قال المروذي قلت لأبي عبد الله إن رجلا قال لا أكتسب حتى تصح لي النية وله عيال قال إذا كان يجب عليه أن ينفعهم فمن النية صيانتهم
____________________
1- أخرجه ابو يعلى والبزار كشف الاستار وفي سنده يوسف بن عطية وهو متروك وله شاهد من حديث ابن مسعود اخرجه الطبرني وهو ضعيف أيضا
(3/260)
فصل في فضل التجارة والكسب على تركه توكلا وتعبدا
سأل رجل الإمام أحمد رحمه الله فقال أربعة دراهم درهم من تجارة ودرهم من صلة الإخوان ودرهم من اجر التعليم ودرهم من غلة بغداد فقال أحبه إلي من تجارة بزه وأكرهها عندي الذي من صلة الإخوان وأما أجر التعليم فإن احتاج فليأخذه وأما غلة بغداد فأنت تعرفها فأي شيء تسألني عنها وقال رجل لأحمد التعليم أحب إليك أم المسألة قال التعليم أحب إلي
وقال المروذي سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله إني في كفاية قال الزم السوق تصل به الرحم وتعود به على نفسك
وقال احمد للميموني استغن عن الناس فلم ار مثل الغنى عن الناس
وقال رجل للفضيل بن عياض رحمه الله لو ان رجلا قعد في بيته وزعم أنه يثق بالله فيأتيه برزقه قال إذا وثق به حتى يعلم أنه قد وثق به لم يمنعه شيئا اراده ولكن لم يفعل هذا الانبياء ولا غيرهم وقد قال الله تعالى
( ^ وابتغوا من فضل الله ) الجمعة ولا بد من طلب المعيشة
وقال ابراهيم النخعي رحمه الله وسئل عن الرجل يترك التجارة ويقبل على الصلاة يعني ورجل يشتغل بالتجارة أيهما افضل قال التاجر الامين
وترك سعيد بن المسيب دنانير فقال اللهم إنك تعلم إني لم أجمعها إلا لأصون بها ديني وحسبي لا خير فيمن لا يجمع المال فيقضي دينه ويصل رحمه ويكف به وجهه
وقال سفيان رحمه الله ليس من حبك الدنيا أن تطلب فيها ما يصلحك وقال إبراهيم النخعي إنما أهلك الناس فضول الكلام وفضول المال وقيل لأحمد رحمه الله فإن أطعم عياله حراما يكون ضيعة لهم قال شديدا
قال المروذي وقد أنكر أبو عبد الله على المتوكلين في ذلك إنكارا شديدا
____________________
(3/261)
وقال في رواية عبد الله ينبغي للناس كلهم يتوكلون على الله عز وجل ولكن يعودون أنفسهم بالكسب فمن قال بخلاف هذا القول فهذا قول إنسان أحمق قال وسمعت ابي يقول الاستغناء عن الناس بطلب العمل أعجب إلينا من الجلوس وانتظار ما في أيدي الناس
وقال صالح سئل أبي وأنا شاهد عن قوم لا يعملون ويقولون نحن متوكلون فقال هؤلاء مبتدعة قال المروذي قيل لأبي عبد الله إن ابن عيينة كان يقول هم مبتدعة فقال ابو عبد الله هؤلاء قوم سوء يريدون تعطيل الدنيا
وقال في رواية ابي الحارث إذا جلس الرجل ولم يحترف دعته نفسه إلى أن يأخذ ما في ايدي الناس فإذا شغل نفسه بالعمل والاكتساب ترك الطمع
وقال المروذي قيل لأبي عبد الله أي شيء صدق المتوكل على الله عز وجل قال ان يتوكل على الله ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيء فإذا كان كذا كان الله يرزقه وكان متوكلا
وقال المروذي ذكرت لأبي عبد الله التوكل فأجازه لمن استعمل فيه الصدق
وقد روى الترمذي عن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس عن عمران بن زائدة بن نشيط عن ابيه عن ابي خالد الوالبي عن ابي هريرة مرفوعا يقول الله تعالى يا ابن ادم تفرغ لعبادتي املأ صدرك غنى وأسد فقرك وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك (1)
رواه ابن ماجه من حديث عمران بن زائدة ورواه احمد وهو حديث جيد قال الترمذي حسن غريب
وروى ايضا وقال الترمذي حسن صحيح عن عمر مرفوعا لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا
____________________
1- أخرجه احمد والترمذي وابن ماجه
(3/262)
وتروح بطانا (1)
وعن زيد بن ثابت مرفوعا من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الاخرة همة جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة إسناده جيد ورواه ابن ماجه + اخرجه ابن ماجه واحمد في الزهد وإسناده صحيح وانظر ابن حبان +
وعن عمرو بن العاص مرفوعا إن لقلب ابن ادم بكل واد شعبه فمن أتبع قلبه الشعب كلها لم يبال الله في أي واد أهلكه ومن توكل على الله كفاه الشعب + اخرجه ابن ماجه وتفرد به صالح بن رزيق وهو مجهول +
رواه ابن ماجه من رواية ابن رزيق العطار تفرد عنه الكوسج وباقية جيد ولابن ماجه هذا المعنى بإسناد ضعيف من حديث ابن مسعود وقد سبق في فصول العلم
وقال ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا تكثر همك يا عبد الله ما يقدر يكن وما ترزق يأتك + بهجة المجالس وأخرجه ابن ابي عاصم في الاحاد والمثاني من طريق عياش بن عباس عن مالك بن عبد الله المعافري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا سند فيه انقطاع بن عياش بن عباس وبين مالك بن عبد الله لكن رواه ابن الاثير في اسد الغابة من طريق ابن ابي عاصم بهذا الاسناد إلا انه زاد جعفر بن عبد الله بين عياش بن عباس وبين مالك بن عبد الله وجعفر هذا ثقة من رجال مسلم وانظر الاصابة +
وقال غيره قال الاطباء في تدبير المشايخ وليحذروا الهم فإنه يصير الشباب شيوخا فما ظنك بالمشايخ
____________________
1- اخرجه الترمذي وابن ماجه وإسناده جيد وانظر ابن حبان
(3/263)
قال ابن عبد البر ويروى لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه وفيها نظر
( ولو أن في صخرة في البحر راسية % صما ململمة ملس نواحيها )
( رزقا لعبد براه الله لانفلقت % حتى تؤدي إليه كل ما فيها )
( أو كان تحت طباق الأرض مطلبها % لسهل الله في المرقى مراقيها )
( حتى تؤدي الذي في اللوح خط له % إن هي أتته وإلا سوف يأتيها )
قال وأنشد بعضهم
( الحمد لله ليس الرزق بالطلب % ولا العطايا على عقل ولا أدب )
( إن قدر الله شيئا أنت طالبه % يوما وجدت إليه أقرب السبب )
( وإن أبى الله ما تهوى فلا طلب % يجدي عليك ولو حاولت من كثب )
( وقد أقول لنفسي وهي ضيقة % وقد أناخ عليها الدهر بالعجب )
( صبرا على ضيقة الأيام إن لها % فتحا وما الصبر إلا عند ذي الأدب )
( سيفتح الله ابواب العطاء بما % فيه لنفسك راحات من التعب )
( ولو يكون كلامي حين انشده % من اللجين لكان الصمت من ذهب )
ولآخر
( إني لأعلم والأقدار غالبة % أن الذي هو رزقي سوف يأتيني )
( أسعى إليه فيعييني تطلبه % ولو قعدت أتاني لا يعنيني )
وقال آخر
( ألم تر أن الله قال لمريم % فهزي إليك الجذع يساقط الرطب )
( ولو شاء أن تجنيه من غير هزها % جنته ولكن كل شيء له سبب )
وقال بكر بن حماد
( للناس حرص على الدنيا وقد فسدت % فصفوها لك ممزوج بتكدير )
____________________
(3/264)
( فمن يكب عليها لا تساعده % وعاجز نال دنياه بتقصير )
( لم يدركوها بعقل عندما قسمت % وإنما أدركوها بالمقادير )
( لو كان عن قدرة أو عن مغالبة % طار البزاة بأرزاق العصافير )
ولسريج بن يونس المحدث
( يا طالب الرزق يسعى وهو مجتهد % أتعبت نفسك حتى شفك التعب )
( تسعى لرزق كفاك الله مؤنته % أقصر فرزقك لا يأتي به الطلب )
( كم من سخيف ضعيف العقل تعرفه % له الولاية والأرزاق والذهب )
( ومن حصيف له عقل ومعرفة % بادي الخصاصة لم يعرف له نسب )
( فاسترزق الله مما في خزائنه % فالله يرزق لا عقل ولا حسب )
وقال آخر
( كم من قوي قوي في تقلبه % مهذب الرأي عنه الرزق منحرف )
( ومن ضعيف ضعيف الرأي تبصره % كأنه من خليج البحر يغترف )
وقال آخر
( يا راكب الهول والآفات والهلكه % لا تعجلن فليس الرزق بالحركة )
( من غير ربك في السبع العلا ملك % ومن ادار على أرجائها فلكه )
( أما ترى البحر والصياد تضربه % أمواجه ونجوم الليل مشتبكه )
( يجر أذياله والموج يلطمه % وعقله بين في كلكل الشبكه )
( حتى إذا راح مسرورا بها فرحا % والحوت قد شك منقود الردى حنكه )
( أتى إليك به رزقا بلا تعب % فصرت تملك منه مثل ما ملكه )
( لطفا من الله يعطي ذا بحيلته % هذا يصيد وهذا يأكل السمكه )
وقال بعض الحكماء الحلال يقطر قطرا والحرام يسيل سيلا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا
____________________
(3/265)
ينفع ذا الجد منك الجد متفق عليه (1)
قال أكثم بن صيفي جدك لا كدك
وقال أبو الاسود الدؤلي
( المرء يحمد سعيه من جده % حتى يزين بالذي لم يعمل )
( وترى الشقي إذا تكامل جده % يرمى ويقذف بالذي لم يفعل )
وقال حسان أو ابنه عبد الرحمن
( وإن امرأ يمسي ويصبح سالما % من الناس إلا ما جنى لسعيد )
( وإن الذي ينجو من النار بعدما % تزود من أعمالها لسعيد )
ولصالح بن عبد القدوس
( وليس رزق الفتى من حسن حيلته % لكن جدود بأرزاق وأقسام )
( كالصيد يحرمه الرامي المجيد وقد % يرمي فيرزقه من ليس بالرامي )
طلب أبو الاسود الدؤلي مالا من جار يستقرضه منه وكان حسن الظن به فاعتل عليه ودفعه فقال ابو الاسود
( فلا تطمعن في مال جار لقربه % فكل قريب لا ينال بعيد )
( وفوض إلى الله الأمور فإنما % تروح بأرزاق عليك جدود )
( ولا تشعرن النفس يأسا فإنما % يعيش بجد عاجز وبليد )
وأنشد محمد بن نصر الكاتب لنفسه
( لا تشرهن إلى دنيا تملكها % قوم كثير بلا عقل ولا أدب )
( ولا تقل إنني ابصرت ما جهلوا % من الإدارة في مر ومنقلب )
( فبالجدود هم نالوا الذي ملكوا % لا بالعقول ولا بالعلم والحسب )
( وأيسر الجد نحوي كل ممتنع % على التمكن عند البغي والطلب )
( وإن تأملت أحوال الذين مضوا % رأيت من ذا وهذا أعجب العجب )
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم وانظر ابن حبان
(3/266)
وفي مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل الرجوع إلى أهله (1)
وقد سبق بعد آداب السفر
قال ابن عبد البر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سافروا تصحوا واغزوا تستغنوا + نهجة المجالس وأخرجه احمد من حديث ابي هريرة وفي سنده ابن لهيعة ودراج وابن لهيعة ضعف من قبل حفظه ودراج صاحب مناكير +
قال وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم سافروا تصحوا وتغنموا + ضعيف أخرجه القضاعي في مسند الشهاب من حديث ابن عمر وأورده ابن عدي في الكامل ضمن ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن الرداد مما أنكر عليه وقال ولا أعلم يرويه غير أبن الرداد هذا وعامة ما يرويه غير محفوظ وله شاهد من حديث ابي سعيد وهو ضعيف ايضا +
وقد روي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه ومنهم من يرفعه أنه قال من سعادة ابن آدم أو من سعادة المرء أن تكون زوجته صالحة وأولاده ابرارا وإخوانه صالحين ورزقه في بلده الذي فيه أهله وفي التوراة ابن آدم احدث سفرا احدث لك رزقا ومن امثال العامة البركات مع الحركات وقالوا ربما اسفر السفر عن الظفر
قال بعضهم
( وإذا الزمان كساك حلة معدم % فالبس له حلل النوى وتغرب )
وقال آخر
( ومن يغترب يحسب عدوا صديقه % ومن لا يكرم نفسه لا يكرم )
وقال آخر
( إن الغريب بأرض لا عشير له % كبائع الريح لا يعطى به ثمنا )
وقال آخر
( تغربت عن أهلي أؤمل ثروة % فلم أعط آمالي وطال التغرب )
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم وانظر ابن حبان
(3/267)
( فما للفتى المحتال في الرزق حيلة % ولا لحدود حدها الله مذهب )
وقال آخر
( لقرب الدار في الإقتار خير % من العيش الموسع في اغتراب )
وقال آخر
( إن الغريب وإن أقام ببلدة % يهدى إليه خراجها لغريب )
وقال آخر
( غريب يقاسي الهم في ارض غربة % فيارب قرب دار كل غريب )
وقال آخر
( إن الغريب وإن ألم ببلدة % عبثت أنامله على الحيطان )
( فتراه يكتب والغرام يسوقه % والشوق قائده إلى الأوطان )
وقال آخر
( سل الله الأمان من المغيب % فكم قد رد مثلك من غريب )
( وسل الهم عنك بحسن ظن % ولا تيأس من الفرج القريب )
قيل إن هذه الابيات للرشيد
( حتى متى أنا في حط وترحال % وطول سعي وإدبار وإقبال )
( ونازح الدار لا ينفك مغتربا % عن الأحبة لا يدرون ما حالي )
( في مشرق الأرض طرا ثم مغربها % لا يخطر الموت من حرص على بالي )
( ولو قعدت أتاني الرزق في دعة % إن القنوع الغنى لا كثرة المال )
خرج الشافعي رضي الله عنه في بعض أسفاره فضمه الليل إلى مسجد فبات
____________________
(3/268)
فيه وإذا في المسجد أقوام يتحدثون بضروب من الخنا وهجر المنطق فتمثل فقال
( وأنزلني طول النوى دار غربة % إذا شئت لاقيت امرءا لا أشاكله )
وقال شريك بن عبد الله كان يقال أنجى الناس من البلايا والفتن من انتقل من بلد إلى بلد
وقال يعقوب سمعت احمد وسئل عن التوكل فقال هو قطع الاستشراف بالإياس من الخلق فقيل له ما الحجة قال إبراهيم لما وضع في المنجنيق ثم طرح إلى النار فاعترضه جبريل عليهما السلام فقال يا إبراهيم لك حاجة قال أما إليك فلا فقال له سل من لك إليه حاجة فقال أحب الأمرين إليه أحبهما إلي
ومراده والله أعلم أن هذا وإن قدح في التوكل الكامل فلا يقدح في التوكل الواجب ولهذا قال في رواية عبد الله السابقة الاستغناء عن الناس بطلب العمل أعجب إلينا من الجلوس وانتظار ما في ايدي الناس ولهذا يذكر الاصحاب كراهة الحج لمن حج بلا زاد ولا راحلة يسأل الناس وذكروا قول الإمام أحمد وسئل عمن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة فقال لا أحب له ذلك هذا يتوكل على أزواد الناس
وظهر مما سبق أن من توكل توكلا صادقا فلم تستشرف نفسه إلى مخلوق وترك السبب واثقا بوعد الله أنه خلاف السنة وهل يأثم على روايتين والله أعلم وسبق في الفصل قبله كلام القاضي
وقال ابن الجوزي قيل لأحمد ما تقول في رجل جلس في بيته أو مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتي رزقي فقال أحمد هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي (1)
وقال حين ذكر
____________________
1- أخرجه احمد وابن ابي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابو داود وفي سنده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وقد ضعفوه
(3/269)
الطير تغدو خماصا وتروح بطانا وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخلهم والقدوة بهم
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يتعب لك ولكن ابدأ برغيفيك فاحرزهما ثم تعبد
وروي أن لقمان الحكيم عليه السلام قال لابنه يا بني استعن بالكسب الحلال فإنه ما افتقر احد قط إلا اصابه ثلاث خصال رقة في دينه وضعف في عقله وذهاب مروءته وأعظم من ذلك استخفاف الناس به
وسئل الإمام احمد ما يلين القلب فقال أكل الحلال فسأل السائل بشر بن الحارث وعبد الوهاب الوراق رحمهما الله فقالا بذكر الله فذكر لهما أحمد فقالا جاء بالأصل
وقال الحسن بن علي ابو محمد البربهاري الحنبلي الإمام في كتابه شرح السنة في اثناء كلامه ولا تقل أترك المكاسب وآخذ ما أعطوني لم يقل هذا الصحابة ولا العلماء رضي الله عنهم إلى زماننا هذا وقال عمر رضي الله عنه كسب فيه بعض الدنية خير من الحاجة إلى الناس انتهى كلامه
قال المروذي سألت أبا عبد الله عن شيء قال لا تبحث ما لم تعلم فهو خير
وروى الخلال عن سفيان أنه قال أما بيع في السوق فهو موسع لك إلا أن تعلم شيئا حراما بعينه ولا أرى التفتيش عن هذه الاشياء
وروى الترمذي وحسنه وإسناده ثقات عن الحسن عن ابي سعيد مرفوعا التاجر الصدوق الامين مع النبيين والصديقين والشهداء (1)
قال ابن المديني
____________________
1- حديث حسن اخرجه الترمذي والدارمي والحاكم من طريق الترمذي نفسه وهو من مراسيل الحسن وله شاهد من حديث ابن عمر وفي سنده كلثوم بن جوشن وهو ضعيف
(3/270)
الحسن لم يسمع من ابي سعيد وكذا قال ابو بكر البزار روى عنه حديثين أو ثلاثة ولم يسمع منه
وروى ابو بكر بن مردوية عن ابن عمر مرفوعا إن الله يحب العبد المؤمن المحترف (1)
وروى ابن ابي الدنيا في كتاب إصلاح المال عن ابن عباس مرفوعا طلب الحلال جهاد وإن الله يحب العبد المؤمن المحترف + إصلاح المال وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب وفي سنده محمد بن يزيد النيسابوري وليث بن ابي سليم وهما ضعيفان وله شاهد من حديث ابن عمر تقدم قبله +
وبإسناد عن انس قال ذكر شاب عند النبي صلى الله عليه وسلم بزهد وورع فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن كانت له حرفة
وبإسناده عن الحسن قالوا يا رسول الله أي الاعمال أحب إلى الله قال كسب الحلال وأن تموت ولسانك رطب من ذكر الله
وبإسناده عن نعيم بن عبد الرحمن مرفوعا تسعة أعشار الرزق في التجارة
____________________
1- اخرجه الطبراني في الكبير والقضاعي في مسند الشهاب من طريق سالم عن أبيه وفي سنده عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب من طريق مجاهد عن ابن عمر به وفي سنده عبيد بن إسحاق وهو ضعيف ايضا وقال ابن ابي حاتم عن ابيه في العلل هذا حديث منكر
(3/271)
وبإسناده عن عمر قال ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إلي من أن أموت بين شعبتي رحل اضرب في الارض ابتغي من فضل الله
وبإسناده عن عمر يا معشر القراء ارفعوا رؤوسكم فقد وضح الطريق واستبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالا على المسلمين
وبإسناده عن سعيد بن المسيب قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في بحر الروم
وسبق الكلام في الزهد في الدنيا وذمها قبل فصل آداب المصافحة قال ابن الجوزي قد جاء في الحديث من طلب العلم تكفل الله برزقه وإنما يذهب الدين الشره وقلة القناعة (1)
وقال الثوري لان اخلف عشرة آلاف درهم يحاسبني الله عليها أحب الي من أن أحتاج إلى الناس
قال ابن الجوزي وقد أخذ هذا المعنى الشاعر فنظمه
( لأن امضي وأترك بعض مالي % يحاسبني به رب البريه )
( أحب إلي من وقع احتياجي % إلى نذل شحيح بالعطيه )
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال لأبي عثمان النهدي لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته رواه مسلم في فضل ام سلمة وهو عكس ما
____________________
1- أخرجه الخطيب في تاريخه من طريق سفيان الثوري عن ابيه عن جده عن زياد الصدائي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال غريب من حديث الثوري عن ابيه عن جده ونظر الدر المنثور
(3/272)
رأيته في التاريخ عن بعض الناس ورواه ابو بكر بن ابي عاصم عن سلمان مرفوعا وروى ايضا هذا المعنى عن ابي امامة مرفوعا وروى ابو بكر البرقاني في صحيحه حديث سلمان مرفوعا ولفظه بعد قوله يخرج منها فيها باض الشيطان وفرخ ولم يزد على ذلك
وروى الترمذي حدثنا هناد حدثنا ابو الاحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تستقبلوا السوق ولا تحفلوا ولا ينفق بعضكم لبعض (1)
قال الترمذي حسن صحيح والمحفلة المصراة
قال ابن الاثير لا ينفق بعضكم لبعض أي لا يقصد ان ينفق سلعته على جهة النجش فإنه بزيادته فيها يريب السامع فيكون قوله سببا لابتياعها ومنفقا لها والسوق تذكر وتؤنث سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم فصل في تحريم السؤال حتى على من له أخذ الصدقة وذمة وتقبيحه
من أبيح له أخذ شيء قال ابن حمدان من زكاة وصدقة تطوع وكفارة ونذر ونحو ذلك فله طلبه
وعنه يحرم الطلب دون الأخذ على من له غداء أو عشاء نقلها الأثرم وابن منصور
وعنه بلى على من له غداء أو عشاء نقله عنه صالح وجعفر
وعنه يحرم الطلب على من له خمسون درهما وإن جاز له الأخذ نقله مهنا
وعنه تحرم المسألة على من أخذ الصدقة مطلقا والله أعلم
وفي ذم السؤال والنهي عنه وأن المسألة تجيء في وجهه يوم القيامة
____________________
1- أخرجه الترمذي واحمد
(3/273)
خدوشا وانه يستكثر من جمر جهنم ونحو ذلك اخبار كثيرة مشهورة وقال مؤنس
( إن الوقوف على الأبواب حرمان % والعجز ان يرجو الإنسان إنسان )
( حتى م تأمل مخلوقا وتقصده % إن كان عندك بالرحمن إيمان )
( ثق بالذي هو يعطي ذا ويمنع ذا % في كل يوم له في خلقه شان )
وقال آخر
( من يسأل الناس يحرموه % وسائل الله لا يخيب )
وقال آخر
( ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى % وإلى الذي يهب الرغائب فارغب )
وقال آخر
( لا تحسبن الموت موت البلى % فإنما الموت سؤال الرجال )
( كلاهما موت ولكن ذا % أشد من ذاك لذل السؤال )
وذكر ابن الجوزي ان سعد الله بن نصر الدجاجي الحنبلي يكنى با الحسن توفي في سنة اربع وستين وخمس مئة تفقه وناظر ووعظ قال كنت خائفا من الخليفة لحادث نزل فاختفيت فرأيت في المنام كأني في غرفة أكتب شيئا فجاء رجل فوقف بإزائي وقال اكتب ما أملي عليك وأنشد
( إدفع بصبرك حادث الأيام % وترج لطف الواحد العلام )
( لا تيأسن وإن تضايق كربها % ورماك ريب صروفها بسهام )
( فله تعالى بين ذلك فرجة % تخفى على الابصار والأفهام )
( كم من نجا من بين أطراف القنا % وفريسة سلمت من الضرغام )
وقال محمود الوراق
( وإذا لم يكن من الذل بد % فالق بالذل إن لقيت الكبارا )
____________________
(3/274)
( ليس إجلالك الكبير بذل % إنما الذل أن تجل الصغارا )
وقال ايضا
( بخلت وليس البخل مني سجية % ولكن رأيت الفقر شر سبيل )
( لموت الفتى خير من البخل للفتى % وللبخل خير من سؤال بخيل )
قال ابن عبد البر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظار الفرج عبادة (1)
ويروى لأبي محجن الثقفي
( عسى فرج يأتي من الله إنه % له كل يوم في خليقته امر )
( عسى ما ترى أن لا يدوم وأن ترى % له فرجا مما ألح به الدهر )
( إذا اشتد عسر فارج يسرا فإنه % قضى الله أن العسر يتبعه اليسر )
وقال آخر
( لعمرك ما كل التعطل ضائر % ولا كل شغل فيه للمرء منفعه )
( إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى % عليك سواء فاغتنم لذة الدعه )
( وإن ضقت يوما يفرج الله ما ترى % ألا رب ضيق في عواقبه سعه )
وقال آخر
( اصبر على الدهر إن أصبحت منغمسا % بالضيق في لجج تهوي إلى لجج )
( فما تجرع كأس الصبر معتصم % بالله إلا أتاه الله بالفرج )
وقال آخر
( هون عليك فكل الأمر منقطع % وخل عنك عنان الهم يندفع )
( فكل هم له من بعده فرج % وكل أمر إذا ما ضاق يتسع )
____________________
1- بهجة المجالس وأخرجه الخطيب في تاريخه من حديث أنس واورده ابن عدي في الكامل في ترجمة بقية بن الوليد وقال هذا حديث باطل بهذا الإسناد لا يرويه عنه يعني عن مالك غير بقية وله شاهد من حديث ابن عمر وآخر من حديث علي وهما ضعيفان أيضا
(3/275)
( إن البلاء وإن طال الزمان به % فالموت يقطعه او سوف ينقطع )
وقال الشعبي خرجت حاجا فضاق صدري فجعلت أقول
( ارى الموت لمن أمسى % على الذل له اصلح )
فإذا بهاتف من وراثي يقول
( الا يا ايها المرء الذي % الهم به برح )
( إذا ضاق بك الصدر % تفكر في ( ^ ألم نشرح ) ) فصل في حكم ما يأتي المرء من الصلات والهبات من أخذ ورد
وما جاءه من مال بلا إشراف نفس ولا مسألة وجب أخذه نقله جماعة منهم الأثرم والمروذي قال في رواية الأثرم إذا جاءه من غير مسألة ولا إشراف كان عليه أن يأخذه لقول النبي صلى الله عليه وسلم خذ ثم ذكر الحديث ثم قال ينبغي له أن يأخذه ويضيق عليه إذا لم يكن له إشراف أن يرده
وقال محمد بن يحيى الكحال للإمام أحمد الرجل يأتيه الشيء من غير مسألة ولا استشراف ايما افضل يأخذه أو يرده قال إذا لم يكن استشراف أخاف أن يضيق عليه رده وكذا نقل المروذي ومحمد بن حبيب ويوسف بن موسى ونقل عنه ابن مشيش أخاف إذا جاءه فجأة فرده أن يحرج وقطع به في المستوعب واختار ابن حمدان انه يستحب ورأيت بخط القاضي تقي الدين الزريراني البغدادي الحنبلي رحمه الله أن الإمام احمد رضي الله عنه نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم والذي وجدت إسحاق نقله عنه أنه قال لا بأس إذا كان من غير استشراف أن يرد أو يأخذ هو بالخيار وهذه رواية بإباحة الأخذ وهو الذي ترجم الخلال أن القبول مباح من غير استشراف وأمر أحمد في رواية بشر بن موسى بالأخذ وقال للسائل ارجو أن يطيب لك وذكر ابن
____________________
(3/276)
الجوزي انه لا يأخذه إلا مع حاجته إليه وإذا سلم من الشبهة والآفات فغن الأفضل أخذه
ونقل المروذي أن أحمد جاءته هدية ثوب من خراسان فلما كان من الغد قال للمروذي اذهب رده قال فقلت له أي شيء تكون الحجة في رده أو كيف يجوز أن يرد مثل هذا قال ليس أعلم فيه شيئا إلا أن الرجل إذا تعود لم يصبر عنه
واتجر محمد بن سليمان السرخسي بدراهم جعل ربحها لأحمد فربحت عشرة آلاف فذكر ذلك لأحمد فقال جزاه الله خيرا لكنا في كفاية فرد عليه فقال دعنا نكون أعزة وأبى أن يأخذها
وذكر القاضي ابو الحسين في كراهة الرد روايتين وعلل رواية عدم الكراهة بكلام احمد في رواية المروذي وكان سفيان بن عيينة يقول لأصحاب الحديث أعلمتم أني كنت قد أوتيت فهم القران فلما قبلت من أبي جعفر يعني من يحيى بن خالد البرمكي سلبته وكان سفيان يقول اللهم إنه كفاني امر دنياي فاكفه امر آخرته فرؤي البرمكي في النوم بعد موته فقال ما نفعني شيء ما نفعتني دعوة سفيان أو نحو ذلك
فإن استشرفت نفسه إليه فنقل عنه عبد الله لا بأس أن يردها وكذا نقل الكحال عنه إن شاء رده وكذا نقل محمد بن يوسف له ان يردها ونقل المروذي فإن استشرفت نفسه ردها وقال له الاثرم فليس عليه ان يرده كما يرد المسألة قال ليس عليه ونقل عنه ابو داود ولا بأس أن يردها قال ابو داود وكأنه اختار الرد ونقل عنه إسحاق بن ابراهيم لا يأخذه
وذكر القاضي ابو الحسين انه لا تختلف الرواية انه لا يحرم لعدم المسألة وقال في الرعاية كره له أخذه ولم يحرم وقيل له أخذه ورده أولى
____________________
(3/277)
وقد عرف من نصوص احمد انه هل يحرم او يخير او الرد اولى أو يكره الاخذ فيه روايات مع ان رواية إسحاق فيها النهي عن الاخذ وظاهر النهي التحريم
واستشراف النفس أن تقول سيبعث لي فلان أو لعله يبعث لي وإن لم يتعرض أو يعرض بقلبك عسى ان يفعل نص عليه
وذكر احمد حديث عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إذا أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا استشراف نفس فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك (1)
فقال هذا إذا كان من مال طيب فصل
في سؤال الشيء كشسع النعل ثلاث روايات نقل ابو طالب عن احمد في الرجل يسأل الرجل الحذاء أو الإسكاف الشسع قال لقد شددت وقال عبد الله كأنه لم يره مسألة ونقل حرب ويعقوب عنه في الرجل يمر بالرجل فيسأله الشسع لنعله فكأنه لم يرخص في شيء منه قال يعقوب وكأنه كرهه فلم يرخص في شيء منه وقال الفضل بن زياد وإبراهيم بن هانئ كان ابو عبد الله لا يرخص في مسألة الشسع فظهر من هذا أن مسألة الشيء اليسيرة كالشسع وشبهه هل يجوز أو يكره أو يحرم فيه روايات
ولا بأس بمسألة الماء نص عليه واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقربة معلقة فاستسقى فشرب + اخرجه احمد والترمذي في الشمائل وسنده حسن وله شاهد بسند صحيح من حديث عبد الرحمن بن ابي عمرة عن جدته كبشة بنحوه انظر ابن حبان +
ونقل ابو داود عنه وسئل الرجل يكون بين الناس عطشان فلا يستسقي وأظنه قال في الورع ما يكون قال أحمق نقل جعفر عن
____________________
1- اخرجه احمد والبخاري ومسلم
(3/278)
احمد في الرجل يستعير الشيء لا يكون مسألة فصل في سؤال الأخ والوالد والولد والأخذ ممن أعطى حياء
قال حرب لأحمد الرجل يكون له الأخ من ابيه وأمه ويرى عنده الشيء يعجبه الدابة ونحو ذلك فيقول هب هذا لي وقد كان ذلك يجري بينهما ولعل المسؤول يحب أن يسأله أخوه ذلك قال أكره المسألة كلها ولم يرخص فيه إلا أنه بين الأب والولد أيسر وذلك أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وسألته (1)
ونقل عنه يعقوب وإبراهيم بن هانئ والفضل نحو ذلك
ومن المسألة المحرمة وهي واقعة كثيرا سؤال رب الدين وضع شيء من دينه نص عليه قال في رواية بكر بن محمد عن ابيه لا تعجبني هذه المسألة قال صلى الله عليه وسلم لا تحل المسألة إلا لثلاث + اخرجه احمد وعبد بن حميد وابو داود وابن خزيمة من طريق عطية العوفي عن ابي سعيد به وهذا الطريق ضعيف لضعف عطية ولكن اخرجه احمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة بسند صحيح من طريق عطاء بن يسار عن ابي سعيد بنحوه +
قال ابن الجوزي وإن أخذ ممن يعلم أنه إنما أعطاه حياء لم يجز له الأخذ ويجب رده إلى صاحبه ولم أجد أحدا صرح بهذا غيره وهو قول حسن لأن المقاصد عندنا في العقود معتبرة وعموم كلام غيره يخالفه والله أعلم
قال احمد حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن ابي قتادة وابي الدهماء وكانا يكثران السفر نحو البيت قالا أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله وقال إنك لن تدع شيئا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرا منه + اخرجه احمد وسنده صحيح +
ورواه النسائي عن سويد بن نصر عن عبد الله عن سليمان بن
____________________
1- اخرجه الحميدي واحمد والبخاري ومسلم والنسائي في عمل اليوم والليلة
(3/279)
المغيرة عن حميد بن هلال قال حدثنا ابو قتادة وابو الدهماء وذكره إسناد جيد
وعن ابي هريرة مرفوعا انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه (1)
وله من حديث عبد الله بن عمرو خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا + أخرجه الترمذي وابن المبارك في الزهد زيادات نعيم وهو حديث ضعيف كما قال المؤلف +
الحديث وفيه المثنى بن الصباح وهو ضعيف فصل في سؤال المرء لمنفعة غيره وعدم استحسان احمد له
وأما مسألة غيره لغيره لا لنفسه كما يفعله كثير من الناس فنقل محمد بن داود عن أحمد رحمه الله وسئل عن رجل قال لرجل كلم لي فلانا في صدقة أو حج أو غزو قال لا يعجبني أن يتكلم لنفسه فكيف لغيره ثم قال التعريض أعجب إلي
ونقل غيره عنه أنه سئل عن رجل ربما يكلمه قوم أن يجمع أموالا فيشتري أسارى أو يصرفه في أشباه ذلك قال نفسه أولى به وكأنه لم يره
ونقل المروذي عنه أن رجلا سأله عن امرأة مات زوجها بالثغر وليس لها ثم أحد فترى أن أكلم قوما يعينوني حتى أجهز عليها وأجيء بها قال ليس هذا عليك ولم يرخص له أن يسأل ونقل حرب عنه في الرجل يقوم في المسجد
____________________
1- أخرجه احمد وابن ماجه والترمذي وصححه ابن حبان
(3/280)
فيسال للرجل فيجمع له دراهم فرخص فيه وذكر أن شعبه كان يفعل ذلك وكذا نقل عنه إبراهيم ويعقوب
ونقل المروذي عنه أنه سئل عن الرجل يسأل للرجل المحتاج قال لا ولكن يعرض ثم ذكر حديث الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث على الصدقة ولم يسأل (1)
وهذا معنى ما نقل الأثرم وابن منصور ومحمد بن ابي حرب وقال في روايته ربما سأل رجلا فمنعه فيكون في نفسه عليه وقد تقدمت هذه المسألة
والذي تحصل من كلام الإمام احمد رضي الله عنه جواز التعريض وفي جواز السؤال روايتان فإن أعطاه غيره شيئا ليفرقه فهل الأولى اخذه أو عدمه فيه روايتان تقدمتا حسن عدم الأخذ في رواية وأخذ هو وفرق في رواية والله أعلم فصل في افضل المعاش والتجارة وأحسن الحرف والصناعات
أفضل المعاش التجارة وافضلها في البز والعطر والزرع والغرس والماشية وأنقصها في الصرف ذكر ذلك في الرعاية الكبرى وقال فيها في موضع آخر أفضل الصنائع الخياطة وأدناها الحياكة والحجامة ونحوهما وأشدها كراهة الصبغ والصياغة والحدادة ونحو ذلك من الصنائع الدنية
وقال فيها ايضا ويكره كسب الحجام والفاصد ونحوه وعسب الفحل والماشطة ونحوها والنائحة والبلان والمزين والجرائحي والصائغ والصباغ والحداد وقيل والبيطار ونحو ذلك
وروى الخلال أن امرأة ماشطة جمعت مالا من ذلك فجاءت إلى أبي عبد الله وقالت أريد أن أحج فقال ابو عبد الله لا تحجي به وليس ههنا أحل
____________________
1- اخرجه احمد ومسلم وابن ماجه والترمذي والنسائي من حديث جرير بن عبد الله
(3/281)
من الغزل
وذكر بعضهم أن أحمد سئل عن كسب الماشطة أتحج منه قال لا غيره أطيب منه
وقال المروذي سمعت امرأة تقول جاءت امرأة إلى ابي عبد الله من هؤلاء الذين يمشطون فقالت إني أصل رأس المرأة بقرامل وأمشطها أترى أن أحج مما أكتسب فقال لا وكره كسبها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم (1)
وقال تكون من مال أطيب منه وكلامه في المغني يقتضي أن الفصد ونحوه لا كراهة فيه وأن الحكم يختص بالحجامة
وقد قال ابن حزم في الصيد اتفقوا أن مكاسب الصناع من الصناعات المباحة حلال واختلفوا في كسب الحجام وذكر في الرعاية وغيرها أنه يكره كسب الحمامي قال وحمامية النساء أشد كراهة وذكر الأزجي في نهايته ان الصحيح أن الحمامي لا يكره كسبه
وال ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس وقد اجمع العلماء أن اشرف الكسب الغنائم وما أوجف عليه بالخيل والركاب إذا سلم من الغلول وقد سمى الله الجهاد تجارة منجية من عذاب اليم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الكسب عمل اليد وكل بيع مبرور + وأخرجه احمد والطبراني في الكبير والحاكم من طريق المسعودي عن وائل بن داود عن عباية بن رافع بن خديج عن ابيه به والمسعودي ثقة لكنه اختلط وقد خالفه الثوري عند الحاكم فرواه عن وائل بن داود عن سعيد بن عمير عن عمه به قال وله شاهد من حديث ابن عمر عند الطبراني في الاوسط +
____________________
1-
(3/282)
وعنه صلى الله عليه وسلم انه قال أفضل الكسب كسب الصانع بيده إذا صحح (1)
وقال ابن شهاب مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي وهو يبيع شيئا فقال عليك بأول سومة أو قال بأول السوم فإن الربح مع السماح + بهجة المجالس وأخرجه ابن ابي شيبة والبيهقي وأبو داود في المراسيل وهو مراسيل الزهري +
وقيل للزبير رضي الله عنه بم بلغت هذا المال قال إني لم أرد ربحا ولم أستر عيبا
وقال معاوية رضي الله عنه لقوم ما تجارتكم قالوا بيع الرقيق قال بئس التجارة ضمان نفس ومؤنة ضرس وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحسن ما يكون في عينك وقال ايضا إذا اشتريت بعيرا فاشتره ضخما فإن لم توافق كرما وافقت لحما وأنشد ابن شهاب الزهري رحمه الله
( الا كل من يهدى له البيع يرزق % وقد يصلح المال القليل الترفق )
ولمنصور الفقيه
( بنية لا تجزعي واصبري % عساك بصبرك أن تظفري )
( فلو نال يوما أبوك الغنى % كساك الدبيقي والتستري )
( ولكن أبوك ابتلي بالعلوم % فما إن يبيع ولا يشتري )
وروى احمد بإسناد ضعيف عن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قد أعطيت خالتي غلاما وأنا أرجو أن يبارك الله لها فيه وقد نهيتها أن تجعله حجاما أو قصابا أو صائغا + سنن ابي داود وإسناده ضعيف فيه مجهولان +
قال ابو داود الطيالسي في مسنده حدثنا همام عن فرقد السبخي عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أكذب الناس الصباغون والصواغون + أخرجه الطيالسي واحمد وابن ماجه وابن حبان في المجروحين وابن عدي في الكامل وفرقد السبخي ضعيف كثير الخطأ +
فيه ضعف وقد رواه الامام احمد وابو
____________________
1- بهجة المجالس وأخرجه احمد بلفظ إذا نصح وإسناده حسن
(3/283)
يعلى الموصلي وابن حبان في الضعفاء وابن عدي وغيرهم
قال ابن عقيل رحمه الله بعد ان ذكر هذا الخبر وهذا صحيح لأن أحدهم يعد ويخلف قال وقيل لأنه يقول من الأصباغ ما لا يمكنه صيغة فإذا تحرى الواحد منهم الصدق والثقة فلا طعن عليه
وقال ابن عقيل ويكره تعمد الصنائع الرديئة مع إمكان ما هو أصلح منها وقال ابن الجوزي ويكره ان يكون جزارا لانه يوج قساوة القلب أو حجاما أو كناسا لما فيه من مباشرة النجاسة وفي معناه الدباغ انتهى كلامه
قال المروذي سألت أبا عبد الله عن كسب الحجام فكرهه وقال لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ما أعطيناه
قال ابن حمدان رحمه الله وينبغي ان يكون في كل بلد طبيب وكحال وحجام وجرائحي وطحان وخباز ولحام وطباخ وشواء وبيطار وإسكاف وغير ذلك من الصنائع المحتاج إليها غالبا كنجارة وقصارة ومكاراة ووراقة
قال القاضي يستحب إذا وجد الخير في نوع من التجارة أن يلزمه وإن قصد إلى جهة من التجارة فلم يقسم له فيه رزق عدل إلى غيره لما روى ابن ابي الدنيا عن موسى بن عقبة مرفوعا إذا رزق أحدكم في الوجه من التجارة فليلزمه
وبإسناده عن عمر قال من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يصب منه شيئا فليتحول إلى غيره (1)
قال ابن عبد البر كان يقال إذا لم يرزق الانسان ببلدة
____________________
1- ورواه الحسن عن عمر قوله اخرجه ابو بكر بن ابي شيبة في المصنف
(3/284)
فليتحول إلى اخرى قال وقال ابن القاسم سمعت مالكا يقول بلغني ان عمر بن الخطاب قال من كان له رزق في شيء فليلزمه قال وقال مالك سمعت أهل مكة يقولون ما من أهل بيت فيهم من اسمه محمد إلا رزقوا ورزق خيرا
قال القاضي ابو يعلى والمستحب منها البز لما روى ابن ابي الدنيا عن ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم استشاره رجل في البيوع فأشار عليه بالبز وقال إنك إذا عالجت البز أحببت الخصب للمسلمين كذا وكذا وعد أشياء
وبإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أهل الجنة لو تبايعوا ولا يتبايعون ما تبايعوا إلا البز (1)
قال وروى بإسناده عن عمر رضي الله عنه قال لو كنت تاجرا ما اخترت غير العطر إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه
وعن ابي حميد الساعدي مرفوعا اجملوا في طلب الدنيا فإن كلام ميسر لما خلق له + سنن ابن ماجه والحاكم وصححه وله شاهد من حديث جابر وآخر من حديث ابن مسعود كما سيأتي +
رواه ابن ماجه من رواية ابن عياش عن عمارة بن غزية المدني وهو عن غير الشاميين ضعيف عند الأكثر
ولابن ماجه ايضا عن جابر مرفوعا اتقوا الله وأجملوا في الطلب + سنن ابن ماجه والحاكم وصحح إسناده ويشهد له ما بعده +
وروى ابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن ابي أمية عن يونس بن كثير عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من عمل يقربكم من الجنة إلا قد
____________________
1- إصلاح المال وأخرجه الطبراني في الصغير من حديث ابن عمر وأورده العقيلي في الضعفاء ضمن ترجمة عبد الرحمن بن ايوب السكوني مما انكر عليه وقال إنما يروى هذا بإسناد مجهول
(3/285)
أمرتكم به ولا عمل يقرب من النار إلا قد نهيتكم عنه ولا يستبطئن أحد منكم فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب فإن استبطأ أحدكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصيته (1)
ورواه الشافعي عن الداروردي عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا وأظن أن ابن ماجه روى من حديث أنس ومن حديث عائشة قوله عليه السلام من بورك له في شيء فليلزمه أو هذا المعنى
وعن ابن مسعود مرفوعا لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا إسناده حسن ورواه أحمد والترمذي وحسنه + اخرجه الترمذي والحميدي واحمد +
قال في النهاية الضيعة في الأصل المرة من الضياع وضيعة الرجل في هذا ما يكون منه معاشة كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك ومنه الحديث أفشى الله ضيعته أي أكثر علية معاشه ومنه حديث ابن مسعود لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا
وقال الشيخ يحيى بن يحيى الأزجي الحنبلي رحمه الله في كتاب النهاية له
____________________
1- اخرجه الحاكم وفيه عن يونس بن بكير عن ابن مسعود ولم نقف ليونس هذا على ترجمة فيما بين أيدينا من كتب الرجال وأخرجه ابن ابي شيبة والبيهقي في شعب الايمان والبغوي من طريق زبيد وعبد الملك بن عمير عن ابن مسعود به وهذا الطريق رجاله ثقات لكنه مرسل ولم نقف على هذا الحديث في ابن حبان
(3/286)
اختلف الناس في أطيب الاكتساب فقال قوم الزراعة وقال صاحب النهاية وهو الاشبه عندي لما فيه من الاستسلام لقضاء الله والتوكل عليه وهو خارج من بركة الأرض فهو أبعد من الشبهة
وقال قوم التجارة أطيب لأن الله تعالى صرح بإحلال ذلك في كتابه ولان الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتعاطون التكسب بهذه الطريق غالبا وقال قوم الكسب بالصناعة أطيب لقوله عليه السلام أحل ما أكل الرجل من كسبه ولان الانسان يباشر العمل فهيا بكد يده انتهى كلامه
وقال عباس الدوري سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول وسئل عن الدقاقين فقال إن اموالا جمعت من عموم المسلمين إنها لاموال سوء والظاهر أن المراد بالدقاقين والله أعلم الذين يتجرون في الدقيق وذلك لما فيه من احتكار الاقوات وإرادة غلائها وغير ذلك مما هو سبب في إضرار المعصومين وهو ضرر عام فالأموال المجموعة من التجارة في ذلك أموال سوء واحتج به القاضي على كراهة التجارة في القوت والطعام
وقال الشيخ تقي الدين يكره للرجل أن يحب غلو اسعار المسلمين ويكره الرخص ويكره المال المكسوب من ذلك كما قال من قال من الائمة إن مالا جمع من عموم المسلمين لمال سوء
وقد روى البخاري وغيره عن جندب مرفوعا من سمع سمع الله به يوم القيامة ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة فقالوا أوصنا قال إن أول ما ينتن من الانسان بطنه فمن استطاع ان لا يأكل إلا طيبا فليفعل ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كف من دم هراقه فليفعل (1)
____________________
1- صحيح البخاري وبنحوه أخرجه الحميدي ومسلم واحمد وابن ماجه
(3/287)
فصل إشارات نبوية إلى ما يقع من شرق المدينة ويمنها ونجدها
عن ابي هريرة مرفوعا رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين من أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم (1)
وفي رواية الايمان يمان وللبخاري والفتنة من هاهنا حيث يطلع قرن الشيطان ولمسلم والفخر والرياء في الفدادين أهل الخيل والوبر
وعن ابن عمر مرفوعا أنه قال وهو مستقبل المشرق ها إن الفتنة هنا ثلاثا (1)
وللبخاري اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا وفي نجدنا قال اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان رواهما البخاري ومسلم + اخرجه البخاري واحمد وابن حبان +
ولأحمد من حديث ابن عمر اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي صاعنا وفي مدنا ويمننا وشامنا + أخرجه احمد وفي سنده بشر بن حرب وفيه ضعف لكنه صحيح بشواهده انظر مسند احمد +
ثم استقبل مطلع الشمس فقال من هاهنا يطلع قرن الشيطان وقال من ههنا الزلازل والفتن
الفدادون بالتشديد الذين تعلوا أصواتهم في حرونهم ومواشيهم واحدهم
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(3/288)
فداد يقال فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته وقيل بالتخفيف وهي البقر التي تحرث واحدها فدان بالتشديد وإنما أضاف الإيمان إلى اليمن لأنه ظهر من مكة وهي تسمى الكعبة اليمانية فصل حديث الحث على تعليم المرأة الكتابة وحديث النهي عنه موضوع
ظاهر كلام الاكثرين ان الكتابة لا تكره للمرأة كالرجل وذكره ابن عقيل في الفنون وهو ظاهر المنقول عن الإمام احمد رضي الله عنه
قال في مسنده حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا علي بن مسهر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن صالح بن كيسان عن ابي بكر بن سليمان ابن ابي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة (1)
رواه أبو داود بهذا الإسناد ورواه النسائي من حديث عبد العزيز بن عمر ورواه أيضا عن ابي بكر بن سليمان عن حفصة من مسندها وهو حديث صحيح + السنن الكبرى للنسائي وأحمد ورجال إسناده ثقات +
قال الاثرم قال إبراهيم بهذا حدث أو حدثت به أحمد بن حنبل فقال هذا رخصة في تعليم النساء الكتابة ذكره الخلال في الادب
وقال الشيخ مجد الدين في المنتقى وهو دليل على جواز تعلم النساء الكتابة
وقد روى الحاكم في صحيحه من رواية محمد بن إبراهيم الشامي حدثنا شعيب بن إسحاق عن هشام عن ابيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور وهو خبر ضعيف + بل موضوع اخرجه الحاكم من طريق عبد الوهاب بن الضحاك عن شعيب بن إسحاق عن هشامب به وقال هذا حديث صحيح الاسناد +
فإن محمد بن إبراهيم كذبه الدارقطني قال ابن عدي عامة
____________________
1- اخرجه احمد وأبو داود والنسائي في الكبرى
(3/289)
أحاديثه غير محفوظة وقال ابن حبان يضع الحديث
وعن ابن عباس مرفوعا لا تعلموا نساءكم الكتابة ولا تسكنوهن العلالي (1)
وقال خير لهو المؤمن السباحة وخير لهو المرأة المغزل + واخرجه ايضا ابن عدي في الكامل ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات وإسناده كسابقه +
في سنده
____________________
1- اخرجه ابن عدي في الكامل ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات وفي سنده جعفر بن نصر العنبري وهو متهم عندهم كما قال المصنف
(3/290)
جعفر بن نصر وهو متهم وقد ذكر ابو الفرج ابن الجوزي هذين الخبرين في الموضوعات وذكر خبر عائشة في تفسيره في أول سورة النور ولم يتكلم عليه
وقال ابن عبد البر قال عمر بن الخطاب لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتابة واستعينوا عليهن بالعري
وقال ايضا استعيذوا بالله من شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر فصل
قال عبد الله بن الإمام احمد رحمهما الله سألت ابي عن رجل اكتسب مالا من شبهة صلاته وتسبيحه تحط عنه من مأثم ذلك فقال إن صلى وسبح يريده بذلك فأرجو قال الله عز وجل ( ^ خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ) التوبة 102 فصل في فتن المال والثراء والنساء والبداوة والامراء المضلين والعلماء والمنافقين
قد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال (1)
وقال ابن عبد البر قال صلى الله عليه وسلم إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وإنهما مهلكاكم + بهجة المجالس دون إسناد ولم نجده في غيره ويغني عنه ما ساقه المصنف في هذا الباب +
وقال الحسن البصري لكل أمة صنم يعبدونه وصنم هذه الامة الدينار والدرهم
____________________
1- أخرجه احمد والترمذي والنسائي في الرقائق من الكبرى كما في تحفة الاشراف من حديث كعب بن عياض وإسناده قوي
(3/291)
وفي الصحيحين وغيرهما عن عقبة مرفوعا والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن اخاف عليكم أن تنافسوا فيها فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم (1)
وروياه ايضا عن ابي سعيد مرفوعا إن أخوف ما أخاف عليكم أن يخرج الله لكم من زهرة الدنيا وزينتها قالوا وما زهرة الدنيا قال بركات الارض فقال رجل أو يأتي الخير بالشر قال أو خير هو ثلاثا إن الخير لا يأتي إلا بالخير وإن مما ينبت الربيع يقتل خبطا أو يلم إلا آكله الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم اجترت فعادت فأكلت وإن هذا المال خضرة حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليهم شهيدا يوم القيامة (1)
قوله اجترت أي مضغت جرتها بكسر الجيم ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثم يبلعه
ولمسلم من حديث ابي سعيد فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء + اخرجه مسلم +
وروى أحمد في المسند من رواية ابن عقيل وحديثه حسن عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أخوف ما اخاف على أمتي عمل قوم لوط ورواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه + اخرجه احمد وابن ماجه والترمذي والحاكم وهو حسن كما قال المؤلف +
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/292)
وصح أيضا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء رواه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد (1)
وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا لا أخاف على أمتي إلا اللبن فإن الشيطان بين الرغوة والصريح رواه حمد + اخرجه احمد وسنده ضعيف فيه ابن لهيعة وهو سيئ الحفظ +
الصريح الخالص من اللبن قال بعض العلماء والمراد أن الشيطان يحبب إليهم اللبن فيخرجون إلى البادية ويتركون الجمعة والجماعة
وروى البيهقي محتجا به من رواية ابن لهيعة عن ابي قنبل عن عقبة بن عامر مرفوعا هلاك أمتي في الكتاب واللبن فقيل يا رسول الله ما الكتاب واللبن قال يتعلمون القران ويتأولونه على غير ما انزل الله ويحبون اللبن ويتركون الجماعات والجمع ويبدون + أخرجه احمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفي سنده ضعف +
احتج به البيهقي في كتاب المدخل لكتاب الشافعي رضي الله عنه أن العام على عمومه والظاهر على ظاهره حتى يرد دليل
واحتج ايضا بحديث ابن مسعود هلك المتنطعون رواه مسلم
وروى احمد بإسناد صحيح عن محمود بن لبيد وهو مختلف في صحبته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الاصغر قال الرياء + اخرجه احمد والبيهقي في شعب الايمان وسنده حسن +
وعن ابي ذر قلت يا رسول الله أي شيء اخوف على أمتك من المسيح الدجال قال الأئمة المضلين رواه احمد من رواية ابن لهيعة + حديث صحيح اخرجه احمد وفي إسناده هذا ابن لهيعة وهو سيئ الحفظ +
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/293)
وروى ايضا حدثنا عبد الرزاق قال قال معمر اخبرني ايوب عن ابي قلابة عن ابي الاشعث الصنعاني عن ابي اسماء الرحبي عن شداد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إني لا أخاف على أمتي إلا الائمة المضلين فإذا وضع السيف في امتي لم يرفع عنهم الى يوم القيامة إسناد جيد (1)
ولأحمد ومسلم والترمذي وصححه مثله من حديث ثوبان + أخرجه ضمن حديث مطول احمد وابن ماجه وابو داود واسناده صحيح +
ولأحمد عن يزيد وابي سعيد عن ديلم بن عزوان حدثنا ميمون الكردي حدثني ابو عثمان النهدي عن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان + أخرجه احمد وعبد بن حميد والبزار كشف الاستار والفريابي في صفة المنافق والبيهقي في شعب الايمان من طرق عن ديلم بن غزوان بهذا الاسناد عن عمر مرفوعا +
حديث رواه الدارقطني وقال الموقوف
____________________
1- إسناده صحيح أخرجه أحمد
(3/294)
أشبه بالصواب وزاد احمد في رواية يتكلم بالحكمة ويعمل بالجور
وعن عمر ايضا قال كنا نتحدث ان ما يهلك هذه الامة كل منافق عليم اللسان رواه ابو يعلى الموصلي في مسنده من رواية مؤمل بن اسماعيل وهو مختلف فيه
ولاحمد وابن ماجه من حديث ابي سعيد الا اخبركم بما هو اخوف عليكم عندي من المسيح الدجال قلنا بلى قال الشرك الخفي ان يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل (1)
وعن عبد الملك بن ابي سليمان العرزمي عن رجل من بني كاهل عن ابي موسى مرفوعا ايها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه اخفى من دبيب النمل فقال له من شاء الله ان يقول فكيف نتقيه وهو اخفى من دبيب النمل قال قولوا اللهم انا نعوذ بك ان نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم رواه احمد + اخرجه ابن ابي شيبة واحمد وإسناده ضعيف لجهالة الراوي عن ابي موسى الاشعري + فصل التعامل فيما يختلف الاعتقاد فيه من حلال المال وحرامه كالنجاسات
اذا اكتسب الرجل مالا بوجه مختلف فيه مثل بعض البيوع والاجارات المختلف فيها فهل يجوز لمن اعتقد التحريم ان يعامله بذلك المال الاشبه ان هذا جائز فيما لم يعلم تحريمه اذ هذه العقود ليست بدون بيع الكفار للخمر وقد جاز لنا معاملتهم بأثمانها للاقرار عليها فإقرار المسلم على اجتهاده او
____________________
1- حديث حسن اخرجه احمد وابن ماجه وإسناده ليس بالقائم لكن يشهد له حديث محمود بن لبيد الذي تقدم قريبا وإسناده حسن
(3/295)
تقليده اجوز وذلك انه اذا اعتقد الجواز واشترى فالمال في حقه معفو عنه وكذلك لو انتقل هذا المال الى غيره بإرث او هبة او هدية او غير ذلك
وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه لك مهنؤه وعليه مأثمه وبذلك افتيت في المال الموروث
وكذلك قبول العطاء الموروث اذا كان الميت يعامل المعاملات المختلف فيها وكذلك قبول العطاء من السلطان المتأول في بعض مجناه واخذه المكتسب اذا قبض يبيع تجارة باجتهاد او تقليد ثم يتبين له التحريم ففيه روايتان بناء على ثبوت الحكم قبل بلوغ الخطاب وعلى اعادة من صلى ولم يتوضأ من لحوم الابل او صلى في اعطانها
ورجحت في هذا كله عدم وجوب الاعادة وعدم التحريم فقد يقال اقرار ما اكتسبه له كأخذه من غيره كما أن اقرار الحاكم لحكم نفسه كإقراره لحكم غيره ونقضه كنقضه اذ لا فرق بين ما يتبين له من فعل نفسه وفعل غيره فيخرج في الجميع روايتان
ويشبه هذا من وجه اذا ائتم المأموم بإمام اخل بركن او فعل مبطلا في مذهب المأموم دون الامام واصحابنا منهم من يحكي روايتين ومنهم من يفرق بين ما لم يختلف المذهب فيه
والصواب الفرق بين ما يسوغ فيه الاجتهاد فإن بناء صلاة المأموم على صلاة الامام كبناء ملك المشتري على ملك البائع هذا كله من كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله قال ومن ذلك ما استحله الانسان مما يعتقده غيره خبيثا من النجاسات ووقع ذلك في مانع مثل ان يغمس المالكي يده في مائع ولغ فيه كلب ثم يضعها في مائع لانسان او يضع يده الرطبة على فروة مدبوغة ثم يضعها في مائع ونحو ذلك بحيث تكون يد الانسان او ثوبه واناؤه طاهرا في اعتقاده فيلاقي مائعا لغيره انتهى كلامه والله اعلم
____________________
(3/296)
فصل في الكذب في المال والسن وافتخار الضرة ونحوه
من الناس من اذا سئل عن مقدار ما يملك من المال يخبر بخلاف الواقع وهذا ليس بجيد لانه كذب وقد قال البخاري في صحيحه باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة ثم روى بإسناده عن اسماء ان امراة قالت يا رسول الله ان لي ضرة فهل علي جناح ان تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور (1)
ولما فيه من جحد نعمة الله تعالى عليه ان كان اخباره بأنقص والاولى ان ينظر الى ما تقتضيه المصلحة في الاخبار وعدمه والاخبار بحقيقة الحال والتورية فيعمل بذلك
وكان محمد بن عبد الباقي الحنبلي الامام يقول ما من علم الا وقد نظرت فيه وحصلت منه الكل او البعض وما اعرف اني ضيعت ساعة من عمري في لهو او لعب وانفرد بعلم الحساب والفرائض وتفقه على القاضي ابي يعلى وتوفي في سنة خمس وثلاثين وخمس مئة وقد تم له ثلاث وتسعون سنة ولم يتغير من حواسه شيء ويقرا الخط الدقيق من بعيده سئل مرة عن عمره فأنشد
( احفظ لسانك لا تبح بثلاثة % سن ومال ما علمت ومذهب )
( فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة % بمكفر وبحاسد ومكذب )
ومن كلامه قال يجب على المعلم ان لا يعنف وعلى المتعلم ان لا يأنف وقال من خدم المحابر خدمته المنابر فصل في حد البخل والشح والسخاء
ذكر بعض العلماء في حد البخل اقوالا وذكر القاضي ايضا في كتابه المعتمد في حد البخل اقوالا
احدها منع الزكاة فمن اداها خرج من جواز اطلاق البخل عليه وروى عن ابن عمر رضي الله عنه انه قال من ادى زكاة ماله فليس ببخيل قاله ردا على
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/297)
الحجاج حين نسبه الى ذلك
والثاني منع الواجبات من الزكاة والنفقة فعلى هذا لو اخرج الزكاة ومنع غيرها من الواجبات عد بخيلا
والثالث فعل الواجبات والمكرمات فلو اخل بالثاني وحده كان بخيلا وهذا ظاهر قول ابي بكر من اصحابنا حكاه عنه القاضي
وروى ابو بكر عن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال برىء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف واعطى في النائبة (1)
فلم ينف عنه وصف الشح الا عند الاوصاف الثلاثة وقد روى هذا الخبر ابو يعلى الموصلي والطبراني والحافظ ضياء الدين في المختارة من طريقهما من حديث مجمع بن يحيى عن عمه خالد بن زيد بن جارية الانصاري مرفوعا + اخرجه هناد في الزهد والطبراني في الكبير وابن حبان في الثقات من طرق عن مجمع بن يحيى بن زيد أو يزيد الانصاري عن عمه خالد بن زيد الانصاري وإسناده حسن لكنه مرسل +
قال القاضي ولان هذا حده في اللغة قال وقيل هو معنى في النفس وهو خشية الفقر والحاجة
وقال ابن عقيل في الفنون البخل يورث التمسك بالموجود والمنع من اخراجه لالم يجده عند تصور قلة ما حصل وعدم الظفر بخلفه والشح يفوت النفس كل لذة ويجرعها كل غصة انتهى كلامه
وظاهر كلام ابي بكر والقاضي انهما مترادفان وقد ورد في الحديث ان
____________________
1- اخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره من طريق اسماعيل بن عياش الحمصي عن مجمع بن جارية الانصاري عن عمه يزيد بن جارية الانصاري عن انس بن مالك وهذا اسناد ضعيف
(3/298)
الشح يحمل على البخل
فروى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اياكم والشح انما هلك من كان قبلكم بالشح امرهم بالبخل فبخلوا وامرهم بالقطيعة فقطعوا وامرهم بالفجور ففجروا رواه الامام احمد وابو داود والنسائي (1)
وقال الخطابي رحمه الله الشح من البخل وكأن الشح جنس والبخل نوع واكثر ما يقال البخل في افراد الامور والشح عام كالوصف اللازم وما هو من قبل الطبع
وفي شرح مسلم في باب تحريم الظلم قال جماعة الشح اشد البخل وابلغ في المنع من البخل وقيل هو البخل مع الحرص وقيل البخل في افراد الامور والشح عام وقيل البخل بالمال خاصة والشح بالمال والمعروف وقيل الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل بما عنده والله اعلم
وذكر ابن عبد البر قيل للاحنف ما الجود قال بذل الندى وكف الاذى قيل فما البخل قال طلب اليسير ومنع الحقير وقيل ان هذا من كلام اكثم بن صيفي
وقال شعيب بن حرب ليس السخي من اخذ المال من غير حله فبذره وانما السخي من عرض عليه ذلك المال فتركه او جمع من حق ووضع في حق
سئل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن البخل فقال هو ان يرى الرجل ما ينفقه تلفا وما يمسكه شرفا وقال ابو العتاهية
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود والنسائي في الكبرى بإسناد صحيح
(3/299)
( وان امرا لم يرتج الناس نفعه % ولم يأمنوا منه الاذى للئيم )
( وان امرا لم يجعل البر كنزه % ولو كانت الدنيا له لعديم ) فصل احاديث في ذم البخل والشح والحرص ومدح الانفاق في سبيل الله
عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من يوم يصبح العباد فيه الا ملكان ينزلان فيقول احدهما اللهم اعط منفقا خلفا ويقول الاخر اللهم اعط ممسكا تلفا (1)
وعنه ايضا يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى يا بن آدم انفق انفق عليك (1)
وعنه ايضا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما يسرني ان لي احدا ذهبا يأتي على ثلاثة ايام وعندي منه دينار الا دينارا ارصده لدين علي رواهن البخاري ومسلم + اخرجه البخاري +
وفي صحيح البخاري قبل حجة الوداع في قصة البحرين حديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم وعده ليعطيه من مال البحرين فلم يجىء حتى مات فذكره لابي بكر ثلاثا فلم يرد عليه فقال اما ان تعطيني واما ان تبخل عني فقال قلت تبخل عني واي داء ادوا من البخل قالها ثلاثا ما منعتك من مرة الا وانا اريد ان اعطيك رواه احمد ومسلم + اخرجه احمد والبخاري ومسلم وليس عند مسلم تبخيل جابر لأبي بكر ورد أبي بكر عليه +
وقال عمر قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقلت يا رسول الله لغير هؤلاء احق به منهم قال انهم خيروني بين ان يسألوني بالفحش او يبخلوني
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/300)
ولست بباخل (1)
وقال انس ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاسلام شيئا الا اعطاه + أخرجه احمد ومسلم +
وقال جابر ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا + اخرجه البخاري ومسلم +
رواهن احمد ومسلم وروى الثالث البخاري
وعن ابي هريرة مرفوعا السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد عن النار والبخيل بعيد عن الله بعيد عن الجنة بعيد عن الناس قريب من النار ولجاهل سخي احب الى الله من عالم عابد بخيل رواه الترمذي وقال غريب + هذا حديث منكر وأخرجه الترمذي والعقيلي في الضعفاء وابن عدي والبيهقي في شعب الايمان وفي سنده سعيد بن محمد الوراق وقد اتفقوا على جرحه +
وروى ايضا وقال غريب عن ابي سعيد مرفوعا خصلتان لا تجتمعان في قلب مؤمن البخل وسوء الخلق + اخرجه ابو داود الطيالسي وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وأبو يعلى وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الايمان من طريقين عن مالك بن دينار عن عبد الله بن غالب عن أبي سعيد الخدري وفي إحدى طريقيه صدقة بن موسى الدقيقي وفي الاخرى عون بن عمارة العبدي وكلاهما ضعيف +
____________________
1- اخرجه احمد ومسلم
(3/301)
وروى ايضا وقال حسن غريب عن ابي بكر مرفوعا لا يدخل الجنة خب ولا بخيل ولا منان (1)
واسانيد الثلاثة ضعيفة
وقال ابو ذر انتهيت الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما راني قال هم الاخسرون ورب الكعبة قال فجئت حتى جلست فلم اتقار ان قمت فقلت يا رسول الله فداك ابي وامي من هم قال الاكثرون اموالا الا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم رواه احمد والبخاري ومسلم وغيرهم + اخرجه احمد والبخاري ومسلم +
وعن كعب بن مالك مرفوعا ما ذئبان جائعان ارسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه رواه احمد الترمذي وصححه + اخرجه احمد والترمذي وإسناده صحيح +
وعن انس مرفوعا يهرم ابن آدم وتشب فيه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر + اخرجه البخاري ومسلم +
وعن ابي هريرة مرفوعا قلب الشيخ شاب على حب اثنتين + اخرجه البخاري ومسلم +
وذكر معناه
____________________
1- أخرجه أحمد والترمذي وإسناده ضعيف
(3/302)
متفق عليهما
قال في شرح مسلم هذا مجاز ومعناه ان قلب الشيخ كامل الحب للمال محتكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه هذا صوابه قال وقيل في تفسيره غير هذا مما لا يرتضى
وروى ابو داود حدثنا عبد الله بن الجراح عن عبد الله بن يزيد عن موسى بن علي بن رباح عن ابيه عن عبد العزيز بن مروان سمعت ابا هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع (1)
اسناده جيد اصل الهلع الجزع والهالع هنا ذو الهلع ومعناه انه اذا استخرج منه الحق الواجب عليه هلع وجزع منه والجبن الخالع هو الشديد الذي يخلع فؤاده من شدته
وروى احمد حدثنا يونس حدثنا ليث عن محمد بن عجلان عن سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن ابي هريرة مرفوعا لا يجتمعان في قلب عبد الايمان والشح حديث حسن + صحيح هو في مسند احمد واخرجه ايضا احمد والبخاري في الادب المفرد والنسائي من طريق حصين أو القعقاع أو خالد بن اللجلاج عن ابي هريرة +
وذكر ابن عبد البر وغيره الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث منجيات وثلاث مهلكات فأما المنجيات فالعدل في الرضا والغضب وخشية الله في السر والعلانية والقصد في الغنى والفقر واما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع واعجاب المرء بنفسه + أخرجه البزار كشف الاستار والدولابي في الكنى والعقيلي في الضعفاء وابو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان وأبو نعيم في الحلية والقضاعي مسند الشهاب والبيهقي في الشعب وابن عبد البر في جامع بيان العلم من طرق عن انس بن مالك واخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابي هريرة واخرجه البزار كشف الاستار وابو نعيم في الحلية من طريقين عن ابن عباس واقتصرا في روايتهما على المهلكات واخرجه البزار من حديث ابن ابي اوفى مختصرا بمثل حديث ابن عباس واسانيده كلها ضعيفة ولذلك حسنه المنذري في الترغيب بمجموع طرقه +
____________________
1- صحيح هو في سنن ابي داود واخرجه ايضا احمد
(3/303)
قال ابن عبد البر كان يقال شدة الحرص من سبل المتالف وقال الاحنف افة الحرص الحرمان ولا ينال الحريص الا حظه كان الحسن البصري يقول ما بعد امل الا ساء عمل ومن كلام الحكماء الرزق مقسوم والحريص محروم والحسود مغموم والبخيل مذموم
وقال الخليل بن احمد
( الحرص من شر اداة الفتى % لا خير في الحرص على حال )
( من بات محتاجا الى اهله % هان على ابن العم والخال )
وقال آخر
( لا تحسدن اخا حرص على سعة % وانظر اليه بعين الماقت القالي )
( ان الحريص لمشغول بشقوته % عن السرور بما يحوي من المال )
وقال ابو العتاهية يخاطب سلم بن عمرو
( نعى نفسي الي من الليالي % تصرفهن حالا بعد حال )
( فما لي لست مشغولا بنفسي % وما لي لا اخاف الموت ما لي )
( لقد ايقنت اني غير باق % ولكني اراني لا ابالي )
( تعالي الله يا سلم بن عمرو % اذل الحرص اعناق الرجال )
( هب الدنيا تساق اليك عفوا % اليس مصير ذاك الى زوال )
( فما ترجو بشيء ليس يبقى % وشيكا ما تغيره الليالي )
فلما بلغ سلم بن عمرو وهو المعروف بسلم الخاسر كتب اليه
( ما اقبح التزهيد من واعظ % يزهد الناس ولا يزهد )
____________________
(3/304)
( لو كان في تزهيده صادقا % اضحى وامسى بيته المسجد )
( ان رفض الدنيا فما باله % يكتنز المال ويسترفد )
( يخاف ان تنفد ارزاقه % والرزق عند الله لا ينفد )
( الرزق مقسوم على من ترى % يسعى له الابيض والاسود )
قال زياد بن ابي سفيان اثنان يتعجلان النصب ولا يظفران بالبغية الحريص في حرصه ومعلم البليد ما ينبو عنه فهمه وانشد محمود الوراق
( اراك يزيدك الاثراء حرصا % على الدنيا كأنك لا تموت )
( فهل لك غاية إن صرت يوما % اليها قلت حسبي قد رضيت )
وقال آخر
( الحرص داء قد اضر % بمن ترى الا قليلا )
( كم من عزيز قد رايت % الحرص صيره ذليلا )
( فتجنب الشهوات واحذر % ان تكون لها قتيلا )
( فلرت شهوة ساعة % قد اورثت حزنا طويلا )
وقال آخر
( الحرص عون للزمان على الفتى % والصبر نعم العون للازمان )
( لا تخضعن فإن دهرك ان يرى % منك الخضوع امده بهوان )
ولابي عبد الله الصوري
( لما رايت الناس قد اصبحوا % وهمة الانسان ما يجمع )
( قنعت بالقوت فنلت المنى % والفاضل العاقل من يقنع )
( ولم انافس في طلاب الغنى % علما بأن الحرص لا ينفع )
وذكر ابن عبد البر الخبر المشهور الذي رواه مسلم وغيره من حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله
____________________
(3/305)
ولا تعجز فإن عليك امر فقل قدر الله وما شاء فعل ولا تقل لو فإن لو تفتح عمل الشيطان (1)
وللنسائي في رواية فإن اللو تفتح عمل الشيطان
قال ابن عبد البر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من طمع في غير مطمع ومن طمع يقود الى طبع + اخرجه ابو عبيد في غريب الحديث واحمد وعبد بن حميد والبزار كشف الاستار والشاشي في مسنده والطبراني في المعجم الكبير وفي الدعاء والحاكم والقضاعي في مسند الشهاب من حديث معاذ بن جبل واخرجه الطبراني في الكبير من طريقين عن عوف بن مالك واخرجه أيضا الطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين وفي الدعاء من حديث المقدام بن معدي كرب واسانيد هذا الحديث فيها اضطراب ولا يخلو واحد منها من مقال +
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما شيء اذهب لعقول الرجال من الطمع وفي حديث آخر ان عمرو بن الزبير قال لكعب ما يذهب العلم من صدور الرجال بعد ان علموه قال الطمع وطلب الحاجات الى الناس وقال كعب ايضا الصفا الزال الذي لا تثبت عليه اقدام العلماء الطمع وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في اليأس غنى وفي الطمع فقر وفي العزلة راحة من خلطاء السوء
وقال ابو العتاهية
( اطعت مطامعي فاستعبدتني % ولو اني قنعت لصرت حرا )
وقال ابن المبارك ما الذل الا في الطمع وانشد بعضهم
____________________
1- اخرجه احمد ومسلم وابن ماجه والنسائي في عمل اليوم والليلة والرواية التي ذكرها المصنف للنسائي هي عند احمد وابن ماجه ايضا
(3/306)
( ان المطامع ما علمت مذلة % للطامعين واين من لا يطمع )
وقال بعض الحكماء قلوب الجهال تستعبد بالمطامع وتسترق بالمنى وتعلل بالخدائع وقال آخر
( لا تجزعن على ما فات مطلبه % ها قد جزعت فماذا ينفع الجزع )
( إن السعادة يأس إن ظفرت به % بعض المرار وإن الشقوة الطمع )
وقال آخر
( الله احمد شاكرا % فبلاؤه حسن جميل )
( اصبحت مسرورا معا فى بين أنعمه أجول )
( خلوا من الاحزان خف % الظهر يغنيني القليل )
( ونفيت باليأس المنى % عني فطاب لي المقيل )
( والناس كلهم لمن % خفت مؤونته خليل )
قالوا للمسيح يا روح الله أخبرنا عن المال فقال المال لا يخلو صاحبه من ثلاث خصال إما أن يكسبه من غير حله وإما أن يمنعه من حقه وإما أن يشغله إصلاحه عن عبادة ربه
قال الحطيئة
( ولست أرى السعادة جمع مال % ولكن التقي هو السعيد )
وقال آخر
( إذا ما الفتى لم يبغ إلا لباسه % ومطعمه فالخير منه بعيد )
( يذكرني صرف الزمان ولم أكن % لأهرب مما ليس منه محيد )
( فلو كنت ذا مال لقرب مجلسي % وقيل إذا أخطأت أنت رشيد )
وقال آخر
( ذهاب المال في أجر وحمد % ذهاب لا يقال له ذهاب )
____________________
(3/307)
قال جعفر بن محمد رحمه الله من نقله الله من ذل المعاصي إلى عز الطاعة أغناه بلا مال وآنسه بلا أنيس وأعزه بلا عشيرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس (1)
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس واعمل بما افترض الله عليك تكن أعبد الناس واجتنب ما حرم الله عليك تكن أورع الناس + حسن وأخرجه بنحوه احمد والترمذي من حديث ابي هريرة +
وعنه ايضا الفقر ازين بالمؤمن من العذار على خد الفرس + اخرجه ابن المبارك في الزهد وفي سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف +
وقال اوس بن حارثة خير الغنى القناعة وشر الفقر الخضوع
وقال الفضيل بن عياض انما الفقر والغنى بعد العرض على الله عز وجل
( ما شقوه المرء بالاقتار مقترة % ولا سعادته يوما بإيسار )
( ان الشقي الذي في النار منزلة % والفوز فوز الذي ينجو من النار )
كان يقال الشكر زينة الغنى والعفاف زينة الفقر وقالوا حق الله واجب في الغنى والفقر ففي الغنى العطف والشكر وفي الفقر العفاف والصبر
وكان يقال الغنى في النفس والشرف في التواضع والكرم في التقوى وقال حماد الرواية افضل بيت في الشعر قيل في الامثال
يقولون ( يستغني ووالله ما الغنى % من المال الا ما يعف وما يكفي )
وكان يقال خصلتان مذمومتان الاستطالة مع السخاء والبطر مع الغنى
وقال آخر
( تقنع بما يكفيك والتمس الرضا % فإنك لا تدري اتصبح ام تمسي )
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابي هريرة
(3/308)
( فليس الغنى عن كثرة المال انما % يكون الغنى والفقر من قبل النفس )
وقال آخر
( ولا تعديني الفقر يا ام مالك % فإن الغنى للمتقين قريب )
وهذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل ابن آدم انفق انفق عليك
وقال آخر
( الم تر ان الفقر يزري بأهله % وان الغنى فيه العلا والتجمل )
وقال آخر
( استغن عن كل ذي قربى وذي رحم % ان الغني من استغنى عن الناس )
وقال ابن عبد البر وكان يقال لا تدع على ولدك بالموت فإنه يورث الفقر
قال الشاعر
( لعمرك ان القبر خير وراحة % لمن كان ذا يسر وعاد الى عسر )
وذكر ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لولا ثلاث صلح الناس شح مطاع وهوى متبع واعجاب المرء بنفسه
وخطب الزبير بن العوام بالبصرة فقال يا ايها الناس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يا زبير ان الله تعالى يقول انفق انفق عليك ولا توكىء فيوكأ عليك واوسع يوسع الله عليك ولا تضيق فيضيق عليك واعلم يا زبير ان الله يحب الانفاق
____________________
(3/309)
ولا يحب الاقتار ويحب السماحة ولو على فلق تمرة ويحب الشجاعة ولو على قتل حية او عقرب واعلم يا زبير ان الله فضول اموال سوى الارزاق التي قسمها بين العباد محتبسة عنده لا يعطي احدا منها شيئا الا من سأله من فضله فسلوا الله من فضله
وقال علي رضي الله عنه البخل جلباب المسكنة وربما دخل السخي بسخائه الجنة
وقال جعفر بن محمد قال الله عز وجل انا جواد كريم لا يجاورني في جنتي لئيم
وقال ابراهيم بن ابي عبلة سمعت ام البنين اخت عمر ابن عبد العزيز تقول اف للبخل والله لو كان طريقا ما سلكته ولوكان ثوبا ما لبسته وقال سفيان بن عيينة ما استقصى كريم قط الم تسمع الى قول الله تعالى
( ^ عرف بعضة واعرض عن بعض ) التحريم 3
قال بعضهم
( واني لارثي للكريم اذا غدا % على طمع عند اللئيم يطالبه )
وقال منصور الفقيه
( ما بالبخيل انتفاع % والكلب ينفع اهله )
( فنزه الكلب عن ان % ترى اخا البخل مثله )
وقال ابن طاهر المقدسي الحافظ دخلت على الشيخ ابي القاسم سعد بن علي وانا ضيق الصدر من رجل من اهل شيراز لا اذكره رحمه الله فأخذت يده فقبلتها فقال لي ابتداء من غير ان اعلمه بما انا فيه يا ابا الفضل لا يضيق
____________________
(3/310)
صدرك عندنا في بلاد العجم مثل يضرب يقال بخل اهوازي وحماقة شيرازي وكثرة كلام رازي
وذكر ابن عبد البر وغيره عن الحسن انه كان يقول اصول الشر ثلاثة الحرص والحسد والكبر فالكبر منع ابليس من السجود لادم والحرص اخرج آدم من الجنة والحسد حمل ابن آدم على قتل اخيه
وروى الحاكم في تاريخه عن يونس بن عبد الاعلى عن الشافعي قال السخاء والكرم يغطي عيوب الدنيا والاخرة بعد ان لا يلحقه بدعة
قال حبيش ابن مبشر الثقفي الفقيه وهو اخو جعفر بن مبشر المتكلم قعدت مع احمد بن حنبل ويحيى بن معين والناس متوافرون فأجمعوا انهم لا يعرفون رجلا صالحا بخيلا
وقال بشر بن الحارث الحافي رحمه الله لا تزوج البخيل ولا تعامله ما اقبح القارىء ان يكون بخيلا رواه الخلال في الاخلاق
وقال ابن عبد البر في ترجمة ابي الاسود الدؤلي كان ذا عقل ودين ولسان وبيان وفهم وذكاء وحزم الا انه كان ينسب الى البخل وهو داء دوي يقدح في المروءة انتهى كلامه
وقال حاتم الطائي لما بلغه قول الملتمس
( قليل المال تصلحه فيبقى % ولا يبقى الكثير على الفساد )
( وحفظ المال خير من نفاذ % وعسف في البلاد بغير زاد )
قال قطع الله لسانه حمل الناس على البخل فهلا قال
( فلا الجود يفني المال قبل فنائه % ولا البخل في مال الشحيح يزيد )
( فلا تلتمس مالا بعيش مقتر % لكل غد رزق يعود جديد )
وقال حاتم ايضا
( لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى % اذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر )
____________________
(3/311)
( الم تر ان المال غاد ورائح % ويبقى من المال الاحاديث والذكر )
وروى احمد في المسند عن مروان بن معاوية القزاري عن هلال بن سويد ابي المعلى عن انس رضي الله عنه قال اهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوائر ثلاث فأكل طائرا واعطى خادمه طائرين فردهما عليه من الغد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الم انهك أن ترفع شيئا لغد ان الله يأتي برزق كل غد
وقال يوسف بن الحسين الرازي الزاهد الصوفي للامام احمد حدثني فقال ما تصنع بالحديث يا صوفي فقلت لا بد حدثني فحدثه بهذا الحديث ورواه البخاري في الضعفاء في ترجمة هلال حرم ان يدخر رزق غد وقال لا يتابع على حديثه
وعن انس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد (1)
اسناده جيد ورواه الترمذي عن قتيبة عن جعفر بن سليمان عن ثابت عنه وقال غريب وذكر انه روي مرسلا
قال ابن الجوزي في كشف المشكل فيما في الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ نفقة سنة + أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمر +
قال فيه جواز ادخار قوت سنة ولا يقال هذا من طول الامل لان الاعداد للحاجة مستحسن شرعا وعقلا وقد استأجر شعيب موسى عليهما السلام وفي هذا رد على جهلة المتزهدين في اخراجهم من يفعل هذا عن التوكل فإن احتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر لغد فالجواب انه كان عنده خلق من الفقراء فكان يؤثرهم انتهى كلامه
____________________
1- أخرجه الترمذي والخطيب في تاريخ بغداد وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدخر لأهله قوت سنة قال الترمذي هذا حديث غريب
(3/312)
وقال اسحاق بن هانىء سمعت ابا عبد الله يقول قليل المال تصلحه البيت المتقدم وقال ابن عبد البر قال عمر بن الخطاب لا يقل مع الاصلاح شيء ولا يبقى مع الفساد شيء
وقال قيس بن عاصم الصحابي رضي الله عنه الجواد سيد قومه بني تميم الحليم الذي قال الاحنف بن قيس التميمي منه تعلمت الحلم قال لامراته وقد تزوجها جديدا واحضرت له طعاما قال لها اين اكيلي فلم تدر ما يقول لها فأنشأ يقول
( اذا ما صنعت الزاد فالتمسي له % اكيلا فإني لست اكله وحدي )
( اخا طارقا او جار بيت فإنني % اخاف ملامات الاحاديث من بعدي )
( واني لعبد الضيف من غير ذلة % وما في الا ذاك من شيمة العبد )
فسمعه جار له وكان بخيلا فقال
( لبيني وبين المرء قيس بن عاصم % بما قال بؤن في الفعال بعيد )
( وانا لنجفو الضيف من غير قلة % مخافة ان يغرى بنا فيعود )
وانشد ابو جعفر القرشي
( كل الامور تزول عنك وتنقضي % الا الثناء فإنه لك باق )
( لو انني خيرت كل فضيلة % ما اخترت غير مكارم الاخلاق )
ودخل جرير على عبد الملك فأنشده
( رايتك امس خير بني معد % وانت اليوم خير منك امس )
( ونبتك في المنابت خير نبت % وغرسك في المغارس خير غرس )
( وانت غدا تزيد الضعف ضعفا كذاك تزيد سادة عبد شمس )
فأمر له بثلاثين الف درهم وانشد يحيى بن معبد بيتا فأمر له بعشرة الاف درهم وهو
( اذا قيل من للمجد والجود والندى % فناد بأعلى الصوت يحيى بن معبد )
____________________
(3/313)
وقال ابو العتاهية
( اذا ما المرء صرت الى سؤاله % فما تعطيه اكثر من نوالة )
( ومن عرف المكارم جد فيها % وحن الى المكارم باحتيالة )
( ولم يستغل محمدة بمال % وان كانت تحيط بكل ماله )
ولما ولى المنصور معن بن زائدة اذربيجان قصده قوم من اهل الكوفة فنظر اليهم وهم في هيئة رديئة وانشأ يقول
( اذا نوبة نابت صديقك فاغتنم % مرمتها فالدهر في الناس قلب )
( فأحسن ثوبيك الذي هو لابس % وافره مهريك الذي هو يركب )
( وبادر بمعروف اذا كنت قادرا % زوال اقتدار او غنى عنك يذهب )
فقال له رجل الا انشدك احسن من هذا لابن هرمة قال قال هات فأنشأ يقول
( وللنفس تارات تحل بها العرا % وتسخو عن المال النفوس الشحائح )
( اذا المرء لم ينفعك حيا فنفعه % اقل اذا ضمت عليه الصفائح )
( لاية حال يمنع المرء ماله % غدا فغدا والموت غاد ورائح )
فقال له معن احسنت والله وان كان الشعر لغيرك يا غلام اعطه اربعة آلاف فقال الغلام اجعلها دنانير او دراهم فقال معن والله لا تكون همتك ارفع من همتي يا غلام صفرها له
وقال هارون الرشيد للاصمعي رحمه الله ما اغفلك عنا واجفاك بحضرتنا فقال والله يا امير المؤمنين ما الاقتني بلاد بعدك حتى آتيك فقال للاصمعي ما الاقتني قال امسكتني وانشد
( كفاك كف لا تليق درهما % جودا واخرى تعط بالسيف الدما )
اي ما تمسك درهما فقال احسنت وهكذا كن وقرنا في الملا وعلمنا في الخلا وامر لي بخمسة آلاف دينار
____________________
(3/314)
دخل العتابي على عبد الله بن طاهر فأنشده
( حسن ظني حسن ما عود الله % سوائي بك الغداة آتى بي )
( اي شيء يكون احسن من حسن % يقين حدا اليك ركابي )
فأمر له بجائزة ثم دخل عليه مرة اخرى فأنشده
( جودك يكفيني في حاجتي % ورؤيتي تكفيك مني سؤالي )
( فكيف اخشى الفقر ما عشت لي % وانما كفاك لي بيت مالي )
فأجازه ايضا ثم دخل عليه اليوم الثالث فأنشده
( اكسني ما يبيد اصلحك الله % فإني اكسوك ما لا يبيد )
فأجازه وكساه وحمله وجاء ابو الدئل المعتوه الى حفص بن غياث وهو قاض فكساه فطلب منه نفقة فحلف حفص ما في بيتي ذهب ولا فضة ثم استقرض له دينارا فأعطاه اياه فقال ابو الدئل ايها القاضي والله ما اجد لك مثلا الا قول الشاعر
( يعيرني بالدين قومي وانما % تقرضت في اشياء تورثهم مجدا )
وقول صاحبه
( وما كنت الا كالاصم بن جعفر % راى المال لا يبقى فأبقى به حمدا )
وقال الاصمعي دخل اعرابي على خالد بن عبد الله القسري فقال اصلح الله الامير اني قد امتدحتك ببيتين ولست انشدهما الا بعشرة آلاف وخادم فقال له خالد قل فأنشأ يقول
( لزمت نعم حتى كأنك لم تكن % سمعت من الاشياء شيئا سوى نعم )
( وانكرت لا حتى كأنك لم تكن % سمعت بها في سائر الدهر والامم )
قال ودخل اعرابي على خالد في يوم مجلس الشعراء عنده وقد كان قال فيه بيتي شعر امتدحه فلما سمع قول الشعراء صغر عنده ما قال فلما انصرف
____________________
(3/315)
الشعراء بجوائزهم بقي الاعرابي فقال له خالد ألك حاجة فأنشده البيتين وهما
( تعرضت لي بالجود حتى نعشتني % وأعطيتني حتى ظننتك تلعب )
( فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى % حليف الندى ما للندى عنك مذهب )
فقال سل حاجتك فقال علي من الدين خمسون الفا فقال قد امرت لك بها وشفعتها بمثلها فأمر له بمئة ألف وهذا العطاء وشبهه من الملوك إن كان على وجه الشرع وإلا فصاحبه ممدوح عرفا
وقد قال ابو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي رحمه الله تعالى من الأغلاط والأوهام القبيحة المدح بما يوجب الذم فإنهم إذا سمعوا عن السلاطين والولاة بالعطاء المسرف من أموال المسلمين مدحوهم بالكرم ثم ذكر أن هشام بن عبد الملك أعطى حمادا الراوية لإنشاد بيت جاريتين وعشر بدر وقال لو كان ما أعطاه من مال نفسه كان تبذيرا وتفريطا فكيف وليس من ماله فالعجب ممن يروي هذا عن الملوك فيخرجه مخرج المدح والكرم وهو معدود في التبذير والإسراف وقد قال تعالى ( ^ وتثبيتا من أنفسهم ) البقرة 265
اي ينظرون اين يضعون الاموال وأين الفقراء عنها وإذا تأملت الحال وجدت الأموال أخذت على غير وجهها وصرفت في غير حقها وخرجت عن نيات فاسدة انتهى كلامه وسبق في الفصل قبله كلام شعيب بن حرب
وقال اعرابي عجبا للبخيل المتعجل للفقر الذي منه هرب والمؤخر للسعة التي إياها طلب ولعله يموت بين هربه وطلبه فيكون عيشه في الدنيا عيش الفقراء وحسابه في الآخرة حساب الاغنياء مع أنك لم تر بخيلا إلا وغيره أسعد بماله منه لأنه في الدنيا مهتم بجمعه وفي الآخرة آثم بمنعه وغيره آمن في الدنيا من همه وناج في الآخرة من إثمه
____________________
(3/316)
ومن منثور كلام ابن المعتز بشر مال البخيل بحادث او وارث ومن منظومه
( يا مال كل جامع وحارث % أبشر بريب حادث أو وارث )
وقال غيره
( كدودة القز ما تبنيه يهدمها % وغيرها بالذي تبنيه ينتفع )
وأين هذا من كلام أحيحة بن الجلاح في ابياته التي يحث فيها على جمع المال ولا يضيعه يوما على حال منها
( إني مقيم على الزوراء أعمرها % إن الكريم على الأقوام ذو المال )
( كل النداء إذا ناديت يخذلني % إلا ندائي إذا ناديت يا مالي )
وقال الشاعر
( وإني لأجتاز القرى طاوي الحشا % محاذرة من أن يقال لئيم )
الرواية بضم لام يقال ومدح الكرم وذم البخل كثير في الكلام وفي هذا كفاية إن شاء الله تعالى
قال ابن الجوزي ويحك ما تصنع بادخار مال لا يؤثر حسنة في صحيفة ولا مكرمة في تاريخ أما سمعت بإنفاق أبي بكر وبخل ثعلبة أما رأيت مآثر مدح حاتم وبخل أبي الحباحب ويحك لو ابتلاك في مالك بقلة استغثت أو في بدنك ليلة بمرض شكوت إنما نريد كمال مرادك فأنت تستوفي مطلوباتك منه ولا يستوفي حقه عليك ( ^ ويل للمطففين ) المطففين 1 انتهى كلامه
____________________
(3/317)
وقد قيل
( مات الكرام ومروا وانقضوا ومضوا % ومات من بعدهم تلك الكرامات )
( وخلفوني في قوم ذوي سفه % لو أبصروا طيف ضيف في الكرى ماتوا )
وقد سبق ما يتعلق بهذا في مكارم الأخلاق وحسن الخلق قبل هذا بنحو خمس كراريس أو ستة وقبله بيسير طلب الحاجات من الناس
قال ابن عبد البر أجمعت الحكماء على أربع كلمات وهي لا تحمل قلبك ما لا يطيق ولا تعمل عملا ليس لك فيه منفعة ولا تثقن بامرأة ولا تغتر بمال وإن كثر
قال ابن عقيل في الفنون تمام المروءة أن تراعي ورثة من كنت تراعيه وتخلفه بزيادة على ما كنت تراعيهم حال حياته لتكون الزيادة بإزاء إرعائه ولا توهمهم أن المنزلة سقطت بموت كاسبهم وقو الإكرام على الايتام لتشوب مرارة يتمهم حلاوة التحنن كان السلف رحمهم الله يذهبون حزن الأيتام والأرامل ويزيلون ذل اليتيم بأنواع البر حتى صاروا كالآباء والأمهات لليتيم لا يتركونه يضام ويتناضلون عنه وفي الجملة الكرام لا يبين بينهم يتم أولاد الجيران ولا النازل من القاطنين فصل
قد تقدم الكلام في كسب الحمامي ولنذكر الآن حكم الحمام وما يتعلق به فنقول بيع الحمام وشراؤه وإجارته وبناؤه مكروه نص عليه وقال الذي يبني حماما للنساء ليس بعدل لأنه غالبا يشتمل على ما لا يجوز من كشف العورات ونظرها ودخول النساء
وفي مجموع ابي حفص في الإجارة نقل محمد بن يحيى الكحال سألت
____________________
(3/318)
أحمد عن رجل له حمام تقيمه غلته يريد أن يبيعه قال لا يبيعه على أنه حمام يبيعه على أنه عقار ويهدم الحمام ذكره الشيخ تقي الدين وقال وكذلك الابنية المصورة كنائس ونحو ذلك مما هو مبني للمنفعة المحرمة وكذلك ما هو مصور على صورة المنفعة المحرمة ويمكن تصويره على منفعة مباحة مثل الحرير المفصل للرجال وخاتم الذهب للرجل وآنية الذهب والفضة انتهى كلامه
وللرجل دخوله بإزار إذا أمن النظر المحرم ذكره ابو البركات وابن تميم وقال في الرعاية الكبرى مع ظن السلامة غالبا وإن خاف ذلك كره لأن من حام حول الحمى يوشك أن يواقعه وإن علم وقوعه حرم عليه انتهى كلامه
ويتوجه التحريم إن ظن الوقوع في المحذور وقد قال في الشرح قال احمد رحمه الله إن علمت ان كل من في الحمام عليه إزار فادخله وإلا فلا تدخل وكذا أحوال المرأة إن دخلته لحيض أو نفاس أو مرض أو جنابة ونحو ذلك أو لخوف تغسلها في البيت أو تعذره فيه وإلا حرم عليها دخوله
واختار ابو الفرج بن الجوزي والشيخ تقي الدين رحمهما الله أن المرأة إذا اعتادت الحمام وشق عليها ترك دخوله إلا لعذر أنه يجوز لها دخوله ولا تتعرى مسلمة بحضرة ذمية فيه ولا في غيره وقيل للمرأة دخوله في قميص خفيف تصب الماء فوقه وقيل هذا في حمام الزبون لا في حمام بيتها فصل في أحكام وآداب تتعلق بالحمام
ولا بأس بذكر الله في الحمام نص عليه وقطع به جماعة وعنه التوقف وقيل يكره قال الشيخ عبد القادر رحمه الله ويكره له الكلام في مواضع المهن المستقذرة كالحمام والخلاء وما اشبه ذلك وكذلك لا يسلم ولا يرد على مسلم وقد تقدم حكم القراءة فيه
ويجزئ الغسل والوضوء بماء الحمام نص عليه وقال تارة يغتسل من
____________________
(3/319)
الأنبوب فإن كانت يده نجسه ولا إناء مع أخذ الماء بفيه وغسلها وقال في الشرح روي عن أحمد أنه قال لا بأس أن يأخذ من الانبوبة وهذا على سبيل الاحتياط وقد قال احمد ماء الحمام عندي طاهر وهو بمنزلة الجاري وهل يكره استعماله فيه وجهان
أحدهما يكره لأنه يباشره من يتحرى ومن لا يتحرى وحكاه ابن عقيل رواية عن أحمد وهو الرواية المتقدمة
والثاني لا يكره لكون الأصل طهارته فهو كالماء الذي شككنا في نجاسته كذا قال بعضهم وفيه نظر لأن هذا ماء مشكوك في نجاسته فمقتضى الخلاف فيه أن يجري في كل ماء مشكوك في نجاسته
ويكره الاغتسال في المستحم ودخول الحمام بلا مئزر وعنه لا يكره وهل يحرم كشف عورته خلوة لغير حاجة أو يكره فيه روايتان قدم ابن تميم عدم الكراهة
ويباح كشفها لختان وتداو ومعرفة بلوغ وبكارة وولادة وعيب ونحو ذلك
قال ابن الجوزي في منهاج القاصدين ويكره دخول الحمام قريبا من الغروب وبين العشائين فإنه وقت انتشار الشياطين انتهى كلامه وظاهر كلام غيره يدل على خلافه
وروي عن أحمد ايضا ما يدل على خلافه قال صالح كان ابي يتنور في البيت إلا أنه قال لي يوما أريد أن أدخل الحمام بعد المغرب وكان يوما شتويا قل لصاحب الحمام فقلت له فلما كان المغرب قال ابعث إليه فقل له إني قد صرفت عن الدخول وتنور في البيت فصل في دخول الحمام والخروج منه والطلاء بالنورة فيه وفي البيت
يسن في الجنابة وقيل في الوضوء كذا في الرعاية تقديم يسراه في
____________________
(3/320)
دخول الحمام والمغتسل ونحوهما والأولى في الحمام أن يغسل إبطيه وقدميه بماء بارد عند دخوله ويلزم الحائط ويقصد موضعا خاليا ولا يدخل في البيت الحار حتى يعرق في البيت الاول ويقلل الالتفات ولا يطيل المقام إلا بقدر الحاجة ويغسل قدميه عند خروجه بماء بارد قال في المستوعب فإنه يذهب الصداع
وللرجل ان يغتسل مع زوجته وأمته في وقت واحد من إناء واحد
ويستحب أن يحلق عانته وينتف إبطيه وإن استعمل النورة في ذلك فحسن قد روت أم سلمة وأنس وغيرهما رض الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنور وكان إذا بلغ عانته نورها بنفسه (1)
وفي بعض الالفاظ إذا بلغ مراقه
وهذا الحديث يدل على أنه يجوز أن يتنور في العورة وغيرها من بدنه قميصا أو دونه وإنه يجوز أن يطليه غيره فيما عدا العورة وقد عمل أحمد بهذا الحديث فقال أبو عبد الله النيسابوري نورنا أبا عبد الله فلما بلغ عانته نورها بنفسه
وقال المروذي أصلحت لأبي عبد الله النورة غير مرة واشتريت له جلدا ليده فكان يدخل يده فيه وينور نفسه
وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أنهم كانوا يتنورون فمنهم من كان يطلي جميع جسده قميصا ومنهم من يتسرول
وأول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود عليهما السلام وذلك انه لما تزوج بلقيس قالت له لم يمسني حديد قط فقال سليمان للشياطين انظروا إلى شيء يذهب الشعر فقالوا النورة فكان اول من صنعت له
____________________
1- اخرجه ابن ماجه والبيهقي في الكبرى ورجاله ثقات لكنه منقطع حبيب بن ابي ثابت لم يسمع من أم سلمة قاله ابو زرعة كما في المراسيل لابن أبي حاتم
(3/321)
وذكر علماء الطب أن في الاطلاء بالنورة فوائد منها أنها تثور الأخلاط وتجذبها وذكروا أيضا أن من أطلى بها ثلاث مرات في إزار في كل اسبوع مرة استغنى بذلك عن الفصد والحجامة وشرب المسهل وينبغي ان يخلط بالنورة يسر من شحم الحنظل ليأمن الحكة في مواضعها ويطلى بعدها بالحناء والعصفر لتبريد البدن وإذهاب الكلف الحادث بإبرازها الاخلاط إلى ظاهر الجلد وذكر هذا كله في المستوعب وذكر بعضه غيره وحديث أم سلمة الذي أشار إليه رواه ابن ماجه وغيره
وقال الخلال في العلل قال مهنا سألت أبا عبد الله عن حديث كامل بن العلاء عن حبيب بن ابي ثابت عن رجل عن ام سلمة الحديث فقال ليس بصحيح لأن قتادة قال ما اطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر من طريق سعيد عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يطلي ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان رواه الخلال وقال البيهقي في حديث ام سلمة اسنده كامل بن العلاء وارسله من هو أوثق منه
وروى البيهقي من حديث محمد بن زياد الالهاني عن ثوبان رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام ويتنور قال وليس بالمعروف بعض رجاله
وقال ابن عقيل في الفصول هو مخير بين النورة والموسى في حلق الشعر فأما احمد فالذي روي عنه في ذلك أنه كان يتنور وقد اختلف الاثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنس لم يتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم قط وكان إذا كثر عليه الشعر حلقه (1)
وقد روى منصور عن حبيب بن ابي ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه اطلى وولي
____________________
1- اخرجه البيهقي في الكبرى وفي سنده مسلم الملائي قال البيهقي ضعيف الحديث وأخرجه البيهقي ايضا عن قتادة مرسلا
(3/322)
عانته بيده (1)
كذا قال ابن عقيل وقد سبق الكلام في النورة في المفردات في فصول الطب فصل في أقوال الأطباء في الحمام
قال الاطباء الحمام يختلف بحسب أهويته ومبانيه وما يستعمل فيه من الدهن والتمريخ وسبق في فصول الطب الكلام في الدهن والماء
واما الدلك في الحمام فإنه يفتح المسام ويحلل البخار ويذوب الخلط فإن أفرط أحدث البثور قاله ابن جزلة
وقال ابن جميع الصيداوي يصلب الأعضاء ويحلل الرطوبة والمعتدل يجلب الدم ظاهر الجسد قال والتمريخ بالدهن يسد المسام قال ابن جزلة فإن كان بعد الاستحمام بالماء الحار حفظ الحرارة والرطوبة
وأجود الحمامات ما كان شاهقا عذب الماء معتدل الحرارة معتدل البيوت والحمام قد جمع الكيفيات الأربعة وهو يوسع المسام ويستفرغ الفضلات ويحلل الرياح ويحبس الطبع إذا كانت سهولته عن هيضة وينظف الوسخ والعروق ويذهب الحكة والجرب ويذهب الإعياء ويرطب البدن ويجود الهضم وينضج النزلات والزكام وينفع من حمى يوم والدق والربع ويسمن المهزول ويهزل السمين وينفع جميع الأمزجة
وفيه مضار يسهل انصباب الفضلات إلى الاعضاء الضعيفة ويرخى الجسد ويضعف الحرارة عند طول المقام فيه ويسقط شهوة الطعام ويضعف الباه والعصب وينبغي أن يمتشط فيه فإنه يقوي البصر ومن قصد تسمين بدنه دخل على الامتلاء ولا يطيل اللبث وبالضد ومن قصد حفظ الصحة دخل عند آخر الهضم بحيث إذا خرج يأكل ويجتنب الجماع في الحمام وان يستعمل بعده
____________________
1- اخرجه البيهقي في الكبرى وقد تقدم متصلا من رواية حبيب بن ابي ثابت عن ام سلمة ولا يصح له سماع منها
(3/323)
الأشياء الباردة بالفعل والحارة بالفعل ففي ذلك خطر والمقام الكثير في الحمام يجفف وربما برد والقليل يسخن ويرطب
قال ابن سينا لا يطيل فيه فإنه يخاف منه الدق والاستسقاء أما الدق فلاشتداد سخونة القلب وأما الاستسقاء فلكثرة تحلل الحار الغريزي فيبرد مزاج الاعضاء وكذلك شرب الاشياء الباردة فيه مثل النقاع والماء البارد فيه خطر عظيم جدا لأنه قد يبرد الكبد والقلب بهجومه عليهما ويبرد الأحشاء ويضعفها ويهيئها لاستسقاء وصب الماء البارد على الرجلين بعد الحمام ينعش القوة المسترخية من الكرب
قال بعضهم ولاستعمال الماء البارد بعد الحار منافع عظيمة في تقوية الأعضاء ولكن لا تكون بغتة بل ينتقل إلى الفاتر ثم إلي البارد قال ابن ماسويه من دخل الحمام وهو ممتلىء فأصابه الفالج فلا يلومن إلا نفسه قال ابن عبد البر قال شمس المعالي
( أنت في الحمام موقوف % على قلبي وسمعي )
( فتأملها تجدها كونت % من بعض طبعي )
( حرها من حر أنفاسي % وفيض الماء دمعي )
وروى الحاكم في تاريخه عن إسحاق بن راهويه قال ادخل الحمام وأنا شيخ وأخرج وأنا شاب وروي أيضا عن ابن المبارك أنه كان إذا دخل الحمام ثم خرج صلى ركعتين واستغفر لما رؤى منه أو رأى من نفسه فصل الأخبار والآثار في دخول الحمام ومنها نهي النساء عنه
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكور امتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا يدخل الحمام رواه احمد
____________________
(3/324)
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي الرجال والنساء عن الحمامات ثم رخص للرجال أن يدخلوها في الميازر ولم يرخص للنساء رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال ليس إسناده بالقائم (1)
وعنها ايضا مرفوعا أيما امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها إسناده جيد رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه + حسن اخرجه ابو داود وابن ماجه والترمذي واحمد والطيالسي والدارمي وحسنه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وله شاهد صحيح من حديث ام الدرداء عند احمد +
وقال النسائي اخبرنا اسحاق بن ابراهيم أنبأنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن عطاء عن ابي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر حديث حسن + حديث حسن اخرجه النسائي واحمد والترمذي والحاكم وحسنه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وجود إسناده ابن حجر +
وقال سعيد في سننه حدثنا سفيان عن ابن طاووس عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احذروا بيتا يقال له الحمام فقالوا يا رسول الله إنه ينقي من الوسخ والأذى قال فمن دخله منكم فليستتر + رجاله ثقات لكنه مرسل وأخرجه البيهقي مرسلا ووصله بذكر ابن عباس فيه البزار والبيهقي من طريق يوسف بن موسى عن يعلى بن عبيد عن سفيان +
ورواه ابو بكر البزار موصولا يذكر ابن عباس فيه قال عبد الحق هذا اصح إسناد حديث في هذا الباب على أن الناس يرسلونه عن طاووس
وأما ما خرجه ابو داود في هذا من الحظر والإباحة فلا يصح منه شيء
____________________
1- أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي وإسناده ضعيف
(3/325)
لضعف الاسانيد وكذلك ما اخرجه الترمذي وروى حديث ابن عباس هذا الطبراني والبيهقي مسندا ومرسلا
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال نعم البيت الحمام ينقي من الدرن ويذكر بالنار وعن ابي الدرداء معناه وكان يدخله
وعن علي رضي الله عنه قال بئس البيت الحمام نزع من أهله الحياء ولا يقرأ فيه القران
وعن ابن عمر رضي عنهما قال لا تدخلوا هذه الحمامات فإنها مما أحدثوا من النعيم وكان ابن عمر لا يدخله وعنه ايضا قال لا تدخل الحمام إلا أن تشتكي
وعن قتادة ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لا يدخلن احد الحمام إلا بمئزر ولا يذكر الله فيه حتى يخرج ولا يغتسل اثنان من إناء واحد روى هذه الآثار سعيد في سننه
وذكر ابن عبد البر عن ابي هريرة رضي الله عنه بئس البيت الحمام يكشف العورة ويذهب الحياء
وعنه ايضا عن النبي صلى الله عليه وسلم نعم البيت الحمام يدخله الرجل المسلم يسأل الله فيه الجنة ويستعيذ به من النار (1)
قال والصحيح انه موقوف
وروى البيهقي عن ابي الدرداء أنه كان يدخل الحمام فيقول نعم البيت الحمام يذهب الوسخ ويذكر النار ويقول بئس البيت الحمام إنه يكشف عن أهله الحياء + اخرجه البيهقي +
قال البيهقي قد روينا عن ابن عمر انه قال نعم البيت الحمام يذهب
____________________
1- اخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة وفي سنده يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب قال في التقريب متروك
(3/326)
بالوسخ ويذكر بالنار
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلها الرجال إلا بإزار وامنعوا النساء إلا مريضة أو نفساء إسناده ضعيف فيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وغيره رواه أبو داود وابن ماجه (1)
وذكر ابن عقيل ان عبد الله بن احمد قال ما رأيت أبي دخل الحمام قط وذكر ايضا أن أبا بكر من أصحابنا روى بإسناده عن ابي هريرة أنه دخل الحمام فقال لا إله إلا الله فصل فيما يسن من اتخاذ الشعر وتسريحه وفرقه ومن إعفاء اللحية
يسن أن يغسل شعره ويسرحه ويفرقه ويجعله الرجل إلى منكبيه أو إلى فروع أذنيه أو شحمتيهما ولا بأس أن يجعله ذؤابة وينبغي أن يقال إن لم يخرج إلى شهرة أو نقص مرؤءة أو إزراء بصاحبه ونحو ذلك كما قالوا في اللباس وهو مقتضى كلام احمد فإنه لما قيل له إن في فرق الشعر شهرة أجاب بأنه سنة وبأمر النبي صلى الله عليه وسلم به + انظ صحيح البخاري وصحيح مسلم والشمائل للترمذي +
ويسن أن يعفي لحيته وقيل قدر قبضة وله أخذ ما زاد عنها وتركه نص عليه وقيل تركه أولى
وعن ابن عمر مرفوعا خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب متفق عليه + اخرجه البخاري ومسلم +
زاد البخاري وكان ابن عمر إذا حج واعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه
____________________
1- اخرجه ابو داود وابن ماجه وعبد بن حميد والبيهقي وسنده ضعيف
(3/327)
ويسن ان ينتف إبطيه فإن شق حلقهما أو نورهما وقيل يكره إكثار التنوير قال الإمام احمد وسئل عن اتخاذ الشعر قال سنة حسنة ولو أمكننا اتخذناه وفي رواية أخرى لو كنا نقوى عليه لاتخذناه ولكن له كلفة ومؤنة وسأله ابو الحارث عن الرجل يتخذ الشعر ويطوله فقال في الفرق سنة فقال يا أبا عبد الله يشهر نفسه فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم فرق شعره وأمر بالفرق وروى أبو داود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان له شعر فليكرمه (1) فصل في تقليم الاظفار وسائر خصال الفطرة
ويسن ان يقلم أظفاره مخالفا كل يوم جمعة زاد بعضهم قبل الزوال لما جاء في الحديث إن من قص أظفاره يوم الجمعة دخل فيه شفاء وخرج منه داء رواه ابن بطة بإسناده عن حميد بن عبد الرحمن عن ابيه
قال في المستوعب وقد رويت هذه الفضيلة والاستحباب في يوم الخميس بعد العصر وهو قول في الرعاية والذي في الشرح انه يستحب ان يقلمها يوم الخميس لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره عليا بذلك فهذه أربعة أقوال
وقال عبد الرزاق أراد رجل ان يقلم أظفاره عند سفيان وكان يوم الخميس فقال له رجل لو تركته إلى غد الجمعة فقال سفيان لا تؤخر السنة لشيء ويسن ان يقلمها كل أربعين يوما فأقل للخبر الصحيح وقيل المقيم كل عشرين يوما والمسافر كل اربعين يوما وقيل عكسه وقال في الرعاية وهو أظهر وأشهر وقال غير واحد يستحب كذلك كل اسبوع ان شاء يوم الجمعة وإن شاء يوم الخميس
وروى ابن بطة بإسناده عن ابن عمر أنه كان يقلم أظفاره ويقص شاربه كل جمعة
____________________
1- اخرجه ابو داود والطحاوي في شرح مشكل الاثار والبيهقي في شعب الايمان من حديث ابي هريرة وإسناده حسن
(3/328)
ويسن ان يقلمها مخالفا وصفته على ما فسره ابن بطة أن يبدأ بخنصر اليمنى ثم الوسطى ثم الابهام ثم البنصر ثم السبابة ثم ابهام اليسرى ثم الوسطى ثم الخنصر ثم السبابة ثم البنصر
وقال الآمدي يبدأ بإبهام اليمنى ثم الوسطى ثم الخنصر ثم السبابة ثم البنصر ثم اليسرى كذلك
وقيل يبدأ بالسبابة من يده اليمنى من غير مخالفة إلى خنصرها ثم بخنصر اليسرى ويختم بإبهام اليمنى
قال القاضي وقد روى وكيع بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انت قلمت أظفارك فابدئي بالخنصر ثم الوسطى ثم الابهام ثم البنصر ثم السبابة فإن ذلك يورث الغنى وهذا قول في الرعاية وفي حديث آخر من قص أظفاره مخالفا لم ير في عينيه رمدا رواه ابن بطة ويجتنب الاستقصاء على الظفر في الغزو
ويستحب غسل رؤوس الاصابع بعد التقليم ويدفن القلامة نص عليه لفعل ابن عمر وكذا الشعر ودم الحجامة والفصد والتشريط
ويستحب نتف الابط وحلق العانة في المدة المذكورة وإن أزال بمقراض أو نوره ونحوه فلا بأس قال أحمد في قوله تعالى
( ^ ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا ) المرسلات 25 - 26
قال يلقي الأحياء فيها الدم والشعر والاظافير وتدفنون فيها موتاكم وروى
____________________
(3/329)
أبو داود في المراسيل أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ثم قال لرجل ادفنه لا يبحث عليه كلب
وروى الخلال وابن بطة بإسنادهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظفاره ويدفنها (1)
وروى وكيع بإسناده عن مجاهد قال كان يستحب دفن الاظفار وبإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بدفن الدم والشعر
قال مهنا سألت أحمد عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه قال كان يدفنه قلت بلغك فيه شيء قال ابن عمر يدفنه
ويكره أن يؤخر تنظيف العانة والإبط وحف الشارب أكثر من المدة المذكورة
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس من الفطرة الختان والاستحداد وقص الشارب ونتف الابط وتقليم الاظفار متفق عليه + أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وعن انس رضي الله عنه قال وقت لنا في قص الشارب وتقليم الاظفار ونتف الابط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة + اخرجه مسلم واحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وفي الكبرى +
رواه مسلم ورواه احمد وأبو داود والترمذي والنسائي وقالوا وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي الغنية اختلفت الرواية عن احمد في تصحيح هذا الحديث فروي عنه إنكاره وروى عنه الاحتجاج به في التوقيت بهذا المقدار
____________________
1- اخرجه البزار كشف الاستار والطبراني وفي سنده عبد الله بن سلمة بن وهرام وهو مجهول
(3/330)
وقال في المستوعب والتلخيص ويستحب ان ينظر في المرآة ولا بأس أن يأخذ من حاجبيه إذا طالا بالمقراض ويتطيب في بدنه وثيابه بما لا لون فيه والمرأة قيل البرزة بما له لون لا رائحة من بعيد نص عليه كذا في الرعاية وغيرها فصل الأخبار والآثار في الحجامة واختيار يوم لها
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال استعينوا بالحجامة على شدة الحر قال مهنا لأحمد هذا الحديث فقال ما حدثنا به عن عوف إلا مرسلا
وتكره الحجامة في يوم السبت ويوم الاربعاء نص عليهما في رواية أبي طالب وجماعة وزاد أحمد في رواية محمد بن الحسن بن حسان ويقولون يوم الجمعة وهذا الذي قطع به في المستوعب وغيره وقال المروذي كان أبو عبد الله يحتجم يوم الاحد ويوم الثلاثاء قال القاضي فقد بين اختيار يوم الأحد والثلاثاء وكره يوم السبت والاربعاء وتوقف في الجمعة انتهى كلامه والقاعدة انه اذا توقف في شيء خرج فيه وجهان
وعن الزهري مرسلا من احتجم يوم السبت أو يوم الاربعاء فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه ذكره أحمد واحتج به قال ابو داود وقد اسند ولا يصح وذكر البيهقي أنه وصله غير واحد وضعف ذلك والمحفوظ منقطع انتهى كلامه ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن مكحول مرسلا
والوضح البرص وحكي لأحمد ان رجلا احتجم يوم الاربعاء واستخف بالحديث وقال ما هذا الحديث فأصابه وضح فقال أحمد لا ينبغي لأحد أن يستخف بالحديث رواه الخلال
____________________
(3/331)
وعن ابن عمر مرفوعا إن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم إلا عرض له داء لا يشفى منه رواه البيهقي بإسناد حسن وفيه عطاف بن خالد وفيه ضعف (1)
قال العلماء بالطب ينبغي أن يجتنب المحتجم أكل الملح والمملوح ثلاثين ساعة لأنه يورث الجرب قالوا وينبغي أن يأكل في الشتاء الطباهجات وفي الصيف السكباج ذكره في المستوعب الطباهج بفتح الهاء طعام من بيض ولحم فصل في كراهة حلق الرأس في غير النسك وكراهة القزع في الحلق
ويكره للرجل حلق رأسه من غير حاجة نص عليه قال له المروذي تكرهه قال اشد الكراهة ثم قال كان معمر يكره الحلق وأنا أكرهه واحتج أبو عبد الله بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك والرجل هو صبيغ السائل له عن الذاريات وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخوارج سيماهم التحليق + اخرجه مسلم واحمد من حديث ابي سعيد الخدري وابو داود وابن ماجه من حديث انس +
قال جعفر بن محمد الطيالسي حدثنا احمد بن حنبل حدثنا إبراهيم بن خالد فذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوارج سيماهم التحليق والتسبيت
____________________
1- أخرجه البيهقي وقال البيهقي عطاف بن خالد ضعيف وروى يحيى بن العلاء الرازي وهو متروك بإسناد له عن الحسين بن علي فيه حديثا مرفوعا وليس بشيء
(3/332)
قال جعفر قلت لأحمد ما التسبيت قال الحلق الشديد ليشبه النعال السبتية
وعن احمد لا يكره الحلق زاد في الشرح لكن تركه أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع وقال احلقه كله او دعه كله إسناده صحيح رواه ابو داود وغيره وعزاه بعضهم إلى مسلم وليس كذلك (1)
وقد قال ابن عبد البر اجمع العلماء في جميع الأمصار على إباحة الحلق فأما اخذه بالمقراض واستئصاله فلا يكره رواية واحدة لأن دلالة الكراهة تختص بالحلق
ويكره للمرأة حلق رأسها زاد غير واحد وقصه من غير عذر رواية واحدة وقيل يحرمان عليها
وقد روى النسائي عن خلاس عن علي رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تحلق المرأة رأسها + حديث حسن اخرجه النسائي والترمذي ورواه أيضا الترمذي مرسلا وله شاهد ضعيف ايضا من حديث عائشة أورده ابن عدي في الكامل في ترجمة معلى بن عبد الرحمن الواسطي +
وقال هذا حديث فيه اضطراب والعمل على هذا عند اهل العلم
ويكره حلق القفا من غير حاجة نص عليه وقال أيضا هو من فعل المجوس ومن تشبه بقوم فهو منهم وهذا يقتضي التحريم وقيد في
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود وابن ماجه والنسائي من حديث ابن عمر
(3/333)
الشرح كراهية حلقه لمن لم يحلق رأسه وهو قول في الرعاية فصل في كون تغيير الشيب بصبغة سنة
ويسن تغيير الشيب نص عليه وقيل له ما يستحيي أن يخضب فقال سبحان الله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأرى الشيخ المخضوب فأفرح به وعن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم متفق عليه (1)
ويستحب بحناء وكتم لفعل النبي صلى الله عليه وسلم رواه احمد وابن ماجه وإسناده ثقات + اخرجه احمد وابن ماجه وصححه ابن حبان +
ولفعل ابي بكر وعمر رضي الله عنهما متفق عليهما ولا بأس بالورس والزعفران قاله القاضي وفي التلخيص والشرح وقدم بعض الأصحاب أن خضابه بغير السواد سنة وقال نص عليه
قال ابو داود حدثنا عبد الرحيم بن مطرف حدثنا عمرو بن محمد أخبرنا ابن ابي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران وكان ابن عمر يفعل ذلك حديث حسن رواه النسائي + اخرجه النسائي وابو داود وسنده حسن كما قال المؤلف +
وقال ابو مالك الاشجعي عن ابيه كان خضابنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالورس والزعفران رواه احمد
ويكره بالسواد نص عليه قيل له تكره الخضاب بالسواد قال إي والله
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(3/334)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن والد أبي بكر رضي الله عنهما وجنبوه السواد (1)
رواه مسلم
وقال ابو داود حدثنا ابو توبة حدثنا عبيد الله عن عبد الكريم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة إسناده جيد وعبد الكريم هو ابن مالك الجزري ورواه احمد والنسائي + اخرجه احمد وابو داود والنسائي وإسناده صحيح +
والكراهة في كلام احمد هل هي للتحريم أو التنزيه على وجهين ورخص فيه إسحاق بن راهوية للمرأة تتزين به لزوجها
وذكر في المستوعب أنه لا يكره للحرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم اخضبوا بالسواد فإنه آنس للزوجة ومكيدة للعدو وهذا خبر لا يصح وفي الاحكام السلطانية إن المحتسب يمنع من يخضب به في الجهاد وغيره وعند الشافعية يستحب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ويحرم بالسواد على الاصح عندهم وقال بعض السلف والخلف ترك الخضاب افضل روي هذا عن عمر وعلي وابي بن كعب وآخرين وكان ابن عمر وأبو هريرة وآخرون يخضبون بالصفرة وروي عن علي وخضب جماعة منهم بالحناء والكتم وبعضهم بالزعفران وخضب جماعة بالسواد وروي عن عثمان والحسن
____________________
1- اخرجه مسلم وابو داود
(3/335)
والحسين ابني علي وعقبه بن عامر رضي الله عنهم وابن سيرين وابي بردة وآخرين ويقال ضبغ بضم الباء وفتحها وكان عقبة بن عامر رضي الله عنه يخضب لحيته ويقول
( نسود أعلاها وتأبى أصولها % ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل )
وكان الحسين بن علي رضي الله عنهما يخضب بالسواد ويتمثل
( نسود أعلاها وتأبى أصولها % فيا ليت ما يسود منها هو الأصل )
وقال آخر
( يا أيها الرجل المسود شيبة % كيما يعد به من الشبان )
( اقصر فلو سودت كل حمامة % بيضاء ما عدت من الغربان )
وعن عبيد بن جريج انه قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنه رأيتك تلبس النعال السبتية ورأيتك تصبغ بالصفرة فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها متفق عليه (1)
ويكره نتف الشيب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه وقال إنه نور المسلم روى ذلك أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه + اخرجه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجه والنسائي وحسنه الترمذي وهو كما قال +
نظر كسرى إلى رجلين من مرازبته شاب رأس أحدهما قبل لحيته والآخر لحيته قبل رأسه فسألهما فقال الأول لأن شعر رأسي خلق قبل شعر لحيتي والكبير يشيب قبل الصغير وقال الآخر لأنها أقرب إلى الصدر موضع الهم والغم وذكر ابن عبد البر عن ابن عباس رضي اله عنهما قال شيب الناصية
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/336)
من الكرم وشيب الصدغين من الورع وشيب الشاربين من الفحش وشيب القفا من اللؤم
فصل في نتف الشعر وحفه وتخفيفه ووصله والوشم
ويكره للرجل نتف شعر وجهه ولو بمنقاش ونحوه وحفه والتحفيف قال أحمد في الحف أكرهه للرجال وللمرأة حلقه وحفه والتحفيف نص على الثلاثة وذكر ابن عبد البر أنه يكره لها حفه ويكره نتفه سواء كان لها زوج أو لم يكن قال احمد أكره النتف وقال المروذي وكره يعني أحمد أن يؤخذ الشعر بمنقاش من الوجه وقال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتنمصات (1)
وقطع غير واحد بالكراهة ومنصوص احمد التحريم وهل تعد الكراهة رواية عنه مسألة خلاف فمن اثبت رواية في نقل الملك في ام الولد والمتعة ونحو ذلك فهنا مثله أو أولى وقطع في الشرح وغيره بأن نتف الشعر من الوجه لا يجوز
ويكره لها وصل شعرها بشعر آخر ذكره في المستوعب والتلخيص وقدمه في الرعاية وعنه يحرم قطع به في الشرح وقدمه ابن تميم ولا بأس بالقرامل ونحوها زاد بعضهم لكن تركه افضل وعنه هي كالوصل بالشعر
قال المروذي سألت أبا عبد الله عن المرأة تصل رأسها بقرامل فكرهه وقال له أيضا فالمرأة الكبيرة تصل رأسها بقرامل فلم يرخص لها ويباح ما تشد به شعرها للحاجة
ويكره غرز جلدها بإبرة وحشوة كحلا وتحسين أسنانها وتفليجها
____________________
1- انظر صحيح البخاري وصحيح مسلم
(3/337)
وتحديدها وذكر في الشرح وغيره أنه يحرم وهو أولى وروى البخاري ومسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله (1)
ورويا أيضا ان معاوية رضي الله عنه تناول قصة من شعر وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم + اخرجه البخاري ومسلم +
وروى احمد عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تصل المرأة برأسها شيئا + اخرجه احمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح +
قال صاحب المغني والظاهر إنما المحرم وصل الشعر بالشعر لما فيه من التدليس واستعمال الشعر المختلف في نجاسته فصل في جواز ثقب آذان البنات
ويجوز ثقب أذن البنت للزينة ويكره ثقب أذن الصبي نص عليهما قال في رواية مهنا أكره ذلك للغلام إنما هو للبنات قال مهنا قلت من كرهه قال حريز بن عثمان
وقطع ابن الجوزي في منهاج القاصدين وغيره بأنه لا يجوز ثقب اذن البنت لأنه جرح مؤلم وفي المخانق والاسورة كفاية والاستئجار على ذلك غير صحيح والأجرة المأخوذة عليه حرام
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر وأخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود
(3/338)
قال في المستوعب وأفضل الأدهان للرأس دهن البنفسج لقول النبي صلى الله عليه وسلم فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان كفضلي على سائر الناس وضعف غير واحد هذا الخبر وهو كما قالوا فصل ما يقال عند سماع نهيق حمار ونباح كلب وصياح ديك وكراهة التحريش
من سمع نهيق حمار أو نباح كلب استعاذ بالله من الشيطان الرجيم قال ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا وإذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا رواه البخاري ومسلم (1)
وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير بالليل فتعوذوا بالله منهن فإنهن يرون ما لا ترون رواه ابو داود ورواه احمد وعنده فتعوذوا بالله ولم يقل منهن ورواه النسائي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ويستحب قطع القراءة لذلك كما ذكروا انه يقطعها للأذان وظاهره ولو تكرر ذلك وللنسائي في رواية إذا سمعتم صياح الديكة بالليل وذكره + اخرجه احمد وابو داود وصححه ابن حبان +
ويكره التحريش بين الناس وكل حيوان بهيم ككباش وديكة وغيرها ذكره في الرعاية الكبرى وذكر في المستوعب أنه لا يجوز التحريش بين البهائم انتهى كلامه فهذان وجهان في التحريش بين البهائم وكلام الإمام احمد يحتملها قال ابن منصور لأبي عبد الله يكره التحريش بين البهائم قال سبحان الله إي لعمري والأولى القطع بتحريم التحريش بين الناس وعن جابر رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم رواه
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/339)
ابو داود والترمذي من رواية ابي يحيى القتات وهو مختلف فيه وباقية ثقات (1) فصل في اتخاذ الطيور
قال في الرعاية الكبرى يكره اتخاذ طيور طيارة تأكل زروع الناس وتكره فراخها وبيضها ولا تكره المتخذة لتبليغ الاخبار فقط قال المروذي قلت لأبي عبد الله ما تقول في طير انثى جاءت الى قوم فازوجت عندهم وفرخت لمن الفراخ قال يتبعون الام وأظن اني سمعته يقول في الحمام الذي يرعى في الصحراء أكره اكل فراخها وكره أن ترعى في الصحراء وقال تأكل طعام الناس وقال حرب سمعت احمد قال لا بأس أن يتخذ الرجل الطير في منزله إذا كانت مقصوصة ليستأنس إليها فإن تلهى بها فإنى أكرهه قلت لأحمد إن اتخذ قطيعا من الحمام تطير فكره ذلك كراهة شديدة ولم يرخص فيه إذا كانت تطير وذلك أنها تأكل أموال الناس وزروعهم
وقال مهنا سألت أبا عبد الله عن بروج الحمام التي تكون بالشام فكرهها وقال تأكل زروع الناس فقلت له وإنما كرهتها لأجل أنها تأكل زروع الناس فقال أكرهها أيضا لأنه قد امر بقتل الحمام فقلت له تقتل قال تذبح
وروى مهنا وغيره عن عثمان رضي الله عنه انه خطب وامر بقتل الكلاب والحمام وقال الحسين بن محمد سألت أبا عبد الله عن الحمام المقصوص قال عثمان امر بقتل الحمام والكلاب قلت المقاصيص هي اهون عندك من الطيارة قال نعم وقد امر عمر بن عبد العزيز بترك المقاصيص وامر بقتل الطيارة فكأنه لم ير بالمقصصة التي في البيوت بأسا فقد كره الإمام أحمد اتخاذ الحمام للتلهي به وقد تقدم أن للأصحاب في كراهته لشيء هل يحمل
____________________
1- اخرجه ابو داود والترمذي وابو يحيى القتات لين الحديث واخرجه الترمذي مرفوعا ومرسلا وحكى أن المرسل اصح
(3/340)
على التحريم أو التنزيه على وجهين
قال الأصحاب رحمهم الله من اتخذ الحمام عبثا ولهوا فهو دناءة وسفه قال احمد رحمه الله من لعب بالحمام الطيارة يراهن عليها ويسرحهن من المواضع لعبا لم يكن عدلا وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانه رواه احمد وابو داود وابن ماجه من حديث ابي هريرة ورواه ابن ماجه من حديث عثمان وعائشة وانس (1)
وأما اتخاذ حمام طيارة لأجل فراخها فنقل حرب عنه انه كرهه كراهة شديدة ولم يرخص فيه لأجل أكلها أموال الناس وهذا ظاهر في التحريم إن لم يكن صريحا ونقل غيره عنه الكراهية هل يعد هذا رواية بالتنزيه فيه نظر تقدم ما يشبهه فعلى الرواية الأولى يضمن وعلى الثانية فيه نظر يتوجه فيه الروايتان في الكلب العقور وقد يتوجه ان يقال الكلب العقور يحرم اقتناؤه وفي تضمين مقتنيه ما أتلفه روايتان وجه القاضي التضمين كإمساك الحيات والسباع ووجه عدمه كما لو شد دابة عقورا في ملكه فعطب بها إنسان
ووجه في المغني التضمين بأن اقتناءه سبب للعقر والأذى كمن ربط دابة في طريق ضيق ووجه عدمه بقوله عليه السلام العجماء جبار + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وكسائر البهائم فقد يتوجه على هذا ان اقتناء طير يأكل زروع الناس وإن كان محرما هل يضمن مقتنيه فيه روايتان كهذه المسألة وأنه هل يضمن مقتني الكلب ما أتلفه على روايتين مع قطع النظر في تحريم الاقتناء فكذا مقتني الطير فهذه مسالك محتملة أما القطع بأنه لا ضمان فبعيد كما جزم به في المغني
____________________
1- حديث صحيح اخرجه احمد وابو داود وابن حبان وابن ماجه وسنده حسن واخرجه ابن ماجه واسانيدها حسنة في الشواهد
(3/341)
والله اعلم
واباح احمد اتخاذ الحمام للانس واعتبر ان تكون مقصوصة لئلا تطير فتأكل زروع الناس فيحتمل انه اعتمد في ذلك على ان الاصل الإباحة ويحتمل انه احتج بالخبر في ذلك روى الحافظ أبو بكر احمد بن محمد بن السني من رواية الحسين بن علوان عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن عليا رضي الله عنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحشة فأمره أن يتخذ زوج حمام ويذكر الله عند هديره (1)
وهذا الخبر ضعيف أو موضوع وهو الظاهر فإن الحسين بن علوان كذاب قاله ابن معين وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني متروك الحديث وقال ابن حبان يضع الحديث وخالد لم يدرك معاذا قال في المغني وقد روى عبادة بن الصامت أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الوحشة فقال اتخذ زوجا من حمام + اخرجه في الموضوعات وقال بعد ان اورد الحديث من طريق علي وابن عباس وعبادة وجابر هذه الاحاديث ليس فيها ما يصح +
ولم أجد في كلامه اتخاذ الحمام لتبليغ الاخبار وقد ذكره الاصحاب رحمهم الله لما فيه من المصلحة والحاجة إليه بشرط أن لا يطير فيأكل طعام الناس ويتعدى الضرر إلى الناس وأباحوا ايضا اتخاذها لاستفراخها بالشرط المذكور
ورواية مهنا السابقة تدل على كراهة اتخاذ الحمام مطلقا للأمر بقتله وأما إن قصد باتخاذ الحمام القمار أو أن يصيد به حمام غيره ونحو ذلك حرم وتقدم فيما ينبغي عند الصباح والمساء كلامه في المغني فيه فأما إن كانت محفوظة لا تأكل زروع الناس فقد كرهه في رواية مهنا واحتج بالأمر بقتله ورواه الحسين بن محمد على أنه لا بأس به والله أعلم ونقل عنه محمد بن داود انه قيل له الرجل يدخل بيته حمام غيره فيفرخ يأكل من فراخه قال لا يعجبني
____________________
1- اخرجه ابن الجوزي في الموضوعات وانظر ما بعده
(3/342)
هذا طير جاره فصل اتخاذ الاطيار في الاقفاص للتسلي بأصواتها
فأما حبس المترنمات من الأطيار كالقماري والبلابل لترنمها في الأقفاص فقد كرهه أصحابنا لأنه ليس من الحاجات إليه لكنه من البطر والأشر ورقيق العيش وحبسها تعذيب فيحتمل ان ترد الشهادة باستدامته ويحتمل أن لا ترد ذكره ابن عقيل في الفصول وقال في موضع آخر وقد منع من هذا اصحابنا وسموه سفها فصل في جواز اتخاذ الكلب للصيد والماشية والزرع
يجوز اقتناء كلب لصيد يعيش به او حفظ ماشية يروح معها إلى المرعى ويتبعها أو لحفظ زرع ولا يجوز اتخاذه لغير ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع نقص من أجره كل يوم قيراط رواه مسلم (1)
وقيل يجوز اقتناؤه لحفظ البيوت وهو قول بعض الشافعية قال في الرعاية وقيل ولبستان فإن اقتنى كلب الصيد من لا يصيد به احتمل الجواز والمنع وهكذا الاحتمالان فيمن اقتنى كلبا ليحفظ له حرثا أو ماشية إن حصلت أو يصيد به إن احتاج إلى الصيد ويجوز تربية الجرو الصغير لأحد الثلاثة في احد الوجهين والثاني لا يجوز وقال في الرعاية لا يكره في الاصح اقتناء جرو صغير حيث يقتني الكبير
____________________
1- اخرجه مسلم والنسائي
(3/343)
فصل فيما يباح أو يستحب قتله من البهائم والحشرات الضارة
ويباح قتل الكلب العقور والاسود البهيم والوزغ كذا ذكر غير واحد وليس مرادهم والله أعلم حقيقة الإباحة والتعبير بالاستحباب أولى وقطع به في المستوعب في محظورات الإحرام وكذا قال في كل ما فيه أذى وكذا في الفصول وغيره قالت عائشة رضي الله عنها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور رواه البخاري ومسلم (1)
وروى مسلم من حديث ابن عمر مرفوعا لا جناح على من قتلهن في الحرم والاحرام + اخرجه مسلم وابو داود +
وروى عنه ايضا عن إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان عليه الصلاة والسلام يأمر بقتلهن وفيه والحية
وفي الصحيحين من حديث أم شريك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ وفيهما او في مسلم وسماه فويسقا + اخرجه البخاري ومسلم +
وروى مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا من قتل وزغا في أول ضربة كتبت له مئة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك + +
وعبر بالاستحباب جماعة ممن تكلم على الاحاديث وما تقدم من إباحة قتل الكلب العقور الاسود البهيم ذكره الاصحاب في غير موضع وصرح الشيخ موفق الدين وغيره وإن كانا معلمين فإنه قال وأما قتل ما لا يباح إمساكه من الكلاب فإن كان كلبا أسود بهيما أو عقورا أبيح قتله وإن كانا معلمين قال وعلى قياس الكلب العقور كل ما آذى الناس وضرهم في أنفسهم وأموالهم
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(3/344)
يباح قتله
وقال الإمام احمد في رواية موسى بن سعيد في الكلب ست خصال ثمنه وسؤره وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها وتقطع الصلاة ويقتل الكلب الاسود البهيم وإن كان لصاحب ماشية فلا بأس بقتله وقد علم ان مذهبنا إنه لا يباح صيد الكلب الأسود البهيم وعلله الأصحاب أو بعضهم بأن اقتناءه يحرم وذلك للأمر بقتله وهذا يقتضي أن الأمر بقتله للوجوب وإلا لما لزم منه تحريم الاقتناء وقد صرح الشيخ موفق الدين وحده فيما وجدت في بحث المسألة في وجوب قتله وقد قال ابو الخطاب الأمر بالقتل يقتضي النهي عن إمساكه وتعليمه والاصطياد به انتهى كلامه وعلى مقتضى هذا إلحاق الكلب العقور بالكلب الأسود البهيم وأولى لأن الشارع أكد قتله فأباحه في الحرم وعلى قياس وجوب قتل الكلب العقور ما نص الشارع على قتله في الحرم وكذا ما كان في أذى ومضرة
قال في الغنية الكلب العقور يحرم اقتناؤه قولا واحدا ويجب قتله ليدفع شره عن الناس
وقال الشيخ مجد الدين في شرح الهداية الكلب الاسود البهيم يتميز سائر الكلاب بثلاثة أحكام
احدها قطع الصلاة بمروره
والثاني تحريم صيده واقتنائه
والثالث جواز قتله
والبهيم هو الذي لا يخالط سواده شيء من البياض في إحدى الروايتين حتى لو كان بين عينيه بياض فليس بيهيم وإن كان بين عينيه البياض فيتعلق بهذه الاحكام وهو صحيح لما روى مسلم عن جابر عنه عليه الصلاة والسلام عليكم بالاسود البهيم ذي الطفيتين فإنه شيطان والطفية خوص المقل
____________________
(3/345)
شبه الخطين الأبيضين منه بالخوصتين فإن كان البياض منه في غير هذا الموضع فليس ببهيم رواية واحدة لأنه مقتضى الاشتقاق اللغوي ولم يرد فيه نص بخلافه
وقال الامام احمد في رواية ابي طالب إذا اسلم وله خمر أو خنازير يصب الخمر وتسرح الخنازير قد حرما عليه وإن قتلها فلا بأس وظاهره أنه لا يجب قتلها ولعله محمول على أنه لم يكن في تسريحهن ضرر على الناس وأموالهم فإن كان وجب قتلها فصل كراهة اقتناء كلب الصيد للهو وإتيان أبواب السلاطين
ويكره اقتناء كلب صيد لهوا ولعبا ويباح لغير لهو ولعب وذكر ابن أبي موسى أنه مباح مستحب وأطلق جماعة إباحة اقتناء الكلب للصيد والإصطياد من غير تفصيل وروى الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن ابي موسى عن وهب بن منبه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السلاطين افتتن ورواه احمد وأبو داود وإسناده جيد وأبو موسى هو إسرائيل بن موسى ثقة من رجال البخاري قال الترمذي حديث حسن غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من حديث الثوري (1)
وفي الباب عن ابي هريرة وعند أبي داود قال سفيان مرة لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم
وروى أبو داود حديث أبي هريرة من حديث الحسن بن الحكم النخعي عن عدي بن ثابت عن شيخ من الأنصار عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه
____________________
1- اخرجه الترمذي واحمد وسنده صحيح
(3/346)
وقال من لزم السلطان افتتن وزاد وما ازداد عبد من السلطان دنوا إلا أزداد من الله عز وجل بعدا (1)
ويكره اقتناء القرد لهوا ولعبا وفي إباحته في غير لهو ولعب للحفظ وجهان هذا معنى كلام غير واحد واستدل القاضي ابو الحسين على انه لا يجوز بيع القرد بأنه في الغالب يباع للتلهي به وهذه صفة محظورة لم يجز بيعه كالخمر فصل فيما يقال لحيات البيوت قبل قتلها
يسن أن يقال للحية التي في البيوت ثلاث مرات ذكره غير واحد ولفظه في الفصول ثلاثا ولفظه في المجرد ثلاثة أيام إذهب بسلام لا تؤذنا فإن ذهب وإلا قتله إن شاء وإن رآه ذاهبا كره قتله وقيل لا يكره
وقد قال أحمد في رواية الفضل بن زياد الإيذان في حق غير ذي الطفيتين وهو الذي بظهره خط اسود والأبتر وهو الغليظ الذنب كأنه قد قطع ذنبه فإنهما يقتلان من غير إيذان وإن كان غير ذلك مثل هذا الدقيق الذنب فهو حيات البيوت يؤذنه ثلاثا يقول لا تؤذنا اذهب بسلام وهذا هو الذي في الرعاية
وقال الميموني سئل أبو عبد الله عن قتل دواب البيوت قال لا يقتل منهن إلا ذو الطفيتين والأبتر وذو الطفيتين خطان في ظهره ثم ذكر حديث ابي لبابة قيل لأبي عبد الله فما تقتل من الحيات قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل دواب البيوت إلا ذي الطفيتين والأبتر + انظر صحيح مسلم وصحيح البخاري +
فقلنا له إنه ربما كان في البيوت منهن شيء الهائل منهن غلظا وطولا حتى يفزعن فقال إذا كان هذا فأرجوا ان لا يكون في قتله أي حرج قال فكان الامر عنده فيه سهولة إذا كن يخفن
وقال المروذي سئل أبو عبد الله عن الحية تظهر قال تؤذن ثلاثة قلت
____________________
1- اخرجه ابو داود واحمد والشيخ من الانصار لا يعرف لكن رواه احمد بإسناد آخر قوي
(3/347)
ثلاثة أيام أو ثلاث مرار قال ثلاث مرار إلا أن يكون ذو الطفيتين وهي التي عليها خطان والأبتر هو الذي كأنه مقطوع الذنب يقتل ولا يؤذن
قال المروذي وكنت احفر بئرا بين يدي ابي عبد الله فخرجت حية حمراء فقلت يا ابا عبد الله أقتلها فنظر فقال لي لا تعرض لها دعها وجواب احمد رحمه الله بالنهي يدل على انه يحرم عنده القتل قبل الإيذان لأنه ظاهر النهي عنده وعند المالكية حيات مدينة النبي صلى الله عليه وسلم لا تقتل إلا بعد الإنذار للأخبار ويستحب قتل حيات غيرها وعند الحنفية ينبغي أن لا تقتل الحية البيضاء لأنها من الجان وقال الطحاوي لا بأس بقتل الكل والأولى هو الإنذار
وفي الصحيحين عن ابي لبابة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الحيات التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين فإنهما اللذان يخطفان البصر ويتبعان ما في بطون النساء
الطفيتان بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء الخطان الأبيضان على ظهر الحية وأصل الطفية خوصة المقل وجمعها طفي شبه الخطين على ظهرها بخوصتي المقل والمعنى يخطفان البصر ويطمسانه بمجرد نظرهما إليه لخاصة جعلها الله في بصرهما إذا وقع على بصر الإنسان وقيل يقصدان البصر باللسع والنهش وفي الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع نظره على عين إنسان مات من ساعته
وعن ابي سعيد مرفوعا إن لبيوتكم عمارا فحرجوا عليهن ثلاثا فإن بدا لكم بعد ذلك شيء فاقتلوه رواه احمد ومسلم والترمذي وفي لفظ له ثلاثة ايام وفي لفظ له فاقتلوه فإنه كافر وفي لفظ له فإنه شيطان ولابي داود ثلاثة أيام ايضا وروى هو وغيره بإسنادين جيدين ثلاث مرات من حديث ابي سعيد (1)
وروى أيضا من رواية ابن ابي ليلى عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن
____________________
1- اخرجه مسلم والترمذي
(3/348)
أبي ليلى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن حيات البيوت فقال إذا رأيتم منهن شيئا في مساكنكم فقولوا انشدكن العهد الذي أخذ عليكن نوح أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن سليمان ألا تؤذونا فإن عدن فاقتلوهن ابن ابي ليلى مختلف فيه ورواه النسائي في اليوم والليلة والترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه من حديث ثابت إلا من حديث أبي ليلى (1)
والعمار الحيات التي تكون في البيوت وكذا العوامر جمع عامر وعامرة قيل سميت بذلك لطول أعمارها والتي في الصحراء يجوز قتلها بدون إنذارها
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل حية فكأنما قتل رجلا مشركا ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا رواه أحمد + اخرجه احمد وابو داود والنسائي وسنده ضعيف وانظر تفصيل القول فيه في تعليقنا على المسند +
ولأبي داود وغيره المعنى الآخر من حديثه ومن حديث أبي هريرة وابن عباس روى حديث ابن عباس عن عثمان عن ابن نمير عن موسى بن سالم سمعت عكرمة يرفع الحديث فيما أرى إلى ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره كلهم ثقات + اخرجه ابو داود واحمد بإسناد صحيح +
ورواه احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن ايوب عن عكرمة عن ابن عباس قال لا أعلمه إلا رفع الحديث قال كان يأمرنا بقتل الحيات ويقول من تركهن خشية أو مخافة ثاثير فليس منا + اخرجه احمد وسنده صحيح وفي الباب عن ابي هريرة عند احمد +
قال وقال ابن عباس إن الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل ورواه الطبراني عن
____________________
1- اخرجه ابو داود والترمذي وابن ابي اليلى سيء الحفظ ومع ذلك فقد حسن الترمذي حديثه هذا
(3/349)
إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق وفي رواية رفع الحديث أنه كان يأمر بقتل الحيات وقال من تركهن خشية أو مخافة ثائر وباقيه مثله
وروى الطبراني حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل حدثنا ابراهيم بن الحجاج الشامي حدثنا عبد العزيز بن المختار عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل (1)
ورواه ابن حبان من حديث عبد العزيز بن المختار ورواه في المختارة من طريق احمد والطبراني فصل أحكام قتل الحشرات وإحراقها وتعذيبها
ويكره قتل النمل إلا من أذية شديدة فإنه يجوز قتلهن وقتل القمل بغير النار ويكره قتلهما بالنار ويكره قتل الضفادع ذكر ذلك في المستوعب وقال في الغنية كذلك وأنه لا يجوز سقي حيوان مؤذ
وقال في الرعاية يكره قتل ما لا يضر من نمل ونحل وهدهد وصرد ويجوز تدخين الزنابير وتشميس القز ولا يقتل بنار نمل ولا برغوث ولا غيرها ولا يقتل ضفدع بحال وظاهرة التحريم ومال صاحب النظم إلى أنه يحرم إحراق كل ذي روح بالنار وأنه يجوز إحراق ما يؤذي بلا كراهة إذا لم يزل ضرره دون مشقة غالبة إلا بالنار وقال إنه سئل عما ترجح عنده الشيخ شمس الدين صاحب الشرح فقال ما هو بعيد
واستدل صاحب الشرح بالخبر الذي في الصحيحين أو صحيح البخاري أن نبيا من الانبياء نزل على قرية نمل فآذته نملة فأحرق القرية فأوحى الله تعالى إليه فهلا نملة واحدة + أخرجه البخاري ومسلم +
ويجاب من أوجه
____________________
1- اخرجه الطبراني في الكبير وصححه ابن حبان وانظر لزاما تعليقنا عليه
(3/350)
أحدها أنه خرج مخرج التوبيخ لا للإباحة بدليل إبهام النملة المؤذية وهو مانع بدليل إبهام حربي مستأمن في جماعة يحرم قتل الكل
الثاني انه شرع من قبلنا وقد ورد شرعنا بخلافه
الثالث أنه يدل على أنه لا يحرم ولا ينفي الكراهة جمعا بينه وبين النهي
الرابع انه إن جعل دليل للجواز دل عليه وإن لم توجد مشقة غالبة فاعتبارها يخالف الخبر واحتج صاحب النظم بالإجماع على جواز شي الجراد والسمك كذا قال والخلاف عندنا مع التفريق المذكور ليس في السمك والجراد قال وقد جوز الاصحاب احراق نخل الكفار إذا كانوا يعملون ذلك في بلادنا لينتهوا فإذا جاز ذلك دفعا لضرر غيره المتوقع فجوازه دفعا لضرره الواقع أولى كذا قال فانتقل من نخل الكفار بالخاء المعجمة الى الحاء المهملة وهو واضح قال واجازوا ايضا تدخين الزنانير وتشميس القز ويجاب بأن هذا ليس تحريقا بالنار إنما هو تعذيب بغيرها ولهذا فرق احمد بين التدخين والتحريق على ما يأتي وفي ترك التشميس إفساد للمال فاحتمل بخلاف مسألتنا وظاهر كلام بعض أصحابنا في محظورات الإحرام أن قتل النمل والنحل والضفدع لا يجوز وهو مذهب الشافعية واحتج جماعة على تحريم أكلها وأكل الهدهد والصرد بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها (1)
وقال في المستوعب في محظورات الإحرام فأما النمل وكل ما لا يضر ولا ينفع كالخنافس والجعلان والديدان والذباب والنحل غير التي تلسع فقال أحمد رحمه الله إذا آذته يعني هذه الأشياء قتلها ويكره قتلها من غير أذية فإن فعل فلا شيء عليه
____________________
1- اخرجه احمد عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل اربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد وإسناده صحيح وصححه ابن حبان وانظر تمام تخريجه فيه
(3/351)
وقال ابن عقيل في آخر الفصول ولا يجوز قتل النمل ولا تخريب أجحرهن ولا قصدهن بما يضرهن ولا يحل قتل الضفدع وعن إبراهيم النخعي قال إذا آذاك النمل فاقتله ورأى أبو العالية نملا على بساط فقتلهن
وعن طاووس قال إنا لنغرق النمل بالماء يعني إذا آذتنا روى ذلك ابن ابي شيبة في مصنفه وسئل الشيخ تقي الدين هل يجوز إحراق بيوت النمل بالنار فقال يدفع ضرره بغير التحريق
وذكر في المغني في مسألة قتل الكلب أن ما لا مضرة فيه لا يباح قتله واستدل بالنهي عن قتل الكلب فدل كلامه هذا على التسوية وأنه إن أبيح قتل ما لا مضرة فيه من غير الكلاب ابيح قتل الكلاب وهو ظاهر كلام جماعة وهو متجه
وعلى هذا يحمل تخصيص جواز قتل الكلب العقور والأسود البهيم لأنه لم يبح قتل ما لا مضرة فيه
وعلى هذا يحمل كلام من خصهما من أصحابنا وإلا فلا يتجه جواز قتل ما لا مضرة فيه غير الكلاب ومنع قتل الكلاب وهذا واضح إن شاء الله تعالى
وعلى هذا المراد بالكلاب غير المأذون في اقتنائها وإلا لم يجز وهذا مذهب مالك ويحمل نهي الشارع عن قتل الكلاب على الكراهة تخصيصا له برأي عثمان وغيره ممن رأى قتلهن ولأن مقتضاه الكراهة وهو وجه لنا والكلام في هذا النهي أخص فإنه نهي بعد وجوب
وقد اختلف الاصحاب فيه هل هو للتحريم أو للكراهة أو لإباحة الترك على ثلاثة أوجه وعلى قولنا يمنع قتلها فإن آذت بكثرة نجاستها وأكلها ما غفل عنه الناس جاز قتلها على ما يأتي نص أحمد في النمل يقتله إذا آذاه مع أن الشارع نهى عن قتلها فما جاز في أحدهما جاز في الآخر بل النهي عن قتل النمل ونحوه آكد لأنه لم يتقدمه أمر بقتله ولم ير صحابي قتله كما في الكلاب وهذا ايضا دال ولا بد على أنه إذا لم يحرم قتل النمل ونحوه
____________________
(3/352)
بل يكره ان يكون حكم الكلاب كذلك من طريق الاولى فقد ظهر والحمد لله حكم هذه المسألة مذهبا ودليلا والله أعلم
وسيأتي كلام صاحب المستوعب والمغني والكلام في قتل الهر وقدم في الرعاية الإباحة فصارت الأقوال في قتل ما لا مضرة فيه ثلاثة الإباحة والكراهة والتحريم
قال علي بن سعد سألت احمد عن تشميس القز يموت الدود فيه قال ولم يفعل ذلك قلت يجف القز وإن تركه كان في ذلك ضرر كثير قال إذا لم يجدوا منه بدا ولم يريدوا بذلك أن يعذبوا بالشمس فليس به بأس
وسئل احمد فيما نقل المروزي يدخن الزنابير قال إذا خشي أذاهم فلا بأس هو أحب إلي من تحريقه والنمل إذا آذاه يقتله وكذلك رواه ابن منصور عن أحمد وإسحاق
وقال الخلال اخبرنا عبد الله بن احمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبو عبد الله الكواز حدثتني حبيبة مولاة الأحنف أنها رأت الأحنف بن قيس رحمه الله ورآها تقتل نملة فقال لا تقتليها ثم دعا بكرسي فجلس عليه فحمد الله وأثنى عليه فقال إني أحرج عليكن إلا خرجتن من داري فإني أكره أن تقتلن في داري قال فخرجن فما رؤي منهن بعد ذلك اليوم واحدة
قال عبد الله بن احمد رأيت أبي فعل ذلك خرج على النمل وأكبر علمي أنه جلس على كرسي كان يجلس عليه لوضوء الصلاة ثم رأيت النمل قد خرجن بعد ذلك نمل كبار سود فلم أرهن بعد ذلك
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد إسناده جيد له غير طريق رواه
____________________
(3/353)
أحمد وابو داود وابن ماجه
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع إسناده حسن رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه (1)
وقطع الشيخ محيي الدين النواوي بتحريم تعذيب كل حيوان بالنار حتى القملة ونحوها وروى البخاري عن ابي هريرة مرفوعا إن النار لا يعذب بها إلا الله
وروى أبو داود حدثنا أبو صالح حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن سعد وهو الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال من حرق هذه قلنا نحن فقال إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار + اخرجه ابو داود والبخاري في الادب المفرد والبيهقي في الدلائل والحاكم والطبراني وسنده صحيح إن ثبت سماع عبد الرحمن لهذا الحديث من أبيه عبد الله بن مسعود +
إسناده جيد وعبد الرحمن سمع من أبيه عند الأكثر
فاما ما فيه منفعة من وجه ومضرة من وجه كالبازي والصقر والشاهين والباشق فإنه يخير في قتلها على ما ذكره في المستوعب وكذا في الفصول لما استوت حالتاه استوى الحال في قتله وتركه فمضرته في اصطياده لطيور الناس ومنفعته كونه يصطاد للناس قال وكذا الفهد وكل كلب معلم للصيد
____________________
1- صحيح أخرجه احمد وأبو داود والنسائي
(3/354)
وذكر في المغني أن الكلب المعلم لا يحل قتله لأنه محل منتفع به يباح اقتناؤه فحرم إتلافه كالشاة قال لا نعلم فيه خلافا وقال أيضا إنما حرم إتلافه لما فيه من الإضرار وهو منهي عنه وذكر ايضا أنه يباح قتل الكلب العقور والاسود البهيم وإن كان معلما ومقتضى كلامه أنه لا يحل قتل البازي ونحوه كالكلب المعلم وأولى وقد يقال بكراهة القتل فتصير الاقوال ثلاثة وجزم صاحب النظم بخبر إلا إذا ملكت فإنه يحرم إلا إذا عدت على معصوم آدمي أو مال
ويحرم قتل الهر وجزم بعضهم يكره وإن ملكت حرم وكذا جزم به صاحب النظم وإن كره فقط فقتل الكلب أولى ويجوز قتلها بأكلها لحما أو نحوه قال صاحب النظم بلا كراهة وفي الفصول حين أكله لأنه لا يردعه إلا الدفع في حال صياله والقتل شرع في حق الآدمي وإن فارق الفعل ليرتدع الجنس وفي الترغيب لا يجوز إلا إذا لم يندفع إلا به كصائل
وقال صاحب النظم وكذا لو كان يبول على الامتعة أو يكسر الانية ويخطف الاشياء غالبا إلا قليلا لمضرته ومن تعدى بقتلها فضمانها يخرج على جواز بيعها وإلا فلا ضمان ويضمن صاحبها ما أتلفه إن لم يحفظها جزم به في الفصول زاد في الرعاية في الأقيس قال جماعة بأكلها فراخا عادة قال جماعة مع علمه فصل كراهة إطالة وقوف البهائم المركوبة والمحملة فوق الحاجة وآداب أخرى
يكره أن يطال وقوف البهيمة المركوبة والمحملة والحديث عليها قال في الرعاية وقيل والخطابة والوعظ كذا قال وهو معنى الأول والمراد إذا طال ذلك كما سبق فلا يرد كون النبي صلى الله عليه وسلم خطب على راحلته ويحتمل أن ذلك لمصلحة لا تحصل مع النزول بفوت وقتها فيجوز مثل هذا
وعن معاذ بن انس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مر على قوم وهم وقوف
____________________
(3/355)
على دواب لهم ورواحل فقال لهم اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والاسواق فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله تعالى منه رواه احمد (1)
وعن أبي هريرة مرفوعا إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر فإن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حوائجكم رواه ابو داود وهو حديث حسن + حديث صحيح اخرجه ابو داود والطحاوي في شرح المشكل والبيهقي والبغوي +
ولأبي داود بإسناد جيد عن انس كنا إذا نزلنا منزلا لا نسبح حتى نحط الرحال قال الخطابي يريد لا نصلي سبحة الضحى قال وكان بعض العلماء يستحب أن لا يطعم الراكب إذا نزل المنزل حتى يعلف الدابة وانشد بعضهم فيما يشبه هذا المعنى
( حق المطية أن تبدا بحاجتها % لا أطعم الضيف حتى اعلف الفرسا )
ويكره النوم بين المستيقظين وجلوس اليقظان بين النيام ومد الرجل والتمطي وإظهار التثاؤب بين الناس بلا حاجة وعن عبد الله بن زمعة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم ان يضحك الرجل مما يخرج من الانفس رواه احمد والبخاري وغيرهما شبه خروج الريح من الدبر بخروج النفس من الفم
وعن الأسود بن يزيد قال دخل شباب من قريش على عائشة وهي بمنى وهم يضحكون فقالت ما يضحككم قالوا فلان خر على طنب فسطاط فكادت عنقه أو عينه أن تذهب فقالت لا تضحكوا فإني سمعت رسول الله
____________________
1- اخرجه احمد والدارمي وابن خزيمة وابن حبان وإسناده قوي
(3/356)
صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يشاك شوكة فيما فوقها إلا كتب الله له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة رواه مسلم
والضحك من مثل هذا كما يفعله كثير من الناس منهي عنه إن أمكن تركه وظاهر النهي التحريم وهذا الخبر صريح في رفع الدرجات ومحو السيئات بالمصائب قال في شرح مسلم هو قال جماهير العلماء وحكى القاضي عياض عن بعضهم انها تكفر الخطايا فقط وروي نحوه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال الوجع لا يكتب به أجر لكن تكفر به الخطايا للأحاديث التي فيها تكفير الخطايا فقط فصل في الطيرة والشؤم والتطير والتشاؤم والتفاؤل
قال في الرعاية وتكره الطيرة وهو التشاؤم دون التفاؤل وهو الكلمة الحسنة لحديث صلح الحديبية وغيره وصح عنه عليه السلام لا طيرة ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة الطيبة (1)
وصح عنه ايضا لا طيرة واحب الفأل الصالح + اخرجه البخاري ومسلم واحمد +
روى ذلك احمد والبخاري ومسلم وغيرهم
وفي الطيرة توقع البلاء وسوء الظن والفأل رجاء خير
وعن انس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع يا راشد يا نجيح رواه الترمذي وقال حسن غريب + اخرجه الترمذي بإسناد صحيح +
وعن عبد الله بن مسعود مرفوعا الطيرة شرك ولكن الله يذهبه بالتوكل رواه احمد وابو داود والترمذي وصححه وعندهم وما منا إلا وجعله الترمذي من قول ابن مسعود + اخرجه احمد وابو داود والترمذي وابن حبان وإسناد صحيح +
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم من حديث انس بن مالك
(3/357)
ولاحمد من حديث عبد الله بن عمرو من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك قالوا وما كفارة ذلك قال أن يقول اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك
وعن الفضل بن عباس قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تطيرت قال إنما الطيرة ما امضاك او ردك رواه احمد من رواية محمد بن عبد الله بن علاثة وهو مختلف فيه وفيه انقطاع (1)
قوله برح بي أي طار عن اليسار والبارح ما جرى من اليسار والسانح ما جرى من اليمين
وقال معاوية بن الحكم للنبي صلى الله عليه وسلم منا رجال يتطيرون قال ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم وفي رواية فلا يصدنكم رواه مسلم + اخرجه مسلم وأبو داود وأحمد +
ومعناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا تكليف به لكن لا تمنعوا بسببه من التصرف لأنه مكتسب فيقع به التكليف
قال في النهاية الطيرة هي التشاؤم بالشيء يقال تطير طيرة وتخير خيرة ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما وأصله فيما يقال التطير بالسوانح والبوارح وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع ولا دفع ضرر
____________________
1- وأخرجه احمد بإسناد ضعيف
(3/358)
وفي المسند والصحيحين وغيرهما الشؤم في المرأة والدار والدابة زاد مسلم والخادم ورووا أيضا إن كان الشؤم في شيء (1)
فيكون على ظاهره
واختار جماعة من العلماء أنه مخصوص من النهي عن الطيرة ورووا ايضا لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم وذكروه عن حكيم بن معاوية مرفوعا لا شؤم وقد يكون اليمن في الدار والمرأة والفرس رواه الترمذي ورواه ابن ماجه من حديث مخمر بن معاوية وفيهما معاوية بن حكيم تفرد عنه يحيى بن جابر الطائي + اخرجه الترمذي وابن ماجه والطحاوي في شرح المشكل وإسناده ضعيف +
ولأحمد من حديث سعد لا عدوى ولا طيرة وإن يك ففي المرأة والفرس والدار رواه ابو داود وفيه إن تكن الطيرة في شيء فذكره وهو حديث جيد + أخرجه احمد وابو داود وأبو يعلى وإسناده جيد +
وذكر ابن عبد البر وغيره الخبر المروي عنه عليه السلام ثلاثة من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح وثلاثة من شقوة ان آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء
وروى احمد حدثنا عبد الصمد حدثنا هشام عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن ابيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير من شيء ولكنه إذا أراد أن يأتي ارضا سأل عن اسمها فإن كان حسنا رؤي البشر في وجهه وإن كان قبيحا رؤي ذلك في وجهه وكان إذا بعث رجلا سأل عن اسمه فإن كان حسن الاسم رؤي البشر في وجهه وإن كان قبيحا رؤي ذلك في وجهه ورواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن هشام وفيه فإذا دخل قرية وذكر معناه
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر وزيادة مسلم جاءت من حديث جابر
(3/359)
ورواه النسائي عن ابن مثنى عن معاذ بن هشام عن ابيه (1)
ولأحمد وابن ماجه من حديث ابن عباس لا تديموا إلى المجذومين النظر زاد أحمد من حديث علي وإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم قدر رمح + أخرجه احمد وابن ماجه وإسناده ضعيف وانظر التعليق علي المسند +
وذكر بعض العلماء أن الطيرة من الكبائر وما تقدم من أنها مكروهة ذكره غير واحد من الأصحاب والأولى القطع بتحريمها ولعل مرادهم بالكراهة التحريم
وظاهر ما تقدم ان حديث لا عدوى ولا طيرة على ظاهره فيحتمل ان حديث لا يورد بكسر الراء ممرض على مصح + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وهو في المسند والصحيحين وغيرهما من حديث ابي هريرة ليس للعدوى بل للتأذي بقبح صورة ورائحة كريهة والأولى أن حديث لا عدوى ولا طيرة نفي لاعتقاد الجاهلية أن ذلك يعدي بطبعه ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بفعل الله تعالى وقدره فيكون قوله لا يورد ممرض على مصح إرشادا منه عليه السلام إلى الاحتراز وفي شرح مسلم أن هذا قول الجمهور وزعم بعض العلماء أن الخبر الثاني منسوخ بخبر لا عدوى وليس بالقوي
وقد قال إسحاق بن بهلول وذكرت لأحمد بن حنبل هذا الحديث يعني حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ بيد مجذوم فوضع يده معه في القصعة فقال باسم الله ثقة بالله + اخرجه ابو داود وابن ماجه والترمذي وابن حبان وإسناده ضعيف +
فقال إليه أذهب فيحتمل أن هذا كما ذهب إليه عمر وغيره من السلف إلى الأكل معه
____________________
1- حديث صحيح اخرجه احمد وابو داود والنسائي في الكبرى
(3/360)
وخبر جابر هذا رواه ابو داود وعثمان بن ابي شيبة عن يونس عن محمد بن مفضل بن فضالة عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن المنكدر عن جابر مفضل هو البصري لا المصري قال ابن معين ليس بذاك وقال ابو حاتم يكتب حديثه وقال النسائي ليس بالقوي ووثقه ابن حبان وقال ابن عدي لم ار له أنكر من هذا ورواه ابن ماجة من حديث يونس وكذا الترمذي وقال غريب ورواه شعبة عن حبيب بن بريدة أن عم أخذ بيد مجذوم وقال وحديث شعبة عندي أشهر وأصح
وللبخاري من حديث أبي هريرة وفر من المجذوم كما تفر من الاسد (1)
ولأحمد ومسلم عن الشريد بن سويد قال كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم إنا قد بايعناك فارجع + اخرجه مسلم والنسائي +
وعند هؤلاء ان هذا منسوخ ويحتمل ان مراد الامام احمد انه لا يجب اجتنابه وإن استحب احتياطا وهو قول الأكثر وهو أولى إن شاء الله تعالى
ولهذا يقول الاطباء إن الجذام والسل من الامراض المعدية المتوارثة وإن كل مرض له نتن وريح يعدي كالجذام والسل والجرب والحمى الوبائية والرمد وإنه ربما أعدى بالنظر إليه والقروح الرديئة والوباء وهو يحدث في أخر الصيف ولا يريدون بذلك معنى العدوى بل لأجل الرائحة وهم ابعد الناس عن الايمان بيمن وشؤم لا سيما وقد يكون في بدن الصحيح قبول واستعداد لذلك الداء والطبيعة سريعة الانفعال نقالة لا سيما مع الخوف والوهم فإنه مستول على القوى والطبائع ويتوجه احتمال يجب ذلك هنا وفي قوله لا يورد ممرض على مصح عملا بظاهر الامر والنهي لما في ذلك من الضرر وهذا ظاهر كلام بعض العلماء وأظنه قول ابن قتيبة في كتاب اختلاف الحديث
____________________
1- اخرجه البخاري واحمد
(3/361)
واختار بعض أصحابنا أن النهي والأمر احتياطا للمؤمن الضعيف ضعيف الايمان والتوكل ويحمل ما خالف في ذلك على المؤمن القوي قوي الايمان والتوكل فيدفع قوة ذلك قوة العدوى كما تدفع قوة الطبيعة قوة العلة فيكون قوله عليه السلام اختلف لاختلاف قوى الناس وطباعهم وحمل بعض العلماء أكله عليه السلام مع مجذوم لأن ذلك الجذام كان يسيرا لا يعدي مثله ومن الناس من قال حديث لا عدوى ولا طيرة رجع أبو هريرة عن التحدث به وتركه وقال الراوي فلا أدري أنسى أبو هريرة أم نسخ أحد الحديثين الآخر وحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع مجذوم لا يصح وقد قال شعبة وغيره اتقوا هذه الغرائب والله أعلم
وقال ابن هبيرة في قوله إنا قد بايعناك فارجع قال لا يجوز أن يقول إنا قد بايعناك فارجع إلا وقد بايعه وإنما المعنى قد حصلت له البيعة فلا يقدم مع الوفد خوفا على الناس أن يظنوا إن أصابهم أمر أنه تعدى منه وقد ظهر من هذا أنه لا يلزمه التنحي ويتوجه أنهم إذا كثروا لزمه وذكر القاضي عياض أنه قول الأكثر وقد سبق في التداوي من العائن
وذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد في إبطال القول بالعدوى والطيرة في الأمراض وأصحاب العاهات روايتين ذكر رواية إسحاق بن بهلول المذكورة وقال وهذا صريح في إبطال القول بالعدوى ويجب أن تكون الطيرة كذلك إذ لا فرق اختارها القاضي والثانية إثبات الطيرة
____________________
(3/362)
قال أبو النضر إسماعيل بن ميمون العسكري كتبت إلى ابي عبد الله عن دار أردت شراءها فقال الناس إنها مشؤومة فوقع في قلبي من قولهم فكتب إلي اعلم أني نظرت في حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الشؤم في ثلاثة الفرس والمرأة والدار هكذا قال سفيان وظاهر هذا أنه أخذ بظاهر الحديث في الطيرة ويجب أن تكون العدوى كذلك لأنها أبلغ من الطيرة ثم احتج للأول بحديث لا عدوى ولا طيرة ومن أعدى الأول وهو في المسند والصحيحين وغيرها من حديث أبي هريرة (1)
ومن أرجعته الطيرة من حاجة فقد أشرك بالله ولأن هذه الأشياء لا يتصور منها فعل فثبت أنه فعل الله إن شاء فعله مع ملابسه ذي الداء والعاهة وإن شاء فعله منفردا عنه
واحتج للثانية بقوله فر من المجذوم وبحديث الطاعون وبقوله الشؤم في ثلاثة وبما روى أنس أن رجلا قال يا رسول الله إنا نزلنا دارا كثر فيها عددنا وكثرت فيها أموالنا ثم تحولنا عنها إلى أخرى فقلت فيها أموالنا وقل فيها عددنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذروها ذميمة + اخرجه ابو داود والبخاري في الادب المفرد بسند حسن +
إنتهى كلامه
والخبر الأخير رواه أبو داود في باب الطيرة حدثنا الحسن بن يحيى حدثنا بشر بن عمر عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس إسناده جيد وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد مرسلا + اخرجه مالك عن يحيى بن سعيد انه قال جاءت امرأة إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة +
معناه
وقال في النهاية أي اتركوها مذمومة فعيلة بمعنى مفعولة وإنما أمرهم
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم واحمد
(3/363)
بالتحول عنها إبطالا لما وقع في نفوسهم من أن المكروه أصابهم بسبب سكنى الدار فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم وزال ما خامرهم من الشبهة
وفي معنى الحديث الأخير ما قال أحمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن يحيى بن عبد الله بن بحير أخبرني من سمع فروة بن مسيك المرادي قال قلت يا رسول الله إن عندنا أرضا يقال لها أرض أبين هي أرض ريفنا وميرتنا وإنها وبيئة أو قال إن بها لوباء شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعها عنك فإن من القرف التلف (1)
يحيي تفرد عنه معمر ووثقه ابن حبان ورواه عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن يحيي عن فروة وعبد الله هذا ثقة عندهم وكان عبد الرزاق يكذبه وقال أبو زرعة هو اوثق من عبد الرزاق
وروى أبو داود في الطب حديث عبد الرازق ومراده أن هذا من باب الطب فلا معارضة لكنه جعل باب الطيرة في كتاب الطب
قال ابن الجوزي القرف مداناة المرض وكل شيء قاربته فقد قارفته وكذا في النهاية القرف ملابسة الداء ومداناة المرض والتلف الهلاك وليس هذا من باب العدوى وإنما هو من باب الطب فإن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام
وعن أبي هريرة مرفوعا ما طلع النجم صباحا قط وبقوم عاهة إلا رفعت عنهم أو خفت + اخرجه احمد بإسناد ضعيف +
رواه أحمد قالوا المراد بالنجم الثريا
وروى أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن حيان أبي العلاء حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت + اخرجه احمد وابو داود والنسائي في التفسير وإسناده ضعيف +
قال عوف العيافة زجر الطير والطرق الخط يخط في
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود وعبد الرزاق وإسناده ضعيف
(3/364)
الأرض والجبت قال الحسن رنة الشيطان إسناد جيد ولأبي داود والنسائي في المسند منه وقيل الجبت ما عبد من دون الله وقيل السحر وقيل الكاهن فصل
في المسند أو في الصحيحين وغيرها عنه عليه السلام قال لا هامة ولا صفر زاد مسلم وغيره ولا نوء ولا غول فالهامة مفرد الهام وكان الجاهلية يقولون ليس أحد يموت فيدفن إلا خرج من قبره هامة وكانت العرب تزعم أن عظام الميت تصير هامة فتطير وكانوا يقولون إن القتيل يخرج من هامته أي من رأسه فلا تزال تقول اسقوني اسقوني حتى يؤخذ بثأره ويقتل قاتله
وقوله لا صفر قيل كانوا يتشاءمون بدخول صفر فقال عليه السلام لا صفر وقيل كانت العرب تزعم ان في البطن حية تصيب الانسان إذا جاع وتؤذيه وأنها تعدي فأبطله الشارع
وقال مالك كان أهل الجاهلية يحلون صفر عاما ويحرمونه عاما والنوء واحد الأنواء وهي ثمانية وعشرون منزلة وهي منازل القمر ومنه قوله تعالى ( ^ والقمر قدرناه منازل ) يس 39
ويسقط في الغرب كل ثلاث عشر ليلة منزلة مع طلوع الفجر ويطلع اخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع نظيرها يكون مطر فينسبونه إليها فيقولون مطرنا بنوء كذا وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالغرب ناء الطالع بالشرق ينوء نوءا أي نهض وطلع وقيل أراد بالنوء الغروب وهو من الأضداد فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى بقوله مطرنا بنوء كذا أي في
____________________
(3/365)
نوء كذا أي ان الله أجرى العادة بالمطر في هذا الوقت فلنا خلاف في تحريمه وكراهته
والغول أحد الغيلان وهي جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم ان الغول في الفلاة يتراءى للناس فيتغول تغولا أي يتلون تلونا في صور شتى ويغولهم أي يضلهم عن الطريق ويهلكهم فنفاه الشارع وأبطله قيل هذا وقيل ليس نفيا لعين الغول ووجوده وإنما فيه إبطال زعم العرب وتلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون معنى لا غول لأنها لا تستطيع أن تضل أحدا ويشهد له الحديث الأخير لا غول ولكن السعالي (1)
وهو مسلم وغيره والسعالي سحرة الجن لكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل ومنه الحديث إذا تغولت الغيلان فبادروا بالآذان + اخرجه احمد وابو داود وابن ماجه والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن خزيمة وإسناده ضعيف لعنعنة الحسن +
اي أدفعوا شرها بذكر الله ومنه حديث ابي أيوب وأبي هريرة فجاءت الغول فكانت تأخذ التمر وهو مشهور + إسناده صحيح أخرجه أحمد والترمذي من حديث ابي أيوب والبخاري من حديث ابي هريرة +
وروى الخلال عن طاووس أن رجلا صحبه فصاح غراب فقال خير خير فقال له طاووس وأي خير عند هاذ وأي شر لا تصحبني فصل فيما ورد من الاخبار والآثار في الطاعون
وإذا وقع الطاعون ببلد ولست فيه فلا تقدم عليه وإن كنت فيه فلا تخرج منه للخبر المشهور الصحيح في ذلك ومرادهم في دخوله والخروج منه لغير سبب
____________________
1- الحديث سلف تخريجه من مسلم وغيره دون قوله ولكن السعالي ورواه مع الزيادة الخطابي في غريب الحديث من طريق سعيد بن منصور عن سفيان عن عمرو عن الحسن بن محمد رفعه
(3/366)
بل فرارا وإلا لم يحرم وجوز بعض العلماء القدوم عليه والخروج منه فرارا وقالوا لم ينه عن ذلك مخافة أن يصيبه غير المقدر لكن مخافة الفتنة على الناس لئلا يظنوا أن هلاك القادم بقدومه وسلامة الفار بفراره وأن هذا من نحو النهي عن الطيرة والقرب من المجذوم وذكر بعضهم إجماعا
ولهذا روى أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه (1)
ورووه ايضا من حديث اسامة وفي أوله فقال رجس أو عذاب عذب به بعض الامم بقي منه بقية يذهب المرة ويأتي الأخرى + اخرجه البخاري ومسلم واحمد +
ولأحمد والبخاري من حديث عائشة إنه عذاب يبعثه الله على من يشاء وإن الله جعله للمؤمنين ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد + اخرجه البخاري واحمد +
ولأحمد لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون قلنا فما الطاعون قال غدة كغدة البعير والفار منه كالفار من الزحف
وله من حديث ابي موسى قيل فما الطاعون قال وخز أعدائكم من الجن + أخرجه أحمد وفي سنده رجل لم يسم وفي سنده ابو بلج الفزاري واسمه يحيى بن سليم بن بلج قال البخاري فيه نظر وقال ابن حبان أرى أن لا يحتج به بما انفرد به من الرواية +
الوخز طعن ليس بنافذ
____________________
1- اخرجه احمد والبخاري ومسلم
(3/367)
وله من حديث جابر الفار منه كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف (1)
وروي ايضا من حديث انس الطاعون شهادة لكل مسلم + اخرجه احمد والبخاري ومسلم +
ولما وقع الطاعون بالشام قال عمرو بن العاص إنه رجز وفي رواية رجس ففروا منه في الشعاب والأودية فقال شرحبيل بن حسنة ولكنه رحمة ربكم ودعوة نبيكم ووفاة الصالحين فاجتمعوا ولا تتفرقوا عنه فقال عمرو صدق وبلغ معاذا قول عمرو فلم يصدقه وقال بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم اللهم اعط معاذا وأهله نصيبهم من رحمتك
وفي رواية أن أبا عبيدة قام خطيبا فقال ايها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وإن أبا عبيدة يسأل الله تعالى أن يقسم له منه حظه وماتا فيه رضي الله عنهما قال ابو قلابة فعرفت الشهادة وعرفت الرحمة ولم أدر ما دعوة نبيكم حتى انبئت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو ذات ليلة يصلي إذ قال في دعائه فحمى إذا أو طاعونا فقيل له فقال سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فأبى علي أو قال منعت فقلت حمى إذا أو طاعونا + حديث ابي عبيدة اخرجه احمد وإسناده ضعيف وحديث معاذ اخرجه احمد عن اسماعيل عن ايوب عن ابي قلابة واسمه عبد الله بن زيد الجرمي وهو لم يسمع من معاذ +
____________________
1- اخرجه احمد وعبد بن حميد وابن عدي في الكامل وفي سنده عمرو بن جابر الحضرمي قال احمد بلغني ان عمرو بن جابر كان يكذب وقال مرة روى عن جابر أحاديث مناكير وقال ابن حبان لا يحتج بخبره
(3/368)
وعن عامر بن قيس أخي ابي موسى الاشعري مرفوعا اللهم اجعل فناء امتي قتلا في سبيلك بالطعن والطاعون روى ذلك أحمد (1) فصل في شعور الأنفس بالبسط والقبض وتعليل ذلك وحكمته
قال في الفنون جرى في مجلس مذاكرة فقال قائل إني لا أجد في نفسي ضيقا وإن قصرت يدي بل طيب النفس كأني صاحب ذخيرة فقال رئيس فاضل قد حلب الدهر وحنكته التجارب هذه صفة إما رجل قد أعدت له الأيام سعادة شعرت نفسه بها لأن في النفوس الشريفة ما يشعر بالأمن قبل كونه أو يكون ذلك ثقة بالله لكل حادث لعلمه أنه من عنده حكيم لا يضع الشيء إلا في موضعه فيستريح من تعب الاعتراض وعذاب التمني قال وبالضد من هذا إذا كان باكيا شاكيا حزينا لا لسبب بل نعم الله عليه جمة فذلك شعور النفوس بما يؤول حاله إليه وهذا من جنس الفأل والطيرة والزجر والهاتف وذلك كله إنما هو اطلاع الله تعالى للنفوس على عقباها ومن ذلك الامنامات فهذه شواهد الخير والشر وقديما رأينا المشايخ يقولون لا بد أن يكون مقدمة النحس وزوال السعادة كسوف البال وتكاثف الهم وضيق الصدر وتغير الاخلاق قال الله تعالى ( ^ ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الانفال 53
فجعل عنوان تغير النعم تغير النفوس لعادتهم من تنكدها كذا ذكره ابن عقيل وليس بمتجه ومعنى الآية أن المحرمات قد تكون سببا لزوال النعم والله أعلم فصل في كراهة مجالسة المتلبسين بالمنكرات والسلام عليهم
يكره لكل مسلم مكلف أن يجالس من يلعب بشطرنج أو نرد وأن يسلم عليه بل ينكر عليه ذلك ويهجره إن لم ينزجر عنهما وحكى الشيخ تقي الدين
____________________
1- اخرجه احمد وفي سنده كريب بن الحارث بن ابي موسى لم يوثقه غير ابن حبان وله طريق آخر عند أحمد وإسناده صحيح
(3/369)
أن ابا حنيفة وأحمد وغيرهما قالوا إنه لا يسلم على لاعب الشطرنج لانه مظهر للمعصية وقال مالك وصاحبا أبي حنيفة يسلم عليه انتهى كلامه
وقال احمد في رواية ابن منصور فيمن يلعب بالشطرنج ما هو بأهل أن يسلم عليه وهذا معنى كلام الشيخ عبد القادر وغيره وأنه لا يسلم على المتلبسين بالمعاصي قال الشيخ عبد القادر وإن سلموا هم عليه رد عليهم إلا أن يغلب على ظنه انزجارهم بتركه الرد عليهم فإذا لا يرد
وقال أبو داود قلت لأحمد أمر بالقوم يتقاذفون أسلم عليهم قال هؤلاء قوم سفهاء والسلام اسم من اسماء الله تعالى قلت لاحمد اسلم على المخنث قال لا أدري السلام اسم من اسماء الله تعالى عز وجل قال الشيخ تقي الدين فقد توقف في السلام على المخنث
قال في الرعاية وغيرها ويكره أن يجالس دنيئا أو سخيفا أو فاسقا أو مرائيا أو متهما في دينه أو عرضه ويكره أن يبيت أحد على سطح غير محجر أو محوط أو في بيت بلا باب وتقدم فيما يقوله عند الصباح قول احمد أنه يكفي منه كمؤخرة الرحل فصل في مكروهات مختلفة لا يجمعها جنس ولا نوع
يكره أن يأكل لحما نيئا أو غير نضيج أو طينا أو ترابا ذكره في الرعاية وغيرها قال احمد اكره اكل الطين ولا يصح فيه حديث إلا انه يضر بالبدن وقد تقدم ان للأصحاب في الكراهة في كلام احمد هل تحمل على التحريم أو التنزيه على وجهين وقطع ابن عقيل بكراهة أكل الطين إذا تحققنا ضرره ولا يكره لغير ذلك وقطع في المغني بأن ما كان يتداوى به منه كالطين الأرمني أو كان شيئا يسيرا لا مضرة فيه ولا نفع لا يكره
ويكره أن يحدث بمباضعة أهله وأن يجمع بين بنتي عمين أو بين بنتي خالين له أو لغيره وعنه لا يكره الجمع بينهما
ويحرم خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه إلا لضرورة أو واجب شرعي
____________________
(3/370)
وأن تمنعه نفسها مع القدرة بلا عذر قال في الرعاية وان تتزين لمحرم غيره ويكره تطيبها لحضور مسجد أو غيره وكلام بعضهم يقتضي التحريم للخبر الصحيح المشهور
ويكره الخيلاء والزهو في المشي بل يمشي قصدا كذا ذكر جماعة منهم ابن تميم وابن حمدان وظاهر الاخبار تحريم ذلك وذكر بعض العلماء انه من الكبائر وهو ظاهر على قاعدة الامام احمد
وروى هو وأبو داود وابن ماجه عن ابي هريرة مرفوعا قال الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قذفته في ناري (1)
ولمسلم من حديث ابي هريرة وابي سعيد العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن نازعني شيئا منهما عذبته + اخرجه مسلم +
ويأتي في اللباس أخبار في الكبر وذكر ابن عقيل أنه يكره إلا بين الصفين
وقال الشيخ مجد الدين في أحكامه باب استحباب الخيلاء في الحرب ثم ذكر حديث جابر بن عتيك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخيلاء التي يحب الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال واختياله عند الصدقة والخيلاء التي يبغض الله اختيال الرجل في الفخر والبغي رواه احمد وأبو داود والنسائي من رواية ابن جابر بن عتيك وهو مجهول + حديث حسن لغيره اخرجه احمد وابو داود وابن حبان وانظر تمام تخريجه فيه +
قال القاضي ابو يعلى رحمه الله إذا مشيت فلا تلتفت فإنه ينسب فاعل ذلك إلى الحمق قال الشيخ عبد القادر رحمه الله يكره الصفير والتصفيق ويكره الاتكاء الذي يخرج به عن مستوى الجلوس لأنه تجبر وإهوان بالجلساء
____________________
1- أخرجه ابو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان
(3/371)
إلا مع العذر ويكره مضع العلك لأنه دناءة ويكره التشدق بالضحك والقهقهة ورفع الصوت في غير حاجه وينبغي ان يكون مشيه معتدلا لا يسارع إلى حد يصدم الناس ويتعب نفسه ولا يخطر بحيث يورثه العجب ويكره في البكاء النحيب والتعداد إلا أن يكون من خوف الله تعالى والندم على ما فات من أوقاته ببطالاته ويكره له كشف رأسه بين الناس وما ليس بعورة مما جرت العادة بستره انتهى كلامه فصل ما يجب من الكف عن مساوئ الناس وما ورد في حقوق الطريق
يستحب الكف عن مساوئ الناس وعيوبهم كذا قالوا والأولى يجب زاد في الرعاية التي يسترونها وعما يبدو منهم غفلة أو غلبة من كشف عورة او خروج ريح او صوت ونحو ذلك فإن كان في جماعة فالأولى للسامع ان يظهر طرشا أو غفلة أو نوما أو يتوضأ هو وغيره سترا لذلك
ويكره الجلوس على الطرقات للحديث ونحوه لما فيه من التعرض للفتن والاذى وفي الصحيحين او احدهما عنه عليه الصلاة والسلام اجتنبوا مجالس الصعدات فقلنا إنما قعدنا لغير ما بأس قعدنا نتذاكر ونتحدث قال إما لا فأدوا حقها غض البصر ورد السلام وحسن الكلام (1)
وفي رواية غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي لفظ أبي داود وإرشاد السبيل وفي لفظ له أيضا ويغيثوا الملهوف ويهدوا الضال وروى أحمد والترمذي معنى ذلك وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال خير المجالس أوسعها وقد رواه ابو داود
____________________
1- اخرجه بهذا اللفظ مسلم واحمد من حديث ابي طلحة رضي الله عنه واخرجه الرواية الثانية التي ذكرها المصنف البخاري ومسلم وصححه ابن حبان وانظر تمام تخريجه فيه
(3/372)
في هذا الباب (1)
وفي الفنون أما الطريق الواسع فالمروءة والنزاهة اجتناب الجلوس فيه فإن جلس كان عليه أن يؤدي حق الطريق غض البصر وإرشاد الضال ورد السلام وجمع اللقطة للتعريف والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن جلس ولم يعط الطريق حقها فقد استهدف لأذية الناس قال وهذه الحقوق رأيتها في بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم فصل في صيانة المساجد وآدابها وكراهة زخرفتها
يسن ان يصان كل مسجد عن كل وسخ وقذر وقذاة ومخاط وبصاق فإن بدره فيه أخذه بثوبه ذكره في الرعاية وذكر ايضا انه يسن ان يصان عن تقليم الاظفار وقال ابن عقيل ويكره إزالة الاوساخ في المساجد كتلقيم الاظفار وقص الشارب ونتف الإبط
وقال في المستوعب وغيره يستحب تنزيه المسجد عن القذاة والبصقة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها فإن كانت على حائطه وجب إزالتها ويستحب تخليق موضعها لفعله عليه السلام + في المتفق عليه من حديث انس بن مالك رفعه البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها وأخرج النسائي وابن ماجه من حديث انس ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبة المسجد فغضب حتى احمر وجهه فقامت امرأة من الانصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحسن هذا وإسناده قوي +
وتكره زخرفته بذهب او فضة أو نقش أو صبغ أو كتابة أو غير ذلك مما يلهي المصلي عن صلاته غالبا وينبغي أن يقال إن كان ذلك من مال الوقف حرم ووجب الضمان
____________________
1- اخرجه ابو داود واحمد والقضاعي في الشهاب والبخاري في الادب المفرد والحاكم من حديث ابي سعيد الخدري وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم
(3/373)
وذكر في الرعاية في موضع آخر سيأتي في اللباس أنه هل يحرم تحلية المسجد بذهب أو فضة وتجب إزالته وزكاته بشرطها أو يكره على قولين وقدم الأول وعند الحنفية لا بأس بتحلية المسجد بذهب ونحوه لأنه تعظيم له ومنهم من استحبه لذلك وعند المالكية يكره ذلك ويصان المسجد عنه وهو قول بعض الحنفية ذكره صاحب المفيد منهم وللشافعية في تحريمه وجهان
وأول من ذهب الكعبة في الإسلام وزخرف المساجد الوليد بن عبد الملك لما بعث إلى خالد بن عبد الله القسري وإلي مكة حينئذ فيضعف قول بعض الحنفية ممن قال بالكراهة هم محجوجون بإجماع المسلمين في الكعبة قال الحنفية والمتولي على المسجد إذا فعل ما يرجع إلى النقش والزينة من مال الوقف ضمن ويصان عن تعليق مصحف او غيره في قبلته دون وضعه بالارض قال جعفر بن محمد ابو عبد الله الكوفي سمعت احمد يقول يكره ان يعلق في القبلة شيء يحول بينه وبين القبلة ولم يكره أن يوضع في المسجد المصحف أو نحوه ويسن أن يصان عن بيع وشراء فيه نص عليهما ويحرمان قدمه في الرعاية وقطع به في الشرح في آخر كتاب الاعتكاف وقيل بل يكرهان قطع به في الفصول والمستوعب وقطع به في الشرح في آخر كتاب البيع وحكي عن بعض العلماء أنه لا بأس به فعلى التحريم في الصحة وجهان وقطع في الوسيلة بأنه لا يجوز وقال نص عليه في رواية حنبل فقال لا أرى للرجل إذا دخل المسجد إلا أن يلزم نفسه الذكر والتسبيح فإن المساجد إنما بنيت لذلك والصلاة فإذا فرغ من ذلك خرج الى معاشه وإنما هذه بيوت الله لا يباع فيها ولا يشتري وكذا ذكره القاضي وابنه ابو الحسين وقال ابن هبيرة منع من صحته وجوازه احمد
وقال ابو حنيفة البيع جائز ويكره احضار السلع في المسجد وقت البيع وينعقد مع ذلك وأجازه مالك والشافعي مع الكراهة وقال ابن بطال اجمع العلماء على أن ما عقد من البيع في المسجد لا يجوز نقضه كذا قال
____________________
(3/374)
فصل في صيانة المسجد من الحرف والتكسب والترخص في الكتابة والتعليم
ويسن ان يصان عن عمل صنعة نص عليه قال في المستوعب وغيره سواء كان الصانع يراعي المسجد بكنس أو رش ونحوه أو لم يكن انتهى كلامه
قال حرب سئل احمد عن العمل في المسجد نحو الخياط وغيره يعمل فكأنه كرهه ليس بذاك الشديد وقال المروذي سألت أبا عبد الله عن الرجل يكتب بالأجر فيجلس في المسجد فقال أما الخياط وأشباهه فلا يعجبني إنما بني المسجد ليذكر الله فيه وكره البيع والشراء فيه وقال في رواية الأثرم ما يعجبني مثل الخياط والإسكاف وما أشبه وسهل في الكتابة فيه وقال وإن كان من غدوة إلى الليل فليس هو كل يوم
وقال القاضي سعد الدين الحارثي من أصحابنا خص الكتابة لأنها نوع تحصيل للعلم في معنى الدراسة وهذا يوجب التقييد بما لا يكون تكسبا وإليه أشار بقوله فليس ذلك كل يوم انتهى كلامه وظاهر ما نقل الأثرم التسهيل في الكتابة فيه مطلقا لما فيه من تحصيل العلم وتكثير كتبه
وينبغي أن يخرج على هذا والذي قبله تعليم الصبيان الكتابة في المسجد بالاجرة وتعليمهم تبرعا جائز كتلقين القران وتعليم العلم وهذا كله بشرط ان لا يحصل ضرر بحبر وما أشبه ذلك وفي نوادر ابن الصيرفي لا يجوز التعليم في المساجد
وقال صالح لابيه تكره الخياطين في المساجد قال إي لعمري شديدا وكذا رواه ابن منصور وهذا يقتضي التحريم ورواية حرب الكراهة فهاتان روايتان عن الامام احمد في تحريم الصنائع وكراهتها في المساجد وسيأتي في الفصل الثالث تحريم ذلك في كلام ابي عبد الله بن بطة وقال في رواية عبد الله لا ينبغي ان تتخذ المساجد حوانيت ولا مقيلا ولا مبيتا إنما بنيت للصلاة
____________________
(3/375)
ولذكر الله وبالمنع قال الشافعي وإسحاق ويقتضيه مذهب مالك وغيره وذكر ابن عقيل انه يكره في المساجد العمل والصنائع كالخياطة والخرز والحلج والتجارة وما شاكل ذلك إذا كثر ولا يكره ذلك إذا قل مثل رقع ثوبه أو خصف نعله
وحكى صاحب الشفاء المالكي عن بعض مشايخه إنما يمنع في المسجد من عمل الصنائع التي يختص بنفعها آحاد الناس ولا يكتسب فيه ولا يتخذ المسجد متجرا فأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم مما لا امتهان للمسجد في عمله فلا بأس به
وقد منع بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد قال وحكى بعضهم خلافا في تعليم الصبيان فيها ويسن أن يصان عن صغير أطلقوا العبارة والمراد والله أعلم إذا كان صغيرا لا يميز لغير مصلحة ولا فائدة وعن مجنون حال جنونه فصل صيانة المسجد عن اللغط ورفع الصوت قيل إلا بعلم لا مراء فيه
ويسن أن يصان عن لغط وكثرة حديث لاغ ورفع صوت بمكروه وظاهر هذا أنه لا يكره ذلك إذا كان مباحا أو مستحبا وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي رحمهم الله وقال في الغنية يكره إلا بذكر الله
قال سفيان بن عيينة مررت بأبي حنيفة وهو مع اصحابه في المسجد وقد ارتفعت اصواتهم فقلت يا أبا حنيفة هذا في المسجد والصوت لا ينبغي أن يرفع فيه فقال دعهم لأنهم لا يفقهون إلا بهذا وقيل لأبي حنيفة في مسجد كذا حلقة يتناظرون في الفقه فقال لهم رأس فقالوا لا قال لا يفقهون أبدا
ومذهب مالك كراهة ذلك قال اشهب سئل مالك عن رفع الصوت في المسجد في العلم وغيره قال لا خير في ذلك في العلم ولا في غيره ولقد
____________________
(3/376)
ادركت الناس قديما يعيبون ذلك على من يكون في مجلسه ومن كان يكون ذلك في مجلسه كان يعتذر منه وأنا أكره ذلك ولا أرى فيه خيرا روى ذلك ابن عبد البر
وقال صاحب الشفا المالكي قال مالك وجماعة من العلماء يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره وأجاز ابو حنيفة ومحمد بن مسلم من اصحاب مالك رفع الصوت فيه في العلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس لأنه مجمعهم ولا بد لهم منه
وقال ابن عقيل في الفصول آخر باب الجمعة ولا بأس بالمناظرة في مسائل الفقه والاجتهاد في المساجد إذا كان القصد طلب الحق فإن كان مغالبة ومنافرة دخل في حيز الملاحاة والجدال فيما لا يعني ولم يجز في المساجد وأما الملاحاة في غير العلوم فلا تجوز في المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ليلة القدر فخرج ليعلم الناس فتلاحى رجلان في المسجد فارتفعت اصواتهما فرفعت (1)
فلو كان في الملاحاة خير لما كانت سببا لنسيانها ولأن الله تعالى صان الاحرام عن الجدال فقال ( ^ ولا جدال في الحج ) البقرة 197 وعن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة المؤمن لمن ترك المراء وإن كان محقا + حديث حسن اخرجه ابو داود وابن ماجه +
انتهى كلامه وسبق هذا المعنى في اول الكتاب وفي فصول اصحاب الحديث والحث على العلم من فصول الامر بالمعروف وفي حسن الخلق نحو نصف الكتاب
وقال ابن عقيل ايضا ويكره كثرة الحديث واللغط في المساجد وقال في الرعاية وغيرها ويباح عقد النكاح فيه والقضاء والحكم فيه نص عليه والمناظرة في الفقه وما يتعلق به وتعليم العلم وإنشاد شعر مباح فيه فصل صيانة المسجد عن الروائح الكريهة ومكث الجنب والحائض
ويسن أن يصان عن رائحة كريهة من بصل وثوم وكراث ونحوها وفي
____________________
1- اخرجه البخاري واحمد ومالك
(3/377)
تحريمه وجهان فإن دخله أخرج ذكره غير واحد وهل يخرج وجوبا أو استحبابا يخرج على الوجهين وعلى قياسه إخراج الريح من دبره فيه وصرح الشافعية بإنه لا يحرم وعند الحنفية هو مكروه
ويسن أن يصان عن حائض ونفساء مطلقا والأولى أن يقال يجب صونه عن جلوسهما فيه ويسن صونه عن المرور وكذا الجنب بلا وضوء وفي جواز مبيت الجنب فيه مطلقا بلا ضرورة روايتان وقيل يجوز إن كان مسافرا أو مجتازا وإلا فلا كذا في الرعاية ويسن صونه عن نوم وعنه كثير وعنه إن اتخذه مبيتا أو مقيلا كره مطلقا وإلا فلا يكره مطلقا كذا أطلقوا العبارة وينبغي أن يخرج من هذا نوم المعتكف واستثناه في الغنية واستثنى الغريب أيضا وذكر في الشرح في اواخر باب الأذان أنه يباح النوم في المسجد ولم يفصل وقال القاضي سعد الدين الحراني من أصحابنا لا خلاف في جوازه للمعتكف وكذا ما لا يستدام كبيتوتة الضيف والمريض والمسافر وقيلولة المجتاز ونحو ذلك نص عليه في رواية غير واحد
وما يستدام من النوم كنوم المقيم به فعن احمد المنع منه كما مر من رواية صالح وابن منصور وابي داود وحكى القاضي رواية بالجواز وهو قول الشافعي وجماعة قال وبهذا أقول فصل يصان المسجد عن كلام وشعر قبيح وغناء وصبي ومجنون ويباح فيه اللعب بالسلاح
ويسن صونه عن إنشاد شعر قبيح ومحرم وغناء وعمل سماع وإنشاد ضالة ونشدانها ويقول له سامعه لا وجدتها ولا ردها الله عليك ذكر ذلك في الرعاية ويستحب أن يقول لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو يقول لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له (1)
كما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ويتوجه في نشد الضالة وهو طلبها وإنشادها وهو تعريفها
____________________
1- أخرجه مسلم وابو داود
(3/378)
ما في العقود من التحريم ولهذا قال في شرح مسلم إن النهي عنها يلحق به ما في معناه من العقود فدل على التسوية لكن مذهبه الكراهة وإذا حرم وجب إنكاره
وقال في الغنية لا بأس بإنشاد شعر خال من سخف وهجاء المسلمين والاولى صيانتها إلا أن يكون من الزهديات فيجوز الإكثار إلا ان المساجد وضعت لذكر الله فينبغي أن تجل عن ذلك وفي الشرح يكره إنشاد الضالة في المسجد قال في الرعاية وعن نظر حرم الناس وعن إقامة حد وسل سيف ونحوه وذكر ابن عقيل في الفصول انه لا يجوز إقامة الحدود في المساجد وقد قال احمد في رواية ابن منصور لا تقام الحدود في المساجد وقال ابو عبد الله بن بطة رحمه الله ومن النسة ذكر الله وذكر العلم في المسجد وترك الخوض والفضول وحديث الدنيا فيه فإن ذلك مكروه وقد رويت فيه أحاديث غليظة صعبة بطرق جياد صحاح ورجال ثقات
منها ما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد إمامهم الدنيا لا تجالسوهم فليس الله فيهم حاجة
ومنها ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما انه قال لا تقوم الساعة حتى يجلس الناس في المساجد ليس فيهم مؤمن حديثهم فيها الدنيا
ومنها ما قاله الحسن سيأتي على الناس زمان يجلسون في المساجد حلقا حلقا حديثهم الدنيا لا تجالسوهم فإن الله قد تركهم من يده
فهذا كله من حديث الدنيا وأهلها في المسجد والبيع والشراء بالجدال والخصومة وإنشاد الضوال وانشاد الشعر الغزل ورفع الصوت وسل السيوف وكثرة اللغط ودخول الصبيان والنساء والمجانين والجنب والارتفاق
____________________
(3/379)
بالمسجد واتخاذه للصنعة والتجارة كالحانوت مكروه ذلك كله والفاعل له آثم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه وتغليظه على فاعله انتهى كلامه
قال احمد رحمه الله في رواية صالح وابن منصور وقد سئل يكره الكلام بعد ركعتي الفجر قال يروى عن ابن مسعود أنه كرهه وقال في رواية أبي طالب يكره الكلام قبل الصلاة إنما هي ساعة تسبيح وقال مهنا سألت أبا عبد الله عن الكلام والحديث قبل صلاة الفجر فكرهه وقال عمر نهى عنه ونقل عنه الميموني قال كنا نتناظر في المسائل أنا وأبو عبد الله قبل صلاة الفجر ونقل عنه صالح انه اجاز الكلام في قضاء الحاجة ليس الكلام الكثير قال القاضي فقد أجاز الكلام في الفقه وأجاز اليسير عند الحاجة
ولعب الحبشة بدرقهم وحرابهم في المسجد يوم عيد وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستر عائشة وهي تنظر إليهم وقال دونكم يا بني أرفدة رواه احمد والبخاري ومسلم وغيرهم (1)
وبنو أرفدة جنس من الحبشة يرقصون بفتح الهمزة وسكون الراء ويقال بفتح الفاء وكسرها أشهر
قال في شرح مسلم فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلحق به ما في معناه من الاسباب المعينة على الجهاد
وفيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة وحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف ولمسلم وغيره جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد يزفنون أي يرقصون
قال في شرح مسلم حمله العلماء على التوثب بسلاحهم ولعبهم بحرابهم على قريب من هيئة الراقص لأن معظم الروايات إنما فيها لعبهم بحرابهم فتناول هذه اللفظة ورواه احمد وزاد قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لتعلم يهود أن في ديننا فسحة أرسلت بحنيفية سمحة + اخرجه احمد وسنده حسن +
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/380)
ولأحمد بإسناد جيد عن انس قال لما كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرقصون ويقولون محمد عبد صالح فقال ما يقولون قالوا يقولون محمد عبد صالح (1)
وفي الصحيحين عن ابي هريرة قال بينا الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرابهم إذ دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأهوى إلى الحصباء يحصبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهم يا عمر + اخرجه البخاري ومسلم +
قال في شرح مسلم وهو محمول على أنه ظن أن هذا لا يليق بالمسجد وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به فصل في إنكار ما يعمل في المساجد والمقابر في إحياء ليالي المواسم والموالد
قال ابو الوفاء ابن عقيل رحمه الله تعالى أنا أبرأ إلى الله تعالى من جموع اهل وقتنا في المساجد والمشاهد ليالي يسمونها إحياء لعمري إنها لإحياء أهوائهم وإيقاظ شهواتهم جموع الرجال والنساء مخارج الأموال فيها من أفسد المقاصد وهو الرياء والسمعة وما في خلال كل واحد من اللعب والكذب والغفلة ما كان احوج الجوامع أن تكون مظلمة من سرجهم منزهة عن معاصيهم وفسقهم مردان ونسوة وفسق الرجل عندي من وزن في نفسه ثمن الشمعة فأخرج به دهنا وحطبا الى بيوت الفقراء ووقف في زاوية بيته بعد إرضاء عائلته بالحقوق فكتب في المتهجدين صلى ركعتين بحزن ودعا لنفسه وأهله وجماعة المسلمين وبكر إلى معاشه لا إلى المقابر فترك المقابر في ذلك عبادة
يا هذا انظر إلى خروجك إلى المقابر كم بينه وبين ما وضعت له قال تذكركم الاخرة + انظر سنن ابن ماجه وسنن ابي داود وصحيح ابن حبان +
فأشغلك بتلمح الوجوه الناضرة في تلك الجموع لزرع اللذة
____________________
1- اخرجه احمد وإسناده صحيح
(3/381)
في قلبك والشهوة في نفسك من مطالعة العظام الناخرة يستدعى بها ذكر الآخرة كلا ما خرجت إلا متنزها ولا عدت إلا متأثما ولا فرق عندك بين القبور والبساتين مع الفرجة لا أقل من أن تكون من المعاصي بين الجدران فأما أن تجعل المقابر والمشاهد علة في الاشتهار فلا فعلى من فطن لقولي في رجب وأمثاله ( ^ فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) التوبة عز علي بقوم فاتتهم أيام المواسم التي يحظى فيها قوم بأنواع الارباح وليتهم خرجوا منها بالبطالة رأسا برأس ما قنعوا حتى جعلوها من السنة إلى السنة خلسا لاستيفاء اللذات واستلام الشهوات المحظورات ما بال الوجوه المصونه في جمادى هتكت في رجب بحجة الزيارات ( ^ أفحكم الجاهلية يبغون ) المائدة 50 ( ^ ما لكم لا ترجون لله وقارا ) نوح 13
وقال أترى بماذا تتحدث عنك سواري المسجد في الظلم وأفنية القبور والقباب بالبكاء من خوف الوعيد والتذكرة للآخرة بنظر العبرة إذا تحدثت عن أقوام ختموا في بيوتهم الختمات وصانوا الأهل اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم حيث انسل من فراش عائشة رضي الله عنها إلى المسجد لا جموع ولا شموع طوبى لمن سمع هذا الحديث فانزوى إلى زاوية بيته فانتصب لقراءة جزء في ركعتين بتدبر وتفكر فيالها من لحظة ما أصفاها من أكدار المخالطات وأقذار الرياء غدا يرى أهل الجموع أن المساجد تلعنهم والمشاهد والمقابر تستغيث منهم يبكر احدهم فيقول أنا صائم متى أفلح عرسك حتى يكون له صحة قل لي يا من أحيا في الجامع بأي قلب رجعت مات والله قلبك وغابت نفسك ما اخوفني على من فعل هذا الفعل في هذه الليالي أن يخاف في مواطن الامن ويظمأ في مقامات الري انتهى كلامه
وإذا كان ذلك في زمنه فما ظنك بزمننا هذا الذي بينهما نحو ثلاثمائة سنة وما يجري بالشام ومصر والعراق وغيرها من بلاد الإسلام في أيام المواسم من المنكرات فإنا لله وإنا إليه راجعون
____________________
(3/382)
وفي صحيح البخاري من حديث انس رضي الله عنه قال لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه (1)
سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم ويتوجه ان يقال إن علم ان ذلك سبب في حصول المحرم والمنكر ولا بد حرم تعاطيه ودخوله وإن ظن ذلك كره وقد يقال يحرم فإن ظن مع ذلك اشتماله على أنواع من الخير تزيد على نوع المكروه أو تساويه فلا كراهة وبكل حال فالنوافل والتطوعات خفية أولى في الجملة بلا إشكال وأسلم من الرياء والسمعة نسأل الله العفو والمسامحة والله تعالى اعلم فصل
ويكره إخراج حصاه وترابه للتبرك وغيره كذا قالوا وفيه نظر ويتوجه ان يقال إما مرادهم بالكراهة التحريم وإما مرادهم إخراج الشيء اليسير لا الكثير قالوا ويباح وضع حصى مكان غيره فيه فصل في صيانة المسجد عن كل حدث ونجس وإغلاق أبوابه لمنع المنكر فيه
قال في المستوعب وغيره لا يجوز أن يغرس في المسجد شيء وللإمام قلع ما غرس فيه بعد إيقافه وهذا كله معنى كلام احمد في رواية الفرج بن الصباح وقطع في التلخيص بأنها تقلع كما لو غرست في أرض غصب وهو معنى كلامه في المحرر
وذكر ابن ابي موسى وأبو الفرج في المنهج انه يكره غرسها ولفظ احمد
____________________
1- اخرجه البخاري
(3/383)
في رواية الفرج بن الصباح هذه غرست بغير حق والذي غرسها ظالم غرس فيما لا يملك وسأله مثنى عن هذا قال مثنى فلم يعجبه
وقال في الرعاية الكبرى يسن ان يصان عن الزرع فيه والغرس وأكل ثمره مجانا في الاشهر وعن الجماع فيه أو فوقه
وقال ابن تميم يكره الجماع فوق المسجد والتمسح بحائطه والبول عليه نص عليه وهذا النص في مسائل إسحاق بن إبراهيم وذكر ابن عقيل في آخر الإجارة من الفصول أن احمد قال أكره لمن بال أن يمسح ذكره بجدار المسجد قال والمراد به الحظر ويحرم البول فيه والقيء ونحوه
وقال ابن عقيل يحتمل أن يباح الفصد في المسجد في طست لحديث المعتكفة المستحاضة انتهى ما ذكره وعلى قياسه إخراج كل نجاسة في إناء في المسجد وإن بال خارجا عنه وجسده فيه دون ذكره كره وعنه يحرم
ويباح غلق أبوابه لئلا يدخله من يكره دخوله إليه نص عليه وقتل البراغيث والقمل فيه نص عليه وهذا ينبغي أن يقال إنه مبني على طهارته كما هو ظاهر المذهب وينبغي أن يقيد بإخراجه لأن إلقاء ذلك في المسجد وبقاءه لا يجوز وفي المفيد من كتب الحنفية ويكره إغلاق باب المسجد لان فيه منعا من الصلاة وإنه لا يجوز للآية قال وقال مشايخنا لا بأس به في زماننا في غير أوان الصلاة لأنه يخاف على ما فيه من السرقة انتهى كلامه وفي كراهة الوضوء فيه والغسل روايتان وحكى بعضهم بأنه لا يجوز ولعله على رواية أن المستعمل في رفع الحدث نجس فإن كان فهو واضح فصل في الخلاف في دخول الكافر مساجد الحل والتفصيل فيه
وفي جواز دخول الكافر مساجد الحل بإذن مسلم لمصلحة روايتان قال في الرعاية الكبرى والمنع مطلقا أظهر فإن جاز ففي جواز جلوسه فيه جنبا
____________________
(3/384)
وجهان وحكى بعض اصحابنا رواية الجواز من غير اشتراط إذن
وقال في المستوعب هل يجوز لاهل الذمة دخول مساجد الحل على روايتين وذكر في الشرح وغيره انه هل يجوز دخولها بإذن مسلم على روايتين وأن الصحيح من المذهب الجواز فظهر من هذا انه هل يجوز لكافر دخول مساجد الحل فيه روايتان ثم هل الخلاف في كل كافر ام في اهل الذمة فقط فيه طريقان وهل محل الخلاف مع إذن مسلم لمصلحة او لا يعتبر أو يعتبر إذن المسلم فقط فيه ثلاث طرق ومذهب الشافعي جواز دخوله بإذن مسلم ومذهب مالك وغير واحد أنه لا يجوز مطلقا ومذهب ابي حنيفة انه يجوز للكتابي دون غيره
وليس لكافر دخول الحرمين لغير ضرورة قطع به ابن حامد وقدمه في الرعاية الكبرى وقيل يجوز
قال القاضي في شرح المذهب وقد أومأ إليه في رواية الأثرم قال ابن تميم وحكى اكثر اصحابنا المنع من حرم مكة دون المدينة وقال في المستوعب لا يجوز لكافر دخول الحرم وكذا ذكر في الشرح وغيره فصل في الاجتماع والاستلقاء والأكل وإعطاء السائل في المسجد
ولا يجوز دخول مسجد للأكل ونحوه ذكره ابن تميم وابن حمدان رحمهما الله قال احمد رضي الله عنه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا ينشد فيه شعر ولا يمر فيه بلحم وذكر في الشرح والرعاية وغيرهما ان للمعتكف الأكل في المسجد وغسل يده في طست
وذكر في الشرح في آخر باب الأذان انه لا بأس بالاجتماع في المسجد والأكل فيه والاستلقاء فيه قال بعض اصحابنا يكره السؤال والتصدق في المساجد ومرادهم والله أعلم التصدق على السؤال لا مطلقا وقطع به ابن عقيل وأكثرهم لم يذكر الكراهة وقد نص احمد رحمه الله على ان من سأل
____________________
(3/385)
قبل خطبة الجمعة ثم جلس لها تجوز الصدقة عليه وكذلك إن تصدق على من لم يسأل وسأل الخاطب الصدقة على إنسان جاز
وروى البيهقي في المناقب عن علي بن محمد بن بدر قال صليت يوم الجمعة فإذا احمد بن حنبل يقرب مني فقام سائل فسأل فأعطاه احمد قطعة فلما فرغوا من الصلاة قام رجل إلى ذلك السائل فقال أعطني تلك القطعة فأبى فقال أعطني وأعطيك درهما فلم يفعل فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهما فقال لا أفعل فإني أرجو من بركة هذه القطعة ما ترجوه انت وقال ابو مطيع البلخي الحنفي لا يحل للرجل أن يعطي سؤال المسجد
قال خلف بن ايوب لو كنت قاضيا لم اقبل شهادة من تصدق عليه واختار صاحب المحيط منهم أنه إن سأل لأمر لا بد منه ولا ضرر فلا بأس بذلك وإلا كره فصل تقديم الرجل اليمنى في دخول المسجد واليسرى في الخروج منه وجواز الصلاة فيه بالنعلين وأين يضعهما إذا خلعهما
ويقدم المسلم يمناه في دخوله ويسراه في خروجه ويقول ما ورد ويكره ان ينتعل قائما وعنه يباح ويسن أن يبدأ بخلع اليسرى ولبس اليمنى بيساره فيها والمسجد ونحوه فيهما سواء قال المروذي رايت أبا عبد الله إذا دخل المسجد خلع نعليه وهو قائم
وله الصلاة في نعله وتركه أمامه وعنه بل عن يساره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خلع نعليه وهو في الصلاة جعلهما عن يساره رواه احمد وأبو داود ولأبي داود من حديث ابي هريرة إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدا ليجعلهما بين رجليه أو ليصل فيهما رواه ابو داود (1)
____________________
1- اخرجه ابو داود وصححه ابن حبان
(3/386)
وفي خبر أبي هريرة وأبي بكرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ليجعلهما بين رجليه روى ذلك أبو محمد الخلال حكاه القاضي قال وقيل إن كان مأموما جعلهما بين رجليه لئلا يؤذي من عن يمينه أو شماله وإن كان إماما أو منفردا جعلهما عن يساره لئلا يؤذي أحدا قال القاضي وإنما اخترنا جانب اليسار لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حديث ابي سعيد رواه ابو حفص ورواه ابو محمد الخلال من حديث عبد الله بن السائب ولان اليسار جعلت للأشياء المستقذرة من الافعال قال القاضي فأما موضعهما من غير المصلي فإلى جنبه كذا رواه ابو بكر الآجري في كتاب اللباس بإسناده عن ابن عباس قال من السنة إذا جلس أن يخلع نعليه فيضعهما بجنبه
ويمنع السكران من دخوله ويمنع نجس البدن من اللبث فيه بلا تيمم ذكره ابن تميم وغيره فصل فيمن سبق إلى مكان من المسجد وفي كنسه وتنظيفه وتطييبه ولقطته
وإن جلس غير الامام في مكان من المسجد فهو أحق به وقال ابن حمدان يكره دوامه في موضع منه فإن دام فليس هو به أولى من غيره فإن قام منه فلغيره الجلوس فيه
ويسن كنس المسجد يوم الخميس وإخراج كناسته وتنظيفه وتطييبه فيه وشعل القناديل فيه كل ليلة ومما ينبغي أن يتفطن له ما يفعله بعض الناس من أخذ شيء ملقى في المسجد يصان عنه ثم يضعه فيه فإنه يتوجه القول بأنه يلزم بالأخذ لأن خلاء المسجد منه فإذا القي فيه فهو كنخامة ونحوها ألقيت فيه
وقال بعض أصحابنا رحمهم الله في اللقطة يلزم بأخذها وهذا بخلاف ما
____________________
(3/387)
لو كان الموجود مقصودا وضعه في المسجد كالحصباء أو لم يقصد وضعه لكنه أرض المسجد ولما أرسل ابن عمر إلى عائشة يسألها عن رواية ابي هريرة في قيراطي الجنازة أخذ قبضة من حصباء المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال قالت عائشة صدق أبو هريرة فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الارض ثم قال لقد فرطنا في قراريط كثيرة رواه مسلم وأصله في البخاري (1)
قال في شرح مسلم فيه أنه لا بأس بمثل هذا الفعل
وفي البخاري أن حذيفة رمى الاسود بن يزيد في المسجد بالحصا ليأتيه فأتاه قال ابن هبيرة فيه دليل على جواز رمي الرجل صاحبه في المسجد بالحصا
ولمسلم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا هذا الله فمن خلق الله قال فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الاعراب فقالوا يا أبا هريرة هذا الله فمن خلق الله قال فأخذ حصا بكفه فرماهم ثم قال قوموا صدق خليلي صلى الله عليه وسلم ولمسلم عنه مرفوعا ليسألنكم الناس عن كل شيء حتى يقولوا الله خلق كل شيء فمن خلقه وفي هذا تأديب من يسأل عما لا ينبغي بالقول والفعل فصل في الأمر بالصلاة بالنعلين وكون طهارتهما بمسحهما بالأرض غير أرض المسجد
عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ثم لينظر فيهما فإن رأى خبثا فليمسحه بالارض ثم
____________________
1- اخرجه مسلم وانظر البخاري
(3/388)
ليصل فيهما إسناد جيد رواه أحمد وأبو داود (1)
ومراده أن يمسح الخبث بغير أرض المسجد وإن لم يصل في نعليه ووضعهما في المسجد فلا يرم بهما فيه فإن رمى بهما فإن كان على وجه الكبر والتعاظم أو كان ذلك سببا لإتلاف شيء من أرض المسجد أو في أذى أحد فلا خفاء بأن ذلك لا يجوز ويضمن ما تلف بسببه وإلا فالأدب ألا يفعل ذلك لأنه خلاف التعظيم المأمور به في بيوت الله تعالى واحب البقاع إلى الله تعالى ويشبه هذا رمي الكتاب بالارض وقد فعله رجل عند احمد فغضب وقال هكذا يفعل بكلام الأبرار وفي المحيط من كتب الحنفية لو مشى في الطين كره له أن يمسحه بحائط المسجد وإن مسحه بتراب المسجد وكان مجموعا فلا بأس به وإن كان منبسطا يكره فصل
وسهل الإمام احمد رضي الله عنه في النسخ فيه دون وضع النعش وقال أيضا في رواية أبي داود وسئل عن النعش يوضع في المسجد قال من الناس من يتوقاه وكره الامام احمد اتخاذه طريقا وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم وسئل عن المشي في المسجد قال لا تتخذوا المسجد طريقا فإن كانت علة فلا بأس فصل
قال القاضي في الاحكام السلطانية فأما جلوس العلماء والفقهاء في الجوامع والمساجد والتصدي للتدريس والفتوى فعلى كل واحد منهم زاجر من نفسه أن لا يتصدى لما ليس له بأهل إلى أن قال وللسلطان فيهم من النظر ما يوجبه الاحتياط من إنكار وإقرار
وإذا أراد من هو لذلك أهل أن يترتب في أحد المساجد لتدريس أو فتيا نظر في
____________________
1- أخرجه احمد وأبو داود وهو صحيح
(3/389)
حال المسجد فإن كان من مساجد المحال التي لا تترتب الأئمة فيها من جهة السلطان لم يلزم من يترتب فيها لذلك استئذان السلطان في جلوسه كما لا يلزم ان يستأذنه من يترتب فيها للإمامة وإن كان من الجوامع وكبار المساجد التي تترتب الائمة فيها بتقليد السلطان روعي في ذلك عرف البلد وعادته في جلوس أمثاله فإن كان للسلطان في جلوس مثله نظر لم يكن له أن يترتب للجلوس فيه إلا عن إذنه كما لا يترتب للإمامة فيه إلا عن إذنه افتيات عليه في ولايته وإن لم يكن للسلطان في مثله نظر معهود لم يلزمه استئذانه في ذلك وكان كغيره من المساجد
قال القاضي سعد الدين الحارثي من اصحابنا والصحيح عدم اعتبار الإذن لأن الطاعات لا تتوقف على ذلك لانه ربما أدى إلى التعطيل ولفعل السلف وما ذكر من الافتيات فغير مسلم به انتهى كلامه
قال القاضي ويمنع الناس في الجوامع والمساجد من استطراق حلق الفقهاء والقراء صيانة لحرمتها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا حمى إلا في ثلاثة البئر وطول الفرس وحلقة القوم (1)
فأما البئر فهي منتهى حريمها وأما طول الفرس فهو ما دار فيه بمقوده إذا كان مربوطا وأما حلقه القوم فهي استدارتهم في الجلوس للتشاور والحديث وهذا الخبر الذي ذكره القاضي إسناده جيد من حديث سعد الكاتب عن بلال العبسي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا رواه البيهقي
وإذا تنازع أهل المذاهب المختلفة فيما يسوغ فيه الاجتهاد لم يعترض عليهم فيه إلا أن يحدث بينهم تنافر فيكفوا عنه وإن حدث منازع ارتكب ما لا يسوغ في الاجتهاد كف عنه ومنع منه فإن أقام عليه وتظاهر باستغواء من يدعو إليه لزم السلطان أن يحسمه بزواجر السلطنة ليتبين ظهور بدعته ويوضح بدلائل الشرع فساد مقالته فإن لكل بدعة مستمعا ولكل مستغو متبعا
____________________
1- اخرجه البيهقي وقال هذا مرسل
(3/390)
فصل في كراهة إسناد الظهر إلى القبلة في المسجد واستحباب جلوس القرفصاء
يسن أن يشتغل في المسجد بالصلاة والقراءة والذكر ويجلس مستقبل القبلة ويكره أن يسند ظهره إلى القبلة قال احمد هذا مكروه وصرح القاضي بالكراهة قال ابراهيم كانوا يكرهون أن يتساندوا إلى القبلة قبل صلاة الفجر رواه ابو بكر النجاد قال محمد بن ابراهيم البوشنجي ما رأيت أحمد ابن حنبل جالسا إلا القرفصاء إلا أن يكون في الصلاة قال ابن الجوزي في المناقب وهذه الجلسة تحكيها قيلة في حديثها إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا جلسة المتخشع القرفصاء وكان احمد يحتبي في جلوسه هذه الجلسة وهي اولى الجلسات بالخشوع والقرفصاء أن يجلس الرجل على إليتيه رافعا ركبتيه إلى صدره بأخمص قدميه إلى الارض وربما احتبى بيده ولا جلسة أخشع منها انتهى كلامه وحديث قيلة رواه أبو داود من حديث عبد الله بن حسان العنبري حدثني جدتاي صفية ودحيبة ابنتا علية وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة وكانت جدة أبيهما أنها أخبرتهما أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع وفي لفظ المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق (1)
صفية ودحيبة تفرد عنهما عبد الله بن حسان ورواه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديثه وقال في النهاية عن قولها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس القرفصاء قال هي جلسة المحتبي بيديه
وللبخاري عن ابن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيديه هكذا وصف بيديه الاحتباء وهو القرفصاء
____________________
1- اخرجه ابو داود
(3/391)
وقد روى أبو داود بإسناد ضعيف عن ابي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيديه (1)
وصح عن جابر بن سمرة وهو في مسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء + اخرجه مسلم وابو داود +
قال في الشرح في آخر باب النية ولا يشبك أصابعه وكذا في الرعاية وزاد على خلاف صفة ما شبكهما النبي صلى الله عليه وسلم
ولا يكثر فيه من حديث الدنيا أو سكوته وعنه لا يسن النفل المطلق فيه بل الفرض وسننه فصل في عمارة المساجد ومراعاة أبنيتها ووضع المحاريب فيها
قال في الفصول والمستوعب عمارة المساجد ومراعاة ابنيتها مستحبة وقال ابن تميم بناء المسجد مندوب إليه ويستحب اتخاذ المحراب فيه وفي المنزل وقال الشيخ وجيه الدين بن المنجي في شرح الهداية بناء المسجد مستحب وردت الاخبار بالحث عليه وسيأتي كلامه في الرعاية في أواخر الكتاب أن المساجد والجوامع من فروض الكفايات
وقال ابن عقيل ينبغي اتخاذ المحراب فيه ليستدل به الجاهل وقطع به ابن الجوزي وقال بعضهم ويباح اتخاذ المحراب نص عليه وقيل يستحب أومأ إليه أحمد
وتجوز عمارة كل مسجد وكسوته وإشعاله بمال كل كافر وأن يبنيه بيده فظاهر هذا إن لم يكن صريحا أنه لا فرق في هذا بين المسجد الحرام وغيره
____________________
1- صحيح لغيره أخرجه أبو داود لكن يشهد له حديث ابن عمر السالف وفي الباب عن ابن عباس عند مسلم وعن جابر بن سليم عند احمد وابي داود والبخاري في الادب المفرد وعن أبي هريرة عند احمد والبخاري في الادب المفرد
(3/392)
فعلى هذا يكون المراد بعمارته في الاية دخوله والجلوس فيه كقول بعض المفسرين يدل عليه ما روى احمد وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب من حديث عمرو بن الحارث عن دراج ابي السمح عن ابي الهيثم سليمان بن عمرو عن ابي سعيد مرفوعا إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له يالايمان (1)
فإن الله تعالى يقول ( ^ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) التوبة 18
دراج ضعيف لا سيما عن ابي الهيثم وجوزه ابن عقيل في الفنون وقال لمن احتج بالاية الآية وارده على سبب وهي عمارة المسجد الحرام فعنده لا يجوز لكافر عمارة المسجد الحرام فقط لشرفه وقال ابن الجوزي بعد أن ذكر أن العمارة له هل هي دخوله والجلوس فيه أم البناء له وإصلاحه على قولين قال وكلاهما محظور على الكافر ويجب على المسلمين منعهم من ذلك وذكر البغوي أن القول الثاني ذهب إليه جماعة فصل في التغلب على المسجد وغصبه وحكم الصلاة فيه والضمان له
قال ابن عقيل رحمه الله فإن تغلب متغلب على مسجد ومنع دخول الناس إليه نظرت إليه فإن أزال الآلة الدالة على كونه مسجدا وادعاه ملكا كان كسائر المغصوب في صحة الصلاة فيه روايتان فإن منع الناس عنه وانفرد به دونهم من غير تخريب لم يصح غصبه حكما بمعنى أنه لو تلف المسجد في مدة منعه لم يلزمه ضمانه كالحر إذا غصبه غاصب فيحتمل أنه إذا لم يصح غصبه أن تصح الصلاة فيه ويحتمل أن لا تصح لأنه تغلب على أرض لا يملكها على سبيل التعدي أشبه ما إذا تغلب على أملاك الناس ولأنه ليس إذا لم يملك لم يمنع صحة الصلاة غصبه كما لو غصب ستارة الكعبة وصلى فيها مستترا بها انتهى كلامه
____________________
1- اخرجه ابن ماجه والترمذي وهو ضعيف كما قال المصنف
(3/393)
فقد اعتبر المسألة بغصب الحر وفيه خلاف في ضمانه بالغصب ويؤخذ منه أنه إن اتخذه مسكنا أو مخزنا ونحو ذلك أنه يضمن كما نقول في الحر إذا استعمله كرها وقد ذكر في المغني وغيره أنه من استؤجر لحفظ الغنيمة وركب دابة منها أو دابة من الجيش أنه يلزمه أجرتها
وذكر الشيخ وجيه الدين من اصحابنا في شرح الهداية انه لو غصبه واتخذه مسكنا وانهدم لا ضمان عليه كالحر واختار الشيخ تقي الدين في شرح العمدة القول بعدم صحة صلاته قال وأما قول ابن عقيل إن المسجد لو تلف في مدة منعه لم يلزمه ضمانه فليس الامر كذلك بل المسجد عقار من العقار يضمن بالإتلاف إجماعا ويضمن بالغصب عند من يقول إن العقار يضمن بالغصب وهو المشهور في المذهب ومن لم يضمنه بالغصب لم يفرق بين المسجد وغيره ولا خلاف انه متقوم تقوم الاموال بخلاف الحر لانه ليس بمال نعم يشبه العبد الموقوف على خدمة الكعبة فإنه ليس له مالك معين ومع هذا فهو مضمون بالغصب بلا تردد انتهى كلامه
قال ابو داود سمعت احمد سئل يجيء الرجل بزكاته يعني صدقة الفطر إلى المسجد أو يطعمه قال يطعمه وقال سمعت احمد سئل عن زكاة الفطر تجمع في المسجد قال ارجو أن لا يكون به بأس انتهى كلامه وقد وضع تمر الصدقة في المسجد وبات عنده ابو هريرة رضي الله عنه وجاءت الغول وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والخبر مشهور في الصحيحين وغيرهما فصل فروع في رحبة المسجد وبنائه في الطريق ومتى يجوز هدمه
رحبة المسجد إن كانت محوطة فلها حكمه وإلا فلا قدمه في الرعاية الكبرى والمستوعب وذكر أن هذا رواية واحدة وأنه الصحيح وعنه ليست من المسجد مطلقا وهو ظاهر كلام الخرقي وعنه لها حكمه مطلقا
____________________
(3/394)
ويجوز للإمام أن يأذن في بناء مسجد في طريق واسع وعليه ما لم يضر بالناس وعنه المنع مطلقا سواء بنى على ساباط أو قنطرة جسر وقال أيضا حكم المساجد التي بنيت في الطرق أن تهدم وقال أيضا هذه المساجد أعظم جرما يخرجون المسجد ثم يخرجون على أثره وعنه يجوز البناء بلا إذنه وحيث جاز صحت الصلاة فيه وإلا فوجهان وتصح فيما بنى على درب مشترك بإذن أهله وفيه وجه لا تصح وإن جدد الطريق ونحوه بعد المسجد فوجهان
وقال القاضي إذا أحدث الطريق بعد ما بنى المسجد فقد يتوجه كرهة الصلاة فيه ومن جعل علويته أو أسفله مسجدا صح وانتفع بالآخر قدمه في الرعاية الكبرى وقال في المستوعب إن جعل اسفل بيته مسجدا لم ينتفع بسطحه وإن جعل سطحه مسجدا انتفع بأسفله نص عليه وقال احمد لان السطح لا يحتاج إلى أسفل ولا يجوز أن يهدم المسجد ويبنى تحته حوانيت تنفعه أو سقاية خاصة او عامة فإن انهدم المسجد فكذلك وقيل يجوز ذلك في الحالين أومأ اليه إحمد قال بعضهم وهو بعيد وقيل ينظر إلى قول أكثر أهله وقيل يجوز أن يهدم المسجد ويجدد بناؤه لمصلحة نص عليه وقال تارة في مسجد له حائط قصير غير حصين وله منارة لا بأس أن تهدم وتجعل في الحائط لئلا تدخله الكلاب وقال لا يبنى مسجد إلى جنب مسجد آخر إلا لحاجة كضيق الأول ونحوه فصل كراهة مد الرجلين إلى القبلة أو في المسجد
ذكر غير واحد من الحنفية رحمهم الله أنه يكره مد الرجلين إلى القبلة في النوم وغيره وهذا إن أرادوا به عند الكعبة زادها الله شرفا فمسلم وإن أرادوا مطلقا كما هو ظاهر فالكراهة تستدعي دليلا شرعيا وقد ثبت في الجملة استحبابه أو جوازه كما هو في حق الميت قال في المفيد من كتبهم ولا يمد رجليه يعني في المسجد لأن في ذلك إهانة به ولم أجد أصحابنا ذكروا هذا ولعل تركه أولى ولعل ما ذكره الحنفية رحمهم الله من حكم هاتين المسألتين قياس كراهة الامام احمد رحمه الله الاستناد إلى القبلة كما سبق فإن
____________________
(3/395)
هاتين المسألتين في معنى ذلك
وينبغي لمن دخل المسجد للصلاة أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه لا سيما إن كان صائما ذكر ابن الجوزي هذه المسألة في المنهاج وكذلك ينبغي له قصد استقبال القبلة فصل في حفر البئر في المسجد
قال المروذي سألت أبا عبد الله عن حفر البئر في المسجد قال لا قلت فإن حفرت بئر ترى أن يؤخذ المغتسل فيغطى به البئر قال لا إنما ذلك للموتى وقال في الرعاية في احياء الموات إن أحمد رحمه الله لم يكره حفرها فيه وقال ابن حمدان إن كره الوضوء فيه كره حفرها فيه وإلا فلا
قال المروذي سمعت أبا عبد الله يقول ثلاثة اشياء لا بد للناس منها الجسور والقناطر وأراه ذكر المصانع والمساجد وقال قد كان ههنا قوم أخرجهم هذا الامر إلى أن أباحوا السرقة فقالوا لو سرق هذا لم يكن عليه قطع قلت لأبي عبد الله هؤلاء قوم كانوا قد مرقوا من الإسلام قال نعم وقال ابو عبد الله قبل موته بشيء يسير قد دخلت إلى داخل المسجد فصليت على الحصر ثم قال ابو عبد الله هذا المسجد الحرام ينفقون عليه ويعمرونه فصل في ذكر أخبار تتعلق بأحكام المساجد
عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة رواه مسملم (1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة رواه احمد + أخرجه احمد وصححه ابن حبان
وعنه أيضا مرفوعا قال ما أمرت بتشييد المساجد
____________________
1- اخرجه البخاي ومسلم وابن حبان
(3/396)
قال ابن عباس لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى رواه ابو داود (1)
قال المروذي قلت لأبي عبد الله إن ابن أسلم الطوسي لا يجصص مسجده ولا يرى بطرسوس مسجدا مجصصا إلا قلع جصه فقال أبو عبد الله هو من زينة الدنيا وذكرت لأبي عبد الله مسجدا قد بني وانفق عليه مال كثير فاسترجع وانكر ما قلت قال أبو عبد الله قد سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يكحل المسجد قال لا عريش كعريش موسى + اخرجه الدارمي وابن ابي شيبة في المصنف من طريق الحسن مرسلا وهو مرسل صحيح +
قال أبو عبد الله إنما هو شيء مثل الكحل يطلى به أي فلم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن المسجد كان على عهد رسول الله مبنيا باللبن وسقفه بالجريد وعمده خشب النخل فلم يزد ابو بكر فيه شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا ثم غيره عثمان وزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة بالقصة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج القصة الجص
وعن انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد إسناده ثقات رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه + اخرجه احمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان +
وعن ابن عباس مرفوعا أراكم ستشرفون مساجدكم بعدي مكا شرفت اليهود كنائسها وكما شرفت النصارى بيعها + اخرجه ابن ماجه وفي سنده جبارة بن المغلس وهو ضعيف +
وعن عمر رضي الله عنه مرفوعا ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم رواهما ابن ماجه من رواية جبارة بن المغلس وقد كذبه ابن معين وقال ابن نمير صدوق وقال ابو حاتم هو عندي عدل وقال البخاري
____________________
1- اخرجه ابو داود وصححه ابن حبان
(3/397)
حديثه مضطرب (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب + أخرجه احمد وابن ماجه وابو داود والترمذي وصححه ابن حبان +
إسناده حسن رواه احمد وابو داود وابن ماجه والترمذي وذكر أنه قد روي مرسلا وأن المرسل أصح
وعن سمرة رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها رواه أحمد والترمذي وصححه
ورواه ابو داود ولفظه كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا ونصلح صنعتها ونطهرها + اخرجه ابو داود والبيهقي والطبراني وإسناده ضعيف لجهالة أحد رواته +
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم رواه البخاري ومسلم + اخرى جه البخاري ومسلم وابن حبان +
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا احب البلاد الى الله تعالى مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها رواه مسلم + اخرجه مسلم وابن حبان +
وثبت في الخبر ضرب الخباء واحتجار الحصيرة في المسجد وعن احمد في مسائل صالح وابن منصور تقييد الإباحة بوجود البرد قال القاضي
____________________
1- اخرجه ابن ماجه وسنده ضعيف كسابقه لضعف جباره
(3/398)
سعد الدين الحارثي من أصحابنا والصواب عدم أعتبار هذا القيد
وعن ابي حميد أو أبي أسيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم أفتح لي ابواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك رواه احمد والنسائي ورواه مسلم وابو داود وقالا عن ابي حميد أو أبي اسيد بالشك (1)
وعن فاطمة الزهراء رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال باسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب رحمتك وإذا خرج قال باسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب فضلك في إسناده ضعف رواه أحمد وابن ماجه ورواه الترمذي بإسناد آخر بنحوه وقال حديث حسن وليس إسناده بمتصل + اخرجه احمد وابن ماجه والترمذي وهو حسن كما قال الترمذي +
وروى ابن ماجه ورجاله ثقات من حديث ابي هريرة نحوه إلا أنه قال إذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم + ابن ماجه وابن حبان وقال البوصيري في الزوائد هذا إسناد صحيح رجاله ثقات +
وعن ابي هريرة مرفوعا من سمع رجلا ينشد في المسجد ضالة فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا + اخرجه احمد ومسلم وصححه ابن حبان +
وعن بريدة ان رجلا نشد في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له رواهما احمد ومسلم + اخرجه احمد ومسلم وصححه ابن حبان +
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقام الحدود في
____________________
1- اخرجه مسلم وابو داود وابن حبان
(3/399)
المساجد ولا يستقاد فيها رواه احمد وابو داود وإسناده ثقات وفيه انقطاع (1)
وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد وأن ينشد فيه الاشعار وأن تنشد فيه الضالة إسناده ثقات وعمرو بن شعيب تكلم فيه وحديثه حسن وروى حديثه هذا جماعة منهم احمد وأبو داود والترمذي وحسنه + +
وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال مر عمر في المسجد وحسان ينشد فلحظ إليه فقال كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني اللهم أيده بروح القدس قال نعم رواه البخاري ومسلم + اخرجه البخاري ومسلم +
وتقدم عنه ما يتعلق بالقصاص والوعاظ وأحاديث في الشعر
قال القاضي في الجامع الكبير وروى أبو بكر الفرياني في كتاب الصلاة بإسناده عن ابي النعمان قال حججت في خلافة عمر فقدمت المدينة فدخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فتقدمت إلى مقدم المسجد أصلي إذ دخل عمر فرآني فأخذ برأسي وجعل يضرب به الحائط ويقول ألم أنهكم أن تقدموا في مقدم المسجد بالسحر إن له عوامر
وبإسناده عن عبد الله بن عامر قال دخل حابس بن سعد الطائي المسجد من السحر وكانت له صحبة فإذا ناس في صدر المسجد يصلون فقال
____________________
1- حديث حسن لغيره اخرجه احمد وابو داود وابن أبي شيبة والدارقطني والحاكم وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن ماجه وآخر من حديث ابن عباس عند الترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وثالث مرسل عن مكحول عند ابن ابي شيبة وهو مرسل صحيح
(3/400)
أرعبوهم فمن أرعبهم فقد أطاع الله ورسوله قال جرير بن عثمان كنا نسمع ان الملائكة تكون قبل الصبح في الصف الاول قال القاضي وهذا يدل على كراهة التقدم في المسجد وقت السحر
وعن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى رواه البخاري ومسلم (1)
ولمالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا يفعلان ذلك
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع إحدى رجليه على الاخرى وهو مستلق على ظهره إسناد ثقات رواه احمد وأبو داود والترمذي وصححه + اخرجه مسلم وابو داود +
ورأى قتادة بن النعمان أخاه لامه أبا سعيد كذلك وكانت إحدى رجليه وجعة فضربه عليها فقال أوجعتني ما حملك على ذلك قال أولم تسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن هذه رواه أحمد
قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الرجل يستلقي على قفاه ويضع إحدى رجليه على الاخرى قال ليس به بأس قد روي
قال ابن الجوزي لا بأس به إذا كان له سراويل ويتوجه تخريج رواية يكره كشربه قائما ونهيه عنه ونحو ذلك وعلى هذا لو وضع إحداهما على الاخرى من غير استلقاء احتمل وجهين نظرا إلى أن النهي إنما هو مع الاستلقاء والأصل اعتبار الوصف او أن المقصود وضع أحداهما على الاخرى والاستلقاء ذكر لأنه الغالب لا انه معتبر في الحكم والأول أظهر لأن الأصل عدم الكراهة خولف للخبر وهو في امر مخصوص فيقتصر عليه
وقد قال ابن حزم في كتاب الاجماع قبل السبق والرمي اتفقوا على إباحة
____________________
1- اخرجه البخاري وابو داود والترمذي في الشمائل
(3/401)
جلوس المرء كيف أحب ما لم يضع رجلا على رجل أو يستلقي كذلك واختلفوا في جواز الاستلقاء والقعود كما قدمنا فمن مانع ومبيح فسوى ابن حزم في حكايته بين القعود والاستلقاء وفيه نظر لما سبق والقول ايضا بأنه لا يجوز غير متجه لفعله عليه الصلاة والسلام والأصل التساوي في الاحكام إلا ما خصه الدليل وقد فعله الصحابة رضى الله عنهم
وسبق قبل فصول آداب الأكل قبل فصل استحباب القائلة كراهية الاتكاء على يده اليسرى من وراء ظهره وسبق قبل فصول آداب المسجد قبل فصل الكف عن مساوئ الناس كلام الشيخ عبد القادر رحمه الله في كراهة الاتكاء وسواء وحده أو في جماعة ويقتضيه تعليله بأنه تجبر وقوله أو هوان بالجلساء يحتمل ان يقال لا يقتضي اختصاصه بالجماعة بل يكره إن كان وحده لعلة وإن كان في جماعة لعلتين ويحتمل أن يقال مراده في جماعة وسبق بنحو نصف كراسة في فصول آداب المسجد جلسة المحتبي والمتربع وتأتي جلسة المتربع في اللباس في فصل كراهة النظر إلى ملابس الحرير
وقال ابن منصور لأبي عبد الله يكره للمرأة أن تستلقي على قفاها قال إي والله يروى عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما أنه كرهه ورواه الخلال عن ابن سيرين وقد تقدمت هذه المسألة
وعن ابن عمر أنه كان ينام وهو شاب عزب لا أهل له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري وأبو داود والنسائي واحمد ولفظه كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ننام في المسجد ونقيل فيه والترمذي وصححه ولفظه كنا ننام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شباب رواه مسلم بمعناه وله في رواية أبيت في المسجد (1)
قال الترمذي وقال ابن عباس لا تتخذوه مقيلا ومبيتا
قال البخاري وقال ابو قلابة عن انس قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
1- اخرجه البخاري وابو داود والنسائي واحمد والترمذي
(3/402)
فكانوا في الصفة (1)
وقال عبد الرحمن بن ابي بكر رضي الله عنهما كان أصحاب الصفة فقراء
وقال ابو بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت المسجد فإذا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز بين يدي عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه رواه أبو داود من رواية مبارك بن فضالة وفيه كلام وباقية ثقات + اخرجه ابو داود مبارك بن فضالة يدلس تدليس التسوية وقد عنعن +
وعن عبد الله بن الحارث قال كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم رواه ابن ماجه حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب وحرملة بن يحيى قالا حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث حدثني سليمان بن زياد الحضرمي أنه سمع عبد الله بن الحارث فذكره إسناده جيد وسليمان وثقه ابن معين + اخرجه ابن ماجه واحمد وصححه ابن حبان +
وعن عثمان بن طلحة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه بعد دخوله الكعبة فقال إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرها فإنه لا ينبغي أن يكون في قبة البيت شيء يلهي المصلي رواه أحمد وأبو داود + اخرجه احمد وابو داود والحميدي وسنده ضعيف فيه مجهول +
وعن واثلة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على ابوابها وجمروها في الجمع رواه ان ماجه بإسناد ضعيف + سنن ابن ماجه وضعفه البوصيري في الزوائد وأخرجه الطبراني +
ورواه الطبراني من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه بإسناد
____________________
1- البخاري
(3/403)
ضعيف أيضا (1)
وفي حواشي تعليق القاضي عند مسائل القسمة قال من حديث أبي القاسم عبيد الله بن عثمان الصيرفي خرجه في كتاب الجماعات وأحكام المساجد بإسناده عن ابي الدرداء وواثلة بن الاسقع وأبي أمامة قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول جنبوا مساجدكم خصوماتكم ورفع اصواتكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم ومجانينكم وجمروها في الجمع ولا تتخذوا على أبواب مساجدكم مطاهر + رواه الطبراني في الكبير عن ثلاثتهم وفي سنده العلاء بن كثير وهو متفق على ضعفه وقد ضعف الحديث جمع من الحفاظ وقال عبد الحق الاشبيلي لا أصل له +
وفي الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام أمر من مر بنبل في المسجد أو سوق أن يمسك على نصالها + انظر صحيح البخاري وصحيح مسلم +
وهذا من شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة النار + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
ينزع معناه يرمي في يده ويحقق ضربته وروي بالغين من الإغراء أي يحمل على تحقيق الضرب ويزينه
ولمسلم من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه + أخرجه مسلم +
أي حتى يدعه كما وقع في بعض النسخ وظاهره ولو كان هازلا لما فيه من ترويع المسلم
وقد روى أبو داود وغيره عنه عليه السلام لا يحل لمسلم أن يروع مسلما + أخرجه أبو داود وأحمد وهو صحيح +
____________________
1- الطبراني وهو ضعيف
(3/404)
ورووا أيضا لا يأخذ أحدكم متاع أخيه جادا هازلا (1)
وكما روى أبو داود عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقد السير بين إصبعين + أخرجه ابو داود ورجاله ثقات +
وقال في المستوعب روى عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال جنبوا مساجدكم صنائعكم + أخرجه ابن عدي في الكامل وهو حديث موضوع في سنده كذاب + فصل في السابق إلى مكان مباح أحق به
ليس له أن يقيم إنسانا ويجلس مكانه ومن قام من موضعه لعذر ثم عاد إليه فهو أحق به ذكره جماعة وإن كان لغير عذر سقط حقه بقيامه إلا أن يخلف مصليا أو وطاء ففيه وجهان ذكرهما ابن عقيل وغيره والأخبار في ذلك مشهورة
وقال في الرعاية في باب إحياء الموات ومن جلس في مسجد أو جامع لفتوى أو لإقراء الناس فهو أحق به ما دام فيه أو غاب لعذر ثم عاد قريبا وإن جلس فيه لصلاة فهو أحق به فيها فقط وإن غاب لعذر ثم عاد قريبا فوجهان انتهى كلامه وهو غريب بعيد فصل أهل المساجد أحق بحريمها فتمنع مزاحمتهم فيها
قال القاضي أما حريم الجوامع والمساجد فإن كان الارتفاق بها مضرا بأهل الجوامع والمساجد منعوا منه ولم يجز للسلطان أن يأذن فيه لأن المصلين أحق وإن لم يكن مضرا جاز الارتفاق بحريمها وهل يعتبر فيه إذن السلطان على الوجهين في حريم الاملاك
وقد قال أحمد في رواية المروذي في الرجل يحفر في فناء المسجد أو في
____________________
1- أخرجه ابو داود والبخاري في الادب المفرد والترمذي واحمد وإسناده صحيح
(3/405)
وسط المسجد بئرا للماء ما يعجبني أن تحفر وإن حفرت تطم وأما ما اختص بأفنية الشوارع والطرقات فإن كان مضرا بالمجتازين لضيق الطريق منعوا منه ولم يجز للسلطان أن يأذن فيه وإن لم يكن مضرا لسعة الطريق فعلى روايتين إحداهما المنع أيضا والثانية الجواز قال وهل يفتقر ذلك إلى إذن السلطان يخرج على الوجهين وظاهر كلامه في رواية حرب أنه لم يعتبر إذنه فإن اعتبرنا إذنه لا يكون السابق أحق على هذا الوجه قال وليس له أن يأخذ على الجلوس أجرا فصل في كراهة أعمال الدنيا في المقابر
قال المروذي في كتاب الورع ما كره من عمل الدنيا في المقابر قلت لابي عبد الله فترى للرجل أن يعمل المغازل ويأتي المقابر فربما اصابه المطر فيدخل في بعض تلك القباب فيعمل فيها فقال المقابر إنما هي أمر الآخرة وكأنه كره ذلك فصل في تجصيص المساجد والقبور والبيوت
قال المروذي قلت لأبي عبد الله إن قوما يحتجون في الجص أنه لا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبور (1)
فلا بأس أن تجصص الحيطان فقال وأيش بهذا من الحجة وأنكره وذكر المروذي أن ابن أسلم الطوسي كان لا يجصص مسجده وأنه كان لا يدع بطرسوس مسجدا مجصصا إلا قلعه فقال ابو عبد الله هو من زينة الدنيا وسأله المروذي عن الجص والآجر يفضل من المسجد فقال يصير في مثله
وقال ابو عبد الله قيل للنبي صلى الله عليه وسلم عن تكحيل المسجد فقال لا عريش كعريش موسى وإنما هو شيء يطلى به كالكحل أي فلم يرخص فيه
____________________
1- أخرجه مسلم وابو داود
(3/406)
النبي صلى الله عليه وسلم
وقال في الغنية لا بأس بتجصيص المساجد وتطييبها وسألت أبا عبد الله عن الرجل يجصص فقال أما أرض البيت فيقيهم من التراب وكره تجصيص الحيطان
قال ورأيت في حجرة ابي عبد الله بيتا فيه صور سقفه سواد وبياض فطمسناه وهو معنا حتى بيضنا السقف كله وذكر حديث الاحنف بن قيس أنه قدم من سفر وقد حمروا سقاف بيته ولعله سقف بيته قال لا أدخله حتى يغير وأبو عبد الله مناولة عن عبد الصمد حدثنا حماد حدثنا سعيد بن جهمان عن سفينة ابي عبد الرحمن أن رجلا ضاف عليا فقالت له فاطمة لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فذكر الحديث وفيه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتا مزوقا إسناد حسن وسعيد فيه كلام وحديثه حسن إن شاء الله تعالى ورواه أبو داود والبيهقيي فصل إنكاره صلى الله عليه وسلم على المتحلقين في المسجد لتفرقهم حلقا حلقا
تقدم في الاستئذان الجلوس وسط الحلقة وقال أبو داود باب في التحلق حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الأعمش حدثني المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم وحلق فقال ما لي أراكم عزين حدثنا واصل بن عبد الاعلى عن ابن فضيل عن الأعمش بهذا قال كأنه يحب الجماعة عزين جمع عزة أي حلقة وجماعة جماعة ورواه مسلم
____________________
(3/407)
فصل فيما ورد في العمارة والبناء
لم أجد أصحابنا رحمهم الله ذكروا النفقة في النفقة العمارة والبناء وقال أبو داود في أبواب الآداب باب ما جاء في البناء ثم ذكر الخبر الصحيح المشهور الذي رواه أحمد والترمذي وصححه أنه عليه السلام مر بعبد الله بن عمرو وأمه يطينان حائطا وفي لفظ يصلحان خصا لهما فقال الأمر اسرع من ذلك (1)
حدثنا احمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عثمان بن حكيم أخبرنا ابراهيم بن محمد ابن حاطب القرشي عن بي طلحة الاسدي عن انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فرأى قبة فذكر الحديث الى أن قال فرجع الرجل إلى قبته فهدمها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرها قال ما فعلت القبة قالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا مالا إلا مالا + اخرجه ابو داود واحمد وفي سنده أبو طلحة قال الحافظ في الفتح ليس بمعروف وأخرجه ابن ماجه من طريق عيسى بن عبد الاعلى وهو مجهول عن إسحاق بن ابي طلحة عن أنس وقال البوصيري هذا إسناد فيه مقال +
إسناده جيد وأبو طلحة روى عنه جماعة ولم أجد فيه كلاما ورواه ابن ماجه وأحمد ولفظه كل على صاحبه وعندهما في آخره والكل الثقل قال تعالى ( ^ وهو كل على مولاه ) النحل 76
قال في النهاية الوبال في الاصل الثقل والمكروه ويريد به في الحديث العذاب في الآخرة
وفي المسند والصحيحين عن خباب رضي الله عنه قال وهو يبني حائطا
____________________
1- أخرجه ابو داود واحمد وابن ماجه والترمذي وإسناده صحيح
(3/408)
له إن المرء المسلم يؤجر في نفقته كلها إلا في شيء يجعله في التراب (1)
ورواه ابن ماجه عن اسماعيل بن موسى عن شريك عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن خباب مرفوعا إن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا في التراب أو قال في البناء + أخرجه ابن ماجه وإسناده ضعيف +
إسناد جيد وظاهره أنه لا إثم له بذلك وللترمذي عن أنس مرفوعا النفقة كلها في سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه + سنن الترمذي وإسناده ضعيف +
وروى احمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من بنى بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر جار ما انتفع به من خلق الله تبارك وتعالى إسناده ضعيف
اعلم ان المسكن لا بد للانسان منه في الجملة فيجب تحصيله لنفسه ولمن تلزمه نفقته ومثل هذا يعاقب على تركه ويثاب على فعله وموته عنه كبقية ماله المخلف عنه لورثته يثاب عليه قال عليه السلام لسعد بن ابي وقاص رضي الله عنه إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس متفق عليه + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وأما الزيادة على ذلك فإن كانت يسيرة لا تعد في العادة والعرف إسرافا واعتداء ومجاوزة للحد فلا بأس بها لا تكره وهل يثاب عليها يحتمل وجهين والأحاديث محتملة ولعل ظاهرها مختلف والأصل عدم الإثابة وقد يحتج للإثابة بظاهر قوله تعالى ( ^ وما انفقتم من شيء فهو يخلفه ) سبأ 39 أي في غير إسراف قاله بعض المفسرين من التابعين ولم يذكر سبحانه الجهة المنفق فيها وإخراج ما جاوز الحد وأسرف فيه لدليل يخصه لا
____________________
1- اخرجه أحمد والبخاري ومسلم وروايته مختصرة وابن حبان موقوفا
(3/409)
يلزم منه إخراج ما دونه والأصل عدم دليل يخرج ذلك
وقد قيل في الآية غير ذلك وظاهرها كما سبق في الكرم والبخل بعد فصول الكسب بعد قوله عليه السلام أنفق ينفق عليك ولأن هذا مما يشرح الصدر ويسر النفس وقد يحفظ الصحة وقد يحتاج إليه ومحذور الاسراف منتف فيستحب ذلك
وأما الاسراف والاعتداء في ذلك فظواهر الاخبار السابقة تدل على الكراهة وقد رواها احمد وابو داود ولم يخالفاها كما أن ظاهرها أنه لا يحرم لأن فاعل المحرم لا يقال عادة وغالبا لا أجر له ولا تخلف نفقته بل يقال يعصي ويأثم ويعاقب فيذكر المعنى المختص بعمله
وعلى هذا المراد بالوبال والكل في الخبر الثقل فيؤتى بمثل هذا الكلام لكراهة الفعل ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدم تلك القبة ولا طلب صاحبها فأمره بذلك وهذا واضح وعلى هذا قول ابن الاثير إن المراد العذاب في الآخرة غير واضح ولا متجه مع أن ظاهر كلام الشيخ تقي الدين إن لم يكن صريحه بأنه يحجر على من بذله في مباح زائدا على المصلحة والمسألة سبقت في آداب الاكل ومذكورة في الفقه في باب الحجر
وحيث حرم أو كره فأجره فاعله تابعة لذلك كما يأتي في خياطة الملبوس إذا حرم حرمت الأجرة وسبق الكلام في الاسراف في مأكول ومشروب وملبوس في آداب الأكل
وقد قال ابن حزم في كتاب الإجماع قبل السبق والرمي اتفقوا على أن بناء ما يستر به المرء حاله وعياله وماله من العيون والبرد والحر والمطر فرض أو اكتساب منزل أو مسكن يستر ما ذكرنا واتفقوا أن الاتساع في المكاسب والمباني من حل إذا أدى جميع حقوق الله قبله مباح ثم اختلفوا فمن كاره
____________________
(3/410)
وغير كاره وسبق كلام ابن حزم في هذا في فصول الكسب والتجارة
واعلم ان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الأحوال وطريقة خير الطرق لما علم عليه السلام أن الدنيا دار سفر لا دار إقامة اتخذ مساكن بحسب الحاجة تستر عن العيون وتقي مضرة الحر والبرد والمطر والرياح وتحفظ ما وضع فيها من دابة وغيرها ولم يزخرفها ولم يشيدها ولم تكن ثقيلة فيخاف سقوطها ولا واسعة رفيعة فتعشش فيها الهوام وتصير مهبا للرياح المؤذية ولا هي مساكن تحت الأرض فتشبه مساكن الجبابرة المتقدمين وربما تأذى ساكنها بذلك لقلة الهواء والشمس أو عدمهما أو بالظلمة أو ببعض الهوام بل هي مساكن متوسطة حسنة طيبة الرائحة بعرقه ورائحته صلى الله عليه وسلم وكان يحب الطيب ويتخذه كما سبق في حفظ الصحة من فصول الطب والله أعلم فصل مضاعفة الصلاة في المساجد الثلاثة
وصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة وفي مسجد النبي بخمسين ألفا وفي المسجد الاقصى بخمسة وعشرين ألفا فإذا فضيلة النفل فيها على النفل في غيرها كفضيلة الفرض فيها على الفرض في غيرها ذكر ذلك في المستوعب والرعاية وزاد للأثر كذا ذكره ابن عبد القوي ولم أجد أثرا بهذه الصفة والظاهر أنهم ارادوا حديث انس الآتي ووقع لهم فيه غلط وكذا عند الشافعية أن المضاعفة لا تختص بالفرض وكذا قاله مطرف المالكي
وخصها الطحاوي الحنفي بالفرض وقال القاضي السروجي الحنفي اسم الصلاة يتناول الفرض والنفل ثم قال وحكى ابن رشد المالكي في القواعد ان أبا حنيفة حمل هذا الخبر يعني صلاة في مسجدي هذا على الفرض ليجمع بينه وبين قوله عليه السلام صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة (1)
ولم يزد السروجي على هذا
____________________
1- أخرجه البخاري ومسلم وابو داود والترمذي
(3/411)
وحكى الشيخ تقي الدين رحمه الله عن الجمهور استحباب المجاورة بمكة قال قالوا ولأن المجاورة بها من تحصيل العبادات وتضعيفها ما لا يكون في بلد آخر ولأن الصلاة بها تتضاعف هي وغيرها من الاعمال انتهى كلامه وقطع به الشيخ موفق الدين رحمه الله في استدلاله لأفضلية صدقة التطوع في الاوقات والاماكن المعظمة
وروى الإمام احمد في مسنده عن علي بن بحر عن عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن زياد بن ابي سودة عن أخيه عثمان عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت يا نبي الله افتنا في بيت المقدس قال ارض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه قالت أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه قال فليهد له زيتا يسرج فيه فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه رواه ابن ماجه عن اسماعيل بن عبد الله الرقي عن عيسى كذلك (1)
ورواه ابو داود من حديث مسكين بن بكير عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد ابن سودة عنها في حديث حسن ورجاله ثقات وادعى بعضهم أن فيه نكارة من جهة ان الزيت يعز في الحجاز فكيف يأمر الشارع بنقله من هناك إلى معدنه
وروى ابن ماجه حدثنا هشام بن عمار حدثنا ابو الخطاب الدمشقي حدثنا رزيق ابو عبد الله الالهاني عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمس مئة صلاة وصلاته في المسجد الاقصى بخمسين ألف صلاة وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة + أخرجه ابن ماجه وضعفه البوصيري في الزوائد +
أبو الخطاب هذا لا يعرف ولم
____________________
1- اخرجه احمد وابن ماجه والطحاوي في شرح مشكل الاثار وإسناده صحيح
(3/412)
يرو عنه غير هشام بن عمار وقال ابو حفص عمر بن بدر الموصلي الحنفي لا يصح في هذا الباب شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ثلاثة أحاديث
أحدها لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى (1)
والآخر أنه سئل عن أول بيت وضع في الارض فقال المسجد الحرام قيل ثم ماذا قال المسجد الاقصى قيل كم كان بينهما قال أربعون عاما (1)
والآخر ان الصلاة فيه تعدل سبع مئة صلاة كذا قال
وفي الصحيحين من حديث ابي هريرة صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام (1)
وروى احمد وغير واحد مثله من حديث جابر وهو صحيح وزادوا وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه + اخرجه احمد وابن ماجه وإسناده صحيح +
ولأحمد وغيره بالإسناد الصحيح من حديث ابن الزبير رضي الله عنهما مثل حديث أبي هريرة وزادوا وصلاة في المسجد الحرام افضل من مئة صلاة في هذا + اخرجه احمد والبيهقي وإسناده صحيح +
فعلى هذا الصلاة في مسجد المدينة تزيد على الف في غيره سوى المسجد الحرام لا أنها تعادل الألف والصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(3/413)
صلاة فيما سواه سوى مسجد المدينة والقول بهذا أولى مما تقدم ذكره عن بعض الاصحاب وهو الذي اعتمد عليه الشيخ مجد الدين في أحكامه وغيره من الاصحاب وغيرهم
وظاهر الاخبار أن النفل في البيت افضل قال عليه الصلاة والسلام أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة متفق عليه
وينبغي ان يكون مرادهم إلا النساء لان صلاتهن في بيوتهن أفضل والاخبار مشهورة في ذلك وهو ظاهر كلام أصحابنا وغيرهم
وقد قال الإمام احمد في المسند حدثنا هارون اخبرني عبد الله بن وهب حدثنا داود بن قيس عن عبد الله بن سويد الانصاري عن عمته ام حميد امرأة ابي حميد الساعدي أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني احب الصلاة معك قال قد علمت انك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي قال فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل (1)
عبد الله بن سويد ذكره البخاري في تاريخه وقال روى عنه داود بن قيس ولم يزد على ذلك ففيه جهالة لكن المتقدمون حالهم حسن وباقي رجاله ثقات والله أعلم
وهذه المضاعفة تختص بالمسجد على ظاهر الخبر وقول العلماء من اصحابنا وغيرهم قال ابن عقيل الاحكام المتعلقة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في زمانه لا ما زيد فيه لقوله عليه السلام في مسجدي هذا واختار الشيخ أن حكم
____________________
1- اخرجه احمد وابن خزيمة وفي إسناده عبد الله بن سويد الانصاري وهو مجهول
(3/414)
الزائد حكم المزيد عليه
وعن ابي ذر رضي الله عنه قال لان اصلي على رملة حمراء احب إلي من ان اصلي في بيت المقدس
وعن حذيفة رضي الله عنه قال لو سرت حتى ما يكون بيني وبين بيت المقدس إلا فرسخ أو فرسخان ما اتيته أو ما أحببت ان آتيه رواهما ابو بكر بن أبي شيبة في مصنفه والإسناد صحيح ولعله لم يبلغهما الحديث في ذلك فصل زيادة الوزر كزيادة الاجر في الازمنة والامكنة المعظمة
قال الشيخ تقي الدين المعاصي في الايام المعظمة والامكنة المعظمة تغلظ معصيتها وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان انتهى كلامه وهو معنى كلام ابن الجوزي وغيره
وقد روى الحافظ ابو القاسم التميمي في الترغيب حدثنا سليمان بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن محمد بن حمدية حدثنا محمد بن عبد الله بن ابراهيم حدثنا احمد بن ابي العوام حدثنا ابي حدثنا خلف بن خليفة عن عبد الله بن عبيد الله بن ابي مليكة عن الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة مرفوعا فذكره وفي آخره فاتقوا شهر رمضان فإن الحسنات تضاعف فيه وكذلك السيئات وهو خبر ضعيف فصل دخول معابد الكفار والصلاة فيها وشهود أعيادهم
وله دخول بيعة وكنيسة ونحوهما والصلاة في ذلك وعنه يكره إن كان ثم صورة وقيل مطلقا ذكر ذلك في الرعاية وقال في المستوعب وتصح صلاة الفرض في الكنائس والبيع مع الكراهة وقال ابن تميم لا بأس بدخول البيع والكنائس التي لا صور فيها والصلاة فيها وقال ابن عقيل يكره كالتي
____________________
(3/415)
فيها صور وحكى في الكراهة روايتين وقال في الشرح لا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة روى ذلك عن ابن عمر وابي موسى وحكاه عن جماعة وكره ابن عباس ومالك الكنائس لأجل الصور وقال ابن عقيل تكره الصلاة فيها لأنه كالتعظيم والتبجيل لها وقيل لأنه يضر بهم
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وفيها صور ثم قد دخلت في عموم قوله عليه السلام فصل فإنه مسجد متفق عليه انتهى كلامه
وينبغي ان يكون دخول مسجد فيه تصاوير كذلك وعندنا انه لا يحرم واحتج في المغني بدخول الكنائس والبيع ويباح ترك الدعوة لأجله عقوبة للداعي لأنه أسقط حرمته باتخاذه ذلك
وقال اكثر الشافعية إذا كانت الصور على الستور وما ليس بموطوء لم يجز له الدخول وهو الذي ذكره ابن الجوزي في منهاج القاصدين قال في صور الحيوانات على باب الحمام او داخله من لم يقدر على الإنكار لم يجز له الدخول إلا لضرورة وليعدل إلى حمام آخر
وذكر ايضا في منكرات الضيافة ان تعليق الستور وفيها الصور منكر يجب تغييره ومن عجز لزمه الخروج انتهى كلامه وهو مقتضى كلام غير واحد
ويدخل في هذه المسألة شهود اعياد اليهود والنصارى وقال أبو الحسن الآمدي لا يجوز شهود اعياد النصارى واليهود نص عليه احمد في رواية مهنا واحتج بقوله تعالى ( ^ والذين لا يشهدون الزور ) الفرقان 72 قال الشعانين وأعيادهم فأما ما يبيعون في الاسواق في اعيادهم فلا بأس بحضوره نص عليه احمد في رواية مهنا فقال إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم فأما ما يباع في الاسواق من المأكل فلا وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم
وقال الخلال في جامعه باب في كراهية خروج المسلمين في أعياد المشركين وذكر عن مهنا قال سألت احمد عن شهود هذه الاعياد التي تكون
____________________
(3/416)
عندنا بالشام مثل دير أيوب واشباهه يشهده المسلمون يشهدون الأسواق ويجلبون فيه الغنم والبقر والدقيق والبر وغير ذلك إلا أنه إنما يكون في الاسواق يشترون ولا يدخلون عليهم بيعهم قال إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم وإنما يشهدون السوق فلا بأس قال الشيخ تقي الدين فإنما رخص أحمد رحمه الله في دخول السوق بشرط أن لا يدخلوا عليهم بيعهم فعلم منعه من دخول بيعهم وكذلك أخذ الخلال من ذلك المنع من خروج المسلمين في أعيادهم فقد نص احمد على مثل ما جاء عن عمر رضي الله عنه من المنع من دخول كنائسهم في أعيادهم وهو كما ذكرنا من باب التنبيه على المنع من ان يفعل كفعلهم قال وقد تقدم قول القاضي ابي يعلى مسألة في المنع من حضور أعيادهم
وروى البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهية الدخول على أهل الذمة في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم عن سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار قال قال عمر رضي الله عنه لا تعلموا رطانة الاعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم قال الشيخ تقي الدين وكذلك ايضا على هذا لا ندعهم يشركونا في عيدنا يعني لاختصاص كل قوم بعيدهم
قال وأما الرطانة وتسمية شهورهم بالاسماء الاعجمية فقال حرب باب تسمية الشهور بالفارسية قلت لاحمد فإن للفرس اياما وشهورا يسمونها بأسماء لا تعرف فكره ذلك أشد الكراهة وروى فيه عن مجاهد حديثا انه كره أن يقال أذرماه وذماه قلت فإن كان اسم رجل اسميه به فكرهه وهذا قول مالك وقد استدل بنهي عمر عن الرطانة مطلقا وقال كره الشافعي لمن
____________________
(3/417)
يعرف العربية أن يسمي بغيرها أو أن يتكلم بها خالطا لها بالعجمية فذكر كلامه في ذلك وذكر آثارا فصل النظر في النجوم وما يقال عند الرعد ورؤية الهلال
ولا ينظر في النجوم إلا بما يستدل به على القبلة عند الالتباس وآخر الليل ويترك ما سوى ذلك ذكره في المستوعب وغيره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد إسناده جيد رواه احمد وأبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس (1)
وهذه المسألة مذكورة في استقبال القبلة وفي باب المرتد
وقد ذكر ابن عبد البر وغيره عن عمر رضي الله عنه قال تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم أمسكوا وأنشد بعضهم
( علم النجوم على العقول وبال % وطلاب شيء لا ينال ضلال )
( هيهات ما أحد مضى ذو فطنة % يدري متى الأرزاق والآجال )
( إلا الذي هو فوق سبع سمائه % ولوجهه الإعظام والإجلال )
وقال آخر
( لو أن نجما تكلم % لقال صكوا المنجم )
( لأنه قال جهلا % بالغيب ما ليس يعلم )
وروى احمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا هشام عن محمد قال كنا مع أبي قتادة رضي الله عنه على ظهر بيتنا فرأى كوكبا انقض فنظروا إليه فقال أبو قتادة إنا قد نهينا أن نتبعه ابصارنا إسناد صحيح
قال الشيخ وجيه الدين بن المنجي رحمه الله في شرح الهداية كان السلف
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود وابن ماجه وعبد بن حميد وإسناده صحيح
(3/418)
يكرهون الإشارة إلى الرعد والبرق ويقولون عند ذلك لا إله إلا الله سبوح قدوس فيستحب الاقتداء بهم انتهى كلامه
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك رواه الترمذي والنسائي والحاكم (1)
وكان ابن الزبير رضي الله عنه إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته رواه مالك
وإذا رأى الهلال كبر ثلاثا وقال اللهم أهله علينا باليمن والايمان والامن والامان ربي وربك الله + اخرجه الدارمي من حديث ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال الله اكبر اللهم أهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والاسلام والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى ربنا وربك الله وأخرجه ابن حبان والطبرانب ولم يذكرا التكبير وإسناده ضعيف والحديث له شاهد يتقوى به من حديث طلحة بن عبيد الله يتقوى به عند احمد والترمذي والحاكم والدارمي وسنده ضعيف +
ويقول ثلاث مرات هلال خير ورشد ويقول آمنت بالذي خلقك ثم يقول الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا + اخرجه ابو داود وابن ابي شيبة وعبد الرزاق عن قتادة مرسلا ورجاله ثقات قال أبو داود روي متصلا ولا يصح +
وروى أبو داود حدثنا محمد بن العلاء أن زيد بن الحباب أخبرهم عن ابي هلال عن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه + اخرجه ابو داود عن قتادة مرسلا وفي سنده ابو هلال فيه لين +
____________________
1- اخرجه احمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي في اليوم والليلة والترمذي وقال غريب قلنا وفي إسناده مجهول
(3/419)
مرسل حسن وابو هلال محمد بن سليم
وروى عبد الله بن احمد في المسند حدثنا ابو بكر ابن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر أخبرنا عبد العزيز بن محمد حدثني من لا أتهم من أهل الشام عن عبادة بن الصامت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال الله أكبر الحمد لله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أسألك خير هذا الشهر وأعوذ بك من شر القدر ومن سوء المحشر (1) فصل النهي عن سب الريح وما يقال عند هبوبها وعند رؤية السحاب والمطر
عن ابي بن كعب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الريح فإذا رايتم ما تكرهون فقولوا اللهم إنا نسالك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما امرت به رواه الترمذي وقال حسن صحيح + اخرجه عبد الله بن احمد والترمذي والنسائي في اليوم والليلة مرفوعا ورواه النسائي والبخاري في الادب موقوفا قال النسائي وهو الصواب نقله عنه الطحاوي في شرح المشكل وانظر ما قبله +
وعن ابي هريرة مرفوعا الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله من خيرها واستعيذوا بالله من شرها رواه ابو داود + اخرجه ابن ابي شيبة واحمد والبخاري في الادب المفرد وابو داود والنسائي في اليوم والليلة وإسناده صحيح +
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى سحابا مقبلا من
____________________
1- أخرجه عبد الله بن أحمد عن ابن ابي شيبة وإسناده ضعيف في رجل مبهم وتصحف في المسند فصار عبد الله عن ابيه والتصحيح من أطراف المسند لابن حجر
(3/420)
أفق من الأفاق ترك ما هو فيه وإن كان في صلاة حتى يستقبله فيقول اللهم إني أعوذ بك من شر ما أرسل به فإن أمطر قال اللهم سيبا نافعا اللهم سيبا نافعا وإن كشفه لم ولم يمطر حمد الله على ذلك رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي واللفظ له (1)
والسيب العطاء وهو بفتح السين المهملة والياء المثناة تحت فصل النهي عن سب الدهر ونسبة الشر إليه وإنما الفاعل الله وعن قول الرجل هلك الناس
من الناس من يفعل عند النوازل والمصائب ما كانت تفعله العرب من سب الدهر والزمان فلهذا في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار + اخرجه البخاري ومسلم +
وفيهما لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر + اخرجه مسلم وهو من أفراده وانظر تمام تخريجه في ابن حبان +
وفي لفظ لمسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر + صحيح مسلم +
أي إنكم إذا سببتم فاعل ذلك وقع السبت على الله عز وجل لأنه هو الفاعل والدهر لا فعل له بل من جملة مخلوقات الله تعالى
ومن هذا المعنى ما رواه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم + اخرجه مسلم وابو داود +
برفع الكاف قال الحميدي في
____________________
1- أخرجه ابن ماجه واللفظ له وأبو داود والنسائي في اليوم والليلة وإسناده صحيح
(3/421)
الجميع بين الصحيحين وهو أشهر أي أشدهم هلاكا وروي فيه في حلية الأولياء في ترجمة سفيان الثوري فهو من أهلكهم وروي أهلكهم بفتح الكاف أي جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة
وهذا النهي لمن قال ذلك على سبيل الاحتقار والإزراء على الناس وتفضيل نفسه عليهم فإن قال ذلك تحزنا لما يرى من النقص في أمر الدين زاد في شرح مسلم في نفسه وفي الناس فلا بأس كما قال يعني الصحابي أظنه أنس بن مالك لا أعرف من أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعا (1)
هكذا فسره الإمام مالك وتابعه الناس عليه كذا قال وقول الصحابي يقتضي انه إذا قال هذا المعنى تحزنا لما يراه فيهم من النقص فلا بأس من غير أن يرى ذلك في نفسه لكن لا يزكي نفسه
قال الخطابي معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فاذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالا منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم
وقال في النهاية من فتحها كانت فعلا ماضيا ومعناه أن الذين يؤيسون الناس من رحمة الله يقولون هلك الناس أي استوجبوا النار بسوء أعمالهم فإذا قال الرجل ذلك فهو الذي أوجبه لهم لا الله تعالى أو هو الذي لما قال لهم وآيسهم حملهم على ترك الطاعة والانهماك في المعاصي فهو الذي أوقعهم في الهلاك واما الضم فمعناه أنه إذا قال لهم ذلك فهو أهلكهم أي أكثرهم هلاكا وهو الرجل يولع بعيب الناس ويرى له عليهم فضلا
وفي مسلم عن جندب بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان وأن الله قال من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر
____________________
1- اخرجه البخاري واحمد والترمذي بنحوه
(3/422)
لفلان قد غفرت لفلان وأحبطت عملك (1)
أو كما قال المراد حبط بقدر هذه السيئة لا كل عمله وقد المسألة في فصول التوبة فصل في قول حرثت بدل زرعت موافقة للآية
روى أبو يعلى الموصلي حدثنا مسلم بن ابي مسلم الجرمي حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم زرعت ليقل حرثت قال محمد قال أبو هريرة ألم تسمعوا إلى قول الله تعالى ( ^ أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) الواقعة 64 + حديث صحيح أخرجه ابن حبان وانظر تمام تخريجه فيه +
قال محمد بن الحسن الازدي وقد روي هذا الخبر عن ابي يعلى تفرد به مخلد بن الحسين انتهى كلامه ومخلد من الثقات العقلاء قال ابو داود كان أعقل أهل زمانه فصل النهي عن تسمية العنب كرما لان الكرم يطلق على الخمر
في الصحيحين عن ابي هريرة مرفوعا لا يقولن احدكم للعنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم + اخرجه البخاري ومسلم +
وفي لفظ فإن الكرم قلب المؤمن
ولأبي داود وغيره ولكن قولوا حدائق الأعناب + اخرجه ابو داود وإسناده صحيح +
وترجم عليه باب في حفظ المنطق
ولمسلم عن وائل عن ابيه مرفوعا لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة + أخرجه مسلم وابن حبان وانظر تمام تخريجه فيه +
والحبلة بفتح الحاء المهملة وبفتح الباء وإسكانها شجرة العنب ففي هذا كراهة تسمية العنب أو شجرته كرما بل يقال عنب أو حبلة لأن
____________________
1- اخرجه مسلم
(3/423)
العرب كانت تطلق الكرم على ذلك وعلى الخمر المتخذة منه فنهى الشرع عن إطلاقها على ذلك لانهم يتذكرون بها الخمر فيقعون فيها وقال إنما يستحق هذا الاسم الرجل المسلم أو قلب المؤمن لان الكرم مشتق من الكرم بفتح الراء فسمي قلب المؤمن والرجل المسلم كرما لما فيه من الخير قال أهل اللغة يقال رجل كرم بفتح الراء وإسكانها وكذا رجلان ورجال وامرأة ونسوة وصف بالمصدر كحرض وعدل وسبق في المفردات من الطب فصل ليقل المرء لقست نفسي بدل خبثت
في الصحيحين عن عائشة وسهل بن حنيف رضي الله عنهما مرفوعا لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي (1)
وهما بمعنى واحد وإنما كره لفظ الخبث لبشاعة الاسم ومعنى لقست عتت وقيل ضاقت وإنما قال عليه السلام في الذي ينام عن الصلاة فأصبح خبيث النفس كسلان لانه مخبر عن صفة غيره وعن شخص مبهم مذموم ذكره غير واحد ويتوجه انه لبيان الجواز روى احمد خبر عائشة وروى أبو داود بلفظ لا يقولن أحدكم جاشت نفسي + هو في سنن ابي داود وإسناده صحيح + فصل
قال ابو داود حدثنا وهب بن بقية عن خالد يعني ابن عبد الله عن خالد يعني الحذاء عن ابي تميمة عن ابي المليح عن رجل قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثرت دابته فقلت تعس الشيطان فقال لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول بقوتي ولكن قل بسم الله
____________________
1- اخرجه البخاري عن ابي امامة بن سهل عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم واخرجه احمد والبخاري ومسلم وابن حبان من حديث عائشة
(3/424)
فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب (1)
ورواه النسائي في اليوم والليلة عن بندار عن الثقفي عن خالد عن ابي تميمة عن ابي المليح قال كان رجل فذكره
عن محمد بن حاتم عن سويد عن عبد الله عن خالد عن ابي تميمة عن ابي المليح عن ردف النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه
ورواه محمد بن حمران القيسي عن خالد عن أبي تميمة عن ابي المليح عن أبيه هذا حديث جيد الإسناد وأبو تميمة طريف بن مجالد وأبو المليح هو ابن اسامة ومحمد بن حمران له افراد وغرائب يقال تعس يتعس إذا عثر وانكب لوجهه وقد تفتح العين وهو دعاء عليه بالهلاك فصل ما ورد في قطع شجر السدر وسببه
قال ابو داود في الادب في باب قطع السدر حدثنا نصر بن علي أنبأنا ابو اسامة عن ابن جريج عن عثمان بن ابي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير ابن مطعم عن عبد الله بن حبشي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار + اخرجه ابو داود والبيهقي وهو صحيح +
حدثنا مخلد بن خالد وسلمة يعني ابن شبيب قالا أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عثمان بن أبي سليمان عن رجل من ثقيف عن عروة بن الزبير يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه + اخرجه ابو داود والطحاوي في شرح مشكل الاثار قال ابو داود بإثره هذا الحديث مختصر يعني من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار +
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود وسنده قوي وانظر تمام تخريجه في شرح مشكل الاثار
(3/425)
حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة وحميد بن مسعدة قالا حدثنا حسان بن ابراهيم قال سالت هشام بن عروة عن قطع السدر وهو مستند إلى قصر عروة فقال اترى هذه الابواب المصاريع إنما هي من سدر عروة وكان عروة يقطعها من أرضه وقال لا بأس به وزاد حميد فقال هي يا عراقي جئتني ببدعة قال قلت إنما البدعة من قبلكم سمعت من يقول بمكة لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع السدر ثم ساق معناه انتهى ما ذكره ابو داود (1)
والحديث الأول إسناده جيد ورواه النسائي من حديث ابن جريج وجعل بعضهم الثاني علة للأول ولعل ابا داود أراد هذا
وقد قال الإمام أحمد والعقيلي وغيرهما لا يصح فيه حديث وقد ذكر الأصحاب رحمهم الله أو من ذكر منهم في الفضائل والآداب دون هذا
وقال في النهاية قيل أراد سدر مكة وقيل المدينة ليكون أنسا وظلا للمهاجرين إليها وقيل اراد السدر في الفلاة يستظل به أبناء السبيل والحران أو في ملك إنسان قال ومع هذا فالخبر مضطرب الرواية فإن أكثر ما يروى عن عروة بن الزبير وكان هو يقطعه قال وأهل العلم مجمعون على إباحة قطعة وفي هذا الإجماع مع ذكره القول الثالث نظر إلا أن يكون أراد بالإجماع لا يحرم وأراد صاحب القول الكراهة وقوله أكثر ما يروى عن عروة غير متوجه والله أعلم
وقد قال إسحاق بن إبراهيم في الأدب من مسائله سألته يعني الإمام أحمد عن السدرة تكون في الدار فتؤذي أتقطع قال لا تقطع من أصلها ولا بأس أن تقطع شاخاتها فيحتمل أن يقال هذا النص يدل على كراهة القطع وتضعيفه للحديث يدل على إباحته فيكون عنه روايتان ويحتمل أن يقال هذا يدل على الكراهة والخبر الضعيف يحتج به أحمد وغيره في مثل هذا وقد يقال إذا ضعف أحمد الخبر فينبغي أن يخرج العمل به في مثل هذا
____________________
1- اخرجه ابو داود باسناد ضعيف
(3/426)
على ما سبق في آداب القراءة والدعاء والله أعلم
ذكر في مقبول المنقول في أول كتاب اللواحق أن أبا داود سئل عن معنى هذا الحديث فقال هذا الحديث مختصر يعني من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار فصل في كراهة سب الديك
عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة إسناد جيد رواه أبو داود ولأحمد معناه (1) فصل في الرؤيا
قال في المستوعب لا ينبغي أن يفسر الرؤيا من لا علم له فيها ولا يعبرها على المكروه وهي عنده على الخير ولا على الخير وهي عنده على المكروه انتهى كلامه وينبغي أن يريد بقوله التحريم
قال القاضي في المجرد ومن رأى في منامه بعض ما يكرهه تفل عن يساره ثلاثا وتعوذ بالله من شر ما رآه انتهى كلامه التفل شبيه بالبزق وهو أقل منه أوله البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ وقد تفل يتفل ويتفل وكذا نفث ينفث وينفث
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة + أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وفي رواية أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا
____________________
1- اخرجه ابو داود وصححه ابن حبان وانظر تمام تخريجه فيه
(3/427)
قيل إذا اقترب الزمان أي اعتدل ليله ونهاره وهو أشهر عند أهل الرؤيا وقيل المراد إذا قارب القيامة وجاء في حديث ما يؤيد هذا والرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا يحدث المرء نفسه وإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل
ولمسلم رؤيا الرجل الصالح يراها أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
ولمسلم من حديث ابن عمر الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة
وللبخاري من حديث أنس الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
وقال عليه السلام لم يبق من النبوة إلا المبشرات قيل وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة رواه البخاري من حديث أبي هريرة ومسلم من حديث ابن عباس
وروي من أجزاء اخر كثيرة والاشهر من ستة واربعين
قيل لأنه أقام يوحى إليه ثلاثا وعشرين سنة وكان قبل ذلك يرى في المنام الوحي وهو جزء من ستة وأربعين جزءا
وقيل المراد ان للمنامات شبها مما حصل له ومرتبة من النبوة بجزء من ستة واربعين وقال الخطابي إنما كانت جزءا من أجزاء النبوة في حق الانبياء دون غيرهم
____________________
(3/428)
قال وقال بعض العلماء معنى الحديث أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة وقيل المراد أن في المنام إخبارا بالغيب وهو إحدى ثمرات النبوة وهو يسير في جنب النبوة لأنه يجوز أن يبعث الله نبيا يشرع الشرائع ويبين الاحكام ولا يخبر بغيب أبدا ولا يقدح ذلك في نبوته وهذا الجزء من النبوة وهو الإخبار بالغيب إذا وقع لا يكون إلا صدقا
وقيل هذا الاختلاف يرجع إلى اختلاف حال الرائي فالصالح رؤياه من ستة وأربعين جزءا والفاسق من سبعين وقيل الجلي منها جزء من ستة وأربعين والخفي من سبعين ويأتي كلام مالك
وروى مالك في الموطأ وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة مرفوعا ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة (1)
وعن أنس مرفوعا لا رسول بعدي ولا نبي قال فشق ذلك على الناس فقال لكن المبشرات قالوا وما المبشرات قال رؤيا المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة رواه احمد والترمذي وقال صحيح حسن غريب + اخرجه احمد والترمذي +
وعن ابي هريرة مرفوعا من رآني في المنام فسيراني في اليقظة او لكأنما رآني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي + اخرجه ابن ماجه وابن حبان ومسلم +
قال بعضهم هو على ظاهره وأن من رآه فقد أدركه ولو رآه على خلاف صفته أو رأه جماعة في مواضع وإن غلط في بعض صفاته وتخيل لها على خلاف ما هي عليه وإنما يشترط في المرئي كونه موجودا وقال بعضهم معناه أن رؤياه صحيحة
وفي الصحيحين من حديث ابي قتادة فقد رأى الحق + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وقد تكلم العلماء فيما إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره في منامه او نهاه وتلخيصه
____________________
1- اخرجه مالك وابو داود وابن حبان
(3/429)
أنه لا يغير ما تقرر في اليقظة شرعا إجماعا نظرا إلى ترجيح الدليلين وأما ما ليس فيه أمر ولا نهي عنه عليه الصلاة والسلام في اليقظة فهل يلزم العمل به قال القاضي عياض في أواخر مقدمة مسلم عن قول حمزة الزيات إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فعرض عليه ما سمعه من أبان يعني ابن أبي عياش فما عرف منه إلا شيئا يسيرا قال وهذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان لا أنه يقطع بأمر المنام ولا أنه يبطل بسببه سنة ثبتت ولا يثبت به سنة لم تثبت وهذا بإجماع العلماء انتهى كلامه
قال ابو زكريا النواوي وكذا قال غيره من أصحابنا وغيرهم فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع ولا يخالف هذا قوله صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد رآني فإن معنى الحديث أن رؤيته صحيحة وليست من أضغاث الاحلام وتلبس الشيطان ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي به لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي وقد اتفقوا على ان من شرط من تقبل شهادته وروايته أن يكون متيقظا لا مغفلا ولا سيء الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه
أما إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بفعل مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه لأن ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل بما تقرر من أصل ذلك الشيء انتهى كلامه وهذا كله معنى كلام الشيخ تقي الدين بن تيمية
وقال ابن حزم ايضا لا يلزم العمل به وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في قوله صلى الله عليه وسلم ارى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر (1)
أنه هل يلزم العمل به فيه خلاف والله أعلم
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/430)
وعن ابي سعيد رضي الله عنه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره رواه البخاري (1)
وعن ابي قتاده مرفوعا الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم احدكم حلما فلينفث على يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره وفي رواية فليبصق عن يساره حين يهب من نومه ثلاثا وفي رواية فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثا ولمسلم فليتحول عن جنبه الذي كان عليه + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وفي رواية الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحدا فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر بها إلا من يحب + اخرجه مسلم +
وفي رواية فليتفل عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره روى ذلك البخاري ومسلم
الحلم بضم الحاء وإسكان اللام والفعل منه حلم بفتح اللام وأكثر الروايات فلينفث وقد قيل إن الكل بمعنى وفي شرح مسلم لعل المراد بالجميع النفث فإنه نفخ لطيف بلا ريق
وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأى احدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه رواه مسلم + اخرجه مسلم وأبو داود وابن حبان +
____________________
1- اخرجه البخاري
(3/431)
وعن واثلة رضي الله عنه مرفوعا إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه أو يري عينه ما لم تر أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل رواه البخاري (1)
ولاحمد اعظم الفرى بإسقاط من
وللبخاري وغيره من حديث ابن عباس من تحلم بحلم لم يره كلف ان يعقد بين شعيرتين ولن يفعل + صحيح البخاري وصحيح ابن حبان +
وللترمذي من حديث ابي سعيد بإسناد ضعيف أصدق الرؤيا بالاسحار + اخرجه الترمذي واحمد وابن حبان وهو ضعيف +
وفي خبر أنس انه عليه السلام كان يعجبه الرؤيا الحسنة فإذا رأى الرجل رؤيا فإن كان ليس به بأس كان أعجب لرؤياه إليه وذكر الحديث ورأى خزيمة انه يقبله فتأوله النبي صلى الله عليه وسلم فقبل وجهه
وفي رواية رأى انه يسجد على جبهته فوضع جبهته على جبهته ثم قال صدق رؤياك فسجد على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم + اخرجه احمد وابن حبان وهو ضعيف +
روى ذلك احمد
ورأى الطفيل بن سخبرة رهطا من اليهود فقال إنكم انتم القوم لولا انكم تزعمون عزيرا ابن الله ثم رأى رهطا من النصارى قال إنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله وكلاهما قال له وانتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد فلما اصبح أخبر بها من أخبر ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال أخبرت أحدا قال نعم فلما صلوا خطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن طفيلا رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وإنكم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم رواه احمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن
____________________
1- اخرجه احمد والبخاري
(3/432)
عبد الملك بن عمير عن ربعي بن خراش عن طفيل
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح رواه الترمذي وصححه (1)
وعن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين مرفوعا الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال وأحسبه قال ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي وكيع تفرد عنه يعلى بن عطاء ووثقه ابن حبان رواه ابو داود وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح وفي لفظ ما لم يحدث بها فإذا حدث بها وقعت وكذا رواه احمد + حديث حسن اخرجه احمد والترمذي وصححه ابن حبان +
وقيل لماك رحمه الله ايعبر الرجل الرؤيا على الخير وهي عنده على الشر قال معاذ الله أبالنبوة يتعلب هي أجزاء النبوة قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول رأيت علي بن عاصم في المنام قبل ان يؤذن لي بالانحدار يعني من العسكر أيام المتوكل بليلتين فسألته عن شيء نسيته فقال ابو عبد الله فأولته علي علو وعاصم عصمه الله فالحمد لله على ذلك
وروى احمد ومسلم وأبو داود عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة لنا في الاخرة وإن ديننا قد طاب + اخرجه احمد ومسلم وابو داود +
قوله برطب من رطب ابن طاب وهو نوع من الرطب معروف يقال له رطب ابن طاب وتمر ابن طاب وعذق ابن طاب وعرون ابن طاب وهو مضاف إلى ابن طاب رجل من أهل المدينة وقوله وإن ديننا قد طاب أي كمل
____________________
1- اخرجه الترمذي واحمد وقال الترمذي حديث حسن صحيح
(3/433)
ورأى صلى الله عليه وسلم امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت بمهيعة فتأولتها وأن وباء المدينة إلى مهيعة وهي الجحفة رواه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (1) فصل
الرؤيا اعتقاد بالقلب ذكره القاضي ابو يعلى قال ابو عبد الله المازني مذهب اهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما على امور أخر تلحقها في ثاني الحال او كان قد خلقها فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرا على خلاف ما هو عليه فيكون ذلك الاعتقاد علما على غيره كما يكون خلق الله الغيم علما على المطر والجميع خلق الله تعالى ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علما على ما يسر بغير حضرة الشيطان ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان فتنسب إلى الشيطان مجازا لحضوره عندها وإن كان لا فعل له حقيقة
ولابن ماجه من حديث أنس اعتبروها بأسمائها وكنوها بكناها والرؤيا لأول عابر + اخرجه ابن ماجه وضعفه البوصيري في الزوائد +
وذكر ابن عبد البر وغيره عن علي رضي الله عنه قال لا رؤيا لخائف إلا إن رأى ما يحب
وقال هشام بن حسان كان ابن سيرين يسأل عن مئة رؤيا فلا يجيب فيها
____________________
1- هو في صحيح البخاري واخرجه الترمذي وابن ماجه
(3/434)
بشيء إلا أن يقول اتق الله واحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم وكان يجيب في خلال ذلك ويقول إنما أجيبه بالظن والظن يخطئ ويصيب
قيل لجعفر بن محمد كم تتأخر الرؤيا قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأ كلبا أبقع يلغ في دمه فكان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين رضي الله عنه وكان أبرص أخزاه الله وكان تأويل الرؤيا بعد خمسين سنة
بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس مع اناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم علي بن ابي طالب وجماعة من المهاجرين والانصار رضي الله عنهم فالتفت إليهم فقال إني سائلكم عن خصال فأخبروني بها اخبروني عن الرجل بينما هو يذكر الشيء إذ نسيه وعن الرجل يحب الرجل ولم يلقه وعن الرؤيين إحداهما حق والاخرى اضغاث وعن ساعة من الليل ليس أحد إلا وهو فيها مروع وعن الرائحة الطيبة مع الفجر فسكت القوم فقال ولا أنت يا أبا الحسن فقال بلى والله إن عندي من ذلك لعلما أما الرجل بينما هو يذكر الشيء إذ نسيه فإن على القلب طخاء كطخاء القمر فإذا سري عنه ذكر وإذا اعيد عليه نسي وغفل وأما الرجل يحب الرجل ولم يلقه فإن الارواح اجناد مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وأما الرؤييان إحداهما حق والاخرى أضغاث فإن في ابن آدم روحين فإذا نام خرجت روح فأتت الحميم والصديق والبعيد والقريب والعدو فما كان منها في ملكوت السماوات فهي الرؤيا الصادقة وما كان منها في الهواء فهي أضغاث وأما الروح الاخرى فللنفس والقلب وأما الساعة من الليل التي ليس فيها أحد إلا وهو فيها مروع فإن تلك الساعة التي يرتفع فيها البحر يستأذن في تغريق أهل الأرض فتحسه الارواح فترتاع لذلك وأما الريح الطيبة مع الفجر إذا طلع خرجت ريح من تحت العرش حركت الاشجار في الجنة فهي الرائحة الطيبة خذها يا عمر
قال الجوهري قال ابو عبيد الطخاء بالمد السحاب المرتفع يقال ايضا وجدت على قلبي طخاء وهو شبه الكرب قال اللحياني ما في السماء طخية بالضم أي شيء من سحاب قال وهو مثل الطحرور والطخاء ممدودا الليلة
____________________
(3/435)
المظلمة وتكلم بكلمة طخياء لا تفهم فصل
قال المروذي ادخلت ابراهيم الحميدي على ابي عبد الله وكان رجلا صالحا فقال إن أمي رأت لك كذا وكذا وذكرت الجنة فقال يا أخي إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا وخرج سهل إلى سفك الدماء وقال الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره فصل ما ورد في المدح والإطراء والمداحين
في كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من عجب ونحوه وجوازه لمن أمن من ذلك في حقه وظاهر كلام ابن الجوزي تحريمه في غير هذه الحال
وعن ابي موسى رضي الله عنه قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل ويطريه في المدحة فقال أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل رواه احمد والبخاري ومسلم (1)
الإطراء المبالغة في المدح وقال صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب + اخرجه مسلم وابو داود +
رواه احمد ومسلم من حديث المقداد
وجاء في الإباحة أحاديث كثيرة صحيحة وما تقدم يصلح ان يكون جمعا بينها واستعمله المقداد على ظاهره فحثى التراب في الوجه وقال بعضهم كذا فعل ابن عمر برجل اثنى عليه رواه أحمد وقيل أراد به الرد والخيبة كما يقال للطالب المردود والخائب لم يحصل في كفه غر التراب
وقال في النهاية وأراد بالمداحين الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح فأما من مدح على الفعل الحسن والامر المحمود ترغيبا في امثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس بمداح وإن
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/436)
كان قد صار مادحا بما تكلم به من جميل كذا قال
وقال ابو بكرة اثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ويلك قطعت عنق صاحبك ثلاثا ثم قال من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل احسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله احدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه رواه احمد والبخاري ومسلم (1)
قال عبد الله بن الامام احمد رضي الله عنهما جاء رجل إلى أبي فذكر أنه كان عند بشر فذكروه فأثنى عليه بشر وقال لا ينسى الله لأحمد صنيعه ثبت وثبتنا ولولاه لهلكنا قال عبد الله ووجه أبي يتهلل فقلت يا أبت أليس تكره المدح في الوجه فقال يا بني إنما ذكرت عند رجل من عباد الله الصالحين وما كان مني فحمد صنيعي وقد قال صلى الله عليه وسلم المؤمن مرآة المؤمن + اخرجه ابو داود والقضاعي في مسند الشهاب وهو حديث حسن +
وقال المروذي قلت لأبي عبد الله احمد بن حنبل لا يزال الرجل يقال له في وجهه أحييت السنة قال هذا فساد لقلب الرجل
وقال خطاب بن بشر قال ابو عثمان الشافعي لابي عبد الله احمد بن حنبل لا يزال الناس بخير ما من الله عليهم ببقائك وكلام من هذا النحو كثيرا فقال له لا تقل هذا يا أبا عثمان ومن أنا في الناس
وقال المروذي قلت لابي عبد الله ما اكثر الداعين لك فتغرغرت عينه وقال اخاف ان يكون هذا استدراجا
وقال محمد بن واسع لو ان للذنوب ريحا ما جلس إلي منكم أحد قلت لأبي عبد الله إن بعض المحدثين قال لي ابو عبد الله لم يزهد في الدراهم وحدها قد زهد في الناس فقال ابو عبد الله ومن انا حتى ازهد في الناس الناس يريدون أن يزهدوني وقال لي ابو عبد الله أسأل الله أن يجعلنا خيرا مما
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/437)
يظنون ويغفر لنا ما لا يعلمون
وقال رجل لابي عبد الله الحمد لله الذي رأيتك قال اقعد أيش ذا من انا
وقال الخلال اخبرني احمد بن الحسين بن حسان قال دخلنا على ابي عبد الله فقال له شيخ من أهل خراسان يا أبا عبد الله الله الله فإن الناس يحتاجون إليك وقد ذهب الناس فإن كان الحديث لا يمكن فمسائل فإن الناس مضطرون إليك فقال ابو عبد الله إلي أنا واغتم من قوله وتنفس الصعداء ورأيت في وجهه أثر الغم قيل لابي عبد الله جزاك الله عن الاسلام خيرا فقال قيل لعمر بن عبد العزيز جزاك الله عن الاسلام خيرا فقال لا بل جزى الله الاسلام عني خيرا ثم قال ابو عبد الله للرجل انا ومن أنا وما انا وفي غير هذه الرواية قال للرجل أنت في غير حل من جلوسك وقد سبق هذا النص
وقال هيذام بن قتيبة المروذي أخبرت ان خراسانيا جاء إلى أبي عبد الله وعنده قوم جلوس فقال يا أبا عبد الله أنت عندنا بخراسان مثل الشمس فتغير ابو عبد الله وكره ما قال وأظهر الكراهة وقام فدخل وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن معبد الجهني عن معاوية مرفوعا إياكم والتمادح فإنه الذبح (1)
وقد قال ابو داود في باب كراهية التمادح حدثنا مسدد حدثنا بشر يعني ابن المفضل حدثنا ابو سلمة سعيد بن يزيد عن ابي نضرة عن مطرف قال قال لي أبي انطلقت في وفد بين عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا أنت سيدنا فقال السيد الله تبارك وتعالى قلنا وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا فقال قولو بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان إسناد جيد رواه أحمد ورواه النسائي في اليوم والليلة من طرق + اخرجه ابو داود وهو صحيح +
وروى ايضا في اليوم والليلة عن أبي بكر بن نافع عن بهز عن حماد بن
____________________
1- اخرجه ابن ماجه وسنده حسن
(3/438)
سلمة عن ثابت عن أنس وعن ابراهيم بن يعقوب عن العلاء بن عبد الجبار عن حماد عن ثابت وحميد عن أنس ان ناسا قالوا يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا فقال يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا تستجرينكم الشياطين أنا محمد بن عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل رواه البيهقي من حديث حماد وهو حديث جيد الإسناد (1)
وفي البخاري من حديث ابن عباس عن عمر مرفوعا لا تطروني كما اطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد الله ورسوله + اخرجه البخاري وابن حبان +
وفي حديث آخر أنه جاءه رجل فقال أنت سيد قريش فقال السيد الله
قال ابن الاثير في النهاية أي هو الذي يحق له السيادة كأنه كره أن يحمد في وجهه وأحب التواضع ومنه الحديث لما قالوا أنت سيدنا قال قولوا بقولكم أي ادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم فإني لست كأحدهم ممن يسودكم في أسباب الدنيا
والسيد يطلق على الرب المالك والشريف والفاضل والحكيم ومتحمل اذى قومه والزوج والرئيس والمقدم
وأصله من ساد يسود فقلبت الواو ياء لاجل الياء الساكنة قبلها ثم ادغمت ووزن سيد فيعل وهم سادة وزنه فعلة بالتحريك مثل سري وسراة ولا نظير لهما يدل على ذلك أنه يجمع على سيائد بالهمز مثل تبيع وتبائع وأفيل وأفائل وعند البصريين وزن سيد فيعل وجمع على فعلة كأنهم جمعوا سائدا مثل قائد وقادة وذائد وذادة وقالوا إنما جمعت العرب السيد والجيد على سيائد وجيائد بالهمز على غير قياس لان جمع فيعل فياعل بلا همز
____________________
1- هو في عمل اليوم والليلة للنسائي وصححه ابن حبان
(3/439)
وروى ابو داود عن القواريري عن معاذ بن هشام عن ابيه عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيدا فقد اسخطتم ربكم عز وجل (1)
ورواه النسائي في اليوم والليلة عن ابي قدامة عن معاذ ورواه احمد عن عفان عن معاذ ولفظه لا تقولوا للمنافق سيدنا إن يكن سيدكم وذكره
وقال عبد الرزاق عن معمر عن ايوب ان رجلا قال لابن عمر يا خير الناس وابن خيرهم فقال ابن عمر ما انا بخير الناس ولا ابن خيرهم ولكني عبد من عباد الله ارجو الله وأخافه والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه
وقال الثوري عن ابي الوازع قلت لابن عمر لا يزال الناس بخير ما ابقاك الله لهم قال فغضب ثم قال إني لأحسبك عراقيا ما يغلق عليه ابن امك بابه
وقد ورد في المدح والذم أشياء كالخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أرحم امتي بأمتي أبو بكر رواه احمد والترمذي وغيرهما + اخرجه احمد والترمذي وصححه ابن حبان +
وفي الصحيحن لكل أمة أمين وأمين هذه الامة ابو عبيدة بن الجراح + اخرجه البخاري ومسلم +
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع + اخرجه الخطابي في غريب الحديث دون سنده ونسبه صاحب كنز العمال إلى العسكري في الامثال +
وقال خير دور الانصار دار بني عبد الاشهل وفي كل دور الانصار خير + اخرجه البخاري ومسلم والترمذي +
____________________
1- اخرجه ابو داود واحمد وهو صحيح
(3/440)
وذكر ابن عباس أبا بكر فقال كان ثاني اثنين إذ هما في الغار وثاني اثنين في العريش وثاني اثنين في القبر
وقال الشعبي لما مات علي بن ابي طالب رضي الله عنه قام ابنه الحسن بن علي على قبره فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر لابيه ثم قال نعم اخو الاسلام كنت يا أبت جوادا بالحق بخيلا بالباطل عن جميع الخلق تغضب حين الغضب وترضى حين الرضا عفيف النظر غضيض الطرف لم تكن مداحا ولا شتاما تجود بنفسك في المواطن التي تبخل فيها الرجال صبورا على الضراء مشاركا في النعماء ولذلك ثقلت على أكتاف قريش وذكر علي بن ابي طالب رضي الله عنه عند صعصعة بن صوحان فقال هو بالله عليم والله في عينيه عظيم
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن علي فقال ما شئت من ضرس قاطع في العلم بكتاب في العلم بكتاب الله والفقه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت له مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم والتبطن في العشيرة والنجدة في الحرب والبذل للماعون
وقيل لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين من الذي إلى جانبك فقال هذا سيد المسلمين أبي بن كعب وقال عمر ايضا ابي أقرؤنا وعلي أقضانا رواه البخاري وقال الشاعر
( وإني من القوم الذين عرفتهم % إذا مات منهم سيد قام صاحبه )
( نجوم سماء كلما غاب كوكب % بدا كوكب تأوي إليه كواكبه )
( أضاءت له أحسابهم ووجوههم % دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه )
وقال آخر
( نجوم ظلام كلما غاب كوكب % بدا ساطعا في حندس الليل كوكب )
____________________
(3/441)
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه لما جاء بنو تميم بخطيبهم عطارد بن حاجب فخطب فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس فأجابهم وبشاعرهم الزبرقان قال ابن بدر فأنشد قصيدة فقام حسان فأجابه بقصيدة يقول فيها
( إن الذوائب من فهر وإخوتهم % قد بينوا سنة للناس تتبع )
( يرضى بها كل من كانت سريرته % تقوى الإله وكل الخير يصطنع )
( قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم % أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا )
( لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم % عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا )
( إن سابقوا الناس يوما فاز سابقهم % أو وازنوا أهل مجد بالندى منعوا )
( أعفه ذكرت في الوحي عفتهم % لا يطبعون ولا يرديهم الطمع )
( لا يبخلون على جار بفضلهم % ولا يمسهم من مطمع طبع )
( لا يفخرون إذا نالوا عدوهم % وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع )
( أكرم بقوم رسول الله شيعتهم % إذا تفاوتت الاهواء والشيع )
فلما فرغ حسان قال الاقرع بن حابس لخطيبهم اخطب من خطيبنا ولشاعرهم أشعر من شاعرنا ثم أسلموا واحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم جوائزهم وكان بعث إليهم في المحرم سنة تسع عيينة بن حصين الفزاري في خمسين فارسا ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري ليغزوهم فلما رأوا الجمع ولوا فأخذ منهم أحد عشر رجلا وإحدى وعشرين امرأة وثلاثين صبيا فجاؤوا لذلك
قال الجوهري الخور بالتحريك الضعف يقال رجل خوار ورمح خوار وأرض خوارة والجمع خور وقال الهلع أفحش الجزع وقد هلع بالكسر فهو هلع وهلوع وحكى يعقوب رجل هلعة كهمزة إذا كان يهلع ويجزع ويستجيع سريعا
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير بن زهير بن ابي سلمى الى أخيه كعب الشاعر يخبره ان النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجلا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه
____________________
(3/442)
وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن ابي وهب قد هربا فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا مسلما وإن لم تفعل فانح إلى نجاتك وكان كعب قد قال
( الا أبلغا عني بجيرا رسالة % فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا )
( فبين لنا إن كنت لست بفاعل % على أي شيء غير ذلك دلكا )
( على خلق لم تلف أما ولا أبا % عليه ولا تعرف عليه أخا لكا )
( فإن انت لم تفعل فلست بآسف % ولا قائل إما عثرت لعا لكا )
( سقاك بها المأمون كأسا روية % فأنهلك المأمون منها وعلكا )
فكرة بجير أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده إياها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاك بها المأمون صدق وإنه لكذوب وأنا المأمون ولما سمع على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه قال أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه ثم كتب بجير لكعب أربعة ابيات فلما بلغه الكتاب ضاقت به الارض واشفق على نفسه وأرجف به من كان من عدوه فقال هو مقتول فقال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرجاف الوشاة به من عدوه ثم قدم المدينة فنزل على رجل يعرفة من جهينة فغدا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح فصلى معه ثم قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه فقال يا رسول الله إن كعب بن زهير جاء ليستأمنك تأئبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به قال نعم قال أنا يا رسول الله كعب بن زهير فقال رجل من الانصار يا رسول الله دعني وعدو الله اضرب عنقه فقال دعه عنك فقد جاء تائبا فغضب كعب على هذا الحي من الانصار لذلك فقال قصيدته اللامية يصف بها محبوبته وناقته التي أولها
( بانت سعاد فقلبي اليوم متبول % متيم إثرها لم يفد مكبول )
____________________
(3/443)
الى ان قال
( يسعى الغواة جنابيها وقولهم % إنك يا ابن ابي سلمى لمقتول )
( وقال كل صديق كنت آمله % لا ألهينك إني عنك مشغول )
إلى ان قال
( نبئت أن رسول الله أوعدني % والعفو عند رسول الله مأمول )
( مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القران % فيها مواعيظ وتفصيل )
( لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم % أذنب ولو كثرت في الاقاويل )
إلى ان قال
( إن الرسول لنور يستضاء به % مهند من سيوف الله مسلول )
( في عصبة من قريش قال قائلهم % ببطن مكة لما أسلموا زولوا )
( يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم % ضرب إذا عرد السود التنابيل )
( شم العرانين ابطال لبوسهم % من نسج داود في الهيجا سرابيل )
إلى أن قال
( ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم % قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا )
( لا يقع الطعن إلا في نحورهم % وما لهم عن حياض الموت تهليل )
عرد الرجل تعريدا إذا فر وعرنين كل شيء اوله وعرانين القوم ساداتهم وعرنين الانف تحت مجمع الحاجبين وهو أول الانف حيث يكون فيه الشمم يقال هم شم العرانين وإنما عنى كعب بقوله إذا عرد السود التنابيل الانصار لما صنع الانصاري ما صنع وخص المهاجرين بمدحته وغضب عليه الانصار فقال بعد أن أسلم يمدح الانصار قصيدته التي قال فيها
( من سره كرم الحياة فلا يزل % في مقنب من صالحي الانصار )
( ورثوا المكارم كابرا عن كابر % إن الخيار هم بنو الأخيار )
( والذائدين الناس عن أديانهم % بالمشرفي وبالقنا الخطار )
____________________
(3/444)
المشرفية سيوف نسبت إلى مشارف قرى من أرض العرب يقال سيف مشرفي ولا يقال مشارفي لان الجمع لا ينسب إليه إذا كان على هذا الوزن وخطر الرمح يخطر أي اهتز ورمح خطار أي ذو اهتزار ويقال خطران الرمح ارتفاعه وانخفاضه للطعن ورجل خطار بالرمح
( والبائعين نفوسهم لنبيهم % للموت يوم تعانق وكرار )
( وإذا حللت ليمنعوك إليهم % أصبحت عند معاقل الاعفار )
المراد بالمعقل الملجأ والاعقار الاسد
إلى أن قال
( قوم إذا خوت النجوم فإنهم % للطارقين النازلين مقاري )
وكعب من فحول الشعراء هو وأبوه وابنه عقبة وابن ابنه العوام بن عقبة ومما يستحسن لكعب قوله
( لو كنت اعجب من شيء لاعجبني % سعي الفتى وهو مخبؤ له القدر )
( يسعى الفتى لامور ليس يدركها % كالنفس واحدة والهم منتشر )
( والمرء ما عاش ممدود له امل % لا تنتهي العين حتى ينتهي الاثر )
وقوله في النبي صلى الله عليه وسلم
( تحدي به الناقة الادماء معتجرا % بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم )
( ففي عطافيه أو أثناء بردته % ما يعلم الله من دين ومن كرم )
ذكر رجل لرجل فقال ما بعثته في سواد إلا جلاه ومحاه ولا في بياض إلا أزكاه وأرضاه ومدح أعرابي رجلا فقال كالمسك إن تركته عبق وإن خبأته عبق
قال ابن شهاب قال لي ابن مسعود ما مات من ترك مثلك وليس المراد بابن مسعود عبد الله بلا شك فإنه مات قبل ان يولد ابن شهاب الزهري
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا تعجلن بمدح احد ولا بذمه فإنه
____________________
(3/445)
رب من يسرك اليوم يسوؤك غدا وقال النجاشي للشاعر
( إني امرؤ قلما أثني على أحد % حتى أرى بعض ما يأتي وما يذر )
( لا تحمدن امرأ حتى تجربه % ولا تذمن من لم يبله الخبر )
وقال علي بن الحسين إذا قال رجل ما لا يعلم فيك من الخير اوشك ان يقول فيك ما لم يعلم من الشر وسبق في غير موضع ذم النبي صلى الله عليه وسلم لرجال معينين قال الحسن ذم الرجل نفسه في العلانية مدح لها في السر كان يقال من أظهر عيب نفسه فقد زكاها ذم أعرابي رجلا فقال أنت والله ممن إذا سأل ألحف وإذا سئل سوف وإذا حدث حلف وإذا وعد أخلف ينظر نظر حسود ويعرض إعراض حقود قال الشاعر
( فإن تصبك من الايام قارعة % لم تبك منها على دنيا ولا دين )
وقال آخر
( خنازير ناموا عن المكرمات % فنبههم قدر لم ينم )
( فيا قبحهم في الذي خولوا % ويا حسنهم في زوال النعم )
وقال آخر
( كأن ريحهم في خبث فعلهم % ريح الكلاب إذا ما مسها المطر )
وقال آخر
( لو كنت ماء كنت غير عذب % أو كنت سيفا كنت غير عضب )
( أو كنت لحما كنت لحم كلب % )
وقال آخر
( لو كنت بردا كنت زمهريرا % أو كنت ريحا كانت الدبورا )
( أو كنت غيما لم يكن مطورا % أو كنت ماء لم يكن طهورا )
____________________
(3/446)
ومدح الوزير ابن هبيرة الخليفة المستنجد بالله وبالغ وفي آخره
( ومن عجب أنني جالب % من الشعر تمرا لآتي هجر )
وقال له يوما المستنجد بالله لم لا يكون ريح التفاح الأصفهاني بها كما نجده عندنا فأنشده
( يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى % إليكم يلاقي طيبكم فيطيب )
فأنشده المستنجد بالله يمدحه
( فلو رام يا يحيى مكانك جعفر % ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر )
( ولو قست يا يحيى بيحيى بن برمك % لكنت لدى الاقوام أعلى وأفخر ) فصل في تزكية النفس المذمومة ومدحها بالحق للمصلحة أو شكر النعمة
قال القاضي ابو يعلى رحمه الله في قصة يوسف عليه السلام يعني قوله ( ^ اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم ) يوسف 55
فيها دلالة على انه يجوز للانسان ان يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه وانه ليس من المحظور في قوله ( ^ فلا تزكوا أنفسكم )
وقال ابن عقيل في الفنون سؤال عن قوله ( ^ فلا تزكوا أنفسكم ) سورة النجم 32 كيف ساغ لعمر أن يزكي نفسه حين سأله رجل عن صيد قتله فقال أصبر حتى يأتي حكم آخر فيحكم لنفسه إنه أحد العدلين قيل إنما نهي عن تزكية النفس بالمدح والإطراء المورث عجبا وتيها ومرحا وما قصد عمر رضي الله عنه ذلك إنما قصد فصل حكم وهو من نفسه على ثقة من ذلك فصار كقوله عن الملائكة عليهم السلام ( ^ وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون ) الصافات 165 - 166
فدل على أنه لا يتناول إلا من أخرجه مخرج الافتخار ولذلك قال أنا
____________________
(3/447)
سيد ولد آدم ولا فخر (1)
فنفى الفخر الذي هو الإعجاب انتهى كلامه
وقال ابن الجوزي عن قصة يوسف عليه السلام فإن قيل كيف مدح نفسه بهذا القول ومن شأن الانبياء والصالحين التواضع فالجواب انه لما خلا مدحه لنفسه من بغي وتكبر وكان مراده به الوصول إلى حق يقيمه وعدل يحييه وجور يبطله كان ذلك جميلا جائزا وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم أنا أكرم ولد آدم على ربه
وقال علي بن ابي طالب رضي الله عنه والله ما آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار وقال ابن مسعود رضي الله عنه لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته فهذه الاشياء خرجت مخرج الشكر لله وتعريف المستفيد ما عند المفيد ذكر هذا محمد بن القاسم انتهى كلام ابن الجوزي
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال والذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا وأنا أعلم حيث نزلت وما من آية إلا وأنا أعلم فيما انزلت ولو أعلم أحدا هو أعلم بكتاب الله منى تبلغه الإبل لركبت إليه + أخرجه البخاري ومسلم +
وفي الصحيحين عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله ولو أعلم أن أحدا أعلم به مني لرحلت إليه قال شقيق فجلست في حلق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمعت احدا يرد ذلك عليه ولا يعيبه زاد البخاري بعد قوله بكتاب الله وما أنا بخيرهم وفي بعض طرقه من أعلمهم + صحيح البخاري وصحيح مسلم +
وفي ترجمة أبي الدرداء رضي الله عنه سلوني فوالله لئن فقدتموني لتفقدن رجلا عظيما
وقال أبو بكر بن عياش لما حضرته الوفاة وبكت ابنته يا بنية لا تبكين
____________________
1- اخرجه مسلم وابن حبان
(3/448)
أتخافين ان يعذبني الله وقد ختمت في هذه الزاوية أربعة وعشرين ألف ختمة
وقال ابو بكر بن عياش نظرت إلى أقرأ الناس فلزمت عاصما ثم نظرت إلى أفقه الناس فلزمت مغيرة فأين تجد مثلي
وقال ابن طاهر المقدسي الحافظ سمعت اصحابنا بهراة يحكون أن أبا محمد عبد الرحمن بن ابي شريح الانصاري قال كنت أقرأ على أبي القاسم البغوي ببغداد فلما كان في بعض الايام وكنت أقرأ عليه جزءا وقد وضع رأسه بين ركبتيه فرفع رأسه وقال كأني بهم إذا مت يقولون مات البغوي ولا يقولون مات جبل العلم ثم وضع رأسه بين ركبتيه واستند فلما فرغت من قراءة الجزء قلت كم قرأت عليك فلم يجبني فحركته فإذا به قد مات رحمه الله فصل في المفاضلة بين العزلة والمخالطة
واختلف الناس في الافضل من الخلطة والعزلة على مذهبين وعن الامام احمد رحمه الله عنه في ذلك روايتان قال في رواية ابي الصقر وقد سأله عنها إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزلها الرجل حيث شاء فأما ما لم يكن فتنة فالامصار خير
قال احمد حدثنا حجاج حدثنا شعبة عن الاعمش عن يحيى بن وثاب عن شيخ من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال الاعمش هو ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم كلهم ثقات رواه الترمذي عن ابن المثنى عن ابن ابي عدي عن شعبة وقال قال ابن ابي عدي كان شعبة يرى انه ابن عمر (1)
وقال الحسن بن محمد بن الحارث قلت لابي عبد الله التخلي أعجب
____________________
1- أخرجه احمد وابن ماجه والترمذي وإسناده صحيح
(3/449)
إليك فقال التخلي على علم وقال يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ثم قال ابو عبد الله رواية شعبة عن الاعمش ثم قال من يصبر على أذاهم
وقال إسحاق بن ابراهيم في الادب من مسائله عن احمد قال قال ابو سنان وجاءه رجلان فقال تفرقا فإنكما إذا كنتما جميعا تحدثتما وإذا كنتما وحدانا ذكرتما الله تعالى قال ابو عبد الله رواه وكيع عن ابي سنان
قال القاضي ابو الحسين إنه نقل من الجزء الثالث من الادب تأليف المروذي قال قال ابو عبد الله احمد بن حنبل كفى بالعزلة علما وإنما الفقيه الذي يخشى الله وهي اختيار ابي عبد الله بن بطة
وقال أبو الفرج بن الجوزي وقد كان أكثر السلف يؤثرون العزلة على الخلطة
وقال ايضا إن من قدر على نفع الناس بماله أو بدنه لقضاء حوائجهم مع القيام بحدود الشرع إنه أفضل من العزلة إن كان لا يشتغل في عزلته إلا بنوافل الصلاة والأعمال البدنية وإن كان ممن انفتح له طريق عمل بالقلب بدوام ذكر أو فكر فذلك الذي لا يعدل به البتة
وقال أيضا ليس في الدنيا أطيب من تنزه العالم بالعلم فهو أنيسه وجليسه وقد قنع بما يسلم به دينه من المباحات الحاصلة لا عن تكلف ولا عن تضييع دين وارتدى بالعزلة عن الذل للدنيا وأهلها والتحف بالقناعة باليسير إذا لم يقدر على الكثير فيسلم دينه ودنياه واشتغاله بالعلم يدله على الفضائل ويفرجه في البساتين فهو يسلم من الشيطان والسلطان والعوام بالعزلة ولكن لا يصح هذا إلا للعالم فإنه إذا اعتزل الجاهل فاته العلم فتخبط
وقال أيضا فإذا عرفت فوائد العزلة وغوائلها تحققت أن الحكم عليها مطلقا خطأ بل ينبغي أن ينظر إلى الشخص وحاله وإلى الخليط وحاله وإلى الباعث على مخالطته وإلى الفائت بسبب مخالطته من الفوائد ويقاس الفائت
____________________
(3/450)
بالحاصل فعند ذلك يتبين الحق فقد قال الشافعي رضي الله عنه الانقباض عن الناس مكسبه العداوة والانبساط لهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين القبض والبسط ومن ذكر سوى هذا فهو قاصر وإنما هو إخبار عن حاله فلا يجوز أن يحكم بها على غيره المخالف له في الحال انتهى كلامه
وقال ابو زكريا النواوي رحمه الله مذهب الشافعي وأكثر العلماء على أن الاختلاط افضل بشرط رجاء السلامة من الفتن وقطع به في موضع آخر عن الامام احمد وقد صنف الخطابي رحمه الله كتابا في العزلة وفيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال خالط الناس وزايلهم ودينك لا تكلمنه قال الخطابي يريد خالطهم ببدنك وزايلهم بقلبك وليس هذا من باب النفاق ولكنه من باب المداراة وقد قال صلى الله عليه وسلم مداراة الناس صدقة (1)
وعن الحسن قال كانوا يقولون المداراة نصف العقل وأنا أقول هي العقل كله
وعن محمد بن الحنفية قال ليس بحكيم من لا يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله فرجا أو قال مخرجا وأنشد المتنبي
( ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى % عدوا له ما من صداقته بد )
والخبر المرفوع الذي ذكره الخطابي سبق وما يتعلق به في أوائل الكتاب قبل فصول التوبة ورواه ابن حبان في صحيحه عن جماعة عن المسيب بن واضح عن يوسف بن اسباط عن الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا فذكره وهو حديث حسن
وقال ابن حبان والمداراة التي تكون صدقة المداري هو تخلق الانسان بالأشياء المستحسنة مع من يدفع الى عشرته ما لم يشبها معصية الله والمداهنة هي استعمال المرء الخصال التي تستحسن منه في العشرة وقد يشوبها ما يكره الله تعالى
____________________
1- اخرجه ابن حبان وابن عدي في الكامل وهو ضعيف
(3/451)
وقال ابو حفص عمر بن احمد بن شاهين الواعظ في آخر جزء جمعه في فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ثنا يحيى بن صاعد حدثنا محمد بن احمد بن يزيد المدني حدثنا هارون بن يحيى الحاطبي حدثنا عثمان بن خالد بن الزبير عن ابيه عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال التودد نصف الدين (1)
هارون بن يحيى وعثمان لم أجد لهما ترجمة وذكر ابن عبد البر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مداراة الناس صدقة وقوله عليه السلام امرني ربي بمداراة الناس ونهاني عن مداجاتهم وقوله عليه السلام رأس العقل بعد الايمان بالله التودد إلى الناس
قال عمر رضي الله عنه إن مما يصفي لك ود أخيك أن تبدأه بالسلام إذا لقيته وأن تدعوه بأحب الاسماء إليه وأن توسع له في المجلس
قال بعض الحكماء رأس المدارة ترك المماراة وفي الحديث المرفوع إذا أحب الله عبده ألقى عليه محبة الناس أخذه الشاعر
( وإذا أحب الله يوما عبده % القى عليه محبة في الناس )
وذكر ابن عبد البر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بشراركم قالوا بلى يا رسول الله قال من لا يقبل عثرة ولا يقبل معذرة ألا أنبئكم بشر من ذلكم قالوا بلى يا رسول الله قال من يبغض الناس ويبغضونه
وروي أن داود عليه السلام جلس كئيبا خاليا فأوحى الله إليه يا داود مالي أراك خاليا قال هجرت الناس فيك قال أفلا أدلك على شيء تبلغ به رضائي خالق الناس بأخلاقهم واحتجر الايمان فيما بيني وبينك
قال أكثم بن صيفي من شدد نفر ومن تراخى تألف والسرور في التغافل
____________________
1- اخرجه بنحوه ابن عدي في الكامل وهو ضعيف
(3/452)
قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه شرط الصحبة إقالة العثرة ومسامحة العشرة والمواساة في العسرة
قيل للعتابي إنك تلقى الناس كلهم بالبشر قال دفع ضغينة بأيسر مؤنة واكتساب إخوان بأيسر مبذول قال محمود الوراق
( أخو البشر محمود على كل حالة % ولم يعدم البغضاء من كان عابسا )
( ويسرع بخل المرء في هتك عرضه % ولم أر مثل الجود للعرض حارسا )
وقال اخر
( وكم من اخ لم تحتمل منه علة % قطعت ولم يمكنك منه بديل )
( ومن لم يرد إلا خليلا مهذبا % فليس له في العالمين خليل )
وقال اخر
( وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا % فإنك لا تدري متى أنت نازع )
( وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا % فإنك لا تدري متى أنت راجع )
هذا مأخوذ من الحديث وروي مرفوعا وموقوفا وهو في الترمذي أحبب حبيبك هونا ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما فعسى ان يكون حبيبك يوما ما (1)
قال ابو العتاهية
( قل لمن يعجب من حسن % رجوعي ومقالي )
( رب صد بعد ود % وهوى بعد تقالي )
( قد رأينا ذا كثيرا % جاريا بين الرجال )
قالوا لا خير في الناس ولا بد من الناس وسبق ما يتعلق بهذا بعد فصول الامر بالمعروف فيما للمسلم على المسلم وفي أوائل الكتاب بعد فصول
____________________
1- اخرجه الترمذي
(3/453)
التوبة ويأتي أيضا في آخر الكتاب وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال وسئل أي الناس خير قال رجل يجاهد في سبيل الله ثم مؤمن في شعب من الشعاب يتقي ربه ويدع الناس من شره (1) وقال عمر رضي الله عنه الطمع فقر واليأس غنى والعزلة راحة من جليس السوء وقرين الصدق خير من الوحدة
وقال ابو الدرداء رضي الله عنه نعم صومعة الرجل بيته يصون دينه وعرضه وإياكم والاسواق فإنها تلغي وتلهي وقال مكحول إن كان في الجماعة فضل فإن في العزلة سلامة وقال عمر رضي الله عنه خالطوا الناس في معايشكم وزايلوهم بأعمالكم وقال ابو الدرداء كان الناس ورقا لا شوك فيه وهم اليوم شوك لا ورق فيه يقال إن في الإنجيل فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام كن وسطا وامش جانبا وقال بعضهم
( يا حبذا الوحدة من أنيس % إذا خشيت من أذى الجليس )
وقال سفيان ما وجدت من يغفر لي ذنبا ولا يستر علي زلة فرأيت في الهرب من الناس سلامة
وقيل للفضيل بن عياض دلني على رجل أجلس إليه قال تلك ضالة لا توجد وقال بعضهم
( لا تعرفن احدا فلست بواجد % أحدا اضر عليك ممن تعرف )
( أما نظيرك فهو حاسد نعمة % أو دون ذاك فذو سؤال ملحف )
( أو فوق ذلك حال دون لقائه % بواب سوء واليفاع المشرف )
وللشافعي أو لمنصور الفقيه وقيل إنه تمثل به
( ليت السباع لنا كانت مجاورة % وليتنا لا نرى ممن نرى أحدا )
( إن السباع لتهدا في مرابضها % والناس ليس بهاد شرهم أبدا )
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان
(3/454)
( فاهرب بنفسك واستأنس بوحدتها % تعش سليما إذا ما كنت منفردا )
وقال ابو العتاهية
( ويا رب إن الناس لا ينصفونني % وإن أنا لم أنصفهم ظلموني )
( وإن كان لي شيء تصدو لأخذه % وإن جئت أبغي شيئهم منعوني )
( وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم % وإن أنا لم ابذل لهم شتموني )
( وإن طرقتني نكبة فكهوا بها % وإن صحبتني نعمة حسدوني )
( سأمنع قلبي أن يحن إليهم % وأحجب عنهم ناظري وجفوني )
وقال آخر
( قد كنت عبدا والهوى مالكي % فصرت حرا والهوى خادمي )
( وصرت بالوحدة مستأنسا % من شر أولاد بني آدم )
( ما في اختلاطي بهم خير ولا % ذو الجهل بالأشياء كالعالم )
( يا عاذلي في تركهم جاهلا % عذري منقوش على خاتمي )
وكان على خاتمه منقوش ( ^ وما وجدنا لأكثرهم من عهد ) الاعراف 102
وذكر ابن عبد البر وأنشد الامام ابو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي راوي البخاري يتوشح لنفسه
( كان في الاجتماع للناس نور % فمضى النور وادلهم الظلام )
( فسد الناس والزمان جميعا % فعلى الناس والزمان السلام )
وقال ابن عقيل في الفنون بعد أن ذكر قوله تعالى
( ^ وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) الانعام 38
قال وكان ذلك ممتنعا من جهة الخلقة والصورة وعدما من جهة المنطق والمعرفة فوجب ان يكون منصرفا الى المماثلة في الطباع والاخلاق وإذا كان
____________________
(3/455)
كذلك فاعلم انك انما تعاشر البهائم فخذ حذرك قال ولذلك رأى الحكماء أن السلامة من آفات السباع الضاربة أمكن من السلامة من شر الناس انتهى كلامه وقد قيل
( لقاء الناس ليس يفيد شيئا % سوى الهذيان من قيل وقال )
( فاقلل من لقاء الناس إلا % لكسب معيشة وصلاح حال )
وقيل ايضا
( والله لو كانت الدنيا بأجمعها % تبقى علينا ويأتي رزقها رغدا )
( ما كان من حق حر ان يذل لها % فكيف وهي متاع يستحيل غدا ) فصل في العناية بحفظ الزمان واتقاء إضاعته فيما لا فائدة فيه من الزيارات وغيرها
قال ابن الجوزي رحمه الله رأيت العادات قد غلبت على الناس في تضييع الزمان فهم يتزاورون فلا ينفكون عن كلام لا ينفع وغيبة وأقله ضياع الزمان وقد كان القدماء يحذرون من ذلك قال الفضيل أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة
ودخلوا على رجل من السلف فقالوا لعلنا شغلناك فقال اصدقكم كنت أقرأ فتركت القراءة لأجلكم
وجاء عابد الى سري السقطي فرأى عنده جماعة فقال صرت مناخ البطالين ثم مضى ولم يجلس
ومتى لان المزور طمع فيه الزائر فأطال الجلوس فلم يسلم من أذى
وقد كان جماعة قد قعدوا عند معروف وأطالوا فقال إن ملك الشمس لا يفتر عن سوقها فمتى تريدون القيام وممن كان يحفظ اللحظات عامر بن عبد الله القيسي قال له رجل أكلمك فقال أمسك الشمس وكان داود الطائي يستف الفتيت ويقول بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية
____________________
(3/456)
وأوصى بعض السلف أصحابه فقال إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعل أحدكم يقرأ القران في طريقه ومتى اجتمعتم تحدثتم
واعلم ان الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة فكم يضيع الادمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل وهذه الايام مثل المزرعة وكأنه قد قيل للانسان كلما بذرت حبة أخرجنا لك الفا هل ترى يجوز للعاقل أن يتوقف عن البذر او يتوانى
والذي يعين على اغتنام الزمان الانفراد والعزلة مهما أمكن والاختصار على السلام أو حاجة مهمة لمن يلقى وقلة الأكل فإن كثرته سبب النوم الطويل وضياع الليل ومن نظر في سير السلف وآمن بالجزاء بان له ما ذكرته فصل التفقه بالتوسع في المعارف قبل طلب السيادة والمناصب
عن عمر رضي الله عنه قال تفقهوا قبل أن تسودوا قال الخطابي يريد من لم يخدم العلم في صغره استحيا أن يخدمه بعد كبر السن وإدراك السؤدد قال وبلغني عن سفيان الثوري قال من ترأس في حداثته كان أدنى عقوبته أن يفوته حظ كبير من العلم
وعن أبي حنيفة رضي الله عنه قال من طلب الرياسة بالعلم قبل أوانه لم يزل في ذل ما بقي وقيل للمبرد لم صار أبو العباس يعني ثعلبا احفظ منك للغريب والشعر قال لأني ترأست وأنا حدث وترأس وهو شيخ وسبق ذلك في الفصول المتعلقة بالعلم بالقرب من ثلث الكتاب ذكرته هنا لأجل العزلة والترأس بها فصل انقباض العلماء المتقين من إتيان الامراء والسلاطين
كان الامام احمد رحمه الله لا يأتي الخلفاء ولا الولاة والامراء ويمتنع من الكتابة إليهم وينهى أصحابه عن ذلك مطلقا نقله عنه جماعة وكلامه
____________________
(3/457)
فيه مشهور
وقال مهنا سألت احمد عن ابراهيم بن موسى الهروي فقال رجل وسخ فقلت ما قولك إنه وسخ قال من يتبع الولاة والقضاة فهو وسخ وكان هذا رأي جماعة من السلف وكلامهم في ذلك مشهور منهم سويد بن غفلة وطاووس والنخعي وأبو حازم الاعرج والثوري والفضيل بن عياض وابن المبارك وداود الطائي وعبد الله بن إدريس وبشر بن الحارث الحافي وغيرهم وقد سبق قوله عليه الصلاة والسلام من أتى ابواب السلطان افتتن (1)
وهو محمول على من أتاه لطلب الدنيا لا سيما إن كان ظالما جائرا أو على من اعتاد ذلك ولزمه فإنه يخاف عليه الافتتان والعجب بدليل قوله في اللفظ الاخر ومن لزم السلطان افتتن
وخالفهم في ذلك جماعة من السلف منهم عبد الرحمن بن ابي ليلى والزهري والاوزاعي وغيرهم ومن العجب أن أبا جعفر العقيلي ذكر عبد الرحمن بن أبي ليلى في كتابه في الضعفاء ولم يذكر فيه إلا قول ابراهيم النخعي كان صاحب أمراء وعن احمد أيضا معنى قول هؤلاء
وروى الخلال عنه أنه سئل عن الاخبار التي جاءت في ابواب هؤلاء السلاطين إذا كان للرجل مظلمة فلم ير أن هذا داخل في ذلك إذا كان مظلوما فذكر له تعظيمهم فكأنه هاب ذلك
وقد قال في رواية ابي طالب وسأله عن رجل من أهل السنة يسلم على السلطان ويقضي حوائجه يسلم عليه قال نعم لعله يخافه يداريه
وقال محمد بن ابي حرب سألت أبا عبد الله عن الرجل من أهل السنة يأتيه السلطان وصاحب البريد قال يمكنه معاندة السلطان قلت ربما بعثه إليه في الحاجة من الخراج أو في رجل في السجن قال هذا يكون مظلوما
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود وصححه ابن حبان وهو حديث حسن
(3/458)
فيفرج عنه
وقال ابو بكر محمد بن الحسن بن زياد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن ابيه سمعت أبا يوسف القاضي يقول خمسة تجب على الناس مداراتهم الملك المسلط والقاضي المتأول والمريض والمرأة والعالم ليقتبس من علمه فاستحسنت ذلك
وقال ابو الفرج ابن الجوزي ومن صفات علماء الاخرة أن يكونوا منقبضين عن السلاطين محترزين عن مخالطتهم قال حذيفة رضي الله عنه إياكم ومواقف الفتن قيل وما هي قال ابواب الامراء يدخل أحدكم على الامير فيصدقه بالكذب ويقول ما ليس فيه
وقال سعيد بن المسيب إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء فاحذروا منه فإنه لص
وقال بعض السلف إنك لن تصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك أفضل منه انتهى كلامه
وهذا على سبيل الورع وقد سبق عن بعضهم فعل ذلك
والظاهر كراهته إن خيف منه الوقوع في محظور وعدمها إن أمن ذلك فإن عري عن المفسدة واقترنت به مصلحة من تخويفه لهم ووعظه إياهم وقضاء حاجته كان مستحبا وعلى هذه الاحوال ينزل كلام السلف وأفعالهم رضي الله عنهم وهذا معنى كلام ابن البنا من أصحابنا ذكره ابن عبد القوي في باب صلاة التطوع فإنه قال إنما المذكور بالذم من خالطهم فسعى بمسلم أو اقر أو ساعد على منكر فيجب حمل أحاديث التغليظ فيه على ما ذكرنا جمعا بين الادلة
وأما السلطان العادل فالدخول عليه ومساعدته على عدله من اجل القرب فقد كان عروة بين الزبير وابن شهاب وطبقتهما من خيار العلماء يصحبون عمر ابن عبد العزيز وكان الشعبي وقبيصة بن ذؤيب والحسن وأبو الزناد ومالك
____________________
(3/459)
والاوزاعي والشافعي وغيرهم رحمهم الله يدخلون على السلطان وعلى كل حال فالسلامة الانقطاع عنهم كما اختاره احمد وكثير من العلماء
قال ابن البنا لا يغتر من هو داخل في العبادة بما ورد في التغليظ على العلماء بما يراه من فعلهم الذي ربما خفي عليه وجه حله وتأويله فيترك مجالسة العلماء ويهجرهم فيفضي به حاله إلى استمرار جهله ولعله يفضي إلى أن لا تصح عبادته لعارض لا يعلمه فإذا بدا لك من عالم زلة فاسأله عن حكم من فعل كذا فإن كان له عذر أبداه فتخلصت من إثم غيبته أو خطر الاقتداء به وإن كان مخطئا عرف الحق على نفسه وعرف مغزى كلامك وأنك تنكر عليه وبهذه الطرائق أدب الله تعالى عبده داود عليه الصلاة والسلام في النعجة انتهى كلامه
وذكر ابن الجوزي في موضع آخر أنه لا يجوز الدخول على الامراء والعمال والظلمة واستدل بالخبر والاثر والمعنى قال إلا بعذرين أحدهما إلزام من جهتهم يخاف الخلاف فيه والاذى والثاني أن يدخل ليرفع ظلما عن مسلم فيجوز بشرط أن لا يكذب ولا يثني ولا يدع نصيحة يتوقع لها قبولا انتهى كلامه
وينبغي ان يجوز ذلك في موضع يكون فيه كف ظلم عظيم لانه يجوز سلوك ادنى المفسدتين والتزامها بكف اعلاهما ورفعها
قال ابن الجوزي فإن دخل عليه السلطان زائرا فجواب السلام لا بد منه كذا قال وقد تقدم الكلام في هجر المبتدع والمجاهر بالمعاصي قال واما القيام والاكرام فلا تحرم مقابلة له على إكرامه فإنه بإكرام العلم والدين مستحق للحمد كما انه بالظلم مستحق للذم إلى أن قال ثم يجب عليه أن ينصحه ويعرفه تحريم ما يفعله مما لا يدري أنه محرم فأما إعلامه بتحريم الظلم وشرب الخمر فلا فائده فيه بل عليه ان يخوفه من ركوب المعاصي مهما ظن ان التخويف يؤثر في قلبه وعليه أن يرشده إلى المصالح ومتى عرف طريقا
____________________
(3/460)
للشرع يحصل به غرض الظالم عرفه إياه
الحال الثالث أن يعتزل عنهم فلا يراهم ولا يرونه والسلامة في ذلك ثم ينبغي ان يعتقد بغضهم على ظلمهم فلا يحب بقاءهم ولا يثني عليهم ولا يستخبر عن أحوالهم ولا يتقرب إلى المتصلين بهم ولا يتأسف على ما يفوته بسبب مفارقتهم كما قال بعضهم إنما بيني وبين الملوك يوم واحد أما يوم مضى فلا يجدون لذته وأنا وإياهم في غد على وجل وإنما هو اليوم فما عسى أن يكون في اليوم
وقال الشيخ تقي الدين العدل تحصيل منفعته ودفع مضرته وعند الاجتماع يقدم أرجحها لتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما
وقال في موضع آخر بعد أن ذكر ما رواه احمد عن ميمون بن مهران قال ثلاثة لا تبلون نفسك بهم لا تدخلن على ذي سلطان وإن قلت آمره بطاعة الله ولا تخلون بامرأة وإن قلت أعلمها كتاب الله ولا تصغين بسمعك لذي هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه
قال الشيخ تقي الدين فالاجتماع بالسلطان من جنس الامارة والولاية وفعل ذلك لامره ونهيه بمنزلة الولاية بنية العدل وإقامة الحق واستماع كلام المبتدع للرد عليه من جنس الجهاد وأما الخلوة بالمرأة الاجنبية فمحرم فهذا كله جنس واحد وهو دخول الانسان بنفسه من غير حاجة فيما يوجب عليه أمورا أو يحرم عليه أمورا لا سيما إن كانت تلك الامور مما جرت العادة بترك واجبها وفعل محظورها ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال فمن سمع به فلينأ عنه فإن الرجل يأتيه وهو يعلم أنه الدجال فلا يزال به ما يراه من الشبهات حتى
____________________
(3/461)
يفتنه ذلك (1)
ومن هذا الباب ما يذكر عن طوائف من السلف من امتناعهم ومنعهم من استماع كلام المبتدعة خشية الفتنة عليهم وعلى غيرهم وأما من نهى عن ذلك للهجر أو للعقوبة على فعله فذلك نوع آخر إلى أن قال فهذه الامور العدل فيه أن لا يطلب العبد أن يبتلى بها وإذا ابتلى بها فليتق الله وليصبر
والاستعداد لها أن تصيبه من غير طلب الابتلاء بها فهذه المحن والفتن إذا لم يطلبها المرء ولم يتعرض لها بل ابتلي بها ابتداء أعانه الله تعالى بحسب حال ذلك العبد عنده لانه لم يكن منه في طلبها فعل ولا قصد حتى يكون ذلك ذنبا يعاقب عليه ولا كان منه كبر واحتيال مثل دعوى قوة أو ظن كفاية بنفسه حتى يخذل بترك توكله ويوكل إلى نفسه فإن العبد يؤتى من ترك ما أمر به وسواء كان مراده بها محرما أو مباحا أو مستحبا وإرادته بها المحرم زيادة ذنب وإن أراد بها المستحب فقد فعل ما لم يؤمر به وهذا مما يذم عليه كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود مرفوعا ما بعث الله من نبي إلا كان له من امته حواريون وانصار يستنون بسنته ويهتدون بهديه ثم إنه يخلف من بعده حلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون + اخرجه مسلم وابن حبان +
والتعرض للفتنة هو من الذنوب فالمؤمن الصادق لا يفعل إلا ما أمر به فإن ذلك هو عبادة ولا يستعين إلا بالله فإذا أوجب هو بنفسه أو حرم هو بنفسه خرج عن الاول فإن وثق بنفسه خرج عن الثاني فإذا أذنب بذلك فقد يتوب بعد الذنب فيعينه حيئنذ وقد يكون له حسنات راجحة يستحق بها الإعانة وقد يتداركه الله برحمته فيسلم أو يخفف عليه
والتوبة بفعل المأمور وترك المحظور في كل حال بحسبه ليست ترك ما دخل فيه فإن ذلك قد لا يمكنه إلا بذنوب هي أعظم من ذنوبه مع مقامه فتدبر هذا
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود وإسناده صحيح
(3/462)
والمبتلى من غير تعرض قد يفرط بترك المأمور وفعل المحظور حتى يخذل ولا يعان فيؤتى من ذنوبه لا من نفس ما ابتلى به كما قال تعالى ( ^ إن الذين تولو منكم يوم التقى الجمعان ) آل عمران 155 الآية وهذا كثير أكثر من الذي قبله
فأما المؤمنون الذين لم يكن منهم تفريط ولا عدوان فإذا ابتلوا أعينوا قال وقد تبين أن التعرض للفتن بالايجاب والتحريم بالعهود والنذور وطلب الولاية وتمني لقاء العدو ونحو ذلك هو من الذنوب انتهى كلامه
وعن داود الطائي رحمه الله وقيل له أرأيت من يدخل على هؤلاء فيأمرهم وينهاهم قال أخاف عليه السوط قيل إنه يقوى قال أخاف عليه السيف قيل إنه يقوي قال أخاف عليه الداء الدفين العجب
وعن سفيان الثوري رحمه الله قال إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص وإن لاذ بالاغنياء فمراء وإياك أن تخدع فيقال لعلك ترد عن مظلمة أو تدفع عن مظلوم فإن هذه خدعة من إبليس اتخذها فجار القراء سلما
وقال الخلال أنبأنا أبو نعيم الهمداني سمعت عبد الله بن احمد بن شبويه سمعت أبي قال قدمت بغداد على أن أدخل على الخليفة فآمره وأنهاه فدخلت على احمد بن حنبل فاستشرته في ذلك قال أخاف عليك أن لا تقوم بذلك قلت له فقد عرضت نفسي على الضرب والقتل وقد قبلت ذلك قال فقال لي استشر في هذا بشرا وأخبرني بما يقول لك فأتيت بشرا فأخبرته بذلك فقال لا أرى لك أخاف أن تخونك نفسك قلت فإني أصبر على ذلك قال لا أرى لك ذلك قلت لم قال إني أخاف عليك ان يقدم عليك بقتل فتكون سبب دخوله إلى النار قال فأتيت احمد فأخبرته فقال ما أحسن ما قال لك
قال وأخبرني احمد بن ابي هارون أن مثنى الانباري حدثهم انه قال لأبي
____________________
(3/463)
عبد الله ما تقول في السلطان إن أرسل إلي يسألني عن العمال أخبر بما فيهم قال تداري السلطان قلت فالحديث الذي جاء كلمة حق عند امام جائر (1)
فقدم هذا وكان عنده ان هذا أفضل
وقال المروذي سمعت إسحاق بن إبراهيم ونحن بالعسكر يناشد أبا عبد الله ويسأله الدخول على الخليفة ليأمره وينهاه وقال له إنه يقبل مثل هذا إسحاق بن راهوية يدخل على ابن طاهر فيأمره وينهاه فقال له ابو عبد الله تحتج علي بإسحاق فأنا غير راض بفعله ما له في رؤيتي خير ولا لي في رؤيته خير يجب علي إذا رأيته أن آمره وأنهاه الدنو منهم فتنة والجلوس معهم فتنة نحن متباعدون منهم ما أرانا نسلم فكيف لو قربنا منهم
قال المروذي وسمعت إسماعيل ابن أخت ابن المبارك يناظر أبا عبد الله ويكلمه في الدخول على الخليفة فقال له أبو عبد الله قد قال خالك يعني ابن المبارك لا تأتهم فإن أتيتهم فاصدقهم وأنا أخاف أن لا أصدقهم
وقال في الفنون أكثر من يخالط السلطان لشدة حرصهم على تنفيق نفوسهم عليه بإظهار الفضائل وتدقيق المذاهب في درك المباغي والمطالب يبلغون مبلغا يغفلون به عن الصواب لان السلاطين دأبهم الاستشعار والخوف من دواهي الاعداء فإذا أحسوا من إنسان تنغرا ولمحا تحرزوا منه بعاجل أحوالهم والتحرز نوع إقصاء فإنه لا قربة لمن لا تؤمن مكايدة لانهم يعلقون الدواهي لما عساه يلم بجانبهم فإن التغافل أصلح لمخالطتهم من التجالد وإظهار اللمح فإن للسلطان كنزا لا يحب ظهوره إلى كل أحد ويخاف من تكشف أحواله بالدخول عليه من باب الخبرة به والاولى في الحكمة أن لا
____________________
1- اخرجه ابن ماجه وابو داود واحمد والترمذي من حديث ابي سعيد وهو صحيح وله شاهد من حديث ابي أمامة عند احمد وابن ماجه
(3/464)
ينكشف الانسان بخلق في محبوبة ولا مكروهه فيدخل عليه الخوف منه
وقال ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس يقال شر الامراء أبعدهم من العلماء وشر العلماء أقربهم من الامراء
وقال ابن الجوزي في كتاب السر المصون أما السلاطين فإياك إياك ومعاشرتهم فإنها تفسدك وتفسدهم وتفسد من يقتدي بك وسلامتك من مخالطتهم أبعد من العيوق وأقل الأحوال في ذلك أن تميل نفسك إلى حب الدنيا قال المأمون لو كنت عاميا ما خالطت السلاطين ومتى اضطررت إلى مخالطتهم فبالأدب والصمت وكتم الاسرار وحفظ الهيبة ولا يسألون عن شيء مهما أمكن وقد سأل الرشيد الاصمعي عن مسألة فقال على الخبير سقطت فقال له الربيع أسقط الله أضراسك أبهذا تخاطب امير المؤمنين
وقال الشعبي دخلت على عبد الملك فصادفته في سرار مع شخص فوقفت ساعة لا يرفع إلي طرفه فقلت يا أمير المؤمنين عامر الشعبي فقال لم نأذن لك حتى عرفنا اسمك فقلت نقدة من أمير المؤمنين فلما أقبل على الناس رأيت رجلا في الناس ذا هيبة ورواء ولم أعرفه فقلت يا أمير المؤمنين من هذا فقال الخلفاء تسأل ولا تسأل هذا الأخطل الشاعر فقلت في نفسي هذه اخرى قال وخضنا في الحديث فمر له شيء لم أعرفه فقلت اكتبه يا أمير المؤمنين فقال الخلفاء تستكتب ولا تستكتب فقلت هذه ثالثة وذهبت لاقوم فأشار إلي بالقعود فقعدت حتى خف من كان عنده ثم دعا بالطعام فقدمت إليه المائدة فرأيت عليها صحفا فيها مخ وكان عادته أن يقدم إليه المخ قبل كل شيء فقلت هذا يا أمير المؤمنين كما قال الله تعالى ( ^ وجفان كالجواب وقدور راسيات ) سبأ 13 فقال يا شعبي مازحت من لم يمازحك فقلت هذه رابعة فلما فرغ من الطعام وقعد في مجلسه وتدافعنا في الحديث وذهبت لأتكلم فما ابتدأت بشيء من الحديث إلا استله مني فحدث الناس وربما زاد فيه على ما عندي ولا أنشده شعرا إلا فعل مثل ذلك قال فغمني وانكسر بالي فما زلنا على ذلك بقيمة نهارنا فلما كان
____________________
(3/465)
آخر وقت التفت إلي وقال لي يا شعبي قد والله تبينت الكراهة في وجهك لما فعلت وتدري أي شيء حملني على ذلك قلت لا يا أمير المؤمنين قال لئلا تقول إن فاز هؤلاء بالملك لقد فزنا نحن بالعلم فأردت أن أعرفك أنا فزنا بالملك وشاركناك فيما أنت فيه ثم أمر لي بمال فقمت من عنده وقد زللت أربع زلات
وقال حدث بعضهم المأمون فقال اسمع ايها الامير فقال المأمون أخرجوه فليس هذا من سمار الملوك وحدثه الحسن اللؤلؤي وهو خليفة فنام فقال له يا أمير المؤمنين ففتح عينيه وقال يا غلام خذ بيده فليس هذا من سمار الملوك وإنما يصلح أن يفتي في محرم صاد ظبيا
وقال ابن المعتز اشقى الناس بالسلطان صاحبه كما ان اقرب الاشياء إلى النار اسرعها احتراقا قال الشاعر
( إن الملوك بلاء حيثما حلوا % فلا يكن لك في أفنائهم ظل )
( وما تريد بقوم إن هم سخطوا % جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا )
( وإن مدحتهم ظنوك تخدعهم % واستثقلوك كما يستثقل الكل )
( فاستغن بالله عن أبوابهم أبدا % إن الوقوف على أبوابهم ذل )
ويقال لا تغترر بالامير إذا غشك الوزير ومنهم من قال لا تثق بالامير إذا خانك الوزير جلس معاوية يأخذ البيعة على الناس بالبراء من علي فقال رجل يا أمير المؤمنين إنا نطيع أحياءكم ولا نبرأ من أمواتكم فالتفت معاوية إلى المغيرة بن شعبة فقال يا رجل فاستوص به خيرا وكان يقال إذا نزلت من الولي بمنزلة الثقة فاعزل عنه كلام الخنا والملق ولا تكثرن له الدعاء في كل كلمة فإن ذلك يشبه الوحشة وعظمه وقرره في الناس
قال الفرزدق
( قل لنصر والمرء في دولة السلطان % أعمى ما دام يدعى أميرا )
( فإذا زالت الولاية عنه % واستوى بالرجال كان بصيرا )
____________________
(3/466)
كان يقال ثلاثة من عازهم رجعت عزته ذلا السلطان والعالم والوالد
وقال عبد الملك بن مروان في أثناء كلام له اربعة لا يستحيى من خدمتهم السلطان والوالد والضيف والدابة
وذكر ابن عبد البر في مكان آخر ولم يعزه إلى أحد خمسة لا يستحيى من خدمتهم السلطان والوالد والعالم والضيف والدابة وقال بعضهم
( قالوا تقرب من السلطان قلت لهم % يعيذني الله من قرب السلاطين )
( إن قلت دنيا فلا دنيا لممتحن % أو قلت دينا فلا دين لمفتون )
ومن الامثال في صحبة السلطان السلطان كالنار إن باعدتها بطل نفعها وإن قاربتها عظم ضررها صاحب السلطان كراكب الاسد يهابه الناس وهو لمركبه أهيب أجرأ الناس على الاسد أكثرهم له رؤية إذا قال السلطان لعماله هاتوا فقد قال خذوا من خدم السلطان خدمته الإخوان ثلاثة لا أمان لهم السلطان والبحر والزمان مثل أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلا ثم وقعوا منه فكان أبعدهم من المرتقى اقربهم إلى التلف وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال لي أبي إني أرى أمير المؤمنين يعني عمر رضي الله عنه يدنيك ويقربك فاحفظ عني ثلاثا إياك أن يجرب عليك كذبة وإياك ان تغتاب عنده أحدا وإياك ان تفشي له سرا ثم قال يا عبد الله ثلاث وأي ثلاث فقال له رجل يا ابن عباس كل واحدة خير من الف قال بل كل واحدة خير من عشرة آلاف فصل ينبغي للعالم التوسط في كل شؤونه للتأسي به
قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله وينبغي للعالم ان يتوسط في ملبسه ونفقته وليكن إلى التقلل أميل فإن الناس ينظرون إليه وينبغي له الاحتراز مما يقتدى به فيه فإنه متى ترخص في الدخول على السلاطين وجمع الحطام فاقتدى به غيره كان الاثم عليه وربما سلم هو في دخوله فلم يفقهوا كيفية سلامته وكلام ابن البنا في الفصل قبله يقتضي انه لا إثم عليه وأنشد
____________________
(3/467)
( إذا قنعت بميسور من القوت % أصبحت في الناس حرا غير ممقوت )
( يا قوت نفسي إذا ما در خلفك لي % فلست آسى على در وياقوت )
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال ما عال من اقتصد رواه احمد (1)
وقال ابو الوفاء ابن عقيل في الفنون يا علماء ما نقنع منكم بما أنتم عليه من زي تصاريفكم فإن طبيبا به مثل مرضي فضيق علي الاغذية ولا يحتمي مشكوك في صدقه عندي فالحظوا حال من أنتم ورثته كيف غفر له ثم قام حتى تورمت قدماه يا سباع يا قطاع الطريق لا ترون إلا على مطارح الجيف نبيكم صلى الله عليه وسلم قنع من المرأة بإشارتها إلى السماء وأنتم تشككون الناس في العقائد انفتح بكلامكم البثق العظيم وهو كلام الدهرية والملحدة فصل في المفاضلة بين الفقير الصابر والغني الشاكر
هل الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر أم العكس فيه قولان للعلماء هما روأيتان عن الامام احمد وذكر القاضي ابو الحسين ان أصحهما أن الفقير الصابر افضل وقال اختارها ابو إسحاق ابن شاقلا والوالد السعيد وقال الشيخ تقي الدين والصواب في هذا قوله تعالى ( ^ إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) الحجرات 13 فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة كذا قال
وقال الحاكم في تاريخه عبيد الله بن محمد بن نافع بن مكرم الزاهد ابو العباس العابد كان من الابدال توفي في المحرم سنة أربع وثمانين وثلاث مئة سمعت الاستاذ ابا الوليد يقول لو ان التابعين والسلف رأوا عبيد الله الزاهد لفرحوا به سمعت محمد بن جعفر المزكي سمعت أبا علي الثقفي يقول عبيد الله الزاهد من المجتهدين قال الحاكم قلت لعبيد الله قد اختلف الناس في الفقر والغنى أيهما افضل قال ليس لواحد منهما فضل انما يتفاضل الناس
____________________
1- اخرجه احمد والشاشي والطبراني في الكبير وسنده ضعيف وانظر تمام تخريجه في المسند
(3/468)
بإيمانهم ثم قال عبيد الله كلمني ابو الوليد في فضل الغني واحتج علي بقول النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى (1)
قلت يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة جهد المقل + حديث صحيح اخرجه احمد وابو داود وابن خزيمة وانظر صحيح ابن حبان +
قال عبيد الله والدليل على ما ذكرت ان الناس يتفاضلون بإيمانهم قوله صلى الله عليه وسلم لحارثة إن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك + اخرجه البزار والعقيلي في الضعفاء من حديث انس بن مالك رضي الله عنه وفي سنده يوسف بن عطية مجمع على ضعفه +
قال عزفت نفسي عن الدنيا جعل اختيار الفقر على الغنى حقيقة الايمان وهو غريب ضعيف انتهى كلامه
قال ابن الجوزي وأما التفضيل بين الغني والفقير فظاهر النقل يدل على تفضيل الفقير ولكن لا بد من تفصيل فنقول إنما يتصور الشك والخلاف في فقير صابر ليس بحريص بالإضافة إلى غني شاكر ينفق ماله في الخيرات أو فقير حريص مع غني حريص إذ لا يخفى أن الفقير القانع افضل من الغني الحريص فإن كان الغني متمتعا بالمال في المباحات فالفقير القنوع أفضل منه
وكشف الغطاء في هذا إنما يراد لغيره ولا يراد لعينه ينبغي أن يضاف إلى مقصوده إذ به يظهر فضله والدنيا ليست محذورة لعينها بل لكونها عائقة عن الوصول إلى الله تعالى والفقر ليس مطلوبا لعينه لكن لان فيه فقد العائق عن الله تعالى وعدم التشاغل عنه وكم من غني لا يشغله الغنى عن الله تعالى كسليمان عليه السلام وكذلك عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وكم من فقير شغله عن المقصود وصرفه عن حب الله تعالى والانس به وانما التشاغل له حب الدنيا إذ لا يجتمع معه حب الله تعالى فإن المحب
____________________
1- اخرجه البخاري وانظر تمام تخريجه في صحيح ابن حبان
(3/469)
الشيء مشغول به سواء كان في فراقه او في وصاله بل قد يكون شغله في فراقه أكثر والدنيا مشوقة الغافلين فالمحروم منها مشغول يطلبها والقادر عليها مشغول بحفظها والتمتع بها
وإن أخذت الامر باعتبار الاكثر فالفقير عن الخطر أبعد لان فتنة السراء أشد من فتنة الضراء ومن العصمة أن لا تجد ولما كان ذلك في طبع الآدميين إلا القليل منهم جاء الشرع بذم الغنى وفضل الفقر وذكر كلاما كثيرا
قال القرطبي ذهب قوم إلى تفضيل الغني لان الغني مقتدر والفقير عاجز والقدرة افضل من العجز قال الماوردي وهذا مذهب من غلب عليه حب النباهة
وذهب آخرون إلى تفضيل الفقير لان الفقير تارك والغني ملابس وترك الدنيا افضل من ملابستها قال الماوردي وهذا مذهب من غلب عليه حب السلامة
وذهب آخرون إلى تفضيل التوسط بين الامرين بأن يخرج من حد الفقر إلى أدنى مراتب الغنى ليصل إلى فضيلة الامرين قال الماوردي وهذا مذهب من يرى تفضيل الاعتدال وان خيار الامور اوساطها
قال ابن هبيرة الوزير الحنبلي لو لم يكن في الفقر الا انه باب رضا الله ولو لم يكن في الغنى إلا أنه باب سخط الله لكفى لان الانسان إذا رأى الفقير رضي عن الله في تقديره وإذا رأى الغني تسخط بما هو عليه وذلك يكفي في فضل الفقير على الغني
____________________
(3/470)
فصل في تحريم لبس الحرير على الرجال بلا ضرورة
في اللباس يحرم على كل رجل حر وعبد استعمال ثوب وعمامة وتكة وسراويل وشرابة من الحرير بلا ضرورة نص عليه الامام احمد والظاهر أن المراد بشرابة الحرير المنفصلة كشرابة البريد فأما المتصلة فمباحة كزر حرير ونحوه وكلامه في المستوعب يقتضي هذا فإنه قال إن التقليد بشراريبه يحرم وهو ما أكثره وزنا في وجه قدمه في الرعاية الكبرى وقيل بل ظهورا في ظاهر كلام احمد قدمه في التلخيص وكذلك الملحم وهو ما سداه حرير واللحمة غزل ولبس الحرير وافتراشه والاستناد إليه والأتكاء عليه والتقليد بشراريبه وستر الجدر به في ذلك سواء ذكره في المستوعب وابن تميم والرعاية وغيرهم والبطانة كالظهارة في ذلك فصل الخلاف في استعمال الحرير بغير اللبس
ذكر الشيخ موفق الدين رحمه الله في كل كتبه أن لبس الحرير وافتراشه محرم واستدل عليه بالاحاديث الواردة فيه وكذلك الشيخ وجيه الدين بن المنجى في الخلاصة قال يحرم استعمال الحرير لباسا وافتراشا قال هذا مع كونه هذب كلام ابي الخطاب رحمه الله وكذا غيرهما من الاصحاب ولم يزيدوا على ذلك وظاهر هذا أن ستر الجدر والحيطان به كغيره من الساتر فيه الروايتان المشهورتان وأنه لا أثر لكونه حريرا وأن استعمال البقج واكياس الحرير التي توضع الاثمان أو غيرها فيها والبقج التي توضع فيها الثياب واتخاذ مخدة الحرير للزينة وغير ذلك واستعماله من غير جلوس على ذلك والاستناد إليه ولا لبس له ولا تدثر به أن ذلك غير محرم وقطع الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية والازجي في النهاية بأنه لا يجوز الاستجمار بما لا ينقي كالحرير الناعم وظاهره القطع بجواز الاستجمار به إذا انقى لان المحرم بالنص اللبس وهذا ليس بلبس بل استعمال ولا يلزم من تحريم الاستعمال لانه
____________________
(3/471)
أسهل وأخف
وقوله صلى الله عليه وسلم عن الذهب والحرير هذان حرام على ذكور امتي حل لإنائها (1)
لا بد فيه من إضمار وإضمار اللبس اولى عن لفظه في بعض طرقه أنه عليه السلام أباح لباس الحرير والذهب للنساء وحرم ذلك على الرجال إسناده ثقات
وذكر ابن عبد البر في جملة الاثار الصحاح المروية في هذا الباب قال والمراد بهذا الخطاب لباس الحرير ولباس الذهب دون الملك وسائر التصرف وبدليل سائر الاحاديث المصرحة باللبس ولانه المعهود المعروف في استعمال الشارع والتعليل بالسرف والفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء تعليل بالحكمة وفي جوازه خلاف مشهور على أنه منكسر بلبس الدواب والحرير وقال ابو الخطاب يحرم استعمال الحرير في اللبس والافتراش وغير ذلك
وقال في المستوعب فأما الإبريسم فاستعماله حرام على الرجال دون النساء أحرارا أو عبيدا وسواء في ذلك لبسه وافتراشه والاستناد إليه والتقليد بشراريبه وجعله تككا في السراويلات وتعليقه ستورا وغير ذلك
وقال الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية فتمسك ابو حنيفة رحمه الله في اختصاص التحريم باللباس بهذا الحديث يعني قوله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الاخرة + اخرجه البخاري ومسلم وانظر ابن حبان +
قال ولم يقس عليه التوسد والنوم عليه والادثار به والستور المعلقة لانها دونه في الاستعمال ثم استدل الشيخ وجيه الدين على التحريم بالاحاديث المشهورة وقال فهذه الاحاديث قد دلت بعمومها وخصوصها على التحريم مطلقا ولم يعين استعمالا مخصوصا فكان على عمومه في جميع انواعه
____________________
1- حديث صحيح وأخرجه احمد وابن ماجه وابو داود والنسائي من حديث علي بن ابي طالب وانظر تمام تخريجه وشواهده في صحيح ابن حبان
(3/472)
وإنما حرمت لانها نفس مال لأهل الدنيا فلبسها واستعمالها يكسب العجب والفخر والخيلاء وفيه كسر قلوب الفقراء والتشبه بالاعاجم وهو منهي عنه إلى ان قال وسواء في الاستعمال بين اللبس والستور المعلقة والتكك في السراويلات والكمرانات ومياثر السروج والشراريب في الشعور لعموم التحريم ولانه نوع استعمال واستخدام فيدخل تحت النهي انتهى كلامه
وذكر صاحب المختار من الحنفية ان الافتراش ونحوه لا يكره عند ابي حنيفة وعند ابي يوسف ومحمد يكره انتهى كلامه وإباحة الافتراش ونحوه من مفردات ابي حنيفة
وذكر الشيخ مجد الدين في شرح الهداية انه يحرم غير اللبس كافتراشه والاستناد إليه ونحوه واستدل عليه بالاحاديث منها قال ودخل أبو أمامة رضي الله عنه على خالد بن يزيد فألقى له وسادة فظن انها حرير فتنحى وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستمتع بالحرير من يرجو أيام الله رواه الامام احمد (1)
قال ففهم ابو أمامة دخول الافتراش في عمومه وقال ايضا لا يباح يسير الحرير مفردا كالتكلة والشرابة ونحوهما نص عليه خلافا لاسحاق بن راهويه وفهم ابن عبد القوي من كلامه هذا العموم فقال ويدخل في عموم ذلك شرابة الدواة وسلك السبحة كما يفعله جهلة المتعبدة انتهى كلامه والتمتع والاستمتاع بالشيء الانتفاع به والمتاع والمتعة اسم لما ينتفع به لكن خبر أبي امامة المذكور من رواية إسماعيل بن عياش عن ابي بكر بن عبد الله بن ابي مريم الشامي وابو بكر ضعيف بالاتفاق ضعفه احمد وابن معين وابو زرعة وأبو حاتم وغيرهم
وذكر غير واحد من أصحابنا أن الامام احمد رضي الله عنه نص على أن
____________________
1- اخرجه احمد والطبراني في الكبير وفي سنده ابو بكر بن ابي مريم الغساني وهو ضعيف
(3/473)
إباحة جعل المصحف في كيس حرير واتخاذه له ولو ابيح جعل غير المصحف فيه واتخاذه له لما خص المصحف بالذكر وعلل الآمدي مسألة المصحف بأنه يسير وفي ذلك تعظيم له وهذا من الآمدي يدل على تحريم الكثير لغير المصحف وتعليله صريح في إباحة اليسير المفرد كما هو مذهب إسحاق ومسألة كتاب الصداق في الحرير من حرمه يوافق هذا القول لان التحريم لو اختص بجنس اللبس لم يحرم ومن لم يحرمه قد يوجهه بأنه بسبب المرأة والحرير مباح لها فلا يلزم منه موافقة القول الاول وقد يقال يلزم منه الموافقة
وقد بحث أصحابنا رحمهم الله في مسألة اتخاذ آنية الذهب والفضة قالوا ولان اتخاذها يدعو إلى استعمالها ويفضي إليه غالبا فحرم كلخلوة بالاجنبية واقتناء الخمر ولان ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي قالوا وتحريم الاستعمال عليه علته السرف والخيلاء وهي موجوده في الاتخاذ وهذا جار بظاهرة في مسألتنا وفي أصحابنا من ذكر هذا البحث ولم يرد ومنهم من ذكره في حجة المخالف انه لا يلزم من تحريم الاستعمال تحريم الاتخاذ كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير وفرق بأن ثياب الحرير تباح للنساء وتباح للتجارة فيها
فقد ظهر مما تقدم أن لآصحابنا في استعمال الحرير في غير جنس اللبس اللغوي وجهين وأن في تحريم اتخاذ ما حرم استعماله للزينة ونحوها وجهين فأما على رواية إباحة اتخاذ آنية الذهب والفضة فهذا أولى وإن اختيار الامدي إباحة يسير الحرير مفردا وقد اطلق بعض اصحابنا إباحة يسير الحرير وظاهره كقول الامدي ومن اصحابنا من ذكر تحريم اللبس والافتراش ونحوهما من انواع اللبس اللغوي وستر الجدر به ولم يزد على ذلك وقد عرف من ذلك حكم حركات الحرير والبشخانة والخيمة والاستنجاء بالحرير وما أشبه ذلك
____________________
(3/474)
فصل
فإن جلس على شيء طرفه أو وسطه حرير لم يحرم على القول بأن التحريم يختص بجنس اللبس وأما على القول الاخر فيحتمل ان لا يحرم اعتبارا بما إذا صلى على مكان طاهر من بساط طرفة نجس صحت صلاته لانه ليس بحامل للنجاسة ولا مصل عليها وإنما اتصلت بمصلاه كذا هاهنا والقول بأن الجلوس على بعضه استعمال مثله دعوى مجردة بل استعمال مثله الجلوس عليه لان استعمال العين هو التصرف فيها حسب ما اعدت له وهذه العين لا يجلس على الحرير منها فلا يكون مستعملا له بل ولم تعد جميعها للجلوس بل بعضها معد للجلوس وبعضها للزينة فكان لكل منهما حكم نفسه كما لو انفصلا ومجرد الاتصال ليس بموجب لتساوي حكميهما لكن يجيء في تحريم اتخاذه ما سبق ويفارق الإناء إذا كان بعضه ذهبا او فضة حيث تقول يحرم لان تحريمها اغلظ واشد فلا يلزم مثله هنا لانه اسهل واخف على ما لا يخفى فيها وتحتمل ان يحرم لان اتصال ما لم يحرم استعماله بما حرم يقتضي تحريم استعماله لكونه استعمالا مثله ودليله مسألة الإناء إذا كان بعضه ذهبا أو فضة وتفارق مسألتنا مسألة البساط إذا كان بعضه طاهرا وبعضه نجسا أن ذاك الباب الحكم معلق فيه بقربان النجاسة ولم يوجد وهذا الحكم معلق بالاستعمال وقد وجد ويقوي الاحتمال الاول من جهة المنقول كلام الشيخ وجيه الدين في المسألة بعدها فصل في الجلوس على الحرير بحائل فوقه وفي بطانته
فإن وضع على الحرير شيئا وجلس عليه فهل يحرم جعل الشيخ وجيه الدين حكمها حكم ما لو بسط شيئا وجلس عليه طاهرا على نجس وفيها روايتان وظاهر هذا انه لا فرق بين ان يكون الموضوع على الحرير متصلا به أو لا كما هو معروف في مسألة الطاهر على النجس ولعله ظاهر قول من قاس من أصحابنا تحريم حشو الجباب والفرش على البطانة
____________________
(3/475)
وذكر بعض أصحابنا تحريم بطانة الحرير وظهارته وظاهره أن ذلك في الفراش وغشاء المخدة وغير ذلك كما وقع الاتفاق عليه في الملبوس العرفي وعلى الاول فرق بينهما كما فرق بينهما في مسألة الطاهر والنجس وكما فرق بين ما إذا كان أحد جانبي الفراش حريرا والاخر غير حرير على ما سبق والله أعلم
فأما ستر الكعبة شرفها الله تعالى بالحرير معروف في القديم والحديث من غير نكير فظاهر ما ذكره الشيخ وجيه الدين أن إباحته وفاق فصل في إباحة الحرير والذهب للنساء عند الجمهور لا إجماعا والاقوال في حكمة تحريم الحرير على الرجال
ويباح كل ذلك للنساء عندنا وعند عامة العلماء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي والظاهرية وغيرهم وكذا إباحة الذهب لهن
وروى مسلم عن ابن الزبير رضي الله عنهما انه خطب وقال ألا لا تلبسوا نساءكم الحرير فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الاخرة (1)
وعن ابن عمر مثله + اي عن ابن عمر عن عمر وهو في صحيح مسلم وأخرجه النسائي من حديث ابن عمر مرفوعا +
وعنه أيضا الاباحة
وروى ايوب عن ابن سيرين ان أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول لابنته لا تلبسي الذهب فإني أخاف عليك من حر اللهب
وروى مبارك بن فضالة عن الحسن انه كره الذهب للنساء وما يدل لهذا القول من الاخبار يحمل بتقدير صحتها على تحريم سابق لصحة أحاديث الاباحة وتأخرها
____________________
1- صحيح مسلم
(3/476)
فإن قيل قد عرف مما سبق في فصول الطب في التداوي بالمحرمات ان لباس الحرير أعدل اللباس وأوفقه للبدن فلم حرمه الشرع قيل لتصبر النفس عنه فتثاب ولها عوض عنه وقيل في إباحته مفسدة تشبه الرجال بالنساء وقيل لما يورث لبسه من الانوثة والتخنث كما هو معروف ضد الشهامة والرجولية وقيل لما يورثه لبسه من الفخر والعجب ومن لم ير الحكم والتعليل للاحكام لم يحتج إلى جواب والله أعلم فصل فيما يباح للرجل من الحرير والذهب كالعلم والزر
ويباح من ذلك للرجل علم الثوب ورقعته ولبنة جيبه وسجف الفراء ونحوها قدر كف حرير عرضا قدمه في الرعاية الكبرى وقيل بل أربعة أصابع مضمومة فأقل نص عليه وقطع به في المستوعب والتلخيص والشرح وابن تميم وغيرهم وليس هذا القول بمخالف لما قبله بل هما سواء وفي العلم المذهب قدر كف او اقل والزر الذهبي ونحوهما وجهان وذكر ابن تميم عن ابن ابي موسى انه لا بأس بالعلم الدقيق دون العريض وذكر في المستوعب عن ابن ابي موسى انه قال في العلم إن كان عريضا كره ولا بأس بالدقيق ومن لبس ثيابا في كل ثوب قدر كف يعفى عنه ولو جمع صار ثوبا فذكره في المستوعب وابن تميم انه لا بأس به وذكر في الرعاية انه لا يحرم بل يكره
وتباح الخياطة بحرير وما تلف به رؤوس الاكمام وفروج الثياب والرقم فوق ثوب قطن ونحو ذلك قال غير واحد من اصحابنا ويباح الخز نص عليه وهو حرير ووبر طاهر من أرنب او غيره
وقال بعضهم لا بأس بلبس الخز نص عليه وجعله ابن عقيل من الثياب المنسوجة من الحرير وغيره وفرق احمد بينهما بأن هذا لبسه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاك محدث بأن الخز لا سرف فيه ولا خيلاء بخلاف ذلك فهذا الفرق أومأ إليه في رواية ابي بكر وغيره والفرق الاول في رواية صالح وغيره
____________________
(3/477)
وما عمل من سقط حرير ومشاقته وما يلقيه الصانع من فمه من تقطيع الطاقات ودق وغزل ونسج فهو كحرير خالص في ذلك وإن سمي الآن خزا ويباح الكتان قال ابن حمدان لا القز وهذا الكلام عجيب لان القز حرير فصل
وما نسج بذهب او فضة وقال في الرعاية وقيل أو فضة أو مموه او طلي او كفت او طعم بأحدهما حرم مطلقا وقيل بل يكره إلا في مغفر وجوشن وخوذة أو في سلاح لضرورة كذا في الرعاية وفيما استحال لونه من المموه بذهب وقيل ولا يجتمع منه شيء إذا حك وما نصفه حرير وزنا في ملحم وخز وغير ذاك وحشو الحرير في جبة أو فراش وجهان في الكل جواز وعدمه وقيل بالكراهة فقط كما لو شك في كثرة الحرير او مساواته غيره مع إباحة النصف وقيل المنسوج بالذهب والمموه به كالحرير فيما ذكر كله وقال ابن تميم إن كان بعد استحالته لا يحصل منه شيء فهو مباح وجها واحدا قال المروذي سألت أبا عبد الله عن خياطة الملحم فقال ما كان للرجل فلا وما كان للنساء فليس به بأس
وقال في التلخيص يباح حشو الجباب بالإبريسم على الاظهر وهذا هو الذي قدمه ورجحه غير واحد وذكر ابن عقيل في تحريمه روايتين وقال في الرعاية في موضع آخر يحرم على الرجل والمرأة تمويه حائط وسقف وسرير بذهب او فضة وتجب إزالته وزكاته بشرطها ولو كان في مسجد وقيل وقلنسوة كذا قال وقيل إن استهلك فلم يجتمع منه شيء إذا سبك فله استدامته مجانا وإلا فلا وكذا الخلاف في تحلية سرج أو لجام أو ركب وقلادة فهد وكلب ونحو ذلك
ويحرم تحلية فراشه ولباسه بذهب فيزكى إذا ويباح بفضة فلا يزكى وقيل بل يحرم فيزكى ويحرم عليهما تجلية دواة ومحبرة ومقلمة ومرآة ومشط ومكحلة وشربة ومرود وكرسي وآنية وسبحة ومحراب وكتب علم بذهب أو فضة وكذا
____________________
(3/478)
قنديل ومجمرة ومدخنة وملعقة وقيل يكره ذلك في الكل وعن احمد رحمه الله كراهة رأس المكحلة وحلية المرآة فضة قال القاضي ظاهرة انه لا يحرم وألحق بذلك حلية جميع الأواني بالفضة والمصمت من ذاك أولى بالمنع وذكر التميمي أنه إن أتخذ قنديلا أو نعلين او مجمرة أن ذلك يكره من غير تحريم قال ولو اتخذ سريرا أو كرسيا لم يجز قال ويكره عمل خفين من فضة ولا يحرم كالنعلين ومنع من الشرابة والملعقة وقال المروذي قلت لابي عبد الله فالرجل يدعى فيرى مكحلة رأسها مفضض قال هذا يستعمل وكل ما استعمل فأخرج منه إنما رخص في الضبة أو نحوها قلت لابي عبد الله إني دخلت على رجل وكان أبو عبد الله بعث بي إليه في شيء فأتي بمكحلة رأسها مفضض فقطعتها فأعجبه ذلك فتبسم وأنكر على صاحبها فصل بيع الحرير والمنسوج بالذهب والفضة وصنعه تابع لاستعماله
ويحرم بيع الحرير والمنسوج بالذهب والفضة للرجل وكذلك خياطته وأجرتها وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله بيع الحرير للكفار حديث عمر رضي الله عنه يقتضي جوازه بخلاف بيع الخمر فإن الحرير ليس حراما على الإطلاق وعلى قياسه بيع آنية الذهب والفضة لهم وإذا جاز بيعها لهم جاز صنعتها لبيعها منهم وجاز عملها لهم بالأجرة انتهى كلامه ذكره في اول باب ما يجوز بيعه من تعليقه على المحرر فصل في التحلي باللآلئ والجواهر
ولا تحرم اللالئ ولا الجواهر الثمينة وظاهر ما ذكره الاصحاب رحمهم الله انه لا يكره وذكر الشيخ وجيه الدين رحمه الله أنه يكره قال لما فيه من التشبه بالنساء فعلى قوله يكون في المسألة الخلاف المذكور في تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في اللباس وغيره هل هو محرم أو مكروه وقد ذكر غير واحد إباحة ذلك في أبواب الزكاة وذكره بعضهم في بحث مسألة إناء ذاك
____________________
(3/479)
فهذه ثلاثة اقوال التحريم والكراهة والاباحة
ولعل مراد من كره ذلك غير خاتم الرجل من ذلك وقد قال ابن حزم في الاجماع بعد الذبائح اتفقوا على اباحة تحلي النساء بالجواهر والياقوت واختلفوا في ذلك للرجل الا في الخاتم فانهم اتفقوا على ان التختم لهم بجميع الاحجار مباح من الياقوت وغيره والله أعلم فصل
يكره كتابة صداق المرأة في حرير وقيل يحرم في الاقيس ولا يبطل المهر بذلك فإن حرم عليها اقتناؤه حرم شراؤه لها وإلا فلا فصل في إباحة لبس الحرير والذهب في الحرب أو لفائدة صحية
ويباح لبس الحرير في الحرب من غير حاجة في أرجح الروايتين في المذهب وعنه يباح مع نكاية العدو به وقيل يباح عند القتال من غير حاجة وكذلك افتراشه وقال في آخر باب في المستوعب ويكره لبس الحرير في الحرب وفي جواز لبسه ايضا لحكة زاد غير واحد يؤثر في زوالها أو لقمل ومرض قال بعضهم وبرد روايتان وسبقت المسألة في التداوي بالمحرمات قال غير واحد ومن احتاج إلى لبس الحرير والذهب لحر أو برد أو تحصن من عدو ونحوه أبيح وهل يجوز لولي الصبي ان يلبسه الحرير زاد غير واحد والمذهب على روايتين أشهرهما التحريم وهو قول مالك وأكثر الشافعية والثانية الجواز وهو قول ابي حنيفة وقال في آخر باب في المستوعب ويكره لبس الحرير والذهب للصبيان في إحدى الروايتين والاخرى لا يكره فصل حكم الصور والصلبان في الثياب ونحوها وصنعها واتخاذها
يكره الصليب في الثوب ونحوه قال ابن حمدان ويحتمل التحريم قال
____________________
(3/480)
احمد رحمه الله في رواية صالح في الخواتيم التي عليها الصور كانت نقشت في الجاهلية لا ينبغي لبسها لما فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ وعذب (1)
وقد قال ابراهيم اصاب اصحابنا خمائص فيها صلب فجعلوا يضربونها بالسلوك يمحونها بذلك
وفي حديث ابي طلحة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
انتهى كلامه
ويحرم تصوير حيوان برأس ولو في سرير أو حائط أو سقف أو بيت أو قبه واستعمال ما هو فيه بلا ضرورة وجعله سترا معلقا وذكره في الرعاية وهو مذهب ابي حنيفة ومالك والشافعي
وقال في الشرح في باب الوليمة وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها ولم يفرق وهو قول بعض السلف قال والامر بعمله محرم كعمله وقال في المستوعب تكره التصاوير في السقوف والستور والحيطان والاسرة ونحو ذلك
وقال ابن تميم وينهى عن التصاوير في السقوف والحيطان والاسرة ونحوه
وقال ابن ابي موسى الصور والتماثيل مكروهة عنده في الاسرة والجدران وغير ذلك إلا أنها في الرقم أيسر وتركه أفضل فإن أزيل رأس الصورة أو كانت بلا رأس جاز نص عليه وفيه وجه يكره وقطع به في المستوعب
ويباح بسطه مطلقا قال في الرعاية وغيرها وصورة غيرها مطلقا كشجر وغيره من التماثيل والصلاة عليها وذكر في المستوعب وابن تميم انه لا بأس بما فيه تماثيل غير الحيوان وهل يكره لبس ما فيه صورة حيوان للرجال
____________________
1- اخرجه البخاري مسلم وابن حبان
(3/481)
والنساء او يحرم على وجهين ولا بأس بافتراشه
وقال الشيخ وجيه الدين ابن المنجى فأما صور الاشجار والتزويقات والتماثيل فمباح وقال ابن ابي موسى يكره ايضا فإن قطع رأس الصورة أو صور جسدها دونها جاز مع الكراهة فإن كانت الصور في الحيطان والستور المعلقة والاسرة والسقوف كرهت وإن كانت في البسط وما يداس ويمتهن فغير مكروهة ذكره أصحابنا رحمهم الله انتهى كلامه
وقال في التلخيص يحرم لبس الثياب التي فيها التصاوير وتعليقها ستورا على الرجال والنساء إلا من ضرورة ولا بأس بما فيه من التماثيل غير المصورة أو الصور التي لا رؤوس لها نص عليه ويكره ستر الجدر بما لا صورة فيه على الاصح والنهي المطلق محمول على ما فيه الصور
وقال في باب آخر في المستوعب ويكره تعليق الستور التي فيها التصاوير والتي لا تصاوير فيها على الحيطان قال ابن تميم وهل يمنع من ستر الجدر بما لا صورة فيه على روايتين وقال في المحرر يجوز افتراش ما فيه صورة حيوان وجعله وسائد ولا يجوز تعليقه وستر الحيطان به وفي جواز ذلك بستور خالية من صور الحيوان روايتان
وقال في الرعاية وهل يكره جعل ما لا صورة حيوان فيه سترا أو يحرم على روايتين وقيل ولا يجعله في سرير وحائط وسقف
____________________
(3/482)
فصل في كراهة أحمد للكلة حيث لا حاجة إليها
وتباح الخيمة والقبة فأما الكلة وهي قبة لها بكر يجر بها فقد كرهها الامام احمد رحمه الله وقال هي من الرياء والسمعة لا ترد حرا ولا بردا وصدق لانها في العادة تكون من الخفيف من الثياب وسأله المروذي عن الرجل يدعى فيرى الكلة فكرهها وقال هي من الرياء والسمعة ولا يجوز تحريق الثياب التي عليها الصور ولا المرقومة التي تصلح بسطا أو مطارح تبسط وتداس ولا كسر الحلي المحرم على الرجال إن صلح للنساء فصل فيما يحرم وما يكره وما يباح من حلية الذهب والفضة
يحرم يسير الذهب مفردا كخاتم ونحوه ويكره تبعا وقيل لا يكره إلا ما ذكر كذا في الرعاية وقال في التلخيص يباح يسير الذهب للضرورة ولغير ضرورة يحرم في أصح الوجهين وقال في المستوعب يحرم على الرجال لبس الذهب إلا من ضرورة وذكر ابو بكر أن يسير الذهب مباح واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا (1)
قال وتفسيره الشيء اليسير منه فعلى هذا لا يباح إلا أن يكون تابعا لغيره فأما أن يلبسه مفردا فلا لأنه لا يكون مقطعا قال في الرعاية وفي قبيعة سيفه ونحو ذلك من ذهب وجهان وقيل يباح يسيره تبعا لغيره وقيل مطلقا وقيل ضرورة وقال ابن حمدان أو حاجة لا ضرورة وقيل بل كل ما يباح تحليته بفضة يباح بذهب
____________________
1- أخرجه احمد وابو داود والنسائي من طريق ابي قلابة عن معاوية بن ابي سفيان وهذا سند منقطع لكن تابع ابا قلابة عن معاوية ابو شيخ الهنائي عند احمد وابي داود والنسائي
(3/483)
وقيل بيسير كذا ذكره وقال ابن تميم في إباحة تحليته كل ما يباح تحليته بفضة يباح بيسير الذهب وجهان
واختلف ترجيح الاصحاب في تحلية قبيعة السيف والمنطقة بذهب وفي المنطقة روايتان وكذا تحلية خاتم الفضة وقال ابن تميم وعنه تحرم قبيعة السيف من الذهب فيحرم في غيره مما تقدم وجها واحدا وقال في الرعاية في الزكاة وتباح قبيعة سيفه وشعيرة سكينه وقيل لا يباحان وهو بعيد وقيل يباح يسيره في السيف لا في السكين ويحرم تحلية كمرانه وخريطته ودرجه بذهب أو فضة ويحتمل الاباحة وفي جواز تحلي جوشنه ومغفره وخوذته ونعله وخفه وحمائل سيفه ونحوها ورأس رمحه وجهان مشهوران وما اتخذه من ذلك ونحوه لتجارة او كراء او سرف او مباهاة ونحو ذلك وكره وزكي ولم يذكر بعضهم السرف والمباهاة فصل
قال ابو الفرج بن الجوزي رحمه الله دعي الحسن رحمه الله الى عرس فجيء بجام من فضة فيه خبيص فتناوله فقلبه على رغيف وأصاب منه فقال رجل هذا نهي في سكون انتهى كلامه وكذا ذكر الشافعية رحمهم الله أنه يصب ما في إناء الذهب والفضة في إناء مباح أو على رغيف فيصيب منه فصل في إباحة التحلي بالذهب والفضة للمرأة
ويباح للمرأة التحلي بالذهب والفضة مطلقا وعنه أنه إن بلغ الفا فهو كثير فيحرم للسرف ذكرها في التلخيص وقال في الرعاية الكبرى وعنه انه إن بلغ الذهب الف مثقال حرم وزكي وقال ابن تميم وعنه إن بلغ ألف مثقال فهو كثير وقال ابن حامد إن بلغها حرم وفيه الزكاة وعنه إن بلغ عشرة الاف درهم فهو كثير
وقال القاضي يباح من ذلك الف مثقال فما دون ولا يزاد عليها وقال ابن
____________________
(3/484)
عقيل يباح من ذلك ما جرت العادة به لكن إذا بلغ الخلخال ونحوه خمس مئة دينار فقد خرج عن العادة وقال الشيخ تقي الدين لباس الذهب والفضة يباح للنساء بالاتفاق فصل في إباحة اللعب للبنات ومن قيدها بغير المصورة
لولي الصغيرة الإذن لها في اللعب بلعب غير مصورة نص عليه قال في الرعاية الكبرى وله شراؤها بمالها نص عليه وقيل بل بماله وقال في التلخيص هل يشتريها من مالها أو من ماله فيه احتمالان قال ابن حمدان المراد بالمصورة ما لها جسم مصنوع له طول وعرض وعمق
قال القاضي في الاحكام السلطانية في فصل والي الحسبة وأما اللعب فليس يقصد بها المعاصي وإنما يقصد بها إلف البنات لتربية الاولاد ففيها وجه من وجوه التدبير يقاربه معصية تصوير ذات الارواح ومشابهة الاصنام فللتمكين منها وجه وللمنع منها وجه وبحسب ما تقتضيه شواهد الاحوال يكون إنكاره وإقراره وظاهر كلام الامام أحمد المنع منها وإنكارها إذا كانت على صورة ذوات الارواح قال في رواية المروذي وقد سئل عن الوصي يشتري للصبية لعبة إذا طلبت فقال إن كانت صورة فلا وقال في رواية بكر ابن محمد وقد سأله عن حديث عائشة كنت ألعب بالبنات قال لا بأس بلعب اللعب إذا لم يكن فيه صورة فإذا كان فيه صورة فلا وظاهر هذا انه منع من اللعب بها إذا كانت صورة وقد روى احمد بإسناده عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وهي تلعب بالبنات ومعها جوار فقال ما هذا يا عائشة فقالت هذا خيل سليمان (1)
يضحك
____________________
1- اخرجه البخاري وابو داود والنسائي في الكبرى ولفظه بتمامه عن عائة رضي الله عنها
(3/485)
من قولها صلى الله عليه وسلم قال احمد وهو غريب لم أسمعه من غير هشيم عن يحيى بن سعيد انتهى كلام القاضي وفي الصحيح انها كانت في متاع عائشة رضي الله عنها لما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فمن العلماء من جعل هذا مخصوصا من عموم الصور ومنهم من جعل هذا في اول الامر قبل النهي عن الصور ثم نسخ وذكر القاضي عياض انه قول جمهور العلماء فصل في استعمال الجلود النجسة في اللبس وغيره مدبوغة وغير مدبوغة
له أن يلبس دابته جلدا نجسا ذكره في المستوعب وقدمه في الرعاية وقيل إن كان مختلفا في نجاسته وإلا حرم وهو الذي ذكره في التلخيص وقيل يكره وقيل إن دبغ الجلد وقلنا لا يطهر جاز وإن لم يدبغ كره ويكره له هو إذا لبسه وافتراشه وقيل لا يكرهان ويباح له في الحرب قال في الرعاية وقيل وغيره بدون ضرورة وقوله في الرعاية فينبغي أن ينظر في كلام الاصحاب رحمهم الله وقيل يباح فيه جلد كلب لا جلد خنزير
قال في الرعاية الكبرى ويباح استعمال كل جلد نجس قبل دبغة فيما لا ينجس به على الاظهر وقيل بل بعد دبغه وقيل يكره مطلقا
وقال ابن تميم إذا دبغ جلد الميتة وقلنا لا يطهر جاز أن يلبسه دابته ويكره له لبسه وافتراشه على الاظهر فإن كان جلد خنزير لم يبح الانتفاع به وفي الكلب وجهان وعنه لا يباح الانتفاع به مطلقا ولا يباح الانتفاع بجلد الميتة قبل الدبغ في اللباس وغيره رواية واحدة اخر كلام ابن تميم وهو معنى كلام الشيخ مجد الدين في شرح الهداية لكنه لم يقل على الاظهر لكنه قطع بذاك وله أن يلبس دابته الحرير قطع به الاصحاب وخالف فيه الشيخ تقي الدين
____________________
(3/486)
فصل
قيل يباح ثوب من شعر ما لا يؤكل مع نجاسته غير جلد كلب وخنزير على روايتين وقيل هما بناء على طهارته ونجاسته قال ابن تميم اختلف قوله في الثوب من شعر حيوان لا يؤكل فعنه هو طاهر وعنه هو مباح من حيوان طاهر نجس بموته فقط لا من حيوان نجس حيا فصل في لبس الجلود الطاهرة والصلاة فيها
ويجوز لبس كل جلد طاهر واختلف قول الامام احمد رضي الله عنه في جلد الثعلب فعنه يباح لبسه والصلاة فيه اختاره ابو بكر وقدمه في الرعاية وعنه تصح الصلاة فيه مع الكراهة وعنه يحرم لبسه والصلاة فيه اختاره الخلال وعنه يباح لبسه دون الصلاة فيه قال ابن تميم وقال ابو بكر لا يختلف قوله أنه يلبس إذا دبغ بعد تذكيته لكن اختلف في كراهة الصلاة فيه
وقال في الرعاية الكبرى وإن ذكي ودبغ جلده ابيح مطلقا ثم ذكر معنى كلام ابي بكر ويجوز لبس الفراء من جلد مأكول مذكى وجلد طاهر لا يؤكل إن قلنا يطهر بدبغه وإلا فلا وما حرم استعماله من ذلك حرم بيعه وعمله لمن يحرم عليه وأخذ أجرته فصل في لبس السواد لذاته وتشديد أحمد فيه إذا كان لباس الظلمة
يباح لبس السواد من عمامة نص عليه وثوب وقباء وهذا معنى ما في المستوعب والتلخيص والشرح وقيل إلا لمصاب أو جندي في غير حرب وعنه يكره للجندي مطلقا وخياطته إذا روع به مسلما وأجازه للمرأة نقله عنه المروذي وقيل فمن ترك ثيابا سوداء يحرقها الوصي قيل له فالورثة صبيان ترى أن يحرق قال نعم يحرقه الوصي قال الخلال عن
____________________
(3/487)
المروذي عنه وهذا يقتضي تحريمه وعلل احمد بأنه لباس الجند اصحاب السلطان والظلمة وسأل الامام أحمد المتوكل أن يعفيه من لبس السواد فأعفاه وسلم رجل على أحمد فلم يرد عليه وكان عليه جبة سوداء رواه الخلال فصل في كراهة لبس الاحمر المصمت للرجل
ويكره للرجل لبس أحمر مصمت نص عليه وقال الشيخ موفق الدين لا يكره وعنه يكره شديد الحمرة دون خفيفها قال في الرعاية الكبرى وكذا الخلاف في البطانة الحمراء وقال المروذي سألت أبا عبد الله عن المرأة تلبس المصبوغ الاحمر فكرهه كراهة شديدة وقال أما أن تريد الزينة فلا وقال إن أول من لبس الثياب الحمر آل قارون أو آل فرعون ثم قرأ ( ^ فخرج على قومه في زينته ) القصص 79 قال في ثياب حمر وانصرفت من عند ابي همام ودخلت على ابي عبد الله فأخرجت الكتاب فدفعته إليه فإذا فيه أحاديث من كان يركب بالارجوان فقال هذا زمان لا يحدث بمثل هذه وكرهها
ورأى ابو عبد الله بطانة جبتي حمراء فقال لم صنعتها حمراء قلت للرقاع التي فيها قال وأيش تبالي أن تكون فيها رقاع قلت تكرهه قال نعم وامرني ان أشتري له مدا قال لا يكون فيه حمرة ثم قال هو شيء ليس ينتفع به إنما هو طاهر وإنما كرهته من أجل هذا قلت لأبي عبد الله الثوب الاحمر تغطي به الجنازة فكرهه قلت ترى أن أجذبه قال نعم فصل في إباحة لبس الممسك والمورد والمعصفر والمزعفر
ويباح الممسك والمورد ويكره المعصفر زاد في الرعاية في الاصح وكذا المزعفر على الاظهر وفيه وجه تكره الصلاة فيه فقط وهو ظاهر ما في التلخيص والنص انه لا يكره وقطع في الشرح بالكراهة
ومذهب ابي حنيفة والشافعي تحريم لبس الثوب المزعفر على الرجل ومذهب مالك وأصحابه جوازه وحكاه مالك عن علماء المدينة وهو مذهب
____________________
(3/488)
ابن عمر وغيره ولا بأس بلبس المزعفر والمعصفر والاحمر للنساء
ومن صلى في ثوب نهي عنه غير الغصب والحرير ونحوه كالاحمر والمعصفر ففي الاعادة وجهان اصحهما لا إعادة عليه نص عليه في المعصفر وعنه وغيره ويلزم القائل بوجوب الاعادة أن يكون لبسه عنده محرما وإن قال منهي عن لبسه فلم تصح الصلاة فيه كالمغصوب فالفرق واضح مع انه يلزمه أن يقول به في كل مكروه في بدن المصلي وسترته وموضع صلاته ويكره للرجل التزعفر وجها واحدا ولا يبطل ذلك صلاته وتكره الميثرة الحمراء ذكره في المستوعب وغيره وينبغي ان يقال فيها الخلاف في لبس الاحمر فصل في كراهة لبس الشفوف والحاكية التي تصف البدن
يكره لبس ثوب رقيق يصف البشرة ويكره للانثى في بيتها نص عليه وقيل يحرم مع غير محرم له النظر إليها وقيل مع غير زوج وسيد وهو اصح ذكره كله في الرعاية الكبرى
وقال ابن تميم يكره الثوب الرقيق إذا وصف البدن قال أصحابنا للرجال
وقال في المستوعب يكره للرجل والمرأة لبس الرقيق من الثياب وهو ما يصف البشرة غير العورة ولا يكره ذلك للمراة إذا كان لا يراها إلا زوجها أو مالكها
وقال في الشرح إذا كان خفيفا يصف لون البشرة فيبين من ورائه بياض الجلد وحمرته لم تجز الصلاة به وإن كان يستر اللون ويصف الخلقة جازت الصلاة فيه لأن البشرة مستورة وهذا لا يمكن التحرز منه انتهى كلامه
قال المروذي وأمروني في منزل ابي عبد الله ان اشتري لهم ثوبا فقال لي لا
____________________
(3/489)
يكون رقيقا أكره الرقيق للحي والميت قلت وقد سألوني أن أشتري لهم ثوبا عليه كتاب فقال قل لهم إن أردتم أن أشتريه ونقلع الكتاب قلت إنما يريدون ذلك للكتاب فقال لا تشتره فصل في كراهة لبس ما يظن نجاسته
يكره من الثياب ما يظن نجاسته لتربية ورضاع وحيض وصغر وكثرة ملابستها ومباشرتها وقلة التحرز منه في صنعة وغيرها ونحو ذلك وقال ابن تميم وفي كراهة ثوب المرضع والحائض والصبي روايتان وألحق ابن أبي موسى ثوب الصبي بثوب المجوسي في منع الصلاة فيه قبل غسله قال في التلخيص فيخرج مثله في ثوب من لا يتنزه من النجاسة وما حرم استعماله من حرير ومذهب ومصور ونحوها حرم تملكه وتمليكه كذلك وعمله وخياطته لمن حرم عليه وأجرته نص عليه وقد تقدم فصل كراهة النظر إلى ما يحرم والتفكر فيه ومن حرمه لسد الذريعة
يكره النظر الى ملابس الحرير وأواني الذهب والفضة ونحوها إن رغبه نظرها في التزين والتجمل والمفاخرة ذكره في الرعاية وغيرها
وقال ابن عقيل ريح الخمر كصوت الملاهي حتى إذا شم ريحها فاستدام شمها كان بمثابة من سمع صوت الملاهي وأصغى إليها ويجب ستر المنخرين والاسراع كوجوب سد الاذنين عند الاستماع وعلى هذا يحرم النظر الى الحرير واواني الذهب والفضة ان دعت الى حب التزين بها والمفاخرة ويحجب ذلك عنه ونزيد فنقول التفكر الداعي إلى استحضار صور المحظور محظور حتى لو فكر الصائم فأنزل أثم وقضى وكان عندي كالعابث بذكره فيمني وأدق من هذا لو استحضر صورة المعشوق وقت جماعة أهله
وقال المروذي كنت مع ابي عبد الله بالعسكر في قصر إيتاخ فأشرت إلى
____________________
(3/490)
شيء على الجدار قد نصب فقال لي لا تنظر إليه قلت قد نظرت إليه قال لي فلا تفعل لا تنظر إليه
قال الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية ويكره ان يتخذ خرقة لمسح العرق لأنه من التكبر والتجبر وكذا يكره أن يتخذ خرقة للامتخاط كذا قال والاولى انه لا يكره وإن فعل ذلك على وجه التكبر والتجبر توجه التحريم وإنما يفعل كثيرا للترفه والنظافة قال فإن كانت لإماطة الاذى وإزالة القذر والحاجة لم تكره
وقال في الغنية يستحب ان لا يخلي الانسان نفسه حضرا وسفرا من سبعة اشياء بعد تقوى الله والثقة به التنظيف والتزيين والمكحلة والمشط والسواك والمقص والمدارة وهي خشبة مدورة الرأس أوفى من شبر تتخذها العرب والصوفية يدرؤون بها عن انفسهم الاذى كالقمل وغيره ويحكون بها الجسد ويقتلون الدبيب حتى لا يباشروا كل شيء بأيديهم والسابع قارورة من الدهن لانه قد روي في حديث عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يفوته ذلك حضرا ولا سفرا
قال الشيخ وجيه الدين والتربع في الجلوس إن كان لحاجة لم يكره وإن كان للتكبر والتجبر كره كذا قال ويتوجه أن يقال لا كراهة في التربع في الجلوس كغيره من انواعه وهذا هو ظاهر ما ذكره الاصحاب إلا أن يكون على وجه التكبر والتجبر فيتوجه التحريم وسبق ذلك في آداب المسجد وصفة الجلوس للاكل
قال رحمه الله ولا بأس بربط الخيط في الاصبع للحفظ والذكر انتهى كلامه وهذا يفعله كثير من الناس وقد قال الشاعر
____________________
(3/491)
( إذا لم تكن حاجاتنا في صدوركم % فليس بمغن عنك عقد الرتائم )
وقال أيضا
( إذا لم تك الحاجات من همة الفتى % فليس بمغن عنه عقد الرتائم )
والرتائم جمع رتيمة ورتمة وهو خيط يشد في الاصبع ليستذكر به الحاجة تقول منه ارتمت الرجل ارتاما والرتمة بالتحريك ضرب من الشجر والجمع رتم
وفي مسائل ابي داود قبيل باب التشهد في الصلاة سمعت احمد يقول كان يحيى بن يمان يحضر سفيان ومعه خيط فكلما حدث سفيان بحديث عقد عقدة فإذا رجع إلى البيت كتب حديثا وحل عقدة فصل في مقدار طول الثوب للرجل والمرأة وجر الذيول
يباح إزار الرجل وقميصه ونحوه من نصف ساقيه الى كعبيه نص عليه قال ابن تميم السنة في الازار والقميص ونحوه من نصف الساقين إلى الكعبين فلا يتأذى الساق بحر وبرد ولا يتأذى الماشي ويجعله كالمقيد ويكره ما نزل عن ذلك او ارتفع عنه نص عليه
وقال في رواية حنبل جر الازار إذا لم يرد الخيلاء فلا بأس به وظاهر هذا كلام غير واحد من الأصحاب رحمهم الله
وقال احمد رضي الله عنه أيضا ما أسفل من الكعبين في النار لا يجر شيئا من ثيابه وظاهر هذا التحريم فهذه ثلاث روايات ورواية الكراهية منصوص الشافعي وأصحابه رحمهم الله
قال صاحب المحيط من الحنفية وروي ان أبا حنيفة رحمه الله ارتدى برداء ثمين قيمته اربع مئة دينار وكان يجره على الارض فقيل له او لسنا
____________________
(3/492)
نهينا عن هذا فقال إنما ذلك لذوي الخيلاء ولسنا منهم
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله عدم تحريمه ولم يتعرض لكراهة ولا عدمها
وقال ابو بكر عبد العزيز يستحب ان يكون طول قميص الرجل الى الكعبين والى شراك النعل وهو الذي في المستوعب قال ابو بكر وطول الإزار الى مداق الساقين قال وقيل الى الكعبين
ويزيد ذيل المرأة على ذيله ما بين الشبر إلى الذراع قدمه ابن تميم وقال صاحب المستوعب هذا في حق من تمشي بين الرجال كنساء العرب فأما نساء المدن في البيوت فذيلها كذيل الرجل
وذكر في الرعاية الكبرى ان ذيل نساء المدن في البيوت كذيل الرجل ثم قال وترخيه البرزة ونساء البر على الارض دون ذراع وقيل من شبر إلى ذراع وقيل يكره ما نزل عنه أو ارتفع عنه نص عليه وقال في التلخيص يستحب للمرأة إطالة ذيلها وإن جاوزت الكعبين فصل في أنواع اللباس من إزار ورداء وقميص وسراويل الخ
ويسن أن يأتزر فوق سرته وعنه تحتها ويشد سراويله فوقها واختار الشيخ تقي الدين أن الافضل أن يلبس مع القميص السراويل من غير حاجة إلى الإزار والرداء وهذا من جنس اختياره ان الفصاد في البلاد الرطبة أولى وأن الاغتسال بالماء الحار في البلاد الرطبة اولى من الادهان اعتبارا في كل بلد بعادتهم ومصلحتهم ويباح التبان وتسن السراويل والاولى قول صاحب النظم التبان في معنى السراويل وروى وكيع بإسناده أن عائشة رضي الله عنها كانت تأمر غلمانها بالتبابين وهم محرمون
____________________
(3/493)
وسعة كم قميص المرأة شبر وقصره قال ابن حمدان دون رؤوس اصابعها وطول كم قميص الرجل عن اصابعه قليلا دون سعته كثيرا فلا تتأذى اليد بحر ولا برد ولا يمنعها خفة الحركة والبطش
وقال في التلخيص توسيع الكم من غير إفراط حسن في حق الرجال بخلاف النساء ولا بأس بلبس السراويل والتبان وما ذكر من لبس السراويل ذكره في المستوعب والرعاية وغيرهما سئل احمد رحمه الله عن لبسه فقال هو استر من الازر ولباس القوم كان الازر قال صاحب النظم فتعارض عنده فيه دليلان انتهى كلامه
وكلام احمد يدل على انه لا يجمع بينهما في اللبس وقد روي عن ابراهيم وموسى عليهما السلام انهما لبساه ولبسه النبي صلى الله عليه وسلم (1)
وروي عن غير واحد من الصحابة كسلمان وعن علي رضي الله عنه انه امر به
وفي الصحيحين عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات من لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم + صحيح البخاري ومسلم +
وبهذا استدل احمد انها كانت معروفة عندهم
وروي عن عمر رضي الله عنه انه كتب إلى جيشه بأذربيجان إذا قدمتم من غزاتكم إن شاء الله تعالى فألقوا السراويلات والاقبية والبسوا الازر والاردية قال صاحب النظم فدل على كراهيته لها وأنها غير زيهم وقال ذكر ذلك كله القاضي في اللباس وفي المستوعب في هذه المسألة وغيرها اخبار ضعيفة والله أعلم
____________________
1- اخرجه احمد كما في أطراف المسند ونسبه إليه الحافظ في الفتح من حديث مالك بن عميرة وهو ساقط من المطبوع من المسند وسنده حسن وانظر ايضا في لبسه صلى الله عليه وسلم السروايل صحيح ابن حبان والفتح
(3/494)
وقد قال احمد حدثنا زيد بن يحيى حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر حدثني القاسم سمعت أبا أمامة يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الانصار فذكر الحديث وفيه فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون قال تسرولوا واتزروا وخالفوا أهل الكتاب (1)
إسناد جيد والقاسم وثقه الاكثر وحديثه حسن وقال بن تميم وتوسيع كم المرأة وتطويل كم الرجل قصدا حسن
ويباح القباء زاد في الرعاية للرجل ويباح الرداء وفتل اطرافه نص عليه وكذا الطيلسان قدمه في الرعاية وقيل يكره المقور والمدور وقيل وغيرهما غير المربع وقيل ويكره مطلقا ويجوز فتل الإزار والرداء وهدب الثوب وقيل يسن الرداء للرجل قطع به ابن تميم وهو معنى ما في التلخيص فإنه قال الرداء من لبس السلف وقال هو وابن تميم كره السلف الطيلسان زاد في التلخيص وهو المقور
وسئل الشيخ تقي الدين رحمه الله هل طرح القباء على الكتفين من غير ان يدخل يديه في أكمامه مكروه فأجاب لا بأس بذلك باتفاق الفقهاء وقد ذكروا جواز ذلك قال وليس هذا من السدل المكروه لان هذه اللبسة ليست لبسه اليهود
وقال في موضع آخر واعتياد لبس الطيالسة على العمائم لا أصل له في السنة ولم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم بل قد ثبت في الصحيح في حديث الدجال انه يخرج معه سبعون ألفا مطيلسين من يهود أصبهان + اخرجه مسلم +
وكذلك جاء في غير هذا الحديث أن الطيالسة من شعار اليهود ولهذا كره لبسها لما رواه ابو داود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من تشبه بقوم فهو منهم + حسن اخرجه ابو داود واحمد وانظر تمام تخريجه في المسند +
وفي الترمذي
____________________
1- مسند احمد ورجال إسناده ثقات
(3/495)
عنه انه قال ليس منا من تشبه بغيرنا (1)
انتهى كلامه
وعن عبد الله بن عمرو قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم اعرابي عليه جبة من طيالسة مكفوفة بديباج او مزررة بديباج قفال إن صاحبكم هذا يريد أن يرفع كل راع ابن راع ويضع كل ذي فارس ابن فارس فقام النبي صلى الله عليه وسلم مغضبا فأخذ بمجامع جبته فاجتذبه وقال الا أرى عليك ثياب من لا يعقل ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وذكر الحديث رواه احمد + اخرجه احمد والبخاري في الادب المفرد والحاكم ورجاله ثقات +
قال الاثرم قيل لابي عبد الله الدراعة يكون لها فرج فقال كان لخالد بن معدان دراعة لها فرج من بين يديها قدر ذراع قيل لابي عبد الله فيكون لها فرج من خلفها فقال ما أدري أما من بين يديها فقد سمعت وأما من خلفها فلم اسمع قال إلا أن في ذلك سعة له عند الركوب ومنفعة فصل
تباح الحبرة والصوف نص عليه والوبر والكتان والشعر من كل حيوان طاهر وقد تقدم
قال في الرعاية الكبرى يكره في غير حرب إسبال بعض لباسه فخرا وخيلاء وبطرا وشهرة وخلاف زي بلده بلا عذر وقيل يحرم ذلك وهو أظهر وقيل ثوب الشهرة ما خالف زي بلده وأزرى به ونقص مروءته انتهى كلامه
والقول بتحريم ذلك خيلاء هو ظاهر كلام الامام احمد وقطع به في المستوعب والشرح وهو الذي وجدته في كلام الشيخ تقي الدين
____________________
1- اخرجه الترمذي والقضاعي في مسند الشهاب وابن الجوزي في العلل المتناهية وهو حسن بما قبله
(3/496)
ونص احمد على انه لا يحرم ثوب الشهرة فصارت الاقوال ثلاثة فإن احمد رضي الله عنه رأى على رجل بردا مخلطا بياضا وسوادا فقال ضع عنك هذا والبس لباس اهل بلدك وقال ليس هو بحرام ولو كنت بمكة أو بالمدينة لم أعب عليك قال صاحب النظم لانه لباسهم هناك
وقال في التلخيص وابن تميم يكره ثوب الشهرة وهو ما خالف ثياب بلده قال ابن تميم ويكره لبس ما يخرج بلابسه الى الخيلاء وقال في المستوعب يكره من اللباس ما يشتهر به عند الناس ويزري بصاحبه وينقص مروءته وفي الغنية من اللباس المتنزه عنه كل لبسة يكون بها مشتهرا بين الناس كالخروج عن عادة أهل بلدة وعشيرته فينبغي أن يلبس ما يلبسون لئلا يشار إليه بالاصابع ويكون ذلك سببا إلى حملهم على غيبته فيشاركهم في إثم الغيبة له
وفي كتاب التواضع لابن ابي الدنيا وكتاب اللباس للقاضي ابي يعلى عن ابي هريرة مرفوعا انه نهى عن الشهرتين فقيل يا رسول الله وما الشهرتان قال رقة الثياب وغلظها ولينها وخشونتها وطولها وقصرها ولكن سدادا بين ذلك واقتصادا (1)
وعن ابن عمر مرفوعا من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة + اخرجه احمد وابو داود وابن ماجه والنسائي في الكبرى مرفوعا وأخرجه ابو داود وهناد بن السري في الزهد وابن الجوزي في تلبيس إبليس موقوفا ورجح ابو حاتم في العلل وقفه +
حديث حسن رواه احمد وأبو داود وابن ماجه
____________________
1- اخرجه البيهقي في الشعب وابن الجوزي في تلبيس إبليس من طريق ابي الاحوص محمد بن الهيثم القاضي عن احمد بن أبي شعيب الحراني عن مخلد بن يزيد عن ابي نعيم عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة وزيد بن ثابت قال البيهقي وأبو نعيم هذا لا نعرفه
(3/497)
ويدخل في الشهرة وخلاف المعتاد من لبس شيئا مقلوبا ومحولا كجبة وقباء كما يفعله بعض اهل الجفاء والسخافة والانخلاع والله أعلم قال ابن عبد البر قال عبد الله بن عمر من لبس ثوب شهرة اعرض الله عنه وإن كان ثقة وليا
قال ابن عبد البر كان يقال كل من الطعام ما اشتهيت والبس من اللباس ما اشتهى الناس نظمه الشاعر فقال
( إن العيون رمتك مذ فاجأتها % وعليك من شهر اللباس لباس )
( أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت % واجعل لباسك ما اشتهاه الناس )
كان بكر بن عبد الله المزني يقول البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية وكان الحسن يقول إن قوما جعلوا خشوعهم في لباسهم وكبرهم في صدورهم وشهروا أنفسهم بلباس الصوف حتى إن أحدهم بما يلبس من الصوف اعظم كبرا من صاحب المطرف بمطرفه
وقال سفيان بن حسين قلت لإياس بن معاوية ما المروءة قال أما في بلدك فالتقوى وأما حيث لا تعرف فاللباس وروى بقية عن الاوزاعي قال بلغني أن لباس الصوف في السفر سنة وفي الحضر بدعة
وقال القاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر وغيرهم رحمهم الله ومن اللباس المكروه ما خالف زي العرب وأشبه زي الاعاجم وعادتهم ومن هذا العمامة الصماء وهي مكروهة نص عليه الامام والأصحاب وهل هي كراهة تحريم أو تنزيه فيه خلاف وقد كره أحمد النعل الصرارة وقال من زي العجم قال الميموني ما رأيت أبا عبد الله قط مرخي الكمين يعني في المشي
قال في الرعاية يسن التواضع في اللباس ولبس البياض والنظافة في بدنه وثوبه قال ابن حمدان ومجلسه والطيب في بدنه وثوبه والتحنك والذؤابة معه وإسبالها خلفه انتهى كلامه والمراد بالعمامة أن تكون متوسطة كما قاله بعض أصحابنا فتقي الرأس مما يؤذيه من حر وبرد ولا يتأذى بها والتحنيك يدفع عن العنق الحر والبرد وهو أثبت للعمامة ولا سيما للركوب وقال ابن
____________________
(3/498)
عبد البر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب من الألوان الخضرة ويكره الحمرة ويقول هي زينة الشيطان
وقال مالك الاشتر لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه أي الالوان أحسن قال الخضرة لانها لون ثياب أهل الجنة قال وأنشد غير واحد للشافعي
( علي ثياب لو تباع جميعها % بفلس لكان الفلس منهن أكثرا )
( وفيهن نفس لو يقاس ببعضها % نفوس الورى كانت اجل وأكبرا )
أخذه المتنبي فقال
( لئن كان ثوبي فوق قيمته الفلس % فلي فيه نفس دون قيمتها الإنس )
( فثوبك بدر تحت أنواره دجى % وثوبي ليل تحت أطماره شمس )
وقال آخر
( لا تنظرن إلى الثياب فإنني % خلق الثياب من المروءة كاس )
وقال محمود الوراق
( تصوف فازدهى بالصوف جهلا % وبعض الناس بلبسه مجانه )
( يريك مجانة ويجن كبرا % ولبس الكبر من شكل المهانه )
( تصنع كي يقال له أمين % وما معنى التصنع للأمانه )
( ولم يرد الإله به ولكن % اراد به الطريق إلى الخيانه )
وقال آخر
( لا يعجبنك من يصون ثيابه % حذر الغبار وعرضه مبذول )
( ولربما افتقر الفتى فرأيته % دنس الثياب وعرضه مغسول )
وروي عن لقمان الحكيم انه قال التقنع بالليل ريبة وبالنهار مذلة قال رجل لإبراهيم النخعي ما ألبس من الثياب قال ما لا يشهرك عند العلماء
____________________
(3/499)
ولا يحقرك عند السفهاء
قال القاضي وغيره يستحب غسل الثوب من العرق والوسخ نص عليه في رواية المروذي وغيره واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه (1)
اخرجه احمد وابو داود وإسناده صحيح ورأى رجلا شعثا فقال أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه + أخرجه احمد وأبو داود والنسائي في الكبرى وفي المجتبى وإسناده صحيح +
وهذا الخبر رواه احمد والخلال من حديث جابر وعلله احمد بأن الثوب إذا اتسخ تقطع
وروى وكيع عن ابن مسعود رضي الله عنه انه كان يعجبه إذا قام إلى الصلاة الريح الطيبة والثياب النقية
وروى ايضا عن عمر رضي الله عنه قال مروءة الرجل نقاء ثوبه
وعلى ظاهر تعليل احمد يجب غسله لما في تركه من إضاعة المال المنهي عنه وفي الخبر عنه عليه الصلاة والسلام قال البذاذة من الايمان + حديث قوي أخرجه ابن ماجه وابو داود والطحاوي في شرح مشكل الاثار وانظر تمام تخريجه فيه +
قال ابو القاسم البغوي قال أحمد بن حنبل البذاذة التواضع في اللباس ذكره الحافظ تقي الدين ابن الاخضر في تسميته من روى عن احمد في ترجمة محمد بن علي الجوزجاني قال الامام احمد رحمه الله في رواية الاثرم ينبغي ان يرخي خلفه من عمامته كما جاء عن ابن عمر
قال الشيخ تقي الدين وإرخاء الذؤابة بين الكتفين معروف في السنة وإطالة الذؤابة كثيرا من الإسبال المنهي عنه انتهى كلامه
ومقتضى كلامه في الرعاية استحباب الذؤابة لكل أحد كالتحنك ومقتضى
____________________
1- اخرجه احمد وأبو داود وإسناده صحيح
(3/500)
ذكر الإمام احمد ما جاء عن ابن عمر يقتضي اختصاص ذلك بالعالم فإن فعلها غيره فيتوجه دخولها في لبس الشهرة ولا اعتبار بعرف حادث بل بعرف قديم ولهذا لا خلاف في استحباب العمامة المحنكة وكراهة الصماء قال صاحب النظم يحسن ان يرخي الذؤابة خلفه ولو شبرا او أدنى على نص احمد ومراده بنص احمد في إرخاء الذؤابة خلفه في الجملة لا في التقدير وذكر في التقدير ما ذكره غير واحد مما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف بعمامة سوداء وارخاها من خلفه قدر أربع اصابع وقال هكذا فاعتم فإنه أعرف وأجمل (1)
وعن علي رضي الله عنه أنه اعتم بعمامة سوداء وأرخاها من خلفه شبرا وارخاها ابن الزبير من خلفه قدر ذراع وعن انس نحوه
وقال الحنفية رحمهم الله يستحب ارخاء طرف العمامة بين الكتفين منهم من قدر ذلك بشبر ومنهم من قال الى وسط الظهر ومنهم من قال إلى موضع الجلوس انتهى كلامهم
ومن أحب أن يجدد لف العمامة فعل كيف أحب وفي كلام الحنفية فلا ينبغي أن يرفعها عن رأسه ويلقيها على الارض دفعة واحدة لكن ينقضها كما لفها لأنه هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمامة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولما فيه من إهانتها كذا ذكروا والله اعلم
قال ابن عبد البر قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه تمام جمال المرأة في خفها وتمام جمال الرجل في عمته كذا حكاه ابن عبد البر فصل في استحباب التختم وما قيل في جنسه وموضعه
يستحب التختم بعقيق او فضة دون مثقال في خنصر يد منهما وقيل يمنى
____________________
1- انظر سنن ابي داود وابن عدي وسنده ضعيف واما حديث علي الاتي فأخرجه بنحوه ابن عدي في الكامل وفي سنده ضعف
(3/501)
وقيل في اليسرى افضل نص عليه وضعف الامام احمد حديث التختم في اليمنى في رواية الأثرم وعلي بن سعيد وغيرهما وقيل لا فضل فيه مطلقا وقيل يكره لقصد الزينة وقطع في المستوعب والتلخيص وابن تميم استحباب التختم بالعقيق والأول من الرعاية قال في المستوعب وقال عليه السلام تختموا بالعقيق فإنه مبارك (1)
كذا ذكر
قال ابو جعفر العقيلي الحافظ لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شيء وذكره أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات وذكر ابن تميم أن خاتم الفضة مباح وأنه لا فضل فيه على ظاهر كلام أحمد وقطع به في التلخيص وغيره قال أحمد في رواية أبي داود وصالح وعلي بن سعيد في خاتم الفضة للرجل ليس به بأس وأحتج بأن ابن عمر كان له خاتم وقال في رواية الأثرم إنما هو شيء يرويه أهل الشام وحدث بحديث أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره عشر خلال وفيها الخاتم إلا لذي سلطان + أخرجه احمد وابو داود والنسائي ورجال إسناده ثقات غير أن أبا داود قال الذي تفرد به من هذا الحديث ذكر الخاتم +
فلما بلغ هذا الموضع تبسم كالمتعجب وقطع في المستوعب والتلخيص باستحباب التختم في اليسار
قال أحمد في رواية صالح والفضل وسئل عن التختم في اليمنى أحب إليك أم في اليسار فقال في اليسار أقر وأثبت وما ذكر من التخيير قدمه ابن تميم وابن حمدان
وقال بعض الحفاظ لم يصح في التختم في اليمنى شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الدارقطني اختلفت الرواية فيه عن أنس والمحفوظ أنه كان يتختم في يساره + سنن ابي داود وسنده قوي +
____________________
1- موضوع اخرجه العقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل وابن الجوزي في الموضوعات وفي سنده كذاب
(3/502)
ويكره التختم في السبابة والوسطى نص عليه وزاد في المستوعب والرعاية للرجل ويكره أن يكتب على الخاتم ذكر الله قال ابن حمدان أو رسوله قال أحمد في رواية إسحاق لا يكتب فيه ذكر الله قال إسحاق بن راهويه لا يدخل الخلاء فيه ويسن ان يجعل فصه مما يلي باطن كفه كفعل النبي صلى الله عليه وسلم
ويكره للرجل والمرأة خاتم حديد وصفر ونحاس ورصاص نص عليه في رواية إسحاق وجماعة وقال في رواية مهنا أكره خاتم الحديد لانه حلية اهل النار وقال في رواية ابي طالب كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاتم من حديد (1)
عليه فضة فرمى به فلا يصلى في الحديد والصفر
وقال في رواية الاثرم وقد سأله عن خاتم الحديد ما ترى فيه فذكر حديث عمرو بن شعيب ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل هذه حلية أهل النار + اخرجه احمد والبخاري في الادب المفرد وسنده حسن +
وابن مسعود قال لبسة أهل النار وابن عمر قال ما طهرت كف فيها خاتم من حديد + لم نقف عليه من حديث ابن عمر وإنما أخرجه الطبراني في الكبير من حديث مسلم بن عبد الرحمن وفي إسناده ضعف +
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة لرجل لبس خاتما من صفر أجد منك ريح الاصنام قال فما اتخذ يا رسول الله قال فضة + اخرجه احمد وابو داود وسنن النسائي وقال الترمذي هذا حديث غريب +
انتهى كلامه إسناد حديث بريده ضعيف وقد ضعفه أحمد
وقال في مسنده حدثنا يحيى عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على بعض أصحابه خاتما من ذهب فأعرض عنه فألقاه واتخذ خاتما من حديد فقال هذا أشر هذا حلية أهل
____________________
1- سنن ابي داود والنسائي وسنده حسن
(3/503)
النار قألقاه وأتخذ خاتما من ورق فسكت عنه (1)
حديث حسن وقال بعض الحنفية يحرم ذلك ويحتمله كلام أحمد فصل
ظاهر كلام غير واحد من أصحابنا وغيرهم وهو معنى كلام الشيخ موفق الدين في كتاب الزكاة إباحة خاتم الفضة للرجل والمرأة لاعتياد كل منهما لبسه فلا اختصاص واختاره بعض الشافعية وكرهه الخطابي للمرأة لأنه معتاد للرجل فصل في لبس الفضة ومن قال بإباحته
يحرم على الرجل لبس الفضة إلا ما تقدم واختار الشيخ تقي الدين أن كلاليب الفضة كخاتم الفضة في الإباحة وأولى لأنها تتخذ غالبا للحاجة وكلامه يدل على إباحة لبس الفضة إلا أن يدل دليل شرعي على التحريم لأنه ليس فيها نص بخلاف الذهب والحرير وقد أشرت إلى دليل هذه المسألة وذكر كلامه فيما علقه على المحرر فصل في كراهة تشبه الرجال بالنساء وعكسه ومن حرمه
يكره تشبه رجل بامرأة وامرأة برجل في لباس وغيره ذكره صاحب المستوعب وابن تميم وقدمه في الرعاية الكبرى وعنه يحرم ذلك وقطع به الشيخ موفق الدين وهو أولى وقطع به أكثر الشافعية والأول ذكره صاحب المحيط من الحنفية
قال المروذي سألت أبا عبد الله يخاط للنساء هذه الزيقات العراض فقال إن كان شيء عريض فأكرهه هو محدث وإن كان شيء وسط لم ير به بأسا
____________________
1- اخرجه احمد وسنده حسن
(3/504)
وكره أن يصير للمرأة مثل جيب الرجال وقطع أبو عبد الله لابنته قميصا وأنا حاضر فقال للخياط صير جيبها برشكاب يعني من قدام وقطع لولده الصغار قمصا فقال للخياط صير زيقاتها دقاقا وكره أن يصير عريضا
وكنت يوما عند أبي عبد الله فمرت به جارية عليها قباء فتكلم بشيء فقلت تكرهه قال كيف لا أكرهه جدا لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال (1)
وقال لي أبو عبد الله قل للخياط يصير عرى القميص عراضا فإنه ربما صيرها دقاقا فتنقطع سريعا
ويدخل في هذه المسألة حكم الخف فينهى النساء عن لبس خف يشبه خف الرجال وقد صرح به الشيخ تقي الدين ولا تنافي بين هذا وبين نص الإمام والاصحاب رحمهم الله تعالى على إباحة لبس الخف للمرأة ويدخل فيها أيضا حكم العمامة لها وقد صرح به الاصحاب والمرجع في اللباس الى حكم عرف البلد ذكره في التلخيص
ولا تختمر المرأة كخمار الرجل بل يكون خمارها على رأسها لية وليتين ويكره النقاب للامة وعنه يحرم وعنه يباح إن كانت جميلة
ويكره للمرأة النقاب والبرقع في الصلاة نص عليه وقطع به الاصحاب وذكر في المغني قول ابن عبد البر اجمعوا على أن للمرأة ان تكشف وجهها في الصلاة والاحرام ومقتضى قول ابن عبد البر تحريمه عليها وذكر بعضهم رواية بأنه عورة في الصلاة يجب ستره فصل
ويستحب للمرأة المزوجة الخضاب مع حضور زوجها ويكره النقش قال ابن حمدان والتكتيب ونحوه والتطاريف انتهى كلامه فأما الخضاب للرجل فيتوجه إباحته مع الحاجة ومع عدمها يخرج على مسألة تشبه رجل بامرأة في
____________________
1- اخرجه البخاري وابو داود
(3/505)
لباس وغيره ويباح ما صبغ من الثياب بعد نسجه وقال القاضي يكره قال ابن حمدان وهو بعيد ومسائل هذا الفصل وما يتعلق بها مذكورة في التعليق الكبير والله أعلم
وروى المروذي في الورع من طرق عن عمر رضي الله عنه انه نهى عن النقش والتطاريف زاد في رواية ويختضبن غمسا وروى أيضا عن عائشة رضي الله عنها انها سئلت عن الخضاب فقالت لا بأس ما لم يكن نقشا وعن إبراهيم قال يكره النقش ورخص في الغمسة وروى احمد بإسناده عن انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أمر في الخضاب ان تغمس اليد كلها وقال المروذي واخبرتني امرأة قالت نهاني ابو عبد الله عن النفش في الخضاب وقال اغمسي اليد كلها فصل
من جعل على رأسه علامة وقت الحرب من ريش نعام وغيره جاز وعنه يستحب إن علم من نفسه شجاعة وإلا كره وقيل لا يكره فصل كراهة تجرد ذكرين أو أنثيين واجتماعهما بغير حائل ومتى يفرق بين الاولاد في المضاجع
يكره ان يتجرد ذكران أو أنثيان في إزار أو لحاف ولا ثوب يحجز بينهما ذكره في المستوعب والرعاية وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مباشرة الرجل الرجل في ثوب واحد والمرأة المرأة (1)
وذكر في الرعاية هذه المسألة في النكاح وقال مميزان ثم قال من عنده فإن كان أحدهما ذكرا غير زوج وسيد ومحرم احتمل التحريم
____________________
1- حديث صحيح اخرجه احمد وأبو داد من حديث ابي هريرة واخرجه بنحوه مسلم وابو داود والترمذي من حديث ابي سعيد الخدري وانظر صحيح ابن حبان وقال حسن صحيح غريب
(3/506)
ومن بلغ من الصبيان عشرا منع من النوم مع أخته ومع محرم غيرها متجردين ذكره في المستوعب والرعاية وهذا والله أعلم على رواية عن احمد واختارها ابو بكر والمنصوص واختاره أكثر أصحابنا وجوب التفريق في ابن سبع فأكثر وأن له عورة يجب حفظها والمسألة مشهورة مذكورة في كتاب الجنائز
ويتوجه أن يقال يجوز تجرد من لا حكم لعورته وإلا لم يجز مع مباشرة العورة لوجوب حفظها إذا ومع عدم مباشرتها فإن كانا ذكرين او انثيين فإن أمن ثوران الشهوة جاز وقد يحتمل الكراهة لاحتمال حدوثها وإن خيف ثورانها حرم على ظاهر المذهب لمنع النظر حيث ابيح مع خوف ثورانها نص عليه واختلف فيه الاصحاب وإن كان ذكرا وأنثى فإن كان أحدهما محرما فكذلك وإلا فالتحريم واضح لمعنى الخلوة ومظنة الشهوة وحصول الفتنة
وعن سوار بن داود ويقال داود بن سوار عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده مرفوعا مروا أنباءكم لفظ احمد ولفظ ابي داود أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم على تركها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع (1)
مختلف في سوار في حديث عمرو بن شعيب فإن صح فالمراد به المعتاد من اجتماع الذكور والاناث لقوله لا يخلون رجل بامرأة + اخرجه البخاري ومسلم +
فأما إن كانوا ذكورا وإناثا توجه ما سبق فإن جهل الحال فقد يحتمل المنع
فأما المحارم فلا منع إلا ذكورا أو إناثا فإن كانوا ذكورا وإناثا فالمنع والكراهة مع التجرد محتملة لا المنع مطلقا والله أعلم
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود والدارقطني والحاكم والبغوي وإسناده حسن
(3/507)
فصل فيما يتعلق بالنعال
يكره للرجل والمرأة لباس النعال الصرارة نص عليه وقال لا بأس أن تلبس للوضوء وقال له المروذي امروني في المنزل أن اشتري نعلا سنديا لصبية فقال لا تشتر فقلت تكرهه للنساء والصبيان قال نعم اكرهه وقال إن كان للمخرج والطين فأرجو وأما من أراد الزينة فلا وقال عن شخص لبسها يتشبه بأولاد الملوك وقال في رواية صالح إذا كان للوضوء فأرجو وأما للزينة فأكرهه للرجال والنساء وكرهه ايضا في رواية محمد بن ابي حرب وقال إن كان للكنيف والوضوء واكره الصرار وقال من زي العجم
وروى أبو بكر الاجري من اصحابنا في كتاب اللباس بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يلبس النعال السبتية ويتوضأ فيها ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ورواه ابو داود والنسائي وغيرهما وأظنه في الصحيحين أو أحدهما (1)
قال وكيع السبتية التي لا شعر فيها وحكى ابن الجوزي عن ابن عقيل تحريم الصرير في المداس ويحتمله كلام أحمد
ويسن ان يكون الخف احمر ويجوز اسود وروي عن يحيى بن ابي كثير أنه قال النعل السوداء تورث الهم وأظن القاضي ذكره في كتاب اللباس فيؤخذ منه الكراهة ويسن ان يكون النعل سبتيا أصفر وهو ما ليس عليه شعر
وروى ابو محمد الخلال عن ابن عباس رضي الله عنهما قال من لبس نعلا صفراء لم يزل ينظر في سرور ثم قرأ ( ^ صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) البقرة 69 + اخرجه ابن ابي حاتم في العلل والعقيلي في الضعفاء والطبراني في الكبير وقال ابو حاتم هذا حديث كذب موضوع +
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي
(3/508)
قال في الرعاية ويباح المشي في قبقاب خشب وقيل مع الحاجة وذكر ابن تميم ان احمد رحمه الله قال لا بأس بالخشب أن يمشي فيه إن كان حاجة ونقلت من مسائل حرب عن احمد انه قيل له فالنعل من الخشب قال لا بأس بها إذا كان موضع ضرورة فصل
روى أبو محمد الخلال عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال استكثروا من النعال فإن احدكم لا يزال راكبا ما انتعل وهو في صحيح مسلم وغيره (1)
قال القاضي وهذا يدل على ترغيب اللبس للنعال ولانها قد تقيه الحر والبرد والنجاسات
وروي ايضا عن جابر مرفوعا ليوسع المنتعل للحافي عن جدد الطريق فإن المنتعل بمنزلة الراكب
وروي ايضا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا انقطع شسع نعل احدكم فليسترجع فإنها مصيبة + اخرجه ابن عدي في الكامل وسنده ضعيف +
وروي ايضا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاهدوا نعالكم عند ابواب المساجد + حديث موضوع اخرجه الخطيب وفي سنده يحيى بن هاشم السمسار كذبه ابن معين وقال النسائي وغيره متروك وقال ابن عدي كان ببغداد يضع الحديث ويسرقه +
وإنما قال هذا خوفا من ان يكون فيها نجاسة فتنجس المسجد قاله القاضي
____________________
1- أخرجه مسلم وابن حبان
(3/509)
وللترمذي من حديث أنس ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع رواه الترمذي وزاد في رواية عن ثابت مرسلة حتى يسأله الملح وحتى يسأله شسعه إذا أنقطع (1)
وعن فضالة بن عبيد ان بعض الصحابة قال له بمصر ما لي أراك شعثا وأنت امير الارض قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن كثير من الإرفاه قال فما لي لا أرى عليك حذاء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نحتفي احيانا رواه ابو داود + حديث حسن اخرجه احمد في صحيح ابن حبان +
والنسائي عن عبد الله بن شقيق قال كان رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عاملا بمصر فأتاه رجل من اصحابه فإذا هو شعث الرأس مشعار فقلت ما لي أراك شعثا وأنت أمير قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الإرفاه قلت وما الإرفاه قال الترججل كل يوم + هو في سنن النسائي +
الإرفاه الاستكثار من الزينة والتنعم والمشعار هو البعيد العهد عن الحمام يقال رجل مشعار إذا كان منتفش الشعر ثائر الرأس بعيد العهد عن الحمام بالتسريح والدهن
قال صاحب النظم
( وسر حافيا او حاذيا وامش واركبن % تمعدد واخشوشن ولا تتعود )
ويكره المشي في فردة نعل واحدة سواء كان في إصلاح الأخرى أو لم يكن نص عليه في رواية محمد بن الحسن والاثرم وجماعة زاد في الرعاية الكبرى وقيل كثيرا ويكره المشي في نعلين مختلفين ذكره صاحب التلخيص وابن تميم وابن حمدان
____________________
1- ضعيف وأخرجه الترمذي وابن عبد في الكامل من حديث انس وانظر تمام تخريجه في صحيح ابن حبان
(3/510)
والأولى ان يبدأ بلبس حائل اليمنى بيمناه وخلع حائل اليسرى بيسراه وقال احمد في رواية إسحاق وقد سئل ينتعل قبل اليمنى أو ينزع اليمنى قبل اليسرى قال أكره هذا كله انتهى كلامه
ويستحب ان يقابل بين نعليه وللبخاري عن انس ان نعل النبي صلى الله عليه وسلم كان لها قبالان (1)
قبال النعل بكسر القاف الزمام وهو السير الذي يكون بين الإصبع الوسطى والتي تليها وقد أقبل نعله وقابلها ومنه الحديث قابلوا النعال + اخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع وفي عبد الله بن هرمز ضعيف +
اي اعملوا لها قبالا ونعل مقبلة إذا جعلت لها قبالا ومقبولة إذا شددت قبالها
قال في المستوعب وهل يكره أن ينتعل قائما على روايتين وقدم ابن تميم الكراهة قال احمد في رواية جماعة لا ينتعل قائما وزاد في رواية إبراهيم بن الحارث والاثرم الاحاديث فيه على الكراهة وظاهر هذا أنه اعتمد على الاحاديث في كراهة ذلك وقال ابو بكر الخلال كتب إلى يوسف بن عبد الله حدثنا الحسين بن علي بن الحسن أنه سأل ابا عبد الله عن الانتعال قائما قال لا يثبت فيه شيء قال القاضي وظاهر هذا انه ضعف الاحاديث في النهي والصحيح عنه ما ذكرناه فصل استحباب الصلاة في النعال
روى ابو محمد الخلال عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال خذوا زينة الصلاة قلنا يا رسول الله وما زينة الصلاة قال إلبسوا نعالكم وصلوا فيها + +
قال القاضي وهذا يدل على انه يستحب الصلاة في النعال
____________________
1- اخرجه البخاري من حديث ابي هريرة
(3/511)
وذكر الشيخ تقي الدين ان الصلاة في النعل ونحوه مستحب قال وإذا شك في نجاسة أسفل الخف لم تكره الصلاة فيه وروى ابو محمد الخلال عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا إذا خلع احدكم نعليه في الصلاة خلصه الله من ذنوبه حتى يلقاه كهيئته يوم ولدته أمه قال القاضي وهذا يدل على فضل خلع النعل إذا كان فيها أذى انتهى كلامه فصل
قد سبق بيان آداب المأكول والمشروب والملبوس وسبق بيان حكم الامتناع منه والاسراف فيه في آداب الاكل وسبق بيان حكم البناء والعمارة في آداب المساجد فصل في ذكر أحاديث تتعلق بالفصول السالفة في اللباس
عن ابي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحل الذهب والحرير للإناث من امتي وحرم على ذكورها رواه احمد والنسائي والترمذي وصححه مع ان فيه انقطاعا (1)
وروى ابو داود وابن ماجه وغيرهما معناه من حديث علي رضي الله عنه بإسناد حسن قال ابن المديني هو حديث حسن رجاله معروفون + حديث صحيح بشواهده اخرجه احمد وابو داود وابن ماجه وانظر تمام تخريجه في المسند +
وعن حذيفة رضي الله عنه قال نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج وأن
____________________
1- اخرجه احمد والترمذي والنسائي ويشهد له ما بعده
(3/512)
يجلس عليه رواه البخاري (1)
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو اربعة رواه مسلم من حديث عمر رضي الله عنه + اخرجه مسلم والترمذي وابن حبان +
وكان له صلى الله عليه وسلم جبة عليها لبنة شبر من ديباج كسرواني وفرجاها مكفوفان به رواه احمد عن يحيى بن سعيد عن ابن جريح اخبرني عبيد الله مولى اسماء عن اسماء الحديث ورواه مسلم ولم يذكر لفظة الشبر + صحيح مسلم +
وعن معاوية رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الذهب إلا مقطعا إسناده جيد رواه احمد وأبو داود والنسائي
وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة إسناده جيد رواه احمد وابو داود وابن ماجه وقال صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا + اخرجه احمد وابو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان +
وقال ايضا من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة متفق عليهما + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وقال ايضا ما اسفل من الكعبين من الإزار في النار رواه البخاري + اخرجه البخاري +
وعن حذيفة رضي الله عنه لا حق للإزار في الكعبين + اخرجه ابن ماجه والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان +
إسناده حسن رواه
____________________
1- صحيح البخاري
(3/513)
ابن ماجه وغيره
ولعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال رواه البخاري
ولعن أيضا الرجل يلبس لبس المرأة والمرأة تلبس لبس الرجل إسناده صحيح رواه أحمد وأبو داود (1)
وروى سعيد في سننه حدثنا هشيم عن العوام عن إبراهيم التيمي قال كانوا يرخصون للصبي في الخاتم الذهب فإذا بلغ ألقاه
وأمر صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وهو مسبل إزاره بالوضوء فتوضأ ثم جاء فقال له رجل يا رسول الله ما لك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه فقال إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل رواه بو داود بإسناده صحيح + اخرجه ابو داود واحمد وهو صحيح +
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال + +
وعنه مرفوعا لا يمش أحدكم في نعل واحدة متفق عليهما + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان +
وفي رواية إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمشي في الأخرى حتى يصلحها رواه مسلم ورواه أيضا من حديث جابر وفيه ولا تمش في خف واحد + اخرجه مسلم والنسائي وابن حبان +
وعن عائشة رضي الله عنها أنها مشت في خف واحد وقالت لاحنثن أبا
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود وهو صحيح
(3/514)
هريرة إنه يقول لا تمش في نعل واحدة ولا خف واحد رواه سعيد حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة وعن علي رضي الله عنه انه مشى في نعل واحدة رواه سعيد
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتعل الرجل قائما رواه أبو داود عن ابي يحيى محمد بن عبد الرحيم عن ابي احمد محمد بن عبد الله عن ابراهيم بن طهمان وعن ابي الزبير عن جابر فذكره إسناده جيد وابو الزبير إسناده حسن (1)
وقال سعيد حدثنا ابو معاوية عن الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة رضي الله عنه انه كره ان ينتعل الرجل قائما موقوف + أخرجه ابن ماجه من طريق ابي معاوية الضرير به مرفوعا وإسناده صحيح وأخرجه الترمذي مرفوعا بسند ضعيف +
ورواه ابو محمد الخلال والاجري مرفوعا وروى احمد ذلك عن ابن عمر + اخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح +
وروى ابو محمد الخلال عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتعل قائما وقاعدا
وعن أنس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهما في لبس الحرير لحكة كانت بهما متفق عليه + +
ورواه الترمذي ولفظه ان عبد الرحمن بن عوف والزبير شكيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القمل في غزاة لهما فرخص لهما في قمص الحرير وسبق في التداوي بالمحرمات
____________________
1- اخرجه ابو داود ورجاله ثقات لكن فيه عنعنة ابي الزبير
(3/515)
وعن عبد الله بن سعد بن عثمان عن ابيه سعد قال رايت رجلا ببخارى على بغلة بيضاء عليه عمامة خز سوداء فقال كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد لم يرو عنه غير ابنه ووثقه ابن حبان رواه البخاري في تاريخه وأبو داود والبيهقي (1)
وقد صح عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم لبس الخز وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من قز + حديث صحيح اخرجه احمد والبيهقي +
قال ابن عباس اما السداي والعلم فلا نرى به بأسا فيه خصيف بن عبد الرحمن وهو متكلم فيه رواه احمد وابو داود والبيهقي
وعن معاوية رضي الله عنه مرفوعا لا تركبوا الخز ولا النمار إسناده حسن رواه أبو داود وغيره + اخرجه ابو داود وسنده قوي +
وقال صلى الله عليه وسلم ليكونن من أمتي اقوام يستحلون الخز والحرير إلى ان قال يمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة إسناده ثقات رواه ابو داود والبيهقي والبخاري تعليقا + اخرجه البخاري وابو داود والبيهقي وانظر تمام تخريجه في صحيح ابن حبان +
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها + اخرجه احمد ومسلم +
وعن علي رضي الله عنه قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن
____________________
1- اخرجه ابو داود والترمذي والبيهقي وإسناده ضعيف لجهالة سعد بن عثمان
(3/516)
لباس القسي والمعصفر رواهما مسلم (1)
ونهى صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال رواه الترمذي وقال حسن صحيح + اخرجه الترمذي من طريق حماد بن زيد واخرجه البخاري من طريق عبد الوارث كلاهما عن عبد العزيز بن صهيب عن انس +
وقال البراء رأيته في حلة حمراء يعني النبي صلى الله عليه وسلم
وقال ابو جحيفة خرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء متفق عليهما + اخرجه البخاري ومسلم وابن حبان وأما حديث ابي حجيفة فأخرجه مسلم وابن حبان +
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل عليه ثوبان احمران فسلم فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابو داود والترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه وفي إسناده أبو يحيى القتات وفيه ضعف وباقي إسناده ثقات + اخرجه ابو داود والترمذي وهو ضعيف +
وعن سمرة رضي الله عنه مرفوعا البسوا ثياب البياض فإنها أطهر واطيب وكفنوا فيها موتاكم رواه احمد والنسائي والترمذي وصححه + اخرجه احمد والترمذي والنسائي +
وعن انس رضي الله عنه قال كان احب الثياب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يلبسها الحبرة متفق عليه + اخرجه البخاري ومسلم +
وعن جابر رضي الله عنه قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعليه عمامة سوداء + اخرجه مسلم +
وعن عائشة رضي الله عنها قالت خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط
____________________
1- اخرجه مسلم والنسائي
(3/517)
مرحل من شعر اسود رواهما مسلم (1)
وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ام خالد خميصة سوداء وقال أبلي وأخلقي يا ام خالد هذا سنا قال ذلك مرتين والسنا بلسان الحبشة حسن رواه البخاري + اخرجه البخاري +
قال في النهاية يروى أخلقي بالقاف من إخلاق الثوب تقطيعه وقد خلق الثوب واخلق ويروى بالفاء بمعنى العوض والبدل قال وهو الاشبه
وعن ابي سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء ثم يقول اللهم لك الحمد انت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له إسناده جيد رواه احمد وابو داود والترمذي وحسنه + اخرجه احمد وابو داود والترمذي +
وعن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال كأني انظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه رواه مسلم + اخرجه مسلم وأبو داود +
وروى الترمذي معناه من حديث ابن عمر ولم يقل سوداء وان ابن عمر كان يفعل ذلك وإسناده ثقات سوى يحيى بن محمد المديني فإن فيه ضعفا وقال الترمذي حسن غريب + اخرجه الترمذي في السنن وفي الشمائل +
وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده مرفوعا إن الله يحب ان يرى أثر نعمته على عبده رواه الترمذي وحسنه وإسناده جيد إلى عمرو وحديثه حسن + اخرجه الترمذي وإسناده حسن +
____________________
1- اخرجه مسلم وابو داود
(3/518)
وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا غير مخيلة ولا سرف (1)
رواه البخاري واحمد وزاد فإن الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده + اخرجه احمد وابن ابي الدنيا في الشكر وسنده حسن +
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدهن بالزعفران ويصبغ به ثيابه كلها حتى عمامته رواه ابو داود والنسائي
وقال صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة رواه ابن ماجة والترمذي وصححه
وقد اتكأ صلى الله عليه وسلم على مخدة فيها صورة رواه احمد من حديث عائشة + اخرجه احمد وإسناده حسن +
وفي الصحيحين او البخاري أنها اشترت نمرقه فيها تصاوير فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل قالت فعرفت في وجهه الكراهية قلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت قال فما بال هذه النمرقة فقالت اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اصحاب هذه الصورة يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة + اخرجه بهذا اللفظ البخاري واخرجه بنحوه مسلم +
والقول بهذا الخبر اولى لان الذي قبله أصله في الصحيحين وانفرد احمد بالزيادة فإن صحت فلا تحرم وفي الكراهة نظر
وروى الترمذي عن احمد بن منيع عن روح بن عبادة عن ابن جريج عن ابي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور في البيت ونهى أن
____________________
1- اخرجه البخاري تعليقا ووصله احمد في مسنده والنسائي وإسناده حسن
(3/519)
يصنع ذلك (1)
إسناد جيد قال الترمذي حسن صحيح
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وجاءه رجل فقال إني أصور هذه التصاوير فأفتني فيها قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مصور في النار يجعل الله له بكل صورة صورها نفسا تعذبه في جهنم فإن كنت لا بد فاعلا فاجعل الشجر وما لا نفس له متفق عليه + اخرجه البخاري ومسلم +
وعن ام سلمة رضي الله عنها قالت كان احب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص + اخرجه ابو داود والترمذي وقال حسن +
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت كان كم يد قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرصغ رواهما ابو داود والترمذي وحسنهما + اخرجه ابو داود والترمذي وقال حسن +
وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس + اخرجه مسلم والترمذي +
رواه مسلم ولاحمد معناه ولكن الكبر من سفه الحق وازدرى الناس + اخرجه احمد من حديث عبد الله بن مسعود ضمن حديث مطول +
سفه الحق أي جهلة وقيل جهل نفسه ولم يفكر فيها وقيل سفه بالتشديد أي سفه الحق وبطر الحق قيل تركه وقيل يجعل الحق باطلا وغمط الناس احتقارهم وزاد احمد من حديث عقبة وغمط الناس بعينيه + اخرجه احمد ضمن حديث مطول +
____________________
1- اخرجه احمد والترمذي وإسناده صحيح
(3/520)
وصح عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده مرفوعا يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الانيار ويسقون من طينة الخبال عصارة اهل النار رواه احمد والترمذي وحسنه (1)
جمع النار على أنيار وأصلها أنوار لانها من الواو
وقد خسف الله بالرجل الذي جعل يتبختر في حلته ويختال في مشيته فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة رواه احمد والبخاري ومسلم + اخرجه احمد والبخاري ومسلم من حديث ابي هريرة +
ولأبي داود عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رجلا جميلا قال يا رسول الله حبب إلي الجمال وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب ان يفوقني أحد إما قال بشراك نعلي وإما قال بشسع نعلي أفمن الكبر ذلك قال لا ولكن الكبر من بطر الحق وغمط الناس + اخرجه ابو داود والحاكم وصححه ويشهد له حديث عبد الله بن مسعود عند مسلم +
وعن جبير بن مطعم قال يقولون في التيه وقد ركبت الحمار ولبست الشملة وقد حلبت الشاة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل هذا فليس فيه من الكبر شيء إسناد جيد رواه الترمذي وقال حسن غريب + اخرجه الترمذي وقال حسن صحيح غريب +
وعن ابي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ الجهني عن ابيه مرفوعا من ترك أن يلبس صالح الثياب وهو يقدر عليه تواضعا لله دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره في حلل الايمان أيتهن شاء إسناد لين أو ضعيف رواه احمد والترمذي وحسنه + سنن الترمذي وإسناده ضعيف +
وعن ابي سعيد رضي الله عنه مرفوعا أزرة المسلم إلى نصف الساق ولا
____________________
1- اخرجه احمد والترمذي وقال حسن صحيح
(3/521)
حرج ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ما كان اسفل من الكعبين فهو في النار من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه رواه ابو داود بإسناد صحيح (1)
وقال صلى الله عليه وسلم لقوم إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم واصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش رواه ابو داود بإسناد حسن وفيه قيس بن بشر وقد وثق وضعف وروى له مسلم + اخرجه احمد وابو داود وإسناده محتمل للتحسين +
وعن ابي امامة إياس بن ثعلبة الانصاري قال ذكر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عنده الدنيا فقال ألا تسمعون ألا تسعمون إن البذاذة من الايمان يعني التقحل رواه احمد وابو داود وابن ماجه وفي لفظ يعني التقشف + حديث قوي اخرجه ابو داود وابن ماجه والحاكم وقال حديث صحيح +
وقال صلى الله عليه وسلم في النساء يرخين شبرا فقالت ام سلمة إذا تنكشف اقدامهن قال فيرخينه ذراعا لا يزدن رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح + اخرجه ابو داود وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح + فصل في فضل الادب والتأديب
قال في الغنية بعد ان ذكر جملة من الآداب ينبغي لكل مؤمن ان يعمل بهذه الاداب في أحواله روي عن عمر رضي الله عنه قال تأدبوا ثم تعلموا وقال ابو عبد الله البلخي أدب العلم اكثر من العلم وقال عبد الله بن المبارك إذا وصف لي رجل له علم الاولين والاخرين لا أتأسف على فوت لقائه وإذا سمعت رجلا له أدب النفس اتمنى لقاءه وأتأسف على فوته
____________________
1- حديث صحيح اخرجه احمد وابو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان
(3/522)
ويقال مثل الايمان كمثل بلدة لها خمسة حصون الاول من ذهب والثاني من فضة والثالث من حديد والرابع من آجر والخامس من لبن فما زال اهل الحصن يتعاهدون الحصن من اللبن لا يطمع العدو في الثاني فإذا أهملوا ذلك طمعوا في الحصن الثاني ثم الثالث حتى تخرب الحصون كلها فكذلك الايمان في خمسة حصون اليقين ثم الاخلاص ثم اداء الفرائض ثم أداء السنن ثم حفظ الاداب فما دام العبد يحفظ الاداب ويتعاهدها فالشيطان لا يطمع فيه فإذا ترك الاداب طمع الشيطان في السنن ثم في الفرائض ثم في الإخلاص ثم في اليقين والله اعلم انتهى كلامه
وقال ابن المبارك لا ينبل الرجل بنوع من العلم ما لم يزين علمه بالادب رواه الحاكم في تاريخه
وروى عنه أيضا طلبت العلم فأصبت منه شيئا وطلبت الادب فإذا اهله قد ماتوا
وقال بعض الحكماء لا أدب إلا بعقل ولا عقل إلا بأدب كان يقال العون لمن لا عون له الادب
وقال الاحنف الادب نور العقل كما أن النار في الظلمة نور البصر
كان يقال الادب من الاباء والصلاح من الله كان يقال من ادب ابنه صغيرا قرت به عينه كبيرا وقال بعضهم من لم يؤدبه والداه ادبه الليل والنهار
وقال علي بن ابي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى ( ^ يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم وأهليكم نارا ) التحريم 6 قال أدبوهم وعلموهم (1)
وقال بعضهم
( قد ينفع الادب الاحداث في مهل % وليس ينفع بعد الكبرة الأدب )
____________________
1- اخرجه الحاكم في المستدرك ومن طريقه البيهقي في المدخل وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه الذهبي
(3/523)
( إن الغصون إذا قومتها اعتدلت % ولا تلين إذا قومتها الخشب )
قيل لعيسى عليه السلام من أدبك قال ما أدبني احد رايت جهل الجاهل فاجتنبته وقال سليمان بن داود عليهما السلام من أراد ان يغيظ عدوه فلا يرفع العصا عن ولده وقال محمد بن سيرين كانوا يقولون أكرم ولدك وأحسن أدبه وقال الحسن التعلم في الصغر كالنقش في الحجر وقال لقمان ضرب الوالد للولد كالسماد للزرع ذكر ذلك ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس وقال ابن المبارك قال لي مخلد بن الحسين نحن إلى كثير من الادب احوج منا إلى كثير من الحديث
وعن سعيد بن العاص مرفوعا ما نحل والد ولدا من نحل افضل من ادب حسن (1)
وعن جابر بن سمرة مرفوعا لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع + +
رواهما الترمذي وقال في كل منهما غريب
قال ابن عبد البر قال الشاعر
( خير ما ورث الرجال بنيهم % أدب صالح وحسن الثناء )
( هو خير من الدنانير والاوراق % في يوم شدة او رخاء )
( تلك تفنى والدين والأدب الصالح % لا يفنيان حتى اللقاء )
( إن تأدبت يا بني صغيرا % كنت يوما تعد في الكبراء ) فصل في ذكر فرض الكفايات
منها دفع ضرر المسلمين كستر العاري وإشباع الجائع على القادرين إن
____________________
1- حديث ضعيف وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب وهو عندي حديث مرسل
(3/524)
عجز بيت المال عن ذلك أو تعذر أخذه منه
ومنها عيادة المرضى واتباع الجنائز وتغسيل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم ودفنهم بشرطه
ومنها الصنائع المباحة المهمة المحتاج إليها غالبا لمصالح الناس الدينية والدنيوية البدنية والمالية
ومنها الزرع والغرس ونحوهما
ومنها الإمامة العظمى وإقامة الدعوة ودفع الشبهة بالحجة والسيف والجهاد كل عام بشرطه
ومنها سد البثوق وحفر الابار والانهار وكريها وهو تنظيفها وعمل القناطر والجسور والاسوار وإصلاحها وإصلاح الطريق والمساجد والجوامع ونحو ذلك
ومنها الحج كل عام على من لا يجب عليه عينا
ومنها الفتوى والقضاء بشروطها
ومنها تعليم الكتاب والسنة وسائر العلوم الشرعية وما يتعلق بها من حساب ونحو ولغة ونحوه وتعريف وقراءة وغير ذلك وكل فرض كفاية إن لم يوجد من يقوم به إلا واحد صار فرض عين في حقه بشرطه ذكر ذلك في الرعاية الكبرى وذكر غيره اكثر من ذلك
وقد ذكر الاصحاب رحمهم الله أن عيادة المرضى واتباع الجنائز من الامور
____________________
(3/525)
المستحبة وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام خمس تجب للمسلم على أخيه رد السلام وتشميت العاطس وإجابة الدعوة وعيادة المريض واتباع الجنائز (1)
ولمسلم حق المسلم على المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه + اخرجه مسلم وابن حبان وانظر تمام تخريجه فيه +
وذكر القاضي في المجرد أن شهادة جنازته اكد في الاستحباب من عيادته
وقد قال الشيخ وجيه الدين ثلاثة لا تعاد ولا يسمى صاحبها مريضا وإن كانت وجعا والما قال عليه السلام ثلاثة لا يعاد صاحبها الضرس والرمد والدمل + اخرجه الطبراني في الاوسط وقال الهيثمي في مجمع الزوائد وفيه مسلمة بن علي الحبشي وهو ضعيف وانظر الموضوعات قلت الحبشي بالحاء المهملة كذا في مجمع الزوائد والصواب الخشني بالخاء المعجمة بالنون انظر الضعفاء للعقيلي والتاريخ لابن معين والكامل لابن عدي +
انتهى كلامه
وظاهر وظاهر كلام الاصحاب يدل على خلاف هذا وكذا ظاهر الاحاديث ايضا والخبر المذكور لا تعرف صحته بل هو ضعيف في إسناده مسلمة بن علي وهو متروك وذكره ابو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات ورواه الحاكم في تاريخه بإسناد جيد عن يحيى بن كثير من قوله
وعن زيد بن ارقم رضي الله عنه قال عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني + اخرجه ابو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي واخرجه احمد والطبراني بنحوه +
وما ذكر في الرعاية من وجوب الحج كل عام على من لا يجب عليه
____________________
1- اخرجه مسلم
(3/526)
عينا خلاف ظاهر قول الاصحاب وقد ذكروا ان للاب والام منع الولد من حج النفل واحتجوا بأن لهما منعه من الجهاد مع كونه فرض كفاية فالتطوعات أولى وذكر ابن هبيرة رحمه الله ان علم الطب فرض على الكفاية وهذا غريب في المذهب فصل في التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل ومودة الاخوة
عليك رحمك الله بتقوى الله وإيثار طاعته ورضاه على كل شيء سرا وجهرا مع صفاء القلب من كل كدر ولكل أحد وترك حب الغلبة والترؤس والترفع قال ابراهيم بن ادهم لا ينبغي لرجل ان يضع نفسه دون قدره ولا يرفع نفسه فوق قدره رواه الحاكم في تاريخه
وكل وصف مذموم شرعا أو عقلا أو عرفا كغل وحقد وحسد ونكد وغضب وعجب وكبر وخيلاء ورياء وهوى وغرض سوء وقصد رديء ومكر وخديعة ومجانبة كل مكروه لله تعالى وإذا جلست مجلس علم او غيره فاجلس بسكينة ووقار وتلق الناس بالبشرى والاستبشار قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه من الدهاء حسن اللقاء رواه المعافى بن زكريا في مجالسه بإسناده وحادثهم بما ينفع من الاخبار قال صلى الله عليه وسلم لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي حديث حسن رواه احمد حدثنا ابو عبد الرحمن حدثنا حيوة أنبأنا سالم بن غيلان ان الوليد بن قيس التجيبي اخبره انه سمع أبا سعيد الخدري أو عن الهيثم عن ابي سعيد فذكره ورواه ابو داود والترمذي وصححه ابن حبان (1)
____________________
1- اخرجه احمد وابو داود والترمذي وصححه ابن حبان
(3/527)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعا خير الاصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره رواه احمد والترمذي وقال حسن غريب وابن حبان في صحيحه (1)
وروى ابو داود حدثنا ابن بشار حدثنا ابو عامر وأبو داود قالا حدثنا زهير بن محمد حدثني موسى بن وردان عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل إسناد جيد وموسى حديثه حسن ورواه الترمذي عن ابن بشار وقال حسن غريب ورواه احمد + اخرجه احمد وابو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب +
قال الشاعر
( وما صاحب الانسان إلا كرقعة % على ثوبه فليتخذه مشاكلا )
ولأبي داود من حديث انس عنه صلى الله عليه وسلم انه قال مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك منه ريحه ومثل الجليس السوء كمثل الكير إن لم يصبك من سواده اصابك من دخانه + اخرجه ابو داود وإسناده صحيح على شرط الشيخين وانظر ما بعده +
وفي الصحيحين عن ابي موسى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة + اخرجه البخاري ومسلم وابو داود وابن حبان +
وعن سهل بن سعد مرفوعا المؤمن مألفة ولا خير فيمن لا يألف ولا
____________________
1- حديث صحيح اخرجه احمد والترمذي وصححه ابن حبان
(3/528)
يؤلف رواه احمد (1)
وروى ايضا من حديث معاذ بإسناد ضعيف يكون في آخر الزمان أقوام إخوان العلانية أعداء السريرة قيل يا رسول الله وكيف قال ذلك برغبة بعضهم إلى بعض ورهبة بعضهم إلى بعض + أخرجه احمد وفي سنده ابو بكر بن عبد الله بن ابي مريم الغساني وهو ضعيف +
وللبخاري من حديث عائشة الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف + اخرجه البخاري تعليقا ووصله في الادب المفرد وأخرجه مسلم وابن حبان +
ولمسلم من حديث ابي هريرة الناس معادن كمعادن الذهب والفضة إذا فقهوا والارواح جنود مجندة وذكر كما تقدم + صحيح مسلم +
ولأحمد عن عائشة قالت ما اعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من الدنيا ولا أعجبه احد إلا ذو تقى + اخرجه احمد وفي سنده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف +
وعن ابي السليل واسمه ضريب عن ابي ذر ولم يدركه مرفوعا إني لاعرف كلمة وقال عثمان آية لو أخذ الناس بها كلهم لكفتهم قالوا يا رسول الله أية آية قال ( ^ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) الطلاق 2 إسناده ثقات رواه ابن ماجه وللنسائي معناه + اخرجه ابن ماجه والنسائي في الكبرى وإسناده ضعيف لانقطاعه وانظر تمام تخريجه في صحيح ابن حبان +
قال الخطابي في حديث ابي سعيد إنما أراد به طعام الدعوة دون طعام
____________________
1- اخرجه احمد وفي سنده لين
(3/529)
الحاجة ألا تراه يقول ( ^ ويطعمون الطعام على حبة مسكينا ويتيما وأسيرا ) الإنسان 8
ومعلوم أن أسراهم الكفار دون المؤمنين ودون الاتقياء لان المواكلة توجب الألفة وتجمع بين القلوب لقوله صلى الله عليه وسلم فتوخ ان يكون خلطاؤك وذوو الاختصاص بك اهل التقوى
وروى احمد حدثنا عفان حدثنا حماد أنبأنا علي بن زيد عن الحسن حدثني رجل من بني سليط قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وفيه وما تواد رجلان في الله عز وجل فيفرق بينهما إلا بحدث يحدثه أحدهما والمحدث شر والمحدث شر والمحدث شر إسناد جيد (1)
ولأحمد من حديث ابن عمر ما تواد اثنان ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما + اخرجه احمد وسنده ضعيف فيه ابن لهيعة وهو ضعيف +
وعن المقدام مرفوعا إذا أحب الرجل أخاه فليعلمه رواه احمد وقال لحمد بن جعفر الوكيعي إني لاحبك ثم روى هذا الحديث بإسناده ورواه ابو داود والترمذي وصححه + اخرجه احمد وابو داود والترمذي وصححه ابن حبان +
وروى الترمذي عن هناد وقتيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عمران بن مسلم القصير عن سعيد بن سليمان عن يزيد بن نعامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آخى الرجل الرجل فليسأله عن اسمه واسم ابيه وممن هو فإنه أوصل للمودة يزيد لا صحبة له عندهم خلافا للبخاري وسعيد تفرد عنه عمران ووثقه ابن حبان قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه + اخرجه الترمذي وسنده ضعيف +
____________________
1- اخرجه احمد وسنده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان وتدليس الحسن وهو ابن ابي الحسن البصري
(3/530)
وذكر ابن عبد البر عن ابن عباس انه قال أحب في الله وأبغض في الله فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك ولن يجد عبد طعم الايمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك
قال ابن عباس ولقد صار عامة مؤاخاة الناس اليوم على امر الدنيا وذلك لا يجدي على اهله شيئا ثم قرأ ( ^ الأخلاء يؤمئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) الزخرف 67 وقرأ ( ^ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ) المجادلة 23 الآية وذكر المفسرون في الآية الاولى انهم اخلاء في المعاصي وقال البغوي في تفسيره كذلك وقال إلا المتقين المتحابين في الله على طاعة الله كذا قال وذكر المفسرون في الاية الثانية أن الله أخبر فيها وبين أن الايمان يفسد بمودة الكفار وأن من كان مؤمنا لا يوالي كافرا ولو كان قريبه
وقال ابن الجوزي بينت الاية ان ذلك يقدح في صحة الايمان كذا قال وليس مراده انه يصير كافرا بذلك واحتج بها مالك على ترك مجالسة القدرية ومعاداتهم في الله قال القرطبي في تفسيره وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم والعدوان كذا قال ثم ذكر عن سفيان الثوري قال كانوا يرون أنها نزلت في من يصحب السلطان
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول اللهم لا تجعل لفاجر عندي نعمة فإني وجدت فيما اوحيت إلي ( ^ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر ) المجادلة 22 الاية
____________________
(3/531)
وذكر ابن عبد البر عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال التارك للإخوان متروك كان يقال انصح الناس فيك من خاف الله فيك قال ابو العتاهية
( من ذا الذي يخفى علي ك % إذا نظرت إلى حديثه )
كان سفيان بن عيينة يتمثل
( لكل امرئ شكل يقر بعينه % وقرة عين الفسل ان يصحب الفسلا )
قال الجوهري الفسل من الرجال الرذل والمفسول مثله وقد فسل بالضم فسالة وفسولة فهو فسل من قوم فسلاء وافسال وفسول وفسالة الحديد سحالته والفسيلة والفسيل الودي وهو صغار النخل والجمع الفسلان والفسكل بالكسر الذي يجيء في الحلبة آخر الخيل وهو السكيت والقاشور ومنه قيل رجل فسكل إذا كان رذلا والعامة تقول فسكل بالضم
وقال آخر
( وصاحب إذا صاحبت حرا فإنما % يزين ويزري بالفتى قرناؤه )
وقال المأمون الإخوان على ثلاث طبقات فإخوان كالغذاء لا يستغنى عنهم أبدا وهم إخوان الصفاء وإخوان كالدواء يحتاج إليهم في بعض الاوقات وهم الفقهاء وإخوان كالداء لا يحتاج إليهم أبدا وهم أهل الملق والنفاق لا خير فيهم
قال الجوهري الملق الود واللطف الشديد وأصله التليين وقد ملق بالكسر يملق ملقا ورجل ملق يعطي بلسانه ما ليس في قلبه والملق ايضا ما استوى من الارض والملق ساكن مثل الملح السير الشديد والميلق السريع وانملق الشيء واملق بالإدغام أي صار أملس
وقيل لأعرابي لم قطعت اخاك من أبيك فقال إني لأقطع الفاسد من
____________________
(3/532)
جسدي الذي هو أقرب إلى من أبي وأمي وأعز فقدا
وقال أكثم بن صيفي أحق من يشركك في النعم شركاؤك في المكارة أخذه بعضهم قال
( وإن أولى البرايا أن تواسيه % عند السرور لمن واساك في الحزن )
( إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا % من كان يألفهم في المنزل الخشن )
وقال المثقب العبدي
( يواعدني مواعد كاذبات % تمر بها رياح الصيف دوني )
( فإما أن تكون أخي بحق % فأعرف منك غثي من سميني )
( وإلا فاطرحني واتخذني % عدوا اتقيك وتتقيني )
( فإني لو تعاندني شمالي % عنادك ما وصلت بها يميني )
( إذا لقطعتها ولقلت بيني % كذلك أجتوي من يجتويني )
وقال صالح بن عبد القدوس
( قل للذي لست ادري من تلونه % أناصح ام على غش يداجيني )
( إني لأكثر مما سمتني عجبا % يد تشج وأخرى منك تأسوني )
( تغتابني عند أقوام وتمدحني % في آخرين وكل عنك ينبيني )
( هذان امران شتى بون بينهما % فاكفف لسانك عن ذمي وتزييني )
( لو كنت أعلم منك الود هان على % نفسي بعض الذي أصبحت توليني )
( لا أسأل الناس عما في ضمائرهم % ما في ضميري لهم من ذاك يكفيني )
( أرضى عن المرء ما أصفى مودته % وليس شيء من البغضاء يرضيني )
( والله لو كرهت كفي مصاحبتي % لقلت إذ كرهت قربي لها بيني )
( ثم انثنيت على الاخرى فقلت لها % إن تسعديني وإلا مثلها كوني )
( إني كذاك إذا أمر تعرض لي % خشيت منه على دنياي أو ديني )
( خرجت منه وعرضي ما أدنسه % ولم أقم غرضا للنذل يرميني )
( وملطف بي مدار ذي مكاشرة % مغض على وغر في الصدر مكنون )
____________________
(3/533)
( ليس الصديق الذي تخشى بوادره % ولا العدو على حال بمأمون )
( يلومني الناس فيما لو أخبرهم % بالعذر مني فيه لم يلوموني )
وقال أيضا
( ما يبلغ الأعداء من جاهل % ما يبلغ الجاهل من نفسه )
( والشيخ لا يترك أخلاقه % حتى يوارى في ثرى رمسه )
( إذا ارعوى عاد إلى جهله % كذي الضنى عاد إلى نكسه )
( وإن من أدبته في الصبا % كالعود يسقى الماء في غرسه )
( حتى تراه مورقا ناضرا % بعد الذي ابصرت من يبسه )
وقال أيضا
( المرء يجمع والزمان يفرق % ويظل يرقع والخطوب تمزق )
( ولان يعادي عاقلا خير له % من أن يكون له صديق أحمق )
( فارغب بنفسك لا تصادق أحمقا % إن الصديق على الصديق مصدق )
( وزن الكلام إذا نطقت فإنما % يبدي عقول ذوي العقول المنطق )
( لا ألفينك ثاويا في غربة % إن الغريب بكل سهم يرشق )
( ما الناس إلا عاملان فعامل % قد مات من عطش وآخر يغرق )
( وإذا امرؤ لسعته افعى مرة % تركته حين يجر يجر حبل يفرق )
( بقي الذين إذا يقولوا يكذبوا % ومضى الذين إذا إذا يقولوا يصدقوا )
وصالح هذا هو صاحب الفلسفة قتله المهدي على الزندقة كان يعظ ويقص بالبصرة وحديثه يسير وليس بثقة وقيل إنه رؤي في النوم فقال إني وردت على رب لا تخفى عليه خافية فاستقبلني برحمته وقال قد علمت براءتك مما قذفت به
وقال لقمان لابنه يا بني ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا عند الحرب ولا الاخ إلا عند الحاجة
____________________
(3/534)
قيل لبعض الحكماء بأي شيء يعرف وفاء الرجل دون تجربة واختبار قال بحنينه إلى أوطانه وتلهفه على ما مضى من زمانه
وعن الاصمعي قال إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ودوام عهده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكائه على ما مضى من زمانه قال عتيبة الاعور
( ذهب الذين أحبهم % وبقيت فيمن لا أحبه )
( إذ لا يزال كريم قوم % فيهم كلب يسبه )
وقال منصور الفقيه
( يا زمانا أورث الاحرار % ذلا ومهانه )
( لست عندي بزمان % إنما أنت زمانه )
وقال آخر
( فسد الزمان وساد فيه المقرف % وجرى مع الفرس الحمار الموكف )
كان سفيان الثوري يقول ذهب الناس فلا مرتع ولا مفزع
ولعبد الله بن المبارك
( ذهب الرجال المقتدى بفعالهم % والمنكرون لكل أمر منكر )
( وبقيت في خلف يزين بعضهم % بعضا ليأخذ معور عن معور )
ولعبد الله بن عبد العزيز بن ثعلبة
( مضى زمن السماح فلا سماح % ولا يرجى لدى أحد فلاح )
( رأيت الناس قد مسخوا كلابا % فليس لديهم إلا النباح )
( وأضحى الظرف عندهم قبيحا % ولا والله إنهم القباح )
( نروح ونستريح اليوم منكم % ومن أمثالكم قد يستراح )
( إذا ما الحر هان بأرض قوم % فليس عليه في هرب جناح )
____________________
(3/535)
وقال اخر
( ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب % فالناس بين مخاتل وموارب )
وقال آخر
( ذهب التكرم والوفاء من الورى % وتقوضا إلا من الاشعار )
( وفشت خيانات الثقات وغيرهم % حتى اتهمنا رؤية الابصار )
كان بلال رضي الله عنه لما قدم المدينة ينشد تشوقا إلى مكة ويرفع عقيرته
( ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة % بواد وحولي إذخر وجليل )
( وهل أردن يوما مياه مجنة % وهل يبدون لي شامة وطفيل )
وقال آخر
( مضى الجود والإحسان واجتث اصله % وأخمد نيران الندى والمكارم )
( وصرت إلى ضرب من الناس آخر % يرون العلا والمجد جمع الدراهم )
( كانهم كانوا جميعا تعاقدوا % على اللوم والامساك في صلب آدم )
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل وهو يعظه لا تتكلم فيما لا يعنيك واعتزل عدوك واحذر صديقك الامين إلا من يخشى الله ويطيعه ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره ولا تطلعه على سرك ولا تشاور في أمرك إلا الذين يخشون الله
وعن علي رضي الله عنه انه قال لرجل وكره له صحبه أحمق
( فلا تصحب أخا الجهل % وإياك وإياه )
( يقاس المرء بالمرء % إذا ما هو ما شاه )
( قياس النعل بالنعل % إذا ما هو حاذاه )
( وللشيء على الشيء % مقاييس وأشباه )
( وللقلب على القلب % دليل حين يلقاه )
____________________
(3/536)
وعن ابي قلابة عن ابي الدرداء رضي الله عنه قال من فقه الرجل مدخله وممشاه وإلفه قال ابو قلابة ألا ترى إلى قول الشاعر
( عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه % فكل قرين بالمقارن يقتدي )
وقد قيل
( وما ينفع الجرباء قرب صحيحة % إليها ولكن الصحيحة تجرب )
وعن ابن عون قال أقل معرفة الناس تسلم وعن يونس بن عبيد قال إذا وثقنا بمودة أخينا لم يضره أن لا يأتينا
وعن إسحاق قال كان بين عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان مودة وإخاء فكانت السنة تمر عليهما لا يلتقيان فقيل لاحدهما في ذلك فقال إذا تقاربت القلوب لم يضر تباعد الاجسام أو كلمة نحوها ولقد ابلغ القائل في هذا حيث يقول
( رأيت تهاجر الإلفين برا % إذا اصطلحت على الود القلوب )
( وليس يواظب الإلمام إلا % ظنين في مودته مريب )
وعن بشر بن الحارث الحافي قال أحب إخواني إلي من لا يراني ولا أراه وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن الرحم تقطع وإن النعم تكفر ولم ير مثل تقارب القلوب روى ذلك كله الخطابي في كتاب العزلة إلا قوله وما ينفع الجرباء
وذكر ابن عبد البر قال علي بن ابي طالب لا تؤاخ الاحمق ولا الفاجر أما الاحمق فمدخله ومخرجه شين عليك وأما الفاجر فيزين لك فعله ويود أنك مثله
وقال علي رضي الله عنه لا خير في صحبة من يجتمع فيه هذه الخصال من إذا حدثك كذبك وإذا ائتمنته خانك وإذا ائتمنك اتهمك وإذا أنعمت عليه كفرك وإذا انعم عليك من عليك
____________________
(3/537)
وقال ايضا اصحب من ينسى معروفه عندك ويدخر حقوقك عليه وذكر للرياشي عن الاصمعي قال ما رأيت شعرا أشبه بالسنة من قول عدي بن ثابت
( عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه % فكل قرين بالمقارن يقتدي )
( وصاحب أولي التقوى تنل من تقاهم % ولا تصحب الاردى فتردى مع الردي )
قال ابن عبد البر رحمه الله قال الشاعر
( فلا تصحب اخا الجهل % وإياك وإياه )
( فكم من جاهل أردى % حليما حين واخاه )
( يقاس المرء بالمرء % إذا ما هو ما شاه )
قال عمر رضي الله عنه الناس بأزمانهم اشبه منهم بآبائهم
وقال علي رضي الله عنه خالط المؤمن بقلبك وخالط الفاجر بخلقك
كان يقال يمتحن الرجل في ثلاثة اشياء عند هواه إذا هوي وعند غضبه إذا غضب وعند طمعه إذا طمع
وقال سفيان الثوري إذا أردت أن تعرف ما لك عند صديقك فأغضبه فإن أنصفك وإلا فاجتنبه
كان يقال لا تؤاخين خصيا ولا ذميا ولا نوبيا فإنه لا ثبات لمودتهم
قال الاحنف بن قيس ما كشفت أحدا قط إلا وجدته دون ما كنت أظن كان سفيان الثوري رحمه الله يتمثل بهذه الابيات
( ابل الرجال إذا أردت إخاهم % وتوسمن أمورهم وتفقد )
( وإذا ظفرت بذي الامانة والتقى % فبه اليدين قرير عين فاشدد )
( ودع التذلل والتخشع تبتغي % قرب الذي إن تدن منه يبعد )
____________________
(3/538)
وقال آخر
( قد كنت احمد امري فيك مبتدئا % فقد ذممت الذي أحمدت في صدري )
( فاذهب إليك فإن المرء أوله % حلو وآخره مر على الخبر )
وقال منصور الفقيه
( إذا جمع الفتى حسبا ودينا % فلا تعدل به أبدا قرينا )
( ولا تسمح بحظك منه بل كن % بحظك من مودته ضنينا )
وقال آخر
( لعمرك ما مال الفتى بذخيرة % ولكن اخوان الثقات الذخائر )
قال ابن عبد البر رحمه الله اجمعوا على القول بان الله تعالى تفرد بالكمال ولم يبرأ أحد من النقصان وسبق في الامر بالمعروف فيمن يجب هجره هل يجوز الهجر بخبر واحد وقول معاذ رضي الله عنه إذا كان لك اخ في الله تعالى فلا تمارة ولا تسمع فيه من احد فربما قال لك ما ليس فيه فحال بينك وبينه
وذكر ابن عبد البر في مكان آخر أنه قال ولا تسأل عنه أحدا فلربما أخبرك بما ليس فيه فحال بينك وبينه قال بعضهم
( أردت لكيما أن ترى لي زلة % ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل )
قال جعفر بن محمد لقد عظمت منزلة الصديق عند أهل النار الم تسمع إلى قوله تعالى حاكيا عنهم ( ^ فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ) الشعراء 101 - 102
وقال علي رضي الله عنه لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ الصديق في غيبته وبعد وفاته
وكان ابو العباس السفاح إذا تعادى اثنان من أهل بطانته لا يسمع من أحدهما
____________________
(3/539)
في صاحبه شيئا وإن كان عدلا ويقول العداوة تزيل العدالة
وقال علي رضي الله عنه ابذل لصديقك كل المروءة ولا تبذل له كل الطمأنينة وأعطه من نفسك كل المواساة ولا تفض إليه بكل الاسرار وقال بعضهم من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا ولعدو صديقه عدوا أنشد بعضهم
( عدو صديقي داخل في عداوتي % وإني لمن ود الصديق ودود )
( فلا تقترب مني وأنت عدو من % اصادقه فالخير منك بعيد )
وأنشد المبرد هذين البيتين على ما رواه بعضهم
( صديق عدوي داخل في عداوتي % وإني على ود الصديق صديق )
( أعادي الذي عادى وأهوى له الهوى % كأني منه في هواه شقيق )
قال بعض علماء اهل المدينة من ثقل على صديقه خف على عدوه ومن اسرع الى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون
جمع كسرى يوما مرازبته وعيون اصحابه فقال لهم من أي شيء انتم اشد حذرا قالوا من العدو الفاجر والصديق الغادر
وقال موسى بن جعفر اتق العدو وكن من الصديق على حذر فإن القلوب إنما سميت قلوبا لتقلبها قال منصور الفقيه
( احذر مودة ماذق % مزج المرارة بالحلاوه )
( يحصي الذنوب عليك أيام % الصداقة للعداوه )
وقال صالح
( إذا وترت امرءا فاحذر عداوته % من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا )
( إن العدو وإن ابدى بشاشته % إذا رأى منك يوما فرصة وثبا )
وقال ابن الرومي
( عدوك من صديقك مستفاد % فأقلل ما استطعت من الصحاب )
____________________
(3/540)
( فإن الداء أكثر ما تراه % يكون من الطعام أو الشراب )
وقال آخر
( إذا ما المرء كان له صديق % فبر صديقه فرض عليه )
( وإن عنه الصديق اقام يوما % فوجه البر أن يسعى إليه )
( وإن كان الصديق قليل مال % يضيق بذرعه ما في يديه )
( فمن اسنى فعال المرء أن لا % يضن على الصديق بما لديه )
وقالت عائشة رضي الله عنها لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيا ترجم عليه البخاري هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشيا
وفي الصحيحن (1)
قول عائشة لعبيد بن عمير ما يمنعك من زيارتنا قال ما قال الاول زر غبا تزدد حبا وروي بإسناد ضعيف مرفوعا زر غبا تزدد حبا + روي من طرق كلها ضعيفة فأخرجه من حديث ابي هريرة البزار والقضاعي والبهقي في شعب الايمان وابو الشيخ في الامثال واخرجه من حديث حبيب بن مسلمة الفهري الطبراني والحاكم واخرجه من حديث عائشة الخطيب واخرجه من حديث عبد الله بن عمرو ابو الشيخ وانظر لزاما فتح الباري في الادب باب هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشيا +
أخذه الشاعر فقال
( إذا شئت ان تقلى فزر متواترا % وإن شئت أن تزداد حبا فزر غبا )
ولعلي بن ابي طالب الكاتب
( إني رأيتك لي محبا % وإلي حين أغيب صبا )
( فهجرت لا لملالة % حدثت ولا استحدثت ذنبا )
( إلا لقول نبينا % زوروا على الايام غبا )
____________________
1- ليس هذا في الصحيحين ولا في إحداهما وإنما اخرجه ابن حبان في صحيحه وإسناده صحيح على شرط مسلم
(3/541)
( ولقوله من زار غبا % منكم يزداد حبا )
وقال سفيان بن عيينة
( فضع الزيارة حيث لا يزرى بها % كرم المزور ولا يعاب الزائر )
وقال ابن عبد البر ولبعض اهل هذا العصر
( ازور خليلي ما بدا لي هشه % وقابلني منه البشاشة والبشر )
( فإن لم يكن هش وبش تركته % ولو كان في اللقيا الولاية والبشر )
وقال بعضهم
( وحق الذي ينتاب داري زائرا % طعام وبر قد تقدمه بشر )
( اذا مرضتم اتيناكم نزوركم % وتذنبون فنأتيكم ونعتذر )
وقال مصعب بن عبد الله الزبيري
( ما لي مرضت فلم يعدني عائد % منكم ويمرض كلبكم فأعود )
وانشد البرد
( عليك بإقلال الزيارة انها % تكون اذا دامت الى الهجر مسلكا )
( فاني رايت القطر يسأم دائما % ويسأل بالايدي اذا هو امسكا )
وادعى ابو بشر البندنيجي ان البيتين له في شعر طويل
وقال ابو تمام
( وطول مقام المرء في الحي مخلق % لديباجتيه فاغترب تتجدد )
( فأني رايت الشمس زيدت محبة % الى الناس ان ليست عليهم بسرمد )
وقال ابن وكيع
( ان كان قد بعد اللقاء فودنا % باق ونحن على النوى أحباب )
( كم قاطع للوصل يؤمن وده % ومواصل بوداده مرتاب )
____________________
(3/542)
وقال الطائي
( ولئن جفوتك في العيادة إنني % لبقاء جسمك في الدعاء لجاهد )
( ولربما ترك العيادة مشفق % وطوى على خبث الضمير العائد )
وله أيضا
( ذو الفضل لا يسلم من قدح % وإن غدا اقوم من قدح )
وفي نوادر ابن الصيرفي الحنبلي أنشدوا
( لا تضجرن عليلا في مساءلة % إن العيادة يوم بين يومين )
( بل سله عن حاله وادع الإله له % واجلس بقدر فواق بين حلبين )
( من زار غبا أخا دامت مودته % وكان ذاك صلاحا للخليلين )
وفيها أيضا نقل عن إمامنا رضي الله عنه أنه قال له ولده يا ابت إن جارنا فلانا مريض فما تعوده قال يا بني ما عادنا فنعوده
وروى الخطابي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال إذا كثر الاخلاء كثر الغرماء
وعن سفيان قال كثرة اصدقاء المرء من سخافة دينه قال الخطابي يريد أنه ما لم يداهنهم ولم يحابهم لم يكثروا لان الكثرة إنما هي في الريبة إذا كان الرجل من أهل الدين لم يصحب إلا الأبرار والاتقياء وفيهم قلة
وعن مالك انه كان يشهد الجنائز ويعود المرضى ويعطي الإخوان حقوقهم فترك واحدا واحدا حتى تركها كلها وكان يقول لا يتهيأ للمرء أن يخبر بكل عذر
وعن ابن وهب قال لا تعد إلا من يعودك ولا تشهد جنازة من لا يشهد جنازتك ولا تؤد حق من لا يؤدي حقك فإن حقك فإن عدلت عن ذلك فأبشر بالجور قال الخطابي يراد به التأديب والتقويم دون المكافأة والمجازاة وبعض هذا مما يراض به بعض الناس وقد روي فيما يشبه هذا المعنى حديث مرفوع ثم
____________________
(3/543)
روى بإسناده عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في صحبة من لا يرى لك مثل الذي ترى له روى ذلك كله الخطابي في كتاب العزلة وغيره (1)
وفيه أيضا عن الشافعي قال رضا الناس غاية لا تدرك ليس إلى السلامة من الناس سبيل فانظر ما فيه صلاح نفسك فالزمه ودع الناس وما هم فيه
وعنه ايضا رحمه الله قال اصل كل عداوة الصنيعة إلى الانذال
روى الحاكم في تاريخه قال إذا أخطأت الصنيعة إلى من يتقي الله فاصطنعها إلى من يتقي العار
وعن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه يا بني لا تكن حلوا فتبلع ولا تكن مرا فتلفظ ولابي العتاهية
( من يكن للناس حلوا % يثب الناس عليه )
وذكر ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال إياك وكل جليس لا يفيدك علما
وقال ابن مسعود ثلاث من كن فيه ملأ الله قلبه إيمانا صحبة الفقيه وتلاوة القران والصيام
وتباعد كعب الاحبار يوما في مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأنكر ذلك عليه فقال يا أمير المؤمنين إن في حكمة لقمان ووصيته لابنه إذا جلست إلى ذي سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل فلعله يأتيه من هو آثر عنده منك فينحيك فيكون نقصا عليك
وقال بعض الحكماء رجلان ظالمان يأخذان غير حقهما رجل وسع له في مجلس ضيق فتربع وانتفخ ورجل أهديت له نصيحة فجعلها ذنبا
____________________
1- أخرجه ابن حبان في روضة العقلاء وسيأتي تخريجه
(3/544)
وقال زياد يعجبني من الرجال من إذا أتى مجلسا يعرف اين يكون مجلسه وإني لآتي المجلس فأدع ما لي مخافة أن أدفع عما ليس لي وكان الاحنف إذا أتاه رجل أوسع له فإن لم يكن له سعة أراه كأنه يوسع له
وقال عبد الرحمن بن ابي ليلى لا تجالس عدوك فإنه يحفظ عليك سقطاتك ويماريك في صوابك وقال بعضهم
( إن الجليس يقول القول تحسبه % خيرا وهيهات فانظر ما له التمسا )
انتهى كلام ابن عبد البر وقال الصاحب بن عباد
( إذا أدناك سلطان فزده % من التعظيم واحذره وراقب )
( فما السلطان إلا البحر عظما % وقرب البحر محذور العواقب )
وقيل إذا زادك الملك تأنيسا فزده إجلالا وقد كان عمر يعظم ابن عباس ويحضره مع المهاجرين الأولين رضي الله عن الجميع وامتنع عن القول بعدم العول زمن عمر وقيل له في ذلك فقال كان رجلا مهيبا فهبته وقال بعض الحكماء من زال عن أبصار الملوك زال عن قلوبهم
وقال الفضل بن الربيع من آداب صحبة الملوك أن لا يسأل الملك عن حاله ولا يشمت ولا يعلم ولا يسلم عليه كذا قال والصواب اتباع السنة وهذا يختلف بحسب الزمان وعادة الملوك وقال يحيى بن معاذ أخوك من ذكرك العيوب وصديقك من حذرك الذنوب
وقال الصاحب بن عباد
( لقد صدقوا والراقصات إلى منى % بأن مداراة العدى ليس تنفع )
( ولو أنني دارأت دهري حية % إذا استمكنت يوما من اللسع تلسع )
وقال ابن وكيع
( لاق بالبشر من لقيت من الناس % وعاشر بأحسن الإنصاف )
( لا تخالف وإن أتوا بمحال % تستفد ودهم بترك الخلاف )
____________________
(3/545)
وروى احمد في الورع عن يونس بن عبيد قال ما أعلم شيئا أقل من درهم طيب ينفقه صاحبه في حقه أو أخ يسكن إليه في الاسلام وما يزدادن إلا قلة
وقال ابن عبد البر في الخبر المرفوع شيئان لا يزدادن إلا قلة درهم حلال أو أخ في الله تسكن إليه
وقال ابن عجلان ثلاثة لا اقل منهن ولا يزددن إلا قلة درهم حلال تنفقه في حلال وأخ في الله تسكن إليه وأمين تستريح إلى الثقة به
وروى الخلال في الادب عن علي بن الحسين رحمه الله قال ينبغي للمرء أن لا يصاحب خمسة الماجن والكذاب والاحمق والبخيل والجبان فأما الماجن فعيب إن دخل عليك وعيب إن خرج من عندك لا يعين على معاد ويتمنى أنك مثله وأما الكذاب فإنه ينقل أحاديث هؤلاء إلى هؤلاء ويلقي الشحن في الصدور واما الاحمق فإنه لا يرشد لسوء يصرفه عنك وربما أراد أن ينفعك فيضرك فبعده خير من قربه وموته خير من حياته وأما البخيل فاحوج ما تكون إليه أبعد ما تكون منه ففي أشد حالاته يهرب ويدعك ورواه القاضي المعافى بن زكريا وغيره بنحوه ومعناه إلا أنهم لم يذكروا الماجن والجبان وذكروا الفاسق قال فإنه بائعك بأكلة أو اقل منها للطمع فيها ثم لا ينالها وقاطع رحمه لانه ملعون في كتاب اله في البقرة والرعد ( ^ والذين كفروا )
وقال الربيع سمعت الشافعي رحمه الله يقول ثلاثة إن أهنتهم أكرموك
____________________
(3/546)
وإن أكرمتهم أهانوك المرأة والمملوك والنبطي
وقال ايضا سمعت الشافعي رحمه الله يقول ما رفعت أحدا قط فوق قدره إلا غض مني بقدر ما رفعت منه
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل في الخبر الاول من مسند عمر من أفراد البخاري في قول ابن عمر ما سمعت عمر يقول لشيء قط أظنه كذا إلا كان كما يظن وذكر الحديث قال صحة الظن من قوة الذكاء والفطنة فإن الفطن يرى من السمات والامارات ما يستدل به على الخفي
وقد قال بعض العلماء ظن العالم كهانة وقال آخر إذا رأيت الرجل موليا علمت حاله قيل فإن رأيت وجهه قال ذاك حين اقرأ ما في قلبه كالخط قال ابن الجوزي وقد كانوا يعتبرون أحوال الرجل بخلقه
قال الشافعي رحمه الله احذر الاعور والاحول والاعرج والاحدب والكوسج وكل من به عاهة في بدنه وكل ناقص الخلق فإنهم أصحاب خبث
وقال مررت في طريقي بفناء دار رجل أزرق العين ناتئ الجبهة سناط فقلت هل من منزل قال نعم قال الشافعي وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة فأنزلني وأكرمني فقلت اغسل كتب الفراسة إذ رأيت هذا فلما اصبحت قلت له إذا قدمت مكة فسل عن الشافعي فقال أمولى لابيك كنت قلت لا قال اين ما تكلفت لك البارحة فوزنت له ما تكلف وقلت بقي شيء آخر قال كراء الدار ضيقت على نفسي فوزنت له فقال امض اخزاك الله فما رأيت شرا منك
وروى الحاكم في تاريخه عن المزني انه قيل له فلان يبغضك فقال ليس في قربه أنس ولا في بعده وحشة
وقال الاصمعي قال لي ابو عمرو بن العلاء يا عبد الملك كن من الكريم
____________________
(3/547)
على حذر إذا أهنته ومن اللئيم إذا أكرمته ومن العاقل إذا أحرجته ومن الاحمق إذا مازحته ومن الفاجر إذا عاشرته وليس من الادب ان تجيب من لا يسألك أو تسأل من لا يجيبك أو تحدث من لا ينصت لك
وقال الاصمعي سمعت أعرابيا يقول فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها وسمعت اعرابيا يقول عز النزاهة ألذ من سرور الفائدة وسمعت أعرابيا يقول حمل المنن اثقل من الصبر على العدم وقال ابن نباتة
( ما الذل إلا تحمل المنن % فكن عزيزا إن شئت أو فهن )
وأنشد غلام هاشمي لنفطويه
( كم صديق منحته صفو ودي % فجفاني وملني وقلاني )
( مل ما مل ثم عاود وصلي % بعدما ذم صحبه الإخوان )
وفي هذا المعنى أشعار كثيرة والبيت السائر في هذا المعنى
( عتبت على بشر فلما جفوته % وصاحبت أقواما بكيت على بشر )
وقال آخر
( عتبت على سعد فلما فقدته % وجربت أقواما بكيت على سعد )
وقال آخر
( ونعتب أحيانا عليه ولو مضى % لكنا على الباقي من الناس أعتبا )
وروى القاضي المعافى بن زكريا بإسناده ورواه ايضا غيره والاسناد ضعيف عن عبد الله قال صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم غيضته فقطع غصنين أحدهما اعوج والاخر مستقيم فدفع إلى صاحبه المستقيم وأمسك الاعوج فقال الرجل يا رسول الله انت احق بهذا فقال كلا ما من صاحب يصحب صاحبا إلا وهو مسؤول عنه يوم القيامة ولو ساعة من نهار
ورووا ايضا عن سهل بن سعد مرفوعا المرء كبير بأخيه ولا خير في
____________________
(3/548)
صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له (1)
وقال الشاعر
( وإني لاستحيي أخي أن أرى له % علي من الحق الذي لا يرى ليا )
قيل معناه انه لا يرى ان لي عليه حقا حسب ما ارى له من وجوب حقه علي فعلى هذا يوافق معنى خبر سهل المذكور وقيل المعنى إني استحيي أخي أن أرى له عنده من فضل سابق منه ما لا يرى لي عنده من فضل فيكون قد أثبت عندي حقا لم أثبت لنفسي عنده من الحق مثله قال القاضي المعافى وهذا أصح وخبر سهل جار على عكس هذا الطريق وإنما يصح حمله على هذا النحو لو كان قيل فيه ولا خير لمن صحبته في صحبتك إذا لم تر له من الحق مثل الذي يرى لك
وذكر ابن عبد البر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا خير في صحبة من لا يرى لك كالذي يرى لنفسه قال الشاعر
( وإني لأستحيي أخي أن ابره % قريبا وأن أجفوه وهو بعيد )
وقال ابو عبد الله الخراساني من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ومن استخف بإخوانه قلت معونته ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه
ونظيره قول معاوية رضي الله عنه نحن الزمان من رفعناه ارتفع ومن وضعناه اتضع
وقال الاصمعي لم يقل احد في التفرح بالمفاوضة إلى الاخوان والتشكي إلى أهل الحفاظ والاقدار وذوي الرعاية والاخطار مثل قول بشار
( وأبثثت عمرا بعض ما في جوانحي % وجرعته من مر ما اتجرع )
( ولا بد من شكوى إلى ذي حفيظة % إذا جعلت اسرار نفس تطلع )
وقال الحسن بن علي ابو محمد البربهاري من اصحابنا المتقدمين رحمه
____________________
1- اخرجه ابن عدي في الكامل وابن ابي الدنيا في كتاب الاخوان وهو ضعيف
(3/549)
الله تعالى في كتابه شرح السنة وإذا رايت الرجل رديء الطريق والمذهب فاسقا فاجرا صاحب معاص ظالما وهو من اهل السنة فاصحبه واجلس معه فإنك لن تضرك معصيته وإذا رايت عابدا مجتهدا متقشفا متحرفا بالعبادة صاحب هوى فلا تجلس معه ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في طريق فإني لا آمن أن تستحلي طريقته فتهلك معه
وقال ابو الفرج الشيرازي من اصحابنا رحمه الله في كتاب التبصرة له قال احمد بن حنبل رضي الله عنه وإذا رايت الشاب أول ما ينشأ مع اهل السنة والجماعة فارجه وإذا رايته مع أصحاب البدع فايأس منه فإن الشاب على أول نشوئه انتهى كلامه
وقال ابن الجوزي في كتابه السر المكتوم لما ذكر المعتزلة وغيرهم والفلاسفة قال الله الله من مصاحبة هؤلاء ويجب منع الصبيان من مخالطتهم لئلا يثبت في قلوبهم من ذلك شيء واشغلوهم بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعجن بها طبائعهم انتهى كلامه
وقال الامام احمد في رسالته إلى مسدد ولا تشاور اهل البدع في دينك ولا ترافقه في سفرك
وكان القاضي ابو يعلى رحمه الله ينهى عن مخالطة ابناء الدنيا وعن النظر إليهم والاجتماع بهم ويأمر بالاشتغال بالعلم ومخالطة الصالحين
قال ابن عبد البر في بهجة المجالس انشد ابو العباس احمد بن يحيى ثعلب ويقال إنها له
( إن صحبنا الملوك تاهوا وعقوا % واستخفوا كبرا بحق الجليس )
( او صحبنا التجار صرنا إلى البؤس % وعدنا إلى عداد الفلوس )
( فلزمنا البيوت نستخرج العلم % ونملا به بطون الطروس )
وقال القاضي يروى عن شيخنا ابراهيم الحربي رحمه الله أنه استزاره المعتضد وقربه وأجازه فرد جائزته فقال له اكتم مجلسنا ولا تخبر بما
____________________
(3/550)
فعلنا بك وبما قابلتنا به فقال له الحربي لي اخوان لو علموا باجتماعي لهجروني وفي هذا المعنى وما يتعلق بهذا الفضل اشياء كثيرة وتقدم ما يتعلق به في غير موضع وهذه اشارة فيها كفاية ان شاء الله تعالى
وقد قال ابن عقيل في الفنون في اثناء كلام له انا اقول الذي ينبغي ان يكون حد الصداقة اكتساب نفس الى نفسك وروح الى روحك وهذا الحد يريحك عن طلب ما ليس في الوجود حصوله لان نفسك الاصلية لا تعطيك محض النفع الذي لا يشوبه اضرار فالنفس المكتسبة لا تطلب منها هذا العيار وقد بينت العلة في تعذر الصفو الخالص وهي تغاير الامزجة وتغليب الاخلاط واختلاف الازمنة والاغذية فإن رطب وراق بالماء ورق بالهواء ثقل ورسب بالتراب وان شف وصفا بالروح كثف وكدر بالجسد وان استقام بالعقل ترنح بالهوى وان خشع بالموعظة قسا بالغرور وان لطف بالفكر غلظ بالغفلة وان سخا بالرجاء بخل بالقنوط فإذا كانت هذه الخلال في الشخص الواحد بهذه المشاكلة من التنافر كيف يطلب من الشخصين المتغايرين بالخلقة والاخلاق الاتفاق والائتلاف فإذا ثبتت هذه القاعدة افادت شيئين اقامة الاعذار وحسن التأويل الحافظ للمودات والدخول على بصيرة بأن ما يندر من الاخلاق المحمودة اذا غلب على اخلاق الشخص مع الشخص فهما الصديقان فأما طلب الدوام والسلامة من الاخلال في ذلك والانخرام فهو الذي اوجب القول لمن قال ان الصديق اسم لمن لم يخرج الى الوجود وان تتبع ذلك في الاسماء كلها وجب افلاس المسميات
فأما تسمية الانسان نفسه عبدا مع ارتكاب المخالفة فهي بعيدة عن الحقيقة انما انت عبد من طريق شواهد الصنعة التي تنطق بوحدته فيها بغير شريك له في اخراجه الى الوجود فأما من طريق الاجابة على عادة العبد للمعبود فلا فمن لا يصفو له اسم عبد لرب ابداه وانشأه ولا يصفو لنفسه في اسم ناصح لها بطاعة عقله وعصيان هواه يراد منه ان يصفو فيه اسم صديق
فاقنع من الصداقة بما قنع الله سبحانه منك في العبودية مع انك ما صفوت
____________________
(3/551)
في الاسم فأنت الى ان تكون عبد هواك وشيطانك اقرب لان ما وافقها فيه اكثر الى ان قال ولا هو اقتصر في ذلك على الادمي بل كل موجود صدر عن الفاعل جلت عظمته لم يصف من شوب حتى الاغذية والادوية ذات المضار والمنافع الى ان قال واذا كان الامر كله كذا فطلب ما وراء الطباع طلب ما لا يستطاع وذلك نوع من العنت والتنطع ومن طلب العزيز الممتنع عذب نفسه وجهل عقله وضلل رايه وقبيح بالعاقل ان يعتمد اضرار نفسه واتعابها فيما لا يجدي نفعا وكفاه بتعجيل التعب ضررا ومع كون النفس تطلب الكمال في الصداقة وفي العيش وغير ذلك مما قد ظهر الى الوجود ناقصا فلا بد ان يكون في طي القدرة والعلم الالهي ذلك ويستخرجه الى الوجود وقت الاعادة وارادة الحياة الدائمة ومنحه النعيم الباقي
ثم ذكر صفة الجنة والنار الى ان قال فقطع الكلام في هذا المقام ان يقال ان وجدت من نفسك خلال الصداقة وشروطها مع النقد والاختبار من الهوى لم تجد لنفسك ثانيا فقل ما شئت من اللوم والعذل والتوبيخ ونح على ابناء الزمان بالوحدة في هذا المقام فأما اذا لم تجد ذاك في نفسك لعجز البنية عنه فاقطع القول في ذلك فلا مؤاخذة على ما لا يدخل تحت القدرة
وقال ايضا صداقة العقلاء قرابة الابد ومحبة الدخلاء فرح ساعة
وقال ابن الجوزي في اثناء كلام له العاقل من لم يثق بأحد ولم يسكن الى مخلوق ومع هذا فالمباينة للكل لا تصلح اذ لا بد منهم وانما تبتغي المداراة لا المودة والمسايرة بالاحوال لا المجاهرة وكتمان الامور من الخلق كلهم مهما امكن الاقارب والاباعد والنظر للنفس في مصالحها الى ان قال عن الفقير لا ينفق الا على الخالق سبحانه فأقبل عليه ترى اعجب العجب واياك ان تثق بغيره او تميل الى سواه فتلقى العطب وهو وعزته الذي يجده المضطر في الشدائد والمحزون عند الهموم والمكروب عند الغموم احذر من مخالفته فإن عقوبتها داء دفين لا يؤمن تحركه
وقال ايضا متى رايت الشخص معتدل الخلقة حسن الصورة فهو الى
____________________
(3/552)
الصلاح اقرب ومتى رايت ذا عيب فاحذره مثل الكوسج والاعور والاعمى فقل ان ترى بأحد آفة في بدنه الا وفي باطنه مثلها واذا رايت عيبا في شخص فلا تلحن عليه بالتأديب فالطبع عليه اغلب وداره فحسب
واعلم ان التأديب مثله كمثل البذر والمؤدب كالارض ومتى كانت الارض رديئة ضاع البذر فيها ومتى كانت صالحة نشأ ونما فتأمل بفراستك من تخاطبه وتؤدبه وتعاشره ومل اليه بقدر صلاح ما ترى من بدنه وآدابه وكذلك فانظر الى الصناع ولا تنظر الى حائك او معلم او صاحب صناعة خسيسة فإنك وان رايت منه خلة جميلة فالكدر اثبت والتجربة قبل الثقة والحذر بعد المعاملة وقل من يصفو فإن صفا فقل ان يثبت خذ من الناس جانبا وقال ايضا ينبغي لمن صحب سلطانا او محتشما ان يكون ظاهره معه وباطنه سواء فإنه قد يدس اليه من يختبره فربما افتضح في الابتلاء واكثر الكلام في هذا المعنى
وقال ايضا كان لي اصدقاء واخوان فرايت منهم الجفا فاخذت اعتب فقلت وما ينفع العتاب فإنهم ان صلحوا فللعتاب لا للصفاء فهممت بمقاطعتهم فقلت لا تصلح مقاطعتهم ينبغي ان تنقلهم الى ديوان الصداقة الظاهرة فإن لم يصلحوا لها فإلى جملة المعارف ومن الغلط ان تعاتبهم
قال يحيى بن معاذ بئس الاخ اخ تحتاج ان تقول له اذكرني في دعائك وجمهور الناس اليوم معارف ويندر منهم صديق في الظاهر واما الاخوة والمصافاة فذلك شيء نسخ فلا تطمع فيه وما ارى الانسان يصفو له اخوه من النسب ولا ولده ولا زوجته فدع الطمع في الصفاء وخذ عن الكل جانبا وعاملهم معاملة الغرباء واياك ان تخدع بمن يظهر لك الود فإنه مع الزمان يبين لك الخلل فيما اظهره
وقد قال الفضيل اذا اردت ان تصادق صديقا فأغضبه فإن رايته كما ينبغي فصادقه وهذا اليوم مخاطرة لانك اذا اغضبت احدا صار عدوا في الحال والسبب في نسخ حكم الصفاء ان السلف كانت همتهم الاخرة وحدها فصفت
____________________
(3/553)
نياتهم في الاخوة والمخالطة فكانت دينا لا دنيا والان فقد استولى حب الدنيا على القلوب فإن رايت متعلقا في باب الدين فاخبر تقله
وقال ايضا رايت نفسي تأنس بخلطاء تسميهم اصدقاء فبحثت التجارب عنهم فإذا اكثرهم حساد على النعم واعداء لا يسترون زلة ولا يعرفون لجليس حقا ولا يواسون من مالهم صديقا فتأملت الامر فإذا الحق سبحانه يغار على قلب المؤمن ان يجعل به شيئا يأنس به فهو يكدر الدنيا واهلها ليكون انسه به فينبغي ان تعد الخلق كلهم معارف ولا تظهر سرك لملخلوق منهم ولا تعدن فيهم من لا يصلح لشدة بل عاملهم بالظاهر ولا تخالطهم الا حالة الضرورة وبالتوقي لحظة ثم انفراد عنهم واقبل على شأنك متوكلا على خالقك فإنه لا يجلب الخير سواه ولا يصرف السوء الا اياه في كلام كثير
وقال من الغلط العظيم ان يتكلم في حاكم معزول بما لا يصلح فإنه لا يؤمن ان يلي فينتقم وفي الجملة لا ينبغي ان يظهر العداوة لاحد اصلا وينبغي ان يحسن الى كل احد خصوصا من يجوز ان تكون له ولاية وان يخدم المعزول فربما نفع في ولايته الى ان قال فالعاقل من تأمل العواقب وراعاها وصور كل ما يجوز ان يقع فعمل بمقتضى الحزم وابلغ من هذا تصور وجود الموت عاجلا لانه يجوز ان يأتي بغتة من غير مرض فالحازم من استعد له وعمل عملا لا يندم اذا جاء انتهى كلامه
وقال ايضا من جرت بينك وبينه مخاشنة فإياك ان تطمع في مصافاته وان تأمنه فأنه لا يزال يرى ما فعلت والحقد كامن وقال اما العوام فالعبد عنهم متعين لانهم ليسوا من الجنس فإذا اضطررت الى مجالستهم فلحظة يسيرة بالهيبة والحذر فربما قلت كلمة لا تعجبهم فشنعوها ولا تلق الجاهل بالعلم
____________________
(3/554)
ولا اللاهي بالفقه ولا الغبي بالبيان بل مل الى مسالمتهم بلطف مع هيبة
واما الاعداء فلا ينبغي ان تحتقرهم فإن لهم حيلا باطنة والواجب مداراتهم ومصالحتهم في الظاهر ومن جنسهم الحساد فلا ينبغي ان يطلعوا على النعم فإن العين حق ومداراتهم لازمة قال ابو بكر الارجاني
( ولما بلوت الناس اطلب منهم % اخا ثقة عند اعتراض الشدائد )
( تطمعت في حالي رخاء وشدة % وناديت في الاحياء هل من مساعد )
( فلم ار فيما ساءني غير شامت % ولم ار فيما سرني غير حاسد )
وقال آخر
( من كان يأمل ان يسود عشيرة % فعليه بالتقوى ولين الجانب )
( ويغض طرفا عن مساوي من اسا % منهم ويحلم عند جهل الصاحب )
وقال ابن عقيل في الفنون ان حدثتك نفسك بوفاء اصحاب الزمان فقد كذبتك الحديث ما صدقتك الخبر هذا سيد البشر مات وحقوقه على الخلق اجمعين لحكم البلاغ والشفاعة في الاخرى وقد قال تعالى ( ^ قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى ) الشورى 23
وقد شبع به الجائع وعز به الذليل فقطعوا رحمه وظل اولاده بين اسير وقتيل واصحابه قتلى عمر في المسجد وعثمان في داره هذا مع اسداء الفضائل واقامة العدل والزهد اطلب لخلفك ما كان لسلفك
وقال لا ينبغي لعاقل ان يعرف بعادة فيدهى منها مثل ان يصعب عليه امر فيقصد به ويؤذى او يعرف انه يحب امرا فيؤاخذ به حكي ان رجلا كان معروفا بأخذ الفأل فاشترك جماعة على حيلة يأخذون بها مالا فقصده واحد منهم على دفعة بضاعة او قرضا وجلس الشركاء في الحيلة على بعد فنادى احدهم صاحبه استخر الله فهذه جهة مباركة وقال الآخر نعم ما هو الا صواب فلما سمع ذلك قويت عزيمته على دفعه
____________________
(3/555)
وكان آخر يأكل ما يجده من الفتات فجعل له في فتاته سم فأكله فمات فاحذر من اغتفال الاعداء
وقال ايضا ان ابناء الزمان لا بقاء لهم على حال بينما ترى احدهم على المحبة والشغف حتى ترى احدهم على ضد ذلك من الملل والضجر فالعاتب لهم ظالم كما ان الواثق بهم خائب لانهم اذا حقق النظر في احوالهم تراهم في اسر المقادير وسلطات الاقضية والتصريف ثم الدهر موصوف بالاستحالة فكيف ابناؤه فإذا اوقع الله سبحانه الوحشة بينك وبين الخلق فإنما يصرفك اليه ويندبك الى التعلق به فاحمد اساءتهم اليك فإنهم لو احسنوا معك الصنيع لقطعوك عنه لانك ابن لقمة وابن كلمة طيبة ادنى شيء يقتطعك اليهم
وقال ايضا لا تطلب من متجدد الرياسة اخلاقه معك حال العطلة فيرفضك ويؤذيك فتكون كالمعلم يتخلق مع من كان يعلمه بعد كبره كتخلقه معه حال كونه في المكتب وذاك بمثابة من يطلب من السكران اخلاق الصاحي فإن للرياسة سكرا ولولا ذاك ما قال الله عز وجل ( ^ فقولا له قولا لينا ) طه 44 وبينه في قوله تعالى ( ^ هل لك الى ان تزكى ) النازعات 18 فأخرجه مخرج السؤال لا الامر لموضع تجبره وكذلك من كان له او لسلفه ولاية ومنصب ودولة وقد افضى به الدهر الى العطلة لا يقتضي او لا ينبغي معاملته بماضي الرياسة وقال في قصيدة كبيرة
( اخوك الذي ان تدعه لعظيمة % يجبك وان تغضب الى السيف يغضب )
وقال في الفنون ايضا من كمال الادب تلمح النفس وازالة كل ما يكره
____________________
(3/556)
منها ويؤذي عند المخالطة وان امكن ذاك والا فإراحة الناس بالانفراد والاعتزال فالثقيل المخالط سقم في الابدان ومؤنة على القلوب وتضييق للانفاس وحصر للحواس والالم يعري الارواح فضلا عن الاشباح والقدر نغصه المجالس والمستعلم عما يستره الناس مكشف لاستار التجمل والارعن مرتعد الطباع المغلوبة بالحكمة والاحمق مفسد للقوانين ومحوج الى سوء اخلاق المعلمين ومزر على اهل الدنيا والدين والمهازل مسقط لوقار المجالس مذهب لحشمة المنازل وما حط شرفا مثل هزل وقطع الروائح الكريهة والبعد عن مجالس الانس فكم من انيس فكم من انيس جلساء اوحشه مداخلة ثقيل نفسه على الناس وتقليل الكلام من حسن الاصغاء والانصات والبعد عن العاملين ذوي النشاط اذا اعتراك التثاؤب والنعاس فذلك يكسل العمال ويفتر الصناع وانتقاء الالفاظ قبل اخراجها الى الاسماع فكم من نم اراق دماء ومن حرف جر حنقا واياك والكلام فيما ليس من مجالك فذاك يحط من قدرك ويكشف عن محلك وانت مع سكوتك مخبوء تحت لسانك تترامى ظنون الناس فيك بين من يعتقدك بذلك عالما فإذا ظهر مقدارك من لفظك تعجل سقوط قدرك
لا تواكلن جائعا الا بالايثار ولا تواكلن غنيا الا بالادب ولا تواكلن ضيفا الا بالنهمة والانبساط ولا تلقين احدا بما يكره وان كنت ناصحا فإن ذلك ينفره عن القبول لنصحك ولا تدعه من الاسماء الا بأحبها اليه وتغافل عن هفوات الناس فذلك داعية لدوام العشرة وسلامة الود وخفف مؤنتك بترك الشكوى واذا كرهت من غيرك خلقا فلا تأته واذا حمدته فتخلق به ولا تستصغر كبير الذنب فتعرى ولا تستكبر صغيرها فتيأس واعط كل ذنب حقه من عقوبته ان قدرت ومن اللائمة والهجران ان عن العقوبة عجزت ولا
____________________
(3/557)
تقتض الناس بجزاء احسانك اقتضاء البائع بثمن سلعته ولا تمنن عليهم فالمن استيفاء لمعروفك او تكدير لبرك فإن قدرت على هذه الخلائق في معاشرتك والا فالعزلة خير لك وخير للناس فإنك بستر نفسك تستريح من احتقاب الآثام بإسقاط جرم الانام والسلام
وروى ابن عقيل في الفنون بإسناده عن هشام بن سليمان المخزومي عن ابيه قال اذن معاوية للناس اذنا عاما فلما احتفل المجلس قال انشدوني ثلاثة ابيات لرجل من العرب كل بيت منها مستقل بمعناه فسكتوا فلما سكتوا علم انهم قد اعيوا اذ طلع عبد الله بن الزبير فقيل هذا مقول العرب وعلامتها فقال ابا خبيب فقال مهيم قال انشدني ثلاثة ابيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه قال بثلاث الف قال وتساوي قال فأنت بالخيار وانت واف كاف فأنشده للافوه الاودي
( بلوت الناس قرنا بعد قرن % فلم ار غير ختال وقال )
قال صدقت هيه فقال
( وذقت مرارة الاشياء جمعا % فما طعم امر من السؤال )
قال صدق قل البيت الثالث فقال
( ولم ار في الخطوب اشد وقعا % واصعب من ملاحاة الرجال ) فصل في وصايا نافعة وحكم رائعة من الاخبار والآثار والاشعار
عن ابي هريرة مرفوعا لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب (1)
وعن سعد ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا + اخرجه ابن ماجه وهو ضعيف +
رواهما ابن ماجه
____________________
1- اخرجه ابن ماجه والترمذي وهو حديث قوي
(3/558)
وروى الترمذي خبر ابي هريرة
وقالت عائشة ما رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى ارى منه لهواته انما كان يبتسم (1)
وعنها ايضا مرفوعا لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا متفق عليهما + اخرجه البخاري وابن حبان +
نظم الشيخ شمس الدين بن عبد القوي من اصحابنا المتأخرين رحمه الله بعض ما تقدم ذكره نثرا وذكر ايضا اشياء حسنة ينبغي الاعتناء بها فقال
( فكابد الى ان تبلغ النفس عذرها % وكن في اقتباس العلم طلاع انجد )
( ولا يذهبن العمر منك سبهللا % ولا تغبنن في النعمتين بل اجهد )
قال عمر رضي الله عنه اني اكره الرجل ان اراه يمشي سبهللا أي لا في امر الدنيا ولا في امر آخرة
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ + اخرجه البخاري وابن ماجه +
ورايت الامام احمد رحمه الله ورى في الزهد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال اني لابغض الرجل فارغا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخره قال ابن عبد القوي رحمه الله
( فمن هجر اللذات نال من المنى % ومن ادمن اللذات عض على اليد )
( وفي قمع اهواء النفوس اعتزازها % وفي نيلها ما تشتهي ذل سرمد )
( فلا تشتغل الا بما يكسب العلا % ولا ترض النفس النفيسة بالردي )
( وفي خلوة الانسان بالعلم انسه % ويسلم دين المرء عند التوحد )
____________________
1- اخرجه البخاري ومسلم
(3/559)
( ويسلم من قيل وقال ومن اذى % جليس ومن واش بغيض وحسد )
( فكن حلس بيت فهو ستر لعورة % وحرز الفتى عن كل غاو ومفسد )
( وخير جليس المرء كتب تفيده % علوما وآدابا وعقلا مؤيد )
( وخالط اذا خالطت كل موفق % من العلما اهل الفتى والتسدد )
( يفيدك من علم وينهاك عن هوى % فصاحبه تهدي من هداه وترشد )
( واياك والهماز ان قمت والبذي % فإن المرء بالمرء يقتدى )
( ولا تصحب الحمقى فذو الجهل ان يرم % صلاحا لشيء يا اخا الحزم يفسد )
( وخير مقام قمت فيه وخصلة % تحليتها ذكر الاله بمسجد )
( وكيف عن العورا لسانك وليكن % دواما بذكر الله يا صاحبي ندي )
( وحصن عن الفحشا الجوارح كلها % تكن لك في يوم الجزا خير شهد )
( وواظب على درس القران فإنه % يلين قلبا قاسيا مثل جلمد )
( وحافظ على فعل الفروض لوقتها % وخذ بنصيب في الدجى من تهجد )
( وناد اذا ما قمت في الليل سامعا % قريبا مجيبا بالفواضل يبتدي )
( ومد اليه كف فقرك ضارعا % بقلب منيب وادع تعط وتسعد )
( ولا تسأمن العلم واسهر لنيله % بلا ضجر تحمد سرى السير في غد )
( وكن صابرا للفقر وادرع الرضا % بما قدر الرحمن واشكره واحمد )
( فما العز الا في القناعة والرضا % بأدنى كفاف حاصل والتزهد )
( فمن لم يقنعه الكفاف فما الى % رضاه سبيل فاقتنع وتقصد )
روي هذا من كلام اردريس النبي عليه السلام
( فمن يتغنى الله والغنى % غنى النفس لا عن كثرة المتعدد )
( ولا تطلبن العلم للمال والريا % فإن ملاك الامر في حسن مقصد )
____________________
(3/560)
( وكن عاملا بالعلم فيما استطعته % ليهدي بك المرء الذي كان يقتدى )
( حريصا على نفع الورى وهداهم % تنل كل خير في نعيم مؤبد )
( واياك والاعجاب والكبر تحظ بالسعادة % في الدارين فارشد وارشد )
( وها قد بذلت النصح جهدي وانني % مقر بتقصيري وبالله اهتدي )
انتهى كلامه وقد نظم قبله الشيخ جمال الدين يحيى بن يوسف الصرصري الحنبلي رحمه الله كثيرا في معنى ما تقدم وغيره فمن ذلك قوله في امارات الساعة
( نح وابك فالمعروف اقفر رسمه % والمنكر استعلى واثر وسمه )
( لم يبق الا بدعة فتانة % بهوى مضل مستطير سمه )
( وطعام سوء من مكاسب مرة % تعمي الفؤاد بدائه وتصمه )
( ففشا الرياء وغيبة ونميمة % وقساوة منه واثمر اثمة )
( لم يبق زرع او مبيع او شرى % الا ازيل عن الشريعة حكمه )
( فلكيف يفلح عابد وعظامه % نشأت على السحت الحرام ولحمه )
( هذا الذي وعد النبي المصطفى % بظهوره وعدا توثق حتمه )
( هذا العمر الهك الزمن الذي % تبدو جهالته ويرفع علمه )
( هذا الزمان الآخر الكدر الذي % تزداد شرته وينقص حلمه )
( وهت الامانة فيه وانفصمت عرى التقوى % به والبر ادبر نجمه )
( كثر الربا وفشا الزنى ونما الخنى % ورمى الهوى فيه فأقصد سهمه )
( ذهب النصيح لربه ونبيه % وامامه نصحا تحقق عزمه )
( لم يبق الا عالم هو مرتش % او حاكم يغشى الرعية ظلمه )
( والصالحون على الذهاب تتابعوا % فكأنهم عقد تناثر نظمه )
( لم يبق الا راغب هو مظهر % للزهد والدنيا الدنية همه )
( لولا بقايا سنة ورجالها % لم يبق نهج واضح نأتمه )
____________________
(3/561)
( يا مقبلا في جمع دنيا ادبرت % كبناء استولى عليه هدمه )
( هذي امارات القيامة قد بدت % لمبصر سبر العواقب فهمه )
( ظهرت طغاة الترك واجتاحوا الورى % وابادهم هرج شديد حطمه )
( والشمس آن طلوعها من غربها % وخروج دجال فظيع غشمه )
( وانى ليأجوج الخروج عقيبة % من خلف سد سوف يفتح ردمه )
( فاعمل ليوم لا مرد لوقعه % يقصي الوليد به ابوه وامه )
وقال ايضا رحمه الله تعالى
( انا العبد الذي كسب الذنوبا % وصدته الاماني ان يتوبا )
( انا العبد الذي اضحى حزينا % على زلاته قلقا كئيبا )
( انا العبد الذي سطرت عليه % صحائف لم يخف فيها الرقيبا )
( انا العبد المسيء عصيت سرا % فمالي الآن لا ابدي النحيبا )
( انا العبد المفرط ضاع عمري % فلم ارع الشبيبة والمشيبا )
( انا العبد الغريق بلج بحر % اصيح لربما القى مجيبا )
( انا العبد السقيم من الخطايا % وقد اقبلت التمس الطبيبا )
( انا العبد المخلف عن اناس % حووا من كل معروف نصيبا )
( انا العبد الشريد ظلمت نفسي % وقد وافيت بابكم منيبا )
( انا العبد الفقير مددت كفي % اليكم فادفعوا عني الخطوبا )
( انا الغدار كم عاهدت عهدا % وكنت على الوفاء به كذوبا )
( انا المهجور هل لي من شفيع % يكلم في الوصال لي الحبيبا )
( انا المقطوع فارحمني وصلني % ويسر منك لي فرجا قريبا )
( انا المضطر ارجو منك عفوا % ومن يرجو رضاك فلن يخيبا )
( فيا اسفي على عمر تقضي % ولم اكسب به الا الذنوبا )
( واحذر ان يعاجلني ممات % يحير هول مصرعه اللبيبا )
____________________
(3/562)
( ويا حزناه من نشري وحشري % ليوم يجعل الولدان شيبا )
( تفطرت السماء به ومارت % واصبحت الجبال به كثيبا )
( اذا ما قمت حيرانا ظميئا % حسير الطرف عريانا سليبا )
( ويا خجلاه من قبح اكتسابي % اذا ما ابدت الصحف العيوبا )
( وذلة موقف وحساب عدل % اكون به على نفسي حسيبا )
( ويا حذراه من نار تلظي % اذا زفرت فأقلقت القلوبا )
( تكاد اذا بدت تنشق غيظا % على من كان معتديا مريبا )
( فيا من مد في كسب الخطايا % خطاه اما بدا لك ان تتوبا )
( الا فاقلع وتب واجهد فإنا % راينا كل مجتهد مصيبا )
( واقبل صادقا في العزم واقصد % جنابا ناضرا عطرا رحيبا )
( وكن للصالحين اخا وخلا % وكن في هذه الدنيا غريبا )
( وكن عن كل فاحشة جبانا % وكن في الخير مقداما نجيبا )
( ولاحظ زينة الدنيا ببغض % تكن عبدا الى المولى حبيبا )
( فمن يخبر زخارفها يجدها % مخادعة لطالبها خلوبا )
( وغض عن المحارم منك طرفا % طموحا يفتن الرجل الاريبا )
( فخائنة العيون كأسد غاب % اذا ما اهملت وثبت وثوبا )
( ومن يغضض فضول الطرف عنها % يجد في قلبه روحا وطيبا )
( ولا تطلق لسانك في كلام % يجر عليك احقادا وحوبا )
( ولا يبرح لسانك كل وقت % بذكر الله ريانا رطيبا )
( وصل اذا الدجى ارخى سدولا % ولا تك للظلام به هيوبا )
( تجد انسا اذا اودعت قبرا % فقدت به المعاشر والنسيبا )
( وصم مهما استطعت تجده ريا % اذا ما قمت ظمآنآ سغيبا )
( وكن متصدقا سرا وجهرا % ولا تبخل وكن سمحا وهوبا )
( تجد ما قدمته يداك ظلا % عليك اذا اشتكى الناس الكروبا )
( وكن حسن السجايا ذا حياء % طليق الوجه لا شكسا غضوبا
____________________
(3/563)
قال الجوهري رجل شكس بالتسكين أي صعب الخلق وقوم شكس مثال رجل صدق وقد شكس بالكسر شكاسه وحكى الفراء رجل شكس وهو القياس
قال الصرصري ايضا
( وصولا للخليل اذا تجافى % عساه بحسن عطفك ان يؤوبا )
( حفيظا للوداد بظهر غيب % فإن الحر من حفظ المغيبا )
( ولا تمزح وكن رجلا وقورا % كثير الصمت متقيا اديبا )
( ولا تحسد ولا تحقد وطهر % لسانك ان ينم وان يغيبا )
( فإنك ان نهضت لفعل هذا % حللت من التقى ربعا خصيبا )
وله ايضا رحمه الله تعالى
( دع الدنيا لطالبها % لتسلم من معاطيها
( ولا يغررك عاجلها % وفكر في عواقبها )
( فإن سهام آفتها % مشوب في اطايبها )
( وان بريق درهمها % لافتك من عقاربها )
( وكن متدرع التقوى % تحصن من قواضبها )
( فإن سهام فتنتها % لترشق من جوانبها )
( تبيحك في محاسنها % لتذهل عن معايبها )
( فتبدي لينها خدعا % لتنشب في مخالبها )
( فكن من اسدها ليثا % ولا تك من ثعالبها )
( فإنك ان سلمت بها % فإنك من عجائبها )
( وجانبها فإن البر % يدنو من مجانبها )
( وكن منها على حذر % فإنك من مطالبها )
( فكم من صاحب صحبت % فلم تنصح لصاحبها )
____________________
(3/564)
( وصادقها لينهبها % فأصبح من مناهبها )
( فلا تطمع من الدنيا % بصاف من شوائبها )
( فإن مجامع الأكدار % صبت في مشاربها )
( وكن وجلا منيب القلب % تسلم من نوائبها )
( وسل رب العباد العون % منه على مصائبها )
وله أيضا رحمه الله ورضي عنه
( يا ققسوة القلب ما لي حيلة فيك % ملكت قلبي فأضحى شر مملوك )
( حجبت عنه إفادات الخشوع فلا % يشفيك ذكر ولا وعظ يداويك )
( وما تماديك من كسب الذنوب ولكن % الذنوب أراها من تماديك )
( لكن تماديك من اصل نشأت به % طعام سوء على ضعف يقويك )
( وانت يا نفس مأوى كل معضلة % وكل داء بقلبي من عواديك )
( أنت الطليعة للشيطان في جسدي % فليس يدخل إلا من نواحيك )
( لما فسحت بتوفير الحظوظ له % أضحى مع الدم يجري في مجاريك )
( واليتة بقبول الزور منك فلن % يوالي الله إلا من يعاديك )
( ما زلت في اسره تهوين موثقة % حتى تلفت فأعياني تلافيك )
( يا نفس توبي إلى الرحمن مخلصة % ثم استقيمي على عزم ينجيك )
( واستدركي فارط الاوقات واجتهدي % عساك بالصدق أن تمحي مساويك )
( واستعي إلي البر والتقوى مسارعة % فربما شكرت يوما مساعيك )
( ولن تتم لك الاعمال صالحة % إلا بتركك شيئا شر متروك )
( حب التكاثر في الدنيا وزينتها % فهي التي عن طلاب الخير تلهيك )
( لا تكثري الحرص في تطلابها فلكم % دم لها بسيوف الحرص مسفوك )
( بل اقنعي بكفاف الرزق راضية % فكلما جاز ما يكفيك يطغيك )
( ثم اذكري غصص الموت الفظيع تهن % عليك اكدار دنيا لا تصافيك )
____________________
(3/565)
( وظلمة القبر لا تخشي ووحشته % عند انفرادك عن خل يواليك )
( والصالحات ليوم الفاقة ادخري % في موقف ليس فيه من يواسيك )
( وأحسني الظن بالرحمن مسلمة % فحسن ظنك بالرحمن يكفيك )
وله ايضا في مجانسات
( إن كان ذل محب جالبا فرحا % فها محبكم الخدين قد فرشا )
( او كان ينفعه بذل الرشا لسخا % بنفسه في هواكم باذلا فرشا )
( يا من يزين ثياب الوشي حسنهم % ما لم تزنه يد الوشاء حين وشى )
( ومن تقدم صدقي في محبتهم % لا تسمعوا قول واش بالمحال وشى )
وله أيضا يثني على الله ويذكر حاله
( يا من له الفضل محضا في بريته % وهو المؤمل في البأساء والباس )
( عودتني عادة أنت الكفيل بها % فلا تكلني إلى خلق من الناس )
( ولا تذل لهم من بعد عزته % وجهي المصون ولا تخفض لهم راسي )
( وابعث على يد من ترضاه من بشر % رزقي وصني عمن قلبه قاسي )
( فإن حبل رجائي فيك متصل % بحسن صنعك مقطوع عن الناس )
وله ايضا وهي من الحكم
( إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى % تعلق بالرب الكريم رجاؤه )
( فأصبح حرا عزة وقناعة % على وجهه انواره وضياؤه )
( وإن علقت بالخلق أطماع نفسه % تباعد ما يرجو وطال عناؤه )
( فلا ترج إلا الله للخطب وحده % ولو صح في خل الصفاء صفاؤه )
وله ايضا رحمه الله تعالى
( لا تلق حادثة بوجه عابس % واثبت وكن في الصبر خير منافس )
____________________
(3/566)
( فلطالما قطف اللبيب بصبره % ثمر المنى وانجاب ضر البائس )
( وعليك بالتقوى وكن متدرعا % بلباسها فلنعم درع اللابس )
( وتتبع السنن المنيرة واطرح % متجنبا إفك الغوي اليائس )
( واغرس أصول البر تجن ثمارها % فالبر أزكى منبتا للغارس )
( واطلب نفيس العلم تستأنس به % فالعلم للطلاب خير مؤانس )
( لا تكثرن الخوض في الدنيا وكن % في العلم احرص مستفيد قابس )
( فالمال يحرسه الفتى حيث التوى % والعلم للانسان أحفظ حارس )
( وإذا شهدت مع الجماعة مجلسا % يوما فكن للقوم خير مجالس )
( ألن الكلام لهم وصن أسرارهم % وذر المزاح ولا تكن بالعابس )
قال الجوهري والمزح الدعابة وقد مزح يمزح والاسم المزاح بالضم والمزاحة ايضا وأما المزاح فهو مصدر مازحه وهما يتمازحان
وللصرصري رحمه الله تعالى ايضا مجانسات
( اصحب من الناس من صدورهم % طاهرة لا تكون أوغارا )
( أنوارهم في الظلام مشرقة % إن لاح نجم السماء أو غارا )
( أكفهم بالنوال مطلقة % إن غاض ماء العيون أو غارا )
( عرضهم طيب الثناء فلا % مسك يضاهي به ولا غارا )
( فاهرب من الناس ما استطعت ولو % سكنت من خوف شرهم غارا )
( ولا تطل ذكر غادر ملق % إن جد في البعد عنك أو غارا )
( والخل صن عرضه فنعم فتى % حر على عرض خله غارا )
( وصله في فقره كذا رحم % فأكرم الواصلين من غارا )
وله ايضا رحمه الله تعالى
( إذا الفتى لم يكن بالفقه مشتغلا % ولا الحديث ولا يتلو الكتاب لغا )
____________________
(3/567)
( وكل من أهمل التقوى فليس له % من حرمة بالغا في العلم ما بلغا )
( وليس يجني من العلم الثمار سوى % من أصله في بساتين التقى نبغا )
( وكل خل صفا يوم وليت له % يبغي الصفاء ولم يعط الليان بغا )
وله ايضا في آداب القراءة وأهلها رحمه الله تعالى
( تدبر كتاب الله ينفعك وعظه % فإن كتاب الله أبلغ واعظ )
( وبالعين ثم القلب لاحظه واعتبر % معانيه فهو الهدى للملاحظ )
( وانت إذا أتقنت حفظ حروفه % فكن لحدود الله أقوم حافظ )
( ولا ينفع التجويد لافظ حكمه % وإن كان بالقران افصح لافظ )
( ويعرف أهلوه بإحياء ليلهم % وصوم هجير لاعج الحر قائظ )
( وغضهم الابصار عن كل مأثم % يجر بتكير العيون اللواحظ )
( وكظمهم للغيظ عند استعاره % إذا عز بين الناس كظم المغايظ )
( وأخلاقهم محمودة إن خبرتها % فليست بأخلاق فظاظ غلائظ )
( تحلوا بآداب الكتاب وأحسنوا التفكر % في أمثاله والمواعظ )
( ففاضت على الصبر الجميل نفوسهم % سلام على تلك النفوس الفوائظ )
قال ابن عبد البر في باب منثور الحكم والامثال منتقى من نتائج عقول الرجال رأس الدين صحة اليقين محض أخاك النصيحة وإن كانت عنده قبيحة الاحمق لا يبالي بما قال والعاقل يتعاهد المقال من غلب عليه العجب ترك المشورة فهلك جانب مودة الحسود وإن زعم أنه ودود إذا جهل عليك الاحمق فالبس له لباس الرفق من طلب الى لئيم حاجة فهو كمن طلب صيد السمك في المفازة إذا صادقت الوزير فلا تخف الامير لا تثق بالأمير إذا خانك الوزير من كان السلطان يطلبه ضاق عليه بلده صديقي درهمي إذا سرحته فرج همي وقضى حاجتي من جالس عدوه فليحترس من منطقه من قل خيره على أهله فلا ترج خيره عناء في غير منفعة خسارة
____________________
(3/568)
حاضرة من ألح في المسألة على غير الله استحق الحرمان صحبة الفاسق شين وصحبة الفاضل زين الكريم يواسي إخوانه في دولته من مشى في ميدان أمله عثر في عنان أجله من أحبك نهاك ومن أبغضك أغراك من استهوته الخمر والنساء اسرع إليه البلاء من نسى إخوانه في الولاية أسلموه في العزل والشدة من لم يقنع برزقه عذب نفسه من اجترأ على السلطان تعرض للهوان إذا لم يواتك البازي في صيده فانتف ريشه من مدحك بما لا يعلم منك سرا ذمك بما لا يعلم منك جهرا أسلم لسانك يسلم جنانك إن قدرت أن لا تسمع أذنيك شرك فافعل لقاء الاحبة مسلاة للهموم قليل مهني خير من كثير مكدر كلب ساخر خير من صديق غادر روضة العلم ازين من روضة الرياحين الحسود مغتاظ على من لا ذنب له عنده المرأة العفيفة المواتية جنة الدنيا
( ومن كلام اكثم بن صيفي من مأمنه يؤتى الحذر من جهل شيئا عاداه ومن أحب شيئا استعبده ويل عالم من امرئ جاهل إن قدرت أن تري عدوك أنك صديقه فافعل سوقي نفيس خير من قرشي خسيس العقل كالزجاج إن تصدع لم يرقع إذا جاء القدر عمي البصر الثقيل عذاب وبيل لا يضر السحاب نباح الكلاب من تردى بثوب السخا غاب عن الناس عيبه واختفى
قال ابن عبد البر قيل لارسطاطاليس ما الفلسفة قال فقر وصبر وعفاف وكفاف وهمة وفكرة
قيل لبقراط بم فضلت اهل زمانك قال لان غرضي في الاكل الاحياء وغرضهم في الحياة ليأكلوا
قيل لجالينوس بم فقت اصحابك في علم الطب قال لاني انفقت في زيت السراج لدرس الكتب مثل ما انفقوا في شرب الخمر
____________________
(3/569)
قيل لرجل من الحكماء لمن انت أرحم قال لعالم جار عليه حاكم جاهل قيل لبعض الحكماء متى أثرت فيك الحكمة قال مذ بدا لي عيب نفسي
يروى عن المسيح عليه السلام انه قال امر لا تعلم متى يغشاك فينبغي ان تستعد له قبل ان يفجاك
وقال غيره
( نعم الصحاب والجليس كتاب % تلهو به إن خانك الأصحاب )
( لا مفشيا عند القطيعة سره % وتنال منه حكمة وصواب )
وقال آخر
( لنا جلساء ما نمل حديثهم % ألباء مأمونون غيبا ومشهدا )
( يفيدوننا منهم طرائف حكمة % ولا نتقي منهم لسانا ولا يدا )
وقال آخر
( ما تطعمت لذة العيش حتى % صرت في البيت للكتاب جليسا )
( إنما الذل في مخالطة الناس % فدعهم تعش عزيزا رئيسا )
وقيل لعبد الله بن المبارك كيف لا تستوحش في مكانك وحدك فقال كيف يستوحش من يجالس النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين يعني الكتب التي فيها الاخبار والسير والله أعلم ذكره المعافى بن زكريا في مجالسه
وروى الحاكم في تاريخه عن نعيم بن حماد وقال كان كثير الجلوس في داره فقيل له ألا تستوحش فقال كيف استوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وقال ابن طاهر المقدسي الحافظ دخل على ابو محمد عبد الساتر بن علي بن عبد الساتر العدل بتنيس وأنا جالس وحدي أكتب وقد أغلقت باب البيت
____________________
(3/570)
فقال دخلت على الشيخ ابي نصر السجزي الحافظ وهو وحده فقلت يا أيها الشيخ انت جالس وحدك فقال لست وحدي أنا بين عشرين ألفا من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين أتحدث معهم وأحكي عنهم
قال ابن طاهر سمعت الامام سعد بن علي يقول لما توفي الشيخ أبو النصر السجزي الحافظ أوصاني أن أبعث بكتبه إلى مصر إلى ابي إسحاق الحبال أوصى له بها فصل في وصايا ومواعظ وأحاديث كفارة المجلس
وأقبل على من يقبل عليك وارفع منزلة من عظم لديك وانصف حيث يجب الانصاف واستعف حيث يجب الاستعفاف ولا تسرف فإن الله لا يحب الاسراف وإن رأيت نفسك مقبلة على الخير فاشكر وإن رأيتها مدبرة عنه فازجر
عن ابي هريرة مرفوعا بادروا بالاعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال والدجال شر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر (1)
رواه الترمذي وقال حسن غريب
وإن بليت بضر فاصبر وإن جنبت فاستغفر وإن هفوت فاعتذر وإن ذكرت بالله فاذكر وإذا قمت من مجلسك فقل سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك فإنه يغفر لك ما كان في مجلسك
قال ابو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس في مجلس يكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذاك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك واتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذاك رواه الترمذي حدثنا ابو عبيدة بن ابي السفر حدثنا الحجاح بن محمد قال أخبرني
____________________
1- اخرجه الترمذي وانظر صحيح ابن حبان
(3/571)
ابن جريح اخبرني موسى بن عقبة عن سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن ابي هريرة فذكره قال الترمذي في الباب عن ابي برزة وعائشة رضي الله عنهما وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث سهيل إلا من هذا الوجه انتهى كلامه وهذا إسناد صحيح وموسى ثقة محتد به في الصحيحين غير معروف بالتدليس ورواه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم (1)
وقد قال الحاكم ايضا في تاريخه حدثنا ابو نصر احمد بن محمد سمعت أبا حامد احمد بن حمدون القصار يقول سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن اسماعيل البخاري فقبل بين عينيه وقال دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الاستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله حدثك محمد بن سلام حدثنا مخلد بن يزيد الحراني أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس فما علته فقال محمد بن اسماعيل هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا غير هذا الحديث في هذا الباب إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن اسماعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عون بن عبد الله قال محمد وهذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل وأورد هذه الحكاية الخطيب في تاريخه فقال في عقيبها فقال له مسلم لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك انتهى كلامه
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إذا أراد أن يقوم من المجلس وقال ذلك كفارة لما يكون في المجلس رواه النسائي في اليوم والليلة من حديث أبي العالية عن رافع بن خديج متصلا مرفوعا وفيه مصعب بن حبان ولم أجد له
____________________
1- اخرجه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم وله شواهد انظرها في التعليق على ابن حبان
(3/572)
ترجمة ورواه ايضا عن أبي العاليلة مرسلا وعن ابي العالية قوله
وورواه ابو داود والنسائي في اليوم والليلة من حديث حجاج بن دينار عن ابي هاشم هوالرماني الواسطي عن ابي برزة مرفوعا (1)
وروى الحاكم حديث رافع
ورواه الحاكم من حديث عائشة وقال صحيح الاسناد ورواه النسائي عن عائشة قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس مجلسا أو صلى تكلم بكلمات فسألته عائشة عن الكلمات فقال إن تكلم بخير كان طابعا عليهن إلى القيامة وإن تكلم بشر كان كفارة له سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت استغفرك واتوب إليك + عمل اليوم والليلة واخرجه الحاكم في المستدرك والنسائي من طريق آخر بنحوه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وانظر فتح الباري
وعن عمرو بن العاص قال كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن عمله كما يختم بالخاتم على الصحيفة سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك إسناده جيد رواه أبو داود ثم قال حدثنا احمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال قال عمرو حدثني بنحو ذلك عبد الرحمن بن ابي عمرو عن المقبري عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله + سنن ابي داود +
عبد الرحمن روى عنه الداراوردي ولم أجد فيه للائمة كلاما
وقال الامام احمد في المسند حدثنا يونس حدثنا ليث عن يزيد يعني ابن الهاد عن اسماعيل بن عبد الله بن جعفر قال يلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من إنسان يكون في مجلس فيقول حين يريد أن يقوم سبحانك
____________________
1- اخرجه ابو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة والحاكم
(3/573)
اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت استغفرك واتوب إليك قال فحدثت بهذا الحديث يزيد بن خصيفة فقال هكذا حدثني السائب بن يزيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني في المعجم عن ابي الزنباع روح بن الفرج عن يحيى بن بكير عن الليث (1)
هذا إسناد صحيح
قال الاثرم سمعت أبا عبد الله مرارا يقول إذا قام من المجلس سبحانك اللهم وبحمدك حتى أرى شفتيه تتحركان فلا أفهم بقية كلامه كأنه يذهب إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس وروى أبو برزة وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تقول سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك انتهى كلامه
واحتج ابو بكر الآجري في كفارة المجلس بما رواه هو وغيره بأسانيدهم عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كفارة المجلس أن لا يقوم احد حتى يقول سبحانك الللهم وبحمدك لا إله إلا أنت تب علي واغفر لي يقولها ثلاث مرات فإن كان مجلس لغط كانت كفارة له وإن كان مجلس ذكر كان طابعا عليه + اخرجه الطبراني في الكبير والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قال +
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة + أخرجه ابو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة والحاكم بإسناد صحيح +
رواه ابو داود بإسناد صحيح
وعن أبي هريرة ايضا مرفوعا ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم
____________________
1- اخرجه احمد والطبراني
(3/574)
رواه الترمذي وحسنه ورواهما احمد وليس عنده فإن شاء عذبهم (1)
ولابي داود ما قعدا قوم مقعدا لا يذكرون الله فيه الا كان عليهم من الله ترة وتقدم هذا الخبر في آداب النوم
روى عن جماعة من اهل العلم بتأويل القرآن في قول الله عز وجل ( ^ وسبح بحمد ربك حين تقوم ) الطور 48 منهم مجاهد وابو الاحوص ويحيى بن جعدة وعطاء قالوا حين تقوم من مجلس تقول سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك وقالوا غفر الله له ما كان في المجلس وقال عطاء ان كنت احسنت ازددت احسانا وان كانت غير ذلك كان كفارة والله اعلم
آخر ما تيسر من كتاب الآداب الشرعية والله تعالى اعلم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
____________________
1- اخرجه الحميدي في المسند والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة وقال الترمذي حسن صحيح
(3/575)